سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي الشامي

المجلد الأول

[المجلد الأول] تقديم بسم الله الرحمن الرّحيم اللهم إنا نحمدك حمدا يوافي جليل نعمك، ويكافئ مزيد آلائك ونسألك توبة محّاءة وسترا لا ينكشف، ونبرأ إليك من الحول والقوة، ونرغب إليك في أن تجعل كل ما نتصرف فيه منصرفا إلى ما يتصل برضاك، ومصروفا عما يؤدي إلى سخطك. ونصلي ونسلم على النبي الأمي وعلى أبويه الكريمين إبراهيم وإسماعيل أما بعد. فأمر لا ريب فيه أننا مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا وتقريرا كما أشار إلى ذلك الذكر الحكيم في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وذلك أيضا أمر الله الواجب في قوله: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مناط الاتباع، كما أمر بذلك الشارع الحكيم، وجب على فريق من الأمة أن تنفر لجمع وتصنيف وتوصيف حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا فقد ضيعت الأمة بيان الكتاب وأسوتها في تنفيذه، وذلك مما تعوّذ أئمة الأمة بالله من التقصير فيه فضلا عن تركه فقد كانوا- رحمهم الله- أبصر الناس بفقه أوامر الكتاب، وبالتقرب إلى الله بخدمته. لذلك فقد عكفوا على تدوين سيرة النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ونقدا وتمحيصا. ولا في تراث هذه الأمة- الذي يعد ذخيرتها، وسبب حياتها- أجمع ولا أوعى من هذا الكتاب في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك العمل الجليل باد بالرجوع إلى كتب السنة على اتساعها واكتنازها بالذخائر النبوية والجواهر المحمدية، فحقت بذلك كلمة مصنفه- رحمه الله- وناظم درره وسالك جواهره، ومعطف أفنانه ومشبك أغصانه، فخرج الكتاب شجرة يانعة، جمعت أطايب الثمار ويانع الأزهار وكان الكتاب كما قال رحمه الله تعالى وأثابه في خطبة الكتاب «فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب، وتحرّيت فيه الصّواب، ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوّته وشمائله وسيرته وأفعاله وأحواله وتقلّباته، إلى أن نقله الله- تعالى- إلى أعلى جنّاته، وما أعدّه له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم» . ولم أذكر فيه شيئاً من الأحاديث موضوعا، وختمت كلّ باب بأيضاًح ما أشكل فيه، وبعض ما اشتمل عليه من النّفائس المستجادات، مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات، والجمع بين الأحاديث التي يظن بها أنّها من المتناقضات، وإذا ذكرت حديثاً من عند الأئمّة

فإني أجمع بين ألفاظ رواته إذا اتفقوا ... إلى آخر ما أبان به عن منهجه- رحمه الله- ودراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة حضارية وإيمانية. فالناس من لدن خلقهم الله- تبارك وتعالى- فريقان فريق يتعشق الحق ويموت دونه وينافح عنه، وفريق يلج في الباطل، ويتأكل به ويعيش له، ذلك ما قررته قصة ابني آدم (قابيل وهابيل) ورفض قول الحق على وضوحه وجلاله وارتضائه أن يبوء بإثمه وإثم أخيه وذلك يقتضينا كمسلمين دراسة السيرة لفقه حق الله وبيان حال من اتبعه من الدنيا واستمسك به وديدنه تجاه الباطل في سيرة النبيين والمرسلين ذلك الوجه الحق في التاريخ والسير، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقص لأمته سيرة النبيين فقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ (يونس 71) وقال: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (الشعراء 69) وقوله: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص 17) وقوله: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (ص 45) . وبين الذكر الحكيم هدف القصص فقال لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (يوسف 111) فقد أشار القرآن الكريم إلى أن قصص النبيين هدى ورحمة فاستوجب ذلك تفصيل سير الأنبياء، للاهتداء بها وذلك أمر واضح من توزع قصص النبيين على شتى سور الذكر الحكيم، في كل سورة جزء من قصة نبي من المرسلين، حسبما تقتضيه طبيعتها، وحسبما تتوفر عليه من معالجة قضايا تختص به دون غيرها. حتى أوشك القرآن الكريم أن يكون كله قصصا. تلك هي ضرورة دراسته الدراسة التي ينبه إليها الذكر الحكيم. أما ترى ما صنع الله بفرعون، وما علل به سبحانه لصنيعه فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (يونس 92) . ولا أدل من كون دراسة السير ضرورة حضارية من توفر الغرب على درس تاريخ الأمم لبيان المزايا والمساوىء. وتمتاز السيرة النبوية على غيرها من السير بأنها حظيت بالنقد الممحص لكل ما أضيف إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم وإنه لم يكتب عن هوى، ولا عن حقد وسوء قصد إلا ما ندر من كتابات المستشرقين وأعقابهم، وقد نبه صلى الله عليه وسلم لذلك فقال «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله» فكان في ذلك كما وصفه ربه سبحانه وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.

ما يتصل بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم.

والسيرة إذ تتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقوم درسها على صحيح الثقة تباين منهج التاريخ ولما يتوافر لها من أسباب الحيطة والتوثيق لما تهيأ لمصادرهما من النقل الصحيح. ولا شك أن للصحابة دورا رائدا في حقل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم على بصيرة بما ينقلون كما شهد لهم القرآن الكريم في قوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الفتح 29) . وما نبه إليه من احترامهم وتوقيرهم وتجنب سبهم في «لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» وذلك مما يوقع مفارقة هائلة بين السيرة والتاريخ لاختلاف النزعات في تناول أحداث التاريخ وتغير ظواهره ومن بين تلك النزعات نزعة التفسير المادي للتاريخ تلك التي سيطرت على أفكار دعاة الشيوعية.. من أصل كل ذلك كانت دراسة السيرة على هذا الوجه الجامع من خيرة أعمال الأئمة. وهذا الكتاب الجامع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يبين للقارئ جوانب عدة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم يحسن عدها: ما يتصل بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم. وقد اقتضاه ذلك الجانب الرجوع بنسبه لبيان صفاء معدنه وكرم أصله، فهو الحسيب النسيب الشريف المنزه فالعرب مقسمون عند المؤرخين إلى سلالات ينحدرون منها. العرب البائدة: وهم العرب القدامى الذين لم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل: عاد وثمود وطسم وجديس وعملاق وسواها. ثم العرب العاربة: هم أولئك الذين يضربون بنسبهم إلى يعرب بن يشجب بن قحطان، وهم يسمون بين أهل العلم بالعرب القحطانية. ثم العرب المستعربة: وهم أولئك الذين ينحدرون من صلب سيدنا إسماعيل- عليه السلام- ويطلق عليهم أيضا «العرب العدنانية» وإنما أطلق عليهم هذا الاسم، لأن إسماعيل أباهم لم يكن عربي العصب والصلب، وإنما صاهر العرب وعايشهم وآكلهم وشاربهم، وتشارب اللغة من أفواههم، ومع أنهم عرب مستعربة إلا أنهم غدوا أفضل العرب برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قيل.

فيما يتصل بمولده الشريف

وكم أبٍ قد علا بابن له شرف كما علا برسول الله عدنان فعلى ما بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين عدنان من عدد اختلف فيه ما بين مقل ومكثر، وعلم الحق في ذلك عند الله سبحانه، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتهى في النسب إلى معد بن عدنان أمسك، وقال كذب النسابون واستدل لذلك بقول سبحانه: وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً. فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار كما قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا» ودونك عمه أبا طالب يفاخر بنسبه فيقول: إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها وإن حصلت أنساب عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها وقديمها وإن فخرت يوما فإن محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها ومؤلف هذا الكتاب يجمع ما تناثر في كتب السيرة والسنة من حيث نسبه الشريف، وينظم هذه اللآلئ بيد صناع. يخرج أسانيدها، ويفصل ويشرح غريبها، ويتعقب ضعيفها، ويقدح من منكسرها وموضوعها، فيريك بدائع من الزهر ويجنيك الحلو اليانع من الثمر. فيما يتصل بمولده الشريف وقد قدمت إرهاصات لمولده الشريف، أفزعت كسرى وقيصر واهتز لمقدمه الوجود. فقد رووا- رحمهم الله- أنه «لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم. فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فتصبر عليه تشجّعاً، ثم رأى إنه لا يدّخر ذلك عن مرازبته، فجمعهم، ولبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده، قال: أتدرون فيما بعثت إليكم؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك، فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غمّاً إلى غمه، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله فقال الموبذان: وأنا- أصلح الله الملك- قد رأيت في هذه الليلة رؤيا، ثم قص عليه رؤياه في الإبل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدثٌ يكون في ناحية العرب- وكان أعلمهم من أنفسهم- فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني، فلما ورد عليه، قال له: ألك علم بما أريد أن أسالك عنه؟ فقال: لتخبرني، أو ليسألني الملك عما أحب، فإن كان عندي منه علم، وإلا أخبرته بمن يعلم. فأخبره بالذي وجه به إليه فيه، قال:

علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام، يقال له: سطيح، قال: فأته فاسأله عما سألتك عنه، ثم ائتني بتفسيره، فخرج عبد المسيح، حتى انتهى إلي سطيح، وقد أشفى على الضريح. فسلم عليه، وكلمه فلم يرد إليه سطيح جوابا فأنشأ يقول: أصمّ أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاد فاز لم به شأو العنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمّه من آل ذئب بن حجن ... أزرق نهم النياب صرّار الأذن أبيض فضفاض الرداء والبدن ... رسول قيل العجم يسري للوسن يجوب بي الأرض علنداة شزن ... لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ترفعني وجنا وتهوي بي وجن ... حتى أتى عاري الجآجي والقطن تلفّه في الريح بوغاء الدّمن ... كأنما حثحث من حضني ثكن قال: فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبد المسيح على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاماً. يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشّرفات، وكل ما هو آتٍ آت. ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول: شمّر فإنك ماضي العزم شمّير ... لا يفزعنّك تفريق وتغيير إن يمسي ملك بني ساسان أفرطهم ... فإنّ ذا الدهر أطوار دهارير فربّما ربما أضحوا بمنزلة ... يخاف صولهم الأسد المهاصير منهم أخو الصّرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وشابور وسابور والناس أولاد علّات فمن علموا ... أن قد أقلّ فمحقور ومهجور ورب قوم لهم صحبان ذى أذن ... بدت تلهّيهم فيه المزامير وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور والخير والشر مقرونان في قرن ... فالخير متبع والشر محذور قال: فلما قدم عبد المسيح على كسرى أضجره بما قال له سطيح، فقال كسرى إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان- رضي الله عنه-.

فيما يتصل برضاعه

ومشتهرة حادثة الفيل تلك التي واكبت مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، ذلك المولد الذي كان ثمرة الالتقاء القصير بين عبد الله بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب ومما يمتاز به هذا الكتاب، جمع آراء الأئمة في مصير أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وتفصيل أدلة كل فريق بما يربو على أربعين صحيفة. وكان مولده صلى الله عليه وسلم في التاسع أو الثاني عشر شهر ربيع الأول (20 إبريل 571 م) ، وقد أقيمت مكتبة في المكان الذي ولد فيه- عليه السّلام- ويؤمها كثير من الحجاج لعيشوا في رياض المكان الذي شهد مولد المصطفى صلّى الله عليه وسلم ذلك الصفي يتيم الأبوين الذي مات أبواه فكفله جده، ومن بعد جده عمه. فيما يتصل برضاعه وقد ذكروا إن أول من أرضعته من المراضع- بعد أمه صلى الله عليه وسلم- ثويبة مولاة أبي لهب، وكان ذلك بلبن ابن لها يقال له: مسروح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي. وكانت السيدة حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية- أم رسول الله من الرضاعة- تذكر أنها خرجت في طلب مرضع مع زوج، وابن لها صغير ترضعه، مع جملة من نساء ينتسبن لبني سعد بن بكر، لطلب الرضعاء في سنة تذكر أنها كانت سنة جدب وقحط، على أتان لها ومعها ناقة كبيرة السن قد جف ضرعها من شدة القحط وقحط السنة، وكان صوت صبيها يتعالى من بكائه من شدة الجوع وخواء ثديها مما يرويه، وجفاف ضرع ناقتها، وذلك المركب الذي امتطوه يتباطأ بهم عن السير، لما يجده من الجوع. ذلك حال أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، تصفه بنفسها عند ما جاءت لتطلب الرضعاء، وتذكر هذه السيدة أنه ما منهن امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، نظرا لما كنّ يؤمّلنه من نوال والد الصبي، فذلك عائد المطلوب لهن، فكن يقلن: يتيم، وما عسى أن تصنع أمه وجده؟ فكرهن الرضى به لذلك، وحظيت نسوة بني سعد برضعاء، خلا السيدة حليمة، فكرهت السيدة حليمة الرجوع من بين صواحبها، فعادت إلى ذلك الصبي اليتيم، بعد ما كانت قد أجمعت على الانطلاق، فقال لها زوجها: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة! فذهبت إليه فأخذته، وما حملها على أخذه سوى عدم وجود غيره، فأخذته ورجعت به إلى رحلها، ووضعته في حجرها، فأقبل على ثديها، فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، ولعلك تذكر أن صوت أخيه كان يتعالى بالبكاء، فيطرد من أجفان والديه النوم. وأعجب من ذلك أنها نهضت لناقتها تلك التي كان ضرعها جافا في مقدمها لطلب الرضعاء، فإذا بهذا الضرع يدر اللبن، فشربت وزوجها حتى انتهيا وقد صدرا عن الضرع ريا وشبعا وباتا بخير ليلة.

كفالته صلى الله عليه وسلم

فأخبرها زوجها بأنها حظيت بنسمة مباركة، إذ لم تكن السيدة حليمة يوما تطمع في أن تذكر هذا الذكر بين الناس، وأن تحظى بذلك التشريف، فحسبها من شرف أنها أمه، وشيء آخر هو أن أرض بني سعد ما كان أجدب منها أرض في ذلك العام، فكانت أغنام بني سعد تروح جياعا، وأغنام هذه السيدة تروح شباعا. وانتشر ذكر بني سعد بين الناس إلى اليوم، لتشرّفهم بإرضاع النبي صلى الله عليه وسلم وحسبهم من شرف ما كان يقوله محمد صلى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أنا أعربكم، أنا قرشي، واسترضعت من بني سعد بن بكر» . وإخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة من بني سعد (عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو جذامة بنت الحارث، الملقبة بالشيماء، تلك التي كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وحمزة بن عبد المطلب عمه صلى الله عليه وسلم أخو النبي من الرضاعة من وجهين، من جهة ثويبة، ومن جهة السعدية. وقد بقي الرسول صلى الله عليه وسلم مع بني سعد حتى إذا كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده، وقع حادث شق صدره، ففي مسلم عن أنس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره- فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو ممتقع اللون، وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه. كفالته صلى الله عليه وسلم كان لعبد الله بن عبد المطلب مكانة خاصة في فؤاد عبد المطلب ظهر ذلك في معاملة عبد المطلب حفيده محمدا صلى الله عليه وسلم فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يفضله على أولاده. قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني هذا فو الله إن له لشأنا ثم يجلسه معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع.

وقد مات جده عبد المطلب وعمره حينئذ ثماني سنوات وشهران وعشرة أيام، وقبل أن يموت عهد بكفالته إلى عمة أبي طالب وقد استسقى أبو طالب بوجه النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج ابن عساكر قال: «قدمت مكة، وهم في قحط، فقال قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستعد! فخرج أبو طالب، ومعه غلام، كأنه شمس دجن، تجلت عنه سحابة قثماء، حوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بإصبعه الغلام، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا وههنا، وأغدق واغدودق، وانفجر الوادي، وأخصب النادي والبادي وإلى هذا أشار أبو طالب حين قال: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم، وظل فوقه أربعين سنة يعز جانبه ويبسط عليه حمايته، ويناضل الخصوم من أجله. وقد تهدى ذلك جليا عند ما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة، وارتحل به عمه أبو طالب تاجرا إلى الشام، فإذا ما وصل به إلى بصرى، وبها راهب يقال له: بحيرى في صومعة له، وكان إليه علم أهل النصرانية، إليه يصير علمهم عن كتاب فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى- وكانوا كثيرا ما يمرون به فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام فلما نزلوا قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته. يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركب حتى أقبل وغمامة تظلله من بين القوم. ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه. فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها. فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته وقد أمر بطعام فصنع. ثم أرسل إليهم. فقال إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش فأنا أحب أن تحضروا كلكم، كبيركم وصغيركم، وعبدكم وحركم. فقال له رجل منهم والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم. ما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرى صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم طعاما فتأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة فلما رآهم بحيرى لم ير الصفة التي يعرف ويجده عنده فقال يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا يا بحيري ما تخلف أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدثنا سنا، فتخلف في رحالنا. قال لا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. قال فقال رجل من قريش مع القوم، واللات والعزى إن كان للؤم بنا أن يتخلف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا. ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده، وقد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا

زواجه من خديجة

فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرى وقال له يا: غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه. وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسألني باللات والعزى شيئا. فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما. فقال له بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه؟ فقال له سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله ونومه وهيئته وأموره. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته. ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه موضعه من صفته التي عنده، فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال ما هذا الغلام منك؟ قال ابني قال بحيري ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال فإنه ابن أخي. قال فما فعل أبوه؟ قال مات وأمه حبلى به قال صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود. فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام. في هذا الوقت اشتد حرص أبي طالب على محمد صلى الله عليه وسلم. زواجه من خديجة كان عند زواجه منها في الخامسة وعشرين من عمره، لما اشتهر عندها من أمره وصدقه وأمانته، حيث كانت تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء يجعله لهم، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول الله ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، فقبل رسول الله وخرج في مالها، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام، ثم باع سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة، ومعه ميسرة، فلما قدم على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فأضعف، وبلغها من ميسرة من سيرة محمد صلى الله عليه وسلم بما ترتب عليه أن بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا ابن عمي إني قد رغبت فيك لقرابتك وشرفك في قومك وأمانتك وصدق حديثك، ثم عرضت عليه الزواج منها، وكانت حينئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، كل قومها كان حريصا على الزواج منها لو يقدر عليه، فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره لأعمامه وخطبها وتزوجها وكان صداقها عشرين بكرة، وكانت أول امرأة تزوجها ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها. وقد ولدت لرسول الله أولاده كلهم- إلا إبراهيم والقاسم- وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم والطاهر والطيب ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة، أما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا في الجاهلية،

في كسبه - صلى الله عليه وسلم -

وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن، وأما إبراهيم فأمه مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس عظيم قبط مصر. وقد توفي أبناؤه جميعا صلى الله عليه وسلّم في حياته سوى فاطمة- رضي الله عنها- فقد تأخرت بعده بستة أشهر ثم لحقت به. في كسبه- صلى الله عليه وسلم- لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه، إلا أن المشتهر عنه أنه كان يرعى الغنم وكان قد رعاها في بني سعد فيما يروى، وكان يرعاها في مكة على قراريط، وقد عمل بالتجارة في مال خديجة رضي الله عنها، وذلك ما ينبئ به الرسول عن نفسه. في ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم» فقال له أصحابه وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط» رواه البخاري عن أحمد بن محمد المكي عن عمرة بن يحيى به. ثم روى البيهقي من طريق الربيع بن بدر- وهو ضعيف- عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص» وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس أن أبا خديجة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو- أظنه- قال سكران ثم قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثني إبراهيم بن المنذر حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي حدثني عبد الله بن أبي عبيد بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عن مقسم بن أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل إن عبد الله بن الحارث حدثه أن عمار بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وما يكثرون فيه يقول: أنا أعلم الناس بتزويجه إياها، إني كنت له تربا وكنت له إلفا وخدنا. وإني خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى إذا كنا بالحزورة أجزنا على أخت خديجة وهي جالسة على أدم تبيعها، فنادتني فانصرفت إليها ووقف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما بصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة؟ قال عمار فرجعت إليه فأخبرته فقال «بلى لعمري» فذكرت لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت اغدوا علينا إذا أصبحنا، فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرة وألبسوا أبا خديجة حلة، وصفرت لحيته، وكلمت أخاها فكلم أباه وقد سقي خمرا فذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه وسألته أن يزوجه فزوجه خديجة وصنعوا من البقرة طعاما فأكلنا منه ونام أبوها ثم استيقظ صاحيا. فقال: ما هذه الحلة وما هذه الصفرة وهذا الطعام فقالت له ابنته التي كانت قد كلمت عمارا هذه حلة

في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا

كساكها محمد بن عبد الله ختنك وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم: فجاءوه فكلموه. فقال أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة؟ فبرز له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه قال إن كنت زوجته فسبيل ذاك وإن لم أكن فعلت فقد زوجته. وقد ذكر الزهري في سيره أن أباها زوجها منه وهو سكران نحو ما تقدم حكاه السهيلي. قال المؤملي: المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه وهذا هو الذي رجحه السهيلي. وحكاه عن ابن عباس وعائشة قالت وكان خويلد مات قبل الفجار، وهو الذي نازع تبعا حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك خويلد، وقام معه جماعة من قريش ثم رأى تبع في منامه ما روعه، فنزع عن ذلك وترك الحجر الأسود مكانه. في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا وشهادة الخصوم في هذا الباب لها وزنها الكبير إذ تدلك على مبلغ الثقة التي كان يتمتع بها رسول الله عند الجميع، ولكن بعض الناس استغرب واستكبر فأنكر دون وجود مبرر لهذا الإنكار وهذه نصوص تؤكد لك هذا الذي قلناه. «أخرج البيهقي عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: «يا أبا الحكم هلم إلى الله ورسوله أدعوك إلى الله» . فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت، فو الله لو أني أعلم أنا ما تقول حق لاتبعتك فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليّ فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن يمنعني شيء. إن بني قصى قالوا: فينا الحجابة. قلنا نعم ثم قالوا: فينا السقاية قلنا نعم، ثم قالوا فينا الندوة فقلنا نعم، ثم قالوا فينا اللواء فقلنا نعم، ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي، والله لا أفعل» وأخرجه ابن أبي شيبة بنحوه. وأخرج الترمذي عن علي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنّا لا نكذّبك ولكن نكذّب ما جئت به فانزل الله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. «وأخرج ابن عساكر عن معاوية (رضي الله عنه) قال: خرج أبو سفيان إلى بادية له مردفا هندا وخرجت أسير أمامهما وأنا غلام على حمارة لي إذ سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان: انزل يا معاوية حتى يركب محمد فنزلت عن الحمارة وركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار أمامنا هنيهة ثم التفت إلينا فقال: يا أبا سفيان بن حرب ويا هند بنت عتبة والله لتموتن ثم لتبعثن ثم ليدخلن المسحن الجنة والمسيء النار، وأنا أقول لكم بحق وإنكم لأول من أنذرتم

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم «حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.. حتى بلغ- قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» فقال له أبو سفيان: أفرغت يا محمد؟ قال نعم ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمارة وركبتها وأقبلت هند على أبي سفيان: ألهذا الساحر أنزلت ابني قال: لا والله ما هو بساحر ولا كذاب» وأخرجه الطبراني أيضا. وروى البخاري ومسلم قصة أبي سفيان عند هرقل كما حدث بها أبو سفيان ابن عباس ومنها سؤاله لأبي سفيان هذا: «قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. قلت لا» وفي آخر القصة يقول هرقل لأبي سفيان: «وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا فعرفت إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى» . وأخرج الشيخان والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد! قال أبو لهب: تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. من هذه النصوص يتبين لك أن الثقة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم كانت متوفرة ولم يكن هذا الموضوع فيه شك أبدا وهذا الذي يعلل لنا: ظاهرة الإيمان به من قبل من حاربوه واحدا فواحدا طوعا لا إكراها أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب.. ذلك لأنهم ما كانوا يشكون في أن محمدا صادق، ولكن فاجأهم بشيء لم يسمعوا به هم ولا آباؤهم فأنكروه، حتى إذا ذهب هول المفاجأة وحكموا عقولهم التقى صدق الفكر بالثقة الأساسية بشخص محمد صلى الله عليه وسلم فتولد عن ذلك إيمان. ظاهرة الإخلاص له بعد الإيمان: فبعضهم لم يؤمن إلا آخرا بعد أن غلب كبقايا قريش فإنهم أخيرا غلبوا للإسلام، وكان يمنعهم من ذلك ثارات وأحقاد وشبهات وشهوات، حتى إذا دخلوا فيه تسليما للأمر الواقع وإذا بهم مخلصون لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأتم ما يكون الإخلاص، ومتفانون في الإسلام بعد أن زالت عن أعينهم غشاوات، من بعدها تبينوا أن محمدا هو الأخ الكريم والابن الكريم فكانت معرفتهم به وثقتهم بشخصيته أساسا لإخلاصهم في طريقهم الجديد الذي ساروا به بعد ذلك فرحين. وبعد فهذه شهادة خصوم: بعضهم أسلم بعد خصومة شديدة وبعضهم مات على كفره ولكن الجميع حتى في أشد حالات الخصومة كانوا مؤمنين أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق.

في تعبده قبل البعثة

في تعبده قبل البعثة يذكر أهل السير إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد قبل البعثة على دين الحنيفية وذلك في غار حراء قال ابن كثير: وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الخلاء والانفراد عن قومه، لما يراهم عليه من الضلال المبين من عبادة الأوثان والسجود للأصنام، وقويت محبته للخلوة عند مقاربة إيحاء الله إليه صلوات الله وسلامه عليه. وقد ذكر محمد بن إسحاق عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة- قال: وكان واعية- عن بعض أهل العلم قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة يتنسّك فيه وكان من نسك قريش في الجاهلية، يطعم من جاءه من المساكين حتى إذا انصرف من مجاورته لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة. هكذا روي عن وهب بن كيسان أنه سمع عبيد بن عمير يحدث عبد الله بن الزبير مثل ذلك، وهذا يدل على أن هذا كان من عادة المتعبدين في قريش أنهم يجاورون في حراء للعبادة ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المشهورة: وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل وهكذا صوبه على رواية هذا البيت كما ذكره السهيلي وأبو شامة وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمهم الله، وقد تصحف على بعض الرواة فقال فيه: وراق ليرى في حر ونازل- وهذا ركيك ومخالف للصواب والله أعلم. وحراء يقصر ويمدّ ويصرف ويمنع، وهو جبل بأعلى مكة على ثلاثة أميال منها عن يسار المار إلى منى، له قلة شرفة على الكعبة منحنية والغار في تلك الحنية وما أحسن ما قال رؤبة بن العجاج: فلا وربّ الآمنات القطّن ... وربّ ركن من حراء منحني وقوله في الحديث: والتحنث التعبد، تفسير بالمعنى، وإلا فحقيقة التحنث من حنث البنية فيما قاله السهيلي الدخول في الحنث ولكن سمعت ألفاظا قليلة في اللغة معناها الخروج من ذلك الشيء كحنث أي خرج من الحنث وتحوب وتحرج وتأثم وتهجد هو ترك الهجود وهو النوم للصلاة وتنجس وتقذر أوردها أبو شامة. وقد سئل ابن الأعرابي عن قوله يتحنث أي يتعبد. فقال: لا أعرف هذا إنما هو يتحنف من الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام. قال ابن هشام: والعرب تقول التحنث والتحنف يبدلون الفاء من الثاء، كما قالوا جدف وجذف كما قال رؤبة: لو كان أحجاري مع الأجداف

في بعثته - صلى الله عليه وسلم - وبدء الوحي

يريد الأجداث. قال وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول فمّ في موضع ثمّ. قلت: ومن ذلك قول بعض المفسرين وفومها أن المراد ثومها. وقد اختلف العلماء في تعبده عليه السلام قبل البعثة هل كان على شرع أم لا؟ وما ذلك الشرع؟ فقيل شرع نوح وقيل شرع إبراهيم. وهو الأشبه الأقوى. وقيل موسى، وقيل عيسى، وقيل كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به. ولبسط هذه الأقوال ومناسباتها مواضع أخر في أصول الفقه والله أعلم. الجبل الذي يقع في قمته هذا الغار يسمى جبل النور، وهو يقع إلى الشمال الشرقي من مكة، ويبعد عنها حوالي خمسة كيلو مترات ويذهب إليه الآن كثير من الناس للتبرك والزيارة، وصعود هذا الجبل شاق للغاية، وقد يحتاج الصاعد إلى استعمال يديه ورجليه في بعض الأحايين ليتقي السقوط، وفي قمة هذا الجبل بركة من ماء لا ينقطع ماؤها صيفا ولا شتاء، وهذا المكان جوّه جميل للغاية ونقي من الأتربة، وجميل الهواء، والغار يشبه حجرة صغيرة مدخلها إلى الأمام وفي خلفها الجبل الشاهق وأمر عجيب كيف كان يصعد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الجبل ويختلي بهذا الغار. في بعثته- صلى الله عليه وسلم- وبدء الوحي من المعلوم بالضرورة أن جميع الرسل الذين اصطفاهم الله من عباده لم ينطقوا فيما بلغوه عن ربهم عن الهوى. وعلى هذا النحو كان التكليف بالصلوات الخمس إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم ليلة المعراج، دع عنك ما يلوكه المستشرقون الماديون من أنهم لا يكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الوحي ولكنهم يقولون: إن منبع ذلك من نفسه، وليس فيه شيء جاء من عالم الغيب، لأن الغيب لم يثبت عندهم وجوده وأيسر ما يرد به افتراؤهم أمران: أولهما: ما استفاض من أمر أمانة النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. ثانيهما: أن الله تعالى حرم على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخوض فيما خاض قومه من قرض الشعر والتعمل له على ما يشهد به قوله سبحانه وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (سورة يس 69) . ولقد كان وحيا ذلك الذي يصدر عنه النبي صلى الله عليه وسلّم قولا وفعلا وتقريرا. يذكر أهل السنة أن عمره عند البعثة كان أربعين سنة وينقلون واقعة بدء الوحي. قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا

الصادقة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: «زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة- وأخبرها الخبر- لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف. وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان أمرا قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجي هم؟» فقال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة. حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم: - فيما بلغنا- حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد أنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا كمثل ذلك. قال فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك. هكذا وقع مطولا في باب التعبير من البخاري. قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال- وهو يحدث عن فترة الوحي- فقال في حديثه: «بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسّي بين السماء والأرض. فرعبت منه. فرجعت فقلت: زمّلوني، زمّلوني فأنزل الله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ فحمي الوحي وتتابع. ثم قال البخاري تابعه عبد الله بن يوسف، وأبو صالح، يعني عن الليث، وتابعه هلال بن داود عن الزهري، وقال يونس ومعمر: - بوادره. وهذا الحديث قد رواه الإمام البخاري رحمه الله في كتابه في مواضع منه.

في أطوار دعوته - صلى الله عليه وسلم -

وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث الليث به، ومن طريق يونس ومعمر عن الزهري كما علقه البخاري عنهما، وقد رمزنا في الحواشي على زيادات مسلم ورواياته ولله الحمد وانتهى سياقه إلى قول ورقة: أنصرك نصرا مؤزرا. فقول أم المؤمنين عائشة أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، يقوي ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار عن عبيد بن عمر الليثي إن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب. فقال: اقرأ، فقلت ما أقرأ؟ فغطني، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني» وذكر نحو حديث عائشة سواء، فكان هذا كالتوطئة لما يأتي بعده من اليقظة، وقد جاء مصرّحا بهذا في مغازي موسى بن عقبة عن الزهري أنه رأى ذلك في المنام ثم جاءه الملك في اليقظة. وقد قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه دلائل النبوة: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا جناب بن الحارث حدثنا عبد الله بن الأجلح عن إبراهيم عن علقمة بن قيس. قال: إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم ثم ينزل الوحي بعد وهذا من قبل علقمة بن قيس نفسه وهو كلام حسن يؤيده ما قبله ويؤيده ما بعده. في أطوار دعوته- صلى الله عليه وسلم- وقد مرت بثلاثة مراحل: المرحلة الفردية: وقد آمن في هذه المرحلة زوجه وابن عمه علي، وزيد مولاه ثم دعا الرسول أبا بكر، وكانت له به صلة فآمن به، وعن طريق أبي بكر أسلم السابقون الأولون، عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة بن الجراح والأرقم بن أبي الأرقم، الذي اتخذت داره لتكون مقرا للدعوة السرية للدين الجديد، ودخل مع هؤلاء مجموعة من الموالي والفقراء، وقد استمرت هذه الدعوة ثلاث سنوات. دعوة بني عبد المطلب وهي المرحلة التي تلت المرحلة الأولى، وكانت تنفيذا لقول الله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء 214) . وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب ليجتمعوا به، فلما حضروا قال لهم: أني ما أعلم

الدعوة العامة

شابا جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، فلقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وبلغهم دعوته، فصدق به بعضهم وكذب آخرون، وكان عمه أبو لهب هو وزوجته من أشد الناس قسوة عليه، فقد هتف به أبو لهب قائلا: تبا لك، ألهذا دعوتنا؟ فنزل قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ.. (إلى آخر سورة المسد) . الدعوة العامة وكانت هذه الخطوة في الدعوة تنفيذا لقول الله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الحجر 94) فانطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على إثر نزول هذه الآية يجاهر بالدعوة، يدعو السادة والعبيد، والغرباء والأقربين، ثم يتجاوز مكة إلى البلاد الأخرى. وقد تناول الكتاب كل جوانب حياة المصطفى صلّى الله عليه وسلم من حيث حياته البشرية وحياة أزواجه وحياة بنيه وحياة صحابته، ومن حيث تعبده وصلاته وصفاته الخلقية والخلقية، وقد جمع في ذلك فأوعى. وصلّى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. السيرة بين السلف والخلف لقد نالت حياة النبي صلى الله عليه وسلم بما حفلت به من أقوال وأفعال وتقريرات عناية العلماء قديما وحديثا، وكان تأليف العلماء في السيرة قديما يحمل طابعا يرغب عنه الجم الغفير من مسلمي العصر الحديث الذين لم يكن لهم إلمام علمي واسع رغبة في مطالعة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا بدا من اللجوء إلى الكتابات العصرية في السيرة النبوية وكان من أفضل بما نبه على ذلك المفكر الإسلامي الكبير أنور الجندي مبيّنا ما لها من مميزات وعيوب، وقد آثرنا إثبات ما نشر عنه في مؤتمر السيرة النبوية برمّته تتميما للفائدة» ، فقال: إن العمل الذي قام به الكتاب العصريون لتقديم السيرة النبوية. قد أدى دورا لا بأس به، وأحدث آثارا طيبة في نفوس المسلمين. ولكنه لم يكن عملا أصيلا على طريق التطور الطبيعي لكتابة السيرة من منطق المفهوم الإسلامي الجامع القائم على أساس التقدير الكامل للوحي والنبوة والغيبات والمعجزات. ومن هنا كان عجزه وقصوره الذي جعله في تقدير الباحثين قائما على التبعية والاحتواء للمناهج الغربية التي لم تكن عمليتها إلا مظهرا خادعا يخفي من ورائه الأهواء والخلافات بين الأديان ونزعة الاستعلاء الغربية ومطامع النفوذ الغربي في السيطرة على الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي حتى لا يحقق ابتعاثه الأصيل هدفا يجدد حضارة الإسلام ويفتح الطريق لقيام المجتمع الإسلامي.

لقد احتوى هذا العمل على مجموعة من الأخطاء الأساسية التي كان مصدرها تبني أسلوب المستشرقين وتبني وجهات نظرهم وهم أساسا لا يعترفون بالإسلام دينا خاتما ولا بالنبي محمد. ولا يؤمنون بالوحي ولا يفرقون كما يفرق المسلمون بين الألوهية والنبوة. وفي مقدمة هذا البحث، نؤكد أنّ كتابات العصريين في السيرة النبوية كانت في عصرها أمرا محببا أقبل الناس عليه وقدّمت سيرة الرسول وعظمة الإسلام للجماهير التي كانت لا تلم بالدراسات العلمية إلا قليلا. فقد كتبت هذه الفصول أول الأمر في المجلات الأسبوعية، الذائعة (السياسية الأسبوعية. والرسالة) مما كان لها أثرها في الانتشار والذيوع. وقد اختلفت فعلا عما سبقها من كتابات السيرة التي نشرت في مؤلفات لغلبة الأسلوب الصحفي الميسر. ولقد كانت هذه الكتابات في تقدير المؤرخين والباحثين على حالتين: الحالة الأولى: العامل القريب والمباشر وهو ظهور حركة التبشير المسيحي الضخمة في القاهرة عن طريق الجامعة الأمريكية عام 1932 وتنصير عدد من الطلاب المسلمين بها وكان ذلك جزءا من موجة ضخمة قام بها الغرب بعد أن استردت الفاتيكان الأموال الطائلة التي كانت قد احتجزتها الحكومة الإيطالية عنها. الحالة الثانية: أثر الحرب العالمية الثانية في نفوس الناس بالدعوة إلى الرجعة إلى الدين والتطلع إلى آفاق جديدة تقدمها رسالات السماء وفي مقدمتها الإسلام. غير أن هناك عوامل أخرى خفية وراء ظواهر الأحداث تحدثت عنها كتابات الباحثين والمراقبين لهذه الأحداث منها: أولا: رغبة حزب الأحرار الدستوريين في كسب مشاعر الوطنيين بعد أن عرف عنه أنه الحزب الذي يجمع دعاة التغريب وأساطينه والذي صدرت من تحت عباءته الكتب التي أثارت الضجة وخالفت مفاهيم الإسلام الأساسية وهزت مشاعر الناس وفي مقدمتها (الشعر الجاهلي لطه حسين) و (الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق) . وكانت الفكرة التي استقر عليها الرأي هو الدخول إلى مشاعر المسلمين من طريق الكتابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم (هذا بالنسبة لكتاب حياة محمد للدكتور هيكل) . ثانيا: الموقف الذي أحدثته الحرب العالمية من ائتلاف بين البلاشفة والرأسماليين في

وجه النازية وما تسرب إلى البلاد العربية من دعايات شيوعية ورغبة الغرب في مواجهتها عن طريق تزييف مفهوم الماركسية عن البطولة الجماعية ورد الاعتبار للبطولة الفردية التي كانت عنوانا على الفكر الليبرالي الغربي. ومن هنا كانت الكتابة عن البطولات الإسلامية من منطلق غربي «هذا بالنسبة للعبقريات» . وقد ظهرت هذه الكتابات متفرقة في الصحف: حياة محمد في ملاحق السياسة 1932 على أنها ترجمة وتلخيص لكتاب إميل درمنجم وكانت تنشر تحت هذا العنوان (حياة محمد. تأليف إميل درمنجم. تلخيص وتعليق الدكتور محمد حسين هيكل) ثم ظهرت فصول (على هامش السيرة) في الأعداد الأولى من مجلة الرسالة التي صدرت 1933 بقلم الدكتور طه حسين. أما فصول (عبقرية محمد) فقد بدأت عام 1942 بقلم الأستاذ العقاد في أحد الأعداد السنوية الخاصة بالهجرة بعد أن اشتعلت الحرب العالمية الثانية بعامين. وكان الكتاب الثلاثة من المعروفين في مجال الدراسات الأدبية والسياسية بأنهم عصريون ليبراليون علمانيون، قليلو الاهتمام بالدراسات الإسلامية. بل كانت جريدة السياسة تحمل حملات ضخمة على الإسلام (هيكل- طه حسين- علي عبد الرازق- محمد عبد الله عنان) وتؤازر الغزو الثقافي، بل لقد حمل الأستاذ العقاد حملة ضارية على الكتب الإسلامية التي صدرت عام 1935 في جريدة روز اليوسف اليومية وعدّها ظاهرة خطيرة وقال: إن هذه الكتابات بمثابة مؤامرة على القضية الوطنية، وتردد يومها أن الدكتور محمد حسين هيكل قد أحرز قدرا ضخما من الكسب المادي من كتابه ومن ثم أصبحت الكتابة الإسلامية موضع تقدير في نظر الكتاب، غير أن أخطر ما هنالك أن الدكتور هيكل وعلي عبد الرازق أعلنا موقفا خطيرا في مجلس الشيوخ عند ما أثير النقاش في كتابات طه حسين ووقفا للدفاع عنه وتبين من ذلك أن الكتابة عن الإسلام لم تكن تصدر عن إيمان برسالة الإسلام (دينا ودولة) وإنما كانت من الأعمال السياسية والحزبية. وإذا كانت كتب: حياة محمد، وعلى هامش السيرة، والعبقريات، قد هزت وجدان الشعب المسلم وقتها وأحدثت نوعا من الإعجاب والتقدير فإن هذا كان هدفا مقصودا من الجهات التي شجعت ذلك وهو: أولا: مواجهة حركة اليقظة الإسلامية التي كانت تهدف إلى تقديم الإسلام كمنهج حياة ونظام مجتمع بكتابات إسلامية من أقلام لها مكانتها السياسية في الجماهير لتحويل التيار نحو المفاهيم العلمانية والليبرالية وهو ما يسمى (تقديم البديل) المتشابه ظاهريا والمختلف جوهرا وهو بهذا استجابة ظاهرية للموجة الإسلامية ومحاولة لاحتوائها. ثانيا: فرض المفهوم الغربي على السيرة والتاريخ الإسلامي وهو المفهوم المفرغ من الوحي والغيبيات والمعجزات.

ولكن هذه الظاهرة بالإعجاب بكتب الليبراليين عن السيرة لم تدم طويلا فقد تكشفت خفاياها وظهر أن منهج الكتابة في هذه المؤلفات لم يكن إسلاميا أصيلا وإنما تشوبه التبعية لمفاهيم الاستشراق والتغريب حتى يمكن أن يقال في غير ما حرج: إن المؤلفات الثلاثة الكبرى (حياة محمد- على هامش السيرة- عبقرية محمد) هي نتاج غربي يعتمد على مذاهب الكتابة الغربية ويخضع لكثير من أخطائها ويسقط بحسن نية وراء مفاهيمها الكنسية والمادية. ويختلف اختلافا واضحا عن مفهوم الإسلام الجامع. ولقد تطورت الدراسات الإسلامية في ظل حركة اليقظة الإسلامية واستطاعت أن تتحرر من هذه المرحلة التي كانت تمثل التبعية للفكر الغربي في دراسات التاريخ الإسلامي وكتابة السيرة وهي التي قامت على مفهوم يتسم بالتأويل للمعجزات ومحاولة حجب الكثير من وجوه الإعجاز ومتابعة المستشرقين في مفاهيمهم لسيرة النبي الكريم. وفي الكتب الثلاثة نجد أن العمل يبدأ غريبا ثم يفرض على سيرة الرسول. فالدكتور هيكل يبدأ عمله في كتابة السيرة بترجمة كتاب (أميل درمنجم) الكاثوليكي الفرنسي ويتبنى كثيرا من آرائه التي يمكن أن توصف بالخطإ أو عدم القدرة على فهم الإسلام أو تبني عقائد النصارى أو متابعة هدف يرمي إلى التقريب بين الأديان أو الدعوة إلى وحدة الأديان (وهو هدف ضال) . والأستاذ العقاد يبدأ عمله بمنطق غربي محض هو فكرة (العبقرية) التي تناولتها كتابات الغربيين شوطا طويلا عن نوع من الامتياز أو الذكاء في مجال الفن والموسيقى والشعر والقصة في الغرب ويسحب هذا الوصف على النبي المؤيد بالوحي وعلى العظماء من الصحابة دون تفرقة واضحة بين النبي والصحابي. والدكتور طه حسين يعلن في غير ما حرج أنه استوحى (هامش السيرة) من كتاب جيل لومتير عنوانه (على هامش الكتب القديمة) وأنه يحشد فيه كل ما استطاع من أساطير اليونان والمسيحية واليهودية والإسرائيليات وهكذا يتبين تبعية هذه الدراسات أصلا للفكر الاستشراقي. ويمكن تصنيف الأخطاء التي وقعت فيها المدرسة التغريبية في كتابة السيرة على هذا النحو: أولا: متابعة مناهج ودراسات كتاب الاستشراق فقد عمد الكتاب الكبار الثلاثة إلى البدء في كتابة السيرة من منطلق غربي استشراقي.

فالدكتور هيكل معجب بكتاب إميل درمنجم وما يحويه من آراء تقرب مسافة الخلاف بين الإسلام والنصرانية ومن ذلك نراه يتابعه في مجموعة من الآراء تختلف مع مفهوم الإسلام الأصيل وإن كان هيكل قد رد على آراء المستشرقين في مسائل إلا أنه قد خضع لمناهج المستشرقين ولمفهومهم في الفلسفة المادية، بالنسبة للمعجزات، وبالنسبة للإسراء والمعراج وبالرغم من نوايا الدكتور هيكل الطيبة في تقديم صورة بارعة للرسول صلى الله عليه وسلم فإن موقفه من إنكار المعجزات والغيبيات وتجاهلها حتى وإن وردت في القرآن والسنة- على حد قوله- كان مأخذا كبيرا في تعليل قيمة العمل الذي قام به. فقد أنكر عددا من المعجزات الثابتة بصريح القرآن ومتواتر السنة، كنزول الملائكة في بدر، وطير الأبابيل، وشق الصدر، والإسراء، وأنّ (اقرأ) كانت مناما وأول ذلك كله إرضاء للمنهج العلمي الغربي الذي أعلنه وأعلن التزامه به فاعتبر الإسراء سياحة الروح في عالم الرؤيا، ووصف الملائكة الذين أمد الله بهم المسلمين في غزوة بدر بالدعم المعنوي، ووصف طير الأبابيل بداء الجدري، واعتبر شق الصدر شيئا معنويا، واعتبر لقاء جبريل بالنبي في حراء مناما، وبذلك عمد إلى تفريغ تاريخ النبي من الحقائق الغيبية والمعجزات وقصر موقفه على أن للنبي معجزة واحدة هي القرآن الكريم مع أنّ الخوارق والمعجزات لا يمكن أن تتنافى في جوهرها مع حقائق العلم وموازينه وقد سميت خوارق لخرقها لما هو مألوف أمام الناس، وما كان للمألوف أو العادة أن يكون مقياسا علميا لما هو ممكن وغير ممكن، ولما كان الله تبارك وتعالى هو صانع النواميس فإنه هو وحده القادر على خرقها متى شاء. يقول الشيخ محمد زهران: ولقد علل الدكتور هيكل إنكاره جميع المعجزات المحمدية (غير القرآن) بأنها مخالفة للسنة الإلهية، وزعم أن روايات معجزاته صلّى الله عليه وسلم موضوعة، قصد واضعها إما أن يجعل لنبينا مثل ما لموسى وعيسى عليهما السلام، وإما أن يشكك الناس في صحة آية وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا. ولا شك أن دعوى استحالة خرق العادات المعبر عنه في كتابه بمخالفة السنن يستلزم التسليم بها إنكار الإسلام من أصله وتكذيب الأديان كلها ومنها إنكار الأحاديث التي أطبق على قبوله أئمة الحديث وغيرهم مع تواترها والإجماع على مضامينها. موقف النبي- صلى الله عليه وسلم- من وفاة ابنه إبراهيم: كذلك فقد كانت الصورة التي رسمها الدكتور هيكل عن حزن الرسول صلى الله عليه وسلم لوفاة ابنه إبراهيم مما لا يتفق مع جلال النبوة وعظمة الرسالة إذ صوره- صلوات الله وسلامه عليه- واضعا ولده في حجره وعيناه تذرفان الدموع مدرارا ولسانه ينطق بألفاظ يشيع منها الحزن والأسى

تقبل وجهات نظر درمنجم في مسائل أساسية:

وتقطر غما وتأثرا مما يشبه أن يكون ضعفا عن احتمال صدمة الحادث ... والحقيقة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمى قدرا من أن يصدر منه ما صوره الدكتور هيكل هياما في الخيال والشعر والقصص. وإنما أظهر رسول الله ما أظهر من حزن سام وذرفت عيناه دموعا مطهرة لا يذرفها إلا لله. ولا يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدرت منه الألفاظ التي نسبها إليه الدكتور هيكل منساقا مع شعوره حين حزن هو على فقد ولده ولأجل هذا غير اسم كتاب رحلته إلى أوروبا إلى عنوان (ولدي) . إن رسول الله يعلم علم اليقين وحق اليقين أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأن ولده إبراهيم لن يعيش طويلا حيث يقول الله تبارك وتعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ولقد مات له ولدان من قبل احتسبهما في رضى وإيمان. تقبل وجهات نظر درمنجم في مسائل أساسية: وقد أخذ على الدكتور هيكل تقبل وجهات نظر إميل درمنجم في تصوره أن النبي قد تأثر بأهل الكتاب في الجزيرة العربية أو في ذهابه إلى الشام أو في إرسال بعض أصحابه إلى الحبشة المسيحية، فقد جرى هيكل وراء عبارات درمنجم دون أن يتبين مكره وخبثه حين حاول أن يصور دعوة النبي أصحابه إلى الهجرة إلى الحبشة لأنها مسيحية، ويتساءل الدكتور حسين الهراوي الذي ناقش هيكلا في هذه النقطة: هل حقيقة كانت الهجرة إلى الحبشة لأنها مسيحية. ويقول إن در منجم شأن المستشرقين بتر هذه القصة بصفة مشوهة للحقيقة. فلم يكن الدافع للنجاشي ورعه وتقواه ولم يكن سبب عطفه ورحمته ذلك الدافع الديني بل الدافع الحقيقي إن هذا النجاشي كان عادلا وهذه هي الخلة التي ذكرها النبي حين قال: «لأنّ فيها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق» . ومن مراوغات درمنجم تفسيره للآية الكريمة: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ. يريد درمنجم أن يقول: إن القرآن طلب إلى النبي سؤال أهل الكتاب وأن الله تعالى رضي للناس الإسلام دينا مع بقاء الأديان التي سبقت، وحدة مندمجة. فيما أسماه الكمال الروحي. ولا ريب أن هذه مراوغة خطيرة من الاستشراق يحاول بها أن يفسر الآيات القرآنية تفسيرا يخدم بها أهدافه، والحقيقة أن الإسلام جاء ليظهره الله على الدين كله وأن الأديان كلها التي سبقت كانت موصلة إليه لولا أن قادتها حرفوها. ثانيا: ظاهرة إنكار المعجزات وتأويلها إرضاء للمنهج الغربي وباسم إعلاء نظرة العقل: هذه الظاهرة واضحة تماما في كتابات هيكل وطه حسين والعقاد وقد قامت عليها

كتاباتهم في (حياة محمد وهامش السيرة والعبقريات) وكانت لها جذور ممتدة في كتابات الشيخ محمد عبده وفريد وجدي وقد هاجمها الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية في كتابه الضخم (موقف العلم والعالم من رب العالمين) . وقد جرى الكتاب الثلاثة هذا المجرى باسم (المنهج العلمي الغربي) . والحقيقة أن المنهج العلمي هو منهج إسلامي الأصل والمصدر على خلاف دعوى بعض المتأثرين بالدراسات الغربية. ولقد كان من أبرز أهداف التغريب التأثير في أسلوب كتابة التاريخ الإسلامي وفي مقدمة ذلك (سيرة النبي الأعظم) إيمانا منهم بأن هذه الصفحات الباهرة من شأنها إذا عرضت عرضا صحيحا أن تبعث الأحاسيس العميقة في قلوب شباب المسلمين ومن هنا كانت محاولتهم المسمومة في إدخال أسلوب عصري له طابع براق ولكنه يخفي من وراء ذلك إطفاء الأضواء التي يقدمها هذا التاريخ من حيث الصلة بالله تبارك وتعالى والإعجاز الرباني الواضح في كل مواقف حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ الإسلام وفتوحاته. ولما كان هذا العمل هو بمثابة هدف واضح الدلالة في مخطط الاحتواء الغربي الذي يرمي إلى التقليل من شأن البطولات الإسلامية ووضعها موضع المقارنة مع البطولات الغربية من خلال النواحي المادية وحدها فقد حجبت هذه الدراسات جانبا كبيرا من أثرها المعنوي والروحي الذي يهز النفوس ويملؤها بالثقة واليقين في عظمة هذا الدين الخاتم وفي سعة العطاء الرباني لنبيه. ومن هنا كان ذلك الأسلوب المسمى بالعلمي الذي اصطنعه كتاب لهم أسماء لامعة ولم تكن سابقة في الدراسات الإسلامية بل كانوا غارقين في دراسات الغرب وبطولات رجاله (جان جاك روسو، فولتير، مونتسكيو، أرسطو إلخ) في محاولة للتقليل من قدر أحداث السيرة النبوية تحت اسم العقلانية وإنكار المعجزات والجوانب الغيبية والإعراض عن الجوانب ذات الصلة بالإيمان والعقيدة واليقين والتقوى وغيرها. ولقد استطال الدكتور هيكل في مقدمة كتابه بإعجابه وتبنيه للطريقة العلمية الحديثة وأشار إلى ميزاتها وأفضليتها. ولكن الشيخ محمد مصطفى المراغي في مقدمته لكتاب حياة محمد لم يخف عليه هدف هذا فقال: «أما إن هذه الطريقة حديثة فهذا ما يعتذر عنه وقد ساير الدكتور (هيكل) غيره من العلماء في هذا، ذلك لأنها طريقة القرآن كما اعترف هو ولأنها طريقة علماء سلف المسلمين. انظر كتب الكلام تراهم يقررون أن أول واجب على المكلف معرفة الله. فيقول آخرون: لا، إن أول واجب هو الشك، ثم إنه لا طريق للمعرفة إلا البرهان وقد جرى الإمام الغزالي على الطريقة نفسها، وقد قرر في أحد كتبه أنه جرد نفسه من جميع الآراء ثم فكر وقدّر ورتب ووازن وقرب وباعد ثم اهتدى بعد ذلك كله إلى أن الإسلام حق وإلى ما

اهتدى إليه من الآراء. وأنت واجد في كتب الكلام في مواضع كثيرة حكاية (تجريد النفس) عما ألفته من العقائد. ثم البحث والنظر فطريق التجريد طريق قديم وطريق التجربة والاستقراء طريق قديم، والتجربة والاستقراء التام وليدا الملاحظة فليس هناك جديد عندنا. ولكن هذه الطريقة القديمة بعد أن نسيت في التطبيق العلمي والعملي في الشرق وبعد أن فشا التقليد وأهدر العقل وبعد أن أبرزها الغربيون في ثوب ناصع وأفادوا منها في العلم والعمل رجعنا نأخذها ونراها طريقا في العلم جديدة» اه. وهكذا تبين للمدرسة الحديثة أن الإسلام هو واضع الأسس لهذا المنهج العلمي الذي أخذوا به، وإن لم يعطوه حقه من الأصالة الإسلامية بل قصروه على الجوانب المادية ففاتهم خير كثير، نظرا لأن خلفياتهم مع الأسف كانت عربية ولم يكونوا قد قرأوا من التراث الإسلامي ما يمكنهم من معرفة الحقيقة كاملة. لقد كتبت هذه الدراسات بالرغم من حسن النية عند البعض بصورة قاصرة خالية من الإيمان اليقين تحت اسم العلم الذي لا يعترف للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بمعجزة واحدة هي القرآن، وكان من رأي فريد وجدي وهيكل الإعراض عن الخبر الصادق الذي ثبت في الكتاب والسنة إذا عارض طريق العلم وبذلك حجبوا عن السيرة النبوية أهم جوانبها وأخطرها على الإطلاق وهو (جانب معجزة الوحي الإلهي وعالم الغيب) . ولطالما ردد هيكل وطه حسين وغيرهما كلمة العلم والمنهج العلمي. والحقيقة أنهم ما كانوا يقصدون (العلم التجريبي) الذي يقوم في المعامل على أساس الأنابيق. وإنما العلم الذي قصدوا إليه والذي لقن لهم هو الفلسفة المادية التي قدمها التلموديون وكانت قد استفحلت في الغرب بعد القضاء على الفلسفة المثالية المسيحية، وهي فلسفة التنوير كما يقولون. قامت على إنكار جوانب الإنسان الروحية والمعنوية وتصويره بصورة الحيوان والحيوان الناطق والخاضع لشهوتي الطعام والجنس (ماركس وفرويد) وقد امتد هذا الأثر إلى علوم الاجتماع والأخلاق والتربية والأدب والسياسة جميعا ولم يكن هذا في الحقيقة هو العلم، وما كانت هذه الصيحات تساوي شيئا لأن هذه المفاهيم كانت سرعان ما تتعثر وتسقط أمام المتغيرات فضلا عن إنه قد ثبت- من بعد- عجز العلم التجريبي عن أن يقول (كيف) وعجز الدراسات المادية أن تكشف سرائر العلوم الإنسانية. ولقد كانت هذه الدراسات مع الأسف خاضعة لفكرتين مسمومتين قائمتين في نفوس وعقول كتاب الغرب والتغريب هما: 1- فكرة (إخضاع الدين لمقاييس العلم) في أفق الفكر الإسلامي كما فعل الغرب وهي

ثالثا: إنكار معطيات الرسالة الخاتمة:

فكرة مردودة لعمق الفوارق بين الإسلام وبين المسيحية وقد تبين من بعد أنه ليس في الإمكان إخضاع الدين لمقاييس العلم. 2- تخليص الفكر الإسلامي من سائر الغيبيات التي لا تخضع لمقاييس العلم الحديث. ومن هنا كانت محاولة إخضاع السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي لهذا المفهوم وهو ما جرى عليه كتاب التغريب من استبدال السند والرواية وقواعد التحديث وشروطه بأسلوب جديد (زائف) من الاستنتاج الشخصي المتصل بذوق ومزاج كل كاتب على حدة. فطه حسين تابع لمذهب العلوم الاجتماعي،. والعقاد تابع لمذهب العلوم النفسية، وهيكل تابع لمذهب تين وبرونتير إلخ. هذا الأسلوب الذاتي خطير جدا لأنه لا يقوم على قواعد أساسية علمية وإنما يقوم على أساس (الظن وما تهوى الأنفس) هذا الأسلوب يتيح لأصحابه أن يقبلوا وقائع وأحداثا وأن يغضوا عن غيرها ما يختلف مع وجهتهم المسبقة، من هنا كان خطورة هذا المذهب في (استبعاد ما يخالف المألوف مما يدخل في باب المعجزات والغيبات) في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. كذلك فقد حاول دعاة التغريب الاستفادة من هذا الاتجاه ملحظا خطيرا هو القول بأن الغاية منها هو ما أطلق عليه (فكرة الاندماج الكلي في الكمال الروحي) وأنها جميعا وحدة متصلة تربط البشرية في فكرة واحدة. وهذه محاولة مضللة لأن الأديان مترابطة من حيث أن أولها يوصل إلى آخرها ولكن رؤساء الأديان غيروا وبدلوا وبذلك جاء الإسلام مرة أخرى يربط نفسه بدين إبراهيم ليعيد هذه الوحدة في مفهومها الصحيح. ثالثا: إنكار معطيات الرسالة الخاتمة: ومن ذلك ما أورده الدكتور زكي مبارك في كتابه (النثر الفني) من أنه كان للعرب في الجاهلية نهضة علمية وأدبية وسياسية وأخلاقية واجتماعية وفلسفية كان الإسلام تاجا لها أي أن الإسلام كان نتيجة وتاجا لتلك النهضة لا سببا لها. يقول: لأنه لا يمكن لرجل فرد مثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن ينقل أمة كاملة من العدم إلى الوجود ومن الظلمات إلى النور ومن العبودية إلى السيادة القاهرة، كل هذا لا يمكن أن يقع من دون أن تكون هذه الأمة قد استعدت في أعماقها وفي ضمائرها وفي عقولها بحيث استطاع (رجل واحد) أن يكوّن منها (أمة متحدة) وكانت قبائل متفرقة وأن ينظم علومها وآدابها بحيث تستطيع أن تفرض سيادتها وتجاربها وعلومها على أجزاء مهمة من آسيا وإفريقيا وأوروبا في زمن وجيز ولو كان يكفي أن يكون الإنسان نبيا ليفعل ما فعله النبي محمد لما رأينا أنبياء أخفقوا ولم يصلوا لأن أممهم لم تكن صالحة للبعث والنهوض.

رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي:

وهذا واحد من اتهامات التغريب والاستشراق المسمومة حملها قلم رجل مسلم اعتقد هذا الاعتقاد وتعلم في الغرب يحاول أن يرد نهضة العرب بعد الإسلام لا إلى النبوة والرسالة وما أنزل الله على الرسول من دين ولكن إلى علوم وآداب وتجارب كانت عند العرب وأن كل ما فعله النبي هو أنه نظمها حتى استطاع أهلها أن يسودوا في القارات الثلاث في زمن وجيز. يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: إن تاريخ العلوم في الأمة العربية بعد الإسلام معروف كما أن مقاومة العرب للنبي ودعوته ومحاربتهم له ولها معروفة ولكن الرجل ينكر التاريخ ويفتري تاريخا آخر، ويزعم زعما لا يجوز ولا يستقيم في منطق أو تفكير إلا إذا كان القرآن كلام النبي، كلام محمد العربي، لا كلام الله. عندئذ فقط يعقل أن يكون العرب على ما وصف الدكتور من نهضة وعلم وأدب لأن القرآن أكثر من نهضة وعلم وأدب ولا يعقل إن كان كلام بشر أن يأتي صاحبه في أمة جاهلة كالتي أجمع على وجودها قبل الإسلام مؤرخو اللغة العربية من شرقيين ومستشرقين ومؤرخو الإسلام. وهكذا نجد الدكتور زكي مبارك يهدر مقام النبوة الإسلامية بمقاييس المادية البحتة التي صورت له كما صورت للمستشرقين أنه من المستحيل أن تؤدي رسالة النبي محمد في خلال بضعة عشر عاما إلى قيام هذا الملك الباذخ، وهذا هو إنكار المعجزات والغيبات في فهم السيرة النبوية وتاريخ الإسلام. رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي: يقول الدكتور طه حسين في بحث نشره في كتاب (الإسلام والغرب) الصادر عام 1946 في باريس: لقد حاولت أن أقص بعض الأساطير المتصلة بالفترة التي سبقت ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ثم قصصت مولده وطفولته. ونشرت هذه السلسلة بعنوان مقتبس من جيل لوميتر وهو (على هامش السيرة) . ويتحتم أن نعترف بأن كتابين فرنسيين كانا بمثابة الشرارتين اللتين أشعلت موقدين كبيرين: أحد الكتابين لجيل لوميتر عنوانه (على هامش الكتب القديمة) والثاني: (حياة محمد لاميل درمنجم) . أما كتاب جيل لوميتر فإني بعد أن شغفت به كثيرا وضعت في نفسي الأسئلة الآتية: هل يمكن إعادة كتابة مآثر الفترة البطولية في تاريخ الإسلام في أسلوب جديد أم أنه يتعذر ذلك؟ وهل تصلح اللغة العربية لإحياء هذه المآثر؟ وقال عن كتاب (على هامش السيرة) : هذا الكتاب من عمل المخيلة. اعتمدت فيه على جوهر بعض الأساطير ثم أعطيت

نفسي حرية كبيرة في أن أشرح الأحداث وأخترع الإطار الذي يتحدث عن قرب إلى العقول الحديثة مع الاحتفاظ بالطابع القديم. وكان الدكتور طه يتحدث بهذا إلى المستشرقين في أول مؤتمر للحوار بين المسيحية والإسلام ويعد كتابه هذا خطوة في هذا السبيل من حيث دمج الأديان كلها في كتاب واحد وفي اختراع أخطر بدعة من إحياء الأساطير في الأدب العربي. هذا ما كشف عنه طه حسين بعد سنوات طويلة من ظهور (على هامش السيرة) فماذا كان موقف الباحثين منه؟ يقول صديقه وزميل دربه الدكتور محمد حسين هيكل: أستميح طه العذر إن خالفته في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم وعصره مادة لأدب الأسطورة. وأشار إلى ما يتصل بسيرة صلى الله عليه وسلم ساعة مولده وما روي عما حدث له من إسرائيليات روجت بعد النبي ثم قال: ولهذا وما إليه يجب في رأيي ألا تتخذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم مادة الأدب الأسطوري، وإنما يتخذ من التاريخ وأقاصيصه مادة لهذا الأدب، وما اندثر أو ما هو في حكم المندثر، وما لا يترك صدقة أو كذبة في حياة النفوس والعقائد أثرا ما والنبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وعصره يتصل بحياة ملايين المسلمين جميعا بل هي فلذة من هذه الحيا. ومن أعز فلذاتها عليها وأكبرها أثرا. وأعلم أن هذه (الإسرائيليات) قد أريد بها إقامة ميثولوجية إسلامية لإفساد العقول والقلوب من سواد الشعب. ولتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم فقد كانت هذه غاية الأساطير الذي وضعت عن الأديان الأخرى. من أجل ذلك ارتفعت صيحة المصلحين الدينيين في جميع العصور لتطهير العقائد من هذه الأوهام. ولا ريب أن كلام الدكتور محمد حسين هيكل هذا هو اتهام صريح لطه حسين في اتجاهه وتحميله مسؤولية من أخطر المسؤوليات، وهي: إعادة إضافة الأساطير التي حرر المفكرون المسلمون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم منها طوال العصور. وإعادتها مرة أخرى لخلق جو معين يؤدي إلى إفساد العقول في سواد الشعب وتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم. وهذا الذي كشفه هيكل ما زال كثيرون يجهلونه، وما زال المتابعون لحياة الدكتور طه حسين وتحولاته يرون أن هذا أخطر تحول له وأن هذا التحول جاء ليخدع الناس عن ماضيه وسابقته في إذاعة مذهب الشك وطارت الدعوات تقول: إن طه حسين عاد إلى الإسلام وإنه يكتب حياة الرسول، ولم يكن هذا صحيحا على الإطلاق ولكنه كان تحولا خطيرا وفق أسلوب جديد لضرب الإسلام في أعز فلذات حياته وهي سيرة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ولقد دمغه

هيكل حين قال: لقد تحول طه الرجل الذي لا يخضع لغير محكمة النقد والعقل إلى رجل كلف بالأساطير يعمل على إحيائها وإن هذا ليثير كثيرا من التساؤل، إذ إن طه وقد فشل في تثبيت أغراضه عن طريق العقل والبحث العلمي لجأ إلى الأساطير ينمقها ويقدمها للشعب إظهارا لما فيها من أوهام في ظاهرها تفتن الناس. وقد كان هذا مصدرا لما أورده الأستاذ محمد النائف في كتابه دراسات عن السيرة حيث قال: أن (على هامش السيرة) هو في حقيقته على هامش الشعر الجاهلي ومتمم له. فهو على طريق تطاوله على الإسلام ولكن مع المرواغة والمداهنة. ومن أبرز ما يلاحظ أنه خلط تاريخ الإسلام بأساطير المسيحية واليهودية وقساوسة مصر والشام وخيبر ونصارى اليمن، كما عنى عناية كبيرة بأساطير اليونان والرومان، وخلط هذا كله خلطا شديدا مع سيرة النبي وأراد بذلك إثارة جو من الاضطراب بين الإسلام المتميز بذاتيته الخاصة وبين ما كان قبل الإسلام من أساطير وخرافات وقد اهتم بتراث اليهود فقدم لهم قصة (مخيرق) اليهودي ... وقد أخذ في كتابه بالأحاديث الموضوعة وفي نفس الوقت رد أحاديث صحيحة لأنها خالفت هواه، وعوّل كثيرا على الإسرائيليات التي جاءت في تاريخ الطبري وأكثر من إيرادها وحشد قدرا كبيرا من الأساطير في قصة (حفر زمزم) على يد عبد المطلب، وبالغ في قصة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يثبت منها إلّا حديث واحد وأخذ بالأخبار الموضوعة في قصة (زينب بنت جحش) وجسم بعض المعجزات التي حدثت للرسول صلى الله عليه وسلم عند مرضعته حليمة السعدية وأثناء سفر النبي في تجارة خديجة رضي الله عنها. وقد خص الشياطين باهتمام بالغ فتوسع في الحديث عنهم وصور مؤتمرا يتصدره إبليس للشياطين ورسم صورة للشيطان الذي حضر خلاف قريش على الحجر الأسود وكان على شكل شيخ نجدي. وعلى ندرة الصفحات التي خصصها لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم- جاءت هذه الصفحات- مملوءة بالمغالطات والذي سلم من التحريف كان للمتعة والتسلية. ومن أخطر مزاعمه أن النبي قد أحبّ زينب وهي زوجة لزيد وهذا بهتان عظيم. وإذا كان طه حسين قد أشار في المقدمة إلى أنه اهتم باختراع الأحاديث فإنّ الحرية التي أباحها لنفسه لم تكن إلا لهوى معين وهدف واضح هو أن يقدم عن طريق القصص من السموم ما عجز عنه عن طريق النقد والكتابة الأدبية. يقول (غازي التوبة) في دراسته عن طه حسين وهامش السيرة: إنّ طه حسين ينصب نفسه إماما للأساطير اليونانية ويضع السيرة في مصاف الإلياذة

خامسا: الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية:

ويطلب من المؤلفين والكتاب أن يفتنوا في الحديث عنها افتنان أوروبا بأساطير اليونان كي يرضوا ميول الناس إلى السذاجة ويمتعوا عواطفهم وأخيلتهم. ولكن هل يتساوى الأثران في المجتمعين (الإلياذة في المجتمع اليوناني والسيرة في المجتمع الإسلامي؟ وهل كانت السيرة يوما في التاريخ موضوعا لتسلية قصصية أو مباراة لفظية؟) . ولم تكن السيرة يوما من الأيام وسيلة للتسلية والترفيه كما يهدف طه حسين ولكنها كانت مصدرا لابتعاث الهمم ودفع النفوس المؤمنة إلى النهوض بالمجتمعات في ضوء حياة النبي وسننه. ولقد تحدث كثيرون عن الشبهات الواردة في (على هامش السيرة) ووصفها الأستاذ مصطفى صادق الرافعي بأنها «تهكم صريح» وقالت صحيفة الشهاب الجزائرية (ذو القعدة 1352) الموافق 1934 تحت عنوان: دسائس طه حسين: ألف كتابا أسماه على هامش السيرة (يعني السيرة النبوية الطاهرة) فملأه من الأساطير اليونانية الوثنية وكتب ما كتب في السيرة الكريمة على منوالها فأظهرها بمظهر الخرافات الباطلة وأساطير الخيال حتى يخيل للقارئ أنّ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلّا أسطورة من الأساطير وفي هذا من الدس والبهت ما فيه. والدكتور طه الذي كان يقول في الإسلام ما شاء ولا يبالي بالمسلمين أصبح اليوم يحسب للمسلمين حسابا فلا يكتب إلا ويقول: إنه مسلم وإنه يعظم الإسلام ولكن ما انطوى عليه صدره يأبى إلا الظهور كما بدا جليا في كتابه هذا (على هامش السيرة) . وقال الدكتور زكي مبارك (البلاغ- يناير 1934) : وأنا أوصي قرائي أن يقرأوا هذا الكتاب (على هامش السيرة) بروية فإن فيه نواحي مستورة من حرية العقل عرف الدكتور كيف يكتمها على الناس بعد أن راضته الأيام على إيثار الرمز على التأليف (بعد ضربة الشعر الجاهلي) آثر أسلوب الرمز لتغطية أهدافه. وقال الدكتور هيكل في دراسة لهامش السيرة الجزء الثاني (ملحق السياسة 25/ 12/ 37) : إن اليهود لهم باع طويل في دس الإسرائيليات في الإسلام. والحق أنني كنت أشعر أثناء قراءتي هذا الجزء الثاني من هامش السيرة وكأنما أقرأ في كتاب من كتب الأساطير اليونانية وليس فصل (نادي الشياطين) بأشد إمعانا في أدب الأسطورة من سائر فصول الكتاب وقد عرف تبعية الدكتور طه حسين لمفهوم الإسرائيليات ووجهة نظر اليهود في قضايا كثيرة مثل موقفه من عبد الله بن سبأ في كتاب الفتنة الكبرى. خامسا: الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية: إن التفرقة بين (النبوة) و (العبقرية) هي من أخطر ما تعرضت له كتابات العصريين للسيرة

النبوية فليس من المعقول أن تطلق تسمية (العبقرية) على الرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي وعلى صحابته أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبقرية في كتابات العقاد والبطولة في كتابات عبد الرحمن عزام، وبطل الحرية في كتابات عبد الرحمن الشرقاوي، وكل هذه مسميات تحجب عن القارئ المسلم الصفة البارزة والمهمة الأساسية وهي «النبوة» المؤيدة بالوحي. إن دراسة حياة النبي صلى الله عليه وسلم تحت أي اسم من شأنها أن تعجز عن استيفاء جوانب هذه الشخصية العظيمة، وليس ثمة غير منهج واحد هو أنه نبي مرسل من قبل الله تبارك وتعالى، فإن هذا الفهم وحده هو الذي يكشف عن الحقائق الناصعة ويكشف عن صفحات السمو والكمال الخلقي والعقلي والنفسي. إن كلمة (العبقرية) : هي مصطلح عرف في الفكر الغربي وتناولته الأقلام ودارت حوله المعارك والمساجلات، وفي عام 1935 انتقلت هذه المعارك إلى المجلات العربية فدارت مناقشة طويلة بين محمد فريد وجدي والدكتور أمير بقطر. والتقطها الأستاذ العقاد واختزنها في ذاكرته ليجعلها عنوانا لدراسة عن الرسول التي بدأها عام 1942. ومن مجمل الدراسات التي دارت يتكشف أن هذه النظرية تجري حول التميز والذكاء والتفوق في مجال الفن والموسيقى والتصوير ولم يرد في الأسماء التي تناولتها الأبحاث أي اسم من أسماء المصلحين أو أصحاب الرسالات. ولقد قصر الدكتور أمير بقطر العبقرية على الذكاء. وقال إنها تجيء عن طريق الوراثة وإنها غير مكتسبة. وأوردت دوائر المعارف وصفا للعبقرية بأنها لغة الكامل في كل شيء. ويكون مبلغ رقم قياس ذكاء العبقري فوق المعتاد. وبينما يقصر أمير بقطر العبقرية على حالة اختبار الذكاء فإن (فريد وجدي) يرى أنها (هبة إلهية ثمرتها فوق القدرة البشرية يمنحها الله لبعض الأفذاذ لتبرز على ألسنتهم أو على أيديهم أمور لا يستطيع العقل البشري أن يستقل بإيجادها) . ولعل هذا هو المعنى الذي جعل العقاد يختارها ليصف بها الرسول مع أن جميع علماء الغرب لم يصفوا بها أحدا من الأنبياء المسيح أو موسى عليهما السلام. والحقيقة أنّ مقاييس الجاه والثروة والعظمة التي جاءت بها العلوم المادية الحديثة تختلف تماما عن التقديرات التي جاءت بها النبوة.

وإنّ أي قدر من الموهبة الإلهية التي توصف بها العبقرية يختلف اختلافا واضحا عن النبوة. وبالرغم من الاختلاف في فهم العبقرية وبين كتابات العشرات من الباحثين الغربيين فإنّ أحدا لا في الغرب ولا في الشرق أدخل النبوة والأنبياء في هذه الدائرة. ولكن يبدو أنّ الأستاذ العقاد أراد أن يتفوق على صاحبيه (هيكل وطه) وقد سبقاه بعشر سنوات في كتابة السيرة باتخاذ هذا المصطلح. يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: يجب أن يقرأ للعقاد باحتياط وهو يكتب عن الإسلام فالعقاد ابن العصر الحديث أخذ ثقافته مما قرأ لأدبائه وعلمائه وهو شيء كثير وليس كل ما كتبه المستشرق يقبله المسلم ولا كل نظريات الغرب متفق وما قرره القرآن. ولكن العقاد اعتقد من هذه النظريات ما اعتقد، فهو ينظر إلى القرآن من خلال ما اعتقد منها ويبدو أن من بين ما اعتقده العقاد نظرية (فريزر) في نشوء الأديان فهي عنده ليست سماوية ولكنها أرضية نشأت بالتطور والترقي إلى الأحسن، ومن هنا تفضيل العقاد للإسلام على غيره من الأديان فهو آخرها وإذن فهو خيرها ويقول: إن لم يكن هذا هو تفسير إطلاق أسميه الغربيين على كتابيه (عبقرية محمد، والفلسفة القرآنية) فهذه التسمية خطأ منه ينبغي أن يتنبه إليه قارئ الكتابين من المسلمين لينجو ما أمكن مما توحي به التسميات من أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبقري من العباقرة لا نبي ولا رسول بالمعنى الديني المعروف في الأديان المنزلة. ويؤكد هذا الإيحاء أن جاء الكتاب واحدا من سلسلة كتب العبقريات الإسلامية ولن يكون أولها. فالناشئ الذي يقرأ بعد عبقرية محمد عبقرية أبي بكر وعبقرية عمر مثلا لا يمكن أن يسلم من إيحاء خفي إلى نفسه أنّ محمدا وأبا بكر وعمر من قبيل واحد، عبقري من عباقرة وإن يكن أكبرهم جميعا. كالذي سمي النبي صلى الله عليه وسلم بطل الأبطال فأوهم أنه واحد من صنف ممتاز من الناس متجدد على العصور بدلا من صنف اختتم به صلى الله عليه وسلم صنف الأنبياء والمرسلين من عند الله فالنبي والرسول يأتيه الملك من عند الله بما شاء الله من وحي ومن كتاب. ولا كذلك العبقري ولا البطل. فالنبوة والرسالة فوق البطولة والعبقرية بكثير. وكم في الصحابة رضوان الله عليهم من بطل ومن عبقري وكلهم يدين له صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله إلى الناس كافة ذلك العصر وما بعده وأنه خاتم النبيين. ويقول الأستاذ غازي التوبة: كتب العقاد العبقريات دفاعا عن العظمة الإنسانية في وجه المتطاولين والحاقدين والمشوهين. هذه العظمة الإنسانية التي تحتاج إلى رد الاعتبار في عصره ودفاع العقاد عن العظمة الإنسانية هي حلقة من دفاعه عن الفرد وإيمانه به. ولكن ما هي

الأخطار التي هددت الفرد والعظمة وجعلته يستل قلمه سنة 1942 ليكتب أول عبقرية من عبقرياته؟ في الحقيقة أن الأخطار المباشرة التي هددت الوجه الآخر من إيمان العقاد بالفرد هي النظام الديمقراطي. هددته ثلاثة أخطار هي الفاشية والشيوعية والمد الإسلامي. تصدى للفاشية في (هتلر في الميزان) وتصدى للشيوعية في كتابيه (الشيوعية والإنسانية) و (أفيون الشعوب) . أما تيار المد الإسلامي فحاربه بسلاح الشخصيات فكتب العبقريات ليؤكد صحة أفكاره في أولية الفرد في التاريخ وأحقيته كمحرك له وليطعن ويشوه الإيمان بالجانب الجماعي في الإسلام ويشكك في دور العقائد والتربية في توجيه الأشخاص، فالعظيم عظيم بفطرته والعبقري عبقري منذ نشأته، كذلك فقد ركز العقاد على العوامل الوراثية والتكوين الجسماني والعصبي، ووضع هذه الأسباب في المرتبة الأولى في توجيه الشخصية بحيث تأتي العقيدة الإسلامية والتربية في المرتبة الثانية إن كان هناك دور للعقيدة أو التربية. والعقاد في موقفه هذا متأثر ببعض المدارس الأوروبية التي تقدس الفرد والفردية وتفسر مختلف حوادث التاريخ على هذين الأساسين، وقد أورد العقاد ذكرا لإحدى هذه المدارس التي تحدد صفات العبقري انطلاقا من تكوينه الجسدي وهي مدرسة (لومبروزو) . وهكذا قولب العقاد الشخصيات الإسلامية ضمن نظرياته الجاهزة في الفرد والطوابع الفردية. وهو في هذا قد حجب الجانب الرباني المعجز، وحجب الغيبيات. فهو في موقفه من انتصار الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته لا يعرض مطلقا لوعد الله تبارك وتعالى لرسوله ورعايته والملائكة المقاتلين والنعاس الذي تغشى المسلمين أمنة والمطر الذي طهرهم والرياح التي اقتعلت خيام المشركين وتثبيته لأفئدة المقاتلين وقذفه الرعب في قلوب الكافرين، فليست العوامل المادية هي قوام مكانة الرسول العسكرية ولكن العوامل الربانية يجب أن تضاف إلى ملكات الرسول في التخطيط. كذلك فهو لم يكشف عن دور الإسلام في بناء شخصية الرسول، فالإسلام هو الذي أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الإيمان بالله تبارك وتعالى والإيمان بأحقية الموت في سبيل الله وذلك القدر من الثبات والتضحية والإقدام والعزم والصبر. هذا الجانب الذي تجاهله العقاد واكتفى بالمقارنة بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم وبين نابليون في النواحي المادية والعسكرية. كذلك لم يتبين الفارق بين حروب محمد صلى الله عليه وسلّم وبين حروب نابليون وأنها كانت خالصة في سبيل الله ونشر الإسلام وليست في سبيل المطامع والسيطرة. ذلك أنه ناقش عبقرية الرسول العسكرية في ضوء العبقريات البشرية، ولم يتنبه للفوارق

العميقة التي تتميز بها شخصية الرسول بوصفه نبيا مرسلا أو تلك التي هداه إليها الإسلام، وأن تميزه هذا يختلف عن البطولات والعبقريات البشرية الأخرى. ومن هنا يبدو النقص في وزن النبي صلى الله عليه وسلم بالعبقريات البشرية الأخرى. كذلك فإن هذا التميز الذي عرفت به شخصية محمد صلى الله عليه وسلّم «نبيّاً ومرسلا وهاديا» . تختلف في المقارنة بينه وبين الأبطال العالميين الآخرين من ناحية كما أنّ شخصيته تختلف بينه وبين أبي بكر وعمر وغيرهم. لقد تحدث العقاد عن الجانب المادي في شخصية الرسول وحجب تماما الجانب الروحي المتصل بالوحي وأظهره كمجرد إنسان يعمل بمواهب ممتازة وملكات خاصة وهكذا فإن (العبقرية) التي حاول العقاد أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلالها، كان حجمها ضيقا ومجالها ناقصا، وأخطر ما أخذ عليه هو أنه لم يظهر أثر الإسلام في بناء شخصية الرسول وهو العامل الأكبر في حياته وتصرفاته على النحو الذي وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها (كان خلقه القرآن) هذه الربانية الخالصة التي تعلو على طوابع البشر. وقد وصفها القرآن في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ. كذلك فقد تحدث عن افتتان المسلمين بشخص الرسول وانبهارهم بمواهبه واعتبر إعجابهم به سببا وحيدا لدخولهم في الإسلام وعزا اجتماع الصداقات المتنوعة حوله بأنه كان نتيجة لمزاياه النفسية، وبذلك أنكر أثر عظمة الإسلام نفسه في إيمان أصحاب النبي، وليس من شك أنّ إعجاب المسلمين بالرسول له أهميته في مرحلة الدخول في الإسلام ولكن تقدير المسلمين للإسلام هو العامل الذي ثبتهم بعد ذلك على الإيمان بالإسلام وحفزهم للدفاع عنه. إنّ الأستاذ العقاد وقد حارب مذهب التفسير المادي للتاريخ الذي قدمه ماركس والشيوعية حربا لا هوادة لها خضع مع الأسف للمذهب النفسي المادي الذي لا يعترف بالآثار المعنوية المترتبة على الإيمان والعقيدة في بناء الشخصية كما تجاهل جانب الغيبيات ولم يفهم النبوة فهما صحيحا، ولذلك فإنّ الجانب الروحي القادر على العطاء في بناء الشخصيات والذي صنع شخصية رسول الإسلام تراه باهتا غائما عنده، وذلك لأنه اعتمد في دراسة الشخصيات والبطولات على مذاهب غربية تتجاهل النبوة والوحي والغيبيات والمعجزات، ولا تجعل هذه العوامل الروحية والمعنوية أي وزن وأي اعتبار وإنما قامت على جوانب الحس وتركيب الإنسان المادي والوراثيات وغيرها.

سادسا: تطور جديد: التفسير الماركسي للسيرة:

سادسا: تطور جديد: التفسير الماركسي للسيرة: ثم جاء بعد ذلك تطور جديد في كتابة السيرة العصرية، وهو إخضاعها للتفسير الماركسي على النحو الذي كتبه عبد الرحمن الشرقاوي تحت اسم (محمد رسول الحرية) . وقد قال الشيخ محمد أبو زهرة في توصيف هذا العمل: إن الكتاب كان له اتجاه غير ديني في دراسته فهو ما درس محمدا صلى الله عليه وسلم على أنه رسول يوحى إليه بل على أنه رجل عظيم له آراء اجتماعية فسرها الكاتب على ما يريد، وقد تبين أنّ الكاتب يقطع النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحي فكل ما كان من النبي من مبادئ وجهاد في سبيله إنما هي من عنده لا بوحي من الله تعالى. وهي بمقتضى بشريته لا بمقتضى رسالته والعنوان (إنما أنا بشر مثلكم) يعلن أن ما وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم من مبادئ جاهد من أجلها إنما هو صادر عن بشرية كاملة لا عن نبوة، وقد اقتطع هذه الجملة مما قبلها وما بعدها ونصها الصحيح قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وهو بهذا الاقتطاع ينفي الوحي عن الحياة المحمدية. كذلك فهو ينفي الخطاب السماوي للرسول ولا يذكر أنّ جبريل خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في العيان. وتصويره للوحي بأنّه حلم في النوم يخالف ما أجمع عليه المسلمون من أن جبريل كان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالعيان لا في المنام، الأمر الذي تردد ذكره في القرآن على أنه رسول الله إلى الذين يصطفيهم من الأنبياء ليبلغ الرسالة الإلهية لأهل الأرض. كذلك فهو يقطع الرسالة عن الرسول ويقطع الوحي عنه ويتجه إلى القرآن فيذكر عباراته أحيانا منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنها من تفكيره ومن قوله لا أنها قرآن موحى بها وقائله هو الله سبحانه وأنّ ذلك مبثوث في الكتاب بكثرة وهو ينسب بعض آي القرآن إلى النبي، وكذلك ينسب إبطال التبني إلى النبي ولا ينسبه إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك ينسب تحريم الخمر إلى النبي، كما أنه يذكر قصص القرآن على أنه نتيجة تجارب النبي صلى الله عليه وسلم وما كانت قصص النبي إلا من القرآن وما كانت له رحلات في بلاد العرب بل إنه لم يخرج من الحجاز إلا مرتين إحداهما في الثانية عشرة والثانية في الخامسة والعشرين. ويرى الكاتب أنّ القرآن من كلام محمد ولم يذكر قط على وجه التصريح أن الله تبارك وتعالى هو منزل القرآن وباعث محمد بالرسالة بل إنّ ذكر الله تبارك وتعالى يندر في الكتاب بل لا تجد له ذكرا قط ولم يذكر القرآن إلا نادرا بل لا تكاد تجد له ذكرا قط، وإذا ذكر آية ذكر أنها همهمة نفس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يذكر كلمة القرآن على أنه منسوب لله، في مقام يومئ بالتشكيك في صدقه ويوهم بأنّ به تحريفا وتبديلا ومحاولة التقاط من واحد ممن كانوا يشتركون مع العشرات في كتابة الوحي لإثارة هذه الشبهة. ولقد كان هذا التطور في كتابة السيرة نتيجة للأدوار التي مرت بها على أيدي السابقين.

سقوط المدرسة المادية في السيرة:

سقوط المدرسة المادية في السيرة: قامت هذه المدرسة على إنكار الغيب والمعجزات في آن وإنكار الوحي والنبوة في آن آخر، وحاولت أن تفسر الإسلام وسيرة الرسول تفسيرا ماديا وجرت في خضوع منكسر وراء العقلية الأوروبية وتحت لواء ما زعموه من المنهج العلمي الحديث، وكانت هذه المدرسة رد فعل أثاره الانبهار والشعور بالضعف لدى طائفة من المسلمين ترى أن تتابع الأوروبيين في فهم الدين والعقيدة. ولكن سرعان ما تكشفت هذه النزعة وسقطت وجهتها، وبرزت كتابات مدرسة الأصالة التي أنكرت هذا الأسلوب الفلسفي المادي، وأقامت مفاهيمها على الأساس القرآني الأصيل. وظهرت تلك الكتابات بأقلام حسن البنا ومحمد الغزالي وسعيد رمضان البوطي وأبو الحسن الندوي وكثيرون غيرهم فردت إلى السيرة النبوية وأعادت تقدير جانب معجزة الوحي الإلهي والغيبيات والمعجزات. وقد جاءت كتابات مدرسة الأصالة في السيرة النبوية مصححة لأغلاط كثيرين ممن كتبوا عن السيرة في هذا العصر وأماطت اللثام عن المغالطات التي كانت ولا تزال تدسها أقلام كثير من المستشرقين والتغريبيين وهي أغلاط ومغالطات قامت لتغذيتها وترويجها مدرسة التبعية. إنّ هذه المدرسة لم تعد تخدم إلا قلة من بقايا المفتونين باسمها وإنّ الحقائق الناصعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ستظل هي المشرقة والسائدة. وليس أدل على ذلك من هذه المؤتمرات للسيرة التي حشدت عشرات من الأعلام للكشف عن الجوانب المختلفة في حياة هذا النبي الكريم الذي هدى البشرية إلى طريقها وأخرجها من الظلمات إلى النور. حال العالم في القرن العاشر الهجري يمتد القرن العاشر الهجري من سنة 1496 م إلى سنة 1591 م، وكانت الدولة العثمانية التركية أقوى دولة إسلامية فيه، وكان على رأسها في أوله السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح، وكان ملكا محبا للسلم، فوقفت هذه الدولة في عهده عند فتوح أبيه، وقد خرج عليه ابنه سليم الأول، فانضمّ إليه جيش الانكشارية، فترك له الحكم سنة 918 هـ 1512 م، فقام السلطان سليم بعد أبيه بالحكم، وابتدأه بقتال الطامعين فيه من إخوته وأبنائهم إلى أن قضى عليهم، ثم توجه إلى قتال الشاه إسماعيل مؤسس الدول الصفوية بفارس، وكان

شيعيّا علويا ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب، فحاربه السلطان سليم واستوى على مدينة تبريز قاعدة ملكه، وانتزع منه العراق وما إليه من البلاد، ثم توجه بعد هذا إلى قتال المماليك بمصر، فحاربهم حتى أسقط دولتهم سنة 923 هـ 1517 م، وانتزع لنفسه الخلافة الصورية من آخر خلفاء بني العباس بمصر، وبهذا صار ملوك الدولة العثمانية التركية خلفاء المسلمين بعد أن كانوا ملوكا على دولتهم فقط، وفاتهم أن الخلافة الإسلامية لا تنعقد بهذا الشكل، وإنما تنعقد بالشورى ومبايعة المسلمين باختيارهم، ثم توفي السلطان سليم سنة 926 هـ 1520 م، فخلفه ابنه السلطان سليمان الأول القانوني، وفي عهده وصلت هذه الدولة إلى نهاية عظمتها، فاستولت على بلاد الصرب والمجر، ووصلت فتوحاتها إلى فينّا قاعدة النمسا، واستولت على الجزائر وغيرها من بلاد المغرب وقد انتهت باستيلائها على تلمسان دولة بني زيان سنة 952 هـ 1545 م، واستولت على اليمن وغيره من بلاد العرب، وكان لهذا السلطان إصلاحات دينية ومدنية عديدة، ثم توفي سنة 974 1566 م، فخلفه ابنه سليم الثاني، وكان ضعيفا لا يتحلى بالصفات التي تمكنه من إدارة هذه المملكة الواسعة، ولكنه كان له وزير عظيم هو محمد باشا الصقلي، فاعتمد عليه في تدبير أمور هذه الدولة، وإليه يرجع الفضل في المحافظة عليها في عهده، وقد تم في عهده الاستيلاء على مدينة تونس من بلاد المغرب، فانتهت بهذا الدولة الحفصية سنة 981 هـ 1573 م، وتوثقت العلاقة في عهد هذا السلطان بين فرنسا والدولة العثمانية التركية، حتى أباح لفرنسا أن ترسل بعوثا دينية إلى البلاد الإسلامية، فأرسلت إليها كثيرا من هذه البعوث، مع أنها كانت تقصد تربية الطوائف المسيحية الموجودة بين المسلمين على الإخلاص لها، وسيكون لهذا من العواقب السيئة ما سيأتي بيانه في القرون الآتية، ثم توفي هذا السلطان سنة 982 هـ 1574، فخلفه ابنه مراد الثالث، وابتدأ حكمه بعادتهم السيئة، فقتل إخوته لئلا ينازعوه في الملك، ثم أعلن تحريم شرب الخمر، وكان قد شاع في عهد أبيه، وأفرط فيه الانكشارية، فثاروا عليه واضطروه إلى إباحته بالمقدار الذي لا يسكر، وفي عهده كانت علاقة الدولة حسنة مع فرنسا والبندقية وانجلترا، وقد حصلت هذه الدول على كثير من الامتيازات التجارية في بلاد الدولة سبب هذه العلاقة وسيكون لهذه الامتيازات أثرها السيّئ في القرون الآتية، وقد وقعت في عهد هذا السلطان حروب كثيرة بينه وبين الدولة الصفوية، فازدادت بها العلاقة سوءا بينهما، وكانت أولى بحسن العلاقة من الدول الأوروبية السابقة، وفي عهده أعلنت الفلاخ والبغدان وترنسلفانيا العصيان على الدولة، وأمكنها بمساعدة ملك النمسا وألمانيا الاستيلاء على مدن كثيرة من هذه البلاد، وكانت وفاة هذا السلطان سنة 1003 هـ 1594 م. وكان للمسلمين في هذا القرن دولتان شرقيتان غير الدولة العثمانية التركية: أولاهما:

الدولة الصفوية ببلاد فارس، وقد أنشأها الشاه إسماعيل ابن الشيخ صفي الدين العلوي الحسني سنة 906 هـ 1500 م، واتخذ مدينة تبريز قاعدة له، وقد اتسعت بعد هذا حتى شملت جميع بلاد فارس والعراق العربي وديار بكر، وامتدت من الخليج الفارسي إلى بحر الخزر، وكانت العلاقة سيئة بينها وبين الدولة العثمانية التركية طول هذا القرن، ومن أهم أسباب هذا العداء أن الدولة الصفوية كانت شيعية، والدولة العثمانية التركية كانت سنية. والثانية: الدولة المغولية ببلاد الهند، وقد أنشأها بابرشاه من نسل تيمور لنك سنة 911 هـ 1505 م، وكانت وفاته سنة 937 هـ 1530 م، فخلفه ابنه همايون، وقد استمر حكمه إلى سنة 964 هـ 1556 م، فخلفه ابنه أكبر خان إلى سنة 1014 هـ 1605 م، وكان لأكبرخان أفكار جريئة في التجديد خرج في بعضها عن دائرة التجديد الإسلامي، وسنذكرها في موضعها من هذا القرن. أما المغرب فقد ظهر ضعفه في هذا القرن، وكادت بلاده تسقط في يد الأسبانيين والبرتغاليين، وقد ذهبت فيه دولة بني حفص ودولة بني زيان باستيلاء الدولة العثمانية التركية على تونس والجزائر، وسقطت فيه بمراكش دولة بني وطاس سنة 956 هـ 1549 م، وقامت دولة السعديين الحسنية العلوية مكانها، ولكنها لم تكن من القوة بحيث يمكنها دفع عدوان أوروبا على المسلمين من هذه الناحية، وقد خرج على سلطانها بعض أهلها، واستعانوا عليه بالبرتغاليين، فلم يقو وحده على حربهم، واستنجد بالدولة العثمانية التركية، فأمرت واليها بطرابلس أن يرسل إليه مددا من جنوده، فأرسل إليه مددا منها، وكان هذا سنة 986 هـ 1578 م، فتمكن بهذا المدد من الانتصار على الثائرين ومن ساعدهم من البرتغاليين. وقد رجع هذا المدد إلى طرابلس بعد انتصاره عليهم، وترك مراكش وحدها تعاني ما تعاني من طمع أوروبا فيها. وبهذا يمكننا أن نحكم بأن المسلمين في هذا القرن كانوا على شيءٍ من القوة، إذ كانت الدولة العثمانية التركية فيه لا تزال مرهوبة الجانب عند أمم أوروبا، ولكن الحالة العلمية بين المسلمين في هذا القرن لم تكن مضاهية لقوتهم، فقد فشا الجهل فيهم إلى الحد الذي سيأتي في شكاية بعضهم، وكانوا في القرون السابقة يعادون العلوم الفلسفية وحدها، فأضافوا إليها في هذا القرن معاداة العلوم الأدبية، لأن العامية أخذت تطغى عليهم بعد استيلاء الدولة العثمانية التركية على معظم البلاد العربية، وجعلها اللغة التركية هي اللغة الديوانية، وممن شكا من معاداة العلوم الأدبية في هذا القرن صاحب كتاب- العقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم- وكان معاصرا للسلطان سليمان القانوني، فقال مشيرا إلى موضوع كتابه في التاريخ: ولعمري إن ذلك

المؤلف والكتاب اسمه وكنيته

يعد عند الأكثرين من تضييع الأوقات، لأن المعارف عندهم خرافات، فإنا قد انتهينا إلى زمان يرون الأدب عيبا، ويعدّون التضلع من الفنون ذنبا، وإلى الله الحنّان المشتكي من هذا الزمان، قد سلّ سيف بغيه وعدوانه، على من تحلى بالفضائل وتقدم على أقرانه، وأوفق نبله لكل ذي نبل ظاهر وشرف باهر، فالتبس الدر بالزجاج، واشتبه العذب بالأجاج، وضاع أرباب الألباب كالذباب في الضباب، فصارت المعارف طيف خيال، أو ضيفا على شرف ارتحال، وضعف أساس العلم وبنيانه، وتضعضعت أركانه، وخمدت ناره، وكادت أن تمحى آثاره: وكان سرير العلم صريحا ممردا ... يناغي القباب السبع وهي عظام متينا رفيعا لا يطار غرابه ... عزيزا منيعا لا يكاد يرام يلوح سنا برق الهدى من بروجه ... كبرق بدا بين السحاب يشام فجرّت عليها الرامسات ذيولها ... فخرت عروش منه ثم دعام محا الذاريات اليوم آيات حسنه ... فلم يبق منه آية ووسام وممن شكا حال العلوم الفلسفية في هذا القرن الحكيم داود الأنطاكي صاحب التذكرة في الطب، وكان قد نزل بمصر فقال فيها: ثم لم ألبث أن هبطت مصر هبوط آدم من الجنة، لما وجدتها كما قال أبو الطيب ملاعب جنة، فكأنها مغاني الشّعب، وأنا المعنيّ فيها بقوله: ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان تنبو عن قبول الحكمة فيها طباع الرجال، نبوّ قيناتهم الحسان لحى شيب القذال، ثم تمثل: ما مقامي بأرض نخلة إلا ... كمقام المسيح بين اليهود أنا في أمة تداركها اللّ ... هـ غريب كصالح في ثمود وقد طعن أهل مصر في عقيدته لاشتغاله بعلوم الفلسفة، فلما كثر كلام الناس في اعتقاده ارتحل منها إلى مكة. وبهذا ازداد العلم هوانا في هذا القرن أمام جهلة المتصوفة. المؤلف والكتاب اسمه وكنيته وهو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي. قال الشعراني في ذيل طبقاته. «كان عالما صالحا مفنّنا في العلوم، وألف السيرة النبوية التي جمعها من ألف

مصنفاته

كتاب، وأقبل الناس على كتابتها، ومشى فيها على أنموذج لم يسبقه إليه أحد. وكان عزبا لم يتزوج قط، وإذا قدم عليه الضيف يعلق القدر ويطبخ له. وكان حلو المنطق مهيب النّظر كثير الصّيام والقيام، بتّ عنده الليالي فما كنت أراه ينام إلّا قليلا. وكان إذا مات أحد من طلبة العلم وخلف أولادا قاصرين، وله وظائف، يذهب إلى القاضي ويتقرّر فيها ويباشرها ويعطي معلومها للأيتام حتى يصلحوا للمباشرة. وكان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئا، ولا يأكل من طعامهم» . مصنفاته لقد أثرى مصنفنا- رحمه الله تعالى- مكتبتنا الإسلامية بذخائر ونفائس التراث الإسلامي فنذكر منها ما يأتي: الآيات الباهرة في معراج سيد أهل الدنيا والآخرة. الإتحاف بتمييز ما تبع فيه البيضاوي صاحب الكشاف. إتحاف الراغب الولي في ترجمة الأوزاعي. إتحاف الأريب بخلاصة الأعاريب. تفضيل الاستفادة من بيان كلمتي الشهادة. الجامع الوجيز الخادم للغات القرآن العزيز. الجواهر النفائس في تحبير كتاب العرائس. رفع القدر ومجمع الفتوة في شرح الصدر وخاتم النبوة. سبل الهدى والرشاد في سير خير العباد. وهو الذي نحن بصدد تحقيقه. شرح الأجرومية. عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان. عين الإصابة في معرفة الصحابة. الفتح الرحماني في شرح أبيات الجرجاني في الكلام. الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. كشف اللبس في رد الشمس. مختصره المسمّى بالآيات البينات. مرشد السالك إلى ألفية ابن مالك.

وفاته

النكت على الألفية. النكت المهمات من الكلام على الأبناء والبنين والبنات. وجوب فتح همزة «إن» وكسرها وجواز الأمرين. وفاته توفي المصنف رحمه الله سنة 942 هـ أسكنه الله تعالى فسيح جناته اللهم آمين ولله الأمر من قبل ومن بعد. كلمة شكر ونحن إذ نقدم للمسلمين هذا العمل العلمي، الذي نعتقد أننا خدمنا به هذا الكتاب- يجب علينا الثناء والشكر والتقدير للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إذ قام- أدامه الله خادما للتراث الإسلامي- بتحقيق الأجزاء الأولى من هذا الكنز النفيس، وذلك من باب إحقاق الحق، ونسبة الفضل لذويه، إذ الأمر- كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله، فقد أسهم إخراج هذه الأجزاء على الرغم من عملنا فيها ومقابلتها بمخطوطاتها المشار إليها أسهم عمل المجلس في إخراج الكتاب منقحا صحيح النص. وقد قمنا بإخراجه كاملا خدمة لسيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ونفعا للأئمة المسلمين وطلاب العلم، ونسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا في ذلك. وصف المخطوط اعتمدنا في تحقيق كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للإمام الصالحي على المخطوطات التالية: الأولى: هي المحفوظة بمكتبة المتوكلية اليمنية بصنعاء تحت رقم 207- 210 (تاريخ) ، وهي تقع في أربعة أجزاء وهي نسخة كاملة للكتاب من أوله إلى آخره من أجل ذلك جعلناها أصلا للكتاب ورمزنا لها بالرمز (أ) . الثانية: هي المحفوظة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة والموجود منها الجزء الرابع فقط وهو الجزء الأخير من الكتاب. رمزنا لها بالرمز (ب) . الثالثة: هي المحفوظة بدار الكتب المصرية في مكتبة مصطفى فاضل تحت رقم (50 م- تاريخ) وهي تشتمل على الجزء الثالث والرابع وقد رمزنا لها بالرمز (ج) . الرابعة: هي المحفوظة بدار الكتب المصرية بمكتبة التيمورية تحت رقم (925) تاريخ.

الخامسة: هي المحفوظة بدار الكتب المصرية بمكتبة طلعت تحت رقم (2100) تاريخ وتشتمل على المجلد الأول والثاني والثالث. السادسة: هي المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 130 تاريخ وتقع في أجزاء متفرقة. السابعة: هي المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 4511 وتقع في أجزاء متفرقة. هذا، وقد وضع المؤلف في مقدمة كتابه فهرسا مشتمل على أبواب الكتاب غير أنه لم يلتزم بتتبع ما عنون له في مقدمة كتابه لذلك وجد بمخطوطات الكتاب بياض كثير وقد بذلنا الوسع في سدّ كثير من هذا النقص واضعين له بين معكوفين هكذا [] . وقد كان من أشد العنت والعناء الذي لقيناه كذلك صعوبة الخط مما يخبره أهل فن التحقيق والعالمون به والبتر الكثير وعدم اتصال الكلام بعضه ببعض. وقد قمنا بنسخ الكتاب ومقابلة النسخ غافلين ما بينها من فروق إلا ما ندر حرصين على سلامة النص بالرجوع إلى مصادر التاريخ والسيرة وقد قمنا بتخريج كثير من أحاديث الكتاب إلا ما تكرر منها في آخره فأغفلنا تخريجه لعزو المصنف له وسبق تخريجه، ولم يلتزم المصنف بما صح أو غيره من أحاديث السنة المشرفة فقط بل ذكر بعض الموضوعات في كتابه تبعا في ذلك لابن السبكي والقاضي عياض وغيره دون توضيح وإشارة إلى وضعه إلا أن ذلك لا يقلل في قيمة الكتاب في جملته وما اشتمل عليه من موضوعات وأبواب جامعة لسيرة خير العباد صلى الله عليه وسلم حتى عدّه بعض أهل العلم من موسوعات التخريج لأحاديث سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك. وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين. المحققان

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرّحيم قال سيّدنا ومولانا وشيخنا شيخ الإسلام خاتمة المحدّثين والأعلام، أبو عبد الله محمّد ابن يوسف الشّامي، رحمه الله تعالى ورحمنا به، وجزاه خيراً عن تعبه ونصبه. آمين. الحمد لله الذي خصّ سيّدنا محمدا صلى الله عليه وسلّم بأسنى المناقب، ورفعه في الشّرف إلى أعلى المراتب، وأيّده بالمعجزات الباهرات العجائب، التي فاقت ضوء النيّرين وزادت على عدد النّجوم الثواقب، وجعل سيرته الزكيّة أمناً لمن تمسّك بها ونجاةً من المعاطب أحمده سبحانه وتعالى حمداً أنال به رضاه وبلوغ المآرب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربّ المشارق والمغارب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله المبعوث بالدّين الواصب، صلى الله عليه وسلّم وعلى آله وأصحابه الذين نالوا اشرف المناصب. أمّا بعد: فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب، وتحرّيت فيه الصّواب، ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوّته وشمائله وسيرته وأفعاله وأحواله وتقلّباته، إلى أن نقله الله تعالى إلى أعلى جنّاته، وما أعدّه له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم. ولم أذكر فيه شيئاً من الأحاديث الموضوعات، وختمت كلّ باب بأيضاًح ما أشكل فيه وبعض ما اشتمل عليه من النّفائس المستجادات، مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات، والجمع بين الأحاديث التي قد يظنّ أنّها من المتناقضات. وإذا ذكرت حديثاً من عند أحد من الأئمّة فإنّي أجمع بين ألفاظ رواته إذا اتفقوا، [وإذا عزوته لمخرّجين فأكثر فإني أجمع بين ألفاظهم إذا اتفقوا] فلا يعترض عليّ إذا عزوت الحديث للبخاريّ ومسلم وذكرت معهما غيرهما، فإن ذلك لأجل الزّيادة التي عندهما غالباً. وإذا كان الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم صحابيّاً قلت: رضي الله تعالى عنه.

وإن كان تابعياً أو من أتباع التّّابعين قلت: رحمه الله تعالى. وإذا أطلقت الشيخين: فالبخاري ومسلم، أو قلت: متفق عليه: فما روياه، أو الأربعة: فأبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي، أو الستة: فالشّيخان والأربعة، أو الخمسة فالسّتة إلا ماجه أو الثلاثة: فالأربعة إلا هو، أو الأئمّة: فالإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد والسّتّة والدّارقطنيّ. ولم أقف على شيءٍ من الأسانيد المخرّجة للإمام الأعظم أبي حنيفة النّعمان رضوان الله تعالى عليه فلذلك لم أذكره. [أو: الجماعة] : فالإمام أحمد والسّتّة: أو: أبو عمر: فالحافظ يوسف بن عبد البر أو القاضي: فأبو الفضل عياض، أو الأمير: فالإمام الحافظ أبو نصر عليّ بن هبة الله، الوزيري البغدادي المعروف بابن ماكولا. أو السّهيليّ: فالإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي. أو الرّوض. فالرّوض الأنف له. أو: أبو الفرج: فالحافظ عبد الرحمن بن الجوزي. أو أبو الخطاب: فالحافظ عمر بن الحسن بن دحية. أو: أبو ذرّ: فالحافظ أبو ذرّ: مصعب بن محمد بن مسعود الخشنيّ، أو الإملاء: فما أملاه على سيرة ابن هشام. أو زاد المعاد: فزاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام العلاّمة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن القيّم. أو أبو الرّبيع: فالثّقة الثّبت سليمان بن سالم الكلاعيّ، أو الاكتفاء: فكتاب «الاكتفاء» له. أو: أبو الفتح: فالحافظ محمّد ابن محمد بن سيد الناس، أو العيون: فعيون الأثر له. أو القطب: فالحافظ: قطب الدين الحلبي، أو المورد: فالمورد العذب له. أو الزّهر: فالزّهر الباسم. أو الإشارة: فالإشارة إلى سيرة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كلاهما للحافظ علاء الدّين مغلطاي أو الإمتاع: فكتاب: إمتاع الأسماع للإمام العلاّمة مؤرخ الدّيار المصرية الشيخ تقي الدين المقريزيّ. أو المصباح: فالمصباح المنير للإمام العلاّمة أبي العبّاس أحمد ابن محمد بن عليّ الفيّوميّ، أو التّقريب: فالتّقريب في علم الغريب لولده محمود الشّهير بابن خطيب الدّهشة. أو الحافظ: فشيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر أو الفتح: ففتح الباري له. أو شرح الدرر: فشرحه على ألفيّة السّيرة لشيخه العراقيّ. أو النّور: فنور النّبراس للحافظ برهان الدين الحلبي. أو الغرر: فالغرر المضيّة للعلّامة محب الدين بن الإمام العلامة شهاب الدين بن الهائم أو السيّد: فشيخ الشّافعيّة بطيبة نور الدين السمهودي أو: الشّيخ، أو: شيخنا: فحافظ الإسلام بقيّة المجتهدين من الأعلام جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السّيوطيّ. رحمهم الله تعالى. وحيث أطلقت الموحّدة: فهي ثاني الحروف. أو المثلّثة: فهي الرابعة. أو التّحتية: فهي آخر الحروف.

وسمّيت هذا الكتاب: «سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد» . وإذا تأمّلت هذا الكتاب علمت أنّه نتيجة عمري وذخيرة دهري، والله سبحانه وتعالى اسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يمنّ عليّ بالنّظر إليه في دار النّعيم، وهو حسبي ونعم الوكيل، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم. وقبل الشروع في مقاصد الكتاب أثبت ما فيه من الأبواب، وهي نحو ألف باب. والله الهادي للصّواب.

فهارس أبواب الكتاب

[فهارس أبواب الكتاب] جماع أبواب بعض الفضائل والآيات الواقعة قبل مولده صلى الله عليه وسلم باب: تشريف الله تعالى له بكونه أول الأنبياء خلقا صلى الله عليه وسلّم. باب: خلق آدم وجميع المخلوقات لأجله صلى الله عليه وسلم. باب: تقدّم نبوته على نفخ الروح في آدم عليهما السلام. باب: تقدّم أخذ الميثاق عليه صلى الله عليه وسلم. باب: في كتابة اسمه الشريف محمد مع اسم الله تعالى على العرش وسائر ما في الملكوت وما وجد على الحجارة القديمة من نقش اسمه صلّى الله عليه وسلّم. باب: في أخذ الميثاق على الأنبياء، آدم فمن دونه من الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه إذا بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم. باب: في دعاء إبراهيم عليه السلام وعلى نبينا به وإعلام الله به إبراهيم وآله صلى الله عليه وسلم. باب: في بعض ما ورد في الكتب القديمة من ذكر فضائله ومناقبه العظيمة صلى الله عليه وسلم. باب: فيما أخبر به الأحبار والرهبان والكهان بأنه النبي المبعوث في آخر الزمان صلى الله عليه وسلّم. باب: بعض منامات رؤيت تدل على بعثته صلى الله عليه وسلم. باب: فيما وجد من صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مقرونة بصور الأنبياء قبله صلى الله على نبينا وعليهم. جماع أبواب فضائل بلده المنيف ومسقط رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم باب: بدء أمر الكعبة المشرّفة. باب: عدد المرات التي بنيها البيت. باب: أسماء البيت الشريف. باب: بعض فضائل دخول الكعبة والصلاة فيها وآداب ذلك. باب: فضل النظر إلى البيت الشريف. باب: بعض فضائل الحجر الأسود والمقام. باب: بعض فضائل زمزم.

باب: تجديد حفر زمزم على يد عبد المطلب بن هاشم. باب: بعض أسماء البلد والحرم المنيف. باب: ذكر حرم مكة وسبب تحريمه. باب: تعظيم مكة وحرمها وتعظيم الذنب فيها. باب: حج الملائكة وآدم والأنبياء وتعظيمهم للحرم. باب: قصة إهلاك أصحاب الفيل. جماع أبواب نسبه الشريف صلى الله عليه وسلّم باب: بعض فضائل العرب وحبهم. باب: طهارة أصله وشرف محتده غير ما تقدم. باب: سرد أسماء آبائه إلى آدم صلى الله عليه وسلم. باب: شرح أسماء آبائه وبعض أحوالهم على وجه الاختصار. باب: معنى قوله- صلّى الله عليه وسلم: «أنا ابن العواتك والفواطم» . جماع أبواب مولده الشريف صلى الله عليه وسلّم باب: سبب تزويج عبد المطلب ابنة عبد الله امرأة من بني زهرة. باب: حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات. باب: وفاة عبد الله بن عبد المطلب. باب: تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم ومكانه. باب: ما جاء في إخبار الأحبار وغيرهم بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم. باب: في وضعه والنور الذي خرج معه وتدلي النجوم ونزوله صلى الله عليه وسلّم ساجداً معتمداً على الأرض بيديه وما رأته قابلته الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف وما وقع في ذلك من الآيات. باب: انفلاق البرمة عنه حين وضع تحتها صلى الله عليه وسلم. باب: ولادته مختوناً مقطوع السرة صلى الله عليه وسلم. باب: مناغاته للقمر في مهده، وكلامه فيه صلى الله عليه وسلّم. باب: حزن إبليس وحجبه من السموات وما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله عليه السلام. باب: في انبثاق دجلة وارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران وغير ذلك مما يذكر ليلة ولادته صلى الله عليه وسلّم. باب: فرح جده عبد المطلب وتسميته له محمدا صلى الله عليه وسلّم.

باب: أقاويل العلماء في عمل المولد الشريف واجتماع الناس له وما يحمد من ذلك وما يذم. جماع أبواب رضاعه صلى الله عليه وسلم باب: مراضعه صلى الله عليه وسلم، جملة من قيل إنهن أرضعنه عشر نسوة. باب: إخوته من الرضاعة عليه السلام. باب: إيمان السيدة حليمة وزوجها رضي الله عنهما. باب: سياق قصة الرضاع وما وقع فيها من الآيات. جماع أبواب أسمائه صلى الله عليه وسلم وكناه باب: في فوائد كالمقدمة للأسماء الآتية: باب: في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء» وبيان طرقه. باب: في ذكر ما وقفت عليه من أسمائه الشريفة وشرحها وما يتعلق بها من الفوائد. باب: في كناه صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه. جماع أبواب صفات جسده الشريف صلى الله عليه وسلم باب: حسنه صلى الله عليه وسلم. باب: صفة لونه صلى الله عليه وسلم. باب: صفة رأسه وشعره صلى الله عليه وسلم. باب: صفة جبينه وحاجبيه صلى الله عليه وسلم. باب: صفة عينيه صلى الله عليه وسلم وبعض ما فيهما من الآيات. باب: في سمعه الشريف صلى الله عليه وسلم. باب: صفة أنفه وخديه صلى الله عليه وسلم. باب: صفة فمه وأسنانه وطيب ريقه وبعض الآيات فيه صلى الله عليه وسلم. باب: صفة لحيته الشريفة وشيبه صلى الله عليه وسلم. باب: صفة وجهه الأنور صلى الله عليه وسلم. باب: صفة عنقه وبعد ما بين منكبيه وغلظ كتده صلى الله عليه وسلم. باب: صفة ظهره صلى الله عليه وسلم وما جاء في صفة خاتم النبوة. باب: صفة صدره وبطنه صلى الله عليه وسلم. باب: ما جاء في شق صدره وقلبه الشريفين صلى الله عليه وسلم. باب: صفة يديه وإبطيه صلى الله عليه وسلم.

باب: صفة ساقيه وفخذيه وقدميه صلى الله عليه وسلم. باب: ضخامة كراديسه صلى الله عليه وسلم. باب: طوله واعتدال خلقه ورقة بشرته صلى الله عليه وسلم. باب: عرقه وطيب ريحه صلى الله عليه وسلم. باب: مشيه وإنه لم يكن يرى له ظل صلى الله عليه وسلم. باب: الآية في صوته وبلوغه حيث لا يبلغ صوته غيره. صلى الله عليه وسلم. باب: فصاحته صلى الله عليه وسلم. باب: معرفة أسماء الذين كانت صفات أجسادهم تقرب من صفات جسده صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثة صلى الله عليه وسلم باب: وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له صلى الله عليه وسلم. باب: كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه. باب: استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته صلّى الله عليه وسلم. باب: ما حصل له في سنة سبع من مولده صلى الله عليه وسلم. باب: وفاة عبد المطلب ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات. باب: استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. باب: سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن. باب: سفره صلى الله عليه وسلم مع عمة أبي طالب إلى الشام. باب: في حفظ الله إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته، وتعظيم قومه له، صلى الله عليه وسلم. باب: شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار. باب: شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول. باب: رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم. باب: سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام. باب: نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها وأرضاها. باب: بنيان قريش الكعبة شرّفها الله تعالى. جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم باب: بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى.

باب: باب إخبار الأحبار والرهبان والكهان بمبعث حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلّم وتقدمت في أوائل الكتاب وزادت هناك. باب: حدوث الرّجم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعثه صلى الله عليه وسلم. باب: بعض ما سمع من الهواتف وتنكس الأصنام. باب: قدر عمره صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها. باب: ابتدائه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة وسلام الحجر والشجر عليه، زاده الله تعالى فضلا وشرفا لديه. باب: ما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل، صلى الله وسلّم عليهم. باب: كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. باب: كيفية إنزال الوحي إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: شدة الوحي وثقله عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه. باب: أنواع الوحي إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: فترة الوحي وتشريف نبيه صلى الله عليه وسلّم بالرسالة بعد النبوة. باب: معنى الوحي والنبيّ والرسول، والنبّوة والرسالة. باب: مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدى صلى الله عليه وسلّم. باب: مثله ومثل الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم. باب: الوقت الذي كتب فيه نبيّاً صلى الله عليه وسلم. باب: في إعلام الوحش برسالته صلى الله عليه وسلم. باب: شهادة الرضيع والأبكم برسالته صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم باب: باب تعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة. باب: في إسلام خديجة بنت خويلد وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين. باب: ذكر متقدّمي الإسلام من الصحابة رضي الله تعالى عنهم واختلاف الناس فيمن أسلم أولاً. باب: في ذكر متقدّمي الإسلام من الصحابة رضي الله عنهم تقدم عليّ وزيد. باب: قصة إسلام أبي ذرّ وأخيه أنيس رضي الله عنهما. باب: سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربّهم تبارك وتعالى.

باب: أمر الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلّم بإظهار الدعوة إلى الإسلام. باب: مشي قريش إلى أبي طالب ليكفّ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب: إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما. باب: في إرسال قريش عتبة بن ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرض عليه أشياء ليكف عنهم. باب: في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد، فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما سألوا. باب: امتحانهم إياه بأشياء لا يعرفها إلا نبي. باب: سبب نزول قوله: تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ الآية. باب: اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب: تحيّر الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن والآيات التي نزلت فيه. باب: عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة. باب: الهجرة الأولى إلى الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين في شهر رجب سنة خمس من المبعث. باب: إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. باب: دخول بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف الشّعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة. باب: في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية إلى أرض الحبشة وفيه مكتوب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي وأسماء الذين هاجروا الهجرة الثانية. باب: إرادة أبي بكر رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة أو إلى المدينة. باب: نقض الصحيفة الظالمة. باب: إسلام الطّفيل بن عمرو الدّوسي رضي الله عنه. باب: قصتي الأراشيّ والزّبيديّ اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما. باب: وفد النصارى الذين أسلموا. باب: سبب نزول أول سورة عَبس. باب: سبب نزول قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. باب: سبب نزول أول سورة الروم. باب: وفاة أبي طالب ومشي قريش إليه ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

باب: وفاة أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها. باب: في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب. باب: سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف. باب: في إيمان الجن به صلى الله عليه وسلم. باب: عرض النبي نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه وينصروه ودعائه الناس إلى التوحيد. باب: خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم. جماع أبواب معراجه صلى الله عليه وسلم باب: تفسير قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ الآية. باب: تفسير أول سورة والنجم. باب: اختلاف العلماء في رؤية النبي لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج. باب: في أي زمان ومكان وقع الإسراء. باب: كيفية الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تكررّ أم لا. باب: دفع شبه أهل الزّيغ في استحالة المعراج. باب: أسماء الصحابة الذين رووا القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم. باب: سياق القصة. باب: تنبيهات على بعض فوائد تتعلق بقصة المعراج. باب: صلاة جبريل عليه السلام بالنبي الجليل صلى الله عليه وسلّم يوم ليلة الإسراء وكيفية فرض الصلاة. جماع أبواب بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم أجمعين باب: نسبهم رضي الله تعالى عنهم. باب: فضلهم وحبهم والوصية بهم والتجاوز عن مُسيئهم والنهي عن بغضهم. باب: بدء إسلامهم رضي الله تعالى عنهم. باب: ذكر يوم بُعَاث. باب: بيعة العقبة الأولى وكانت في رجب. باب: بيعة العقبة الثانية. باب: إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله تعالى عنهما. باب: بيعة العقبة الثانية. باب: إسلام عمرو بن الجموح- بفتح الجيم وبالحاء المهملة- رضي الله عنه.

جماع أبواب الهجرة إلى المدينة الشريفة باب: إذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى المدينة للمسلمين. باب: سبب هجرته بنفسه الكريمة وكفاية الله ورسوله مكر المشركين حين أرادوا به ما أرادوا. باب: قدر أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الآيات. باب: تلقّي أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزوله بقباء وتأسيسه لمسجد قباء. باب: قدومه صلى الله عليه وسلّم باطن المدينة وسكناه بدار أبي أيوب. جماع أبواب بعض فضائل المدينة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام جماع أبواب بعض فضائل المدينة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. باب: بدء نشأتها. باب: سرد أسمائها مرتبة على حروف المعجم. باب: النهي عن تسميتها يثرب. باب: في محبته صلى الله عليه وسلم ودعائه لها ولأهلها ورفع الوباء عنها بدعائه. باب: عصمتها من الدجال والطاعون ببركته صلّى الله عليه وسلم. باب: الحث على الإقامة بها والموت بها والصبر على لأوائها ونفيها الخبث والذنوب واتخاذ الأصول بها والنهي عن هدم بنيانها. باب: وعيد من أحدث بها حدثا أو آوى بها محدثاً أو أرادها وأهلها بسوء أو أخافهم والوصية بهم. باب: تفضيلها على البلاد بحلوله صلى الله عليه وسلّم بها. باب: تحريمها على لسانه صلّى الله عليه وسلم. باب: ذكر بعض خصائصها شرفها الله تعالى. جماع أبواب بعض حوادث من السنة الأولى والثانية من الهجرة باب: صلاته الجمعة ببني سالم بن عوف صلى الله عليه وسلّم. باب: بناء مسجده الأعظم صلى الله عليه وسلم. باب: بنائه حجر نسائه صلى الله عليه وسلم. باب: بدء الأذان. باب: مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين الصحابة. باب: قصة تحويل القبلة.

جماع أبواب أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود والمنافقين. ونزول صدر سورة البقرة وغيرها من القرآن في ذلك باب: أخذ الله تعالى العهد عليهم في كتبهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم، واعتراف جماعة منهم بنبوته، ثم كفر كثير منهم بغياً وعناداً به صلى الله عليه وسلّم. باب: إسلام عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه. باب: موادعته اليهود وكتبه بينه وبينهم كتاباً بذلك ونصبهم العداوة له ولأصحابه حسداً وعدواناً ونقضهم العهد. باب: سؤال اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح. باب: تحيّرهم في مدة مكث هذه الأمة لما سمعوا الحروف المقطعة في أوائل السور. باب: سبب نزول سورة الإخلاص. باب: إرادة شأس إيقاع الفتنة بين الأوس والخزرج. باب: سبب نزول قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ. الآية. باب: سؤالهم إياه عن أشياء لا يعرفها إلا نبي، وجوابه لهم وتصديقهم إياه. باب: إخبارهم إياه بأنه أصاب، وتمرّدهم عن الإيمان به صلى الله عليه وسلم. باب: رجوعهم إليه في عقوبة الزاني منهم وما ظهر في ذلك من كتمانهم ما أنزل الله عز وجل في التوراة من حكمه وصفة نبيه صلى الله عليه وسلم. باب: سؤاله لهم أن يتمنّوا الموت إن كانوا صادقين في دعاوى ادّعوها. باب: سحرهم إياه وإعلام الله له بذلك وإنزال سورة الفلق والناس. باب: معرفة صفات المنافقين الذين انضافوا ليهود وبعض أمور دارت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم. جماع أبواب المغازي التي غزا فيها صلّى الله عليه وسلّم بنفسه الكريم صلى الله عليه وسلم باب: الإذن بالقتال ونسخ العفو عن المشركين وأهل الكتاب. باب: اختلاف الناس في عدد المغازي التي غزا فيها بنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم. باب: غزوة الأبواء وهي ودّان. باب: غزوة بواط. باب: غزوة سفوان، وهي بدر الأولى.

باب: غزوة العشيرة. باب: غزوة بدر الكبرى. باب: غزوة بني سليم ويقال لها قرقرة الكدر. باب: غزوة السّويق. باب: غزوة غطفان، وهي ذو أمر. باب: غزوة الفرع. باب: غزوة بني قينقاع. باب: غزوة احد. باب: غزوة حمراء الأسد. باب: غزوة بني النّضير. باب: غزوة بدر الموعد. باب: غزوة دومة الجندل. باب: غزوة الخندق، وهي الأحزاب. باب: غزوة بني المصطلق وهي المريسيع. باب: غزوة بني قريظة. باب: غزوة بني لحيان. باب: غزوة الحديبية. باب: غزوة ذي قرد وهي الغابة. باب: غزوة خيبر ووادي القرى. باب: غزوة ذات الرقاع. باب: غزوة عمرة القضيّة. باب: غزوة الفتح الأعظم فتح مكة شرفها الله تعالى. باب: غزوة حنين وهي هوازن. باب: غزوة الطائف. باب: غزوة تبوك. جماع أبواب بعض سراياه وبعوثه وبعض فتوحاته صلى الله عليه وسلم باب: عدد سراياه وبعوثه ومعنى السّرية. باب: أي وقت كان يبعث سراياه ووداعه إياهم ومشيه مع بعضهم وهو راكب إلى خارج المدينة صلى الله عليه وسلّم، ووصيته لأمير السرايا.

باب: عذره عن تخلّفه عن صحبة السرايا. باب: سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب رضي الله عنه إلى بطن رابغ. باب: سرية حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر. باب: سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار. باب: سرية سعد بن أبي وقاص أيضاً إلى بني كنانة. باب: سرية أمير المؤمنين المجدّع في الله، عبد الله بن جحش إلى نخلة. باب: بعث عمير بن عدي الخطمي رضي الله عنه إلى عصماء بنت مروان. باب: بعث سالم بن عمير رضي الله عنه إلى أبي عفك اليهودي. باب: سرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى كعب بن الأشرف. باب: سرية زيد بن حارثة إلى القردة. باب: سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد رضي الله عنه إلى ذي قطن. باب: بعثة عبد الله بن أنيس رضي الله عنه إلى سفيان بن خالد الهذلي. باب: سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه إلى الرّجيع. باب: سرية المنذر بن عمرو رضي الله عنه إلى بئر معونة، وهي سرية القرّاء. باب: سرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى القرطاء. باب: سرية عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى غرو مرزوق. باب: سرية محمد بن مسلمة إلى بني معاوية وبني عوال بذي القصّة. باب: سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصّة أيضاً. باب: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى بني سليم بالجموم. باب: سرية زيد أيضاً إلى العيص. باب: سرية زيد أيضاً إلى الطّراف. باب: سرية زيد أيضاً إلى حُسمى. باب: سرية زيد أيضاً إلى وادي القرى. باب: سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل. باب: سرية زيد بن حارثة إلى مدين. باب: سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك. باب: سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني فزارة بناحية وادي القرى. باب: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى بني فزارة. باب: سرية عبد الله بن عتيك رضي الله عنه إلى أبي رافع بن الحقيق.

باب: سرية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى أسير بن رزام بخيبر. باب: سرية كرز بن جابر أو سعيد بن زيد رضي الله عنه إلى العرنيّين. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه ليفتك بأبي سفيان. باب: سرية أبان بن سعيد رضي الله عنه قبل نجد. باب: سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى تربة. باب: سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب بنجد. باب: سرية بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه إلى بني مرة بفدك. باب: سرية غالب بن عبد الله رضي الله عنه إلى ميفعة. باب: سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار. باب: سرية الأحزم بن أبي العوجاء السلمي رضي الله عنه إلى بني سليم. باب: سرية غالب بن عبد الله عنه إلى بني الملوّح بالكديد. باب: سرية غالب بن عبد الله أيضاً إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك. باب: سرية شجاع بن وهب رضي الله عنه إلى بني عامر. باب: سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله عنه إلى ذات أطلاح. باب: سرية مؤتة من عمل البلقاء. باب: سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى حيّ من جهينة، وتعرف بسريّة الخبط. باب: سرية أبي قتادة الأنصاري إلى خضرة وقصة ابن أبي حدرد. باب: سرية أبي قتادة أيضاً رضي الله عنه إلى بطن إضم. باب: بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى الحرقات. باب: سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه لهدم العزّى. باب: سرية عمرو بن العاص لهدم سواع. باب: سرية سعيد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه لهدم مناة. باب: سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بناحية يلملم. باب: سرية أبي عامر الأشعري إلى أوطاس. باب: سرية الطّفيل بن عمرو الدّوسي لهدم ذي الكفّين. باب: سرية قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن لصداء. باب: سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عوسجة رضي الله عنه إلى بني حارثة بن عمرو.

باب: سرية قطبة بن عامر رضي الله عنه إلى خثعم. باب: سرية الضحاك بن سفيان الكلابي رضي الله عنه إلى بني كلاب. باب: سرية علقمة بن مجزّر المدلجي رضي الله عنه إلى الحبشة. باب: سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لهدم الفلس. باب: بعث عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى الجباب. باب: سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أكيدر بن عبد الملك. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم الطاغية. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل قبل حجة الوداع إلى اليمن المرة الثانية. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان بنجران. باب: سرية المقداد بن الأسود رضي الله عنه إلى ناس من العرب. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى همدان ثم بعثه علياً إليهم. باب: سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى اليمن المرة الثانية. باب: سرية بني عبس إلى قريش. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم سرية إلى رعية السّحيمي الجهني. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم أبا أمامة صدي بن عجلان إلى باهلة. باب: سرية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه إلى ذي الخلصة. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى خثعم. باب: بعثة صلى الله عليه وسلم عمرو بن مرة الجهني إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه. باب: سرية أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى أهل مؤتة بناحية البلقاء. باب: ذكر بعض ما فتحه صلى الله عليه وسلم من البلاد. جماع أبواب بعض الوفود إليه صلى الله عليه وسلّم باب: الكلام على بعض فوائد سورة النصر. باب: تجمّله صلى الله عليه وسلّم للوفود وإجازتهم، ومعنى الوفد. باب: وفود أحمس إليه. باب: وفود أزد شنوءة إليه صلى الله عليه وسلّم.

باب: وفود أزد عمان إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني أسد إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود أشجع إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود الأشعريين إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود أعشى بن مازن عليه. باب: وفود أعشى بن قيس عليه. باب: وفود بارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم. باب: وفود باهلة إليه. باب: وفود بني البكّاء إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني بكر بن وائل إليه. باب: وفود بليّ إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بهراء إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود تجيب إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني تميم إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني ثقيف إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود ثمالة والحدّان إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود الجارود بن المعلّى إليه. باب: وفود جذام إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود جرم إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود جرير بن عبد الله إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود جعدة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود جعفيّ إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود جهينة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود جيشان إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود الحارث بن حسان إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني الحارث بن كعب إليه صلى الله عليه وسلم. باب: قدوم الحجاج بن علاط وما وقع في ذلك من الآيات. باب: وفود حضرموت إليه صلى الله عليه وسلم.

باب: وفود الحكم بن حزم إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود حمير إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني حنيفة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود خفاف بن نضلة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود خثعم إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود خولان إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود خشين إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود الداريين إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود دوس إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود ذباب بن الحارث عليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود الرهاويّين إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني رؤاس بن كلاب إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود زبيد إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني سحيم إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني سعد إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود سدوس إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني سلامان إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود سليم إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني شيبان إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود صداء إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود الصّدف إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود أبي صفرة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود ضماد بن ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود طارق إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود طيّئ إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني عامر بن صعصعة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود عبد الرحمن بن أبي عقيل إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني عبد بن عديّ إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود عبد القيس إليه صلى الله عليه وسلّم.

باب: وفود عدي بن حاتم إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني عبس إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني عذرة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني عقيل إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود عمرو بن معدي كرب إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود عنزة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود عنس، بالنون، إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود غافق إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود غافق إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود غامد إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود غسّان إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود قاصد فروة بن عمرو إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود فروة بن مسيك إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود فزارة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني قرّة بن عبس إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود قُدد بن عمّار إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود بني قُشير إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود قيس بن عاصم إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني كلاب إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني كلب إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني كنانة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني كندة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود لقيط بن عامر إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود محارب إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود بني مرة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود مزينة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود معاوية بن حيدة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود مهرة إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود نافع بن زيد الحميري إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود النّخع إليه صلى الله عليه وسلّم.

باب: وفود بني هلال بن عامر إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود همدان إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: وفود وائل بن حجر إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود واثلة بن الأسقع إليه صلى الله عليه وسلم. باب: وفود الجن إليه صلى الله عليه وسلم. باب: ما قيل في اجتماع إلياس به، إن صح الخبر بذلك صلى الله عليه وسلم. باب: ما روى من اجتماع الخضر به، إن صح الخبر صلى الله عليه وسلم. باب: ما روى من قدوم هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس وإسلامه إن صح الخبر. باب: وفود السّباع إليه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب صفاته المعنوية عليه الصلاة والسلام باب: وفور عقله عليه السلام. باب: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم. باب: حلمه وعفوه مع القدرة. باب: حيائه صلى الله عليه وسلم. باب: مداراته وصبره على ما يكره. باب: برّه وشفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم. باب: تواضعه صلى الله عليه وسلم. باب: كراهيته للإطراء وقيام الناس له. باب: شجاعته وقوته عليه السلام. باب: كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم. باب: خوفه وتضرّعه عليه السلام. باب: استغفاره وتوبته صلى الله عليه وسلم. باب: قصر أمله صلى الله عليه وسلم. باب: إعطائه القود من نفسه الكريمة. باب: بكائه عليه السلام. باب: زهده وورعه صلى الله عليه وسلم. باب: اقتناعه باليسير.

باب: ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدّخر شيئاً لغد. وما جاء انه كان يدخر قوت سنة لعياله صلى الله عليه وسلّم. باب: نفقته صلى الله عليه وسلم. باب: صفة عيشه في الدنيا. باب: هيبته ووقاره. باب: مزاحه ومداعبته. باب: ضحكه وتبسمه. باب: معرفة رضاه وسخطه. جماع أبواب سيرته في كلامه وتحريك يده حين يتكلم أو يتعجب ونكته في الأرض بعود، وتشبيكه أصابعه وتسبيحه وتحريكه رأسه، وعضه لشفته، وضربه يده على فخذه عند التعجب صلى الله عليه وسلم باب: صفة كلامه وفيه أنواع. باب: تكلمه بغير لغة العرب عليه السلام. باب: تحريك يده حين يتكلم أو يتعجب، وتسبيحه، وتحريك رأسه وعض شفته وضربه يده على فخذه عند التعجب، ونكته الأرض بعود ومسحه الأرض بيده وإشارته بإصبعه السبابة والوسطى وتشبيكه أصابعه صلى الله عليه وسلم. باب: ما ضربه من الأمثال صلى الله عليه وسلّم. باب: قوله صلى الله عليه وسلّم لبعض أصحابه: ويحك وويلك وتربت يداك ولله درّ أبيك وغير ذلك مما يذكر عنه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في السلام والاستذان والمصافحة والمعانقة والتقبيل باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في الاستئذان والمصافحة. باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في السلام. باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في مصافحته ومعانقته وتقبيله. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في جلوسه واتكائه وقيامه ومشيه باب: في آدابه في جلوسه واتكائه. باب: آدابه عليه السلام في قيامه. باب: آدابه في مشيه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب سيرته في أكله وذكر مأكولاته عليه الصلاة والسلام باب: آداب جامعة وفيه أنواع.

باب: صفة خبزه وأمره بإكرام الخبز ونهيه عن إلقائه. باب: ما أكله صلى الله عليه وسلّم من لحوم الحيوانات وفيه أنواع. باب: ما أكله صلى الله عليه وسلّم من أطعمة مختلفة وفيه أنواع. باب: ما أكله صلى الله عليه وسلّم من الفواكه والقلويات وفيه أنواع. باب: ما أكله صلى الله عليه وسلّم من الخضراوات وفيه أنواع. باب: فيما كان أحبه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: ما كان يعافه صلى الله عليه وسلم من الأطعمة وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في مشربه وذكر مشروباته باب: ما جاء أنه كان يستعذب له الماء، وذكر الآبار التي شرب منها وبصق فيها ودعا فيها بالبركة وفيه أيضاً أنواع. باب: الآنية التي شرب منها. وفيه أنواع. باب: شربه قاعداً أو قائماً. وفيه أنواع. باب: آدابه صلى الله عليه وسلّم في شربه. باب: ذكر مشروباته صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه باب: سيرته قبل نومه وفيه أنواع. باب: ما كان رسول الله يقوله ويفعله إذا أراد النوم. باب: ما كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا أصبح وإذا أمسى. باب: ما كان يقوله ويفعله إذا استيقظ. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في الرؤيا وذكر بعض مناماته باب: تفسيره عليه السلام الرؤيا وأن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء من النبوة وإنها من المبشّرات وما يتعلق بذلك من الآداب وفيه أنواع. باب: ما عبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرؤيا أو عبّر بين يديه وأقرّه. باب: ذكر بعض مناماته. جماع أبواب سيرته في لباسه وذكر ملبوساته صلى الله عليه وسلم باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في لباسه وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في العمامة والعذبة والتلحّي وفيه أنواع. باب: قلنسوته عليه السلام. باب: تقنّعه وقناعه صلى الله عليه وسلم. باب: قميصه وإزاره وجيبه.

باب: لبسه الجبة وفيه نوعان. باب: لبسه الحلّة وفيه نوعان. باب: لبسه العباء وفيه نوعان. باب: إزاره وكسائه وردائه وبردته وخميصته وشملته صلى الله عليه وسلم. باب: سراويله صلى الله عليه وسلم. باب: أنواع من ملابسه غير ما تقدم وفيه أنواع. باب: ألوان الثياب التي لبسها صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: ما كرهه صلى الله عليه وسلم من الألوان والملابس. باب: خفّيه ونعليه صلى الله عليه وسلم وفيه نوعان. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في خاتمه الذي في يده باب: في أمر الله تعالى له باتخاذ الخاتم إن صح الخبر بسبب اتخاذه الخاتم. باب: في لبسه صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب ثم تركه له وتحريم لبسه. باب: في أي يد كان يتختم صلى الله عليه وسلّم. باب: فيما روى في أي جهة من يده صلى الله عليه وسلّم كان يجعل فص خاتمه. باب: فيما قيل إنه صلى الله عليه وسلّم إنما لبس الخاتم يوماً واحداً ثم تركه. باب: في آداب تتعلق بالخاتم. جماع أبواب سيرته في زينته وخصال الفطرة باب: خاتمه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع غير ما تقدم. باب: استعماله صلّى الله عليه وسلم الطيب ومحبته له وفيه أنواع. باب: خضابه صلى الله عليه وسلّم وفيه نوعان. باب: استعماله صلّى الله عليه وسلم المشط وادّهانه ونظره في المرآة واكتحاله. باب: قصّه ظفره وشاربه وكذا أخذه من لحيته الشريفة إن صح الخبر وسيرته في شعر رأسه. باب: تفلية أم حرام رضي الله عنها رأسه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب آلات بيته صلى الله عليه وسلم وزاده تشريفاً وفضلاً باب: سريره وكرسيّه صلى الله عليه وسلّم. باب: حصيره وفراشه ولحافه وقطيفته ووسادته صلى الله عليه وسلم. باب: كراهيته صلى الله عليه وسلم ستر الجدار أو الباب بشيء فيه صورة حيوان. باب: آنيته وأثاثه صلى الله عليه وسلم.

جماع أبواب حروبه صلى الله عليه وسلّم باب: قسيّه صلى الله عليه وسلّم وفيه نوعان. باب: سيوفه صلى الله عليه وسلم وفيه نوعان. باب: رماحه صلى الله عليه وسلّم وحرابه وعنزته ومحجنه وقضيبه ومخصرته وعصاه وفيه أنواع. باب: درعه ومغفره وبيضته ومنطقته صلى الله عليه وسلّم. باب: أتراسه وجعبته وسهامه صلى الله عليه وسلم. باب: ألويته وراياته وفسطاطه وقبّته صلى الله عليه وسلم. باب: سرجه وإكافه وميثرته وغرزه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في ركوبه باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في ركوبه وفيه أنواع. باب: حمله معه على الدابة واحداً خلفه وآخر أمامه. باب: معرفة من أردفه صلى الله عليه وسلم وراءه. جماع أبواب دوابه صلى الله عليه وسلم باب: محبته صلى الله عليه وسلّم الخيل وإكرامه لها ومدحه لها ووصيته بها ونهيه عن جزّ نواصيها وأذنابها وما حمده أو ذمه من صفاتها وفيه أنواع. باب: رهانه عليها ومسابقته بها صلى الله عليه وسلم. باب: عدد خيله صلى الله عليه وسلّم وفيه نوعان. باب: بغاله وحميره صلى الله عليه وسلم وفيه نوعان. باب: لقاحه وركائبه وجماله صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: شياهه ومنائحه وفيه نوعان. باب: ديكه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في السّفر والرجوع منه باب: اليوم الذي كان يختاره للسفر صلى الله عليه وسلّم وما كان يقوله إذا أراد السفر. وإذا ركب دابته. باب: صفة سيره وشفقته على الضعيف صلى الله عليه وسلم. باب: ما كان يقوله إذا أدركه الليل في السفر وما كان يقوله ويفعله إذا نزل منزلا وصفة قومه في السفر وما كان يقوله في السحر وفيه أنواع. باب: ما كان يقوله ويفعله إذا رجع من سفره، وما كان يفعله إذا قدم، وما كان يقوله إذا دخل علي أهله صلى الله عليه وسلم. باب: آداب متفرقة تتعلق بالسفر، وفيه أنواع.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في الطّهارة للصّلاة باب: المياه التي توضأ أو اغتسل منها صلّى الله عليه وسلّم وفيه أنواع. باب: آدابه صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة وفيه أنواع. باب: إزالته النجاسة وفيه أنواع. باب: سواكه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في وضوئه وفيه أنواع. باب: مسحه على الخفين والجبائر وفيه أنواع. باب: تيممه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: غسله صلّى الله عليه وسلّم وفيه أنواع. باب: استمتاعه بما بين السّرة والركبة من امرأته الحائض واستخدامه ومجالسته لها. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الفرائض باب: اختلاف العلماء فيما كان يتعبد به قبل البعثة: هل كان بشرع من تقدّم أم لا؟. باب: مواقيت صلواته الفرائض صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: امتناعه صلى الله عليه وسلم من الصلاة في الأوقات المكروهة. باب: ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين. باب: سيرته في الأذان والإقامة. باب: ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم أذّن مرّة وذكر مؤذنيه وما كان يقوله إذا سمع الأذان والإقامة وآدابه في ذلك وفيه أنواع. باب: آدابه صلى الله عليه وسلّم المتعلقة بالمساجد وفيه أنواع. باب: صلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة ومرابض الغنم ومحبته الصلاة في الحيطان. باب: آدابه صلى الله عليه وسلّم قبل الدخول في الصلاة وفيه أنواع. باب: ما كان يصلي عليه وإليه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في استقبال القبلة وهو يصلي وفيه أنواع. باب: صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وفيه فروع. باب: أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال صلاته غير ما تقدم وفيه أنواع. باب: آدابه بعد السلام وفيه أنواع. باب: صلاته صلى الله عليه وسلم في الفرض قاعداً لعذر وإيمائه في النّفل إن صح الخبر.

باب: أذكاره ودعواته بعد صلواته من غير تعيين صلاة. باب: ما كان يقوله ويفعله بعد الصبح والعصر والمغرب. باب: آداب صدرت منه صلى الله عليه وسلّم تتعلق بالصلاة غير ما مرّ. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في السجدات التي ليست بركن باب: سجوده للسهو وفيه أنواع. باب: بيان سجداته للتلاوة على سبيل الإجمال. باب: بيان عدد سجداته على سبيل التفصيل. باب: سجوده صلى الله عليه وسلّم لقراءة غيره إذا سجد القارئ، وتركه السجود إذا لم يسجد القارئ، وسجوده للتلاوة في الصلاة المكتوبة وما كان يقوله في سجود التلاوة. باب: سجوده صلى الله عليه وسلّم سجدة الشكر وصلاته ركعتين لذلك. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلته باب: آدابه صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة وفيه أنواع. باب: وقت صلاته الجمعة والنداء لها. باب: موضع خطبته وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في خطبته وما وقفت عليه من خطبه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة وفيه نوعان. باب: سيرته بعد الخروج من الصلاة صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب سيرته في صلاة الفرض في السفر صلى الله عليه وسلّم باب: إباحته صلى الله عليه وسلّم القصر وانه رخصة. باب: تقديره مسافة القصر وابتدائه والقصر مع الإقامة ببلد الحاجة. باب: جمعه صلّى الله عليه وسلم بين الصلاتين وفيه أنواع. باب: صلاته صلى الله عليه وسلم النوافل في السفر وفيه نوعان. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف باب: بيان عدد المرات والكيفيات التي صدرت منه صلى الله عليه وسلّم لصلاة الخوف على سبيل الإجمال. باب: صلاته صلى الله عليه وسلّم النوافل في السفر وفيه نوعان. باب: كيفيات صلاته صلى الله عليه وسلّم لصلاة الخوف على سبيل التفصيل. باب: فوائد وتنبيهات تتعلق بصلاته صلى الله عليه وسلّم صلاة الخوف.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة النوافل التي لم تشرع لها الجماعة باب: صلاته صلى الله عليه وسلم السنن المقرونة بالفرائض وفيه نوعان. باب: صلاته صلى الله عليه وسلّم الصبح ومحافظته عليها. باب: صلاته قبل الظهر والعصر وبعدهما. باب: صلاته بعد المغرب والعشاء وفيه أنواع. باب: صلاته صلاة الاستخارة. باب: أحاديث جامعة لرواتب مشتركة. باب: صلاته صلى الله عليه وسلم الوتر وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل باب: شدة اجتهاده في العبادة. باب: إيقاظه أهله لصلاة الليل. باب: وقت قيامه لصلاة الليل وقدره وقدر نومه وصفة قراءته. باب: افتتاحه صلاة الليل ودعائه قبل تهجّده. باب: صفة صلاته بالليل. باب: بيان عدد ركعات صلاته بالليل. باب: دعائه صلى الله عليه وسلم بعد تهجده. باب: قيامه الليل بآية يرددها، وقضائه له إذا تركه. باب: قيامه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان. جماع أبواب سيرته في صلاة الضحى وصلاة الزوال باب: استنباط صلاة الضحى من القرآن وبعض ما ورد في فضلها والأمر. باب: صلاته صلاة الضحى وفيه نوعان. باب: الجواب عما ورد أنه لم يصلها. باب: فوائد تتعلق بصلاة الضحى. باب: صلاته صلى الله عليه وسلم قبيل الزوال وبعده. جماع أبواب صلاته صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين باب: آدابه قبل الصلاة وفيه أنواع. باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين وفيه أنواع. باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في خطبة العيدين وفيه أنواع. باب: آدابه في رجوعه وفيه أنواع.

باب: آداب متفرقة تتعلق بالعيدين وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف باب: آداب متفرقة. باب: بيان كيفيات صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف. باب: صفة قراءته في كسوف الشمس وفيه نوعان. باب: صلاته صلى الله عليه وسلّم في خسوف القمر. جماع أبواب سيرته في الاستسقاء والمطر والريح والسحاب والرعد والصواعق باب: آدابه صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة وفيه أنواع. باب: استسقائه صلى الله عليه وسلم بخطبتين على المنبر وصلاة ركعتين بلا أذان وبلا إقامة وفيه أنواع. باب: استسقائه صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة وبالدعاء بغير صلاة. باب: استسقائه لأهل إقليم آخر بالدعاء من غير صلاة. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في المطر والسحاب والريح والرعد والصواعق. جماع أبواب سيرته في المرضى والمحتضرين والموتى باب: سيرته في عيادة المرضى. باب: سيرته في المحتضرين. باب: حزنه وبكائه إذا مات أحد من أصحابه. باب: سيرته في غسل الميت وتكفينه وفيه نوعان. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في الجنازة وفيه أنواع. باب: سيرته في الصلاة على الميت وفيه أنواع. باب: من كان يصلي عليه وفيه أنواع. باب: من ترك الصلاة عليه وفيه أنواع. باب: سيرته في دفن الميت وما يلتحق بذلك وفيه أنواع. باب: سيرته في زيارة القبور وفيه أنواع. باب: سيرته في الشهداء والموتى. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في الصدقة باب: بعثة العمال لأخذها من الأغنياء وردها على الفقراء ووصيته عماله بالعدل. باب: وصيته لأرباب الأموال ودعائه لمن أحسن وعلى من أساء في الصدقة. باب: في الحول. باب: أفرضة الزكاة المالية وأنواعها على التعيين وفيه أنواع.

باب: أخذه الزكاة ممن عجلها. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر. باب: سيرته في المدّ والصاع والوسق. باب: من حرم الصدقة ومن أحلت له وفيه أنواع. باب: حثه على صدقة التطوع إذا نظر المحتاج. باب: تصدّقه بقليل وكثير. باب: أوقافه وصدقاته صلى الله عليه وسلم. باب: سيرته في السائلين وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته في الصوم والاعتكاف باب: ابتداء فرضه ودعائه ببلوغ رمضان وبشارة أصحابه بقدومه. باب: فرحه صلى الله عليه وسلم برؤية الهلال وما كان يقول إذا رآه وصومه بشهادة عدل واحد. باب: وقت إفطاره وما كان يفطر عليه وما كان يقول عند إفطاره وما كان يقول إذا أفطر عند أحد وسحوره وإتمامه للصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين نهاراً. باب: ما كان يفعله صلى الله عليه وسلّم وهو صائم وفيه أنواع. باب: إفطاره صلى الله عليه وسلم في السفر وصومه فيه. باب: صومه صلى الله عليه وسلم التطوع وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف. جماع أبواب حجه وعمره صلى الله عليه وسلّم باب: بيان أي وقت فرض الحج، وسبب تأخيره صلى الله عليه وسلّم الحج إلى السنة العاشرة. باب: بيان عدد حجاته قبل الهجرة وعمره وفيه نوعان. باب: بيان حجة الوداع. باب: تنبيهات وفوائد تتعلق بحجة الوداع. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في قراءة القرآن باب: قراءة كان كثيرا ما يقرأ بها. باب: آدابه صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن وفيه أنواع. باب: محبته صلى الله عليه وسلّم لسماع القرآن من غيره. باب: قراءته على أبي بن كعب سورة لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بأمر الله تعالى. باب: عرضه القرآن على جبريل في شهر رمضان في كل سنة مرة وفي آخر رمضان صامه عرضه مرتين.

جماع أبواب أذكاره ودعواته صلى الله عليه وسلم باب: آدابه في الدعاء. باب: ما كان يقوله إذا طلع الفجر وإذا طلعت الشمس. باب: ما كان يقوله ويفعله إذا أوى إلى فراشه. باب: استعاذته المطلقة صلى الله عليه وسلم. باب: أذكاره ودعواته المقترنة بالأسباب غير ما سبق في الأبواب المتقدمة. باب: أذكاره ودعواته المطلقة صلى الله عليه وسلم. جماع سيرته في المعاملات وما يلتحق بها باب: الكلام على النقود التي كانت تستعمل في أيامه صلى الله عليه وسلم. باب: شرائه وبيعه وفيه أنواع. باب: إيجاره واستئجاره وفيه نوعان. باب: استعارته وإعارته وفيه نوعان. باب: مشاركته- صلى الله عليه وسلم-. باب: وكالته وتوكيله صلى الله عليه وسلم. باب: شرائه بالثمن الحالّ والمؤجّل. باب: استدانته برهن وبغيره وحسن وفائه. باب: ضمانه وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته في الهدايا والعطايا والإقطاعات باب: سيرته في الهدية وفيه أنواع. باب: سيرته في العطايا وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في الإقطاع وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته في النكاح والطلاق والإيلاء باب: آداب متفرقة وفيه أنواع. باب: سيرته في الصّداق وفيه أنواع. باب: سيرته في الولائم وفيه أنواع. باب: طلاقه وإيلائه ... باب: محبته صلى الله عليه وسلم للنساء. باب: عدله صلى الله عليه وسلم بين نسائه. باب: حسن خلقه معهن ومداراته لهن وحثه على برهن والصبر عليهن. باب: محادثته لهن وسمره معهن.

باب: آدابه عند الجماع وقوته على كثرة الوطء وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته في الصيد والذبائح باب: آدابه في الذبائح وما أرشد إليه منها. باب: صيد البرّ والبحر والسهم والحيوان. باب: إباحته اقتناء كلب الصيد والحراسة. باب: ما أباح قتله من الحيوان وما نهى عن قتله. باب: سيرته في الهدي وفيه أنواع. باب: سيرته في الأضحية وفيه أنواع. باب: سيرته في العقيقة وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته في الإيمان والنذور باب: ألفاظ حلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره بها وتحذيره الحالف من اليمين الفاجرة وألفاظ حلف هو بها، وما نهى عن الحلف به. باب: استثنائه في يمينه ونقضه يمينه ورجوعه عنها وكفارته وفيه أنواع. باب: آداب جامعة تتعلق بالإيمان وفيه أنواع. باب: سيرته في النذور وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته في الجهاد وما يلحق به باب: آداب متفرقة وفيه أنواع. باب: مصالحته المحاربين وهدنته وأمانته ووفائه بالعهد والذمة لهم. باب: قسمة الغنائم بين الغانمين وتنفيله بعضهم على بعض وفيه أنواع. باب: صرفه الخمس والفيء. باب: نهيه عن الغلول وتركه أخذ المغلول من الغالّ إذا جاء به بعد القسمة، وتركه الصلاة على الغالّ وإحراقه متاع الغالّ وإكفائه قدور لحم نهبت من الغنيمة وفيه أنواع. باب: أخذه الجزية ممن أبى الإسلام. جماع أبواب سيرته في العلم وذكر بعض مروياته وفتاويه باب: آدابه في العلم وفيه أنواع. باب: بعض ما فسّره من القرآن. باب: بعض مروياته عن ربه تبارك وتعالى، وتسّمى الأحاديث القدسية. باب: روايته عن أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام. باب: روايته عن بعض أصحابه قصة مشاهدة الدجال والدابّة.

جماع أبواب سيرته في أحكامه وأقضيته وفتاويه باب: أحكامه وأقضيته في المعاملات وما يتعلق بها وفيه أنواع. باب: أحكامه وأقضيته في الفرائض والوصايا. باب: أحكامه وأقضيته في النكاح والطلاق والخلع والرّجعة والإيلاء والظّهار واللّعان وإلحاق الولد، وغير ذلك مما يذكر وفيه أنواع. باب: أحكامه وأقضيته في الحدود وفيه أنواع. باب: أحكامه في الجنايات والقصاص والدّيات والجراحات وفيه أنواع. باب: سيرته في الدعاوي والبينات وفصل الخصومات. باب: أحكامه وأقضيته في قضايا شتى غير ما سبق. باب: فتاويه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع. جماع أبواب سيرته في الشعر عليه الصلاة والسلام باب: مدحه لحسنه وذمّه لقبيحه وتنفيره من الإكثار منه. باب: استماعه شعر بعض أصحابه في المسجد وخارجه. باب: أمره بعض أصحابه بهجاء المشركين. باب: ما تمثّل به من الشعر. باب: ما طلب إنشاده من غيره صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب هديه وسمته ودله غير ما سبق باب: استحبابه صلّى الله عليه وسلّم التيامن. باب: محبته للفأل الحسن وتركه الطّيرة. باب: سيرته في الأسماء والكنى وتسميته بعض أولاد أصحابه وتغييره الاسم القبيح. وفيه أنواع. باب: آدابه عند العطاس والبزاق والتثاؤب. باب: سيرته في الأطفال ومحبته لهم ومداعبته إياهم وسيرته في النساء غير نسائه صلى الله عليه وسلّم وفيه أنواع. باب: سيرته عند الغضب وفيه أنواع. باب: شفاعته والشفاعة إليه وفيه أنواع. باب: زيارته أصحابه وإصلاحه بينهم. باب: سؤاله الدعاء من بعض أصحابه وتأمينه على دعاء بعضهم.

باب: تهنئته وفيه أنواع. باب: سيرته في الاعتذار والعذر وفيه أنواع. باب: سيرته في دخوله بيته وخروجه منه ومخالطته للناس وفيه أنواع. باب: وفائه بالعهد والوعد صلى الله عليه وسلم. باب: إكرامه من يستحق إكرامه وتألّفه أهل الشّرف. باب: ربطه الخيط في إصبعه أو خاتمه إذا أراد أن يتذكر حاجة إن صح الخبر. باب: احتياطه في نفيّ التهمة عنه. باب: خروجه لبساتين بعض أصحابه ومحبته لرؤية الخضرة وإعجابه النظر للأترج والحمام الأحمر. إن صح الخبر. باب: عومه عليه السلام. باب: مسابقته على الأقدام بنفسه. باب: جلوسه على شفير البئر وتدليته رجليه وكشفه عن فخذيه. باب: آداب متفرقة صدرت منه غير ما تقدم وفيه أنواع. جماع أبواب معجزاته السماوية صلى الله عليه وسلّم باب: الكلام على المعجزة والكرامة والسّحر. باب: إعجاز القرآن، واعتراف المشركين بإعجازه وأنه لا يشبه شيئاً من كلام البشر، ومن أسلم لذلك وفيه أنواع. باب: سؤال قريش رسول الله أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر. باب: حبس الشمس له صلى الله عليه وسلم. باب: ردّ الشمس بعد غروبها بدعائه صلى الله عليه وسلم. باب: استسقائه ربه عز وجل لأمته حين تأخر عنهم المطر وكذلك استصحاؤه. جماع أبواب معجزاته في المياه وعذوبة ما كان منها مالحاً باب: نبع الماء الطّهور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم. باب: تكثيره ماء الميضأة والقدح. باب: تكثيره ماء عين تبوك. باب: تكثيره ماء بئر بقباء. باب: تكثيره ماء بئر باليمن. باب: تكثيره ماء قطيعة برهاط اليمن. باب: تكثيره ماء بئر الحديبية.

باب: تكثيره ماء بئر أنس بن مالك رضي الله عنه. باب: تكثيره ماء بئر غريس. باب: تكثيره ماء المزادتين. باب: عذوبة ماء بئر باليمن ببركته. باب: نبع الماء له من الأرض صلى الله عليه وسلم. جماع معجزاته صلّى الله عليه وسلم في الأطعمة باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم اللبن في القدح. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم لبن الشاة. باب: معجزاته في عكّة أم سليم وأم أوس البهزية وأم شريك الدوسية ونحى حمزة الأسلمي وأم مالك البهزية. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلم الشعير. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم التمر. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم البيض. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلم اللحم. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام أبي طلحة رضي الله عنه. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلم حيس أم سليم رضي الله عنها. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلم طعام أبي أيوب رضي الله عنه. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلم طعام ابنته فاطمة رضي الله عنها. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم فضلة أزواد أصحابه رضي الله عنهم. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم أطعمة مختلفة غير ما تقدم. باب: قصة الذراع. باب: تكثيره صلى الله عليه وسلّم سواد البطن. باب: الطعام الذي أتاه صلى الله عليه وسلم من السماء. باب: تسبيح الطعام والشراب بين يديه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب معجزاته صلّى الله عليه وسلم في الأشجار باب: حنين الجذع شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم. باب: انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلّم. باب: نزول العذق من الشجرة له ومشي شجرة أخرى إليه وشهادتهما له بالرسالة.

باب: إعلام الشجرة بمجيء الجنّ إليه وسلام شجرة أخرى عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه. باب: الآية في النخل الذي غرسه صلى الله عليه وسلّم لسلمان رضي الله تعالى عنه لما كاتب سيده عليه. جماع أبواب معجزاته صلّى الله عليه وسلم في الجمادات باب: تسبيح الحصا في كفه صلى الله عليه وسلّم. باب: تكثيره الذهب الذي دفعه لسلمان. باب: تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه عليه الصلاة والسلام. باب: تحرك الجبل فرحاً به صلى الله عليه وسلم. باب: تنكيس الأصنام حين أشار إليها صلى الله عليه وسلّم. باب: تحرك المنبر حين أمعن في وعظه الناس عليه. باب: في إلانة الصخرة التي عجز الناس عنها له صلى الله عليه وسلم. باب: سلام الأحجار عليه زاده الله تعالى فضلا وشرفا لديه. جماع أبواب معجزاته صلّى الله عليه وسلم في الحيوانات باب: انقياد الإبل له. باب: سجود الإبل له وشكواها إليه. باب: بركته في جمل جابر وناقة الحكم بن أيوب وناقة رجل آخر. باب: بركته في ظهر المسلمين في غزوة تبوك. باب: سجود الغنم له صلى الله عليه وسلّم. باب: شهادة الذئب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة. باب: خشية الوحش الداجن إياه. باب: خدمة الأسد لسفينة مولاه صلى الله عليه وسلم. باب: استجارة الغزالة به وشهادتها له بالرسالة صلى الله عليه وسلم. باب: شهادة الضب له بالرسالة صلى الله عليه وسلم. باب: شكوى الحمّرة إليه صلى الله عليه وسلّم. باب: قصة مجيء الشاة في البرّية إليه صلى الله عليه وسلم. باب: قصة الكلب الأسود معه صلّى الله عليه وسلم. باب: بركته في فرس جعيل وفرس أبي طلحة رضي الله عنهما. باب: بركته في حماري عصمة بن مالك وأبي طلحة رضي الله عنهما.

باب: قصة الطائر الذي حلّق بإحدى خفيه صلى الله عليه وسلم. باب: ازدلاف البدنات إليه لما أراد نحرهن. جماع أبواب معجزاته في رؤيته المعاني في صورة المحسوسات باب: رؤيته الرحمة والسكينة وإجابة الدعاء. باب: رؤيته الحمّى وسماع كلامها. باب: رؤيته الفتن. باب: رؤيته الدنيا وسماع كلامها. باب: رؤية الجمعة والساعة. جماع أبواب معجزاته صلّى الله عليه وسلم في انقلاب الأعيان له باب: انقلاب الماء لبنا وزبدا ببركته صلّى الله عليه وسلم. باب: انقلاب العصا سيفا ببركته صلّى الله عليه وسلم. باب: انقلاب العرجون سيفا ببركته صلّى الله عليه وسلم. جماع أبواب معجزاته في تجلي ملكوت السموات والأرض واطلاعه على أحوال البرزخ والجنة والنساء وأحوال يوم القيامة باب: تجلّي ملكوت السموات والأرض له صلى الله عليه وسلم. باب: ما أطلع عليه من أحوال البرزخ في الجنة والنار. جماع أبواب معجزاته في إحياء الموتى وإبراء المرضى باب: معجزاته في إحياء الموتى وسماع كلامهم. باب: معجزاته في إبراء الأعمى والأرمد ومن فقئت عينه. باب: معجزاته في إبراء الأبكم والرتة واللّقوة. باب: معجزاته في إبراء القرحة والسلعة والحرارة والدميلة. باب: معجزاته في إبراء الحرق. باب: معجزاته في إبراء وجع الضرس والرأس. باب: معجزاته في إبراء الجراحة والكسر. باب: معجزاته في إذهاب التعب وحصول القوة في الرمي. باب: معجزاته في ذهاب النسيان وحصول العلم والفهم وإذهاب البذاء وحصول الحياء. باب: معجزاته في إبراء الجنون. باب: معجزاته في إبراء أمراض شتى.

جماع أبواب معجزاته في أثر يده الشريفة وريقه الطيب غير ما تقدم باب: بركة يده صلى الله عليه وسلّم في شياه أبي قرصافة. باب: بركة يده الشريفة في نبات الشعر والشعر الذي لم ينبت. باب: بركة يده الشريفة في مسحه وجه بعض أصحابه. باب: تبرك أصحابه رضي الله عنهم بكل شيء منه أو اتصل به ومحافظتهم على ذلك كله واغتباطهم به وتعظيمهم له صلى الله عليه وسلّم. باب: بركة ريقه الطيب صلى الله عليه وسلم. باب: بركة يده صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب معجزاته في إضاءة العرجون والعصا والأصابع والبرقة باب: معجزاته صلّى الله عليه وسلم في إضاءة العرجون. باب: معجزاته في إضاءة العصا. باب: معجزاته في إضاءة الأصابع. باب: معجزاته صلّى الله عليه وسلم في البرقة التي برقت للحسن والحسين. جماع أبواب معجزاته في رؤية بعض أصحابه الجن والملائكة وسماع كلامهما باب: معجزاته في رؤية بعض أصحابه الملائكة وسماع كلامهم إكرامهم له صلى الله عليه وسلّم. باب: معجزاته في رؤية بعض أصحابه الجن وسماع كلامهم إكراما له. جماع أبواب معجزاته في إخباره رجالا بما حدثوا به أنفسهم وغير ذلك باب: إخباره من حدث نفسه بالفتك به صلى الله عليه وسلم. باب: إخباره من حدّث نفسه بأنه ليس في القوم أحد خيراً منه وما وقع في ذلك من الآيات. باب: إخباره وابصة بن معبد بأنه جاء يسأل عن البر والإثم. باب: إخباره الثقفي والأنصاري بما جاءا يسألان عنه. باب: أمره صلى الله عليه وسلم أبا سعيد الخدري بالاستعفاف لمّا أراد أن يسأله شيئاً من الدنيا وما وقع في ذلك من الآيات. باب: إخباره من قال في نفسه شعرا به. باب: إخباره بالشاة التي أخذت بغير إذن أهلها. باب: إخباره بنزول جماعة بالجابية وأخذ الطاعون إياهم فكان كما أخبر.

باب: إخباره شداد بن أوس بأنه يعافى من مرضه وأنه يسكن الشام. فكان كذلك صلى الله عليه وسلّم. باب: إخباره من أرسله إلى ابنته بما حبسه. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم عمن قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار، فقتل نفسه. باب: إخباره بسبب اللحم الذي صار حجرا. باب: إخباره بما سحر به صلى الله عليه وسلم. باب: إخباره معاذاً بأن ناقته تبرك بالجند. باب: إخباره من سأل أهل رجل عن حاله بما سأل عنه. باب: إخباره بأن الأرضة أكلت الصحيفة الظالمة التي كتبتها قريش. باب: إخباره قريشا ليلة الإسراء بصفة بيت المقدس، ولم يكن رآه قبل ليلة الإسراء. باب: إخباره نوفل بن الحارث بماله الذي خبأه بجدة. باب: إخباره بقتل مجدّر بن زياد. باب: إخباره بقتل أصحابه يوم الرجيع. باب: إخباره بقتل أصحابه يوم بئر معونة. باب: إخباره بأن خيبر تفتح على يد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. باب: إخباره عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فمات فوجدوه قد غل من الغنيمة وما في ذلك من الآيات. باب: إخباره بقتل من قتل في غزوة مؤتة يوم أصيبوا. باب: إخباره بكتاب حاطب إلى أهل مكة. باب: إخباره الأنصار بما قالوه يوم غزوة الفتح. باب: إخباره عثمان بن طلحة بأنه سيصير مفتاح البيت إليه يضعه حيث شاء. باب: إخباره شيبة بن عثمان بأنه لم يسلم بعد. باب: إخباره بقتل كسرى يوم قتل. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلّم بأن جعل بأس هذه الأمة بينها. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن بسر أنه يعيش قرناً. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم أبا ركانة بما.... باب: إخباره بأناس يسمون الخمر بغير اسمها. باب: إخباره أن الأذان في آخر الزمان يليه سفلة الناس ويرغب عنه سادتهم.

باب: إخباره أن الأمر سيعود في حمير. باب: إخباره بحال الدجّال. باب: إخباره بأنه لا يبقى أحد من أصحابه بعد المائة من الهجرة. باب: إخباره بمن أخذ بكشح المرأة بما فعل. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلّم أخا ثقيف بما جاء يسأل عنه. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلّم بأن الأرض لا تقبل الرجل الذي كان يكتب له ويغيّر ما يأمر به. جماع أبواب معجزاته فيما أخبر به من الكوائن بعد، فكان كما أخبرت، غير ما تقدم باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم بما يفتح على أصحابه وأمته من الدنيا وأنه سيكون لهم أنماط وأنهم يتحاسدون ويقتتلون. باب: إخباره بفتح الحيرة. باب: إخباره بفتح اليمن والعراق والشام. باب: إخباره بفتح بيت المقدس وما معه. باب: إخباره بفتح مصر وما يحدث فيها. باب: إخباره بغزاة البحر وأن أم حرام منهم. باب: إخباره بقتال خوز وكرمان وقوم نعالهم الشعر. باب: إخباره بغزو الهند وبفتح فارس والروم. باب: إخباره بهلاك كسرى وقيصر وإنفاق كنوزهما وأنه لا يكون بعدهما كسرى ولا قيصر فكان ذلك. باب: إخباره بالخلفاء بعده بالملوك والأمراء. باب: إخباره بخلفائه الأربعة رضي الله عنه. باب: إخباره بولاية معاوية رضي الله عنه. باب: إخباره بولاية يزيد وأنه أول من يغير أمر هذه الأمة. باب: إخباره بولاية بني أمية. باب: إخباره بولاية بني العباس. باب: إخباره بأن الترك تسلب الأمر من قريش إذا لم يقيموا الدّين. باب: إخباره بقوم يأخذون الملك يقتل بعضهم بعضا. باب: إخباره بالشهادة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

باب: إخباره بالشهادة لثابت بن قيس بن شمّاس. باب: إخباره بأن جزيرة العرب لا تعبد فيها الأصنام أبدا. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم بالردّة بعده. باب: إخباره بأن سهيل بن عمرو يقوم مقاماً حسناً. باب: إخباره بأن البراء بن مالك لو أقسم على الله لأبرّه. باب: إخباره الأقرع بن شفي بأنه يدفن بالربوة من أرض فلسطين. باب: إخباره بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المحدّثين. باب: إخباره بأول أزواجه لحوقاً به عليه السلام. باب: إخباره بكتابة المصاحف. باب: إخباره بأويس القرنيّ رضي الله عنه. باب: إخباره بحال أبي ذر رضي الله عنه. باب: إخباره بقتل الأعرابي قبل أن يتخرّق سقاؤه. باب: إخباره برجل من أمته يدخل الجنة في الدنيا. باب: إخباره بمحمد بن الحنفية رحمه الله تعالى. باب: إخباره بصلة بن أشيم رحمه الله ووهب والقرظي وغيلان والوليد. باب: إخباره بالطاعون الذي وقع بالشام وبأن فناء أمته بالطعن والطاعون. باب: إخباره أم ورقة بالشهادة. باب: إخباره بأن عبد الله بن بسر يعيش قرنا. باب: إخباره بعالم المدينة المنورة. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم بعالم قريش. باب: إخباره بحال زيد بن صوحان وجندب بن كعب. باب: إخباره بعمى زيد بن أرقم رضي الله عنه. باب: إخباره بعمر جماعة وانخرام القرن. باب: إخباره بالشهادة للنعمان بن بشير. باب: إخباره بتغيير الناس في القرن الرابع. باب: إخباره بأن الدنيا لا تذهب حتى تصير للكع بن لكع. باب: إشارته إلى حال الوليد بن عقبة. باب: إخباره بحال ابن عباس رضي الله عنهما. باب: إخباره بحال أبي هريرة رضي الله عنه.

باب: إخباره بأشياء تتعلق بعمرو بن الحمق رضي الله عنه فكان كما أخبر. باب: إخباره ميمونة رضي الله عنها بأنها لا تموت بمكة. باب: إخباره أبا ريحانة بما غيبّته. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم بكلام الميت بعده. باب: إخباره بمن يردّ سنته ولا يحتج بها وبمن يجادل ويحتج بمتشابه القرآن. باب: إخباره الأنصار بأنهم سيلقون بعده أثرة. باب: إشارته إلى دولة عمر بن عبد العزيز رحمه الله. باب: إشارته إلى وجود الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي. باب: إخباره بقوم يأتون بعده يحبونه حبا شديدا. باب: إخباره بالنار التي تخرج من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى. باب: إخباره بحال قيس بن مطاطية. باب: إخباره بأنه سيكون قوم في هذه الأمة يعتدون في الطهور والدعاء. باب: إخباره بحال قيس بن خرشة رضي الله تعالى عنه. باب: إخباره باتخاذ أمته الخصيان. باب: إخباره بأن طائفة من أمته لا تزال على الحق حتى تقوم الساعة لا يردها عنه شيء. باب: إخباره بمن يجدد لهذه الأمة أمر دينها كل مائة سنة. باب: إخباره بأنه لا يأتي زمان إلا والذي يليه شر منه. باب: إخباره بأن الخطباء يغفلون عن ذكر الدجال على المنابر. باب: إخباره بالكذابين بعده وبالحجاج. باب: إخباره بكذابين في الحديث وشياطين يحدّثون الناس. باب: إخباره بأول الأرض خرابا وأول الناس هلاكاً. باب: إخباره بظهور المعدن بأرض بني سليم. باب: إخباره بصفة رجال ونساء يكونون في آخر الزمان. باب: إخباره بأقوام يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر. باب: إخباره بذهاب العلم والخشوع وعلم الفرائض ورفع الأمانة. باب: إخباره بأن محمد بن مسلمة لا تضره الفتنة. باب: إخباره بموت أبي الدرداء قبل الفتنة. باب: إخباره بفتح القسطنطينية وأنها تفتح قبل رومية.

باب: إخباره بحال القرّاء في آخر الزمان فكان كما أخبر. باب: إخباره بأن المساجد والبيوت ستزخرف والمباهاة بها. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم عن مكان سيصير سوقاً. باب: إخباره بإتيان قوم يقرأون القرآن يسألون به الناس. باب: إخباره بزخرفة البيوت. باب: إخباره بأنه سيكون في أمته رجال نساؤهم على رؤوسهن كأسنمة البخت كاسيات عاريات. باب: إخباره بأن السلطان والقرآن سيفترقان. باب: إخباره بحال الولاة بعده. باب: ما أخبر به صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال. جماع أبواب معجزاته في إخباره بالفتن والملاحم الواقعة بعده باب: إخباره بالفتن وإقبالها ونزولها كمواقع القطر والظلل ومن أين تجيء، وفيه أنواع. باب: إخباره عن بدء دوران رحى الإسلام. باب: إخباره بأن الرجل يمر بقبر أخيه فيقول: «يا ليتني مكانك» من كثرة الفتن. باب: إخباره بأنه ستكون فتن النائم فيها خير من اليقظان والقاعد فيها خير من القائم وفي ذلك أنواع. باب: إخباره بمن يبيع دينه في الفتنة بعرض يسير. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم بكثرة الهرج. باب: إخباره بأن مبدأ الفتنة قتل عمر رضي الله عنه. باب: إخباره بقتل عمر رضي الله عنه. باب: إخباره بقتل عثمان رضي الله عنه. باب: إخباره بوقعة الجمل وصفّين والنهروان وقتال عائشة والزبير عليا رضي الله تعالى عنهم وبعث الحكمين. باب: إخباره بقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه. باب: إخباره بقتل علي رضي الله عنه. باب: إخباره بأن الحسن بن علي سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. باب: إخباره بقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما.

باب: إخباره بأغيلمة من قريش وبرأس الستين وبأن هذا الحي من مضر لا يدع مصليا إلا فتنه. باب: إخباره بقتل أهل الحرة. باب: إخباره بالمقتولين ظلماً بعذراء من أرض دمشق. باب: إخباره بقتل عمرو بن الحمق رضي الله عنه. باب: إخباره بأئمة يصلون الصلاة في غير وقتها فكان كما قال وذلك في زمن بني أمية. باب: إخباره بالخوارج فكان كما أخبر. باب: إخباره بالرافضة والقدرية والمرجئة والزنادقة. باب: إخباره بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة. باب: إخباره بأن الناس يغربلون ويتغير حالهم. باب: إخباره بأن الله تعالى جعل بأس هذه الأمة بينها. باب: إخباره بظهور كنز الفرات. باب: إخباره بنقض عرى الإسلام وأنه سيعود غريبا كما بدأ وأنه يدرس كما يدرس وشي الثوب. باب: إخباره بإحراق البيت العتيق. باب: إخباره بأن الإيمان بالشام حين تقع الفتن. باب: إخباره بملاحم الروم وتواترها وأن الساعة لا تقوم حتى تكون الروم ذات قرون وتداعي الأمم على أهل الإسلام. باب: إخباره بتكليم السباع الإنس وغير ذلك مما يذكر. باب: إخباره بأنه ستكون هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام. باب: إخباره بأنه لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ويرتفع الركن والمقام. باب: إخباره بأن أمته تفتح عليهم مشارق الأرض ومغاربها. باب: إخباره بأن مجيء الفتن من قبل المشرق. باب: في بعض ما أخبر به من الشدائد والفتن. جماع أبواب معجزاته في بعض ما أخبر به من علامات الساعة وأشراطها غير ما تقدم باب: أحاديث جامعة لأشراط الساعة أخبر بها صلى الله عليه وسلّم وجد غالبها وفيه أنواع. باب: إخباره بخروج المهديّ عليه السلام.

باب: إخباره بخروج الدجال وفيه أنواع. باب: إخباره بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام. باب: أخباره بخروج يأجوج ومأجوج وفيه أنواع. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلّم بأن الحبشة تهدم الكعبة. باب: إخباره صلّى الله عليه وسلم بخروج الدابة وفيه أنواع. باب: إخباره بطلوع الشمس والقمر من المغرب. باب: إخباره بأنه سيقع في هذه الأمة مسخ وخسف وقذف وإرسال صواعق وشياطين وغير ذلك مما يذكر وفيه أنواع. باب: إخباره بما يصير إليه أمر المدينة الشريفة. باب: إخباره بالريح التي تقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان ورفع القرآن. باب: إخباره بمن تقوم عليه الساعة وأنها تقوم نهاراً وأنها لا تقوم على أحد يقول في الأرض الله وأنها لا تقوم حتى تعبد الأوثان وأنه لا يعرف معروف ولا ينكر منكر وفيه أنواع. جماع أبواب معجزاته في إجابة دعواته لأقوام بأصياء فحصلت لهم باب: إجابة دعائه لآله رضي الله عنهم. باب: إجابة دعائه لابنته فاطمة رضي الله عنها. باب: إجابة دعائه لعلي رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لغلام من تجيب رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه للنابغة رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لعبد الله بن عتبة رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لثابت بن يزيد رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه للمقداد بن الأسود رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لعمرو بن الحمق رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لأولاد أبي سبرة رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لضمرة بن ثعلبة رضي الله عنهما. باب: إجابة دعائه لأبي بن كعب رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لابن عباس رضي الله عنهما.

باب: إجابة دعائه لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه. باب: إجابة دعائه لبهية بنت عبد الله البكرية رضي الله عنهما. باب: إجابة دعائه لأم أبي هريرة وأخته رضي الله تعالى عنهما. باب: إجابة دعائه للسائب بن يزيد رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما. باب: إجابة دعائه لعروة البارقي رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لمعاوية بن أبي سفيان. باب: إجابة دعائه لأم قيس رضي الله عنها. باب: إجابة دعائه لرجل من اليهود. باب: إجابة دعائه لأبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحمل أم سليم رضي الله عنها. باب: إجابة دعائه لعبد الله بن هشام رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لحكيم بن حزام رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لجرير بن عبد الله رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه للسوداء التي كانت تصرع رضي الله عنهما. باب: إجابة دعائه لأمته في بكورها. باب: إجابة دعائه بالمحبة بين رجل وامرأته كانا متباغضين. باب: إجابة دعائه بإقبال أهل اليمن وأهل الشام على الإسلام. باب: إجابة دعائه لأبي أمامة رضي الله عنه وأهل بيته. باب: إجابة دعائه بن شداخ الليثي رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لثعلبة بن حاطب. باب: إجابة دعائه للزبير بن العوام رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لمن بلغ سنته من أمته. باب: إجابة دعائه للقيط بن أرطاة رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه للوليد بن قيس رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه لرجل من الأنصار رضي الله عنهم. باب: إجابة دعائه في إذهاب الحر والبرد. باب: إجابة دعائه في إذهاب الغيرة. باب: إجابة دعائه لحنظلة بن حذيم رضي الله عنه.

جماع أبواب معجزاته في إجابة دعواته على أقوام بأصياء فحصلت لهم باب: إجابة دعائه على من رآه يأكل بشماله. باب: إجابة دعائه على قيس بن [....] . باب: إجابة دعائه صلى الله عليه وسلّم بأن لا يشبع بطن معاوية رضي الله عنه. باب: إجابة دعائه على من كف شعره عن التراب في الصلاة. باب: إجابة دعائه على رجل أن تضرب عنقه. باب: إجابة دعائه على عتبة بن أبي لهب. باب: إجابة دعائه على رجل خالفه في الصلاة. باب: إجابة دعائه على من احتكر طعاماً. باب: إجابة دعائه على شعر رجل عبث به في الصلاة. باب: إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي ثروان. باب: إجابة دعائه بالحمى على بني عصيّة. باب: إجابة دعائه على ليلى بنت الخطيم رضي الله عنها. باب: إجابة دعائه على امرأة كانت تفشي السر بين أزواجه. باب: إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على قريش بالسّنة. باب: إجابة دعائه على رجل ممن شهد هوازن بأن يخيس سهمه. باب: إجابة دعائه على بني حارثة بن عمرو. باب: إجابة دعائه على سراقة بن مالك بن جعشم. باب: إجابة دعائه على أبي القين. باب: إجابة دعائه على لهب بن أبي لهب. باب: إجابة دعائه على الحكم بن أبي العاص. باب: إجابة دعائه على معاوية بن حيدة قبل إسلامه. باب: إجابة دعائه على من مر بين يديه أن يقطع أثره. باب: إجابة دعائه على كسرى حين مزق كتابه. باب: إجابة دعائه على محلّم بن جثامة. جماع أبواب ما علمه لأصحابه من الدعوات والرقى فظهرت آثاره باب: ما علمه صلى الله عليه وسلّم لعائشة لما وعكت. باب: ما علمه صلى الله عليه وسلم لعائشة في قضاء الدين. باب: ما علمه صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد رضي الله عنه لما كاده بعض الجنّ.

باب: ما علمه صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه ليأمن من لدغة العقرب. باب: ما علمه صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد رضي الله عنه لما حصل له الأرق. باب: ما علمه صلى الله عليه وسلم لرجل أدبرت عنه الدنيا. باب: ما علمه لأمته للأمان من السرقة. باب: ما علّمه لفاطمة الزهراء رضي الله عنها. باب: ما علمه لأبي بكر الصديق. باب: ما علمه لأبي مالك الأشعري رضي الله عنه. باب: ما علمه لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه. باب: ما علمه لبعض بناته رضي الله عنهن. جماع أبواب آيات في منامات رؤيت في عهده صلى الله عليه وسلم باب: ما رآه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. باب: ما رآه عبد الله بن سلام رضي الله عنه. باب: ما رآه ابن زميل الجهني رضي الله عنه. باب: ما رآه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه. باب: ما رآه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. باب: ما رآه زيد بن ثابت رضي الله عنه. باب: ما رآه الطفيل بن عمرو رضي الله عنه. باب: ما رآه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. باب: ما رآه رجال من الصحابة رضي الله عنهم في شأن ليلة القدر. جماع أبواب بعض آيات وقعت لأصحابه وإتباعهم فهي من معجزاته صلّى الله عليه وسلم باب: وجوب اعتقاد إثبات كرامات الأولياء رحمهم الله. باب: فوائد تتعلق بكرامات الأولياء رحمهم الله. باب: بعض آيات وقعت لأمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفيه أنواع. باب: بعض آيات وقعت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لسيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

باب: بعض آيات وقعت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لعبد الله بن جحش رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لسيدنا العباس رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لخبيب بن عدي رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأبي بن كعب رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأبي الدرداء رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لسلمان الفارسي رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأهبان بن صيفي رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لعامر بن فهيرة رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لعاصم بن ثابت رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لزيد بن حارثة رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت للبراء بن مالك رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأنس بن مالك رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لتميم الداري رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأبي أمامة رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لجنادة بن أبي أمية رضي الله تعالى عنه. باب: بعض آيات وقعت لأبي ريحانة رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لحجر بن عدي أو قيس بن مكشوح رضي الله عنهما. باب: بعض آيات وقعت لحمزة بن عمر رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لعمران بن حصين رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لخالد بن الوليد رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لسفينة رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لعمار بن ياسر رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأبي قرصافة رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لعقبة بن نافع رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لرجل من أهل اليمن. باب: بعض آيات وقعت لأبي مسلم الخولانيّ وعثمان. باب: بعض آيات وقعت لحبيب بن مسلمة رضي الله عنه.

باب: بعض آيات وقعت لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. باب: بعض آيات وقعت لأم مالك رضي الله عنها. باب: بعض آيات لأم أيمن رضي الله عنها. باب: بعض آيات وقعت لامرأة مهاجرة رضي الله عنها. باب: بعض آيات وقعت لامرأة من الأنصار رضي الله عنها. باب: بعض آيات وقعت للربيع بنت معوذ رضي الله عنها. باب: بعض آيات وقعت لعمرة بنت عبد الرحمن رحمهما الله. باب: بعض آيات وقعت لخبيب رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأويس القرني وطلب عمر منه الدعاء. باب: بعض آيات وقعت لعامر بن ربيعة رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت للطّفيل رضي الله عنه. باب: بعض آيات وقعت لأحمد بن أبي الحواريّ رحمه الله تعالى. باب: بعض آيات وقعت لبعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. باب: بعض آيات وقعت لذيب بن كلب. جماع أبواب معجزاته عليه الصلاة والسلام في عصمته من الناس باب: كفاية الله تعالى رسوله أمر المستهزئين والكلام على قوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من العوراء بنت حرب. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من المخزوميين. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من دعثور بن الحارث الغطفاني. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من النضر بن الحارث. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من غورث بن الحارث. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من سراقة بن مالك قبل إسلامه. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من اليهود حين أرادوا الفتك به. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من أربد وعامر بن الطفيل. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم ممن أراد الفتك به. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من شيبة بن عثمان قبل أن يسلم. باب: عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين حين أرادوا الفتك به.

باب: عصمته صلى الله عليه وسلم ممن قصد آذاه من الشياطين. باب: دفع أذى الهوام عنه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وعليهم وسلّم باب: فوائد جليلة تتعلق بالكلام على ذلك. باب: موازاته ما أوتيه آدم عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه إدريس عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه نوح عليهما الصلاة والسلام. باب: موازاته ما أوتيه هود عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه صالح عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه إبراهيم عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه إسماعيل عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه يعقوب عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه يوسف عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه موسى عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه هارون عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه يوشع عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه داود عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه سليمان عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه يحيى بن زكريا عليه السلام. باب: موازاته ما أوتيه عيسى بن مريم عليه السّلام. جماع أبواب خصائصه عليه أفضل الصلاة والسلام باب: فوائد تتعلق بالكلام على الخصائص الشريفة. باب: ما اختص به عن الأنبياء في ذاته في الدنيا وما يتصل بذلك وفيه مسائل. باب: ما اختص به الأنبياء في شرعه وأمته. باب: ما اختص به عن الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم في ذاته في الآخرة. باب: ما اختص به في أمته في الآخرة وفيه مسائل. باب: ما اختص به عن أمته من الواجبات وفيه نوعان.

باب: ما اختص به عن أمته من المحرمات وفيه نوعان. باب: ما اختص به عن أمته من المباحات والتخفيفات وفيه نوعان. باب: ما اختص به عن أمته من الفضائل والكرامات وفيه نوعان. جماع أبواب فضائل آل رسول الله والوصيّة بهم ومحبتهم والتحذير من بغضهم وذكر أولاده صلّى الله عليه وسلم وأولادهم رضي الله عنهم باب: بعض فضائل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفعها والحث على محبتهم. باب: بعض فضائل أهل بيت رسول الله وفيه أنواع. باب: عدد أولاده ومواليدهم وما اتفق عليه منهم وما اختلف فيه، وفيه أنواع. باب: ذكر سيدنا القاسم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب: بعض مناقب سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله عليه السلام وفيه أنواع. باب: بعض مناقب السيدة زينب بنت رسول الله وفيه أنواع. باب: بعض مناقب السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله وفيه أنواع. باب: بعض مناقب السيدة أم كلثوم بنت سيدنا رسول الله وفيه أنواع. باب: بعض مناقب السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله وفيه أنواع. باب: في بعض مناقب سيدي شباب أهل الجنة أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاشتراك وفيه أنواع. باب: بعض ما ورد مختصاً بالحسين رضي الله عنه وفيه أنواع. باب: بعض ما ورد مختصا بالحسن رضي الله عنه وفيه أنواع. جماع أبواب بيان أعمامه وعماته وأولادهم وأحواله باب: ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال. باب: بعض مناقب حمزة رضي الله عنه وفيه أنواع. باب: بعض مناقب العباس رضي الله عنه وفيه أنواع. باب: بعض مناقب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه أنواع. باب: بعض مناقب عبد الله بن جعفر رضي الله عنه. باب: بعض مناقب عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه أنواع. باب: بعض مناقب الإناث من أولاد أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب: بعض مناقب الفضل بن العباس رضي الله عنهما وفيه أنواع. باب: بعض مناقب عبيد الله بن العباس رضي الله عنه. باب: بعض مناقب قثم بن العباس.

باب: بعض مناقب ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وفيه أنواع. باب: بعض مناقب بني العباس غير من تقدم وفيه أنواع. باب: بعض مناقب أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وفيه أنواع. باب: بعض مناقب نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وفيه أنواع. باب: بعض مناقب بقية أولاد الحارث بن عبد المطلب. باب: معرفة أولاد الزبير بن عبد المطلب وحمزة وأبي لهب على سبيل التفصيل. باب: أخواله صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم باب: الكلام على أزواجه اللاتي دخل بهن صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال وترتيب زواجهن وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين أم سلمة وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين حبيبة بنت أبي سفيان وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين سودة بنت زمعة وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين زينب بنت جحش وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين زينت بنت خزيمة الهلالية وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين جويرية بنت الحارث الخزاعية ثم المصطلقية وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أم المؤمنين صفية بنت حيي وفيه أنواع. باب: ذكر سراريه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر من خطبها ولم يعقد عليها صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر من عقد عليها ولم يدخل بها صلى الله عليه وسلم. جماع ذكر أبواب العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة وبعض فضائلهم باب: بعض فضائلهم على سبيل الاشتراك وفيه أنواع. باب: بعض فضائلهم على سبيل التفصيل وفيه أنواع. باب: بعض فضائل الخلفاء الأربعة على سبيل الاشتراك وفيه أنواع.

باب: بعض فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سبيل الاشتراك. باب: بعض فضائل أمير المؤمنين أبي بكر الصديق على سبيل الإنفراد وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب وفيه أنواع. باب: بعض فضائل طلحة بن عبيد الله وفيه أنواع. باب: بعض فضائل الزبير بن العوام وفيه أنواع. باب: بعض فضائل عبد الرحمن بن عوف وفيه أنواع. باب: بعض فضائل سعد بن مالك وفيه أنواع. باب: بعض فضائل سعيد بن زيد وفيه أنواع. باب: بعض فضائل أبي عبيدة بن الجراح وفيه أنواع. جماع أبواب ذكر القضاة والفقهاء والمفتين وحفاظ القرآن في أيامه عليه الصلاة والسلام وذكر وزرائه وأمرائه على البلاد وخلفائه على المدينة المنورة إذا سافر صلى الله عليه وسلم باب: ذكر قضاته صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر المفتين في زمانه عليه السلام. باب: ذكر حفاظ القرآن في حياته من أصحابه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر وزرائه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر سيرته صلى الله عليه وسلم في الإمارة. باب: ذكر تأميره أبا بكر الصديق على الحج. باب: ذكر تأميره صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب الأخماس باليمين والقضاء بها. باب: ذكر تأميره صلى الله عليه وسلم باذان بن ساسان على اليمن كله. باب: ذكر تأميره صلى الله عليه وسلم شهر بن باذان على صنعاء اليمن وأعمالها. باب: ذكر تأميره خالد بن العاص على صنعاء بعد قتل شهر. باب: ذكر تأميره المهاجر بن أبي أمية المخزومي على كندة والصدف. باب: تأميره زياد بن لبيد على حضرموت. باب: تأميره أبا موسى الأشعري على زبيد وزمع والساحل. باب: تأميره معاذ بن جبل على الجند. باب: تأميره أبا سفيان بن الحارث على نجران.

باب: تأميره زيد بن أبي سفيان على تيماء. باب: تأميره عتاب بن أسيد على مكة وإقامة المواسم والحج بالمسلمين. باب: تأميره عمرو بن العاص على عمان. باب: ذكر خلفائه على المدينة إذا سافر صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر بعض تراجم أمرائه على السرايا. جماع أبواب ذكر رسله إلى الملوك ونحوهم وذكر بعض مكاتباته وما وقع في ذلك من الآيات باب: أي وقت فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب: إرساله الأقرع بن حابس بن عبد الله الحميري إلى ذي مران. باب: إرساله أبي بن كعب إلى سعد هذيم. باب: إرساله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله رضي الله عنه إلى ذي الكلاع وذي رعين. باب: إرساله حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس. باب: إرساله حسان بن سلمة إلى قيصر مع دحية. باب: إرساله الحارث بن عمير إلى ملك الروم وقيل إلى صابح بصرى. باب: إرساله حريث بن زيد الخيل إلى يحنة بن رؤبة الأيلي. باب: إرساله حرملة بن حريث رضي الله عنه إلى يحنة. باب: إرساله خالد بن الوليد إلى نجران. باب: إرساله دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر. باب: إرساله رفاعة بن زيد الجذامي إلى قومه. باب: إرساله زياد بن حنظلة إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر. باب: إرساله سليط بن عمرو إلى هوذة وثمامة بن أثال. باب: إرساله السائب بن العوام إلى مسيلمة. باب: إرساله شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر. باب: إرساله أبا أمامة صدي بن عجلان إلى جبلة بن الأيهم. باب: إرساله الصلصل بن شرحبيل إلى صفوان بن أمية. باب: إرساله ضرار بن الأزور إلى الأسود وطليحة. باب: إرساله ظبيان بن مرثد إلى بني بكر بن وائل. باب: إرساله عبد الله بن حذافة إلى كسرى. باب: إرساله عبد الله بن بديل إلى اليمن.

باب: إرساله عبد الله بن عبد الخالق رضي الله عنه إلى الروم. باب: إرساله عبد الله بن عوسجة رضي الله عنه إلى سمعان. باب: إرساله العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه إلى المنذر بن ساوى. باب: إرساله عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ملكي عمان. باب: إرساله عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي. باب: إرساله عمرو بن حزم رضي الله عنه إلى اليمن. باب: إرساله أبا هريرة رضي الله عنه مع العلاء بن الحضرمي إلى هجر. باب: إرساله عبد الله بن ورقاء رضي الله عنه مع أخيه إلى اليمن. باب: إرساله عقبة بن عمرو رضي الله عنه إلى صنعاء. باب: إرساله عياش بن أبي ربيعة رضي الله عنه إلى اليمن. باب: إرساله فرات بن حيان رضي الله عنه إلى ثمالة بن أثال. باب: إرساله قدامة بن مظعون إلى المنذر بن ساوى. باب: إرساله قيس بن نمط إلى أبي زيد قيس بن عمرو. باب: إرساله معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن. باب: إرساله مالك بن مرارة مع معاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن. باب: إرساله مالك بن عبد الله إلى اليمن. باب: إرساله مالك بن عقبة أو عقبة بن مالك مع معاذ إلى اليمن. باب: إرساله المهاجر بن أبي أمية رضي الله عنه إلى الحارث بن عبد كلال. باب: إرساله نمير بن خرشة رضي الله عنه إلى ثقيف. باب: إرساله نعيم بن مسعود الأشجعي إلى ذي الكلحبة. باب: إرساله واثلة بن الأسقع مع خالد بن الوليد إلى أكيدر. باب: إرساله وبرة وقيل وبر بن بحيس إلى ذاذويه. باب: إرساله الوليد بن بحر الجرهمي إلى أقيال اليمن. باب: إرساله أبا أمامة صدي بن عجلان إلى قومه بأهله. جماع أبواب ذكر كتابه وأن منهم الخلفاء الأربعة وطلحة بن عبيد الله والزبير ابن العوام وتقدمت تراجمهم في تراجم العشرة وأبو سفيان بن حرب وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وتقدمت تراجمهم في الأمراء رضي الله عنهم أجمعين باب: استكتابه صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه.

باب: استكتابه أبي بن كعب رضي الله عنه. باب: استكتابه الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه. باب: استكتابه بريدة بن الحصين رضي الله عنه. باب: استكتابه صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس. باب: استكتابه جهيم بن أبي الصلت رضي الله عنه. باب: استكتابه جهم بن سعد رضي الله عنه. باب: استكتابه حنظلة بن الربيع رضي الله عنه. باب: استكتابه حويطب بن عبد العزى رضي الله عنه. باب: استكتابه الحصين بن عمير رضي الله عنه. باب: استكتابه حاطب بن عمرو رضي الله عنه. باب: استكتابه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. باب: استكتابه خالد بن زيد أبا أيوب رضي الله عنه. باب: استكتابه خالد بن سعيد رضي الله عنه. باب: استكتابه خالد بن الوليد رضي الله عنه. باب: استكتابه زيد بن ثابت رضي الله عنه. باب: استكتابه سعيد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه. باب: استكتابه السجل رضي الله عنه. باب: استكتابه شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه. باب: استكتابه عامر بن فهيرة رضي الله عنه. باب: استكتابه عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه. باب: استكتابه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول رضي الله تعالى عنه. باب: استكتابه عبد الله بن رواحة رضي الله عنه. باب: استكتابه عبد الله بن زيد رضي الله عنه. باب: استكتابه عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه. باب: استكتابه عبد الله بن أسد رضي الله عنه. باب: استكتابه العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه. باب: استكتابه العلاء بن عقبة رضي الله عنه. باب: استكتابه عبد العزى بن حنظل قبل ارتداده. باب: استكتابه محمد بن مسلمة رضي الله عنه.

باب: استكتابه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. باب: استكتابه معيقيب بن أبي فاطمة رضي الله عنه. باب: استكتابه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. باب: استكتابه رجلا من بني النجار ارتد فهلك فألقته الأرض ولم تقبله. جماع أبواب ذكر خطبائه وشعرائه وحداته وحراسه وسيافه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه ومن كان يلي نفقاته وخاتمه وسواكه ونعله وترجله، ومن كان يقود به في الأسفار، ورعاة إبله وصياهه وثقله والآذن عليه باب: ذكر خطيبه صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس رضي الله عنه. باب: ذكر شعرائه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر حداته صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر حراسه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر سيافه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر من كان يلي نفقته وخاتمه وسواكه ونعله والآذان عليه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر رعاة إبله وشياهه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر من كان على ثقله ورحله ومن كان يقود به في الأسفار صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب ذكر عبيده وإمائه وخدمه من غير مواليه صلى الله عليه وسلم باب: ذكر عبيده صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر إمائه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر خدمه صلى الله عليه وسلم من غير مواليه. جماع أبواب ذكر دوابه ونعمه وغير ذلك مما يذكر باب: عدد خيله صلى الله عليه وسلم. باب: عدد بغاله وحميره صلى الله عليه وسلم. باب: نعاجه وركابه وجماله صلى الله عليه وسلم. باب: شياهه صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر ديكه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب ذكر ما يجب على الأنام من حقوقه عليه الصلاة والسلام باب: وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم. باب: وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم. باب: وجوب إتباعه صلى الله عليه وسلم وامتثال سنتّه والأخذ بهديه صلى الله عليه وسلم. باب: التحذير من مخالفة أمره وتبديل سنته.

باب: لزوم محبته وثوابها وبعض ما ورد عن السلف في ذلك. باب: وجوب مناصحته صلى الله عليه وسلم. باب: وجوب تعظيم أمره صلى الله عليه وسلّم وتوقيره وبره وبعض ما ورد عن السلف في ذلك. باب: كون حرمته بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازما كما كان في حال حياته. باب: سيرة السلف رحمهم الله تعالى في تعظيم رواة حديثه صلى الله عليه وسلم. باب: من بره وتوقيره صلى الله عليه وسلم: بر آله وذريته. باب: من بره وتوقيره صلى الله عليه وسلم: توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقوقهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم. باب: من إعظامه وإجلاله صلى الله عليه وسلم إعظام جميع أصحابه وأشباهه. باب: إكرام مشاهده وأمكنته وما لمسه وما عرف به صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب الكلام على النبي والرسول والملك وعصمتهم وما يعرف به كون النبي نبيا صلى الله عليه وسلّم باب: الكلام على النبي والرسول غير ما تقدم. باب: ما يعرف به كون النبي نبيّاً. باب: عصمته قبل النبوة وبعدها. باب: فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية. باب: عصمته من الشيطان صلى الله عليه وسلّم. باب: حكم عقد قلب النبي صلى الله عليه وسلم من وقت نبوته. باب: عصمته في أقواله البلاغية. باب: عصمته في جوارحه صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب الكلام على السهو والنسيان هل يصدران منه أم لا باب: الرد على من أجاز على الأنبياء الصغائر. باب: الكلام على الآيات والأحاديث التي تمسّك بها من قال بعدم عصمتهم. باب: الكلام على الملائكة وفيه أنواع. جماع أبواب ما يخصه من الأمور الدنيوية ويطرأ عليه من العوارض البشرية وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باب: حاله في جسمه صلى الله عليه وسلم. باب: حكم عقد قلبه صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية. باب: حكم عقد قلبه في أمور البشر الجارية على يديه ومعرفته المحق من المبطل وعلمه المصلح من المفسد.

باب: حكم أقواله الدنيوية من أخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله صلى الله عليه وسلم. باب: حكم أفعاله الدنيوية صلى الله عليه وسلم. باب: الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. جماع أبواب حكم من سبه أو انتقصه وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام باب: ذكر فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية. باب: بيان ما هو في حقه سب من المسلم. باب: بيان ما هو في حقه صلى الله عليه وسلم سب من الكافر. باب: بيان قتل الساب إذا كان ممن يدعي الإسلام ولم يتب. باب: الكلام على توبة المسلم واستتابته. باب: انتقاض عهد الذمي إذا ذم المقام الشريف ووجوب قتله والنص على ذلك. باب: عدم قبول توبته إذا سب مع بقائه على كفره. باب: الخلاف في توبته هل هي بالإسلام صحيحة مسقطة للقتل أم لا؟ وهل يستتاب بالإسلام ويدعي الندم. باب: الخلاف في أن الحاكم بسقوط القتل عن الساب مع بقائه على الكفر صحيح أم لا؟. جماع أبواب بعض الحوادث الكائنة بالمدينة في سني الهجرة غير ما تقدم باب: مبدأ التاريخ الإسلامي. وأسقطت ذكر بقية الأبواب لكثرتها. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في الرقى والتمائم باب: إذنه صلى الله عليه وسلم في الرقى المفهومة المعنى. باب: نهيه صلّى الله عليه وسلم عن التمائم. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في لدغة العقرب بالرقبة. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في رقية النملة. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في رقية الحية. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في القرحة والجرح. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في رقى عامة. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في علاج داء الحريق وإطفائه.

باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في علاج الفزع والأرق المانع من النوم. باب: سيرته في علاج حر المصيبة. باب: سيرته في علاج الكرب والهم والحزن. باب: سيرته في علاج الصرع. باب: سيرته في علاج الغيراء. جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في الطب باب: فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية وفيه أنواع. باب: أمره بالتداوي وإخباره بأن الله جعل لكل داء دواء إلا الهرم والموت. باب: نهيه عن التداوي بالخمر وغيرها مما يذكر. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في التطبّب. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في حفظ الصحة بالصوم والسفر ونفي الهموم وتعديل الغذاء والطيب. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في الحمية. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في تدبير المأكول والمشروب وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في تدبير الحركة والسكون البدنيين. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في تدبير الحركة والسكون النفسانيين. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في تدبير النوم واليقظة. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في تدبير النكاح. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في تدبير فصول السنة. باب: سيرته في تدبير أمر المسكن. باب: أمره صلى الله عليه وسلم باختيار البلدان الصحيحة التربة وتوقّي الوبيئة. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في الجلوس في الشمس. باب: إرشاده لدفع مضار الأغذية بالحركة والأشربة. باب: إرشاده إلى استعمال المعاجين والجوارش. باب: إرشاده إلى تعهد العادات. باب: سيرته في الصداع والشقيقة. باب: سيرته في السعوط واللدود. باب: سيرته في الحجامة والفصد والقسط البحري. باب: سيرته في الإسهال والقيء.

باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في الكيّ وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في الحمّى. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في المعيون وفيه أنواع. باب: سيرته صلى الله عليه وسلم في المجذومين. باب: علاج البدن المقمل وكذا الرأس. باب: علاجه صلّى الله عليه وسلم البخر. باب: علاجه في الرمد وضعف البصر. باب: علاجه من عرق الكلبة. باب: علاجه صلّى الله عليه وسلّم عرق النساء. باب: علاجه المفؤود صلى الله عليه وسلم. باب: علاجه البثرة صلى الله عليه وسلّم. باب: علاجه صلّى الله عليه وسلّم الباسور. باب: علاجه الورم. باب: علاجه الخنازير. باب: علاجه الدوخة. باب: علاجه العذرة. باب: علاجه العشق. باب: علاجه وجع الصدر. باب: علاجه ذات الجنب. باب: علاجه الاستسقاء والمعدة ويبس الطبيعة. باب: علاجه الإسهال. باب: علاجه القولنج. باب: علاجه الدود في الجوف. باب: علاجه الباه. باب: علاجه السل. باب: علاجه الجراح. باب: علاجه الخراج والكحة ونحوهما. باب: علاجه الكسر والخلع والوثى. باب: علاجه الخدران الكلي.

باب: إرشاده إلى دفع مضرات السموم بأضدادها. باب: سيرته في السّمّ. باب: سيرته في لدغ الهوام. باب: سيرته في الزكام. باب: علاجه الشوكة. باب: علاجه بعض أمراض الفم. باب: سيرته في الأسنان. باب: علاجه الدبيلة. باب: سيرته في غمز الظهر في السقطة والقدمين من الإعياء. باب: سيرته في الإعياء من شدة المشي. باب: علاجه الحائض والمستحاضة والنفساء. باب: إطعامه المزورات للناقة. باب: تغذيته المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية. باب: بعض فوائد تتعلق بالأبواب السابقة. باب: الكلام على بعض المفردات التي جاءت على لسانه صلّى الله عليه وسلم. جماع أبواب مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته باب: كثرة أمراضه صلّى الله عليه وسلم. باب: نعي الله تعالى إلى رسوله صلّى الله عليه وسلم نفسه. باب: عرضه صلّى الله عليه وسلم القرآن على جبريل في العام الذي مات فيه مرتين ونعيه نفسه لأصحابه. باب: ما جاء أنه خير بين أن يبقى حتى يرى ما يفتح على أمته وبين التعجيل واستغفاره صلى الله عليه وسلّم لأهل البقيع. باب: ابتداء مرضه وسؤال أبي بكر أن يمرضه في بيته. باب: ما جاء أنه كان يدور علي بيوت أزواجه في مرضه صلى الله عليه وسلم. باب: اشتداد الوجع عليه صلى الله عليه وسلّم. باب: أمره أن يصب عليه الماء لتقوى نفسه فيعهد إلى الناس. باب: ما روى أنه طلب من أصحابه القود من نفسه. باب: مدة مرضه واستخلافه أبا بكر في الصلاة بالناس. باب: إرادته أن يكتب لأبي بكر كتابا فلم يكتب.

باب: إرادته أن يكتب لأصحابه كتاباً ثم اختلفوا فلم يكتب. باب: إخراجه شيئاً من المال كان عنده وعتق عبيده. باب: إعلامه ابنته فاطمة رضي الله عنها بموته صلّى الله عليه وسلّم. باب: وصيته بالأنصار رضي الله عنهم عند موته. باب: جمعه أصحابه في بيت عائشة ووصيته لهم رضي الله عنهم. باب: وصيته بالصلاة وغيرها من أمور الدين وأنه لم يوص بشيء من أمور الدنيا. باب: تحذيره أن يتخذ قبره مسجداً. باب: بعض ما يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم من ألفاظه في مرض موته وآخر ما تكلم به. باب: آخر صلاة صلاها بالناس صلّى الله عليه وسلّم. باب: استعماله السّواك قبل موته صلى الله عليه وسلّم. باب: معاتبته صلّى الله عليه وسلم نفسه على كراهة الموت. باب: ما جاء أنه قبض ثم أري مقعده من الجنة ثم ردت إليه روحه ثم خيّر. باب: تردد جبريل إلى الله واستئذان ملك الموت عليه وزيارة إسماعيل صاحب سماء الدنيا له صلّى الله عليه وسلم وعليهم وقبض روحه الشريفة وصفة خروجها وصفة الثياب التي قبض فيها. باب: إخبار أهل الكتاب بموته صلّى الله عليه وسلم يوم مات وهم باليمن. باب: بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلّم: «حياتي خير لكم وموتي خير لكم» . باب: عظم المصيبة وما نزل بالمسلمين بموته والظلمة التي غشيت المدينة، وتغيير قلوب الناس وأحوالهم، وبعض ما رثي به من الشعر. باب: بلوغ هذا الخطب الجسيم إلى الصديق الكريم وثباته في هذا الأمر. باب: اختيار الله تعالى له بأن يجمع له مع النبوة الشهادة صلى الله عليه وسلم. باب: تاريخ وفاته صلّى الله عليه وسلم. باب: مبلغ سنه صلّى الله عليه وسلم. باب: عدم استخلافه أحدا بعينه وأنه لم يوص لأحد بعينه. باب: ذكر خبر السقيفة وبيعة أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة بعد موته صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب غسله وتكفينه ووضع الصلاة عليه ودفنه وموضع قبره والاستسقاء به وفضل ما بين القبر وما بين المنبر وفضل مسجده، وحياته في قبره وعرض أعمال أمته عليه، وحكم تركته وما خلف صلى الله عليه وسلم باب: غسله ومن غسله وما وقع في ذلك من الآيات.

باب: صفة كفنه عليه الصلاة والسلام. باب: الصلاة عليه. باب: دفنه ومن دفنه. باب: ذكر من كان آخر الناس عهدا به صلى الله عليه وسلم في قبره. باب: ذكر ما سمع من التعزية به صلّى الله عليه وسلم. باب: موضع قبره الشريف وصفته وصفة حجرته وبعض أخبارها. باب: الاستسقاء بقبره الشريف صلى الله عليه وسلّم. باب: فضل ما بين قبره ومنبره عليه السلام. باب: فضل مسجده صلّى الله عليه وسلم غير ما تقدم. باب: حياته في قبره وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام. باب: صلاته في قبره وكذلك سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. باب: عرض أعمال أمته عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه. باب: حكم تركته وما خلف صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب زيارته صلى الله عليه وسلم بعد موته باب: فضل زيارته صلّى الله عليه وسلم. باب: الرد على من زعم أن شد الرحل لزيارته صلّى الله عليه وسلم معصية. باب: آداب زيارته صلّى الله عليه وسلم. جماع أبواب التوسل به بعد موته صلى الله عليه وسلم باب: مشروعية التوسل به إلى الله تعالى. باب: ذكر من توسل به قبل خلقه من الأنبياء صلى الله عليه وسلم. باب: ذكر من توسل به في حياته من الإنس. باب: ذكر من توسل به في حياته من الحيوانات. باب: ذكر من توسل به بعد موته صلى الله عليه وسلم. جماع أبواب الصلاة والسلام عليه زاده فضلا وشرفا لديه باب: فوائد تتعلق بالآية الكريمة في ذلك. باب: الأمر بالصلاة والسلام عليه. باب: التحذير من ترك الصلاة والسلام عليه. باب: فضل الصلاة والسلام عليه. باب: كيفية الصلاة والسلام عليه.

باب: المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام عليه وفيه أنواع. جماع أبواب بعثه وحشره وأحواله يوم القيامة صلّى الله عليه وسلم باب: ما جاء أنه أول من يفيق من الصعقة وأول من يقوم من قبره واختصاصه بركوب البراق يومئذ وكيفية حشره صلى الله عليه وسلّم. باب: كسوته صلّى الله عليه وسلم في الموقف ومكانه وأمته وكون لواء الحمد ولواء الكرم بيده صلى الله عليه وسلم. باب: كونه أول من يدعى يوم القيامة صلّى الله عليه وسلم. باب: اختصاصه صلّى الله عليه وسلّم بالسجود يومئذ. باب: طمأنينته إذا جيء بجهنم وفزع غيره صلى الله عليه وسلم. باب: شفاعته العظمى لفصل القضاء والإراحة من طول الوقوف. باب: الكلام على المقام المحمود والكلام على بقية شفاعاته صلى الله عليه وسلّم. باب: دخوله صلّى الله عليه وسلّم جهنم لإخراج أناس من أمته. باب: الكلام على حوضه صلى الله عليه وسلم. باب: ما جاء أنه أول من يجوز على الصراط وأن مفاتيح الجنة بيده صلّى الله عليه وسلم. باب: ما جاء أنه أول من يستفتح باب الجنة وأنه أول من يدخلها وقيام خازن الجنة له صلى الله عليه وسلم. باب: ما جاء أن جنة عدن مسكنه، وعلو منزلته في الجنة، وتزويج الله له مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون، وكثرة خدمه صلى الله عليه وسلّم وغير ذلك. مما يذكر إن شاء الله تعالى وبالله تعالى التوفيق. هذا جميع ما تضمنه الكتاب من الأبواب والله المسؤول في التوفيق في ذلك كله للصواب

جماع أبواب بعض الفضائل والآيات الواقعة قبل مولده صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين جماع أبواب بعض الفضائل والآيات الواقعة قبل مولده صلى الله عليه وسلم الباب الأول في تشريف الله تعالى له صلى الله عليه وسلّم بكونه أول الأنبياء خلقا روى أبو إسحاق الجوزجاني [ (1) ]- بجيمين الأولى مضمومة وبينهما زاي مفتوحة، وقبل ياء النسب نون- في تاريخه، وابن أبي حاتم [ (2) ] ، في تفسيره عن أبي هريرة [ (3) ] رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت أول الأنبياء خلقاً وآخرهم بعثاً» [ (4) ] . وروى ابن إسحاق [ (5) ] عن قتادة [ (6) ] مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث» [ (7) ] . وروى أبو سعد النيسابوري في «الشرف» ، وابن الجوزي [ (8) ] في «الوفا» عن كعب الأحبار [ (9) ] ، قال: لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلق محمدا- صلى الله عليه وسلم أمر جبريل أن يأتيه بالطّينة التي هي قلب الأرض وبهاؤها ونورها، فهبط جبريل في ملائكة الفردوس وملائكة الرفيق

_ [ (1) ] أبو إسحاق الجوزجاني هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني قال الدارقطني: كان من الحفاظ المصنفين توفى سنة تسع وخمسين ومائتين. [انظر الخلاصة 1/ 60/ 61] . [ (2) ] هو عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو محمد التميميّ الحنظلي، من تصانيفه «التفسير المسند» و «الجرح والتعديل» وغيرهما، مات في المحرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وهو في عشر التسعين، انظر شذرات الذهب 2/ 308، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 324، طبقات المفسرين للسيوطي ترجمة 52. [ (3) ] هو عبد الرحمن بن صخر الدّوسي الحافظ، له خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا قال ابن سعد: كان يسبّح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، مات سنة تسع وخمسين عن ثمان وسبعين سنة، انظر الخلاصة 3/ 252 (529) . [ (4) ] أخرجه بن عدي في الكامل 3/ 1209 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 6 وابن كثير في البداية والنهاية 4/ 307 والثعالبي في التفسير 3/ 93/ 1 وذكره السيوطي في الدر 5/ 184 والمتقي الهندي في الكنز (32126) . [ (5) ] هو محمد بن إسحاق بن يسار المطّلبي مولى قيس بن مخرمة أبو عبد الله المدني، قال أحمد: حسن الحديث وقال البخاري: رأيت علي بن عبد الله يحتج به وقال يعقوب بن شبّة: لم أر لابن إسحاق إلا حديثين منكرين، مات سنة إحدى وخمسين ومائة، انظر الخلاصة [2/ 379 (6049) ] . [ (6) ] هو قتادة بن دعامة بن قتادة السّدوسي، أبو الخطّاب البصري، ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة مات سنة بضع عشرة، انظر التقريب [2/ 123 (81) ] . [ (7) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 919، وابن سعد في الطبقات 1- 1/ 96، وذكره المتقي الهندي في الكنز (31916) . [ (8) ] هو عبد الرحمن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن عبيد الله بن عبد الله البكري من ولد الإمام أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الإمام أبو الفرج ابن الجوزيّ قال الذهبيّ: كان مبرزا في التفسير وفي الوعظ والتاريخ ولد تقريبا سنة ثمان- أو عشر- وخمسمائة، انظر طبقات المفسرين للسيوطي 50 (50) . [ (9) ] هو كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق الحبر من مسلمة أهل الكتاب، عنه أبو هريرة وابن عباس ومعاوية وجماعة من التابعين. قال ابن سعد: توفي سنة اثنتين وثلاثين، انظر الخلاصة 2/ 366 (5964) .

الأعلى، فقبض قبضة رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع قبره الشريف، وهي بيضاء نيّرة، فعجنت بماء التّسنيم في معين أنهار الجنة، حتى صارت كالدّرة البيضاء لها شعاع عظيم، ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي والسموات والأرض، فعرفت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف آدم أبا البشر، ثم كان نور محمد صلى الله عليه وسلم- يرى في غرّة جبهة آدم، وقيل له: يا آدم هذا سيّد ولدك من المرسلين. فلما حملت حوّاء بشيث انتقل النور عن آدم إلى حوّاء، وكانت تلد في كل بطن ولدين إلا شيثاً فإنها ولدته وحده كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم لم يزل النور ينتقل من طاهر إلى طاهر إلى أن ولد صلى الله عليه وسلم. وفي كتاب الأحكام للحافظ الناقد أبي الحسن بن القطّان [ (1) ] : روى علي بن الحسين [ (2) ] ، عن أبيه عن جده مرفوعاً: «كنت نوراً بين يدي ربي عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام [ (3) ] » . وروى الحافظ محمد بن عمر العدني [ (4) ] شيخ مسلم [ (5) ] في مسنده عن ابن عباس [ (6) ] رضي الله عنهما أن قريشاً- أي المسعدة بالإسلام- كانت نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام يسبّح ذلك النور وتسبّح الملائكة بتسبيحه. قال ابن القطّان: فيجتمع من هذا مع ما في حديث عليّ: أن النور النبوي جسّم بعد

_ [ (1) ] هو علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن بن القطان، من حفاظ الحديث ونقدته، قال ابن القاضي: رأس طلبة العلم بمراكش من مصنفاته «بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام» وغيره توفي سنة 628 هـ، انظر الأعلام 4/ 331. [ (2) ] علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين زين العابدين المدني، عن جده مرسلا، وعن أبيه وعائشة وصفية بنت حيي وأبي هريرة وابن عباس وطائفة. وعنه بنوه محمد وعمر وعبد الله وزيد والزهري والحكم بن عتيبة. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه، وما رأيت أفقه منه قال أبو نعيم: مات سنة اثنتين وتسعين، وقيل غير ذلك، انظر الخلاصة 2/ 245- 246. [ (3) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 312 وعزاه لابن القطان في الأحكام ثم قال نقلا عن الشبراملسي: ليس المراد بقوله من نوره ظاهره من أن الله تعالى له نور قائم بذاته لاستحالته عليه تعالى، لأن النور لا يقوم إلا بالأجسام بل المراد خلق من نور مخلوق له قبل نور محمد وأضافه اليه تعالى لكونه تولّى خلقه، ثم قال ويحتمل أن الإضافة بيانية، أي خلقه نور نبيه منها، بل بمعنى أنه تعالى تعلقت إرادته بإيجاد نور بلا توسط شيء في وجوده، قال هذا أول الأجوبة نظير ما ذكره البيضاوي في قوله تعالى ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ حيث قال إضافة إلى نفسه تشريفا وإشعارا بأنه خلق عجيب وأن له مناسبة إلى حضرة الربوبية انتهى ملخصا. [ (4) ] محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله الحافظ نزيل مكة. وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم: صدوق حدّث بحديث موضوع. عن ابن عيينة. قال البخاري: مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، انظر الخلاصة 2/ 468. [ (5) ] مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ثقة حافظ إمام مصنف، عالم الفقه مات سنة إحدى وستين، وله سبع وخمسون سنة، انظر التقريب 2/ 245. [ (6) ] عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالفهم في القرآن، فكان يسمى البحر، والحبر، لسعة علمه، مات سنة ثمان وستين بالطائف، انظر التقريب 1/ 425.

خلقه باثني عشر ألف عام وزيد فيه سائر قريش وأنطق بالتسبيح. انتهى. وقد أشار عمه العباس [ (1) ] رضي الله تعالى عنه إلى ذلك فيما رواه الطبراني [ (2) ] أن سيدنا العباس رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: لا يفضض الله فاك. فقال رضي الله تعالى عنه: من قبلها طبت في الظّلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثمّ هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السّفين وقد ... الجم نسراً وأهله الغرق وردت نار الخليل مكتتما ... تجول فيها وليس تحترق تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق حتّى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها نطق وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق ونحن في ذلك الضّياء وفي النّو ... ر وسبل الرشاد نخترق وروى سعيد بن منصور [ (3) ] وابن المنذر [ (4) ] وابن أبي حاتم والبيهقي [ (5) ] وابن عساكر [ (6) ] ،

_ [ (1) ] عباس بن عبد المطلب، بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم مشهور، مات سنة اثنتين وثلاثين، أو بعدها، وهو ابن ثمان وثمانين، انظر التقريب 1/ 397- 398. [ (2) ] هو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي أبو القاسم: من كبار المحدثين. أصله من طبرية الشام وإليها نسبته. له ثلاثة «معاجم» في الحديث، منها «المعجم الصغير» ، وله كتب في «التفسير» و «الأوائل» و «دلائل النبوة» . وغير ذلك، توفي سنة 360 هـ، انظر الأعلام 3/ 121. [ (3) ] سعيد بن منصور بن شعبة النسائي أبو عثمان ولد بجوزجان ونشأ ببلخ، وكان حافظا جوّالا صنف السنن جمع فيها ما لم يجمعه غيره، قال أبو حاتم: متقن ثبت مصنّف، قال حرب الكرماني: أملى علينا عشرة آلاف حديث من حفظه، قال ابن سعد: مات سنة سبع وعشرين ومائتين. انظر الخلاصة 1/ 391. [ (4) ] محمد بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة. أحد الأئمة الأعلام، وممن يقتدى بنقله في الحلال والحرام، صنف كتبا معتبرة عند أئمة الإسلام، منها الإشراف في معرفة الخلاف، والأوسط هو أصل الإشراف، والإجماع والإقناع والتفسير وغير ذلك وكان مجتهدا لا يقلد أحدا. قال الشيخ أبو إسحاق: توفي سنة تسع- أو: عشر- وثلاثمائة، وحدث ابن القطان نقل وفاته سنة ثمان عشرة، انظر طبقات ابن قاضي شهبة 1/ 98 شذرات الذهب 2/ 280. [ (5) ] هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر: من أئمة الحديث. رحل إلى بغداد ثم إلى الكوفة ومكة وغيرهما، وطلب إلى نيسابور، فلم يزل فيها إلى أن مات قال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي فضل عليه غير البيهقي، صنف زهاء ألف جزء، منها «السنن الكبرى» و «السنن الصغرى» و «دلائل النبوة» و «الترغيب والترهيب» توفي سنة 458، انظر الأعلام 1/ 116، شذرات الذهب 3/ 304. [ (6) ] علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله أبو القاسم بن عساكر فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه صاحب تاريخ دمشق وغيره من المصنفات النافعة توفي في رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، انظر طبقات ابن قاضي شهبة 2/ 14، وفيات الأعيان 2/ 471.

تنبيهان

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله تعالى آدم خبّره ببنيه، فجعل يرى فضائل بعضهم على بعض، فرأى نوراً ساطعاً في أسفلهم، فقال: يا رب من هذا؟ قال: هذا نبيك أحمد وهو أوّل وهو آخر» [ (1) ] . ولفظ سعيد والبيهقيّ: «هو أول من يدخل الجنة. فقال: الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يسبقني إلى الجنة ولا أحسده» . ويرحم الله تعالى صالح بن الحسين الشافعي رحمه الله تعالى حيث قال في قصيدته: وكان لدى الفردوس في زمن الرّضا ... وأثواب شمل الأنس محكمة السّدى يشاهد في عدن ضياء مشعشعاً ... يزيد على الأنوار في النّور والهدى فقال: إلهي ما الضّياء الذي أرى ... جنود السّماء تعشو إليه ترددا فقال نبي خير من وطئ الثّرى ... وأفضل من في الخير راح أو اغتدى تخيّرته من قبل خلقك سيّداً ... وألبسته قبل النّبييّن سؤددا تنبيهان الأول: قال الغزالي [ (2) ] في كتاب النفخ والتسوية: في قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت أول النبيين خلقاً» : أن المراد بالخلق هنا التقدير دون الإيجاد فإنه قبل أن ولدته أمه لم يكن موجوداً، ولكنّ الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود. وبسط الكلام على ذلك. وردّ عليه السبكي [ (3) ] بكلام شاف يأتي في الباب الثالث، ولم يقف على أثر كعب السابق وهو أقوى من الأدلة التي استدل بها. الثاني: في بيان غريب ما سبق: «التّسنيم» [ (4) ] : قال العزيزيّ رحمه الله تعالى: يقال هو أرفع شراب أهل الجنة. ويقال:

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (32056) . [ (2) ] وهو محمد بن محمد، الإمام حجة الإسلام، زين الدين، أبو حامد الطوسي الغزالي. ولد بطوس سنة خمسين وأربعمائة، جلس للإقراء وصنف، ومن تصانيفه «الإحياء» و «البسيط» و «الوجيز» و «الخلاصة» وغير ذلك توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة، انظر ابن قاضي شهبة 1/ 293، وفيات الأعيان 3/ 353. [ (3) ] هو تقي الدين أبو الحسن، علي بن عبد الكافي بن علي السبكي أخذ العلم عن كبار مشايخ أهل الفن واشتغل بالطلب والتصنيف والإفتاء وتخرج به فضلاء عصره مات يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة، انظر طبقات الأسنوي 1/ 350، طبقات الشافعية 6/ 146. [ (4) ] سنم: قال: (ومزاجه من تسنيم) قيل: هو عين في الجنة رفيعة القدر وفسّر بقوله: عينا يشرب بها المقربون، انظر المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص 245. ففي اللسان قالوا: هو ماء في الجنة سمي بذلك لأنه يجري فوق الغرف والقصور، انظر اللسان مادة (س ن م) 2120، المعجم الوسيط 1/ 455.

تسنيم: عين تجري من فوقهم تسنّمهم في منازلهم أي تنزل عليهم من عال. ويقال تسنّم الفحل الناقة إذا علاها. وضياء مشعشع [ (1) ] : أي منتشر. وقول سيدنا العباس: «من قبلها» الضمير فيه إمّا للدنيا، أو للنبوة، أو للولادة. «الظلال» : جمع ظلّ. والمراد به هنا: ظل الجنة. «مستودع» [ (2) ] : بفتح الدال المهملة. «حيث يخصف الورق» [ (3) ] : أشار إلى قوله تعالى: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ. وأشار إلى كونه في صلب آدم كما كان نطفة في صلب سام بن نوح، وهو في السفينة حين أغرق الله تعالى نسراً. المضغة: قطعة لحم قدر ما يمضغ في الفم. والعلق: جمع علقه، وهي قطعة من دم غليظ. وإنما جمع العلق هنا لأجل القافية أو للتعظيم. والسّفين [ (4) ] : جمع سفينة كما في الصّحاح. ونسر: هو المذكور في سورة نوح. ونسر ويغوث ويعوق وودّ وسواع: أسماء لجماعة عبّاد كانوا بنين لآدم، فماتوا فحزن عليهم أهل عصرهم فصوّر لهم إبليس اللعين أمثالهم من طفر ونحاس ليستأنسوا بهم، فجعلوها في مؤخر المسجد، فلما هلك أهل ذلك العصر قال اللعين لأولادهم، هذه آلهة آبائكم فعبدوهم. ثم إن الطوفان دفنها فأخرجها اللعين للعرب فكانت ودّ لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل بساحل البحر، ويغوث لغطيف من مراد، ويعوق لهمدان، ونسر لذي الكلاع من حمير. «وتنقل» بضم المثناة الفوقية أوله. «ومن صالب» : أي من صلب يقال صلب وصلب وصالب ثلاث لغات. «وإذا مضى عالم» بفتح اللام. «بدا» بترك الهمزة. أي ظهر. و «الطّبق» بفتح الطاء والباء الموحدة. والمعنى: إذا مضى قرن بدا قرن. وقيل للقرن طبق لأنه طبّق

_ [ (1) ] في اللسان «وظل شعشع» أي ليس بكثيف، ومشعشع أيضا كذلك، ويقال: الشّعشع الظل الذي لم يظلك كله ففيه مزج والشّعشاع أيضا المتفرق، انظر اللسان (ش ع ع) (2279) والوسيط 1/ 485، شعشع الضوء: انتشر خفيفا. [ (2) ] انظر اللسان ودع (4799) ، انظر اللسان (ودع) 4799، والوسيط 2/ 1021. [ (3) ] قال تعالى: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما أي يجعلان عليها خصفة وهي أوراق ومنه قيل لجلة التمر خصفة وللثياب الغليظة جمعه خصف، انظر المفردات للراغب ص 149، المصباح المنير 171، اللسان 2/ 1174. [ (4) ] في المصباح المنير السفينة معروفة والجمع سفين، وسفائن ويجمع السفين على سفن وجمع السفينة على سفين شاذ لأن الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء بابه المخلوقات مثل ثمرة وثمر وأما في المصنوعات مثل سفينة وسفين فمسموع من ألفاظ قليلة ومنهم من يقول: السفين لغة في الواحدة، المصباح المنير 279.

الأرض. ويطلق الطّبق أيضاً على الجماعة من الناس. و «خندف» بكسر الخاء وسكون النون وكسر الدال المهملة بعدها فاء: من الخندفة وهي في الأصل مشية كالهرولة ثم سميت بها ليلى امرأة إلياس بن مضر [ (1) ] . و «النّطق» [ (2) ] بضم النون والطاء المهملة جمع نطاق: حبال يشدّ بعضها فوق بعض يشدّ بها أوسط الناس، يعني أنه صلى الله عليه وسلم مرتفع ومتوسّط في عشيرته صلى الله عليه وسلّم حتى جعلهم تحته بمنزلة أوساط الحبال. والمراد ببيته صلى الله عليه وسلّم شرفه، أي حتى احتوى شرفك الشاهد بفضلك على مكان من بيت خندف. والأفق بضم الهمزة والفاء وسكون الفاء أيضاً وهو الناحية. وسبل الرشاد: طرقه وهو مجرور عطفاً على ما قبله.

_ [ (1) ] إلياس بن مضر بن نزار، أبو عمر: جاهلي من سلسلة النسب النبوي. قيل: هو أول من أهدى البدن إلى البيت الحرام، انظر الأعلام 2/ 10. [ (2) ] النطاق جمعه نطق مثل كتاب وكتب وهو مثل إزار فيه تكّة تلبسه المرأة، وقيل هو حبل تشد به وسطها للهضمة وعليه بيت الحماسة: كرها وحبل نطاقها لم يحلل اللسان 5/ 4463، المصباح المنير 611، والوسيط 2/ 931، انظر البداية والنهاية 2/ 258.

الباب الثاني في خلق آدم وجميع المخلوقات لأجله صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في خلق آدم وجميع المخلوقات لأجله صلّى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى: «آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمر أمتّك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن» . رواه أبو الشيخ [ (1) ] في طبقات الأصبهانيين، والحاكم [ (2) ] وصحّحه، واقره السّبكي في شفاء السّقام، والبلقيني [ (3) ] في فتاويه. وقال الذّهبي [ (4) ] : في سنده عمرو بن أوس [ (5) ] لا يدرى من هو انتهى. ولبعضه شاهد من حديث عمر بن الخطاب [ (6) ] رواه الحاكم وسيأتي. قال الإمام جمال الدين محمود بن جملة [ (7) ] : ليس مثل هذا للملائكة ولا لمن سواه من الأنبياء.

_ [ (1) ] هو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني أبو محمد من حفاظ الحديث، يقال له: أبو الشيخ من تصانيفه «طبقات المحدثين بأصبهان» وأخلاق النبي وآدابه، وغير ذلك توفي سنة 369 هـ، انظر الأعلام 4/ 120. [ (2) ] هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري المعروف بابن البيع صاحب المستدرك وغيره من الكتب المشهورة توفي في صفر سنة خمس وأربعمائة، انظر وفيات الأعيان 3/ 408، طبقات ابن قاضي شهبة 1/ 193. [ (3) ] هو عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن عبد الحق شيخ الإسلام سراج الدين أبو حفص البلقيني تخرج على مشايخ عصره واجتمعت الطلبة للاشتغال عليه بكرة وعشيا توفي في ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة من تصانيفه كتاب محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث، كتاب تصحيح المنهاج وغير ذلك، انظر طبقات ابن قاضي شهبة 4/ 36، شذرات الذهب 7/ 51. [ (4) ] هو محمد بن أحمد بن عثمان الحافظ مؤرخ الإسلام أبو عبد الله المعروف بالذهبي سمع ببلاد كثيرة من خلائق يزيدون على ألف ومائتين قال السبكي: محدث العصر، وخاتم الحفاظ القائم بأعباء هذه الصناعة، وحامل راية أهل السنة والجماعة إمام عصره حفظا واتقانا، توفي في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، انظر طبقات ابن هداية 90، طبقات ابن قاضي شهبة 3/ 56. [ (5) ] عمرو بن أوس. يجهل حاله. أتى بخبر منكر. أخرجه الحاكم في مستدركه، وأظنه موضوعا من طريق جندل بن والق، ميزان الاعتدال 3/ 246. [ (6) ] عمر بن الخطاب بن نفيل، بنون وفاء، مصغرا، ابن عبد العزّى بن رياح، بتحتانية، ابن عبد الله بن قرط، بضم القاف، ابن رزاح، براء ثم زاي خفيفة، ابن عديّ بن كعب القرشي، العدوي، أمير المؤمنين، مشهور، جمّ المناقب، استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وولي الخلافة عشر سنين ونصفا. التقريب 2/ 54 وسيأتي في المناقب. [ (7) ] محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف، الخطيب، العالم، العابد، جمال الدين أبو الثناء المحجي الدمشقي. قيل: إن مولده سنة سبع وسبعمائة، وسمع من جماعة وحفظ التعجيز لابن يونس، وتفقه على عمه القاضي جمال الدين، وتصدر بالجامع الأموي، وشغل بالعلم، وأفتى، ودرس بالظاهرية. ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: وشاكر في الفضائل، وعني بالرجال، ودرس، واشتغل، وتقدم مع الدين والتصون. وقال ابن رافع. كان دينا، خيرا، شغل بالعلم، وجمع. وقال السبكي في الطبقات الكبرى كان متعففا، متصوفا، دينا، مجموعا على طلب العلم، وذكر أن له تعاليق في الفقه والحديث، قلّ أن رأيت نظيره. توفي في شهر رمضان سنة أربع وستين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون. ابن قاضي شهبة 3/ 137، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 248.

وما عجب إكرام ألف لواحد ... لعين تفدّى ألف عين وتكرم وروى الديلمي [ (1) ] في مسنده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله يقول لولاك ما خلقت الجنّة، ولولاك ما خلقت النار» . ويروى عن سلمان [ (2) ] رضي الله تعالى عنه قال: «هبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقول لك: «إن كنت اتّخذت إبراهيم خليلاً فقد اتخذتك حبيباً، وما خلقت خلقاً أكرم عليّ منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرّفهم كرامتك ومنزلتك، ولولاك ما خلقت الدنيا» . رواه ابن عساكر وسنده واه جدّاً. وفي فتاوى شيخ الإسلام البلقيني أن في مولد العزفيّ [ (3) ]- بعين مهملة وزاي مفتوحتين وقبل ياء النسب فاء- و «شفاء الصدور» لابن سبع، عن علي [ (4) ] رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: «يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي، ولا رفعت هذه الخضراء، ولا بسطت هذه الغبراء» . قال: وذكر المصنفان المذكوران في رواية أخرى، عن علي رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: «من أجلك أبطح البطحاء وأموّج الماء وأرفع السّماء وأجعل الثّواب والعقاب والجنّة والنّار» . ولله درّ العارف بالله سيدي علي بن أبي الوفا [ (5) ] نفعنا الله تعالى بهم حيث قال:

_ [ (1) ] هو أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو الديلمي الهمداني (445- 509 هـ) كان محدثا حافظا مؤرخا، من آثاره تاريخ همذان، وفردوس الأخيار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب في الحديث، ورياض الأنس لعقلاء الإنس في معرفة أحوال النبي صلى الله عليه وسلّم وتاريخ الخلفاء بعده، انظر طبقات الشافعية للسبكي 4/ 229، وشذرات الذهب 4/ 23، وتذكرة الحفاظ 4/ 1259، ومرآة الجنان 3/ 198، راجع معجم المؤلفين 4/ 313. [ (2) ] سلمان الفارسي أبو عبد الله بن الإسلام. له ستون حديثا، أسلم مقدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة، وشهد الخندق. روى عنه أبو عثمان النّهدي وشرحبيل بن السّمط وغيرهما. قال الحسن: كان سلمان أميرا على ثلاثين ألفا يخطب بهم في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، وكان يأكل من سعف يده. توفي في خلافة عثمان وقال أبو عبيدة: سنة ست وثلاثين. عن ثلاثمائة وخمسين سنة، الخلاصة 1/ 401. [ (3) ] عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن أحمد، أبو القاسم بن أبي طالب العزفي اللخمي: فاضل، من المشتغلين بالحديث، من أهل المغرب. أصله من سبتة، ووفاته بفاس. له كتاب «الإشادة، بذكر المشتهرين من المتأخرين بالإفادة» تراجم. انظر الأعلام 3/ 313. [ (4) ] علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، من السابقين الأولين، المرجّح أنه أول من أسلم، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين، وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض، بإجماع أهل السنة، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح. التقريب 2/ 39 وسيأتي في المناقب. [ (5) ] علي بن أبي الوفا كان من الصالحين العباد المشهود لهم بالتقوى ومعرفة أسرار أهل الطريقة الصوفية وانظر ترجمته في الطبقات الكبرى للشعراني 2/ 20، 21.

سكن الفؤاد فعش هنيئاً يا جسد ... هذا النّعيم هو المقيم إلى الأبد روح الوجود حياة من هو واحد ... لولاه ما تمّ الوجود لمن وجد عيسى وآدم والصّدور جميعهم ... هم أعين هو نورها لمّا ورد لو أبصر الشّيطان طلعة نوره ... في وجه آدم كان أول من سجد أولو رأى النّمروذ نور جماله ... عبد الجليل مع الخليل وما عند لكن جمال الله جلّ فلا يرى ... إلا بتوفيق من الله الصّمد

الباب الثالث في تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم على نفخ الروح في آدم صلى الله عليهما وسلم

الباب الثالث في تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم على نفخ الروح في آدم صلى الله عليهما وسلم عن عبد الله بن عمرو [ (1) ] رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» [ (2) ] وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ. رواه مسلم. زاد صاحب اللطائف: ومن جملة ما كتب في الذّكر وهو أمّ الكتاب: أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. وعن العرباض- بكسر العين المهملة- ابن سارية [ (3) ] رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيّين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته [ (4) ] . رواه الإمام أحمد [ (5) ] والحاكم وصححه. قال الطيبي [ (6) ] في «شرح المشكاة» : «انجدل» مطاوع جدله إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإلقاء على الجدالة- بفتح الجيم والدال المهملة- وهي الأرض الصّلبة وهذا على سبيل إنابة فعل مناب فعل، يعني لا يجوز إجزاء منجدل على أن تكون مطاوعا لجدل لما يلزم منه أن يكون آدم منفصلاً من الأرض الصلبة، بل هو ملقّى عليها. والطينة: الخلقة من قولهم: طانه الله على طينتك. والجارّ الذي هو «في» ليس بمتعلق بمنجدل، لما يلزم منه أن يكون آدم مظروفاً في طينته، إنما هو خبر ثان لأنّ، والواو وما بعدها في محل نصب على الحال من المكتوب،

_ [ (1) ] عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم السهمي، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين، من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليال الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح. تقريب التهذيب 1/ 436. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 2044 في كتاب القدر باب حجاج آدم وموسى عليهما السّلام (16- 2653) . [ (3) ] عرباض، بكسر أوله وسكون الراء بعدها موحدة وآخره معجمة، ابن سارية السلمي، أبو نجيح، صحابي، كان من أهل الصفة، ونزل حمص، ومات بعد سبعين. تقريب التهذيب 2/ 17. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 66، 128 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 9 وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 321 وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 226 وزاد نسبته للطبراني والبزار. [ (5) ] أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي، نزيل بغداد، أبو عبد الله، أحد الأئمة، ثقة حافظ، فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين، وله سبع وسبعون سنة. التقريب 1/ 24. [ (6) ] الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي الإمام المشهور صاحب شرح المشكاة وحاشية الكشاف وغيرهما. كان في مبادئ عمره صاحب ثروة كبيرة فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات إلى إن كان في آخر عمره فقيرا وكان كريما متواضعا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة مظهرا فضائحهم مع استيلائهم على بلاد المسلمين في عصره شديد المحبة لله ولرسوله كثير الحياء ملازما للجمعة والجماعة ملازما لتدريس الطلبة في العلوم الإسلامية. انظر البدر الطالع 1/ 229.

والمعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء تخلّقه لمّا يفرغ من تصويره وإجراء الروح. وقال الحافظ أبو الفرج ابن رجب [ (1) ] رحمه الله تعالى في اللطائف: المقصود من هذا الحديث أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مذكورة معروفة من قبل أن يخلقه الله تعالى ويخرجه إلى دار الدنيا حيّاً، وأن ذلك كان مكتوباً في أم الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم صلى الله عليه وسلّم، وفسّر أمّ الكتاب باللّوح المحفوظ وبالذّكر في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سأل عن أمّ الكتاب فقال: علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون، فقال لعلمه كن كتاباً. فكان كتاباً. ولا ريب أن علم الله تعالى قديم أزلي لم يزل عالماً بما يحدثه من خلقه، ثم إن الله تعالى كتب ذلك عنده في كتاب عنده قبل أن يخلق السماوات والأرض كما قال تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. وفي صحيح البخاري [ (2) ] عن عمران بن حصين [ (3) ] رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كلّ شيء، ثم خلق السماوات والأرض» [ (4) ] . وقوله في هذا الحديث: «إني عند الله في أم الكتاب» ليس المراد به- والله أعلم- أنه حينئذ كتب في أم الكتاب ختمه للنبيين وإنما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوباً في أم الكتاب في ذلك الحال قبل نفخ الروح في آدم وهو أول ما خلق الله تعالى من النوع الإنساني. وجاء في أحاديث أخر أنه في تلك الحالة وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة. وهذه مرتبة ثالثة وهو

_ [ (1) ] عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السّلامي البغدادي ثم الدمشقي، أبو الفرج، زين الدين: حافظ للحديث، من العلماء. ولد في بغداد ونشأ وتوفي في دمشق. من كتبه «شرح جامع الترمذي» و «جامع العلوم والحكم» و «فضائل الشام- خ» و «الاستخراج لأحكام الخراج» و «القواعد الفقهية» و «لطائف المعارف» و «فتح الباري، شرح صحيح البخاري» لم يتمه، و «ذيل طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى» و «الاقتباس من مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلّم لابن عباس» و «أهوال القبور» و «كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة- ط» وغير ذلك توفي سنة 795 هـ. الأعلام 3/ 295. [ (2) ] محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله البخاري، جبل الحفظ، وإمام الدنيا، ثقة الحديث، من الحادية عشرة، مات سنة ست وخمسين، في شوال، وله اثنتان وستون سنة التقريب 2/ 144. [ (3) ] عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد، أسلم عام خيبر، وصحب، وكان فاضلا، مات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة. التقريب 2/ 82. [ (4) ] أخرجه البخاري 4/ 222، كتاب بدء الخلق باب في قول الله تعالى وَهُوَ الَّذِي (3191) .

انتقاله صلى الله عليه وسلم من رتبة العلم والكتابة إلى رتبة الوجود العيني الخارجي. فإنه صلى الله عليه وسلّم استخرج من ظهر آدم ونبئ فصارت نبوّته موجودة في الخارج بعد كونها كانت مكتوبة مقدرة في أم الكتاب. فعن ميسرة- بفتح الميم وسكون المثناة التحتية- الفجر [ (1) ]- بفتح الفاء وسكون الجيم- رضي الله تعالى عنه قال: «يا رسول الله، متى كنت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» . رواه الإمام أحمد والبخاري في تاريخه والحاكم وصححه. قال الإمام أحمد في رواية منها: وبعضهم يرويه متى كتبت من الكتابة؟ قال: «كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد» . رواه ابن عساكر فتحمل هذه الرواية مع حديث العرباض السابق على وجوب نبوته صلى الله عليه وسلم وثبوتها وظهورها في الخارج، فإن الكتابة إنما تستعمل فيما هو واجب شرعاً كقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ أو قدراً كقوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» [ (2) ] . رواه الترمذي [ (3) ] وحسنه. وعن الصّنابحيّ [ (4) ] مرسلاً- وهو بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الموحدة ومهملة- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله متى جعلت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» [ (5) ] . رواه أبو نعيم [ (6) ] .

_ [ (1) ] ميسرة الفجر وهو أبو بديل بن ميسرة العقيلي الذي روى عن عبد الله بن شقيق، الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 42. [ (2) ] أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة 5/ 585 كتاب المناقب باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم (3609) قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي الباب عن ميسرة الفجر والحاكم في المستدرك 2/ 609 كتاب التاريخ باب ذكر مراكبه صلى الله عليه وسلّم، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 130. [ (3) ] محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحّاك السّلمي التّرمذي أبو عيسى، صاحب الجامع، أحد الأئمة، ثقة حافظ من الثانية عشرة، مات سنة تسع وسبعين، التقريب 2/ 198. [ (4) ] عبد الرحمن بن عسيلة، بمهملة، مصغرا، المرادي، أبو عبد الله الصّنابحي، ثقة، من كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلّم بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك، التقريب 1/ 491. [ (5) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 17. [ (6) ] أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، الحافظ الكبير، أبو نعيم، الأصفهاني. الجامع بين الفقه والتصوف والنهاية في الحديث وله التصانيف المشهورة، منها كتاب «الحلية» وهو كتاب جليل حفيل، وكتاب «معرفة الصحابة» ، وكتاب «دلائل النبوة» ، وكتاب «تاريخ أصفهان» . قال الخطيب البغدادي: لم ألق في شيوخي أحفظ منه ومن أبي حازم الأعرج. ولد في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي في المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة. -

تنبيهان

وروى الآجريّ [ (1) ] في كتاب الشريعة، عن سعيد بن أبي راشد [ (2) ] قال: سالت عطاء [ (3) ] رحمه الله تعالى: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم نبيّاً قبل أن يخلق الخلق؟ قال: إي والله وقبل أن تخلق الدنيا بألفي عام. قال الحافظ ابن رجب: عطاء هذا الظاهر انه الخراساني، وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من كتابة نبوته صلى الله عليه وسلم في أمّ الكتاب عند تقدير المقادير. ويرحم الله القائل حيث قال: سبقت نبوّته وآدم طينة ... فله الفخار على جميع النّاس سبحان من خصّ النّبيّ محمّداً ... بفضائل تتلى بغير قياس! تنبيهان الأول: ما اشتهر على الألسنة بلفظ: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» قال ابن تيمية [ (4) ] والزّركشي [ (5) ] والشيخ وغيرهم من الحفّاظ: لا أصل له. وكذا: «كنت ولا آدم ولا ماء ولا طين» .

_ [ (-) ] الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 202- 203، والأعلام 1/ 150، وميزان الاعتدال 1/ 52. [ (1) ] محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري: فقيه شافعي محدث. نسبته إلى آجر (من قرى بغداد) ولد فيها، وحدث ببغداد، قبل سنة 330 ثم انتقل إلى مكة، فتنسك، وتوفي فيها. له تصانيف كثيرة، منها «أخبار عمر بن عبد العزيز» و «أخلاق حملة القرآن» و «أخلاق العلماء» و «التفرد والعزلة» و «حسن الخلق» و «الشبهات» و «تغير الأزمنة» و «النصيحة» و «كتاب الأربعين حديثا» و «كتاب الشريعة» وغير ذلك. الأعلام 6/ 97، ووفيات الأعيان 1/ 488. [ (2) ] سعيد بن أبي عن يعلى بن مرة وعنه عبد الله بن عثمان بن حثيم له عندهما حديثان، الخلاصة 1/ 378. [ (3) ] عطاء بن أبي رباح القرشي، مولاهم أبو محمد الجندي اليماني، نزيل مكة وأحد الفقهاء والأئمة. عن عثمان، وعتّاب بن أسيد مرسلا، وعن أسامة بن زيد، وعائشة، وأبي هريرة وأم سلمة وعروة بن الزّبير وطائفة. وعنه أيّوب وحبيب بن أبي ثابت، وجعفر بن محمد، وجرير بن حازم، وابن جريج وخلق. قال ابن سعد: كان ثقة عالما كثير الحديث، انتهت إليه الفتوى بمكة وقال أبو حنيفة: ما لقيت أفضل من عطاء. وقال ابن عباس- وقد سئل عن شيء- يا أهل مكة تجتمعون عليّ وعندكم عطاء. وقيل: إنه حج أكثر من سبعين حجة. قال حمّاد بن سلمة: حججت سنة مات عطاء سنة أربع عشرة ومائة، انظر الخلاصة 2/ 230. [ (4) ] أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، تقيّ الدين ابن تيمية: الإمام، شيخ الإسلام. ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر. وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها، فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة، ونقل إلى الإسكندرية. ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة 712 هـ، واعتقل بها سنة 720 وأطلق، ثم أعيد، ومات معتقلا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته. كان كثير البحث في فنون الحكمة، داعية إصلاح في الدين. آية في التفسير والأصول، فصيح اللسان، قلمه ولسانه متقاربان. وفي الدرر الكامنة أنه ناظر العلماء واستدل وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرّس وهو دون العشرين. أما تصانيفه ففي الدرر أنها ربما تزيد على أربعة آلاف كراسة، وفي فوات الوفيات أنها تبلغ ثلاثمائة مجلد، منها «الجوامع» في السياسة الإلهية والآيات النبوية، ويسمى «السياسة الشرعية» و «الفتاوى» خمسة مجلدات، و «الإيمان» و «الجمع بين النقل والعقل» «منهاج السنة» و «الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان» وغير ذلك توفي سنة 728 هـ، الأعلام 1/ 144. [ (5) ] محمد بن بهادر بن عبد الله، العالم العلامة، المصنف المحرر، بدر الدين أبو عبد الله المصري، الزركشي. مولده سنة خمس وأربعين أخذ عن الشيخين جمال الدين الإسنوي وسراج الدين البلقيني، ورحل إلى حلب إلى شهاب الدين-

الثاني: قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي قدس الله تعالى روحه: لم يصب من فسرّ قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» [بأنه] سيصير نبيّاً، لأن علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلّم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير إليه في المستقبل لم تكن له خصوصية بأنه نبيّ وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلّم لأجلها اخبر أمته الخبر إعلاماً لأمته، ليعرفوا قدره عند الله تعالى ثم قال: فإن قلت: النبوة وصف لازم أن يكون الموصوف به موجوداً، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك؟. قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله: «كنت نبيا» إلى روحه الشريفة أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعلمها خالقها ومن أمده الله تعالى بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها، مهيّأة لذلك فأفاضه عليه من ذلك الوقت فصار نبيّاً وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة في ذلك الوقت وإن تأخّر جسده الشريف المتّصف بها. واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المضافة عليه من الحضرة الإلهية إنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلّم وحقيقته معجّل لا تأخر فيه، وكذا استنباؤه وإيتاؤه الحكم والنبوة، وإنما المتأخّر تكوّنه وتنقّله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلّم. انتهى ملخصا. وأثر كعب السابق أول الباب الأول يؤيد ما قاله. وقال بعض العارفين: لما خلق الله الأرواح المدبّرة للأجسام عند وجود حركة الفلك أول ما خلق الله الزمان بحركة، كان أول ما خلق روح محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صدرت الأرواح عن الحركات الفلكية [ (1) ] فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه بالنبوة وآدم

_ [ (-) ] الأذرعي وتخرج بمغلطاي في الحديث، وسمع الحديث بدمشق وغيرها. قال بعض المؤرخين: كان فقيها أصوليا، أديبا، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى، توفي في رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة. انظر ابن قاضي شهبة 3/ 167، 168. [ (1) ] هذا الكلام لا دليل عليه وهذه مجرد دعوى جاء العلم ببطلانها.

لم يكن، كما قال: «بين الروح والجسد» فاقتضى قوله: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» أن يكون حقيقة، فإنه لا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، والمعدوم لا يوصف بالحصر في شيء، ثم انتهى الزمان إلى وجود جسمه صلى الله عليه وسلم وارتباط الروح به، فظهر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بكليته جسماً وروحاً، فكان له الحكم أولاً باطناً في جميع ما ظهر من الشرائع على يدي الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ثم صار له الحكم ظاهراً فنسخ كل شرع وإن كان الشرع واحداً وهو صاحب الشرع، فإنه قال: «كنت نبيّاً» ما قال: كنت إنساناً ولا كنت موجوداً، وليست النبوة إلا بالشرع المقرر من عند الله تعالى، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء في الدنيا .

الباب الرابع في تقدم أخذ الميثاق عليه، زاده الله تعالى شرفا وفضلا لديه

الباب الرابع في تقدم أخذ الميثاق عليه، زاده الله تعالى شرفاً وفضلاً لديه روى ابن سعد [ (1) ] عن الشعبي [ (2) ] مرسلا قال: قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد حين أخذ منّي الميثاق» [ (3) ] . وروى أبو سهل القطّان [ (4) ] في أماليه، عن سهل بن صالح الهمذانيّ، قال: سالت أبا جعفر محمد بن علي: كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث؟ قال: إن الله لما اخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم: الست بربكم، كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال بلى. ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث. قال الحافظ ابن رجب في اللّطائف: وخبر الشعبي يدل على أنه من حين صوّر آدم طيناً استخرج وأخذ منه صلى الله عليه وسلّم ونبئ واخذ منه الميثاق، ثم أعيد إلى ظهر آدم حتى يخرج وقت خروجه الذي قد رأيت خروجه فيه، فهو أولهم خلقاً، وآخرهم بعثاً، وهو آخر النبيّين باعتبار أن زمانه تأخّر عنهم. لا يقال: خلق آدم قبله، لأن آدم كان حينئذ هواء لا روح فيه، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان حيّاً حين استخرج ونبّئ واخذ منه الميثاق، ولا يقال إن استخراج ذرية آدم منه كان بعد نفخ الروح فيه، كما دلّ عليه أكثر الأحاديث والذي تقرر أنه استخرج ونبّئ قبل نفخ الروح في آدم، لأنه صلى الله عليه وسلم خص باستخراجه من ظهر آدم قبل نفخ الروح فيه فإن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المقصود من خلق النوع الإنسانيّ، وهو عينه وخلاصته. ويستدل بخبر الشّعبي وغيره مما تقدم في الباب السابق على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيّاً، فإنّ نبوّته وجبت له حين أخذ الميثاق حيث استخرج من صلب آدم فكان نبيّاً حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه

_ [ (1) ] محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البصري، كاتب الواقدي، ونزيل بغداد، وصاحب الطبقات، وأحد الحفاظ الكبار الثقات المتحرّين. عن الوليد بن مسلم وهشيم ومعن بن عيسى وابن عليّة وخلق. وعنه (د) وابن أبي الدنيا وأحمد بن يحيى البلاذري. قال الخطيب: كان من أهل العلم والفهم والعدالة، وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من روايته. قال ابن قهم: توفي ببغداد سنة ثلاثين ومائتين. الخلاصة 2/ 406. [ (2) ] عامر بن شراحيل الشعبي، أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين. التقريب 1/ 387. [ (3) ] أخرجه ابن سعد 1/ 118. [ (4) ] أبو سهل القطان، الإمام المحدث الثقة، مسند العراق، أبو سهل، أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد بن عباد، القطان البغدادي. قال الخطيب: كان صدوقا أديبا شاعرا، توفي في شعبان سنة خمسين وثلاثمائة وكان مولده في سنة تسع وخمسين ومائتين. انظر سير أعلام النبلاء 15/ 521- 522.

نبيّاً كمن تولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته، وإن كان تصرّفه يتأخّر إلى حين مجيء الوقت. والأحاديث السابقة في باب تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم صريحة في ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الباب الخامس في كتابة اسمه الشريف مع اسم الله تعالى على العرش وسائر ما في الملكوت وما وجد على الحجارة القديمة من نقش اسمه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في كتابة اسمه الشريف مع اسم الله تعالى على العرش وسائر ما في الملكوت وما وجد على الحجارة القديمة من نقش اسمه صلّى الله عليه وسلم قال الإمام العلاّمة خالد بن محمود بن جملة رحمه الله تعالى: لم يثبت أن غيره صلى الله عليه وسلم أثبت اسمه على العرش. روى الحاكم والطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. قال وكيف عرفت محمدا؟ قال: لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقلت: أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. قال: صدقت يا آدم، ولولا محمد ما خلقتك» [ (1) ] . قال الإمام الزاهد الشيخ إبراهيم الرّقّيّ رحمه الله تعالى: لو لم يتب عليه لبقي هو وذريته في دار السخط أبد الأبد. فما ظنّك برجل واحد شمل العالمين كلهم بركته، حتى صولح به المتمردون ورزق به المحرمون وجبر به المنكسرون وأنقذ به المعذّبون، ومن العجب أن ننتظر شفاعته في القيامة وقد سبقت شفاعته فينا وفي أبينا من أول دنيانا، فهو مطهّر الباطن والظاهر مبارك الأول والآخر. وروى ابن أبي عاصم [ (2) ] في المسند وأبو نعيم عن أنس [ (3) ] رضي الله تعالى عنه أن الله سبحانه تعالى قال لموسى: «يا موسى إن من لقيني وهو جاحد بمحمد صلى الله عليه وسلّم ّأدخلته النار. فقال: من محمد؟ قال يا موسى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم عليّ منه، كتبت اسمه مع اسمي في العرش قبل أن أخلق السماوات والأرض والشمس والقمر بألفي عام» .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 615، والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 489، والبداية والنهاية لابن كثير 1/ 81، 2/ 322. [ (2) ] أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، أبو بكر بن أبي عاصم، ويقال له ابن النّبيل: عالم بالحديث، زاهد رحالة، من أهل البصرة. ولي قضاء أصبهان سنة 269- 282 هـ. له نحو 300 مصنف، منها «المسند الكبير» نحو 50 ألف حديث، و «الآحاد والمثاني» نحو 20 ألف حديث، و «كتاب السنّة» و «الديات» و «الأوائل» قيل: ذهبت كتبه بالبصرة في فتنة الزنج فأعاد من حفظه خمسين ألف حديث! وقال الذهبي: وقع لنا جملة من كتبه، توفي سنة 287 هـ. الأعلام 1/ 189. [ (3) ] أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة اثنتين، وقيل ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة. التقريب 1/ 84.

وروى ابن المنذر، عن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أن آدم لمّا أكل من الشجرة عظم كربه واشتد ندمه علّمه جبريل أن يقول دعاء ومنه: اللهم إني أسألك بجاه محمد عندك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي. ففعل آدم، فقال الله: يا آدم من علّمك هذا؟ قال: يا رب إنك لمّا نفخت فيّ الروح. فذكر نحو الحديث الأول. وروى ابن أبي الدنيا [ (1) ] عن سعيد بن جبير [ (2) ] رحمه الله تعالى قال: اختصم ولد آدم: أي الخلق أكرم على الله؟ فقال بعضهم: آدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته. وقال آخر: بل الملائكة الذين لم يعصوا الله. فذكروا الكلام لآدم فقال: لمّا نفخ فيّ الروح لم تبلغ قدمي. فاستويت جالساً فبرق العرش فنظرت فيه: محمد رسول الله. فذاك أكرم الخلق على الله عز وجل. وروى ابن الجوزي بسند جيد لا بأس به، عن ميسرة رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله، متى كنت نبياً؟ قال: «لمّا خلق الله الأرض واسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وخلق العرش كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء. وخلق الله تعالى الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأوراق والأبواب والقباب والخيام، وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي، فأخبره الله تعالى إنه سيّد ولدك. فلما غرّهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه» . وقال ابن أبي الدّنيا: حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا قريش بن أنس [ (3) ] حدثنا كليب أبو وائل [ (4) ] قال: غزونا في صدر هذا الزمان الهند، فوقعت في غيضة فإذا فيها شجر عليه ورد أحمر مكتوب فيه بالبياض: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار قال: إن الله أنزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء

_ [ (1) ] عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان، ابن أبي الدنيا القرشي الأموي، مولاهم، البغدادي، أبو بكر: حافظ للحديث، مكثر من التصنيف. أدّب الخليفة المعتضد العباسي، في حداثته، ثم أدب ابنه المكتفي. له مصنفات اطلع الذهبي على 20 كتابا منها، ثم ذكر أسماءها كلها، فبلغت 164 كتابا، منها «الفرج بعد الشدة» و «مكارم الأخلاق» و «ذم الملاهي» و «اليقين» و «الشكر» و «قرى الضيف» و «العقل وفضله» و «قصر الأمل» و «الإشراف في منازل الأشراف» و «العظمة» في عجائب الخلق، و «من عاش بعد الموت» و «ذم الدنيا» وكتاب «الجوع» و «ذم المسكر» و «الرقة والبكاء» و «الصمت» وغير ذلك. مولده ووفاته ببغداد الأعلام 4/ 118، تذكرة 2/ 18 وتاريخ بغداد 10/ 89. [ (2) ] سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة، قتل بين يدي الحجاج، سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين، التقريب 1/ 292. [ (3) ] قريش بن أنس الأنصاري، ويقال الأموي، أبو أنس البصري، صدوق تغير بآخره: قدر ستّ سنين، من التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين. التقريب 2/ 125. [ (4) ] كليب بن وائل البكري. عن عمه قيس. وعنه الثّوري، وحفص بن غياث. وثقة ابن معين وضعفه أبو زرعة. له في (خ) فرد حديث. الخلاصة 2/ 368.

والرسل، ثم أقبل علي ابنه شيث فقال: يا بني أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى، وكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد صلى الله عليه وسلم، فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش وأنا بين الروح والطين، ثم طفت في السماوات فلم أر في السماوات موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وإن ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة إلا واسم محمد مكتوب عليه، ولقد رأيت اسم محمد على نحور الحور العين وعلى ورق قصب أجام الجنة، وعلى ورق شجرة طوبى وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة، فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها. وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن العديم [ (1) ] في تاريخ حلب، عن أبي الحسين علي بن عبد الله الهاشمي الرّقّيّ، رحمه الله تعالى قال: دخلت بلاد الهند فرأيت في بعض قراها شجر ورد أسود فيفتح عن وردة كبيرة طيبة الرائحة سوداء مكتوب عليها بخط أبيض: لا إله إلا الله محمد رسول الله. أبو بكر الصديق. عمر الفاروق. فشككت في ذلك وقلت إنّه معمول، فعمدت إلى حبّة لم تفتح فرأيت فيها كما رأيت في سائر الورد، وفي البلد منه شيء كثير وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة. وفي مسالك الأبصار ذكر ابن سعيد المغربيّ [ (2) ] أنه أخبره من دخل الهند رأى في غيضة بنواحي بالكين، وهي قصبة الهند، شجرة عظيمة لها ورد أحمر فيه مكتوب ببياض: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ونقل القاضي عن السّمطاويّ رحمه الله تعالى أنه شاهد في بعض بلاد خراسان مولوداً ولد على احد جنبيه مكتوب: لا إله إلا الله، وعلى الآخر: محمد رسول الله. وقال الشيخ عبد الله اليافعي في كتاب «روض الرياحين» قال بعض الشيوخ: دخلت

_ [ (1) ] عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، كمال الدين بن العديم: مؤرخ، محدث، من الكتّاب. ولد بحلب، ورحل إلى دمشق وفلسطين والحجاز والعراق، وتوفى بالقاهرة. من كتبه «بغية الطلب في تاريخ حلب» كبير جدا، اختصره في كتاب آخر سماه «زبدة الحلب في تاريخ حلب» المجلد الأول منه، و «سوق الفاضل» وغير ذلك. توفي سنة 660 هـ. الأعلام 5/ 40. [ (2) ] عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح، الشيخ الإمام القدوة، العارف، الفقيه، العالم، شيخ الحجاز، عفيف الدين أبو محمد اليافعي، اليمني، ثم المكي. ولد قبل السبعمائة بقليل، وكان من صغره ملازما لبيته، تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللعب، فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة، بعث به إلى عدن فاشتغل بالعلم. أخذ عن العلاّمة أبي عبد الله البصال وشرف الدين الحرازي قاضي عدن ومفتيها، وعاد إلى بلاده وحبب إليه الخلوة والانقطاع والسياحة في الجبال. وصحب شيخه الشيخ علي المعروف بالطواشي، وهو الذي سلكه الطريق. ثم لازم العلم وحفظ الحاوي الصغير، والجمل للزجاجي، ثم جاور بمكة وتزوج بها، وقرأ الحاوي على قاضيها القاضي نجم الدين الطبري، وسمع الحديث. توفى بمكة في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وسبعمائة، ودفن بمقبرة باب المعلى جوار الفضيل بن عياض. واليافعي نسبة إلى قبيلة من قبائل اليمن من حمير. الطبقات لابن قاضي شهبة 3/ 95- 96، والأعلام 4/ 198.

بلاد الهند فرأيت فيها شجرة تحمل ثمراً يشبه اللّوز له قشران، فإذا كسر خرج منه ورقة خضراء مكتوب عليها بالحمرة: لا إله إلا الله. كتابة جلية، وهم يتبرّكون بها ويستقون بها إذا منعوا من الغيث. فحدثت بها أبا يعقوب الصيّاد فقال لي: ما أستعظم هذا، كنت اصطاد على نهر الأبلّة فاصطدت سمكة مكتوب على جنبها الأيمن: لا إله إلا الله. وعلى جنبها الأيسر: محمد رسول الله. فلما رأيتها قذفتها في الماء احتراماً لها. الأبلّة بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام: بلد معروف قرب البصرة. وروى الخطيب [ (1) ] في تاريخه، عن عبد الرحمن بن هارون المغربي رحمه الله تعالى قال: ركبت بحر المغرب فوصلنا إلى موضع يقال له السوطون، وكان معنا غلام صقليّ ومعه سنارة فدلاّها في البحر فصاد سمكة قدر شبر، فنظرنا فإذا مكتوب على أذنها الواحدة: لا إله إلا الله. وفي قفاها وخلف أذنها الأخرى: محمد رسول الله. وكان أبين من نقش على حجر، وكانت السمكة بيضاء والكتابة سوداء كأنها كتابة بحبر. فقذفناها في البحر. وروى أبو الشيخ في العظمة عن جعفر بن عرفة رحمه الله تعالى قال: كنت في البحر في مركب فظهرت لنا سمكة بيضاء وإذا على قفاها مكتوب بسواد اشدّ سواداً من الحبر: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وروى ابن عساكر من طريق الحسن [ (2) ] عن سلمان قال: قال عمر بن الخطاب رضي

_ [ (1) ] أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي. أحد حفاظ الحديث وضابطيه المتقنين. ولد في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري وأبي الحسن المحاملي، واستفاد من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وأبي نصر بن الصباغ. وشهرته في الحديث تغني عن الإطناب في ذكر مشايخه فيه وتعداد البلدان التي رحل إليها وسمع فيها، وذكر مصنفاته في ذلك فإنها تزيد على ستين مصنفا، منها تأريخ بغداد. وقال ابن ماكولا: كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة، وحفظا، وإتقانا، وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفننا في علله وعلما بصحيحه، وغريبه، وفرده، ومنكره. قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: كان أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه. وقال ابن السمعاني: كان مهيبا، وقورا، ثقة، متحريا، حجة، حسن الخط، كثير الضبط، فصيحا، ختم به الحفاظ. وقال غيره: كان يتلو في كل يوم وليلة ختمة. وكان حسن القراءة، جهوري الصوت. توفي في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة. ودفن إلى جانب بشر الحافي. وقال ابن خلكان: سمعت أن الشيخ أبا إسحاق ممن حمل جنازته لأنه انتفع به كثيرا، وكان يراجعه في الأحاديث التي يودعها كتبه. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 240- 241، والأعلام 1/ 166، ووفيات الأعيان 1/ 76، وتذكرة الحفاظ 3/ 1135. [ (2) ] الحسن بن أبي الحسن البصري مولى أم سلمة والرّبيع بنت النّضر أو زيد بن ثابت أبو سعيد الإمام أحد أئمة الهدى والسنة، رمي بالقدر، ولا يصح. عن جندب بن عبد الله وأنس وعبد الرحمن بن سمرة ومعقل بن يسار وأبي بكرة وسمرة. قال سعيد: لم يسمع منه وأرسل عن خلق من الصحابة. وروى عنه أيوب وحميد ويونس وقتادة ومطر الورّاق وخلائق. قال ابن سعد: كان عالما جامعا رفيعا ثقة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم فصيحا جميلا وسيما، ما أرسله فليس بحجة. وكان الحسن شجاعا من أشجع أهل زمانه، وكان عرض زنده شبرا. قال ابن عليّة: مات سنة عشر ومائة. قيل: ولد سنة إحدى وعشرين لسنتين بقيتا من خلافة عمر. الخلاصة 1/ 211.

الله عنه لكعب الأحبار: أخبرنا عن فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مولده. قال: نعم يا أمير المؤمنين قرأت أن إبراهيم الخليل وجد حجراً مكتوباً عليه أربعة أسطر: الأول: أنّا الله لا إله إلا أنا فاعبدني. والثّاني: أنا الله لا إله إلا أنا محمد رسولي طوبى لمن آمن به واتّبعه. والثالث: إنّي أنا الله لا إله إلا أنا من اعتصم بي نجا. والرّابع: إني أنا الله لا إله إلا أنا الحرم لي والكعبة بيتي، من دخل بيتي أمن من عذابي. وروى أبو نعيم عن طلحة رضي الله تعالى عنه قال: وجد في البيت حجر منقور في الهدمة الأولى، فدعي رجل فقرأه فإذا فيه: عبدي المنتخب المتوكّل المنيب المختار، مولده بمكة ومهاجره طيبة، لا يذهب حتى يقيم السنة العوجاء ويشهد أن لا إله إلا الله، أمته الحمّادون يحمدون الله بكل أكمة يأتزرون على أوساطهم ويطهّرون أطرافهم. وروى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: بلغني في قول الله تعالى: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما أن الكنز كان لوحاً من ذهب مكتوب فيه: عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجبّاً لمن أيقن بالحساب كيف يضحك، عجباً لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، عجباً لمن يرى الدنيا وزوالها وتقلّبها بأهلها كيف يطمئن لها، لا إله إلا الله محمد رسول الله. وروى البزار [ (1) ] عن أبي ذرّ [ (2) ] نحوه، ولهذا تتمة في باب شرح أسمائه صلى الله عليه وسلّم.

_ [ (1) ] أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر البزار: حافظ من العلماء بالحديث. من أهل البصرة. حدّث في آخر عمره بأصبهان وبغداد والشام، وتوفي في الرملة. له مسندان أحدهما كبير سماه «البحر الزاخر» والثاني صغير. الأعلام 1/ 189، ميزان الاعتدال 1/ 59. [ (2) ] أبو ذر الغفاري، أحد النّجباء. في اسمه أقوال أشهرها جندب بن جنادة له مائتا حديث وأحد وثمانون حديثاً، اتفقا على اثني عشر، وانفرد (خ) بحديثين، و (م) بتسعة عشر. وعنه ابن عباس وأنس والأحنف وأبو عثمان النّهدي وخلق. وقال أبو داود: كان يوازي ابن مسعود في العلم. ومناقبه كثيرة. قال ابن المدائني: مات بالرّبذة سنة اثنتين وثلاثين. الخلاصة 3/ 215.

الباب السادس في أخذ الميثاق على النبيين، آدم فمن دونه من الأنبياء أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم وينصروه إذا بعث فيهم

الباب السادس في أخذ الميثاق على النبيين، آدم فمن دونه من الأنبياء أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلّم وينصروه إذا بعث فيهم قال الله تعالى: وإِذْ نصب بمصدر محذوف أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ عهدهم لَما بفتح اللام للابتداء أو دخلت لتوكيد معنى القسم، لأن أخذ الميثاق قسم في المعنى. وبكسرها متعلّقة بأخذ، وما موصولة على الوجهين أي الذي آتَيْتُكُمْ وفي قراءة: آتيناكم مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ أي من الكتاب والحكمة، وهو محمد صلى الله عليه وسلم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ جواب القسم، أي إن أدركتموه، وأممهم تبع لهم في ذلك. قال الله تعالى لهم: أَأَقْرَرْتُمْ بذلك وَأَخَذْتُمْ قبلتم ووافقتم عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي عهدي قالُوا أَقْرَرْنا. قالَ فَاشْهَدُوا أي فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار. واشهدوا: خطاب للملائكة وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ عليكم وعليهم فَمَنْ تَوَلَّى أعرض بَعْدَ ذلِكَ الثبات فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي الخارجون عن الطاعة. روى ابن أبي حاتم عن السدي [ (1) ] في الآية قال: لم يبعث الله نبياً قط من لدن نوح إلاّ أخذ ميثاقه ليؤمننّ بمحمد صلى الله عليه وسلّم وينصره أن أدركه وخرج وهم أحياء. وروى ابن جرير [ (2) ] ، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الآية قال: لم يبعث الله نبيا، آدم فمن بعده، إلا اخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلّم: لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره بأخذ العهد على قومه. وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ما بعث الله نبيا قط إلا اخذ عليه العهد: لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره بأخذ الميثاق على أمّته إن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمننّ به ولينصرنّه.

_ [ (1) ] إسماعيل بن عبد الرحمن السدي: تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة. قال فيه ابن تغري بردي: «صاحب التفسير والمغازي والسير، وكان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس» . توفي سنة 128 هـ. الأعلام 1/ 317. [ (2) ] محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، أبو جعفر الطبري الآملي البغدادي. الإمام العلم صاحب التصانيف العظيمة والتفسير المشهور، مولده سنة أربع وعشرين ومائتين. أخذ الفقه عن الزعفراني والربيع المرادي. قال الخطيب: سمعت علي بن عبد الله اللغوي يقول: مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة. توفي في شوال سنة عشر وثلاثمائة عن ست وثمانين. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 100- 101.

رواه البخاري في صحيحه. كما نقله الزركشي في شرح البردة، والحافظ ابن كثير [ (1) ] في تاريخه وأول كتابه جامع المسانيد، والحافظ في الفتح في باب حديث الخضر مع موسى، ولم أظفر به فيه، ورواه ابن عساكر بنحوه. قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي قدس الله سره في هذه الآية من التّنويه بالنبي صلى الله عليه وسلّم وعظيم قدره ما لا يخفى أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلاً إليهم. فتكون نبوّته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت إلى الناس كافة» [ (2) ] لا يختصّ به الناس في زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضاً. وإنما أخذ المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدّم عليهم وأنه نبيهم ورسولهم. وفي أَخَذَ وهي في معنى الاستخلاف، ولذلك دخلت لام القسم في لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ لطيفة أخرى، وهي كأنها البيعة التي تؤخذ للخلفاء ولعل أيمان الخلفاء أخذت من هذا، فانظر إلى هذا التعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه. فإذا عرفت هذا فالنبي صلّى الله عليه وسلّم نبي الأنبياء، ولهذا أظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه. وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلى بهم، ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به صلى الله عليه وسلم ونصرته. وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم، فنبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته إليهم معنىّ حاصل له. وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه، فتأخر الأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما يقتضيه. وفرق بين توقّف الفعل

_ [ (1) ] إسماعيل بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن ذرع، القرشي، البصروي، الدمشقي. مولده سنة إحدى وسبعمائة، وتفقه على الشيخين برهان الدين الفزاري وكمال الدين بن قاضي شهبة، ثم صاهر الحافظ أبا الحجاج المزي ولازمه، وأخذ عنه، وأقبل على علم الحديث، وأخذ الكثير عن ابن تيمية، وقرأ الأصول على الأصفهاني، وسمع الكثير، وأقبل على حفظ المتون، ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتأريخ، حتى برع في ذلك وهو شاب. وصنف في صغره «كتاب الأحكام على أبواب التنبيه» ، ووقف عليه شيخه برهان الدين وأعجبه، وصنف التأريخ المسمى بالبداية والنهاية والتفسير. وصنف كتابا في جمع المسانيد العشرة، واختصر تهذيب الكمال وأضاف إليه ما تأخر في الميزان سماه التكميل، وطبقات الشافعية ورتبه على الطبقات، وله تصانيف مفيدة. وقال تلميذه الحافظ شهاب الدين بن حجي: كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها، ورجالها، وصحيحها وسقيمها. وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك. وكان يستحضر شيئا كثيرا من التفسير والتأريخ، قليل النسيان. وكان فقيها جيد الفهم، صحيح الذهن، يستحضر شيئا كثيرا، ويحفظ التنبيه إلى آخر وقت، ويشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر. وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا وأفدت منه. توفي في شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية. الطبقات لابن قاضي شهبة 3/ 85- 86، والدارس 1/ 36، والبدر الطالع 1/ 153، وشذرات الذهب 6/ 231. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 304، والبيهقي 2/ 433، ومجمع الزوائد 8/ 259، 261، والطبراني في الكبير 12/ 413، وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 128.

على قبول المحلّ وتوقّف أهليّة الفاعل، فهنا لا توقّف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي صلى الله عليه وسلّم الشريفة، وإنما هو من جهة وجود العصر المشتمل عليه، فلو وجد في عصرهم لزمهم إتباعه بلا شك، ولهذا يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان على شريعته صلى الله عليه وسلم، وهو نبيّ كريم، لا كما يظنّ بعض الناس أنه يأتي واحداً من هذه الأمة، نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلنا من إتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يحكم بشريعة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم بالقرآن والسنة، فكل ما فيهما من أمر ونهي فهو متعلق به كما يتعلّق بسائر هذه الأمة، وهو نبيّ كريم على حاله لم ينقص منه شيء ولذلك لو بعث النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه أو زمان موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرّين على نبوّتهم ورسالتهم إلى أممهم، والنبي صلى الله عليه وسلّم نبي الله ورسوله إلى جميعهم، فنبوّته ورسالته أعمّ وأشمل وأعظم، ويتفق مع شرائعهم في الأصول لأنها لا تختلف، وتقدم شريعته فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع، إما على سبيل التخصيص وإما على سبيل النّسخ أو لا نسخ ولا تخصيص بل تكون شريعة النبي في تلك الأوقات بالنسبة إلى تلك الأمم مما جاءت به أنبياؤهم، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة الشريفة، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات. انتهى كلامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فإن قيل: قال الله سبحانه وتعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ. فالجواب: بأن هداهم من الله وهو شرعه صلى الله عليه وسلم، أي الزم شرعك الذي ظهر به نوّابك، من إقامة الدين وعدم التفرقة فيه ولم يقل الله بهم اقتده وكذا قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وهو الدين، فهو صلى الله عليه وسلّم مأمور بإتباع الدين، فإن أصل الدين إنما هو من الله تعالى لا من غيره، وأين هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: «لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلا أن يتبعني» فأضاف الإتباع إليه، وأمر هو صلى الله عليه وسلم باتباع الدين لا باتباع الأنبياء، فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوّابه حكم إلا له، فإذا غاب حكم النّواب بمراسيمه، فهو الحاكم في الحقيقة غيبة وشهادة. فإنّك شمس والملوك كواكب ... إذا ظهرت لم يبد منهنّ كوكب [ (1) ] وقد أشار إلى ذلك المعنى البوصيريّ [ (2) ] ، وتوفي قبل مولد السّبكي رحمهما الله تعالى:

_ [ (1) ] القصيدة مطلعها: أتاني- أبيت اللعن- أنك لمتني ... وتلك التي أهتم منها وأنصب انظر ديوان النابغة ص 73، وأسرار البلاغة 127، والعقد الفريد 2/ 22. [ (2) ] محمد بن سعيد بن حمّاد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري، شرف الدين، أبو عبد الله: شاعر، حسن الديباجة، مليح المعاني، ووفاته بالإسكندرية. له «ديوان شعر» توفي سنة 696 هـ، الأعلام 6/ 139، وفوات الوفيات 2/ 205.

وكل آي أتى الرّسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم فإنّه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للنّاس في الظّلم

الباب السابع في دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام به صلى الله عليه وسلم وإعلام الله به إبراهيم وآله

الباب السابع في دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام به صلى الله عليه وسلّم وإعلام الله به إبراهيم وآله قال الله سبحانه وتعالى حاكياً عن إبراهيم: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا أي في جماعة الأمة المسلمة من أولادهما، أو هم أهل مكة رَسُولًا مِنْهُمْ من أنفسهم يعني محمدا صلى الله عليه وسلّم يَتْلُوا يقرأ عَلَيْهِمْ آياتِكَ كتابك يعني القرآن وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ أي القرآن وَالْحِكْمَةَ أي مواعظه وما فيه من الأحكام، أو هي العلم والعمل وَيُزَكِّيهِمْ يطهرهم من الذّنوب ويشهد لهم بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الغالب الْحَكِيمُ في صنعه. روى ابن جرير عن أبي العالية [ (1) ] رحمه الله تعالى قال: لمّا قال إبراهيم: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ قيل له قد: استجيب لك، وهو كائن في آخر الزمان. وروى الإمام أحمد والحاكم عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة [أبي] إبراهيم وبشارة عيسى» [ (2) ] . وروى ابن عساكر عن عبادة بن الصامت [ (3) ] رضي الله تعالى عنه قال، قيل يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: «نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وكان آخر من بشّر بي عيسى ابن مريم» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وابن سعد والطبراني وابن مردويه [ (5) ] عن أبي أمامة [ (6) ] رضي الله

_ [ (1) ] رفيع بضم أوله مصغرا ابن مهران الرّياحي بكسر المهملة مولاهم أبو العالية البصري مخضرم إمام من الأئمة، صلى خلف عمر، ودخل على أبي بكر. عن أبيّ وعليّ وحذيفة، وعليّة وخلق. وعنه قتادة وثابت وداود بن أبي هند بصريّون وخلق. قال عاصم الأحول: كان إذا اجتمع عليه أكثر من أربعة قام وتركهم. قال مغيرة: أول من أذّن بما وراء النهر أبو العالية. قال أبو خلدة: مات سنة تسعين وهو الصحيح. الخلاصة 1/ 331. [ (2) ] أخرجه الطبري في التفسير 1/ 435، والبيهقي في دلائل النبوة 1/ 69، وابن سعد في الطبقات 1// 1/ 96، وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 275، والبغوي في التفسير 1/ 111. [ (3) ] عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد المدني، أحد النقباء، بدري مشهور، مات بالرملة، سنة أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون، وقيل عاش إلى خلافة معاوية، التقريب 1/ 395. [ (4) ] أخرجه ابن عساكر في التاريخ 1/ 39، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (35479) . [ (5) ] أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني أبو بكر، ويقال له ابن مردويه الكبير: حافظ مؤرخ مفسر، من أهل إصبهان، له كتاب «التاريخ» وكتاب في «تفسير القرآن» و «مسند» و «مستخرج» في الحديث. توفي سنة 410 هـ. الأعلام 1/ 261، وشذرات الذهب 3/ 190. [ (6) ] صدي بن عجلان الباهلي أبو أمامة، صحابي مشهور، له مائتا حديث وخمسون حديثا. وعنه شهر بن حوشب، وخالد بن معدان، وسالم بن الجعد، ومحمد بن زياد الألهاني، وقال: كان لا يمر بصغير ولا كبير إلا سلم عليه. قال أبو اليمان مات سنة إحدى وثمانين بحمص. الخلاصة 1/ 473، 474.

تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم، وبشّر بي عيسى ابن مريم» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما أمر إبراهيم بإخراج هاجر حمل على البراق، فكان لا يمرّ بأرض عذبة سهلة إلا قال: أنزل ها هنا يا جبريل؟ فيقول: لا. حتى أتى مكة فقال جبريل: إنزل يا إبراهيم. قال: حيث لا ضرع ولا زرع؟! قال: نعم، ها هنا يخرج النبي الكريم الذي من ذرية ابنك إسماعيل الذي تتمّ به الكلمة العليا. وروى أيضا عن محمد بن كعب القرظي [ (2) ] رحمه الله تعالى قال: لما خرجت هاجر بابنها إسماعيل تلقّاها متلقّ فقال: يا هاجر إن ابنك أبو شعوب كثيرة، ومن شعبه النبي الأميّ ساكن الحرم.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 119. [ (2) ] محمد بن كعب القرظي المدني ثم الكوفي أحد العلماء. عن أبي الدرداء مرسلا وعن فضالة بن عبيد وعائشة وأبي هريرة. وعنه ابن المنكدر، ويزيد بن الهاد والحكم بن عتيبة. قال ابن عون: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي. وقال ابن سعد: كان ثقة ورعا كثير الحديث قيل: مات سنة تسع عشرة ومائة. وقيل: سنة عشرين. الخلاصة 2/ 453.

الباب الثامن في بعض ما ورد في الكتب القديمة من ذكر فضائله صلى الله عليه وسلم ومناقبه العظيمة

الباب الثامن في بعض ما ورد في الكتب القديمة من ذكر فضائله صلى الله عليه وسلّم ومناقبه العظيمة قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ. وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلّم الموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: «يا أيها النبي إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سَخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العَوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح به أعيناً عمياً وقلوباً غلفاً وآذاناً صمّاً» [ (1) ] . رواه الإمام أحمد والبخاري. وروى نحوه ابن عساكر وابن الجوزي عن عبد الله بن سلام [ (2) ] ، والدارمي [ (3) ] عن كعب. «شاهداً» حال مقدرة من الكاف أو من الفاعل، أي مقدّراً أو مقدّرين شهادتك على من بعثت إليهم، أي مقبولاً قولك عند الله فيهم وعليهم، كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم. «حرزاً» بالمهملة المكسورة فالراء الساكنة فالزاي- أي حفظاً «للأميين» أي للعرب لأن الكتابة عندهم قليلة. والأميّ من لا يحسن الكتابة. وليس لليهود أن يتمسكوا بقوله «حرزاً للأميين» على ما زعموا أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب خاصة، لأن قوله: «حتّى يقيم الملّة العوجاء» يشملهم لأنهم بدّلوا وحرّفوا وغيروا، فأرسل صلى الله عليه وسلّم إليهم ليقيم عوجهم، وهل احد أولى منهم بإقامة عوجهم؟!. «ليس بفظ» أي سيئ الخلق «ولا غليظ» أي شديد القول «ولا سخّاب» بالسين

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 402، كتاب البيوع باب كراهية السخب في الأسواق (2125) . [ (2) ] عبد الله بن سلام مخفف ابن الحارث الإسرائيلي اليوسفي أبو يوسف حليف القواقل الخزرجي. أسلم مقدم النبي صلّى الله عليه وسلم وشهد فتح بيت المقدس مع عمر، وروى خمسة وعشرين حديثا، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. ونزل فيه وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وقوله تعالى: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ. وعنه ابنه يوسف وأبو هريرة وأنس. اتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وأربعين بالمدينة. رضي الله عنه. الخلاصة 2/ 64. [ (3) ] عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي، أبو محمد: من حفاظ الحديث. سمع بالحجاز والشام ومصر والعراق وخراسان من خلق كثير. واستقضي على سمرقند، فقضى قضية واحدة، واستعفى فأعفي. وكان عاقلا فاضلا مفسرا فقيها أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند. له «المسند» في الحديث، الأعلام 95، وتذكرة الحفاظ 2/ 105.

المهملة والخاء المعجمة المشددة من السّخب وهو لغة ربيعة في الصّخب، وهو رفع الصوت، أي لا كثيره بل ولا قليله، إذ المراد نفيه مطلقاً. «الملّة العوجاء» يعني ملة إبراهيم، لأن العرب غيّرتها عن استقامتها فصارت كالعوجاء. «غلفاً» بضم الغين المعجمة وسكون اللام جمع أغلف وهو الشيء في غلاف وغشاء بحيث لا يوصل إليه. وعن رجل من الأعراب رضي الله تعالى عنه قال: قدمت المدينة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت لألقينّ هذا الرجل فلأسمعن منه. فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزّي بها نفسه عن ابن له في الموت كان من أحسن الفتيان وأجملهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشدك بالّذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك صفتي ومخرجي» .؟ فقال برأسه هكذا. أي لا. فقال ابنه: والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال: أقيموا اليهود عن أخيكم. ثم ولي كفنه والصّلاة عليه. رواه الإمام أحمد [ (1) ] . وعن عبد الله بن مسعود [ (2) ] رضي الله تعالى عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل كنيسة فإذا هو بيهوديّ يقرأ عليهم التوراة، فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا وفي ناحيتها مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لكم أمسكتم» ؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا. ثم جاء المريض حتى اخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه صفتك وصفة أمّتك، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لوا أخاكم» [ (3) ] . رواه الإمام أحمد. وقال يعقوب بن سفيان [ (4) ] : حدثنا فيض البجلي، حدثنا سلاّم بن مسكين [ (5) ] ، عن مقاتل

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 237 وعزاه لأحمد وقال أبو صخر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] عبد الله بن مسعود بن غافل: بمعجمة وفاء، ابن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء، من الصحابة، مناقبه جمّة، وأمّره عمر على الكوفة، ومات سنة اثنتين وثلاثين، أو في التي بعدها بالمدينة، التقريب 1/ 450. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 416، والبيهقي في دلائل النبوة 7/ 273، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 234، وزاد نسبته للطبراني وقال: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. [ (4) ] هو يعقوب بن سفيان بن حسوان الفارسي الفسوي أبو يوسف: من كبار حفاظ الحديث من أهل فسا بإيران عاش بعيدا عن وطنه في طلب الحديث نحو ثلاث سنين وروى عن أكثر من ألف شيخ وتوفي بالبصرة له التاريخ الكبير توفي سنة 277 هـ، الأعلام 8/ 198. [ (5) ] سلام بن مسكين بن ربيعة الأزدي أبو روح البصري محدّث إمام عن الحسن وقتادة وثابت. وعنه يحيى القطّان وابن مهدي، وأبو الوليد الطّيالسي وأبو سلمة التّبوذكي وثقه أحمد، وابن معين. مات سنة سبع وستين ومائة. الخلاصة 1/ 434.

ابن حيان [ (1) ] ، رحمه الله تعالى قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام: جدّ في بني إسرائيل ولا تهزل واسمع وأطع يا بن الطاهرة البكر البتول، إنيّ خلقتك من غير فحل فجعلتك آية للعالمين، فأيايّ فاعبد وعليّ فتوكّل، فسر إلى أهل سورانّية، بلّغ [ (2) ] من بين يديك أني أنا الله الحي القائم الذي لا يزول، صدّقوا النبيّ الأمّي العربي صاحب الجمل والمدرعة والعمامة، وهي التّاج، والنّعلين والهراوة وهي القضيب، الجعد الرّأس، الصلت الجبين، المقرون الحاجبين، الأكحل العينين، الأقنى الأنف، الواضح الخدّين، الكثّ اللحية، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، ريح المسك ينفح منه، كأن عنقه إبريق فضّة، وكأن الذهب يجري في تراقيه، له شعرات من لبته إلى سرته تجري كالقضيب ليس على صدره ولا على بطنه شعر غيره، شئن الكفّين والقدمين إذا جامع الناس غمرهم، وإذا مشى كأنما يتقلّع من الصّخر ويتحدّر في صبب ذو النّسل القليل. «غمرهم» أي علاهم شرفاً. وقوله: «ذو النّسل القليل» أراد الذّكور من صلبه صلى الله عليه وسلّم. وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم الجارود بن عبد الله فأسلم وقال: والذي بعثك بالحق لقد وجدت وصفك في الإنجيل، ولقد بشّر بك ابن البتول. وسمّيت مريم بذلك من قولهم: امرأة بتول أي منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم. وعن أبي موسى الأشعري [ (3) ] رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النّجاشيّ يقول: أشهد أن محمدا رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من أمر الملك وما تحملت من أمر الناس لأتيته حتى أحمل نعليه [ (4) ] . رواه أبو داود [ (5) ] . وروى الترمذي في الشمائل عن كعب رحمه الله تعالى قال: نجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: محمد بن عبد الله يولد بمكّة ويهاجر إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، وليس بفحّاش ولا سخّاب في الأسواق ولا يكافئ بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، أمته الحمّادون

_ [ (1) ] مقاتل بن حيان بتحتانية البكري، مولاهم النّبطي أبو بسطام البلخي الخرّاز أوله معجمة ثم مهملة. عن مجاهد وعروة وسالم. وعنه إبراهيم بن أدهم وابن المبارك. وثقة ابن معين. الخلاصة 3/ 53. [ (2) ] في أ: فبلغ. [ (3) ] عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار، أبو موسى الأشعري صحابي مشهور، أمره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، مات سنة خمسين. وقيل بعدها. التقريب 1/ 441. [ (4) ] أخرجه أبو داود 2/ 230، كتاب الجنائز (3205) . [ (5) ] سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد الأزدي، السّجستاني، أبو داود، ثقة حافظ، مصنف السنن وغيرها، من كبار العلماء، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وسبعين. التقريب 1/ 321.

يحمدون الله في كل أمر ويكبرون الله على كل نجد، ويوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم، يصفّون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم، دويّهم في مساجدهم كدويّ النحل يسمع مناديهم في جوّ السماء. النّجد: ما ارتفع من الأرض. وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنّ موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونه ظاهراً، فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد أمة يأكلون الفيء فاجعلها أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة، وإن عملها كتبت له عشر حسنات، فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة فلم يعلمها لم تكتب، وإن عملها كتبت عليه بسيئة واحدة، فاجعلها أمتي قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر، فيقتلون قرن الضلال المسيح الدّجّال فاجعلها أمتي قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب فاجعلني من أمة أحمد، فأعطي عند ذلك خصلتين. قال: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ قال له قد رضيت» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال أوحى الله تعالى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام: أني أبعث من ذّرّيّتك ملوكاً وأنبياء حتّى أبعث النّبّي الحرميّ الذي تبني أمته هيكل بيت المقدس وهو خاتم الأنبياء واسمه أحمد. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبياء بني إسرائيل: اشتدّ غضبي عليكم من أجل ما ضيّعتم من أمري، فإنّي حلفت لا يأتيكم روح القدس حتى ابعث النبيّ الأميّ من أرض العرب الذي يأتيه روح القدس. وروى أبو نعيم عن كعب رحمه الله تعالى قال: كان أبي من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى، وكان لم يدخر عنّي شيئاً مما كان يعلم، فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني إنك قد علمت إني لم أدّخر عنك شيئاً أعلمه إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 14، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/ 124 وعزاه له.

نبيّ يبعث قد أطلّ زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوّة التي ترى وطيّنت عليهما فلا تتعرض لهما ولا تنظر فيهما حينك هذا، فإن الله إن يرد بك خيراً ويخرج ذلك النبي تبعته. ثم إنّه مات فدفنّاه، فلم يكن شيء أحب إلي من أن انظر في الورقتين، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ويجزي بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح أمته الحمّادون الذين يحمدون الله على كل حال، تذلّل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيّهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في صدورهم، وتراحمهم بينهم كتراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم. فمكثت ما شاء الله ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة، فأخذت أستثبت ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه، وجاءتنا جنوده، فقلت: لا أدخل في هذا الدين حتى انظر سيرتهم وأعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمّال عمر بن الخطاب، فلما رأيتهم رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء، فعلمت أنهم هم الذين كنت أنتظر. فو الله إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً الآية. فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحوّل وجهي في قفاي، فما كان شيء أحب إلى من الصباح، فغدوت في المسلمين. ناوأه: أي ناهضه وعاداه. وروى ابن سعد عن سهل مولى عثمة أنه كان نصرانيا وكان يتيماً في حجر أمه وعمّه، وأنّه كان يقرأ الإنجيل قال: فأخذت مصحفاً لعمي فقرأته حتى مرّ بي ورقة فأنكرت كثافتها حين مرّت بي، ومسستها بيدي ونظرت فإذا فضول الورقة ملصقة بغرا قال ففتشتها فوجدت فيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم: أنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو ضفيرتين بين كتفيه خاتم النبوة، يكثر الاحتباء [ (1) ] ، ولا يقبل الصّدقة، ويركب الحمار والبعير ويحلب الشّاة، ويلبس قميصاً مرقوعاً، ومن فعل ذلك برئ من الكبر، وهو من ذرية إسماعيل، اسمه أحمد. قال سهل: فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم جاء عمي فلما رأى الورقة

_ [ (1) ] يقال: احتبى بالثوب: أداره على ساقيه وظهره وهو جالس، انظر المعجم الوسيط 1/ 154.

ضربني وقال لي: مالك وفتح هذه الورقة وقراءتها؟! فقلت: فيها نعت النبي أحمد صلّى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يأت بعد. وروى أيضا عن عبد الحميد بن جعفر [ (1) ] ، عن أبيه، قال: كان الزّبير بن باطا، وكان أعلم يهود يقول: إني وجدت سفرا وكان أبي يختمه عليّ فيه ذكر أحمد حتى يخرج بأرض القرظ، صفته كذا وكذا، فتحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة عمد إلى ذلك السّفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ليس به. الزبير، بفتح الزاي كما هو ظاهر كلام القاموس. وروى أيضا عن وهب بن منبه [ (2) ] رحمه الله تعالى قال: أوحى الله إلى شعيا: إني باعث نبيّاً أميّاً أفتح به آذاناً صمّاً وقلوباً غلفاً وأعيناً عمياً، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع، الحبيب المنتخب المختار، لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ويغفر، رحيماً بالمؤمنين، يبكي للبهيمة المثقلة، ويبكي لليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق ولا متزيّن بالفحش ولا قوّال بالخنا لو يمرّ إلى جنب السّراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب الرّعراع، يعني اليابس، لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشّراً ونذيراً، أسدده لكل جميل وأهب له كلّ خلق كريم، أجعل السّكينة لباسه والبرّ شعاره، والتقوى ضميره والحكمة معقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمغفرة والمعروف خلقه، والعدل سيرته والحقّ شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته واحمد اسمه، اهدي به بعد الضلالة وأعلّم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، واسمّي به بعد النّكرة، وأكثر به بعد القلّة، واغني به بعد العيلة واجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين قلوب وأهواء متشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وتوحيداً لي وإيماناً بي وإخلاصاً لي، وتصديقا بما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي، ألهمهم التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، يصفّون في

_ [ (1) ] عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري المديني، الإمام المحدث الثقة، أبو سعد حدث عن: أبيه ونافع ومحمد بن عدن بن عطاء وسعيد المقبري وعم أبيه عمر بن الحكم ويزيد بن أبي حبيب وجماعة وعنه: يحيى القطان، وابن وهب، وغيرهم، مات عبد الحميد في سنة ثلاث وخمسين ومائة احتج به الجماعة سوى البخاري وهو حسن الحديث. انظر سير أعلام النبلاء 7/ 20، 21، 22. [ (2) ] وهب بن منبه بن كامل الأبناوي الصّنعاني أبو عبد الله الأخباري. عن ابن عباس وجابر وأبي سعيد وطائفة. وعنه سماك بن الفضل وهمّام بن نافع وخلق. وثقه النسائي. قال مسلم بن خالد: لبث وهب أربعين سنة لم يرقد على فراشه. قتله يوسف بن عمر سنة عشر ومائة. له في (خ) حديث. الخلاصة 3/ 138.

مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، هم أوليائي وأنصاري، انتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان، يصلون لي قياماً وقعوداً وسجوداً، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفاً فيقاتلون في سبيلي صفوفاً وزحوفاً، أختم بكتابهم الكتب وبشريعتهم الشرائع وبدينهم الأديان، فمن أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس منّي وهو منّي بريء، وأجعلهم أفضل الأمم وأجعلهم امة وسطاً شهداء على الناس، إذا غضبوا هللّوني، وإذا قبضوا كبّروني، وإذا تنازعوا سبّحوني، يطهّرون الوجوه والأطراف ويشدّون الثياب إلى الأنصاف، ويهللّون على التلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، رهبان بالليل ليوثاً بالنهار، ويناديهم مناديهم في جوّ السماء لهم دويّ كدويّ النحل. طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم. «القصب» بالقاف والصاد معروف. الرّعراع: الطويل. قال ابن قتيبة [ (1) ] : إذا طال القصب فهبّت عليه أدنى ريح، أو مرّ به ألطف شخص: تحرك وصوّت، فأراد عز وجل أن النبي صلى الله عليه وسلّم وقور ساكن الطائر. «الخنا» : بفتح المعجمة والقصر: الفحش. وأعلّم بهمزة مضمومة ولام مشددة مكسورة. وروى البيهقي عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: أوحى الله في الزّبور إلى داود: يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد، صادقاً لا اغضب عليه أبداً ولا يعصيني أبداً، وقد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. الحديث. الأحاديث والآثار في ذلك كثيرة، افردها بالتصنيف خلائق.

_ [ (1) ] عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد: من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. ولد ببغداد وسكن الكوفة. ثم ولي قضاء الدينور مدة، فنسب إليها. وتوفي ببغداد. من كتبه «تأويل مختلف الحديث» و «أدب الكاتب» و «المعارف» وكتاب «المعاني» ثلاثة مجلدات، و «عيون الأخبار» و «الشعر والشعراء» و «الإمامة والسياسة» وللعلماء نظر في نسبته إليه، و «الأشربة» و «الرد على الشعوبية» و «فضل العرب على العجم» وغريب القرآن وغير ذلك توفي سنة 276، انظر الأعلام 4/ 137.

الباب التاسع فيما أخبر به الأحبار والرهبان والكهان بأنه النبي المبعوث في آخر الزمان

الباب التاسع فيما أخبر به الأحبار والرهبان والكهان بأنه النبي المبعوث في آخر الزمان عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: كنت رجلا من أهل فارس، وفي رواية من أهل جيّ، وكان أبي دهقان رامهرمز، أي رئيسها، وكان يحبّني حبّا شديدا، حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار، أي خازنها وخادمها. وفي لفظ: وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئاً إلا ما أنا فيه، وأعرف إنهم ليسوا على شيء، وكان لي أخ اكبر مني. وفي لفظ: ابن صاحب رامهرمز، فكان إذا قام من مجلسه خرج فتقنّع بثوبه ثم صعد الجبل، وكان يفعل ذلك غير مرة متنكراً، فقلت: أما إنّك تفعل كذا وكذا، فلم لا تذهب بي معك؟ قال: إنك غلام وأخاف أن يظهر منك شيء. قلت: لا تخف. قال: فإن في هذا الجبل قوماً في برطيل لهم عبادة وصلاح، يذكرون الله تعالى ويذكرون الآخرة، ويزعمون أنّا عبدة الأوثان والأصنام وعبدة النيران وأنّا على غير دين. قلت: فاذهب بي معك. قال: حتى استأمرهم وأنا أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي فيقتلهم فيجري هلاكهم على يدي. قال: قلت لا يظهر منّي ذلك. فاستأمرهم. فقالوا جيء به فذهبت معه فانتبهت إليهم فإذا هم ستة أو سبعة، وكأن الروح خرجت منهم من العبادة، يصومون النهار ويقومون الليل يأكلون الشجر وما وجدوا، فقعدنا إليهم فحمدوا الله وأثنوا عليه وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى عيسى ابن مريم فقالوا: بعثه الله وولد بغير ذكر، بعثه رسولاً وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص، فكفر به قوم وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه. ثم قالوا: يا غلام أن لك ربا وإن لك معاداً، وإنّ بين يديك جنة وناراً إليها تصير، وإنّ هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون، وليسوا على دين. ثم انصرفنا ثم عدنا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن، فلزمتهم فقالوا لي: يا سلمان إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع ما نصنع، فصلّ ونم وكل واشرب. قال: فاطّلع الملك على صنيع ابنه فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم فقال: يا هؤلاء قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً فعمدتم [ (1) ] إلى ابني فأفسدتموه عليّ قد أجّلتكم ثلاثاً، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا،

_ [ (1) ] في أ: فعهدتم.

فالحقوا ببلادكم فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء. قالوا: نعم ما تعمّدنا مساءتك، وما أردنا إلا الخير. فكفّ ابنه عن إتيانهم فقلت له: اتق الله، إنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وإن أباك ونحن على غير دين، إنما هم عبدة النيران لا يعرفون الله، ولا تبع آخرتك بدنيا غيرك. قال: يا سلمان هو كما تقول، وإنما أتخلّف عن القوم بقيا عليهم، إن تبعت القوم طلبني أبي في الخيل، وقد جزع من إتياني إيّاهم حتى طردهم، وقد أعرف أن الحق في أيديهم. قلت: أنت أعلم. ثم لقيت أخي فعرضت عليه فقال: أنا مشتغل بنفسي في طلب المعيشة. فأتيتهم في اليوم الذي يريدون أن يرتحلوا فيه فقالوا: يا سلمان قد كنا نحذر فكان ما رأيت، فاتّق الله واعلم أن الدّين ما أوصيناك به، وأن هؤلاء عبدة الأوثان لا يعرفون الله ولا يذكرونه ولا يخدعنك احد عن ذلك. وفي رواية: وكان لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوماً فقال لي: يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، ولا بد لي من اطّلاعها، فانطلق إليها فمرهم بكذا وكذا ولا تحتبس عني تشغلني عن كل شيء. فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة النصارى فسمعت أصواتهم فيها، فقلت ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء النصارى يصلّون. فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم، فو الله ما زلت جالساً عندهم حتى غربت الشمس وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى ضيعته، فقال: أين كنت؟ فقلت: يا أبتاه مررت بناس يقال لهم النصارى فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم فجلست أنظر كيف يفعلون: فقال: أي بنيّ دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت: لا والله ما هو بخير من دينهم، وهؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ونحن إنما نعبد ناراً نوقدها بأيدينا إذا تركناها ماتت. فخافني فجعل في رجلي حديداً وحبسني عنده، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم: أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ قالوا بالشام. فقلت: إذا قدم عليكم من هناك ناس وقضوا حوائجهم فآذنوني أي أعلموني: فلما قدم عليهم ناس وقضوا حوائجهم بعثوا إليّ بذلك فطرحت الحديد الذي كان في رجلي ولحقت بهم. ثم إن الملك اطلّع على القوم الذين في الجبل فأمرهم بالخروج من بلاده فقلت: ما أنا بمفارقكم. فقالوا إنك لا تقدر أن تكون معنا نحن نصوم النهار ونقوم الليل ونأكل الشجر وما أصبنا، وأنت لا تستطيع ذلك. قلت: لا أفارقكم. قالوا: أنت أعلم، قد أعلمناك حالنا فإذا جئت

فاطلب أحداً يكون معك واحمل معك شيئاً تأكله، فإنك لن تستطيع ما نستطيع نحن. ففعلت ولقيت أخي فعرضت عليه فأبى، فأتيتهم فتحمّلوا، فكانوا يمشون وأمشي معهم، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل، فأتينا بيعة بالموصل، فلما دخلوا حفّوا بهم وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى عبدة النيران، فطردونا فقدمنا عليكم. فلما كان بعد قالوا: يا سلمان إن ها هنا قوماً في هذه الجبال هم أهل دين وإنا نريد لقاءهم فكن أنت ها هنا مع هؤلاء فإنهم أهل دين وسترى منهم ما تحب. قلت: ما أنا بمفارقكم قال: وأوصوا بي أهل البيعة فقال أهل البيعة: أقم معنا يا غلام فإنه لا يعجزك شيء ببيعتنا. قال: قلت ما أنا بمفارقكم. فخرجوا وأنا معهم فأصبحنا بين جبال، فإذا صخرة وماء كثير في جرار وخبز كثير، فقعدنا عند الصخرة، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال: يخرج رجل رجلاً من مكانه، كأنّ الأرواح انتزعت منهم حتى كثروا فرحبوا بهم وحفّوا وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا ببلاد لا يذكرون الله تعالى، فيها عبدة النار وما يعبدون الله فيها، فطردونا. فقالوا: ما هذا الغلام؟ فطفقوا يثنون عليّ وقالوا صحبنا من تلك البلاد فلم نر منه إلا خيرا. قال: فو الله إنهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف طوال، فجاء حتى سلّم عليهم وجلس فحفّوا به وعظّمه أصحابي الذين كنت معهم وأحدقوا به، فقال لهم: أين كنتم؟ فأخبروه. فقال: ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا عليّ خيراً وأخبروه بإتباعي إياهم، ولم أر مثل إعظامهم إياه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر من أرسله الله تعالى من رسله وأنبيائه وما لقوا وما صنع بهم حتى ذكر عيسى ابن مريم وأنه ولد بغير ذكر، فبعثه الله رسولاً وأجرى على يديه إحياء الموتى وإبراء الأعمى والأبرص، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وأنزل عليه الإنجيل وعلّمه التوراة، وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل فكفر به قوم وآمن به قوم. وذكر بعض ما لقي عيسى ابن مريم، وأنه إنما كان عبداً أنعم الله عليه فشكره ذلك له ورضي عنه. ثم وعظهم وقال: اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى ولا تخالفوا فيخالف بكم. ثم أراد أن يقوم فقلت: ما أنا بمفارقك فقال: يا غلام إنك لا تستطيع أن تكون معي، إني لا أخرج من كهفي هذا ألا كل يوم أحد. قلت: ما أنا بمفارقك. قال: فتبعته حتى دخل الكهف فما رأيته نائماً ولا طاعماً، إلا راكعاً وساجداً إلى الأحد الآخر، فلما أصبحنا خرجنا واجتمعوا إليه، فتكلم نحو المرة الأولى ثم رجع إلى كهفه ورجعت معه. فلبثت ما شاء الله، يخرج كلّ يوم أحد ويخرجون إليه ويعظهم، ويوصيهم. فخرج في أحد فقال مثل ما كان يقول ثم قال: يا هؤلاء إني كبرت سنّي ورقّ عظمي واقترب أجلي وإنه لا عهد لي بهذا البيت من منذ كذا كذا، ولا بد لي من إتيانه. فقلت: ما أنا بمفارقك.

وخرجت معه حتى انتهيت إلى بيت المقدس فدخل فجعل يصلي، وكان فيما يقول لي: يا سلمان إن الله سوف يبعث رسولاً اسمه أحمد يخرج بتهامة، وإنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب، فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه، فإذا أدركته أنت فصدّقه واتبعه. قلت وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه؟ قال: نعم. ثم خرج من بيت المقدس، وعلى بابه مقعد، فقال: ناولني يدك. فناوله، فقال: قم باسم الله. فقام كأنما نشط من عقال فخلّى عن يده، فانطلق ذاهباً وكان لا يلوي على أحد. فقال المقعد: يا غلام احمل عليّ ثيابي حتى أنطلق. فحملت عليه ثيابه وانطلق الراهب. فكلما سألت عنه قالوا: أمامك فسرت حتى قدمت الشام، فقلت: من أفضل هذا الدين؟ فقيل الأسقف صاحب الكنيسة، فجئته فقلت له: إني أحببت أن أكون معك في كنيستك وأعبد الله فيها معك وأتعلم منك الخير. قال: فكن معي، فكنت معه، وكان رجل سوء، كان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها حتى إذا جمعوها إليه لم يعطها للمساكين، فأبغضته بغضاً شديداً لما رأيت من حاله، فلم ينشب أن مات، فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، كان يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها للمساكين، فقالوا: وما علامة ذلك؟ قلت: أنا أخرج لكم كنزه. فقالوا: هاته. فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلما رأوا ذلك رجموه بالحجارة وقالوا: لا ندفنه أبداً فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة. وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فلا والله ما رأيت رجلا قط يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأشد اجتهاداً ولا زهادة في الدنيا، ولا أدأب ليلاً أو نهاراً منه وما أعلمني أحببت شيئاً قط حبّه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة فقلت له يا فلان قد حضرك ما ترى، وإني والله ما أحببت شيئاً قط حبّك فماذا تأمرني وإلى من توصيني؟ فقال لي: أي بنيّ والله ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل فائته فإنك ستجده على مثل حالي. فلما مات لحقت بالموصل فأتيت صاحبه فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدنيا، فقلت له: إن فلاناً أوصى بي إليك أن آتيك وأكون معك. فقال: فأقم عندي. فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه، حتى حضرته الوفاة فقلت: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصيني؟ قال: والله ما أعلمه أي بنيّ إلا رجلاً بنصيبين، وهو على مثل ما نحن عليه فالحق به. فلما دفنّاه لحقت بالآخر فقلت له: يا فلان إن فلاناً أوصى بي إلى فلان وفلاناً أوصى بي إليك. قال: فأقم عندي فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة فقلت له: يا فلان إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، وقد كان فلان أوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إليك، فإلى من توصيني؟

فقال: أي بني، والله ما أعلم أحدا على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بعموريّة من أرض الروم ائته فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه. فلما مات وواريته خرجت حتى قدمت على صاحب عموريّة، فوجدته على مثل حالهم فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرات، ثم حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان إن فلاناً أوصى بي إلى فلان، وفلان أوصى بي إلى فلان، وفلان إلى فلان، وفلان إليك وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى، فإلى من توصيني؟ فقال: أي بني والله ما أعلم بقي أحد على مثل ما كنا عليه أمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبيّ يبعث من الحرم، مهاجره بين حرّتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى: بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه. فلما واريناه أقمت حتى مرّت رجال من تجار العرب من كلب، فقلت لهم: احملوني معكم حتى تقدموا بي أرض العرب فأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم. فأعطيتهم إياها فحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبداً من يهودي بوادي القرى. فو الله لقد رأيت النخل وطمعت أن تكون البلد الذي نعت لي صاحبي، وما خفيت عنّي، حتى قدم رجل من بني قريظة من يهود بوادي القرى فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدم بي المدينة. وفي لفظ: فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها. وفي رواية: اسمها خُليسة بنت فلان حليف بني النجّار. فو الله ما هو إلا أن رأيتها عرفتها، فعرفت نعته فأقمت في رقّي مع صاحبي في نخله. وفي رواية أنه مكث كذلك ستة عشر شهرا. قال: فو الله إني لفيها إذ جاء ابن عم له فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، فو الله إنهم الآن لفي قباء يجتمعون على رجل جاءهم من مكة يزعمون أنه نبي. فو الله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء يعني الرّعدة حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ ما هو؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: مالك ولهذا؟ أقبل على عملك. فقلت: لا شيء إلا أنني سمعت خبراً فأحببت أن أعلمه. فخرجت وسألت فلقيت امرأة من أهل بلادي فسألتها، فإذا أهل بيتها قد أسلموا، فدلّتني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته وذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فقلت: بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحاباً غرباء، وقد كان عندي شيء من الصدقة، فرأيتكم أحقّ من هذه البلاد فها هو ذا فكل. فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال: لأصحابه كلوا ولم يأكل. فقلت في نفسي: هذه خلّة مما وصف لي صاحبي.

وفي حديث بريدة عند أحمد أن سلمان جاء بمائدة بط وفي رواية: بلحم جزور مثرود وفي رواية: بخلال. فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما هذا يا سلمان؟» قال: صدقة عليك وعلى أصحابك. قال: «ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة» . وجاءه من الغد بمثله فوضعه بين يديه فقال: «ما هذا يا سلمان قال: هدية لك» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «انشطوا» . وذكر ابن إسحاق أنه جاءه بتمر وأخبره بأنه صدقة يأكله. قال: ثم رجعت وتحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجمعت شيئاً كان عندي ثم جئت به فقلت: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وليست بصدقة. وفي رواية عند ابن إسحاق قال سلمان: كنت عبداً لامرأة فسألت سيدتي أن تهب لي يوماً، فعملت في ذلك اليوم على صاع أو صاعين من تمر، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت أنه لا يأكل الصدقة سالت سيدتي أن تهب لي يوماً آخر، فعملت فيه على ذلك ثم جئت به هدية للنبي صلى الله عليه وسلم فقبله وأكل منه. وفي الشمائل للترمذي أنه أتى بمائدة عليها رطب. فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذه خلّتان. ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة رجل من أصحابه وعليه شملتان وهو في أصحابه فاستدرت لأنظر الخاتم الذي في ظهره، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني استثبت شيئاً قد وصف لي، فرفع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي، فأكببت عليه أقبّله وأبكي، فقال: تحول يا سلمان هكذا فتحولت فجلست بين يديه فأحب أن يسمع أصحابه حديثي. فحدثته بمنزل كلثوم بن الهدم رضي الله تعالى عنه فقال: حدثني. فحدثته. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد. قال النووي رحمه الله تعالى: وأول مشاهده الخندق. قال سلمان: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب يا سلمان. فكاتبت على خمسمائة فسيلة [ (1) ] . وفي رواية على ثلاثمائة وديّة [ (2) ] أغرسها بالفقير وأقوم عليها حتى تطعم، وأربعين أوقية وأعانني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالنخل ثلاثين وديّة وعشرين وديّة وعشراً كلّ رجل على قدر

_ [ (1) ] الفسيلة: النخلة الصغيرة تقطع من الأم أو تقلع من الأرض فتغرس، انظر المعجم الوسيط 2/ 696. [ (2) ] الودي: صغار الفسيل، انظر المعجم الوسيط 2/ 1034.

تنبيهات

ما عنده. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقّر لها» فإذا فرغت فآذنّي حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي ففقّرت لها وأعانني أصحابي حتى فرغنا منها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكنا نحمل إليه الوديّ ويضعه بيديه ويسوّي عليها التراب، فغرسها كلها إلا نخلة واحدة غرستها بيدي. وفي رواية: غرسها عمر. فأطعم النخل كلها من سنته إلا تلك النخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من غرسها» ؟ قالوا: عمر فنزعها وغرسها بيده فحملت من عامها. فو الذي بعثه بالحق ما ماتت منها وديّة واحدة. وبقيت عليّ الدراهم، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل بيضة الحمامة من ذهب، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ هذه يا سلمان فأدها عنك دينك» . فقلت: يا رسول الله وأين تقع هذه مما عليّ؟ فقلبها على لسانه ثم قذفها إلي ثم قال: «انطلق بها، فإن الله سيؤدّي بها عنك. فو الذي نفسي بيده لوزنت لهم منها أربعين أوقية من ذهب فأديتها وبقي عندي مثل ما أعطيتهم» . رواه الإمام أحمد وابن سعد والبزار والطبراني وأبو نعيم وغيرهم [ (1) ] ، من طرق أدخلت بعضها في بعض وسقتها كما تقدم. تنبيهات الأول: في رواية: أن سلمان من فارس. وفي رواية: من أهل إصبهان بكسر الهمزة وفتحها. وفي رواية: أنه من أهل جيّ بجيم مفتوحة فمثناة تحتية مشددة. وفي رواية: أنه من رامهرمز. والجمع بين هذه الروايات: أن جي مدينة أصبهان، وأنه ولد برامهرمز، وأصله من فارس كما صرح بذلك في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن [ (2) ] كما في تاريخ أبي نعيم ودلائله. الثاني: في رواية: أنه قدّم للنبي صلى الله عليه وسلّم تمرا. وفي رواية: رطباً. وفي رواية: خلالاً بفتح الخاء المعجمة، وهو البلح. وفي رواية: لحم جزور. وفي رواية: لحم بطّ. وليس بمنكر أن يكون سلمان قدّم ذلك إما في مجلس واحد فحدّث بهذا مرة وبهذا مرة، وإما في مجالس، كل واحد مما ذكر في مجلس، احتياطاً واستظهارا.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 441، وأبو نعيم في الدلائل 213، وابن سعد في الطبقات 4/ 56. وما بعدها. [ (2) ] أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزّهري المدني أحد الأعلام. قال عمرو بن علي: ليس له اسم. عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وخلق. وعنه ابنه عمر وعروة والأعرج والشعبي والزّهري وخلق. قال ابن سعد: كان ثقة فقيها كثير الحديث، ونقل الحاكم أبو عبد الله أنه أحد الفقهاء السبعة عن أكثر أهل الأخبار. مات سنة أربع وتسعين وقال الفلّاس: سنة أربع ومائة. الخلاصة 3/ 221.

الثالث: في بيان غريب ما سبق: الدهقان [ (1) ] : بكسر الدال المهملة وضمها: شيخ القرية العارف بالفلاحة وما يصلح الأرض من الشجر، يلجأ إليه في معرفة ذلك وهو معرّب. رامهرمز: بفتح الميم الأولى وضم الهاء وفتح الميم الثانية وسكون الراء بعدهما زاي: كورة بالأهواز. البرطيل [ (2) ] : بكسر الباء الموحدة: حجر عظيم مستطيل. الأسقفّ: بالتشديد: عالم النصارى الذي يقيم لهم أمرّ دينهم، ويقال أسقف بالتخفيف أيضاً. العذق [ (3) ] : بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة: النخلة. وبكسر العين الكباسة بكسر الكاف، وهو عنقود النخلة. بنو قيلة: بفتح القاف فمثناة تحتية ساكنة فلام مفتوحة، هي أم الأوس والخزرج العروراء [ (4) ] ، بعين مهملة مضمومة فراء مفتوحة فواو فراء مشددة فألف: الرّعدة من البرد والانتفاض. العرقاء: بعين مهملة مضمومة فراء مفتوحة فقاف وألف ممدودة. لكمني: ضربني بجمعة واللكم: شبيه اللّكز. الشّملة: الكساء الغليظ يشتمل به الإنسان، أي يلتحف به. الرّق: العبودية. الفقير: بفاء مفتوحة فقاف مكسورة فياء: اسم لحديقة بالعالية بقرب بني قريّظة. وقد خفي ذلك على بعضهم فقال كما نقله أبو الفتح: [ (5) ] : قوله: «بالفقير» الوجه: إنما بالتّفقير. قال السيد: والصواب بالفقير وهو اسم موضع. الوديّ: بكسر الدال المهملة وتشديد الياء: فراخ النخل. فقّرت: حفرت.

_ [ (1) ] الدّهقان الدّهقان: التاجر فارسي معرب ... وهم الدهاقنة والدهاقين قال: إذا شئت غشني دهاقين قرية* وصناجة تحد وعلى كل منسم انظر اللسان 2/ 1442. [ (2) ] والبرطيل: حجر أو حديد طويل صلب خلقة ليس مما يطوّله الناس ولا يحددونه تنقر به الرحا اللسان 1/ 259، والوسيط 1/ 50. [ (3) ] انظر اللسان 4/ 2861، المصباح المنير 339، والوسيط 2/ 590. [ (4) ] انظر اللسان 4/ 2918، والوسيط 2/ 597. [ (5) ] عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح: من أئمة الأدب والنحو، وله شعر. ولد بالموصل وتوفي ببغداد، عن نحو 65 عاما. وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي. من تصانيفه رسالة في «من نسب إلى أمه من الشعراء» و «شرح ديوان المتنبي» و «المبهج» في اشتقاق أسماء رجال الحماسة، و «المحتسب» في شواذ القراآت، وغير ذلك وهو كثير. وكان المتنّبي يقول: ابن جنّي أعرف بشعري مني. توفي سنة 392 هـ. الأعلام 4/ 204.

قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: عن عمر بن عبد العزيز [ (1) ] قال: حدثت عن سلمان أن صاحب عمّورية قال لسلمان حين حضرته الوفاة: ائت غيضتين من غيض الشام، فإن رجلاّ يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد به مرض إلا شفي، فاسأله عن هذا الذي تسألني عنه. فخرجت حتى أقمت بها سنة حتى خرج تلك الليلة، فأخذت بمنكبه فقلت: رحمك الله [أخبرني عن] الحنيفية دين إبراهيم قال: قد أظلك زمان نبيّ يخرج عند هذا البيت بهذا الحرم يبعث بذلك الدّين. فلما ذكر ذلك سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم قال: لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت عيسى بن مريم. غيضتين: الغيضة: الشجر الملتف. قال السهيلي [ (2) ] رحمه الله تعالى: وإسناد هذا الحديث مقطوع، وفيه رجل مجهول ويقال هو الحسن بن عمارة [ (3) ] ، وهو ضعيف. فإن صح الحديث فلا نكارة في متنه. فقد ذكر الطّبراني أن المسيح صلى الله عليه وسلّم نزل بعد ما رفع وأمّه وامرأة أخرى عند الجذع الذي فيه الصليب تبكيان عليه، فكلمهما وأخبرهما أنه لم يقتل وأن الله تعالى رفعه، وأرسل إلى الحواريّين ووجّههم إلى البلاد. وإذا جاز أن ينزل مرة جاز أن ينزل مراراً، ولكن لا يعلم أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر يكسر الصليب ويقتل الخنزير كما جاء في الصحيح. قال الحافظ أبو الخير السخاوي في كتابه: «التحصيل والبيان في سياق قصة السيد سلمان» : وما نقله ابن جرير يحتاج إلى دليل. انتهى.

_ [ (1) ] عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فعدّ مع الخلفاء الراشدين، من الرابعة، مات في رجب سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة، ومدة خلافه سنتان ونصف. التقريب 2/ 59- 60. [ (2) ] عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي: حافظ، عالم باللغة والسير، ضرير. ولد في مالقة، وعمي وعمره 17 سنة. ونبغ، فاتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها. من كتبه «الروض الأنف- ط» في شرح السيرة النبوية لابن هشام، و «تفسير سورة يوسف» و «التعريف والإعلام في ما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام» و «الإيضاح والتبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين» و «نتائج الفكر» بتحقيقنا توفي سنة 581 هـ. الأعلام 3/ 313. [ (3) ] الحسن بن عمارة البجلي، ضعيف إلى حد اتهامه بالوضع، كما روي ذلك عن علي بن المديني، وتركه أحمد، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال الجوزجاني: ساقط، وتركه مسلم، وأبو حاتم، والدارقطني. الميزان 1/ 513، التهذيب 2/ 304.

قلت: ما ذكره ابن جرير رواه في تفسيره عبد بن حميد [ (1) ] وابن المنذر من طريق آخر عن وهب بن منبّه. وروى البخاري والبيهقي عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنه تداوله بضعة عشر رباً من ربّ إلى رب. ونقل السهيلي عن مصنّف حماد بن سلمة [ (2) ] رحمه الله تعالى أن الذين صحب سلمان من النصارى كانوا على الحق، على دين عيسى ابن مريم، وكانوا ثلاثين يداولونه سيداً بعد سيد. قال الذهبي رحمه الله تعالى: وجدت الأقوال في سنّ سلمان كلها دالة على أنه جاوز المائة والخمسين، والاختلاف إنما هو في الزائد. قال: ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما جاوز الثمانين. قال الحافظ: لم يذكر مستنده في ذلك، وأظنه أخذه من شهود سلمان الفتوح بعد إعلامه النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجه امرأة من كندة وغير ذلك، مما يدل على بقاء بعض النشاط. لكن إن ثبت ما ذكره يكون ذلك من خوارق العادات في حقه، وما المانع من ذلك؟. فقد روى أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين من حديث العباس بن يزيد قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة فأما مائتين وخمسين فلا يشكّون فيها. انتهى. وروى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة [ (3) ] قال: حدثنا أشياخ شتّى قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا، كان معنا يهود، وكانوا أهل كتاب وكنا أهل وثن، وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيّاً مبعوثاً الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم اتبعناه وكفروا به، ففيهم أنزل الله وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت يهود خيبر تقاتل يهود غطفان، فلما

_ [ (1) ] عبد بن حميد بن نصر الكسي، أبو محمد: من حفاظ الحديث. قيل اسمه عبد الحميد، وخفف. من كتبه «تفسير» للقرآن الكريم، و «مسند» . توفي سنة 249 هـ. الأعلام 3/ 269. [ (2) ] حماد بن سلمة بن دينار الرّبعي أو التّميمي أو القرشي مولاهم أبو سلمة البصري أحد الأعلام. عن ثابت وسماك وسلمة بن كهيل وابن أبي مليكة وقتادة وحميد وخلق. وعنه ابن جريح وابن إسحاق شيخاه وشعبة ومالك وحبّان بن هلال والقعنبي وأمم. قال القطان: إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام. وقال ابن المبارك: ما رأيت أشبه بمسالك الأول من حماد. وقال وهيب بن خالد: كان حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا. قال حماد: من طلب العلم لغير الله مكر به. توفي سنة سبع وستين ومائة. الخلاصة 1/ 252. [ (3) ] عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري، أبو عمر المدني ثقة عالم بالمغازي، مات بعد العشرين ومائة، انظر التقريب 1/ 385.

التقوا انهزمت يهود خيبر. فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالوا: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم كفروا به، فأنزل الله عز وجل: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. رواه الحاكم والبيهقي. وعن سلمة بن سلامة بن وقش [ (1) ] بفتح الواو والقاف وإسكانها وبالشين المعجمة رضي الله تعالى عنه قال: كان بيننا يهودي فخرج على نادي قومه بني عبد الأشهل ذات غداة فذكر البعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، فقال ذلك لأصحاب وثن لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت، وذلك قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلّم، فقالوا: ويحك يا فلان! وهذا كائن أن الناس مبعوثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ويجزون من أعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلف به لوددت أن يكون حظي من تلك النار أن توقدوا أعظم تنّور في داركم فتحموه ثم تقذفوني فيه ثم تطيّنوا عليّ وأن أنجو من تلك النار غداً. قالوا: فما علامة ذلك؟ قال: نبيّ يبعث من ناحية هذه البلاد. وأشار بيده نحو مكة واليمن. قالوا: فما الذي تراه. فرمى بطرفه إليّ وأنا أحدث القوم فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. فما ذهب الليل والنهار حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لحيّ بين أظهرنا، فآمنا به وصدقناه وكفر به بغياً وعناداً، فقلنا له: يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت وأخبرتنا به؟ قال: ليس به. رواه ابن إسحاق، والبخاري في التاريخ وصححه الحاكم. قوله: إن يستنفد بكسر الفاء ودال مهملة أي يستكمل. وروى عن محمد بن عدي [ (2) ] أنه سأل أباه كيف سمّاه في الجاهلية محمداً؟ فقال: خرجت مع جماعة من بني تميم، فلما وردنا الشام نزلنا على غدير عليه شجر، فأشرف علينا

_ [ (1) ] سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي أبو عوف.. قال إبراهيم بن المنذر مات سنة أربع وثلاثين وقال غيره بل تأخر إلى سنة خمس وأربعين وبه جزم الطبري قال ومات وهو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة. الإصابة 3/ 116، 117. [ (2) ] محمد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد المنقري.. ذكره ابن سعد والبغوي والبلوري وابن السكن وغيرهم في الصحابة وقال ابن سعد عداده في أهل الكوفة وقال ابن شاهين له صحبة وأورد من طريق العلاء بن الفضل بن أبي سوية المنقري حدثني أبي الفضل بن عبد الملك عن أبيه عبد الملك بن أبي سوية عن أبيه خليفة بن عبدة المنقري قال سألت محمد بن عدي بن ربيعة كيف سماك أبوك في الجاهلية محمداً قال: أما إني سألت أبي عما سألتني عنه فقال خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم وسفيان بن مجاشع ويزيد بن عمرو بن ربيعة بن-

ديرانيّ [ (1) ] فقال: من أنتم؟ قلنا: من مضر. فقال: أمّا إنه سوف يبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا، فإنه خاتم النبيين. فقلنا: ما اسمه؟ فقال: محمد. فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل واحد منا غلام فسماه محمداً. رواه الطبراني والبيهقي وأبو نعيم [ (2) ] . وشيكاً: أي قريباً. وروى ابن سعد عن سعيد بن المسيب [ (3) ] رحمه الله تعالى قال: كانت العرب تسمع من أهل الكتاب ومن الكهّان أن نبيا يبعث من العرب اسمه محمد، فسمّى من بلغه ذلك من ولد له محمداً، طمعا في النبوة. وروى الطبراني والبيهقي عن أبي سفيان بن حرب [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصّلت [ (5) ] إلى الشام، فمررنا بقرية فيها نصارى، فلما رأوا أمية عظّموه وأكرموه

_ [ () ] حرقوص بن مازن وأسامة بن مالك بن جندب بن العنبر ويزيد بن جفنة الغساني بالشام فلما وردنا الشام ونزلنا على غدير وعليه سمرات وقربه قائم الديراني فقلنا: لو اغتسلنا من هذا الماء وأدهنا ولبسنا ثيابنا ثم أتينا صاحبنا ففعلنا فأشرف علينا الدّيراني فقال: إن هذه للغة قوم ما هي بلغة أهل هذا البلد فقلنا: نحن قوم من مضر قال: من أي المضائر قال: قلنا: من خندف فقال: أما إنه سيبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه وخذوا حظكم منه ترشدوا فإنه خاتم النبيين فقلنا: ما اسمه قال: محمد فلما انصرفنا من عند ابن جفنة ولد لكل واحد منا غلام فسماه محمدا لذلك وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي بكر بن خزيمة حدثني صالح بن مسمار إملاء حدثنا العلاء بن الفضل قال أبو نعيم وحدثناه عاليا الطبراني حدثنا العلاء. الإصابة 6/ 59- 60. [ (1) ] الديرني: الراهب الذي يسكن الدير. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 55. [ (3) ] سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، الفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين. التقريب 1/ 306. [ (4) ] صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس الأموي أبو سفيان، من مسلمة الفتح، وشهد حنينا وأعطي من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقيّة، وشهد الطائف واليرموك، وأبلى فيه بلاء حسنا، وذهبت عينه في ذلك اليوم، له أحاديث، وعندهم حديث هرقل، ومنهم من ذكر عن ابن عباس، وقيس بن أبي حازم. قال ابن سعد: مات سنة اثنتين وثلاثين. وقال المدائني: سنة أربع وثلاثين. الخلاصة 1/ 466. [ (5) ] أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي: شاعر جاهلي حكيم، من أهل الطائف. قدم دمشق قبل الإسلام. وكان مطلعا على الكتب القديمة، يلبس المسوح تعبدا. وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية. ورحل إلى البحرين فأقام ثماني سنين ظهر في أثنائها الإسلام، وعاد إلى الطائف، فسأل عن خبر محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم فقيل له: يزعم أنه نبي. فخرج حتى قدم عليه بمكة وسمع منه آيات من القرآن، وانصرف عنه، فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه، فقال: أشهد أنه على الحق، قالوا: فهل تتبعه؟ فقال: حتى أنظر في أمره. وخرج إلى الشام، وهاجر رسول الله إلى المدينة، وحدثت وقعة بدر، وعاد أمية من الشام، يريد الإسلام، فعلم بمقتل أهل بدر وفيهم ابنا خال له، فامتنع. وأقام في الطائف إلى أن مات. وهو أول من جعل في أول الكتب: باسمك اللهم. فكتبتها قريش. قال الأصمعي: ذهب أمية في شعره بعامة ذكر الآخرة، وذهب عنترة بعامة ذكر الحرب، وذهب عمر بن أبي ربيعة بعامة ذكر الشباب. توفي سنة 5 هـ. الأعلام 2/ 23.

وأرادوه على أن ينطلق معهم، فقال لي أمية: يا أبا سفيان انطلق معي فإنك تمضي إلى رجل قد انتهى إليه علم النصرانية فقلت: لست أنطلق معك. فذهب ورجع وقال: تكتم عليّ ما أحدثك به؟ قال: نعم. قال: حدّثني هذا الرجل الذي انتهى إليه علم الكتاب: أن نبيّاً مبعوث، فظننت أنني هو، فقال: ليس منكم، هو من أهل مكة. قلت: ما نسبه؟ قال: وسط قومه. وقال لي: إن آية ذلك أن الشام قد رجفت بعد عيسى ثمانين رجفة، وبقيت رجفة يدخل على أهل الشام منها شر ومصيبة: فلما صرنا قريبا من ثنيّة إذا راكب قلنا: من أين؟ قال: من الشام. قلنا: هل كان من حدث؟ قال: نعم، رجفت الشام رجفة دخل على الشام منها شر ومصيبة. وروى ابن عساكر عن أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا بفناء الكعبة وزيد بن عمرو بن نفيل [ (1) ] قاعد، فمرّ به أمية بن أبي الصّلت فقال: أما إن هذا النبي الذي- ينتظر منا أو منكم أو من أهل فلسطين. قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبيّ ينتظر فلا يبعث. فخرجت أريد ورقة بن نوفل [ (2) ] فقصصت عليه الحديث فقال: نعم يا بن أخي، أخبرنا أهل الكتاب والعلماء، إن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبا، ولي علم بالنسب فقومك أوسط العرب نسبا. قال: يا عم وما يقول النبي؟ قال يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يُظالم. قال: فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت وصدقت. فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام: ناحية من الشام.

_ [ (1) ] زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي: نصير المرأة في الجاهلية، وأحد الحكماء. وهو ابن عم عمر بن الخطاب. لم يدرك الإسلام، وكان يكره عبادة الأوثان ولا يأكل مما ذبح عليها. ورحل إلى الشام باحثا عن عبادات أهلها، فلم تستمله اليهودية ولا النصرانية، فعاد إلى مكة يعبد الله على دين إبراهيم. وجاهر بعداء الأوثان، فتألب عليه جمع من قريش، فأخرجوه من مكة، فانصرف إلى «حراء» فسلط عليه عمه الخطاب شبانا لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرا. توفي قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. وله شعر قليل، منه البيت المشهور: «أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور؟» توفي 17 ق هـ، الأعلام 3/ 60. [ (2) ] ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، من قريش: حكيم جاهلي، اعتزل الأوثان قبل الإسلام، وامتنع من أكل ذبائحها، وتنصر، وقرأ كتب الأديان. وكان يكتب اللغة العربية بالحرف العبراني. أدرك أوائل عصر النبوة، ولم يدرك الدعوة. وهو ابن عم خديجة أم المؤمنين، وفي حديث ابتداء الوحي، بغار حراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى خديجة، وفؤاده يرتجف، فأخبرها، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل «وكان شيخا كبيرا قد عمي» فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذع! ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. توفي سنة 12 ق. هـ. الأعلام 8/ 114، 115.

وعن زيد بن حارثة [ (1) ]- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لي أرى قومك قد شنفوك؟» قال: أما والله إن ذلك لبغير ثائرة كانت منّي إليهم، ولكن أراهم على ضلالة فخرجت أبتغي هذا الدّين حتى أتيت على شيخ بالجزيرة فأخبرته بالذي خرجت له، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل بيت الله. قال: فإنه قد خرج في بلدك نبي أو خارج قد طلع نجمه، فارجع فصدّقه وآمن به. فرجعت فلم أحس بشيء بعد. قال: ومات زيد بن عمرو قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو يعلى [ (2) ] والطبراني والحاكم وصححه [ (3) ] . شنفوك بفتح الشين المعجمة وكسر النون: أي أبغضوك. ولغير ثائرة: أي لم أصنع لهم شرّاً. وعن عامر بن ربيعة [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- إن زيد بن عمرو بن نفيل قال: خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وما كان يعبد، فأنا أنتظر نبيّاً من ولد إسماعيل اسمه أحمد، ولا أراني أدركه، فأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فأقره مني السلام، وأخبرك يا عامر ما نعته حتى لا يخفى عليك: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليس يفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره فإياك أن تخدع عنه فإني بلغت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم وكل من أسأله من اليهود والنصارى والمجوس يقول: هذا الدين وراءك. وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبيّ غيره. قال عامر: فلما تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأخبرته، فقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيله. رواه ابن سعد وأبو نعيم [ (5) ] .

_ [ (1) ] زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي اليماني، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، كان ممن بادر فأسلم من أول يوم، وشهد بدرا، وقتل بمؤتة أميرا سنة ثمان. قالت عائشة: لو كان حيا لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى محمد بن إسحاق بسنده إلى أسامة بن زيد. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: أنت مني وإليّ وأحب القوم إليّ. له أربعة أحاديث. وعنه أنس وابن عباس وغيرهما. الخلاصة 1/ 350. [ (2) ] أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي، أبو يعلى: حافظ، من علماء الحديث. ثقة مشهور، نعته الذهبي بمحدث الموصل. عمر طويلا حتى ناهز المئة. وتفرد ورحل الناس إليه وتوفى بالموصل. له كتب منها «المعجم» في الحديث، و «مسندان» كبير وصغير، توفي سنة 307 هـ. الأعلام 1/ 171. [ (3) ] أخرجه الحاكم 3/ 216، والطبراني في الكبير 5/ 87. [ (4) ] عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة العنزي بإسكان النون، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وشهد بدرا والمشاهد. له اثنان وعشرون حديثاً، اتفقا على حديثين. وعنه ابنة عبد الله، وابن عمر، وابن الزبير. قال المدائني: مات سنة ثلاث وثلاثين. الخلاصة 2/ 21. [ (5) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 106، وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 240، بلفظ يحب ذيولا.

وروى ابن عساكر عن ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: إن ربيعة بن نصر الّلخمي رأى رؤيا هالته وفظع بها، فلم يدع كاهناً ولا ساحراً ولا عائفاً ولا منجماً من أهل مملكته إلا جمعه إليه، فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبروني بتأويلها. قالوا: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها. قال: إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، إنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها. فقيل له: إن كنت تريد هذا فابعث إلى سطيح [ (1) ] وشقّ [ (2) ] ، فإنه ليس أحد أعلم منهما، فهما يخبرانك بما تسأل عنه. فبعث إليهما، فقدم عليه سطيح قبل شقّ، فقال: إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها. فقال: رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة، فأكلت كل ذات جمجمة. فقال الملك: ما أخطأت منها شيئاً يا سطيح، فما عندك في تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرّتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش فليهلكن ما بين أبين إلى جرش. فقال الملك: وأبيك يا سطيح إنّ هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين من السنين. قال: أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين قال: ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: يليه إرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك منهم أحدا باليمن: قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال بل ينقطع. قال: ومن يقطعه؟ قال: نبيّ زكيّ يأتيه الوحي من قبل العليّ. قال: وممن هذا النبي؟ قال: رجل من بني غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد به المحسنون ويشقى به المسيئون. قال: أحقّ ما تخبرني به؟ قال: نعم والشفق والغسق، والفلق إذا اتّسق إن ما أنبأتك به لحقّ.

_ [ (1) ] ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب، من بني مازن، من الأزد: كاهن جاهليّ غساني. من المعمرين، يعرف بسطيح. كان العرب يحتكمون إليه ويرضون بقضائه، حتى أن عبد المطلب بن هاشم- على جلالة قدره في أيامه- رضي به حكما بينه وبين جماعة من قيس عيلان، في خلاف على ماء بالطائف، كانوا يقولون إنه لهم. وكان يضرب المثل بجودة رأيه، قال ابن الرومي: «تبدي له سرّ العيون كهانة ... يوحي بها رأي كرأي سطيح» وقال الفيروزآبادي: سطيح، كاهن بني ذئب، ما كان فيه عظم سوى رأسه. وزاد الزبيدي: كان أبدا منبسطا منسطحا على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود، ويقال: كان يطوى كما تطوى الحصيرة ويتكلم بكل أعجوبة. توفي سنة 52 ق. هـ. الأعلام 3/ 14. [ (2) ] شق بن صعب بن يشكر بن رهم القسري البجلي الأنماري الأزدي: كاهن جاهلي، من عجائب المخلوقات. وعاش شق إلى ما بعد ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال. وقد عمر طويلا. ويذكرون أنه كان نصف إنسان: له يد واحدة، ورجل واحدة وعين واحدة. وقال ابن حزم إن له نسلا، اشتهر منه في العصر المرواني «خالد» و «أسد» القسريان، وكان أولهما أمير العراقين لهشام بن عبد الملك، والثاني والي خراسان. توفي سنة 55 ق. هـ. الأعلام 3/ 170.

ثم قدم عليه شقّ فقال له كقوله لسطيح، وكتم ما قاله سطيح، لينظر أيتفقان أم يختلفان. قال: نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة. فلما قال ذلك عرف أنهما قد اتفقا، فقال الملك: ما أخطأت منها شيئاً يا شقّ، فما عندك في تأويلها؟. قال: أحلف بما بين الحرّتين من إنسان، لينزلنّ أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة [ (1) ] البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران. فقال له: الملك: فمتى هو كائن؟ في زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن، ويذيقهم كأس الهوان. قال: ومن هذا العظيم الشأن؟ قال: غلام ليس بدنيّ ولا مدنّ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن. قال: أفيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل، بين أهل الدّين والفضل يكون الملك فيه إلى يوم الفصل. قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم تجزى فيه الولاة، يدعى فيه من السماء بدعوات يستمع، منها الأحياء والأموات ويجمع فيه الناس للميقات يكون فيه لمن اتّقى الفوز والخيرات. فقال: أحق ما تقول؟ قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحقّ ما فيه أمض. قوله: فظع بها. الرواية بضم الفاء وفتحها. وصوّب أبو ذر الخشني الفتح بوزن علم يقال: فظع بالشيء إذا رآه أمراً عظيماً. والعيافة [ (2) ] : زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها. والحممة [ (3) ] : بضم الحاء وفتح الميمين وجمعها حمم وإنما أراد فحمة فيها نار، ولذلك قال: فأكلت منها كل ذات جمجمة أي رأس. وظلمة: أصلها مسكّن وإنما حركت للسّجع قال السهيلي رحمه الله تعالى: وذلك أن الحممة قطعة من نار، وخروجها من ظلمة يشبه خروج عسكر الجيش من أرض السودان. أرض تهمة بفتح التاء وكسر الهاء يعني واسعة منخفضة، وأكلت منها كل ذات جمجمة أي رأس، ولم يقل ذي جمجمة لأن القصد النفس والنّسمة، فهي أعم، ولو جاء بالتذكير لكان مختصا بالإنسان.

_ [ (1) ] في أ: ذي طفل. [ (2) ] وعاف الشيء يعافه عيفا وعيافة وعيافا وعيفانا كرهه وقيل العياف المصدر والبيافة الاسم، انظر اللسان 4/ 3192. [ (3) ] الحممة وزان رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع بحذف الهاء المصباح 152.

والحرّة: بفتح الحاء المهملة: أرض غليظة تركبها حجارة سود وإنما حلف بالحنش وهي من الحيات لما يحكى أن الجن تتشكل وتتصور فيها. أبين بفتح الهمزة فباء موحدة ساكنة فمثناة تحتية فنون: موضع باليمن. جرش بضم الجيم وفتح الراء وشين معجمة: أرض باليمن أيضاً. عدن: اسم بلد بها. الغسق [ (1) ] : الظّلمة. الفلق [ (2) ] الصبح. اتسق: تتابع وتوالى. الأكمة: الكدية. ويروي: كل ذات نسمة بالرفع هنا وفي الأولى. قال الخشنيّ: والصواب النصب، لأن الجمجمة هنا هي الآكلة وليست المأكولة، ولذلك فسرها بالحبشة الذين غلبوا على اليمن. طفلة بفتح الطاء واللام وسكون الفاء بينهما. البنان: أطراف الأصابع، وقد يعبر بها عن الأصابع كلها. قال في الصحاح: الطّفل بالفتح: الناعم. يقال: جارية طفلة أي ناعمة. وبنان طفل وإنما جاز أن يوصف البنان وهو جمع بالطفل وهو واحد: لأن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء فإنه يوحّد ويذكّر. نجران [ (3) ] ، بنون مفتوحة وجيم ساكنة: قال أبو عبيد البكري [ (4) ] : مدينة بالحجاز من شق اليمن معروفة، سميت بنجران بن زيد بن يشجب بن يعرب، وهو أول من نزلها وقال في النهاية: موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن. وبغلام ليس بدنيّ ولا مدنّ بضم الميم وفتح الدال المهملة- وهو بنون، وسكّنه هنا للسجع، قال الخشني: هو المقصّر في الأمور. وقال غيره: هو الذي جمع الضعف مع الدناءة. وما فيه أمض [ (5) ] : بفتح الهمزة وسكون الميم والضاد المعجمة أي ما فيه شكّ ولا ارتياب.

_ [ (1) ] غسق الليل: شدة ظلمته المفردات في غريب القرآن 360. [ (2) ] الفلق: أي الصبح وقيل الأنهار المذكورة في قوله تعالى: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وقيل: هو الكلمة التي علم الله تعالى موسى ففلق بها البحر، المفردات في غريب القرآن 385. [ (3) ] نجران بالفتح، ثم السكون، وآخره نون، وهو في عدّة مواضع: منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها كان خبر الأخدود، وإليها تنسب كعبة نجران، وكانت ربيعة بها أساقفة مقيمون، منهم السيد والعاقب اللّذين جاءا إلى النبيّ عليه السلام في أصحابهما، ودعاهم إلى المباهلة، وبقوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه. مراصد الاطلاع 3/ 1359. [ (4) ] عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي، أبو عبيد: مؤرخ جغرافي، ثقة. علامة بالأدب، له معرفة بالنبات. من تصانيفه «معجم ما استعجم» أربعة أجزاء، و «أعلام النبوّة» و «شرح أمالي القالي» و «التنبيه على أغلاط أبي علي القالي في أماليه» و «فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، لابن سلّام» وغير ذلك، توفي سنة 487 هـ. الأعلام 4/ 98. [ (5) ] انظر لسان العرب 1/ 131.

قال السهيلي رحمه الله تعالى: كان سطيح جسداً ملقىً لا جوارح له فيما يذكرون. قال وكذلك شقّ إنما له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة. ويروى عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- أنه قال: قيل لسطيح: أنّى لك هذا العلم؟ فقال لي صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلّم الله تعالى فيه موسى فهو يؤدّي إلي من ذلك ما يؤديه. وولد شقّ وسطيح في اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة [ (1) ] ، ودعت بسطيح قبل أن تموت، فأتيت به فتفلت في فيه وأخبرت أنه سيخلفها في علمها وكهانتها، وكان وجهه في صدره، ولم يكن له رأس ولا عنق. ودعت بشقّ ففعلت به مثل ما فعلت بسطيح ثم ماتت وعمر سطيح زماناً طويلاً حتى أدرك مولد النبي صلى الله عليه وسلم ورأى كسرى أنو شروان. قلت: روى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: خلق الله سطيحاً لحماً على وضم، وكان يحمل على وضمة فيؤتى به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والعنق والكفيّن. وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوي الثوب، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه. الوضم بفتحتين: كل شيء يحمل عليه اللحم من خشب أو باريّة. وروى ابن عساكر: بلغني أن سطيحاً ولد في أيام سيل العرم وتوفي في العام الذي ولد فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه عاش خمسمائة سنة. وقيل ثلاثمائة سنة. وروى ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي نملة- رحمه الله تعالى- قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم ويعلّمونه الولدان بصفته واسمه ومهاجره إلى المدينة. فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم حسدوه وبغوا وأنكروا [ (2) ] . وروى ابن سعد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما قدم تبع المدينة ونزل بقناة بعث إلى أحبار يهود فقال: إني مخرّب هذا البلد. فقال له سامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك إن هذا البلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل مولده بمكة اسمه أحمد، وهذه دار هجرته، إن منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتلى والجراح أمر يكثر في أصحابه وفي عدوّهم. قال تبّع: ومن يقاتله يومئذ؟ قال: يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا. قال: فأين قبره؟ قال: بهذا البلد. قال: فإذا قوتل لمن تكون الدّبرة؟ قال: تكون مرة له ومرة عليه، وبهذا الذي أنت به

_ [ (1) ] طريفة بنت الخير الحميرية: كاهنة يمانية، من الفصيحات البليغات. كانت زوجة للملك عمرو مزيقياء بن ماء السماء الأزدي الكهلاني. قيل إنها تنبأت له بانهيار «السد» فاستعد، هو وقومه، للهجرة. الأعلام 3/ 226. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 104، وأبو نعيم في دلائل النبوة 40.

تفسير الغريب

تكون عليه ويقتل أصحابه مقتلة لم يقتلوا في موطن مثلها، ثم تكون له العاقبة ثم يظهر فلا ينازعه في هذا الأمر أحد. قال: وما صفته؟ قال: رجل لا بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، يركب البعير ويلبس الشّملة سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى أخاً أو ابن عم أو عمّاً حتى يظهر أمره. قناة بقاف مفتوحة بعدها نون: قال البكري: واد من أودية المدينة. وذكر ابن ظفر [ (1) ] عن سفيان بن مجاشع أنه رأى قوما من تميم اجتمعوا على كاهنة لهم فسمعها تقول: العزيز من والاه، والذليل من خالاه، والموفور من مالاه، والموتور من عاداه. فقال سفيان: من تذكرين لله أبوك؟ فقالت: صاحب حلّ وحرم وهدى وعلم، وبطش وحلم، وحرب وسلم، رأس رؤوس وأبيض شموس وماحي بوس وماهد وعوس، وناعش متعوس. فقال سفيان: لله أبوك من هو؟ قالت، نبيّ مؤيّد، قد أتى حين يوجد. ودنا أوان يولد، يبعث إلى الأحمر والأسود بكتاب لا يفنّد، اسمه محمد. فقال سفيان: لله أبوك أعرابي هو أم عجمي؟ أما والسماء ذات العنان والشجرات ذات الأفنان إنه لمن معد بن عدنان. فقدك يا سفيان. فأمسك عنها ثم ولد له غلام فسماه محمداً رجاء أن يكون الموصوف. تفسير الغريب خالاه: بالخاء المعجمة: برئ منه وتركه. حلّ وحرم: أي حلال وحرام. رأس رؤوس: أي سيد سادة. والرأس: السيد. ماحي بوس: أي مذهبه. والمحو: القشر. وبه سميت الممحاة [ (2) ] . الوعوس [ (3) ] : جمع وعس وهو من صفة الرمل الذي يشقّ السّير فيه. ناعش: بالنون والشين المعجمة من نعشه الله نعشا: رفعه. المتعوس: العاثر، والمستعمل في هذا: تعس وأتعسه الله فجاء على مثال مسعود.

_ [ (1) ] محمد بن عبد الله أبي محمد بن ظفر الصقلي المكي، أبو عبد الله، حجة الدين: أديب رحالة مفسر. ولد في صقلية، ونشأ بمكة. وتنقل في البلاد، فدخل المغرب وجال في إفريقية والأندلس، وعاد إلى الشام فاستوطن «حماة» وتوفي بها. له تصانيف، منها «ينبوع الحياة» في تفسير القرآن، اثنا عشر مجلدا، قال الصفدي: رأيت بعضهم يقول (ابن ظفر) بضم الظاء والفاء والفتح أشهر، توفي سنة 565 هـ. الأعلام 6/ 230. [ (2) ] الممحاة: خرقة يزال بها الوسخ، الوسيط 2/ 856. [ (3) ] الوعساء والأوعس والوعس والوعسة كله: السهل اللين من الرمل وقيل: هي الرمل تغيب فيه الأرجل، اللسان 5/ 4873.

لا يفند: أي لا يخطّأ ولا يضعّف رأيه. العنان بفتح العين المهملة بعدها نون: السحاب، الواحدة عنانة. الأفنان: هي الأغصان، الواحدة: فنن. فقدك يا سفيان: أي حسبك وكفاك. وروى عن عمرو بن عبسة [ (1) ]- بعين وبسين مهملتين بينهما باء موحدة مفتوحات- رضي الله تعالى عنه: قال رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، ورأيت الباطل يعبدون الحجارة، فلقيت رجلاً من أهل الكتاب فسألته عن أفضل الدّين فقال: يخرج رجل بمكة ويرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها، وهو يأتي بأفضل الدين فإذا سمعت به فاتبعه. فلم يكن بي همّ إلا مكة آتيها فأسأل: هل حدث فيها أمر؟ فيقولون لا. فإني لقاعد على الطريق إذا مرّ بي راكب فقلت: من أين جئت؟ قال: من مكة. قلت: هل حدث فيها خبر؟ قال: نعم، رجل رغب عن آلهة قومه ودعا إلى غيرها. فقلت: صاحبي الذي أريد. فأتيته فوجدته مستخفياً، فقلت: ما أنت؟ قال: نبي. قلت: وما النبي؟ قال: رسول. قلت: من أرسلك؟ قال: الله. قلت: بماذا أرسلك؟ قال: أن توصل الأرحام وتحقن الدماء وتؤمن السبل وتكسر الأوثان ويعبد الله ولا يشرك به شيئاً. قلت: نعم ما أرسلك به، أشهدك أني قد آمنت بك وصدّقتك أفأمكث معك ما ترى؟ قال: ترى كراهة الناس لما جئت به فامكث في أهلك، فإذا سمعت أني قد خرجت مخرجا فاتبعني. فلما سمعت به صلى الله عليه وسلم خرج إلى المدينة سرت حتى قدمت عليه. رواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر [ (2) ] . وروى أبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: بلغني أن بني إسرائيل لمّا أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصّر- وفرقتهم وذلّهم تفرّقوا، وكانوا يجدون محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مبعوثاً في كتبهم وأنه سيظهر في بعض القرى العربية في أرض ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام جعلوا يتقرّون كلّ قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فنزل بها طائفة منهم ويرجون أن يلقوا محمدا صلى الله عليه وسلّم فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه جاء ويحثّون أبناءهم على إتّباعه إذا جاء، فأدركه من أدركه من أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه. بخت بضم الموحدة وإسكان الخاء المعجمة ثم مثناة فوقية ونصّر بفتح النون والصاد

_ [ (1) ] عمرو بن عبسة بفتح أوله والموحدة السّلمي أبو نجيح، صحابي مشهور. له ثمانية وأربعون حديثاً. وعنه أبو أمامة وشرحبيل بن السّمط. قال الواقدي: أسلم بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر، ثم قدم المدينة. قال أبو سعيد: يقولون إنه رابع أو خامس في الإسلام. الخلاصة 2/ 290. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 210، وابن سعد في الطبقات 1/ 157.

المهملة المشددة. قال في القاموس: بخت معناه: ابن. ونصّر كبقّم كان عند الصنم ولم يوجد له أب فنسب إليه. وروى أبو نعيم عن حسان بن ثابت [ (1) ]- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: والله إني لفي منزلي وأنا ابن سبع سنين وأنا أحفظ ما أرى وأعي ما أسمع وأنا مع أبي إذ دخل علينا فتى منا يقال له ثابت بن الضحاك، فتحدث فقال: زعم يهودي في بني قريظة الساعة وهو يلاحيني: قد أظلّ زمان خروج نبيّ يأتي بكتاب مثل كتابنا يقتلكم قتل عاد وإرم. قال حسان: فو الله إني لعلى فارع، يعني أطماً، في السّحر إذ سمعت صوتا لم أسمع قط صوتاً أنفذ منه، فإذا يهوديّ على ظهر أطم من آطام المدينة معه شعلة من نار، فاجتمع إليه الناس فقالوا: ما لك ويلك: قال: هذا كوكب أحمد قد طلع، هذا كوكب لا يطلع إلا للنبوة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد. قال: فجعل الناس يضحكون ويعجبون بما يأتي به. وكان حسان- رضي الله تعالى عنه- عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية وستين في الإسلام. يلاحيني: أي يخاصمني وينازعني. الفارع بالفاء والراء والعين المهملتين: المرتفع العالي. والأطم بالضم: بناء مرتفع. وروى الواقديّ وأبو نعيم عن حويصة بن مسعود [ (2) ]- رضي الله تعالى عنه- وهو بضم الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية، وقيل يجوز تخفيفها، قال: كنا ويهود فينا كانوا يذكرون نبيّاً يبعث بمكة اسمه أحمد، ولم يبق من الأنبياء غيره، وهو في كتبنا وما أخذ علينا صفته كذا وكذا. حتى يأتوا على نعته. قال: وأنا غلام وما أرى أحفظ وما أسمع أعي إذ سمعت صياحاً من ناحية بني عبد الأشهل، فإذا قوم فزعوا وخافوا أن يكون أمر حدث، ثم خفي الصوت ثم عاد فصاح ففهمنا صياحه: يا أهل يثرب هذا كوكب أحمد الذي ولد به. قال:

_ [ (1) ] حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري النّجّاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن أو أبو الوليد. وعنه ابنه عبد الرحمن وابن المسيب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» . قال أبو عبيد: توفي سنة أربع وخمسين. قال ابن إسحاق: عاش مائة وعشرين سنة. له فرد حديث عندهم، وليس له عن النبي صلى الله عليه وسلم سواه. الخلاصة 1/ 206. [ (2) ] حريصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري ... شهد أحدا والخندق وسائر المشاهد روى ابن إسحاق من حديث محيصة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد قتل كعب بن الأشرف: من ظفرتم به من يهود فاقتلوه فوثب محيصة على تاجر يهودي فقتله فجعل حويصة يضربه وكان أسن منه وذلك قبل أن يسلم حويصة وثبت ذكره في الصحيحين في حديث سهل بن أبي خيثمة في قصة قتل عبد الله بن سهل وفيه ذكر القسامة وفيه فذهب عبد الرحمن بن سهل يتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم كبر كبر فتكلم حويصة الحديث. الإصابة 2/ 48.

فجعلنا نعجب من ذلك، ثم أقمنا دهراً طويلاً ونسينا ذلك، فهلك قوم وحدث آخرون وصرت رجلاً كبيراً، فإذا مثل ذلك الصياح بعينة: يا أهل يثرب قد خرج محمد وتنبأ وجاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه الصلاة والسلام. فلم أنشب أن سمعت أن بمكة رجلاً خرج يدّعي النبوّة، وخرج من خرج من قومنا وتأخر من تأخر وأسلم فتيان منا أحداث ولم يقض لي أن أسلم، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة [ (1) ] . أنشب: أي لم ألبث. وروى أبو نعيم عن أبي سعيد مالك بن سنان الخدري [ (2) ] بالخاء المعجمة والدال المهملة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت أبي يقول: جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظلّ خروج نبيّ يقال له أحمد يخرج من الحرم. فقيل له: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة يلبس الشّملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذه البلد مهاجره. فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا أتعجّب مما قال، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟ كلّ يهود يثرب تقول هذا. فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال الزّبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق من الأنبياء أحد إلا أحمد وهذه مهاجره. أظل: قرب. وروى ابن عساكر عن كعب- رحمه الله تعالى- قال: كان إسلام أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- سببه وحي من السماء، وذلك أنه كان تاجراً بالشام فرأى رؤيا فقصّها على بحيرى الراهب فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة. قال: من أيّها؟ قال: من قريش. قال: فأيّ شيء أنت؟ قال: تاجر. قال: صدق الله تعالى رؤياك، فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته بعد موته. فأسرّها أبو بكر حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام. فعانقه وقبل بين عينيه وقال: أشهد أنك رسول الله.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 38. [ (2) ] سعد بن مالك بن سنان بنونين ابن عبد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة الخدري أبو سعيد، بايع تحت الشجرة، وشهد ما بعد أحد، وكان من علماء الصحابة، له ألف ومائة حديث وسبعون حديثاً، اتفقا على ثلاثة وأربعين، وانفرد (خ) بستة وعشرين، و (م) باثنين وخمسين. وعنه طارق بن شهاب، وابن المسيّب، والشّعبي، ونافع، وخلق. قال الواقدي: مات سنة أربع وسبعين. الخلاصة 1/ 371.

وروى أبو نعيم والبيهقي من طريق عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن عن أبيه قال: لما ظهر سيف ذي يزن على الحبشة، وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، أتاه وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه. وأتاه وفد قريش منهم عبد المطلب بن هاشم [ (1) ] وأمية بن عبد شمس [ (2) ] وعبد الله بن جدعان [ (3) ] وأسد بن عبد العزى [ (4) ] ووهب بن عبد مناف [ (5) ] وقصيّ بن عبد الدار [ (6) ] ، فدخل عليه آذنه وهو في رأس قصر يقال له غمدان، وهو الذي قال فيه أمية بن أبي الصّلت الثقفي: اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان دار منك مهلالا

_ [ (1) ] عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الحارث: زعيم قريش في الجاهلية، وأحد سادات العرب ومقدميهم. مولده في المدينة ومنشأه بمكة. كان عاقلا، ذا أناة ونجدة، فصيح اللسان، حاضر القلب. وهو جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. مات بمكة عن نحو ثمانين عاما أو أكثر. توفي سنة 45 ق. هـ. الأعلام 4/ 154. [ (2) ] أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، من قريش: جد الأمويين بالشام والأندلس، جاهلي كان من سكان مكة وكانت له قيادة الحرب في قريش بعد أبيه وعاش إلى ما بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلّم. الأعلام 2/ 23. [ (3) ] عبد الله بن جدعان التيمي القرشي: أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية. أدرك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوة. وكانت له جفنة يأكل منها الطعام القائم والراكب، فوقع فيها صبي، فغرق! وهو الذي خاطبه أمية بن أبي الصلت بأبيات اشتهر منها قوله: «أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك؟ إن شيمتك الحياء» الأعلام 4/ 76. [ (4) ] أسد بن عبد العزى بن قصيّ: من أجداد العرب في الجاهلية. بنوه حيّ كبير من قريش، منهم حكيم بن حزام الصحابي وخديجة (أم المؤمنين) وورقة بن نوفل. وكانت تلبية «بني أسد» في الجاهلية إذا حجوا: «لبيك اللهم لبيك، يا رب أقبلت بنو أسد، أهل الوفاء والجلد، إليك» . ولابن السائب الكلبي النسابة كتاب «أخبار أسد بن عبد العزى» وقال ابن حزم: لا عقب لعبد العزى إلا من أسد هذا. الأعلام 1/ 298. [ (5) ] وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، من قريش: سيد بني زهرة، قبيل الإسلام. وهو أبو «آمنة» أم رسول الله. كانت كنيته أبا كبشة، فلما ظهر النبي صلّى الله عليه وسلّم وناوأته قريش كانوا ينسبونه إليه، فيقولون: قال ابن أبي كبشة، وفعل ابن أبي كبشة. وفي «وهب» يقول أحد معاصريه: «يا وهب، يا بن الماجدين زهره ... سدت كلابا- كلها- ابن مره بحسب زاك، وأم حره» الأعلام 8/ 25. [ (6) ] قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ: سيد قريش في عصره، ورئيسهم. قيل: هو أول من كان له ملك من بني كنانة. وهو الأب الخامس في سلسلة النسب النبوي. مات أبوه وهو طفل فتزوجت أمه برجل من بني عذرة فانتقل بها إلى أطراف الشام، فشب في حجره، وسمي «قصيا» لبعده عن دار قومه. وأكثر المؤرخين على أن اسمه «زيد» أو «يزيد» ولما كبر عاد إلى الحجاز. وكان موصوفا بالدهاء. وولي البيت الحرام. فهدم الكعبة وجدّد بنيانها كما في تاريخ الكعبة وحاربته القبائل فجمع قومه من الشعاب والأودية وأسكنهم مكة، لتقوى بهم عصبيته، فلقبوه «مجمّعا» وكانت له الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء. وكان قريش تتيمن برأيه، فلا تبرم أمرا إلا في داره. وهو الذي أحدث وقود النار في «المزدلفة» ليراها من دفع من «عرفة» قال ابن هشام: غلب على مكة وجميع أمر قريش، وساعدته قضاعة. وقال ابن حبيب: كان الشرف والرياسة من قريش في الجاهلية في بني «قصيّ» لا ينازعونه ولا يفخر عليهم فاخر إلى أن تفرقت الرياسة في بني عبد مناف. الأعلام 5/ 198.

واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا برديك بعد أبوالا [ (1) ] قال: والملك متضمّخ بالعبير يلصف وبيص المسك في مفرق رأسه، وعليه بردان أخضران مرتدياً بأحدهما مؤتزراً بالآخر، سيفه بين يديه، وعن يمينه وعن شماله الملوك والمقاول. وأخبر بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه، ودنا منه عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك. فقال: إن الله عز وجل قد أحلّك أيها الملك محلاً رفيعاً شامخاً باذخاً منيعاً، وأنبتك نباتاً طابت أرومته وعظمت جرثومته، وثبت أصله وبسق فرعه، في أطيب موضع وأكرم معدن، وأنت أبيت الّلعن ملك العرب الذي إليه تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف فلن يهلك ذكر من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه، نحن أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة. قال له الملك: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم. قال: ابن أختنا؟ قال: نعم. قال: أدنه. ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً- فأرسلها مثلاً، وكان أول من تكلم بها- وناقةً ورحلاً ومستناخاً سهلا وملكاً ربحلا يعطي عطاء جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، فإنكم أهل الليل والنهار ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم. ثم أنهضوا إلى دار الضيافة والوفود وأجري عليهم الأنزال، فأقاموا بذلك شهراً لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم بالانصراف. ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه ثم قال له: يا عبد المطلب إني مفض إليك من سرّ علمي أمراً لو غيرك يكون لم أبح له به، ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعه، فليكن عندك مخبّأ حتى يأذن الله عز وجل فيه، إني أجد في الكتاب المكتوب والعلم المخزون الذي ادّخرناه لأنفسنا واحتجيناه دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامةً ولرهطك كافةً ولك خاصةً. فقال له عبد المطلب: مثلك أيها الملك سرّ وبرّ: فما هو؟ فداك أهل الوبر زمراً بعد زمر. قال: إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه

_ [ (1) ] الأبيات من قصيدة مطلعها: ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... ريم في البحر للأعداء أحوالا وهي تروى لأبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي أيضا، ينظر السيرة النبوية والروض الأنف 1/ 84، 85.

شامة، كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة. فقال له عبد المطلب: أيها الملك أبت بخير ما آب بمثله وافد قوم، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من سارّه إياي كيما أزداد به سروراً. فقال له الملك: هذا حينه الذي يولد فيه أوقد ولد، اسمه محمد، يموت أبوه وأمه ويكفله جدّه وعمّه، ولدناه مراراً والله باعثه جهاراً وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض ويستفتح بهم كرائم أهل الأرض، يعبد الرحمن ويدحض أو يدحر الشيطان ويخمد النيران ويكسر الأوثان. قوله فصل وحكمه عدل، ويأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله. قال له عبد المطلب: عزّ جدّك ودام ملكك وعلا كعبك، فهل الملك سارّي بإفصاح فقد وضح لي بعض الأيضاًح قال له سيف بن ذي يزن: والبيت ذي الحجب والعلامات على النّقب إنك لجدّه يا عبد المطلب غير كذب. قال: فخرّ عبد المطلب ساجداً، فقال له سيف بن ذي يزن: ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا كعبك، فهل أحسست بشيء مما ذكرته لك؟ قال: نعم أيها الملك إنه كان لي ابن وكنت به معجباً وعليه رفيقاً وإني زوّجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة [ (1) ] ، فجاءت بغلام فسمّيته محمداً مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه. فقال له سيف بن ذي يزن: إن الذي قلت كما قلت فاحتفظ من ابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرته لك عن هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تتداخلهم النّفاسة من أن تكون لهم الرياسة، فينصبون له الحبائل ويبغون له الغوائل، وهم فاعلون ذلك أو أبناؤهم غير شك، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار ملكه فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره، ولولا إني أقيه من الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنّه أمره ولأوطأت على أسنان العرب كعبه، ولكني سأصرف ذلك إليك عن غير تقصير بمن معك. ثم دعا بالقوم وأمر لكل واحد منهم بعشرة أعبد سود وعشرة إماء سود وحلّتين من حلل

_ [ (1) ] آمنة بنت وهب بن عبد مناف، من قريش: أم النبي صلى الله عليه وسلم كانت أفضل امرأة في قريش نسبا ومكانة. امتازت بالذكاء وحسن البيان. رباها عمها وهيب بن عبد مناف. وتزوجها عبد الله بن عبد المطلب فحملت منه بمحمد صلى الله عليه وسلّم ورحل عبد الله بتجارة إلى غزة فلما كان في المدينة عائدا مرض فمات بها. وولدت آمنة بعد وفاته. فكانت تخرج كل عام من مكة إلى المدينة فتزور قبره وأخوال أبيه (بني عدي بن النجار) وتعود. فمرضت في إحدى رحلاتها هذه فتوفيت بموضع يقال له «الأبواء» بين مكة والمدينة، ولابنها من العمر ست سنين وقيل أربع. توفيت سنة 45 ق. م. الأعلام 1/ 26.

تفسير الغريب

البرود، وعشرة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة ومائة من الإبل، وكرش مملوءاً عنبراً، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك. ثم قال: إذا حال الحول فأتني بخبره وما يكون من أمره. قال: فمات سيف بن ذي يزن قبل أن يحول عليه الحول. قال: وكان كثيرا ما يقول عبد المطلب: يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي ذكره وفخره. فإذا قيل: وما هو؟ سيعلم ما أقول ولو بعد حين. قال البيهقي- رحمه الله تعالى-: وقد روى هذا الحديث أيضاً عن الكلبي [ (1) ] عن أبي صالح [ (2) ] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. تفسير الغريب بلاؤه: أي إحسانه. مرتفقاً: أي متكئاً أو من الرّفق. غمدان بضم الغين المعجمة: قصر باليمن. محلالاً من الحلول ويروي مهلالاً أي متهلّلاً. شالت نعامتهم: قال في النهاية: النعامة: الجماعة إذا تفرقوا. وفي الصحاح: يقال للقوم إذا ارتحلوا عن مياههم أو تفرّقوا: قد شالت نعامتهم. متضمّخ: متلطخ. العبير بعين مهملة فباء موحدة فمثناة تحتية: نوع من الطيب. يلصف بالصاد المهملة والفاء: مضارع لصف لصفاً ولصيفاً إذا برق. الوبيص: البرق أيضاً. المقاول: جمع قيل وهو الملك من ملوك حمير: دون الملك الأعظم. شامخاً: مرتفعاً باذخاً بالذال والخاء المعجمتين: أي عالياً. الأرومة وزن الأكولة: الأصل. الجرثومة بضم الجيم والثاء المثلثة الأصل أيضاً. بسق: طال. أبيت اللعن: أي أبيت أن تأتي من الأمور ما تلعن عليه. فدحنا بفاء فدال فحاء مهملتين فنون مفتوحات. أثقلنا. السّدنة: بسين فدال مهملتين فنون: الخدمة. ربحلاً: براء مكسورة فموحدة فحاء مهملة مفتوحة: الكثير العطاء. أهل الليل والنهار: أي لا يحجبون ليلاً ولا نهاراً. الحباء بكسر الحاء المهملة وبالمد: العطاء. احتجيناه بحاء مهملة فمثناة فوقية فجيم فتحتية فنون أي أكتتمناه. أبت بكسر أوله. رجعت. سارّه إياي: أي مساررته لي. النّقب بضم النون جمع نقب وهو الطريق. الزعامة بفتح الزاي: أي السيادة.

_ [ (1) ] محمد بن السائب بن بشر بن عمرو الكلبي أبو النضر الكوفي. عن أبي صالح باذام والشّعبي وغيرهما. وعنه ابن المبارك وابن فضيل ويزيد بن هارون وخلق. قال ابن عدي: رضوه في التفسير. وقال أبو حاتم: أجمعوا على ترك حديثه. واتهمه جماعة بالوضع. قال مطبّن: مات سنة ست وأربعين ومائة. الخلاصة 2/ 405. [ (2) ] ميزان البصري، أبو صالح ما مقبول وهو مشهور بكنيته. التقريب 2/ 291.

عن عرض: بضم العين المهملة أي لا يبالون من لقوا دونه ولا يخافون أحدا بل يضربون كلّ من عرض لهم دونه بشرّ. وعرض الشيء ناحية منه. علا كعبك: هو دعاء له بالشرف والعلوّ، والأصل فيه كعب القناة وهو أنبوبتها، وما بين كل عقدتين منها كعب، وكل شيء علا وارتفع فهو كعب. مجتاحي بجيم فمثناة فوقية وحاء مهملة: أي مستأصلي ومهلكي. وروى أبو نعيم عن طريق محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه. قالوا: بينما عبد المطلب يوما في الحجر وعنده أسقفّ نجران، وكان صديقا له وهو يحادثه ويقول: إنا نجد صفة نبي بقي من ولد إسماعيل، هذا البلد مولده، من صفته كذا وكذا. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه الأسقف وإلى عينه وإلى ظهره وإلى قدميه فقال: هو هذا، ما هو منك؟ قال: ابني. قال: لا، ما نجد أباه حيا. قال: هو ابن ابني وقد مات أبوه وأمه حبلى به. فقال: صدقت. قال عبد المطلب لبنيه: تحفظوا بابن أخيكم، ألا تسمعون ما يقال فيه. والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة وفيما ذكر كفاية.

الباب العاشر في بعض منامات رئيت تدل على بعثته صلى الله عليه وسلم

الباب العاشر في بعض منامات رئيت تدل على بعثته صلى الله عليه وسلم روى أبو نعيم من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم عن أبيه عن جده قال: سمعت أبا طالب [ (1) ] يحدّث عن عبد المطلب قال: بينما أنا نائم في الحجر رأيت رؤيا هالتني ففزعت منها فزعاً شديداً فأتيت كاهنة قريش وعليّ مطرف خزّ وجمّتي تضرب منكبي فقلت لها إني رأيت الليلة كأن شجرة نبتت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب وما رأيت نوراً أزهر منها، أعظم من نور الشمس بسبعين ضعفاً، ورأيت العرب والعجم لها ساجدين وهي تزداد كلّ ساعة- عظماً ونوراً وارتفاعاً، ساعةً تخفى وساعة تظهر، ورأيت رهطاً من قريش قد تعلقوا بأغصانها ورأيت قوماً من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شابّ لم أر قط أحسن منه وجهاً ولا أطيب منه ريحاً فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا فلم أقدر فقلت: لمن النصيب؟ قال: النصيب لهؤلاء الذين تعلّقوا بها. وسبقوك. فانتبهت مذعوراً. فرأيت وجه الكاهنة قد تغيّر ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجنّ من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس. فقال عبد المطلب لأبي طالب: لعلك أن تكون عم هذا المولود. فكان أبو طالب يحدّث بهذا الحديث والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج ويقول: كانت الشجرة والله أبا القاسم الأمين. فيقال له: ألا تؤمن به؟ فيقول السّبّة والعار [ (2) ] . وذكر ابن ظفر أن مرثد بن عبد كلال رأى رؤيا أخافته وأذعرته وهالته في حال منامه فلما انتبه نسيها حتى ما يذكر منها شيئاً، ثم إنه أحضر الكهّان فجعل يخلو بكاهن كاهن ثم يقول: أخبرني عمّا أريد أن أسالك عنه. فيجيبه الكاهن بأنه لا علم عنده عنها. فلم يكن عند واحد منهم جوابها، ثم إنه خرج يتصيد بعد ذلك فأوغل في طلب الصيد وانفرد عن أصحابه، فرفعت له أبيات في ذرى جبل فقصد بيتا منهاً، فبرزت له عجوز فقالت له: بالرّحب والسّعة والجفنة المدعدعة والعلبة المترعة. فنزل فلما احتجب عن الشمس نام فلم يستيقظ حتى تصرّم الهجير، فإذا بين يديه فتاة لم ير مثلها جمالاً فقالت له: أبيت اللعن أيها الملك الهمام هل لك في الطعام؟ فخاف على نفسه لمّا رأى أنها عرفته فقالت: لا حذر فداك البشر. وقرّبت إليه

_ [ (1) ] عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، من قريش، أبو طالب: والد علي رضي الله عليه وعم النبي صلى الله عليه وسلّم وكافله ومربيه ومناصره. كان من أبطال بني هاشم ورؤسائهم، ومن الخطباء العقلاء الأباة. وله تجارة كسائر قريش. نشأ النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، ولما أظهر الدعوة إلى الإسلام همّ أقرباؤه بنو قريش بقتله، فحماه أبو طالب وصدهم عنه، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فامتنع خوفاً من أن تعيره العرب بتركه دين آبائه، ووعد بنصرته وحمايته. الأعلام 4/ 166. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (60) .

تفسير الغريب

ثريداً وقامت تذبّ عنه حتى انتهى أكله، ثم سقته لبناً صريفاً وضريباً، فشرب ما شاء وجعل يتأملها مقبلة ومدبرة فملأت عينيه حسناً وقلبه هوىّ فسألها عن اسمها فقالت: عفيراء. فقال: يا عفيراء من الذي دعوتيه بالملك الهمام؟ فقالت: مرثد العظيم الشأن حاشر الكواهن والكهّان، لمعضلة بعل بها الجان. قال يا عفيراء أتعلمين ما تلك المعضلة؟ فقالت: نعم أيها الملك، إنها رؤيا منام ليس بأضغاث أحلام، رأيت أعاصير زوابع بعضها لبعض تابع، فيها لهب لامع، ولها دخان ساطع، يقفوها نهر متدافع روي جارع وغرق كارع، وسمعت فيما أنت سامع دعاء ذي جرس صادع هلموا إلى المشارع. قال الملك: نعم هذه رؤياي فما تأويلها؟ قالت: الزّوابع: ملوك تتابع. والنهر: علم واسع. والداعي: نبيّ شافع. والجارع: وليّ له تابع. والكارع: عدوّ له منازع فقال الملك: أسلم هذا النبيّ أم حرب؟ فقالت: أقسم برافع السماء ومن أنزل الماء من العماء إنه لمبطل الدماء ومنطق العقائل نطق الإماء. قال الملك: إلى ماذا يدعو؟ قالت: إلى صيام وصلاة وصلة أرحام، وكسر أصنام، وتعطيل أزلام، واجتناب آثام. قال الملك: من قومه؟ قالت: مضر بن نزار [ (1) ] ولهم نقع مثار يجلّى عن قتل وإسار. قال: يا عفيراء إذا ذبح قومه فمن أعضاده؟ قالت: أعضاده غطاريف يمانون طائرهم به ميمون يعزّيهم فيعزّون ويدمّث بهم الحزون وإلى نصر يعتزون. فأطرق الملك يؤامر نفسه في خطبتها فقالت أبيت اللعن إن تابعي غيور، ولأمري صيّور وناكحي مقبور، والكلف بي تبور. فنهض الملك مبادراً فجال في صهوة جواده وانطلق فبعث إليها بمائة ناقة كوماء. تفسير الغريب أوغل في طلب كذا: تابع في ذلك. والوغول: الدخول في الشيء بالقوة. الذّرى: بوزن الحصى: كل ما يستتر به الشخص. والذروة بالكسر والضم من كل شيء أعلاه. والجفنة المدعدعة [ (2) ] : هي التي ملئت ثم حرّكت حتى تراصّ ما فيها ثم ملئت بعد ذلك والعلبة المترعة: هي إناء من جلد والإتراع: الامتلاء. الأرواح: الرياح. الصّريف: اللبن المحض يحلب أوان الحلاب يصرف عن الضرع إلى

_ [ (1) ] مضر بن نزار بن معد بن عدنان: جدّ جاهلي، من سلسلة النسب النبوي. من أهل الحجاز. قيل إنه أول من سن الحداء للإبل في العرب، وكان من أحسن الناس صوتا. أما بنوه فهم أهل الكثرة والغلبة في الحجاز، من دون سائر بني عدنان، كانت الرياسة لهم بمكة والحرم. الأعلام 7/ 249. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 285.

الشارب. الضّريب من اللبن. الرائب يحلب عليه فيستضرب أي يغلظ. بعل بها الجانّ: بفتح الباء وكسر العين المهملة بعدها لام، قال في النهاية: بعل بالأمر إذا دهش. أعاصير زوابع: هي من الرياح ما يثير التراب فيعليه في الجو ويثيره. ساطع: مرتفع. الجرس: الصوت. المشارع: المداخل إلى النهر. روي جارع: أي من شرب منه جرعا روي. وغرق كارع: أي من أمعن غرق. تتابع: جمع تبّع، وهو لقب كان لملوك اليمن وهو من الأتباع، لأن بعضهم كان يتبع في الملك والسّيرة بعضاً. والتّبع زعموا أنه اسم للظل. العماء: الغيم والغمام. العقائل: الكرائم من النساء يسبيهنّ فيشددن النّطق على أوساطهن للمهنة والخدمة. النّقع: الغبار يثيره المتحاربون والخيل وغيرها. الأعضاد: الأنصار الغطاريف [ (1) ] : السادة والتغطرف: التكّبر. يدمّث: يسهل، يعتزون: ينتسبون. يؤامر نفسه: هكذا يقال ويراد به يعارض الرأيين المتضادّين في النفس. ولأمري صيّور: أي عاقبة يصير إليها، يقولونه على جهة التعظم. جال: وثب. الصّهوة: مقعد الفارس من ظهر الفرس. كوماء [ (2) ] : عظيمة السّنام. وروى ابن سعد وابن الجوزي عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص [ (3) ] رضي الله تعالى عنها قالت، قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم: كان خالد بن سعيد بن العاص [ (4) ] ذات ليلة نائماً فقال: رأيت كأنه قد غشيت مكة ظلمة عظيمة حتى لا يبصر امرؤ كفّه، فبينما هو كذلك إذ خرج نور من زمزم ثم علا في السماء فأضاء في البيت، ثم أضاءت مكة كلها ثم ضرب إلى نخل يثرب فأضاءها حتى إني لأنظر إلى البسر في النخل. فاستيقظت فقصصتها على أخي

_ [ (1) ] انظر اللسان 5/ 3270. [ (2) ] من كوّم كومة بالضم إذا جمع قطعة من تراب ورفع رأسها ونظيره الصبرة من الطعام، انظر مختار الصحاح 357. [ (3) ] أمة بنت خالد بن سعيد بن العاصي بن أمية، صحابية بنت صحابي، ولدت بأرض الحبشة، وتزوجها الزبير بن العوام، وعمّرت حتى لحقها موسى بن عقبة. التقريب 2/ 590. [ (4) ] خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي. عن أبيه. وعنه ابن المبارك فرد حديث في (خ) وغيره. وثقه أبو بشر العبدي. الخلاصة 1/ 278.

عمرو بن سعيد [ (1) ] وكان جزل الرأي فقال: يا أخي إن هذا لأمر يكون في بني عبد المطلب، ألا ترى أنه خرج من حفرة أبيهم. قال خالد: فإنه لمِمّا هداني الله للإسلام. قالت أم خالد: فأول من أسلم ابني وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا خالد: أنا والله ذلك النور وأنا رسول الله. فقصّ عليه ما بعثه الله به فأسلم خالد وأسلم عمرو بعده. وروى ابن سعد عن حرام بن عثمان الأنصاري [ (2) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم أسعد بن زرارة [ (3) ] من الشام تاجراً في أربعين رجلا من قومه، فرأى رؤيا أن آتياً أتاه فقال: إن نبياً يخرج بمكة يا أبا أمامة فاتبعه وآية ذلك أنكم تنزلون منزلا فيصاب أصحابك فتنجو أنت وفلان يطعن في عينه. فنزلوا منزلاً فبيّتهم فيه الطاعون فأصيبوا جميعاً غير أبي أمامة وصاحب له طعن في عينه. وروى أيضاً وابن الجوزي، عن عمرو بن مرة الجهني [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال: خرجت حاجا في جماعة من قومي في الجاهلية فرأيت في المنام وأنا بمكة نوراً ساطعاً خرج من الكعبة حتى أضاء لي من الكعبة إلى جبل يثرب وأشعر جهينة فسمعت صوتاً في النور وهو يقول: انقشعت الظلم وسطع الضياء وبعث خاتم الأنبياء. ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن فسمعت صوتاً في النور وهو يقول: ظهر الإسلام وكسرت الأصنام ووصلت الأرحام. فانتبهت فزعاً فقلت لقومي: والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث. وأخبرتهم بما رأيت. فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا خبر أن رجلا يقال له أحمد قد بعث. فخرجت حتى أتيته فأخبرته بما رأيت فقال: يا عمرو بن مرة أنا النبي المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الإسلام وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام وعبادة الله ورفض الأصنام وحج بيت الله وصيام

_ [ (1) ] عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو أمية الأشدق أحد الأشراف. قيل: له رؤية. عن أبيه وعمر وعثمان. وعنه بنوه أمية وموسى وسعيد، تغلّب على دمشق سنة تسع وستين ثم لاطفه عبد الملك ثم قتله غدرا سنة تسع وستين أو سبعين، قيل: ذبحه بيده. انظر الخلاصة 2/ 285. [ (2) ] حرام بن عثمان الأنصاري، أحد بني سلمة. مات بعد خروج محمد بن عبد الله بن حسن، وقيل سنة خمسين ومائة بالمدينة وكان كثير الحديث ضعيفا. الطبقات لابن سعد 5/ 455. [ (3) ] أسعد بن زرارة بن عدي بن عبيد بن ثعلبة بن غنيم بن مالك بن النجار أبو أمامة الأنصاري الخزرجي النجاري.. قديم الإسلام يقال إنه أول من بايع ليلة القضية قال البغوي: بلغني إنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأنه أول ميت صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. الإصابة 1/ 32. [ (4) ] عمرو بن مرة بن صعصعة، من سلوك، من عدنان: جد جاهلي من نسله «قردة بن نفاثة» من الصحابة، وعبد الله بن همام من الشعراء. الأعلام 5/ 85- 86.

شهر رمضان شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنة ومن عصى فله النار، فآمن بالله يا عمرو بن مرة يؤمنك الله من هول جهنم. فقلت يا رسول الله، آمنت بما جئت به من حلال وحرام. ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به وهي: شهدت بأنّ الله حقّ وأنّني ... لآلهة الأصنام أوّل تارك لأصحب خير النّاس نفساً ووالداً ... رسول مليّك الناس فوق الحبائك وروى أبو نعيم عن كعب ووهب بن منبّه رحمهما الله تعالى قالا: رأى بختنصّر في منامه رؤيا عظيمة أفزعته فلما استيقظ أنسيها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياه وسألهم أن يعبروها له، فقالوا: قصها علينا. فقال: قد نسيتها. قالوا: فإنا لا نقدر على تأويلها حتى تقصّها. فدعا دانيال فأخبره بها فقال إنك قد رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ورأسه في السماء أعلاه من ذهب ووسطه من فضة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخّار، فبينما أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته قذفه الله بحجر من السماء فوقع على قنّة رأسه، قذفه حتى طحنه فاختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخّاره، حتى تخيل إليك أنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك ولو هبّت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملأ الأرض كلّها، فصرت لا ترى إلا السماء. والحجر. قال بختنصّر: صدقت، هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها؟ قال: أمّا الصنم. فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي آخره. وأما الحجر الذي قذف الله به الصنم فدين الله تعالى يقذف به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، فيبعث الله تعالى نبيا أميّاً من العرب فيدوّخ الله تعالى به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم، ويظهر على الأديان كما رأيت الحجر ظهر على وجه الأرض. قال في الصحاح: داخ البلاد يدوخها قهرها واستولى على أهلها وكذلك دوّخ البلاد.

الباب الحادي عشر فيما وجد من صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مقرونة بصور الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي عشر فيما وجد من صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم مقرونة بصور الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم روى البيهقي وأبو نعيم عن هشام بن العاص [ (1) ] رضي الله تعالى عنه قال: بعثت أنا ورجل من قريش زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة، يعني دمشق، فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغسّاني [ (2) ] ، فدخلنا عليه وإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا: والله إنا لا نكلم رسولاً إنما بعثنا إلى الملك فإن أذن لنا كلّمناه وإلا لم نكلم الرسول. فرجع إليه الرسول فأخبره فأذن، فكلمه هشام ودعاه إلى الإسلام وإذا عليه ثياب سود، فقال له هشام: ما هذه الثياب التي عليك؟ قال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشّّام. فقلنا: ومجلسك هذا والله لنأخذنّه منك ولنأخذن ذلك الملك الأعظم إن شاء الله تعالى، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم. [قال: فأنتم إذا السمراء. قلنا: السمراء؟] [ (3) ] قال لستم بهم هم قوم يصومون بالنهار ويفطرون بالليل، فكيف صومكم؟ فأخبرناه فملئ وجهه سواداً فقال: قوموا. وبعث معنا رسولاً إلى الملك، فخرجنا حتى إذا جاء بقرب المدينة قال الذين أرسلهم معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل المدينة فإن شئتم حملناكم على براذين أو بغال. فقلنا: والله لا ندخل إلا عليها. فأرسلوا إلى الملك بذلك بأنهم يأبون. فدخلنا على رواحلنا متقلّدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلقد تنفّضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تعصفه الرّياح. ثم دخلنا عليه فقال: ما كان عليكم لو جئتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: إن تحيّتنا فيما بيننا لا تحلّ لك وتحيّتك التي أنت بها لا يحلّ لنا أن نحيّيك بها. قال: كيف تحيّتكم؟ قلنا: السلام. قال: كيف تحيّون ملككم. قلنا: بها. قال: وكيف يردّ عليكم؟ قلنا: بها. قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها تنفّضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها. قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنفّضت الغرفة كلما

_ [ (1) ] هشام بن العاص بن وائل بن هاشم: صحابي، هو أخو عمرو بن العاص. أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى بلاد الحبشة في الهجرة الثانية. ثم عاد إلي مكة حين بلغته هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، يريد اللحاق به، فحبسه أبوه وقومه، بمكة. فأقام إلى ما بعد وقعة «الخندق» ورحل إلى المدينة، فشهد الوقائع. وقتل في أجنادين، وقيل: في اليرموك. وكان صالحا شجاعا. توفي 13 هـ. انظر الأعلام 8/ 86. [ (2) ] جبلة بن الأيهم بن جبلة الغساني من آل جفنة: آخر ملوك الغساسنة في بادية الشام. عاش زمنا في العصر الجاهلي وحضر وقعة اليرموك في جيش الروم، ثم أسلم وهاجر إلى المدينة فيها وخرج إلى بلاد الروم وتوفي بها سنة عشرين. الأعلام 2/ 111، 112. [ (3) ] سقط في أ.

قلتموها في بيوتكم تنفضت هكذا؟ قلنا: لا. وما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: وددت أنكم كلما قلتم تنفّض عليكم كل شيء وأني خرجت من نصف ملكي قلنا لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا يكون من أمر النبوة وأن يكون من حيل الناس. ثم سألنا عمّا أراده فأخبرناه. قال: قوموا. فقمنا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثاً ثم أرسل إلينا ليلاً فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهّبة فيها بيوت صغار عليها أبواب، ثم فتح بابا فاستخرج حريرة سوداء فنثرها فإذا فيها صورة حمراء وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله تعالى. فقال: أتعرفون هذا؟ فقلنا: لا. قال: هذا آدم عليه الصلاة والسلام وإذا هو أكثر الناس شعراً، ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا فيها رجل ذو شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم القامة حسن الّلحية قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح. ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخدين أبيض اللحية كأنه يتبسم، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إبراهيم. ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بكينا. فو الله لقد قام لهاً قائما ثم جلس وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو. فأمسك ساعة ثم قال: أما إنه آخر البيوت، ولكن عجّلته لأنظر أتعرفون ذلك أم لا. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء شحماء وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان مقلّص الشفة كأنه غضبان. فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا موسى ابن عمران. وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهانّ الرأس عريض الجبين في عينيه قبل، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا هارون. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل سبط آدم ربعة كأنه غضبان. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا لوط. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة فإذا فيها صورة رجل مشرب بحمرة أقنى الأنف خفيف العارضين حسن الوجه. قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسحاق، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفتيه خال. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يعقوب ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يقرب إلى الحمرة. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسماعيل جد نبيكم، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة كأنها صورة آدم كأن وجهه الشمس فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال هذا يوسف عليه الصلاة والسلام.

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل متخم الإليتين طويل الرجلين راكب فرساً، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء وإذا رجل شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: عيسى ابن مريم. قلنا: من أين لك هذه الصور لأنّا نعلم أنها صورّت على ما صورت عليه الأنبياء لأنا رأينا صورة نبينا صلى الله عليه وسلم مثله فقال: إن آدم صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم وكانت في خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين فدفعها إلى دانيال. ثم قال: أما والله وددتّ أن نفسي طابت بالخروج من ملكي وإني كنت عبداً لأشرّكم ملكة حتى أموت. ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرّحنا. فلما أتينا أبا بكر رضي الله تعالى عنه أخبرناه بما رأيناه وبما قال لنا فبكى أبو بكر وقال: مسكين! لو أراد الله تعالى به خيراً لفعل. ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلّم عندهم. وروى ابن عساكر نحوه عن دحية [ (1) ]- رضي الله تعالى عنه- وذكر ابن ظفر في «خير البشر» نحوه عن حكيم بن حزام [ (2) ] رضي الله تعالى عنه. وروى البخاري في التاريخ والبيهقي عن جبير بن مطعم [ (3) ]- رضي الله تعالى عنه- قال:

_ [ (1) ] دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بفتح المعجمة وسكون الزاي ثم جيم ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبي.. صحابي مشهور أول مشاهده الخندق وقيل أحد ولم يشهد بدرا وكان يضرب به المثل في حسن الصورة وكان جبرائيل عليه السلام ينزل على صورته جاء ذلك من حديث أم سلمة ومن حديث عائشة وروى النسائي بإسناد صحيح عن يحيى بن معمر عن أبي عمر رضي الله عنهما: كان جبرائيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وروى الطبراني من حديث عفير بن معدان عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان جبرائيل يأتيني على صورة دحية الكلبي وكان دحية رجلا جميلا وروى العجلي في تاريخه عن عوانة بن الحكم قال: أجمل الناس من كان جبرائيل ينزل على صورته. قال ابن قتيبة في غريب الحديث: فأما حديث ابن عباس كان دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه فالمعنى بالمعصر العاتق قال ابن البرقي: له حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد شهد دحية اليرموك وكان على كردوس وقد نزل دمشق وسكن المزة وعاش إلى خلافة معاوية. الإصابة 2/ 161- 162. [ (2) ] حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي أبو خالد المكي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين، أسلم يوم الفتح، وصحب، وله أربع وسبعون سنة، ثم عاش إلى سنة أربع وخمسين أو بعدها وكان عالما بالنسب التقريب 1/ 194. [ (3) ] جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي، أبو محمد أو أبو عدي المدني، أسلم قبل حنين أو يوم الفتح، له ستون حديثا اتفقا على ستة، وانفرد (خ) بحديث، و (م) بآخر. روى عنه ابناه محمد ونافع وسليمان بن صرد وابن-

تفسير الغريب

لما بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وظهر أمره بمكة. خرجت إلى الشام فلما كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا: أمن الحرم أنت؟ قلت: نعم. قالوا: أفتعرف هذا الذي تنبّأ فيكم؟ قلت: نعم. قال: فأخذوا بيدي وأدخلوني ديراً فيه تماثيل وصور فقالوا: انظر هل ترى صورته؟ فنظرت فإذا أنا بصورة النبي صلى الله عليه وسلّم وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل ترى صفته؟ قلت: نعم. قالوا: هو هذا، وأشاروا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: اللهم نعم، أشهد أنه هو. قالوا: أتعرف هذا الذي أخذ بعقبة؟ قلت: نعم. قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده [ (1) ] . تفسير الغريب تنفضت الغرفة بالفاء والضاد المعجمة: أي تحرّكت. صلت الجبين [ (2) ] : أي واسعة. وقيل: الصلت: الأملس. وقيل: البارز. قاله في النهاية. وفي الصحاح: هو الواضح. وصورة أدماء: أي سمراء. شحماء: سوداء. وشعر جعد: ضد السبط، فإن وصف بالقطط بفتحتين فهو شديد الجعودة كشعر السودان. وفي عينيه قبل: بفتح القاف والباء وهو إقبال السواد على الأنف. وشعر رجل بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها وسكونها. وسبط بفتح أوله وسكون ثانيه وكسره وفتحه: هو المسترسل. وربعة: براء مفتوحة وموحّدة ساكنة: أي مربوع الخلق لا قصير ولا طويل. وحمش الساقين [ (3) ] : بحاء مهملة وشين معجمة دقيقهما. وأخفش العينين: صغيرهما. والله أعلم.

_ [ () ] المسيب وطائفة، وكان حليما وقورا عارفا بالنسب. وذكر ابن إسحاق إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل توفي سنة تسع أو ثمان وخمسين بالمدينة. الخلاصة 1/ 161. [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (18) . [ (2) ] يقال أصبح صلت الجبين يبرق قال: فلا يكون الأسود صلتا ... وقال ابن شميل: الصلت الواسع المستوي الجميل وفي حديث آخر: كان سهل الخدين صلتهما اللسان 3/ 2478. [ (3) ] انظر الوسيط 1/ 197.

جماع أبواب بعض فضائل بلده المنيف ومسقط رأسه الشريف زاده الله تعالى فضلا وشرفا

جماع أبواب بعض فضائل بلده المنيف ومسقط رأسه الشريف زاده الله تعالى فضلاً وشرفاً لما كان صلّى الله عليه وسلم حاوياً للفضائل ومنه كون بلد مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من غيرها حسن ذكر بعض أخباره وفضائله- وأيضاً فإن جماعة ممن ألف في السّير منهم أبو الربيع [ (1) ] رحمه الله تعالى تعرضوا لبعض ذلك فتبعتهم وبالله التوفيق. الباب الأول في بدء أمر الكعبة المشرفة «قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ. وروى ابن أبي شيبة [ (2) ] والإمام أحمد وعبد بن حميد والشيخان وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أوّل؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة [ (3) ] . وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن علي- رضي الله تعالى عنه- في الآية قال: كانت البيوت قبله ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله تعالى. وروى ابن جرير عن الحسن في الآية قال: إن أول بيت وضع للناس يعبد الله تعالى للذي ببكّة.

_ [ (1) ] سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، أبو الربيع: محدّث الأندلس وبليغها في عصره. من أهل بلنسية، ولي قضاءها، وحمدت سيرته. قال النباهي: «وكان هو المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبيّن عنهم لما يريدونه، على المنبر في المحافل» له شعر رقيق أكثره في الوصف، وكان فردا في الإنشاء. وصنف كتبا، منها «الاكتفاء بسيرة المصطفى والثلاثة الخلفا» و «أخبار البخاري وترجمته» وكتاب حافل في «معرفة الصحابة والتابعين» . وله «جهد النصيح وحظ المنيح من مساجلة المعري في خطبة الفصيح» . توفي سنة 634 هـ. الأعلام 3/ 136. [ (2) ] عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، مولاهم، الكوفي، أبو بكر: حافظ للحديث. له فيه كتب، منها «المسند» و «المصنف في الأحاديث والآثار» خمسة أجزاء، و «الإيمان» وكتاب «الزكاة» . توفي سنة 235 هـ. الأعلام 4/ 17، 18. [ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 528 كتاب أحاديث الأنبياء (3425) ، ومسلم 1/ 370 كتاب المساجد (1- 520) ، وأحمد في المسند (5/ 50) وابن ماجة (753) ، والنسائي 2/ 32، والبيهقي 2/ 433، وابن أبي شيبة 14/ 116، وعبد الرزاق (1578) .

وروى ابن أبي حاتم والأزرقي [ (1) ] عن كعب الأحبار- رضي الله تعالى عنه قال-: كان البيت غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى الأرض بأربعين عاماً ومنه دحيت الأرض. الغثاء كغراب: ما جاء به السّيل من نبات قد يبس. وروى ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت. وروى عبد الرزاق [ (2) ] والأزرقي والجنديّ [ (3) ] في تاريخهما عن مجاهد [ (4) ]- رحمه الله تعالى- قال: خلق الله تعالى موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئاً من الأرض بألفي سنة وأركانه في الأرض السابعة. زاد عبد بن حميد: ودحيت الأرض من تحت الكعبة. وروى ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: خلق الله تعالى البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء، وكانت الأرض تحته كأنها خشفة، فدحيت الأرض من تحته. الخشفة بمعجمتين: واحدة الخشف وهي حجارة تنبت بالأرض نباتاً ويروى: بحاء مهملة والعين بدل الفاء، وهي أكمة لاطئة بالأرض والجمع خشف. وقيل: هو ما غلبت عليه السهولة، أي ليس بحجر ولا طين. ويروى حشفة بالحاء المهملة والفاء، وهو اليابس الفاسد من التمر. وروى ابن المنذر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إن الكعبة خلقت قبل

_ [ (1) ] محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق. أبو الوليد الأزرقي: مؤرخ، يماني الأصل، من أهل مكة. له «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» . توفي 250 هـ. الأعلام 6/ 122. [ (2) ] عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم، أبو بكر الصنعاني: من حفاظ الحديث الثقات، من أهل صنعاء. كان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث. له «الجامع الكبير» في الحديث، قال الذهبي: وهو خزانة علم، وكتاب في «تفسير القرآن» و «المصنف في الحديث» . توفي 211 هـ. الأعلام 3/ 355. [ (3) ] محمد بن يوسف بن يعقوب، أبو عبد الله، بهاء الدين الجندي: من ثقات مؤرخي اليمن. من أهل الجند (بينه وبين صنعاء 58 فرسخا) ولي «الحسبة» بعدن. واشتهر بكتابه «السلوك في طبقات العلماء والملوك» ويعرف بطبقات الجندي. توفي 732 هـ. الأعلام 7/ 151. [ (4) ] مجاهد بن جبر بإسكان الموحدة مولى السائب بن أبي السّائب أبو الحجّاج المكي المقرئ الإمام المفسّر. عن ابن عباس وقرأ عليه. قال مجاهد: عرضت عليه ثلاثين مرة، وأم سلمة وأبي هريرة وجابر وعن عائشة في (خ م) . قال شعبة والقطّان وابن معين وأبو حاتم الرازي: لم يسمع منها. لكن قد صرح مجاهد في بعض رواياته بسماعه منه. وعنه عكرمة وعطاء وقتادة والحكم بن عتيبة وأيوب وخلق. وثقة ابن معين وأبو زرعة قال ابن حبان: مات بمكة سنة اثنتين أو ثلاث ومائة وهو ساجد ومولده سنة إحدى وعشرين. الخلاصة 3/ 10، 11.

الأرض بألفي سنة وهي من الأرض إنما كانت خشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبّحان، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها وسط الأرض. وروى البيهقي في الشعب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ثم مدت منهما الأرض: وإن أول جبل وضعه الله- تعالى- علي وجه الأرض أبو قبيس ثم مدّت منه الجبال» [ (1) ] . وروى ابن أبي حاتم عن عطاء وعمرو بن دينار [ (2) ]- رحمهما الله تعالى- قالا: بعث الله تعالى ريحاً فسفقت الماء فأبرزت موضع البيت على خشفة بيضاء فمدّ الله تعالى الأرض منها فلذلك هي أمّ القرى. وروى ابن مردويه عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أم القرى مكة» . قال السهيلي رحمه الله تعالى: وفي التفسير أن الله- سبحانه وتعالى- لما قال للسماوات والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ لم يجبه بهذا إلا أرض الحرم. وروى عبد بن حميد والأزرقيّ واللفظ له عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله عز وجل السماوات والأرض بعث الله- تعالى- ريحا صفّاقة فصفقت الريح الماء فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبّة، فدحا الله تعالى الأرض من تحتها فمادت ثم مادت فأوتدها الله تعالى بالجبال، فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس فلذلك سميت [مكة] [ (3) ] أم القرى. سفقت يقال بالسين والصاد المهملتين: أي ضرب بعضه ببعض. وروى الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: بلغني أنه لما خلق الله تعالى السماوات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقيّ والآخر غربيّ، فجعله مستقبل البيت المعمور، فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة واستودع الله تعالى الركن أبا قبيس.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 3/ 431 باب في المناسك (3984) . [ (2) ] عمرو بن دينار الجمحي مولاهم أبو محمد المكي الأثرم، أحد الأعلام. عن العبادلة وكريب ومجاهد وخلق. وعنه قتادة وأيوب وشعبة والسفيانان والحمّادان وخلق. قال ابن المديني: له خمسمائة حديث. قال مسعر: كان ثقة ثقة ثقة. قال الواقدي: مات سنة خمس عشرة ومائة. وقال ابن عيينة: في أول سنة ست عشرة. الخلاصة 2/ 284. [ (3) ] سقط في أ.

وروى عبد الرزاق في المصنّف وعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- قال: لما أهبط الله تعالى آدم كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع دعاء أهل السماء فأنس بهم، فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله- تعالى- في دعائها وفي صلاتها فأخفضه الله إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا إلى الله عز وجل- في دعائه وفي صلاته فتوجه إلى مكة فكان موضع قدميه قرية وخطوه مفازة حتى انتهى إلي مكة، وأنزل الله- تعالى- عليه ياقوتة من ياقوت الجنة فكان على موضع البيت الآن فلم يزل يطاف به حتى أنزل الله- تعالى- الطوفان فرفعت تلك الياقوتة. وروى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق معمر [ (1) ] عن قتادة وابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم، أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض وكان مهبطه بأرض الهند وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعاً، فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى: يا آدم إني قد أهبطت بيتاً يطاف به كما يطاف حول عرشي ويصلّي عنده كما يصلّى عند عرشي فاخرج إليه. فخرج إليه آدم ومدّ له في خطوه وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله خطوة فلم يضع قدميه في شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة حتى انتهى إلي مكة، وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة حتى إن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه، فعزاه الله- تعالى- بخيمة من خيام الجنة وضعها الله- تعالى- له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن وهو ياقوتة بيضاء من ربض الجنة وكان كرسياً لآدم صلى الله عليه وسلم يجلس عليه، فلما كان آدم صلى الله عليه وسلم بمكة حرسه الله- تعالى- له وحرس له تلك الخيمة بالملائكة. كانوا يحرسونها ويدرأون عنها سكان الأرض، وساكنوها يومئذ الجن والشياطين ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة، والأرض يومئذ طاهرة طيبة نقية لم تنجس ولم يسفك فيها الدم ولم تعمل فيها الخطايا فلذلك جعلها الله تعالى مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الله- تعالى- بالليل والنهار لا يفترون، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفّاً واحداً مستديرين بالحرم كله، الحلّ من خلفهم والحرم كله من أمامهم، ولا يجوزهم جن ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرّم الحرم حتى اليوم. وكان آدم صلى الله عليه وسلم إذا أراد

_ [ (1) ] معمر بن راشد الأزدي، مولى مولاهم عبد السلام بن عبد القدوس، أبو عروة البصري ثم اليماني أحد الأعلام. عن الزهري وهمام بن منبّه وقتادة وخلق. وعنه أيوب من شيوخه والثوري من أقرانه وابن المبارك وخلق. قال العجلي: ثقة صالح. وقال النسائي: ثقة مأمون. وضعفه ابن معين في ثابت. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة. الخلاصة 3/ 47.

تفسير الغريب

لقاء حواء ليلمّ بها لأجل الولد خرج من الحرم حتى يلقاها، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض آدم، ورفعها الله تعالى إليه. وذكر الحديث. تفسير الغريب قال الحافظ: رحمه الله تعالى: أول بضم اللام. قال أبو البقاء [ (1) ] : وهي ضمة بناء لقطعه عن الإضافة مثل قبل وبعد، والتقدير: أول كلّ شيء ويجوز الفتح مصروفاً وغير مصروف ثم أي: بالتنوين وتركه. وهذا الحديث يفسر المراد بقوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ويدل على أن المراد بالبيت بيت العبادة لا مطلق البيوت وقد ورد ذلك صريحا عن علي- رضي الله تعالى عنه- أخرجه إسحاق بن راهويه [ (2) ] وابن أبي حاتم بإسناد صحيح عنه قال: كانت البيوت قبله ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله تعالى. وتقدم في أول الباب وسيأتي الكلام على الأقصى في الكلام على تفسير أول سورة الإسراء في أبواب المعراج. قوله: أَربعون سنة قال ابن الجوزي: فيه إشكال، لأن إبراهيم بنى الكعبة وسليمان بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من ألف سنة. قال الحافظ رحمه الله تعالى: ومستنده في أن سليمان هو الذي بنى المسجد الأقصى ما رواه النّسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما- مرفوعاً بإسناد صحيح أن سليمان صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا. الحديث. وروى الطبراني من حديث رافع بن عمير أن داود- عليه الصلاة والسلام- ابتدأ بناء

_ [ (1) ] عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي، أبو البقاء، محبّ الدين: عالم بالأدب واللغة والفرائض والحساب. أصله من عكبرا (بليدة على دجلة) ومولده ووفاته ببغداد. أصيب في صباه بالجدري، فعمي. وكانت طريقته في التأليف أن يطلب ما صنف من الكتب في الموضوع، فيقرأها عليه بعض تلاميذه، ثم يملي من آرائه وتمحيصه وما علق في ذهنه. من كتبه «شرح ديوان المتنبي» و «اللباب في علل البناء والإعراب» و «شرح اللمع لابن جني» و «التبيان في إعراب القرآن- ط» ويسمى «إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراآت في جميع القرآن» و «الترصيف في التصريف» و «ترتيب إصلاح المنطق» وغير ذلك. و «التلقين- خ» في النحو، و «شرح المقامات الحريرية- خ» و «الموجز في إيضاح الشعر الملغز- خ» و «الاستيعاب في علم الحساب» 4/ 80/ ت 616. [ (2) ] إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلي أبو محمد بن راهويه الإمام الفقيه الحافظ العلم. ولد سنة إحدى وستين ومائة. عن معتمر بن سليمان والدّراوردي وابن عيينة وبقيّة وابن عليّة وخلق بالحجاز والشام والعراق وخراسان. وعن (خ م د ت س) وقال: ثقة مأمون أحد الأئمة. قال أحمد: لا أعلم لإسحاق نظيرا، إسحاق عندنا من أئمة المسلمين وإذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال الخفاف: أملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه ثم قرأها يعني في كتابه فما زاد ولا نقص. وقال إبراهيم بن أبي طالب: أملى إسحاق المسند كله من حفظه. قال البخاري: توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين. الخلاصة 1/ 69.

بيت المقدس، ثم أوحى الله- تعالى- إليه: إني لأقضي بناءه على يد سليمان. وفي الحديث قصة. قال ابن الجوزي- رحمه الله تعالى-: والجواب: أن الإشارة إلى أوّل البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا إن أول من بنى الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس ثم بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة بنصّ القرآن. وكذا قال القرطبي: إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان عليهما الصلاة والسلام لمّا بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما بل ذلك تجديد لما كان غيرهما أسسه. قال الحافظ: وقد مشى ابن حبان [ (1) ] في صحيحه على ظاهر هذا الحديث فقال: في هذا الخبر ردّ على من زعم أن بين إسماعيل وداود- عليهما الصلاة والسلام- ألف سنة. ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة وهذا عين المحال لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- البيت وبين موسى- عليه الصلاة والسلام. ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة. وقد تعقّبه الحافظ ضياء الدين المقدسي [ (2) ] بنحو ما أجاب به ابن الجوزي. قال الخطّابي [ (3) ] : يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله تعالى قبل بناء داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، ثم داود وسليمان، فزادا فيه وسعاً

_ [ (1) ] محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي، أبو حاتم البستي، ويقال له ابن حبّان: مؤرخ، علّامة، جغرافي، محدث. ولد في بست (من بلاد سجستان) وتنقل في الأقطار، فرحل إلى خراسان والشام ومصر والعراق والجزيرة. وتولى قضاء سمرقند مدة، ثم عاد إلي نيسابور، ومنها إلى بلده، حيث توفي في عشر الثمانين من عمره. وهو أحد المكثرين من التصنيف. قال ياقوت: أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، وكانت الرحلة في خراسان إلى مصنفاته. من كتبه «المسند الصحيح» في الحديث، يقال: إنه أصح من سنن ابن ماجه، و «روضة العقلاء- ط» في الأدب، و «الأنواع والتقاسيم» . توفي 354. الأعلام 6/ 78. [ (2) ] محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي، المقدسي الأصل، الصالحي الحنبلي، أبو عبد الله، ضياء الدين: عالم بالحديث، مؤرخ. من أهل دمشق، مولدا ووفاة. بنى فيها مدرسة دار الحديث الضيائية المحمدية بسفح قاسيون، شرقي الجامع المظفري، ووقف بها كتبه. ورحل إلى بغداد ومصر وفارس، وروى عن أكثر من 500 شيخ. من كتبه «الأحكام» في الحديث، لم يتمه. توفي 643. الأعلام 6/ 255. [ (3) ] حمد- بفتح الحاء وسكون الميم، وقيل: اسمه أحمد- بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، أبو سليمان البستي المعروف بالخطابي، قيل إنه من ولد زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي. قال الذهبي: ولم يثبت. كان رأسا في علم العربية والفقه والأدب وغير ذلك. أخذ الفقه عن أبي علي بن أبي هريرة وأبي بكر القفال وغيرهما، وأخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد. وصنف التصانيف النافعة المشهورة، منها «معالم السنن» تكلم فيها على سنن أبي داود، و «أعلام البخاري» و «غريب الحديث» ، و «شرح أسماء الله الحسنى» و «كتاب الغنية عن الكلام وأهله» و «كتاب العزلة» ، وله شعر حسن. نقل عنه النووي في التهذيب شيئا في اللغة ثم قال: ومحله من العلم مطلقا خصوصا الغاية العليا. توفي ببست في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 156، 157.

فأضيف إليهما بناؤه. قال: وقد ينسب هذا المسجد الأقصى إلى إيلياء، فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره ولست أحقّق لم أضيف إليه. قال الحافظ: الاحتمال الذي ذكره أولا موجّه. وقد رأيت لغيره إن أول من أسس المسجد الأقصى آدم صلى الله عليه وسلم. وقيل: الملائكة عليهم الصلاة والسلام وقيل: سام بن نوح صلى الله عليه وسلم وقيل: يعقوب صلى الله عليه وسلم فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديداً كما وقع في الكعبة. وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم صلى الله عليه وسلم أو يعقوب صلى الله عليه وسلّم أصلاً وتأسيساً، ومن داود صلى الله عليه وسلم تجديداً لذلك أو ابتداء بناء، فلم يكمل على يديه حتى كمّله سليمان. لكن الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي أوجه. وقد وجدت ما يشهد له. ويؤيده قول من قال: إن آدم هو الذي أسس كلاّ من المسجدين. وذكر ابن هشام [ (1) ] في كتاب التيجان أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله تعالى بالمسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه. وبناء آدم البيت مشهور. وقيل إنه لما صلى إلى الكعبة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس فاتخذ فيه مسجداً وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته. وأما ظنّ الخطّابي أن إيلياء اسم رجل ففيه نظر، بل هو اسم البلد فأضيف إليه المسجد كما يقال مسجد المدينة ومسجد مكة. وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان إن إيلياء مدينة بيت المقدس فيها ثلاث لغات: مد آخره. وقصره. وحذف الياء الأولى. وعلى ما قاله الخطّابي يمكن الجمع بأن يقال إنها سميت باسم بانيها كغيرها.

_ [ (1) ] عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين: مؤرخ، كان عالما بالأنساب واللغة وأخبار العرب. ولد ونشأ في البصرة، وتوفي بمصر. أشهر كتبه «السيرة النبوية» المعروف بسيرة ابن هشام، رواه عن ابن إسحاق. وله «القصائد الحميرية» في أخبار اليمن وملوكها في الجاهلية، و «التيجان في ملوك حمير» رواه عن أسد بن موسى، عن ابن سنان، عن وهب بن منبه، و «شرح ما وقع في أشعار السير من الغريب» وغير ذلك. توفي 312 هـ. الأعلام 4/ 166.

الباب الثاني في عدد المرات التي بنيها البيت

الباب الثاني في عدد المرات التي بنيها البيت الأولى: عمارة الملائكة روى الأزرقي عن علي بن الحسين- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلاً سأله: ما بدء هذا الطواف بهذا البيت لم كان؟ وأنى كان؟ وحيث كان: فقال: أمّا بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله تعالى قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فقال الملائكة: أي ربّ خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون ويتباعدون أي رب اجعل ذلك الخليفة منّا، فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك. قال الله سبحانه وتعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ. قال: فظنت الملائكة أن ما قالوا ردّ على ربهم عز وجل، وأنه قد غضب عليهم من قولهم، فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرّعون ويبكون إشفاقاً لغضبه فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر الله تعالى إليهم فنزلت الرحمة عليهم، فوضع الله سبحانه وتعالى تحت العرش بيتاً على أربع أساطين من زبرجد وغشّاهن بياقوتة حمراء وسّمى البيت الضّراح ثم قال للملائكة: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش. فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم، وهو البيت المعمور الذي ذكره الله تعالى، يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً. ثم إن الله سبحانه وتعالى بعث ملائكة فقال: ابنوا لي بيتاً في الأرض بمثاله وقدره. فأمر الله سبحانه وتعالى من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور. الضُّراح بضم الضاد المعجمة فراء فألف فحاء مهملة. ويأتي لهذا مزيد بيان في باب حج الملائكة. المرة الثانية: عمارة آدم صلى الله عليه وسلّم روى البيهقي في الدلائل عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعث الله تعالى جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا لي بيتاً. فخط لهما جبريل- فجعل آدم يحفر وحواء تنقل- حتى أجابه الماء ونودي من تحته: حسبك يا آدم. فلما بناه أوحى الله تعالى إليه أن يطوف به وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول

بيت وضع ثم تناسخت القرون حتى حجّة نوح، ثم تناسخت القرون، حتى رفع إبراهيم القواعد من البيت» [ (1) ] . ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني موقوفا. وزادوا: زعم الناس أن آدم بناه من خمسة أجبل من حراء ولبنان وطور زيتا وطور سيناء والجودي. وروى الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض وهو مثل الفلك من رعدته فطأطأ الله عز وجل منه إلى ستين ذراعاً فقال: يا رب مالي لا أسمع أصوات الملائكة ولا أحسّهم؟ قال: خطيئتك يا آدم، ولكن اذهب فابن لي بيتاً فطف به واذكرني حوله كما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي. فأقبل آدم يتخطّى فطويت له الأرض وقبض الله تعالى له المفازة فصارت كل مفازة يمرّ بها خطوة وقبض الله تعالى ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة، حتى انتهى إلي مكة فبنى البيت الحرام وإن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض فأبرز عن أسّ ثابت على الأرض السابعة فقذفت فيه الملائكة الصخر ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلاً، وإنه بناه من خمسة أجبل: من لبنان، وطور زيتا، وطور سيناء، والجودي، وحراء، حتى استوى على وجه الأرض، فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم صلى الله عليه وسلّم حتى بعث الله تعالى الطوفان وكان غضباً. ورجساً فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم صلى الله عليه وسلّم ولم يقرب الطوفان أرضي السند والهند، فدرس موضع البيت في الطوفان حتى بعث الله تعالى إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده وأعلامه. الفلك: قيل موج البحر المضطرب وقيل أراد فلكة المغزل حال دورانها. وروى الأزرقي عن عبد الله بن أبي زياد رحمه الله تعالى قال: لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتا بحذاء بيتي الذي في السماء تتعبّد فيه أنت وولدك كما تتعبد ملائكتي حول عرشي، فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض، وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوّفة لها أربعة أركان بيض. فوضعها على الأساس، فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله تعالى.

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/ 129 وعزاه للبيهقي في الدلائل وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 299 والمتقي الهندي في كنز العمال 34718.

المرة الثالثة: عمارة أولاد آدم صلى الله عليه وسلم

المرة الثالثة: عمارة أولاد آدم صلى الله عليه وسلم روى ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- أن آدم صلى الله عليه وسلم لما توفي رفعه الله تعالى إلى الجنة ورفع الله تعالى إليه الخيمة التي تقدّم ذكرها. قال: وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتاً بالطين والحجارة فلم يزل معموراً يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وخفي مكانه. وذكر السهيلي- رحمه الله تعالى- أن الذي بناه شيث بن آدم صلى الله عليه وسلّم. المرة الرابعة: عمارة سيدنا إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم وجزم ابن كثير بأن الخليل أول من بنى البيت مطلقاً، وقال: إنه لم يثبت خبر عن معصوم أن البيت كان مبنيّاً قبل الخليل. انتهى. وفيه نظر لما ذكر من الآثار السابقة واللاحقة. وروى ابن سعد عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم رضي الله تعالى عنه والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن شيبة وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس. - رضي الله تعالى عنهما- واللفظ له: أن أول ما اتخذ النساء المناطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً لتعفّي أثرها عن سارة. وفي لفظ: أول ما اتخذت العرب جرّ الذيول عن أم إسماعيل. قال الحافظ: والسبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فحملت منه بإسماعيل. قال أبو جهم [ (1) ] وكان سن إبراهيم حينئذ سبعون سنة وكان إسماعيل بكر أبيه. انتهى. فلما ولدته غارت منها سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدّت به وسطها وهربت وجرّت ذيلها لتخفي أثرها على سارة. ويقال: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلّم شفع فيها، وقال لسارة: حلّلي عن يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك. ويقال أن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة. انتهى كلام الحافظ. وفي حديث أبي جهم أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام فركب إبراهيم البراق وجعل إسماعيل أمامه- وهو ابن سنتين- وهاجر خلفه ومعه جبريل يدلّه على موضع البيت ومعالم الحرم، فكان لا يمرّ بقرية إلا قال إبراهيم: بهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول: لا حتى قدم مكة، وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر، والعماليق يومئذ حول

_ [ (1) ] أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، وأمّه بشيرة بنت عبد الله من بني عدي بن كعب. أسلم يوم فتح مكة ومات بعد قتل عمر بن الخطاب. انظر طبقات ابن سعد 6/ 8.

الحرم، وهم أول من نزل مكة ويكونون بعرفة، وكانت المياه يومئذ قليلة وكان موضع البيت قد دثر وهو ربوة حمراء مدرة، وهو يشرف على ما حوله، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم حين دخل من كداء، وهو الجبل الذي يطلعك على الحجون والمقبرة: بهذا أمرت. قال إبراهيم بهذا أمرت؟ قال نعم. فانتهى إبراهيم إلى موضع البيت فعمد إلى موضع الحجر فآوى فيه هاجر وإسماعيل وأمرها أن تتخذ فيه عريشاً. انتهى. وفي حديث ابن عباس أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم جاء بهاجر وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد. قلت: ولا مخالفة بين الكلامين كما زعمه في شفاء الغرام، لاحتمال أن يكون إبراهيم صلى الله عليه وسلّم أنزلهما أولا عند الدوحة، ثم نقلهما إلى موضع الحجر، أو بالعكس والله- تعالى- أعلم. وليس بمكة أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء. ثم قفل إبراهيم. وفي حديث أبي جهم: ثم انصرف إبراهيم راجعاً إلى أهله بالشام. انتهى. وترك إسماعيل وأمّه عند البيت. فتبعته أم إسماعيل فأدركته بكداء، فنادته ثلاثا: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ إلى من تدعنا؟ فقالت ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها، فأجابها في الثالثة: إلى الله تعالى. قالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا حسبي. وفي لفظ: رضيت تركتنا إلى كاف. ثم رجعت. وفي حديث: أبي جهم: فجعلت عريشاً في موضع الحجر من سمر وثمام، وانطلق إبراهيم صلى الله عليه وسلم حتى وقف على كداء ولا بناء ولا ظل ولا شيء يحول دون ابنه فنظر إليه فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة. وفي حديث ابن عباس: أنه لما تواري عنهما استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه، قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ. وجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السّقاء عطشت فانقطع لبنها، وعطش إسماعيل، وجعلت تنظر إليه يتلوّى. وفي لفظ: يتلبط. وفي لفظ يتلمّط. وفي لفظ: فلما ظمئ جعل يضرب بعقبيه كأنه ينشغ للموت، فانطلقت كراهية أن

تنظر إليه، وقالت: يموت وأنا غائبة عنه أهون عليّ وعسى الله أن يجعل في ممشاي خيراً، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض إليها، فقامت عليه والوادي يومئذ عميق، فقامت تستغيث ربها وتدعوه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم ترى أحداً فهبطت من الصفا حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها. ونظرت هل تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلذلك سعى الناس بينهما وكان ذلك أول ما سعى بين الصفا والمروة. وفي حديث أبي جهم: وكان من قبلها يطوفون بالبيت ولا يسعون بين الصفا والمروة ولا يقفون بالمواقف انتهى. وكانت في كل مرة تتفقّد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تسمّعت فسمعت أيضاً فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك. وفي لفظ: جبريل. وفي حديث عليّ عند الطبراني بإسناد حسن: فناداها جبريل: من أنت؟ قالت: هاجر أم ولد إبراهيم. قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله تعالى. قال: وكلكما إلى كاف. وفي حديث أبي جهم: فلما كان الشوط السابع ويئست سمعت صوتاً فاستمعت فلم تسمع إلا الأول: فظنت أنه شيء عرض لسمعها من الظمأ والجهد، فنظرت إلى ابنها وهو يتحرك، فأقامت على المروة ملياً، ثم سمعت الصوت الأول فقالت: إني سمعت صوتك فأعجبني، إن كان عندك خير فأغثني، فإني قد هلكت وهلك ما عندي. فخرج الصوت يصوّت بين يديها وخرجت تتلوه قد قويت له نفسها حتى انتهى الصوت عند رأس إسماعيل ثم بدا لها جبريل عليه السلام فانطلق بها حتى وقف على موضع زمزم. انتهى. فبحث بعقبه أو قال: بجناحه. وفي لفظ: فقال بعقبه هكذا: وغمز عقبه في الأرض، وفي لفظ: فركض جبريل برجله. وفي لفظ: ففحص الأرض بإصبعه. فنبعت زمزم حتى ظهر الماء، وفي لفظ: ففاض الماء، وفي لفظ: فانبثق الماء فوق الأرض. فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر وفي لفظ تحّوضه. وفي لفظ: فجعلت تفحص الأرض بيديها وتقول: هكذا وهكذا. وفي لفظ، تحظّر الماء بالتراب خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنّتها وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم أو قال: لو لم تغرف من الماء- كانت زمزم عينا معينا» . وفي لفظ: ظاهراً. فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك: لا تخافي الضّيعة فإن ها هنا بيت الله يبنيه

هذا الغلام وأبوه. وأشار لها إلى موضع البيت. وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله وإن الله لا يضيع أهله. وفي حديث أبي جهم: فكان ثدياها يقطران لبناً وكان ذلك اللبن طعاماً وشراباً لإسماعيل وكانت تجتزئ بماء زمزم وقال لها الملك: لا تخافي أن ينفد هذا الماء وأبشري فإن ابنك سيشبّ ويأتي أبوه من أرض الشام فيبنيان ها هنا بيتاً يأتيه عباد الله تعالى من أقطار الأرض ملبّين الله جل ثناؤه شعثاً غبراً فيطوفون به، ويكون هذا الماء شراباً لضيفان الله تعالى الذين يزورون بيته. فقالت: بشرك الله تعالى بخير. وطابت نفسها وحمدت الله تعالى. وأقبل غلامان من العماليق يريدان بعيراً لهما أخطأهما وقد عطشا، وأهلهما بعرفة فنظرا إلى طير تهوي قبل الكعبة فاستنكرا ذلك وقالا: أنّى يكون الطير على غير ماء؟! فقال أحدهما لصاحبه: أمهل حتى نبرد ثم نسلك في مهوى الطير. فأبردا ثم تروحا فإذا الطير ترد وتصدر فاتبعا الواردة منها حتى وقفا على أبي قبيس فنظرا إلى الماء وإلى العريش فنزلا وكلّما هاجر وسألاها متى نزلت فأخبرتهما. وقالا لمن هذا الماء؟ فقالت: لي ولولدي فقالا: من حفره؟ فقالت: سقيا من الله تعالى. فعرفا أن أحدا لا يقدر أن يحفر هناك ماء وعهدهما بماء هناك قريب وليس به ماء، فرجعا إلى أهلهما من ليلتهما فأخبراهم فتحولوا حتى نزلوا معهما على الماء فأنست بهم ومعهم الذرية فنشأ إسماعيل بين ولدانهم. وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلّم يزور هاجر في كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام. فزارها بعد ونظر إلى من هناك من العماليق وإلى كثرتهم وغمارة الماء فسرّ بذلك. ولما بلغ إسماعيل تزوج امرأة منهم من العماليق فجاء إبراهيم زائراً لإسماعيل وإسماعيل في ماشيته يرعاها ويخرج متنكباً قوسه فيرمي الصيد مع رعيته، فجاء إبراهيم إلى منزله فقال: السلام عليكم يا أهل البيت. فسكتت امرأة إسماعيل فلم تردّ إلا أن تكون ردّت في نفسها. فقال: هل من منزل؟ فقالت: لاها الله إذن. قال: فكيف طعامكم وشرابكم؟ فذكرت جهداً فقالت: أمّا الطعام فلا طعام وأما الشراب فإنما نحلب الشاة المصر أي الشّخب وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ. قال: فأين ربّ البيت؟ قالت: في حاجته. قال: فإذا جاء فأقرئيه السلام وقولي له: غيّر عتبة بابك. ورجع إبراهيم إلى منزله. وأقبل إسماعيل راجعاً إلى منزله بعد ذلك بما شاء الله عز وجل، فلما انتهى إلى منزله سأل امرأته: هل جاءك أحد: فأخبرته بإبراهيم وقوله وما قالت له ففارقها وأقام ما شاء الله أن يقيم.

وكانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة، فضيّعوا حرمة الحرم، واستحلّوا فيه أموراً عظيمة، ونالوا ما لم يكونوا ينالون. فقام فيهم رجل منهم يقال له عمّوق فقال: يا قوم أبقوا على أنفسكم، فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من هذه الأمم، فلا تفعلوا وتواصلوا ولا تستخفّوا بحرم الله تعالى وموضع بيته. فلم يقبلوا ذلك منه وتمادوا في هلكة أنفسهم. ثم إن جرهما وقطوراء وهما أبناء عم خرجوا سيّارة من اليمن أجدبت عليهم بلادهم فساروا بذراريهم وأموالهم، فلما قدموا مكة رأوا فيها ماء معيناً، وشجرا ملتفاً، وبناء كثيراً، وسعة من المال ودفئاً في الشتاء. فقالوا: إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأعجبهم ونزلوا به. وكان لا يخرج من اليمن قوم إلا وعليهم ملك يقيم أمرهم، سنّة فيهم جروا عليها واعتادوها ولو كانوا نفراً يسيراً. وكان مضاض بن عمرو [ (1) ] على قومه من جرهم، وكان على قطوراء السّميدع رجل منهم، فنزل مضاض بمن معه من جرهم على مكة بقعيقعان فما [حاز [ (2) ]] ، ونزل السّميدع بقطوراء أسفل مكة بأجياد فما حاز. وذهب العماليق إلى أن ينازعوهم أمرهم، فعلت أيديهم على العماليق. فأخرجوهم من الحرم كله فصاروا في أطرافه ولا يدخلونه، وكلّ على قومه لا يدخل أحدهما على صاحبه. وكانوا قوما عرباً، وكان اللسان عربياً. وكان إبراهيم يزور إسماعيل. ونظر إسماعيل إلى رعلة بنت مضاض [ (3) ] فأعجبته، فخطبها إلى أبيها. انتهى. هكذا في حديث أبي جهم ذكر العماليق وأن إسماعيل تزوّج منهم الأولى، وأن الثانية من جرهم، وليس ذلك في حديث ابن عباس، بل فيه: أن الأولى والثانية من جرهم، ونصه- بعد أن ذكر قصة زمزم: وكانت أم إسماعيل كذلك حتى مرّت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء. وفي لفظ: كانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة، فأرسلوا جرياً أو جريّين، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا وأم

_ [ (1) ] مضاض بن عمرو بن نفيلة الجرهمي: من ملوك العرب في الجاهلية. كان محبا للغزو، كثير المعارك، مقيما في الحجاز، تابعا لليمن. وكان قبل الميلاد بزمن بعيد. ويقال: إن إسماعيل النبيّ تزوج بنته وجميع ولد إسماعيل منها. انظر الأعلام 7/ 249. [ (2) ] في أ: فما جاوز. [ (3) ] رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهميّ: امرأة إسماعيل بن إبراهيم، وأمّ «العرب المستعربة» وهم الطبقة الثالثة بعد العرب البائدة والعرب العاربة. وإن صحت رواية من جعل قحطان من نسل إسماعيل، فتكون رعلة أم القحطانيين والعدنانيين جميعا. وفي أصحاب الأنساب من يسميها «السيدة بنت مضاض» قال أبو الفداء: تزوج إسماعيل امرأة من جرهم، ورزق منها اثني عشر ولدا. وقال القلقشندي: لما نزل إسماعيل مكة، تزوج من جرهم وتعلم لغتهم. الأعلام 3/ 28.

إسماعيل عند الماء فقالوا: تأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: - رضي الله تعالى عنهما- قال: النبي صلى الله عليه وسلم: فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا فأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشبّ الغلام ونشأ بين ولدانهم، وتعلم العربية منهم وألفهم وأعجبهم حين شبّ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل. فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل زوجته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. وفي لفظ: وكان عيش إسماعيل الصيد، يخرج يتصيّد، فسألها عن عيشهم، فقالت: بشرّ نحن في ضيق وشده. وشكت إليه. قال: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له: يغيّر عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس بشيء فقال: هال جاءكم أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، كالمستخفّة بشأنه، فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا في جهد وشدة فقال لها: هل أوصاك بشيء؟ قالت نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم امرأة أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله تعالى، ثم أتاهم بعد ذلك، فلم يجده، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله تعالى. قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم واللبن. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. اللهم بارك لهم في اللحم واللبن والماء. وفي لفظ: في طعامهم وشرابهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم حبّ لدعا لهم فيه» . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. وفي حديث أبي جهم: فجاء إبراهيم زائراً لإسماعيل فجاء إلى بيته فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله. فقامت إليه المرأة فردّت عليه ورحّبت به، فقال: كيف عيشكم؟ فقالت: خير عيش بحمد الله عز وجل، نحن في لبن كثير، ولحم كثير، وماؤنا طيّب. قال: هل من حبّ؟ قالت: يكون إن شاء الله تعالى، ونحن في نعم. قال: بارك الله لكم. قالت: فانزل رحمك الله فاطعم واشرب. قال: لا أستطيع النزول. قالت فإني أراك شعثاً أفلا أغسل رأسك وأدهنه؟ قال: بلى إن شئت. فجاءت بالمقام وهو يومئذ حجر رطب أبيض مثل المهاة ملقى في بيت إسماعيل، فوضع عليه قدمه اليمنى وقدّم إليها شقّ رأسه وهو على دابته، فغسلت شق رأسه الأيمن، فلما فرغ حوّلت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى عليه وقدم إليها

رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيسر، فالأثر الذي في المقام من ذلك. قال: أبو الجهم: فلقد رأيت موضع العقب والأصابع. ثم اتفقا فقالا: فلما فرغت المرأة تغسل رأسه قال لها: إذا جاء إسماعيل فاقرئي عليه السلام. وقولي له: ثبّت عتبة بابك، فإنّ بها صلاح المنزل. فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال: هل أتاكم من أحد بعدي؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ حسن الهيئة. وأثنت عليه. فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير. قال: ما أوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك. وفي حديث أبي جهم: ولقد كنت عليّ كريمة ولقد ازددت كرامة. فصاحت وبكت، فقال: مالك؟ فقالت: ألا أكون علمت من هو فأكرمه وأصنع به غير الذي صنعت فقال لها: لا تبكي ولا تجزعي، فقد أحسنت ولم تكوني تقدرين أن تفعلي فوق الذي فعلت، ولم يكن ليزيدك على الذي صنع بك. فولدت لإسماعيل عشرة ذكور أحدهم نابت. بناء إبراهيم للبيت فلما بلغ إسماعيل ثلاثين سنة وإبراهيم يومئذ ابن مائة سنة أوحى الله تعالى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا. فقال إبراهيم: أي رب أين أبنيه؟ فأوحى الله- تعالى- إليه: أن اتبع السّكينة، وهي ريح لها وجه وجناحان، ومع إبراهيم الملك والصّرد، فانتهوا إلى مكة. وفي حديث ابن عباس: ثم لبث عنهم إبراهيم ما شاء الله تعالى ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد. قال معمر الراوي لحديث ابن عباس: وسمعت رجلاً يقول: إنهما بكيا حتى أجابتهما الطير. انتهى. ثم قال: يا إسماعيل أن الله تعالى أمرني بأمر. فقال: اصنع ما أمرك به. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفع القواعد من البيت. وفي حديث أبي جهم: فنزل إسماعيل إلى موضع البيت الذي بوّأه الله تعالى لإبراهيم وموضع البيت ربوة حمراء مدرة مشرفة على ما حولها، فحفر إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليه وسلم وليس معهما غيرهما أساس البيت يريدان أساس آدم الأول، فحفرا عن ربض البيت، يعني حوله، فوجدا صخرة لا يطيقها إلا ثلاثون رجلا، وحفرا حتى بلغا أساس آدم صلى الله عليه وسلّم.

وفي حديث ابن عباس عند الإمام أحمد بسند صحيح: أن القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك. وفي لفظ آخر: أن القواعد كانت في الأرض السابعة. رواه ابن أبي حاتم. انتهى. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، أي المقام، فوضعه له فقام عليه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وفي حديث: أبي جهم: وحلّقت السّكينة كأنها سحابة على موضع البيت فقالت: ابن عليّ. فلذلك لا يطوف بالبيت أحد أبداً كافر ولا جبّار إلا رأيت عليه السّكينة. فبنى إبراهيم البيت فجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه ثلاثين ذراعاً وطوله في الأرض اثنين وعشرين ذراعاً، وأدخل الحجر وهو سبعة أذرع في البيت، وكان قبل ذلك زرباً لغنم إسماعيل، وإنما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفاً، وجعل له بابين وحفر له بئراً عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما يهدى للبيت، وجعل الركن علماً للناس. فذهب إسماعيل إلى الوادي يطلب حجراً، ونزل جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بالحجر الأسود، وكان قد رفع إلى السماء حين غرقت الأرض لمّا رفع البيت، فنزل به جبريل فوضعه إبراهيم موضع الركن، وجاء إسماعيل بحجر من الوادي فوجد إبراهيم قد وضع الركن، فقال: من أين هذا الحجر؟ من جاءك به؟ قال إبراهيم: من لم يكلني إليك ولا إلى حجرك. ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت وأدخل الحجر في البيت جعل المقام لاصقاً بالبيت عن يمين الداخل. وروى البيهقي عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- قال: لمّا أغرق الله الأرض رفع البيت فوضع تحت العرش، ومكثت الأرض خراباً ألفي سنة، فلم تزل على ذلك حتى كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأمره الله سبحانه وتعالى أن يبني بيته، فجاءت السّكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم، ولها وجه كوجه الإنسان، فقالت: يا إبراهيم، خذ قدر ظلي فابن عليه ولا تزد شيئاً ولا تنقص. فأخذ إبراهيم قدر ظلّها ثم بنى هو وإسماعيل البيت، ولم يجعل له سقفاً، وكان الناس يلقون فيه الحليّ والمتاع، حتى إذا كاد أن يمتلئ اتّعد له خمسة نفر ليسرقوا ما فيه، فقام كل واحد على زاوية واقتحم الخامس فسقط على رأسه فهلك، وبعث الله سبحانه- عند ذلك حيّة

بيضاء سوداء الرأس والذنب، فحرست البيت خمسمائة عام لا يقربه أحد إلا أهلكته، فلم تزل كذلك حتى بنته قريش. وروى الأزرقي عن عثمان بن ساج [ (1) ]- رحمه الله تعالى- قال: بلغنا- والله تعالى أعلم- أن خليل الله- سبحانه وتعالى- عرج به إلى السماء، فنظر إلى الأرض: مشارقها ومغاربها، فاختار موضع الكعبة، فقالت له الملائكة: يا خليل الله اخترت حرم الله في الأرض فبناه من سبعة أجبل، ويقولون خمسة، فكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم من تلك الجبال. وروى الأزرقي عن علي- رضي الله تعالى عنه- وعن مجاهد، وعن بشر بن عاصم [ (2) ] متفرقين، أن إبراهيم- عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- أقبل من إرمينية - وقال مجاهد: من الشام. ومعه السّكينة والملك والصّرد دليلا، يتبوّأ البيت كما تتبوّأ العنكبوت بيتها، فحفر فأبرز عن أسّها أمثال خلفة الإبل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلا ثم قال الله تعالى: «قم فابن لي بيتاً» قال: يا رب وأين أبني؟ فبعث الله- سبحانه وتعالى- سحابة فيها رأس تكلّم إبراهيم، فقالت: يا إبراهيم، إن ربك يأمرك أن تخطّ قدر هذه السحابة، فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها، فقال له الرأس: قد فعلت. وفي لفظ: فقالت السكينة: يا إبراهيم ربضت على البيت؟ قال: نعم. فارتفعت السحابة، فأبرز عن أسّ ثابت في الأرض، فبناه إبراهيم، فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من جبابرة الملوك ولا أعرابي جلف إلا وعليه السكينة والوقار. وروى الأزرقي عن قتادة رحمه الله تعالى قال: ذكر لنا أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم بني البيت من خمسة أجبل: من طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء. قال السهيلي رحمه الله تعالى: انتبه لحكمة الله تعالى كيف بناها من خمسة أجبل، فشاكل ذلك معناها، إذ هي قبلة الصلوات الخمس عمود الإسلام الذي بني على خمس، وكيف دلّت عليه السكينة إذ هي قبلة الصلوات الخمس والسكينة من شأن الصلاة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وائتوها وعليكم السّكينة» [ (3) ] . وروى الأزرقي عن ابن إسحاق أن الخليل صلى الله عليه وسلم لما بنى البيت جعل طوله في السماء

_ [ (1) ] عثمان بن عمرو بن ساج الأموي مولاهم. عن الزهري مرسلا. وعن سهيل بن أبي صالح. وعنه سعيد بن سالم القدّاح. قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال ابن حبان. ثقة. الخلاصة 2/ 219. [ (2) ] بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثّقفي. عن أبيه وابن المسيّب. وعنه ابن جريج ونافع بن عمر. وثقة ابن معين. توفي بعد الزّهري. [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 390 كتاب الجمعة (908) ، ومسلم 1/ 420- 421 كتاب المساجد ومواضع الصلاة (151/ 602) .

تسعة أذرع، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعاً من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عنده الحجر، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي اثنين وعشرين ذراعاً، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعاً، وجعل عرض سقفها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعاً، وجعل بابها بالأرض غير مبوّب، وجعل جبّاً على يمين من دخله يكون خزانة للبيت. وذكر ابن الحاج المالكي [ (1) ]- رحمه الله تعالى- في مناسكه شيئاً من خبر بناء إبراهيم البيت، ثم قال: وكان صفة بناء إبراهيم البيت أنه كان مدوّراً من ورائه، وكان له ركنان وهما اليمانيان، فجعلت له قريش حين بنوه أربعة أركان. انتهى. إبراهيم يؤذن بالحج قال أبو جهم: وأمر إبراهيم بعد فراغه من البناء أن يؤذّن في الناس بالحج، فقال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال الله جل ثناؤه: «أذّن وعليّ البلاغ» . فارتفع على المقام- وهو يومئذ ملصق بالبيت- فارتفع به المقام حتى كان أطول الجبال، فنادى وأدخل إصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه شرقاً وغرباً يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فأجيبوا ربّكم عز وجل. فأجابه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف البيت كلها: لبيك اللهم لبيك. أفلا تراهم يأتون يلبّون؟ فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهو ممن استجاب لله عز وجل وذلك قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ يعني نداء إبراهيم على المقام بالحج، فهي الآية. قال محمد بن عمر الأسلمي راويه رحمه الله تعالى: وقد روى أن الآية هي أثر إبراهيم على المقام. وروى الفاكهي [ (2) ] بإسناد صحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قام إبراهيم على الحجر فقال: يا أيها الناس، كتب عليكم الحج. فاستمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك.

_ [ (1) ] محمد بن محمد بن محمد بن الحاج، أبو عبد الله العبدري المالكي الفاسي، نزيل مصر: فاضل. تفقه في بلاده، وقدم مصر، وحج. وكف بصره في آخر عمره وأقعد. وتوفي بالقاهرة، عن نحو 80 عاما. له «مدخل الشرع الشريف» ، قال فيه ابن حجر: كثير الفوائد، كشف فيه عن معايب وبدع يفعلها الناس ويتساهلون فيها، وأكثرها مما ينكر، وبعضها مما يحتمل. وله «شموس الأنوار وكنوز الأسرار» و «بلوغ القصد والمنى في خواص أسماء الله الحسنى. توفي سنة 737 هـ. الأعلام 7/ 35. [ (2) ] محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي: مؤرخ. من أهل مكة. كان معاصرا للأزرقي، متأخرا عنه في الوفاة له «تاريخ مكة» . توفي 272 هـ. الأعلام 6/ 28.

وروي أيضا عنه قال: والله ما بناه بقصّة ولا مدر، ولا كان لهما من السعة والأعوان ما يسقّفانه. وروى أيضا عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان إبراهيم يبني كل يوم ساقاً. القصّة بالفتح: الجير. الساق: العرق من الحائط. وروى ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما فرغ إبراهيم صلى الله عليه وسلم من بناء البيت قال: يا رب، قد فرغت. قال: أذن في الناس بالحج. قال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ. قال: يا رب كيف أقول؟ قال: قل: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء ومن في الأرض، ألا ترى أنهم يأتون من أقصى الأرض يلبّون؟. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما أمر الله- سبحانه وتعالى- إبراهيم أن يؤذّن بالحج صعد أبا قبيس فوضع إصبعيه في أذنيه، ثم نادى: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحجّ، فأجيبوا ربكم. فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجاب أهل اليمن، فما من حاجّ يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة ألا من كان أجاب يومئذ إبراهيم. إبراهيم يتعلم مناسك الحج قال أبو جهم: فلما فرغ إبراهيم من الأذان ذهب به جبريل فأراه الصّفا والمروة، وأقامه على حدود الحرم، وأمره أن ينصب عليه الحجارة، ففعل ذلك إبراهيم وكان أول من أقام أنصاب الحرم ويريه إياها جبريل. فلما كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب إبراهيم صلى الله عليه وسلم بمكة حين زاغت الشمس قائماً وإسماعيل جالس، ثم خرجا من الغد يمشيان على أقدامهما يلبيان محرمين مع كل واحد منهما إداوة يحملها وعصا يتوكأ عليها، فسمى ذلك اليوم يوم التروية. وأتيا منى فصلّيا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، وكانا نزلا من الجانب الأيمن ثم أقاما حتى طلعت الشمس على ثبير، ثم خرج إبراهيم يمشي هو وإسماعيل حتى أتيا عرفة وجبريل معهما، يريهما الأعلام حتى نزلا بنمرة، وجعل يريه أعلام عرفات، وكان إبراهيم قد عرفها قبل ذلك، فقال إبراهيم: عرفت. فسّميت عرفات. فلما زاغت الشمس خرج بهما جبريل حتى انتهى بهما إلى موضع المسجد اليوم، فقام إبراهيم فتكلم بكلمات وإسماعيل جالس، ثم جمع بين الظهر والعصر ثم ارتفع بهما جبريل إلى

تنبيه في بيان غريب ما سبق

الهضبات فقاما على أرجلهما يدعوان إلى أن غابت الشمس وذهب الشّعاع، ثم دفعا من عرفة على أقدامهما حتى انتهيا إلى جمع، فنزلا فصليا المغرب والعشاء في ذلك الموضع الذي يصلّى فيه اليوم، ثم باتا فيه حتى إذا طلع الفجر وقفا على قزح، فلما أسفرا قبل طلوع الشمس وقفا على أرجلهما حتى انتهيا إلى محسّر، فأسرعا حتى قطعاه ثم عادا إلى مشيهما الأول، ثم رميا جمرة العقبة بسبع حصيات حملاها من جمع، ثم نزلا من منى فجراً في الجانب الأيمن، ثم ذبحا في المنحر اليوم وحلقا رؤوسهما، ثم أقاما أيام منى يرميان الجمار حين ترتفع الشمس ماشيين وراجعين، وصدرا يوم الصّدر فصليا الظهر بالأبطح، وكل هذا يريه جبريل صلى الله عليه وسلم. فلما فرغ إبراهيم من الحج انطلق إلى منزله بالشام، وكان يحج البيت كلّ عام، وحجّته سارة، وحجه إسحاق ويعقوب والأسباط والأنبياء وهلم جرا، وحجّه موسى بن عمران. ثم توفىّ الله- تعالى- خليله بعد أن وجه إليه ملك الموت فاستنظره إبراهيم، ثم أعاده إليه لما أراد الله تعالى قبضه، فأخبره بما أمر به فسلّم لأمر ربه. فقال له ملك الموت: يا خليل الله على أي حال تحب أن أقبضك؟ قال: تقبضني وأنا ساجد. فقبضه وهو ساجد. ودفن إبراهيم صلى الله عليه وسلم بالشام. وعاش إسماعيل بعد أبيه ما عاش وتوفي بمكة فدفن بالحجون مما يلي باب الكعبة، وهناك قبر أمه هاجر دفن معها، وكانت توفيت قبله. انتهى حديث أبي جهم. تنبيه في بيان غريب ما سبق المناطق: جمع منطق بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو ما يشد به الوسط وفي لفظ: النّطق بضم النون والطاء وهو جمع نطاق، مثل كتاب وكتب. قال في النهاية: وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشدّ وسطها بشيء وترفع ثوبها وترسله إلى الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها. تخفضيها: أي تختنيها، يقال خفضت الجارية خفاضاً: ختنتها، فالجارية مخفوضة، ولا يطلق الخفض إلا على الجارية دون الغلام. العضاة: بعين مهملة مكسورة فضاد معجمة: شجر الشوك كالطلح والعوسج والهاء أصلية، الواحدة عضة بالهاء وبالتاء كعدة والأصل عضهة كعنبة. السّلم بفتحتين: شجر من العضاة واحدته سلمة بفتحتين. السمر بفتح المهملة وضم الميم من شجر الطّلح والواحدة سمرة. الرّبوة مثلثة الراء: المكان المرتفع. مدرة بفتحات جمعها مدر مثل قصب، وقصبة، وهو

التراب المتلبّد. وقال الأزهري [ (1) ] : المدر: القطع من الطين. الثّمام بضم المثلثة نبت ضعيف قصير لا يطول. الحجون بحاء مهملة مفتوحة فجيم مضمومة: موضع بأعلى مكة. السّقاء بكسر السين المهملة قربة صغيرة. وفي لفظ معها شنّة بفتح المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة. الدّوحة بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح الحاء المهملة هي الشجرة الكبيرة. في أعلى المسجد: أي مكان المسجد، لأنه لم يكن يومئذ بناء. قفّ بقاف ففاء مشددة: أي ذهب مولّياً وكأنه من القفا أي أعطاه قفاه وظهره. الثّنيّة بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية. كداء بفتح الكاف ممدود: مكان في أعلى مكة. يتلّوى: يتقلب. يتلبّط بمثناة تحتية فمثناة فوقية فلام فموحدة فطاء مهملة: أي يتمرّغ ويضرب نفسه بالأرض. يتلمّظ بوزن الذي قبله وبعد اللام ميم فظاء معجمة: أي يدير لسانه في فيه ويحرّكه ينشغ بمثناة تحتية مفتوحة فنون ساكنة فشين معجمة فغين معجمة أي يشهق ويعلو صوته وتنخفض كالذي ينازع. المجهود: الذي أصابه الجهد وهو الأمر الذي يشقّ. تقرها نفسها. بضم أوله وكسر القاف ونفسها برفع الفاعل أي لم تتركها نفسها مستقرة فتشاهده في حال الموت. صه صه، بفتح المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة: كأنها خاطبت نفسها فقالت لها: اسكتي. غواث: بفتح أوله عند أكثر رواة الصحيح وتخفيف الواو آخره مثلثة، وحكى ابن الأثير [ (2) ] ضمّ أوله، والمراد به هنا: المستغيث. وحكى ابن قرقول [ (3) ] كسرها أيضاً، وجزاء الشرط محذوف تقديره: فأغثني.

_ [ (1) ] محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي، أبو منصور: أحد الأئمة في اللغة والأدب. مولده ووفاته في هراة بخراسان. نسبته إلى جده «الأزهر» . عني بالفقه فاشتهر به أولا، ثم غلب عليه التبحر في العربية، فرحل في طلبها وقصد القبائل وتوسع في أخبارهم. له «تهذيب اللغة» و «غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء» و «تفسير القرآن» و «فوائد منقولة من تفسير للمزني» . توفي 370 هـ. الأعلام 5/ 311. [ (2) ] المبارك بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، أبو السعادات، مجد الدين: المحدث اللغوي الأصولي. ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر. وانتقل إلى الموصل، فاتصل بصاحبها، فكان من أخصائه. وأصيب بالنقرس فبطلت حركة يديه ورجليه ولازمه هذا المرض إلى أن توفي في إحدى قرى الموصل. قيل: إن تصانيفه كلها ألفها في زمن مرضه، إملاء على طلبته، وهم يعينونه بالنسخ والمراجعة. من كتبه «النهاية» في غريب الحديث، و «جامع الأصول في أحاديث الرسول» و «الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف» في التفسير، و «المرصع في الآباء والأمهات والبنات» توفي 606 هـ. الأعلام 5/ 272. [ (3) ] إبراهيم بن يوسف بن أدهم الوهراني الحمزي، أبو إسحاق بن قرقول: عالم بالحديث، من أدباء الأندلس. أصله من موضع يسمى «حمزة» بناحية المسيلة من عمل بجاية، رحل في طلب الحديث، واستقر بمالقة ثم انتقل إلى سبتة ومنها إلى سلا، وتوفي بفاس. قال ابن الأبار: «كان نظارا أديبا حافظا يبصر الحديث ورجاله، وقد صنف وألف مع براعة الخط وحسن الوراقة» . من كتبه «مطالع الأنوار على صحاح الآثار» . توفي 569 هـ. الأعلام 1/ 81، 82.

غمز الأرض بغين معجمة فميم فزاي أي كبسها. انبثق: بنون فباء موحدة فثاء مثلثة فقاف: أي انفجر. تحوّضه، بحاء مهملة فضاد معجمة وتشديد الواو: أي تجعله مثل الحوض. عيناً معيناً: أي ظاهراً جارياً على وجه الأرض. وفي لفظ: لكان الماء ظاهراً. فعلى هذا فقوله: عينا معيناً: صفة للماء. فلذلك نكّره قال ابن الجوزي: كان ظهور زمزم نعمة من الله تعالى محضة بغير عمل جليل، فلما خالطها تحويض هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك. العماليق: ذرية عملاق ويقال عمليق بن لاوذ ويقال الود بن إرم بن سام بن نوح. مضاض بميم مكسورة، وحكى ضمها وضادين معجمتين. الضّيعة، بفتح المعجمة وسكون التحتانية: أي الهلاك. الرابية، بالموحدة ثم المثناة التحتية: ما ارتفع من الأرض. أقطار الأرض، جمع قطر بضم القاف: الجانب والناحية. ترد: الماء: تبلغه. تصدر: ترجع. غمارة الماء بغين معجمة مفتوحة: أي كثرته. متنكبّاً قوسه: ملقياً لها على منكبه رفقة، بضم الراء، وسكون الفاء فقاف: وهم الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفر أم لا. جرهم [ (1) ] ، بضم الجيم وسكون الراء وضم الهاء: وهو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وقال ابن إسحاق: كان جرهم وقطوراء أخوة أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن. وقوله: مقبلين من كداء بفتح الكاف في جميع نسخ الصحيح والمدّ. واستشكله بعضهم أن كداء بالفتح والمد في أعلى مكة وأما الذي في أسفلها فبالضم والقصر. يعني فيكون الصواب هنا بالضم والقصر. قال الحافظ: وفيه نظر، لأنه لا مانع أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى. عائفا، بالمهملة والفاء: وهو الذي يحوم على الماء فيتردّد ولا يمضي عنه. جريّاً، بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتانية: أي رسولا. وقد يطلق على الوكيل والأجير قيل سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله، أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه. أو جريّين: شك من الراوي: هل أرسلوا واحداً أو اثنين؟ وفي بعض الروايات فأرسلوا

_ [ (1) ] جرهم بن قحطان: جدّ جاهلي يماني قديم. كان له ولبنيه ملك الحجاز. ولما بني البيت الحرام بمكة كان لهم أمره، وأول من وليه منهم الحارث بن مضاض، إلى أن غلبتهم عليه خزاعة، فهاجروا عائدين إلى اليمن. ولهشام الكلبي النسابة كتاب «أخبار جرهم» .

رسولا. ويحتمل الزيادة على الواحد، ويكون الإفراد باعتبار الجنس لقوله: فإذا هم بالماء بصيغة الجمع، ويحتمل أن يكون الإفراد باعتبار المقصود بالإرسال، والجمع باعتبار من تبعه من خادم ونحوه. ألفى: بالفاء: أي وجد. أمّ إسماعيل: بالنصب على المفعولية. الأنس، بضم الهمزة: ضد الوحشة. ويجوز الكسر أي تحب جنسها. وتعلم العربية منهم: فيه إشعار بأن لسان أمه وأبيه لم يكن عربيا، ولهذا مزيد يأتي في ترجمة إسماعيل في النسب النبوي. أنفسهم بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النّفاسة: أي رغبتهم في مصاهرته لنفاسته عندهم. وقال ابن الأثير: أنفسهم عطف على قوله تعلم العربية منهم. وزوّجوه امرأة منهم: ذكروا في اسمها واسم أبيها أقوالاً لا طائل بذكرها. يطالع تركته: قال في المصباح المنير: التّركة بفتح التاء وكسر الراء وتخفف بكسر الأول وسكون الراء مثل كلمة وكلمة، أي يتفقد حال ما تركه هناك. الشّخب، بفتح الشين وسكون الخاء المعجمتين ثم موحدة: السّيلان. عتبة بابك: بفتح العين المهملة والمثناة الفوقية والباء الموحدة: كناية عن المرأة، وسمّاها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها، وهي حفظ الباب وصون ما هو داخله، وكونها محلاً للوطء. وتزوج امرأة أخرى: ذكروا في اسمها ثمانية أقوال. وفي اسم أبيها أربعة، ولا حاجة لنا إلى ذلك. نابت، بالنون من النبات. فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه: ولفظ الكشميهني [ (1) ] لا يخلوان بالتثنية. قال ابن القوطيّة [ (2) ] : خلوت بالشيء واختلوت به: إذا لم أخلط به غيره. يبرى، بفتح أوله وسكون الموحدة. النّبل، بفتح النون وسكون الموحدة: السّهم قبل أن يركّب فيه نصله وريشه، وهو السهم العربي. الأكمة، بفتح الهمزة والكاف: وهي الرابية: إرمينية بكسر أوله وإسكان ثانيه بعده ميم مكسورة فتحتية فنون: بلد معروف بالروم.

_ [ (1) ] الكشميهني: بالضم والسكون والكسر وتحتيّة وفتح الهاء ونون إلى كشميهن قرية بمرو. لب اللباب 2/ 209. [ (2) ] محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم الأندلسي، أبو بكر، المعروف بابن القوطية: مؤرخ، من أعلم أهل زمانه باللغة والأدب. أصله من إشبيلية، ومولده ووفاته بقرطبة. له كتاب «الأفعال الثلاثية والرباعية» وهو الذي فتح هذا الباب، و «المقصور والممدود» و «تاريخ فتح الأندلس» و «شرح رسالة أدب الكتاب» وكان شاعرا صحيح الألفاظ واضح المعاني، إلا أنه ترك الشعر في كبره. توفي 367 هـ. الأعلام 6/ 311، 312.

المرة الخامسة والسادسة: عمارة العمالقة وجرهم

الصّرد، وزان عمر: قال في المصباح: نوع من الغربان، الأنثى صردة والجمع صردان. ويقال له الواق، وكانت العرب تتطيّر من صوته وتقتله فنهي عن قتله دفعا للطّيرة ومنه نوع أسبد [ (1) ] يسميه أهل العراق العقعق، وأما الصرد الهمهام فهو البرّي الذي لا يرى في الأرض ويقفز من شجرة إلى شجرة، وإذا اضطرّ وأضجر أدرك وأخذ ويصرصر كالصقر، ويصيد العصافير. قال أبو حاتم: الصّرد: طائر أبقع أبيض البطن أخضر الظهر ضخم الرأس والمنقار، له ريش ويصطاد العصافير وصغار الطير. وزاد بعضهم على هذا فقال: ويسمّى المجوّف لبياض بطنه، والأخطب لخضرة ظهره، والأخيل لاختلاف لونه. خلفة بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام: الحامل من النوق. ربضت: أسّست. طور زيتا، بلفظ الزيت: علم لجبل بالبيت المقدس. لبنان، بضم أوله وإسكان ثانيه: جبل الشام. جمع: بفتح أوله وإسكان ثانيه: اسم لمزدلفة، سمي بذلك للجمع بين صلاتي المغرب والعشاء فيها. قاله البكري. وقال في النهاية: لأن آدم وحواء لما أهبطا اجتمعا بها. زاد صاحب التقريب: أو لاجتماع الناس فيها. قزح، بضم أوله وفتح الزاي: جبل بمزدلفة غير منصرف للعلمية والعدل عن قازح، تقديراً. محسّر، بلفظ اسم الفاعل: موضع بين منىّ ومزدلفة، سمي بذلك، لأن فيل أبرهة كلّ فيه وأعيا، فحسّر أصحابه بفعله، وأوقعهم في الحسرات. المرة الخامسة والسادسة: عمارة العمالقة وجرهم روى ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلّم لبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم، فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم. قال السّهيلي: وقد قيل إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين، لأن السيل قد صدع حائطه، ولم يكن ذلك بنيانا وإنما كان إصلاحا لما وهي وجدارا بني بينه وبين السيل. قلت: في حديث أبي جهم عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن البيت في زمن

_ [ (1) ] الأسبد: القليل الشعر. انظر المعجم الوسيط 1/ 414.

المرة السابعة: عمارة قصي بن كلاب

جرهم دخله السيل من أعلى مكة فانهدم، فأعادته جرهم على بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلّم وجعلت له مصراعين وقفلا. انتهى. فهذا نقل صريح يشهد لما في حديث سيدنا علي- رضي الله تعالى عنه. المرة السابعة: عمارة قصي بن كلاب نقله الزبير بن بكار [ (1) ] في كتاب النّسب، وجزم به الإمام أبو إسحاق الماوردي في الأحكام السّلطانية. المرة الثامنة: عمارة قريش وستأتي. المرة التاسعة: عمارة عبد الله بن الزبير [ (2) ]- رضي الله عنهما عن عائشة [ (3) ]- رضي الله تعالى عنها- إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول الله ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لولا حدثان قومك بالكفر» . فقال عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين الشاميين اللذين يليان الحجر، إلا لأن البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وفي رواية قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة وأعدتها على بناء إبراهيم، فإن قريشاً اقتصرت بناءه، وجعلت له خلفاً» . قال هشام: يعني بابا.

_ [ (1) ] الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي الأسدي المكي، من أحفاد الزبير بن العوام، أبو عبد الله: عالم بالأنساب وأخبار العرب، راوية. ولد في المدينة، وولي قضاء مكّة فتوفي فيها. له تصانيف، منها «أخبار العرب، وأيامها» و «نسب قريش وأخبارها» باسم «جمهرة نسب قريش» و «الأوس والخزرج» و «وفود النعمان على كسرى» و «أخبار ابن ميادة» و «أخبار حسان» و «أخبار عمر بن أبي ربيعة» و «أخبار جميل» و «أخبار نصيب» و «أخبار كثير» و «أخبار ابن الدمينة» وله مجموع في الأخبار ونوادر التاريخ، سماه «الموفقيات» . توفي 256 هـ. الأعلام 3/ 42. [ (2) ] عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي أبو خبيب بمعجمة مضمومة، المكي ثم المدني، أول مولود في الإسلام وفارس قريش. له ثلاثة وثلاثون حديثاً، اتفقا على حديث، وانفرد (خ) بستة، وانفرد (م) بحديثين. وعنه بنوه عبّاد وعامر، وأخوه عروة وعطاء وطاوس. شهد اليرموك وبويع بعد موت يزيد، وغلب على اليمن والحجاز والعراق وخراسان، وكان فصيحا شريفا شجاعا لسنا أطلس. قتل بمكة سنة ثلاث وسبعين، ومولده بعد الهجرة بعشرين شهرا. الخلاصة 2/ 56. [ (3) ] عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما التّيميّة، أم عبد الله الفقيهة أم المؤمنين الرّبّانيّة، حبيبة النبي صلى الله عليه وسلم لها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، اتفقا على مائة وأربعة وسبعين، وانفرد (خ) بأربعة وخمسين، و (م) بثمانية وستين. وعنها مسروق والأسود وابن المسيّب وعروة، والقاسم وخلق. قال عليه السلام «فضل عائشة على النساء كفضل الثّريد على سائر الطعام» وقال عروة: ما رأيت أعلم بالشعر من عائشة. وقال القاسم: كانت تصوم الدهر. وقال هشام بن عروة: توفيت سنة سبع وخمسين. ودفعت بالبقيع. الخلاصة 3/ 387 وسيأتي لها ترجمة مفصلة.

متفق عليه [ (1) ] . وفي رواية للبخاري: لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت ما خرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم. فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه. قال يزيد- هو ابن رومان [ (2) ] : وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه فأدخل فيه من الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل. قال جرير بن أبي حازم [ (3) ] : فقلت له- يعني ليزيد بن رومان: أين موضعه؟ قال: أريكه الآن. فدخلت مع الحجر فأشار إلى مكان وقال: هاهنا. قال جرير: فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها. وفي رواية عن سعيد بن مينا [ (4) ] قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي- يعني عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقها بالأرض ولجعلت لها بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة» . ولمسلم عن عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية [ (5) ] حين غزاها أهل الشام فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يحرّبهم على أهل الشام، فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهي منها؟ قال ابن عباس: إني قد فرق لي فيها رأي أن تصلح ما وهي منها وتدع بيتاً أسلم عليه الناس، وأحجاراً أسلم عليها الناس وبعث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدّده فكيف ببيت ربكم؟ وإني مستخير ربي ثلاثاً ثم عازم على أمري. فلما مضى الثلاث أجمع أمره على

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 287 كتاب الحج (1585) ، ومسلم 2/ 968 كتاب الحج (398/ 1333) . [ (2) ] يزيد بن رومان مولى آل الزبير أبو روح المدني. عن ابن الزبير وعروة. وعنه جرير بن حازم وابن إسحاق ونافع القارئ وطائفة. قال ابن سعد: كان عالما ثقة كثير الحديث. توفي سنة ثلاثين ومائة. الخلاصة 3/ 169. [ (3) ] جرير بن حازم الأزدي أبو النّضر البصري أحد الأعلام. عن الحسن وابن سيرين وطاوس وابن أبي مليكة وخلق. وعنه أيّوب وابن عون وابنه وهب بن جرير وهدبة بن خالد وخلق. وثقة ابن معين إلا في قتادة. وقال أبو حاتم: صدوق صالح. مات سنة سبعين ومائة بعد أن اختلط، ولم يحدّث في حال اختلاطه. الخلاصة 1/ 162. [ (4) ] سعيد بن مينا بكسر الميم ومد النون مولى أبي ذباب أبو الوليد المكي. عن أبي هريرة وجابر. وعنه أيوب وابن إسحاق. وثقة ابن معين، وأبو حاتم. الخلاصة 1/ 391. [ (5) ] يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. ولي بعهد من أبيه واستباح المدينة. فلم يمهله الله تعالى. هلك سنة أربع وستين. الخلاصة 3/ 177.

أن ينقضوها فتحاماها الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيها أمر من السماء، حتى صعد رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تابعوه، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة فستّر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه. قال السهيلي، رحمه الله تعالى: وطاف الناس بتلك الأستار فلم تخل من طائف حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب واشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها. انتهى. وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما أنفق على بنيانه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع، وجعلت له باباً يدخل الناس منه وباباً يخرج الناس منه» قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمسة أذرع حتى أبدى أساساً نظر الناس إليه فبنى عليه البنيان. وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعا، فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرع، وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج [ (1) ] إلى عبد الملك [ (2) ] يخبره بذلك ويخبره أن ابن الزبير وضع البناء على أسّ قد نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تخليط ابن الزبير في شيء أمّا ما زاده في طوله فأقرّه، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسدّ الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. وفي تاريخ مكة للأزرقي، أن ابن الزبير لما هدم الكعبة وسوّاها بالأرض كشف عن أساس إبراهيم صلى الله عليه وسلم فوجده داخلا في الحجر ستة أذرع وشيئاً وأحجار ذلك الأساس كأنها أعناق الإبل، حجارة حمراء آخذ بعضها في بعض مشبّكة كتشبيك الأصابع وأصاب فيه قبرا،

_ [ (1) ] الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، أبو محمد: قائد، داهية، سفاك، خطيب. ولد ونشأ في الطائف بالحجاز وانتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباع نائب عبد الملك بن مروان فكان في عديد شرطته، ثم ما زال يظهر حتى قلده عبد الملك أمر عسكره، وأمره بقتال عبد الله بن الزبير، فزحف إلى الحجاز بجيش كبير وقتل عبد الله وفرق جموعه، فولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيه، فانصرف إلى بغداد في ثمانية أو تسعة رجال على النجائب، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة. وبنى مدينة واسط بين الكوفة والبصرة. توفي 95 هـ. الأعلام 2/ 168. [ (2) ] عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبو الوليد: من أعاظم الخلفاء ودهاتهم. نشأ في المدينة، فقيها واسع العلم، متعبدا، ناسكا. وشهد يوم الدار مع أبيه. واستعمله معاوية على المدينة وهو ابن 16 سنة. وانتقلت إليه الخلافة بموت أبيه (سنة 65 هـ) فضبط أمورها وظهر بمظهر القوة، فكان جبارا على معانديه، قويّ الهيبة. واجتمعت عليه كلمة المسلمين بعد مقتل مصعب وعبد الله ابني الزبير في حربهما مع الحجاج الثقفي. وهو أول من صك الدنانير في الإسلام، وأول من نقش بالعربية على الدراهم، وكان عمر بن الخطاب قد صك الدراهم. توفي سنة 86 هـ. الأعلام 4/ 165.

فقال: هذا قبر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم، فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً من وجوه الناس وأشرافهم فأشهدهم على ذلك، وأدخل عبد الله بن مطيع العدوي [ (1) ] عتلة كانت بيده في ركن من أركان البيت فزعزعت الأركان كلها وارتجت جوانب البيت ورجفت مكة بأسرها رجفة شديدة وخافوا خوفاً شديداً، وطارت من الحجر قطعة فأخذها بيده، فإذا فيها نور مثل نار، فطارت منه برقة فلم يبق دار من دور مكة إلا دخله، ففزعوا، فقال ابن الزبير: اشهدوا. ثم وضع البناء على ذلك الأساس، وجعل لها بابين ملصقين بالأرض، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان وقت الهدم قد جعله ابن الزبير في ديباجة وأدخله في تابوت وأقفل عليه وأدخله دار الندوة، وعمد إلى ما كان في الكعبة من حلى وثياب وطيب فوضعه في خزانة الكعبة في دار شيبة بن عثمان، فلما انتهى البناء إلى موضع الحجر أمر فنقر بين حجرين أحدهما من المدماك الذي تحته والآخر من الذي فوقه وطبّق ما بينهما. ثم أمر ابن الزبير ابنه عباداً وجبير بن شيبة بن عثمان أن يجعلا الركن في ثوب وقال لهما: إذا فرغتما فكبّرا حتى أسمعكما فأخف صلاتي فلما وضعاه في موضعه كبّرا فتسامع الناس بذلك. فغضب رجال من قريش لذلك حيث لم يحضرهم ابن الزبير، وقالوا: ما رفعته قريش في الجاهلية حتى حكّموا أول من يدخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل. وكان الحجر قد انصدع بسبب الحريق فشدّه ابن الزبير بالفضة. قال ابن عون [ (2) ] : فنظرت إلى جوف الحجر حين انفلق كأنه الفضة. وكانت الكعبة يوم هدمها ابن الزبير ثمانية عشر ذراعا في السماء، فلما بلغ البنيان هذا المبلغ قصرت لحال الزيادة في العرض من الحجر، فقال ابن الزبير: قد كانت تسعة أذرع في السماء قبل بناء قريش فزادت قريش تسعة أذرع، وأنا أزيد تسعة أذرع. فجعلها سبعة وعشرين ذراعا في السماء! وهي سبعة وعشرون مدماكاً، وعرض جدارها ذراعان. وجعل داخلها ثلاثة دعائم. وكانت قبل ذلك على ست دعائم صفّين، وأرسل إلى صنعاء فأتى برخام فجعله في الروازن لأجل الضوء، وجعل لبابها مصراعين طولهما أحد عشر ذراعاً، وجعل الباب الآخر بإزائه على هيئته وجعل لها درجاً من خشب معوجة يصعد منها إلى ظهرها. فلما فرغ من بنائها

_ [ (1) ] عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي المدني، له رؤية، وكان رأس قريش يوم الحرّة، وأمره ابن الزبير على الكوفة، ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين. التقريب 1/ 452. [ (2) ] عبد الله بن عون بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون الخرّاز بفتح المعجمة والمهملة البصري أحد الأعلام. عن عطاء ومجاهد، وسالم، والحسن، والشّعبي، وخلق. وعنه شعبة، والثوري، وابن عليّة، ويحيى القطان وخلائق. قال ابن مهدي: ما أحد أعلم بالسنة بالعراق من ابن عون وقال روح بن عبادة: ما رأيت أعبد منه. قال يحيى القطان: مات سنة إحدى وخمسين ومائة. الخلاصة 2/ 86.

المرة العاشرة: عمارة الحجاج.

خلقها من داخلها ومن خارجها بالطّيب والزعفران وكساها القباطيّ وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج فليعتمر من التّنعيم، ومن قدر أن ينحر بدنة فليفعل، فإن لم يقدر فشاة، ومن لم يقدر فليتصدق بما تيسّر. وأخرج ابن الزبير مائة بدنة، فلما طاف بالبيت استلم الأركان الأربعة جميعاً. فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير تستلم الأركان كلها، ويدخل من باب ويخرج من باب حتى قتل ابن الزبير وقتل ودخل الحجاج مكة، فكتب إلى عبد الملك بكل ما فعله ابن الزبير. فكتب إليه عبد الملك بن مروان أن أهدم ما زاده فيها من الحجر وردّها على ما كانت عليه وسدّ الباب الغربي الذي فتح واترك سائرها. فكلّ البيت اليوم على بنيان ابن الزبير، إلا الجدار الذي في الحجر وموضع سد الباب الغربي، فإنه من بنيان الحجاج، وغيّر تلك الدّرج التي في جوفها، ونقص من طول الباب خمسة أذرع. فلما حج عبد الملك قال له الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي [ (1) ] : أنا أشهد لابن الزبير بالحديث الذي سمعه من عائشة فقد سمعته أنا أيضاً منها. قال: أنت سمعته منها؟ قال: نعم، فجعل ينكث بقضيب كان في يده في الأرض ساعة ثم قال: وددت أني كنت تركته وما تحمّل. المرة العاشرة: عمارة الحجاج. وتقدم بيانها ذكره السهيلي والنووي رحمهما الله تعالى. قال في شفاء الغرام: وفي إطلاق العبارة بأنه بنى الكعبة تجوّز لأنه لم يبن إلا بعضها.

_ [ (1) ] الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القباع بضم القاف وتخفيف الموحدة ولي البصرة، أرسل. وعن عمر وعائشة. وعنه أبو قزعة والزّهري. مات بعد الستين. الخلاصة 1/ 183.

الباب الثالث في أسماء البيت الشريف

الباب الثالث في أسماء البيت الشريف منها: الكعبة. قال الله سبحانه وتعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ. قال مجاهد رحمه الله تعالى: إنما سميت الكعبة لأنها مربّعة. رواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وكذا قال عكرمة. رواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد. وقال القاضي في «المشارق» : الكعبة هو البيت نفسه لا غير، سمي بذلك لتكعّبه وهو تربيعه، وكل بناء مرتفع مربع كعبة. وقال: النوويّ سميت بذلك لاستدارتها وعلوّها، وقيل لتربيعها. قال في شفاء الغرام: وممن قال: إنها سميت بالكعبة لكونها على خلقة الكعب، ابن أبي نجيح [ (1) ] وابن جريج [ (2) ] رحمهما الله تعالى. ومنها: بكّة. قال أبو مالك الغفاري [ (3) ] رحمه الله تعالى بكة: موضع البيت، ومكة ما سوى ذلك. رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: مكة من الفج إلى التنعيم. وبكّة من البيت إلى البطحاء. رواه ابن أبي حاتم. وقال عكرمة رحمه الله تعالى: البيت وما حوله بكّة وما وراء ذلك مكة. رواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد. وقال مجاهد رحمه الله تعالى: بكة الكعبة، ومكة ما حولها. رواه عبد بن حميد. وقال ابن شهاب رحمه الله تعالى: بكة البيت. ومكة الحرم كله. رواه ابن جرير. وسمّي البيت بذلك لما رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن يزيد بن المهاجر قال: إنما سميت بكّة لأنها كانت تبكّ الظّلمة. ولهذا مزيد بيان في باب أسماء الحرم. ومنها: البيت الحرام. وتقدم في الآية السابقة.

_ [ (1) ] عبد الله بن يسار الجهني الكوفي. عن حذيفة وسليمان بن صرد. وعنه منصور والأعمش. وثقه النسائي. الخلاصة 2/ 113. [ (2) ] عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو الوليد وأبو خالد المكي الفقيه أحد الأعلام. عن ابن أبي مليكة وعكرمة مرسلا. وعن طاوس مسألة ومجاهد ونافع وخلق. وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري أكبر منه والأوزاعي والسفيانان وخلق. قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج. وقال أحمد: إذا قال أخبرنا وسمعت حسبك به. وقال ابن معين: ثقة إذا روي من الكتاب. قال أبو نعيم: مات سنة خمسين ومائة. الخلاصة 2/ 178. [ (3) ] غزوان الغفاري أبو مالك الكوفي. عن البراء وابن عباس. وعنه سلمة بن كهيل والسّدّي. وثقة ابن معين. الخلاصة 2/ 330.

ومنها: المسجد الحرام. قال تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ والمراد به هنا الكعبة بلا خوف. وقد ورد إطلاق المسجد الحرام على غير الكعبة كما سيأتي. ومنها: قادس. ذكره في شفاء الغرام ولم يتكلم عليه. وقال أبو عبيد البكري رحمه الله تعالى في معجمه نقلاً عن كراع: القادس: اسم للبيت الحرام. قال غير كراع: سميت بذلك من التقديس وهو التطهير لأنها تطهّر من الذنوب. ومنها: ناذر. ذكره في شفاء الغرام. ولم يتكلم على ضبطه ولا على معناه. وذكره في القاموس في مادة نذر بالذال وقال إنه من أسماء مكة. ومنها القرية القديمة. ذكره في شفاء الغرام. ومنها البيت العتيق قال الله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ. روى البخاري في تاريخه والترمذي- وحسنه- وابن جرير والحاكم- وصححه- عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما سمى الله البيت العتيق لأنه أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبّار قط» [ (1) ] . وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله وقال مجاهد: إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتقه من الجبابرة لم يدّعه جبار قط. وفي لفظ: فليس في الأرض جبار يدّعي أنه له. رواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير. وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يرده أحد بسوء إلاّ هلك. وعن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى أنه أعتق من الغرق في زمان نوح. رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم. وقال الحسن رحمه الله تعالى: لأنه أول بيت وضع. رواه ابن أبي حاتم. وما رواه عبد الله بن الزبير أولى وصححه ابن جماعة في مناسكه. ومنها: البنيّة. بموحدة فنون فمثناة تحتية مشددة في حديث البراء بن معرور: «رأيت ألاّ أجعل هذه البنيّة منّي بظهر» ، يعني الكعبة وقد كثر قسمهم بربّ هذه البنية. ومنها الدوّار: بضم الدال المهملة وفتحها وتشديد الواو وبعدها ألف وراء. ذكره ياقوت في المشترك وضعاً والمختلف صقعا.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3170) ، والحاكم في المستدرك 2/ 389، والبيهقي في الدلائل 1/ 125، وذكره المتقي الهندي في الكنز (34638) .

الباب الرابع في بعض فضائل دخول الكعبة والصلاة فيها وآداب ذلك

الباب الرابع في بعض فضائل دخول الكعبة والصلاة فيها وآداب ذلك روى ابن خزيمة [ (1) ] والطبراني والبيهقي من طريق عبد الله بن المؤمل [ (2) ] ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دخل البيت فصلّى فيه دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفوراً له» [ (3) ] . وفي لفظ: خرج مغفوراً له. وروى الفاكهي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال في دخول البيت: دخول في حسنه وخروج من سيئة. وروى الفاكهي عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: دخول البيت حسنه وخروج من سيئة ويخرج مغفوراً له. وروى الفاكهي عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال لهند بن أوس: أرأيت الكعبة؟ من دخلها فصلى فيها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وروى الفاكهي عن عطاء رحمه الله تعالى قال: لأن أصلي في البيت ركعتين أحب إلي أن أصلي أربعاً في المسجد الحرام. وروى الفاكهي عن الحسن رحمه الله تعالى قال: الصلاة في الكعبة تعدل مائة ألف صلاة. وفي رسالة الحسن لأهل مكة: من دخل البيت دخل في رحمة الله عز وجل، وفي حمى الله عز وجل، وفي أمن الله عز وجل، ومن خرج خرج مغفورا له.

_ [ (1) ] محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح، أبو بكر السلمي النيسابوري الحافظ إمام الأئمة. أخذ عن المزني والربيع. وقال فيه الربيع: استفدنا منه أكثر مما استفاد منا. قال أبو علي الحافظ: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة. وقال ابن حبان: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأنها بين عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط، وقال الدارقطني: كان إماما ثبتا معدوم النظير، وقال ابن سريج: كان ابن خزيمة يستخرج النكت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنقاش، وقال الحاكم: ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المسائل، والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتوفي في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وقيل: سنة اثنتي عشرة. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 99، 100، والأعلام 6/ 253، وشذرات الذهب 2/ 262. [ (2) ] عبد الله بن المؤمّل المخزومي العابدي بواحدة. عن ابن أبي مليكة وعطاء. وعنه الشافعي وأبو نعيم. قال أبو داود: منكر الحديث. وضعفه ابن عدي، وأما ابن حبان فوثقه. مات سنة سبع وستين ومائة. الخلاصة 2/ 104. [ (3) ] أخرجه البيهقي 5/ 158 وابن خزيمة 3/ 30 وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 296 وعزاه للطبراني في الكبير والبزار بنحوه. وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن سعد وغيره وفيه ضعف.

وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة بن هبيرة [ (1) ] في قوله تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً. قال: آمناً من النار. وما أحسن ما أنشده الحافظ أبو طاهر السّلفي [ (2) ] رحمه الله تعالى لنفسه بعد دخول البيت زاده الله تعالى تشريفاً وتكريماً: أبعد دخول البيت والله ضامن ... أيبقى قبيح والخطايا كوامن فحاشا وكلاّ بل تسامح كلّها ... ويرجع كلّ وهو جذلان آمن فائدتان: الأولى: قال في شفاء الغرام: دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت أربع مرات بعد الهجرة: الأولى يوم الفتح. رواه مسلم [ (3) ] عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، الثانية: ثاني الفتح. رواه الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما [ (4) ] الثالثة: في عمرة القضية. نقله المحب الطبري في القرى عن عروة وسعيد بن المسيب. وفي ذلك نظر لما سيأتي عن عبد الله بن أبي أوفى [ (5) ] رضي الله تعالى عنه. الرابعة: في حجة الوداع، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة [ (6) ] . الثانية: اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى على استحباب دخول الكعبة، واستحسن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه كثرة دخولها، وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس، ثم رجع وهو حزين فقلت له فقال: «إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي» ، رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه [ (7) ] . فلا دلالة فيه لعدم الاستحباب، بل

_ [ (1) ] يحيى بن جعدة بن هبيرة، بن أبي وهب المخزومي، ثقة وقد أرسل عن ابن مسعود ونحوه، من الثالثة. التقريب 2/ 344. [ (2) ] السلفي: بفتحتين وفاء إلى مذهب السّلف وبضم أوله إلى سلف بطن من الكلاع وبكسره إلى سلفة جدّ الحافظ أبي طاهر. لب اللباب 2/ 22. [ (3) ] أخرجه مسلم 2/ 966 كتاب الحج (389/ 1329) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 207. [ (5) ] عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي أبو إبراهيم، صحابي ابن صحابي. شهد بيعة الرّضوان وروى خمسة وتسعين حديثاً، اتفقا على عشرة، وانفرد (خ) بخمسة، و (م) بواحد. وعنه عمرو بن مرة، وطلحة بن مصرّف وعديّ بن ثابت والأعمش. قال الذهبي: قيل حديثه عنه مرسل وقد سمع الأعمش ممن مات قبله، فما المانع من أن يكون سمع منه. قال الواقدي: مات سنة ست وثمانين. وقال أبو نعيم: سنة سبع. قال عمرو بن علي: هو آخر من مات بالكوفة من الصحابة. الخلاصة 2/ 41. [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 619 كتاب المناسك باب في دخول الكعبة والترمذي 3/ 223 كتاب الحج. [ (7) ] أخرجه الترمذي 3/ 223 كتاب الحج باب ما جاء في دخول مكة (873) وقال: هذا حديث حسن صحيح وابن ماجة 2/ 1018 كتاب المناسك باب دخول الكعبة (3064) .

دخوله صلّى الله عليه وسلّم دليل على استحبابه، وتمنّيه عدم الدخول قد علله النبي صلى الله عليه وسلم بالشفقة على أمته، وذلك لا يدفع الاستحباب. وحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس، قال له رجل: أدخل النبي صلى الله عليه وسلّم الكعبة؟ قال: لا. رواه الشيخان [ (1) ] . فكذلك لا دليل فيه لعدم الاستحباب. قال النووي: قال العلماء رحمهم الله تعالى: سبب ترك دخوله صلّى الله عليه وسلم ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه يغيرّها. فلما كان يوم الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها كما في حديث ابن عباس في الصحيح. وأما آداب الدخول فكثيرة، منها: الغسل، ومنها: نزع الخفّ والنعل، ومنها: ألا يرفع بصره إلى السقف لأن، ذلك يؤدي إلى الغفلة واللهو عن القصد. روى الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تقول: عجبا للمرء المسلم إذا دخل الكعبة حين يرفع بصره قبل السقف يدع ذلك إجلالاً لله تعالى وإعظاماً، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها. ومنها: ألاّ يزاحم أحداً زحمة شديدة يتأذى بها أو يؤذي بها أحداً. كما ذكره النووي رحمه الله تعالى: ومنها: إن يلزم قلبه الخشوع والخضوع، وعينيه الدموع إن استطاع ذلك، وإلاً حاول صورتهما. ومنها: ألاّ يسأل مخلوقاً. قال سفيان بن عيينة [ (2) ] رحمه الله تعالى: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فرأى سالم بن عبد الله بن عمر، فقال: سلني حاجتك. فقال: أستحي من الله تعالى أن أسأل في بيته غيره. وأما ما يطلب في الكعبة من الأمور التي صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو: التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والثناء على الله تعالى والدعاء والاستغفار والصلاة. لأحاديث وردت في ذلك يأتي بيانها في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 546 (1600) (1791، 4188، 4255) . [ (2) ] سفيان بن عيينة بن أبي عمر بن الهلالي مولاهم أبو محمد الأعور الكوفي، أحد أئمة الإسلام. عن عمرو بن دينار والزّهري، وزيد بن أسلم وصفوان بن سليم، وخلق كثير. وعنه شعبة ومسعر من شيوخه وابن المبارك من أقرانه وأحمد وإسحاق وابن معين وابن المديني وأمم. قال العجلي: هو أثبتهم في الزهري، كان حديثه نحو سبعة آلاف. وقال ابن عيينة: سمعت من عمرو بن دينار ما لبث نوح في قومه. وقال ابن وهب: ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة. وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز. مات سنة ثمان وتسعين ومائة، ومولده سنة سبع. الخلاصة 1/ 397.

الباب الخامس في فضل النظر إلى البيت الشريف

الباب الخامس في فضل النظر إلى البيت الشريف قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: النظر إلى الكعبة محض الإيمان. وقال حمّاد بن أبي سلمة رحمه الله تعالى: الناظر إلى الكعبة كالمجتهد في العبادة في غيرها. وقال يونس بن خبّاب رحمه الله تعالى: النظر إلى الكعبة عبادة فيما سواها من الأرض عبادة الصائم القائم الدائم القانت. وقال مجاهد رحمه الله تعالى: النظر إلى الكعبة عبادة. وقال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: من نظر إلى الكعبة إيماناً وتصديقاً خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه. وقال أبو السائب المدني رحمه الله تعالى: من نظر إلى الكعبة إيماناً وتصديقاً تحاتّت عنه الذنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر. وقال زهير بن محمد رحمه الله تعالى: الجالس في المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من المصليّ في بيته لا ينظر إلى البيت. وقال عطاء رحمه الله تعالى: النظر إلى البيت عبادة، والناظر إلى البيت بمنزلة الصائم القائم القانت الدائم المخبت المجاهد في سبيل الله. روى الجميع الأزرقيّ والجندي.

الباب السادس في بعض فضائل الحجر الأسود والمقام

الباب السادس في بعض فضائل الحجر الأسود والمقام روى الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله تعالى نورهما، ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب» [ (1) ] . وروى الحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة» [ (2) ] . وروى البيهقي في الشعب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الركن والمقام من يواقيت الجنة، ولولا ما مسّهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وما مسّهما من ذي عاهة ولا سقيم إلاّ شفي. وروى الترمذي- وصححه واللفظ له- والإمام أحمد وابن خزيمة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشدّ بياضا من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم» [ (3) ] . وروى ابن خزيمة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجر ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، وإنما سوّدته خطايا المشركين، يبعث يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبّله من أهل الدنيا» [ (4) ] . لطيفة: قال الإمام بدر الدين أحمد بن محمد الشهير بابن الصاحب رحمه الله تعالى: فإن قلت: ما الحكمة في كون الحجر من ياقوت الجنة دون غيره من جواهرها؟ قلت: سر غريب نبهت عليه في كتاب «الرموز في كشف أغطية الكنوز» وأنا ضنين بذلك ولكني أبوح [ (5) ] هنا بشيء من قشوره، وذلك أن الشمس في الفلك الرابع المتوسط: لو لم يكن وسط الأشياء أحسنها ... ما اختارت الشمس من أفلاكها الوسطا وهي الممدّة لما فوقها وما تحتها من الأفلاك، والمعدة في الفلك الرابع من الأنفس وهي الممدة لما فوقها وما تحتها مستقرها النار، وخلق الله تعالى فيها عينا نبّاعة بحمض معينة على الهضم والتبريد، ومكة في الفلك المتوسط من الدنيا وهو محل النار، وهي الممدة للدنيا، قال الله تعالى:

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 5/ 75، وابن حبان 1004، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/ 119، والمتقي الهندي في الكنز 34740. [ (2) ] أخرجه ابن خزيمة (2731) . [ (3) ] أخرجه الترمذي (877) ، وأحمد في المسند 1/ 307، 373. [ (4) ] أخرجه ابن خزيمة 4/ 220 (2734) وفي إسناده أبو الجنيد وهو الحسين خالد الضرير قال ابن معين: ليس بثقة. [ (5) ] في أ: ألوح.

ذكر ما قيل في اسوداد الحجر بعد بياضه

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ أي: قياماً لدينهم ودنياهم، وجعل الحجر من ياقوت الجنة الذي لا يبالي بالنار ويحصل منه التبريد المعنوي والحسي: وطالما أصلي الياقوت جمراً غضاً ... ثم انطفا الجمر والياقوت ياقوت ثم سرّ آخر: وهو أنه نقطة الدائرة الياقوتية. ذكر ما قيل في اسوداد الحجر بعد بياضه قال السهيلي- رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر شيئاً يتعلق بالحجر الأسود: وانتبه من هاهنا إلى الحكمة في أنه سوّدته خطايا بني آدم دون غيره من أحجار الكعبة وأستارها وذلك أن العهد الذي فيه هو الفطرة التي فطر الناس عليها من توحيد الله تعالى، فكل مولود يولد على تلك الفطرة وعلى ذلك الميثاق، فلولا أن أبويه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه حتى يسودّ قلبه بالشّرك لما حال عن العهد، فلما صار قلب ابن آدم محلاً لذلك العهد والميثاق وصار الحجر محلاً لما كتب فيه من ذلك العهد والميثاق فتناسبا، فاسودّ من الخطايا قلب ابن آدم بعد ما كان ولد عليه من ذلك العهد، واسودّ الحجر الأسود بعد ابيضاضه، وكانت الخطايا سبباً في ذلك حكمة من الله تعالى. وروى أبو الشيخ عن جعفر بن محمد رحمه الله تعالى قال: كنت مع أبي محمد بن علي، فقال له رجل: يا أبا جعفر ما بدء خلق هذا الركن؟ فقال: إن الله- تعالى- لما خلق الخلق قال لبني آدم: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى، فأقرّوا فأجرى نهراً أحلى من العسل وألين من الزبد، ثم أمر القلم فاستمد من ذلك النهر، فكتب إقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ألقم ذلك الكتاب هذا القلم الحجر، فهذا الاستلام الذي يرى إنما هو تبعية على إقرارهم الذي كانوا أقّروا به. وروى عبد الرازق في المصنف وأبو الشيخ عن فاطمة بنت حسن- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما أخذ الله الميثاق من بني آدم جعله الله- تعالى- في الركن، فمن الوفاء بعهد الله تعالى استلام الحجر. وروى الجندي في فضائل مكة وأبو الحسن القطّان في المطوّلات والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: حججنا مع عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فلما دخل في الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبّله [ (1) ] ، فقال له علي

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 540 كتاب الحج (1597، 1605، 1610) ومسلم 2/ 925، 926 كتاب الحج (251/ 1270) وما ذكر عن علي لم يرد في الصحيحين.

شهادة الحجر الأسود يوم القيامة لمن استلمه بحق

- رضي الله تعالى عنه-: أنه يضر وينفع يا أمير المؤمنين. قال: بم؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال وأين ذلك من كتاب الله قال: قال الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ إلى قوله: بَلى، خلق آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنه الرب وأنهم العبيد، وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رقّ، وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له: افتح فاك، ففتح فاه فألقمه ذلك الرّقّ وقال: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، وإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالحجر الأسود يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن يستلمه بالتوحيد» فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع. فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن. تنبيه: قال المحب الطبري رحمه الله تعالى: وقد اعترض بعض الملحدة، فقال: كيف يسوّد الحجر خطايا أهل الشرك ولا يبيضه توحيد أهل الإيمان؟. والجواب عنه من ثلاثة أوجه: الأول: ما تضمنه حديث ابن عباس الذي رواه الجندي: أن الله- تعالى- إنما طمس نوره بالسواد ليستر زينة الجنة عن الظّلمة وكأنه لما تغيّرت صفته التي كانت كالزّينة له بالسواد كان ذلك السواد له كالحجاب المانع من الرؤية وإن رئي جرمه، إذ يجوز أن يطلق عليه غير مرئي، كما يطلق على المرأة المستترة بثوب أنها غير مرئية. الثاني: أجاب به ابن حبيب [ (1) ] رحمه الله- تعالى- فقال: لو شاء الله- تعالى- لكان ذلك، وما علمت أيها المعترض أن الله- تعالى- أجرى العادة بأن السواد يصبغ ولا يصبغ، والبياض ينصبغ ولا يصبغ. والثالث: وهو منقاس، أن يقال: بقاؤه أسود- والله تعالى أعلم-: إنما كان للاعتبار، وليعلم أن الخطايا إذا أثّّرت في الحجر فتأثيرها في القلوب أعظم. والله أعلم. شهادة الحجر الأسود يوم القيامة لمن استلمه بحق روى الدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «ليبعثن الله الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق» [ (2) ] .

_ [ (1) ] عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي الإلبيري القرطبي، أبو مروان: عالم الأندلس وفقيهها في عصره. أصله من طليطلة، من بني سليم، أو من مواليهم. ولد في البيرة، وسكن قرطبة. وزار مصر، ثم عاد إلي الأندلس فتوفي بقرطبة. كان عالما بالتاريخ والأدب، رأسا في فقه المالكية. له تصانيف كثيرة، قيل: تزيد على ألف. منها «حروب الإسلام» و «طبقات الفقهاء والتابعين» و «طبقات المحدثين» و «تفسير موطأ مالك» توفي سنة 238 هـ. الأعلام 4/ 175. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 291، 371، والبيهقي 5/ 75، والطبراني في الكبير 12/ 63، وذكره المتقي الهندي في الكنز 34748، والدارمي 2/ 42.

ما جاء في تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر واستلامه له وسجوده عليه

وورد من حديث أنس رواه الحاكم، ومن حديث سلمان رواه الأزرقي، ومن حديث عبد الله بن عمر، ورواه ابن خزيمة والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات. ما جاء في تقبيل النبي صلى الله عليه وسلّم الحجر واستلامه له وسجوده عليه قال ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستلم الحجر ويقبّله. رواه الشيخان [ (1) ] . وقال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر رواه الترمذي. وقال أيضاً: رأيت عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قبّله وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعل ذلك. رواه البيهقي. وقال جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مسحهما- يعني الرّكنين- كفارة للخطايا» [ (2) ] . رواه الترمذي. وقال عابس- بالباء الموحدة والمهملة- بن ربيعة: رأيت عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- يقبّل الحجر، ويقول: والله إني لأعلم إنك حجر لا تنفع ولا تضرّ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. رواه الشيخان [ (3) ] . قال المحب الطبري رحمه الله تعالى: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهّال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر- رضي الله تعالى عنه- أن يعلم الناس أن استلامه إتباع لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لا أن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان. ما جاء أن الحجر الأسود يمين الله تعالى في الأرض يصافح به عباده روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص [ (4) ]- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 555 (1611) ، ومسلم 2/ 924 (246/ 1268) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 3/ 292 كتاب الحج (959) ، والنسائي 5/ 221، والبيهقي 5/ 80. [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 540 (1597) ، ومسلم (2/ 925- 926) . [ (4) ] عبد الله بن عمرو بن العاص السّهمي أبو محمد، بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة. له سبعمائة حديث. كان يلوم أباه على القتال في الفتنة بأدب وتؤدة ويقول: ما لي ولصفّين، ما لي ولقتال المسلمين لوددت أني متّ قبلها بعشرين سنة. قال يحيى بن بكير: مات سنة خمس وستين. وقال اللّيث: سنة ثمان. الخلاصة 2/ 83.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه بحق، وهو يمين الله- تعالى- في الأرض، يصافح به خلقه» [ (1) ] . رجاله رجال الصحيح، إلا عبد الله بن المؤمّل، وهو ضعيف. وروى الطبراني وأبو عبيد القاسم بن سلام [ (2) ] عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحجر يمين الله تعالى في الأرض» [ (3) ] . ورواه الأزرقي وأبو طاهر المخلّص [ (4) ] عنه موقوفاً بلفظ: الحجر الأسود يمين الله تعالى في الأرض، فمن لم يدرك بيعة النبي صلى الله عليه وسلّم فمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم. ورواه الأزرقي أيضاً عنه موقوفاً بلفظ: الركن يمين الله تعالى في الأرض، يصافح به عباده كما يصافح أحدكم أخاه. وفي لفظ رواه محمد بن أبي عمر العدني والأزرقي أن هذا الركن الأسود يمين الله تعالى في الأرض يصافح بها خلقه، والذي نفس ابن عباس بيده ما من مسلم يسأل الله تعالى عنده شيئاً إلا أعطاه إياه [ (5) ] . قال الحافظ في المطالب العالية: موقوف صحيح الإسناد، زاد تلميذه الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة فقال: وله شواهد، منها ما رواه الديلمي عن أنس مرفوعاً: الحجر الأسود يمين الله في الأرض. فمن مسح يده على الحجر فقد بايع الله تعالى إلا يعصيه [ (6) ] ، ومنها: ما رواه الحارث بن أبي أسامة [ (7) ] والخطيب وابن عساكر عن جابر بن عبد

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 457 وابن الجوزي في العلل 2/ 85. [ (2) ] القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي. أحد أئمة الإسلام فقها، ولغة وأدبا، صاحب التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة، أخذ العلم عن الشافعي والقراآت عن الكسائي وغيره. قال الإمام أحمد: أبو عبيد ممن يزداد كل يوم خيرا. توفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 67، 68، 69، والأعلام 6/ 10 وابن سعد 7/ 355، وتذكرة الحفاظ 2/ 417، ووفيات الأعيان 3/ 225. [ (3) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 1/ 336 وذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 417، وعزاه للطبراني في معجمه وأبي عبيد القاسم بن سلام عن ابن عباس رضي الله عنهما. [ (4) ] محمد بن عبد الرحمن بن العباس، أبو طاهر، المخلص الذهبي البغدادي: من حفاظ الحديث. كان مسند بغداد في عصره. له «منتقى سبعة أجزاء» في الحديث، لعله «الفوائد المنتقاة الغرائب الحسان» توفي 393 هـ. الأعلام 6/ 190. [ (5) ] انظر كشف الخفا الموضع السابق. [ (6) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 6/ 328، وابن الجوزي في العلل 2/ 575، وذكره المتقي الهندي في الكنز (34744) . [ (7) ] الحارث بن محمد بن أبي أسامة داهر الإمام أبو محمد التميمي البغدادي الحافظ صاحب المسند، ومسنده لم يرتبه ولد سنة ست وثمانين ومائة. وثقه إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم، وأبو حاتم بن حبان، وقال الدارقطني: صدوق وأما أخذ الدراهم على الرواية فكان فقيرا كثير البنات، وقال أبو الفتح الأزدي وابن حزم: ضعيف عاش سبعا وتسعين سنة. وتوفي يوم عرفة سنة اثنتين وثمانين ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/ 619، 620.

الله- رضي الله تعالى عنها-. مرفوعاً: «الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده» . قال الإمام الخطابي رضي الله تعالى عنه: معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه: أي الحجر- كان له عند الله عهد، وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد مولاته والاختصاص به، فخاطبهم بما يعهدونه. وقال في النهاية: هذا كلام تمثيل وتخييل، أن الملك كان إذا صافح رجلاً قبّل الرجل يده، فكان الحجر الأسود لله بمنزلة اليمين للملك حيث يستلم ويلثم. وقال المحب: الطبري [ (1) ] : معناه أن كل ملك قدم عليه الوافد قبّل يمينه، فلما كان الحاجّ أول ما يقدم يسنّ له تقبيله نزّل بمنزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى.

_ [ (1) ] أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم، شيخ الحرم، محب الدين، أبو العباس الطبري المكي. ولد في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة. وسمع من جماعة، وتفقه، ودرس، وأفتى، وصنف كتابا كبيرا إلى الغاية في الأحكام في ستة مجلدات، وتعب عليه مدة، ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن. روى عنه الدمياطي وابن العطار وابن الخباز والبرزالي وجماعة. قال الذهبي: الفقيه، الزاهد، المحدث، وكان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز. وقال ابن كثير: مصنف الأحكام المبسوطة، أجاد فيها وأفاد، وأكثر وأطنب، وجمع الصحيح والحسن، ولكن ربما أورد الأحاديث الضعيفة ولا ينبه على ضعفها. وله كتاب ترتيب جامع المسانيد. توفي في جمادي الآخرة، وقيل في رمضان، وقيل في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وستمائة. وحكى البرزالي عن بعض علماء الحجاز أن الشيخ محب الدين توفي في جمادى الآخرة، وولده توفي بعده في ذي القعدة. الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 162، 163، والأعلام 1/ 153، وتذكرة الحفاظ 4/ 1475 والطبقات للأسنوي 312، وشذرات الذهب 5/ 425.

الباب السابع في فضائل زمزم

الباب السابع في فضائل زمزم اختلفوا لم سميت بذلك؟ فقيل: لكثرة مائها. قال أبو عبيد البكري يقال ماء زمزم وزمزام: أي كثير. وفي «الموعب» لابن التيّان [ (1) ] : ماء زمزم وزمزام وهو الكثير. وقيل: لتزمزم الماء فيها، وهو حركته. والزمزمة: الصوت يسمع له دويّ. وقيل: لاجتماعها. نقل عن ابن هشام. وقال مجاهد رحمه الله تعالى: سميت زمزم، لأنها مشتقة من الهزمة. والهزمة: الغمز بالعقب في الأرض. رواه الفاكهيّ بسند صحيح. وقيل: لأنها زمّت بالميزان لئلا تأخذ يمينا وشمالا. وقال البكري في معجمه: في زمزم لغات: زمزم بفتح أوله وإسكان ثانية وفتح الزاي الثانية، وزمزم بضم أوله وفتح ثانيه وتشديده وكسر الزاي الثانية، وزمزم بضم أوله وفتح ثانيه بلا تشديد وكسر الزاي الثانية. قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها طعام طعم وشفاء سقم» [ (2) ] . رواه أبو داود الطيالسي [ (3) ] والطبراني والبزار، ورجاله رجال الصحيح، ورواه مسلم بدون «وشفاء سقم» . وقال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ماء زمزم لما شرب له» .. رجاله موثقون، إلا أنه اختلف في إرساله ووصله، وإرساله أصح كما قاله الحافظ. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام وشفاء سقم» [ (4) ] .

_ [ (1) ] تمام بن غالب بن عمر المرسيّ أديب لغوي، من أهل مرسية بالأندلس. توفي في المرية له كتاب «الموعب» في اللغة، قيل: لم يؤلف مثله اختصارا واكتنازا، و «تلقيح العين» لغة. توفي 36 هـ. الأعلام 2/ 86. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1919 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه (132- 2473) ، وأحمد في المسند 5/ 175، والبيهقي في السنن 5/ 147، وابن سعد في الطبقات 4/ 1/ 162، وابن أبي شيبة 14/ 318. [ (3) ] سليمان بن داود بن الجارود مولى قريش، أبو داود الطيالسي: من كبار حفاظ الحديث. فارسي الأصل. سكن البصرة وتوفي بها. كان يحدّث من حفظه. سمع يقول: أسرد ثلاثين ألف حديث ولا فخر! له «مسند- ط» جمعه بعض الحفاظ الخراسانيين. توفي 204 هـ. الأعلام 3/ 125. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 98 وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 289، ونسبه للبزار والطبراني في الصغير وقال: ورجال البزار رجال الصحيح.

رواه الطبراني، ورجاله ثقاة وصححه ابن حبان. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «كنا نسمّيها شبّاعة، يعني زمزم، ونجدها نعم العون على العيال» . رواه الطبراني ورجاله ثقات. وقال أيضاً: اشربوا من شراب الأبرار يعني زمزم. رواه الأزرقي. وقال أيضاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم. رواه أبو نعيم في الحلية وصحح الدمياطي [ (1) ] إسناده. وقال عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم: لما حجّ معاوية حججنا معه، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصّفا، فقال: إنزع لي منها دلوا يا غلام، قال: فنزع له منها دلوا، فأتي به. فشرب، وصبّ على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء وهي لما شرب له. رواه الفاكهي. قال الحافظ: هذا إسناد حسن مع كونه موقوفاً، وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه لهذا الحديث. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله [ (2) ] رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله: «ماء زمزم لما شرب له» [ (3) ] ولفظ أحمد «لما شرب منه» .

_ [ (1) ] عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، أبو محمد، شرف الدين: حافظ للحديث، من أكابر الشافعية. ولد بدمياط. وتنقل في البلاد، وتوفي فجأة في القاهرة. قال الذهبي: كان مليح الهيأة، حسن الخلق، بساما، فصيحا لغويا مقرئا، جيد العبارة، كبير النفس، صحيح الكتب، مفيدا جدا في المذاكرة. وقال المزي: ما رأيت أحفظ منه. من كتبه «معجم» ضمنه أسماء شيوخه وهم نحو ألف وثلاثمائة، في أربعة مجلدات، و «كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى» و «المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح» و «قبائل الخزرج» و «العقد المثمن» توفي سنة 705 هـ. الأعلام 4/ 169. [ (2) ] جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام: بمهملة وراء، الأنصاري، ثم السّلمي: بفتحتين، صحابي ابن صحابي، غزا تسع عشرة غزوة، ومات بالمدينة، بعد السبعين، وهو ابن أربع وتسعين. التقريب 1/ 122. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1018 كتاب المناسك (3062) . قال السيوطي: هذا الحديث مشهور على الألسنة كثيرا، واختلف الحفاظ فيه، فمنهم من صححه، ومنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه والمعتمد الأول. قال في الزوائد 3/ 34: هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن الخباب وسعيد بن زكريا عن عبد الله بن المؤمل به. ورواه أبو يعلى الموصلي من طريق عبد الله بن المؤمل به لكن لم ينفرد ابن ماجة بإخراج هذا المتن فقد رواه الحاكم في المستدرك كذلك من طريق سعيد بن سليمان عن ابن عباس وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وكذا رواه الدارقطني في سننه من حديث ابن عباس ولم يضعفه.

تنبيهان:

تنبيهان: الأول: قد صح عن جماعة من الأئمة أنهم جربوا هذا الحديث فوجدوه صحيحاً. الثاني: يذكر على بعض الألسنة أن فضيلته ما دام في محله، فإذا نقل تغيّر. قال في المقاصد الحسنة: وهذا شيء لا أصل له، فقد كتب صلى الله عليه وسلّم إلى سهيل بن عمرو «إن جاءك كتابي ليلاً فلا تصبحّن أو نهاراً فلا تمسيّن حتى تبعث إليّ بماء زمزم» . وفيه: أنه بعث له بمزادتين، وكان حينئذ بالمدينة قبل أن تفتح مكة، وهو حديث حسن لشواهده. وروى الترمذي- وحسنه- وابن خزيمة في صحيحه والحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها حملت ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب، وكان يصب منه على المرضى ويسقيهم. وروى الطبراني عن حبيب ابن أبي ثابت [ (1) ] قال: سالت عطاء رحمه الله تعالى عن حمل ماء زمزم، فقال: قد حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله الحسن [ (2) ] وحمله الحسين [ (3) ] ، رضي الله تعالى عنهما [ (4) ] . فائدة: يجوز نقل ماء زمزم باتفاق الأئمة الأربعة، بل هو مستحب عند الشافعية والمالكية، والفرق عند الشافعية بينه وبين حجارة الحرم في عدم جواز نقلها وجواز نقل ماء زمزم أن الماء ليس شيئاً يزول فلا يعود. أشار إلى هذا الفرق الإمام الشافعي [ (5) ] كما حكاه عنه البيهقي.

_ [ (1) ] حبيب بن أبي ثابت: قيس، ويقال: هند بن دينار الأسدي، مولاهم، أبو يحيى الكوفي، ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، من الثالثة، مات سنة تسع عشرة ومائة. التقريب 1/ 148. [ (2) ] الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته، وقد صحبه وحفظ عنه، مات شهيدا بالسّمّ، سنة تسع وأربعين وهو ابن سبع وأربعين، وقيل: بل مات سنة خمسين، وقيل: بعدها، التقريب 1/ 168. [ (3) ] الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المدني، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته، حفظ عنه، استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وله ست وخمسون سنة. التقريب 1/ 177. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 290 وعزاه للطبراني في الكبير وقال: فيه من لم أعرفه. [ (5) ] محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد المطّلبي أبو عبد الله الشافعي الإمام العلم. عن مالك وإبراهيم بن سعد وابن عيينة ومحمد بن علي بن شافع وخلق. وعنه أبو بكر الحميدي وأحمد بن حنبل والبويطي وأبو ثور وحرملة وطائفة. حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن عشر سنين. قال الربيع: كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة في صلاة رمضان. وقال بحر بن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطّلبي يقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى يتساقط الناس من بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته. وقال ابن مهدي: كان الشافعي شابّا منهما. وقال أحمد: ستة أدعو لهم سحرا أحدهم الشافعي. وقال: إن الشافعي للناس كالشمس للعالم. وقال أبو عبيد: ما رأيت أعقل من الشافعي. انظر الخلاصة 2/ 377.

ذكر بعض خواص ماء زمزم غير ما تقدم

ذكر بعض خواص ماء زمزم غير ما تقدم منها: أنه يبرّد الحمى لأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بذلك كما في سنن النسائي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما [ (1) ] . ومنها: أنه يذهب الصّداع. قاله الضحاك رحمه الله تعالى. ومنها: أنه لا يرفع ولا يغور إذا رفعت المياه أو غارت قبل يوم القيامة. قاله الضحاك أيضاً ومنها: أنه يفضل مياه الأرض كلها طبّاً وشرعاً. قال الشيخ بدر الدين بن الصاحب رحمه الله تعالى: وازنت ماء زمزم بماء عين مكة فوجدت زمزم أثقل من العين بنحو الربع، ثم اعتبرتها بميزان الطب فوجدتها تفضل مياه الأرض كلها طبّاً وشرعاً. بل قال شيخ الإسلام البلقيني رحمه الله تعالى: أنه أفضل من ماء الجنة ولهذا مزيد بيان يأتي في باب شق صدره صلى الله عليه وسلم. ومنها: أنه يحلو ليلة النصف من شعبان ويطيب. ذكر ذلك ابن الحاج في مناسكه، نقلاً عن مكيّ بن أبي طالب [ (2) ] ونص كلامه: قال الشيخ مكيّ بن أبي طالب رحمه الله تعالى: وفي ليلة النصف من شعبان يحلو ماء زمزم ويطيب ماؤها، يقول أهل مكة: إن عين سلوان تتصل بها تلك الليلة، ويبذل على أخذ الماء في تلك الليلة الأموال ويقع الزحام فلا يصل إلى الماء إلا ذو جاه وشرف. قال: وعانيت ذلك ثلاث سنين. انتهى. ومنها: أنه يكثر في ليلة النصف من شعبان كلّ سنة بحيث أن البئر تفيض بالماء على ما قيل، لكن لا يشاهد ذلك إلا العارفون. وقد شاهد ذلك الشيخ صالح أبو الحسن المعروف بكرباج رحمه الله تعالى. ومنها: أن الاطلاع فيها يجلو البصر. قاله الضحاك. ومنها: أنه يحطّ الأوزار والخطايا. ذكر ذلك أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني الشافعي رحمه الله تعالى في مناسكه. وروى الأزرقي عن مكحول [ (3) ] مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النظر في زمزم عبادة وهي تحط الخطايا» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 291. [ (2) ] مكيّ بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار الأندلسي القيسي، أبو محمد: مقرئ، عالم بالتفسير والعربية. من أهل القيروان. ولد فيها، وطاف في بعض بلاد المشرق، وعاد إلى بلده، وأقرأ بها. ثم سكن قرطبة (سنة 393) وخطب وأقرأ بجامعها وتوفي فيها. له كتب كثيرة، منها «مشكل إعراب القرآن» و «الكشف عن وجوه القراآت وعللها» . توفي سنة 437 هـ. الأعلام 7/ 286. [ (3) ] مكحول الشامي، أبو عبد الله، ثقة، فقيه كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة. التقريب 2/ 273.

ذكر بعض أسماء زمزم

ومنها: أن الله تعالى خصه بالملوحة ليكون الباعث عليها الملح الإيمانيّ، ولو جعله عذباً جداً لغلب الطبع البشري، وبهذا يردّ على أبي العلاء المعرّي [ (1) ] قوله: لك الحمد أمواه البلاد بأسرها ... عذاب وخصّت بالملوحة زمزم ومنها: أن من حثى على رأسه منها ثلاث حثيات لم تصبه ذلّة أبداً. رواه الفاكهي عن بعض ملوك الروم أنه وجد ذلك في كتبهم. ذكر بعض أسماء زمزم قال الفاكهي رحمه الله تعالى: أعطاني أحمد بن محمد بن إبراهيم كتابا ذكر أنه عن أشياخه من أهل مكة فكتبته من كتابه فقالوا: هذه تسمية أسماء زمزم. هي: زمزم وهزمة جبريل، وسقيا إسماعيل، لا تنزف ولا تذم، وبركة، وسيدة، ونافعة، ومضنونة وعونة، وبشرى، وصافية، وبرّة، وعصمة، وسالمة، وميمونة، ومباركة، وكافية، وعافية، ومغذية، وطاهرة، وحرمة، ومروية، ومؤنة، وطعام طعم، وشفاء سقم. انتهى. زاد غيره: طيبة، وتكتم وشبّاعة العيال، وشراب الأبرار، وقرية النمل، ونقرة الغراب الأعصم، وهزمة إسماعيل، قال البكري: الهزمة تطامن في الأرض، وهزمة الأرض: حفرتها، والهزائم: الآبار. انتهى. وحفرة العباس. ذكر هذا الاسم ياقوت في المشترك. وهمزة جبريل بتقديم الميم على الزاي ذكره السّهيلي، وسابق. قلت: وزاد البكري: الشّيّاعة. قال: بتشديد الشين المعجمة وتشديد الياء أخت الواو وبالعين المهملة. هذا نصه ولم يتعرض لحركات الحروف وهي في خط مغلطاي في «الزهر» بثلاث فتحات. وذكره الزمخشري كذلك في أسماء الأماكن والمياه ثم نقل عن الخارزنجي: شياعة بضم الشين وفتح الياء مخففتين. وركضة جبريل، وحفيرة عبد المطلب ونقل ذلك عن أبي عمر الزاهد رحمه الله تعالى.

_ [ (1) ] أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخيّ المعري: شاعر فيلسوف. ولد ومات في معرة النعمان. كان نحيف الجسم، أصيب بالجدريّ صغيرا فعمي في السنة الرابعة من عمره. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر. وهو من بيت علم كبير في بلده. ولما مات وقف على قبره 84 شاعرا يرثونه. وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم. وكان يحرّم إيلام الحيوان، أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: «لزوم ما لا يلزم» ويعرف باللزوميات، و «سقط الزند» و «ضوء السقط» وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية وأما كتبه فكثيرة. توفي سنة 449 هـ. الأعلام 1/ 157.

وزاد في «الزهر» نقلا عن ابن السّيد [ (1) ] في المثلّث: زمّم بفتح الميم الأولى وبضمها مشددة فيهما. وشيعة بفتح الشين المعجمة وسكون المثناة التحتية وفتح العين المهملة. وحفيرة عبد المطلب وزاد ابن خالويه [ (2) ] في كتاب «ليس» : مكنونة بنونين. ومكتومة بمثناة فوقية وميم. والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي، نور الدين أبو الحسن: مؤرخ المدينة المنورة ومفتيها. ولد في سمهود بصعيد مصر ونشأ في القاهرة. واستوطن المدينة سنة 873 هـ، وتوفي بها. من كتبه «وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى» ، و «خلاصة الوفا» و «جواهر العقدين» في فضل العلم والنسب، و «الفتاوى» مجموع فتاواه، و «الغماز على اللماز» . توفي سنة 911 هـ. الأعلام 4/ 307. [ (2) ] الحسين بن أحمد بن خالويه، أبو عبد الله: لغويّ، من كبار النحاة. أصله من همذان. زار اليمن وأقام بذمار، مدة، وانتقل إلى الشام فاستوطن حلب. وعظمت بها شهرته، فأحله بنو حمدان منزلة رفيعة. وكانت له مع المتنبي مجالس ومباحث عند سيف الدولة. وعهد إليه سيف الدولة بتأديب أولاده. وتوفي في حلب. من كتبه «شرح مقصورة ابن دريد» و «مختصر في شواذ القرآن» و «إعراب ثلاثين سورة من القرآن العزيز» . توفي سنة 370 هـ. الأعلام 2/ 231.

الباب الثامن في تجديد حفر زمزم على يد عبد المطلب بن هاشم

الباب الثامن في تجديد حفر زمزم على يد عبد المطلب بن هاشم قال السهيلي: وكانت زمزم كما تقدم سقيا إسماعيل صلى الله عليه وسلم فحفرها له روح القدس بعقبه. وفي تحفيره إياها بالعقب دون أن يحفرها باليد أو غيره: إشارة إلى أنها لعقبه وراثة وهو محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، كما قال تعالى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي في أمة محمد صلّى الله عليه وسلم. انتهى. ولم يزل ماء زمزم ظاهراً ينتفع به سكان مكة. ولما توفي الله سبحانه وتعالى إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل ما شاء الله تعالى أن يليه، ثم ولي البيت مضاض بن عمرو الجرهميّ وبنو إسماعيل وبنو نابت مع جدهم مضاض وأخوالهم من جرهم. ثم نشر الله تعالى ولد إسماعيل بمكة، وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخؤولتهم وقرابتهم، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغيّ أو قتال. ثم إن جرهما بغوا بمكة واستحلّوا حلالاً من الحرم، فظلموا من دخلها من غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها فرقّ أمرهم، فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة من كنانة وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة، فآذنوهم، أي أعلموهم، بالحرب، فاقتتلوا، فغلبهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة، وكانت مكة في الجاهلية لا تقرّ فيها ظلماً ولا بغياً، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته، ولا يريدها ملك يستحلّ حرمتها إلا أهلكته مكانه. فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض بغزالي الكعبة وبحجر الركن، فدفن الغزالين في زمزم وردمها، ومرت عليها السنون عصراً بعد عصر إلى أن صار موضعها لا يعرف حتى بوّأها الله تعالى لعبد المطلب. وانطلق عمرو بن الحارث بن مضاض ومن معه من جرهم إلى اليمن. حفر عبد المطلب وروى قصة حفر عبد المطلب لزمزم ابن إسحاق عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، والبيهقي عن الزهري: أن عبد المطلب بينا هو نائم في الحجر أتي فقيل له: أحفر برّة. قال: وما برّة؟ فذهب عنه، حتى إذا كان الغد فنام في مضجعه ذلك فأتى فقيل: له: احفر المضنونة. قال: وما المضنونة؟ فذهب عنه، حتى إذا كان الغد فنام في مضجعه ذلك فقيل له:

احفر ظبية. قال: وما ظبية؟ فذهب عنه فلما كان من الغد عاد إلى مضجعه فنام فيه فأتى فقيل له: احفر زمزم. قال: وما زمزم؟ قال: لا تنزف ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم. ثم ادع بالماء الرّوى غير الكدر ... تسقي حجيج الله في كل مبرّ [ (1) ] ليس يخاف منه شيء ما عمر فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش فقال: تعلّموا أني قد أمرت بحفر زمزم. فقالوا: فهل بيّن لك أين هي؟ قال: لا. قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت، فإن يك حقا من الله يبيّن لك، وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك. فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فيه وقال: اللهم بيّن لي. فأرى في المنام: احفر تكتم. وفي لفظ: فقيل له: احفر زمزم إن حفرتها لم تذمّ، وهي تراث من أبيك الأعظم، لا تنزف ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، مثل نعام جافل لم يقسم، ينفذ فيها ناذر لمغنم، تكون ميراثاً وعقداً محكم، ليست كبعض ما قد تعلم. فقال: وأين هي؟ فقيل له: بين الفرث والدم، في مبحث الغراب الأعصم، في قرية النمل. فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمّي له من الآيات، فنحرت بقرة بالحزورة فانفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع زمزم بين الوثنين إساف ونائلة فنحرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها، فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث، فبحث عن قرية النمل. فقام عبد المطلب فحفر هنالك ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره، فجاءته قريش فقالت له: ما هذا الصّنيع؟ قال: أمرت بحفر زمزم، فلما كشف عنه وبصروا بالطّيّ كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقّاً فأشركنا معك فيها. قال: ما أنا بفاعل، أن هذا الأمر خصصت به دونكم. قالوا: تحاكمنا؟ قال: نعم. قالوا: بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم، وكانت بأشراف الشام. فركب عبد المطلب في نفر من بني أمية وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر، وكانت الأرض مفاوز فيما بين الشام والحجاز، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد فني ما عند عبد المطلب وأصحابه من الماء حتى أيقنوا بالهلكة، ثم استسقوا القوم قالوا: ما نستطيع أن نسقيكم، وإنا نخاف مثل الذي أصابكم. فقال عبد المطلب لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك. قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته، وكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه، فضيعة رجل أهون من ضيعة

_ [ (1) ] الأبيات في البداية والنهاية 2/ 243، والسيرة النبوية في الروض الأنف 1/ 168.

فوائد

جميعكم. ففعلوا. ثم قال: والله إن إلقاءنا للموت بأيدينا لا نضرب في الأرض ونبتغي لعل الله تعالى يسقينا لعجز. فقال لأصحابه: ارتحلوا. فارتحلوا وارتحل، فلما جلس على ناقته فانبعثت به انفجرت عين من تحت خفّها بماء عذب، فكبّر عبد المطلب، وكبّر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه وآستقوا وأسقوا، ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلموا إلى الماء فقد سقانا الله تعالى. فجاؤوا وآستقوا وأسقوا، قالوا: يا عبد المطلب قد والله قضي لك علينا، لا نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي أسقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشداً. ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلّوا بينه وبينها. فلما رجع عبد المطلب أكمل حفر زمزم وجعل عليها حوضاً يملأه ويشرب الحاج منه، فيكسره أناس من حسدة قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب، فلما أكثروا إفساده دعا عبد المطلب ربّه، فأري في المنام فقيل له: قل: اللهم إني لا أحلّها لمغتسل، ولكن هي لشارب حلّ وبلّ. ثم كفيتهم. فقام عبد المطلب فنادى بالذي أري، ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد إلاّ رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته. وذكر ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- أن عبد المطلب وجد في زمزم غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم حين خرجت، ووجد فيها أسيافاً قلعيّة وأدرعاً. فقالت له قريش: يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحقّ. قال: لا، ولكن هلموا إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح. قالوا: وكيف نصنع؟ قال: اجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج قدحاه على شيء كان له، ومن تخلف قدحاه فلا شيء له. قالوا: أنصفت. فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش. ثم أعطوا صاحب القداح الذي يضرب بها عند هبل، وهبل صنم في جوف الكعبة، وقام عبد المطلب يدعو وصاحب القداح يضرب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين، وخرج الأسودان على الأسياف والأدرع، وتخلّف قدحا قريش. فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة وضرب في الباب الغزالين من ذهب، فكان أول ذهب حلّيته الكعبة. قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-: فلما حفر عبد المطلب زمزم ودلّه الله تعالى عليها وخصّه الله بها زاده الله بها شرفاً وخطراً في قومه، وعطّلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت وأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها، لمكانها من البيت وأنها سقاية الله عز وجل لإسماعيل صلى الله عليه وسلّم. فوائد الأولى: قال السهيلي- رحمه الله تعالى: الأسياف والغزلان، كان ساسان ملك الفرس

أهداها للكعبة، وقيل سابور. وكانت الأوائل من ملوك الفرس تحجّها إلى ساسان أو سابور. الثانية: قال السّهيلي أيضاً: دلّ عبد المطلب على زمزم بعلامات ثلاث: بنقرة الغراب الأعصم، وأنها بين الفرث والدم، وعند قرية النمل، ولم يخص هذه العلامات الثلاث إلا بحكمة إلهية وفائدة مشاكلة لطيفة في علم التعبير والتوسّم الصادق لمعنى زمزم ومائها. أما الفرث والدم: فإن ماءها طعام طعم وشفاء سقم. وهي لما شربت له، وقد تقوّت من مائها أبو ذر- رضي الله تعالى عنه- ثلاثين ما بين ليلة ويوم فسمن حتى تكسّرت عكن بطنه، فهي إذا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللبن: «إذا شرب أحدكم اللبن فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يسدّ مسدّ الطعام والشراب إلا اللبن» وقد قال الله تعالى: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ فظهرت هذه السّقيا المباركة بين الفرث والدم، وكانت تلك من دلائلها المشاكلة لمعناها. وأما الغراب: فهو في التأويل فاسق، وهو أسود، فدلت نقرته عند الكعبة على نقرة الأسود الحبشي بمعوله في أساس الكعبة بهدمها آخر الزمان، فكأن نقرة الغراب في ذلك المكان تؤذن بما يفعله الفاسق في آخر الزمان بقبلة الرحمن وسقيا اهل الإيمان، وذلك عند ما يرفع القرآن. وتحيا عبادة الأوثان. وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليخربن الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» [ (1) ] وفيه أيضاً من صفته أنه أفحج، وهذا ينظر إلى كون الغراب أعصم، إذ الفحج: تباعد في الرجلين، كما أن العصم اختلاف فيهما، والاختلاف تباعد، وقد عرف بذي السويقتين، كما نعت الغراب بصفة في ساقيه. فتأمله. وهذا من خفيّ علم التعبير، لأنها كانت رؤيا. وأما قرية النمل ففيها من المشاكلة أيضاً والمناسبة: أن زمزم عين مكة التي يردها الحجيج والعمّار من كل جانب، فيحملون لها البرّ والشعير وغير ذلك، وهي لا تزرع ولا تحرث، كما قال سبحانه وتعالى خبراً عن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ الآية. وقرية النمل كذلك، لأن النمل لا تحرث ولا تزرع وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب، ومكة كذلك، كما قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ مع أن لفظ قرية النمل مأخوذ من قريت الماء في الحوض إذا جمعته، والرؤيا تعبر على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى، فقد اجتمع اللفظ والمعنى في هذا التأويل. والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 531 كتاب الحج (1591) ، ومسلم 4/ 2232 كتاب الفتن (57- 2909) .

الثالثة: ذكر الزمخشري [ (1) ]- رحمه الله تعالى- في ربيع الأبرار أن جبريل صلى الله عليه وسلم أنبط ماء زمزم مرتين: مرة لآدم صلى الله عليه وسلّم حتى انقطعت زمن الطوفان، ومرة لإسماعيل. وفي الزّهر: ويعضّد ما قاله قول خويلد بن أسد بن عبد العزى في عبد المطلب: أقول وما قولي عليهم بسبّة ... إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم ركيّة إبراهيم يوم ابن هاجر ... وركضة جبريل على عهد آدم الرابعة: في شرح غريب ما تقدم: روح القدس بضم القاف والدال، وسكون الدال: المطهّر، والمراد به جبريل صلى الله عليه وسلم، لأنه خلق من طهارة، فالإضافة بيانية. العقب [ (2) ] : ما فضل من مؤخر الرّجل عن الساق، والمراد به في الآية الولد. وولد الولد. نابت: بنون ومثناة فوقية. مضاض بميم مكسورة وحكى ضمها وضادين معجمتين. جرهم: بضم الجيم وسكون الراء وضم الهاء. نشر الله ولد إسماعيل: أي كثّرهم. رقّ أمرهم: أي ساءت حالهم. برّة بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المهملة، سميت بذلك لكثرة منافعها وسعة مائها. المضنونة: قال وهب بن منبه- رحمه الله تعالى-: سميت بذلك لأنها ضنّ بها على غير المؤمنين، فلا يتضلع منها منافق. روى البخاري في التاريخ وابن ماجة والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلّعون من زمزم» [ (3) ] . له طرق وهو بمجموعها حسن.

_ [ (1) ] محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري، جار الله، أبو القاسم: من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب. ولد في زمخشر (من قرى خوارزم) وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا فلقب بجار الله. وتنقل في البلدان، ثم عاد إلي الجرجانية (من قرى خوارزم) فتوفي فيها. أشهر كتبه «الكشاف» في تفسير القرآن، و «أساس البلاغة» و «المفصل» ومن كتبه «المقامات» و «الجبال والأمكنة والمياه» و «المقدمة» معجم عربي فارسي، مجلدان، و «مقدمة الأدب» في اللغة، و «الفائق» في غريب الحديث، و «المستقصى» في الأمثال، مجلدان، وكان معتزلي المذهب، مجاهرا، شديد الإنكار على المتصوفة، أكثر من التشنيع عليهم في الكشاف وغيره. توفي سنة 538 هـ. الأعلام 7/ 178. [ (2) ] انظر المفردات في غريب القرآن (340) . [ (3) ] أخرجه البيهقي 5/ 147 والحاكم في المستدرك 1/ 472، والبخاري في التاريخ 1/ 158، والدارقطني 2/ 288، والطبراني في الكبير 11/ 124.

وروى الأزرقي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التضلّع من ماء زمزم براءة من النفاق» [ (1) ] . وقيل سميت بذلك لأنه قيل لعبد المطلب: احفر المضنونة، ضننت بها على الناس إلا عليك. ظبية: بظاء معجمة فباء موحدة فمثناة تحتية، سميت بذلك تشبيها بالظبية وهي الخريطة لجمعها ما فيها. قاله في النهاية تبعاً لأبي موسى المديني: والذي جرى عليه السّهيلي والخشني: أنها بطاء مهملة فمثناة تحتية، فباء، قال الخشني: من الطّيب. وقال السهيلي: لأنها للطيّبين والطيبات. تكتم بمثناتين فوقيتين تبنى للمفعول. لا تنزف: أي لا يفرغ ماؤها ولا يلحق قعرها. قال السهيلي- رحمه الله تعالى- وهذا برهان عظيم، لأنها لم تنزف من ذلك الحين إلى اليوم قط، وقد وقع فيها حبشيّ فنزحت من أجله فوجد ماؤها يفور من ثلاثة أعين أقواها وأكثرها ماء عين من ناحية الحجر الأسود. ولا تذمّ: قال الخشنيّ: أي لا توجد قليلة الماء يقال أذممت البئر إذا وجدتها ذمّة أي قليلة الماء. زاد السّهيلي: وليس معناه على ما يبدو من ظاهر اللفظ من أنها لا يذمّها أحد، ولو كان من الذم لكان ماؤها أعذب المياه ولتضلع كلّ من شرب منه، وقد تقدم أنه لا يتضلع منها منافق، فماؤها إذاً مذموم عندهم. وفي النهاية: لا تذم أي لا تعاب أو لا تلفى مذمومة، من قولك: أذممته إذا وجدته مذموماً. وقيل: لا يوجد ماؤها قليلا من قولهم: بئر ذمّة إذا كانت قليلة الماء. الفرث: ما يكون في كرش ذي الكرش. الأعصم من الغربان: الذي في ساقيه بياض. قاله الخشني- رحمه الله تعالى-. قرية النمل: الموضع الذي يجتمع فيه. الرّوى: يقال: ماء روى بالكسر والقصر ورواء بالفتح والمدّ: أي عذب. ما عمر: بفتح العين المهملة أي ما عمر هذا الماء فإنه لا يؤذي ولا يخاف منه ما يخاف من سائد المياه إذا أفرط في شربها بل هو بركة على كل حال. نعام جافل: لم يقسم. الجافل: من جفلت الغنم إذا انفلتت بجملتها، ولم يقسم: أي لم يتوزع ولم يتفرق، وعلى هذا يجوز أن يحمل قوله: لا تذم أي لا تذم عاقبة شربها. وهذا تأويل سائغ إلى ما قدمناه من التأويل، وكلاهما صحيح في صفتها. وفي كل مبرّ: مفعل من البرّ، يريد في مناسك الحج ومواضع الطاعة. الحزورة بفتح

_ [ (1) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 364 وعزاه لابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواه أبو نعيم عن عبد الله بن ثعلبة الحنثي من كلامه، وذكره في الكنز (34778) والسيوطي في الدر المنثور 3/ 221.

الحاء المهملة ثم زاي ساكنة فواو فراء فهاء بوزن قسورة. قال الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه-: الناس يشدّدونه وهو مخفف. وقال الدارقطني: التشديد تصحيف وإنما هو بالتخفيف. موضع بمكة داخل المسجد. الحشاشة [ (1) ] : بقية الروح. إساف: بكسر الهمزة وفتح المهملة المخففة. نائلة بنون وبعد الألف مثناة تحتية. الطيّ: قال ابن هشام: ويقال: الطوىّ: وكلّ واحد. قال الخشني: وليس بظاهر، لأن الطي يقال للحجارة التي يطوى أي يبنى بها البئر سمّيت بالمصدر، والطوىّ هو البئر نفسها. كاهنة بني سعد بن هذيم: كذا روي، ورواه ابن سراج: سعد هذيم. بإسقاط ابن. قال الخشني: وهو الصواب لأن هذيماً لم يكن أباه وإنما كفله بعد أبيه فأضيف إليه. أشراف الشام بالفاء أخت القاف: وهو ما ارتفع من الأرض، واحده شرف. تقول: قعدت على شرف من الأرض أي على مكان مرتفع، من أفناء قريش. الأفناء جمع فنو كأحمال وحمل، أي أخلاطهم. المفاوز: القفار واحدها مفازة، وفي اشتقاق اسمها ثلاثة أقوال: فقيل لأن راكبها إذا قطعها فقد فاز. وقيل: معناها: مهلكة، يقال: فاز الرجل، وفوّز مشدداً، وفاد بالدال المهملة: إذا هلك. وقيل سميت مفازة على جهة التفاؤل. ظمئوا: عطشوا. ضيعة رجل: هو في الأصل المرة من الضياع. نضرب في الأرض: نسافر. انبعثت به راحلته: قامت من بروكها. حلّ بكسر الحاء: الحلال ضد الحرام وبلّ بكسر الباء الموحدة: المباح. وقيل: الشفاء من قولهم: بلّ من مرضه وأبلّ. وبعضهم يجعله إتباعاً لحل. قال في النهاية: ويمنع من جواز الإتباع الواو. أسيافا قلعية: منسوبة إلى بلد بالهند من جهة الصين. والقلعة بفتح اللام وسكونها: الموضع المرتفع. النصف بكسر النون وسكون الصاد المهملة وبفتحها: النّصفة بفتحات، وهو الاسم من الإنصاف. القداح: جمع قدح بكسر القاف فيهما، وهو السهم الذي كانوا يستقسمون به. هبل: بضم الهاء وفتح الباء. الخطر: بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة. قال في المصباح: خطر الرجل يخطر خطراً، وزان شرف شرفاً إذا ارتفع قدره ومنزلته فهو خطير.

_ [ (1) ] والحشاشة: روح القلب ورمق حياة النفس قال: وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آل اللسان 2/ 886.

الباب التاسع في بعض أسماء البلد الشريف والحرم المنيف

الباب التاسع في بعض أسماء البلد الشريف والحرم المنيف قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى-: ولا يرى في البلاد بلدة أكثر أسماء من مكة والمدينة، لكونهما أشرف الأرض. انتهى. الباسّة: بالباء الموحدة والسين المهملة. قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: سميت بذلك، لأنها تبس من الحد فيها أي تهلكه وتحطمه. برّة: نقله الزركشي عن ابن خليل- رحمهما الله تعالى-. بساق: ذكره ابن رشيق [ (1) ]- رحمه الله تعالى- في «العمدة» . قال في شفاء الغرام: وهو بباء موحدة فسين مهملة فألف فقاف. انتهى. وفي الصّحاح: بسق فلان على أصحابه أي علاهم. وفي القاموس: أنه كغراب: جبل بعرفات وواد في الحجاز. وفي المشترك لياقوت وربما قالوه بالصاد جبل بعرفات، فيه واد بين المدينة والحجاز وعقبة بين التيه وأيلة. بكّة بالباء. قال: أبو عبيد البكري: وهي مكة تبدل الميم من الباء قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ وقال: بِبَطْنِ مَكَّةَ وقال عطية: بكّة موضع البيت، ومكة ما حواليه. وهو قول إبراهيم النّخعي. وقال عكرمة: بكّة: ما ولي البيت. ومكة ما وراء ذلك. وقال القتبيّ: قال أبو عبيدة: بكّة بالباء، اسم لبطن مكة. قال البكري: والذي عليه أهل اللغة إن مكة وبكة شيء واحد، كما يقال سبد رأسه وسمده، وضربة لازم ولازب. قال: وقيل بل هما اسمان لمعنيين واقعان على شيء واحد، فاشتقاق مكة لقلة مائها وذكر ما سيأتي في مكة. ثم قال، قالوا: وسميت بكّة لأن الناس يتباكّون فيها أي يزدحمون. انتهى. زاد الزركشي في الإعلام، والفاسيّ [ (2) ] في شفاء الغرام: وقيل: لأنها تبكّ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها، أي تدقها. والبكّ: الدق. ولفظ الزركشي: أي تكسرهم فيذلّون بها

_ [ (1) ] الحسن بن رشيق القيرواني، أبو علي: أديب، نقاد، باحث. كان أبوه من موالي الأزد. ولد في المسيلة (بالمغرب) وتعلم الصياغة، ثم مال إلى الأدب وقال الشعر، فرحل إلى القيروان سنة 406 ومدح ملكها، واشتهر فيها. وحدثت فتنة فانتقل إلى جزيرة صقلية، وأقام بمازر إحدى مدنها، إلى أن توفى. من كتبه «العمدة في صناعة الشعر ونقده» و «قراضة الذهب- ط» في النقد، و «الشذوذ في اللغة» . توفي سنة 463 هـ. الأعلام 2/ 191. [ (2) ] محمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبو الطيب المكي الحسني: مؤرخ، عالم بالأصول، حافظ للحديث. أصله من فاس، ومولده ووفاته بمكة. دخل اليمن والشام ومصر مرارا. وولي قضاء المالكية بمكة مدة. وكان أعشى يملي تصانيفه على من يكتب له، ثم عمي سنة 828 قال المقريزي: كان بحر علم لم يخلف بالحجاز بعده مثله. من كتبه «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين» و «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» وغير ذلك، واشترط في وقف كتبه ألا تعار لمكي، فسرق أكثرها وضاع. توفي 382 هـ. الأعلام 5/ 331.

ويخضعون. وقيل: إنها تضع من نخوة المتكبرّين فيها. قاله- الترمذي- رحمه الله تعالى. البلد: قال الله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وروى ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ قال: مكة. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، أحل الله تعالى له يوم دخول مكة أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء. بلد الله تعالى: لاختياره لها على غيرها. البلدة. قال تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ قال ياقوت في «المشترك» : هي مكة. وقال تعالى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ قال الواحديّ [ (1) ] في الوسيط وابن برجان [ (2) ] في تفسيره: هي مكة. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: هي مكة. وروى عبد بن حميد عن قتادة مثله. وروى ابن المنذر عن ابن جريج قال: زعم الناس أنها مكة. البلد الحرام: لحرمة مكة [ (3) ] . وسيأتي لهذا مزيد بيان في حجة الوداع. البلد الأمين: لتحريم القتال فيه، قال تعالى: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ قال خزيمة بن ثابت [ (4) ] ، وليس بالأنصاري: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال: «مكة» . رواه الطبراني في الأوسط. وبه قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما. رواه أيضاً ابن جرير، وابن أبي حاتم. ولا خلاف في ذلك بين المفسرين. الثّنيّة: ذكره الزركشي. وقال في شفاء الغرام: هذه عن ياقوت. انتهى. والذي ذكره ياقوت في المشترك بعد أن ذكر الكلام على الثنية: فالأول: الثنية البيضاء،

_ [ (1) ] علي بن أحمد بن محمد، أبو الحسن الواحدي. كان فقيها إماما في النحو واللغة وغيرهما، شاعرا، وأما التفسير فهو إمام عصره فيه. أخذ التفسير عن أبي إسحاق الثعلبي، واللغة عن أبي الفضل العروضي صاحب أبي منصور الأزهري والنحو عن أبي الحسن القهندري الضرير. صنف «البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز» و «أسباب النزول» وكتاب نفي التحريف عن القرآن الشريف، وكتاب الدعوات، وكتاب التنجيز في شرح أسماء الله الحسنى، وكتاب تفسير أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب «المغازي» وكتاب الإغراب في الإعراب، وشرح ديوان المتنبي. وأصله من ساوه. من أولاد التجار، وولد بنيسابور، ومات بها بعد مرض طويل في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 256، 257، والأعلام 5/ 59، ووفيات الأعيان 2/ 464، وبغية الوعاة 327. [ (2) ] هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي، أبو الحكم: متصوف، من مشاهير الصالحين. له كتاب في «تفسير القرآن» أكثر كلامه فيه على طريق الصوفية لم يكمله، و «شرح أسماء الله الحسنى» . توفي بمراكش سنة 536 هـ. الأعلام 4/ 6. [ (3) ] في أ: لحرم مكة. [ (4) ] خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عمّار الأنصاري الخطمي ذو الشّهادتين، شهد بدرا وأحدا، له ثمانية وثلاثون حديثا. تفرد له (م) بحديث. روى عنه ابنه عمارة وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص. قتل مع علي بصفين. الخلاصة 1/ 289.

وهي عقبة تهبطك إلى فخ بالخاء المعجمة وأنت مقبل إلى المدينة، تريد أسفل من مكة قبل ذي طوى، ولم يذكر أن مكة نفسها اسمها الثنية. فالله تعالى أعلم. الحاطمة: ذكره الأزرقي والنووي وغيرهما، لحطهما الملحدين. الحرم: بحاء وراء مهملتين ذكره سليمان بن خليل في مناسكه. الحرمة بالضم. الحرمة بالكسر. ذكرهما عديس في الباهر. الرأس: قال النووي: لأنه أشرف الأرض كرأس الإنسان. وأنشد كراع [ (1) ] : وفي الرّأس آيات لمن كان ذا حجىّ ... وفي مدين العليا وفي موضع الحجر الرّتاج: براء مكسورة فمثناة فوقية فألف فجيم. ذكره المحب الطّبري، وقال الزركشي المعروف أن الرتاج: الباب. قال الخليل: وربما أريد به الكعبة. ومنه الحديث: «جعل ماله في رتاج الكعبة» أي لها، فكنى عنها بالباب، لأن منه يدخل إليها. سبوحة: ذكره في شفاء الغرام. وقال في الصحاح: وهي بفتح السين مخففة: البلد الحرام. ويقال: واد بعرفات. وذكرها الفارابي [ (2) ] في فعولة بفتح الفاء وضم العين. سلام: بالكسر بلا تنوين ذكره في شفاء الغرام. السبل. ذكره صاحب القاموس [ (3) ] في التحبير. صلاح: بفتح الصاد وكسر الحاء المهملة بلا تنوين. قال النووي: سميت بذلك لأمنها. زاد الزركشي في الإعلام: ولأن فيها صلاح الخلق، أو لأنها تعمل فيها الأعمال الصالحة. صلاح: منونة. طيّبة: بالتشديد لطيبها. العذراء: لأنها لم تنل بمكروه.

_ [ (1) ] علي بن الحسن الهنائي الأزدي أبو الحسن عالم بالعربية مصري لقب «كراع النمل» لقصره أو لدمامته. له كتب منها «المنضد» في اللغة توفي بعد 309 هـ. الأعلام 4/ 272. [ (2) ] إسحاق بن إبراهيم بن الحسين الفارابي، أبو إبراهيم، أديب، غزير مادة العلم، من أهل فاراب (وراء نهر سيحون) وهو خال الجوهري صاحب الصحاح. انتقل إلى اليمن، وأقام في زبيد، وصنف كتابا سماه «ديوان الأدب» عرّفه بقوله: وهو ميزان اللغة ومعيار الكلام. وهو غير الفارابي الحكيم. توفي سنة 350 هـ. الأعلام 1/ 293. [ (3) ] محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر، أبو طاهر، مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي: من أئمة اللغة والأدب. ولد بكارزين (بكسر الراء وتفتح) من أعمال شيراز. وانتقل إلى العراق، وجال في مصر والشام، ودخل بلاد الروم والهند. ورحل إلى زبيد (سنة 796 هـ) فأكرمه ملكها الأشرف إسماعيل وقرأ عليه، فسكنها وولي قضاءها. وانتشر اسمه في الآفاق، حتى كان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير، وتوفي في زبيد. أشهر كتبه «القاموس المحيط» و «المغانم المطابة في معالم طابة» و «تنوير المقباس في تفسير ابن عباس» وله «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» و «نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان» توفي سنة 817 هـ. الأعلام 7/ 146.

العرش، بوزن بدر. قاله كراع- رحمه الله تعالى- وبضمتين. قاله البكري. العريش: بزيادة مثناة تحتية ذكره ابن سيده [ (1) ] ، لأن أبياتها عيدان تنصب وتظلّل. قال الزركشي: قالوا: ويقال فيها عروش واحدها عرش. العروض: ذكره في التحبير. ولم يزد على ذلك. وفي الصحاح: عرّض الرجل إذا أتى العروض وهي مكة والمدينة وما حولهما. وذكره الفارابي في ديوانه في مادة فعول بفتح الفاء وضم العين. فاران: بفاء فألف فراء فألف فنون، نقله في شفاء الغرام عن ياقوت والذي في «المشترك» له: فاران اسم جبال مكة، وقيل اسم جبال الحجاز، ولها ذكر في التوراة يجيء في أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلّم. المقدّسة والقادس والقادسة والقادسية: أسماء لها من القدس وهو الطّهر نصيب لأنها تطهّر من الذنوب، ذكر الأول ابن جماعة. والثاني والثالث ابن قرقول، وذكر الزركشي الثلاثة والرابع الفاسيّ. قرية الحمس: بحاء مهملة مضمومة فميم ساكنة فسين مهملة جمع أحمس. وهم قريش ومن ولدته قريش وكنانة وجديلة وقيس، سمّوا حمساً لأنهم تحمّسوا في دينهم أي تشدّدوا. والحماسة أيضاً: الشجاعة. ولهذا مزيد بيان في باب حفظ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في حال طفوليته. وقرية النمل: ذكر هذين الاسمين صاحب القاموس في تحبير الموشّى. قال في شفاء الغرام: قرية النمل ونقرة الغراب. علامتان لموضع زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها. وعدها بعضهم اسمين لزمزم مجازاً. فإن كان شيخنا- رحمه الله تعالى- لحظ كونهما اسمين وسمّى بها مكة من باب تسمية الكل باسم البعض، وهو مجاز شائع، فيصحّ على هذا أن يذكر في أسماء مكة الصفا والمروة والحزورة وغير ذلك. وقوله: قرية الحمس: إن كان شيخنا لحظ في تسمية مكة بذلك أن الحمس كانوا سكان مكة، فيصح على هذا أن يذكر في أسماء مكة قرية العماليق وقرية جرهم، لكونهم كانوا سكان مكة قبل الحمس، اللهم إلا أن تكون سمّيت مكة قرية النمل ونقرة الغراب وقرية الحمس منقولاً عن كتب اللغة، فلا يقاس عليه غيره.

_ [ (1) ] علي بن إسماعيل، المعروف بابن سيده، أبو الحسن: إمام في اللغة وآدابها. ولد بمرسية (في شرق الأندلس) وانتقل إلى دانية فتوفي بها. كان ضريرا (وكذلك أبوه) واشتغل بنظم الشعر مدة، وانقطع للأمير أبي الجيش مجاهد العامري. توفي سنة 458 هـ. الأعلام 4/ 263.

القرية: قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: يعني مكة. كوثى: بكاف مضمومة وثاء مثلثة مفتوحة. نقله الأزرقي عن مجاهد وجزم به السّهيلي. وفي المطالع: سميت باسم بقعة فيها. وأفاد الفاكهي أن كوثى في ناحية قعيقعان. وقيل: كوثى جبل بمنى. المأمون: ذكره الزركشي ونقله الشيخ عن ابن دحية لتحريم القتال فيه. مخرج صدق: روى الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن زيد بن أسلم [ (1) ]- رحمه الله تعالى- قال: جعل الله تعالى مدخل صدق: المدينة ومخرج صدق: مكة. المسجد الحرام: قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: الحرم كله هو المسجد الحرام. رواه سعيد بن منصور. ولهذا مزيد بيان يأتي في تفسير أول سورة الإسراء في أبواب الإسراء إن شاء الله تعالى. المعاد: قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: يعني مكة. رواه البخاري. المكّتان: ذكره الشيخ برهان الدين القيراطيّ- رحمه الله تعالى- في قصيدة في أسماء مكة. قال في شفاء الغرام: ولعله أخذه من قول ورقة بن نوفل: أرى الأمر لا يزداد إلاّ تفاقماً ... وأنصارنا بالمكتين قليل ولهذا مزيد بيان يأتي في باب البعثة إن شاء الله تعالى. مكة: اختلف في سبب تسميتها مكة بالميم، فقيل: لأنها تمكّ الجبارين، أي تذهب نخوتهم. وقيل: لأنها تمك الفاجر عنها، أي تخرجه. وقيل: لأنها تجذب الناس إليها من قولهم: امتكّ الفصيل ما في ضرع أمّه إذا لم يبق فيه شيئاً. وقيل: لقلة مائها. وقيل: لأنها تمك الذنوب أي تستخرجها وتذهب بها كلها. وقيل لأنها لمّا كانت في بطن واد تمك الماء من جبالها عند نزول المطر وتنحدر إليها السيول. نادر: نقله في «الزّهر» عن منتخب كراع. وهو بخط مغلطاي- رحمه الله تعالى- بنون ودال مهملة. الناسّة: بالنون والسين المهملة المشددة ذكره الماوردي وغيره، لأنها تنسّ من ألحد

_ [ (1) ] زيد بن أسلم العدوي، مولى عمر، أبو عبد الله، أو أبو أسامة، المدني، ثقة عالم، وكان يرسل، من الثالثة، مات سنة ست وثلاثين. التقريب 1/ 272.

فيها، أي تطرده وتنفيه. وقيل: من نسّ الشيء إذا يبس من العطش. قال في الصحاح: يقال لمكة الناسّة لقلة الماء بها من النس وهو اليبس. النسّاسة: بنون وسينين مهملتين: الأولى مشددة ذكره ابن جماعة. ومعناها كمعنى الاسم الذي قبلها، وقيل لقلة مائها من النس وهو اليبس. الناشّة بالشين المعجمة. نقله في «الزّهر» عن الخطابي لأنها تنشّ من ألحد فيها أي تطرده وتنفيه. الوادي: ورد في كلام عمر- رضي الله تعالى عنه-. أم راحم: ذكره في «شفاء الغرام» ، ونقله في الزهر عن كراع. ومعناه معنى الاسم الذي بعده. أم رحم: براء وحاء مهملتين قال في الزهر نقلا عن ابن السيّد: بضم الراء والحاء ويقال بتسكين الحاء ونقله الماوردي وغيره عن مجاهد، لأن الناس يتراحمون فيها ويتواصلون. أم الرّحم: معناه معنى الاسم الذي قبله. أم الرّحمات: عزاه الشيخ عبد الله المرجاني [ (1) ] لابن العربي [ (2) ]- رحمه الله تعالى-. أم روح: بفتح الراء من الروح وهو الرحمة ذكره ابن الأثير في المرصّع. أم زحم: بزاي من الزحام. ذكره الرّشاطيّ [ (3) ]- رحمه الله تعالى-. أم صبيح: ذكره ابن الأثير في كتاب المرصّع. وهو بضم الصاد كما في القاموس.

_ [ (1) ] محمد بن أبي بكر بن علي، نجم الدين المرجاني، الذروي الأصل المكي المولد والوفاة: نحويّ مكة في عصره. له معرفة بالأدب، ونظم ونثر. من كتبه «مساعد الطلاب في الكشف عن قواعد الإعراب» قصيدة من نظمه، وشرحها، و «طبقات فقهاء الشافعية» ومنظومة في «دماء الحج» وشرحها. توفي 827 هـ. الأعلام 6/ 57. [ (2) ] محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر بن العربي: قاض، من حفاظ الحديث. ولد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين. وصنف كتبا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. وولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس، ودفن بها. قال ابن بشكوال: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها. من كتبه «العواصم من القواصم» و «عارضة الأحوذي في شرح الترمذي» و «أحكام القرآن» توفي سنة 543 هـ. الأعلام 6/ 230، ووفيات الأعيان 1/ 489. [ (3) ] عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي الأندلسي، أبو محمد، المعروف بالرشاطي: عالم بالأنساب والحديث، من أهل أوريولة سكن المرية، وتعلم بها. من كتبه «اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار» قال ابن كثير: هو من أحسن التصانيف الكبار، وقال حاجي خليفة: هو من الكتب القديمة في الأنساب، لخصه مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم البلبيسي المتوفى سنة 802 وأضاف إليه ما زاده ابن الأثير على أنساب السمعاني وسماه «القبس» استشهد بالمرية عند تغلب الروم عليها 542 هـ. الأعلام 4/ 105.

أم القرى: قال الله سبحانه وتعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها قال الضحاك- رحمه الله تعالى: يعني مكة. واختلف في سبب تسميتها بذلك. فقيل: لأن الأرض دحيت من تحتها قاله ابن عباس وتقدم في باب بدء أمر البيت، وقيل لأنها أعظم القرى، وقيل لأن فيها بيت الله تعالى. ولما جرت العادة بأن الملك وبلده مقدمان على جميع الأماكن سمي أمّاً لأن الأم متقدمة، وقيل لأنها قبلة تؤمّها جميع الأمة، وقيل لأن أهل القرى يرجعون إليها في الدين والدنيا. أم كوثى: ذكره ابن المرجاني- رحمه الله تعالى- ولم يتكلم عليه والله أعلم.

الباب العاشر في ذكر حرم مكة وسبب تحريمه

الباب العاشر في ذكر حرم مكة وسبب تحريمه حرم مكة: ما أحاط بها وأطاف بها من جوانبها، جعل الله تعالى لها حكمها في الحرمة تشريفاً لها. قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى- في الأيضاًح: وحده من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار على ثلاثة أميال من مكة، ومن طريق اليمن طرف أضاة لبن في ثنية لبن على سبعة أميال. ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمقطّع على سبعة أميال. ومن طريق الجعرانة في- شعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال بمثناة فوقية فسين مهملة. وليس في الحدود تسعة بتاء فسين غير هذا الموضع. ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال، ومن طريق جدة منقطع الأعشاش على عشرة أميال. فهذا حد ما جعله الله تعالى حرماً لما اختص به من التحريم وباين بحكمه سائر البلاد وهكذا ذكر حدوده أبو الوليد الأزرقي في كتاب مكة وأصحابنا في كتب الفقه، ومنهم الماوردي في الأحكام السلطانية. إلا أن الأزرقي قال في حدّه من طريق الطائف: أحد عشر ميلاً. والجمهور قالوا: سبعة كما ذكرنا وقال في شفاء الغرام: وتبعه عليه الفاكهي وأبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خردذابه [ (1) ] في كتابه «المسالك» ولا يعرف للأزرقي فيما قاله مخالف قبله ولا معاصر له ولا بعده غير الماوردي وصاحب المهذّب ومن تبعهما- رحمهم الله تعالى-. وقد نظم ذلك بعضهم فقال: وللحرم التحديد من أرض طيبة ... ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه وسبعة أميال عراق وطائف ... وجدّة عشر ثمّ تسع جعرّانه ومن يمن سبع بتقديم سينها ... لذلك سيل الحل لم يعد بنيانه يعني أن سيل الحل لا يدخل الحرم، كما ذكره جماعة. قال الأزرقي: إلا من موضع واحد عند التّنعيم. التّنعيم بفتح المثناة الفوقية وسكون النون وكسر العين المهملة بعدها مثناة تحتية، وهو من الحلّ.

_ [ (1) ] عبيد الله بن أحمد بن خرداذبه، أبو القاسم: مؤرخ جغرافي، فارسي الأصل. من أهل بغداد. كان جده خرداذبه مجوسيا أسلم على يد البرامكة. واتصل عبيد الله بالمعتمد العباسي، فولاه البريد والخبر بنواحي الجبل، وجعله من ندمائه. له تصانيف، منها «المسالك والممالك» و «جمهرة أنساب الفرس» و «اللهو والملاهي» و «الشراب» و «الندماء والجلساء» و «أدب السماع» . توفي سنة 280 هـ. الأعلام 4/ 190.

نفار: بنون مكسورة ففاء فراء. أضاة بفتح الهمزة وبالضاد المعجمة على وزن قناة. لبن بكسر اللام وسكون النون. قاله الحازمي- رحمه الله تعالى-. المقطّع ضبطه ابن خليل بضم الميم وفتح الطاء المشددة. وفي خط الطبري، بفتح الميم وإسكان القاف. الجعرانة بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء، وتشدّد. نمرة بفتح النون وكسر الميم: موضع: قيل من عرفات وقيل بقربها. الجدّة بضم الجيم ساحل مكة معروفة سميت بذلك لأنها حاضرة البحر، والجدة من البحر والنهر ما ولي البرّ، وأصل الجدّة: الطريق الممتد. منقطع الأعشاش: بفتح الهمزة وبالشينين المعجمتين جمع عش. قال المحب الطبري في «القرى» في سبب تحديد الحرم واختلاف حدوده أربعة أوجه: الأول: ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما أهبط آدم صلى الله عليه وسلّم خرّ ساجداً معتذراً، فأرسل الله تعالى إليه جبريل بعد أربعين سنة فقال: ارفع رأسك فقد قبلت توبتك. فقال: يا رب إنما أتلهف على ما فاتني من الطواف بعرشك مع ملائكتك. فأوحى الله تعالى إليه: إني سأنزل لك بيتاً أجعله قبلة. فأهبط الله تعالى إليه البيت المعمور وكان ياقوتة حمراء تلتهب التهاباً، وله بابان شرقي وغربي قد نظمت حيطانه بكواكب بيض من ياقوت الجنة، فلما استقر البيت في الأرض أضاء نوره ما بين المشرق والمغرب، فنفرت لذلك الجن والشياطين وفزعوا، فصعدوا في الجوّ ينظرون من أين ذلك النور، فلما رأوه من مكة أقبلوا يريدون الاقتراب إليه، فأرسل الله تعالى ملائكة فقاموا حول الحرم في مكان الأعلام اليوم، فمنعتهم، فمن ثم ابتدئ اسم الحرم. الثاني: ما رواه وهب بن منبه رحمه الله تعالى فقال: إن آدم صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى الأرض اشتد بكاؤه، فوضع الله تعالى له خيمة بمكة موضع الكعبة قبل الكعبة، وكانت الخيمة ياقوتة حمراء من الجنة، فيها ثلاثة قناديل فيها نور يتلهب من الجنة، وكان ضوء النور ينتهي إلى مواضع الحرم، وحرس الله تعالى تلك الخيمة بملائكة فكانوا يقفون على مواضع أنصاب الحرم يحرسونه ويذودون عنه سكان الأرض من الجن، فلما قبض الله تعالى آدم رفعها إليه. الثالث: روي إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما بنى البيت قال لإسماعيل: أبغني حجراً أجعله للناس آية. فذهب إسماعيل ولم يأته بشيء ووجد الركن عنده فقال: من أين لك هذا؟ قال: جاء به من لا يكلني إلى حجرك، جاء به جبريل. فوضعه إبراهيم موضعه هذا، فأنار الحجر شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً، فحرّم الله الحرم حيث انتهى إليه نور الحجر وإشراقه من كل جانب. الرابع: إن آدم صلى الله عليه وسلم لما أهبط إلى الأرض خاف على نفسه من الشياطين واستعاذ بالله تعالى، فأرسل الله تعالى ملائكة حفّوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها، فحرم الله تعالى الحرم حيث وقفت الملائكة. انتهى.

وزاد في شفاء الغرام تبعاً للسّهيلي: وقيل: لأن الله تعالى حين قال للسماوات والأرض، ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: 11] لم يجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم، ولذلك حرّمها. وقال الزركشي رحمه الله تعالى في الإعلام: فإن قيل: ما الحكمة في تحديد الحرم؟ قيل فيه وجوه: أحدها التزام ما ثبت له من الأحكام وتبيين ما اختص به من البركات. الثاني: ذكر أن الحجر الأسود لما أتي به من الجنة كان أبيض مستنيراً أضاء منه نور، فحيثما انتهى ذلك النور كانت حدود الحرم. وهذا معنى مناسب والأمر فوق ذلك. الثالث: أنه أنوار موضوعة من العالم الأعلى ربّاني، وسرّ روحاني، توجّه إلى تلك البقاع. ويذكر أهل المشاهدات أنهم يشاهدون تلك الأنوار واصلة إلى حدود الحرم، ولها منار ينبع منها ويكون عنها في الحرمين والأرض المقدسة. ذكر علامات الحرم قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم يريه ذلك جبريل، فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم تميم بن أسد الخزاعي فجدّد ما رثّ منها. رواه ابن سعد والأزرقي. وروى الأزرقي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة [ (1) ] رحمه الله تعالى قال: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم نصب أنصاب الحرم يريه جبريل صلى الله عليه وسلم ثم لم تحرك حتى كان قصيّ فجددها، ثم لم تحرك حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها. رثّ الشيء يرثّ بالكسر وأرثّ: خلق.

_ [ (1) ] عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله، المدني، ثقة فقيه، ثبت، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، وقيل سنة ثمان، وقيل غير ذلك. التقريب 1/ 535.

الباب الحادي عشر في تعظيم مكة وحرمها، وتعظيم الذنب فيها

الباب الحادي عشر في تعظيم مكة وحرمها، وتعظيم الذنب فيها عن أبي شريح العدوي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الغد من يوم الفتح فقال: «إن مكة حرّمها الله ولم يحرّمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله تعالى قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشاهد الغائب» . رواه الإمام الشافعي والشيخان [ (1) ] . وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم هذا البيت يوم خلق السموات والأرض وصاغه يوم صاغ الشمس والقمر وما حياله من السماء حرام، وإنه لا يحل لأحد بعدي وإنما أحلّ لي ساعة من النهار ثم عاد كما كان» . رواه الطبراني [ (2) ] . وعن عياش بن أبي ربيعة [ (3) ] رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال هذه الأمة بخير ما عظّموا هذه الحرمة حقّ تعظيمها فإذا ضيّعوا ذلك هلكوا» . رواه ابن ماجة [ (4) ] . وعن صفية بنت شيبة [ (5) ]- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، وهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشد» . فقال العباس: إلاّ الإذخر فإنه للبيوت والقبور. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر» .

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 1/ 295 (769) ، والبخاري 4/ 50 كتاب جزاء الصيد (1832) ، ومسلم 2/ 987 كتاب الحج (446- 1354) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 286 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال فيه عطاء بن السائب وقد اختلط. [ (3) ] عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي، المخزومي، واسم أبيه عمرو، يلقب ذا الرّمحين، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وكان أحد من يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم، من المستضعفين، واستشهد باليمامة، وقيل باليرموك، وقيل مات سنة خمس عشرة. التقريب 2/ 95. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (3110) قال في الزوائد وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، واختلط بآخره. [ (5) ] صفية بنت شيبة بن عثمان العبدريّة. قال البرقاني: ليست بصحابية. ووثقها ابن حبان. الخلاصة 3/ 385.

رواه البخاري تعليقا. ووصله ابن ماجة [ (1) ] . وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ووضع هذين الأخشبين، فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاؤها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن عرّفها إلى أخرة» . رواه ابن أبي شيبة والخمسة [ (2) ] . وروى الأزرقي عن الزهري مرسلا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس لم يحرّموا مكة ولكن الله تعالى حرّمها فهي حرام إلى يوم القيامة، وإن من أعتى الناس على الله تعالى رجلاً قتل في الحرم ورجلاً قتل غير قاتله، ورجلاً أخذ بذحول الجاهلية» [ (3) ] . الذحول جمع ذحل بذال معجمة فحاء مهملة، وزان فلس: الحقد والعداوة. وطلب بذحله أي بثأره، وهو المراد هنا. وروى الأزرقي عن قتادة رحمه الله تعالى قال: ذكر لنا أن الحرم حرّم بحياله إلى العرش. وروى أيضا عن مجاهد قال: إن هذا الحرم حرّم مناه وقصده من السموات السبع. والأرضين السبع، وإن هذا البيت رابع أربعة عشر بيتاً في كل سماء بيت، وفي كل أرض بيت، ولو وقعن بعضهن على بعض. وروى الأزرقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيت المعمور الذي في السماء يقال له الضراح وهو على منا الكعبة، يعمره كل يوم سبعون ألف ملك لم يزره قط، وإن للسماء السابعة لحرماً على منا حرم الكعبة» [ (4) ] . وروى الأزرقي والطبراني والبيهقي في الشعب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستة لعنتهم وكل نبيّ مجاب الدعوة: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلّط بالجبروت ليذلّ من أعزّ الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنّتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستحلّ لحرم الله» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 253 كتاب الجنائز باب الإذخر والحشيش في العنبر وابن ماجة (3109) . [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 56 (1834) ومسلم 2/ 986 (445- 1353) . [ (3) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9188) وذكره السيوطي في الدر 1/ 122 وعزاه للأزرقي في تاريخ مكة عن الزهري. [ (4) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 22 وعزاه للأزرقي عن ابن عباس وذكره صاحب الكنز (8874) . [ (5) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 122 وعزاه للأزرقي والطبراني والبيهقي في الشعب عن عائشة.

ذكر تعظيم ما [ (1) ] لا يعقل للحرم روى ابن أبي الدنيا في «ذم الملاهي» عن جويرية بن أسماء [ (2) ] عن عمه رحمهما الله تعالى قال: حججت مع قوم فنزلنا منزلاً ومعنا امرأة، فنامت فانتبهت وحيّة منطوية عليها جمعت رأسها مع ذنبها بين ثدييها فهالنا ذلك وارتحلنا فلم تزل مطوية عليها لا تضرّها شيئاً، حتى دخلنا أنصاب الحرم فانسابت فدخلنا مكة فقضينا نسكنا وانصرفنا، حتى إذا كنا بالمكان الذي تطوّقت عليها فيه الحية، وهو المنزل الذي نزلنا فنامت فاستيقظت والحية منطوية عليها، ثم صفّرت الحية فإذا بالوادي يسيل علينا حيّات فنهشنها حتى بقيت عظاماً، فقلت لجارية لها: ويحك أخبرينا عن هذه المرأة. قالت: بغت ثلاث مرات، كل مرة تلد ولداً فإذا وضعته سجرت التّنور ثم ألقته فيه. وروى الأزرقي عن ابن أبي نجيح- رحمه الله تعالى- قال: لم تكن كبار الحيتان تأكل صغارها في الحرم زمن الطوفان. وروى ابن أبي شيبة عن ابن سابط [ (3) ]- رحمه الله تعالى- قال: كأن الناس إذا كان الموسم في الجاهلية خرجوا ولم يبق أحد بمكة، وإنه تخلّف رجل سارق فعمد إلى قطعة من ذهب فوضعها ليأخذ أخرى، فلما أدخل رأسه همزه البيت فوجدوا رأسه في البيت واسته خارج البيت فألقوه للكلاب. وروى الجندي عن طاوس [ (4) ]- رحمه الله تعالى- قال: إن أهل الجاهلية لم يكونوا يصيبون في الحرم شيئاً إلا عجّل لهم ويوشك أن يرجع إلى ذلك. والأحاديث والآثار في تعظيم حرمة الحرم أكثر من أن تحصر. وروى الأزرقي عن حويطب بن عبد العزى [ (5) ] رضي الله تعالى عنه- قال: كنا جلوساً بفناء الكعبة في الجاهلية فجاءت امرأة إلى البيت تعوذ به من زوجها فجاء زوجها فمد يده إليها فيبست يده، فلقد رأيته في الإسلام وإنه لأشلّ.

_ [ (1) ] في أ: من لا. [ (2) ] جويرية بن أسماء بن عبيد الضّبعي بضم المعجمة البصري. عن نافع والزهري. وعنه ابن أخيه عبد الله بن محمد، وحبّان بن هلال. وثقه أحمد. توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة. الخلاصة 1/ 174. [ (3) ] عبد الرحمن بن سابط، ويقال ابن عبد الله بن سابط وهو الصحيح، ويقال ابن عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي المكي، ثقة كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة ثمان عشرة. التقريب 1/ 48. [ (4) ] طاوس بن گيسان اليماني، أبو عبد الرحمن، الحميري مولاهم، الفارسي يقال اسمه ذكوان، وطاوس لقب، ثقة فقيه، فاضل، من الثالثة، مات سنة ست ومائة، وقيل بعد ذلك. التقريب 1/ 377. [ (5) ] حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ودّ، من بني عامر بن لؤيّ: صحابيّ قرشيّ، من المعمرين، تجاوز المئة. حارب الإسلام إلى أن فتحت مكة، فأسلم. وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا والطائف. وكان من أهل مكة فانتقل إلى المدينة ومات بها. توفي سنة 54 هـ. الأعلام 2/ 289.

وروى الأزرقي عن ابن جريج- رحمه الله تعالى- قال: الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر، وكان إساف ونائلة (رجل وامرأة) دخلا الكعبة فقبّلها فيها فمسخا حجرين فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما في مكان زمزم والآخر في وجه الكعبة يعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا، فسمّي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم، فقلّ من دعا هنالك على ظالم إلا هلك، وقلّ من حلف هنالك إثماً إلا عجلت عليه العقوبة، وكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الأيمان هنالك، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله تعالى بالإسلام فأخّر الله تعالى ذلك لما أراد إلى يوم القيامة. تنبيه: في الأحاديث السابقة أن الله تعالى حرّم مكة. ولا يخالف ذلك ما رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرّمت المدينة» [ (1) ] لأن المعنى: أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم سيحرّم مكة. أو المعنى: أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وكانت قبل ذلك عند الله حراماً، وأول من أظهره بعد الطوفان. وقال القرطبي [ (2) ] معنى الأحاديث السابقة: أن الله تعالى حرّم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد. ولا لأحد فيه مدخل، ولأجل هذا أّكد هذا المعنى بقوله: «ولم يحرمها الناس» . والمراد بقوله: ولم يحرمها الناس أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه. أو المراد: أنها من محرّمات الله تعالى فيجب امتثال ذلك، وليس ذلك من محرمات الناس، يعني في الجاهلية كما حرّموا أشياء من عند أنفسهم، فلا يسوغ الاجتهاد في تركه. وقيل معناه: أن حرمتها مستمرة من أول الخلق وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 992 كتاب الحج (458- 1362) . [ (2) ] محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي: من كبار المفسرين، صالح متعبد. من أهل قرطبة. رحل إلى الشرق واستقر بمنية بن خصيب في شمالي أسيوط، بمصر وتوفي فيها. من كتبه «الجامع لأحكام القرآن» وكان ورعا متعبدا، طارحا للتكلف، يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية. توفي سنة 671 هـ. الأعلام 5/ 322.

الباب الثاني عشر في حج الملائكة وآدم والأنبياء وتعظيمهم للحرم

الباب الثاني عشر في حج الملائكة وآدم والأنبياء وتعظيمهم للحرم [حج الملائكة] روى الأزرقي عن عثمان بن ساج رحمه الله تعالى قال: أخبرني سعيد أن آدم لما فرغ من حجته لقيته الملائكة بالمأزمين فقالوا: «برّ حجك يا آدم فلقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام» . المأزمين: تثنية مأزم بالهمز والزاي: المضيق في الجبال. وروى الأزرقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- إن آدم صلى الله عليه وسلّم لما فرغ من حجه لقيته الملائكة بالردم فقالوا: برّ حجك يا آدم، إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال: فما كنتم تقولون حوله؟ فقالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فكان آدم إذا طاف قال هذه الكلمات. الّردم بفتح الراء وسكون الدال المهملتين: موضع بمكة. وروى الأزرقي عن عمرو بن يسار المكّي- رحمه الله تعالى- قال: بلغني أن الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته، فهبط الملك مهللاً. وروى الأزرقي وابن المنذر والجندي عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: قرأت في كتاب من الكتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة وإنه ليس من ملك بعثه الله تعالى إلى الأرض إلاّ أمره بزيارة البيت فينقضّ من عند العرش محرماً ملبّياً حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعاً بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أول من طاف بالبيت الملائكة. وروى الأزرقي عنه إن جبريل عليه السلام وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلّم عصابة خضراء قد علاها الغبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ما هذا الغبار الذي أرى عليك؟ قال: إني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذي ترى مما تثير [ (1) ] بأجنحتها [ (2) ] . فائدة: قول الملائكة: برّ حجّك. قال في النهاية: الحج المبرور الذي ليس له ثواب إلا الجنة هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم. وقيل: هو المقبول المقابل بالبرّ وهو الثواب يقال برّ حجّة وبرّ حجّه، وبرّ الله حجّه وأبرّه برّاً بالكسر وإبرارا.

_ [ (1) ] في أ: تنثر. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 132 وعزاه للأزرقي عن ابن عباس.

حج آدم صلى الله عليه وسلم

حج آدم صلى الله عليه وسلم روى سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى إن آدم صلى الله عليه وسلم هبط بأرض الهند ومعه أربعة أعواد من الجنة، فهي هذه التي يتطيّب بها الناس، وأنه حجّ هذا البيت وطاف بين الصفا والمروة وقضى مناسك الحج. وروى الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: أخبرني سعيد رحمه الله تعالى أن آدم صلى الله عليه وسلّم حجّ على رجليه سبعين حجة ماشياً. وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: حج آدم صلى الله عليه وسلّم فقضى المناسك، فلما فرغ قال: يا رب إن لكل عامل أجراً. قال الله تعالى: يا آدم أمّا أنت فقد غفرت لك، وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه فقد غفرت له. باء بذنبه: اعترف به. وروى ابن خزيمة وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن آدم أتى هذا البيت ألف أتية لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه، ثلاثمائة حجة وسبعمائة عمرة، وأول حجة حجّها آدم وهو واقف بعرفة أتاه جبريل فقال: يا آدم برّ نسكك، أما نحن فقد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة» [ (1) ] . وروى الأزرقي والجندي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: حج آدم فطاف بالبيت سبعاً فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا: بر حجك يا آدم، إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال: فماذا كنتم تقولون في الطواف؟ قالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. قال آدم: فزيدوا فيها: ولا حول ولا قوة إلا بالله. فزادت الملائكة فيها ذلك. ثم حج إبراهيم بعد بنائه البيت فلقيته الملائكة في الطواف فسلّموا عليه فقال لهم: ماذا كنتم تقولون في طوافكم؟ قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فأعلمناه بذلك فقال: زيدوا: «ولا حول ولا قوة إلا بالله» فقالوها. فقال إبراهيم: زيدوا فيها: العليّ العظيم. فقالت الملائكة ذلك. حج إبراهيم وإسماعيل وإسحاق صلّى الله وسلم عليهم تقدم ذلك في قصة بناء إبراهيم البيت صلى الله عليه وسلّم حجّ نوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام:

_ [ (1) ] أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2792) وذكره السيوطي في الدر 1/ 130.

حج موسى ويونس صلى الله عليهما وسلم

روى الأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيعبد الله تعالى فيها ومن معه حتى يموت، فمات فيها نوح وهود وصالح وشعيب. وقبورهم بين زمزم والحجر» . وروى ابن الجوزي في «مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن» عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أن نوحاً صلى الله عليه وسلّم حجّ البيت قبل الغرق. وروى الأزرقي عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى أن هوداً وصالحاً وشعيباً حجّوا البيت بمن آمن معهم، وأنهم ماتوا بمكة، وأن قبورهم غربيّ الكعبة بين دار النّدوة ودار بني هاشم. تنبيه: وردت أحاديث وآثار بحج هود وصالح عليهما الصلاة والسلام. وهو أقوى أسانيد من حديث: «ما من نبي إلا وقد حجّ البيت إلا ما كان من هود وصالح» [ (1) ] قال: الشيخ رحمه الله تعالى: فإن إسناده ضعيف. حج موسى ويونس صلى الله عليهما وسلّم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال: «أيّ واد هذا؟» قالوا: وادي الأزرق. فقال: «كأني أنظر إلى موسى واضعاً إصبعه في أذنه له جؤار إلى الله تعالى بالتّلبية ماراً بهذا الوادي» . قال: ثم سرنا بالوادي حتى أتينا إلى ثنيّة فقال: ما هذه الثنية؟ قيل: ثنية هرشى. فقال: «كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء خطام ناقته ليف خلبة، وعليه جبة له من صوف يهل نهاراً بهذه الثّنية ملبيّاً» . رواه الشيخان وابن حبّان [ (2) ] . الجؤار بجيم مضمومة فهمزة مفتوحة: رفع الصوت بالاستعاذة. ليف خلبة: بخاء معجمة مضمومة فلام ساكنة فباء موحدة مفتوحة. يروى بتنوين الكلمتين على البدل، وبإضافة الأول للثاني. قال في التقريب: وكأنه على الإضافة مقلوب. قال في الصحاح: الخلب حبل رقيق من ليف أو قنب [ (3) ] ، فالوجه بخلبة ليف. هرشى بهاء مفتوحة فراء ساكنة فشين معجمة مفتوحة فألف مقصورة: جبل قريب من الجحفة. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأني أنظر

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في المسند 5/ 177. [ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 152 كتاب الإيمان (268- 166) ، وابن ماجة (2891) ، وأحمد في المسند 1/ 216. [ (3) ] في أ: نسب.

حج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير من سمي

إلى موسى بن عمران في هذا الوادي محرماً يلبّي بين قطوانيّتين» [ (1) ] . رواه أبو ذر الهروي في مناسكه. قطوانيتين: تثنية قطوانية، وهي عباءة بيضاء قصيرة. وعن مجاهد رحمه الله تعالى قال: حجّ موسى صلى الله عليه وسلم على جمل أحمر فمر بالرّوحاء عليه عباءتان قطوانيتان مؤتزراً بإحداهما مرتدياً بالأخرى، فطاف بالبيت ثم طاف بين الصّفا والمروة إذ سمع صوتا من السماء وهو يقول: لبيك عبدي وأنا معك. فخرّ موسى ساجداً. رواه الأزرقي. وعن مجاهد رحمه الله تعالى قال: حج البيت سبعون نبياً فيهم موسى صلى الله عليه وسلم عليه عباءتان قطوانيتان، وفيهم يونس يقول: لبّيك كاشف الكرب. رواه سعيد بن منصور. حج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير من سمي روى ابن أبي شيبة عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: كانت الأنبياء إذا أتت حكم الحرم نزعوا نعالهم. وروى أبو ذر الخشنى في مناسكه عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال: حج البيت ألف نبي من بني إسرائيل لم يدخلوا مكة حتى وضعوا نعالهم بذي طوى. ذو طوى بضم الطاء المهملة وفتح الواو وألف مقصورة: وادٍ معروف عند باب مكة. وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مرّ بصفاح الروحاء سبعون نبيا حجاجاً عليهم لباس الصوف إبلهم مخطّمة بالليف. وفي رواية: لقد سلك فجّ الروحاء سبعون نبيا حجاجاً عليهم لباس الصوف خطم إبلهم الليف. رواه الأزرقي. صفاح الرّوحاء: جانبها. الروحاء: بفتح الراء وبالحاء المهملة: ممدود: اسم قرية. الفج بفتح الفاء والجيم: الطريق الواسع. وروى أيضا عن عثمان بن ساج قال: أخبرني صادق إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مرّ بفجّ الروحاء سبعون نبياً على نوق حمر خطمهم الليف لبوسهم العباء وتلبيتهم شتّى. أي متفرقة» .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 207 وعزاه للطبراني وقال فيه يزيد بن سنان الرهاوي وهو متروك.

حج بني إسرائيل وغيرهم

وروى أيضا عن مجاهد قال: حج خمسة وسبعون نبياً كل قد طاف بالبيت وصلّى في مسجد منى، فإن استطعت أن لا تفوتك الصلاة في مسجد منى فافعل. وروى أيضا عن عبد الرحمن بن سابط رحمه الله تعالى قال: سمعت عبد الرحمن بن ضمرة السّلولي يقول: ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم قبر سبعين نبياً جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك. حج بني إسرائيل وغيرهم روى أبو نعيم عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم حفاة. وروى ابن أبي شيبة والأزرقي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال: إن كانت الأمّة من بني إسرائيل لتقدم مكة فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعالها تعظيماً للحرم. وروى الأزرقي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: حجّ الحواريّون فلما دخلوا الحرم مشوا حفاة تعظيما للحرم. حج ذي القرنين رضي الله تعالى عنه روى الأزرقي عن عطاء بن السائب رحمه الله تعالى أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يطوف بالبيت فأنكره فسأله ممن أنت؟ قال من أصحاب ذي القرنين. قال: وأين هو؟ قال: بالأبطح. فتلقّاه إبراهيم فاعتنقه فقيل لذي القرنين: ألا تركب؟ قال: ما كنت لأركب وهذا يمشي. فحج ماشياً. وروى ابن أبي حاتم عن علباء بن أحمر [ (1) ] رضي الله تعالى عنه أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة فاستفهمهما عن ذلك فقالا: نحن عبدان مأموران. فقال: من يشهد لكما؟ فقامت خمسة أكبش فشهدت فقال: قد صدقتما. ولهذا تتمة تأتي في باب أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء على وجه العناد. حج عيسى صلى الله عليه وسلم بعد نزوله وأصحاب الكهف روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا» [ (2) ] .

_ [ (1) ] علباء بن أحمر اليشكري. عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري. وعن عكرمة. وعنه عزرة بن ثابت وحسين بن واقد. وثقة ابن معين. الخلاصة 2/ 240. [ (2) ] أخرجه 2/ 915 كتاب الحج (216- 1252) وأحمد في المسند 2/ 540.

وروى سعيد بن منصور رحمه الله تعالى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى يمر عيسى بن مريم ببطن الرّوحاء حاجا أو معتمرا يلبي: لبيك اللهم لبيك» . وروى ابن الجوزي في «المثير» عن عطاف بن خالد رحمه الله تعالى قال: «يحج عيسى ابن مريم إذا نزل في سبعين ألفا فيهم أصحاب الكهف فإنهم ماتوا ولم يحجّوا» .

الباب الثالث عشر في قصة إهلاك أصحاب الفيل

الباب الثالث عشر في قصة إهلاك أصحاب الفيل وذلك عام ولادته صلى الله عليه وسلم على الصحيح الذي عليه أكثر العلماء. وكان إهلاكهم تشريفاً له صلى الله عليه وسلّم ولبلده، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه أهل مكة، لأن أهل مكة كانوا عبّاد أوثان، فنصرهم الله تعالى نصراً لا صُنع للبشر فيه، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي نشرّفه ونعظّمه ونوقره ببعثة النبي الأميّ خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله سبحانه وتعالى. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. أي: ألم تعلم. قدّره على وجود علمه بما يذكر. وقيل: الاستفهام هنا للتعجب إذ هو أمر منقول نقل المتواتر. فكأنه قيل: قد علمت أو تعجّب كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ عبّر بكيف دون ما. لأن المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله تعالى وقدرته وعزة بيته وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها من الإرهاصات لنبوّته، إذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول من خوارق العادات والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء صلى الله عليه وسلم بِأَصْحابِ الْفِيلِ محمود. أَلَمْ يَجْعَلْ أي يجعل كيدهم في هدم الكعبة فِي تَضْلِيلٍ خسار وهلاك بأن أحرق البيت الذي بنوه قاصدين أن يرجع حجّ العرب إليه، وبأن أهلكهم لمّا قصدوا هدم الكعبة بيت الله تعالى وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً اسم جمع يجوز تأنيثه وتذكيره أَبابِيلَ جماعات قيل لا واحد له وقيل واحده: أبول. أو إبّال. أو إبّيل كعجول. ومفتاح، ومسكين. وعلى تذكير الطير قرئ: تَرْمِيهِمْ بالمثناة التحتية. وقيل الضمير للرب سبحانه بِحِجارَةٍ فوق العدسة ودون الحمصة، كما في أكثر الأخبار، مكتوب على كل حجر اسم مرميّة، يحمل كلّ طائر ثلاثة أحجار: واحداً بمنقاره وحجرين برجليه مِنْ سِجِّيلٍ طين مطبوخ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ كورق زرع أكلته الدواب وراثته فيبس وتفرقت أجزاؤه شبه تفرق أجزائهم بتفرق أجزاء الرّوث. الإشارة إلى القصة على وجه الاختصار كان ذو نواس [ (1) ] آخر ملوك اليمن مشركاً، وهو الذي قتل أصحاب الأخدود، وكانوا

_ [ (1) ] ذو نواس الحميري: آخر ملوك حمير في اليمن. وهو صاحب الأخدود المذكور في القرآن الكريم. كان يدين باليهودية، وبلغه أن أهل نجران مقبلون على النصرانية، فسار إليهم وحفر أخاديد وملأها جمرا وجمع أعيان المتنصرين منهم، فعرضهم على النار، فمن رجع إلى اليهودية نجا، ومن أبى هوى. واتفق الرومان والحبشة على قتاله، فزحف النجاشيّ

نصارى قريباً من عشرين ألفا فنجا منهم دوس ذو ثعلبان، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الروم وكان نصرانياً فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة لكونه أقرب إليهم، فبعث معه أميرين: أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواس غريقاً في البحر. واستقلّ الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران أرياط وأبرهة، فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا، وتصافا، فقال أبرهة لأرياط: إنه لا حاجة بنا إلى اصطلام الجيش بيننا، ولكن ابرز إليّ وأبرز إليك، فأيّنا قتل الآخر استقلّ بالملك بعده. فأجابه إلى ذلك، فتبارزا وخلف كل واحد منهما فتاه، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وشق وجهه وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحاً، فداوى جرحه فبرئ واستقلّ بملك الحبشة باليمن. فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده وحلف ليطأنّ بلاده وليجزنّ ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترفّق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه تراب اليمن، وجزّ ناصيته وأرسلها معه ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا التراب فيبرّ قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك، وأنا عبد الملك. فلما وصل ذلك إليه أعجبه ورضي عنه وأقرّه. ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام الموسم للحج إلى بيت الله الحرام فسأل: أين يذهب الناس؟ فقيل له: يحّجون إلى بيت الله بمكة. قال: ما هو؟ قالوا من حجارة؟ قال: فما كسوته؟ قالوا: ما يأتي من هاهنا من الوصائل. قال: والمسيح لأبنيّن لكم خيراً منه. فبنى لهم كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء مزخرفة الأرجاء، فسمتها العرب القليس لارتفاعها لأن الناظر إليها، يكاد تسقط قلنسوته عن رأسه لارتفاع بنائها، ونقل من قصر بلقيس ما تحتاج إليه، واستذلّ أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة، وبناها بالرخام المجزّع والأبيض والأحمر والأصفر والأسود، وحلاّه بالذهب والفضة وفصل بينهما بالجواهر، وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة ونصب فيها صلباناً من الذهب والفضة ومنابر من العاج والآبنس، وكان يوقد فيها بالمندل ويلطخ جدرها بالمسك، وكان حكمه في العامل إذا طلعت عليه الشمس قبل أن يأخذ في عمله أن يقطع يده، فنام رجل منهم ذات يوم حتى طلعت الشمس فجاءت معه أمّه

_ [ () ] وكان على النصرانية، بجيش كبير، فقاتله ذو نواس على ساحل البحر الأحمر عند عدن، فكان الظفر للنجاشي، وخاف ذو نواس الأسر فأطلق جواده نحو البحر، فألقى نفسه راكبا فمات غريقا. قال النويري: وهو آخر من ملك اليمن من قحطان، فجميع ما ملكوا من السنين ثلاثة آلاف سنة واثنتان وثمانون سنة. توفي 102 ق. هـ. الأعلام 3/ 928.

وهي امرأة عجوز فتضرعت إليه تشفع لابنها وأبى إلا أن يقطع يده، فقالت: اضرب بمعولك اليوم لك وغداً لغيرك. فقال: ويحك ما قلت؟ قالت: نعم، صار هذا الملك من غيرك إليك، وكذلك يصير إلى غيرك: فأخذته موعظتها وأعفى الناس من ذلك. ثم كتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك، ولست بمنته حتى أصرف حج العرب إليها. فأمر الناس فحجوها، فحجه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيها رجال يتعبدون ويتألهون ونسكوا له. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من النّسأة أحد بني فقيم فخرج إلى القليس فقعد فيها، يعني أحدث، ثم خرج فلحق بأرضه. وقال ابن سعد رحمه الله تعالى: وكان نفيل بن حبيب الخثعمي يورّض له ما يكره، فأمهل حتى إذا كان ليلة من الليالي لم ير أحداً يتحرك فقام فجاء بعذرة فلطخ بها قبلته وجمع جيفاً فألقاها فيها. وقال مقاتل رحمه الله تعالى: إن فتية من قريش دخلوها فأطلقوا فيها ناراً وكان يوماً فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت. انتهى. فأخبر بذلك أبرهة فقال: من صنع هذا: قيل: صنعه رجال من أهل هذا البيت الذي يحجه العرب، يعني أنها ليست لذلك بأهل. فغضب غضباً شديداً وحلف ليسيرنّ حتى يهدم الكعبة وينقضها حجراً حجراً، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ويسأله أن يبعث إليه بفيله، وكان له فيل يقال له محمود، وكان فيلاً عظيماً لم ير مثله في الأرض عظما وقوة، فبعث به إليه، فأمر الحبشة فتجهّزت في ستين ألفاً ثم سار نحو أرض مكة. فلما سمعت العرب ذلك أعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقّاً عليهم حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة. فخرج له رجل من أشراف اليمن يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أطاعه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله تعالى وما يريد من هدمه وخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر فأتي به إليه أسيراً، فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيراً لك من القتل. فتركه وحبسه عنده في وثاق. ثم سار أبرهة يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه ومن أطاعه من قبائل العرب فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيراً فأتى به،

فلما همّ بقتله قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب. فخلىّ سبيله. وخرج أبرهة يريد مكة، حتى مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف فقالوا: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، وليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا البيت الذي تريد، يعنون اللات، وهو بيت الطائف كانوا يعظّمونه نحو تعظيم الكعبة، إنما تريد البيت الذي بمكة، ونحن نبعث معك من يدلك عليه. فتجاوز عنهم فبعثوا معه أبا رغال يدلّه على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله بالمغمّس، فلما أنزله به مات أبو رغال فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمّس. فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهى إلي مكة فساق أموال تهامة من قريش وغيرها، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله، ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم بحربه. وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة وقال له: سل عن سيد أهل البلد وشريفهم، ثم قل له: إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل: عبد المطلب بن هاشم. فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- فإن يمنعه فهو بيته وحرمه وإن يخلّ بينه وبينه فو الله ما عندنا دفع عنه. قال حناطة: فانطلق إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك. فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان صديقا له، فدخل عليه وهو في مجلسه فقال له: يا ذا نفر هل عندك غناء من شيء مما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: ما غناء رجل أسير بيد ملك ينتظر قتله غدوّاً وعشياً، والله ما عندي غناء من شيء مما نزل بكم إلا أن أنيساً سائس الفيل صديق لي فأرسل إليه فأوصيه بك وأعظّم عليه حقّك وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلّمه بما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر عليه. فقال: حسبي. فبعث ذو نفر إلى أنيس فجاء فقال: هذا عبد المطلب سيد قريش وصاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال، قد أصاب الملك له مائتي بعير، فاستأذن له عليه وانفعه عنده بما استطعت. قال: أفعل. فكلّم أنيس أبرهة فقال: أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال فائذن له عليك فليكلمك في

حاجته. فأذن له أبرهة. وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سريره، فجلس على بساطه وأجلس عبد المطلب معه إلى جنبه. وفي «الدرّ المنظّم» أن عبد المطلب لما دخل على أبرهة سجد له فيل من الفيلة، وكان لا يسجد لأبرهة كغيره من الفيلة، فتعجب أبرهة من ذلك ودعا بالسحرة والكهان فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه لم يسجد له وإنما سجد للنور الذي بين عينيه. انتهى. ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ ففعل الترجمان، قال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟!. قال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل وإن للبيت ربّاً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منيّ. قال: أنت وذاك. قال ابن السائب ومقاتل رحمهما الله تعالى: ثم أن عبد المطلب عرض على أبرهة أموال تهامة ويرجع عن خراب البيت، فأبى وردّ أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب فقلّدها وأشعرها وجلّلها وجعلها هدياً للبيت وبثّها في الحرام، فعمد القوم إليها فحملوا عليها وعقروا بعضها، فدعا عليهم عبد المطلب. قال مقاتل: فقال عبد المطلب. لا همّ أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة بعد التّقليد فتلّها إلى طماطم سود ... بين ثبير وحرا والبيد والمروتين والمساعي السّود ... يهدم البيت الحرام المقصود قد أجمعوا أن لا يكون لك عيد ... أخفرهم ربّي وأنت المحمود [ (1) ] وذكر ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- نحوها لعكرمة بن عامر وهو من مسلمة الفتح. فالله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 1/ 70، ورواية الأبيات هناك هكذا: لا همّ أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة فيها التقليد بين حراء وثبير فالبيد ... يحبسها وهي أولات التطريد فضمها إلى طماطم سود ... أخفره يا رب وأنت محمود

ثم انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز في شعف الجبال والشّعاب خوفاً عليهم من معّرة الجيش. ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ومعه نفر من قريش يدعون الله تعالى ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب: لا هم إن المرء يم ... نع رحله فامنع حلالك لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم عدواً محالك انصر على آل الصّلي ... ب وعابديه اليوم آلك إن كنت تاركهم وكع ... بتنا فأمر ما بدا لك [ (1) ] وعند البيهقي رحمه الله تعالى أن عبد المطلب قام يدعو على الحبشة فقال: يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا ربّ فامنع منهم حماكا امنعهم أن يخربوا قراكا ... إنّ عدوّ البيت من عاداكا قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-: ثم أن عبد المطلب انطلق هو ومن معه من قريش إلى شغف الجبال فتحرّزوا فيها ينظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها. وذكر مقاتل- رحمه الله تعالى- أن عبد المطلب لم يخرج معهم بل أقام بمكة وقال: لا أبرح حتى يقضي الله تعالى قضاءه. ثم صعد هو وأبو مسعود الثقفي على مكان عال لينظر ما يفعله أبرهة. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه. قال ابن جرير- رحمه الله تعالى-: ويقال كان معه ثلاثة عشر فيلاً هلكت كلها. ونقل الماوردي عن الأكثرين إنه لم يكن معهم إلا فيل واحد اسمه محمود. وعن الضحاك كان معه ثمانية أفيلة. وأبرهة مجمع لهدم البيت. زاد مقاتل: وجعل الفيل مقابل الكعبة ليعظّم ويعبد كتعظيم الكعبة. وقال غيره: بل ليجعل السلاسل في أركان الكعبة وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة. فلما وجهوا الفيل نحو الكعبة أقبل نفيل بن حبيب فأخذ بأذنه وقال: يا محمود أنت بحرم الله. ثم خرج نفيل يشتدّ حتى أصعد في الجبل فبرك الفيل فضربوه بالطّبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقّه فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجّهوه جهة اليمن فقام يهرول،

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 1/ 70، ورواية البيت الثالث: وقبلتنا بدل كعبتنا وهي رواية ابن كثير أيضا. انظر البداية والنهاية 2/ 173، ورواية البيت الأول في البداية والنهاية فامنع رحالك.

ووجّهوه نحو الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه نحو المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى جهة مكة فبرك وألقى جرانه إلى الأرض وجعل يعجّ عجّاً. وفي رواية يونس بن بكير [ (1) ] عن ابن إسحاق أن الفيل لما ربض جعلوا يقسمون له بالله أنهم رادّوه إلى اليمن فيحرك لهم أذنيه- كأنه يأخذ عليهم بذلك عهداً- فإذا أقسموا عليه قام يهرول فيردّوه إلى مكة فيربض، فيحلفون له فيحرك أذنيه كالمؤكد عليهم القسم، ففعلوا ذلك مراراً. وفي معاني القرآن للزّجاج أن دوابهم لم تسر نحو البيت، فإذا عطفوها راجعين سارت، فوعظهم الله تعالى بأبلغ موعظة. فأقاموا على قصد أن يخربوا البيت فلم يزالوا يعالجون الفيل حتى غشيهم الليل. وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أنهم استشعروا العذاب في تلك الليلة، لأنهم نظروا إلى النجوم كالحة إليهم تكاد تكلمهم من اقترابها منهم، فلما كان السّحر أرسل الله الطير الأبابيل من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طير منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال العدس والحمص، ثم جاءت حتى صفّت على رؤوسهم، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أيديهم، فصاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما من حجر وقع على جنب رجل إلا خرج من الجنب الآخر، وإن وقع على رأسه خرج من دبره ولا تصيب شيئاً إلا هشمته وإلا سقط ذلك الموضع. فكان أول ما رئي الجدري والحصبة، وبعث الله تعالى ريحاً شديدة فضربت بأرجلها فزادتها قوة. وروى أبو نعيم عن عطاء بن يسار رحمه الله تعالى قال: حدثني من كلّم قائد الفيل وسائسه قال: إنهما أخبراني خبر الفيل قالا: أقبلنا ومعنا فيل الملك الأكبر لم يسر به قط إلى جمع إلاّ هزمهم، فلما دنونا من الحرم جعلنا كلما نوجهه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فيهبط وتارة نضربه حتى نملّ ثم نتركه. فلما بلغ المغمّس ربض فلم يقم فطلع العذاب، فقلت: نجا غيركما؟ نعم ليس كلهم أصابهم العذاب. وولّى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده، فكلما دخل أرضاً وقع منه عضو حتى انتهى إلي بلاد خثعم وليس عليه غير رأسه فمات. وأفلت وزيره وطائره يتبعه حتى وصل إلى النجاشي فأخبره بما جرى للقوم، فلما فرغ رماه الطير بحجره فمات بين يدي الملك. وروى سعيد بن منصور عن عكرمة رحمه الله تعالى أن رؤوس هذه الطيور مثل رؤوس

_ [ (1) ] يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر الجمّال الكوفي، يخطئ، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين. التقريب 2/ 384.

السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده، فأثرت في جلودهم فإنه لأول ما رئي الجدري. وروى أيضا عن عبيد بن عمير [ (1) ] رحمه الله تعالى أنها كالخطاطيف بلق. وروى عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دعا الله تعالى الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطين، فلما حاذتهم صفّت عليهم ثم رمتهم، فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكّة فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه. وروى الفريابيّ [ (2) ] وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير رحمه الله تعالى أنها خرجت من قبل البحر كأنها رجال الهند معها حجارة أمثال الإبل البوارك، وأصغرها مثل رؤوس الرجال، لا تريد أحداً منهم إلا أصابته ولا أصابته إلا قتلته. والأبابيل: المتتابعة. وروى أبو نعيم عن نوفل بن معاوية الدّيلي [ (3) ] رضي الله تعالى عنه قال: رأيت الحصى التي رمي بها أصحاب الفيل، حصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر مختمة كأنها جزع ظفار. وروى أيضا عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه قال: كانت في المقدار بين الحمصة والعدسة حصى به نضح أحمر مختّم كالجزع. وروى ابن إسحاق والواقدي وأبو نعيم والبيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه أعميين مقعدين يستطعمان الناس. وروى أبو نعيم وابن مردويه عن أبي صالح رحمه الله تعالى أنه رأى عند أم هانئ بنت أبي لهب من تلك الحجارة نحواً من قفيز مخطّطة كأنها جزع ظفار مكتوب في الحجر اسمه واسم أبيه. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: وليس كلهم أصيب. وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي جاءوا منه يسألون عن نفيل بن حبيب ليدلّهم على الطريق، فقال نفيل بن حبيب في ذلك: أين المفرّ والإله الغالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب

_ [ (1) ] عبيد بن عمير بن قتادة اللّيثي أبو عاصم المكي القاصّ مخضرم. عن أبيّ وعمر وعلي وعائشة وأبي موسى. وعنه ابنه عبيد الله وابن أبي مليكة ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار. قال ثابت: أول من قص عبيد بن عمير. وثقه أبو زرعة. قيل: توفي سنة أربع وستين. الخلاصة 2/ 203. [ (2) ] محمد بن يوسف بن واقد الضبي بالولاء، التركي الأصل، أبو عبد الله الفريابي: عالم بالحديث. من الحفاظ أخذ بالكوفة عن سفيان، وقرئ عليه بمكة، ونزل قيسارية وتوفي بها. روي عنه البخاري 26 حديثا. وله «مسند» في الحديث. توفي سنة 212 هـ. الأعلام 7/ 147، 148. [ (3) ] نوفل بن معاوية بن عروة (أو عمرو) الديلي الكناني: معمر، من الصحابة. له أحاديث. شهد بدرا والخندق مع المشركين، وكان له ذكر ونكاية. ثم أسلم وشهد الفتح وحنينا والطائف. ونزل المدينة، ومات بها، في خلافة معاوية، أو أيام يزيد. قيل: عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام. توفي سنة 60 هـ. الأعلام 8/ 55.

وخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل. وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط منه أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة أتبعتها مدّة ودم وقيح حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع قلبه. ولما أصبح عبد المطلب أشرف ومعه أبو مسعود يقوده. فقال له أبو مسعود: انظر نحو البحر. قال: أرى طيراً بيضا. فقال: ارمقها ببصرك أين قرارها؟ قال: قد دارت فوق رؤوسنا. قال: هل تعرفها؟ قال: لا. قال: ما هي بنجدية ولا تهامية ولا يمانية ولا شاميّة وإنها لطير بأرضنا غير مؤنسة. قال: ما قدرها؟ قال: أمثال اليعاسيب في مناقيرها الحصى كحصى الخذف وهي أبابيل يتبع بعضها بعضاً، أمام كل رفّة منها طائر يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، حتى إذا جازت عسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم. فقال أبو مسعود: لأمر ما هو كائن. ثم أن عبد المطلب أرسل ابناً له على فرس له سريع لينظر ما جرى للقوم فذهب الفرس نحوهم فرآهم مشدّخين جميعاً فرجع يرفع فرسه كاشفاً عن فخذه فلما رأى ذلك عبد المطلب قال: إن ابني لأفرس العرب وما كشف عن عورته إلا بشيراً أو نذيراً. فلما دنا منهما قالا له: ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعاً. فانحطّا من الجبل ربوة أو ربوتين فلم يؤنسا أحداً، فلما دنيا من المعسكر وجدا القوم خامدين، فعمد عبد المطلب وأخذ فأساً وحفر حتى أعمق في الأرض وملأ من الذهب والجوهر وحفر أيضاً لصاحبه حفيرة وملأها كذلك، وجلس كل واحد على حفرته، ونادى عبد المطلب في الناس فتراجعوا وأصابوا من ذلك ما ضاقوا به ذرعاً. وازداد عبد المطلب عظماً لعدم خروجه من مكة. وأرسل الله سبحانه وتعالى سيلاً عظيماً فاحتمل جثث الحبشة فألقاهم في البحر. ولما أهلك الله تعالى الحبشة عظّمت العرب قريشاً وقالوا: أهل الله تعالى، قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عدوّهم وقالوا في ذلك أشعاراً كثيرة، منها قول عبد المطلب كما ذكره البلاذري [ (1) ] ورجح الزبير أنها لمغيرة: قلت والأشرم يردي خيله ... إنّ ذا الأشرم غرّ بالحرم رامه تبّع فيمن جمّعت ... حميرٌ والحيّ من آل قدم

_ [ (1) ] أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري: مؤرخ، جغرافي، نسابة، له شعر. من أهل بغداد. جالس المتوكل العباسي، ومات في أيام المعتمد، وله في المأمون مدائح. وكان يجيد الفارسية وترجم عنها كتاب «عهد أزدشير» وأصيب في آخر عمره بذهول شبيه بالجنون فشد بالبيمارستان إلى أن توفي. نسبته إلى حب البلاذر قيل: إنه أكل منه فكان سبب علته. من كتبه «فتوح البلدان» و «القرابة وتاريخ الأشراف» ، ويسمى «أنساب الأشراف» . توفي سنة 279 هـ. الأعلام 1/ 267.

تنبيهات

فانثنى عنه وفي أوداجه ... جارضٌ أمسك منه بالكظم [ (1) ] نحن آل الله في بلدته ... لم نزل فيها على عهد إبرهم أشار عبد المطلب إلى قصه تبّع، وخلاصتها- كما ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى وغيره: أن تبّعاً لما توجه راجعاً لبلاده أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر فقالوا له: أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟ قال: بلى. قالوا: بيتٌ بمكة. وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك، لما عرفوا من هلاك من أراده بسوء وبغى عنده. فراح تبّع وهو مجمع لهدم البيت فبعث الله تعالى عليهم ريحاً فعقفت يديه ورجليه وشنجت جسده، فأرسل إلى من كان معه من يهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني. فقالوا: أحدثت شيئاً. فقال: ما أحدثت؟ فقالوا: حدثت نفسك بشيء. قال: نعم. فذكر ما أجمع عليه من هدم البيت وإصابة ما فيه. قالوا: ذاك بيت الله الحرام ومن أراده هلك. قال: ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا: تحدّث نفسك أن تطوف به وتكسوه وتعظمه. فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله تعالى، فسار حتى دخل مكة فطافه وسعى بين الصفا والمروة وحلق رأسه، وأقام بمكة ستة أيام ينحر فيها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل. وأري في المنام أن يكسوه فكساه الخصف، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل. وذكر القصة. تنبيهات الأول: أكثر الآثار على أن الحجارة كانت أكبر من العدسة ودون الحمصة، وفي بعضها أنها كانت أكبر من ذلك، فكأنها والله تعالى أعلم كان فيها الكبير والصغير، فحدّث كلّ راءٍ بما رأى أو سمع. الثاني: إن قيل: قد وقع في زمن يزيد بن معاوية لما أرسل الحصين بن نمير السكونيّ [ (2) ] فنصب المنجنيق على أبي قبيس وغيره من جبال الكعبة ورمى الكعبة وكسر الحجر الأسود واحترقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها، إلى غير ذلك. فالجواب: إنما لم يمنعوا لأن الدعوة قد تمت والكلمة قد بلغت والحجّة قد ثبتت فأخّر

_ [ (1) ] الكظم: مخرج النفس من الحلق يقال: أخذ بكظمه جمعه أكظام وكظام، المعجم الوسيط 2/ 790. [ (2) ] الحصين بن نمير بن نائل، أبو عبد الرحمن الكنديّ ثم السكوني: قائد، من القساة الأشدّاء، المقدمين في العصر الأموي. من أهل حمص. وهو الذي حاصر عبد الله بن الزبير بمكة ورمى الكعبة بالمنجنيق. وكان في آخر أمره على ميمنة عبيد الله بن زياد في حربه مع إبراهيم بن الأشتر، فقتل مع ابن زياد على مقربة من الموصل. توفي سنة 67 هـ. الأعلام 2/ 262.

الله تعالى أمرهم إلى الدار الآخرة، وقد أخبر صلّى الله عليه وسلم بوقوع الفتن وأن الكعبة ستهدم [ (1) ] . الثالث: في شرح غريب ما تقدم: أبرهة بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الهاء. يكسوم بمثناة تحتية وسين مهملة. الوصائل: ثياب حمر مخططة يمانية. القلّيس بقاف مضمومة ولام مشددة مفتوحة بعدها مثناة تحتية ساكنة فسين مهملة على وزن جمّيز ذكره الفارابي في ديوانه. ووجد بخط القسطلي: بضم القاف وفتح اللام المخففة، وفي موضع آخر بفتح القاف وكسر اللام، سمي بذلك لارتفاعه وعلوّ بنائه، ومنه القلانس لأنها في أعلى الرأس، ويقال: تقلنس الرجل، وتقلّس إذا لبس القلنسوة. وجشّمهم بجيم فشين معجمة: كلفهم ما لا يطيقون: الرخام المجذّع: هو الذي حكّ بعضه على بعض حتى ابيض الموضع المحكوك منه وبقي الباقي على لونه تشبيهاً بالجذع وهو بفتح الجيم وسكون الذال: العاج الذّبل بذال معجمة وزان فلس، وقيل هو شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية، والعاج أيضاً: عظم الفيل، الأبنس بحذف الواو لغة في الأبنوس بضم الباء: خشب معروف يجلب من الهند، وهو معرب واسمه بالعربية: بأسم بالهمز وزن جعفر. المعول بالكسر: الفأس الذي يكسر به الحجارة. يتألّهون: يتعبدون. نسكوا له: تقربوا بالذبائح له. النّسأة بالهمز، جمع ناسئ مثل فاسق وفسقة: والنسيء مصدر نسأة إذا أخرّه. كانوا يؤخرون حرمة شهر إلى آخر، قال الله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ. فقيم بفاء مضمومة فقاف مفتوحة فمثناة تحتية: حيّ من كنانة والنسبة إليه فقمي، وهم نسأة الشهور. الخثمي بخاء معجمة مفتوحة فثاء مثلثة ساكنة فعين مهملة، نسبة إلى خثعم بن أنمار. يورّض له: أي ينوي له ما يكره: فظعوا بفاء فظاء معجمة يقال: فظع بالأمر فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع جاوز المقدار. ذو: نفر بالنون والفاء والراء. أبو رغال بكسر الراء وتخفيف الغين، سمي باسم الجد الأعلى لثقيف. المغمّس بضم الميم وفتح الغين المعجمة بعدها ميم مشددة مكسورة فسين مهملة: موضع في طرف الحرم، ذكره البكري ثم أورد شعراً لابن أبي ربيعة [ (2) ] في ذكر المغمّس وقال هكذا رواه أبو علي بفتح الميم ورواه أبو علي عن أبي بكر بن دريد [ (3) ] في شعر المؤرّق الهذلي بالكسر.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 538 (1596) ومسلم 4/ 2232 (58- 2909) وقد مرّ. [ (2) ] عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان من بكر بن وائل، من عدنان كان يعرف بالمزدلف لقب بذلك لقوله يخاطب قومه يوم التحاليق «يا بني بكر ازدلفوا مقدار رميتي برمحي هذا» وهو أبو «حارثة» الملقب بذي التاج قال ابن حزم: كان حارثة على بني بكر يوم أوارة، إذ قتلوا المنذر بن ماء السماء. الأعلام 5/ 77، وجمهرة الأنساب 304. [ (3) ] محمد بن الحسن بن دريد الأزدي من أزد عمان من قحطان، أبو بكر: من أئمة اللغة والأدب. كانوا يقولون: ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء. وهو صاحب «المقصورة الدريدية» . ولد في البصرة، وانتقل إلى عمان فأقام اثني عشر عاما، وعاد إلى البصرة. ثم رحل إلى نواحي فارس، فقلده «آل ميكال» ديوان فارس، ومدحهم بقصيدته «المقصورة» ثم

ابن مفصود بفاء: فصاد مهملة. تهامة: بكسر التاء: كل ما انخفض من أرض نجد، سميت بذلك لتغير هوائها من قولهم: تهم الدهن إذا تغيرت رائحته. هذيل بضم الهاء وفتح الذال المعجمة بعدها مثناة تحتية فلام. حناطة: بحاء مهملة مضمومة ونون وطاء مهملة. أنيس بضم الهمزة وفتح النون وسكون المثناة التحتية. سائس الفيل: أي خادمه. أوسم الناس: أجملهم، من الوسامة وهي الجمال. وأجمله: قال السهيلي: هذا الكلام حكاه سيبويه عن العرب، ووجهه عندهم أنه محمول على المعنى، كأنك قلت: أحسن رجل وأجمله، فأفرد الاسم المضمر التفاتاً إلى هذا المعنى، وهو عندي محمول على الجنس كأنه حين ذكر الناس قال: هو أجمل الجنس، وإنما عدلنا عن ذلك التقدير الأول لأن في الحديث الصحيح: «خير نساء ركبن الإبل صوالح قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوجٍ في ذات يد» ولا يستقيم هاهنا حمله على الإفراد، لأن المفرد ها هنا امرأة، فلو نظر إلى واحد النساء لقال أحناها على ولد، فإذن التقدير: أحنى هذا الجنس الذي هو النساء أو هذا الصنف. ونحو هذا. لترجمانه: بفتح التاء وضمها بعضهم، وهو من يفسر لغةً بلغة. قلّدها: علّق في أعناقها قطعة من جلد ليعلم أنها هدي فيكفّ الناس عنها. أشعرها: حزّز أسمنتها حتى يسيل الدم فيعلم أنها هدي. بثّها: فرّقها. لاهمّ: أصله اللهم، والعرب تحذف الألف واللام وتكتفي بما بقي، وكذلك تقول لاه أبوك تريد: لله أبوك، وهذا لكثرة دور هذا الاسم على الألسنة. الهجمة بفتح الهاء وسكون الجيم. قال السّهيلي: وهي ما بين التسعين إلى المائة من الإبل، والمائة منها هنيدة والمائتان هند. وقال بعضهم والثلاثمائة أمامه. وقال الخشني: هي القطعة من الإبل. وقال بعضهم: هي ما بين الخمسين إلى الستين. وفيها التقليد: أي في أعناقها قلائد. حراء بكسر الحاء المهملة: يمد، ويقصر، ويذكّر فيصرف، ويؤنث فيمنع.

_ [ () ] رجع إلى بغداد، واتصل بالمقتدر العباسي فأجرى عليه في كل شهر خمسين دينارا، فأقام إلى أن توفي. ومن كتبه «الاشتقاق» في الأنساب، و «المقصور والممدود» و «شرحه» و «الجمهرة» في اللغة. توفي سنة 321 هـ. الأعلام 6/ 80.

ثبير: بثاء مثلثة فباء موحدة مكسورة فمثناة تحتية. وهما جبلان بمكة. البيد: بباء موحدة فمثناة تحتية جمع بيداء وهي القفر. الطّماطم: العلوج يقال لكل أعجمي: طمطم بكسر الطاءين. وطمطماني بضمهما. أخفرهم: بالخاء المعجمة والفاء، أي انقض عزمهم وعهدهم ولا تؤمّنهم، يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده. وخفرته إذا أجرته، فينبغي أن لا يضبط هذا إلا بقطع الهمزة وفتحها لئلا يصير الدعاء عليه دعاء له. ويروى احفز بالحاء المهملة أي اجعله متحفزاً يريد خائفاً وجلاً. شعف الجبال بشين معجمة فعين مهملة مفتوحة: رؤوسها. الواحدة شعفة. الشّعاب: جمع شعب بالكسر: الطريق في الجبل. معرّة: الجيش شدته. الرّحل بفتح الراء وسكون الحاء المهملة: مأوى الشخص في الحضر ثم أطلق على أمتعة المسافر لأنها هناك مأواه. حلالك: قال: الخشني: بكسر الحاء المهملة جمع حلة وهي جماعة البيوت. وقال السّهيلي: الحلال في هذا البيت: القوم الحلول في المكان. والحلال مركب من مراكب النساء: والحلال أيضاً: متاع البيت. وجائز أن يستعيره هنا. المحال: بكسر الميم: القوة والشدة. غدوا: بالغين المعجمة قال في النهاية: أصل الغدو: هو اليوم الذي يأتي بعد يومك فحذفت لامه ولم يستعمل تاماً إلا في الشعر. ومنه قول ذي الرمة [ (1) ] : وما الناس إلا بالديار وأهلها ... بها يوم حلّوها وغدواً بلاقع قال: ولم يرد عبد المطلب الغد بعينه، وإنما أراد تقريب الزمان. فأمر ما بدا لك: ما زائدة مؤكدة أو موصولة أي الذي بدا لك من المصلحة في تركهم قال الطيبي رحمه الله تعالى.

_ [ (1) ] غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر، أبو الحارث، ذو الرمة: شاعر، من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو عمرو بن العلاء: فتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمة. وكان شديد القصر، دميما، يضرب لونه إلى السواد. أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال، يذهب في ذلك مذهب الجاهليين. وكان مقيما بالبادية، يحضر إلى اليمامة والبصرة كثيرا. وامتاز بإجادة التشبيه. قال جرير: لو خرس ذو الرمة بعد قصيدته: «ما بال عينك منها الماء ينسكب» لكان أشعر الناس. وقال الأصمعي: لو أدركت ذا الرمة لأشرت عليه أن يدع كثيرا من شعره، فكان ذلك خيرا له. وعشق «مية» المنقرية واشتهر بها. له «ديوان شعر» . توفي سنة 117 هـ بأصبهان، وقيل: بالبادية. الأعلام 5/ 124.

عبّى جيشه: يقال: عبّيت الجيش بغير همز، وعبأت المتاع: بالهمز. وحكى: عبّأت الجيش بالهمز. وهو قليل. قاله السهيلي قال في الزهر: وفيه نظر، لأن ثعلباً حكى في باب ما يهمز من الفعل في فصيحه عن أبي زيد [ (1) ] وابن الأعرابي [ (2) ] : هما مهموزان يعني الجيش والمتاع سوّى بينهما. قال ابن فارس: وهو الاختيار. وبسط في الزّهر الكلام على أنهما سواء. محمود: قال الخشني يقال: إن هذا الاسم كان علماً لهذا الفيل خاصة. وقيل: بل هو علم للجنس كله، كما يقال للأسد أسامة. أصعد في الجبل: علا. الطّبرزين: بفتح الطاء المهملة وقيّد أبو بحر الباء بالسّكون، والبكري بالفتح: آله معوجة من حديد. محاجن: جمع محجن، وهي عصا معوجة وقد يجعل في طرفها حديد. مراقّه: أسفل بطنه. بزّغوه: بفتح الباء الموحدة والزاي المشددة بعدها عين معجمة أي شرطوه بالحديد الذي في تلك المحاجن. يهرول: يسرع. برك: ورد بروك الفيل في عدة آثار. وقول السهيلي: إنه لا يبرك ليس بشيء وقد شوهد في زماننا. قيل: عصى على سائسه وبرك. جرانه- بكسر الجيم- مقدّم عنقه من مذبحه إلى منحره. والجمع جرن. وأجرنة، مثل حمار وحمر وأحمرة. يعجّ: يرفع صوته. الحمّص: بكسر الحاء المهملة وتفتح.

_ [ (1) ] سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري: أحد أئمة الأدب واللغة. من أهل البصرة. ووفاته بها. كان يرى رأي القدرية. وهو من ثقات اللغويين، قال ابن الأنباري: كان سيبويه إذا قال «سمعت الثقة» عنى أبا زيد. من تصانيفه كتاب «النوادر» في اللغة، و «الهمز» و «المطر» و «اللبأ واللبن» و «المياه» و «خلق الإنسان» و «لغات القرآن» و «الشجر» و «الغرائز» و «الوحوش» و «بيوتات العرب» و «الفرق» و «غريب الأسماء» و «الهشاشة والبشاشة» . توفي 215 هـ. الأعلام 3/ 92. [ (2) ] محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي، أبو عبد الله: راوية، ناسب، علامة باللغة. من أهل الكوفة. كان أحول. أبوه مولى للعباس بن محمد بن علي الهاشمي قال ثعلب: شاهدت مجلس ابن الأعرابي وكان يحضره زهاء مائة إنسان، كان يسأل ويقرأ عليه، فيجيب من غير كتاب، ولزمته بضع عشرة سنة ما رأيت بيده كتابا قط، ولقد أملى على الناس ما يحمل على أجمال، ولم ير أحد في علم الشعر أغزر منه. وهو ربيب المفضّل بن محمد صاحب المفضليات. مات بسامراء له تصانيف كثيرة، منها «أسماء الخيل وفرسانها» و «تاريخ القبائل» و «النوادر» في الأدب و «تفسير الأمثال» و «شعر الأخطل» و «معاني الشعر» و «الأنواء» و «البئر» وغير ذلك. توفي سنة 231 هـ. الأعلام 6/ 131.

الجدري بفتح الجيم وضمها وأما الدال المهملة فمفتوحة فيهما: قروح تنفّط [ (1) ] عن الجلد ممتلئة ماءً ثم تتقيّح وصاحبها جدير مجدّر. الحصبة وزان كلمة وإسكان الصاد لغة: بثر يخرج بالجسد ويقال: هي الجدري. ظفار بوزن قطام: اسم لمدينة بحمير باليمن وهو الصواب. قاله في التقريب. نضج أحمر: أي رش أحمر. مختمة ببياض ... تسقط أنملة أنملة: أي ينتثر جسمه، والأنملة طرف الإصبع، ولكن قد يعبر بها عن طرف غير الإصبع والجزء الصغير. مدّة بكسر الميم وفتح الدال المهملة المشدودة. وهي القيح وهي الغثيثة الغليظة، وأما الرقيقة فهي صديد. انصدع قلبه: انشقّ. فاضت نفسه: خرجت. ارمقها: اتبعها بصرك. نجدية: نسبة إلى نجد، وهو ما ارتفع من أرض تهامة إلى أرض العراق. تهامية: نسبة إلى تهامة وتقدمت. غير مؤنسة: أي لم تعهد بهذه البلاد. اليعاسيب: جمع يعسوب وهو ضرب من الحجلان. الخذف- بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين-: الرمي بالحصى. رفّة: براء مفتوحة ففاء: جماعة. ركدت على رؤوسهم: وقفت. رتوة. الرّتوة بمثناة فوقية وزان ركوة: الخطوة. لم يؤنسا: لم يبصرا. ضاقوا به ذرعاً: ضيق الذراع والذّرع: قصرها، كما أن معنى سعتها وبسطها طولها، ووجه التمثيل أن القصير الذراع لا ينال ما يناله الطويل الذراع ولا يطيق طاقته، فضرب مثلاً للذي سقطت قوّته دون بلوغ الأمر والاقتدار عليه. الجارض: اسم فاعل من جرض بفتح الجيم والراء: وهو بلوغ الروح الحلق. الكظم بفتح الكاف والظاء المعجمة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] نفط نفطا ونفيطا ونفطا: خرج بيده بثور ملأى بالماء. انظر المعجم الوسيط 2/ 950.

جماع أبواب نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم الباب الأول في فضل العرب وحبهم لما كانت العرب أصل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن ذكر بعض فضائلهم. وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضريّها وربيعيّها ويمانيها. رواه عبد بن حميد وابن أبي أسامة وابن المنذر. وفيه أنواع: الأول: في أن الله تعالى تخيّر العرب من خلقه وتخيره صلى الله عليه وسلم منهم. عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار إلى خيار، فمن أحبّ العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم» . رواه الطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الخلق اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشاً، ثم اختارت من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيرة من خيرة» . رواه الحاكم وصححه [ (1) ] . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسماً وقسم العجم قسماً، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما وقسم مضر قسما وقريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير من أنا منه» .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 4/ 86.

رواه الطبراني وحسن الحافظ أبو الفضل العراقي [ (1) ] إسناده. وعن واثلة بن الأسقع [ (2) ] رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» [ (3) ] . رواه مسلم والترمذي وصححه. النوع الثاني: في أن حب العرب حب للنبي صلى الله عليه وسلم. عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني» [ (4) ] . رواه الطبراني: وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم» [ (5) ] . رواه الحاكم. وروى الطبراني والحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحبّوا العرب لثلاث: لأني عربيّ، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي» [ (6) ] . النوع الثالث: في أن بغض العرب مفارقة للدّين. عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سلمان لا تبغضني

_ [ (1) ] عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم، الحافظ الكبير، المفيد، المتقن، المحرر، الناقد، محدث الديار المصرية، ذو التصانيف المفيدة، زين الدّين أبو الفضل، العراقي الأصل، الكردي. توفي سنة ست وثمانمائة. انظر ابن قاضي شهبة 4/ 29. [ (2) ] واثلة بن الأسقع، بالقاف، ابن كعب الليثي، صحابي مشهور، نزل الشام، وعاش إلى سنة خمس وثمانين، وله مائة وخمس سنين. التقريب 2/ 328. [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1782 كتاب الفضائل (1- 2276) والترمذي (6- 36) وأحمد في المسند 4/ 107، والبخاري في التاريخ 1/ 4، والخطيب في التاريخ 13/ 64. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 94 وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط وقال فيه الهيثم بن جماز ضعفه أحمد ويحيى بن معين والبزار. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 445، وابن عدي في الكامل 2/ 803. [ (6) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 87، وابن حجر في اللسان 4/ 486، والعقيلي في الضعفاء 3/ 348، وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 55 وعزاه للطبراني والأوسط وقال: فيه العلاء بن عمرو الحنفي وهو مجمع على ضعفه.

فتفارق دينك» . قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال: «تبغض العرب فتبغضني» [ (1) ] . رواه الترمذي وقال حسن غريب. وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبغض العرب إلا منافق» [ (2) ] . رواه الطبراني. النوع الرابع: في فضل قريش. عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حب قريش إيمان وبغضهم كفر» [ (3) ] . رواه الطبراني. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم» [ (4) ] . رواه الشيخان. وعن معاوية رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدّين» [ (5) ] . رواه البخاري. وعن سعد بن أبي وقاص [ (6) ] رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد هوان قريش أهانه الله» [ (7) ] . رواه الترمذي وحسنه.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3927) وأحمد في المسند 5/ 440، والطبراني في الكبير 6/ 291، والحاكم في المستدرك 4/ 86، والعقيلي في الضعفاء 2/ 184. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 56 وعزاه لعبد الله وقال وفيه زيد بن جبيرة وهو متروك. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 56 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: وفيه الهيثم بن جماز وهو متروك. [ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 12 كتاب المناقب (3495) ، ومسلم 3/ 1451 كتاب الإمارة (2/ 1818) . [ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 532 كتاب المناقب (3500) . [ (6) ] سعد بن أبي وقّاص واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزّهري المدني. شهد بدرا والمشاهد، وهو أحد العشرة، وآخرهم موتا، وأول من رمى في سبيل الله، وفارس الإسلام، وأحد ستة الشورى، ومقدم جيوش الإسلام في فتح العراق، وجمع له النبي صلى الله عليه وسلم أبويه، وحرس النبي صلى الله عليه وسلّم، وكوّف الكوفة، وطرد الأعاجم، وافتتح مدائن فارس، وهاجر قبل النبي صلى الله عليه وسلم. له مائتا حديث وخمسة عشر حديثا. الخلاصة 1/ 371- 372. [ (7) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 171 والترمذي 5/ 714 كتاب المناقب (3905) والحاكم في المستدرك 4/ 74 كتاب معرفة الصحابة وصححه وأقره الذهبي.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله» [ (1) ] . رواه الإمام أحمد، وصحح العراقي إسناده. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التمسوا الأمانة في قريش فإن الأمين في قريش له فضلان على أمين من سواهم، وإنّ قويّ قريش له فضلان على قوي من سواهم» [ (2) ] . رواه الطبراني وأبو يعلى. وحسّن الهيثمي [ (3) ] إسناده. وعن عبد الله بن الحارث الزبيدي [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلم في قريش والأمانة في الأزد» [ (5) ] . رواه الطبراني، وحسن الهيثمي إسناده. وعن رفاعة بن رافع رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن قريشاً أهل أمانة، فمن بغى لهم العواثر أكبّه الله على منخريه» قالها ثلاثاً [ (6) ] . رواه البزّار ورجاله ثقات. وعن قتادة بن النعمان [ (7) ] رضي الله تعالى عنه أنه وقع بقريش فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا قتادة لا تسبّنّ قريشاً فإنه لعلك أن ترى منهم رجالا ًتزدري عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم وتغبطهم إذا رأيتهم، لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم الذي لهم عند الله» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 101. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 28 وعزاه للطبراني في الأوسط ولأبي يعلى وإسناده حسن كما قال المصنف. [ (3) ] علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، أبو الحسن، نور الدين، المصري القاهري: حافظ. له كتب وتخاريج في الحديث، منها «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» ، و «ترتيب الثقات لابن حبان» و «تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية» و «مجمع البحرين في زوائد المعجمين» و «المقصد العلي، في زوائد أبي يعلى الموصلي» و «زوائد ابن ماجة على الكتب الخمسة» و «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» . توفي سنة 807 هـ. الأعلام 4/ 266. [ (4) ] عبد الله بن الحارث الزّبيدي بالضم النّجراني بنون وجيم الكوفي المكتّب عن ابن مسعود وجندب بن عبد الله. وعنه عمرو بن مرة وحميد الأعرج. وثقه النسائي. الخلاصة 2/ 48. [ (5) ] ذكره الهيثمي وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير وإسناده حسن. [ (6) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 73 والبخاري في الأدب المفرد (75) وذكره المتقي الهندي في الكنز (33814- 33989) . [ (7) ] انظر الإصابة 5/ 284. [ (8) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 384 وأبو نعيم في الحلية 10/ 306، وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 26 وعزاه لأحمد مرسلا ومسندا وأحال لفظ المسند على المرسل، والبزار كذلك والطبراني مسندا، ورجال البزار في المسند رجال الصحيح ورجال أحمد في المرسل والمسند رجال الصحيح غير جعفر بن عبد الله بن أسلم في مسند أحمد وهو ثقة وفي بعض رجال الطبراني خلاف.

رواه الإمام أحمد والطبراني والبزار، وصحح العراقي إسناده. وفي لفظ: إن أبا قتادة الأنصاري السّلمي [ (1) ] قال لخالد بن الوليد [ (2) ] يوم فتح مكة: هذا يوم يذل الله فيه قريشاً. فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع ما يقول أبو قتادة يا رسول الله؟ فقال: «مهلا يا أبا قتادة إنك لو وزنت حلمك مع حلومهم لتحاقرت حلمك مع حلومهم، ولو وزنت رأيك مع رأيهم لتحاقرت رأيك مع رأيهم، ولو وزنت فعالك مع فعالهم لتحاقرت فعلك مع فعالهم، لا تعلّموا قريشاً وتعلّموا منهم، فلولا أن تبطر قريش لأخبرتهم بما لهم عند رب العالمين» . رواه البيهقي في المدخل. وعن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس لا تقدّموا قريشاً فتهلكوا ولا تتخلفوا عنها فتضلّوا ولا تعلّموها وتعلّموا منها، فإنها أعلم منكم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتهم بالذي لها عند الله» . رواه البيهقي في المدخل وحسّن العراقي إسناده. وعن أم هانئ رضي الله تعالى عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضل الله قريشاً بسبع خصال لم يعطها أحداً قبلهم ولا يعطيها أحداً بعدهم: فضّل الله قريشاً بأنّي منهم، وأن النبوة فيهم، وأن الحجابة فيهم وأن السقاية فيهم ونصرهم على الفيل، وعبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأنزل فيهم سورة من القرآن لم تنزل في أحد من غيرهم» [ (3) ] . رواه الطبراني وحسن العراقي إسناده. والأحاديث في ذلك كثيرة. ويرحم الله تعالى العلامة ابن جابر [ (4) ] حيث قال في بديعيّته:

_ [ (1) ] أبو قتادة الأنصاري، هو الحارث، ويقال عمرو أو النعمان بن ربعي، بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة، ابن بلدمة، بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة السّلمي، بفتحتين، المدني، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا، ومات سنة أربع وخمسين، وقيل سنة ثمان وثلاثين، والأول أصح وأشهر. التقريب 2/ 463. [ (2) ] خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، سيف الله، يكنى أبا سليمان، من كبار الصحابة، وكان إسلامه بين الحديبية والفتح، وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح، إلى أن مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين. التقريب 1/ 219. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 27 وعزاه للطبراني وقال فيه من لم أعرفه. [ (4) ] محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهوّاري المالكي، أبو عبد الله، شمس الدين: شاعر، عالم بالعربية، أعمى. من أهل المرية. صحبه إلى الديار المصرية أحمد بن يوسف الغرناطي الرعيني فكان ابن جابر يؤلف وينظم، والرعيني يكتب. واشتهرا بالأعمى والبصير. ثم دخلا الشام، فأقاما بدمشق قليلا، وتحولا إلى حلب. ثم تزوج ابن جابر، فافترقا. ومات الرعيني فرثاه ابن جابر ومات بعده بنحو سنة، في «البيرة» . من كتب ابن جابر «شرح ألفية ابن مالك» و «شرح ألفية ابن معطي» ، و «العين في مدح سيد الكونين» . توفي سنة 780 هـ. الأعلام 5/ 328.

من أعرب العرب إلا أن نسبته ... إلى قريش حماة البيت والحرم لا عيب فيهم سوى ألاّ ترى لهم ... ضيفاً يجوع ولا جاراً بمهتضم ما عاب منهم عدوّ غير أنهم ... لم يصرفوا السّيف يوماً عن عدوّهم من غضّ من مجدهم فالمجد عنه نأى ... لكنه غصّ إذ سادوا على الأمم لا خير في المرء لم يعرف حقوقهم ... لكنه من ذوي الأهواء والتّهم عيبت عداهم فزانوهم بأن تركوا ... سيوفهم وهي تيجان لهامهم تجري دماء الأعادي من سيوفهم ... مثل المواهب تجري من أكفّهم لهم أحاديث مجد كالرّياض إذا ... أهدت نواسم حبّي بارئ النّسم ترى الغنيّ لديهم والفقير وقد ... عادوا سواء فلازم باب قصدهم قل للصباح إذا ما لاح نورهم ... إن كان عندك هذا النور فابتسم إذا بدا البدر تحت الّليل قلت له ... أأنت يا بدر أم مرأى وجوههم كانوا عيوناً ولكن للعفاة كما ... كانوا ليوثاً ولكن في عداتهم كم قائل قال حاز المجد وارثه ... فقلت هم وارثوه عن جدودهم قد أورث المجد عبد الله شيبة عن ... عمرو بن عبد مناف عن قصيّهم فجاء فيهم بمن جال السّماء ومن ... سما على النّجم في سامي بيوتهم فالعرب خير أناس ثم خيرهم ... قريش هم وهو منهم خير خيرهم قوم إذا قيل من؟ قالوا نبيكم ... منا، فهل هذه تلفى لغيرهم إن تقرإ «النّحل» تنحل جسم حاسدهم ... وفي «براءة» يبدو وجه جاههم قوم النبي فإن تحفل بغيرهم ... بين الورى فقد استسمنت ذا ورم إن يجحد العجم فضل العرب قل لهم ... خير الورى منكم أم من صميمهم من فضّل العجم فضّ الله فاه ولو ... فاهوا لغصّوا وغضّوا من نبيهم

الباب الثاني في طهارة أصله وشرف مجده صلى الله عليه وسلم غير ما تقدم

الباب الثاني في طهارة أصله وشرف مجده صلى الله عليه وسلّم غير ما تقدم وذلك مما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، فإنه نخبة بني هاشم وسلالة قريش وأشرف العرب وأعزم نفرا من قبل أبيه وأمه، ومن أهل مكة أكرم بلاد الله تعالى علي الله وعلى عباده. وأعداؤه صلى الله عليه وسلّم كانوا يشهدون له بذلك ولهذا شهد له به عدوّه إذ ذاك أبو سفيان بن حرب بين يدي ملك الروم. فأشرف القوم قومه وأشرف القبائل قبيلته وأشرف الأفخاذ فخذه صلى الله عليه وسلم. قال الله سبحانه وتعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ. وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: من صلب نبيّ إلى صلب نبيّ حتى صرت نبياً. رواه البزّار، والطبراني. رجاله ثقات. وعن عطاء عنه في الآية قال: «ما زال نبي الله صلّى الله عليه وسلم يتقلّب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه» رواه أبو نعيم [ (1) ] . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا ًحتى كنت من القرن الذي كنت فيه» . رواه البخاري [ (2) ] . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني عبد مناف بنو هاشم، وخير بني هاشم بنو عبد المطلب، والله ما افترقت فرقتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما» . رواه أبو نعيم. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله قسم خلقه قسمين فجعلني في خيرهما قسماً، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرهما ثلثاً، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً فذلك قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الآية.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (25) . [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب المناقب (3557) .

رواه الطبراني وأبو نعيم [ (1) ] . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد أفضل من محمد، ولم أجد بني أب أفضل من بني هاشم» . رواه الطبراني والبيهقي وابن عساكر. قال الحافظ في أماليه: لوامح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن. وعن جعفر بن محمد عن أبيه معضلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله بعثني فطفت شرق الأرض وغربها وسهلها وجبلها فلم أجد حيّاً خيراً من مضر. ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد حيّاً خيراً من كنانة، ثم أمرني فطفت في كنانة فلم أجد حيّاً خيراً من قريش، ثم أمرني فطفت في قريش فلم أجد حيّاً خيراً من بني هاشم، ثم أمرني أن أختار في أنفسهم فلم أجد نفساً خيرا من نفسك» . رواه الحكيم الترمذي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ولدتني بغيّ قط منذ خرجت من صلب آدم، ولم تزل تنازعني الأمم كابراً عن كابر حتى خرجت من أفضل حييّن من العرب: هاشم وزهرة» [ (2) ] . رواه ابن عساكر. وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم» بفتح الفاء وقال: «أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً، ليس في آبائي من لدن آدم سفاح، كلّنا نكاح» . رواه ابن مردويه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح» . رواه ابن سعد وابن عساكر. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خرجت من نكاح غير سفاح» .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 3/ 51، وأبو حاتم الرازي في العلل (2693) وابن كثير في البداية 2/ 257 وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 214. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 295 وعزاه لابن عساكر وذكره المتقي الهندي في الكنز (32019) .

رواه ابن سعد وابن عساكر [ (1) ] . وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من نكاح الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام» [ (2) ] . رواه العدنيّ في مسنده والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام» [ (3) ] . رواه الطبراني، وله طرق عن ابن عباس رواها أبو نعيم. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن قريشاً- أي المسعدة بالإسلام- كانت نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم صلى الله عليه وسلّم بألفي عام يسبّح ذلك النور وتسبّح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «فأهبطني الله تعالى إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح، وقذف بي في صلب إبراهيم، ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبويّ لم يلتقيا على سفاح قط» [ (4) ] . رواه ابن أبي عمر العدني في مسنده. ويرحم الله تعالى القائل: حفظ الإله كرامة لمحمّد ... آباءه الأمجاد صوناً لاسمه تركوا السفاح فلم يصبهم عاره ... من آدم وإلى أبيه وأمّه ويرحم الله تعالى القائل: من عهد آدم لم يزل تحمي له ... في نسلها الأصلاب والأرحام حتى تنقل في نكاح طاهر ... ما ضم مجتمعين فيه حرام فبدا كبدر التّمّ ليلة وضعه ... ما شان مطلعه المنير قتام فانجابت الظّلماء من أنواره ... والنّور لا يبقى عليه ظلام

_ [ (1) ] أخرجه ابن جرير في التفسير 11/ 56، والبيهقي في السنن 7/ 190 وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 32، وذكره السيوطي في الدر 3/ 294 وعزاه لابن سعد وابن عساكر. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 32 وأبو نعيم في الدلائل (24) . [ (3) ] أخرجه البيهقي في السنن 7/ 190 وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 294 وعزاه للطبراني. [ (4) ] أخرجه ابن حجر في المطالب العالية (4256) .

شكرا لمهديه إلينا نعمة ... ليست تحيط بكنهها الأوهام وروى ابن سعد وابن عساكر عن الكلبي رحمه الله تعالى قال: كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهن سفاحاً ولا شيئاً من أمر الجاهلية. قوله خمسمائة أمّ: يريد الجدات وجدات الجدات من قبل أبيه وأمه. القرن بسكون الراء: اختلف السلف في تعيين مدته، فقيل: مائة سنة. قال الحافظ: وهو الأشهر. وحكى الحربي رحمه الله تعالى الاختلاف فيه ثم قال: وعندي أن القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد. السّفاح بكسر السين المهملة: الزنا.

الباب الثالث في سرد أسماء آبائه إلى آدم صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في سرد أسماء آبائه إلى آدم صلى الله عليه وسلم وهو سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. وأم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا هو نسب الصحيح المتفق عليه في نسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فوق ذلك مختلف فيه. ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، إنما الخلاف في عدد من بين عدنان وإسماعيل من الآباء فمقلّ ومكثر، وكذلك من إبراهيم إلى آدم صلى الله عليه وسلم لا يعلم ذلك على حقيقته إلا الله تعالى. والذي رجحه الإمام العلامة الشريف النسّابة أبو علي محمد بن أسعد بن علي بن حسن الجوّاني [ (1) ] بفتح الجيم والواو المشددة وكسر النون وقال: إنه أصح الطرق وأحسنها وأوضحها وإنه رواية شيوخه في النسب كالشيخ شرف الدين بن أبي جعفر البغدادي المعروف بابن الجوّانية، وأبي الغنائم الزيدي والبطحاوي والسّجزي وأبي بكر محمد بن عبدة الفقعسيّ وغيرهم وهي عهدة أكثر النسابين الأجلاء وهي رواية عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وعليها استقر رأي أكثر أهل العلم. انتهى. وتبعه على ذلك الحافظ شرف الدين الدمياطي والقاضي عز الدين بن جماعة وأبو الفتح والعلامة بدر الدين حسن بن حبيب الحلبي في سيرهم: أن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع ابن سلامان بن نبت ابن حمل بن قيدار بن إسماعيل. وقال ابن إسحاق ومن تبعه في السيرة تهذيب ابن هشام: إن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل صلى الله عليهما وسلّم بن آزر بن ناحور بن ساروح بن راغو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس صلى الله عليه وسلم، بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] محمد بن أسعد بن علي بن معمر العبيدي العلوي، أبو علي، شرف الدين الجواني المالكي: عالم بالأنساب. أصله من الموصل. ومولده ووفاته بمصر ولي نقابة الأشراف فيها مدة. وصنف «طبقات الطالبيين» و «تاج الأنساب» وأورد العماد بعض شعره. توفي سنة 588 هـ. الأعلام 6/ 31.

ويرحم الله تعالى القائل حيث قال: فأولئك السّادات لم تر مثلهم ... عين على متتابع الأحقاب لم يعرفوا ردّ العفاة وطالما ... ردّوا عداتهم على الأعقاب زهر الوجوه كريمة أحسابهم ... يعطون عافيهم بغير حساب حلموا إلى أن لا تكاد تراهم ... يوماً على ذي هفوة بغضابه وتكرّموا حتّى أبوا أن يجعلوا ... بين العفاة ومالهم من باب كانت تعيش الطير في أجنابهم ... والوحش حين تشحّ كلّ سحاب وكفاهم أنّ النبيّ محمّداً، ... منهم فمدحهم بكلّ كتاب ويرحم الله تعالى القائل أيضاً: نسب أضاء وشمسه من هاشم ... وسماؤه من يعرب ونزار من معشر ورثوا السّيادة كابرا ... عن كابر فهم كبار كبار أقمار أندية أسود وقائع ... أطواد أحلام سحاب قطار لا عار فيهم غير طول تيقّظ ... ما زال ينفي ضيق طيف العار أهل الرّفادة والحجابة والحجا ... وسقاية الحجّاج والزّوّار المطعمون إذا البلاد مجيعة ... ومبدّلو الإعسار بالإيسار والمجتبى الهادي خيارهم وهم ... بين الأنام خيار كلّ خيار قال أبو عمر رحمه الله تعالى: وقد اعتنى الناس بنظم نسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأحسن ما جاء في ذلك ما نظمه أبو العباس عبد الله محمد بن محمد الناشي رحمه الله تعالى. قلت: وهو بالنون والشين المعجمة على وزن الماشي، وفيه بعض مخالفة لما تقدم، في قوله: مدحت رسول الله أبغي بمدحه ... وفور حظوظي [ (1) ] من كريم المواهب مدحت أمراء فات المديح موحّداً ... بأوصافه من مبعد أو مقارب نبياً تسامى في المشارق نوره ... فلاحت هواديه لأهل المغارب أتتنا به الأنباء قبل مجيئه ... وشاعت به الأخبار في كلّ جانب وأصبحت الكهّان تهتف باسمه ... وتنفي به رجم الظنون الكواذب وأنطقت الأصنام نطقاً تبرّأت ... إلى الله فيه من مقال الأكاذب وقالت لأهل الكفر قولاً مبيّناً ... أتاكم نبيّ من لؤي بن غالب

_ [ (1) ] الحظوظ مفردها حظ والحظ: النصيب انظر الوسيط 1/ 183.

ورام استراق السّمع جنّ فزيّلت [ (1) ] ... مقاعدهم منها رجوم الكواكب هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له ... لطول العمى عن موضحات المذاهب وجاء بآيات تبيّن أنّها ... دلائل جبّار مثيب معاقب فمنها انشقاق البدر حتّى تعمّمت ... شعوب الضّيا منه رؤوس الأخاشب ومنها نبوع الماء بين بنانه ... وقد عدم الورّاد قرب المشارب فروّى بها جمّاً [ (2) ] غفيراً وأسهلت ... بأعناقه طوعاً أكفّ المذانب [ (3) ] وبئر طغت بالماء من مسّ سهمه ... ومن قبل لم تسمح بمذقة شارب وضرع مراه [ (4) ] فاستدرّ ولم يكن ... به درّة تصغي إلى كفّ حالب ونطق فصيح من ذراع مبينة ... لكيد عدو للعداوة ناصب وإخباره بالأمر من قبل كونه ... وعند مباديه بما في العواقب ومن تلكم الآيات وحي أتى به ... قريب المآتي مستجم [ (5) ] العجائب تقاصرت الأفكار عنه فلم تطع ... بليغاً ولم يخطر على قلب خاطب حوى كلّ علم واحتوى كلّ حكمة ... وفات مرام المستمرّ الموارب أتانا به لا عن رويّة مرتئ ... ولا صحف مشتمل ولا وصف كاتب يواتيه طوراً في إجابة سائل ... وإفتاء مستفت ووعظ مخاطب وإتيان برهان وفرض شرائع ... وقصّ أحاديث ونصب مآدب وتصريف أمثال وتثبيت حجّة ... وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب وفي مجمع النادي وفي حومة الوغى [ (6) ] ... وعند حديث المعضلات الغرائب فيأتي على ما شئت من طرقاته ... كريم المعاني مستدرّ الصّوائب وصدق منه البعض بعضاً كأنّما ... يلاحظ معناه بعين المراقب وعجز الورى عن أن يجيئوا بمثل ما ... وصفناه معلوم بطول التّجارب

_ [ (1) ] قال القتيبيّ في تفسير قوله تعالى: فَزَيَّلْنا: أي فرقنا، وهو في البيت بزنة فعلت للفعل زيل: زلت الشيء من مكانه أزيله زيلا: لغة في أزلته اللسان 2/ 1901. [ (2) ] الجماء الغفير: جماعة الناس وجاء واجما غفيرا، وجماء الغفير والجماء الغفير أي بجماعتهم اللسان 1/ 688، والوسيط 1/ 137. [ (3) ] قال ابن الأعرابي: المذنب الذنب الطويل وقال الجوهري: والمذنب مسيل الماء في الحضيض والمذنبة المذنب، المغرفة لأن لها ذنبا أو شبه الذنب والجمع مذانب، انظر اللسان 2/ 1519، 1520، والمعجم الوسيط 1/ 316. [ (4) ] انظر الوسيط 2/ 865. [ (5) ] جمم: الجمّ والجمم: الكثير من كل شيء، وما لجم: كثير اللسان. 1/ 686، والوسيط 1/ 137. [ (6) ] الوغى: الصوت، وقيل: الوغى الأصوات في الحرب مثل الوغى ثم كثر ذلك حتى سموا الحرب وغى، اللسان 6/ 4880.

تأبى بعبد الله أكرم والد ... تبلّج منه عن كريم مناسب وشيبة ذي الحمد الذي فخرت به ... قريش على أهل العلى والمناصب ومن كان يستسقى الغمام بوجهه ... ويصدر عن آرائه في النوائب وهاشم الباني مشيد افتخاره ... بغر المساعي وابتذال المواهب وعبد مناف وهو علّم قومه ... اشتطاط الأماني واحتكام الرّغائب وإن قصيّاً من كرام غراسه ... لفي منهل لم يدن من كفّ قاضب به جمع الله القبائل بعد ما ... تقسّمها نهب الأكفّ السّوالب وحلّ كلاب من ذرا المجد معقلاً ... تقاصر عنه كلّ دان وعازب ومرّة لم يحلل مريرة عزمه ... سفاه سفيه أو محوبة حائب وكعب علا عن طالب المجد كعبه ... فنال بأعلى السعي أعلى المراتب وألوى لؤيّ بالعداة فطوّعت ... له همم الشمّ الأنوف الأغالب وفي غالب بأس أبى الناس دونهم ... يدافع عنه كلّ قرن مغالب وكانت لفهر في قريش خطابة ... يعوذ بها عند اشتجار المخاطب وما زال منهم مالك خير مالك ... وأكرم مصحوب وأنجد صاحب وللنّضر طول يقصر الطّرف دونه ... بحيث التقى ضوء النجوم الثّواقب لعمري لقد أبدى كنانة قبله ... محاسن تأبى أن تطوع لغالب ومن قبله أبقى خزيمة حمده ... تليد تراث عن حميد الأقارب ومدركة لم يدرك الناس مثله ... أعفّ وأعلى عن دنيء المكاسب وإلياس كان اليأس منه مقارناً ... لأعدائه قبل اعتداد الكتائب وفي مضر مستجمع الفخر كلّه ... إذا اعتركت يوماً زحوف المقانب وحل نزار من رياسة أهله ... محلاً تسامى عن عيون الرّواقب وكان معدّ عدّة لوليّه ... إذا خاف من كيد العدوّ المحارب وما زال عدنان إذا عدّ فضله ... توحد فيه عن قريب وصاحب وأدّ تأدّى الفضل منه لغاية ... وإرث حواه عن قروم أشائب وفي أدد حلم تزيّن بالحجا [ (1) ] ... إذا الحلم أزهاه [ (2) ] قطوب الحواجب وما زال يستعلي هميسع بالعلى ... ويتبع آمال البعيد المراقب

_ [ (1) ] الحجا: العقل جمعه أحجاء، الوسيط 1/ 159. [ (2) ] زهي فلان فهو مزهو إذا أعجب بنفسه وتكبر، اللسان 3/ 1882.

ونبت نمته دوحة العزّ وابتنى ... معاقله في مشمخرّ [ (1) ] الأهاضب وحيزت لقيدار سماحة حاتم ... وحكمة لقمان وهمّة حاجب هم نسل إسماعيل صادق وعده ... فما بعده في الفخر مسعىّ لذاهب وكان خليل الله أكرم من عنت [ (2) ] ... له الأرض من ماش عليها وراكب وتارح ما زالت له أريحيّة ... تبيّن منه عن حميد الضرائب وناحور نحّار العدى حفظت له ... مآثر لمّا يحصها عدّ حاسب وساروغ في الهيجاء ضيغم غابة ... يقدّ الكماة بالمرهفات القواضب [ (3) ] وأرغو فناب في الحروب محكّم ... ظنين على نفس المشيح [ (4) ] المغالب وما فالغ في فضله تلو قومه ... ولا عابر من دونهم في المراتب وفالخ وأرفخشذ وسام سمت بهم ... سجايا حمتهم كلّ زار [ (5) ] وعائب وما زال نوح عند ذي العرش فاضلاً ... يعدده في المصطفين الأطايب ولمك أبوه كان في الرّوع رائعا ... جريّا على نفس الكميّ [ (6) ] المضارب ومن قبل لمك لم يزل متّوشلخ ... يذود العدى بالذائدات الشوازب وكانت لإدريس النبيّ منازل ... من الله لم تقرن بهمّة غالب ويارد بحر عند أهل سراته ... أبيّ الخزايا مستدق المذاهب وكانت لمهياييل فيهم فضائل ... مهذّبة من فاحشات المثالب [ (7) ] وقينان من قبل اقتنى مجد قومه ... وفات بشأو الفضل وخد الركائب وكان أنوش ناش للمجد نفسه ... ونزّهها عن مرديات المطالب وما زال شيث بالفضائل فاضلاً ... شريفاً برياً من ذميم المعائب وكلهم من نور آدم أقبسوا ... وعن عوده أجنوا ثمار المناقب وكان رسول الله أكرم منجب ... جرى في ظهور الطيّبين المناجب مقابلة آباؤه أمهاته ... مبرّاة من فاضحات المثالب عليه سلام الله في كل شارق ... ألاح لنا ضوءاً وفي كل غارب

_ [ (1) ] انظر اللسان 6/ 4670. [ (2) ] المعجم الوسيط 2/ 630. [ (3) ] اللسان 4/ 3660. [ (4) ] قال الفراء: المشيح على وجهين: المقبل إليك والمانع لما وراء ظهرك، اللسان 4/ 2372. [ (5) ] قال أبو عمرو الشيباني: الزاري على الإنسان هو الذي ينكر عليه ولا يعد شيئا، المصباح المنير 253. [ (6) ] الكميّ: الشجاع المتكمي في سلاحه، لأنه كمى نفسه، أي سترها بالدرع والبيضة والجمع الكماة، اللسان 5/ 3934. [ (7) ] مفردها: مثلبة بضم اللام وفتحها بمعنى المعايب، اللسان 1/ 496.

الباب الرابع في شرح أسماء آبائه صلى الله عليه وسلم وبعض أحوالهم على وجه الاختصار

الباب الرابع في شرح أسماء آبائه صلى الله عليه وسلم وبعض أحوالهم على وجه الاختصار عبد الله: علم منقول من مركب إضافي. أما المضاف إليه ففي كونه منقولاً في الأصل أو مرتجلاً خلاف مشهور لا نطيل بذكره، وهو الاسم الأعظم للباري تعالى في قول أكثر أهل العلم كما حكاه البندنيجيّ رحمه الله تعالى، وقد أشبعت الكلام على هذا الاسم العظيم في كتابي «القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز» . وأما المضاف فإنه صفة في الأصل، كما صرح به ابن الحاجب. والعبد هو المملوك من نوع من يعقل، مشتق من التعبد وهو التذلل. قال ابن الأنباري [ (1) ] رحمه الله تعالى: العبد الخاضع لله، من قولهم: طريق معبّد إذا كان وطئها الناس والعبودية: أشرف أوصاف العبد، وبها نعت الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أعلى مقاماته وهو الإسراء. كما سيأتي بيان ذلك هناك. وكنيته قال ابن الأثير: أبو قثم. والقثم من أسمائه صلى الله عليه وسلّم، مأخوذ من القثم وهو الإعطاء أو من الجمع، يقال للرجل الجموع للخير: قثوم وقثم. وقيل كنيته: أبو محمد. وقيل أبو أحمد ويلقّب بالذبيح، لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما رواه ابن سعد، ومعاوية بن أبي سفيان فيما رواه الحاكم، وابن جرير والزهري فيما رواه البيهقي، وابن إسحاق فيما رواه البيهقي: أن أباه عبد المطلب لما أمر في منامه بحفر زمزم ولم يكن له من الولد إلا الحارث وبه كان يكنى. فنذر إن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة. وكان السبب في ذلك كما رواه ابن سعد والبلاذري أن عدي بن نوفل بن عبد مناف والد المطعم قال له: يا عبد المطلب أتستطيل علينا وأنت فذّ لا ولد لك؟ فقال عبد المطلب أبالقلّة تعيّرني [ (2) ] ؟! فو الله لئن آتاني الله عشرة من الولد ذكوراً لأنحرنّ أحدهم عند الكعبة. انتهى. فلما توافى بنوه عشرةً وعرف أنهم سيمنعونه- وذلك بعد حفره زمزم بثلاثين سنة- جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك، فأطاعوه وقالوا: أوفِ بنذرك وافعل ما

_ [ (1) ] محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري: من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة، ومن أكثر الناس حفظا للشعر والأخبار، قيل: كان يحفظ ثلاثمائة ألف شاهد في القرآن. ولد في الأنبار (على الفرات) وتوفي ببغداد. وكان يتردد إلى أولاد الخليفة الراضي بالله، يعلمهم. من كتبه «الزاهر» في اللغة، و «شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات» و «إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل» و «الهاآت» و «عجائب علوم القرآن» و «شرح الألفات» رسالة نشرت في مجلة المجمع بدمشق، و «خلق الإنسان» و «الأمثال» و «الأضداد» وأجل كتبه «غريب الحديث» قيل إنه 45000 ورقة. وله «الأمالي» . توفي سنة 328 هـ. الأعلام 6/ 334. [ (2) ] في أ: تعيروني.

شئت كيف تصنع. قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه، ثم ائتوني ففعلوا، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة وكان على بئر في جوف الكعبة. وكانت البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكان عند هبل قداح سبعة بها يضربون على ما يريدون وإلى ما يخرج ينتهون في أمورهم. فقال عبد المطلب لصاحب القداح: اضرب على بنيّ هؤلاء بقداحهم هذه. وأخبره بنذره الذي نذر. وأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: وكان عبد الله بن عبد المطلب أصغر بني أبيه وأحبّهم إليه، وكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى. فلما أخذ صاحب القداح ليضرب بها قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله تعالى، ثم ضرب صاحب القداح القداح، فخرج السهم على عبد الله فأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشّفرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه، فجذب العباس عبد الله من تحت رجل أبيه حين وضعها عليه ليذبحه، فيقال إنّه شجّ وجهه شجة لم تزل على وجه عبد الله حتى مات، فقامت إليه قريش من أنديتها وقالوا: ماذا تريد يا عبد المطلب؟ قال: أذبحه. فقالت له قريش وبنوه: والله لا تذبحه أبداً حتى تعذر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه فيذبحه، فما بقاء الناس على هذا؟ وقال له المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وكان عبد الله ابن أخت القوم: والله لا تذبحه أبداً حتى تعذر فيه، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه. وقالت قريش وبنوه: لا تفعل وانطلق إلى الحجاز فإن به عرّافة لها تابع من الجن فتسألها ثم أنت بعد ذلك على رأس أمرك، إن أمرتك بذبحه ذبحته، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج فعلته. فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوها بخيبر، فركبوا حتى جاءوها فسألوها، وقصّ عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه وما أراد به في نذره. فقالت لهم: ارجعوا عنّي اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله. فرجعوا من عندها فلما خرجوا من عندها قام عبد المطلب يدعو الله تعالى، ثم غدوا عليها فقالت لهم: قد جاءني الخبر، كم الدّية فيكم؟ قالوا: عشرة من الإبل. وكانت كذلك. قالت: فارجعوا إلى بلادكم ثم قرّبوا صاحبكم وقرّبوا عشراً من الإبل، ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل، حتى يرضى ربّكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم. فخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعوا لذلك قام عبد المطلب يدعو الله، فقرّبوا عبد الله وعشرةً من الإبل، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشراً من الإبل فبلغت الإبل عشرين، فقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا القدح فخرج على عبد الله، فزادوا عشراً من الإبل، وما زالوا كذلك يزيدون عشراً فعشراً من الإبل ويضربون عليها بالقداح، كلّ ذلك يخرج

القدح على عبد الله حتى بلغت الإبل مائة، وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل، فقالت قريش: قد انتهى رضا ربّك يا عبد المطلب. فقال عبد المطلب: لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات. فضربوا على عبد الله وعلى الإبل، وقام عبد المطلب يدعو الله فخرج القدح على الإبل، ثم عادوا الثانية والثالثة، وعبد المطلب قائم يدعو الله فخرج القدح في كلتيهما على الإبل، فنحرت ثم تركت لا يصدّ عنها إنسان ولا سبع. قال الزهري [ (1) ] : وكان عبد المطلب أول من سنّ دية النفس مائة من الإبل، فجرت في قريش والعرب، وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الحاكم وابن جرير والأموي [ (2) ] عن معاوية رضي الله تعالى عنه أن أعرابياً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن الذّبيحين. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم ينكر عليه. فقيل لمعاوية: من الذبيحان؟ قال: إسماعيل وعبد الله. قال ابن حزم [ (3) ] رحمه الله تعالى: لا عقب لعبد الله غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصلاً ولم يولد لعبد الله غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ذكر ولا أنثى. وقال ابن سعد رحمه الله تعالى: لم تلد آمنة ولا عبد الله غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وأم عبد الله: فاطمة بنت عمرو بن عائذ- بعين مهملة فمثناة تحتية فذال معجمة- ابن عمران ابن مخزوم.

_ [ (1) ] محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أبو بكر: أول من دوّن الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء. تابعي، من أهل المدينة. كان يحفظ ألفين ومائتي حديث، نصفها مسند. وعن أبي الزناد: كنا نطوف مع الزهري ومعه الألواح والصحف ويكتب كل ما يسمع. نزل الشام واستقرّ بها. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: عليكم بابن شهاب فإنكم لا تجدون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه. قال ابن الجزري: مات بشغب، آخر حدّ الحجاز وأول حدّ فلسطين. توفي 124 هـ. الأعلام 7/ 97. [ (2) ] الشيخ المحدّث العالم، أبو عبد الله، محمد بن العباس بن يحيى الأمويّ مولاهم الحلبيّ، نزيل الأندلس ومسندها. سمع من: أبي عروبة الحرّاني، وعليّ بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد بن إبراهيم بن نيروز، ومكحول البيروتي، وأبي الجهم بن طلّاب، ومحمد بن سعيد التّرخمي الحمصي، ووفد على الأمير المستنصر صاحب الأندلس. حدث عنه أبو بكر محمد بن الحسن الزّبيدي، وأبو الوليد عبد الله بن الفرضي. قال أبو الوليد: كتبت عنه وقد كفّ بصره، وتوفي في سنة ستّ وسبعين وثلاثمائة. [ (3) ] علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد: عالم الأندلس في عصره، وأحد أئمة الإسلام. كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم «الحزمية» . ولد بقرطبة. وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين فقيها حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، بعيدا عن المصانعة. وانتقد كثيرا من العلماء والفقهاء، فتمالؤوا على بغضه، وأجمعوا على تضليله وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، فرحل إلى بادية لبلة (من بلاد الأندلس) فتوفي فيها.

تفسير الغريب

تفسير الغريب إساف: بكسر الهمزة وفتح السين المخففة. نائلة- بنون فألف فمثناة تحتية: اسما صنمين. أصغر بني أبيه: قال السهيلي: هذا غير معروف. ولعل الرواية أصغر بني أمّه، وإلا فحمزة كان أصغر من عبد الله، والعباس كان أصغر من حمزة. قال السهيلي: وله وجه وهو أن يكون عبد الله أصغر ولد أبيه حين أراد نحره ثم ولد بعد ذلك حمزة والعباس. قال أبو ذر الخشنيّ رحمه الله تعالى: قوله أصغر بني أبيه: يعني في ذلك الوقت. أشوى بشين معجمة: قال في النهاية: يقال رمى فأشوى إذا لم يصب المقتل. وقال الخشني: يقال أشويت من الطعام إذا أبقيت منه. القداح- بكسر القاف: جمع قدح. كذلك: السهم الذي كانوا يستقسمون به. ومن شعر عبد الله والد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أورد الصلاح الصّفدي في تذكرته وشيخنا رحمهما الله في المسالك: لقد حكم السّارون في كل بلدةٍ ... بأنّ لنا فضلاً على سادة الأرض وأنّ أبي ذو المجد والسّؤدد الذي ... يشار به ما بين نشز إلى خفض وجدّي وآباءٌ له أثّلوا العلى ... قديماً بطيب العرق والحسب المحض وسيأتي الكلام على وفاته في أبواب المولد إن شاء الله تعالى. تنبيه: روى مسلم من طريق حماد بن سلمة [ (1) ] ، عن ثابت، عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: «في النار» . فلما قفى [ (2) ] دعاه فقال: «إن أبي وأباك في النار» . قال الشيخ رحمه الله تعالى في مسالك الحنفا في والدي المصطفى: قوله: «إن أبي وأباك في النار» لم يتفق عليه الرواة، وإنما ذكره حماد بن سلمة، عن ثابت. وقد خالفه معمر عن ثابت، فلم يذكر: إن أبي وأباك في النار. ولكن قال له: إذا مررت بقبر كافر فبشّره بالنار.

_ [ (1) ] حماد بن سليمة بن دينار الربعي أو التميمي أو القرشي مولاهم أبو سلمة البصري أحد الأعلام عن ثابت وسماك وسلمة بن كهيل وابن أبي مليكة وقتادة وحميد وخلق وعنه ابن جريج وابن إسحاق شيخاه وشعبة ومالك وحبان بن هلال والقعنبي وأمم. الخلاصة 1/ 252. [ (2) ] في أ: نعى.

وهذه اللفظة لا دلالة فيها على والده صلى الله عليه وسلّم بأمر البتة. وهو أثبت من حيث الرواية. فإن معمراً أثبت من حمّاد. فإن حمّاداً تكلّم في حفظه، ووقع له أحاديث مناكير ذكروا أن ربيبه دسّها في كتبه. وكان حمّاد لا يحفظ فحدّث بها فوهم. ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئاً، ولا أخرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت. وقد قال الحاكم في المدخل: ما خرّج مسلم لحمّاد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد أخرج له في الشواهد عن طائفة، وأما معمر فلم يتكلّم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت. ثم وجدنا الحديث ورد من حديث سعد بن أبي وقاص بمثل رواية معمر، عن ثابت، عن أنس. فروى البزّار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر ابن سعد، عن أبيه، أنّ أعرابياً، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: أين أبي؟ قال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: «حيثما مررت بقبر كافر فبشّره بالنار» . وهذا الإسناد على شرط الشيخين. فتعيّن الاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره. وقد زاد الطبراني والبيهقي في آخره قال: فأسلم الأعرابي بعد وقال: لقد كلّفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا! ما مررت بقبر كافر إلا بشّرته بالنار. وقد روى ابن ماجة عن طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري عن سالم، عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل الرحم وكان. فأين هو؟ قال: «في النار» . قال: فكأنه وجد من ذلك فقال: يا رسول الله، فأين أبوك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «حيثما مررت بقبر مشرك فبشّره بالنار» . قال: فأسلم الأعرابي بعد وقال لقد كلّفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا! ما مررت بقبر كافر إلا بشّرته بالنار. قال الشيخ رحمه الله تعالى: فهذه الزيادة أوضحت بلا شك أن هذا اللفظ العام هو الذي صدر منه صلى الله عليه وسلم وراه الأعرابي بعد إسلامه أمراً مقتضياً للامتثال، فلم يسعه إلا امتثاله، ولو كان الجواب باللفظ الأول لم يكن فيه أمر بشيء البتة. فعلم أن اللفظ الأول من تصرّف الراوي، رواه بالمعنى على حسب فهمه. وقد وقع في الصحيحين روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظٌ تصرف فيه الراوي، وغيره أثبت منه. كحديث أنس في نفي قراءة البسملة. وقد أعلّه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه بذلك وقال: إنّ الثابت من طريق آخر نفي سماعها، ففهم منه الراوي نفي قراءتها فرواه بالمعنى على ما فهمه، فأخطأ.

قال الشيخ رحمه الله تعالى: ونحن أجبنا عن حديث مسلم في هذا المقام بنظير ما أجاب به إمامنا الشافعي عن حديث مسلم في نفي قراءة البسملة. ثم رأيت طريقاً أخرى للحديث مثل لفظ رواية معمر وأزيد وضوحاً. وذلك أنه قد صرّح فيه بأن السائل أراد أن يسأل عن أبيه صلى الله عليه وسلم، فعدل عن ذلك تجملاً وتأدباً. فروى الحاكم في المستدرك وصححه عن لقيط بن عامر [ (1) ] رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله هل أحد ممن مضى منا في جاهليته في خير؟ فقال رجل من عرض قريش: إن أباك المنتفق في النار. فكأنّه وقع حرّ بين جلد وجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل، فقلت: وأهلك يا رسول الله؟ فقال: «ما أتيت عليه من قبر قرشيّ ولا عامري مشرك فقل: أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوؤك» . هذه الرواية لا إشكال فيها، وهي أوضح الروايات وأبينها. ثم لو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضاً بالأدلة الآتية في المسلك الأول والحديث إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه كما هو مقرر في الأصول. تتمة: ثبت في الحديث الصحيح أن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وأنه في ضحضاح من النار في رجليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، وهذا مما يدل على أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ليسا في النار. لأنّهما لو كانا فيها لكانا أهون عذاباً من أبي طالب، لأنهما أقرب منه مكاناً، وأبسط عذراً، فإنهما لم يدركا البعثة ولا عرض عليهما الإسلام فامتنعا. بخلاف أبي طالب، وقد أخبر الصادق المصدوق أنه أهون أهل النار عذاباً. فليس أبواه من أهلها. وهذا يسمى عند أهل الأصول دلالة الإشارة. تنبيه: أجاب جماعة عن الأحاديث الواردة في عدم نجاة الأبوين بأنها وردت قبل ورود الآيات والأحاديث الآتية في المسلك الأول. كما أجابوا بذلك عن الأحاديث الواردة في أطفال المشركين أنهم في النار. وقالوا: الناسخ لأحاديث الأطفال قوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. وإذا علم ما تقرر فللعلماء رضي الله تعالى عنهم في والدي المصطفى صلى الله عليه وسلّم مسالك: الأول: أنهما لم تبلغهما دعوة أحد وذلك لمجموع أمور: تأخر زمانهما وبعد ما بين

_ [ (1) ] لقيط بن عامر بن صبرة بكسر الموحدة، وهو لقيط بن صبرة ولقيط بن المنتفق بضم الميم وإسكان النون وفتح المثناة فوق وكسر الفاء آخره قاف، ابن عامر بن عقيل بن كعب العقيلي أبو رزين، صحابي له أربعة وعشرون حديثا. وعنه ابنه عاصم وابن أخيه وكيع بن حدس. الخلاصة 2/ 372.

الأنبياء السابقين. فإن آخر الأنبياء قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم: عيسى صلى الله عليه وسلم. وكانت الفترة بينه وبين بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة سنة، ثم أنهما كانا في زمن جاهلية. وقد طبق الجهل الأرض شرقاً وغرباً وفقد من يعرف الشرائع ويبلغ الدعوة على وجهها إلا نفراً يسيراً من أحبار أهل الكتاب مفرّقين في أقطار الأرض كالشام وغيرها. ولم يعهد لهما تقلب في الأسفار سوى إلى المدينة ولا عمّرا عمراً طويلاً بحيث يقع لهما فيه التنقيب، فإن والده صلى الله عليه وسلّم صحح الحافظ العلائي أنه عاش من العمر نحو ثماني عشرة سنة. ووالدته صلى الله عليه وسلّم ماتت وهي في حدود العشرين تقريباً. ومثل هذا العمر لا يسع الفحص عن المطلوب في مثل ذلك الزمان لا سيما وهي امرأة مضنونة محجبة في البيت عن الاجتماع بالرجال، والغالب على النساء أنهن لا يعرفن ما الرجال فيه من أمر الديانات والشرائع، خصوصاً في زمان الجاهلية الذي رجاله لا يعرفون ذلك فضلاً عن نسائه. ولهذا لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم تعجب من بعثته أهل مكة وقالوا: «أبعث الله بشراً رسولاً» وقالوا: «لو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين» . فلو كان عندهم علم من بعثة الرسل ما أنكروا ذلك وربما كانوا يظنون أن إبراهيم بعث بما هم عليه، فإنهم لم يجدوا من يبلغهم شريعة إبراهيم على وجهها لدثورها وفقد من يعرفها، إذ كان بينهم وبين زمن إبراهيم أزيد من ثلاثة آلاف سنة، وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجياً بشرطه الآتي في الأحاديث الآتية، وأنه لا يعذب ابتداء قبل الامتحان كما سيأتي بيان ذلك. هذا مذهبنا لا خلاف فيه بين أئمتنا الشافعية في الفقه والأشاعرة في الأصول. وقد نص على ذلك إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم والمختصر، وتبعه جميع الأصحاب فلم يشذّ أحد منهم بخلاف، واستدلوا على ذلك بعدّة آيات منها قوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن قتادة في الآية قال: «إن الله ليس بمعذب أحداً حتى يسبق إليه من الله خبر أو تأتيه من الله بينة» ومنها قوله تعالى: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ ومنها قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أوردهما الزركشي في شرح جمع الجوامع استدلالاً على قاعدة أن شكر المنعم ليس بواجب عقلاً بل بالسمع، وهذه القاعدة أي قاعدة شكر المنعم مرجعها إلى قاعدة كلامية وهي قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، وإنكارهما متفق عليه بين الأشاعرة كما هو معروف في كتب الكلام والأصول. وقد أطنب الأئمة في تقريرها. وترجع مسألة من لم تبلغه الدعوة إلى قاعدة ثانية أصولية وهي: أن الغافل لا يكلّف وهذا هو الصواب في الأصول للآية الثانية.

ثم اختلفت عبارة الأصحاب فيمن لم تبلغه الدعوة، وأحسنها من قال: إنه ناج. وإياها اختار السبكي رحمه الله تعالى. ومنهم من قال: على الفطرة. ومنهم من قال: مسلم. قال الغزالي رحمه الله تعالى: التحقيق أن يقال: في معنى المسلم. وقد مشى على هذا المسلك في والدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوم من العلماء فصرّحوا بأنهما لم تبلغهما الدعوة. حكاه عنهم سبط ابن الجوزي رحمه الله تعالى في «مرآة الزمان» ومشى عليه الإمام الآبي في شرح مسلم. وكان شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي يعول عليه ويجيب به إذا سئل عنهما. وقد ورد في أهل الفترة أحاديث كثيرة أنهم موقوفون إلى أن يمتحنوا يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار. والمصحّح منها ثلاثة: الأول، حديث الأسود ابن سريع رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة يحتجّون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم: ورجل مات في الفترة. فأما الأصم فيقول: ربّ لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً. وأما الأحمق فيقول: ربّ لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: ربّ لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه، فيرسل إليهم: أن ادخلوا النار. فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها فيسحب إليها» . الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه موقوفاً، مثل حديث الأسود بن سريع [ (1) ] . رواهما الإمام أحمد وإسحاق في مسنديهما والبيهقي في كتاب الاعتقاد، وإسنادهما صحيح. ورواه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق آخر عنه. الثالث: حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوزارهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولاً ولم يأتنا لك أمر، ولو أرسلت إلينا رسولاً لكنا أطوع عبادك. فيقول لهم ربهم: أرأيتكم إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيقولون: نعم. فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم فيدخلوها، فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظا وزفيرا فيرجعون إلى ربهم فيقولون: ربنا أجرنا منها. فيقول لهم: ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيقول: اعمدوا إليها. فينطلقون حتى إذا رأوها

_ [ (1) ] الأسود بن سريع التّميمي المنقري أبو عبد الله صحابي نزل البصرة له ثمانية أحاديث وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع غزوات. وكان شاعرا محسنا فصيحا لسنا، وهو أول من قضى بالبصرة. روى عنه الأحنف بن قيس والحسن وعبد الرحمن بن أبي بكرة ولا يصح سماعهما منه. قال ابن منده: مات سنة اثنتين وأربعين. الخلاصة 1/ 95.

فرقوا ورجعوا فقالوا: ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أن ندخلها. فيقول: ادخلوها داخرين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو دخلوها أول مرة كانت عليهم برداً وسلاماً» . رواه البزّار والحاكم وصححه وأقره الذهبي. وورد من حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب ولا رسول. ويقول المعتوه: أي رب لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيراً ولا شراً. ويقول المولود: لم أدرك العمل. قال: فترفع لهم نار فيقال لهم: ردوها. أو قال: ادخلوها. فيدخلها من كان في علم الله سعيداً لو أدرك العمل، ويمسك عنها من كان في علم الله شقياً لو أدرك العمل، فيقول الله تبارك وتعالى: إياي عصيتم فكيف برسلي بالغيب» . رواه البزار من طريق عطية العوفي [ (1) ] وفيه ضعف. والترمذي يحسّن حديثه [ (2) ] خصوصاً إذا كان له شاهد، وحديثه هذا له عدة شواهد تقتضي الحكم بحسنه وثبوته. ومن حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، وبالشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الله تبارك وتعالى لعنقٍ من جهنم، ابرزي. فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه: فيقول من كتب عليه الشقاء يا ربّ أندخلها ومنها كنا نفرق، ومن كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها مسرعاً فيقول الله: قد عصيتموني فأنتم لرسلي أشدّ تكذيباً ومعصية. فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار» [ (3) ] . رواه البزار وأبو يعلى. ومن حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيراً، فيقول الممسوخ عقلاً: يا رب لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد بعقله مني. وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك، فيقول الرب. إني آمركم بأمر فتطيعون؟ فيقولون: نعم.

_ [ (1) ] عطية بن سعد بن جنادة العوفي بفتح المهملة وإسكان الواو بعدها فاء الجدلي بفتح الجيم أبو الحسن الكوفي. عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس. وعنه ابناه عمر والحسن وإسماعيل بن أبي خالد ومسعر وخلق. ضعفه الثوري وهشيم وابن عدي. وحسن له الترمذي أحاديث قال مطيّن: مات سنة إحدى عشرة ومائة. الخلاصة 2/ 233- 234. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 7/ 219 وعزاه للبزار وقال: فيه عطية وهو ضعيف. [ (3) ] ذكره الهيثمي 7/ 219 وعزاه لأبي يعلى والبزار بنحوه وقال: وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس. وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح.

فيقول: اذهبوا فادخلوا النار. قال: ولو دخلوها ما ضرّتهم فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعاً، ثم يأمرهم الثانية، فيرجعون كذلك فيقول الرب: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون، ضميهم. فتأخذهم» . رواه الطبراني وأبو نعيم [ (1) ] . قال الحافظ رحمه الله تعالى في الإصابة في ترجمة أبي طالب في القسم الرابع من حرف الطاء من الكنى، بعد أن أورد قصة الامتحان: ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعاً فينجو، إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن، وثبت أنه في ضحضاح من النار. وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله تعالى قصة الامتحان أيضاً في والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أهل الفترة وقال: أن منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب إلا أنه لم يقل إن الظن في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبا. ولا شك أن الظن بهما أن يوفقهما الله تعالى حينئذ للإجابة، لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه تمام في فوائده بسند ضعيف من حديث ابن عمر مرفوعا: «إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي» الحديث. وروى الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أبويه فقال: «ما سألتهما ربي وإني لقائم يومئذ المقام المحمود» [ (2) ] . فهذا تلويح بأنه يرجى لهما الخير عند قيامه المقام المحمود، وذلك بأن يشفع لهما ليوفقا للطاعة عند الامتحان. ولا شك في أنه صلى الله عليه وسلم يقال له عند قيامه في ذلك المقام: سل تعط واشفع تشفع، كما في الأحاديث الصحيحة، فإذا سأل ذلك أعطيه. وينضم إلى ذلك ما رواه أبو سعد النيسابوري في «شرف المصطفى» وعمر الملا في سيرته عن عمران بن حصين مرفوعاً: سألت ربي أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي. فأعطاني ذلك» وروى ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال: من رضا محمد صلى الله عليه وسلم إن لا يدخل أحدا من أهل بيته النار.

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1770 وابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 441 وذكره الهيثمي في المجمع 7/ 219 وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير وقال: وفيه عمرو بن وافد وهو متروك عند البخاري وغيره ورمي بالكذب وقال محمد بن المبارك: كان يتبع السلطان وكان صدوقا وبقية رجال الكبير رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير: 1/ 98 وأبو نعيم في الحلية 4/ 238.

فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضاً، لأن الحديث الضعيف إذا كثرت طرقه أفاد ذلك قوة، كما تقرر في علم الحديث. وروى الطبراني عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وإن شفاعتي تنال حاء وحكم» [ (1) ] . قال في النهاية: حاء وحكم: قبيلتان جافيتان من وراء رمل يبرين. انتهى. ويبرين بمثناة تحتية فباء موحدة فراء فمثناة تحتية فنون ويقال يبرون. قال أبو عبيد البكري: هو رمل معروف في ديار بني سعد بن تميم. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خلفة الآبي [ (2) ] في شرح مسلم في شرح حديث: «إن أبي وأباك في النار» [ (3) ] وأورد قول الإمام النووي فيه أي الحديث: إن من مات كافراً في النار ولا تنفعه قرابة الأقربين. ثم قال الآبي: انظر هذا الإطلاق وقد قال السهيلي رحمه الله تعالى: ليس لنا أن نقول ذلك. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تؤذوا الأحياء بسبّ الأموات» . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ولعله يصح ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم أحيا [الله] له أبويه فآمنا به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا. ولا يعجز الله سبحانه وتعالى شيء. ثم أورد قول النووي وفيه أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان في النار، وليس هذا من التعذيب قبل بلوغ الدعوة لأنه بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الرسل. ثم قال: قلت: تأمل ما في كلامه من التنافي، فإن من بلغتهم الدعوة ليسوا بأهل فترة، فإن أهل الفترة هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولم يدركوا الثاني، كالأعراب الذي لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبي صلى الله عليه وسلّم. والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين. ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم. ولما دلت القواطع على أنه لا يعذب حتى تقوم الحجة علمنا أنهم غير معذبين. فإن قلت: صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كصاحب المحجن وغيره. قلت: قد

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 260 وعزاه للطبراني وقال: وهو مرسل ورجاله ثقات. [ (2) ] محمد بن خلفة بن عمر الأبي الوشتاتي المالكي: عالم بالحديث، من أهل تونس. نسبته إلى «أبة» من قراها. ولي قضاء الجزيرة، سنة 808 هـ. له «إكمال إكمال المعلم، لفوائد كتاب مسلم» ، جمع فيه بين المازري وعياض والقرطبي والنووي، مع زيادات من كلام شيخه ابن عرفة، و «شرح المدونة» وغير ذلك، مات بتونس سنة 827 هـ. انظر الأعلام 6/ 154. [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 192 كتاب الإيمان (347- 203) .

أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة: الأول أنها أخبار آحاد فلا تعارض القاطع. الثاني: قصر التعذيب على هؤلاء والله أعلم بالسبب. الثالث: قصر التعذيب في هذه الأحاديث على من بدّل وغيّر الشرائع وشرع من الضلال ما لا يعذر به. فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام: الأول من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل في شريعة كقس بن ساعدة [ (1) ] وزيد بن عمرو بن نفيل. ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم كتبّع وقومه. الثاني: من بدّل وغيّر وأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلّل وحرّم وهم الأكثر، كعمرو ابن لحيّ أول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامي. وزادت طائفة على ما شرعه أن عبدوا الجن والملائكة وخرقوا البنين والبنات، واتخذوا بيوتاً جعلوا لها سدنة وحجاباً يضاهون بها الكعبة كاللات والعزى ومناة. الثالث: من لا يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي، ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع ديناً، بل بقي عمره على حال غفلة عن هذا كله. وفي الجاهلية من كان كذلك. فإذا انقسم أهل الفترة إلى الثلاثة أقسام فيحمل من صحّ تعذيبه على أهل القسم الثاني بكفرهم بما لا يعذرون به. وأما القسم الثالث فهم أهل فترة حقيقةً، وهم غير معذّبين للقطع كما تقدم. وأما القسم الأول فقد قال صلى الله عليه وسلم في كل من قسّ وزيد: إنه يبعث أمة وحده. وأما تبّع ونحوه فحكمهم حكم أهل الدين الذين دخلوا فيه، ما لم يلحق أحد منهم الإسلام الناسخ لكل دين. انتهى. ما أورده الآبي رحمه الله تعالى. المسلك الثاني: أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفيّة دين جدهما إبراهيم صلى الله عليه وسلم، كما كان زيد بن عمرو بن نفيل وأضرابه في الجاهلية. ومال إلى هذا المسلك الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى. وزاد أن آباءه صلى الله عليه وسلّم كلهم إلى آدم كانوا على التوحيد. كما قال في كتابه «أسرار التنزيل» ما نصه: قيل إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه. واحتجوا عليه بوجوه. منها: أن آباء الأنبياء ما كانوا كفاراً. ويدل عليه وجوه. أحدها: قوله تعالى: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ . قيل معناه: أنه كان ينقل نوره من

_ [ (1) ] قس بن ساعدة بن عمرو بن عديّ بن مالك، من بني إياد: أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، في الجاهلية. كان أسقف نجران، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه «أما بعد» . وكان يفد على قيصر الروم، زائرا، فيكرمه ويعظمه. وهو معدود في المعمرين، طالت حياته وأدركه النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوّة، ورآه في عكاظ، وسئل عنه بعد ذلك، فقال: يحشر أمة وحده. انظر الأعلام 5/ 196.

ساجد إلى ساجد قال: وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلى الله عليه وسلم كانوا مسلمين، وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم ما كان من الكافرين إنما ذاك عمه، أقصى ما في الباب أن يحمل قوله: «وتقلبك في الساجدين» على وجوه أخرى، وإذا وردت الروايات بالكل ولا منافاة بينها وجب حمل الآية على الكل، ومتى صح ذلك ثبت أن والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان. قال: ومما يدل على أن آباء محمد صلى الله عليه وسلم. ما كانوا مشركين قوله عليه الصلاة والسلام: «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فوجب أن لا يكون أحد من أجداده صلى الله عليه وسلّم مشركاً. انتهى كلام الإمام فخر الدين. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد وجدت له أدلة قوية ما بين عام وخاص. فالعام مركب من مقدمتين: إحداهما: إنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن كل جد من أجداده صلى الله عليه وسلم خير أهل قرنه لحديث البخاري: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه» وتقدمت أحاديث كثيرة في هذا المعنى في باب فضل العرب وفي باب طهارة أصله صلى الله عليه وسلّم. الثانية: أنه قد ثبت أن الأرض لم تخل من سبعة مسلمين فصاعداً يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض. فروى عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر في التفسير بسند صحيح على شرط الشيخين عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: «لم يزل على وجه الدهر في الأرض سبعة مسلمون فصاعداً فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها» . وروى الإمام أحمد في الزهد والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح على شرطهما، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض. وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين أنتج ما قاله الإمام. لأنه إن كان كل جد من أجداده صلى الله عليه وسلم من جملة السبعة المذكورين في زمانه فهو المدعى. وإن كان غيرهم لزم أحد أمرين: إما أن يكون غيرهم خيراً منهم، وهو باطل لمخالفته الحديث الصحيح، وإما أن يكونوا خيراً منه وهم على الشرك وهو باطل بالإجماع، وفي التنزيل: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ فثبت أنهم على التوحيد ليكونوا خير أهل الأرض كل في زمانه. وأما الخاص فروى ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «ما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام» . وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار في مسنده والحاكم وصححه، عن ابن عباس

رضي الله تعالى عنهما قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين. قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا. وفي التنزيل حكاية عن نوح صلى الله عليه وسلم: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً» وسام بن نوح مؤمن بنص القرآن والإجماع، بل ورد في أثر أنه نبي رواه ابن سعد والزبير بن بكار في الموفقيات وابن عساكر عن محمد بن السائب، وولده أرفخشذ صرح بإيمانه في أثر عن ابن عباس. رواه ابن عبد الحكم في تاريخ مصر وفيه أنه أدرك جدّه نوحاً وأنه دعا له أن يجعل الله تعالى الملك والنبوة في ولده. وولد أرفخشذ إلى تارح ورد التصريح بإيمانهم. روى ابن سعد من طريق محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس ما زالوا ببابل وهم على الإسلام من عهد نوح إلى أن ملكهم نمرود فدعاهم إلى عبادة الأوثان ففعلوا. فعرف من مجموع هذه: الآثار أن أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين بيقين من آدم إلى زمن نمرود. وفي زمنه كان إبراهيم صلى الله عليه وسلّم. وآزر إن كان والد إبراهيم فيستثنى من سلسلة النسب وإن كان عمه فلا استثناء. وهذا القول، أعني أن آزر ليس أبا إبراهيم، ورد عن جماعة من السلف. رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد، من طرق بعضها صحيح. ورواه ابن المنذر عن ابن جريج بسند صحيح وابن أبي حاتم عن السّدّي بسند صحيح. وقد وجه من حيث اللغة بأن العرب تطلق لفظ الأب على العم إطلاقاً شائعاً وإن كان مجازاً. وبسط الشيخ الكلام على ذلك، وتركته لأنه خلاف الظاهر. وقد صحت الأحاديث في البخاري وغيره وتضافرت نصوص العلماء بأن العرب من عهد إبراهيم وهم على دينه ولم يكفر أحد منهم إلى عهد عمرو بن عامر الخزاعي، وهو الذي يقال له عمرو بن لحي، فهو أول من عبد الأصنام وغير دين إبراهيم وحمل العرب على ذلك فتبعته. وكان عمرو بن لحي قريباً من زمن كنانة جد النبي صلى الله عليه وسلّم ولهذا مزيد بيان يأتي قبيل أبواب البعثة. ثم ذكر الشيخ رحمه الله تعالى ما يشهد لإيمان عدنان ومعدّ وربيعة ومضر وخزيمة وأسد وإلياس وكعب بن لؤي. وسيأتي بيان ذلك في تراجمهم. ثم قال: فتلخص من مجموع ما سقناه: أن أجداده صلى الله عليه وسلّم من آدم إلى كعب بن لؤي ومن ولده مرّة مصرّح بإيمانهم، إلا آزر فإنه مختلف فيه. فإن كان والد إبراهيم فإنه مستثنى، وإن كان عمه كما هو أحد القولين فيه فهو خارج عن الأجداد وسلمت سلسلة النسب. وبقي بين مرّة وعبد المطلب أربعة أجداد لم أظفر فيهم بنقل. وعبد المطلب يأتي الكلام عليه في ترجمته إن شاء الله تعالى.

ويرحم الله الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي حيث قال: تنقّل أحمدٌ نوراً مبيناً ... تلألأ في وجوه الساجدينا تقلّب فيهم قرناً فقرناً ... إلى أن جاء خير المرسلينا المسلك الثالث: أن الله تعالى أحياهما له صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به. وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من الأئمة وحفاظ الحديث واستندوا إلى حديث ورد بذلك لكن إسناده ضعيف. وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وليس بموضوع، وقد نصّ ابن الصلاح في علوم الحديث وسائر من تبعه على أن ابن الجوزي تسامح في كتابه الموضوعات فأورد فيه أحاديث وحكم بوضعها وليست بموضوعة بل هي ضعيفة فقط، وربما تكون حسنة أو صحيحة. قال الحافظ زين الدين العراقي رحمه الله تعالى في ألفيته: وأكثر الجامع فيه إذ خرج ... لمطلق الضعف عنى أبا الفرج وقد ألف شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر [ (1) ] رحمه الله تعالى كتاباً سماه: «القول المسدّد في الذّب عن مسند أحمد» أورد فيه جملة من الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي في مسند أحمد. ودرأ عنها أحسن الدرء، ووهّم ابن الجوزي في حكمه عليها بالوضع، وبيّن أن منها ما هو ضعيف فقط من غير أن يصل إلى حد الوضع، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو صحيح، وأبلغ من ذلك أن منها حديثاً مخرّجاً في صحيح مسلم. حتى قال شيخ الإسلام: هذه غفلة شديدة من ابن الجوزي حيث حكم على هذا الحديث بالوضع وهو في أحد الصحيحين. انتهى. وسبقه إلى شيء من هذا التعقب شيخه حافظ عصره زين الدين العراقي، ورأيت في فهرست مصنفات شيخ الإسلام أنه شرع في تأليف تعقبات على ابن الجوزي، ولم أقف على هذا التأليف، وقد تتبّعت أنا منه جملة من الأحاديث ليست بموضوعة، فمنها ما هو في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومستدرك الحاكم وغيرها من الكتب المعتمدة وبيّنت حال كل حديث منها ضعفاً وحسناً وصحة في تأليف حافل، يسمى: «النكت البديعات على الموضوعات» .

_ [ (1) ] أحمد بن علي بن محمد الكنانيّ العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين بن حجر: من أئمة العلم والتاريخ. أصله من عسقلان (بفلسطين) ومولده ووفاته بالقاهرة. ولع بالأدب والشعر ثم أقبل علي الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه وأصبح حافظ الإسلام في عصره، قال السخاويّ: «انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر» وكان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، صبيح الوجه. وولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل. أما تصانيفه فكثيرة جليلة، منها «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» و «لسان الميزان» . توفي سنة 852 هـ. انظر الأعلام 1/ 178.

وهذا الحديث الذي نحن في ذكره خالف ابن الجوزي فيه كثير من الأئمة والحفاظ فذكروا أنه من قسم الضعيف الذي يجوز روايته في الفضائل والمناقب، لا من قسم الموضوع، منهم الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، والحافظ أبو القاسم، ابن عساكر والحافظ أبو حفص ابن شاهين، والحافظ أبو القاسم السهيلي، والإمام القرطبي، والحافظ محب الدين الطبري، والعلامة ناصر الدين بن المنير، والحافظ فتح الدين بن سيد الناس، ونقله عن بعض أهل العلم. ومشى عليه الصلاح الصّفدي في نظم له والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في أبيات له فقال: حبا الله النبي مزيد فضلٍ ... على فضلٍ وكان به رؤوفا فأحيا أمّه وكذا أباه ... لإيمانٍ به فضلا لطيفا فسلّم فالقديم بذا قديرٌ ... وإن كان الحديث به ضعيفا وأخبرني بعض الفضلاء أنه وقف على فتيا بخط شيخ الإسلام ابن حجر أنه أجاب فيها بهذا، إلا أني لم أقف على ذلك، وإنما وقفت على كلامه الذي قدمته في المسلك الثاني. وقال السهيلي رحمه الله تعالى في أوائل «الروض الأنف» بعد إيراد حديث أنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له فآمنا به ثم أماتهما ما نصه: «والله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء، ونبيه صلى الله عليه وسلّم أهلٌ أن يختصه بما شاء من كرامته» . وقال في موضع آخر من الكتاب في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: «لو كنت بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك» ما نصه: «في قوله: جدّ أبيك ولم يقل جدك يعني أباه تقوية للحديث الضعيف الذي قدمنا ذكره: أن الله تعالى أحيا أمه وأباه وآمنا به» انتهى. مع أن الحديث الذي أورده السهيلي لم يذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وإنما أورد ابن الجوزي حديثاً آخر من طريق آخر في إحياء أمه فقط وفيه قصة بلفظٍ غير لفظ الحديث الذي أورده السهيلي. فعلم أنه حديث آخر مستقل وقد جعل هؤلاء الأئمة هذا الحديث ناسخاً للأحاديث الواردة لما يخالف ذلك، ونصوا على أنه متأخر عنها فلا تعارض بينه وبينها. وقال القرطبي رحمه الله تعالى: فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل تتوالى وتتابع إلى آخر مماته، فيكون هذا مما فضّله الله به وأكرمه. قال: وليس إحياؤهما وإيمانهما به بممتنع عقلا ولا شرعا، فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله، وكان عيسى عليه الصلاة والسلام يحيِ الموتى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلّم قال: وإذا ثبت هذا فما يمتنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته صلى الله عليه وسلم وفضيلته؟.

وبسط الشيخ رحمه الله تعالى الكلام على ذلك في «مسالك الحنفا» ويأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في باب وفاة أمه صلى الله عليه وسلم. خاتمة وجمع من العلماء لم تقو عندهم هذه المسالك فأبقوا حديث مسلم ونحوه على ظاهرها من غير عدول عنها بدعوى نسخ ولا غيره، ومع ذلك قالوا: لا يجوز لأحد أن يذكر ذلك. قال السهيلي في الروض الأنف بعد إيراده حديث مسلم: وليس لنا نحن أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلم: «لا تؤذوا الأحياء بسبّ الأموات» [ (1) ] وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية. وسئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية رحمه الله تعالى عن رجل قال: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار. فأجاب: بأن من قال ذلك فهو ملعون لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ قال ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه: أنه في النار. ومن العلماء من ذهب إلى قول خامس وهو الوقف. قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه «الفجر المنير» : الله أعلم بحال أبويه صلى الله عليه وسلم. وقال الباجيّ [ (2) ] في شرح الموطّأ: قال بعض العلماء: أنه لا يجوز أن يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم بفعل مباح ولا غيره، وأما غيره من الناس فيجوز أن يؤذى بمباح وليس له المنع منه، ولا يأثم فاعل المباح وإن وصل ذلك إلى أذى غيره. قال: ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إذ أراد علي ابن أبي طالب أن يتزوج ابنة أبي جهل: «إنما فاطمة بضعة مني وإني لا أحرّم ما أحل الله، ولكن لا والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل أبداً» . فجعل حكمها في ذلك حكمه أنه لا يجوز أن تؤذى بمباح. واحتج على ذلك بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً فشرط على المؤمنين أن يؤذوا بغير ما اكتسبوا. وأطلق الأذى في خاصة النبي صلى الله عليه وسلم من غير شرط. انتهى.

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (37417) . [ (2) ] سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي، أبو الوليد الباجي: فقيه مالكي كبير، من رجال الحديث. أصله من بطليوس ومولده في باجة بالأندلس. رحل إلى الحجاز سنة 426 هـ، فمكث ثلاثة أعوام. وأقام ببغداد ثلاثة أعوام، وبالموصل عاما، وفي دمشق وحلب مدة. وعاد إلى الأندلس، فولي القضاء في بعض أنحائها. وتوفي بالمرية. من كتبه «السراج في علم الحجاج» و «إحكام الفصول، في أحكام الأصول» . توفي سنة 474 هـ. الأعلام 3/ 125.

وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق يحيى بن عبد الملك بن أبي عتبة قال: حدثنا نوفل بن الفرات. وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه. قال: كان رجل من كتّاب الشام مأموناً عندهم استعمل رجلا على كورة الشام وكان أبوه يزنّ بالمانيّة [ (1) ] فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال: ما حملك على أن تستعمل رجلاً على كورة من كور المسلمين كان أبوه يزنّ بالمانيّة؟ قال: أصلح الله أمير المؤمنين وما على من كان أبوه كان أبو النبي صلى الله عليه وسلم مشركاً. فقال عمر آه. ثم سكت ثم رفع رأسه ثم قال: أأقطع لسانه؟ أأقطع يده ورجله؟ أأضرب عنقه؟ ثم قال: لا يلي شيئاً ما بقيت. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد سئلت أن أنظم في هذه المسألة أبياتاً أختم بها هذا التأليف فقلت: إنّ الذي بعث النبي محمداً ... أنجى به الثقلين مما يجحف ولأمه وأبيه حكمٌ شائعٌ ... أبداه أهل العلم فيما صنّفوا فجماعةٌ أجروهما مجرى الذي ... لم يأته خبر الدعاة المسعف والحكم فيمن لم تجئه دعوة ... أن لا عذاب عليه حكمٌ يؤلف فبذاك قال الشافعية كلهم ... والأشعريّة ما بهم متوقّف وبسورة الإسراء فيه حجّة ... وبنحو ذا في الذكر آيٌ تعرف ولبعض أهل الفقه في تعليله ... معنىً أدقّ من النسيم وألطف ونحا الإمام الفخر رازيّ الورى ... منحىً به للسامعين تشنّف إذ هم على الفطر الذي ولدوا ولم ... يظهر عناد منهم وتخلّف قال الألى ولد النبي المصطفى ... كلٌّ على التوحيد إذ يتحنّف من آدم لأبيه عبد الله ما ... فيهم أخو شركٍ ولا مستنكف فالمشركون كما بسورة توبةٍ ... نجسٌ وكلّهم بطهرٍ يوصف وبسورة الشعراء فيه تقلّبٌ ... في الساجدين فكلّهم متحنّف هذا كلام الشيخ فخر الدين في ... أسراره هطلت عليه الذّرّف فجزاه ربّ العرش خير جزائه ... وحباه جنّات النّعيم تزخرف فلقد تديّن في زمان الجاهل ... يّة فرقةٌ دين الهدى وتحنّفوا زيد بن عمرو بن نوفل هكذا الصدّ ... يق ما شركٌ عليه يعكف قد فسّر السّبكي بذاك مقالةً ... للأشعريّ وما سواه مزيّف

_ [ (1) ] يزن: أي يتهم.

إذ لم تزل عين الرضا منه على ال ... صّدّيق وهو بطول عمر أحنف عادت عليه صحبة الهادي فما ... في الجاهليّة للضّلالة يقرف فلأمّه وأبوه أحرى سيّما ... ورأت من الآيات ما لا يوصف وجماعةٌ ذهبوا إلى إحيائه ... أبويه حتى آمنا لا خرّفوا وروى ابن شاهين حديثاً مسنداً ... في ذاك لكنّ الحديث مضعّف هذي مسالك لو تفرّد بعضها ... لكفى فكيف بها إذا تتألّف وبحسب من لا يرتضيها صمته ... أدباً ولكن أين من هو منصف صلّى الإله على النبي محمّدٍ ... ما جدّد الدين الحنيف محنّف ابن عبد المطلب عبد المطلب: مفتعل من الطلب. يكنى أبا الحارث، وأبا البطحاء، واسمه شيبة الحمد. قال السهيلي: وهو الصحيح. وقيل عامر. قال أبو عمر رحمه الله تعالى: ولا يصح: واختلف لم سمّي شيبة. فقيل: إنه ولد وفي رأسه شيبة وكانت ظاهرة في ذؤابته. وقيل: لأن أباه وصّى أمه بذلك. ولقّب عبد المطلب لأن أباه هاشماً قدم المدينة تاجراً فنزل على عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي النجار. ذكر هذا النسب مصعب. وقال الزهري: عمرو بن زيد بن عدي بن النجّار. وقال ابن إسحق رحمه الله تعالى: زيد بن عمرو بن أسد بن حرام بن خداش بن جندب بن عدي بن النجّار. فلمح ابنته سلمى بنت عمرو فأعجبته فخطبها إلى أبيها فأنكحه إياها وشرط عليه أنها لا تلد ولداً إلا في أهلها. فمضى هاشم ولم يبنِ بها حتى رجع، فبنى بها عند أهلها وسكن معها سنين، ثم ارتحل إلى مكة بها، فلما أثقلت خرج بها فوضعها عند أبيها ومضى إلى الشام فمات بغزة من وجهه ذلك. وولدت عبد المطلب فمكث بالمدينة سبع سنين أو ثمانياً، ثم إن رجلا من أهل تهامة من بني الحارث بن عبد مناف مرّ بالمدينة فإذا غلمان ينتضلون وإذا غلام فيهم إذا أصاب قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء. فقال له الرجل: ممن أنت يا غلام؟ قال: أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف. فانصرف الرجل حتى قدم مكة فوجد المطلب بن عبد مناف جالساً في الحجر فقال له: قم يا أبا الحارث. فقام إليه فقال: تعلّم أني جئت الآن من يثرب فوجدت غلماناً ينتضلون. وقصّ عليه ما رأى من عبد المطلب. قال: وإذا أظرف غلام رأيته قط ولا يحسن أن يترك مثله. قال المطّلب: أغفلته والله! أما والله لا أرجع إلى أهلي ومالي حتى آتيه. فأعطاه الحارث ناقته فركبها.

فخرج المطلب بن عبد مناف حتى أتى المدينة عشيّاً ثم خرج براحلته حتى أتى بني عديّ ابن النجار فإذا بغلمان من بين ظهراني المجلس، فلما نظر إلى ابن أخيه قال: هذا ابن هاشم؟ فقال القوم: نعم. وعرف القوم المطّلب. فقالوا: نعم هذا ابن أخيك، فإن كنت تريد أخذه فالساعة لا تعلم أمه فإنها إن علمت حلنا بينك وبينه. فأناخ راحلته ثم دعاه فقال: يا بن أخي أنا عمّك وقد أردت الذهاب بك إلى قومك فاركب. فو الله ما كذب أن جلس على عجز الرّحل وجلس المطّلب على الرحل ثم بعث راحلته فانطلق به. فلما علمت أمه أن عمه ذهب به علقت تدعو من حزنها على ابنها وقالت: كنّا ولاة حمّه ورمّه [ (1) ] ... حتّى إذا قام على أتمّه انتزعوه غيلةً من أمّه ... وغلب الأخوال حقّ عمّه وقيل إنه أخذه بإذن أمّه. ولما دخل المطلب مكة دخل ضحوةً مردفه خلفه والناس في أسواقهم ومجالسهم، فقاموا يرحّبون به ويقولون: من هذا معك؟ فيقول هذا عبدي ابتعته بيثرب. ثم خرج به حتى جاء الحزورة فابتاع له حلّة، ثم أدخله على امرأته خديجة ابنة سعيد بن سعد بن سهم، فلما كان العشي ألبسه الحلّة ثم أجلسه في مجلس بني عبد مناف وأخبرهم خبره. وجعل بعد ذلك يخرج في تلك الحلّة فيطوف في سكك مكة وكان أحسن الناس وجها فيقولون: هذا عبد المطلب. لقول المطلب: هذا عبدي. فثبت اسمه عبد المطلب. وترك شيبة. وكان عبد المطلب يكثر زيارة أخواله ويبرّهم. حمّة: بحاء مهملة يجوز ضمها وفتحها يعني قليلة. رمّة: براء يجوز فتحها وضمها يعني كثيرة. وروى البلاذري عن محمد بن السائب وغيره قالوا: كان عبد المطلب من حلماء قريش وحكمائها، وكان نديمه حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان في جوار عبد المطلب يهودي يقال له أذينة وكان اليهودي يتسوّق في أسواق تهامة بماله، فغاظ ذلك حرباً فألّب عليه فتيان قريش وقال: هذا العلج الذي يقطع إليكم ويخوض في بلادكم بمالٍ جمّ كثير من غير جوار ولا خيل، والله لو قتلتموه وأخذتم ماله ما خفتم تبعة ولا عرض لكم أحدٌ يطلب دمه. فشدّ عليه عامر بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وصخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فقتلاه. فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلاً، فلم يزل يبحث

_ [ (1) ] الحمّ ما أذيب من الشحم- وما بقي من الشحم المذاب، وحم الشيء معظمه يقال: ما له حمّ ولا رمّ: لا قليل ولا كثير، وما لك عن ذلك حم ولا رم: بدّ وما له حم ولا سمّ غيرك: ما له هم غيرك. المعجم الوسيط 1/ 200.

تفسير الغريب

عن أمره حتى عرف خبره، فأتى حرب بن أمية فأنّبه بصنيعه وطلب دم جاره، فأجار حرب قاتليه ولم يسلمهما وأخفاهما، وطالبه عبد المطلب بهما فتغالظا في القول حتى دعاهما المحك واللجاج إلى المنافرة، فجعلا بينهما النجاشيّ صاحب الحبشة، فأبى أن يدخل بينهما، فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي جد عمر بن الخطاب، فقال لحرب: يا أبا عمرو تنافر رجلاً هو أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة، وأعظم منك هامة، وأقل منك لامة. وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صفدا، وأطول منك مددا، وإني لأقول قولي هذا، وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصيت في العرب، جلد المريرة، تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفراً. فنفر عبد المطلب، فغضب حرب. وأغلظ لنفيل وقال: من انتكاس الدهر جعلت حكما. وكانت العرب تتحاكم إليه فقال في ذلك نفيل: أولاد شيبة أهل المجد قد علمت ... عليا معدّ إذا ما هزهز الورع وشيخهم خير شيخ لست تبلغه ... أنيّ وليس به سخفٌ ولا طمع يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعاً ... يسقي الحجيج وماذا يبلغ الهبع أبوكما واحد والفرع بينكما ... منه العشاش ومنه الناضر الينع فترك عبد المطلب منادمة حرب، ونادم عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة. ولم يفارق حرباً حتى أخذ منه مائة ناقة ودفعها إلى ابن عم اليهودي، وارتجع ماله إلا شيئاً يسيراً كان قد تلف فغرمه من ماله. فقال الأرقم بن نضلة بن هاشم في ذلك: وقبلك ما أردى أميّة هاشمً ... فأورده عمروٌ إلى شرّ مورد أيا حرب قد حاربت غير مقصّر ... شآك إلى الغايات طلاّع أنجد تفسير الغريب الصّفد [ (1) ] : بفتح الصاد والفاء: العطاء. الهبع: بضم الهاء وفتح الباء الموحدة: الفصيل الذي نتج في آخر النتاج. العشاش: بعين مهملة مكسورة وشينين معجمتين: جمع عشّ وهو ما يجمعه الطائر من حطام العيدان. الينع: بفتح المثناة التحتية: وهو من الثمر النضيج الطيب. وروى البلاذري عن محمد بن السائب عن أشياخه قالوا: كان لعبد المطلب ماء يدعى الهرم فغلبه عليه جندب بن الحارث الثقفي في طائفة من ثقيف، فنافرهم عبد المطلب إلى

_ [ (1) ] والاسم من العطية الصّفد قال النابغة: فلم أعرّض- أبيت اللعن- بالصفد، اللسان 4/ 2458.

تفسير الغريب

الكاهن القضاعي، وهو سلمة بن أبي حيّة بن الأسحم بن عامر بن ثعلبة بن سعد بن هذيم، وكان منزله بالشام، فخرج إليه عبد المطلب في نفر من قريش وخرج جندب في جماعة من ثقيف، فلما انتهوا إلى الكاهن خبأوا له رأس جرادة في خرز مزادة، فقال: خبأتم لي شيئاً طار فسطع، وتصوّب فوقع، ذا ذنب جرّار وساق كالمنشار. قالوا: ذه. أي بيّن. قال: إلا ذه فلاذه. يقول: إن لم يكن قولي بياناً، وهو رأس جرادة، في خرز مزادة، في ثني القلادة. قالوا: صدقت. وانتسبوا له، فقال: أحلف بالضياء والظلم، والبيت ذي الحرم، إن الماء ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم. فغضب الثقفيون وقالوا: اقض لأرفعنا مكاناً وأعظمنا جفانا. وأشدّنا طعانا. فقال عبد المطلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر، ولمن أبوه سيّد مضر، وساقي الحجيج إذا كثر. فقال الكاهن: أما وربّ القلص الرّواسم ... يحملن أزوالاً بقيّ طاسم إنّ سناء المجد والمكارم ... في شيبة الحمد سليل هاشم أبي النبيّ المرتضى للعالم ثم قال: إن بني النّضر كرامٌ ساده ... من مضر الحمراء في قلادة أهل سناً وملوكٌ قاده ... مزارهم بأرضهم عباده إنّ مقالي فاعلموا شهاده ثم قال: إن ثقيفا عبدٌ أبق، فثقف فعتق، فليس له في المنصب الكريم من حق. فلما قضى لعبد المطلب بذي الهرم استعار عبد المطلب قدوراً ثم أمر فنحرت الجزائر ودعا من حوله فأطعمهم وبعث إلى جبال مكة بجزائر منها، فأمر بها فنحرت للطير والسباع شكراً لله. فلذلك قال أبو طالب ولده: ونطعم حتّى تأكل الطّير فضلنا ... إذا جعلت أيدي المنيضين ترعد تفسير الغريب الهرم بفتح الهاء وكسر الراء. وأما بالفتح والسكون فمالٌ لأبي سفيان بن حرب بالطائف أيضاً. القلص بضم القاف واللام وبالصاد المهملة: جمع قلوص، وهي من الإبل بمنزلة الجارية من النساء، وهي الشابة. رواسم: جمع رسوم وهي الناقة التي تؤثر في الأرض من شدة الوطء. الأزوال: بالزاي واللام: النساء. بقي: بالقاف. طاسم بطاء وسين مهملتين وهو حي من عاد. المنيضين: جمع منيض المعالج للشيء يقال: نضت الشيء إذا عالجته.

ونقل البلاذريّ عن محمد بن السائب رحمه الله تعالى أن ركباً من جذام صدروا عن الحج ففقدوا رجلاً منهم غالته بيوت مكة، فلقوا حذافة بن غانم بن عامر بن عوف فأخذوه فربطوه ثم انطلقوا به، فتلقّاهم عبد المطلب مقبلاً من الطائف معه ابنه أبو لهب يقوده وقد ذهب بصره، فلما نظر إليه حذافة هتف به فقال عبد المطلب لابنه أبي لهب: ويلك ما هذا؟ قال: هذا حذافة بن غانم مربوطاً مع ركب. قال: فالحقهم فاسألهم ما شأنهم. فلحقهم فأخبروه فرجع إلى عبد المطلب فأخبره فقال: ما معك. قال: والله ما معي شيء. قال فالحقهم لا أم لك فأعطهم بيدك وأطلق الرجل. فلحقهم أبو لهب فقال: قد عرفتم تجارتي ومالي وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهباً وعشراً من الإبل وحمراً وفرساً، وهذا ردائي رهناً بذلك. فقبلوا منه فأطلقوا حذافة فأقبل به، فلما سمع عبد المطلب صوت أبي لهب قال: وأبي إنك لعاصٍ ارجع لا أم لك! قال: يا أبتاه هذا الرجل معي فناداه عبد المطلب: يا حذافة أسمعني صوتك. فقال حذافة: ها أنا ذا بأبي أنت وأمي يا ساقي الحجيج أردفني. فأردفه حتى دخل مكة فقال حذافة: بنو شيبة الحمد الذي كان وجهه ... يضيء ظلام اللّيل كالقمر البدر كهولهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل ملوك لا قصار ولا خزر لساقي حجيج ثم للخير هاشم ... وعبد منافٍ ذلك السّيد الفهر ملوك وأبناء الملوك وسادةٌ ... تفلّق عنهم بيضة الطائر الصقر متى تلق منهم خارجاً في شبابه ... تجده على أحراء والده يجري هم ملأوا البطحاء مجداً وسؤدداً ... وهم نكلوا عنا غواة بني بكر وهم يغفرون الذنب ينقم مثله ... وهم تركوا رأى السفاهة والهجر أخارج إمّا أهلكنّ فلا تزل ... بشيبةٍ منكم شاكراً آخر الدهر والقصيدة أطول مما ذكر وهذه خلاصتها. وروى البلاذري عن محمد بن السائب أن عبد المطلب أول من خضب بالوسمة لأن الشيب أسرع إليه فدخل على بعض ملوك اليمن فأشار عليه بالخضاب فغيّر شيبته بالحنّة ثم علاه بالوسمة، فلما انصرف وصار بقرب مكة جدد خضابه وقد كان تزود من الوسمة شيئاً كثيراً، فدخل منزله وشعره مثل حلك الغراب، فقالت امرأته نتيلة أم العباس: يا شيب ما أحسن هذا الصبغ لو دام. فقال عبد المطلب: لو دام لي هذا السواد حمدته ... وكان بديلاً من شبابٍ قد انصرم تمتّعت منه والحياة قصيرةٌ ... ولا بدّ من موت نتيلة أو هرم وماذا الذي يجدي على المرء خفضه ... ونعمته يوماً إذا عرشه انهدم

ثم أن أهل مكة خضبوا بعده. الوسمة: كنبقة وتسكن: نبت يختضب بورقه. وكان عبد المطلب جسيماً أبيض وسيماً طوالاً فصيحاً ما رآه أحد قط إلا أحبّه، وصار إليه السّقاية والرّفادة، وشرف في قومه وعظم شأنه. وكان يعرف فيه نور النبوة وهيبة الملك. ومكارمه أكثر من أن تحصر، فإنه كان سيد قريش غير مدافع نفساً وأباً وبيتاً وجمالاً وبهاءً وفعالاً. قال الرشاطي رحمه الله تعالى: وكان ممن حرّم الخمر في الجاهلية. وله عدة بنين وبنات يأتي ذكرهم عند ذكر أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وعماته، وتوفي وله مائة وعشرون سنة، وقيل خمس وثمانون وقيل غير ذلك. تنبيه: قال السهيلي رحمه الله تعالى: ظاهر حديث أبي طالب لمّا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها» ، فكان آخر كلامه أنه على ملّة عبد المطلب يقتضي أن عبد المطلب مات على الشرك قال: ووجدت في بعض كتب المسعوديّ اختلافاً في عبد المطلب، وأنه قد قيل فيه مات مسلماً لما رأى من الدلالات على نبوته صلى الله عليه وسلم وعلم أنه لا يبعث إلا بالتوحيد. فالله أعلم. غير أن في مسند الدّارميّ وسنن النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة وقد عزّت قوماً من الأنصار: «لعلك بلغت معهم الكدى» ويروى الكرى بالراء يعني القبور؟ قالت لا. قال: «لو بلغت معهم ذلك ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك» وهذا ظاهر في عدم إسلامه. انتهى. وقد ذكره ابن السكن [ (1) ] في الصحابة لما جاء عنه أنه ذكر إن النبي صلى الله عليه وسلم سيبعث كما ذكر بحيرى الراهب وسيف بن ذي يزن وقس بن ساعدة ونظائرهم ممن كان قبل البعثة. والخبر رواه عنه العباس وتقدم. ولم يتعقب الحافظ في الإصابة ابن السكن بشيء غير أنه أورده في القسم الرابع وقد قال في أول الكتاب: إن القسم الرابع فيمن ذكر في كتب الصحابة على سبيل الوهم والغلط، وبيّن ذلك البيان الظاهر الذي يعول عليه على طريق أهل الحديث. إلى آخره.

_ [ (1) ] سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي، أبو علي: من حفاظ الحديث. نزل بمصر وتوفي بها. قال ابن ناصر الدين: «كان أحد الأئمة الحفاظ، والمصنفين الأيقاظ. رحل وطوّف، وجمع وصنّف» . له «الصحيح المنتقى» في الحديث. توفي سنة 353 هـ. الأعلام 3/ 98.

والظاهر أن إيراده له في القسم الرابع إنما هو لكونه لم يدرك البعثة، فكيف يعدّ من الصحابة كسيف بن ذي يزن فإنه مات بعد المولد بنحو ثلاث سنين، فإنه وإن أقرّ ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمى صحابياً، لأنه لم يره بعد البعثة، بل لم يره أصلاً. وقال في ترجمة أبي طالب في الكنى، بعد أن أورد قصة الامتحان يوم القيامة: ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعاً فينجو. إلى آخره. وتقدم لهذا مزيد بيان في ترجمة ابنة عبد الله. ابن هاشم هاشم: اسم فاعل من الهشم وهو كسر الشيء اليابس والأجوف. واسمه عمرو العلا، وهو منقول إما من العمر بفتح العين الذي هو من العمر بضمها أي البقاء، ذكره أبو الفتح ابن جنيّ رحمه الله تعالى في المبهج وأنشد لأبي القماقم: يا ربّ زد من عمره في عمري ... واستوف منّي يا إلهي نذري ويحكى أن عيسى بن عمر سأل عمرو بن عبيد فقال: لم سميت عمراً؟ فقال له: العمر البقاء أطال الله عَمرك وعُمرك. قال ابن دحية رحمه الله تعالى: إن استعمل العمر في القسم فالفتح لا غير. قال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. أو من غيره مما هو مذكور في الروض والزّهر وغيرهما. ولقّب هاشماً لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه، وذلك أن أهل مكة أصابهم جهد وشدة فرحل إلى فلسطين فاشترى منها دقيقاً كثيراً وكعكاً وقدم بذلك إلى مكة فأمر به فخبز ثم نحر جزوراً وجعلها ثريداً عمّ به أهل مكة، ولا زال يفعل ذلك حتى استكفوا. وهو أول من سنّ الرحلتين، رحلة الشتاء إلى الحبشة ورحلة الصيف إلى الشام. قال الرشاطي: كانت قريش تجارتهم لا تعدو مكة، وكانت الأعاجم تقدم عليهم بالسلع فيشترون منهم، حتى ركب هاشم إلى الشام فنزل بقيصر وكان كل يوم يذبح شاة فيصنع جفنة ثريد ويدعو من حوله فيأكلون فذكر ذلك لقيصر أن هاهنا رجلاً من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق ويفرغ عليه اللحم، وإنما كانت العجم تضع المرق في الصحاف ثم تأتدم عليه بالخبز، فدعا به قيصر وكلّمه فأعجبه كلامه وأعجب به وجعل يرسل إليه ويدخل عليه، فلما رأى مكانه منه قال: أيها الملك إنّ لي قوماً وهم تجار العرب فإن رأيت أن تكتب لي كتابا تؤمّنهم وتؤمن تجارتهم فيقدموا عليك بما يستظرف من أدم الحجاز وثيابه فيمكّنوا من بيعه عندكم فهو أرخص عليكم. فكتب له كتاب أمان لمن أتى منهم فأقبل هاشم بالكتاب فجعل كلما مرّ بحيّ من العرب على طريق الشام أخذ لهم من أشرافهم إيلافاً، والإيلاف أن يأمنوا

عندهم وفي طريقهم وأرضهم بغير حلف، إنما هو أمان الطريق، فأخذ هاشم الإيلاف فيمن بينه وبين الشام حتى قدم مكة فأعطاهم الكتاب، فكان ذلك أعظم بركة. ثم خرجوا بتجارة عظيمة وخرج هاشم معهم يجوزهم ويوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب، فلم يبرح يجمع بينهم وبين العرب حتى ورد الشام. ومات في تلك السفرة بغزة. فهذا سبب تسميته بهاشم. كذا قاله الرشاطي رحمه الله تعالى. وما ذكرناه في سبب تسميته هاشماً هو المشهور. ولا مانع أن يكون سمّي ببلاد مكة هاشماً لما تقدم، وببلاد قيصر كذلك. والله تعالى أعلم. وخرج أخوه عبد شمس إلى النجاشي بالحبشة وأخذ لهم كذلك. وخرج أخوهما نوفل إلى الأكاسرة بالعراق وأخذ لهم كذلك. وخرج المطلب إلى حمير باليمن وأخذ لهم كذلك. فكان يقال لهاشم ولعبد شمس وللمطلب ولنوفل، أولاد عبد مناف: المجيزون فسادوا كلهم، فقال فيهم عبد الله بن الزّبعري رضي الله تعالى عنه، ويقال بل أبوه قائل ذلك. قال البلاذري: والأول أثبت: يا أيّها الرجل المحوّل رحله ... هلا نزلت بآل عبد مناف الآخذون العهد من آفاقها ... والرّاحلون لرحلة الإيلاف والرّائشون وليس يوجد رائشٌ ... والقائلون هلمّ للأضياف والخالطون غنيّهم بفقيرهم ... حتّى يكون فقيرهم كالكافي عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... سفر الشّتاء ورحلة الإيلاف [ (1) ] وروى الزبير بن بكار في الموفقيات، عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قال: كانت قريش في الجاهلية تحتفد، وكان احتفادها أن أهل البيت منهم كانوا إذا سافت- يعني هلكت- أموالهم خرجوا إلى برازٍ من الأرض فضربوا على أنفسهم الأخبية ثم تناوبوا فيها حتى يموتوا خوفاً من أن يعلم بخلّتهم. حتى نشأ هاشم بن عبد مناف فلما ربل وعظم قدره في قومه قال: يا معشر قريش إن العزّ مع كثرة العدد، وقد أصبحتم أكثر العرب أموالاً وأعزّهم نفرا، وإن هذا الاحتفاد قد أتى على كثير منكم، وقد رأيت رأياً. قالوا: رأيك رشيد، فمرنا نأتمر. قال رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم فأعمد إلى رجل غني فأضم إليه فقيراً عدده بعدد عياله فيكون يؤازره في الرحلتين رحلة الشتاء ورحلة الصيف، رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن، فما كان في مال الغني من فضل عاش الفقير وعياله في ظله، وكان ذلك قطعاً

_ [ (1) ] روي في الروض الأنف هذان البيتان: عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... قوم بمكة منتهين عجاف سننت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشّتاء ورحلة الإيلاف الروض الأنف 1/ 157. وفي البداية والنهاية الأصياف بدل الإيلاف، انظر البداية والنهاية 2/ 253.

للاحتفاد. قالوا: نعم ما رأيت. فألّف بين الناس. الاحتفاد: خفة العمل والإسراع فيه. وروى البلاذري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: والله لقد علمت قريش إن أول من أخذ لها الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم، والله ما أخذت قريش حبلاً لسفر ولا أناخت بعيراً لحضر إلا بهاشم. وكان هاشم رجلاً موسراً، وكان يقوم أول يوم من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب فيقول: يا معشر قريش أنتم سادة العرب أنساباً، وأنتم أقرب العرب بالعرب أرحاماً، يا معشر قريش إنكم جيران بيت الله أكرمكم الله تعالى بولاية بيته وخصّكم بجواره دون بني إسماعيل، حفظ منكم أحسن ما حفظ جارٌ من جاره فأكرموا ضيفه وزوّار بيته، فإنهم يأتون شعثاً غبراً من كلّ بلد على ضوامر كالقداح وقد أرحضوا وثفلوا وقملوا وأرملوا، فاقروهم وأعينوهم، ولو كان لي مال يحمل ذلك كله كفيتكموه وأنا مخرج من طيّب مالي وحلاله ما لم تقطع فيه رحم ولم يؤخذ بظلم ولم يدخل فيه حرام فواضعه، فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت أن لا يخرج رجل منكم من ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيّباً لم يؤخذ ظلماً ولم يقطع فيه رحم ولم يؤخذ غصباً. فكانت بنو كعب بن لؤي كلها تجتهد في ذلك، ثم يخرجون ذلك من أموالهم حتى إن كان أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدرهم، وكان أهل اليسار منهم ربما أرسل بمائة مثقال هرقلية فيأتون به هاشماً فيضعونه في داره دار النّدوة. وكان هاشم يخرج في كل سنة مالاً كثيراً. وكان يأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم من قبل أن تحفر زمزم ثم يستقي فيها من الآبار التي بمكة فيشرب الحاج. وكان يطعمهم أول ما يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وعرفة وكان يثرد لهم الخبز واللحم، والخبز والسمن، والسويق والتمر، ويحمل لهم الماء، ويتفرق الناس لبلادهم. وكان من أحسن الناس وأجملهم، وكانت العرب تسميه قدح النّضار والبدر. قال أبو سعد النيسابوري رحمه الله تعالى في «الشّرف» : كان النور يرى على وجهه كالهلال يتوقّد، لا يراه أحد إلا أحبّه وأقبل نحوه. وبعث إليه قيصر رسولاً ليتزوج ابنته لما وجد في الإنجيل من صفته فأبى. ولهاشم من الأولاد: نضلة، وبه كان يكنى، وعبد المطلب والعقب منه. وأسد والد فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله تعالى عنهما. وأبو صيفي. والشّفاء، وخلدة. ورقية وحبيبة.

وله من الإخوة: المطلّب، وعبد شمس، وتماضر، وقلابة. وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج، بالجيم، بن ذكوان بن ثعلبة بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمية. ونوفل، وأبو عمرو واسمه عبيد. قال ابن قتيبة رحمه الله تعالى: ولا عقب له. وأميمة، أمهم وافدة بنت أبي عدي بن عبد فهم من بني مازن بن صعصعة. وريطة بنت عبد مناف، ولدت في بني هلال بن معيط من بني كنانة وأمها من ثقيف. وقيل إن هاشماً وعبد شمس توأمان وإن أحدهما ولد قبل الآخر. قيل إن الأول هاشم وإن إصبع أحدهما ملتصقة بجهة صاحبه فنحيت فسال دم، فقيل يكون بينهما دم. وولي هاشم بعد أبيه عبد مناف ما كان إليه من السقاية والرفادة فحينئذ حسده أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف فنال من هاشم. فروى البلاذري عن هشام بن محمد بن السائب رحمه الله تعالى قال: كان أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذا مال فتكلّف أن يفعل كما فعل هاشم في إطعام قريش، فعجز عن ذلك، فشمت به أناس من قريش وعابوه لتقصيره، فغضب ونافر هاشماً على خمسين ناقة سود الحدق. تنحر بمكة وإجلاء عشر سنين، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، وهو جد عمرو بن الحميق وكان منزله عسفان. وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري، وكانت ابنته عن أمية، فقال الكاهن: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر. وما اهتدى بعلم مسافر، في منجد وغائر لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منها وآخر، وأبو همهمة بذاك خابر. فأخذ هاشم الإبل، فنحرها وأطعم لحمها من حضر. وخرج أمية إلى الشام فأقام عشر سنين. فتلك أول عداوة وقعت بين بني هاشم وأمية. مات هاشم بغزة وله عشرون سنة. ويقال خمس وعشرون سنة. قال البلاذري رحمه الله تعالى: وهذا أثبت. وهو أول من مات من بني عبد مناف. ثم مات عبد شمس بمكة فقبر بأجياد. ثم مات نوفل بسلمان من طريق العراق. ومات المطلب بردمان من طريق اليمن. وسلمان بوزن اسم سلمان الفارسي، وردمان بوزنه. ابن عبد مناف عبد مناف: قال السهيلي [مفعل من أناف ينيف إنافة: إذا ارتفع. وقال المفضّل رحمه الله تعالى: الإنافة: الإشراف والزيادة. وبه سمي عبد مناف. ومنه تقول: مائة ونيف أي شيء زائد على المائة] [ (1) ] واسمه المغيرة منقول من الوصف. والهاء فيه للمبالغة. أي أنه يغير على

_ [ (1) ] سقط في أ.

الأعداء. أو مغير من أغار الحبل إذا أحكمه. ودخلت الهاء للمبالغة، كما دخلت في علاّمة ونسابة. قال السهيلي رحمه الله تعالى: ويجوز أن تكون الهاء في المغيرة للتأنيث، ويكون منقولاً من وصف المؤنث. وكنيته أبو شمس وأمه حبّي بضم الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة الممالة. وكان يقال له قمر البطحاء لجماله. وسبب تلقيبه بعبد مناف أن أمّه حبّى بنت حليل، بضم الحاء المهملة وفتح اللام، ابن حبشية، بضم الحاء المهملة وقيل بفتحها وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء وقيل بتخفيفها، ابن سلول بفتح السين المهملة ولامين الأولى مضمومة، ابن كعب بن خزاعة قد أخدمته مناة، وكان صنماً عظيماً لهم فسمى عبد مناة به. ثم نظر أبوه قصيّ فرآه يوافق عبد مناة بن كنانة فحوّله عبد مناف. وساد في حياة أبيه وكان مطاعاً في قريش وإياه عنى القائل بقوله: كانت قريشٌ بيضةً فتفلّقت ... فالمحّ خالصه لعبد مناف المحّ بالحاء المهملة: صفرة البيض. وروى البلاذري عن زيد بن أسلم- رحمه الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم سمع جارية تنشد: كانت قريشٌ بيضةً فتفلّقت ... فالمحّ [ (1) ] خالصه لعبد الدّار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «كذا قال الشاعر؟» قال أبو بكر: لا. إنما قال: لعبد مناف. قال: «كذاك» . قال البلاذريّ: وزعموا أنه وجد كتاب في حجر: أن المغيرة أوصى قريشاً بتقوى الله وصلة الرحم. ابن قصي قصيّ بضم القاف وفتح الصاد المهملة: تصغير قصي بفتح القاف، من قصا يقصو إذا أبعد. قاله ابن الأنباري والزجّاجي- رحمهما الله تعالى: واسمه زيد. قال السهيلي: وصغّر قصيّ

_ [ (1) ] البيت في الروض الأنف وبعده: الخالطين فقيرهم بغنيهم ... والظالمين لرحلة الأضياف 1/ 161.

على فُعيل. لأنهم كرهوا اجتماع ثلاث ياءات، يعني ياء التصغير وياء فعيل المكبر، والياء المنقلبة عن الواو التي هي لام الفعل لتطرّفها وانكسار ما قبلها، فحذفوا إحداهن وهي الياء الثانية التي تكون في فعيل نحو قضيب، فبقي على وزن فُعيل. قال: ويجوز أن يكون المحذوف لام الفعل. يريد المبدلة من لام الفعل، فيكون وزنه فعيّاً وتكون ياء التصغير هي الثانية مع الزائدة. قال الرشاطيّ- رحمه الله تعالى: وإنما قيل له قُصيّ لأن أباه كلاب بن مرة كان تزوج فاطمة بنت سعد بن سيل- بسين مهملة فمثناة تحتية مفتوحتين فلام- لقّب باسم جبل لطوله. واسمه خير ضد شرّ. وفي سعد قال الشاعر: ما أرى في النّاس طرّاً رجلاً ... حضر البأس كسعد بن سيل فارسٌ أضبط فيه عسرة ... وإذا ما وافق القرن نزل وتراه يطرد الخيل كما ... يطرد الحرّ القطاميّ [ (1) ] الحجل ويقال: إن سعدا هذا أول من حلّى السيوف بالفضة والذهب. فولدت له زهرة وقصيّا. فهلك كلاب وقصيّ صغير. فتزوج فاطمة أم قصيّ ربيعة ابن حرام بن ضبّة فاحتملها- ربيعة ومعها قصي صغير. وقال السهيلي: رضيع. قال الرشاطي: فولدت فاطمة لربيعة رزاحا وكان أخاه لأمه، فربيّ في حجر ربيعة، فسمى قصيّاً لبعده عن دار قومه. قال الرشاطي: وقال الخطّابي: سمي قصيّاً لأنه قصا قومه أي تقصّاهم بالشام، فنقلهم إلى مكة. قال الرشاطي: وإن زيداً وقع بينه وبين آل ربيعة شر فقيل له: ألا تلحق بقومك! وعيّر بالغربة وكان لا يعرف لنفسه أباً غير ربيعة فرجع إلى أمه وشكا إليها ما قيل له. فقالت: يا بني أنت أكرم نفساً وأباً، أنت ابن كلاب بن مرة وقومك بمكة عند البيت الحرام. فأجمع قصي على الخروج، فقالت له أمه: أقم حتى يدخل الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب، فلما دخل الشهر الحرام خرج مع حاج قضاعة حتى قدم مكة فحج وأقام، فعرفت له قريش قدره وفضله وعظمته وأقرت له بالرياسة والسؤدد، وكان أبعدها رأياً وأصدقها لهجة وأوسعها بذلا، وأبينها عفافا، وكان أول مالٍ أصابه مال رجل قدم مكة بأُدمٍ كثير فباعه وحضرته الوفاة ولا وارث له فوهبه لقصي ودفعه له.

_ [ (1) ] القطامي: الصقر، اللسان 5/ 3682.

وكانت خزاعة مستولية على الأبطح، وكانت قريش تنزل الشّعاب والجبال وأطراف مكة وما حولها فخطب قصيّ إلى حليل بن حبشية الخزاعي ابنته حبّى، فعرف حليل نسبه فزوجه ابنته وحليل يومئذ يلي الكعبة وأمر مكة. فأقام قصيّ معه وولدت له حبّى أولاده، فلما انتشر ولده وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل، وأوصى بولاية البيت لابنته حبّى فقالت: لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه. فجعل ذلك لأبي غبشان، بضم الغين المعجمة وسكون الموحدة بعدها شين معجمة- واسمه المحترش- بميم فحاء مهملة ويقال بمعجمة فتاء مثناة فوقية، فراء فشين معجمة- بن حليل وكان في عقله خلل، فاشترى قصيّ منه ولاية البيت بزقّ خمر وقعود. فضربت به العرب المثل فقالت: أخسر صفقة من أبي غبشان!. فلما أخذ قصي مفتاح البيت إليه أنكرت خزاعة ذلك وكثر كلامها، وأجمعوا على حرب قصيّ وقريش وطردهم عن مكة وما والاها: فبادر قصيّ فاستصرخ أخاه رزاح بن ربيعة فحضر هو وإخوته، وكانت بنو صوفة تدفع الناس بالحج من عرفة إذا نفروا من منىً، فلم يجسر أحد من الناس أن ينفر ولا يرمي حتى يرموا، فلما كان هذا العام فعلت بنو صوفة كما كانت تفعل، فأتاهم قصيّ بمن معه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقال لبني صوفة: نحن أولى بهذا منكم. فقاتلوه فاقتتل الناس قتالاً شديداً وكثر القتل في الفريقين فانهزمت صوفة وغلبهم على ما كان بأيديهم من ذلك، فانحازت خزاعة وبنو بكر عن قصيّ، وعلموا أنه سيمنعهم كما منع من ذلك بني صوفة، وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة، فاجتمع لحربهم فخرجت خزاعة وبنو بكر فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً، ثم إنهم تداعوا إلى الصلح وأن يحكموا رجلاً من العرب، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب المعروف بالشدّاخ فقضى بينهم بأن قصيّاً أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة، وان كل دم أصابته قريش من خزاعة موضوع يشدخه تحت قدميه، وأن ما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وبني كنانة فيه الديّة. فودوا خمسمائة وعشرين ديّة وثلاثين جريحاً. وأن يخلّى بين قصيّ وبين البيت. فسمي يعمر بن عوف الشدّاخ لما شدخ من الدماء ووضع. فولى قصيّ أمر الكعبة ومكة وجمع قومه من منازلهم إلى مكة فملّكوه عليهم، ولم تكن مكة بها بيت في الحرم وإنما كانوا يكونون بها حتى إذا أمسوا خرجوا لا يستحلون أن يصيبوا فيها جناية، ولم يكن بها بيت قديم. فلما جمع قصيٌّ قريشاً- وكان أدهى من رئي من العرب- قال لهم: هل لكم أن تصبحوا بأجمعكم في الحرم حول البيت؟ فو الله لا يستحل العرب قتالكم ولا يستطيعون

إخراجكم منه وتسكنونه فتسودوا العرب أبداً. فقالوا: أنت سيدنا ورأينا تبع لرأيك. فجمعهم ثم أصبح بهم في الحرم حول الكعبة. وكان قصيّ أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكاً أطاع له به قومه، فكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء، وحاز شرف مكة كله جميعاً. فسمى مجمّعاً لجمعه قومه. وفي ذلك قال الشاعر: أبوكم قصيّ كان يدعى مجمّعاً ... به جمع الله القبائل من فهر وأنتم بنو زيدٍ وزيدٌ أبوكم ... به زيدت البطحاء فخراً على فخر وبنى دار الندوة. والندوة في اللغة: الاجتماع. لأنهم كانوا يجتمعون فيها للمشورة وغير ذلك، فلا تنكح امرأة ولا يتزوج رجل من قريش، ولا يتشاورون في أمر إلا في داره، ولا يعقدون لواء حرب إلا فيها يعقدها لهم قصي أو بعض بنيه. قال أبو عبيدة: ولما ولي قصي أمر مكة قال: يا معشر قريش، إنكم جيران الله وجيران بيته، وأهل حرمه، وإن الحاج زوّار بيت الله فهم أضياف الله وأحق الأضياف بالكرامة أضياف الله فترافدوا، فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً أيام الحج حتى يصدروا، ولو كان مالي يسع ذلك قمت به، ففرض عليهم خرجا تخرجه قريش من أموالها فتدفعه إليه فيصنع به طعاماً وشراباً ولبناً وغير ذلك للحاج بمكة وعرفة فجرى ذلك من أمره حتى قام الإسلام. قال السهيلي رحمه الله تعالى: وكان قصيّ يسقي الحجيج في حياض من أدمٍ ينقل إليها الماء من بئر ميمون وغيرها خارج مكة، وذلك قبل أن يحفر العجول. وروى البلاذري عن معروف بن خرّبوذ وغيره قالوا: كانت قريش قبل قصي تشرب من بئر حفرها لؤي بن غالب خارج مكة ومن حياض ومن مصانع على رؤوس الجبال ومن بئر حفرها مرة بن كعب مما يلي عرفة. فحفر قصي بئراً سماها العجول، وهي أول بئر حفرتها قريش بمكة وفيها يقول رجّاز الحاج: نروي [من] العجول ثمّ ننطلق ... إنّ قصيّا قد وفى وقد صدق بالشّبع للنّاس وريّ مغتبق وقال آخر: آب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زيد قصيّ لحما ولبناً محضاً وخبزاً هشما خرّبوذ بفتح المعجمة وتشديد الراء وبسكونها ثم بموحدة مضمومة وواو ساكنة. وآب. بالمد: رجع.

ويروى أن قصياً قال للأكابر من ولده: من عظّم لئيماً شركه في لؤمه، ومن استحسن مستقبحاً شركه فيه، ومن لم تصلحه كرامتكم فداووه بهوانه، فذاك دواء يحسم الداء والعيّ عيّان: عيّ إفحام، وعيّ المنطق بغير سداد، والحسود: العدو الخفيّ، ومن سأل فوق قدره استحقّ الحرمان. وقصيّ أحدث وقود النار بالمزدلفة ليراها من دفع من عرفة. وقسم قصيّ مكارمه بين ولده، فأعطى عبد مناف السقاية والندوة، فكانت فيه النبوّة والثروة. وأعطى عبد الدار الحجابة واللواء. وأعطى عبد العزّى الرّفادة والضيافة أيام منى، فكانوا لا يجيزون إلا بأمره. وأعطى عبد قصي جلهتي الوادي. فسادت بنو قصي الثلاثة. ومات قصي بمكة فأقام بنوه أمر مكة بعده في قومهم [ (1) ] ودفن بالحجون. فتدافن الناس بعده بالحجون. ابن كلاب كلاب: بكسر الكاف وتخفيف اللام منقول. وفي وجه نقله عن الجمع وجهان: أحدهما: ما ذكره السهيلي: إما من المصدر الذي في معنى المكالبة نحو كالبت العدوّ مكالبةً وكلابا، وإما من الكلاب جمع كلب لأنهم يريدون الكثرة كما سمّوا بسباع وأنمار. والثاني: ما نقله في «المورد» و «الفتح» عن بعضهم أنه كان محبّاً للصيد مولعاً به بالكلاب وجمع منها شيئاً كثيراً، فكان إذا مرّ بكلاب على قوم قيل: هذه كلاب ابن مرة. فبقي لقباً له. فائدة: قيل لأبي الدّقيش الأعرابي: لم تسمون أبناءكم بأشرّ الأسماء نحو كلاب وذئب وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق ورباح. فقال: إنا لنسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا يريد أن الأبناء عدة للأعداء وسهام في نحورهم فاختاروا لهم هذه الأسماء. قال ابن دحية رحمه الله تعالى: فكان الرجل إذا تشاجر مع كفوه قال: اخرج يا كلب أو يا سباع أو يا نمر أو يا علقمة إلى غير ذلك. وقيل لدفع السّوء عن أبنائهم. واسمه حكيم. ويقال: الحكيم. وقيل: المهذّب. وقيل عروة. نقله الجوّاني في المقدمة.

_ [ (1) ] في أ: يومهم.

قال المحبّ بن الشهاب بن الهائم [ (1) ] : والصحيح الأول. قال بعض العرب: حكيم بن مرّة ساد الورى ... ببذل النّوال وكفّ الأذى وكنيته أبو زهرة. وهو أول من جعل السيوف المحلاة بالبيت، وذلك أن سعد بن سيل جد ابنه قصي لأمّه هو أول من حلّى السيوف بالذهب والفضة وأهدى إلى كلاب بن مرة مع ابنته فاطمة أم قصيّ سيفين محلّيين فجعلهما كلاب في خزانة الكعبة. ذكره أبو الربيع. وأمه هند، ويقال نعم بنت سريرٍ- بمهملات مصغراً- ابن ثعلبة. قال البلاذري: والأول أثبت. وكان له من الذكور ابنان قصيّ وزهرة، بضم الزاي بلا خلاف. وبه كان يكنى كما تقدم. وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم من قبل أمه. قال الحافظ: والمشهور عند أهل النسب أن زهرة اسم رجل. وشذّ ابن قتيبة فزعم أنه اسم امرأة. وهو مردود بقول إمام أهل النسب هشام بن الكلبي: أن اسم زهرة: المغيرة. قال السهيلي: وما قاله ابن قتيبة منكر غير معروف. ابن مرة مرة. بضم الميم. وفيما نقل منه وجوه: أحدها: أنه منقول من وصف الحنظلة والعلقمة، وكثيراً ما يسمون بحنظلة وعلقمة. والتاء على هذا للتأنيث. الثاني: أنه منقول من وصف الرجل بالمرارة. قاله أبو عبيد. يقال: مرّ الشيء وأمرّ إذا اشتدت مرارته. قال السهيلي: ويقوّي هذا قولهم: تميم بن مرّ. فالتاء على هذا للمبالغة. الثالث: قال السهيلي: وأحسب أنه من المسمّين بالنبات لأن أبا حنيفة ذكر أن المرّة بقلة تقطع فتؤكل بالخل يشبه ورقها ورق الهندباء. الرابع: أنه مأخوذ من القوة كما في قوله تعالى: ذُو مِرَّةٍ أي قوة. ويقال مرّ الرجل إذا أحكم صنعته. الخامس: أنه منقول من قولهم: مرّ الشيء إذا اشتدت مرارته. قال تعالى: وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ نقله ابن دحية عن أبي عبيدة. وكنيته أبو يقظة- بمثناة تحتية فقاف فظاء معجمة مفتوحات ثم هاء- وأمّه مخشيّة-

_ [ (1) ] محمد بن أحمد بن محمد بن عماد، أبو الفتح، محب الدين بن الهائم: فاضل مصري الأصل، مقدسي الإقامة والوفاة. اشتغل بالفقه والحديث، وخرّج لنفسه ولغيره. ومات في حياة والده له «الغرر المضية في شرح نظم الدرر السنية» وهو شرح لألفية العراقي في نظم السيرة النبوية. توفي سنة 798 هـ. الأعلام 5/ 329.

بميم مفتوحة فخاء ساكنة فشين مكسورة معجمتين فمثناة تحتية مشددة- ويقال: وحشية، بنت شيبان بن محارب بن فهر. وله من الولد ثلاثة: كلاب وتميم، رهط أبي بكر الصديق، وطلحة بن عبيد الله أحد العشرة رضي الله تعالى عنهم. ويقظة المكنى به، ومنه بنو مخزوم. وأمهما البارقة. ابن كعب كعب: اختلف مما ذا نقل على أقوال: الأول: أنه منقول من الكعب الذي هو قطعة من السمن الجامد في الزّق أو في غيره من الظروف، كما أن الكعب القطعة من الأقط حكاه الزّجاجي والسهيلي في آخرين. الثاني: أنه منقول من كعب الإنسان وهو ما شرف فوق رسغه عند قدمه. وعلى هذا فقيل: نقل منه لارتفاعه وشرفه على قومه. واختاره الزجاجي وغيره لثبوته، من قولهم ثبت ثبوت الكعب. واختاره السهيلي، واستدل له بما جاء في خبر ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما: أنه كان يصلي عند الكعبة يوم قتل وحجارة المنجنيق تمرّ بأذنه، وهو لا يلتفت كأنه كعبٌ راتب. الثالث: أنه من كعب القناة. ذكره ابن دريد. قال في الزهر: ولعله أشبه ويترشح بقول بعضهم: سمي بذلك لارتفاعه على قومه وعلوّه عليهم وشرفه فيهم. وكنيته أبو هصيص- بمهملتين مصغر- والهصّ: شدة القبض والغمز: وقيل: شدة الوطء للشيء حتى يشدخه. وأمّه ماويّة- بواو- مكسورة فمثناة تحتية مشددة- بنت كعب بن القين القضاعية. وكان عظيم القدر عند العرب، ولهذا أرّخوا بموته إلى أن كان عام الفيل فأرّخوا به، ثم أرّخوا بموت عبد المطلب. قال السهيلي: وكعب بن لؤي هذا من جمّع يوم العروبة، ولم تسم العروبة الجمعة إلا منذ جاء الإسلام في قول بعضهم. وقيل هو أول من سماها الجمعة. انتهى. وصحح هذا الثاني المحب ابن الهائم. وقال ابن حزم: يوم الجمعة اسم إسلامي ولم يكن في الجاهلية لأنه يجتمع فيه للصلاة أحد من الجمع. قال في الزهر: وفي تفسير عبد بن حميد بسند صحيح عن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: جمع أهل المدينة قبل أن تنزل الجمعة وقبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين سمّوها الجمعة. وهو يؤيد ما ذكره ابن حزم ولهذا مزيد بيان يأتي إن شاء الله تعالى في الباب الثاني من أبواب الحوادث.

وكان يجمع قومه في هذا اليوم ويخطبهم. قال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف [ (1) ] رحمه الله تعالى: فيقول أمّا بعد فاسمعوا وعوا، وافهموا وتعلموا، ليلٌ ساجٍ، ونهارٌ ضاحٍ والأرض مهاد، والسماء بناء، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام، لم تخلق عبثاً فتضربوا عنا صفحاً، الآخرون كالأولين، والذكر كالأنثى، والزوج والفرد إلى بِلى. فصلوا أرحامكم، وأوفوا بعهودكم، واحفظوا أصهاركم، وثمّروا أموالكم، فإنها قوام مروءتكم فهل رأيتم من هالك رجع، أو ميت نشر، الدار أمامكم واليقين غير ما تظنون، حرمكم زينوه وعظموه، وتمسكوا به، فسيأتي له نبأ عظيم، وسيخرج منه نبي كريم، بذلك جاء موسى وعيسى صلّى الله عليه وسلم، ثم يقول: نهارٌ وليل كلّ أوب بحاث [ (2) ] ... سواءٌ علينا ليلها ونهارها على غفلةٍ يأتي النبيّ محمّدٌ ... يخبّر أخباراً صدوقاً خبيرها والله لو كنت ذا سمع وذا بصر، ويدٍ ورجل، لتنصّبت فيها تنصّب الجمل، ولأرقلت فيها إرقال الفحل. ثم يقول: يا ليتني شاهدٌ فحواء دعوته ... حين العشيرة تبغي الحقّ خذلانا وكان بين موته ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وستون سنة. رواه أبو نعيم وغيره. وهو أول من قال: «أما بعد» في أحد الأقوال. وله من الذكور ثلاثة: مرّة، وهصيص المكنّى به، وعدي. ابن لؤي لؤيّ: بضم اللام ويهمز ويسهّل: واختلف في المنقول منه على أقوال: أحدها: أنه تصغير لأي واختلف في اللأي ما هو؟ فقال: ابن الأنباري في جماعة منهم أبو ذر الخشني: اللأي الثور الوحشي. وقال أبو حنيفة: اللأي: البقرة قال: وسمعت أعرابياً يقول: بكم لأيك هذه؟ وقال السهيلي: اللأي: البطء بضم الباء مهموزاً ضد الأناة وترك العجلة. الثاني: أنه منقول من لواء الجيش. الثالث: أنه منقول من لوي الرمل المقصور: قالهما ابن دريد.

_ [ (1) ] أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، وكان مولده سنة بضع وعشرين. التقريب 2/ 430. [ (2) ] لعل معنى البيت كل رجوع لليل ونهار متفرقين سواء علينا. على أن معنى «بحاث» متفرقين. يقال: تركهم حاث باث، متفرقين مبددين، انظر الوسيط 1/ 204.

وكنيته أبو كعب. وكان له من الذكور سبعة: كعب المكنّى به وعامر رهط سهيل بن عمرو وهما صريحا لؤيّ. وسامة بسين مهملة بلا ألف قبلها وأمهم ماويّة. وهم بنو ناجية في عمان وخزيمة بن لؤيّ بطن هم عائذة قريش، وسعد بن لؤيّ بطن وهم بنانة بموحدة مضمومة ونونين، والحارث وهم جشم، كان جشم عبداً للؤيّ حضنه فغلب عليه. وعوف وهم من غطفان. وأمه عاتكة بنت يخلد- بمثناة تحتية فخاء معجمة ساكنة فلام مضمومة فدال مهملة- ابن النضر بن كنانة. ويقال: بل سلمى بنت الحارث بن تميم بن هذيل بن مدركة. وكان لؤي حليماً حكيماً نطق بالحكمة صغيراً. قال البلاذريّ: روي أن لؤياً قال: من رب معروفه لم يخلق ولم يخمل، فإذا خمل الشيء لم يذكر، وعلى من أولي معروفاً نشره، وعلى المولي تصغيره وطيّه. ابن غالب غالب: منقول من اسم فاعل مشتق من الغلب، يقال: غلبته غلباً بفتحات فأنا غالب. وكنيته أبو تميم. وله ولدان لا غير: لؤي وتيم المكنى به. وهو المعروف بتيم الأدرم لأن أحد لحييه كان أنقص من الآخر. وفي قريش تيمان: تيم بن مرة. وتيم الأدرم، وكان كاهناً وأمه ليلى بنت الحارث بن تميم بن هذيل بن مدركه. ابن فهر فهر بكسر الفاء وسكون الهاء فراء منقول من الفهر، وهو من الحجارة الطويل. قاله السهيلي. قال الخشني: الفهر حجر ملء الكف يذكر ويؤنث وفي «تقويم المفسد» عن الأصمعي: من أنث الفهر أخطأ. وكنيته أبو غالب. وأمه جندلة، بجيم فنون ساكنة فدال مهملة، بنت عامر بن الحارث ابن مضاض الجرهميّ، وكان رئيس أهل مكة وكان له من الولد: غالب، وأسد، وعوف. وجون، وريص والحارث، بطن، ومحارب، بطن، وهما من قريش الظواهر. وقيس. وهو قريش في قول أبي بكر محمد بن شهاب الزّهري ونسبه البيهقيّ والحافظ لأكثر أهل العلم. قال ابن شهاب: وهو الذي أدركت عليه من أدركت من نسّاب العرب: أن من جاوز فهراً فليس من قريش. وبه قال الشّعبي وهشام بن محمد الكلبي، ومصعب بن عبد الله الزبيريّ وخلق، وصحّحه الحافظ شرف الدين الدمياطي والحافظ أبو الفضل العراقي وغيرهما.

قال الحافظ صلاح الدين بن العلائيّ [ (1) ] : وعليه جمهور أهل النسب. وقيل: إن قريشاً هم بنو النضر بن كنانة. وإليه ذهب محمد بن إسحاق، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عبيد القاسم بن سلام. وبه قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وعنهم وغيره. قال الحافظ صلاح الدين العلائي: وهو الصحيح الذي عليه المحققون والحجة له حديث الأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة فقلت: ألستم منا يا رسول الله؟ قال: «لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا» . رواه ابن ماجة. قال العلائي رجاله ثقات [ (2) ] . ووجه الدلالة منه ظاهر. أي لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمّهات. وقيل: إن قريشاً بنو إلياس بن مضر. نقله الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر [ (3) ] عن التميمية وصححه قال: وهو اختيار أبي عمرو بن العلاء وأبي الحسن الأخفش [ (4) ] وحمّاد ابن سلمة وعبيد الله بن الحسن بن سوار. وروى مثله عن أبي الأسود الدؤلي [ (5) ] .

_ [ (1) ] خليل بن كيكلديّ بن عبد الله العلائي الدمشقي، أبو سعيد، صلاح الدين: محدث، فاضل، بحاث. ولد وتعلم في دمشق، ورحل رحلة طويلة. ثم أقام في القدس مدرسا في الصلاحية سنة 731 هـ، فتوفي فيها. من كتبه «المجموع المذهب في قواعد المذهب» في فقه الشافعية، وكتاب «الأربعين في أعمال المتقين» كبير، و «الوشي المعلم» في الحديث، و «المجالس المبتكرة» و «المسلسلات» و «النفحات القدسية» و «منحة الرائض» في الفرائض، و «كتاب المدلسين» و «مقدمة نهاية الأحكام» و «برهان التيسير في عنوان التفسير» وغير ذلك، توفي سنة 761 هـ. انظر الأعلام 2/ 321. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2612) . [ (3) ] عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور: عالم متفنن، من أئمة الأصول. كان صدر الإسلام في عصره. ولد ونشأ في بغداد، ورحل إلى خراسان فاستقر في نيسابور. وفارقها على أثر فتنة التركمان ومات في أسفرايين. كان يدرّس في سبعة عشر فنّا. وكان ذا ثروة. من تصانيفه «أصول الدين» و «الناسخ والمنسوخ» و «تفسير أسماء الله الحسنى» و «فضائح القدرية» و «التكملة، في الحساب- خ» و «تأويل المتشابهات في الأخبار والآيات- خ» و «تفسير القرآن» . توفي سنة 429 هـ. الأعلام 4/ 48. [ (4) ] سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، أبو الحسن، المعروف بالأخفش الأوسط: نحويّ، عالم باللغة والأدب، من أهل بلخ. سكن البصرة، وأخذ العربية عن سيبويه. وصنف كتبا، منها «تفسير معاني القرآن» و «شرح أبيات المعاني» و «الاشتقاق» و «معاني الشعر» و «كتاب الملوك» و «القوافي» توفي سنة 512 هـ. الأعلام 3/ 101، 102. [ (5) ] ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني: واضع علم النحو. كان معدودا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان والحاضري الجواب، من التابعين. رسم له عليّ بن أبي طالب شيئا من أصول النحو، فكتب فيه أبو الأسود. وأخذه عنه جماعة. وفي صبح الأعشى أن أبا الأسود وضع الحركات والتنوين لا غير. سكن البصرة في خلافة عمر، وولي إمارتها في أيام علي، استخلفه عليها عبد الله بن عباس لما شخص إلى الحجاز. ولم يزل في الإمارة إلى أن قتل عليّ. وكان قد شهد معه «صفين» . ولما تم الأمر لمعاوية قصده فبالغ معاوية في إكرامه. وهو- في أكثر الأقوال- أول من نقط المصحف. وله شعر جيد، في «ديوان» صغير، أشهره أبيات يقول فيها:

وقيل إنهم جميع بني مضر بن نزار. ونقله الأستاذ عن القيسية وبه قال مسعر بن كدام [ (1) ] . وروى مثله عن حذيفة بن اليماني رضي الله تعالى عنهما. وقيل إنهم بنو قصي بن كلاب. حكاه الماوردي وأبو عمرو بن الأثير في الجامع وغيرهما وهو قول المبرّد. قال في النور: وهو قول باطل. وكأنه قول رافضيّ، لأنه يقتضي أن يكون أبو بكر وعمر ليسا من قريش، وإذا لم يكونا من قريش فإمامتهما باطلة، وهذا خلاف إجماع المسلمين. انتهى. واختلفوا لم سمي بقريش على أقوال: أحدها بدابّة عظيمة في البحر من أقوى دوابه سميت به قريش لقوتها لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى. قاله ابن عباس حين سأله معاوية، واستشهد له بقول الشاعر الجمحيّ [ (2) ] : وقريشٌ هي التي تسكن البحر ... بها سمّيت قريشٌ قريشا سلّطت بالعلوّ في لجّة البحر ... على ساكني البحور جيوشا تأكل الغثّ والسّمين ولا تت ... رك يوماً لذي الجناحين ريشا هكذا في العباد حيّ قريشٍ ... يأكلون البلاد أكلا كشيشا ولهم في آخر الزمان نبيّ ... يكثر القتل فيهم والخموشا تملأ الأرض خيله ورجالٌ ... يحشرون المطيّ حشراً كميشا رواه ابن عساكر: وروى ابن أبي شيبة إن ابن عباس سأله عمرو بن العاص: لم سميت قريشٌ قريشاً؟ قال: بالقرش دابّة تأكل الدوابّ لشدتها. وإلى هذا القول ذهب محمد بن سلام، ورجحه أبو بكر بن الأنباري. وقال المطرزيّ رحمه الله تعالى عن هذه الدابة: إنها ملكة دواب البحر وأشدها، فكذلك قريش سادات الناس.

_ [ () ] «لا تنه عن خلق وتأتي مثله» مات بالبصرة. ولأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي. كتاب «أخبار أبي الأسود» وللدكتور فتحي عبد الفتاح الدجني «أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي» في الكويت. توفي 69 هـ. الأعلام 3/ 36، 37. [ (1) ] مسعر بن كدام، بكسر أوله وتخفيف ثانيه، ابن ظهير، الهلالي، أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل، من السابعة، مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين. التقريب 2/ 243. [ (2) ] وهب بن زمعة بن أسد، من أشراف بني جمح بن لؤي بن غالب، من قريش: أحد الشعراء العشاق المشهورين. من أهل مكة. قال المرتضى: هو «من شعراء قريش، وممن جمع إلى الطبع التجويد» . له مدائح في معاوية وعبد الله بن الزبير. وأخبار كثيرة مع عمرة الجمحية وعاتكة بنت معاوية. في شعره رقة وجزالة. وله «ديوان شعر» من رواية الزبير بن بكار. وكان صالحا. ولاه عبد الله الزبير بعض أعمال اليمن، وتوفي بعليب بتهامة. توفي سنة 63 هـ. انظر الأعلام 8/ 125.

وقيل سموا قريشاً لأنهم كانوا يتّجرون ويأخذون ويعطون، من قولهم قرش الرجل يقرش إذا اتّجر وأخذ وأعطى وقيل إنما سميت قريشاً من الإقراش وهو وقوع الرايات والرماح بعضها على بعض. وقيل إنها سميت قريشاً من التقريش وهو التحريش. حكاه ابن الأنباري. [وقيل: من تزيين الكلام وتحسينه] . قال الزجاجي [ (1) ] : وهو بعيد لأن المعروف في اللغة أن التقريش هو التحريش لا أن التقريش هو تزيين الكلام وتحسينه. وقيل إنما سميت قريشاً، من التقريش وهو التفتيش، لأنهم كانوا يفتشون عن ذي الخلّة ويسدّون خلته. ذكره بعض العلماء. وقيل إنما سميت قريشاً بقريش ابن بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة، فكان دليل بني النضر وصاحب مبرتهم [ (2) ] ، وكانت العرب تقول: قد جاءت عير قريش، وخرجت عير قريش. نقله أبو عمرو وغيره. وهو ما يعضّد قول ابن إسحاق. وقيل إنما سميت قريشاً لما جمعهم قصي بن كلاب حين قدم مكة كما تقدم، والتقرش: التجمع. نقله أبو عمرو وغيره. إذا علم ذلك: فقريش فرقتان: بطاح. وظواهر. فقريش البطاح: من دخل مكة مع قصيّ الأبطح. والظواهر: من أقام. بظواهر مكة ولم يدخل الأبطح ولهذا مزيد بيان في اسمه الأبطحي صلى الله عليه وسلّم. والنسبة إلى قريش: قرشي وقريشي والثاني هو القياس. واختلف القائلون أن فهراً هو قريش. هل الأول اسم، والثاني لقب؟ أو بالعكس. قولان رجّح الزبير وغيره أن فهراً لقب وأن الاسم الذي سمّته به أمه: قريش. والله تعالى أعلم. وله من الذكور سبعة: غالب، والحارث، وأسد، وعوف، وريث، وجون ومحارث. ومن الإناث واحدة وهي جندلة. ابن مالك مالك: اسم فاعل من ملك يملك فهو مالك. وجمعه ملاّك وملّك.

_ [ (1) ] يوسف بن عبد الله الزجاجي الجرجاني أبو القاسم أديب لغوي محدث. نسبته إلى عمل الزجاج وبيعه أخذ عن أبي أحمد الغطريفي وأبي إسحاق البصري وغيرهما وتوفي بأستراباد. من كتبه عمدة الكتاب وعدة ذوي الألباب واشتقاق الأسماء وشرح الفصيح 8/ 239. توفي 415 هـ. [ (2) ] في أ: سيرتهم.

ويكنى أبا الحارث وأمه عاتكة. ولقبها عكرشة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة. وقيل: عرابة بنت سعد القيسية. وقيل غير ذلك. ولم يكن له من الولد غير فهر. ومن حكمه: ربّ صورة تخالف المخبرة، قد غرّت بجمالها، واختبر قبيح أفعالها فاحذر الصّور، واطلب الخبر. ابن النضر النّضر: بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة ثم راء واسمه قيس، ولقّب النّضر لنضارة وجهه وجماله، منقول من النضر اسم للذهب الأحمر، ويكنى أبا يخلد بمثناة تحتية مفتوحة فخاء معجمة فلام مضمومة فدال مهملة. وله من الذكور: مالك ويخلد. وبه كان يكنى، والصّلت وأمّه برة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. قال السهيلي: خلف عليها كنانة بعد أبيه فولدت له النضر بن كنانة وكان ذلك مباحاً في الجاهلية بشرع متقدّم ولم يكن من المحرّمات التي انتهكوها ولا من العظائم التي ابتدعوها، لأنه أمر كان في عمود النسب. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا من نكاح لا من سفاح» . وكذلك قال تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ أي ما قد سلف من تحليل ذلك قبل الإسلام وفائدة الاستثناء أنه لا يعاب نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وليعلمه إنه لم يكن في أجداده من كان لغيّة ولا من سفاح، ألا ترى أنه لم يقل لشيء نهى عنه في القرآن إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ نحو قوله وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ولم يقل إلا ما قد سلف. ولا في شيء من المعاصي التي نهي عنها إلا في هذه الآية. وفي الجمع بن الأختين، لأن الجمع بين الأختين قد كان مباحاً أيضاً في شرع من قبلنا، وقد جمع يعقوب صلى الله عليه وسلم بين راجيل أي بالجيم وأختها ليّا. فبقوله إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ التفات في هذه المعنى وتنبيه على هذا المغزى وهذه النكتة تلقّيتها من شيخنا الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن العربي رحمه الله تعالى. انتهى. وتبعه على ذلك أبو الرّبيع وزاد أن عادة أهل الجاهلية إذا مات الرجل خلف على زوجته بعده أكبر بنيه من غيرها إلى آخره. قال في المورد: ولما وقفت على هذا القول أقمت مفكراً مدة، لكون برّة المذكورة كانت زوجاً لخزيمة بن مدركة. فتزوجها بعده ولده كنانة بن خزيمة فجاء له منها النضر ابن كنانة، وأن هذا وقع في نسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

وروينا من طريق المدائنيّ [ (1) ] عن أبي الحويرث، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح أهل الإسلام» ويقول ابن الكلبي رحمه الله تعالى إنه كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فلم يجد فيها شيئاً مما كان من أمر الجاهلية. ثم رأيت أبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ [ (2) ] رحمه الله تعالى قد ذكر في كتاب له سمّاه كتاب «الأصنام» قال فيه: وخلف كنانة بن خزيمة على زوجة أبيه بعد وفاته وهي برّة بنت أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر وهي أمّ أسد بن الهون بن خزيمة. ولم تلد لكنانة ولداً ذكراً. ولكن كانت بنت أخيها وهي برة بنت مر بن أد بن طابخة، أخت لجشم بن مر، عند كنانة بن خزيمة، فولدت له النضر بن كنانة. وإنما غلط كثير من الناس لمّا سمعوا أن كنانة خلف على زوجة أبيه، ولاتفاق اسمهما وتقارب نسبهما وقع هذا الذي عليه مشايخنا وأهل العلم بالنسب. قال: ومعاذ الله أن يكون أصاب نسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقت نكاح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زلت أخرج من نكاح كنكاح الإسلام حتى خرجت من أبي وأمي» قال: فمن اعتقد غير هذا فقد كفر وشك في هذا الخبر. ونقل في الزّهر كلام الجاحظ وفيه أن برّة كانت بنت أدّ بن طابخة التي خلف عليها كنانة ماتت ولم تلد له فتزوج بعدها بابنة أخيها برّة، فأولدها أولادا. انتهى. قال في الزهر: وهذا هو الصواب. وقال بعد ذلك في موضع آخر: وإن خلافه غلط ظاهر، لأنه مصادم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لم يجمع الله أبويّ على سفاح قط» وهذا سفاح بإجماع، ولا يعتقد هذا في نسبه الطاهر أحد من المسلمين. ثم قال: وهذا الذي يثلج به الصدر ويذهب به وحره ويزيل الشكّ ويطفئ شرره. قلت: وما ذكره الجاحظ من النفائس التي يرحل إليها. وقد قدمنا في طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم ما يؤيد ذلك. والسهيلي رحمه الله تعالى تبع في ذلك الزبير، والزبير كأنه تبع الكلبي، والكلبي ذكر ذلك كما نقله عنه البلاذريّ، والكلبي متروك، ولو نقل ذلك ثقةٌ لم يقبل قوله

_ [ (1) ] علي بن محمد بن عبد الله، أبو الحسن المدائني: راوية مؤرخ، كثير التصانيف، من أهل البصرة. سكن المدائن، ثم انتقل إلى بغداد فلم يزل بها إلى أن توفي. أورد ابن النديم أسماء نيف ومائتي كتاب من مصنفاته في المغازي، والسيرة النبوية، وأخبار النساء، وتاريخ الخلفاء، وتاريخ الوقائع والفتوح، والجاهليين، والشعراء، والبلدان. قال ابن تغري بردي: «وتاريخه أحسن التواريخ وعنه أخذ الناس تواريخهم» . بقي من كتبه «المردفات من قريش» ، و «التعازي» . توفي سنة 225 هـ. الأعلام 4/ 323. [ (2) ] عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ: كبير أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة. مولده ووفاته في البصرة. له تصانيف كثيرة، منها «الحيوان» «البيان والتبيين» و «سحر البيان» و «التاج» ويسمى أخلاق الملوك، و «البخلاء» و «المحاسن والأضداد» و «التبصر بالتجارة» . انظر الأعلام 5/ 74.

في ذلك لبعد الزمان وعدم المشاهدة ومخالفة الأحاديث السابقة في طهارة نسبه صلى الله عليه وسلّم. على أن الزمخشري جزم بأن الاستثناء في الآية إنما سيق للمبالغة في التحريم وسدّ الطرق إلى الإباحة لأن المعنى أن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه. فإنه لا يحل لكم غيره، من قبل أنه علّق نقيض المدّعى وهو إثبات الحل بالمحال وهو نكاح ما سلف، فيكون محالاً، وحينئذ فعدم الحل متحقق إذ ذاك، لا سيّما وقد أخبر عنه بأنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا، بخلاف الجمع بين الأختين فإنه مع ذكر الاستثناء فيه أيضاً وقع مقترناً بما يدل على أن ما وقع منه قبل كان مغفوراً حيث عقّب بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. وهذا كما في قوله: ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب فأكد المدح بما يشبه الذم، لأن المعنى أن كان فلول السيف عيباً فهو عيب، وليست بعيب لأنها من كمال الشجاعة فإثبات العيب على هذا التقدير تعليق بمحال، كما في قوله تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وعلى هذا جرى الإمام الطيبي [ (1) ] رحمه الله تعالى وبسط الكلام عليه، والله تعالى أعلم. ابن كنانة كنانة: بكسر الكاف ونونين مفتوحتين بينهما ألف ثم هاء منقول من الكنانة التي هي الجعبة بفتح الجيم وسكون العين المهملة، سمي بذلك لأنه كان ستراً على قومه كالكنانة الساترة للسهام. قال الزجاجي من أمثالهم: «قبل الرّماء تملأ الكنائن» . ويكنى أبا النضر وأمه عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويقال هند بنت عمرو بن قيس بن عيلان. وقال أبو الحسن سلام بن عبد الله بن سلاّم الإشبيلي. قال أبو عمرو رحمه الله تعالى: قال عامر العدواني لأبنه في وصيته: يا بني أدركت كنانة بن خزيمة وكان شيخاً مسنّاً عظيم القدر، وكانت العرب تحجّ إليه لعلمه وفضله، فقال: أنه قد آن خروج نبي من مكة يدعى أحمد، يدعو إلى الله وإلى البرّ والإحسان ومكارم الأخلاق، فاتّبعوه تزدادوا شرفاً وعزّاً إلى عزكم. قال أبو الربيع رحمه الله تعالى: أن كنانة رأى وهو نائم في الحجر فقيل له: تخيّر يا أبا

_ [ (1) ] الحسين بن محمد بن عبد الله، شرف الدين الطيبي: من علماء الحديث والتفسير والبيان. من أهل توريز، من عراق العجم. كانت له ثروة طائلة من الإرث والتجارة، فأنفقها في وجوه الخير، حتى افتقر في آخر عمره. وكان شديد الردّ على المبتدعة، ملازما لتعليم الطلبة والإنفاق على ذوي الحاجة منهم، آية في استخراج الدقائق من الكتاب والسنة، متواضعا، ضعيف البصر. من كتبه «التبيان في المعاني والبيان» و «الخلاصة في معرفة الحديث» و «شرح الكشاف» سماه «فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب» . توفي سنة 743 هـ. انظر الأعلام 2/ 256.

النضر بين الصّهيل والهدر وعمارة الجدر وعزّ الدهر. فقال: كلّ يا رب. فصار هذا كله في قريش. وله من الذكور: ملكان: بكسر الميم وسكون اللام والنضر. وهو المكنى به وعمرو وعامر. ابن خزيمة خزيمة: بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي منقول من مصغر خزمة بفتح الخاء وسكون الزاي وقيل من مصغر خزمة بكسر الخاء. فعلى الأول اختلف في الخزمة ما هي. فقيل هي: واحد الخزم وهو مثل الدّوم غير أنه أقصر وأعرض وأعبل وله أقناء وبسر يسودّ إذا أينع، لأنه صغير معرفص، يتخذ من سعفه الحبال ويصنع من أسافله خلايا للنحل، وله ثمر لا يأكله الناس ولكن تألفه الغربان وتستطيبه. قاله أبو حنيفة الدينوري رحمه الله تعالى. وقيل: الخزمة خوصة المقل. حكاه الزجّاج رحمه الله تعالى. وقيل هي مصدر للمرّة من الخزم. وهو شدّ الشيء وإصلاحه حكاه السهيلي. وقيل إنما هي من الخزم وهو من الشك يقال شراك مخزوم ومشكوك. حكاه الزجاجي أيضاً. وعلى الثاني فالخزامة قيل هي برة في أنف البعير يشد بها الزمام. وقيل إنما هي الحلقة التي تجعل في أنف البعير من شعر ونحوه، قال في «الغرر المضيّة» ولم أر من تعرض لوجه المناسبة للنقل مما ذكر، لكن قد يقال إن الانتقال لا يراعى فيه ذلك. بخلاف الألقاب. ويكنى أبا أسد. وأمه سلمى بنت أسلم بن الحاف بن قضاعة، وقيل سلمى بنت أسد ابن ربيعة. وله من الذكور أربعة: كنانة وأسد المكنى، وأسدة وهو رجل. وعبد الله، والهون بضم الهاء. قال البلاذريّ: وأمهم برّة بنت مر بن أد بن طابخة أخت تيم بن مرة وكانت له على الناس مكارم أخلاق وأفضال بعدد الزمان حتى قيل فيه: أمّا خزيمة فالمكارم جمّةٌ ... سبقت إليه وليس ثمّ عتيد وروى ابن حبيب بسند جيد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مات خزيمة على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. ابن مدركة مدركة: بضم الميم وإسكان الدال المهملة وكسر الراء وفتح الكاف ثم هاء مبالغة،

منقول من اسم فاعل من الإدراك. واسمه عمرو على الصحيح الذي قال به الكلبي والبلاذريّ وأبو عبيد القاسم بن سلاّم وابن دريد والمّبرد [ (1) ] . حتى بالغ الرضيّ الشاطبي وادّعى فيه الإجماع. وقال ابن إسحاق: عامر. وضعّف. وكنيته أبو هذيل ويقال له أبو خزيمة. والسبب في تلقيبه بذلك أن أباه إلياس خرج هو وبنوه مدركة وعمرو وعامر وعمير، وأمهم ليلى بنت حلوان بن الحاف في نجعة فنفرت إبلهم من أرنب فخرج إليها قال ابن السائب: عمرو. وقال الزبير: عامر فأدركها. وخرج عامر، وقال الزبير: عمرو: فاصطاد الأرنب فطبخها فسمى طابخة، وانقمع عمير فسمّى قمعة. وخرجت أمّهم ليلى متخندفة، والخندفة: مشىٌ فيه سرعة وتقارب الخطى. والنون زائدة. وعن الخليل أن الخندفة مشية كالهرولة للنساء خاصة دون الرجال. فقال لها إلياس أين تخندفين؟ فسميت خندف. وقال أبو محمد عبد الله البطليوسيّ [ (2) ] رحمه الله تعالى: مرّ عامر بالأرنب فقتلها فقال له أخوه عمرو: وأنا أطبخ صيدك. فطبخه عمرو وأدرك عامر الإبل فردها فحدّثا بها أباهما فقال: أدركت يا عامر ما أردنا ... وأنت ما أدركت قد طبخنا وقال لعمير: وأنت قد أسأت وانقمعنا قيل: ومن ذرية قمعة عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس، وهو الذي غيّر دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك. ابن إلياس الياس بهمزة وصل تفتح في الابتداء وتسقط في غيره، واللام فيه للتعريف وقيل للمح الصفة، مشتق من اليأس الذي هو ضد الرجاء وصححه السهيلي وقال ابن الأنباري: بهمزة قطع في الوصل والابتداء.

_ [ (1) ] محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد: إمام العربية ببغداد في زمنه، وأحد أئمة الأدب والأخبار. مولده بالبصرة ووفاته ببغداد. من كتبه «الكامل» و «المذكر والمؤنث» و «المقتضب» و «التعازي والمراثي» و «شرح لامية العرب- ط» مع شرح الزمخشري، و «إعراب القرآن» و «طبقات النحاة البصريين» و «نسب عدنان وقحطان- ط» رسالة. و «المقرب» . توفي 286 هـ. الأعلام 7/ 144. [ (2) ] عبد الله بن محمد بن السيّد، أبو محمد: من العلماء باللغة والأدب. ولد ونشأ في بطليوس في الأندلس. وانتقل إلى بلنسية فسكنها، وتوفي بها. من كتبه «الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، لابن قتيبة» و «المسائل والأجوبة» و «الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم» و «الحدائق» في أصول الدين، و «المثلث» في اللغة، كمثلثات قطرب. توفي سنة 521 هـ. الأعلام 7/ 95.

واختلف في اشتقاقه فقيل: من قولهم: رجل أليس وهو الشجاع الذي لا يفر. وقال البلاذري: أخبرني الأثرم عن أبي عبيدة قال: يقال للسلّ والنحافة: اليأس قال الشاعر: هو اليأس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عنّي لا يكن بك ما بيا قال: وقد يكون إلياس مشتقاً من قولهم: فلان أليس وهو الشديد المقدام الثابت القلب في الحروب. قال العجّاج: أليس يمشي قدماً إذا اذّكر ... ما وعد الصّابر من خيرٍ صبر وقال: الأثرم: حكى خالد بن كلثوم: الأسد أليس. وقال أليس: بيّن الليس. وجمع أليس ألياس. وقيل غير ذلك. والمعروف أن إلياس اسمه وحكى بعضهم أن اسمه حبيب وكنيته أبو عمرو. وأمّه: قيل من ولد معد بن عدنان وعليه فقيل هي الرّباب بنت حيدة بن معد بن عدنان. ذكره الطبري. وقيل هي الحنفاء بنت إياد: بن معد بن عدنان. نقله أبو الربيع عن الزبير وقيل جرهمية. ذكره ابن هشام ولم يسمّها. قال ابن الزبير: ولما أدرك إلياس أنكر على بني إسماعيل ما غيّروا من سنن آبائهم وسيرهم، وبان فضله عليهم وجمعهم رأيه ورضوا به فردّهم إلى سنن آبائهم، ولم تزل العرب تعظمه تعظيم أهل الحكمة، كتعظيمها لقمان وأشباهه. قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وهو وصي أبيه. وكان ذا جمال بارع. قال السّهيلي: ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسبّوا إلياس فإنه كان مؤمناً» انتهى. وسيأتي لهذا مزيد بيان في ترجمة مضر. وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلّم بالحجّ. وهو أول من أهدى إلى البيت البدن. قال ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما. ابن مضر مضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة. وهو غير مصروف للعلمية والعدل عن ماضر. لقب بذلك لأنه كان يضير قلب من رآه لحسنه وجماله. وقال القتبي: مشتق من المضيرة، أو من اللبن الماضر. والمضيرة شيء يصنع من اللبن. فسمي مضراً لبياضه. واسمه عمرو. وكنيته أبو إلياس. وأمّه سودة بنت عكّ بن عدنان. وكان يقال له مضر الحمراء، قيل: لأن العرب تسمي الأبيض الأحمر. قاله السهيلي. والذي ذكره ابن جرير والماوردي والزبير والبلاذري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نزاراً أباه لما حضرته الوفاة أوصى بنيه وهم: مضر وربيعة وإياد وأنمار فقال: هذه القبة- لقبة حمراء من أدم- وما

أشبهها من المال لمضر. وهذا الخباء الأسود وما أشبهه لربيعة. وهذه الخادم وكانت شمطاء وما أشبهها لإياد. وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه وقال البلاذري رحمه الله تعالى إنه أوصى له بحمار وفي ذلك قال الشاعر: نزارٌ كان أعلم إذ تولى ... لأيّ بنيه أوصى بالحمار وقال لهم: إذا أشكل عليكم الآمر في ذلك واختلفتم في القسمة فعليكم بالأفعى الجرهمي، وكان بنجران. فلما مات نزار اختلفوا وأشكل عليهم أمر القسمة فتوجهوا إلى الأفعى، فبينما هم في مسيرهم إليه إذ رأى مضر كلأً قد رعى فقال: إنّ البعير الذي رعى هذا لأعور. فقال ربيعة: وهو أزور. وقال إياد: وهو أبتر. وقال أنمار وهو شرود. فلم يسيروا إلا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعير فقال مضر: أهو أعور؟ قال: نعم. قال ربيعة: أهو أزور؟ قال: نعم. قال إياد: أهو أبتر؟ قال: نعم. قال أنمار: أهو شرود؟ قال: نعم هذه والله صفة بعيري دلّوني عليه فحلفوا له أنهم ما رأوه. فلزمهم وقال كيف أفارقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته؟ فساروا وسار معهم حتى قدموا نجران فنزلوا بالأفعى الجرهمي، فحاكمهم صاحب الجمل إلى الأفعى وقال: بعيري وصفوا لي صفته ثم قالوا لم نره. فقال لهم الأفعى: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال له مضر: رأيته يرعى جانباً ويترك جانباً فعرفت أنه أعور. وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتةً والأخرى فاسدة الأثر فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه وطلبه لازوراره وقال إياد: عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيّالاً لمصع به. وقال أنمار: عرفت أنه شرود بأنه كان يرعى في المكان الملتفّ نبته ثم يجوزه إلى مكان أرقّ منه وأخبث. وحلفوا أنهم ما رأوه. فقال الأفعى: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه. ثم سألهم من أنتم؟ فأخبروه فرحّب وقال: تحتاجون إليّ وأنتم في جزالتكم وصحة عقولكم وآرائكم على ما أرى؟!. ثم خرج عنهم وأرسل إليهم بطعام فأكلوا وبشراب فشربوا فقال مضر: لم أر خمراً أجود منها لولا أنها نبتت على قبر. وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحماً أطيب لولا أنه ربي بلبن كلب وقال إياد: لم أر كاليوم رجلاً أسرى لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعى له. وقال أنمار: لم أر كاليوم كلاماً أنفع في حاجتنا. وسمع الأفعى كلامهم فقال: ما هؤلاء الشياطين، ثم أتى أمّه فسألها فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلاً نزل بنا فجئت أنت منه. وقال للقهرماني: الخمر الذي شربنا ما أمرها؟ قال: من حبلة غرستها على قبر أبيك. وسأل الراعي عن اللحم فقال: شاة أرضعناها من لبن كلبة ولم يكن في الغنم غيرها.

فقيل لمضر: من أين عرفت الخمر. فقال: لأني أصابني عطش شديد. وقيل لربيعة من أين علمت اللحم؟ قال لأن لحم الكلب يعلو شحمه بخلاف لحم الشاة فإن شحمها يعلو لحمها. وقيل لإياد: من أين علمت أن نسبي لغير أبي؟ قال: لأنه وضع الطعام ولم تجلس معنا فيكون أصلك دنيئاً. فقال: قصوا عليّ قصتكم. فقصوا عليه ما أوصى به أبوهم وما كان من الاختلاف بينهم. ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر. فصارت إليه الدنانير والإبل، فسمى مضر الحمراء. قال: وما أشبه الخباء الأسود من دابة ومال فهو لربيعة فصارت إليه الخيل وهي دهم. فسمى ربيعة الفرس. قال: وما أشبه الخادم وكانت شمطاء من مال فيه بلق فهو لإياد فصارت الماشية البلق له فقيل إياد الشمطاء. وقضي لأنمار بالدراهم والأرض فساروا من عنده وهم على ذلك. قال محمد بن السائب فيما رواه البلاذري عنه: ومضر أول من حدا للإبل وكان سبب ذلك أنه سقط من بعيره وهو شاب فانكسرت يده فقال: يا يداه يا يداه فأتت إليه الإبل من المرعى فلما صح وركب حدا، وكان من أحسن الناس صوتاً. قال البلاذري: وقيل بل كسرت يد مولى له فصاح فاجتمعت عليه الإبل فوضع الحداء وزاد الناس فيه قال السهيلي وفي الحديث: «لا تسبّوا ربيعة ومضر فإنهما كانا مؤمنين» [ (1) ] . وروى ابن حبيب بسند جيد عن سعيد بن المسيب مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبّوا مضر فإنه كان على ملة إبراهيم» [ (2) ] ورواه الزبير والبلاذري بسند جيد عن الحسن مرسلا مثله. ورواه البلاذري عن عبيد الله بن خالد مرسلا نحوه. وروى ابن حبيب بسند جيد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مات أدد والد عدنان، وعدنان، ومعدّ، وربيعة، ومضر، وقيس عيلان وتيم وأسد وضبة وخزيمة على الإسلام على ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلّم. ومما يؤثر من حكم مضر: من يزرع شرا يحصد ندامة، وخير الخير أعجله، فاحملوا أنفسكم على مكروهها فيما يصلحكم، واصرفوها عن هواها فيما أفسدها، فليس بين الصلاح والفساد إلا صبر فواق. الفواق: قال في الصحاح ما بين الحلبتين من الوقت، لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدرّ ثم تحلب.

_ [ (1) ] انظر فتح الباري 7/ 146. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات بنحوه 1/ 1/ 30، وذكره المتقي الهندي في الكنز (33987) .

وله من الولد إلياس بالمثناة التحتية، والناس بالنون. قال الوزير المغربي: بتشديد السين المهملة، وهو عيلان بعين مهملة فمثناة تحتية. قال البلاذري: حضنه غلام لمضر يقال له عيلان فسمي به، فقيل لابنه قيس بن عيلان بن مضر وهو قيس بن الناسّ وأمّهما الرّباب. وقال الجوّاني: قولهم قيس المراد به من ولد قيس بن عيلان بن مضر قال: ومن العلماء من يقول إن عيلان كان حاضناً لقيس وليس بإبن. فتقول قيس عيلان بن مضر فتضيفه إليه كما قيل في قضاعة سعد هذيم. وهذيم حاضنه. والأول أصح وهذه روايتنا عن شيوخنا. ابن نزار نزار بكسر النون وتخفيف الزاي. قال أبو الفرج الأمويّ: مأخوذ من التّنزّر لأنه كان فريد عصره. وقال السهيلي: من النّزر وهو القليل، لأن أباه حين ولد له ونظر إلى النور بين عينيه وهو نور النبوة الذي كان ينقل في الأصلاب، فرح به فرحاً شديداً ونحر وأطعم شيئاً كثيراً وقال: هذا نزر قليل في حق هذا المولود. فسمي نزاراً لذلك. وقال الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله تعالى في كتاب «أعلام النبوة» له: إن نزاراً كان اسمه خلدان وكان مقدّماً وانبسطت له اليد عند الملوك، وكان مهزول البدن. فقال له ملك الفرس: مالك يا نزار؟ قال وتفسيره في لغة الفرس: يا مهزول. فغلب عليه هذا الاسم. قال العلامة المحب ابن شهاب الدين بن الهائم: وهو غريب جداً. وكنيته أبو إياد. وقيل أبو ربيعة. وأمّه معانة بعين مهملة فنون بنت جوشم بجيم وزن جعفر. وقيل اسمها عنّة بفتح العين المهملة وتشديد النون بنت جوشن بنون بدل الميم. وقيل في اسمها غير ذلك واتفقوا على أنها جرهمية. ابن معد معدّ: بفتح الميم والعين وتشديد الدال المهملتين، وفيما هو منقول منه أقوال: أحدها أن يكون مفعلاً بفتح العين من قولك عددت الشيء أعده عدّاً. حكاه ابن الأنباري والزجاجي عن قطرب [ (1) ] . الثاني: أن يكون فعلاً بفتح العين من قول العرب معد الرجل في الأرض إذا ذهب. فيما حكاه الزجاجي في مختصر الزاهر وحكاه أيضاً السهيلي، إلا أنه فسر قولهم معد في الأرض

_ [ (1) ] محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي، الشهير بقطرب: نحوي، عالم بالأدب واللغة، من أهل البصرة. من الموالي. كان يرى رأي المعتزلة النظامية. وهو أول من وضع «المثلث» في اللغة. وقطرب لقب دعاه به أستاذه «سيبويه» فلزمه. وكان يؤدب أولاد أبي دلف العجلي. من كتبه «معاني القرآن» و «النوادر» و «الأزمنة» وغير ذلك توفي سنة 206 هـ. الأعلام 7/ 95.

بأفسد فيها. قال السهيلي: وإن كان ليس من الأسماء غير الأعلام ما هو على وزن فعل إلا مع التضعيف فإن التضعيف يدخل في الأسماء ما ليس منها. كما قالوا: شمّر وقشعريرة ونحو ذلك. الثالث: أن يكون من المعد وهو موضع رجل الفارس من الفرس وموضع رجل الراكب من المركوب. حكاه الزجاجي في مختصر الزاهر. وحكى السهيلي نحوه عن ابن الأنباري، إلا أنه قال من المعدين وهما موضع عقبي الفارس من الفرس. قال السهيلي: وأصله على القولين الأخيرين من المعد بسكون العين وهي القوّة. ومنه اشتقاق المعدة. وذكر الزجاجي نحوه فقال: ويجوز أن يكون من قول العرب: قد تمعدد الرجل إذا قوي واشتد وقال أبو الفتح بن جنّي في شرح تصريف أبي عثمان المازني: ويقال تمعدد الغلام إذا صلب واشتد. وقد يكون تمعدد بمعنى خطب وتعبّد وتكلم. وأنشد قول الراجز: ربّيته حتّى إذا تمعددا ... وصار نهداً كالحصان أجردا وكان جزائي بالعصا أن أجلدا [ (1) ] . قال: وقال عمر رضي الله تعالى عنه: «اخشوشنوا وتمعددوا» أي كونوا على خلق معد. وكنيته أبو قضاعة. وقيل أبو نزار. وأمه مهدد بنت اللهم بكسر اللام وسكون الهاء ويقال بالحاء بدل الهاء بن حجب بجيم مفتوحة فحاء مهملة ابن جديس. وقال بعضهم هي من طسم. قال البلاذري والأول أثبت. جديس بالجيم والدال المهملة كأمير طسم بالطاء والسين المهملتين كغلس، قبيلة من عادٍ انقرضوا. ولما كان زمان بخت نصّر كان لمعدّ بن عدنان ثنتا عشرة سنة. قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: أوحى الله تعالى في ذلك الزمان إلى أرميا بن خليقا أن اذهب إلى بخت نصر فأعلمه أني قد سلّطته على العرب واحمل معدّا على البراق كيلا تصيبه النقمة منهم، فإني مستخرج من صلبه نبياً كريماً أختم به الرسل. فاحتمل معدّا على البراق إلى أرض الشام فنشأ في بني إسرائيل وتزوج هناك امرأة يقال لها معانة بنت جوشن. وقيل إنما حمل معد إلى أرض العراق. وقال الماوردي في كتابه أعلام النبوة: إن بخت نصر أراد قتل معدّ حين غزا بلاد العرب

_ [ (1) ] في أ: وكان جزائي بالغضا أن يعتوي.

فأنذره نبي من أنبياء الله تعالى كان في وقته بأن النبوة في ولده. فاستبقاه وأكرمه. وروى أبو الربيع غير ذلك من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أنه لما غزا بخت نصر العرب بعث الله تعالى ملكين فاحتملا معداً، فلما أدبر الأمر ردّاه فرجع موضعه من تهامة بعد ما رفع الله تعالى بأسه عن العرب فكان بمكة وناحيتها مع أخواله من جرهم وبها يومئذ بقية هم ولاة البيت يومئذ. فاختلط بهم يومئذ وناكحهم. وقيل إنما المحمول عدنان قال أبو الربيع. والصحيح الأول. واختلف في ولد معدّ. فقال عبد الملك بن حبيب: إنهم سبعة عشر رجلاً درج منهم بلا عقب تسعة وأعقب ثمانية. فالذين أعقبوا: قضاعة بضم القاف وهو بكر والده واسمه عمرو ولقب قضاعة لمّا تقضّع عن قومه أي بعد. ونزار، وإياد الأكبر وحيدان، بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وعبيد وهو الرمّاح. وجتيد بجيم مضمومة فتاء مثناة فوقية فتحتية ساكنة فدال مهملة. وسليم وقنص وكلهم انتقلوا إلى اليمن إلا نزاراً. وقيل في عددهم غير ذلك. وروى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لما بلغ ولد معد بن عدنان أربعين رجلاً وقعوا في عسكر موسى فانتهبوه، فدعا عليهم موسى عليه الصلاة والسلام فأوحى الله تعالى إليه لا تدعُ عليهم فإن منهم النبيّ الأميّ النذير البشير، ومنهم الأمة المرحمة أمة محمد يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى منهم بالقليل من العمل فيدخلهم الجنة بقول لا إله إلا الله، نبيهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المتواضع في هيبته المجتمع له اللين في سكوته، ينطق بالحكمة ويستعمل الحلم، أخرجته من خير جيل من أمة قريش، ثم أخرجته من صفوة قريش فهو خيرٌ من خير إلى خير هو وأمته إلى خير يصيرون» [ (1) ] . وروى الزبير بن بكار عن مكحول رحمه الله تعالى قال: أغار الضّحّاك بن معدّ على بني إسرائيل في أربعين رجلا من بني معدّ عليهم دراريع الصوف خاطمي خيلهم بحبال الليف، فقتلوا وسبوا وظفروا. فقالت بنو إسرائيل: يا موسى إن بني معدّ أغاروا علينا وهم قليل فكيف لو كانوا كثيراً وأغاروا علينا وأنت بيننا فادع الله عليهم فتوضأ موسى وصلى، وكان إذا أراد حاجة من الله صلى ثم قال: يا رب إن بني معدّ أغاروا على بني إسرائيل فقتلوا وسبوا وظفروا وسألوني أن أدعوك عليهم فقال الله: يا موسى لا تدع عليهم فإنهم عبادي وإنهم ينتهون عند أول أمري، وإن فيهم نبياً أحبه وأحب أمّته قال: يا رب ما بلغ من محبتك له؟ قال: أغفر له ما تقدم من ذنبه

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 221 وعزاه للطبراني وقال: وفيه الحسن بن فرقد وهو ضعيف.

وما تأخر. قال: يا رب ما بلغ من محبتك لأمته قال: يستغفرني مستغفرهم فأغفر له ويدعوني داعيهم فأستجيب له قال: يا رب فاجعلني منهم قال: تقدمت واستأخروا. فائدة: قال النحويون الأغلب على معدّ وقريش وثقيف التذكير والصرف. ابن عدنان بفتح العين وإسكان الدال المهملتين ثم نونين بينهما ألف: مأخوذ من عدن بالمكان إذا أقام به. حكاه ابن الأنباري والزجاجي وغيرهما. وكنيته أبو معدّ قال البلاذريّ ويقال إن أول من كسا الكعبة عدنان، كساها أنطاع الأدم. وله من الولد معدّ والدّيث بدال مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فمثلثة. وأبي وألعيّ بهمزة وعين مهملة مفتوحتين وسكون المثناة التحتية وبعضهم يقول بكسر العين وتشديد الياء والثبت الأول. وعديّ بضم العين وفتح الدال المهملة مصغراً، كذا وجدته في نسخة صحيحة مقروءة مقابلة على عدة نسخ من تاريخ البلاذري. وذكر السهيلي عدن بن عدنان وقال: وإليه تنسب عدن ونازعه في الزهر في ذلك، وقال إنها منسوبة إلى غيره فالله تعالى أعلم. والحارث والمذهب ولذلك يقال في المثل: أجمل من المذهب. وذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى من ولد عدنان عكّاً ونوزع في ذلك بأمرين: أحدهما أن عدنان والد عكّ بفتح العين وهو ابن عبد الله بن الأزد. وقال ابن المعلّى في كتاب الترقيص: وعلى ذلك علماء عكّ والثاني على تقدير تسليم ما ذكره ابن إسحاق: ليس عكّ ابناً لصلب عدنان إنما هو على ما ذكره الكلبي والبلاذري في آخرين: عك واسمه الحارث بن الدّيث بن عدنان. تنبيه: قد قدّمنا أن ما سبق هو النسب الصحيح المجمع عليه في نسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما بين عدنان إلى إسماعيل فيه اضطراب شديد واختلاف متفاوت حتى أعرض الأكثر عن سياق النسب بين عدنان وإسماعيل. ولكن لا خلاف أن عدنان من ذرية إسماعيل. وإنما الخلاف في عدد ما بينهما. وقد اختلف النسّابون في ذلك، فذهب جماعة إلى إنه لا يعرف. ومما استدلوا به ما رواه ابن سعد إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد، ثم يمسك ثم يقول: كذب النسّابون وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لو شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه لعلمه.

وأجيب بأن هشاماً وأباه متروكان. وقال السّهيلي: الأصح في هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود. والقائلون: بأنه معروف اختلفوا فقيل: بين عدنان وإسماعيل أربعة وقيل: سبعة وقيل: ثمانية. وقيل: تسعة. وقيل: عشرة. وقيل: خمسة عشر. وقيل: عشرون. وقيل: ثلاثون: وقيل: ثمانية وثلاثون. وقيل: تسعة وثلاثون. وقيل: أربعون. وقيل: أحد وأربعون. وقيل: غير ذلك وبسط الكلام على ذلك ابن جرير وابن حبّان وابن مسعود في تواريخهم وغيرهم ولا حاجة بنا إلى ذلك. وقال الحافظ رحمه الله تعالى: الذي ترجّح في نظري أن الاعتماد على ما قال ابن إسحاق أولى. قلت: وصححه أبو الفضل العراقي في ألفيّة السيرة. قال الحافظ: وأولى منه ما رواه الطبراني والحاكم عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: معد بن عدنان بن أدد بن زند بن اليرى بن أعراق الثّرى. قالت: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً [الْأُولى] وَثَمُودَ ... وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً لا يعلمهم إلا الله تعالى. قالت: وأعراق الثرى: إسماعيل. وزند: هميسع. ويرى: نبت. قلت: وصححه الحاكم وأقره الذهبي. وقال الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد (انتهى) رواه الطبراني في الصغير وفيه عبد العزيز بن عمران [ (1) ] من ذرية عبد الرحمن ابن عوف [ (2) ] وقد ضعّفه البخاري وجماعة، وذكره ابن حبان في الثقات انتهى. وزند والد أدد بزاي معجمة فنون فدال مهملة قال الدارقطني رحمه الله تعالى: لا نعلم زنداً إلا في هذا الحديث وزند بن الجون وهو أبو دلامة [ (3) ] الشاعر. واليرى بمثناة تحتية فراء

_ [ (1) ] عبد العزيز بن عمران الزهري المدني، وهو عبد العزيز بن أبي ثابت. عن جعفر بن محمد، وأفلح بن سعيد. وعنه إبراهيم بن المنذر، وأبو حذافة السّهمي. قال البخاري: لا يكتب حديثه. وقال النسائي وغيره: متروك. وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: فابن أبي ثابت عبد العزيز بن عمران ما حاله؟ قال: ليس بثقة، إنما كان صاحب شعر، وهو من ولد عبد الرحمن بن عوف. انظر ميزان الاعتدال 2/ 632، 633. [ (2) ] عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة الزهري أبو محمد المدني شهد بدرا والمشاهد له خمس وستون حديثا. وهو أحد العشرة وهاجر الهجرتين قال خليفة: مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث ودفن بالبقيع. وزاد بعضهم وهو ابن خمس وسبعين سنة. الخلاصة 2/ 147، وسيأتي في المناقب. [ (3) ] زند بن الجون الأسدي، بالولاء، أبو دلامة: شاعر مطبوع، من أهل الظرف والدعابة، أسود اللون، جسيم وسيم. كان أبوه عبدا لرجل من بني أسد وأعتقه. نشأ في الكوفة واتصل بالخلفاء من بني العباس، فكانوا يستلطفونه ويغدقون عليه صلاتهم، وله في بعضهم مدائح. وكان يتهم بالزندقة لتهتكه، وأخباره كثيرة متفرقة. توفي سنة 161 هـ، انظر الأعلام 3/ 49، 50.

خفيفة مفتوحين قال الحافظ في التبصير: واليرى: شجر طيّب الرائحة. انتهى. والثّرى: بمثلثة فراء لقب إسماعيل لقب بذلك لأنه ابن إبراهيم، وإبراهيم لم تأكله النار، كما أن النار لا تأكل الثرى والله تعالى أعلم. قال الحافظ رحمه الله تعالى: فعلى هذا يكون معد بن عدنان كما قال بعضهم: كان في عهد موسى لا في عهد عيسى صلى الله عليه وسلم، وهذا أولى، لأن عدد الآباء بين نبينا وبين عدنان نحو العشرين فيبعد كل البعد مع كون المدة التي بين نبينا وبين عيسى كانت ستمائة سنة مع ما عرف من طول أعمارهم أن يكون معد في زمن عيسى. وإنما رجّح من رجح كون بين عدنان وإسماعيل العدد الكثير استبعادهم أن يكون بين معد وهو في عصر عيسى بن مريم وبين إسماعيل أربعة آباء أو خمسة مع طول المدة، وما فرّوا منه وقعوا في نظيره كما أشرت إليه. والأقرب: ما حرّرته وهو إن ثبت أن معد بن عدنان كان في زمن عيسى فالمعتمد أن يكون بينه وبين إسماعيل العدد الكثير من الآباء، وإن كان في زمن موسى فالمعتمد أن ما بينهما العدد القليل. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى. وقد تقدم في ترجمة معدّ أن أولاده أغاروا على عسكر موسى عليه الصلاة والسلام. قال السهيلي: وحديث أم سلمة أصح شيء روي في هذا الباب. ثم قال: وليس هو عندي بمعارض لما تقدم من قوله: «كذب النسابون» ولا لقول عمر، لأنه حديث متأوّل يحتمل أن يكون قوله ابن اليرى بن أعراق الثرى كما قال: «كلكم بنو آدم وآدم من تراب» لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه، ولا بد من هذا التأويل أو غيره، لأن أصحاب الأخبار لا يختلفون في بعد المدة بين عدنان وإبراهيم، ويستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو سبعة كما ذكر ابن إسحاق، أو عشرة أو عشرون، فإن المدة أطول من ذلك كله. وذلك أن معد بن عدنان كان في مدة بخت نصّر ابن اثنتي عشرة سنة. قال الطبري. قلت: وإذا تأملت الكلام السابق للحافظ تبيّن لك الجواب عن السهيلي. قال الجوّاني رحمه الله تعالى: وسبب الخلاف في النسب أنه قد جاء أن العرب لم يكونوا أصحاب كتب يرجعون إليها، وإنما كانوا يرجعون إلى حفظ بعضهم من بعض، فمن ذلك حدث الاختلاف. انتهى. وإذا علم ما تقرّر فهذه فوائد تتعلق بالأسماء الآتية: الأولى: قال ابن دريد: ما بعد عدنان أسماء سريانية لا يوضّحها الاشتقاق. الثانية: قال الحافظ محمد بن علي التوزري الشهير بابن المصري رحمه الله تعالى في شرحه على القصيدة الشقراطيسية وهو في ست مجلدات كبار في وقف خزانة المحمودية: ما

كان من هذه الأسماء العجمية على أربعة أحرف فصاعداً فلا خلاف أن منعه من الصرف للعجمة والتعريف. وما كان منها على ثلاثة أحرف فإما أن يكون متحرك الوسط فحكمه حكم الأول، وإما أن يكون ساكن الوسط كنوح ويرد فحكمه الصرف على المشهور. الثالثة: قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق نسب سيدنا إبراهيم إلى نوح صلى الله عليهما وسلم كما سيأتي: لا يختلف جمهور أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك إلا في النطق ببعض هذه الأسماء. نعم ساق ابن حبان في أول تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ انتهى. وقال ابن دريد: في كتاب الاشتقاق: وأما نسب إبراهيم إلى آدم عليهما الصلاة والسلام فصحيح لا خلاف فيه لأنه منزّل في التوراة مذكور فيها نسبهم ومبلغ أعمارهم. وقال الجوّاني في المقدمة: النسب فيما بين آدم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام صحيح لا خلاف فيه بينهم ولا خلاف إلا في أسماء الآباء لأجل نقل الألسنة. الرابعة: اختلف العلماء في كراهة رفع النسب إلى آدم صلى الله عليه وسلم: فذهب ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما إلى جوازه، وأما الإمام مالك رضي الله تعالى عنه فسئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك، فقيل له: فإلى إسماعيل؟ فأنكر ذلك أيضاً. وقال: من يخبره به! وكره أيضاً أن يرفع في نسب الأنبياء: مثل أن يقول إبراهيم بن فلان بن فلان. قال: ومن يخبره به؟ لنقله في الروض عن كتاب عبد الله بن محمد بن حسين المنسوب إلى المعيطي. ابن أد أدّ بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة قال أبو عمر: كل الطرق تقول: عدنان بن أدد إلا طائفة فقالوا: عدنان بن أد بن أدد. قال في «الغرر» والظاهر أنه من مادة أدد. وأمّه النعجاء بنت عمرو بنت تبّع سعد ذي قائش الحميري. ابن أدد أدد بهمزة مضمومة ثم دالين مهملتين الأولى مفتوحة. وفي مادته وجوه: أحدها. فعل من الودّ قلبت واوه همزة لانضمامها أولا كما قيل في وجوه ووقت. ذكره جماعة. قال ابن السرّاج: وليس معد ولا كعمر. قال السهيلي: وهو ظاهر قول سيبويه. الثاني: أن يكون من الأد وهو من الأمر العظيم والداهية من قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. الثالث: أن يكون من قولهم: أددت الثوب إذا مددته. الرابع: أن يكون من قولهم أدّت الإبل: إذا خرجت. ذكره ابن الأنباري في الزهر والزجاجي في مختصره.

وعلى الوجه الثاني يجوز أن يكون من الأد بالفتح وقد قرئ به في الآية شاذاً وفسره أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى بالعظيم. وأمه حيّة بحاء مهملة فمثناة تحتية القحطانية قال الحافظ في التبصير: كل من جاء على هذه الصورة من النساء فهو بالياء المثناة من تحت إلا أخت يحي بن أكثم فإنها بالخاء المعجمة والنون، وإلا أم مريم ابنة عمران وإنها بالمهملة والنون. ابن اليسع اليسع باسم النبي المرسل. وقد قالوا فيه إنه بهمزة وصل تفتح في الابتداء ولام ساكنة ومثناة تحتية مفتوحة. ويقال اللّيسع بلام مشددة مفتوحة وياء ساكنة. وبذلك قرأ حمزة والكسائي وخلف في سورة الأنعام وص. وبالأول قرأ الجمهور وقال في المطالع: وهو اسم عجمي ممنوع من الصرف وقيل عربي وقيل له اليسع لسعة علمه أو لسعيه في الحق. ابن الهميسع الهميسع: قال الجوهري: الهميسع بالفتح: الرجل القوي. قال الجوّاني: بفتح الهاء على وزن السّميدع قال: وأكثر الناس يروونه بضم الهاء. والصواب الفتح. قال السهيلي، وتفسيره الضّراع. وأمه حارثة بنت مرداس بن زرعة ذي رعين الحميري. ابن سلامان سلامان: لم أقف له على ترجمة. ابن نبت نبت بفتح النون ويقال نابت. قاله الأمير أبو نصر بن ماكولا رحمه الله تعالى في باب نابت بن إسماعيل بن إبراهيم. قال: ويقال بل هو نابت بن سلامان بن حمل ابن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم. وهذا القول الأخير خلاف ما ذكره الجوّاني في النسب فإنه قال: عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت فقدم سلامان على نبت. وكذا نقله ابن الجوزي في التلقيح. وأمه هامة بنت زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ابن حمل حمل بفتح المهملة والميم آخره لام. وأمه العاضرية بنت مالك الجرهمي. ابن قيذار قيذار بالذال المعجمة ويقال قيذر بفتح الذال وضمها قال السهيلي: وتفسيره صاحب

الإبل وذلك أنه كان صاحب إبل إسماعيل. وقال في موضع آخر: وذكر من وجه قوي عن نسّاب العرب أن نسب عدنان يرجع إلى قيذار بن إسماعيل وأن قيذار كان الملك في زمانه ومعنى قيذار الملك إذا قهر. وقال الجواني: افترق ولد إسماعيل في أقطار الأرض فدخلوا في قبائل العرب. ودرج بعضهم فلم يثبت النسّابون لهم نسباً إلا ما كان من ولد قيذار، ونشر الله تعالى ذرية إسماعيل الذين تكلّموا بلسانه من ولد قيذار ابنه أبي العرب. وأمه: قال الجوّاني: هالة بنت الحارث بنت مضاض الجرهمي. وقيل غير ذلك. ابن مقوم مقوّم بضم الميم. واختلف في واوه، ففي نسخة صحيحة من السيرة قرئت على أبي محمد ابن النحاس راويها: على الواو شدة وفتحة وتحتها كسرة وفوق الواو بخط الجوّاني: معاً. وقال العسكري رحمه الله تعالى بفتح الواو وهكذا قرأته على ابن دريد بالفتح وقال التّوزري رحمه الله تعالى بكسر الواو. ابن ناحور ناحور: بنون وحاء مهملة من النحر إن كان عربياً. ابن تيرح تيرح بمثناة فوقية مفتوحة فتحتية مثناة ساكنة فراء مفتوحة مهملة وزن جعفر. قال السهيلي: وهو فيعل من الترحة إن كان عربياً والتّرح: ضد السرور. ويقال تارح بألف بدل الياء. ابن يعرب يعرب: بمثناة تحتية فعين مهملة ساكنة فراء مضمومة فباء موحدة غير مصروف. قال ابن دريد مشتق من قولهم أعرب في كلامه إذا أفصح. أو من قولهم أعرب عن نفسه إذا أفصح عنها وتعقّب بأن يعرب لا يكون من أعرب. ابن يشجب يشجب بمثناة تحتية مفتوحة فشين معجمة ساكنة فجيم مضمومة فباء موحدة قال الحافظ التوزري: من الشّجب وهو الهلاك وسمّي به لأن العرب تسمي بالألفاظ المكروهة تفاؤلاً بذلك للأعداء. ابن نابت نابت بالنون اسم فاعل من نبت.

ابن إسماعيل إسماعيل باللام وفيه لغة أخرى وهو إسماعين بالنون. حكاه الإمام النووي رحمه الله تعالى في تهذيبه. وهو نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم أرسله إلى أخواله من جرهم وإلى العماليق الذين كانوا بأرض الحجاز فآمن بعض وكفر بعض. وهو اسم أعجمي كسائر الأعلام الأعجمية. قال السهيلي رحمه الله تعالى: وتفسيره مطيع الله. قال صاحب القاموس في كتاب لغات القرآن المسمى بمطلع زواهر النجوم: وهو أول من سمّي بهذا الاسم من بني آدم، واحترزنا بهذا القيد عن الملائكة فإن فيهم إسماعيل وهو أمير الملائكة. قلت: أي ملائكة سماء الدنيا. كما سيأتي في باب سياق قصة المعراج. وتكلّف بعض الناس له اشتقاقا من سمع وتركيباً منه ومن إيل وهو اسم الله تعالى قال فإن وزنه إفعاليل فمعناه اسم الله تعالى أمره فقام به. والذي قال: إن وزنه فعاليل لأن أصله سماعيل قال لأنه سمع من الله تعالى قوله فأطاعه. قال في المطلع وله عشر خصائص: الأولى أن لغته كانت لغة العرب قلت: هو أول من نطق بالعربية المبينة. روى الزبير بن بكار وأبو جعفر النحاس في أدب الكاتب عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة» [ (1) ] . إسناده حسن كما في الفتح والزهر. وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حديث بدء أمر زمزم ونزول جرهم بأم إسماعيل: وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم الخ. وقد تقدم بتمامه. قال الحافظ: فيه إشعار بأن لسان أمه وأبيه لم يكن عربيا، وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية. وقد وقع ذلك في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند الحاكم في المستدرك بلفظ: «أول من نطق بالعربية إسماعيل» [ (2) ] ثم أورد الحافظ حديث عليّ السابق. ثم قال: وبهذا القيد- يعني إنه أول من تكلم بالعربية المبينة يجمع بين الخبرين فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة. ويكون بعد تعلّمه أصل

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في المزهر 1/ 34 وعزاه للشيرازي في كتاب الألقاب. [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 553 كتاب التاريخ وانظر المزهر للسيوطي 1/ 34.

العربية من جرهم ألهمه الله تعالى العربية الفصيحة البيّنة فنطق بها. ويشهد لهذا الجمع ما حكى ابن هشام رحمه الله تعالى عن الشرفيّ بن قطامي [ (1) ] أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم. ويحتمل أن تكون الأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية إخوته من ولد إبراهيم. فإسماعيل أول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم. ولهذا تتمة تأتي في اسم «العربي» . الثانية: أنه مركز نور النبي صلى الله عليه وسلّم. الثالثة: أنه ولد الخليل صلى الله عليه وسلم. الرابعة: أنه شريك أبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم في بناء البيت. الخامسة: أنه كان بكر الخليل صلى الله عليه وسلم. السادسة: أن إليه ترجع أنساب العرب. السابعة: أنه استسلم للذبح عند امتحان الله تعالى إياه. الثامنة: أنه فاز بخلعة: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. التاسعة: أن الله تعالى اصطفاه من ولد آدم. روى مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل» الحديث وتقدم بتمامه. العاشرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم افتخر به فقال: «أنا ابن الذبيحين» . قلت هو بهذا اللفظ في الكشاف وقال الزّيلعي [ (2) ] والحافظ كلاهما في تخريج أحاديثه: إنهما لم يجداه بهذا اللفظ. وسماه الله تعالى في القرآن باثني عشر اسماً: غلام، وعليم، وحليم، ومسلم، ومستسلم، وآمر وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وصابر سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ومرضيّ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا وصادق ورسول ونبي ومذكور وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ.

_ [ (1) ] الوليد بن حصين (الملقب بالقطامي) بن حبيب بن جمال، الكلبي، أبو المثنى: عالم بالأدب والنسب. من أهل الكوفة. استقدمه منها أبو جعفر المنصور، إلى بغداد ليعلّم ولده «المهدي» الأدب. وكان صاحب سمر. وروى نحو عشرة أحاديث ضعيفة. توفي 155 هـ. الأعلام 8/ 120. [ (2) ] عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي، أبو محمد، جمال الدين: فقيه، عالم بالحديث. أصله من الزيلع (في الصومال) ووفاته في القاهرة. من كتبه «نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية» في مذهب الحنفية، و «تخريج أحاديث الكشاف» . توفي سنة 762 هـ. الأعلام 4/ 147.

وكان أكبر من إسحاق صلى الله عليه وسلم. واختلف في الذبيح منهما. والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه إسماعيل صلى الله عليه وسلم. قلت: وقد بسط العلامة ابن القيم في كتابه «زاد المعاد» توجيه ذلك وردّ خلافه بأكثر من عشرين وجهاً. ولم يخرج من نسله نبيّ غير نبينا صلى الله عليه وسلم وأما خالد بن سنان [ (1) ] فإن كان في زمن الفترة فقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم إنه ليس بيني وبينه نبي» [ (2) ] انتهى. وإن كان قبلها فلا يمكن أن يكون نبياً لأن الله تعالى قال: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ وقد قال غير واحد، من العلماء، لم يبعث الله نبياً بعد إسماعيل في العرب إلا محمدا صلى الله عليه وسلم: ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله تعالى وقال الحافظ في الفتح: أن هذا الحديث أي الذي في الصحيح يضعف ما ورد في قصة خالد بن سنان، فإنه صحيح بلا تردد، وفي غيره مقال. أو المراد: إنه لم يبعث بشريعة مستقلة، وإنما بعث بتقرير شريعة عيسى. وأم إسماعيل: هاجر بالهاء ويقال آجر وهي قبطية. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن إبراهيم وسارة قدما أرض جبار أو ملك فقال إبراهيم لسارة: إنّ هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي وإنك أختي في الإسلام. فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار فقال: لقد قدم أرضك امرأةٌ جميلة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك وهي من أحسن الناس فأرسل إلى إبراهيم فسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي ثم رجع إليها فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذّبيني فأرسل إليها وقام إبراهيم إلى الصلاة فلما دخلت عليه قامت تتوضأ وتصلي فقالت، اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلّط عليّ هذا الكافر فلم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة وغطّ حتى ركض برجله فقالت: إن يمت يقال هي قتلته فأرسل وفي لفظ فقال: ادعى الله لي ولا أضرّك. فدعت فأطلق. ثم تناولها الثانية فقامت تتوضأ وتصلي وتقول: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلّط عليّ هذا الكافر فأخذ مثلها أو أشد وغطّ حتى ضرب برجله الأرض فقالت اللهم إن يمت يقال هي قتلته فأرسل وفي لفظ: فقال ادعى الله لي ولا أضرّك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته وفي لفظ: الذي جاء

_ [ (1) ] خالد بن سنان بن أبي عبيد بن وهب بن لوزان بن عبد ود بن ثعلبة الأوسي. قال العدوي: شهد أحدا واستشهد يوم الجسر. انظر الإصابة 2/ 92. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1837 كتاب الفضائل (145- 2365) .

بها فقال لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان ارجعوها إلى إبراهيم وأخرجها من أرضي وأعطها هاجر فرجعت إلى إبراهيم وهو قائم يصلي فأومأ بيده: مهيم. وفي لفظ مهيا. قالت أشعرت أن الله كبت الكافر؟ وفي لفظ: قالت: إن الله ردّ كيد الكافر في نحره وأخدم هاجر. رواه البخاري في مواضع صحيحة ومسلم والنسائي والبزار وابن حبان رحمهم الله تعالى [ (1) ] . قال الإمام النووي: كانت هاجر للجبار الذي كان يسكن عين الجرّ. قلت: قال الحازمي: هو بالجيم المفتوحة والراء المشددة انتهى. بقرب بعلبك. فوهبها لسارة، فوهبتها سارة لإبراهيم. قال السهيلي: وكانت قبل ذلك الملك الذي وهبها لسارة بنت ملك من ملوك القبط بمصر. ذكر الطبري من حديث سيف بن عمير أو غيره إن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه حين حاصر مصر قال لأهلها: إن نبينا قد وعدنا بفتحها وقد أمرنا أن نستوصي بأهلها خيرا فإن لهم نسباً وصهراً فقالوا: هذا نسب لا يحفظ حقه إلا نبي لأنه نسب بعيد، وصدق كانت أمكم امرأة الملك من ملوكنا فحاربنا أهل عين شمس وكانت علينا دولة فقتلوا الملك واحتملوها فمن هناك سيّرت إلى أبيكم إبراهيم أو كما قالوا. قال الحافظ رحمه الله تعالى: هاجر اسم سرياني ويقال أن أباها كان من ملوك القبط، وأنها من حفن بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء آخره نون: قرية بمصر. قال اليعقوبي [ (2) ] رحمه الله تعالى: كانت مدينة انتهى. وهي الآن كفر من عمل أنصنا بالبرّ الشرقي من الصعيد في مقابلة الأشمونين. وفيها آثار عظيمة باقية واسم الجبار المذكور عمرو بن امرئ القيس ابن سبأ وكان على مصر. ذكره السهيلي وهو قول ابن هشام في التيجان وقيل اسمه صادوف ذكره ابن قتيبة. وإنه كان على الأردن. وذكر ابن هشام في التيجان قائل ذلك رجل كان إبراهيم صلى الله عليه وسلّم يشتري منه القمح وأنه ذكر أنه رآها تطحن وأن هذا هو السرّ في إعطاء الملك لها هاجر وقال: إن هذه لا تصلح أن تخدم نفسها. واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم صلى الله عليه وسلم على التوصية بأنها أخته، مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها أختاً كانت أو زوجة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 446 كتاب أحاديث الأنبياء، ومسلم 4/ 1840 كتاب الفضائل (154- 2371) وأحمد في المسند 2/ 403. [ (2) ] أحمد بن إسحاق (أبي يعقوب) بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي: مؤرخ جغرافي كثير الأسفار، من أهل بغداد. كان جده من موالي المنصور العباسي. رحل إلى المغرب وأقام مدة في أرمينية. ودخل الهند. وزار الأقطار العربية. وصنف كتبا جيدة منها «تاريخ اليعقوبي» انتهى به إلى خلافة المعتمد على الله العباسي، وكتاب «البلدان» و «أخبار الأمم السالفة» و «مشاكلة الناس لزمانهم» اختلف المؤرخون في سنة وفاته، فقال ياقوت: سنة 284 ونقل غيره 282 وقيل 278 أو بعدها. انظر الأعلام 1/ 95.

تفسير الغريب

فقيل: كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج. كذا قيل. قال الحافظ: ويحتاج إلى تتمة: وهو إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما. وذلك أن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة لكن إن علم أن لها زوجاً في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه وحبسه وإضراره بخلاف ما إذا علم أن لها أخاً فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به وقيل أراد أن علم أنك زوجتي ألزمني بالطلاق. والتقرير الذي قررته جاء صريحاً عن وهب بن منبه. رواه عبد بن حميد في تفسيره. وذكر الحافظ زكي الدين المنذري [ (1) ] رحمه الله تعالى في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأي الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها فلذلك قال إبراهيم هي أختي لأنه إن كان عادلاً خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها، وإن كان ظالماً خلص من القتل وليس ببعيد مما قررته أولاً. وذكر ابن الجوزي نحو ما ذكره المنذريّ. تفسير الغريب قوله: فغطّ بضم الغين المعجمة على الصواب. والمراد بالشيطان هنا المتمرّد من الجن، وكانوا قبل الإسلام يعظمون أمر الجن ويرون كل ما يقع من الخوارق من فعلهم وتصرّفهم. مهيم: وفي لفظ: مهيا. وفي لفظ: مهين. ويقال إن الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أول من تكلم بهذه الكلمة. كبت بكاف فباء موحدة مفتوحتين فمثناة فوقية: أي ردّه الله خاسئاً يقال أصله كبد أي بلغ السهم كبده ثم أبدلت الدال مثناة فوقية. انتهى كلام الحافظ. ولإسماعيل صلى الله عليه وسلّم عدة أولاد غير من ذكر في عمود النسب. [ابن إبراهيم] إبراهيم نبي الله ورسوله وخليله أبو الأنبياء التي أتت بعده صلّى الله عليه وسلم وهو اسم أعجمي معناه أب راحم.

_ [ (1) ] عبد العظيم بن عبد القويّ بن عبد الله، أبو محمد، زكي الدين المنذري: عالم بالحديث والعربية، من الحفاظ المؤرخين. له «الترغيب والترهيب» و «التكملة لوفيات النقلة» و «أربعون حديثا» و «شرح التنبيه» و «مختصر صحيح مسلم» في الهند مع شرحه لصديق حسن خان، و «مختصر سنن أبي داود» أصله من الشام، تولى مشيخة دار الحديث الكاملية (بالقاهرة) وانقطع بها نحو عشرين سنة، عاكفا على التصنيف والتخريج والإفادة والتحديث. مولده ووفاته بمصر. وصنف محقق كتابه «التكملة» بشار عواد معروف، توفي سنة 656 هـ. الأعلام 4/ 30.

قال في المطلع: وأكثر المحققين على أنه اسم جامد غير مشتق. وقال بعض المتكلفين: إنه اسم مركب من البراء أو البرء أو البراءة ومن الهيمان أو الوهم أو الهمة فقالوا: برئ من دون الله فهام قلبه بذكره. وقال بعضهم: برئ من علة الزّلّة فهمّ بالحلول في محل الخلّة. وقيل: برأه الله في قالب القربة فهمّ بصدق النية إلى ملكوت الهمة قال بعضهم: وكنت بلا وجدٍ أموت من الهوى ... وهام عليّ القلب بالخفقان فلمّا أراني القلب أنّك حاضري ... شهدتك موجوداً بكلّ مكان وفيه لغات: إحداها إبراهيم بالياء بعد الهاء وهي اللغة المشهورة. وقرأه السبعة غير ابن عامر في جميع القرآن. الثانية إبراهام بالألف. وهي قراءة ابن عامر في مواضع من القرآن، الثالثة: إبراهوم بالواو. الرابعة أبرهم بفتح الهاء من غير ألف. نقله أبو حاتم السّجستاني قراءةً عن بعضهم، الخامسة: إبراهم بكسر الهاء من غير ياء وهي قراءة عبد الرحمن بن أبي بكر في جميع القرآن، السادسة: إبراهم بضم الهاء في جميع القرآن من غير ياء. وهذه اللغات الستة حكاها الفرّاء. السابعة: بإمالتها. الثامنة إبراهام. بإمالة الألف الثانية لا غير. وقرئ به شاذا. التاسعة إبرهم بحذف الألفين وفتح الهاء نقلها أبو عمرو الداني، عن قراءة عبد الرحمن ابن أبي بكر، والثعلبي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم أجمعين. قال في «المطلع» وجمع إبراهيم أباره وأباريه وأبارمة وأبارهة وبراهم وبراهيم وبراهمة وبراة وتصغيره: بريه. وقيل: أبيره وقيل بريهيم. وكنيته أبو الضّيفان. قال عكرمة وغيره: وهو أفضل الأنبياء بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما جزم به الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه وبرهن عليه وكذا غيره من الأئمة. وروى البزار واللفظ له والإمام أحمد والحاكم بسند على شرط مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خيار بني آدم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم. ومثل هذا لا يقال إلا عن توقيف فهو في حكم المرفوع وبه جزم الذهبي في عقيدته وشيخنا في النقاية.

واختلف في مولده فقيل ببرزة من غوطة دمشق. قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله تعالى: والصحيح أنه ولد بكوثا من إقليم بابل من أرض العراق. واسم أمه نوبا ويقال ليوثا وقيل غير ذلك. ولد على رأس ألفي سنة من خلق آدم وكان بين إبراهيم ونوح عشرة قرون. رواه الحاكم في المستدرك عن الواقدي. وكان يتكلم بالسريانية أولاً وإنما نطق بالعبرانية حين عبر النهر فارّاً من نمروذ. وهو بضم النون وآخره ذال معجمة، لا ينصرف للعجمة والعلمية. ولا تدخله الألف واللام. وروى الطبراني بسند رجال ثقاة عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين إبراهيم ونوح عشرة قرون» . وكان نمروذ قال للذين أرسلهم في طلبه: إذا وجدتم فتى يتكلم بالسريانة فردّوه. فلما أدركوه استنطقوه فحول الله لسانه عبرانياً وذلك من حين عبر النهر فسميت العبرانية بذلك. وأما السريانية فذكر ابن سلام أنها سميت بذلك لأن الله تعالى حين علّم آدم الأسماء علمه سراً من الملائكة وأنطقه بها حينئذ. وله عدة أولاد غير إسماعيل صلى الله عليه وسلم. قال في المطلع: وكان لإبراهيم صلى الله عليه وسلم في طريق الحق عشر مقامات نال بها غاية الكرامات. الأول: مقام الطلب: هذا رَبِّي. والثاني: مقام الدعوة وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ. الثالث: مقام الفضيلة وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى. الرابع: مقام الفقر والفاقة رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ. الخامس: مقام النعمة وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. السادس: مقام المغفرة وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ. السابع: مقام المحبة أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى. الثامن: مقام المعرفة وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. التاسع: مقام الهيبة إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ. العاشر: مقام الوارثة، وفي هذا المقام حصل له الاستغناء عن الواسطة فقال: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» . قال المؤرخون: هاجر إبراهيم من العراق إلى الشام وبلغ عمره مائة وخمساً وسبعين سنة وقيل مائتي سنة. ودفن في الأرض المقدسة وقبره مقطوع بأنه في تلك المربعة. ولا يقطع بقبر

نبيّ ومكانه غير قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومكان قبر إبراهيم أبيه صلى الله عليهما وسلّم. وكان أول من اختتن. روى ابن أبي شيبة وابن سعد وابن حبان والحاكم بسند صحيح من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة بالقدوم وعاش بعد ذلك ثمانين سنة. قال سعيد- رحمه الله تعالى-: وكان إبراهيم أول من اختتن وأول من رأى الشّيب فقال: يا رب ما هذا؟ فقال: وقار يا إبراهيم. قال: رب زدني وقاراً. وأول من أضاف الضيف، وأول من جزّ شاربه، وأول من قص أظافيره، وأول من استحدّ. ورواه ابن عدي والبيهقي مرفوعاً. وروى أبو يعلى وأبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمر أن يختتن وهو حينئذ ابن ثمانين سنة فعجل واختتن بالقدوم فاشتد عليه الوجع فدعا ربّه فأوصى الله إليه: إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته فقال يا ربي كرهت أن أؤخر أمرك. عليّ بالتصغير. ورباح بالموحدة. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» [ (1) ] . قال الحافظ: القدوم رويناه بالتشديد عن الأصيلي والفاسي- رحمهما الله تعالى- ووقع في رواية غيرهما بالتخفيف. قال النووي: لم يختلف الرواة عند مسلم في التخفيف. واختلف في المراد به فقيل: اسم مكان. وقيل: اسم آلة النجّار، فعلى الثاني هو بالتخفيف لا غير، وعلى الأول ففيه لغتان. هذا قول الأكثر. وعكسه الداودي. ثم اختلف فقيل: هي قرية بالشام. وقيل بلدة بالسّراة. والراجح أن المراد في الحديث الآلة. ثم ذكر أثر عليّ بن رباح. والذي في الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة قال الحافظ: وعند ابن حبان عنه مرفوعاً أن إبراهيم اختتن وهو أبن مائة وعشرين سنة والظاهر أنه سقط من هذه الرواية شيء فإن هذا القدر مقدار عمره. قلت: ورواه الحاكم وصححه على شرطهما وأقرّه عنه الذهبي مرفوعاً بلفظ: بعد مائة وعشرين سنة. ووقع في كتاب العقيقة لأبي الشيخ من طريق الأوزاعيّ عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة موصولاً مرفوعاً مثله. وزاد: وعاش بعد ذلك ثمانين سنة. فعلى هذا يكون عاش مائتي سنة. وجمع بعضهم بأن الأول حسب من مبدأ نبوّته والثاني من مبدأ مولده.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 279 كتاب الأنبياء (3355) ومسلم 4/ 1829 كتاب الفضائل (151- 2370) .

وروى وكيع عن إبراهيم النخعي [ (1) ]- رحمه الله تعالى- قال: كان إبراهيم أول من تسرول وأول من فرق وأول من استحدّ، وأول من اختتن، وأول من أقرى الضيف، وأول من شاب. وروى وكيع عن واصل مولى أبي عيينة- رحمه الله تعالى- قال: أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: إنك أكرم أهل الأرض عليّ فإذا سجدت فلا تر الأرض عورتك. قال: فاتخذ سراويل. وروى الديلمي عن أنس مرفوعا: أول من خضب بالحناء والكتم إبراهيم. وروى ابن أبي شيبة في المصنف والبزّار عن سعد بن إبراهيم- رحمه الله تعالى- قال: أول من خطب على المنبر إبراهيم [ (2) ] . وروى ابن عساكر عن حسان بن عطية [ (3) ]- رحمه الله تعالى- قال: أول من رتب العسكر في الحرب ميمنةً وميسرةً وقلباً إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمّا سار لقتال الذين أسروا لوطاً- عليه الصلاة والسلام-[ (4) ] . وروى البزار والطبراني عن معاذ بن جبل [ (5) ] مرفوعاً: «أن أتّخذ المنبر فقد اتّخذه أبي إبراهيم، وأن أتخذ العصا فقد اتّخذها أبي إبراهيم» . وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الرمي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أول من عمل القسيّ إبراهيم. وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان أول من أضاف الضيف إبراهيم» [ (6) ] .

_ [ (1) ] إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي الفقيه، ثقة، إلا أنه يرسل كثيرا، من الخامسة، مات سنة ست وتسعين، وهو ابن خمسين أو نحوها. التقريب 1/ 46. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 115 وعزاه للديلمي. [ (3) ] حسان بن عطية المحاربي مولاهم أبو بكر الدّمشقي الفقيه. عن أبي أمامة ولم يسمع منه وابن المسيّب. وعنه الأوزاعي وأبو غسان محمد بن عمر. وثقه أحمد وابن معين. قال الذهبي: بقي إلى قريب الثلاثين ومائة. انظر الخلاصة 1/ 207. [ (4) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 115 وعزاه لابن عساكر. [ (5) ] معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بمعجمة آخره ابن عدي بن كعب بن عمرو بن آدي بن سعد بن علي بن أسد بن سارذة بن تريد بمثناة ابن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن المدني، أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وشهد بدرا والمشاهد له مائة وسبعة وخمسون حديثا. وعنه ابن عباس وابن عمر ومن التابعين عمرو بن ميمون وأبو مسلم الخولاني ومسروق وخلق، وكان ممن جمع القرآن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يأتي معاذ يوم القيامة أمام العلماء» . وقال ابن مسعود: كنا نشبهه بإبراهيم عليه السلام وكان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين. توفي في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وقبر ببيسان في شرقيه. قال ابن المسيب: عن ثلاث وثلاثين سنة، وبها رفع عيسى عليه السّلام. الخلاصة 3/ 36135. [ (6) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 115 وعزاه لابن عدي والبيهقي.

وروى ابن سعد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عن عكرمة- رحمه الله- قال: «كان إبراهيم خليل الرحمن يكنى أبا الضيفان، وكان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد» . وروى البيهقي عن عطاء- رحمه الله- قال: كان إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتغذى طلب من يتغذى معه ميلاً في ميل. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والخطيب في التاريخ عن تميم الداري [ (1) ] مرفوعاً: إن أول من عانق إبراهيم- عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-. وروى ابن سعد عن محمد بن السائب- رحمه الله تعالى- قال: إبراهيم أول من أضاف الضيف وأول من ثرد الثريد، وأول من رأى الشيب. وكان قد وسع عليه في المال والخدم. وروى الإمام أحمد في الزهد عن مطرف- رحمه الله تعالى- قال: أول من راغم إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين راغم قومه إلى الله تعالى بالدعاء. وروى ابن أبي شيبة في المصنف والشيخان والترمذي والنسائي [ (2) ] عن ابن عباس مرفوعاً وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وأبو نعيم عن عبيد بن عمير وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن عبد الله بن الحارث- رضي الله تعالى عنهم- أن الناس يحشرون حفاةً عراة فيقول الله: لا أرى خليلي عرياناً. فيكسى إبراهيم ثوباً أبيض. ولفظ عبد الله بن الحارث: «قبطيتين فهو أول من يكسى، ثم يكسى النبي صلى الله عليه وسلّم حلته الحبرة وهو على يمين العرش» [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال:

_ [ (1) ] تميم بن أوس بن خارجة الدّاري أبو رقيّة بتحتانية. أسلم سنة تسع وسكن بيت المقدس. روى عنه سيد البشر صلى الله عليه وسلم خبر الجسّاسة وذلك في (خ م) وناهيك بهذه المنقبة الشريفة. روى عنه أنس وعطاء بن يزيد. قال ابن سيرين: جمع القرآن. وكان يختم في ركعة. قال مسروق: صلى ليلة حتى أصبح يقرأ آية يرددها أم حسب الذين اجترحوا السيئات. وقال أبو نعيم: أول من سرج في المساجد تميم. توفي سنة أربعين. الخلاصة 1/ 145. [ (2) ] أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن النسائي: صاحب السنن، القاضي الحافظ، شيخ الإسلام. وجال في البلاد واستوطن مصر، فحسده مشايخها، فخرج إلى الرملة (بفلسطين) فسئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع، وأخرج عليلا، فمات. ودفن ببيت المقدس، وقيل: خرج حاجا فمات بمكة. له «السنن الكبرى» في الحديث، و «المجتبى» وهو السنن الصغرى، من الكتب الستة في الحديث. وله «الضعفاء والمتروكون» صغير، في رجال الحديث، و «خصائص عليّ» و «مسند مالك» وغير ذلك. توفي سنة 303 هـ. الأعلام 1/ 171. [ (3) ] أخرجه البخاري 8/ 292 (4740) .

أرسل على إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- أسدان مجوّعان فلحساه وسجدا له. وكان سبب موته أن ملك الموت قيل له: تلطف بإبراهيم. فأتاه وهو في عنب له وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء فلما رآه إبراهيم رحمه. فأخذ مكتلا ثم دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله، ثم جاء فوضعه بين يديه فقال: كل. فجعل يضع يده ويريه أنه يأكل ويمجّه على لحيته وعلى صدره، فعجب إبراهيم فقال: ما أبقت السنّ منك شيئاً! كم أتى لك؟ فحسب مدة إبراهيم. فقال: أتى لي كذا وكذا. فقال إبراهيم: قد أتى لي هذا وإنما أنتظر أن أكون مثلك! اللهم اقبضني إليك. فطابت نفس إبراهيم عن نفسه للموت. وقبض ملك الموت نفسه في تلك الحال. رواه الإمام أحمد وأبو نعيم في الحلية عن كعب. وله عدة أولاد غير إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. ابن تارح تارح- بمثناة فوقية فألف فراء مفتوحة فحاء مهملة كما في الفتح والنّور، ورأيته بخط جماعة بإعجامها- ومعناه [يا أعوج] وهو آزر. قال الجوهري اسم أعجمي. وقيل عربي مشتق من آزر فلانا فلاناً إذا عاونه. فتارح وآرز اسمان له كما جزم به غير واحد. وصححه السهيلي. قال: وقيل معناه يا أعوج. وقيل هو اسم صنم وانتصب على إضمار فعل في التلاوة في قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أي دع آزر. وقيل إن آزر كلمة معناها الزجر والتعنيف وقال التوزري: كان لأبي إبراهيم اسمان: تارح وآزر هذا قول الحسن والسّدّي رحمهما الله تعالى. قال: وقيل إن آزر اسم صنم منصوب بإضمار فعل تقديره: أتتخذ آزر إلهاً أتتخذ أصناماً. هذا على قراءة من فتح الراء وأما على قراءة من ضمها، قلت: وهو يعقوب. فقيل: إنه في لغتهم عبارة عن المخطئ، أي يا مخطئ. قال: وقيل إنها مشتقة من المؤازرة أي المعاونة، كان يعاون قومه على عبادة الأصنام. قال: ويجوز أن يكون اسماً لأبي إبراهيم مع الرفع ويكون منادى بإسقاط حرف النداء وقال الزمخشري: آزر عطف بيان لأبيه وقرئ آزر بالضم على النداء وقيل: آزر اسم صنم، فيجوز أن يكون سمّي به للزومه عبادته أو أريد: عابد آزر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقرئ: «أزراً أتتخذ أصناماً آلهة» ، بفتح الهمزة وكسرها بعد همزة الاستفهام وزاي

ساكنة وراء منصوبة منونة وهو اسم صنم ومعناه: لم تعبد آزر على الإنكار ثم قال: «أتتخذ أصناماً آلهة» تبييناً لذلك وتقريراً وهو داخل في حكم الإنكار كالبيان له وقال الإمام الثعلبي [ (1) ] في العرائس: اسم أبي إبراهيم الذي سماه به أبوه تارح فلما صار مع نمروذ قيّماً على خزانة آلهته سماه آزر. ابن ناحور ناحور بنون فألف فحاء مهملة مضمومة وهو غير الذي سبق قبل إسماعيل. قال ابن هشام في التيجان: عاش مائة وستة عشر عاماً وقال ابن حبيب: عاش مائة وثمانياً وأربعين سنة. ابن شاروخ شاروخ بشين معجمة فألف فراء مضمومة فواو فخاء معجمة. كذا ضبطه الحافظ وضبطه النووي في الأمالي والتّوزري بالمهملات وقال الجوّاني: ساروغ بالغين المعجمة. وقال الملك المؤيّد صاحب حماة: وربما قيل بالعين المهملة. قال ابن هشام: عاش مائتين وسبعة أعوام. ابن راغو راغو: بغين معجمة مضمومة. وحكى التّوزري إهمالها. وأرغو بفتح الهمزة وسكون الراء وضم الغين المعجمة أو المهملة ويقال: رغو. بفتح الراء وسكون الغين المعجمة. ومعناه بالعربية قاسم. قال ابن حبيب: عاش مائتي سنة واثنتين وثلاثين سنة. وقال ابن الكلبي مائتين وستين سنة. ابن فالخ قال النووي: بفاء فألف فلام مفتوحة فخاء معجمة ويقال فالغ بغين معجمة. وقال ابن هشام في التيجان: إنه اسم سرياني وتفسيره بالعربي: وكيل، وإنه أخو هود، وإنه حين تكلم أبوه بالعربية بجبل الجوديّ لم يتكلم بها، وإنه عاش مائة وسبعاً وستين سنة وقال ابن الكلبي: مائتي سنة وتسعين سنة. قال ابن حبيب: مائتي سنة وتسعاً وثلاثين سنة. وقال الجوّاني: وأمه بيشاحا.

_ [ (1) ] أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أبو إسحاق مفسر، من أهل نيسابور له اشتغال بالتاريخ، من كتبه عرائس المجالس، والكشف والبيان في تفسير القرآن ويعرف بتفسير الثعلبي. توفي سنة 427 هـ. الأعلام 1/ 212، وأنباه الرواة 1/ 119، والبداية والنهاية 12/ 40.

ابن عيبر عيبر بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية فباء موحدة وزن جعفر. قاله الحافظ والنووي والتّوزريّ. قال: ويقال عابر بالألف. قال ابن حبيب: عاش مائة وأربعاً وثلاثين سنة. وقال ابن الكلبي: أربعمائة وثلاثاً وستين سنة. قال الجوّاني: وهو هود النبي صلى الله عليه وسلم. وقال السهيلي والحافظ: الراجح في نسب هود أنه هود بن عبد الله بن رباح بن حادر بن عاد بن عوص بن آدم بن سام بن نوح. قال الجواني: وأمه مرجانة وكانت من الطاهرات. تنبيه: نقل السهيلي والتوزري عن الطبري ورأيته في تاريخه أن بين عابر وفالخ أباً اسمه قينان. ولفظ التوزري: قينن بقاف مفتوحة بعدها ياء مثناة تحتية فنونين. ترك ذكره في التوراة لأنه كان ساحراً. ونقل بعضهم عن ابن حزم أنه تعقب الطبري بأنه ثابت في التوراة بإجماعهم. ابن شالخ شالخ قال النووي بشين معجمة فألف فلام مفتوحة، فخاء معجمة. قال السهيلي: ومعناه الرسول أو الوكيل. قال ابن هشام: عاش ثلاثمائة سنة وثلاثاً وستين. وقال ابن حبيب أربعمائة وثلاثاً وثلاثين سنة. وقال ابن الكلبي: أربعمائة وثلاثاً وتسعين سنة. وهو وصيّ أبيه. ابن أرفخشذ أرفخشذ. قال النووي والتوزري بفتح الهمزة فراء مهملة ساكنة ففاء مفتوحة فخاء ساكنة فشين زاد الثاني مفتوحة. فذال معجمات. قال الحافظ: ويقال فيه أرنخشذ بنون بدل الفاء والفخشذ باللام زاد صاحب «النور» الفشخذ باللام وتقديم الشين على الخاء قال السهيلي: تفسيره مصباح مضيء. وشاذ مخفف بالسريانية: الضياء. وأمه من بنات الملوك ابن خنوخ بن يرد بن قينان بن أنوش. قال ابن هشام: عاش أربعمائة عام وثلاثة أعوام وهو وصيّ أبيه. وقال ابن حبيب: أربعمائة سنة وستين سنة. وقال ابن الكلبي: أربعمائة وثمانية وستين سنة. وله من الذكور عابر وهو وصيّ ومالك وقينان. وهو أول من نظر في علم النجوم واستنبط ذلك من تنور صفر كان كتب فيها علمها قبل الطوفان ودفن في الأرض فاستخرجه وعلم ما فيه. ابن سام سام: بسين مهملة مخفف الميم. روى الإمام أحمد والترمذي وحسنه وصححه

الحاكم من حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم» [ (1) ] . وروى البزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث، فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم، وولد حام القبط والبربر، والسودان» [ (2) ] . وسنده ضعيف. قال النووي رحمه الله: لما حضرت نوحاً الوفاة أوصى إلى ولده سام، وكان ولد قبل الطوفان بثمانية وتسعين سنة، ويقال كان سام بكره. قال ابن هشام: إنّه كان وصيّ أبيه وإنه ولي أهل الأرض. قال: وقال وهب رحمه الله تعالى: أتى الحواريون عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلّم فسار بهم إلى قبر سام بن نوح فقال: أجبني يا سام بإذن الله تعالى. فقام بقدرة الله كالنخلة فقال له عيسى: كم عشت؟ قال: عشت أربعة آلاف سنة فقال عيسى: كيف كانت الدنيا؟ قال: كبيتٍ له بابان دخلت من هذا وخرجت من هذا. وإنه كان جزوعاً من الموت فسأل نوح ربّه أن لا يميت سام حتى يسأل الموت. قال: وإنّ ساماً اعتلت نفسه ومرض مرضاً شديداً على كبر فسأل ربّه الموت فمات. وقال ياقوت في معجم البلدان: نوى- بفتح النون والواو- بليدة من أعمال حوران من نواحي دمشق، وهي مدينة أيوب وبها قبر سام عليهما الصلاة والسلام. تنبيه: قال الشيخ برهان الدين الناجي الدمشقي في مولده المسمى بكنز الراغبين العفاة: ليس سام بنبيّ خلافا لما وقع لأبي الليث السمرقندي في بستانه فاحذره واحذر من قلّده. انتهى. وقد روى ابن سعد في الطبقات والزبير بن بكار في الموفقيات عن الكلبي رحمه الله تعالى أن ساماً كان نبيّاً. لكن الكلبي متروك. ابن نوح نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال النووي: هو اسم أعجمي والمشهور صرفه وقيل يجوز صرفه وترك صرفه. انتهى.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3231) وأحمد في المسند 5/ 9 والطبراني في الكبير 7/ 254، وابن كثير في البداية والنهاية 1/ 115، وانظر الدر المنثور 3/ 327 كنز العمال (32395) . [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 546 وابن عدي في الكامل 3/ 919.

وقيل إنه عربي واشتقاقه من ناح ينوح نوحاً ونياحة لأنه أقبل على نفسه باللوم والنّوح. واختلف في سبب ذلك فقيل: سببه أنه كان ينوح على قومه ويتأسف لكونهم غرقوا بلا توبة ورجوع إلى الله تعالى. وقيل في اسمه غير ذلك مما لا أصل له. قال جماعة: واسمه عبد الغفار. وهو آدم الثاني لأنه لا عقب لآدم إلا من نوح صلى الله عليه وسلم. وأثنى الله تعالى عليه في عدة آيات. قال ابن قتيبة: وكان نوح نجاراً. وروى الطبراني بسند رجاله ثقات عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين نوح وآدم عشرة قرون» [ (1) ] . قال الشعبي [ (2) ] رحمه الله تعالى في العرائس: أرسل الله تعالى نوحا إلى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وكان بطنان من ولد آدم أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صباحاً وفي الرجال دمامة، فكثرت الفاحشة من أولاد قابيل وكانوا قد أكثروا الفساد، فأرسل الله تعالى نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ويحذّرهم ويخوّفهم فلم ينزجروا، فكان كما حكاه الله تعالى عنه: قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً. ولما طال دعاؤه لهم وإيذاؤهم له وتماديهم في غيّهم سأل الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فلما أخبره الله تعالى بأنه لم يبق في الأصلاب ولا في الأرحام مؤمن دعا عليهم فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إلى آخرها. فأمره الله تعالى باتخاذ السفينة قال: يا رب وأين الخشب قال: اغرس الشجر. فغرس الساج وأتى على ذلك أربعون سنة فكفّ عن الدعاء عليهم، وأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد، فلما أدرك الشجر أمره الله تعالى بقطعه وتجفيفه وصنعه الفلك وعلّمه كيف يصنعه، وجعل بابه في جنبه وكان طول السفينة ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين وسمكها إلى السماء ثلاثين والذراع إلى المنكب.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 321 عن ابن عباس موقوفا بلفظ «كان بين آدم ونوح عشرة قرون ... » إلخ وعزاه للبزار وقال: فيه عبد الصمد بن النعمان وثقة ابن معين. [ (2) ] عامر بن شراحيل الشّعبي: بفتح المعجمة، أبو عمرو، ثقة مشهور، فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة، وله نحو من ثمانين. التقريب 1/ 387.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان طولها ستمائة ذراع فأمره الله تعالى أن يحمل فيها من كل جنس من الحيوان زوجين اثنين وحشرها الله تعالى إليه من البر والبحر. وأول ما حمل في السفينة الدّرّة وآخره الحمار. قيل كان المؤمنون في السفينة سبعة: نوح وبنوه سام وحام ويافث وأزواج بنيه. وقيل ثمانية. وقيل عشرة. وقيل اثنان وسبعون. وقيل ثمانون من الرجال والنساء. وكان نوح عليه الصلاة والسلام أطول الأنبياء عمراً حتى قيل إنه عاش ألف سنة وثلاثمائة سنة. ولما نزل عليه الوحي كان عمره ثلاثمائة سنة وخمسين سنة. فلبث ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم. قال في «المطلع» : ما أسلم من الشياطين إلا شيطانان: شيطان نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وشيطان نوح عليه الصلاة والسلام. وقال إبليس لنوح عليه الصلاة والسلام: خذ مني خمساً. فقال: لا أصدقك فأوحى الله تعالى إليه: أن صدّقه في الخمس. قال: قل. قال إياك والكبر، فإني إنما وقعت فيه بالكبر. وإياك والحسد فإن قابيل قتل هابيل أخاه حسداً. وإياك والطمع فإن آدم أورثه ما أورثه الطمع. وإياك والحرص فإن حواء وقعت فيما وقعت بالحرص. وإياك وطول الأمل فإنهما وقعا فيما وقعا فيه بطول الأمل. وسماه الله تعالى عبداً شكوراً. روى الفريابي وابن جرير والحاكم وصححه عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: كان نوح إذا لبس ثوباً أو طعم طعاماً حمد الله تعالى فسمّي عبداً شكوراً. ومن وصاياه صلى الله عليه وسلّم ما رواه النسائي والحاكم والبزّار عن رجل من الأنصار من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال نوح لابنه: إني أوصيك بوصية وقاصرها لكي لا تنساها: أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين. أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر الله بهما وصالح خلقه وهما يكثران الولوج على الله تعالى: أوصيك بلا إله إلا الله فإن السموات والأرض لو كانت في حلقة قصمتهما ولو كانت في كفة وزنتهما وأوصيك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة الخلق وبها يرزق الخلق وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً وأما اللتان أنهاك عنهما فيحتجب الله منهما وصالح خلقه: أنهاك عن الشّرك والكبر» . تنبيه حديث ابن مسعود مرفوعا: «إن نوحاً اغتسل فرأى ابنه ينظر إليه فقال: تنظر إلي وأنا أغتسل جار الله لونك. فاسوّد فهو أبو السّودان» رواه الحاكم وصححه وتعقّبه الذهبي بأن

في سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلة وقد ضعفوه. انتهى [ (1) ] . والوارد في ذلك ما رواه الإمام أحمد وابن سعد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححاه عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسّهل والحزن والخبيث والطيّب» [ (2) ] . ابن لامك لامك بميم مفتوحة وبكسر الكاف ويقال لمك بفتح اللام وسكون الميم. ويقال بخاء معجمة بدل الكاف. قال في التيجان: لامك بالعبراني. وبالعربي: لمك. وبالسرياني لمخ. وتفسيره: متواضع. قال السهيلي رحمه الله تعالى: وهو أول من اتخذ العود والغناء ومصانع الماء. قال ابن هشام: عاش سبعمائة وسبعين سنة. ابن متوشلخ متوشلخ بميم فمثناة فوقية مشددة مضمومتان وتفتحان فواو ساكنة وتفتح فشين معجمة مفتوحة وتسكن فلام ساكنة وقد تفتح وتكسر، فخاء معجمة. قال ابن حبيب: عاش تسعمائة وستين سنة. قال الجوّاني وأمه بروخا. وكان له إخوة انقرضوا وهو وصي أبيه. ابن خنوخ خنوخ بمعجمتين بعد الأولى نون بوزن ثمود. وقيل بزيادة ألف في أوله وسكون المعجمة الأولى. وقيل كذلك لكن بحذف الواو الأولى وقيل كذلك لكن بدل الخاء الأولى هاء وقيل كالثاني لكن بدل المعجمة مهملة. وهو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون. روى الحاكم في المستدرك بسند واهٍ عن وهب رحمه الله تعالى أنه سئل عن إدريس

_ [ (1) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 299 وعزاه الحاكم عن ابن مسعود موقوفا وصحح إسناده وقال في الدرر المنتثرة: رواه الحاكم عن ابن مسعود وصححه انتهى. ولابن أبي حاتم والحاكم أيضا لكن بسند ضعيف عن أبي هريرة. [ (2) ] أخرجه الترمذي (2955) وأبو داود (4693) وأحمد في المسند 4/ 400، والحاكم في المستدرك 2/ 61، والطبري في التفسير 1/ 170، وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 6، وأبو نعيم في الحلية 2/ 104.

فقال: هو جد أبي نوح. وقيل: جد نوح. قال الحافظ: والأول أولى، ولعل الثاني أطلق ذلك مجازاً لأن جد الأب جد. وقد نقل بعضهم الإجماع على أنه جد لنوح. قال الحافظ: وفيه نظر، فقد روى عبد بن حميد وابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إلياس هو إدريس ويعقوب هو إسرائيل. وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وسنده ضعيف. ووجه الدلالة أنه إن ثبت أن إلياس إدريس لزم أن يكون من ذرية نوح لا أن نوحا من ذريته، لقوله تعالى في سورة الأنعام: وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ إلى أن قال: وَعِيسى وَإِلْياسَ فدل على أن إلياس من ذرية نوح سواء أقلنا إن الضمير في قوله وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ لنوح أو لإبراهيم لأن إبراهيم كان من ذرية نوح فمن كان من ذرية إبراهيم فهو من ذرية نوح لا محالة. وذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى في المبتدأ أن إلياس بن فنحاص بن العيزان بن هارون بن عمران عليهما الصلاة والسلام. وقال الحاكم في المستدرك: اختلفوا في نوح وإدريس فقيل: إن إدريس قبله. قال: وأكثر الصحابة على أن نوحاً قبل إدريس. كذا قال وقد جرى القاضي أبو بكر بن العربي على أن إدريس لم يكن جد نوح وإنما هو من بني إسرائيل، لأن إلياس قد ورد/ أنه من بني إسرائيل واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء للنبي صلى الله عليه وسلم «مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح» ولو كان من أجداده لقال كما قال آدم وإبراهيم: والابن الصالح. وهو استدلال جيد. إلا أنه قد يجاب عنه بأنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف، وليس نصّا فيما زعم. أشار إلى ذلك النووي. وقول ابن إسحاق أن خنوخ هو إدريس فيما يزعمون أشار به إلى أن هذا القول مأخوذ عن أهل الكتاب. وقال المازريّ: ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح، فإن قام الدليل على أن إدريس أرسل لم يصح قول النسّابين إنه قبل نوح لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. وإن لم يقم دليل جاء ما قالوا به وصح أن إدريس كان نبياً ولم يرسل. قال السّهيلي: وحديث أبي ذر الطويل ينص على أن آدم وإدريس رسولان. انتهى. والحديث رواه الطبراني والحاكم وابن حبان وصححاه. وفيه أن إدريس كان نبياً رسولاً، وأنه أول من خطّ بالقلم. وروى الحاكم بسند ضعيف عن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: كان إدريس رجلاً أبيض طويلاً ضخم البطن عريض الصدر قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكانت

إحدى عينيه أعظم من الأخرى وكان في جسده نقطة بيضاء من غير مرض. قال ابن قتيبة وكان رقيق الصوت. وسمي إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتب الله وسنن الإسلام. وهو أول من خاط الثياب ولبسها وكان من قبل يلبسون الجلود. واستجاب له ألف إنسان ممن كان يدعوه. فلما رفعه الله تعالى اختلفوا بعده وأحدثوا الأحداث. قال ابن قتيبة: وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة. وقال في المطلع: إدريس بالسريانية خنوخ. ومعناه كثير العبادة وأما إدريس فاسم أعجمي غير منصرف وقيل مشتق من الدرس والدراسة بمعنى الكتابة. وسمي به لكثرة ما درس من كتب الله عز وجل، فإنه كان يحفظ صحف آدم وصحف شيث على ظهر قلبه، وكانت صحف آدم إحدى وخمسين صحيفة وصحف شيث عشرين صحيفة، وصحفه خاصة ثلاثون، وكان يحفظ الجميع ويدرسه. وكان إدريس أول من خاط وأول من أخبر عن علم الهيئة والحساب وأحكام النجوم بالتأييد السماوي. رفع الله تعالى عنه بدعائه إحساس حرارة الشمس، وعبد الله تعالى حتى تمنت الملائكة صحبته. ابن يرد يرد بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة فدال مهملة ونقطها الجوّاني. وعليه جرى الملك المؤيد في تاريخه. قال ابن هشام في التيجان: اسمه في التوراة يارد عبراني وتفسيره ضابط. واسمه في الإنجيل بالسريانية يرد تفسيره بالعربي: ضبط أي ضبط في الإباء فعمل بأمر الله تعالى، فلما بلغ غاية الدعوة قبضه الله تعالى وعاش تسعمائة سنة واثنتين وستين سنة وهو وصيّ أبيه. قال ابن حبيب ثمانمائة سنة وخمساً وتسعين سنة. ابن مهلاييل مهلاييل: بميم مفتوحة فهاء ساكنة فلام فألف. وقد يقال بالباء بعد اللام الأولى. قال السهيلي معناه الممدّح قال في التيجان: وولي الأرض بوصية من أبيه. واسمه بالسريانية في الإنجيل مهلاييل وتفسيره بالعربي يسبح الله. فسار بأمر الله، فلما بلغ الغاية من العمر قبضه الله، وعاش مائتي سنة وعشرين سنة قال السهيلي: وفي زمنه كان بدء عبادة الأصنام. ابن قينن قينن: بقاف مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فنونين الأولى منهما مفتوحة وزن جعفر ويقال قينان بالألف قال في التيجان: قينان عبراني وتفسيره باللسان العربي مستوى واسمه في الإنجيل

قانيان وتفسيره بالعربي عيسى. وهو وصي أبيه. وخليفته. وقام بحق الله تعالى، وبلغ من العمر مائة سنة وعشرين سنة قال في النّور: قال بعض مشايخي إن قينان هو الذي بنى أنطاكية. ابن يانش يانش: بمثناة تحتية فنون مفتوحة فشين معجمة. ويقال أنوش بفتح الهمزة وضم النون. قال في التيجان: هو باللسان السرياني: إنوش بكسر الألف وتفسيره باللسان العربي صادق. وهو ولي أمر الله تعالى في الأرض فعمل بطاعة الله حتى بلغ من العمر تسعمائة وخمسين سنة. قال السهيلي: وهو أول من غرس النخلة وبوّب الكعبة وبذر الحبة. وقال أبو الحسن بن الأشرف أبي العباس أحمد بن القاضي الفاضل رحمه الله تعالى أول من زرع الحبة آدم، فإنه كان يحرث ويزرع قال الجواني: وأمه لبود بنت آدم وله إخوة بنون وبنات انقرضوا. ابن صيث شيث: بشين معجمة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فثاء مثلثة ويقال فيه شياث بإمالة الشين وبالصرف فيهما ويقال بلا صرف. ويقال فيه شيث بفتح الشين وتشديد الياء بلا صرف وتفسيره هبة الله ويقال عطية الله. وقال ابن هشام: نصب لأن عليه وعلى ذريته نصبت الدنيا، وكان أجمل ولد آدم وأفضلهم وأشبههم به وأحبّهم إليه، وكان وصيّ أبيه وولي عهده، وهو أبو البشر كلهم، وإليه انتهت أنساب الناس، وعاش تسعمائة سنة واثنتي عشرة سنة. ابن آدم آدم صلى الله عليه وسلم: يكنى أبا البشر وآدم والخليفة. فأما آدم فقيل إنه سريانيّ وهو عند أهل الكتاب آدام بإشباع فتحة الدال بوزن خاتام، ووزنه فاعال وامتنع من الصرف للعجمة والعلمية. وقال الثعلبي: التراب بالعبرانية آدام فسمي به آدم، وحذفت منه الألف الثانية وقيل هو عربي، وجزم به الجوهري والجواليقي. ولم يحك في المطلع غيره. واختلف في اشتقاقه فقيل هو بوزن أفعل من الأدمة وقيل من الأديم لأنه خلق من أديم الأرض. رواه الفريابي وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه. وروى ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال: تدرون لم سمّي آدم؟ لأنه خلق من أديم الأرض ووجّهوه بأن يكون كأعين ومنع من الصرف للوزن والعلمية، وقيل هو من أدمت بين الشيئين إذا خلطت بينها، لأنه كان ماء وطيناً فخلطا جميعاً. وقال قاسم بن ثابت في الدلائل عن محمد بن المستنير قطرب: إنه لو كان من أديم الأرض لكان على وزن فاعل وكانت الهمزة فيه أصلية فلم يكن يمنعه من الصرف مانع، وإنما

هو على وزن أفعل من الأدمة. قال السهيلي: وهذا القول ليس بشيء لأنه لا يمتنع أن يكون من الأديم ويكون على وزن أفعل تدخل الهمزة الزائدة على الهمزة الأصلية كما تدخل على همزة الأدمة. وأما الخليفة فلقوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً والخليف والخليفة: من يخلف من تقدّمه، وكان آدم خلف قوماً من الخلق يسمون الجان، ولأنه ناب مناب ملائكة السماء. وأما البشر فلقوله تعالى: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ وقيل: وسمي بشراً لمباشرته أعظم الأمور. وقيل لما كان في وجهه من البشر والبشاشة. وأما الإنسان فلقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً وسمي بذلك لأنسه بجنسه فإن الإنسان من اجتمع فيه اثنتان: أنسه بالغير وأنس الغير به. وقيل: اشتقاقه من النّوس وهو الحركة لكثرة حركته فيما يتحراه. وقيل: من الإيناس وهو الإبصار لأنه يدرك ببصره الظاهر وببصره الباطن. واختلفت الآيات فيما بدئ من خلق آدم، ففي موضع: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ وفي موضع مِنْ طِينٍ لازِبٍ وفي موضع مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وفي موضع مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ قال العلماء: وهذه الآيات راجعة إلى أصل واحد وهو التراب الذي هو أصل الطين، فأعلمنا الله تعالى إنه لمّا خلقه من تراب جعله طيناً، ثم انتقل فصار حمأ مسنوناً، ثم انتقل. فصار صلصالاً كالفخار. قال الثعلبي في قوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قال العلماء أخطأ عدو الله تعالى في تفضيله النار على الطين، لأن الطين أفضل من النار، لوجوه أحدها: أن من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والحلم والأناة والحياء والصبر، وذلك سبّب توبة آدم وتواضعه فأورثه المغفرة والاجتباء والهداية. ومن جوهر النار الخفّة والطيش والحدّة والارتفاع والاضطراب، وذلك سبّب استكبار إبليس فأورثه اللعنة والهلاك. الثاني: أن الجنة موصوفة بأن ترابها المسك ولم ينقل أن فيها ناراً. الثالث: أنها سبب العذاب بخلاف الطين. الرابع: أن الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفرقها وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق آدم يوم الجمعة» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 585 كتاب الجمعة (17- 854) .

وفضّل الله تعالى آدم بأمور: خلقه بيده وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته واصطفاه، وكرّم ذريته وعلّمهم جميع الأسماء، وجعله أول الأنبياء وعلّمه ما لم تعلم الملائكة المقربون، وجعل من نسله الأنبياء والمرسلين والأولياء والصديقين. واشتهر في كتب التواريخ أنه عاش ألف سنه صلى الله عليه وسلم. وقد بسطت الكلام على الأنبياء المذكورين في النسب الشريف مع تراجم بقية الأنبياء في كتاب الجواهر النفائس في تحبير كتاب العرائس أعان الله على إكماله وتحريره.

الباب الخامس

الباب الخامس في معنى قوله صلّى الله عليه وسلم: «أنا ابن العواتك والفواطم» روى سعيد بن منصور والطبراني وابن عساكر بسند رجاله ثقات وصححه الحافظ الناقد ضياء الدين المقدسيّ في المختارة عن سيابة بن عاصم [ (1) ] رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن العواتك من سليم» سيابة بمهملة مكسورة ثم مثناة تحتية مخففة فموحدة [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن قتادة مرسلا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بعض غزواته «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب أنا ابن العواتك» [ (2) ] . وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أجرى فرسه مع أبي أيوب الأنصاري فسبقه فقال: «أنا ابن العواتك إنه لهو الجواد البحر» يعني فرسه. وروى ابن عساكر عن أبي بكر بن البرقي قال حدثني بعض الطالبيين قال: يروى إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم أحد: «أنا ابن الفواطم» [ (3) ] . قال في القاموس: عتك يعتك: كرّ في القتال. ثم قال: وعتكت المرأة: شرفت ورأست. ثم قال: والعاتك: الكريم والخالص من الألوان. ثم قال: والعاتكة [ (4) ] من النخل التي تتأبّر والمرأة المحمرّة [ (5) ] من الطيب. وقال ابن سعد: العاتكة في اللغة: الطاهرة. قال في الصحاح والقاموس: العواتك من جدات النبي صلى الله عليه وسلم تسع: ثلاث من بني سليم: عاتكة بنت هلال بن فالج أي بالجيم بن هلال أم جدّ هاشم. وعاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج أم هاشم. وعاتكة. بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أم عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أمه آمنة بنت وهب. وسائر العواتك أمهات رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير بني سليم. وجرى في النهاية على أن العواتك من بني سليم ثلاثة، لكنه قال عاتكة بنت هلال بن فالج هي أم عبد مناف أبو قصي وعلى ما ذكره في الصحاح والقاموس تكون أم قصي والد

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 201، والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 135، وابن كثير في البداية والنهاية وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 222 وعزاه للطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 81 عن البراء دون قوله «أنا ابن العواتك» (2864) . [ (3) ] أخرجه في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 289. [ (4) ] في أ: والعاتك. [ (5) ] في أ: المخمرة.

عبد مناف وعلى كل حال فقد قيل في اسم أم قصي وأم ولده عبد مناف غير ذلك كما تقدم. فإما أن يكون لكل واحدة منهما إسمان، أو أحدهما الاسم والآخر اللقب. قال في النهاية: فالأولى من العواتك عمة الثانية، والثانية عمة الثالثة. وروى ابن عساكر عن أبي عبد الله العدوي رحمه الله تعالى أن العواتك من جداته صلى الله عليه وسلم أربع عشرة: ثلاث قرشيات وأربع سلميات وعدوانيتان وهذلية وقحطانية وثقفية وأسدية أسد خزيمة وقضاعية. وذكر ابن سعد رحمه الله تعالى أن الفواطم من الجدات عشر وسردهن ولكثرة الخلاف في أسماء آباء العواتك والفواطم أضربت عن ذكرهن. والحاصل أنهن من جملة الجدات الطاهرات، وخصصن بالذكر إما لمزيد شرفهن على غيرهن، وإما لشهرتهن، وإما لغير ذلك. قال الإمام الحليمي [ (1) ] رحمه الله تعالى: لم يرد صلى الله عليه وسلّم بذلك الفخر إنما أراد تعريف منازل المذكورات ومراتبهن. كرجل يقول: كان أبي فقيهاً. لا يريد به الفخر وإنما يريد به تعريف حاله دون ما عداه. قال: وقد يكون أراد به الإشارة لنعمة الله تعالى علي نفسه وآبائه وأمهاته على وجه الشكر، وليس ذلك من الاستطالة والفخر في شيء والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم القاضي، أبو عبد الله الحليمي البخاري. قال الحاكم: أوحد الشافعيين بما وراء النهر، وأنظرهم وآدبهم بعد أستاذيه أبوي بكر القفال والأودني. وكان مقدما فاضلا كبيرا، له مصنفات مفيدة ينقل منها الحافظ أبو بكر البيهقي كثيرا. وقال في النهاية: كان الحليمي رجلا عظيم القدر، لا يحيط بكنه علمه إلا غواص. ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، ومات في جمادى- وقيل: في ربيع- الأول سنة ثلاث وأربعمائة. ومن تصانيفه «شعب الإيمان» . انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 178، 179، والأعلام 2/ 253 ووفيات الأعيان 1/ 403، وتذكرة الحفاظ 3/ 1030.

جماع أبواب مولده الشريف صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب مولده الشريف صلى الله عليه وسلم الباب الأول في سبب تزويج عبد المطلب ابنة عبد الله امرأة من بني زهرة روى ابن سعد وابن البرقي والطبراني والحاكم وأبو نعيم عن العباس بن عبد المطلب عن أبيه قال: قدمنا اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من اليهود فقال لي رجل من أهل الزّبور، يعني الكتاب: ممن الرجل؟ قلت من قريش. قال من أيهم؟ قلت: من بني هاشم. قال: أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ قلت: نعم، ما لم يكن عورة. قال ففتح إحدى منخريّ فنظر فيه ثم نظر في الآخر فقال: أشهد أن في إحدى يديك ملكاً وفي الأخرى نبوة وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك. قلت: لا أدري قال هل لك من شاعة قلت: وما الشاعة؟ قال الزوجة. قلت، أما اليوم فلا. فقال: إذا رجعت فتزوج منهم فلما رجع عبد المطلب إلى مكة تزوج هالة بنت أهيب بن عبد مناف وزوج ابنة عبد الله آمنة بنت وهب فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت قريش: فلج عبد الله على أبيه. الشاعة: بشين معجمة وعين مهملة: الزوجة سميت بذلك لمتابعتها الزوج وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره. فلج بفتح أوله وثانية: ظفر بما طلب. وروى البيهقي وأبو نعيم عن ابن شهاب رحمه الله تعالى قال: كان عبد الله أحسن رجل رئي قط، خرج يوماً على نساء قريش فقالت امرأة منهن: أيتكن تتزوج بهذا الفتى فتصطب النور الذي بين عينيه فإني أرى بين عينيه نوراً؟ فتزوجته آمنة بنت وهب. تصطب: تسكب وتدخل. وروى الزبير بن بكار عن أن سودة بنت زهرة بن كلاب الكاهنة قالت يوما لبني زهرة: إن فيكم نذيرة أو تلد نذيراً فاعرضوا علي بناتكم. فعرضن عليها فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين، حتى عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت هذه: النذيرة أو تلد نذيراً له شأن وبرهان منير. ولما سئلت عن جهنم قالت: سيخبركم عنها النذير.

الباب الثاني في حمل أمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات

الباب الثاني في حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات روى البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق رحمه الله تعالى قال: إن عبد المطلب أخذ بيد ابنة عبد الله فمرّ به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي فقالت له حين نظرت إلى وجهه أين تذهب يا عبد الله؟ فقال مع أبي. فقالت لك عندي من الإبل مثل الذي نحرت عنك وقع عليّ الآن فقال لها: إني مع أبي لا أستطيع خلافه ولا فراقه ولا أريد أن أعصيه شيئاً. فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة ووهبٌ يومئذ سيّد بني زهرة نسباً وشرفاً فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وهي يومئذ أفضل امرأة من قريش نسباً وموضعاً. فذكروا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه، فوقع عليها عبد الله فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج فمرّ على تلك المرأة التي قالت له ما قالت فلم تقل شيئاً، فقال لها: ما لك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت بالأمس؟ فقالت: فارقك النور الذي معك بالأمس فليس لي بك اليوم حاجة. وكانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر في الجاهلية واتبع الكتب يقول: إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل. فقالت في ذلك شعراً واسمها أم قتّال: الآن وقد ضيّعت ما كنت قادراً ... عليه وفارقك النّور الذي جاءني بكا غدوت علينا حافلاً فلا قد بذلته ... هناك لغيري فالحقنّ بشأنكا ولا تحسبني اليوم خلواً وليتني ... أصبت جنيناً منك يا عبد داركا ولكنّ ذا كم صار في آل زهرةٍ ... به يدعم الله البريّة ناسكا وقالت أيضاً: عليك بآل زهرة حيث كانوا ... وآمنةً التي حملت غلاما ترى المهديّ حين ترى عليها ... ونوراً قد تقدّمه أماما فكلّ الخلق يرجوه جميعاً ... يسود النّاس مهتدياً إماما براه الله من نورٍ صفاءً ... فأذهب نوره عنا الظّلاما وذلك صنع ربّي إذ حماه ... إذا ما سار يوماً أو أقاما فيهدي [ (1) ] أهل مكة بعد كفرٍ ... ويفرض بعد ذلكم الصّياما

_ [ (1) ] في أ: فهدى.

قصة أخرى. روى أبو نعيم والخرائطي [ (1) ] وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عكرمة عنه، وابن سعد، عن أبي الفيّاض الخثعمي وابن سعد، عن أبي يزيد المدينيّ، أن عبد المطلب لمّا خرج بابنه ليزوجه مر به على امرأة كاهنة من أهل تبالة متهوّدة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى هل لك أن تقع عليّ الآن وأعطيك مائة من الإبل؟ فقال عبد الله: أما الحرام فالممات دونه ... والحلّ لا حلّ فأستبينه [ (2) ] فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب فأقام عندها ثلاثاً، ثم مرّ على تلك المرأة فلم تقل له شيئاً، فقال لها: مالك لا تعرضين علي ما عرضت علي بالأمس؟ فقالت: من أنت؟ قال: أنا فلان. قالت: ما أنت هو، ولئن كنت ذاك لقد رأيت بين عينيك نوراً ما أراه الآن، ما صنعت بعدي؟ فأخبرها. فقالت: والله ما أنا بصاحبة ريبة ولكن رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون في وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراده اذهب فأخبرها أنها حملت خير أهل الأرض ثم أنشأت تقول: إنّي رأيت مخيلةً لمعت ... فتلألأت بحناتم القطر فلمائها نورٌ يضيء له ... ما حوله كإضاءة البدر ورجوتها فخراً أبوء به ... ما كلّ قادحٍ زنده يوري لله ما زهريّةٌ سلبت ... ثوبيك ما استلبت وما تدري وقالت أيضاً: بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباح بعد خبوّه ... فتائل قد ميثت له بدهان وما كلّ ما يحوي الفتى من تلاده ... بحزم ولا ما فاته بتواني فأجمل إذا طالبت أمراً فإنّه ... سيكفيكه جدّان يصطرعان

_ [ (1) ] محمد بن جعفر بن محمد بن سهل، أبو بكر الخرائطي السامري: فاضل، من حفاظ الحديث. من أهل السامرة بفلسطين، ووفاته في مدينة يافا. من كتبه «مكارم الأخلاق- ط» و «مساوئ الأخلاق- خ» و «اعتلال القلوب- خ» في أخبار العشاق، و «هواتف الجان وعجائب ما يحكى عن الكهان- خ» و «فضيلة الشكر- خ. توفي سنة 327 هـ. انظر الأعلام 6/ 70، وشذرات الذهب 2/ 309. [ (2) ] البيتان في الروض الأنف 1/ 180، والبداية والنهاية 2/ 250.

سيكفيكه إمّا يدٌ مقفعلةٌ ... وإمّا يدٌ مبسوطةٌ ببنان ولما قضت منه أمينة ما قضت ... نبا بصري عنه وكلّ لساني [ (1) ] وروى ابن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمه، والبيهقي عن ابن إسحاق رحمهما الله تعالى قال: كنا نسمع إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة كانت تقول: ما شعرت أني حملت به ولا وجدت ثقله كما تجد النساء إلا أنني أنكرت رفع حيضتي وربما ترفعني وتعود وأتاني آتٍ وأنا بين النائم واليقظان فقال لي هل شعرت أنك حملت؟ فأقول: ما أدري فقال: إنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الاثنين وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وضع فسمّيه محمداً. قالت: فكان ذلك مما يقّن عندي الحمل، ثم أمهلني حتى إذا دنت ولادتي أتاني ذلك فقال قولي: أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد قالت: فكنت أقول ذلك فذكرته لنسائي فقلن: تعلّقي عليك حديداً وفي عضديك وفي عنقك. ففعلت فلم يكن يترك عليّ إلا أياما فأجده قد قطع، فكنت لا أتعلّقه. [ولبعضهم شعر:] حملته آمنةٌ وقد شرفت به ... وتباشرت كلّ الأنام بقربه حملاً خفيفاً لم تجد ألماً به ... وتباشرت وحش الفلا فرحاً به واستبشرت من نورهنّ وكيف لا ... وهو الغياث ورحمةٌ من ربّه قولها: ولا وجدت له ثقلاً: قال في الزهر في حديث شداد عكسه، وجمع بأن الثقل في ابتداء الحمل والخفة عند استمراره ليكون ذلك خارجاً عن المعتاد. قلت: وبذلك صرّح الحافظ أبو نعيم رحمه الله تعالى. وعن بريدة وابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالا: رأت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك حبلى بخير البرية وسيد العالمين، فإذا ولدتيه فسميه أحمد أو محمداً أو علقي عليه هذه. فانتبهت وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب عليها: أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد وكلّ خلقٍ زائد ... من قائمٍ وقاصد عن السّبيل حائد ... على الفساد جاهد من نافثٍ أو عاقد ... وكلّ خلقٍ مارد

_ [ (1) ] الأبيات في الروض الأنف 1/ 180، والبداية والنهاية 2/ 250.

تنبيهان

يأخذ بالمراصد ... في طرق الموارد أنهاهم عنه بالله الأعلى، وأحوطه منهم باليد العليا والكنف الذي لا يرى، يد الله فوق أيديهم وحجاب الله دون عاديهم، لا يطردونه ولا يضرّونه في مقعد ولا منام ولا سير ولا مقام، أول الليل وآخر الأيام. رواه أبو نعيم وسنده واهٍ جداً، وإنما ذكرته لأنبّه عليه لشهرته في كتب المواليد. قال الحافظ أبو الفضل العراقي في مولده إن من قوله «وعلقي عليه هذه» إلى آخره أدرجه بعض القصّاص. وروى البيهقي عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: أمرت آمنة وهي حبلى برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسميه أحمد. وروى الحاكم وصححه البيهقي عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا؟ يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام» . وروى ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن آمنة قالت: لقد علقت به فما وجدت له مشقةً حتى وضعته. واختلفوا في يوم ابتداء الحمل فقيل: في أيام التشريق. وعليه فيكون مولده في رمضان وقيل في عاشوراء وقيل غير ذلك. قال أبو زكريا يحيى بن عائذ رحمه الله تعالى في مولده: بقي صلى الله عليه وسلم في بطن أمه تسعة أشهر كمّلاً لا تشكو وجعاً ولا مغصاً ولا ريحاً ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء. قال في الغرر: وهو الصحيح. وقيل: كانت مدة الحمل عشرة أشهر. وقيل ثمانية. وقيل سبعة. تنبيهان الأول قال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى: وسيأتي أنها رأت النور أيضاً خرج منها عند الولادة. وهذا أولى لتكون طرقة متصلة. ويجوز أن يكون خرج منها النور مرتين مرة حين حملت به ومرة حين وضعته ولا مانع من ذلك. ولا يكون بين الحديثين تعارض انتهى. وقال الشيخ رحمه الله تعالى: قوله حين «حملت به» هي رؤيا منام وقعت في الحمل،

وأما ليلة المولد فرأت ذلك رؤية عين كما سيأتي. الثاني: في شرح غريب ما تقدم: الآن: اسم للوقت الذي أنت فيه: جاء فعل ماضي قصره للنظم. بكا: بمعنى مع. أي فارقك النور الذي كان معك. حافلاً: بالحاء المهملة أي ممتلئاً من النور أو المنّى. الشأن: الأمر والحال والخطب. خلوا: أي خالية من الزوج. أصبت: أدركت. جنيناً بالجيم كما في خط مغلطاي في الزهر. وفي نسخة صحيحة من دلائل النبوة بالحاء المهملة وموحّدتين. قد أعم. بعين مهملة. وفي نسخة: به يدعم الله البرية بمثناة تحتية فدال فعين مهملتين أي يقوّمها. البريّة: الخلق ترا عليها: أي واقعها، براه: خلعه. الصفاء: ممدود خلاف الكدر. حباه بالمهملة والموحدة أي أعطاه. تبالة. بتاء مثناة فوقية فباء موحدة مفتوحتين: بلد صغير من اليمن. مخيلة بميم مفتوحة فخاء معجمة مكسورة. موضع الخيل، وهو الظن، كالمظنّة، وهي السحابة الخليقة بالمطر ويجوز أن تكون مسماة بالمخيلة التي هي المصدر كالمحبسة من الحبس. الحناتم: بحاء مهملة فنون فألف فمثناة فوقية: سحائب سود، لأن السواد عندهم خضرة. أبوء به: أرجع. الزّند وزان فلس: الذي يقدح به النار وهو الأعلى، وهو مذكر والسفلى زندة بالهاء ويجمع على زناد. يوري: يوقد. غادرت: تركت أمينة تصغير آمن. خبّوه. طفئة ميثت: بمثناة تحتية فثاء مثلثة يقال: ماث فلان الدواء يميثه ميثاً. ويموثه موثاً مرسه التّلاد والتالد والتليد: المال القديم. وخلافه: الطارف والطّريف. جدّان: الجد بفتح الجيم الحظ. والجد: الغنى. مقفعلّة: بقاف ففاء فعين مهملة: أي منقبضة يقال اقفعلت يده إذا انقبضت وتشنجت. البنان: الأصابع وقيل أطرافها الواحدة بنانة. نبا: ارتفع. كلّ يقال كلّ من الإعياء كلالاً وكلالةً. والبصر واللسان كلّةً وكلولاً. ما شعرت. بفتح أوله وثانية: أي ما علمت. ثقله بثاء مثلثة فقاف فلام مفتوحات أي ثقلاً وفتوراً حيضتي. بكسر الحاء المهملة: الاسم من الحيض والحال التي تلزمها الحائض من التجنب. فأما الحيضة بالفتح فالمرة الواحدة من رفع الحيض ونوبه. وقولها: وأبا بين النائم واليقظان على إرادة الشخص. والله تعالى أعلم.

الباب الثالث في وفاة عبد الله بن عبد المطلب

الباب الثالث في وفاة عبد الله بن عبد المطلب قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب إن توفي وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به. هذا ما جزم به ابن إسحاق ورجحه الواقدي وابن سعد والبلاذري، وصححه الذهبي وقال ابن كثير إنه المشهور. وقال ابن الجوزي: إنه الذي عليه معظم أهل السّير، ورواه الحاكم وصححه، وأقره الذهبي عن قيس بن مخرمة رضي الله تعالى عنه. قال غير ابن إسحاق: وذلك حين تمّ لها شهران. وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المهد حين توفي أبوه. وعليه فقيل وله شهران. وقيل ثمانية وعشرون شهراً. وقيل تسعة أشهر، ونقل السّهيليّ عن الدّولابيّ أنه قول الأكثرين قلت: والحق أنه قول كثيرين لا أكثرين. وروى ابن سعد عن محمد بن كعب، وعن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة رحمهما الله تعالى قالا: خرج عبد الله إلى الشام إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجاراتهم، ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله يومئذ مريض، فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار. فأقام عندهم مريضا شهراً ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن ابنه فقالوا: خلّفناه عند أخواله بني عدي بن النجار مريضاً، فبعث عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة فرجع فأخبره فوجد عليه عبد المطلب وعماته. وإخوته وأخواته وجداً شديداً. ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل، ولعبد الله بن عبد المطلب يوم توفي خمس وعشرون سنة. قال الواقديّ: وهذا أثبت الأقاويل في وفاة عبد الله وسنّه. وقال الحافظ العلائي وابن حجر إن عمره كان يوم توفي ثماني عشرة سنة قال الواقدي: ولم يتزوج عبد الله قط غير آمنة. وآمنة لم تتزوج قط غير عبد الله. أخذ الإله أبا الرسول ولم يزل ... برسوله الفرد اليتيم رحيما نفسي الفداء لمفردٍ في يتمه ... والدّرّ أحسن ما يكون يتيما لطيفة: نقل أبو حيان في بحره وغيره عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه قال: إنما يتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يكون عليه حقّ لمخلوق. وقال ابن العماد في كشف الأسرار: إنما ربّاه يتيماً لأن أساس كل كبير صغير وعقبى كل حقير خطير. وأيضاً لينظر صلى الله عليه وسلم إذا وصل إلى مدارج عزّه إلى أوائل أمره ليعلم أن العزيز من

تفسير الغريب

أعزّه الله تعالى وإن قوّته ليست من الآباء والأمهات ولا من المال بل قوّته من الله تعالى. وأيضاً ليرحم الفقير والأيتام. وقالت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترثي زوجها. كما ذكر ذلك ابن إسحاق في المبتدأ وابن سعد في الطبقات. رحمهما الله تعالى. عفا جانب البطحاء من ابن هاشم ... وجاور لحداً خارجاً في الغماغم دعته المنايا بغتةً فأجابها ... وما تركت في الناس مثل ابن هاشم عشيّة راحوا يحملون سريره ... يعاوره أصحابه في التّزاحم فإن يك غالته المنايا وريبها ... فقد كان معطاءً كثير التراحم وقالت أيضاً، أورده القاسم الوزيري المغربي رحمه الله تعالى ورضي عنه ترثي عبد الله زوجها والد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أضحى ابن هاشم في مهماء مظلمةٍ ... في حفرةٍ بين أحجارٍ لدى الحصر سقى جوانب قبرٍ أنت ساكنه ... غيثٌ أحمّ الذّرى ملآن ذو درر تفسير الغريب التابعة: قال في الزهر بتاء مثناة فوقية فباء موحدة فعين مهملة. الغماغم بغينين معجمتين بعد كل ميم بعد الأولى ألف: الأغطية. يعاوره: يتداولونه بينهم. مهماء أي مفازة. والجمع مهامه. أحمّ الشيء، قرب ودنا. الذّرى. بفتح الذال المعجمة اسم لما ذرته الريح واسم الدمع المصبوب. العيرات بكسر العين وفتح الياء جمع عير. كذا جمعوه والقياس التسكين. قال محمد بن عمر الأسلمي رحمه الله تعالى: ترك عبد الله أم أيمن وخمسة أجمال وقطعة من غنم فورث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيه.

الباب الرابع في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم ومكانه

الباب الرابع في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم ومكانه وفيه فصلان: الأول: في بيان يومه، وشهره، وعامه. الصواب: أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين. روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه. أو قال أنزل علي فيه» [ (1) ] . وروى يعقوب بن سفيان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين. وفي بعض الطرق عند ابن عساكر: وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وكانت وقعة بدر يوم الاثنين. قال ابن عساكر: المحفوظ أن وقعة بدر ونزول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يوم الجمعة. وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خرّبوذ رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين طلع الفجر. وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد في النهار، وهو الذي ذكره أهل السير. وحديث أبي قتادة مصرح به. وروى الأربعة عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار، وجزم به ابن دحية، وصححه الزركشي رحمه الله تعالى في شرح البردة ولبعضهم في ذلك. يا ساعةً فتح الهدى أرفادها ... لطفاً وقد منح الجزا إسعادها لاحت بشهر ربيع الزاكي الذي ... فاق الشهور جلالةً إذ سادها حيث النبوة أشرقت بمآثرٍ ... كالشّهب لا يحصى الورى تعدادها حيث الأمانة والرّسالة قد بدت ... يعلي لمكّة غورها ونجادها قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وأما ما روي من تدلّي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 819، كتاب الصيام (197- 162) وأحمد في المسند 2/ 200.

قال الزركشي: وهذا لا يصلح أن يكون تعليلاً فإن زمان النبوة صالح للخوارق، ويجوز أن تسقط النجوم نهاراً. شعر: يا ساعةً نلنا السّعادة والهنا ... فيها بخير العالمين محمّد تمّت لنا أفراحها بظهوره ... وتكمّلت في شهر مولد أحمد غيره لبعضهم رحمه الله تعالى. توالت أمور السّعد في خير ساعةٍ ... بمولد خير الرّسل في ساعة السّعد فيا طيب أوقاتٍ ويا طيب مولدٍ ... ويا طيب مولودٍ حوى سائر المجد قال ابن كثير والحافظ وغيرهما: ثم إن الجمهور على أن ذلك كان في شهر ربيع الأول. قال السهيلي: وهو المعروف. ونقل بعضهم فيه الإجماع. يقول لنا لسان الحال منه ... وقول الحقّ يعذب للسّميع فوجهي والزّمان وشهر وضعي ... ربيعٌ في ربيع في ربيع قال بعض أهل المعاني: كان مولده صلى الله عليه وسلم في فصل الربيع وهو أعدل الفصول ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة وشمسه معتدلة في العلوّ والهبوط، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض، وينعقد في سلك هذا النظام، ما هيّأ الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من أسماء مربّيه ففي الوالدة والقابلة الأمن والشّفاء وفي اسم الحاضنة البركة والنماء، وفي مرضعيه صلى الله عليه وسلم الآتي ذكرهما الثواب والحلم والسّعد. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: لاثنتي عشرة ليلة [خلت] منه ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن جابر وابن عباس. قال في الغرر: وهو الذي عمل العمل. وقيل لليلتين خلتا منه وقدمه في الإشارة، وقيل لثمان. ونقل أبو عمر عن أصحاب الزّيج أنهم صححوه ورجحه ابن دحية. وقال الحافظ: إنه مقتضى أكثر الأخبار. وقيل: لعشر. حكاه الدمياطي عن جعفر الباقر وصححه. وقيل: لسبع عشرة. وقيل لثماني عشرة، وقيل: في أوله حين طلع الفجر. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: عام الفيل. قال ابن كثير: وهو المشهور عند الجمهور. وقال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ [ (1) ] شيخ البخاري: وهو الذي لا يشك فيه أحد من

_ [ (1) ] إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بالزاي الأسدي الحزامي أبو إسحاق المدني أحد كبار العلماء المحدثين. وثقة ابن معين والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وذمه أحمد لكونه خلط في القرآن. قال يعقوب الفسوي: مات سنة ست وثلاثين ومائتين. الخلاصة 1/ 57.

العلماء. وبالغ خليفة بن خياط وابن الجزّار وابن دحية وابن الجوزي وابن القيّم فنقلوا فيه الإجماع. وروى البيهقي والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي في مختصره، وصحّحه في تاريخه الكبير عن يحيى بن معين، عن حجّاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل. قال الحافظ في شرح الدّرر: والمحفوظ لفظ العام. وقيل: يطلق اليوم ويراد به مطلق الوقت، كما يقال يوم الفتح، ويوم بدر، فإن كان المراد حقيقة اليوم فيكون أخص من الأول وبذلك صرح ابن حبان في تاريخه فإنه قال: ولد عام الفيل في اليوم الذي بعث الله فيه الطير الأبابيل على أصحاب الفيل. قال: ثم وجدت الحديث عن ابن مسعود عن يحيى بن معين بسنده المذكور قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل يعني عام الفيل. وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل كنا لدين. وسأل عثمان بن عفان [ (1) ] قباث بن أشيم الكناني ثم اللّيثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسنّ منه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ووقفت بي أمي على خذق الفيل أخضر محيلا. مخرمة بفتح الميم وإسكان الخاء المعجمة. ومات على دينه. لدين: قال أبو ذر المشهور فيه: لدتين بالتاء يقال فلان لدة فلان إذا ولد معه في وقت واحد. قال الجوهري: لدة الرجل تربه والهاء عوض عن الواو الذاهبة منه، لأنه من الولادة. وهما لدان والجمع لدات ولدون. التّرب بكسر التاء المثناة الفوقية وإسكان الراء وبالموحدة: من ولد معك. قباث بضم القاف ويقال بفتحها، قال الحافظ: وهو المشهور، ثم موحدة خفيفة ثم مثلثة. ابن أشيم بمعجمة وتحتانية وزان أحمد. وعلى هذا فقيل بعد الفيل بخمسين يوماً. قال ابن كثير: وهو أشهر. وصححه

_ [ (1) ] عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي، أبو عمرو المدني، ذو النورين، وأمير المؤمنين، ومجهّز جيش العسرة، وأحد العشرة، وأحد الستة، هاجر الهجرتين. وعنه أبناؤه أبان وسعيد وعمرو وأنس ومروان بن الحكم وخلق. غاب عن بدر لتمريض ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم. قال ابن عمر: كنا نقول على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. وقال ابن سيرين: كان يحيي الليل كله بركعة. قتل في سابع ذي الحجة يوم الجمعة سنة خمس وثلاثين. قال عبد الله بن سلام: لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا يغلق إلى يوم القيامة. رضي الله عنه. الخلاصة 2/ 219، وسيأتي في المناقب مفصلا.

المسعودي والسهيلي. وزاد أنه الأشهر والأكثر وقيل بزيادة خمس. وذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزميّ رحمه الله تعالى أن قدوم أصحاب الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم. وقد قال ذلك غيره. وزاد يوم الأحد. وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة. وروى ابن سعد وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر [ (1) ] رحمه الله تعالى قال: كان قدوم أصحاب الفيل في النصف من المحرم ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة. وصحح الحافظ الدمياطي هذا القول. وقيل بأربعين يوماً. وقيل بشهر وستة أيام. وقيل بعشر سنين. وقيل بثلاثين عاماً. وقيل بأربعين عاماً. وقيل بسبعين عاماً. وقيل لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل. وقيل في صفر. وقيل في ربيع الآخر. وقيل في المحرّم لخمس بقين منه. وقيل في عاشوراء. قال السهيلي رحمه الله تعالى: أهل الحساب يقولون وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان، وكان لعشرين مضت منه. وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: نظرت في أن يكون صلى الله عليه وسلم ولد في ربيع وأن يكون ذلك في العشرين من نيسان فرأيته بعيداً من الحساب يستحيل أن يكون مولده في نيسان إلا أن يكون مولده في رمضان. وقال الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله تعالى: وافق شهر ربيع من شهور الروم العشرين من شباط. انتهى. ويقال: شباط بالإعجام والإهمال. قال الدمياطي رحمه الله تعالى: في برج الحمل. قال في النور: وهذا يحتمل أن يكون في أوائل نيسان وأن يكون في آذار. ثم قال السّهيلي. وولد بالغفر من المنازل وهو مولد النبيين، ولذا قيل: خير منزلتين كانت في الأبد ... هو ما بين الزّباني والأسد لأن الغفر يليه من العقرب زبانيها، ولا ضرر في الزبانين إنما تضر العقرب بذنبها، ويليه من الأسد أليته وهو السماك والأسد لا يضرّ بأليته وإنما يضر بمخلبه ونابه.

_ [ (1) ] محمد بن علي زين العابدين بن الحسين الطالبي الهاشمي القرشي، أبو جعفر الباقر: خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان ناسكا عابدا، له في العلم وتفسير القرآن آراء وأقوال ولد بالمدينة وتوفي بالحميمة سنة 114 هـ ودفن بالمدينة الأعلام 6/ 270، 271، والتهذيب 9/ 350.

وقال ابن دحية: أظن السهيلي نسي السنبلة وظن أن السماك من الأسد. قال أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله تعالى في المدخل: فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم خص مولده بشهر ربيع وبيوم الاثنين على الصحيح المشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السموات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها؟ فالجواب من أربعة أوجه: الأول: ما ورد في الحديث من أن الله تعالى خلق الشجر يوم الاثنين [ (1) ] . وفي ذلك تنبيه عظيم وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يمتدّ بها بنو آدم ويحيون ويتداوون وتنشرح صدورهم لرؤيتها وتطيب بها نفوسهم وتسكن خواطرهم عند رؤيتها لاطمئنان نفوسهم لتحصيل ما يبقي حياتهم، على ما جرت به حكمة الحكيم سبحانه وتعالى. فوجوده صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر في هذا اليوم قرّة عين بسبب ما وجد من الخير العظيم والبركة الشاملة لأمة محمد صلّى الله عليه وسلم. الوجه الثاني: أن ظهوره صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه إشارة ظاهرة لمن تفطّن لها بالنسبة إلى اشتقاق لفظة ربيع إذ أن فيه تفاؤلاً حسناً وبشارة [ (2) ] لأمته صلى الله عليه وسلّم. وقد قال الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن الصّقلي رحمه الله تعالى: لكل إنسان من اسمه نصيب. هذا في الأشخاص وكذلك في غيرها، وإذا كان كذلك ففصل الربيع فيه تنشقّ الأرض عمّا في باطنها من نعم المولى سبحانه وتعالى وأرزاقه التي بها قوام العباد وحياتهم ومعايشهم وصلاح أحوالهم، فتنفلق الحبة والنوى وأنواع النبات والأقوات المقدرة فيها، فتبهج الناظر عند رؤيتها وتبشّره بلسان حالها بقدوم ينعها. وفي ذلك إشارة عظيمة إلى الاستبشار بابتداء نعم المولى سبحانه وتعالى، ألا ترى أنك إذا دخلت إلى البستان في مثل هذه الأيام تنظر إليه كأنه يضحك لك، وتجد زهرة كأن لسان حاله يخبرك بما لك من الأرزاق المدّخرة والفواكه. وكذلك الأرض إذا أبهج نوّارها كأنه يحدثك بلسان حاله كذلك أيضاً. فمولده صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه من الإشارات ما تقدّم ذكر بعضه. وذلك إشارة ظاهرة من المولى تبارك وتعالى إلى التنويه بعظيم قدر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنه رحمة للعالمين. وبشرى للمؤمنين. وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدارين وحماية للكافرين بتأخير

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 327. [ (2) ] في أ: ببشارته.

الفصل الثاني: في مكانه:

العذاب عنهم لأجله صلّى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ فوقعت البركات وإدرار الأرزاق والأقوات. ومن أعظمها منّته على عباده لهدايته عليه الصلاة والسلام لهم إلى صراط الله المستقيم. الوجه الثالث: ما في شريعته صلى الله عليه وسلم من شبه الحال، ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها إذ ليس فيه برد مزعج ولا حرّ مقلق، وليس في ليله ولا نهاره طول خارق، بل كله معتدل وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس فيه تنتعش قواهم وتنصلح أمزجتهم وتنشرح صدورهم لأن الأبدان يدركها فيه من أمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه، إذ منها خلقوا، فيطيب ليلهم للقيام ونهارهم للصيام، لما تقدم من اعتداله في الطول والقصر والحر والبرد، فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها صلوات الله وسلامه عليه من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا. الوجه الرابع: أنه قد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم تتشرف به الأزمنة والأمكنة لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان أو المكان الذي يباشره عليه الصلاة والسلام الفضيلة العظمى والمزيّة على ما سواه من جنسه إلا ما استثنى من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك، فلو ولد صلى الله عليه وسلم في الأوقات المتقدم ذكرها لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها فجعل الحكيم جل جلاله مولده صلى الله عليه وسلم في غيرها ليظهر عظيم عنايته سبحانه وتعالى وكرامته عليه. الفصل الثاني: في مكانه: اختلف: هل ولد بمكة أو غيرها؟ والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول. وعليه فاختلف في مكانه من مكة على أقوال: أحدها: في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المولد في شعب مشهور بشعب بني هاشم. وكانت بيد عقيل. قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها عقيل بن أبي طالب فلم تزل بيده حتى توفي عنها فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل إن عقيلاً باعها بعد الهجرة تبعاً لقريش حين باعوا دور المهاجرين. الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ولد في شعب بني هاشم. حكاه الزبير. الثالث: أنه ولد صلى الله عليه وسلم بالرّدم. الرابع: بعسفان.

الباب الخامس في إخبار الأحبار وغيرهم بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في إخبار الأحبار وغيرهم بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم روى أبو نعيم والبيهقي عن حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت إذا يهودي يصرخ ذات غداة على أطمه: يا معشر يهود. فاجتمعوا إليه وأنا أسمع. قالوا: ويلك ما بك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي ولد به في هذه الليلة. يفعة بفتح الفاء والعين المهملة أي شاب. أطمه: بالإضافة للضمير والأطم بضم الهمزة والطاء المهملة: الحصن ويروى على أطمه بتاء تأنيث على معنى البقعة. وروى ابن سعد والحاكم وأبو نعيم بسند حسن في الفتح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت تلك الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم: والله ما نعلمه. قال: احفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين. فتصدّع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله: فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كلّ إنسان منهم أهله فقالوا: لقد ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمداً. فالتقى القوم حتى جاءوا اليهوديّ فأخبروه الخبر. قال: اذهبوا معي حتى أنظر إليه فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة فقالوا: أخرجي إلينا ابنك. فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة، فوقع مغشيّاً عليه فلما أفاق قالوا: ويلك ما لك؟ قال: والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش والله ليسطونّ بكم سطوةٌ يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب. متواترات أي متتابعات أو متفرقات. وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت يهود قريظة والنّضير وفدك وخيبر يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد قالت أحبار يهود ولد الليلة أحمد، هذا الكوكب قد طلع. فلما تنبّأ قالوا تنبّأ أحمد. كانوا يعرفون ذلك ويقرّون به ويصفونه إلا الحسد والبغي. وروى أبو نعيم وابن عساكر من طريق المسيّب بن شريك عن محمد بن شريك عن شعيب بن شعيب [ (1) ] ، عن أبيه عن جده، قال: كان بمرّ الظّهران راهب من أهل الشام يدعى

_ [ (1) ] شعيب بن شعيب بن إسحاق الأموي أبو محمد الدّمشقي. مات أبوه وهو حمل عن الحميدي وأحمد بن خالد الوهبي. وعنه (س) ووثقه. مات سنة أربع وستين ومائتين. الخلاصة 1/ 451.

عيص، وكان قد آتاه الله علماً كثيراً، وكان يلزم صومعة له ويدخل مكة فيلقى الناس ويقول: يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه، فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته، وبالله ما تركت أرض الخمر والخمير والأمن وحللت أرض البؤس والخوف إلا في طلبه. فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد. فلما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيص فوقف على أصل صومعته فناداه فقال: من هذا؟ فقال: أنا عبد المطلب. فأشرف عليه فقال: كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم الاثنين ويبعث يوم الاثنين وإنّ نجمه طلع البارحة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي ثلاثا ثم يعافى، فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد حسده أحد، ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه. قال: فما عمره؟ قال: إن طال عمره لم يبلغ السبعين يموت في وترٍ دونها في الستين في إحدى وستين أو ثلاث وستين.

الباب السادس في وضعه صلى الله عليه وسلم والنور الذي خرج معه وتدلي النجوم له ونزوله ساجدا على الأرض بيديه وما رأته قابلته الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه من الآيات

الباب السادس في وضعه صلّى الله عليه وسلم والنور الذي خرج معه وتدلّي النجوم له ونزوله ساجداً على الأرض بيديه وما رأته قابلته الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه من الآيات عن أبي العجفاء رحمه الله تعالى مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأت أمي حين وضعتني سطع منها نورٌ فضاءت له قصور بصرى» [ (1) ] . رواه ابن سعد ورجاله ثقات. بصرى- بباء موحدة مضمومة فصاد مهملة ساكنة فألف مقصورة- والمراد بها هنا بلد بالشام من أعمال دمشق. قال في المسكة الفائحة: وفي تخصيص بصرى لطيفة، وهي أنها أول موضع من بلاد الشام دخلها ذلك النور المحمدي، وكذلك هي أول ما افتتح من بلاد الشام. وبصرى أيضاً من قرى بغداد. وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته قالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نوراً وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول: ليقعن عليّ، فلما وضعته خرج منها نور أضاء له الدار والبيت حتى جعلت لا أرى إلا نوراً. وعن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني عند الله لخاتم النبيين» [ (2) ] الحديث وفيه رؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام. رواه الإمام أحمد والبزار والحاكم وابن حبان وصححاه. وروى ابن حبان عن حليمة [ (3) ] رضي الله تعالى عنها عن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها قالت: إن لابني هذا لشأناً أني حملت به فلم أجد حملاً قط كان أخفّ عليّ ولا أعظم بركة

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 96. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 9، والطبري في التفسير 28/ 57، والبغوي في التفسير 1/ 111. [ (3) ] حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر السعدي البكري الهوازني: من أمهات النبي صلى الله عليه وسلم في الرضاع. كانت زوجة الحارث بن عبد العزى السعدي من بادية الحديبية وكان المرضعات يقدمن إلى مكة من البادية لإرضاع الأطفال ويفضلن من يكون أبوه حيا لبرّه إلا أن محمدا كان يتيما، مات أبوه عبد الله، فتسلمته حليمة من أمه «آمنة» ونشأ في بادية بني سعد في الحديبية وأطرافها، ثم في المدينة، وعادت به إلى أمه. وماتت آمنة وعمره ست سنين فكفله جده عبد المطلب. وقدمت حليمة على مكة بعد أن تزوج رسول الله بخديجة، وشكت إليه الجدب، فكلم خديجة بشأنها فأعطتها أربعين شاة. وقدمت مع زوجها بعد النبوة فأسلما. وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وهو على الجعرانة، فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه. ولها رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها عبد الله بن جعفر. توفيت بعد سنة 8 هـ. الأعلام 2/ 271.

منه، ثم رأيت نوراً كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعاً يديه بالأرض رافعاً رأسه إلى السماء. وروى ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن آمنة قالت: لما فصل منّي ابني محمد صلى الله عليه وسلم خرج منه نورٌ أضاء له ما بين المشرق والمغرب. وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة. رحمه الله تعالى قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض نوراً. وروى الإمام أحمد وابن سعد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام» . وروى ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي بأسانيد له متعددة عن آمنة أنها قالت: لما وضعته خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم وقع جاثياً على ركبتيه معتمداً على الأرض بيديه، ثم أخذ قبضة من تراب وقبضها ورفع رأسه إلى السماء، وأضاءت له قصور الشام وأسواقها، حتى رأيت أعناق الإبل ببصرى. وإنما أضاءت قصور بصرى بالنور الذي خرج منه إشارة إلى ما خصّ الشام من نبوته صلى الله عليه وسلم، فإنها دار مجده وملكه كما ذكره كعب أن في الكتب السابقة: محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجره بيثرب وملكه بالشام. وقد وردت أحاديث في فضل الشام، ذكر بعضها الحافظ المنذريّ في كتاب «الترغيب والترهيب» . وقال بعضهم: أضاءت قصور بصرى إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم. ينوّر البصائر ويحيي القلوب الميتة. وفي خروج هذا النور معه صلّى الله عليه وسلم حين وضعته إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به ظلمة الشرك منها. كما قال الله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. قال الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى: وقد كان هذا النور الذي ظهر وقت ولادته صلى الله عليه وسلم قد اشتهر في قريش وكثر ذكره فيهم، وإلى ذلك أشار عمه العباس رضي الله تعالى عنه في أبياته السابقة حيث قال في حقه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا: وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضّياء وفي النّو ... ر وسبل الرشاد نخترق ويرحم الله تعالى القائل:

لمّا استهلّ المصطفى طالعاً ... أضاء الفضا من نوره السّاطع وعطّر الكون شذا عطره الطّ ... يّب من دانٍ ومن شاسع ونادت الأكوان من فرحة ... يا مرحباً بالقمر الطالع وروى ابن سعد عن موسى بن عبيدة [ (1) ] رحمه الله تعالى عن أخيه قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع على الأرض وقع على يديه رافعاً رأسه إلى السماء وقبض قبضة من تراب، فبلغ ذلك رجلاً من لهب فقال لصاحبه: انجه لئن صدق الفأل ليغلبنّ هذا المولود أهل الأرض. وروى ابن سعد وأبو نعيم بسند قوي عن حسان بن عطية- رحمه الله تعالى: - ورضي عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع على كفيه وركبتيه شاخصاً ببصره إلى السماء. زاد السّهيلي: مقبوضة أصابع يده مشيراً بالسبّابة كالمسبّح بها. قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الجوجريّ [ (2) ] رحمه الله تعالى: وفي رفع بصره صلى الله عليه وسلم في تلك الحال إشارة وإيماء إلى ارتفاع شأنه وعلوّ قدره وأنه يسود الخلق أجمعين، وكان هذا من آياته صلى الله عليه وسلم، وهو أنه أول فعل وجد منه في أوّل ولادته، وفيه إشارة وإيماء لمن له تأمّل إلى إن جميع ما يقع له من حين يولد إلى حين يقبض صلى الله عليه وسلّم ما يدل عليه العقل فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال متزايد الرفعة في كل وقت وحين، عليّ الشأن على المخلوقات. وفي رفعه صلى الله عليه وسلم رأسه إشارة وإيماء إلى كل سؤدد وأنه لا يتوجه قصده إلاّ إلى جهات العلوّ دون غيرها مما لا يناسب قصده. وروى ابن الجوزي في «الوفا» عن أبي الحسين بن البراء- مرسلاً- رحمه الله تعالى قال: قالت آمنة وجدته جاثياً على ركبتيه ينظر إلى السماء، ثم قبض قبضةً من الأرض وأهوى ساجداً. قال بعض أهل الإشارات: لما ولد عيسى صلى الله عليه وسلم قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا فأخبر عن نفسه بالعبودية والرسالة، ونبينا صلّى الله عليه وسلم وضع ساجداً وخرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، وقبض قبضة من تراب ورفع رأسه إلى السماء فكانت عبودية عيسى المقال، وعبودية محمد صلى الله عليه وسلم الفعال، ورسالة عيسى بالإخبار، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم بظهور الأنوار.

_ [ (1) ] موسى بن عبيدة بن نشيط العدوي مولاهم أبو محمد الرّبذي بفتح المهملة والموحدة المدني. عن محمد بن كعب ونافع وجماعة. وعنه شعبة وابن المبارك وطائفة. ضعفه ابن المديني والنسائي وابن عدي وجماعة. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث وليس بحجة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة بالربذة. الخلاصة 3/ 68. [ (2) ] محمد بن عبد المنعم بن محمد الجوجري: فاضل مصري، من فقهاء الشافعية. ولد بجوجر (قرب دمياط) وتحوّل إلى القاهرة صغيرا، فتعلم، وناب في القضاء، ثم تعفف عن ذلك. ومات بمصر. من كتبه «شرح الإرشاد» لابن المقري، و «شرح شذور الذهب» و «شرح همزية البوصيري» . وتوفي سنة 889 هـ. الأعلام 6/ 251، والضوء اللامع 8/ 123.

تنبيهات

وفي سجوده صلى الله عليه وسلم عند وضعه إشارة إلى أن مبدأ أمره على القرب، قال الله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ وقال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» فحال عيسى عليه الصلاة والسلام يشير إلى مقام العبودية، وحال محمد صلى الله عليه وسلم يشير إلى مقام القرب من الحضرة الإلهية. ولبعضهم: لك القرب من مولاك يا أشرف الورى ... وأنت لكلّ المرسلين ختام وأنت لنا يوم القيامة شافعٌ ... وأنت لكلّ الأنبياء إمام عليك من الله الكريم تحيةٌ ... مباركةٌ مقبولةٌ وسلام وروى أبو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه عن أمه الشفّاء بنت عمرو بن عوف رضي الله تعالى عنها قالت: لما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع على يدي فاستهلّ، فسمعت قائلا يقول: رحمك الله أو رحمك ربك فأضاء ما بين المشرق والمغرب حتى إني نظرت إلى بعض قصور الروم. قالت: ثم ألبسته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتني ظلمة ورعب وقشعريرة عن يميني فسمعت قائلا يقول: أين ذهبت به. قال: إلى المغرب وأسفر عني ذلك. ثم عاودني ذلك الرعب والقشعريرة عن يساري فسمعت قائلا يقول: أين ذهبت به؟ قال: إلى المشرق. قالت: فلم يزل الحديث مني على بال حتى بعثه الله تعالى. تنبيهات الأول: قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: لم أقف في شيء من الأحاديث مصرّحاً على أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد عطس، بعد مراجعة أحاديث المولد من مظانّها كالطبقات لابن سعد، والدلائل للبيهقي، ولأبي نعيم، وتاريخ ابن عساكر على بسطه واستيعابه، وكالمستدرك للحاكم. وإنما الحديث الذي روته الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف يعني السابق آخر الباب فيه لفظ يشبه التشميت. لكن لم يصرح فيه بالعطاس، والمعروف في اللغة أن الاستهلال صياح المولود أول ما يولد فإن أريد به هنا العطاس فيحتمل. وحمل القائل على الملك ظاهر. وقال العلامة شمس الدين الجوجريّ رحمه الله تعالى في شرح الهمزية: الاستهلال وإن كان هو صياح المولود أول ما يولد إلا أن حمله على العطاس هنا قريب، كحمل القائل على الملك. الثاني: جرت عادة كثير من المحبين إذا سمعوا بذكر وضعه صلّى الله عليه وسلم إن يقوموا تعظيماً له صلى الله عليه وسلم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها، وقال ذو المحبة الصادقة حسّان زمانه أبو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري رحمه الله تعالى ورضي عنه في قصيدة له من ديوانه: قليلٌ لمدح المصطفى الخطّ بالذهب ... على فضّة من خطّ أحسن من كتب

وإن ينهض الأشراف عند سماعه ... قياماً صفوفاً أو جثيّاً على الرّكب أما الله تعظيماً له كتب اسمه ... على عرشه يا رتبةً سمت الرّتب واتفق أن منشداً أنشد هذه القصيدة في ختم درس شيخ الإسلام الحافظ تقي الدين السبكي. والقضاة والأعيان بين يديه فلما وصل المنشد إلى قوله: «وإن ينهض الأشراف عند سماعه» إلى آخر البيت قام الشيخ للحال قائماً على قدميه امتثالاً لما ذكره الصّرصري، وحصل للناس ساعة طيّبة. ذكر ذلك ولده شيخ الإسلام أبو النصر عبد الوهاب في ترجمته من الطبقات الكبرى. الثالث: اشتهر على بعض الألسنة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولدت في زمن الملك العادل. قال الحافظ إنه كذب باطل لا أصل له. وقال الشيخ الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى في اللآلئ: روى الحافظ السّمعاني عن أبي بكر الحيريّ رحمه الله تعالى قال حكى لي شيخ من الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال: فقلت له: يا رسول الله بلغني أنك قلت: ولدت في زمن الملك العادل وإني سألت الحاكم أبا عبد الله الحافظ عن هذا فقال: كذب لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق أبو عبد الله. وقال الحليمي رحمه الله تعالى في «الشّعب» : هذا الحديث لا يصح وإن صحّ فإطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به لا لوصفه بالعدل والشهامة له بذلك، أو وصفه بذلك بناء على اعتقاد الفرس فيه أنه كان عادلاً كما قال الله تعالى فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ أي ما كان عندهم آلهةً ولا يجوز أن يسمّي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحكم بغير حكم الله عادلاً. وقال الشيخ رحمه الله تعالى في الدّرر: قال البيهقي في الشّعب: تكلم شيخنا أبو عبد الله يعني الحاكم، في بطلان ما يرويه بعض الجهلة عن نبينا صلى الله عليه وسلم: «ولدت في زمن الملك العادل» يعني كسرى أنوشروان. ثم رأى بعض الصالحين في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكى له ما قال أبو عبد الله فصدّقه وقال ما قلته قط. وقال صاحب المقاصد: وأما ما يحكى عن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى مما أورده ابن رجب في ترجمته من طبقاته أنه قال: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولدت في زمن الملك العادل كسرى» فلا يصحّ لانقطاع سنده، وإن صح فلعل الناقل للحكاية لم يضبط لفظ الشيخ وإن ضبط الحكاية. والله أعلم [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الشعب 4/ 305 (5195) وقال الحليمي: وتكلم في بطلان ما يرويه بعض الجهال عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولدت في زمن الملك العادل يعني أنوشروان وكان شيخنا أبو عبد الله الحافظ قد تكلم أيضا في بطلان هذا الحديث ثم رأى بعض الصالحين رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فحكى له ما قال أبو عبد الله فصدقه في تكذيب هذا الحديث وإبطاله وقال: ما قلته قط.

الباب السابع في انفلاق البرمة حين وضع صلى الله عليه وسلم تحتها

الباب السابع في انفلاق البرمة حين وضع صلى الله عليه وسلم تحتها روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان في عهد الجاهلية إذا ولد لهم مولود من تحت الليل وضعوه تحت الإناء لا ينظرون إليه حتى يصبحوا فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحوه تحت برمة فلما أصبحوا أتوا البرمة فإذا هي قد انفلقت اثنتين وعيناه صلى الله عليه وسلم إلى السماء، فعجبوا من ذلك. وروى ابن سعد بسند رجاله ثقات أثبات عن عكرمة رحمه الله تعالى- مرسلا- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وضعته أمه وضعته تحت برمة فانفلقت عنه، قالت: فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء. وروى البيهقي عن أبي الحسن التنوخي [ (1) ] رحمه الله تعالى قال: كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فكفأن عليه برمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى نسوة فكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدت البرمة قد انفلقت عنه باثنتين، فوجدنه مفتوح العين شاخصاً ببصره إلى السماء فأتاهن عبد المطلب فقلن: ما رأينا مولوداً مثله ووجدناه قد انفلقت عنه البرمة ووجدناه مفتوحاً عينه شاخصاً ببصره إلى السماء فقال: احفظنه فإني أرجو أن يصيب خيرا. وروى ابن الجوزي عن أبي الحسين بن البراء- مرسلاً- رحمه الله تعالى عن آمنة أنها قالت: وضعت عليه إناء فوجدته قد انفلق الإناء عنه وهو يمصّ إبهامه يشخب لبناً. قال بعض أهل الإشارات في انفلاق البرمة عنه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ظهور أمره وانتشاره وأنه يفلق ظلمة الجهل ويزيلها. يشخب بشين فخاء معجمتين أي يسيل.

_ [ (1) ] التنوخي: بالفتح وضم النون الخفيفة ومعجمة نسبة إلى تنوخ قبائل أقاموا بالبحرين. لب اللباب 1/ 177.

الباب الثامن في ولادته صلى الله عليه وسلم مختونا مقطوع السرة

الباب الثامن في ولادته صلى الله عليه وسلم مختوناً مقطوع السرة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي» . رواه الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر من طرق. قال في الزهر: سنده جيد. انتهى. وصححه الحافظ ضياء الدين المقدسي وروي من حديث العباس بن عبد المطلب رواه ابن سعد وحسّن مغلطاي سنده في كتابه دلائل النبوة ومن حديث ابنة عبد الله رواه ابن عدي وابن عساكر ومن حديث أبي هريرة رواه ابن عساكر أيضاً. ومن حديث أنس رواه أبو نعيم. قال مغلطاي في دلائله: بسند جيد. ومن حديث ابن عمر رواه ابن عساكر. وقد جزم- بأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً- جماعة من العلماء منهم هشام بن محمد بن السائب في كتاب الجامع. وابن حبيب في المحبّر. وابن دريد في الوشاح، وابن الجوزي في العلل والتلقيح. وقال الحاكم في المستدرك: تواترت الأخبار بأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً. وتعقبه الذهبي فقال: ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواتراً. وأجيب باحتمال أن يكون أراد بتواتر الأخبار اشتهارها وكثرتها في السّيرة، لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث. وقيل: إن جبريل ختنه صلى الله عليه وسلم. حين شق صدره. رواه الخطيب عن أبي بكرة موقوفاً. ولا يصح سنده. وقال الذهبي: إنه خبر منكر. وقال الذهبي: إن جده صلى الله عليه وسلم ختنه على عادة العرب. ورواه أبو عمر قال الحافظ أبو الفضل العراقي: وسنده غير صحيح. قال الحافظ قطب الدين الخيضريّ رحمه الله تعالى في الخصائص: وأرجحها عندي الأول. وأدلته مع ضعفها أمثل من أدلة غيره. قلت: قد قدمنا أن له طريقاً جيدة صححها الحافظ الضياء. وقد قال الزركشي: إن تصحيح الضياء أعلى مزيةً من تصحيح الحاكم. قال الخيضري: فإن قيل إن فيه أي في ولادته صلى الله عليه وسلم مختوناً بعض نقص في حق من يوجد كذلك. فيقال: هذا في حقه صلى الله عليه وسلم غاية الكمال لأن القلفة ربما تمنع من تكميل النظافة والطهارة، وتمنع كمال لذة الجماع فأوجد الله تعالى عبدة ورسوله صلّى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً مكمّلاً سالماً من سائر النقائص والمعايب فإن قيل: إذا كان كذلك فلم شق صدره صلى الله عليه وسلم واستخرج منه العلقة السوداء التي هي حظ الشيطان، ولو كان كما ذكرت لخلقه سالماً منها؟

قلت: لا سواء لأن الختان والإسرار من الأمور الظاهرة التي تحتاج إلى فعل الآدمي، فخلقه الله تعالى سليماً منها لئلا يكون لأحد عليه منّة، كما في كمال الطهارة، وأما إخراج العلقة التي هي حظ الشيطان فمحلها القلب ولا اطلاع للآدمي عليها، ولو خلق الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم سليما منها لم يكن للآدميين اطلاع على حقيقته، فأظهره الله تعالى لعباده على يد جبريل ليتحققوا كمال باطنه كما برز لهم مكمل الظاهر انتهى. وهو مأخوذ من كلام السبكي يأتي ذكره في باب شرح صدره صلى الله عليه وسلم. وروى ابن سعد بسند رجاله ثقات عن إسحاق بن أبي طلحة مرسلاً رحمه الله تعالى أن آمنة قالت: وضعته نظيفاً، ما ولدته كما يولد السّخل، ما به قذر، ووقع إلى الأرض وهو جالس على الأرض بيديه. فائدة: ولد من الأنبياء مختوناً جماعة. نقل ابن دريد في الوشاح وابن الجوزي في التلقيح عن كعب الأحبار رحمه الله تعالى إنهم ثلاثة عشر. ونقل ابن الجوزي عن محمد بن حبيب رحمه الله تعالى أنهم أربعة عشر. وكل منهما ذكر ما لم يذكر الآخر. فالذي اتفقا عليه: آدم. وشيث. ونوح، ولوط ويوسف، وشعيب، وموسى، وسليمان وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم. والذي زاده كعب: إدريس، وسام، ويحيى والذي زاده ابن حبيب: هود، وصالح، وزكريا، وحنظلة بن صفوان نبيّ أصحاب الرس صلى الله عليه وسلم أجمعين فاجتمع من كلامهما سبعة عشر نبياً أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وقد نظم الشيخ رحمه الله تعالى ورضي عنه أسماءهم في قلائد الفوائد فقال: وسبعةٌ مع عشرٍ قد روى خلقوا ... وهم ختانٌ فخذ لا زلت مأنوسا محمدٌ آدم إدريس شيث ونو ... حٌ سام هودٌ شعيبٌ يوسف موسى لوط سليمان يحيى صالحٌ زكر ... يّا وحنظلة الرسّيّ مع عيسى وقال العلامة القاضي عبد الباسط البلقيني رحمه الله تعالى ونفعنا به: وفي الرسل مختوناً لعمرك خلقةً ... ثمانٍ وتسعٍ طيبون أكارم وهم زكريّا شيث إدريس يوسف ... وحنظلةٌ عيسى وموسى وآدم ونوحٌ شعيبٌ سام لوطٌ وصالحٌ ... سليمان يحيى هود ياسين خاتم تنبيه: قال بعضهم وفي قولهم: خلقوا مختونين تجوّز لأن الختان هو القطع، وهو غير ظاهر. لأن الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع، فيحمل الكلام باعتبار أنه على صفة المقطوع. والله أعلم.

الباب التاسع في مناغاته صلى الله عليه وسلم للقمر في مهده وكلامه فيه

الباب التاسع في مناغاته صلى الله عليه وسلم للقمر في مهده وكلامه فيه روى الطبراني والبيهقي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك، رأيتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بإصبعك فحيث ما أشرت إليه مال. قال: «كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش» . قال الإمام أبو عثمان الصابوني [ (1) ] رحمه الله تعالى في كتاب المائتين: هذا حديث غريب الإسناد والمتن في المعجزات حسن. المناغاة: المحادثة. وناغت الأم صبيها لاطفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة. قال الحافظ في الفتح وفي سير الواقدي إن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في المهد أوائل ما ولد. وذكر ابن سبع رحمه الله تعالى في الخصائص أن مهده صلى الله عليه وسلم كان يتحرك بتحريك الملائكة له. وأن أول كلام تكلم به أن قال: «الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيراً» . فائدة: تكلم في المهد جماعة نظم شيخنا رحمه الله تعالى أسماءهم في كتابه قلائد الفوائد فقال: تكلّم في المهد النبيّ محمدٌ ... وموسى وعيسى والخليل ومريم ومبرئ جريجٌ ثم شاهد يوسفٍ ... وطفلٌ لدى الأخدود يرويه مسلم وطفلٌ عليه مرّ بالأمة التي ... يقال لها تزني ولا تتكلّم وماشطةٌ في عهد فرعون طفلها ... وفي زمن الهادي المبارك يختم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

_ [ (1) ] إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل، أبو عثمان الصابوني: مقدم أهل الحديث في بلاد خراسان. لقبه أهل السنة فيها بشيخ الإسلام، فلا يعنون- عند إطلاقهم هذه اللفظة- غيره. ولد ومات في نيسابور. وكان فصيح اللهجة، واسع العلم، عارفا بالحديث والتفسير، يجيد الفارسية إجادته العربية. له كتاب «عقيدة السلف» و «الفصول في الأصول» . توفي سنة 449 هـ. انظر الأعلام 1/ 317، وطبقات الشافعية 3/ 117.

الباب العاشر في حزن إبليس وحجبه من السموات وما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب العاشر في حزن إبليس وحجبه من السموات وما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل السهيلي وأبو الربيع وغيرهما عن تفسير الحافظ بقي بن مخلد [ (1) ] رحمه الله تعالى أن إبليس رنّ أربع رنّات: رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم، ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب. رنّ: صوت بحزن وكآبة. وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: قال إبليس لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقال له جنوده: لو ذهبت إليه فخبلته. فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله جبريل فركضه برجله ركضة فوقع بعدن. وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خرّبوذ رحمه الله تعالى قال: كان إبليس يخترق السموات السبع. فلما ولد عيسى حجب من ثلاث سموات، وكان يصل إلى أربع فلما ولد النبي صلى الله عليه وسلم حجب من السبع. وروى الخرائطي وابن عساكر عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم يجتمعون إليه فلما دخلوا يوماً فرأوه مكبوباً على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله فلم يلبث أن انقلب انقلاباً عنيفاً فردوه إلى حاله، فانقلب الثالثة فقال عثمان: إن هذا لأمر حدث. وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل عثمان بن الحويرث يقول: أيا صنم العيد الذي صفّ حوله ... صناديد وفدٍ من بعيدٍ ومن قرب ينكس مقلوباً فما ذاك قل لنا ... أذاك سفيهٌ أم تنكّس للعتب فإن كان من ذنبٍ أسأنا فإننا ... نبوء بإقرارٍ ونلوي على الذّنب وإن كنت مغلوباً تنكّست صاغراً ... فما أنت في الأصنام بالسّيّد الرّبّ قال: فأخذوا الصنم فردوه إلى حاله فلما استوى هتف بهم هاتف من جوف الصنم بصوت جهير وهو يقول:

_ [ (1) ] بقي بن مخلد بن يزيد، أبو عبد الرحمن، الأندلسي القرطبي: حافظ مفسر محقق، من أهل الأندلس. له «تفسير» قال ابن بشكوال: لم يؤلف مثله في الإسلام، وكتاب في «الحديث» رتبه على أسماء الصحابة، ومصنف في «فتاوي الصحابة والتابعين ومن دونهم» . توفي سنة 267 هـ. الأعلام 2/ 60.

تردّى لمولودٍ أضاءت لنوره ... جميع فجاج الأرض بالشّرق والغرب وخرّت له الأوثان طرّا وأرعدت ... قلوب ملوك الأرض طرّا من الرّعب ونار جميع الفرس باخت (3) وأظلمت ... وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب وصدّت عن الكهّان بالغيب جنّها ... فلا مخبرٌ منهم بحقّ ولا كذب فيا لقصيّ إرجعوا عن ضلالكم ... وهبوا إلى الإسلام والمنزل الرحب الفجاج: جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين. وقيل في جبل. باخت: خمدت. هبّ النائم هبّا وهبوباً: استيقظ. وروى الخرائطي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل يذكران أنهما أتيا النجاشيّ بعد رجوع أبرهة من مكة، قالا: فلما دخلنا عليه قال: أصدقاني أيّها القرشيان: هل ولد فيكم مولود أراد أبوه ذبحه فضرب عليه بالقداح فسلم ونحرت عنه جمال كثيرة؟ فقلنا نعم. قال: فهل لكما علم به ما فعل؟ قلنا: تزوّج امرأة منا يقال لها آمنة تركها حاملاً وخرج. قال: فهل تعلمان ولدت أم لا؟ قال ورقة: أخبرك أيها الملك. إني قد قربت عند وثن لنا إذ سمعت من جوفه هاتفاً يقول: ولد النّبيّ فذلّت الأملاك ... ونأى الضّلال وأدبر الإشراك ثم تنكّس الصنم على رأسه. فقال زيد: عندي خبره أيها الملك، إني في مثل هذه الليلة خرجت حتى أتيت جبل أبي قبيس إذ رأيت رجلاً ينزل له جناحان أخضران فوقف على أبي قبيس ثم أشرف على مكة فقال: ذلّ الشيطان وبطلت الأوثان وولد الأمين. ثم نشر ثوباً معه وأهوى به نحو المشرق والمغرب فرأيته قد جلّل ما تحت السماء وسطع نورٌ كاد يخطف بصري، وهالني ما رأيت وخفق الهاتف بجناحيه حتى سقط على الكعبة فسطع له نور أشرقت له تهامة وقال: زكت الأرض وأدّت ربيعها. وأومأ إلى الأصنام التي كانت على الكعبة فسقطت كلها. قال النجاشي: أخبركما عما أصابني: إني لنائم في الليلة التي ذكرتما في قبّتي وقت خلوتي إذ خرج عليّ من الأرض عنق ورأس وهو يقول: حلّ الويل بأصحاب الفيل، رمتهم طيرٌ أبابيل بحجارة من سجّيل، هلك الأشرم المعتدي المجرم، وولد النبي المكي الحرمي، من أجابه سعد ومن أباه عند، ثم دخل الأرض فغاب فذهبت أصيح فلم أطق الكلام ورمت القيام فلم أطق القيام فأتاني أهل فقلت: احجبوا عني الحبشة فحجبوهم فأطلق الله لساني ورجلي. وروى ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: لما ولد

رسول الله صلى الله عليه وسلم هتف هاتف على أبي قبيس وآخر على الحجون الذي بأصل المقبرة فقال الذي على جبل الحجون: فأقسم ما أنثى من النّاس أنجبت ... ولا ولدت أنثى من النّاس والده كما ولدت زهريةٌ ذات مفخرٍ ... مجنّبةٌ لؤم القبائل ماجده فقد ولدت خير البريّة أحمدا ... فأكرم بمولود وأكرم بوالده وقال الذي على جبل أبي قبيس: يا ساكني البطحاء لا تغلطوا ... وميّزوا الأمر بعقل مضي إن بني زهرةٍ من سرّكم ... في غابر الأمر وعند البدي واحدة منكم فهاتوا لنا ... فيمن مضى في الناس أو من بقي واحدةً من غيرهم مثلها ... جنينها مثل النّبي التّقي

الباب الحادي عشر في انبثاق دجلة وارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران وغير ذلك مما يذكر

الباب الحادي عشر في انبثاق دجلة وارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران وغير ذلك مما يذكر ذكر ابن جرير وغيره أن كسرى أبرويز كان قد سكر دجلة العوراء وأنفق عليها مالاً عظيماً، وكان طاق ملكه قد بناه بنياناً عظيماً لما ير مثله، وكان عنده ثلاثمائة رجل من كاهن وساحر ومنجّم، وكان فيهم رجل من العرب اسمه السائب قد بعث به بأذان من اليمن، وكان كسرى إذا حزبه أمرٌ جمعهم فقال: انظروا في هذا الأمر ما هو. فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح كسرى وقد انقصم طاق ملكه من غير ثقل وانخرقت دجلة العوراء فلما رأى ذلك أحزنه فدعا كهانه وسحّاره ومنجميه وفيهم السائب فقال لهم: قد انقصم طاق ملكي من غير ثقل فانظروا في أمره بما تعلمونه من علمكم فأخذت عليهم أقطار السماء وأظلمت الأرض فلم يمض لهم ما رأوه وبات السائب في ليلة مظلمة على ربوة من الأرض ينظر فرأى برقاً من قبل الحجاز قد استطار فبلغ المشرق، فلما أصبح رأى تحت قدميه روضةً خضراء فقال فيما يعتاف: إن صدق ما أرى ليخرجنّ من الحجاز سلطان يبلغ المشرق وتخصب الأرض عليه كأفضل ما أخصبت على ملك. فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض ورأوا ما أصابهم ورأى السائب ما رأى قال بعضهم لبعض: والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمرٍ جاء من السماء وأنه لنبيّ يبعث أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ملكه ويكسر وإن نعيتم إلى كسرى كسر ملكه ليقتلنكم فاتفقوا على أن يكتموه الأمر وقالوا له قد نظرنا فوجدنا وضع دجلة العوراء وطاق الملك قد وضع على النّحوس، فلما اختلف الليل والنهار فوقعت النحوس مواقعها زال كلّ ما وضع عليها، ونحن نحسب لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا يزول. - فحسبوا فأمروه بالبناء فبنى دجلة العوراء في ثمانية أشهر وأنفق عليها أموالاً جليلة حتى فرغ منها، فلما فرغ قال لهم: أجلس على سورها؟ قالوا: نعم. فجلس في أساورته ومرازبته، فبينما هو كذلك انشقّت دجلة وخرج ذلك البنيان من تحته، فلم يخرج إلا بآخر رمق، فلما أخرجوه جمع كهانه وسحرته ومنجميه وقتل منهم نحو مائة وقال لهم: أقرّبتكم وأجريت عليكم الأموال ثمّ إنكم تخونونني؟ فقالوا: أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا. ثم حسبوا له وأمروه بالبناء فبناه وفرغ منه وأمروه بالجلوس عليه فخاف أن يجلس عليه فركب وسار على البناء فبينما هو يسير إذ انشقت أيضاً،

فلم يدرك إلا بآخر رمق. فدعاهم وقال: لأقتلنكم أو لتصدقنّي. فصدقوه وأخبروه بالأمر فقال: ويحكم هلا بيّنتم لي ذلك فأرى فيه ما أرى قالوا: منعنا الخوف. فتركهم. وروى ابن جرير في تاريخه والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل، والخرائطي عن مخزوم بن هانئ عن أبيه وأتت عليه مائة وخمسون سنة قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس فيها إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشر شرافة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك وتصبّر عليه تشجّعاً، ثم رأى أن لا يدّخر ذلك عن وزرائه ومرازبته حين عيل صبره فجمعهم ولبس تاج ملكه وقعد على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال: تدرون فيما بعثت؟ قالوا: لا إلا أن تخبرنا بذلك، فبينما هم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس فازداد غمّاً إلى غمه ثم أخبرهم بما هاله، فقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة. فقص عليهم رؤياه في الإبل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ وكان أعلمهم في أنفسهم قال: حدثٌ يكون من ناحية العرب، فكتب كسرى عند ذلك: من ملك الملوك كسرى إلى النعمان بن المنذر: أما بعد فوجّه إلي عالماً بما أريد أن أسأله عنه فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حسّان بن بقيلة- بضم الموحدة وفتح القاف وسكون التحتية- الغسّاني. فلما قدم عليه قال: ألك علم بما أريد أن أسالك عنه؟ قال: يسألني الملك أو يخبرني الملك، فإن كان عندي علم منه أخبرته وإلا دللته على من يعلمه. قال: فأخبره. فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارق الشام يقال له سطيح. قال: فاذهب إليه فاسأله وائتني بتأويل ما عنده. فنهض عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحيّاه فلم يحر جواباً فأنشأ عبد المسيح يقول: أصمّ أم يسمع غطريف اليمن.. في أبيات ذكرها. فلما سمع سطيح كلامه فتح عينيه ثم قال: عبد المسيح على جمل مشيح، أقبل إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك- ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان وخمود النيران، ورؤيا الموبذان. رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها. يا عبد المسيح إذا أكثرت التلاوة. وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي سماوة، وغاضت بحيرة ساوة، فليس الشام لسطيح شاماً، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشّرفات، وكل ما هو آتٍ آت. ثم قضى سطيح مكانه فأتى عبد المسيح إلى كسرى فأخبره فقال: إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور. فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه.

ويرحم الله تعالى الإمام أبا عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى بن علي الشقراطسي [ (1) ] حيث قال: ضاءت لمولده الآفاق واتصلت ... بشرى الهواتف في الإشراق والطّفل وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقضّ منكسر الأرجاء ذا ميل ونار فارس لم توقد وما خمدت ... من ألف عام ونهر القوم لم يسل خرّت لمولده الأوثان وانبعثت ... ثواقب الشّهب ترمي الجنّ بالشّعل والإمام أبا عبد الله محمد بن سعيد بن حماد الدلاصي الشهير بالبوصيري رحمه الله تعالى حيث قال: أبان مولده عن طيب عنصره ... يا طيب مبتدإ منه ومختتم يوم تفرّس فيه الفرس أنّهم ... قد أنذروا بحلول البؤس والنّقم وبات أيوان كسرى وهو منصدعٌ ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم والنّار خامدة الأنفاس من أسفٍ ... عليه والنّهر ساهي العين منسدم وساء ساوة أن غاضت بحيرتها ... وردّ واردها بالغيظ حين ظمي كأنّ بالنّار ما بالماء من بللٍ ... حزناً وبالماء ما بالنّار من ضرم والجنّ تهتف والأنوار ساطعةٌ ... والحقّ يظهر من معنى ومن كلم عموا وصمّوا فإعلان البشائر لم ... يسمع وبارقة الإنذار لم تشم من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم ... بأنّ دينهم المعوجّ لم يقم من بعد ما عاينوا في الأفق من شهبٍ ... منقضّةٍ وفق ما في الأرض من صنم حتّى غدا عن طريق الحقّ منهزمٌ ... من الشياطين يقفو إثر منهزم وقال أيضاً في قصيدته الهمزية: ومحيّا كالشّمس منك مضيءٌ ... أسفرت عنه ليلةٌ غرّاء ليلة المولد الذي كان للدّي ... ن سرورٌ بيومه وازدهاء

_ [ (1) ] عبد الله بن يحيى بن علي، أبو محمد الشقراطسي التّوزري: فقيه مالكي، من الشعراء. ولد بتوزر. وعلمه أبوه وسافر إلى القيروان، فأخذ عن علمائها. ورحل إلى المشرق (سنة 429 هـ) وخاض معركة في قتال الفرنج، بمصر، قال فيها، من قصيدة: وأسمر عسال الكعوب سقيته ... نجيع الطلى والخيل تدمى نحورها وعاد إلى توزر، فأفتى ودرّس إلى أن توفي. له «تعليق على مسائل من المدونة» ، و «فضائل الصحابة» و «الإعلام بمعجزات النبي عليه السّلام» ختمه بقصيدة له لامية تعرف بالشقراطسية أولها: «الحمد لله، منا باعث الرسل» عني أدباء إفريقية بشرحها وتخميسها وتشطيرها. توفي سنة 466 هـ. الأعلام 4/ 144، 145.

تفسير الغريب

وتوالت بشرى الهواتف أن قد ... ولد المصطفى وحقّ الهناء وتداعى إيوان كسرى ولو ... لا آيةٌ منك ما تداعى البناء وغدا كلّ بيت نارٍ وفيه ... كربةٌ من خمودها وبلاء وعيونٌ للفرس غارت فهل كا ... ن لنيرانهم بها إطفاء فهنيئاً به لآمنة الفض ... ل الذي شرفت به حوّاء من لحوّاء أنّها حملت أح ... مداً وأنّها به نفساء يوم نالت بوضعه ابنة وه ... بٍ من فخارٍ ما لم تنله النّساء وأتت قومها بأفضل ممّا ... حملت قبل مريم العذراء شمّتته الأملاك إذ وضعته ... وشفتنا بقولها الشّفاء رافعاً رأسه وفي ذلك الرّف ... ع إلى كلّ سؤددٍ إيماء رامقاً طرفه السّماء ومرمى ... عينٍ من شأنه العلوّ العلاء وتدلّت زهر النّجوم إليه ... وأضاءت بضوئها الأرجاء وتراءت قصور قيصر بالشا ... م يراها من داره البطحاء تفسير الغريب كسرى بفتح الكاف وكسرها: اسم ملك الفرس. والذي ولد النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه: أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور. والذي كتب إليه الكتاب ومزّقه: أبرويز بن هرمز أنوشروان. والذي قتل في زمن عثمان وأخذ منه المسلمون البلاد: يزدجرد بن شهريار. دجلة بكسر الدال المهملة: نهر بغداد. قال ثعلب- رحمه الله تعالى- تقول: عبرت دجلة بغير ألف ولام. باذان: بذال معجمة. انقصم: انكسر وانفصل بعضه من بعضه. اعتاف: قال في النهاية: العيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها، يقال: عاف يعيف عيفاً إذا زجر وحدس وظن. قلت: والمراد هنا الحدس والظن. ارتجس: اضطرب وانشق. والرّجس بفتح الراء وإسكان الجيم وبالسين المهملة: الصوت الشديد من الرعد ومن هدير البعير. الإيوان: بوزن الدّيوان ويقال فيه بوزن كتاب بناء أزج غير مسدود الوجه. والأزج: بيت

يبنى طولاً، وجمعه على الأول: أواوين كدواوين. وإيوانات. وعلى الثاني: أون كخوان وخون: بناء مشهور بالمدائن من أرض العراق، كان بناء محكماً مبنياً بالآجرّ الكبار والجصّ، سمكه مائة ذراع في طول مثلها، فارتجس حتى سمع صوته وانشقّ وسقطت منه أربعة عشر شرافة. ليس السبب في ذلك من جهة خلل في بنائه في نفسه، وإنما أراد الله تعالى أن يكون ذلك آيةً باقية على وجه الدهر لنبيه صلى الله عليه وسلم. الموبذان: بضم الميم ثم واو ساكنة وفتح الباء الموحدة. وحكى الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى كسرها أيضاً وبذال معجمة: اسم لحاكم المجوس كقاضي القضاة للمسلمين. مشيح بشين معجمة وحاء مهملة وزن مليح يقال ناقة مشحاة إذا كانت سريعة. والإبل كناية عن الناس هنا. الهراوة. بكسر الهاء: العصا. الشرفات بضم الراء وفتحها وسكونها جمع شرفة- إما تحقيراً لها أو أن جمع القلة قد يقع موضع جمع الكثرة. خمدت بفتح الميم وكسرها كنصر وسمع. غاضت بغين وضاد معجمتين: غارت. خيلاً عراباً، بكسر العين. الخيل العراب خلاف البراذين الفرس إن كان أبواه عربيين فهو عتيق، وإن كانا أعجميين فهو برذون، وإن كان الأب عربياً والأم عجمية فهو هجين. وإن كان بالعكس فهو مقرف. بحيرة ساوة بحيرة متسعة الأكناف جداً. وقد قال فيها الصّرصري- رحمه الله تعالى- في بعض قصائده: غارت وقد كانت جوانبها تفوت الميلا وقال غيره: كانت أكثر من ستة فراسخ تركب فيها السفن ويسافر فيها إلى ما حولها من البلاد والمدن، فأصبحت ليلة المولد ناشفة كأن لم يكن بها شيء من الماء. تنبيه: وقع في بعض الكتب: غاضت بحيرة طبرية. وهذا غير معروف. وبحيرة طبرية لم يثبت أن ماءها غاض وهو باق إلى اليوم. المرازبة بفتح الميم جمع مرزبان بضم الزاي وهو الفارس الشجاع المتقدم على القوم دون المكره. هاله: أفزعه.

رؤيا بترك التنوين. حدث بفتح الحاء والدال المهملتين ومثلثة أي وقع. مشارف بميم مفتوحة فشين معجمة مخففة فألف فراء ففاء. المشارف: القرى التي تقرب من المدن، وقيل التي بين بلاد الريف وجزيرة العرب قيل لها ذلك لأنها أشرفت على السّواد. قاله في النهاية وقال في الصّحاح: مشارف الأرض أعاليها. أشفى: أشرف. أنشأ بهمزة مفتوحة أوله وآخره أي ابتدأ. أصمّ: بهمزة الاستفهام ثم بضم الصاد المهملة فتشديد الميم مبني للمفعول. الغطريف: بغين معجمة فطاء مهملة فراء مكسورة فمثناة تحتية ففاء المراد به هنا السيد. عبد المسيح: بالرفع لأنه مبتدأ والجار والمجرور في قوله «على جمل» الخبر. أوفى: أشرف. ساوة مدينة بين الرّيّ وهمذان. السّماوة بسين مهملة مفتوحة فميم مخففة: بادية لبني كلب عند الكوفة، أرض عالية لا حجر فيها لها طول ولا عرض لها سميت السّماوة لسمّوها أي علوها. الطّفل بفتحتين: العشيّ عند تطفيل الشمس ونقصان ضوئها. ومعنى تطفيلها دنوّها من المغيب. أنقاض يروى بضاد معجمة. ويروى بصاد مهملة. وعليهما فمعناه سقط. الأرجاء: النواحي. الميل بفتح الميم والمثناة التحتية قال في المحكم: الميل أي بسكون الياء في الحادث. والميل في الخلقة. فارس: اسم علم كالفرس لطائفة من العجم كانوا مجوساً يعبدون النار وكان لبيوت النار سدنة يقومون عليها. ويتناوبون إيقادها فلم يخمد لها لهبٌ لا ليل ولا نهار إلا ليلة مولده صلى الله عليه وسلم، فإنهم أوقدوها فلم تقد. وإنما انتفى إيقادها في نفسها مع كونهم تعاطوا إيقادها فهذا موضع الآية العجيبة، ولو كانوا لم يتعاطوا إيقادها لم يكن في ذلك آية لمولد النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك وقع اتفاقاً. وخمدت تلك النار مع إيقادهم لها ولها ألف سنة لم تخمد وتلك مدة عبادة المجوس للنار. المحيّا: الوجه. أسفرت: انحسرت.

غرّاء: تأنيث- الأغرّ وهو السيّد والأبيض النيّر. الازدهاء: الافتخار. توالت: تتابعت. الهواتف: جمع هاتف وهو ما يسمع صوته ولا يرى شخصه. تداعى: تهادم. غدا بالدال المهملة: صار. خمود النار: سكون لهبها ولم يطف جمرها، فإن انطفأ أيضاً قيل: همدت. الكربة بالضم: الهمّ الذي يأخذ النفس. والاستفهام عن انطفاء نار فارس بمياه العيون التي غارت يفيد التعجب من هذه القضية وتأكيد وقوعها وأن ذلك من آياته صلى الله عليه وسلم. رمق الشيء: نظر إليه نظرا خفيّاً. المرمى في الأصل: الغرض الذي ينتهي إليه سهم الرامي. والمراد ما انتهى إليه البصر. الشأن: القصد. العلو: الارتفاع في المكان. العلاء بالفتح والمد: الرفعة والشرف، والعلى بالضم والقصر بمعناه. تراءت من رؤية العين. وتراءى الجمعان: رأى بعضهم بعضاً. قيصر: أحد ملوك الروم. البطحاء: الأبطح. وهو في الأصل مسيل واسع فيه دقاق الحصى والمراد به هنا بطحاء مكة. التشميت: بالمعجمة، ويجوز إهمالها: أن تقول للعاطس: رحمك الله. الشفاء بكسر الشين المعجمة وتخفيف الفاء وقيل بفتحها والتثقيل: أم عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه-.

الباب الثاني عشر في فرح جده عبد المطلب به صلى الله عليه وسلم وتسميته له محمدا

الباب الثاني عشر في فرح جده عبد المطلب به صلى الله عليه وسلّم وتسميته له محمداً قال ابن إسحاق والواقدي وغيرهما: لما وضعت آمنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرسلت إلى جده عبد المطلب: أنه قد ولد لك غلام فائته فانظر إليه. فأتاه ونظر إليه. وحدثّته بما رأت حين حملت به وما قيل لها وما أمرت به أن تسمّيه، فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله ويشكره على ما أعطاه، ثم خرج به صلى الله عليه وسلم إلى أمه وهو يقول: الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيّب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذي الأركان حتّى يكون بلغة الفتيان ... حتّى أراه بالغ التّبيان أعيذه من شرّ ذي شنآن ... من حاسدٍ مضطرب العيان ذي همّةِ ليس له عينان ... حتّى أراه رافعاً للشّان أنت الذي سمّيت في الفرقان ... أحمد مكتوبٌ على اللسان [ (1) ] وروى البيهقي عن أبي الحسن التنوخي- رحمه الله تعالى- أنه لما كان يوم السابع من ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عنه جدّه ودعا قريشاً، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب ما سميته؟ قال: سميته محمداً. قالوا: لم رغبت به عن أسماء أهل بيته. قال: أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض. وروى أبو عمر وأبو القاسم بن عساكر من طرق عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عقّ عنده جده بكبش وسماه محمداً. فقيل له: يا أبا الحارث ما حملك على أن تسميه محمداً ولم تسمه باسم آبائه؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض. وذكر السّهيلي وأبو الرّبيع- رحمهما الله تعالى- أن عبد المطلب إنما سماه محمداً لرؤيا رآها. زعموا أنه رأى مناماً كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره ولها طرف في السماء وطرف في الأرض وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلّقون بها. فقصّها فعبّرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمداً مع ما حدّثته به أمه صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 2/ 264، 265، الروض الأنف 1/ 184.

ويرحم الله تعالى الإمام العلامة العارف إبراهيم بن أحمد الرقيّ حيث قال: لو أنّ كلّ الخلق ليلة مولد ال ... هادي على الهامات منهم قاموا شكراً لنعمة ربّهم فيما حبوا ... فيها بعشر عشيرها ما قاموا هي نعمةٌ ما غادرت من دينه ... كفرٌ ولا من دينه الإسلام عمّتهم ببحارها فالعالم ال ... علويّ والسّفليّ فيها عاموا فالحمد لله الذي من فضله ... عمّ البريّة كلّها الإنعام نظر الرّحيم إلى الورى فرآهم ... أغوتهم الأنصاب والأزلام وتحيّروا في ظلمة الكفر الذي ... عبدت به الأوثان والأصنام تغشى الفواحش في المحافل جهرةً ... لا ينكرون كأنّهم أنعام يبغي القويّ على الضعيف ويقهر ال ... والي اليتيم وتقطع الأرحام فأغاثهم ربّ العباد بشرعةٍ ... فيها الحدود على السّداد تقام دين النّبيّ محمّدٍ خير الورى ... من فصّلت في دينه الأحكام موسى وعيسى بشّرا بظهوره ... ودعا به من قبل إبراهام شكرا لمهديه إلينا نعمة ... ليست تحيط بكنهها الأوهام

الباب الثالث عشر في أقوال العلماء في عمل المولد الشريف واجتماع الناس له وما يحمد من ذلك وما يذم

الباب الثالث عشر في أقوال العلماء في عمل المولد الشريف واجتماع الناس له وما يحمد من ذلك وما يذم قال الحافظ أبو الخير السخاوي- رحمه الله تعالى- في فتاويه: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. انتهى. وقال الإمام الحافظ أبو الخير بن الجزريّ- رحمه الله تعالى- شيخ القرّاء: من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام. قلت: وأول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل الملك المظفّر أبو سعيد كوكوبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد. قال الحافظ عماد الدين بن كثير- رحمه الله تعالى- في تاريخه: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عادلاً- رحمه الله تعالى- وأكرم مثواه. وقد صنّف الشيخ أبو الخطاب بن دحية- رحمه الله تعالى- كتاباً له في المولد سمّاه: «التنوير في مولد البشير النذير» فأجازه بألف دينار. قال سبط بن الجوزي- رحمه الله تعالى- في مرآة الزمان: حكى من حضر سماط المظفر في بعض المولد أنه عدّ في ذلك السّماط خمسة آلاف رأس غنم شويّ وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف قرص ومائة ألف زبديّة أي من طعام، وثلاثين ألف صحن حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم. وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة. فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار وكان يفتكّ من الفرنج في كل سنة بمائتي ألف دينار، وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار، وهذا كله سوى صدقات السرّ. وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين [ (1) ] أن قميصه

_ [ (1) ] يوسف بن أيوب بن شاذي، أبو المظفر، صلاح الدين الأيوبي، الملقب بالملك الناصر: من أشهر ملوك الإسلام. كان

كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم. قالت: فعاتبته في ذلك فقال: ألبس ثوباً بخمسة دراهم وأتصدّق بالباقي خير من أن ألبس ثوباً مثمناً وأدع الفقير والمسكين. وقد أثنى عليه الأئمة، منهم الحافظ أبو شامة شيخ النّووي في كتابه «الباعث على إنكار البدع والحوادث» وقال: مثل هذا الحسن يندب إليه ويشكر فاعله ويثنى عليه. قال ابن الجوزيّ: لو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وإدعام أهل الإيمان. وقال العلامة ابن ظفر- رحمه الله تعالى-: بل في الدرّ المنتظم: وقد عمل المحبون للنبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بمولده الولائم-، فمن ذلك ما عمله بالقاهرة المعزّية من الولائم الكبار الشيخ أبو الحسن المعروف بابن قفل قدس الله تعالى سره، شيخ شيخنا أبي عبد الله محمد بن النعمان، وعمل ذلك قبل جمال الدين العجمي الهمذاني وممن عمل ذلك على قدر وسعه يوسف الحجّار بمصر وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحرّض يوسف المذكور على عمل ذلك. قال: وسمعت يوسف بن علي بن زريق الشامي الأصل المصري المولد الحجّار بمصر في منزله بها حيث يعمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام منذ عشرين سنة وكان لي أخ في الله تعالى يقال له الشيخ أبو بكر الحجّار فرأيت كأنني وأبا بكر هذا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم جالسين، فأمسك أبو بكر لحية نفسه وفرقها نصفين وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً لم أفهمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم مجيباً له: لولا هذا لكانت هذه في النار. ودار إليّ وقال: لأضربنك. وكان بيده قضيب فقلت: لأي شيء يا رسول الله؟ فقال: حتى لا تبطل المولد ولا السّنن. قال يوسف: فعملته منذ عشرين سنة إلى الآن. قال: وسمعت يوسف المذكور يقول: سمعت أخي أبا بكر الحجّار يقول: سمعت منصوراً النشّار يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول لي: قل له لا يبطله. يعني المولد ما عليك ممن أكل وممن لم يأكل. قال: وسمعت شيخنا أبا عبد الله بن أبي محمد النّعمان يقول: سمعت الشيخ أبا موسى الزّرهونيّ يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فذكرت له ما يقوله الفقهاء في عمل الولائم في المولد فقال صلى الله عليه وسلم: «من فرح بنا فرحنا به» . وقال الشيخ الإمام العلامة نصير الدين المبارك الشهير بابن الطبّاخ في فتوى بخطه: إذا أنفق المنفق تلك الليلة وجمع جمعاً أطعمهم ما يجوز إطعامه وأسمعهم ما يجوز سماعه ودفع للمسمع المشوّق للآخرة ملبوساً، كلّ ذلك سروراً بمولده صلى الله عليه وسلم فجميع ذلك جائز ويثاب

_ [ (-) ] أبوه وأهله من قرية دوين وهم بطن من الروادية، من قبيلة الهذانية، من الأكراد. نزلوا بتكريت، وولد بها صلاح الدين، وتوفى فيها جده شاذي. ثم ولي أبوه أيوب أعمالا في بغداد والموصل ودمشق. ونشأ هو في دمشق، وتفقه وتأدب وروى الحديث بها وبمصر والإسكندرية، وحدّث في القدس. وتوفي سنة 589 هـ. الأعلام 8/ 220، ووفيات الأعيان 2/ 376.

فاعله إذ أحسن القصد، ولا يختص ذلك بالفقراء دون الأغنياء، إلا أن يقصد مواساة الأحوج فالفقراء أكثر ثواباً، نعم إن كان الاجتماع كما يبلغنا عن قرّاء هذا الزمان من أكل الحشيش واجتماع المردان وإبعاد القوّال إن كان بلحية وإنشاد المشوّقات للشهوات الدنيوية وغير ذلك من الخزي والعياذ بالله تعالى فهذا مجمع آثام. وقال الشيخ الإمام جمال الدين بن عبد الرحمن بن عبد الملك الشهير (3) بالمخلّص الكتاني- رحمه الله تعالى- مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبجّل مكرّم، قدّس يوم ولادته وشرّف وعظم، وكان وجوده صلى الله عليه وسلم مبدأ سبب النجاة لمن اتبعه وتقليل حظّ جهنم لمن أعدّ لها لفرحه بولادته صلى الله عليه وسلم وتمّت بركاته على من اهتدى به، فشابه هذا اليوم يوم الجمعة من حيث أن يوم الجمعة لا تسعّر فيه جهنم، هكذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم فمن المناسب إظهار السرور وإنفاق الميسور وإجابة من دعاه ربّ الوليمة للحضور. وقال الإمام العلامة ظهير الدين جعفر التزمنتيّ- رحمه الله تعالى-: هذا الفعل لم يقع في الصّدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له إعظاماً ومحبةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ولا ذرّة منه، وهي بدعة حسنة إذا قصد فاعلها جمع الصالحين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإطعام الطعام للفقراء والمساكين، وهذا القدر يثاب عليه بهذا الشرط في كل وقت، وأما جمع الرعاع وعمل السّماع والرقص وخلع الثياب على القوّال بمروديّته وحسن صوته فلا يندب بل يقارب أن يذمّ، ولا خير فيما لم يعمله السلف الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها» . وقال الشيخ نصير الدين أيضاً: ليس هذا من السّنن، ولكن إذا أنفق في هذا اليوم وأظهر السرور فرحاً بدخول النبي صلى الله عليه وسلم في الوجود واتخذ السماع الخالي عن اجتماع المردان وإنشاد ما يثير نار الشهوة من العشقيات والمشوّقات للشهوات الدنيويّة كالقدّ والخدّ والعين والحاجب، وإنشاد ما يشوّق إلى الآخرة ويزهد في الدنيا فهذا اجتماع حسن يثاب قاصد ذلك وفاعله عليه، إلا أن سؤال الناس ما في أيديهم بذلك فقط بدون ضرورة وحاجة سؤالٌ مكروه، واجتماع الصّلحاء فقط ليأكلوا ذلك الطعام ويذكروا الله تعالى ويصلّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاعف لهم القربات والمثوبات. وقال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه: «الباعث على إنكار البدع والحوادث» قال الربيع: قال الشافعي- رحمه الله تعالى ورضي عنه-: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير مما لا خلاف فيه لواحد من هذا

فهي محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر- رضي الله تعالى عنه- في قيام رمضان نعمت البدعة هذه. يعني أنها محدثة لم تكن. وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى. قلت: وإنما كان كذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلّم حث على قيام شهر رمضان وفعله هو صلى الله عليه وسلم واقتدى به فيه بعض أصحابه ليلة أخرى. ثم ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بالمسجد جماعة، لما فيه من إحياء هذا الشّعار الذي أمر به الشارع وفعله والحثّ عليه والترغيب فيه. والله تعالى أعلم. فالبدعة الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي. وذلك نحو بناء المنابر والرّبط والمدارس وخانات السبيل وغير ذلك من أنواع البرّ التي لم تعهد في الصّدر الأول، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى. ومن أحسن ما ابتدع في زماننا هذا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة «إربل» جبرها الله تعالى، كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكر الله تعالى علي من منّ به من إيجاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمةً للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملاّ [ (1) ] أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال الشيخ الإمام العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري [ (2) ] الشافعي رحمه الله تعالى: هذه بدعة لا بأس بها ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السّنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده في إظهار السرور والفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] عمر بن محمد بن خضر الإربلي الموصلي، أبو حفص، معين الدين، المعروف بالملاء: شيخ الموصل. كان صالحا زاهدا عالما. له أخبار مع الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي. أمر الملك العادل نوابه في الموصل أن لا يبرموا فيها أمرا حتى يعلموا به الملّاء. وهو الذي أشار على العادل بعمارة الجامع الكبير في الموصل. وهو المعروف اليوم بالجامع النوري. قال سبط ابن الجوزي: وإنما سمي «الملاء» لأنه كان يملأ تنانير الآجر ويأخذ الأجرة فيتقوت بها، ولا يملك من الدنيا شيئاً. وصنف كتاب «وسيلة المتعبدين في سيرة سيد المرسلين» . توفي سنة 570 هـ. انظر الأعلام 5/ 60، 61. [ (2) ] موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم الجزري، ثم المصري، القاضي صدر الدين، أبو منصور. ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين- بتقديم التاء- وخمسمائة. وأخذ عن السخاوي وابن عبد السلام وغيرهما، قال الذهبي: وتفقه وبرع في المذهب، والأصول، والنحو، ودرس وأفتى وتخرج به جماعة. وكان من فضلاء زمانه. وولي القضاء بمصر وأعمالها دون القاهرة مدة. وقال غيره: تخرجت به الطلبة وجمعت عنه الفتاوى المشهورة به. توفي بمصر فجأة في رجب سنة خمس وستين وستمائة. ودفن بسفح المقطم. انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 152، 153، وشذرات الذهب 5/ 320.

وقال في موضع آخر: هذا بدعة، ولكنها بدعة لا بأس بها، ولكن لا يجوز له أن يسأل الناس بل إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أن نفس المسؤول تطيب بما يعطيه فالسؤال لذلك مباح أرجو أن لا ينتهي إلى الكراهة. وقال الحافظ- رحمه الله تعالى-: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدّها، فمن تحرّى في عمله المحاسن وتجنّب ضدّها كان بدعة حسنة ومن لا فلا. قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يومٌ أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى. فقال: «أنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه» . فيستفاد من فعل ذلك شكرا لله تعالى على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات والسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي الكريم نبيّ الرحمة في ذلك اليوم؟ وعلى هذا فينبغي أن يتحرّى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسّع قوم حتى نقلوه إلى أي يوم من السّنة. وفيه ما فيه. فهذا ما يتعلق بأصل عمل المولد. وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزّهدية المحرّكة للقلوب إلى فعل الخيرات والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحاً بحيث يتعيّن السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، ومهما كان حراما أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلافاً للأولى. انتهى. وقال شيخ القراء الحافظ أبو الخير ابن الجزري [ (1) ] رحمه الله تعالى: قد رئي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفّف عني كل ليلة اثنين وأمصّ

_ [ (1) ] محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير، شمس الدين، العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي، الشهير بابن الجزري: شيخ الإقراء في زمانه. من حفاظ الحديث. ولد ونشأ في دمشق، وابتنى فيها مدرسة سماها «دار القرآن» ورحل إلى مصر مرارا، ودخل بلاد الروم، وسافر مع تيمورلنك إلى ما وراء النهر. ثم رحل إلى شيراز فولي قضاءها. ومات فيها. نسبته إلى «جزيرة ابن عمر» . من كتبه «النشر في القراآت العشر» ، و «غاية النهاية في طبقات القراء» اختصره من كتاب آخر له اسمه «نهاية الدرايات في أسماء رجال القراآت» و «التمهيد في علم التجويد» توفي سنة 883 هـ. انظر الأعلام 7/ 45.

من بين إصبعيّ هاتين ماءً بقدر هذا- وأشار لرأسي إصبعيه- وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عند ما بشّرتني بولادة محمد صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمّه جوزي في النار لفرحه ليلة مولد محمد صلى الله عليه وسلّم فما حال المسلم الموحّد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم ببشره بمولده وبذل ما تصل إليه قدرته في محبته؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنة النعيم. وذكر نحوه الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي- رحمه الله تعالى- ثم أنشد: إذا كان هذا كافرٌ جاء ذمّه ... وتبّت يداه في الجحيم مخلّدا أتى أنّه في يوم الاثنين دائماً ... يخفّف عنه بالسّرور بأحمدا فما الظّنّ بالعبد الذي كان عمره ... بأحمد مسروراً ومات موحدا وقال شيخنا- رحمه الله تعالى- في فتاويه: عندي أن أصل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمدّ لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. قال: وقد ظهر لي تخريجه على أصل صحيح غير الذي ذكره الحافظ، وهو ما رواه البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا فعله صلى الله عليه وسلم إظهاراً للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمةً للعالمين وتشريعاً لأمته صلى الله عليه وسلم، كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وسلم بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات والمسرّات. وقال في شرح سنن ابن ماجه: الصواب أنه من البدع الحسنة المندوبة إذا خلا عن المنكرات شرعاً. انتهى. ويرحم الله تعالى القائل: لمولد خير العالمين جلال ... لقد غشي الأكوان منه جمال فيا مخلصاً في حقّ أحمد هذه ... ليالٍ بدا فيهنّ منه هلال فحقّ علينا أن نعظّم قدره ... فتحسن أحوالٌ لنا وفعال فنطعم محتاجاً ونكسو عارياً ... ونرفد من أضحى لديه عيال

فتلك فعال المصطفى وخلاله ... وحسبك أفعالٌ له وخلال لقد كان فعل الخير قرّة عينه ... فليس له فيما سواه مجال والقائل أيضاً: يا مولد المختار أنت ربيعنا ... بك راحة الأرواح والأجساد يا مولداً فاق الموالد كلّها ... شرفاً وساد بسيّد الأسياد لا زال نورك في البريّة ساطعاً ... يعتاد في ذا الشّهر كالأعياد في كل عام للقلوب مسرّةٌ ... بسماع ما نرويه في الميلاد فلذاك يشتاق المحبّ ويشتهي ... شوقاً إليه حضور ذا الميعاد وزعم الإمام العلامة تاج الدين الفاكهاني المالكي- رحمه الله تعالى- أن عمل المولد بدعة مذمومة وألّف في ذلك كتابا قال فيه: الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيّدنا بالهداية إلى دعائم الدّين، ويسّر لنا إتباع آثار السلف الصالحين، حتى امتلأت قلوبنا بأنواع علم الشرع وقواطع الحق المبين، وطهّر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدين. أحمده على ما من به من أنوار اليقين، وأشكره على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين. أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد: هل له أصلٌ في الشرع أو هو بدعة حدثت في الدين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبيّناً والأيضاًح عنه معيّناً. فقلت وبالله التوفيق: ما أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين المتمسّكون بآثار الصالحين المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطّالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكّالون، بدليل أنا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاًَ أو محرّماً. وليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً، لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذمّ على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون المتديّنون فيما علمت. وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين: أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله لا يجاوزون ذلك الاجتماع على أكل الطعام ولا يقترفون شيئاً من الآثام

فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة إذ لم يفعله أحد من متقدّمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام سرج الأزمنة وزين الأمكنة. والثاني: أن تدخله الجناية وتشتد به العناية حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيّما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء من البطون الملأى بآلات الباطل من الدّفوف والشّبّابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الغانيات إما مختلطات بهن أو متشرّفات والرقص بالتثنّي والانعطاف والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتّهنيك والتّطريب في الإنشاد والخروج في التلاوة والذكر المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك بنفوس موتى القلوب وغير المستقيلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرّمات. فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ! ولله درّ شيخنا القشيري رحمه الله تعالى حيث يقول فيما أجازناه: قد عرف المنكر واستنكر ال ... معروف في أيّامنا الصّعبة وصار أهل العلم في وهدةٍ ... وصار أهل الجهل في رتبه حادوا عن الحقّ فما للّذي ... سادوا به فيما مضى نسبه فقلت للأبرار أهل التّقى ... والدّين لما اشتدّت الكربه لا تنكروا أحوالكم قد أتت ... نوبتكم في زمن الغربة! ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجّب من العجب!. هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه. وهذا ما علينا أن نقول ومن الله تعالى نرجو حسن القبول. هذا جميع ما أورده الفاكهاني- رحمه الله تعالى- في كتابه المذكور. وتعقبه الشيخ- رحمه الله تعالى- في فتاويه فقال: أمّا قوله: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنّة فيقال عليه: نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود، وقد استخرج له إمام الحفاظ أبو الفضل بن حجر أصلاً من السنة واستخرجت أنا له أصلاً ثانياً. قلت: وتقدم ذكرهما. وقوله بل هو بدعة أحدثها البطّالون إلى قوله: «ولا العلماء المتدينون» يقال عليه: إنما

أحدثه ملك عادل عالم وقصد به التقرب إلى الله تعالى، وحضر عنده فيه العلماء والصّلحاء من غير نكير منهم. وارتضاه ابن دحية- رحمه الله تعالى- وصنف له من أجله كتاباً، فهؤلاء علماء متديّنون رضوه وأقرّوه ولم ينكروه. وقوله: «ولا مندوباً لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع» يقال عليه: إن الطلب في المندوب تارةً يكون بالنصّ وتارة يكون بالقياس، وهذا وإن لم يرد فيه نص ففيه القياس على الأصلين الآتي ذكرهما. وقوله: «ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين» كلام غير مستقيم لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضاً مباحة ومندوبة وواجبة. قال النووي- رحمه الله تعالى- في «تهذيب الأسماء واللغات: البدعة في الشرع: هي ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة» . وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله تعالى- في القواعد: البدعة منقسمة إلى واجبة وإلى محرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن نعرض البدعة على قواعد الشّرع، فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرّمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة. وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة منها: إحداث الرّبط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول. ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوّف وفي الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى. وروى البيهقي بإسناده في «مناقب الشافعي» عن الشافعي- رحمه الله تعالى- ورضي عنه قال: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا. وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر- رضي الله تعالى عنه- في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه. يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت ليس فيها ردّ لما مضى. هذا آخر كلام الشافعي. فعرف بذلك منع قول الشيخ تاج الدين: «ولا جائز أن يكون مباحاً» إلى قوله: «وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة» الخ لأن هذا القسم مما أحدث وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي وهو من الإحسان الذي، لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي من اقتراف الآثام إحسان، فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام. وقوله: والثاني الخ هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه

الأشياء المحرّمة التي ضمت إليه، لا من حيث الاجتماع لإظهار شعار المولد، بل لو وقع مثل هذه الأمور في الاجتماع لصلاة الجمعة مثلاً لكانت قبيحة شنيعة، ولا يلزم من ذلك تحريم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة وهو واضح. وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليال من رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح فلا تحرم التراويح لأجل هذه الأمور التي قرنت بها، كلا بل نقول: أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنّة وقربة وما ضمّ إليها من هذه الأمور قبيحٌ شنيع. وكذلك نقول: أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوبٌ وقربة. وما ضمّ إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع. وقوله مع «أن الشهر الذي وقع فيه» الخ. جوابه أن يقال: إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثّت على أظهار شكر النعم والصبر والسّكون والكتم عند المصائب. وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ولم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره، بل نهى عن النّياحة وإظهار الجزع، فدلّت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته صلى الله عليه وسلّم وقد قال ابن رجب- رحمه الله تعالى- في كتاب «اللطائف» في ذمّ الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً لأجل قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- لم يأمر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن هو دونهم؟ وقد تكلم الإمام أبو عبد الله بن الحاج- رحمه الله تعالى- في كتابه «المدخل» على عمل المولد فأتقن الكلام فيه جداً وحاصله: مدح ما كان فيه من إظهار شعار وشكر، وذمّ ما احتوى عليه من محرّمات ومنكرات. وأنا أسوق كلامه فصلاً فصلاً. قال: فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى ذلك على بدع ومحرّمات جملة. فمن ذلك: استعمال المغاني ومعهن آلات الطرب من الطّار المصرصر [ (1) ] والشّبّابة وغير ذلك مما جعلوه آلةً للسماع ومضوا في ذلك على العوائد الذّميمة في كونهم يشغلون أكثر الأزمنة التي فضّلها الله تعالى وعظّمها ببدع ومحدثات، ولا شك أن السماع في غير هذه الليلة فيه ما فيه، فكيف به إذا انضمّ إلى فضيلة هذا الشهر العظيم الذي فضله الله تعالى وفضلنا فيه بهذا النبي الكريم الذي منّ الله علينا فيه بسيّد الأوّلين والآخرين، وكان يجب أن يزداد فيه من العبادة والخير شكراً للمولى على ما أولانا به من هذه النّعم العظيمة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئاً من العبادات. وما ذاك إلا برحمته صلى الله عليه وسلم لأمته ورفقه بهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمةً منه بهم، لكن أشار صلى الله عليه وسلم إلى

_ [ (1) ] المصرصر: الشديد الصوت. المعجم الوسيط 1/ 515.

فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين: «ذاك يوم ولدت فيه» فتشريف هذا اليوم متضمن تشريف هذا الشهر الذي ولد فيه فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضّله بما فضل الله تعالى به الأشهر الفاضلة وهذا منها، لقوله صلى الله عليه وسلم «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي» وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها، لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها. وإنما يجعل التشريف بما خصّت به من المعاني. فانظر إلى ما خصّ الله به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضلٌ عظيم لأنه صلى الله عليه وسلم ولد فيه؟ فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرّم ويعظّم ويحترم الاحترام اللائق به، إتباعاً له صلى الله عليه وسلم في كونه كان يخصّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البرّ فيها وكثرة الخيرات. ألا ترى إلى قول ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان» فنمتثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله على قدر استطاعتنا. فإن قال قائل: قد التزم صلى الله عليه وسلم في الأوقات الفاضلة ما التزمه في غيره. فالجواب: أن ذلك لما علم من عادته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أمته سيما فيما كان يخصه، ألا ترى إلى أنه صلى الله عليه وسلم حرّم المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة، ومع ذلك لم يشرع في قتل صيده ولا شجره الجزاء تخفيفاً على أمته ورحمة بهم، وكان ينظر إلى ما هو من جهته وإن كان فاضلاً في نفسه فيتركه للتخفيف عنهم. فعلى هذا: تعظيم هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القربات، فمن عجز عن ذلك فأقلّ أحواله أن يجتنب ما يحرّم عليه ويكره له تعظيماً لهذا الشهر الشريف، وإن كان ذلك مطلوباً في غيره إلا أنه في هذا الشهر أكثر احتراماً، كما يتأكّد في شهر رمضان وفي الأشهر الحرم فيترك الحدث في الدّين ويجتنب مواضع البدع وما لا ينبغي. وقد ارتكب بعضهم في هذا الزمان ضدّ هذا المعنى، و [هو] أنه إذا دخل هذا الشهر الشريف تسارعوا فيه إلى اللهو واللعب بالدّف والشبابة وغيرهما. ويا ليتهم عملوا المغاني ليس إلا، بل يزعم بعضهم أنه يتأدّب فيبدأ المولد بقراءة الكتاب العزيز وينظرون إلى من هو أكثر معرفة بالتهوّك والطّرق المهيّجة لطرب النفوس، وهذا فيه وجوه من الفساد. ثم إنهم لم يقتصروا على ما ذكر، بل ضمّ بعضهم إلى ذلك الأمر الخطر، وهو أن يكون

المغنّي شابّاً نظيف الصورة حسن الصوت والكسوة والهيئة، فينشد التغزّل ويتكسّر في صوته وحركاته، فيفتن بعض من معه من الرجال والنساء، فتقع الفتنة في الفريقين ويثور من الفساد ما لا يحصى. وقد يؤول ذلك في الغالب إلى إفساد حال الزوج وحال الزوجة ويحصل الفراق والنكد العاجل ويتشتّت أمرهم بعد جمعهم وهذه المفاسد مركّبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع. فإن خلا منه وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدّم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط لأن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن تبع فيسعنا ما يسعهم. انتهى. وحاصل ما ذكره: أنه لم يذمّ المولد بل ذمّ ما يحتوي عليه من المحرّمات والمنكرات، وأول كلامه صريح في أنه ينبغي أن يخصّ هذا الشهر بزيادة فعل البرّ وكثرة الخيرات والصدقات وغير ذلك من وجوه القربات، وهذا هو عمل المولد الذي استحسنّاه، فإنه ليس فيه شيء سوى قراءة القرآن وإطعام الطعام وذلك خيرٌ وبرّ وقربة. وأما قوله آخراً: إنه بدعة: فإما أن يكون مناقضاًَ لما تقدّم، أو أنه يحمل على أنه بدعة حسنة، كما تقدم تقريره في صدر الباب، أو يحمل على أن فعل ذلك خير والبدعة منه نيّة المولد كما أشار إليه بقوله: «فهو بدعة بنفس نيته فقط، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد» فظاهر هذا الكلام أنه كره أن ينوي به المولد فقط ولم يكره عمل الطعام ودعاء الإخوان إليه. وهذا إذا حقّق النظر يجتمع مع أول كلامه لأنه حثّ فيه على زيادة فعل البر وما ذكر معه على وجه الشكر لله تعالى إذ أوجد في هذا الشهر الشريف سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وهذا هو معنى نية المولد. فكيف يذم هذا القدر مع الحث عليه أولاً؟!. وأما مجرد فعل البر وما ذكر معه من غير نية أصلاً فإنه لا يكاد يتصوّر، ولو تصوّر لم يكن عبادة ولا ثواب فيه، إذ لا يعمل إلا بنية، ولا نية هنا إلا الشكر لله تعالى على ولادة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الشريف، وهذا معنى نية المولد فهي نية مستحسنة بلا شك. فتأمّل. ثم قال ابن الحاج: ومنهم من يفعل المولد لا لمجرد التعظيم، ولكن له فضة عند الناس متفرقة كان قد أعطاها في بعض الأفراح أو المواسم ويريد أن يستردّها ويستحي أن يطلبها بذلك، فيعمل المولد حتى يكون سبباً لأخذ ما اجتمع له عند الناس وهذا فيه وجوه من المفاسد: أنه يتصف بصفة النفاق، وهو أن يظهر خلاف ما يبطن، وظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة، وباطنه أنه يجمع فيه فضةً. ومنهم من يعمل المولد لأجل جمع الدراهم

أو طلب ثناء الناس عليه ومساعدتهم له، وهذا أيضاً فيه من المفاسد ما لا يخفى. انتهى. وهذا أيضاً من نمط ما تقدم ذكره، وهو أن الذم فيه إنما حصل من عدم النيّة الصالحة، لا من أصل عمل المولد. انتهى ما أوردته من كلام الشيخ رحمه الله تعالى. ورضي عنه، والله هو الهادي للصواب.

جماع أبواب رضاعه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا

جماع أبواب رضاعه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا الباب الأول في مراضعه صلى الله عليه وسلم جملة من قيل إنهن أرضعنه صلى الله عليه وسلم عشر نسوة. الأولى: أمه صلى الله عليه وسلم أرضعته سبعة أيام. ذكر ذلك جماعة منهم صاحب المورد والغرر. الثانية: ثويبة [ (1) ] بضم الثاء المثلثة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية بعدها ياء موحدة أرضعته بلبن ابنها مسروح بفتح الميم وسكون السين المهملة ثم راء مضمومة وآخره حاء مهملة. قال ابن منده: اختلف في إسلامها وقال أبو نعيم لا أعلم أحدا ذكر إسلامها إلا ابن منده. قال الحافظ: وفي باب من أرضع النبي صلى الله عليه وسلم من طبقات ابن سعد ما يدل على أنها لم تسلم، ولكنه لا يدفع نقل ابن مندة به. انتهى. وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: لا نعلم أنها أسلمت. وقال الحافظ: لم أقف في شيء من الطرق على إسلام ابنها مسروح وهو محتمل. انتهى. فأرضعته صلى الله عليه وسلم أياماً حتى قدمت حليمة، وكانت ثويبة [ (1) ] أرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة بن عبد الأسد، وكانت مولاة أبي لهب. روى عبد الرزاق والإسماعيلي [ (2) ] والبخاري في كتاب النكاح في باب «وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ» عن عروة: ثويبة مولاة أبي لهب، كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلّم،

_ [ (1) ] ثويبة التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وهي مولاة أبي لهب.. ذكرها ابن مندة وقال اختلف في إسلامها وقال أبو نعيم: لا أعلم أحدا أثبت إسلامها انتهى. وأخرج ابن سعد من طريق برة بنت أبي تجرأة إن أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة وأرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة بن عبد الأسد. ماتت سنة سبع مرجعه من خيبر. الإصابة 8/ 36. [ (2) ] أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس، أبو بكر الإسماعيلي الفقيه الحافظ. أحد كبراء الشافعية فقها وحديثا وتصنيفا، رحل وسمع الكثير وصنف الصحيح والمعجم ومسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجلدات، أجاد فيه وأفاد. أخذ عنه الفقه ابنه أبو سعد وفقهاء جرجان. قال الشيخ أبو إسحاق: جمع بين الفقه والحديث ورئاسة الدين والدنيا. قال الذهبي: رأيت له مجلدا من مسند كبير إلى الغاية من حساب مائة مجلد أو أكثر. توفي في رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وله أربع وسبعون سنة. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 136، 137، والأعلام 1/ 83، والأنساب 1/ 239.

فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة فقال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم. زاد عبد الرزاق: راحة. ولفظ الإسماعيلي: لم ألق بعد رخاءً. وحذف المفعول في جميع روايات البخاري. «غير أني سقيت في هذه» زاد عبد الرزاق- وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه بعتاقتي ثويبة. وذكر السهيلي وغيره إن الرائي له أخوه العباس، وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر: أن أبا لهب قال للعباس، إنه ليخفّف علي في يوم الاثنين. قالوا: لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أعتقها من ساعته، فجوزي بذلك لذلك. قال في الغرر: واختلفوا متى أعتقها. فقيل: أعتقها حين بشّرته بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الصحيح. وقيل إن خديجة سألت أبا لهب في أن تبتاعها منه ليعتقها فلم يفعل. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أعتقها أبو لهب. وهو ضعيف. انتهى. وقال الحافظ: واستدل بهذا على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة، وهو مردود بظاهر قوله تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً لا سيما والخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدّثه به. وعلى تقدير أن يكون موصولاً فلا يحتجّ به. إذ هو رؤيا منام لا يثبت به حكم شرعي، لكن يحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصاً من ذلك، بدليل التخفيف عن أبي طالب المروي في الصحيح. قلت: وعلى هذا الاحتمال جرى جمع كما سبق، نقل ذلك عنهم. قال البيهقي: ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلّص من النار ولا دخول الجنة، ويجوز أن يخفّف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر، بما عملوه من الخيرات. وأما عياض رحمه الله تعالى فقال: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، وإن كان بعضهم أشدّ عذاباً من بعض، قال الحافظ: وهذا لا يردّ الاحتمال الذي ذكره البيهقي، فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر، وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه. وقال القرطبي رحمه الله تعالى: هذا التخفيف خاص بهذا أو بمن ورد النصّ فيه. وقال ابن المنير [ (1) ] رحمه الله تعالى في الخامسة: هما قضيتان إحداهما محال، وهي

_ [ (1) ] أحمد بن محمد بن منصور: من علماء الإسكندرية وأدبائها. ولي قضاءها وخطابتها مرّتين. له تصانيف، منها «تفسير» و «ديوان خطب» و «تفسير حديث الإسراء» على طريقة المتكلمين. و «الانتصاف من الكشاف» وله نظم. توفي سنة 683 هـ. انظر الأعلام 1/ 220، وفوات الوفيات 1/ 72.

اعتبار طاعة الكافر مع كفره، لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح، وهذا مفقود من الكافر. الثانية: إثبات ثواب على بعض الأعمال تفضلاً من الله تعالى وهذا لا يحيله العقل، فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة، ويجوز أن يتفضل الله تعالى عليه بما شاء كما تفضل علي بن أبي طالب، والمتبع في ذلك التوقيف نفياً وإثباتاً. وقال الحافظ: وتتمة هذا أن يقع التفضّل المذكور إكراماً لمن وقع من الكافر البرّ له ونحو ذلك. حيبة: بحاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة وفي لفظ عند السّهيلي بالخاء المعجمة المفتوحة. عتاقتي: بفتح العين المهملة: أحد مصادر عتق العبد الذي هو فعل لازم وإنما عبّر في هذا الحديث بالعتاقة دون الإعتاق وإن كان المناسب الإعتاق لأنها أثره: فلذلك أضافها إلى نفسه بقوله: عتاقتي. قاله الترمذي في شرح العمدة. النقرة: قال ابن بطال رحمه الله تعالى: يعني أن الله سقاه ما في مقدار نقرة إبهامه لأجل عتق ثويبة. كما ذكر في حديث أبي طالب أنه في ضحضاح من نار لا في النار، بسبب حفظه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف أبي لهب فإنه كان يؤذيه فكان نصيبه من الرفق والرحمة دون أبي طالب. قال غيره: أراد بالنقرة التي بين إبهامه وسبابته إذا مد إبهامه فصار بينهما نقرة يسقى من الماء بقدر ما يسع تلك النقرة نقل ذلك في غريبي الهرويّ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة يكرمان ثويبة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر، فسأل عن ابنها مسروح فقيل قد مات فسأل عن قرابتها فقيل لم يبق منهم أحد. الثالثة: امرأة من بني سعد غير حليمة. روى ابن سعد عن ابن أبي مليكة [ (1) ] رحمه الله تعالى أن حمزة كان مسترضعاً له عند قوم من بني سعد بن بكر، وكانت أم حمزة قد أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند أمه حليمة. الرابعة: خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن عدي بن النجار، أم بردة الأنصارية، ذكر الإمام أبو الحسن إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم المعروف بابن الأمين أنها أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ذكرها العدوي وتابعه في العيون والمورد، وهو وهم إنما أرضعت

_ [ (1) ] عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، بالتصغير، ابن عبد الله بن جدعان، يقال اسم أبي مليكة، زهير التيمي، المدني، أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة. التقريب 1/ 431.

ولده صلّى الله عليه وسلم إبراهيم. كما ذكر ابن سعد وأبو عمر وغيرهما وعليه جرى الحافظ في الإصابة كما رأيته بخطه. ونصه بعد أن ساق نسبها: مرضعة ابن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الصواب. خلافاً لما في بعض النسخ السقيمة من إسقاط ابن ولم أر من نبه على ذلك ثم بعد مدة رأيت القاضي عز الدين بن القاضي بدر الدين بن جماعة رحمهما الله تعالى ذكر في سيرته المختصرة أن ابن الأمين وهم في ذكرها في الرضاع وأن بعض العصريين حكوا ذلك عنه من غير تعقب. انتهى فسررت بذلك وحمدت الله تعالى. الخامسة (6) : أم أيمن بركة ذكرها القرطبي. والمشهور أنها من الحواضن لا من المراضع. السادسة والسابعة والثامنة: قال أبو عمر رحمه الله تعالى: أنه صلى الله عليه وسلم مر به على نسوة ثلاثة من بني سليم فأخرجن ثديّهن فوضعنها في فيه فدرّت عليه. ورضع منهن. التاسعة: أم فروة ذكرها المستغفري. ثم روي عن ابن إسحاق عن أم فروة ظئر النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فإنها براءة من الشّرك» قال أبو موسى المديني رحمه الله تعالى: اختلف في راوي هذا الحديث. فقيل فروة. وقيل أبو فروة وقيل أم فروة وهذا أغرب الأقوال. قال الحافظ في الإصابة: بل هو غلط محض وإنما هو أبو فروة وكأن بعض رواته لمّا رأى عن أبي فروة ظئر النبي صلى الله عليه وسلّم ظنه خطأ والصواب أم فروة فرواه على ما ظن فأخطأ هو واسم الظّئر لا يختص بالمرأة المرضعة بل يطلق على زوجها أيضاً. وقد أخرجه أصحاب السنن الثلاثة من طرق عن ابن إسحاق عن فروة بن نوفل عن أبيه. وهكذا أخرجه أبو داود والنسائي من رواية إسرائيل كلاهما عن أبي إسحاق مجرداً وفيه على أبي إسحاق اختلاف. وهذا هو المعتمد. انتهى. العاشرة: حليمة بنت أبي ذؤيب بذال معجمة، ابن عبد الله بن سجنة بسين مهملة مكسورة فجيم ساكنة فنون مفتوحة. ابن رزام براء مكسورة ثم زاي، ابن ناصرة بن فصيّة بالفاء تصغير فصاه وهي النواة من التمر، ابن سعد بن بكر بن هوازن. كذا قاله ابن إسحاق. وقال ابن الكلبي: اسم أبي ذؤيب الحارث بن عبد الله بن سجنة. قال البلاذري: وهو الثبت. قال النووي رحمه الله تعالى: كنية حليمة أم كبشة اسم أبيه الذي أرضعه الحارث بن عبد العزّى.

الباب الثاني في إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة

الباب الثاني في إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عمه حمزة أسد الله وسيد الشهداء رضي الله تعالى عنه، روى سعيد بن منصور وابن سعد والشيخان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال علي بن أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تتزوج ابنة حمزة فإنها من أحسن فتاة في قريش؟ قال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة» انتهى [ (1) ] . وحمزة رضي الله تعالى عنه رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة حليمة. ومن جهة السعدية السابقة. أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم من السابقين الأولين إلى الإسلام. روى الشيخان عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة، بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما قالت: قلت يا رسول الله: ألا تنكح أختي بنت أبي سفيان. ولمسلم عزّة بنت أبي سفيان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتحبين ذلك؟» قالت: نعم لست لك. بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن ذلك لا يحل لي» . قالت: فإنا نحدّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. وفي رواية: درّة بنت أبي سلمة. قال: «بنت أبي سلمة؟» قلت: نعم. قال: «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة» . وذكر الحديث [ (2) ] . مخلية بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام وبالتحتية المثناة أي لم أجدك خالياً من الزوجات غيري وقال ابن الجوزي: المعنى بمنفردة للخلوة بك. نحدّث بضم النون وفتح الحاء والدال المهملتين. حجري بفتح الحاء المهملة وكسرها. عزّة بفتح المهملة بعدها زاي. درة: بضم المهملة. مسروح: تقدم الكلام عليه.

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 6/ 100، وابن ماجة (1938) ، والطبراني في الكبير 12/ 181، وأحمد في المسند 1/ 329. [ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 43 كتاب النكاح (5101) (5106- 5107- 5123- 5372) .

عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه. قال السهيلي رحمه الله تعالى. وتعقبه في الزهر بأن الذي ذكره أهل التاريخ وأهل الصحيح لا أعلم بينهم اختلافاً أن الراضع مع حمزة أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد لا ذكر لابن جحش عندهم. قلت: هذا هو الصواب. وما ذكره السهيلي سبق قلم؟ فإن أبا سلمة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رضع هو وإياه من ثويبة كما في صحيح البخاري ولم يذكر ذلك السهيلي، وذكر ابن جحش. عبد الله بن الحارث بن عبد العزّى ابن حليمة وهو الذي شرب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع للبيهقي من طريق العلائي أن اسمه ضمرة. فالله تعالى أعلم. حفص بن الحارث: ذكره الحافظ في الإصابة. أمية بنت الحارث ذكرها أبو سعيد النيسابوري في الشرف وأقره الحافظ. خذامة بخاء مكسورة وذال معجمتين. ويقال بجيم مضمومة ودال مهملة، ويقال حذافة بحاء مهملة مضمومة وذال معجمة وفاء، قال الخشني: وهو الصواب وهي: الشّيماء بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية. وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمها إذ كان عندهم. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى في رواية يونس بن بكير وغيره: إن حذافة وهي الشّيماء غلب عليها ذلك، وذكر أن الشيماء كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمها. وروى ابن إسحاق عن أبي وجزة السّعدي أن الشّيماء لما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني لأختك من الرضاعة. قال: «وما علامة ذلك؟» قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك. فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه ثم قال: ها هنا فأجلسها عليه وخيّرها فقال: «إن أحببت فأقيمي عندي محبّبة مكرّمة وإن أحببت أن أمتعك فترجعي إلى قومك فعلت» . فقالت: بل تمتّعني وترجعني إلى قومي. فمتّعها وردّها إلى قومها. فزعم بنو سعد بن بكر أنه صلى الله عليه وسلم أعطاها غلاماً يقال له مكحول وجاريةً فزوّجوا الغلام الجارية فلم يزل من نسلهما بقية. أبو وجزة بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي اسمه يزيد بن عبيد. وذكر أبو عمر رحمه الله تعالى نحوه. وزاد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها وشياً أي ثوباً موشّى وثلاثة أعبد وجارية. ونقل في الزّهر والإصابة إن محمد بن المعلّى قال في كتاب الترقيص: إن الشّيماء كانت ترقّص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول في ترقيصه هذا الكلام: يا ربّنا أبق أخي محمّداً ... حتّى أراه يافعاً وأمردا وأكبت أعاديه معاً والحسّدا ... وأعطه عزّاً يدوم أبداً زاد في الزهر في النقل عنه:

هذا أخٌ لي لم تلده أمّي ... وليس من نسل أبي وعمّي فديته من مخولٍ معمّ ... فأنمه اللهمّ فيما تنمي وتقول أيضاً رضي الله تعالى عنها: محمدٌ خير البشر ... ممّن مضى ومن غبر من حجّ منهم أو اعتمر ... أحسن من وجه القمر من كلّ أنثى وذكر ... من كلّ مشبوب أغرّ جنّبني الله الغير ... فيه وأوضح لي الأثر

الباب الثالث في إسلام السيدة حليمة وزوجها رضي الله تعالى عنهما

الباب الثالث في إسلام السيدة حليمة وزوجها رضي الله تعالى عنهما قال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله تعالى: الظاهر أن حليمة لم تدرك البعثة. قال الحافظ في شرح الدّرر: وهو غير مسلّم، فقد روى أبو يعلى والطبراني وابن حبّان، عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: حدثتني حليمة. وعبد الله إنما ولد بعد البعثة بمدة، بل لم يتهيأ له السّماع من حليمة إلا بعد الهجرة بسبع سنين أو أكثر، لأنه قدم من الحبشة مع أبيه وهو صغير ليلة الغزوة في خيبر سنة سبع، وحليمة إنما قدمت في هذه المدة أو بعدها بسنة في الجعرانة. ومستند ابن كثير كثير الاختلاف على ابن إسحاق في حديث حدّثه عبد الله، فمنهم من قال: عبد الله بن جعفر، عن حليمة. ومنهم من قال: عن عبد الله بن جعفر حدثتني حليمة. قلت: ليس هذا مستنده إنما مستنده قول من قال: عن عبد الله بن جعفر حدّثت عن حليمة. والله تعالى أعلم. قال الحافظ: فرأى ابن كثير أن هذه علّة تمنع من الجزم بإدراك عبد الله بن جعفر لها، وليست هذه في التحقيق علة، فإن الشواهد التي تدل على إدراك عبد الله بن جعفر لها كثيرة وأسانيدها جيدة. وروى ابن سعد بسند رجاله رجال الصحيح، عن محمد بن المنكدر- مرسلا- قال: استأذنت امرأةٌ على النبي صلى الله عليه وسلم. قد كانت ترضعه فلما دخلت عليه قال: أمّي أمي! وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه انتهى. قلت: ويجاب عن رواية: «حدّثت عن حليمة» أنه سمع منها بعض القصة وبعضها عمن سمع منها أو أنه سمع ممن روى عنها. ثم سمع منها. والله تعالى أعلم. وقد ألف الحافظ مغلطاي رحمه الله تعالى جزءاً في إيمانها وهذه خلاصته مع زيادة: روى البخاري في الأدب وأبو داود والطبراني وابن حبان في صحيحه عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة- وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور- إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه؟ قالوا هذه أمه صلى الله عليه وسلم التي أرضعته. وقول الذهبي: يجوز أن تكون هذه ثويبة مردود بما ثبت أنها توفيت سنة سبع من الهجرة.

ثم ذكر الحافظ مغلطاي حديث الرضاع ثم قال: فإن قيل: ما وجه الاستدلال من هذين الحديثين؟ قلنا: من وجوه: الأول: دفع شبهة من زعم أن القادمة في حنين أخته صلى الله عليه وسلم لأنه يستبعد أن تكون عمّرت إلى ذلك الحين تخرّصاً من غير يقين، لأن رواية هذين الصحابيين عنها مشافهةً مع صغرهما يقرّب ذلك الاستبعاد. قلت: قال الحافظ بعد أن أورد عدة آثار في مجيء أمه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إليه ثم قال: ففي تعدد الطرق ما يقتضي أن لها أصلاً أصيلاً، وفي اتفاق الطرق على أنها أمّه ردّ على من زعم أن التي قدمت عليه أخته، وزاعم ذلك هو الحافظ الدمياطي رحمه الله تعالى والله تعالى أعلم. وقد ذكرها في الصحابة جماعة. قال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه: ذكر ما انتهى إلينا من سند النساء اللاتي رويّن عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: باب الحاء: حليمة بنت أبي ذؤيب وقال الحافظ أبو محمد المنذريّ في مختصر سنن أبي داود: حليمة أمه صلى الله عليه وسلم أسلمت وجاءت إليه وروت عنه عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى في الحدائق: قدمت حليمة ابنة الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوج خديجة فشكت إليه جدب البلاد فكلّم خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيراً، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث. وقال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى: لما وردت حليمة السعدية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقضى حاجتها فلما توفي قدمت على أبي بكر فصنع لها مثل ذلك. قلت: هذا كلام القاضي في الشفاء وروى ابن سعد عن عمر بن سعد مرسلاً قال: جاءت ظئر النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقضى حاجتها ثم جاءت أبا بكر ففعل ذلك، ثم جاءت عمر ففعل ذلك والله تعالى أعلم. الوجه الثاني: أن لفظ الأمّ لا ينطلق عرفاً ولغة إلاّ على الأم الحقيقية، ولم نر من يسمي الأخت أمّا، على أنه قد جاء ما يدفع هذا لو قيل به. وروى أبو داود بسند صحيح عن عمرو بن السائب رحمه الله تعالى إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمّه فوضع لها شقّ ثوبه من جانبه الآخر فجلست إليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسه بين يديه. وذكر أبو عمر عن زيد بن أسلم رحمه الله تعالى عن عطاء بن يسار قال: جاءت حليمة

ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم، وبسط لها رداءه فجلست عليه. وهو مرسل جيّد الإسناد. الوجه الثالث: ليس لقائل أن يقول: سلّمنا أن القادمة أمّه صلى الله عليه وسلم، فما الدليل على إسلامها حينئذ؟ ولعل الدليل من قول من قال أسلمت وبايعت. وقول من قال: روت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عنها. قال الحافظ مغلطاي [ (1) ] رحمه الله تعالى: ورأيت ليلة الأحد ثاني وعشرين شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة في المنام عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام وسألته عنها فقال مجيباً: رضي الله تعالى عنها. ثم قال الحافظ مغلطاي: أنشدنا الإمام العالم العلامة أبو الحسن علي بن جابر الهاشميّ رحمه الله تعالى لنفسه: أمّا حليمة مرضع المختار ... فبه غدت تزهى على الأخيار في جنة الفردوس دار مقامها ... أكرم بها يا صاحبي من دار قال الحافظ مغلطاي رحمه الله تعالى ورضي عنه: ومما قلته فيها من الأبيات رضي الله تعالى ونفعنا بها: أضحت حليمة تزدهي بمفاخر ... ما نالها في عصرها إثنان [ (2) ] منها الكفالة والرّضاع وصحبةٌ ... والغاية القصوى رضا الرحمن وأما زوج حليمة أبو عبد الله الحارث فلم يذكره كثير ممن ألّف في الصحابة. وذكره ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير فقال: حدثني والدي إسحاق بن يسار عن رجال من بني سعد بن بكر قالوا: قدم الحارث بن عبد العزّى أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقالت له قريش، حين نزل عليه: ألا تسمع يا حارث ما يقول ابنك هذا؟ قال ما يقول: قالوا يزعم أن الناس يبعثون بعد الموت وأن لله داراً من نار يعذّب فيها من عصاه وداراً يكرم فيها من أطاعه، شتّت أمرنا وفرّق جماعتنا. فأتاه فقال: أي بنيّ ما لك ولقومك يشانئونك ويزعمون أنك تقول إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنةٍ ونار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت لقد أخذت بيدك حتى

_ [ (1) ] مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين: مؤرخ، من حفاظ الحديث، عارف بالأنساب. تركي الأصل، مستعرب. من أهل مصر. ولي تدريس الحديث في المدرسة المظفرية بمصر. وكان نقادة، له مآخذ على المحدثين وأهل اللغة. وتصانيفه أكثر من مائة، منها «شرح البخاري» و «شرح سنن ابن ماجة» سماه «الإعلام بسنته عليه السّلام» و «إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال» . توفي سنة 762 هـ. الأعلام 7/ 275. [ (2) ] في أ: اثنان.

أعرفك حديثك اليوم» . فأسلم الحارث بعد ذلك فحسن إسلامه وكان يقول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي فعرّفني ما قال لم يرسلني إن شاء الله تعالى حتى يدخلني الجنة. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: وبلغني أن الحارث إنما أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

الباب الرابع في سياق قصة الرضاع وما وقع فيها من الآيات

الباب الرابع في سياق قصة الرضاع وما وقع فيها من الآيات روى ابن إسحاق وابن راهوية وأبو يعلى والطبراني وابن حبان رضي الله عنهم عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: حدثتني حليمة، والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفي سنده من تكلّم فيه لكن لأكثره شاهد قويّ والبيهقي عن الزهري وأبو يعلى وأبو نعيم عن شداد بن أوس مرفوعاً مختصراً، والإمام أحمد والدارميّ عن عتبة بن عبد الله مرفوعاً مختصراً، وأبو نعيم عن بريدة، وابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر عن يحيى بن يزيد السعدي وابن سعد عن زيد بن أسلم- رضي الله عنهم- أن حليمة قالت: قدمت على أتان لي قمراء قد أزمّت بالرّكب حتى شقّ ذلك عليهم ضعفاً وعجفاً ومعي صبيّ لنا وشارف لنا والله ما تبضّ بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع، [من] [ (1) ] صبيّنا ذاك لا يجد في شارفنا ما يكفيه ولا في ثديي ما يغنيه فقدمنا مكة. وذكر العوفي رحمه الله تعالى أن عبد المطلب سمع وقت دخول حليمة مكة هاتفاً يقول: إن ابن آمنة الأمين محمّداً ... خير الأنام وخيرة الأخيار ما إن له غير الحليمة مرضعٌ ... نعم الأمينة هي على الأبرار مأمونةٌ من كلّ عيبٍ فاحش ... ونقيّة الأثواب والأزرار لا تسلمنه إلى سواها إنّه ... أمرٌ وحكمٌ جا من الجبّار قالت: فو الله ما علمت امرأةً منا إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها بأنه يتيم، وذلك أنّا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبيّ، فكنا نقول يتيم ما عسى تصنع أمه وجده. فكنا نكرهه لذلك. فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعاً غيري، فلما لم أجد غيره قلت لزوجي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه. فذهبت فأخذته فجئت به رحلى. فقالت آمنة: يا حليمة قيل لي ثلاث ليال: استرضعي ابنك في بني سعد بن بكر ثم في آل أبي ذؤيب. قالت حليمة: فإنّ زوجي أبو ذؤيب. وإنها أخبرتها بما رأت في حمله صلى الله عليه وسلم وحين وضعته. قالت حليمة: فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي. بما شاء الله من لبن، فشرب حتى روي ثم شرب أخوه حتى روي ثم ناما. وقام زوجي إلى شارفنا فإذا إنها لحافل، فحلب

_ [ (1) ] سقط في أ.

فشرب وشربت حتى انتهينا، وبتنا بخير ليلة. فقال صاحبي: تعلّمي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمةً مباركة ألم ترى إلى ما بتنا فيه الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟ قلت: والله إني لأرجو ذلك. وفي حديث إسحاق بن يحيى عند ابن سعد أن اليهود مرّوا على حليمة فقالت: ألا تحدّثوني عن ابني هذا فإني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا كما وصفت أمّه. فقال بعضهم لبعض: اقتلوه فقالوا أيتيم هو؟ قالت: لا هذا أبوه وأنا أمه فقالوا: لو كان يتيماً قتلناه. قالت: ثم رجعنا وركبت أتاني وحملته عليها معي، فو الله لقد قطعت أتاني بالرّكب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك! أربعي علينا أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول نعم والله إنها لهي فيقلن: والله إنّ لها لشأناً. وفي حديث الزّهري أن حليمة نزلت به صلى الله عليه وسلم سوق عكاظ فرآه كاهنٌ من الكهان فقال: يا أهل سوق عكاظ: اقتلوا هذا الغلام فإن له ملكاً. فزاغت به حليمة فأنجاه الله تعالى منهم. ثم قدمنا أرض بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله تعالى أجدب منها، فكانت غنمي تسرح ثم تروح شباعاً لبّنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسانٌ قطرة لبن ولا يجدها في ضرع، إن كان الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم: ويحكم انظروا حيث تسرح غنم حليمة فاسرحوا معهم. فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعاً ما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبّناً. قالت: ولما دخلت به إلى منزلي لم يبق منزل من منازل بني سعد إلا شممنا منه ريح المسك وألقيت محبته صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس حتى إنّ أحدهم كان إذا نزل به أذى في جسده أخذ كفه صلى الله عليه وسلم فيضعها على موضع الأذى فيبرأ سريعاً بإذن الله تعالى. وكانوا إذا اعتلّ لهم بعير أو شاة فعلوا ذلك. وروى أبو نعيم عن بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع برؤوسها وترى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض ما تجد عوداً تأكله. قالت حليمة: فلم يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرّفها، حتى بلغ صلى الله عليه وسلم سنتين، فكان يشبّ شباباً لا يشبه الغلمان. وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان أول كلام تكلم به صلى الله عليه وسلم به حين فطمته: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. وروى أبو نعيم عن بعض رعاة حليمة قالوا: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين حين فطم

وكأنه أبن أربع سنين فقدموا به على أمه زائرين لها، وهم أحرص شيء على ردّه مكانه لما رأوا من عظم بركته، فلما كانوا بوادي السّرر لقيت نفراً من الحبشة فرافقتهم فسألوها فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظراً شديداً ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه وإلى حمرة في عينيه فقالوا: هل يشتكي عينه؟ قالت: لا ولكن هذه الحمرة لا تفارقه. قالوا: والله نبي. انتهى. قالت: فقدمنا به إلى أمه فلما رأته قلنا لها: اتركي ابننا عندنا هذه السّنة فإننا نخاف عليه وباء مكة. فو الله ما زلنا بها حتى قالت نعم فسرحته معنا. وعند أبي نعيم عن بعض رعاة حليمة أنها مرت بذي المجاز وهي راجعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبه عرّاف يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة بين عينيه وإلى خاتم النبوة صاح: يا معشر العرب اقتلوا هذا الصبي فليقتلنّ أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم. فانسلّت به حليمة. زاد ابن سعد: فجعل الهذلي يصيح: يا لهذيل يا لهذيل وآلهته إنّ هذا لينتظر أمراً من السماء. وجعل يغري بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينشب أن دله فذهب عقله حتى مات كافراً. فأقمنا شهرين أو ثلاثة، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج فينظر إلى الصبيان يلعبون فيجتنبهم. وفي حديث الزهري عند ابن سعد قال: كانت حليمة لا تدع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب مكاناً بعيداً، فغفلت عنه يوما فخرج مع أخته الشّيماء في الظهيرة فخرجت حليمة تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمّه ما وجد أخي حراراً رأيت غمامة تظلّ عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلي هذا الموضع. قالت: حقّاً يا بنية؟ قالت: إي والله. انتهى. فقال لي يوما: يا أماه مالي لا أرى إخوتي بالنهار. قالت: يرعون بهماً غنماً لنا فيروحون من الليل إلى الليل. فقال: ابعثيني معهم. فكان صلى الله عليه وسلم يخرج مسروراً ويعود مسروراً. فلما كان يوماً من ذلك خرج. فلما انتصف النهار إذ جاءنا أخوه يشتدّ فقال: يا أبة ويا أمّة إلحقا أخي محمداً فما تلحقانه إلا ميّتاً. قلت: وما قصته قال: بينا نحن قيام إذ أتانا رجل فاختطفه من أوساطنا وعلا به ذروة جبل ونحن ننظر إليه حتى شق من صدره إلى عانته. وعند ابن إسحاق: ورجلان عليهما ثياب بيض فشقّا بطنه فهما يسوطانه انتهى. وما أدري ما فعل. فأقبلت أنا وأبوه نسعى سعياً فإذا به قاعداً على ذروة الجبل شاخصاً ببصره إلى السماء فنجده منتقعاً لونه فأكببت عليه وقبّلت بين عينيه وقلت: فدتك نفسي ما دهاك؟ قال: خيراً يا أماه بينا أنا الساعة قائم إذ أتاني رهطٌ ثلاث بيد أحدهم إبريق فضة وفي يد الثاني طست من زمّردة خضراء ملآن ثلجاً فأخذوني وانطلقوا بي إلى ذروة الجبل فأضجعوني إضجاعاً لطيفاً،

ثم شق أحدهم من صدري إلى عانتي وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك حساً ولا ألماً ثم أدخل يده في جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها. كذا في حديث ابن عباس عند البيهقي، وشدّاد بن أوس عند أبي يعلى، وأبي نعيم. وفي صحيح مسلم: فأتاه جبريل فأخذه فصرعه فشق عن قلبه واستخرج القلب، ثم شق القلب فاستخرج منه علقة سوداء فقال: هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله. ثم حشاه بشيء كان معه وردّه مكانه ثم ختمه بخاتم النبوة من نور. فأنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي. وقام الثالث فقال تنحّيا فقد أنجزتما ما أمركما الله تعالى به. ثم دنا مني فأمر يده من مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم الشق بإذن الله تعالى. وفي حديث عبد الله بن عتبة: فأقبل إلي طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟ قال: نعم فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه: إيتني بماء ثلج فغسلا به جوفي. ثم قال: إيتني بماء برد فغسلا به قلبي. ثم قال إيتني بالسكينة فذراها في قلبي. ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضاً لطيفاً ثم قال الأول: زنه بعشرة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم. ثم قال: زنه بمائة فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال: زنه بألف من أمته. فوزنوني بهم فجعلت أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخرّ عليّ بعضهم فرجحتهم، فقال: دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم. ثم ضمّوني إلى صدورهم وقبّلوا رأسي وما بين عينيّ ثم قالوا: يا حبيب الله لم ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرّت عيناك. قالت حليمة: فأتيت به منازل بني سعد فقال الناس: اذهبوا به إلى الكاهن حتى ينظر إليه ويداويه. فقال: ما بي شيء مما تذكرون إني أرى نفسي سليمة، وفؤادي صحيح. فقال الناس أصابه لمم أو طائف من الجن. فغلبوني على أمري فانطلقت به إلى الكاهن فقصصت عليه القصة فقال: دعيني أنا أسمع منه فإن الغلام أبصر بأمره منكم، تكلّم يا غلام. فقصّ قصته عليه. فوثب الكاهن قائماً على قدميه ونادى بأعلى صوته: يا للعرب من شر قد اقترب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فإنكم إن تركتموه وأدرك مدارك الرجال ليسفّهنّ أحلامكم وليكذّبن أربابكم وليدعونكم إلى ربّ لا تعرفونه ودين تنكرونه قالت: فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت لأنت أعته منه وأجنّ، ولو علمت هذا من قولك ما أتيتك به، اطلب لنفسك من يقتلك فإنا لا نقتل محمداً. فأتيت به منزلي فما أتيت منزلا من منازل بني سعد إلا وقد شممنا منه ريح المسك، فقال الناس: يا حليمة ردّيه إلى جدّه واخرجي من أمانتك. وقال زوجي: أرى أن نردّه على أمه

لتعالجه، فو الله إن أصابه ما أصاب إلا حسداً من آل فلان لما يرون من عظيم بركته يا حليمة أخذناه ولنا أعنزٌ عجاف فهن اليوم ثلاثمائة. قالت: فعزمت على ذلك. فسمعت منادياً ينادي: هنيئا لك يا بطحاء مكة اليوم يردّ إليك النّور والدّين والبهاء والكمال فقد أمنت أن تخذلي أو تخزي أبد الآبدين. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: وزعم الناس فيما يتحدثون- والله تعالى أعلم- أن أمه السعدية لمّا قدمت به مكة أضلّها في الناس وهي مقبلة نحو أهله، فألتمسته فلم تجده فأتت عبد المطلب فقالت: إني قدمت بمحمد هذه الليلة فلما كنت بأعلى مكة أضلّني، فو الله ما أدري أين هو. فقام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله تعالى أن يردّه صلى الله عليه وسلم عليه. زاد البيهقي رحمه الله تعالى: فقال عبد المطلب: يا رب إن محمّداً لم يوجد ... فجمع قومي كلّهم مبدّد زاد ابن سعد وابن الجوزي فقال عبد المطلب: لا همّ ردّ راكبي محمدا ... اردده لي ثمّ اتّخذ عندي يدا أنت الذي جعلته لي عضدا ... لا يبعد الدّهر به فيبعدا أنت الذي سمّيته محمدا فسمع هاتفاً من السماء: أيها الناس لا تضجّوا إن لمحمد صلى الله عليه وسلم ربّا لن يخذله ولن يضيعه. فقال عبد المطلب: من لنا به؟ فقال: إنه بوادي تهامة عند الشجرة اليمنى. فركب عبد المطلب نحوه وتبعه ورقة بن نوفل وسار فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يجذب غصناً من أغصانها فقال له جده: من أنت يا غلام؟ قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال: وأنا جدّك فدتك نفسي. واحتمله وعانقه وهو يبكي ثم رجع إلى مكة وهو قدّامه على قربوس فرسه فاطمأنت قريش، ونحر عبد المطلب عشرين جزوراً وذبح الشّياه والبقر وأطعم أهل مكة من ذلك. انتهى. قالت حليمة: فقالت أمه: ما ردّكما به يا ظئر فقد كنتما عليه حريصين؟ قلنا: نخشى الأتلاف والأحداث فقالت: ما ذاك بكما أصدقاني شأنكما. فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره. فقالت: أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، والله إنه لكائن لا بني هذا شأن، ألا أخبركما خبره؟ قلنا: بلى. قالت: حملت به فما حملت حملاً قط أخفّ منه، فأريت في النوم حين حملت به خرج منّي نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، ثم وقع حين ولدته وقعاً ما يقعه المولود، معتمداً على يديه رافعاً رأسه إلى السماء. قالت حليمة: وحدثت عبد المطلب حديثه كله فقال: يا حليمة إن لابني هذا شأناً

وددت أني أدرك ذلك الزمان، ثم جهّزني عبد المطلب أحسن جهاز وصرفني إلى منزلي بكل خير. وذكر ابن المعلّى الأزدي رحمه الله تعالى في كتاب «الترقيص» إن من شعر حليمة مما كانت ترقّص به النبي صلى الله عليه وسلم: يا ربّ إذ أعطيته فأبقه ... وأعله إلى العلا ورقّه وادحض أباطيل العدا بحقّه وذكر ابن سبع رحمه الله تعالى أن حليمة قالت: كنت أعطيه صلى الله عليه وسلم الثدي فيشرب منه ثم أحوّله إلى الثدي الأيسر فيأبى أن يشرب منه. قال بعضهم: وذلك من عدله صلى الله عليه وسلم لأنه علم أن له شريكاً في الرضاعة. وكان صلى الله عليه وسلم مفطوراً على العدل مجبولاً على جميل المشاركة والفضل صلى الله عليه وزاده فضلا وشرفا لديه. قال العزفيّ: رحمه الله تعالى: كان النساء يرين إرضاع أولادهن عاراً عليهن. وقال غيره: لينشأ غريباً فيكون أنجب للغلام وأفصح له. وقال آخر: كان عادة العرب أن تفعل ذلك لتفرغ النساء للأزواج وهو منتفٍ هنا لأن أباه توفي وهو حمل على الصحيح. قال الواقدي رحمه الله تعالى: وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: رجع صلى الله عليه وسلم إلى أمه وهو أبن خمس سنين. وكان غيره يقول: رجع إليها وهو ابن أربع سنين. وذكر الأموي- رحمه الله تعالى- أنه صلى الله عليه وسلم رجع وهو ابن ست سنين تزيره جدّه في كل عام، ولم تره بعد أن ردّته إلا مرتين إحداهما بعد تزويج خديجة، جاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه السّنة وأن قومها قد أسنتوا فكلّم لها خديجة فأعطتها عشرين رأساً من غنم وبكرات. والمرة الثانية يوم حنين. لقد بلغت بالهاشميّ حليمةٌ ... مقاماً علا في ذروة العزّ والمجد وزادت مواشيها وأخصب ربعها ... وقد عمّ هذا السّعد كلّ بني سعد ويرحم الله تعالى العلامة بن جابر حيث قال: بخير الخلق يشرح كلّ صدرٍ ... وعند الله حاز أجلّ قدر بشقّ الصّدر خص كشقّ بدرٍ ... كما خصّ الكليم بشقّ بحر وسعي الدّوح جاء لدفع شكٍ ... كسعي عصا الكليم لدفع سحر له الشّرفان من عمٍّ وخال ... ففاق المرسلين بكلّ عصر بدا من خير بيتٍ في قريشٍ ... وأرضع في بني سعد بن بكر فضمّ إلى فصاحة آل سعدٍ ... سماحة هاشمٍ وجلال فهر

لقد سعدت حليمة حيث حازت ... رضاعته ونالت كلّ فخر فدرّ عليه منها الثّدي حالاً ... ولم يك قبل ذا يشفي بدّرّ وأعلم أنّه لأخيه حقٌّ ... فغادر ثديها الثّاني بوفر وشارفها جرت لبناً فأروت ... وكانت لا تبضّ [ (1) ] لهم بقطر وأسرعت الأتان [ (2) ] به نهوضاً ... فأعجب كل من في الرّكب يسري وكانت من وراء القوم ضعفاً ... فصارت عن أمام القوم تجري فقالوا إنّ لابنك ذا لشأناً ... أخذت مباركاً فثقي بيسر وكان يشبّ في شهرٍ كعامٍ ... إذا اعتبروا وفي يومٍ كشهر ويصبح دون صبيتهم دهيناً ... كحيلاً طيّباً من غير عطر وكانوا في أشدّ الأرض جدباً ... فعمّ القطر منها كل قطر وخلف بيوتهم جبريل وافى ... فشقّ الصّدر منه بغير ضرّ وألقى مغمز الشّيطان منه ... فطهّره فنال أتمّ طهر حشا منه الحشا علماً وحلماً ... وإيماناً على ورعٍ وصبر وأكرمه الإله بشقّ صدر ... ووضع الوزر عنه ورفع ذكر فكان رضاً بلا سخطٍ وبذلاً ... بلا بخلٍ وخيراً دون شرّ له خلق الملائك وهو خلقٌ ... من البشر الخصيص بكلّ بشر إله العرش أرسله بشيراً ... نذيراً داعياً لهدىً ويسر فأبدلنا بهديٍ بعد جهلٍ ... وعوّضنا بيسرٍ بعد عسر عليه صلاة ربّ العرش تندى ... كما تندى الرّياض بكلّ فجر يواصل عرفها [ (3) ] آلاً وصحباً ... كأنّ ثناهم نفحات زهر والشرف البوصيري حيث قال: وبدت في رضاعه معجزاتٌ ... ليس فيها عن العيون خفاء إذ أبته ليتمه مرضعاتٌ ... قلن ما في اليتيم عنّا غناء فأتته من آل سعدٍ فتاةٌ ... قد أبتها لفقرها الرّضعاء أرضعته لبانها فسقتها ... وبنيها ألبانهنّ الشّياء

_ [ (1) ] انظر الوسيط 1/ 60. [ (2) ] الأتان: الأنثى من الحمير والجمع (آتن، أتن) المصباح المنير ص 3. [ (3) ] العرف: الريح طيبة كانت أو خبيثة يقال: ما أطيب عرفه، وفي المثل: لا يعجر مسك السوء عن عرف السوء، اللسان 4/ 2900.

تنبيهات

أصبحت شوّلاً [ (1) ] عجافاً وأمست ... ما بها شائلٌ ولا عجفاء أخصب العيش عندها بعد محل ... إذ غدا للنبيّ منها غذاء يا لها منّة لقد ضوعف الأج ... ر عليها من جنسها والجزاء حيث أنبتت سنابل والضّع ... ف لديه يستشرف الضّعفاء وإذا سخّر الإله أناساً ... لسعيدٍ فإنّهم سعداء وأتت جدّه وقد فصلته ... وبها من فصاله البرحاء إذ أحاطت به ملائكة اللّ ... هـ فظنّت بأنّهم قرناء ورأى وجدها به ومن الوج ... د لهيبٌ تصلى به الأحشاء فارقته كرهاً وكان لديها ... ثاوياً لا يملّ منه الثّواء شقّ عن صدره وأخرج منه ... مضغةً عند غسله سوداء ختمته يمنى الأمين وقد أو ... دع ما لم يذع له أنباء صان أسراره الختام فلا ال ... فضّ ملمٌّ به ولا الإفضاء ألف النّسك والعبادة وال ... خلوة طفلاً وهكذا النجباء وإذا حلّت الهداية قلباً ... نشطت في العبادة الأعضاء تنبيهات الأول: قال بعض العلماء: المراد بالوزن في قوله: «زنه بعشرة» إلى آخره: الوزن الاعتباري. فيكون المراد بالرّجحان [الرجحان] في الفضل وهو كذلك. وفائدة فعل الملكين ذلك ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حتى يخبر به غيره ويعتقده، إذ هو من الأمور الاعتقادية. وسألت شيخنا شيخ الإسلام برهان الدين بن يوسف- رحمه الله تعالى- عن ذلك فكتب لي بخطه: هذا الحديث يقتضي أن المعاني جعلها الله تعالى ذواتا، فعند ذلك قال الملك لصاحبه: أجعله في كفة وأجعل ألفا من أمته في كفة. ففعل فرجح ما له صلى الله عليه وسلم رجحانا طاش معه ما للألف بحيث يخيل للرائي أنه يسقط عليه بعضهم. ولما عرف الملكان منه الرجحان وأنه معنى لو اجتمعت المعاني كلها التي للأمة ووضعت في كفة ووضع ماله صلى الله عليه وسلم في كفة لرجح على الأمة قالا: لو أن أمته وزنت به صلى الله عليه وسلم مال بهم لأن مآثر خير الخلق وما وهبه الله تعالى له من الفضائل يستحيل أن يساويها غيرها. انتهى.

_ [ (1) ] شوّلت الناقة: لحقت بطونها بظهورها من الجوع والهزال، الوسيط 1/ 501.

الثاني: قال السهيلي- رحمه الله تعالى-: التماس الأجر على الرضاع لم يكن محموداً عند أكثر العرب، حتى جرى المثل: «تجوع الحرّة فلا تأكل بثديها» . وتعقبه في الزهر بأن المثل غير مسوق لذلك. قال المفضل الضبّي- رحمه الله تعالى- في كتاب «الفاخر» : تجوع الحرّة ولا تأكل بثديها أي ولا تهتك نفسها وتبدي منها ما لا ينبغي أن تبدي. وذكر مثله محمد بن سعد العراقي- رحمه الله تعالى- في «نزهة الأنفس» في الأمثال. قلت: قال الميداني [ (1) ] تبعاً لأبي عبيد- رحمهما الله تعالى-: أي لا تكون ظئراً وإن آذاها الجوع. ثم قال السّهيلي: وكان عند بعضهم لا بأس به فقد كانت حليمة وسيطةً في بني سعد كريمة من كرائم قومها بدليل اختيار الله تعالى إياها لإرضاع نبيه صلى الله عليه وسلم كما اختار له أشرف البطون والأصلاب، والرّضاع كالنسب. قال: ويحتمل أن تكون حليمة ونساء قومها طلبن الرضاع اضطراراً للأزمة التي أصابتهم والسّنة الشهباء التي أقحمتهم [ (2) ] . والله تعالى أعلم. الثالث: قول آمنة: «فلم أر حملاً كان أخفّ عليّ منه» يفهم منه أنها حملت بغيره صلى الله عليه وسلم. وقد ورد ما هو أصرح منه. قال ابن سعد أخبرنا عمرو بن عاصم أخبرنا همّام عن إسحاق بن عبد الله، قال: قالت أم النبي صلى الله عليه وسلم: قد حملت الأولاد فما حملت أخفّ منه. قال ابن سعد- رحمه الله تعالى: قال محمد بن عمر يعني الواقديّ- وهذا مما لا يعرف عندنا ولا عند أهل العلم، لم تلد آمنة ولا عبد الله غير النبي صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي: وحدثني محمد وعبد الله بن أخي الزهري، عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: قالت آمنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقةً حين وضعته. وأخرجه عن الواقدي من وجه آخر مطوّلاً وفيه: ما شعرت به ولا وجدت- له ثقلةً كما تجد النساء. قال الحافظ: أن كان إسحاق بن عبد الله هو ابن أبي طلحة فهو مرسل رجاله رجال

_ [ (1) ] أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري، أبو الفضل: الأديب البحاث، صاحب «مجمع الأمثال» ومن كتبه «نزهة الطرف في علم الصرف» و «السامي في الأسامي» في اللغة، و «الهادي للشادي» نحو، و «شرح المفضليات» . توفي سنة 518 هـ. انظر الأعلام 1/ 214، وبغية الوعاة 155. [ (2) ] في أ: التي اقتحمتهم.

الصحيح. فلا يمتنع أن تكون آمنة أسقطت من عبد الله سقطاً فأشارت بذلك إليه فتجتمع الروايات إن قبلنا كلام الواقديّ. بل جازف سبط ابن الجوزي- رحمه الله تعالى- كعادته فقال: أجمع علماء النقل على أن آمنة لم تحمل بغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى قولها: لم أحمل حملاً أخفّ منه خرّج على وجه المبالغة، أو على أنه وقع اتفاقاً. كذا قال: ولا يخفى وهي كلامه. والذي جمعت به أقرب. قلت: وقد تقدم الجمع بين أحاديث وجود النقل وأحاديث عدمه في أبواب المولد فليراجع. والله تعالى أعلم. الرابع: في بيان غريب ما تقدم: نلتمس: نطلب. ووقع في سيرة ابن إسحاق: والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرّضعاء. قال ابن هشام- رحمه الله تعالى- إنما هو المراضع جمع مرضع. والرّضعاء جمع رضيع. ولكن لرواية ابن إسحاق مخرج من وجهين: أحدهما: حذف المضاف: كذوات الرضعاء. والثاني أن يكون أراد بالرضعاء الأطفال على حقيقة اللفظ لأنهم إذا وجدوا له مرضعة ترضعه فقد وجدوا له رضيعاً يرضع معه. فلا بدّ أن يقال: التمسوا له رضعاء علماً بأن الرضيع لا بد له من مرضع. سنة شهباء: يعني سنة القحط والجدب، لأن الأرض تكون فيها بيضاء. الأتان: بفتح الهمزة والمثناة الفوقية: الأنثى من الحمير. قال في القاموس، والأتانة لغة سليمة. أذمّت بالركب: بذال معجمة. كما ذكره في الجمهرة والصحاح والنهاية. وفيها: قال في الجمهرة: أذمّت الراحلة إذا أعيت ولم يكن بها حراك. وقال في الصحاح: أذمّت الركاب القوم: أي أعيت وتأخرت عن جماعة الإبل ولم تلحق بها. عجفاء: بفتح العين المهملة والجيم وبالفاء: العجف: الهزال. والأعجف: المهزول والأنثى عجفاء والجمع عجاف. قمراء: في لونها بياض. الشارف: بالشين المعجمة والراء المكسورة والفاء: الناقة المسنّة. تبضّ: بفتح المثناة الفوقية وبكسر الموحدة وبضاد مشددة أي لا تقطر ولا ترشح ويروى بالمهملة: أي لا يبرق عليها أثر اللبن. ما يغذّيه: بمعجمتين: من الغذاء. وفي قولها: إنه يتيم إلى آخره ردٌّ لقول من ذكر إن عبد الله أباه استأجر له حليمة، كما رواه عثمان بن عبد الرحمن الوقّاصي أحد الضعفاء.

الرحل: بحاء مهملة: سكن الشخص وما يستصحبه من الإناث. والرحل: المنزل والمأوى. الحافل: الممتلئة الضّرع من اللبن، والحفل: اجتماع اللبن في الضرع. ريا: بكسر الراء وتشديد المثناة التحتية. تعلّمي: بمثناة فوقية فعين مهملة فلام مشددة مفتوحات: أي اعلمي. النّسمة محرّكة: الإنسان والبدن والروح والنّفس. قطعت بالرّكب: خلّفتهم وراءها. يتعلق بها حمار: يلحقها. ويحك بالنصب بإضمار فعل: كلمة ترحّم وتوجّع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد تقال بمعنى المدح والتعجب. أربعي: إذا ابتدأت به كسرت همزته وهي همزة وصل وبالموحدة المفتوحة: أي أقيمي وانتظري. يقال ربع فلانٌ على فلان إذا أقام به وانتظره. عكاظ بالضم: سوق بمكة وراء قرن المنازل يصرف ويمنع. قال ابن حبيب- رحمه الله تعالى-: قريب من عرفات. الكاهن: الذي يدّعي علم الغيب. راغت: براء وغين معجمة: مالت عنه. أجدب بجيم فدال مهملة فموحدة: ضد الخصب بكسر الخاء المعجمة. تروح: ترجع بعشيّ. لبّنا: بضم اللام وتشديد الباء الموحدة: أي كثيرة اللبن، قلت: وبضم اللام وكسرها لغتان. الحاضر: جماعة القوم المجتمعون على الماء. يريحون: يرجعون من المرعى. يشبّ: بكسر الشين المعجمة. جفراً: غليظاً شديداً ومنه الجفر والجفرة من المعز، ويقال هو الصبي ابن أربعة أعوام ونحوها. الوباء: بالهمزة والقصر: كثرة الأمراض والموت. فسرحته: أرسلته. ذو المجاز بالجيم والزاي: سوق كانت تقام في الجاهلية على فرسخ من عرفات. العرّاف: مشدد بمعنى المنجم والكاهن. والعراف: الذي يخبر بالماضي، والكاهن بالماضي والمستقبل. الهذلي: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة. يغري به: يولع.

ينشب: يلبث. دله: بدال مهملة وتقديم اللام على الهاء قاله في النهاية أي ذهب عقله ودهش. بهم: بفتح الموحدة جمع بهمة وهي ولد الضأن. قاله في النهاية. ذروه الجبل بكسر الذال المعجمة: أعلاه. يسوطانه: يقال: سطت اللبن والدم وغيرهما: إذا ضربت بعضه في بعض وحركته، واسم العود الذي يحرّك به: المسوط. منتقعاً لونه: بنون ومثناة فوقية وقاف مفتوحة أي متغيراً، يقال انتقع وجه الرجل: إذا تغيّر، ويقال امتقع بالميم وبالباء الموحدة أيضاً. يقال انتقع لونه فهو منتقع وامتقع فهو ممتقع. وابتقع فهو مبتقع بفتح القاف في الكل. أحشاء بطني: جمع حشا بالقصر: المعى. لأمه بوزن ضربه: شدّه. لم ترع: لا ترع ولا خوف عليك. اللّمم: طيف من الجن أو طرف من الجنون. طائف: عرض له شيطان. أعته: أنقص عقلاً. الظّئر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها: الناقة تعطف على ولد غيرها، ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها: ظئر. والرجل الحاضن: ظئر أيضاً. الرّبع بفتح الراء وسكون الموحدة: محلة القوم ومنزلهم، وقد أطلق على القوم مجازاً. الدّوح: جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة. القطر بفتح القاف: المطر. القطر بضم القاف: الناحية. مغمز الشيطان بفتح الميم الأولى وإسكان الغين المعجمة وكسر الميم الثانية وآخره زاي: وهو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى ابن مريم وأمه، لقول أمها حنّة: إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. قال السهيلي: ولا يدل هذا على أفضلية عيسى على نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه عند ما نزع ذلك منه ملئ حكمة وإيمانا- بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد، ولهذا مزيد بيان يأتي في باب شق صدره الشريف. بدت: ظهرت.

أبى: امتنع. الغناء بالفتح: النّفع. الفتاة: الشابة من الإناث. الرّضعاء: جمع رضيع. اللّبان بالكسر: كالرضاع، يقال هو أخوه بلبان أمه. قال في الصحاح: قال ابن السّكّيت: ولا يقال بلبن أمه إنما اللبن: الذي يشرب. الشّياه: جمع شاة في الكثرة. الشّوّل بالتشديد جمع شائل من غيرها وهي في الأصل الناقة التي تشول بذنبها للّقاح ولا لبن لها أصلاً، كراكع وركّع وساجد وسجّد. واستعمل الناظم ذلك في الشياه. الخصب بالكسر نقيض الجدب. المحل: الجدب وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ. العيش: الحياة. الغذاء بالغين والذال المعجمتين: ما يغتذى به من الطعام. الأناس: لغة في الناس. يا لها: كلمة تعجب. من عليه: أنعم. تضعيف الشيء: أن يزاد عليه مثله أو أكثر. الأجر: الثواب. الجزاء: المجازاة. السّعد: اليمن والبركة. السعادة: خلاف الشقاوة. العصف: ورق النبات اليابس. يستشرف: يتطلع. الفصال: انتهاء الرضاع بالفطام. البرحاء بضم الباء وفتح الراء وفتح الحاء المهملة: شدة الأذى. أحاطت: أحدقت به. القرناء: الشياطين. الوجد: شدة الحبّ.

الأحشاء: جمع حشاً، وهو ما انضمت عليه الضلوع. ثوى بالمكان: أقام به، يثوي ثواء وثويّاً. الأمين هنا: جبريل. يذع: بالذال المعجمة: من ذاع الخبر: انتشر. الأنباء: جمع نبأ وهو الخبر. صان: كتم. الختام: ما يختم به من طين ونحوه. الفضّ بالفاء والضاد المعجمة: الكسر والتفرق. الإفضاء: إشاعة السّرّ. ألف الشيء: اعتاده. النّسك والعبادة بمعنى. الخلوة: المكان الذي لا أحد فيه. النجباء: جمع نجيب وهو الكريم البيّن النجابة. النشاط: ضد الكسل. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

جماع أبواب أسمائه صلى الله عليه وسلم وكناه

جماع أبواب أسمائه صلى الله عليه وسلم وكناه قد افردها بالتصنيف خلائق، ونظمها جماعة منهم الشيخ الإمام العلامة أبو عبد الله القرطبي المفسّر والعلامة الزّيني عبد الباسط بن الإمام العلامة بدر الدين البلقيني أحد السادة العدول بخط الجمالية- رحمه الله تعالى- في قصيدة ميمية طنّانة بديعة لم ينسج على منوالها ناسج، وشرحها شرحاً مبدعاً كثير الفوائد فرداً في بابه، فشكر الله تعالى سعيه وتقبّل منه، سماها «الاصطفاء» وشرحها بالوفاء في شرح الاصطفاء. وحيث قلت: ذكر في الشرح أو النظم. أو شرح النظم: فهما المرادان. غير أنه- رحمه الله تعالى- لم يرتب الأسماء على حروف المعجم، بل بحسب ما اتفق فعسر الكشف فيها وأحسن ما عمل في ذلك: «الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة» للشيخ- رحمه الله تعالى-. ولخّصت مقاصد الكتابين هنا مع زوائد كثيرة من كتاب «جلاء الأفهام» وكتاب «زاد المعاد» - كلاهما للعلامة ابن القيّم. والقول البديع للحافظ أبي الخير السّخاوي، والمواهب لشيخنا العلامة أبي الفضل أحمد بن الخطيب القسطلاّني ومن غير ذلك. وانحصر لي الكلام على الأسماء والكنى في أربعة أبواب: الباب الأول في فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية قال العلماء رضي الله تعالى عنهم: كثرة الأسماء دالّة على عظم المسمّى ورفعته، وذلك للعناية به وبشأنه، ولذلك ترى المسمّيات في كلام العرب أكثرها محاولةً واعتناء. قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى-: وغالب هذه الأسماء التي ذكروها إنما هي صفات، كالعاقب والحاشر فإطلاق الاسم عليها مجاز. وقال في الاصطفاء: فإن قيل: غالب هذه الأسماء صفات مثل الماحي والمختار ونحوهما قلت: كثيراً ما يطلق الأسماء على الصفات لاشتراكهما في تعريف الذات وتمييزها عن غيرها، وذلك من باب التغليب. انتهى.

وقال ابن عساكر- رحمه الله تعالى-: وإذا اشتقت أسماؤه صلى الله عليه وسلم من صفاته كثرت جدّاً. وقال ابن القيم- رحمه الله تعالى-: أسماؤه صلى الله عليه وسلم إذا كانت أوصاف مدح، فله من كل وصف اسم، لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به أو الغالب عليه ويشتق له منه اسم، وبين الوصف المشترك فلا يكن له منه اسم يخصه. وقال الشيخ: وكثير من هذه الأسماء لم يرد بلفظ الاسم، بل أتى بصيغة المصدر والفعل وقد اعتبر ذلك القاضي وابن دحية وغيرهما، واعتبره الجمهور خصوصاً أصحاب الحديث في أسماء الله تعالى. انتهى. وقال ابن القيم: لما كانت الأسماء قوالب المعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافة، بل للأسماء تأثير في المسمّيات وللمسميات تأثير في أسمائها في الحسن والقبح والثقل واللطافة والكثافة كما قيل: وقلّ أن أبصرت عيناك ذا لقب ... إلا ومعناه إن فكّرت في لقبه إذا علمت ذلك تأمل كيف اشتقت للنبي صلى الله عليه وسلم من صفاته أسماء مطابقة لمعناها، فضمن الله تعالى أسماء رسوله صلى الله عليه وسلم ثناءه وطوى أثناء ذكره عظيم شكره. وقال غيره: الأسماء جمع اسم وهو كلمة وضعتها العرب بإزاء مسمّى متى أطلقت فهم منها ذلك المسمى. فعلى هذا لا بد من مراعاة أربعة أمور: الاسم والمسمّى بفتح الميم والمسمّي بكسرها والتسمية. فالاسم: هو اللفظ الموضوع على الذات لتعريفها أو لتخصيصها عن غيرها كلفظ زيد. والمسمَّى هو الذات المقصود تمييزها بالاسم كشخص زيد. والمسمى هو الواضع لذلك اللفظ. والتسمية هي اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات. والوضع: تخصيص لفظ بمعنى إذا أطلق أو أحسّ فهم ذلك المعنى. تنبيه: نقل الغزالي- رحمه الله تعالى- الاتفاق، وأقره الحافظ في الفتح على أنه لا يجوز لنا أن نسمّي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمّه به أبوه ولا سمّى به نفسه الشريفة والله تعالى أعلم.

الباب الثاني

الباب الثاني في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء» [ (1) ] وطرقه اعلم أنه ورد من حديث جبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله وعوف بن مالك وأبي موسى وحذيفة بن اليمان وابن مسعود وابن عباس، وأبي الطفيل- رضي الله تعالى عنهم-. حديث جبير رواه عنه ابنه محمد، ونافع. ورواه عن محمد الزهري، وعنه خلق منهم سفيان بن عيينة وشعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد، ومالك بن أنس، ومحمد بن ميسرة- رحمهم الله أجمعين-. ذكر رواية سفيان لفظ روايته فيما رواه الإمام أحمد ومسلم والتّرمذي في الجامع والشمائل: «إنّ لي خمسة أسماء: أنا محمد، وإنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي» [ (2) ] . ولفظ رواية شعيب فيما رواه الشيخان والدارمي كلفظ رواية سفيان. ولفظ رواية معمر فيما رواه الشيخان والطبراني كلفظ رواية سفيان، لم يذكروا خمسة وإنما وقعت هذه اللفظة في رواية الإمام مالك ومحمد بن ميسرة. ولفظ رواية مالك فيما رواه يحيى بن بكير عنه، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير- رحمهم الله تعالى- إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لي خمسة أسماء أنا محمد، وإنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب» . قال ابن عبد البر- رحمه الله تعالى-: وهو مرسل في رواية يحيى ووصله عنه معن بن عيسى وغيره. وقد ذكره الدارقطني في أوهام مالك. قال الشيخ: وقد رواه البخاري من طريقه موصولاً. قلت: قال الحافظ: كذا وقع موصولاً من عند معن بن عيسى عن مالك. وقال الأكثر: عن مالك، عن الزهري، عن محمد بن جبير مرسلاً. ووافق معناً على وصله، عن مالك جويرية بن أسماء عند الإسماعيلي ومحمد بن المبارك عن عبد الله بن نافع عن أبي عوانة

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من حديث جبير بن مطعم 5/ 24 كتاب المناقب (3532) ومسلم 4/ 1728 (124- 2354) وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 65، وابن عبد البر في التمهيد 9/ 151- 152. والبيهقي في الدلائل 1/ 154. [ (2) ] انظر التخريج السابق.

وأخرجه الدارقطني في الغرائب عن آخرين عن مالك، وقال إن أكثر أصحاب مالك أرسلوه. قال الحافظ: وهو معروف الاتصال عن غير مالك وصله يونس بن زيد وعقيل، ومعمر وحديثهم عند مسلم. وشعبة وحديثه عند المصنّف في التفسير، يعني البخاري، وابن عيينة عند مسلم، والترمذي، كلهم عن الزهري. ولفظ رواية محمد بن ميسرة: «إن لي خمسة أسماء أنا محمد، وإنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب يعني الخاتم» [ (1) ] . رواه البيهقي. ذكر رواية نافع بن جبير عن أبيه: «أنا محمد وأنا أحمد والحاشر والماحي والخاتم والعاقب» . رواه الإمام أحمد والبيهقي وأبو نعيم. قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: هكذا عدّها وهي ستة وفيها دلالة على أنه لم يقع له لفظ خمس من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: لي أسماء. فذكر منها جبير ما ذكر أو ذكرها كلها وحفظ منه بعضها. وقال عبد الملك بن مروان لنافع: أتحصي أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان جبير بن مطعم يعدّها؟. قال: نعم هي ستة: محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماحي. فأما حاشر: فيبعث مع الساعة نذيراً لكم بين يدي عذاب شديد. وأما عاقب فإنه عقب الأنبياء وأما ماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه. رواه يعقوب بن سفيان بسند رجاله ثقات، والحاكم وصححه، والبيهقي وأبو نعيم. وقال ابن دحية: هو مرسل حسن الإسناد. وقال الشيخ: بل هو متصل، فإن نافعاً رواه عن أبيه وإنما لم يذكره لتقدم قول عبد الملك: التي كان جبير يعدها. حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أحمد، وأنا محمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وإذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد بيدي وكنت إمام المرسلين وصاحب شفاعتهم» .

_ [ (1) ] انظر التخريج السابق.

رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم من طريقه. طريق أخرى وفيه حديث عائشة وأنس وعلي وأسامة بن زيد وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. روى ابن عدي عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ لي عند ربي عشرة أسماء: «أنا محمد، وإنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبيّ، وأنا الحاشر الذي يحشر الخلائق معي على قدمي، وأنا رسول الرحمة، ورسول التوبة، ورسول الملاحم، وأنا المقفّي قفّيت النبيين، وأنا قثم» . قال: والقثم: الكامل. في سنده: أبو البختري وهب بن وهب وهو متّهم [ (1) ] . حديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه: قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا معه، حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر اليهود والله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفّي آمنتم أو كذّبتم» ثم انصرف وأنا معه [ (2) ] . رواه أبو نعيم. حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه: قال: سمّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء فمنها ما حفظناه قال: «أنا محمد وأنا أحمد والمقفّي والحاشر، ونبيّ التوبة، ونبي الرحمة» رواه أبو نعيم والمحامليّ. ورواه الإمام أحمد ومسلم بلفظ: منها ما حفظناه ومنها ما لم نحفظ، قال: «أنا محمد وإنا أحمد وأنا الحاشر وأنا العاقب والمقفي. ونبي الرحمة والتوبة والملحمة» ولفظ مسلم: ونبيّ الملحمة. حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما. قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة فقال: «أنا محمد وإنا أحمد وأنا نبيّ الرحمة ونبيّ التوبة وأنا المقفّي وأنا الحاشر ونبيّ الملاحم» . رواه الإمام أحمد والترمذي في الشمائل ورجاله ثقات [ (3) ] . حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سكّة

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 64 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 12. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 25. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 405، شرح شمائل الترمذي 2/ 228.

من سكك المدينة: «أنا محمد وإنا أحمد والحاشر والمقفّي ونبي الرحمة» . رواه ابن حبان. حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أحمد ومحمد والحاشر والمقفّي والخاتم» . رواه الطبراني من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولم يلقه [ (1) ] . حديث أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي عشرة أسماء» قال أبو الطّفيل: حفظت ثمانية وأنسيت اثنتين: «أنا محمد وأحمد والفاتح والخاتم وأبو القاسم والحاشر والعاقب والماحي الذي يمحو الله بي الكفر» قال سيف بن وهب: فحدثت الحديث أبا جعفر فقال: يا سيف ألا أخبرك بالاسمين؟ قلت: بلى. قال: طه ويس [ (2) ] . رواه ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي. قال ابن دحية رحمه الله تعالى: هذا سندٌ لا يساوي شيئاً يدور على وضّاع وهو أبو يحيى وضعيف وهو سيف. وأقرّه الشيخ على ذلك. وليس كذلك فإن أبا يحيى التميمي اثنان أحدهما إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، فهذا هو الوضاع المجمع على تركه، وليس هو الذي في سند هذا الحديث. والثاني أبو يحيى إسماعيل بن إبراهيم التيمي. كذا سمّي هو وأبوه وفي رواية ابن عساكر وهو كما قال الحافظ في التقريب ضعيف. والله تعالى أعلم. فصل قال الإمام المحدث أبو عبد الله أحمد بن محمد العزفي- وهو بفتح العين المهملة والزاي وقبل ياء النسب فاء وهو من تلامذة القاضي، وأبو العباس القرطبي شارح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لي خمسة أسماء قبل أن يطلعه الله تعالى علي بقية أسمائه» . ولابن عساكر في ذلك احتمالان أحدهما أن يكون ذلك العدد فيه لبس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلّم وفيه كما قال ابن دحية والحافظ نظر. زاد الحافظ: لتصريحه في الحديث بقوله: «إن لي خمسة أسماء» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 81، وابن حبان (2095) ، والطبراني في الكبير 2/ 138، وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 65، والبيهقي في الدلائل 1/ 125. [ (2) ] انظر الشفا للقاضي عياض 1/ 448.

الثاني: أن يكون ذلك من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقتضي ذلك الحصر. وخصّ هذه الخمسة بالذكر إمّا لعلم السامع بما سواها، فكأنه قال لي خمسة أسماء فاضلة معظّمة، أو لشهرتها كأنّه قال لي: خمسة أسماء مشهورة أو لغير ذلك مما يحتمله اللفظ من المعاني، وهذا الاحتمال استظهره ابن دحية والحافظ وزاد: أو: «إن لي خمسة أسماء أختصّ بها لم يسمّ بها أحد قبلي» . وقال القاضي: إنما خصت هذه الأسماء بالذّكر لأنها موجودة في الكتب المتقدمة وعند أولي العلم من الأمم السابقة. وتعقّب بأن أسماءه الموجودة في الكتب المتقدمة أكثر من ذلك. وقال الشيخ: إن قوله لي خمسة أسماء لا ينافي أن له أكثر من ذلك لأن قواعد الأصول أن العدد لا يخصّص، وكم ورد في الأحاديث ذكر أعداد لم يقصد الحصر منها، كحديث «سبعة يظلّهم الله في ظل عرشه» وقد وردت أحاديث بزيادة عليها ويحضرني الآن منها سبعون. وغير ذلك مما هو مشهور. قلت يأتي بيانها في الخصائص مع زيادة إن شاء الله تعالى.

الباب الثالث في ذكر ما وقفت عليه من أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم وشرحها وما يتعلق بها من الفوائد

الباب الثالث في ذكر ما وقفت عليه من أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم وشرحها وما يتعلق بها من الفوائد قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: قال بعض الصوفية: لله تعالى ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وسلم اسم شريف. قلت: والذي وقفت عليه من ذلك خمسمائة اسم، مع أن في كثير منها نظراً وها أنا ذاكر ما رأيته معزياً كلّ اسم لم يرد في القرآن ولا في السنة برموز فللقاضي «يا» وللعزفي «ع» ولابن دحية «د» ولأبي الفتح ابن سيد الناس «ح» ولشيخنا الأسيوطي «ط» وللسّخاوي «خا» وللشيخ عبد الباسط البلقيني «عا» ومن عداهم صرّحت به. «محمّد» قال الله سبحانه وتعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: هو علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه صلى الله عليه وسلم وإن كان علما محضا في حق كثير ممن يسمّى به غيره صلى الله عليه وسلم. وهذا شأن أسماء الرب تبارك وتعالى وأسماء نبيه صلى الله عليه وسلم، هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف مدح فلا تضادّ فيها العلمية الوصفية بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين. فهو الله الخالق البارئ المصوّر القهّار. فهذه أسماء له تعالى دالة على معان له هي صفات. وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لو كانت أعلاماً محضة لا معنى لها لم تدلّ على مدح. وهي في الأصل اسم مفعول منقول من صفة الحمد وهو بمعنى محمود، وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه، وهذا هو حقيقة الحمد وبني على زنة مفعّل بتشديد العين مثل معظّم ومبجّل لأن هذا البناء موضوعٌ للتكثير فإن اشتق منه اسم فاعل فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرةً بعد مرة كمعلّم ومفهّم ومفرّح وإن اشتقّ منه اسم مفعول فمعناه من تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى، أو الذي يستحق له الحمد إما استحقاقاً أو وقوعاً. فمحمد هو الذي كثر حمد الحامدين له. مرةً بعد مرة، كالممدوح كما قال الأعشى: إليك أبيت اللّعن كان وجيفها ... إلى الماجد القرم الجواد المحمّد [ (1) ]

_ [ (1) ] البيت من قصيدة في مدح النعمان بن المنذر ومطلعها: أترحل من ليلى، ولما تزوّد؟ ... وكنت كمن قضّى اللبانة متردد ورواية البيت في الديوان: إليك- أبيت اللّعن- كان كلالها ... إلى الماجد الفرع الجواد المحمد وكلالها أي: إرهاقها انظر ديوان الأعشى الكبير، ص 58، 59 والأغاني 9/ 81، ط بولاق.

أي الذي حمد مرةً بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة. انتهى. وهو أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم وأجلّها، ولذلك اختص بأمور منها: أنه لا يصح إسلام الكافر حتى يتلفظ به بأن يقول: محمد رسول الله. فلا يكفي أحمد. وجوّزه الإمام الحليمي بشرط أن يضم إليه: أبا القاسم. ومنها: أنه يتعين الإتيان به في التشهد لا يكفي غيره من أسمائه ولا أحمد. كما في شرح المهذّب والتحقيق. وكذلك الخطبة. ومنها: أنه على أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى، فإن الاسم الكريم على أربعة أحرف. ومنها: أن الله تعالى قرنه مع اسمه كما تقدم بيان ذلك في كتابة اسمه على العرش. ويأتي له تتمة. ومنها: أن الله تعالى اشتقه من اسمه المحمود، كما قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: وضمّ الإله اسم النبيّ إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد وشقّ له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد. [ (2) ] وروى البخاري في تاريخه الصغير، عن علي بن زيد رحمه الله تعالى قال: كان أبو طالب يقول: فشقّ له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد ومنها: أنه يخرج منه بالضرب مع الكسر والبسط عدد المرسلين، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وذلك أن فيه الميم الأولى والثانية المشددة بحرفين والميم إذا كسرت فهي م ي م وكل ميم بتكسيرها في الحساب تسعون، إذ الميم بأربعين والياء بعشرة فالثلاثة مائتان وسبعون والدال خمسة وثلاثون لأن الدال بأربعة والألف بواحد واللام بثلاثين والحاء بثمانية ولا تكسير فيها. ومنها: أن آدم يكنى به في الجنة دون سائر بنيه كما سيأتي. ومنها: قال ابن العماد رحمه الله تعالى في كتاب «كشف الأسرار» : سخّرت الشياطين لسليمان بذكره صلى الله عليه وسلّم.

_ [ (2) ] البيتان من قصيدة من الطويل مطلعها: أغرّ عليه للنّبوّة خاتم ... من الله مشهودٌ يلوح ويشهد وقد ضبط شارح الديوان اسم النبي بالرفع والصواب أنه بالنصب لأنه مفعول، انظر ديوان حسان بن ثابت ص 54، 55 ط دار الكتب العلمية.

ومنها: جرت سفينة نوح باسمه صلى الله عليه وسلم. قال: وقال قوم: إن معنى الميم محق الكفر بالإسلام. أو محى سيئات من اتبعه. وقيل الميم: منّ الله على المؤمنين. بمحمد صلى الله عليه وسلم. دل عليه قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وقيل: الميم: ملك أمته به صلى الله عليه وسلم. وقيل: المقام المحمود. وأما الحاء فقيل: حكمه بين الخلق بحكم الله تعالى. وقيل إحياء الله تعالى أمته به. وأما الميم الثانية فمغفرة الله تعالى لأمته. وأما الدال: فهو الداعي إلى الله تعالى، قال الله تعالى: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ. وأما وقوع الأحرف على هذا الشكل الخاص فقيل: لأن الله تعالى خلق الخلق على صورة محمد صلى الله عليه وسلم، فالميم بصورة رأس الإنسان والحاء بمنزلة اليدين، وباطن الحاء كالبطن وظاهرها كالظهر ومجمع الإليتين والمخرج كالميم، وطرف الدال كالرجلين. وفي ذلك أنشدوا رحمهم الله تعالى: له اسم صوّر الرّحمن ربّي ... خلائقه عليه كما تراه له رجلٌ وفوق الرّجل ظهرٌ ... وتحت الرّأس قد خلقت يداه وفيه تكلّف. قال القاضي رحمه الله تعالى: وفي تسميته صلى الله عليه وسلم محمد وأحمد من بدائع الآيات وعجائب الخصائص: أن الله تعالى حمى أن يسمّى بمحمد وأحمد غيره صلى الله عليه وسلم قبل زمانه. أما أحمد الذي في الكتب وبشّرت به الأنبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شكّ. وكذلك محمد أيضاً لم يسمّ به أحد من العرب ولا من غيرهم، إلى أن شاع قبيل وجوده صلى الله عليه وسلم أن نبياً يبعث اسمه محمد. كما روى الطبراني والبيهقي عن محمد بن عدي بن ربيعة أنه سأل أباه: لم سمّاه محمداً في الجاهلية؟ فقال: خرجت مع جماعة من بني تميم فنزلنا على غدير ماء، فأشرف علينا الدّيراني فقال لنا: إنه يبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه. فقلنا له: ما اسمه؟ قال: محمد. فلما انصرفنا ولد لكلّ منا ولد فسماه محمداً لذلك. الغدير: النهر: والجمع غدران. وشيكاً: سريعاً وقريباً. والذين سمّوا بهذا الاسم في الجاهلية دون العشرين. وحمى الله تعالى هؤلاء أن يدّعى أحد منهم النبوة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه شيء من سماتها، حتى تحققت لنبينا صلّى الله عليه وسلم. محمد بن أحيحة، بضم الهمزة وفتح الحاءين المهملتين بينهما تحتية ساكنة، ابن الجلاح بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة، ابن الحريش بفتح الحاء المهملة وكسر الراء ثم مثناة تحتية، ثم شين معجمة. وقال ابن هشام رحمه الله تعالى: إنها مهملة.

ونقل الدارقطني عن بكير بن أبي بكر رحمه الله تعالى إن كل ما في الأنصار فهو حريس، أي بسين مهملة، إلا هذا فإنه بالمعجمة. ابن جحجبى. بجيم مفتوحة فحاء ساكنة مهملة فجيم أخرى مفتوحة، فموحدة فألف مقصورة. قال ابن دريد عفا الله تعالى عنه: والجحجبة: المجيء والذهاب والتردّد في المشي. ابن كلفة ووقع في نسخه من العيون ابن كلدة. والذي ذكره السهيلي والأمير: كلفة بالفاء: ابن عوف بن عمرو، بن عوف، بن مالك بن الأوس، الكناني ثم اللّيثي. قال عبدان بن عثمان الحافظ رحمه الله تعالى: بلغني إنه أول من سمّي بذلك. محمد بن أسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر. محمد بن البرّ بتشديد الراء من غير ألف بعدها، كما نقل الحافظ عن ضبط البلاذريّ ويقال: البرّ بن طريف بن عتوارة بضم المهملة وكسرها ثم مثناة فوقية ساكنة ثم واو مفتوحة وبعد الألف راء ثم هاء: ابن عامر بن ليث، بن بكر، بن عبد مناة، بن كنانة البكري. العتواري. محمد بن الحارث بن حديج بمهملتين فمثناة تحتية فجيم مضمومة، مصغر، ابن حويص. محمد بن حرماز بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وآخره زاي. واسم الحرماز: الحارث بن مالك بن عمرو بن تميم. محمد بن حمران بن أبي حمران. واسمه ربيعة بن مالك الجعفيّ المعروف بالشويعر. محمد بن خزاعيّ بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين وبعد الألف عين مهملة فتحتية فياء نسب، ابن علقمة بن خزاية السّلمي من بني ذكوان. محمد بن خولي بالخاء المعجمة وسكون الواو الهمداني. محمد بن سفيان بن مجاشع جدّ جدِّ الفرزدق الشاعر المشهور، ووقع في نسخه من العيون: جدّ الفرزدق من غير تكرير جّد، والصحيح ما في غيرها ونسخة الرّوض: جدّ جدّ بالتكرير. محمد بن عدي بن ربيعة بن سواد بن جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم السّعدي. محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الأوسي ذكره البلاذريّ. قال الحافظ: لا أدري أهو الأول نسب مرةً إلى جده أم هما اثنان. محمد بن عمر بن مغفل بضم أوله وسكون المعجمة وكسر الفاء ثم لام. هو والد هبيب مصغّر. محمد بن اليحمد بضم المثناة التحتية وسكون المهملة وكسر الميم وفتحها قال في القاموس كيمنع وكيعلم آتي أعلم، الأزدي. ونسّاب اليمن تزعم إنه أول من سمّي بذلك.

محمد بن يزيد بن عمرو بن ربيعة. محمد الأسديّ بضم الهمزة وفتح السين المهملة. وتشديد المثناة التحتية المكسورة. محمد الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف وسكون المثناة التحتية. ذكرهما ابن سعد ولم ينسبهما بأكثر من ذلك. واقتصر السّهيلي على ثلاثة والقاضي على سبعة منهم محمد بن مسلمة بفتح أوله وسكون ثانيه، وليس منه كما سيأتي. وعدّ ابن دحية فيهم محمد بن عتوارة وهو محمد بن البر نسب لجدّه الأعلى. والذي أدرك الإسلام منهم وأسلم: محمد بن ربيعة. ذكره ابن سعد والبغوي والبلاذري وابن السكن وابن شاهين وغيرهم في الصحابة. ولا وجه لتوقّف ابن الأثير في ذلك لما تقدم. ومحمد بن مسلمة هو محمد بن الحارث ذكره الحافظ في القسم الثالث من الإصابة. وقد نظم أسماءهم العلامة الشيخ عبد الباسط البلقيني رحمه الله تعالى في الشرح فقال: إن الذين سموا باسم محمّد ... من قبل خير الخلق ضعف ثمان ابنٌ لبرّ مجاشع بن ربيعةٍ ... ثم ابن مسلم محمدي حزمان ليثي هو السّلميّ وابن أسامة ... سعديّ وابن سوادةٍ همدان وابن الجلاح مع الأسيدي يا فتى ... ثم الفقيمي هكذا الحمران وقوله: «ثم ابن مسلم» بفتح الميم أي ابن مسلمة رخّمه للضرورة. وتبع في ذكره القاضي، وتعقّبه في الفتح والزهر بأنه ولد بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من خمس عشرة سنة. وأجاب بعضهم بأن مراد القاضي: من ولد في الجاهلية وسمّي بمحمد، وابن مسلمة منهم، وفات الشيخ عبد الباسط ذكر محمد بن الحارث بن حديج السابق. وقوله: حزمان بزاي معجمة أراد محمد بن حزمان كما ذكره في الشرح وكأنه تبع نسخة سقيمة من حاشية الشفاء للحلبي فإنه نقل ذلك عنها عن الإشارة للمغلطاي. والذي رأيته في عدة نسخ من الإشارة: محمد بن حرماز بحاء مهملة فراء وآخره زاي. وكذا رأيته بخط مغلطاي في الزهر والحافظ ابن حجر والعلاّمة العيني في شرحيهما على البخاري. والسبب في تسميته صلى الله عليه وسلم محمداً ما رواه البيهقي وأبو عمر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن عبد المطلب قيل له: لم سمّيته محمداً ورغبت عن أسماء آبائه؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض. وتقدم ذكر المنام الذي رآه جدّه في باب فرحه به صلى الله عليه وسلم ومن بركات هذا الاسم ما رواه أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: كان في بني إسرائيل رجلٌ عصى

ذكر ما وجد من هذا الاسم مكتوبا في الأزل منقوشا في خواتم الأنبياء والحجارة والنبات والحيوان.

الله تعالى مائة سنة ثم مات فأخذوه فألقوه على مزبلة فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام: إن اخرج فصلّ عليه قال: يا رب إن بني إسرائيل يشهدون أنه عصاك مائة سنة فأوحى الله تعالى إليه: هكذا كان إلا أنه كان كلما نشر التوراة ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبّله ووضعه على عينيه فشكرت له ذلك وغفرت له وزوّجته سبعين حوراء. وورد إن آدم صلى الله عليه وسلم تكنّى في الجنة بهذا الاسم. روى ابن عدي وأبو الشيخ وابن عساكر عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وابن عدي والبيهقي وابن عساكر عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعا، وابن عساكر عن كعب رحمه الله تعالى وأبو الشيخ عن بكر بن عبد الله المزني، وابن عساكر عن غالب بن عبد الله العقيلي رحمهما الله تعالى أنه ليس أحد من أهل الجنة إلا يدعى باسمه إلا آدم صلى الله عليه وسلم فإنه يدعى أبا محمد. تعظيما وتوقيراً للنبي صلى الله عليه وسلّم. زاده الله تعالى فضلاً وشرفاً وجزاه عن المسلمين خيراً. ذكر ما وجد من هذا الاسم مكتوباً في الأزل منقوشاً في خواتم الأنبياء والحجارة والنبات والحيوان. روى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فيما رواه أبو يعلى والطبراني، وعن ابن عمر فيما رواه البزّار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما عرج بي إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله» [ (1) ] . له طرق أسانيدها واهية. وقال الشيخ رحمه الله تعالى: إنه حديث حسن لكثرة طرقه، وقد بينت ما في ذلك في «إتحاف اللبيب ببيان ما وضع في معراج الحبيب» . ويروى عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله» [ (2) ] . ويروى عن عبادة بن الصامت فيما رواه الطبراني، وعن جابر رضي الله تعالى عنهما فيما رواه العقيلي، وابن عدي رفعاه أن فصّ خاتم سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام كان سماويّاً ألقي إليه فوضعه في إصبعه وكان نقشه أنا الله لا إله إلا أنا، محمد عبدي ورسولي.

_ [ (1) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 5/ 444 وذكره السيوطي في الدر 4/ 152 وعزاه للبزار وأخرجه بنحوه عن أبي هريرة وعزاه للطبراني في الأوسط وابن عساكر. [ (2) ] أخرجه ابن الجوزي في العلل 1/ 235، والعقيلي في الضعفاء 1/ 33، وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 114، وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: فيه أشعث بن عم الحسن بن صالح وهو ضعيف ولم أعرفه.

ولفظ جابر: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ويروى عن أبي الزبير عن جابر فيما رواه ابن عساكر قال: بين كتفي آدم مكتوب: محمد رسول الله خاتم النبيين. ويروى عن أبي ذر مرفوعاً فيما رواه البزّار، وعن عمر فيما رواه البيهقي، وعن ابن عباس فيما رواه الخرائطي في كتاب «قمع الحرص» وعن علي رضي الله تعالى عنهم فيما رواه البيهقي أن الكنز الذي ذكره الله تعالى في كتابه لوح من ذهب مصمت مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب، عجبت لمن ذكر النار ثم يضحك، عجبت لمن ذكر الموت ثم غفل. لا إله إلا الله محمد رسول الله. أسانيد هذه الأحاديث واهية. وذكر ابن ظفر رحمه الله تعالى: أنه وجد بالخط العبراني على حجر: باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين. لا إله إلا الله محمد رسول الله. وكتبه موسى بن عمران. ونقل ابن طغربل رحمه الله تعالى في كتابه «النطق المفهوم» عن بعضهم أنه رأى في جزيرة شجرة عظيمة لها ورق كبير طيب الرائحة مكتوب فيها بالحمرة والبياض في الخضرة كتابةً بيّنة واضحة خلقة ابتدعها الله تعالى بقدرته في الورقة ثلاثة أسطر: الأول: لا إله إلا الله. والثاني: محمد رسول الله. والثالث: إنّ الدين عند الله الإسلام. ونقل ابن مرزوق رحمه الله تعالى في شرح البردة عن عبد الله بن مرجان رحمه الله تعالى قال: عصفت بنا ريحٌ ونحن في لجج بحر الهند فأرسينا في جزيرة فوجدنا فيها ورداً أحمر ذكيّ الرائحة وفيه مكتوب بالأبيض لا إله إلا الله محمد رسول الله. وورد أبيض مكتوب عليه بالأصفر: براءةٌ من الرحمن الرحيم إلى جنات النعيم لا إله إلا الله محمد رسول الله. ونقل أيضاً عن بعضهم أنه أتي بسمكة فرأى في أحد لحمتي أذنيها لا إله إلا الله. وفي الأخرى محمد رسول الله. وعن جماعة أنهم وجدوا بطيخة صفراء فيها خطوط شتى بالأبيض خلقة، ومن جملة الخطوط كتب بالعربي في أحد جنبيها: الله. وفي الأخرى: عزّ أحمد بخط بيّن لا يشك فيه عالمٌ بالخط. وأنه وجد في سنة سبع أو تسع وثمانمائة حبة عنب فيها بخط بارع بلون أسود: محمد. وقد تقدم في باب كتابة اسمه صلّى الله عليه وسلم على العرش وسائر ما في الملكوت ما فيه مقنع. ويرحم الله تعالى القائل حيث قال:

تنبيهات

بدا مجده من قبل نشأة آدمٍ ... وأسماؤه في العرش من قبل تكتب تنبيهات الأول: لم يصح في فضل التسمية به حديث، بل قال الحافظ أبو العباس تقي الدين بن تيمة الحراني رحمه الله تعالى: كل ما ورد فيه فهو موضوع، ولابن بكير جزء معروف في ذلك كل أحاديثه تالفة. قال الحافظ: وأصحّها ما رواه ابن بكير عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: «من ولد له مولود فسمّاه محمداً حبّاً لي وتبرّكاً باسمي كان هو ومولوده في الجنة» [ (1) ] . قال: وإسناده لا بأس به وحسّنه في موضع آخر. قلت: وليس كذلك فإن في سنده أبا الحسن حامد بن حمّاد بن المبارك بن عبد الله العسكري، شيخ ابن بكير، قال الذهبي في الميزان والحافظ في اللسان: خبره هذا موضوع وهو آفته انتهى وشيخه هذا إسحاق بن سيّار مجهول. والوارد في ذلك حديث عبد الله بن أبي رافع عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سميتموه محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه» رواه البزار من طريق أبي غسّان بن عبد الله وفيه ضعف. وبقية رجاله ثقات [ (2) ] . وحديث أنس مرفوعاً: «تسمّونهم محمداً ثم تسبّونهم» [ (3) ] . رواه أبو داود والطيالسي من طريق الحكم بن عطية. قال البزّار: لا بأس به وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. وحديث جابر بن عبد الله مرفوعاً: «ما أطعم الطعام على مائدة ولا جلس عليها وفيها اسمي إلا قدّسوا كل يوم مرتين» [ (4) ] . رواه ابن عدي من طريق أحمد بن كنانة الشامي وقال: منكر الحديث. وقال الذهبي في الميزان وأقره الحافظ في اللسان إنه حديث مكذوب. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد وجدت للحديث طريقاً آخر ليس فيه أحمد بن كنانة

_ [ (1) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 2/ 393 وعزاه لابن عساكر قال السيوطي في مختصر الموضوعات: هذا أمثل حديث ورد في هذا الباب وإسناده حسن وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 157، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة 1/ 55، والفتني في تذكرة الموضوعات ص 89. [ (2) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 94 وعزاه للبزار عن أبي رافع والخطيب عن علي بلفظ «إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه وأوسعوا له في المجلس ولا تقبحوا له وجها» . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 51 وعزاه لأبي يعلى والبزار وقال: فيه الحكم بن عطية وثقة ابن معين وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 1/ 172 وابن حجر في لسان الميزان 1/ 775 والسيوطي في اللآلئ 1/ 52.

قال أبو سعيد النقاش في معجم شيوخه: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الخالق البندنيجي، حدثنا أبو صالح شعيب بن الخصيب، حدثنا العباس بن زيد البحراني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به. قال الشيخ رحمه الله تعالى: رجاله ثقات. وحديث ابن عباس: «من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسمّ أحدهم محمدا فقد جهل» . رواه ابن عدي والطبراني من طريق ليث بن سعيد، حدثنا موسى بن أعين عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس به. ومصعب ضعيف وليث كذلك. ورواه الحارث ابن أبي أسامة من طريق إسماعيل بن أبي إسماعيل. قال الدارقطني: وهو ضعيف لا يحتج به. وهذان الحديثاًن أمثل ما روي في هذا الباب وإسناداهما واهيان. وفي الإصابة ما نصه جشيب بعد الجيم شين معجمة ثم تحتانية ثم موحدة. روى ابن أبي عاصم من طريق ابن أبي فديك، عن جهم بن عثمان عن ابن جشيب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تسمى باسمي يرجو بركتي غدت عليه بركتي وراحت إلى يوم القيامة» . قال ابن منده رحمه الله تعالى: أن كان جشيب هذا الذي يروي عن سعيد بن سويد فهو تابعيّ قديم من أصحاب أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه [ (1) ] . الثاني: قال الحافظ أبو الخير السّخاوي في فتاويه: لم يرد في المرفوع: «من أراد أن يكون حمل زوجته ذكراً فليضع يده على بطنها وليقل: إن كان هذا الحمل ذكراً فقد سمّيته محمداً فإنه يكون ذكراً» . إنما روى أبو شعيب عبد الله بن حسن الحرّاني في جزأيه عن عطاء قال: «ما سمّي مولودٌ في بطن أمه محمداً إلا كان ذكراً» . قلت: وقد رفعه بعضهم كما رواه ابن الجوزي في الموضوعات عن عائشة بنت سعد عن أبيها. وفي سنده [عثمان] بن عبد الرحمن كذبه ابن معين. وقال ابن حبان: يروى عن الثّقات الموضوعات. وروى ابن النجار في تاريخ بغداد عن محمد بن سلام بن مسكين البغدادي قال: حدثنا وهب بن وهب، حدثنا جعفر بن محمد بن علي، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما قال: من كان له حمل فنوى أن يسمّيه محمداً جعله الله ذكراً وإن كان أنثى. قال وهب: فنويت سبعةً كلهم سميته محمداً. انتهى. قلت: وهب هذا أبو البختريّ [ (2) ] متّهم. وقد أورد أثره هذا الشيخ في الموضوعات وقال

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (45221) . [ (2) ] وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القاضي، أبو البختري القرشي المدني سكن بغداد وولي قضاء عسكر المهدي، ثم قضاء المدينة، ثم ولي حربها وصلاتها، وكان جوادا، لكنه متهم في الحديث. قال يحيى بن معين: كان يكذب عدو الله. وقال عثمان بن أبي شيبة: أرى إنه يبعث يوم القيامة دجالا. توفي سنة مائتين. وقال أحمد: كان يضع الحديث وضعا فيما نرى. وقال البخاري: سكتوا عنه. ميزان الاعتدال 4/ 353، 354.

حرف الالف

عقبه: وهب وضّاع كذّاب. الثالث: روى البخاري في الصحيح والتاريخ، والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون» [ (1) ] ولفظ البخاري في التاريخ: «يا عباد الله انظروا. وفي لفظ له: ألم تروا كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمّماً ويلعنون مذمّماً. وأنا محمد» . قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: كيف يستقيم ذلك وهم ما كانوا يسبّون الاسم بل المسمّى، والمسمّى واحد؟ والجواب المراد: كفى الله اسمي الذي هو محمد يستهزأ بالسب. وقال الحافظ رحمه الله تعالى: كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمّونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولون: مذمّم وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل الله بمذمّم. ومذمّم، ليس هو اسمه ولا يعرف به، فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفاً إلى غيره. [حرف الالف] «أحمد» : قال الله تعالى حاكياً عن السيد عيسى عليه السلام وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ قال العلماء: لم يسمّ به أحد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم منذ خلق الله تعالى الدنيا، ولا تسمّى به أحد في حياته صلى الله عليه وسلم وأول من تسمّى به بعده على الصواب والد الخليل بن أحمد شيخ سيبويه. قال المبرد رحمه الله تعالى: فتّش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا صلى الله عليه وسلم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن أحمد. قال الحافظ أبو الفضل العراقي: واعترض على هذه المقالة بأبي النضر سعيد بن أحمد فإنه أقدم وأجيب بأن أكثر أهل العلم قالوا فيه يحمد بالياء. وقال ابن معين: أحمد. قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وهو علم منقول من صفة لا من فعل، وتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل. وقال ابن القيم في كتابيه «جلاء الأفهام» «وزاد المعاد» واللفظ له: اختلف الناس فيه: هل هو. بمعنى فاعل أو مفعول. فقالت طائفة: هو بمعنى فاعل. أي حمد الله أكثر من حمد غيره له، فمعناه أحمد الحامدين لربه. وقالت طائفة أخرى: هو بمعنى مفعول أي أحق الناس وأولاهم بأن يحمد. فيكون

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 641 في كتاب المناقب (3533) .

تنبيه:

كمحمد في المعنى، إلا أن الفرق بينهم أن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة الخصال التي يحمد عليها وأحمد هو الذي يحمد أفضل ما يحمده غيره. فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصّفة وفي الكيفية يستحق من الحمد أكثر مما يستحقه غيره فحمده أكثر حمدٍ وأفضل حمدٍ حمده بشر، والاسمان واقعان على المفعول، وهذا أبلغ في مدحه صلى الله عليه وسلم وأكمل معنى. قال: وهو الراجح المختار ولو أريد به معنى الفاعل لسمّي الحمّاد أي كثير الحمد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس حمداً لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى به الحمّاد كما سمّيت أمته صلى الله عليه وسلم بذلك. وأيضاً فإن هذين الاسمين إنما اشتقّا من أخلاقه وخصاله صلى الله عليه وسلم التي لأجلها استحق أن يسمّى محمداً وأحمد. وبسط الكلام على ذلك وتحقيق هذا المحل يطول به الكلام فليطلب من كتب النحو المطولة. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: سمّي النبي صلى الله عليه وسلم بمحمد وأحمد لما اشتمل عليه من مسمّاهما وهو الحمد، فإنه صلى الله عليه وسلم محمود عند الله ومحمود عند الملائكة ومحمود عند الأنبياء، ومحمود عند أهل الأرض كلهم وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحوداً وعناداً [أو جهلا باتصافه بها] ولو علم اتصافه بها لحمده، فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له. وقال القاضي والسّهيلي وابن القيم رحمهم الله تعالى: واختصّ صلى الله عليه وسلم من مسمّى الحمد بما لم يجمع لغيره، فإن اسمه صلّى الله عليه وسلم: أحمد ومحمد، وأمته الحمادون يحمدون الله تعالى علي السراء والضراء، وصلاته وصلاتهم مفتتحة بالحمد. وخطبه مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وشرع له الحمد بعد الأكل والشرب، وبعد الدعاء. وبعد القدوم من السفر، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي ربه عز وجل للشفاعة ويؤذن له فيها يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مسلمهم وكافرهم أولهم وآخرهم إلى غير ذلك. تنبيه: قال القاضي رحمه الله تعالى: كان صلى الله عليه وسلم أحمد قبل أن يكون محمداً كما وقع في الوجود، لأن تسميته صلى الله عليه وسلم أحمد وقعت في الكتب السالفة، وتسميته محمداً وقعت في القرآن، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم حمد ربه قبل أن يحمده الناس. وقال السّهيلي: لم يكن صلّى الله عليه وسلم محمداً حتى كان أحمد، حمد ربه فنبّأه وشرّفه، فلذلك تقدّم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكره عيسى صلى الله عليهما وسلم فقال: «اسمه أحمد» وذكره موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له ربه:

تنبيه:

تلك أمة أحمد فقال اللهم: اجعلني من أمة أحمد، فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد، لأن حمده لربه قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمداً بالفعل، وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته صلّى الله عليه وسلم. فانظر كيف ترتّب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذّكر وفي الوجود في الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه صلى الله عليه وسلم بهذين الاسمين. انتهى. فصرّح القاضي والسهيلي رحمهما الله تعالى بأن أحمد سابقٌ على محمد. وأقرّهما الحافظ في الفتح وغيره. وردّ ذلك ابن القيم في كتابيه «جلاء الأفهام» و «زاد المعاد» ونسب قائل ذلك إلى الغلط، ثم نقل عن لفظ التوراة التي يقرأها مؤمنو أهل الكتاب أن فيها عند ذكر إسماعيل صلى الله عليه وسلم بماذماذ. وذكر بعد هذا: وإنه سيلد اثني عشر عظيماً، منهم عظيم يكون اسمه ماذماذ. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا عند علماء المؤمنين من أهل الكتاب صريح في اسم النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ورأيت بعض شروح التوراة كما حكيناه بعد هذا المتن قال في الشرح: هذان الحرفان في الموضعين يتضمنان اسم السيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبسط الشارح الكلام والدليل على ذلك. ثم نقل ابن القيم عن شارح آخر أن اسمه في التوراة أظهر مما ذكره الشارح السابق وذكر ابن القيم كلامه. فليراجعه من أراده من «جلاء الأفهام» . وقد وردت آثار كثيرة تشهد لما قاله ابن القيم. قال: وإنما سمّاه المسيح أحمد كما حكاه الله تعالى في القرآن لأن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمداً في التوراة ومتقدّمة على تسميته محمداً في القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما. وقد تقدّم أن هذين الاسمين صفتان في حقه صلى الله عليه وسلم، والوصفية فيهما لا تنافي العلمية وأن معناهما مقصود، فعرف عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها. انتهى ملخصاً. قال الراغب رحمه الله تعالى: وإنما خصه عيسى عليه الصلاة والسلام بذلك ولم يصفه بغيره تنبيهاً على أنه أحمد منه وممن قبله، لما اشتمل عليه من الخصال الجميلة والأخلاق الحميدة التي لم تكمل لغيره صلى الله عليه وسلم. تنبيه: لم يصح في فضل التسمية به حديث. وأما حديث أنس بن مالك مرفوعاً: «يوقف

فائدة:

عبدان بين يدي الله تعالى فيؤمر بهما إلى الجنة فيقولان: ربنا بم استأهلنا الجنة ولم نعمل عملاً تجازينا به الجنة؟ فيقول الله تعالى: عبديّ ادخلا الجنة فإني آليت على نفسي ألاّ يدخل النار من اسمه أحمد ولا محمد» فهو حديث باطل كما قال الذهبي رواه ابن بكير من طريق أحمد بن عبد الله الدارع وهو كذاب، وشيخه صدقة بن موسى وأبوه لا يعرفان. فائدة: أحمد في العربية ممنوع من الصرف لا ينوّن ولا يكسر للعلمية ووزن الفعل. وألغز فيه بعضهم رحمه الله تعالى فقال: وراكعةٍ في ظلّ غصن منوطة ... بلؤلؤةٍ نيطت بمنقار طائر فالراكعة: الدال. والغصن التي هي في ظله: الألف. واللؤلؤة: الميم. ومنقار الطائر: الحاء. «الأبر» : أفعل تفضيل من بررت فلاناً بالكسر أبرّه برّاً فأنا برّ وبارّ: أي محسن. والبرّ: اسم جامع للخير. ويطلق أيضاً على الصّدق لحديث: «لا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله بارّاً، ولا يزال يكذب حتى يكتب عند الله كاذباً» وإنه يقال صدق وبرّ وكذب. وفجر. وجمع البرّ: أبرار والبارّ: بررة. وهو صلى الله عليه وسلم حريّ بأن يكون أبرّ الناس، لما جمع فيه من الخصال الجميلة التي لم تجمع في مخلوق والإحسان والصدق. قال أبو علي الحاتميّ رحمه الله: اتفق أهل الأدب على أن أصدق بيت قالته العرب قول أبي إيّاس الدّؤلي: وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمة من محمد وهذا الاسم مما سماه الله تعالى به من أسمائه الحسنى. والبرّ في حقه تعالى معناه: المحسن أو الصادق الوعد أو خالق البرّ. أقوال. والنبي صلى الله عليه وسلم بر بالمعنيين الأولين كما سيأتي في صفاته المعنوية. «الأبطحي» : نسبة إلى الأبطح وهو مسيل الماء، وفيه دقاق الحصى، والمراد هنا أبطح مكة، وهو مسيل واديها، وهو ما بين مكة ومنى ومبتدأه المحصّب. وأصله في اللغة: ما انحدر من الجبال وارتفع عن المسيل. قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:

"الأبلج":

وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى ... وأكرم جدا أبطحيا يسوّد [ (1) ] وسمّي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه من قريش البطاح، وذلك أن قصيّاً جده الخامس لما ولي البيت وأمر مكة أقطعها أرباعاً بين قومه، فلما كثرت بنو كعب بن لؤي وبنو عامر بن لؤي أخرجوا بني محارب وبني الحارث بن فهر من البطحاء إلى الظّواهر وبني خارجة الحرم حول مكة. فقريش البطاح: بنو كعب بن لؤي وبنو عبد مناف وبنو عبد الدار وبنو مرّة بن كلاب، وبنو مخزوم بن يقظة، وبنو تميم بن مرة وبنو جمح وسهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، وبنو عديّ بن مالك وبنو عامر بن لؤي. وقريش الظواهر: بنو محارب، وبنو الحارث بن فهر، وبنو الأدرم بن غالب، وعامة بني عامر بن لؤيّ وكان يقال لعبد المطلب: سيّد الأبطح والأباطح. «الأبلج» : بالموحدة وآخره جيم. وهو الطّلق الوجه أو المشرقه، أو ذو الكرم والسماحة والمعروف، أو الواضح أمره، ومنه صباحٌ أبلج، وانبلجت الشمس انبلاجاً وانبلج الفجر وتبلّج: أنار ووضح. «الأبيض» : صفة مشبهة من البياض ضد السّواد، وهو السخيّ الجواد ومنه قول ذي الرّمّة: وأبيض مرتاح النّحيزة للنّدى ... له نائلٌ بالمكرمات يفيض أو المبارك الميمون ومنه قول الجعدي: كم بتّ أرقب منك يوماً أبيضاً ... في شبه وجهك بالنّدى متهلّل أو المتصف بالبياض وهو نظافة العرض، يقال رجل أبيض وامرأة بيضاء أي نقية العرض من الأدناس، ويقال ابيضّ ابيضاضاً وبياضاً وهو مبيضّ، وقال أبو طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل [ (2) ] وسيأتي تمامه في ثمال.

_ [ (1) ] البيت في الديوان من قصيدة مطلعها: بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرسوم وتمهدو ورواية البيت في الديوان: وأكرم حيا في البيوت إذا انتمى انظر ديوان حسان بن ثابت 60- 64. [ (2) ] البيت منسوب لأبي طالب في العقد الفريد 3/ 232، 4/ 264.

الأتقى":

الأتقى» : أفعل تفضيل من تقى يتقي كقضى يقضي لا من اتقى يتّقي الذي هو الأصل، فخفف لأن أفعل التفضيل لا يبنى من غير ثلاثي على ثلاثة. روى مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد علمتم أنّي أتقاكم وأبرّكم وأصدقكم حديثاً» . قال الجوهري: التّقيّ: المتّقي. والتّقى والتقوى واحد. وواوها مبدلة عن ياء لقولك: اتقيت والتاء من واو لأنه من وقيت. وأصل التقوى في اللغة: قلة الكلام. حكاه ابن فارس. وقال غيره: هي الخوف والحذر وأصلها: اتقاء الشّرك ثم المعاصي، ثم الشبهات، ثم ترك الفضلات. وحقيقتها: التحرّز بطاعة الله تعالى من مخالفته. وقال رجل لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ما التقوى؟ قال: أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم. قال: كيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى. وقد أشار إلى هذا المعنى ابن المعتز رحمه الله تعالى فقال: خلّ الذّنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التّقى واصنع كماش فوق أر ... ض الشّوك يحذر ما يرى لا تحقرنّ صغيرةً ... إنّ الجبال من الحصا وأما إضافتها إلى الله تعالى في قوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى فمعناه أهل لأن يتّقى عقابه ويحذر عذابه. وسئل علي رضي الله تعالى عنه عنها قال: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرّحيل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس» [ (1) ] . رواه الإمام أحمد، وحسّنه الترمذي. تنبيه: قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ أمرٌ بالدوام على التقوى. كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ [ (2) ] أي داوموا على الإيمان.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2451) ، وابن ماجة (4215) ، والبيهقي 2/ 335، والطبراني في الكبير 17/ 169. [ (2) ] الحديد: 28.

"الأجود":

«أتقى الناس» : تقدم معناه في الذي قبله. «الأجود» : أفعل تفضيل من الجود وهو الكرم. يقال جاد يجود جوداً فهو جواد بتخفيف الواو، وقومٌ جودٌ وأجواد وأجاود وجوّاد. قال النّحاس رحمه الله تعالى: الجواد: الذي يتفضل على من لا يستحق ويعطي من لا يسأل ويعطي الكثير ولا يخاف الفقر. من قولهم: مطر جواد: إذا كان كثيراً. وفرس جواد: يعدو كثيراً قبل أن يطلب منه. ثم قيل: هو مرادفٌ للسّخاء. والأصحّ أن السخاء أدني منه. والسخاء: اللّين عند الحاجات، ومنه: أرضٌ سخاوية: لينة التراب. وفي رسالة القشيري رحمه الله تعالى: قال القوم: من أعطى البعض فهو سخيّ ومن أعطى الأكثر وبقّى لنفسه شيئاً فهو جواد ومن قاسى الضرر وآثر غيره بالبلغة فهو مؤثر. وقال بعضهم: السخاء سهولة الإنفاق وهو الجود، وضده التقتير، والسماحة: التجافي عما يستحقه المرء من غيره بطيب نفسه، وضد الشّكاسة. والكرم: الإنفاق بطيب النّفس فيما يعظم خطره ويسمى حرّية، وضده: النذالة. وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في شهر رمضان» الحديث. وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم عن الأجود؟ الله الأجود، وأنا أجود بني آدم» [ (1) ] . ولهذا مزيد بيان في باب كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم. «أجود الناس» : تقدم الكلام عليه في الذي قبله. «الأجلّ» : بالجيم وتشديد اللام: الجليل العظيم أي الأكثر إجلالاً وعظمة عند الله وعند عباده. «الأجير» : بالجيم نقله «ع» عن بعض الصحف المنزّلة: لأنه يجير أمته من النار. قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولم أر من ذكره غيره، وأخشى أن يكون تصحّف بأحيد الآتي. «أحاد» : كذا ورد في السّفر الخامس من التوراة، وليس بين الحاء والدال ألف إنما يفخّمون الحاء، وتفسيره عندهم: واحد.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 16، وعزاه لأبي يعلى وقال فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك. وذكره ابن حجر في المطالب (3077) ، والمتقي الهندي في الكنز (28771) .

"الأحد":

ومعناه فيه صحيح من وجوه، منها: أنه واحد بمعنى آخر الأنبياء وخاتمهم، ومنها: أنه واحد في السيادة على من سواه، ومنها أنه واحد في شريعته أكمل الشرائع، ومنها: أنه واحد في خصائص خصّ بها من أحكام دينه وأمور رفيعة غير دينه، كالشّفاعة العامّة والحوض المورود والمقام المحمود: وقال الشيخ رحمه الله تعالى: أحاد في العربية بضم الهمزة: اسم عدد معدول عن واحد واحد، ولا يبعد أن يكون اسمه صلّى الله عليه وسلم في التوراة هو هذا الاسم العربيّ المعدول، ووجه العدل فيه عن واحد واحد المتكرر: أنه صلى الله عليه وسلم في أمور متعددة، فعدل عنها إلى أحاد ليدل على ذلك باختصار كما هو فائدة العدل أن لا يؤتى باللفظ مكرراً، فيكون هذا الاسم مما سماه الله تعالى به من أسمائه. ومعنى الواحد في حق الله تعالى: الذي لا شريك له في ذاته وصفاته. «الأحد» : المنفرد بصفات الكمال عن الخلق أو بالقرب من الحق، وهو من الصفات المشبّهة وأصله: وحد بفتح بالحاء وبكسرها أيضاً، فأبدلت الواو المفتوحة همزةً شذوذاً، لأن قياس المفتوحة أول الكلمة أن تبقى على حالها. وهو من أسمائه تعالى ومعناه: المنفرد بصفات الكمال. وسيأتي الفرق بينه وبين الواحد بأنه يقال باعتبار الذات، والأحد باعتبار الصّفات. وقيل: الواحد للوصل والأحد للفصل. فمن الواحد وصل إلى عباده النّعم. ومن الأحد انفصلت عنهم النّقم. «الأحسن» : ذكره أبو حفص النسفي رحمه الله تعالى في تفسيره، وهو أفعل: من الحسن، وهو تناسب الأعضاء على ما ينبغي، والمراد به: المستجمع صفات الكمال. قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ قال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الحسن البصري رحمه الله تعالى: أنه تلا هذه الآية فقال: هذا حبيب الله تعالى، هذا صفوة الله، هذا أحبّ أهل الأرض إلى الله أجاب الله تعالى في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله تعالى فيه. وفي حديث أنس عند عبد بن حميد: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس وكان أشجع الناس. وسيأتي الكلام على ذلك في باب حسنه صلى الله عليه وسلم. ويرحم الله تعالى الشرف البوصيري حيث قال: فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم منزّهٌ عن شريكٍ في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم

"الأحشم":

والشرف ابن الفارض حيث قال: وعلى تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف قال النّسفي رحمه الله تعالى: وهذا الاسم مما سماه الله تعالى به من أسمائه. قال تعالى: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. «الأحشم» : بالحاء المهملة والشين المعجمة: أفعل تفضيل من الحشمة وهي الوقار والسكينة أي أحشم الناس، أي أكثرهم وقاراً. «أحيد» : عزاه القاضي للتوراة لأنه يحيد أمّته عن النار. ويروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا: «اسمي في القرآن محمد وفي الإنجيل أحمد، وفي التوراة أحيد لأني أحيد أمّتي عن النار» رواه ابن عدي وابن عساكر بسند واهٍ، وضبطه الشيخ تقي الدين الشّمنّي بضم الهمزة والحلبي بفتحها وسكون الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية وكسرها في آخره دال مهملة وضبطه الماوردي رحمه الله تعالى بمد الألف وكسر الحاء المهملة. وقال في الشرح: يحتمل أن يكون أفعل: من حاد عن الشيء إذا عدل عنه ونفر منه، وسمّي به لأنه حاد عن طريق الباطل وعدل بأمته إلى سبيل الحق. وهو غير منصرف للعجمة والعلمية، أو وزن الفعل مع العلمية. «الآخذ الحجزات» : بالإضافة: اسم فاعل من الأخذ وهو التناول. روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدوابّ والفراش يقعن فيها، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحّمون فيها» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبّهن عنها وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تفلتون من يدي» [ (2) ] . الحجزات بضم المهملة وفتح الجيم ثم زاي. والحجز جمع حجزه وهو حيث يثنى طرف الإزار وهو النيفق من السراويل ومحلها الوسط، فكأنه صلّى الله عليه وسلم قال: أنا آخذ بأوساطكم لأنّجيكم من النار والأخذ بالوسط أمكن، فعبّر عنها بالحجزات استعارة بعد استعارة. «الآخذ الصدقات» : قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها الآية

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1789 كتاب الفضائل (17- 2284) والترمذي 2874. [ (2) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق (19- 2285) ، وأحمد في المسند 3/ 392، والبيهقي في دلائل النبوة 1/ 367.

"أخرابا":

وإن نزلت في المخلّفين عن غزوة تبوك، وفي صدقة التطوع التي هي من تمام توبتهم، لكنها عامّة لغيرهم وفي الزكاة المفروضة. ولهذا قال مانعو الزكاة: لا ندفعها إلا لمن صلواته سكنٌ لنا، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأخذ الزكاة من أربابها ويفرّقها على مستحقيها كما هو معلوم معروف. «أخرابا» : هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في الإنجيل، ومعناه آخر الأنبياء، روى ابن أبي شيبة في المصنّف عن مصعب بن سعد، عن كعب رحمه الله تعالى قال: أول من يأخذ حلقة باب الجنة فيفتح له محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ علينا آية من التوراة أخراباً قدمابا الأوّلون الآخرون. «الأخشى لله» : أخذه الشيخ رحمه الله تعالى من حديث أبي داود: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله» . قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: وفيه إشكال لأن الخوف والخشية حالةٌ تنشأ عن ملاحظة شدّة النّقمة الممكن وقوعها بالخائف، وقد دلّ الدليل القاطع على أنه صلى الله عليه وسلم غير معذّب. وقال تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ فكيف يتصوّر منه الخوف، فكيف أشد الخوف؟. قال: والجواب أن النسيان جائز عليه صلى الله عليه وسلم فإذا حصل النسيان عن موجبات نفي العقاب حدث له الخوف، لا يقال أن إخباره صلّى الله عليه وسلم بشدة الخوف وعظم الخشية عظم بالنوع لا بكثرة العدد، أي إذا صدر منه الخوف ولو في زمن فرد كان أشدّ من خوف غيره. والخشية: الخوف وقيل أعظمه والهيبة أعظم منها. وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: هي أن تخشاه حتى يحول بينك وبين المعصية، وعلى قدر علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى كان خوفه. كما سيأتي في باب: «خوفه صلى الله عليه وسلم» . وقال الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى: الرهبة على مراتب: أولها: الخوف وهي من شرط الإيمان. قال الله تعالى: وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثانيها: الخشية وهي من شرط العلم، قال الله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ثالثها الهيبة، وهي من شرط المعرفة. وقيل هي حركة القلب من جلال الرب. وأما وصفه تعالى بها في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [] برفع الاسم الكريم ونصب العلماء عكس القراءة المشهورة كما قرأ به أبو حيوة وعمر بن العزيز وأبو حنيفة فهو على سبيل المجاز، والمراد غايتها التي هي التعظيم والإجلال فقط على حد قوله: أهابك إجلالاً وما بك قدرةٌ ... عليّ ولكن ملء عينٍ حبيبها «آخر ماخ» : عزاه «ع» لصحف شيث صلى الله عليه وسلم قال: ومعناه صحيح الإسلام.

"الأدعج":

«الأدعج» : بدال وعين مهملتين أي أدعج العينين من الدّعج محرّكاً كالدّعجة بالضم وهو شدة سواد العين مع سعتها. كما سيأتي في باب صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم. «الأدوم» : بفتح الهمزة وسكون الدال المهملة، أفعل تفضيل من المداومة وهي المواظبة على الشيء. وأصل الدوام السكون يقال: دام الماء: إذا سكن، ومنه حديث الشيخين رضي الله عنهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» [ (1) ] . وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لملازمته طاعة ربه تبارك وتعالى. وروى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمةً وأيكم يستطيع ما كان يستطيع صلى الله عليه وسلم» . ولا ينافي ذلك عدم مواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الضحى، كما رواه الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله عليه وسلّم كان يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصلّيها، لأن المواظبة على العمل كانت غالب أحواله صلى الله عليه وسلم وقد يتركها لحكمة كما ترك المواظبة على قيام رمضان لمّا علم به أناس فقاموا بقيامه خشية أن تفرض عليهم فيحرجهم. فإن قيل: لم واظب صلى الله عليه وسلم علي قضاء سنّة الظّهر لمّا فاتته لاشتغاله مع الوفد بعد العصر ولم يواظب على قضاء سنة الفجر لمّا فاتته مع الصبح في الوادي مع أن سنّة الفجر آكد ووقت قضائها ليس وقت كراهة بخلاف سنة الظهر؟ أجيب: بأن سنّة الفجر فاتته صلى الله عليه وسلم مع جمع من الصحابة فلو واظب على قضائها لتأسّى به كلّ من فاتته إذا كان من عادتهم الحرص على اقتفاء آثاره صلى الله عليه وسلم والمتابعة له في أفعاله فيشق ذلك عليهم، بخلاف سنة الظهر أو لأنه كان في سفر فلم يواظب عليها لذلك بخلاف سنة الظهر. «أذن خير» : سمي صلى الله عليه وسلم بالجارحة التي هي آلة السمع كأن جملته إذن كما يقال للرّبيئة: عين. قال تعالى: وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قائل هذه اللفظة نبتل بن الحارث بن مروة المنافق، كان يأتي النبي فيجلس إليه فيسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، رواه ابن أبي حاتم. وقيل هو الجلاس بن سويد.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 346 كتاب الوضوء (239) ، ومسلم 1/ 235، كتاب الطهارة (96- 282) .

فائدة:

قال الحسن ومجاهد رحمهما الله تعالى: ومعنى هو أذن: يسمع منا معاذيرنا وينصت لنا، أي نحن لا نبالي عن أذاه والوقوع فيه، إذ هو سماّع لكل ما يقال له من اعتذار ونحوه ويقال للسمّاع لكل قول: أذن، لكثرة سماعه، سمّي بمحلّه. وقيل هو على حذف مضاف وتقديره ذو أذن أي ذو سماع، وقيل هو من قولهم أذن للشيء بمعنى استمع، ومنه الحديث: «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي متغن بالقرآن» . وصفه الله تعالى بذلك إلا أنه تعالى فسّره بما هو مدح لنبيه صلى الله عليه وسلم وثناء عليه وإن كان قصدوا بذلك ذمّه. والمشهور ضم ذال أذن. وقرأ نافع بسكونها، قال ابن عطية رحمه الله تعالى: أذن خير: سمّاع خير وحقّ لا غيره، والمشهور إضافته وقرأ عاصم برفع «خير» وتنوين «أذن» قال: وهو يوافق تفسير الحسن أي من يقبل معاذيركم خير لكم. قال العزفيّ رحمه الله تعالى: وأما اسمه صلّى الله عليه وسلّم «أذن خير» فهو مما أعطاه من فضيلة الإدراك لبيان الأصوات فلا يبقى من ذلك خير ولا يسمع من القول إلا أحسنه. فائدة: قال في الصحاح: الأذن مؤنثة وتصغيرها أذينة. ورجل أذن يستوي فيه الواحد والجمع. «الأرجح» : الزائد على غيره علماً وفضلاً، وفي حديث شق الصدر ثم قال أحدهما- أي الملكين- لصاحبه: زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فرجحتهم. ثم قال: زنه بمائة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم. ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم. فقال: دعه عنك فلو وزنت بأمته لوزنهم. أي لرجح عليهم في الفضل. وقال زهير بن صرد رضي الله تعالى عنه يمدحه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا لديه: إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح النّاس حلماً حين يختبر «أرجح الناس عقلا» : روى أبو نعيم عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: قرأت في أحد وسبعين كتاباً فوجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وسلم إلا كحبّة رمل من بين جميع رمال الدنيا، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلاً. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في الكلام على عقله صلى الله عليه وسلم. «الأرحم» : أفعل: من الرّحمة أي أكثر الناس رحمة، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى. «أرحم الناس بالعيال» : وسيأتي الكلام عليه في باب شفقته صلى الله عليه وسلم. «الأزجّ» : بفتح الزاي وتشديد الجيم أي أزجّ الحاجبين أي المقوّس الحاجب الوافر شعره. كما سيأتي بيان ذلك في باب صفاته صلى الله عليه وسلم.

"الأزكى":

«الأزكى» : بالزاي: الطاهر، أفعل من الزكاة وهي الطهارة أي أزكى العالمين. أي أطهرهم «الأزهر» : من الزهارة وهي الرونق. روى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، قال الإمام النووي: معناه أبيض مستنير فهو بمعنى ما رواه ابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض. ولهذا مزيد بيان في باب صفة لونه صلى الله عليه وسلم «الأسد» : بفتح الهمزة والسين وتشديد الدال المهملتين: المستقيم وهو أفعل: من السّدد محركة كالسداد وهو الاستقامة والتوفيق للصواب من القول والعمل، يقال: سدّده تسديداً: إذا قوّمه ووفقه للسداد. وسدّ يسدّ، كفرّ يفرّ: صار سديداً أي مستقيماً واستدّ: استقام. وأسدّ أصاب السداد أو طلبه. وسدّ الثلمة: أصلحها وأوثقها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس ملكاً وأنساً وجمعاً وسداداً أي استقامة وتوفيقاً وإصلاحاً لثلم الرأي وإصابةً للصواب، لأن جميع ما يصدر منه صلى الله عليه وسلم ولو على سبيل الاجتهاد مستند إلى الوحي، ولهذا كان اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يخطئ كما صوّبه السّبكي، ولهذا مزيد بيان في أبواب عصمته صلى الله عليه وسلم «أشجع الناس» : من الشجاعة وهي شدة القلب عند البأس، وتقدم في أحسن، وسيأتي الكلام عليه في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم «الأشدّ حياءً من العذراء في خدرها» : أي أكثر حياء. والحياء يمدّ ويقصر وهي انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم، وسيأتي الكلام على ذلك في باب حيائه صلى الله عليه وسلم «الأشنب» : بالمعجمة وفتح النون فموحدة من الشّنب محركاً وهو رونق الأسنان ورقة مائها. وقيل رقتها وعذوبتها، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب صفة فمه وأسنانه صلى الله عليه وسلم «الأصدق» : أفعل تفضيل. للمبالغة وأصله الثبوت والقوة يقال رجل صدق إذا كان قوياً على الطعن ثابتاً فيه، لا أحد أقوى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أثبت على الحق منه، فهو صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة وأثبت على الحق وأقوى في الله. وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه عند الترمذي في الشمائل: هو أصدق الناس لهجة. وهذا الاسم مما سماه الله تعالى به من أسمائه قال الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا «أصدق الناس لهجة» : وتقدّم معناه. واللهجة بفتح الهاء وسكونها لغةً: اللسان. وقيل

"الأطيب":

طرفه أي أصدق الناس لساناً «الأطيب» : أي الأفضل والأشرف، أو الأكثر طيباً. أي أفعل: من الطيب وهو حسن الرائحة «الأعزّ» : بمهملة فمعجمة: أفعل: من العز أي الكثير العزّة وهي الغلبة والقوة «الأعظم» : أي أحسن الناس خلقا وخلقاً لأنه أفعل: من العظمة وهي ترجع إلى كمال الذات وتمام الصفات، وذلك غاية الحسن وكماله «الأعلى» : أفعل: من العلوّ وهو الرفعة، أي الأكثر علوّاً أي رفعة على غيره. قال أبو حفص النسفي رحمه الله تعالى في تفسيره: وهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه، وأورد فيه قوله تعالى: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى وفي الأخذ من الآية نظر. قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولم يظهر لي وجه الأخذ منه لأنّا وإن جعلنا الضمائر في «استوى» و «هو» و «دنا» «فتدلى» «فكان» للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قولٌ مرجوح في التفسير لم يصحّ أيضاً جعل الأعلى صفةً له لأن الضمير لا يوصف كما تقرر في النحو إلا على رأي ضعيف وكأنّه جعله حالاً من ضمير استوى. وجملة «وهو بالأفق» مبتدأ وخبر حالاً أيضاً. والتقدير: فاستوى الأعلى أي عليّاً حالة كونه بالأفق وهو بعيد جداً ولم يظهر لي فيه غير ذلك «الأعلم بالله» : والمراد العلم بالله تعالى وصفاته وما يجب له كما قال في حديث ضعيف رواه الإمام أحمد: «أنا أتقاكم لله وأعلمكم بحدود الله» يأتي بيانه في شرح اسمه العالم «الأغرّ: بالغين المعجمة والراء: الشريف الكريم الخيار. قال حسان بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- يمدحه صلى الله عليه وسلّم زاده الله فضلاً وشرفاً: أغرّ عليه للنّبوّة خاتم ... من الله مشهودٌ يلوح ويشهد [ (1) ] «أفصح العرب» : كذا ورد في حديث ذكره أصحاب الغريب بهذا اللفظ. قال الحافظ العلامة عماد الدين بن كثير والشيخ- رحمهما الله تعالى-: ولم نقف على سنده. وروى أيضاً: «أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنّي من قريش» أي من أجل أني منهم. ومعنى أفصح من نطق بالضاد: أي أفصح العرب لأنهم هم الذين ينطقون بها، وليست

_ [ (1) ] البيت بعده: وضمّ الإله اسم النبيّ إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد انظر ديوان حسان 54.

"أكثر الأنبياء تبعا":

في لغة غيرهم. وأفصح: أفعل تفضيل من فصح الرجل: جادت لغته لا من أفصح إذا تكلم بالعربية، لأن أفعل التفضيل لا يبنى إلا من ثلاثي. وفي الصحاح: رجل فصيح وكلام فصيح أي بليغ. ولسانٌ فصيح أي طلق. ومرجع الفصاحة إما إلى الوضوح، ومنه: أفصح الصبح إذا بدا ضوءه. ويقال لكل واضح: مفصح. أو إلى الخلوص. ومنه: أفصح اللبن إذا أخذت منه الرغوة ولهذا مزيد بيان في باب بيان صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم «أكثر الأنبياء تبعاً» : بفتح التاء الفوقية والموحّدة: جمع تابع كخدم جمع خادم. روى مسلم عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد» وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة «وأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً» لعله قبل أن يكشف له عن أمته ويراهم. وقد حقق الله تعالى رجاءه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في الخصائص «الأكرم» : المتصف بزيادة الكرم على غيره. وقال بعض العلماء: الكرم كالحرية إلا أنها تقال في صغير المحاسن وكبيرها، والكرم لا يقال إلا في كبيرها فقط ولذا قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. روى الدارميّ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أكرم الأوّلين والآخرين على الله ولا فخر» [ (1) ] . ومن كرامته صلى الله عليه وسلم علي ربه أنه أقسم بحياته وأشفق عليه فيما كان يتكلفه من العبادة وطلب منه أن يقلّلها، ولم يطلب ذلك من غيره بل حضّهم الله على الزيادة. وأقسم له أنه من المرسلين وأنه ليس بمجنون وأنه لعلى خلق عظيم وأنه ما ودّعه وما قلاه. وولد صلى الله عليه وسلم مختوناً لئلا يرى أحدٌ عورته، واستأذن عليه ملك الموت في الدخول وفي قبض روحه الزكية ولم يفعل ذلك بأحد قبله. وهذا الاسم مما سماه الله تعالى به من أسمائه قال تعالى: وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ومعناه: الذي له الكمال في زيادة الكرم على كل كريم. أو الذي أنعم على عباده بالنعم التي لا تحصى ويحلم عليهم فلا يعاجلهم بالعقوبة على كفرانها سبحانه وتعالى «أكرم الناس» . «أكرم ولد آدم» : كما سيأتي إن شاء الله تعالى في حديث الشفاعة

_ [ (1) ] أخرجه الدارمي 1/ 26، وابن كثير 2/ 375.

"الإكليل":

«الإكليل» : التاج. ويقال التاج المدوّر. وهو صلى الله عليه وسلم تاج الأنبياء ورأس الأصفياء، وسمّي به صلى الله عليه وسلم لشرفه وعلوه، أو لإحاطة رسالته وشمولها كما سمي الإكليل لإحاطته بالرأس «الأمجد» : أفعل من المجد وهو الشرف «الآمر الناهي» : اسما فاعل من الأمر والنهي قال تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وكان ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم فرض عين كما قاله الجرجاني في شافيته وفي حق غيره فرض كفاية. قال الشرف البوصيري رحمه الله تعالى: نبيّنا الآمر الناهي فلا أحدٌ ... أبرّ في قول «لا» منه ولا «نعم» قال العزفيّ: وهذا الوصف على الحقيقة لله تعالى، ولكنه لمّا كان الواسطة بين الله تعالى وعبيده أضيف إليه ذلك هو الذي يشاهد آمراً وناهياً ويعلم بالدليل أن ذلك واسطة ونقل من الذي له ذلك الوصف حقيقةً. انتهى. والأمر له معان، المقصود منها هنا: طلب إيجاد الشيء. والنّهي: طلب تركه ويعتبر فيهما العلوّ على الأصح عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي- رحمه الله تعالى- وجماعة من أهل الأصول أي كون الطالب عالي الرّتبة على المطلوب منه والاستعلاء بأن يكون الطلب بعظمة على الأصح عند الإمام الرازي والآمديّ وابن الحاجب. إذا علم ذلك ففي وصف الله تعالى له صلى الله عليه وسلم بالآمر والناهي دلالة على علوّ شأنه واستعلاء منصبه ورفع قدره على جميع الأنام، وينشأ من هذا وجوب امتثاله صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمر به ونهى عنه كما قال تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الإمام: المقتدى به في الخير أو غيره يطلق على الواحد نحو إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً والجمع نحو وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً قال حسان- رضي الله تعالى عنه- يمدحه صلى الله عليه وسلم: إمامٌ لهم يهديهم الحق جاهدا ... معلم صدقٍ إن يطيعوه يهتدوا [ (1) ] وسمي به صلى الله عليه وسلم لاقتداء الخلق به ورجوعهم إلى قوله وفعله- زاده الله تعالى شرفا وفضلاً «إمام الخير» : روى ابن ماجة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا صلّيتم

_ [ (1) ] البيت قبله: يدل على الرحمن من يقتدي به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد ويروى في الديوان يعدوا بدل يهتدوا. انظر ديوان حسان ص 62.

"إمام العالمين":

على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قالوا له: علّمنا. قال: قولوا: «اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك الأمين ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة، اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون» «إمام العالمين» : العالم بفتح اللام اسم جنس غير علم يجمع على عوالم وعلى عالمين أيضاً إن قلنا باختصاصه بمن يعقل وأنه اسم للثّقلين خاصة كما ذهب إليه الزمخشري- رحمه الله تعالى- لاشتقاقه من العلم، وإن قلنا بعدم اختصاصه بهم وأنه اسم لما سوى الله تعالى- وهو الصحيح- لأنه مشتق- من العلامة بمعنى أن كل موجود يدل على وجود الباري سبحانه وتعالى، فليس العالمون جمعاً له لأنه عامّ والعالمون خاص بمن يعقل، والجمع لا يكون أخصّ من المفرد، ولذا قال سيبويه- رحمه الله تعالى-: ليس الأعراب الذين هم من أهل البادية جمعاً للعرب الذين يطلقون عليهم وعلى أهل القرى. قال الإمام البغويّ رحمه الله تعالى: «وقد اختلف في مبلغ العوالم فعن سعيد بن المسيب. ألف: ستمائة في البحر، وأربعمائة في البرّ. وقال مقاتل: ثمانون ألف عالم: أربعون في البر، وأربعون في البحر. وقال كعب: لا يحصي عدد العوالم إلا الله تعالى وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» إمام العاملين: جمع عامل أي العبّاد إمام المتّقين: أي الذين يقتدون به ويتبعون هديه: جمع متّق، وهو من اتقى الشرك وتجنّب الشّكّ والمخالفات. وتقدّم في إمام الخير «إمام النبيين» «إمام الناس» : روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر» ولفظ الإمام أحمد: كنت إمام الناس [ (1) ] . ونكتة تخصيصه بيوم القيامة يأتي في اسمه صلّى الله عليه وسلم: «سيد الناس» «الأمان» : روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: أمانان كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع أحدهما وبقي الآخر وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3613) وابن ماجة (4314) وأحمد في المسند 5/ 137، والحاكم في المستدرك 1/ 71، وابن عدي في الكامل 4/ 1448.

"الأمنة":

ولفظ الترمذي: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل الله عليّ أمانين لأمّتي» فذكره وزاد: «فإذا مضيت تركت فيكم الاستغفار إلى يوم القيامة» [ (1) ] . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أماناً لأمته وقومه من العذاب، إذ درأه الله تعالى عنهم بسبب كونه فيهم. قال بعضهم: النبي صلى الله عليه وسلم هو الأمان الأعظم ما عاش وما دامت سنّته باقية فهو باق، فإذا أميتت فانتظروا البلاء والفتن! «الأمنة» : روى البيهقي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فقال: «النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة أصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» [ (2) ] . والأمنة بضم الهمزة وفتح الميم وبفتح الهمزة أيضاً: الوافر الأمانة الذي يؤتمن على كل شيء. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأن الله تعالى استأمنه على وحيه. أو الحافظ أي حافظ لأصحابه يدفع به الله قيل من البدع وقيل من الاختلاف والفتن، ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بأمة رحمة قبض نبيها قبلها» لاحتمال أن يكون المراد برحمتهم أمنهم- من المسخ والخسف ونحو ذلك من أنواع العذاب، وبإتيان ما يوعدون من الفتن بينهم بعد أن كان بابها منسدّاً عنهم بوجوده صلى الله عليه وسلم أو معنى الأمن كما في قوله تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه أمان المؤمنين من العذاب والكافرين من الخسف والعقاب «الأمّة» : الجامع للخير المقتدى به أو المعلّم للخير. وأصل الأمة: الجماعة. وسمي به صلى الله عليه وسلم كما سمّي به إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لأنه اجتمع فيه صلى الله عليه وسلم من الأوصاف الحميدة والخصال الجميلة ما لم يجتمع في أمة كثيرة من الناس الم. المر. المص ذكرها «د» والمشهور أنها من أسماء الله تعالى فإن صح ما قاله كانت مما سماه الله تعالى به من أسمائه وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب «القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز «الألمعي» : بالهمز أوله والياء آخره: الحديد القلب واللسان، الذكيّ المتوقّد، مأخوذ من لمع النار وهو لهبها وإضاءتها كأنه لفرط ذكائه إذا لمع أول الأمر عرف آخره كما قال أوس بن حجرٍ [ (3) ] :

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3082) وانظر الشفا 1/ 118، الدرر المنثور 3/ 181. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1961 كتاب الفضائل (207- 2531) ، وأحمد في المسند 4/ 399. [ (3) ] هو أوس بن حجرٍ بن عتاب قال أبو عمرو بن العلاء: كان أوس فحل مضر حتى نشأ النابغة وزهير فأخملاه. انظر الشعر والشعراء 1/ 202، والأغاني 8/ 47، 7/ 158، 14/ 93، 10/ 5: 8.

"الآمن":

الألمعي الذي يظن بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا ومثله الألمع بلا ياء. واليلمع بالتحتية أوله كيسمع. واليلمعي بياءين أوله وآخره. هذا هو الصحيح المشهور، الموجود في نسخ القاموس المعتمدة وغيره من كتب اللغة. وأما ما في بعض نسخه تبعاً لقول الليث: اليلمع: الكذّاب مأخوذ من اليلمع وهو السّراب فخطأ باطل. كما قال الأزهري وغيره من أئمة اللغة، مستدلاً بأن العرب لم تضعه إلا في موضع المدح. قال: وما علمت أحداً من أئمة اللغة قال كما قاله الليث رحمه الله تعالى «الآمن» : بالمد وكسر الميم كصاحب: الخالص التقي والشريف النقي، وهو اسم فاعل من الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف كالأمان والأمانة. يقال أمن كفرح أمناً وأماناً بفتحهما وأمناً وأمنةً محركين وإمناً بالكسر فهو آمن وأمن كفرح، وأمين كأمير. وسمي به صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أمّنه يوم القيامة فقال تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ والحكمة في ذلك أن يفرغ إلى شفاعة أمته إذا قال سائر النبيين: نفسي نفسي، ولو لم يؤمنه كان مشغولاً كغيره من الأنبياء. انتهى. وقد ورد في تأمينه صلى الله عليه وسلم حديث رواه الطبراني في الأوسط بسند واهٍ. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان آمناً من شر الخلق وكيدهم، لأن الله تعالى عصمه من الناس وحماه منهم. كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه عمّه أبو طالب من يكلأه حتى نزلت وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فذهب ليبعث معه فقال: يا عم قد عصمني الله فلا حاجة لي بذلك. كذا في شرح النظم، وفيه نظر لقوله بعد: إن الآية نزلت في عام تبوك وأبو طالب- مات قبل الهجرة. والله تعالى أعلم. ولا يستشكل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «ما زالت أكله خيبر تعادّني فقطعت أبهري» لأن الآية نزلت عام تبوك والسم قبلها بخيبر، ولا ما وقع له من الأذى يوم أحد [ (1) ] لأن المراد يعصمك من القتل وعليه أن يحتمل ما دون النفس. وأما أمره بعد ذلك بالحراسة فللتشريع. قوله: «تعادّني» قال في الصحاح: العداد: اهتياج وجع اللديغ وذلك إذا تمت له سنة مذ يوم لدغ اهتاج به الألم، يقال عادّته اللسعة: إذا اشتد العداد «الأمين» : ذكره ابن فارس. ومعناه: القوي الحافظ الذي يوثق بأمانته ويرغب في ديانته، فعيل بمعنى فاعل من أمن ككرم فهو أمين وأمّان كرمّان. قال الله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ في أحد القولين، ونسبه القاضي لأكثر المفسرين، أن الرسول المذكور: محمد صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 1239 والذهبي في الميزان (3263) وذكره المتقي الهندي في الكنز (32189) .

"الأمي":

وقد كان يدعى بذلك في صغره لوقاره وصدق لهجته وهديه واجتناب القاذورات والأدناس. قال كعب بن مالك فيه صلى الله عليه وسلم: أمينٌ محبٌّ في العباد مسوّم ... بخاتم ربٍّ قاهرٍ للخواتم وسيأتي قول قريش عند إرادة بناء البيت [ (1) ] : هذا الأمين إن شاء الله. روى مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساء» [ (2) ] وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه حافظ الوحي قوي على الطاعة. أو: المأمون. أي المؤتمن بفتح الميم، فعيل بمعنى مفعول من الائتمان وهو الاستحفاظ والوثوق بالأمانة، يقال: أمنه كسمعه وأمنه وائتمنه واستأمنه أي استحفظه ووثق بأمانته فهو أمين ومأمون، أي موثق به. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأن الله تعالى ائتمنه على وحيه وجعله واسطة بينه وبين خلقه وكساه من الأمانة التي هي ضد الخيانة حلّة وافرة وتوّجه بتاج الصدق المرصّع بدررها الفاخرة. والمراد في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الفرائض المفروضة. وقيل: النية القلبية لأن الله تعالى ائتمن العباد عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر التوحيد مثل ما أظهره فقد أدى الأمانة، ومن لا فلا. وقيل: المراد بها العقل. وقيل: العدالة. وقيل غير ذلك «الأميّ» : قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وهو الذي لا يحسن الكتابة، كما في الحديث: «إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب» نسبة إلى الأمّ كأنه على الحالة التي ولدته أمّه. وكانت الأمية في حقه صلى الله عليه وسلم معجزةً وإن كانت في حق غيره ليست كذلك. قال القاضي- رحمه الله-: لأن معجزته العظمى القرآن العظيم إنما هي متعلقة بطريق المعارف والعلوم مع ما منح صلى الله عليه وسلم وفضّل به من ذلك. ووجود مثل ذلك ممن لا يقرأ ولا يكتب ولا يدارس ولا لقّن مقتضى العجب ومنتهى العبر ومعجزة البشر، وليس فيه إذ ذاك نقيصة، إذ المطلوب من القراءة والكتابة المعروفة ليست المعارف والعلوم إلى آخر ما تقدم، وإنما هي آلة ووساطة موصّلة إليها غير مرادة في نفسها، فإذا حصلت الثمرة والمطلوب استغني عن الواسطة. تنبيه: قال القاضي- رحمه الله-: من وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمّية أو نحوها من اليتم وما جرى

_ [ (1) ] في أ: الكعبة. [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 326 كتاب المغازي (4351) ، ومسلم 2/ 742 كتاب الزكاة (144- 1064) .

"أنعم الله":

عليه من الأذى، فإن قصد بذلك مقصده من التعظيم والدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك كان حسناً، ومن أراد ذلك على غير وجهه وعلم منه سوء قصده لحق بما تقدم، أي بالسابّ فيقتل أو يؤدّب بحسب حاله. ولهذا مزيد بيان يأتي في الخصائص أن شاء الله تعالى. الأمّيّ: بفتح الهمزة قرئ بها. قال ابن عطية- رحمه الله-: هو منسوب به إلى الأمّ بمعنى القصد، أي إن هذا النبي مقصد للناس وموضع أمّ، يؤمونه في أفعالهم وشرعهم. فعلى هذا يكون اسماً آخر. وقال ابن جنّي: يحتمل أنه بمعنى الأميّ غيّر تغيير النّسب فيكون لغة أخرى لا اسماً آخر. «أنعم الله» : بفتح الهمزة وضم المهملة، جمع نعمة في الأصل وهي الإحسان وسمي بذلك لأنه نعمة من الله تعالى على عباده وبعثته رحمة لهم، وحصل بوجوده للخلق نعم كثيرة منها الإسلام والإنقاذ من الكفر والأمن من الخسف «أنفس العرب» : قال الله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ على قراءة الفتح، وقد روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: «أنفسكم» بفتح الفاء أي من أعظمكم قدراً. وأنفس: أفعل من النّفاسة وهي الشّرف والعلوّ والعز، ومنه: درّ نفيس أي عزيز المثل. والجمهور أن المخاطب بهذه الآية العرب، وإذا كان صلى الله عليه وسلم أنفسهم كان أنفس الخلق، لأنهم أفضل من غيرهم ولكن إنما فضلهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه منهم قال الشاعر: وكم أبٍ قد علا بابنٍ ذرى شرفٍ ... كما علت برسول الله عدنان «أوفى الناس ذماماً» : بكسر الذال المعجمة أي أكثرهم حرمة وأشدهم مهابة قال حسان- رضي الله تعالى عنه-: وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمة من محمد «الأنور المتجرّد» : أي المشرق. والمتجرّد بفتح الراء: كل ما يتجرد عنه من بدنه فيرى. «الأوّاه» : بتشديد الواو. قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ اجعلني شكّاراً لك ذكّاراً لك رهّاباً لك مطواعاً لك مخبتاً لك أوّاهاً منيباً» [ (1) ] الحديث. قد اختلف في معنى الأوّاه على أقوال حاصلها: أنه الخاشع المتضرع في الدعاء المؤمن التوّاب والموقن المنيب الحفيظ بلا ذنب، المسبّح المستغفر بلا خطأ، الحليم

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 227، وابن حبان (2414) .

"الأوسط":

الرحيم المطيع المستكّن إلى الله تعالى، الخائف الوجل الذاكر التالي للقرآن، وهو صلى الله عليه وسلم متصف بجميع ذلك. «الأوسط» : العادل أو الخيار من كل شيء ويرحم الله تعالى القائل: يا أوسط النّاس طرّاً في تفاخرهم ... وفي تفاضلهم يا أشرف العرب وقد وصف الله تعالى أمته صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً أي عدولاً خياراً وأهل دين وسط بين الغلوّ والتقصير. «الأولى» : أي الأولى بالمؤمنين من أنفسهم أي أجدر وأحرى في كل شيء من أمور الدنيا والدين من أنفسهم. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الخصائص إن شاء الله تعالى «الأوّل» : السابق المتقدم على غيره، أو الذي يقتدى به، وهو هنا غير مصروف لكونه جعل علماً له صلى الله عليه وسلم ولوزن الفعل، ثم هو عند البصريين صفة جارية في اللفظ مطلقاً مجرى أسبق الذي هو أفعل تفضيل من السبق فيلزم إفراده وتذكيره وإيلاؤه من حيث جرّد من اللام، وإن نويت إضافته بني على الضم «الآخر» : ضد الأول: اسم فاعل من التأخر ضد التقدم. وفي حديث أنس عند البيهقي في قصة الإسراء: ثم لقي خلقاً من خلق الله تعالى فقالوا: السلام عليك يا أوّل، السلام عليك يا آخر، السلام عليه يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام يا محمد. وفي حديث أبي هريرة في الإسراء عند البزار: «وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثاً» . روى مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفّع» [ (1) ] . وهذان الاسمان من أسمائه تعالى. ومعنى الأول في حقه: السابق للأشياء قبل وجودها بلا بداية والآخر للأشياء بعد فنائها بلا نهاية. قال القاضي: وتحقيقه أنه ليس له أوّل ولا آخر «أول الرسل خلقاً» «أول شافع» : أي طالب للشفاعة «أول مشفع» : بفتح الفاء: الذي يشفع فتقبل شفاعته وهي السؤال في التجاوز عن المذنبين ويأتي الكلام عليه في أبواب حشره صلّى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1782 كتاب الفضائل (3- 2278) .

"أول المسلمين":

«أول المسلمين» : أي المقتدى به في الإسلام «أول من تنشق عنه الأرض» : يأتي الكلام عنه في أبواب حشره صلّى الله عليه وسلم «أول المؤمنين» : أي المقتدى به في الإيمان «آية الله» : ذكره الشيخ رحمه الله تعالى ولم يزد فيه. روى ابن المنذر عن مجاهد رحمه الله تعالى في قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قال: محمد صلّى الله عليه وسلم لأنه العلامة الظاهرة. قال الراغب رحمه الله تعالى: واشتقاقها من أي لأنها تبين شيئاً من شيء أو من أوى إليه لأنه يؤوي إليها ليستدل بها على المطلوب. وسمي بذلك لأن الله تعالى جعله علماً على طريق الهدى، وعلماً يستدل به على الفوز الأبدي ويقتدى به وقرئ «إن الذين كفروا بآيةِ الله لهم عذابٌ شديد» قيل المراد بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. حرف الباء «البارع» : من برع الشيء مثلث الراء براعةً وبروعاً: إذا فاق أقرانه فضلاً وعلماً ورجح عليهم حلماً وحكماً «البارقليط» : بباء موحّدة فألف فراء مكسورة فقاف ساكنة فلام فمثناة تحتية فطاء مهملة. قال القاضي: هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في الإنجيل، ومعناه روح القدس وقال ثعلب: الذي يفرق بين الحق والباطل، وقيل: الحامد، وقيل الحمّاد، وقال الشيخ تقي الدين الشمني رحمه الله تعالى: وأكثر أهل الإنجيل على أن معناه المخلص «الباطن» : المطّلع على بواطن الأمور بالوحي، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه المستتر عن الأبصار فلا نراه، والمطّلع على بواطن الأمور فلا يعتريه فيها اشتباه. وقيل الباطن بذاته والظاهر بآياته. وقيل: الذي لا تدرك كنهه العقول ولا تدركه الحواس. وكان معناه في حقه صلى الله عليه وسلم: الذي لا تدرك غاية مقامه وعظم شأنه الذي خصه الله تعالى به لقصر العقول عن ذلك. وقد أشار إلى ذلك صاحب البردة رحمه الله تعالى بقوله: أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... للقرب والبعد فيه غير منفحم كالشمس تظهر للعينين من بعدٍ ... صغيرة وتكل الطرف من أمم [ (1) ] وكيف يدرك في الدّنيا حقيقته ... قومٌ نيامٌ تسلّوا عنه بالحلم

_ [ (1) ] من أمم: الأمم: مقابل الشيء، المعجم الوسيط 1/ 27.

"البالغ"

فمبلغ العلم فيه أنّه بشرٌ ... وأنّه خير خلق الله كلّهم صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلاً لديه «البالغ» «البيان» : ذكرهما شيخنا أبو الفضل القسطلاّني رحمه الله تعالى «الباهر» : بالموحدة آخره راء في قصص الأنبياء للكسائيّ أن الله سبحانه وتعالى قال لموسى صلّى الله عليه وسلم: إن محمداً هو البدر الباهر، أي لأنه بهر بنوره نور الأنبياء أي غلبه في الإضاءة لكثرة الانتفاع به والاقتباس منه، مأخوذ من قولهم بدرٌ باهرٌ أي غالب نوره نور الكواكب أو لأنه صلى الله عليه وسلم غلب بحسنه جميع الخلائق من قولهم بهرت فلانة النساء أي غلبتهن حسناً أو لأنه ظاهر الحجة من قوله: لقد بهرت فلا تخفى على أحد ... إلا على أكمهٍ لا يعرف القمرا «الباهي» : الحسن الجميل. اسم فاعل من البهاء والحسن. والرونق، يقال: بهي كرضي فهو باهٍ وبهيّ وإعلاله كإعلال قاض «البحر» : في الأصل: خلاف البر ثم غلب على الماء الكثير الواسع العمق، ويطلق على كل نهر عظيم، ويقال للفرس الواسع الجري بحر. وسمي به صلى الله عليه وسلم كما في قصص الأنبياء للكسائيّ لأن الله سبحانه وتعالى قال لبعض أنبيائه إنّ محمداً البحر الزاخر. أي لعموم نفعه لأنه طاهر في نفسه مطهّر لغيره ممن اتبعه، ولسعة كرمه، فقد قال أنس رضي الله تعالى عنه: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه. قال: فسأله رجل غنماً بين جبلين فأعطاه إياها، فأتى قومه فقال: يا قوم أسلموا فو الله إن محمداً ليعطى عطاء من لا يخاف الفقر [ (1) ] . ولهذا مزيد بيان يأتي في باب كرمه صلى الله عليه وسلم «البدء» : بدال مهملة مهموز: السيد الذي يبدأ به إذا عدّت السادات لكونه أجلّهم «البديع» : صفة مشبهة من «أبدع» المتعدي بجعله لازماً منقولاً إلى فعل أي المبدع في الحسن والجمال أي المستقل بذلك والمنفرد به، وهو من أسمائه تعالى. ومعناه موجد الشيء بغير آلة ولا مادة «البدر» : القمر المستكمل، سمي بدراً لتمامه صلى الله عليه وسلم ولكماله وعلو شرفه. وفي قصص

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1806 كتاب الفضائل (57- 2312) .

"البر":

الكسائي أن الله تبارك وتعالى قال لموسى في مناجاته: أن محمدا هو البدر الباهر والنجم الزاهر والبحر الزاخر «البرّ» : بفتح الموحدة اسم فاعل من البرّ بالكسر وهو الإحسان أو الطاعة أو الصدق. ومثله المبرّة، يقال بررت والدي بالكسر أبرّه برّاً فأنا برّ وبارّ وجمع البرّ: الأبرار. وجمع البارّ البررة. وفلان يبرّ خالقه أي يطيعه، وبرّ في يمينه أي صدق. وعن إدريس النبي صلى الله عليه وسلم: من أفضل البر ثلاثة: الصدق في الغضب، والجود في العسرة، والعفو عند المقدرة. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «البرّ حسن الخلق» . وسمي صلى الله عليه وسلم به لأنه كان من ذلك بمكان [ (1) ] . وهو من أسمائه تعالى ومعناه البالغ في الإحسان والصادق فيما وعد البرقليطس: قال ابن إسحاق ومتابعوه رحمهم الله تعالى: هو محمد صلى الله عليه وسلم بالرومية. قال الشيخ رحمه الله تعالى ورأيته مضبوطا بفتح الباء الموحدة وكسرها وفتح القاف وكسر الطاء «البرهان» : روى ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم وجزم به ابن عطية والنسفي ولم يحكيا غيره. والبرهان في اللغة: الحجة. وقيل: الحجة النيّرة الواضحة التي تعطي اليقين التام. والنبي صلى الله عليه وسلم برهان بالمعنيين لأنه حجة الله تعالى علي خلقه وحجة نيّرة واضحة لما معه من الآيات والمعجزات الدالة على صدقه. وهذا الاسم مما سماه الله تعالى به من أسمائه فإنه منها، كما ورد في حديث ابن ماجة «البشر» : بشين معجمة محركة في الأصل: الإنسان لظهور بشرته وهي ظاهر الجلد من الشعر، بخلاف سائر الحيوانات لأنها مستترة الجلد بالشّعر والصوف والوبر. وسمّي به صلى الله عليه وسلم لأنه أعظم البشر وأجلّهم كما سمّي بالناس من تسمية الخاص باسم العام قال تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ نبّه تعالى بذلك على أن الناس متساوون في البشرية غير متفاضلين في الإنسانية، وإنما يتفاضلون بما يتخصصون به من المعارف الجليلة، ولذا قال بعده «يُوحى إِلَيَّ» تنبيهاً على الجهة التي حصل بها الفضل عليهم، أي أني تميّزت عليكم وخصصت من بينكم بالوحي والرسالة

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1980 كتاب البر والصلة (14- 2553) ، والترمذي (2389) ، وأحمد في المسند 4/ 182، والبيهقي في السنن 10/ 142، والحاكم في المستدرك 2/ 14.

"بشرى عيسى":

«بشرى عيسى» : بضم الموحدة وسكون الشين المعجمة فعلى من البشارة وهي الخبر السّار أي المبشّر به قال الله تعالى حاكياً عن عيسى صلى الله عليه وسلم: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ. وفي المستدرك إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى» [ (1) ] . فائدة: الأنبياء المبشّر بهم خمسة: محمد، وعيسى، وإسحاق، ويعقوب ويحيى صلى الله وسلم عليهم أجمعين. «بمأذبمأذ» : بكسر الباء وسكون الميم وضم الهمزة وسكون المعجمة. عزاه «د» للسّفر الأول من التوراة قال: فالباء باثنين، والميم بأربعين، والألف بواحد، والذال في حسابهم بأربعة كالدال المهملة، والميم الثانية بأربعين والألف بواحد، والذال بأربعة فتبلغ اثنين وتسعين وهو موافق في العدد بالجمل لاسم النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر القاضي في الشفاء «ماذماذ» بالميم أوله. قال الشيخ: وأخشى أن يكون هو هذا فتحرّف. قلت: ونقله ابن القيم في «جلاء الأفهام» عن نص التوراة وعن نص بعض شرّاحها من مؤمني أهل الكتاب، وذكر الكلام الذي ذكره «د» فيكون صوابه ماذماذ فصحّ ما قاله الشيخ رحمه الله تعالى «البليغ» : الفصيح الذي يبلغ بعبارته كنه ضميره «البهاء» : بالمد: العز والشرف. سمي به صلى الله عليه وسلم لأنه شرف هذه الأمة وعزها «البهيّ» : بالموحدة كالعليّ: الحسن العاقل. تقول بهي الرجل بكسر الهاء وبهو بضمها فهو بهي بالكسر «البيّنة» : الحجة الواضحة. قال تبارك وتعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أي محمد صلى الله عليه وسلم، فرسول بدل أو عطف بيان للبيّنة. قال ابن عطية رحمه الله تعالى: والهاء في البيّنة للمبالغة كهاء علاّمة ونسابة «البيان» : الكشف والإظهار أو الفصاحة أو اجتماعها مع البلاغة وإظهار المقصود بأبلغ لفظ، يقال فلان أبين من فلان أي أفصح منه قيل: والفرق بينه وبين التّبيان الذي هو مفعال

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 600.

حرف التاء

بكسر التاء أن البيان إظهار بغير حجة: والتبيان الإظهار بالحجة. أو هو بمعنى المبيّن أي المظهر للناس ما أمروا به ونهوا عنه والموضّح لهم ما خفي عليهم من أمر دينهم. حرف التاء «التالي» : المتّبع لمن تقدمه. قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أو من التلاوة وهي القراءة، قال تعالى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا أي القرآن «التّذكرة» : ما يتذّكر به الناسي وينتبه به الغافل، مصدر ذكّره مضاعفاً. قال الراغب وهي أعمّ من العلامة والدليل، لأنهما يختصان بالأمور الحسّية، والتذكرة لا تختص بذلك بل تكون للأمور الذهنية أيضاً. وسمي بذلك لما تقدم. قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ قيل: المراد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «التقي» : قال القاضي: وجد على الحجارة القديمة مكتوب: «محمد تقي مصلح سيد أمين» وهو فعيل من التقوى. وسيأتي لهذا مزيد بيان في المتقي «التلقيط» : ذكره «ع» وقال: هو اسمه في كتب الروم «التنزيل» : هو بمعنى المنزّل أي المرسل أو المنزل إليه أي الموحى إليه القرآن. قال تعالى: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ قيل هو محمد. وقيل القرآن، فعلى الأوّل هو بمعنى قوله تعالى: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ «التّهامي» : بكسر التاء نسبة لتهامة «ع» وهو من أسماء مكة وتهامة من مكة. وتهامة: ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، سميت بذلك لتغير هوائها يقال تهم الدّهن. إذا تغيّر وقال ابن فارس: هي من تهم بفتحتين وهي شدة الحر وركود الريح. حرف الثاء «ثاني اثنين» : أخذ من الآية، أي أحد اثنين، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: وفي هذه الآية الدليل الواضح على شدة مبالغته صلى الله عليه وسلم في الأدب مع ربه تعالى ومحافظته عليه في حال يسره وعسره حيث قدّم في هذا المقام اسم ربه استلذاذاً به وإجلالاً له «الثّمال» : ذكره «ط» ولم يتكلّم عليه. وهو بكسر المثلثة وتخفيف الميم: العماد والملجأ والمغيث والمعين والكافي، قال جده يمدحه: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

حرف الجيم

وعصمة الأرامل أي يمنعهم بما يضرهم. قال ذلك جده والنبي صلى الله عليه وسلم في حال الطفولية لما توسّمه فيه من الخير وتنسّمه من البركة. وقد يستدل بالظاهر على الباطن كما قال: وقل من ضمّنت خيراً طويّته ... إلاّ وفي وجهه للخير عنوان أو بضمها. ومعناه: المنقطع إلى الله تعالى الواثق بكفايته. حرف الجيم «الجامع» «الجبّار» : قال: «ياد» : سماه الله تعالى به في كتاب داود فقال: تقلّد سيفك أيها الجبار فإن ناموسك وشرائعك مقرونة وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك. ومعناه في حق الله تعالى: المصلح للشيء، أو المصلح له بضرب من القهر، أو العلي العظيم الشأن وقيل المتكبّر. ومعناه في حقه صلى الله عليه وسلم: إما لإصلاحه الأمة بالهداية والتعليم، أو القهر لأعدائه أو لعلوّ منزلته على البشر وعظم خطره، ونفى عنه تعالى جبرية التكبر التي لا تليق به فقال تعالى: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ انتهى. وفي الصّحاح الجبر: أن تغني الرجل من فقر أو تصلح عظمه من الكسر، وأجبرته على الأمر أكرهته، وقال ابن دريد: الجبّار العظيم الخلق، والجبار المسلّط على الناس، وبه فسر ابن عباس: «وما أنت عليهم بجبار» أي بمسلّط. قال: وهو منسوخ بآية القتال. قال الشيخ رحمه الله تعالى: فيكون حينئذ جباراً بمعنى المسلّط بعد أمره بالقتال، وهو الذي يناسب سياق الزّبور. وقال في الشرح: أو المراد ما أنت بمكره لهم على الإيمان إنما أنت داع وهاد. «الجد» : بفتح الجيم وضمها: العظيم الحظّ الجليل القدر، أو بكسرها وفتحها أيضاً بمعنى الحظ والحظوة. أي صاحب الحظ العظيم عند الخلق والحظوة عند الحق. أو بكسرها فقط بمعنى الاجتهاد في الأمر أي ذو الاجتهاد في العبادة ودأب النفس في طلب السيادة «الجليل» : صفة مشبهة أي العظيم. وقيل هو من كملت صفاته. والعظيم: من جلّت صفاته وكبرت ذاته، وفرق بين الجلال والجمال بأنه صفة سلبية والجمال صفة ثبوتية وهو من أسمائه تعالى، ومعناه المنعوت بنعوت الجلال فهو راجع إلى كمال الصّفات، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات والعظيم راجع إلى كمالهما قاله ابن الأثير. قال الكرماني: فإن قيل: ما الفرق بين الجلال والعظمة والكبرياء؟ قيل: هي مرادفة. وقيل نقيض الكبير الصغير ونقيض الجليل الدقيق. ونقيض العظيم الحقير- وبضدها تتبيّن الأشياء.

"الجهضم":

وإذا أطلقت على البارئ تعالى فالمراد لوازمها بحسب ما يليق به. وقيل: الكبرياء ترجع إلى كمال الذات، والعظمة إلى كمالها. انتهى. والمراد بكمال الصفات الثبوتية: عدم ثبوت نقيضه، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- كالجهل والفناء وغيرهما «الجهضم» : بالجيم والمعجمة الساقطة كجعفر: العظيم الهامة المستدير الوجه الرّحب الجبين الواسع الصّدر، وهذه الأوصاف مجتمعة فيه صلى الله عليه وسلم «الجواد» : بالتشديد مبالغة في الجواد بالتخفيف. قال القشيري رحمه الله تعالى: حقيقة الجواد أن لا يصعب عليه البذل. وأول مراتب الكرم: السخاء، ثم الجود، ثم الإيثار. فمن أعطى البعض وأبقى البعض فهو السخيّ، ومن بذل الأكثر وأبقى شيئاً فهو الجواد، ومن قاسى الضر وآثر غيره فهو المؤثر. ولهذا مزيد بيان في باب كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم «الجواد» : بالتخفيف: الكريم السخي الطائع المليّ صفة مشبهة من الجود وهو سعة الكرم أو الطاعة. حرف الحاء المهملة «الحاتم» : قال: «يا» هو من أسمائه في الكتب السالفة. حكاه كعب الأحبار. قال ثعلب: ومعناه أحسن الأنبياء خلقاً. قال في الشرح: هو بفتح المثناة الفوقية كما رأيته مضبوطا بالقلم في نسخة معتمدة من الشفاء ورأيته في الصّحاح بالكسر. لكن قال: هو القاضي. قلت: لم يذكر في الصحاح أنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال: الحاتم القاضي. وكذا ذكره في الديوان في فاعل بكسر العين. والله تعالى أعلم «الحاشر» : ذكر في الأحاديث السابقة في الباب الثاني بلفظ «أنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي» وفي لفظ «على قدمي» وبلفظ: «أنا الحاشر الذي يحشر الناس معي على قدمي» قال القاضي: واختلف في معنى: «على قدمي» فقيل: على زماني وعهدي، إذ ليس بعده نبي. وقيل: يحشر الناس بمشاهدتي كما قال تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وقال الخطّابي وابن دحية رحمهما الله: معناه على أثري أي أنه يقدمهم وهم خلفه، لأنه أول من تنشق عنه الأرض، ثم يحي كل نفس فيتبعونه. قال الخطابي: ويدل على هذا المعنى رواية [ (1) ] : «على عقبي» وقال العزفي: القدم عبارة عن الأثر لأنه منه، وقيل: المعنى على أثري، لأن الساعة على أثره أي قريبة من مبعثه. كما قال صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» [ (2) ] . قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بالقدم

_ [ (1) ] في أ: قوله. [ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 347 كتاب الرقاق (6504) ، ومسلم 4/ 2268 كتاب الفتن (133- 2951) .

تنبيه:

الزمان أي وقت قيامي على قدمي تظهر علامات الحشر، إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة. ويرجح هذا ما وقع في رواية نافع بن جبير: «وأنا الحاشر بعثت مع الساعة» وقيل: على مشاهدتي قائما لله على الأمم. واستشكل التفسير بأنه يقتضي أنه محشور، فكيف يفسر به حاشر وهو اسم فاعل؟ وأجيب بأن إسناد الفعل إلى الفاعل إضافة والإضافة تصح بأدنى ملابسة، فلما كان لا أمة بعد أمته، لأنه لا نبي بعده نسب الحشر إليه لأنه يقع بعده. وقوله «على عقبي» بكسر الموحدة على الإفراد، ولبعضهم بالتثنية والموحدة مفتوحة وكذلك قوله: «على قدمي» روي بالإفراد والتثنية. تنبيه: قد وصف الله تعالى نفسه بالحشر في قوله: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَحَشَرْناهُمْ فيكون هذا الاسم مما سماه الله تعالى به من أسمائه. «حاط حاط» : قال «ع» : هو اسمه في الزبور «الحافظ» : وهو من أسمائه تعالى. ومعناه في حقه تعالى: صيانة جميع الموجودات عن العدم وصيانة المضادات بعضها من بعض. قال الغزالي رحمه الله تعالى: والحافظ من العباد: من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه عن سطوة الغضب وصلابة الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان، وهو اسم فاعل من احفظ، وسمي به لأنه الحافظ للوحي والأمة، ولا يقدح في وصفه بالحفظ وقوع النسيان منه صلى الله عليه وسلم، كما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع قراءة رجل في المسجد فقال: «رحمه الله تعالى لقد أذكرني آية كذا كنت نسيتها» لندرة ذلك منه، والحكم إنما هو للأغلب، ولهذا مزيد بيان يأتي في أبواب عصمته صلى الله عليه وسلم «الحاكم» : أخذه «د» من قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ «الحامد» : اسم فاعل من الحمد، وهو الثناء على الله تعالى بما هو أهله. قال «د» : ذكره كعب. وذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى قال: رأت أمه صلى الله عليه وسلم في منامها قائلاً يقول: إنك حملت بخير البرية وسيد العالمين فإذا ولدتيه فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة حامد [ (1) ] وفي الإنجيل أحمد. حامل لواء الحمد: روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر» [ (2) ] .

_ [ (1) ] في أ: أحمد. [ (2) ] أخرجه الترمذي (3616) .

"الحامي":

وسئل الشيخ رحمه الله تعالى عن لواء الحمد هل هو لواء حقيقي أو معنوي؟ فأجاب بأنه معنوي وهو الحمد، لأن حقيقة اللواء الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش، فالمراد من الحديث أنه سيّد الناس وإمامهم يوم القيامة. وأنه يشهر بالحمد إذ ذاك. وقد ذكر ابن الأثير رحمه الله نظير هذا في الحديث: «لكل غادر لواء» أي علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء شهرة مكان الرئيس. ولهذا مزيد بيان في أبواب حشره صلّى الله عليه وسلم «الحامي» : بالمهملة: المانع لأمته من العدى والحافظ لها من الردى. أو حامي البيت والحرم ومبعده من أيدي ذي الجرم. أو سمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يحمي لنفسه وإن لم يقع ذلك منه «الحائد لأمته من النار» : اسم فاعل من حاد يحيد، أي يميل أمته عن النار «حبيب الله» : هو فعيل من المحبة بمعنى مفعول أو بمعنى فاعل. ورد ذكره في عدة أحاديث. قال القاضي: وأصلها الميل إلى ما يوافق المحب، ولكن هو في الحق من يصح منه الميل والانتفاع بالرفق وهي درجة المخلوق، فأما الخالق تعالى فمنزه عن الأعراض فمحبته لعبده تمكّنه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أسباب القرب له، وإضافة رحمته عليه، وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه وينظر إليه ببصيرته ولسانه فيكون كما في الحديث. «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به» [ (1) ] . وقال في الاصطفاء: وقد يقال كما في شرح المواقف إن محبتنا له تعالى كيفية روحانية مترتبة على تصور الكمال المطلق له تعالى على الاستمرار ومقتضية للتوجه التام إلى حضرة قدسه بلا فتور وقرار، ومحبتنا لغيره كيفية تترتب على تخيّل كمال فيه من لذة أو شفقة أو مشاكلة كمحبة العاشق لمعشوقه والمنعم عليه للمنعم، والوالد للولد، ثم هي عندنا كالرضى والإرادة مع ترك الاعتراض كما مر، وقيل الإرادة فقط فيترتب على ذلك كما في «الإرشاد» أنه تعالى لا يتعلق به محبة على الحقيقة لأنها إرادة، والإرادة لا تتعلق إلا بمتجدد، وهو سبحانه لا أول له لأن المريد إنما يريد ما ليس بكائن أو إعدام ما يجوز عدمه وما ثبت قدمه واستحال عدمه لا تتعلق به إرادة. والفرق بينه وبين الخليل أن الخليل من امتحنه ثم أحبه والحبيب الذي أحبه بلا محنة. انتهى. واختلف في مقام المحبة والخلّة أيهما أرفع؟ فقيل: هما سواء، فلا يكون الخليل إلا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 340 كتاب الرقاق (6502) .

"حبيب الرحمن":

حبيباً ولا الحبيب إلا خليلاً. وقيل: درجة المحبة أرفع. ونقله القاضي عن الأكثر، لأن درجة الحبيب نبينا صلى الله عليه وسلم أرفع من درجة الخليل صلى الله عليهما وسلم. وقيل إن درجة الخلّة أرفع، لحديث: «لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً» فلم يتخذه وقد أطلق المحبة لفاطمة وابنيها وأسامة وغيرهم. وسيأتي في الخليل أن المحققين على ذلك. وذكر أهل الإشارات في تفضيل المحبة كلاماً حسناً فقالوا: الخليل اتصل بواسطة وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والحبيب بدونها فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى والخليل مغفرته في حد الطمع: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ والحبيب مغفرته في حد اليقين: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ والخليل قال في المحنة «حسبي الله» والحبيب قيل له: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ والخليل قال: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ والحبيب قيل له وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فأعطى بلا سؤال. والخليل قال وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ والحبيب قيل له: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وحاصل ما ذكره القاضي يقتضي تفضيل ذات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على ذات سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم لا يقال باعتبار ثبوت وصف الخلّة له فيلزم ذلك، لأنا نقول: كلّ منهما ثابت له وصف الخلة والمحبة، إذ لا يسلب عن إبراهيم وصف المحبة لا سيما والخلّة أخص من المحبة، ولا يسلب عن نبينا صلى الله عليه وسلم وصف الخلّة لا سيّما وقد ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله تعالى له ليلة المعراج: قد اتخذتُك خَليلًا. وقد قام الإجماع على فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء، بل هو أفضل خلق الله مطلقاً. وقوله إن الخليل اتصل بالواسطة لا يفيد غرضا في هذا المقام الذي هو بصدده وليس المراد به قطعاً إلا الوصول إلى المعرفة، إذ الوصول الحسّي يمتنع على الله تعالى. وأما قوله: والحبيب يصل إليه. فالوصول إلى الله تعالى لا يكون إلا به حبيباً كان أو خليلاً وأما قوله: «الخليل هو الذي يكون مغفرته في حد الطمع» إلى آخره فإنه لا يصلح أن يكون على وجه التفسير للخليل ولا تعلّق له بمعناه. وقصارى ما ذكره يعطي تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم في حد ذاته من غير نظر إلى ما جعله علة معنوية في ذلك من وصف المحبة والخلّة. «حبيب الرحمن» : ورد في حديث المعراج عن أبي هريرة رضي الله عنه. رواه البزّار وغيره

"حبنطى":

«حبنطى» : قال «ع» هو من أسمائه في الإنجيل وتفسيره: يفرق بين الحق والباطل «الحجازي» : نسبة إلى الحجاز وهو مكة واليمامة وقراهما وسمّي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد «حجة الله على الخلائق» : في الفردوس بلا إسناد: «وأنا حجة الله» وهو بمعنى البرهان «الحجة البالغة» : الحجة: الدلالة المبينة للمحجّة أي القصد المستقيم. والبالغة: الكاملة التي لا نقصان فيها «حرز الأميين» : أي حافظهم ومانعهم من السوء. روى البخاري وغيره عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «أجل والله إِنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزا للأميين» الحديث. والحرز: المنع والأميون: العرب أي يمنعهم من العذاب والذل. فإن قيل: هو صلى الله عليه وسلم حرز للعرب ولغيرهم من الخلق، فلم خصّهم بالذكر؟ أجيب: بأنه لما كان عليه الصلاة والسلام منهم قصد بتخصيصهم بالذكر التنصيص عليهم زيادة في الاعتناء بهم وبشأنهم وتنبيهاً لبني إسرائيل على عظم شأنهم ورفعتهم بهذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرج منهم وأن غيرهم كالتابع لهم «الحرميّ» : نسبة إلى الحرم المكي وقد تقدم بيانه «الحريص» : فعيل بمعنى فاعل من الحرص وهو شدة الإرادة للمطلوب. قال تعالى: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي على إيمانكم وهدايتكم «الحريص على الإيمان» : وقد تقدم معناه في الذي قبله «حزب الله» : الحزب: الطائفة من الناس. وقيل: جماعة فيها غلظ. وحزب الله: عبيده المتقون وأنصار دينه «الحسيب» : فعيل: بمعنى مفعل من أحسبني الشيء: إذا كفاني. ومنه عَطاءً حِساباً أو الشريف الكريم من الحسب محركاً وهو ما يعدّ من مفاخر الآباء أو الدين أو الكرم، أو الشرف في الفعل أو الآباء والحسب كالكرم قد يكون لمن لا آباء له شرفاء، والشرف كالمجد لا يكون إلا بهم، يقال حسب حسابةً كخطب خطابةً وحسباً محركاً فهو حسيب من حسباء.

"الحفيظ":

وهو بمعنى المحاسب أو المكافي من أسمائه تعالى. قال الغزالي رحمه الله تعالى: وليس للعبد مدخل في هذا الوصف إلا بنوع من المجاز بأن يكون كافياً لطفله بتعهده أو لتلميذه بتعليمه حتى لا يفتقر إلى غيره. انتهى. وهذا المعنى صحيح في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه كافٍ لأمته جميع ما تحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة بحيث لا يحتاجون إلى غيره صلى الله عليه وسلم «الحفيظ» : فعيل من الحفظ وهو صون الشيء عن الزوال فإن كان في الذهن فضده النسيان، أو في الخارج فضده التضييع. وهو من أسمائه تعالى، وكلا المعنيين يصح إطلاقه عليه تعالى، لأن الأشياء محفوظة في علمه لا يطرأ عليه نسيان ويحفظ الموجودات من الزوال. وقيل: معناه الذي يحفظ سرّك من الأغيار ويصّون ظاهرك عن مرافقة الفجّار. وأما قوله تعالى: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ فمعناه: لست أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها. وقوله تعالى: فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي لتحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي أو لتحصي مساوئهم وذنوبهم فتحاسبهم عليها. وقد ذكر أن هذه الآية منسوخة بآية القتال فهو صلى الله عليه وسلم بعد الأمر به حفيظ بالمعنى الأول بمعنى أن يردّهم عنه ويقاتلهم عليه. وبالمعنى الثاني لأنه يشهد عليهم يوم القيامة وهو أبلغ من الحافظ «الحفي» : البرّ اللطيف. يقال: حفيت بفلان وتحفّيت به إذا اعتنيت بكرامته «الحق» : الثابت، وأصله المطابقة للواقع أو المحقّ أو المظهر للحق قال تعالى: جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ على أحد القولين أن الحق هنا هو النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو القرآن قال تعالى: وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وفي حديث الشفاعة «ومحمدٌ حق» وهو الثابت وهذا الاسم من أسمائه تعالى ومعناه الموجود المتحقق أمره وألوهيته، أو الموجد للشيء حسب ما تقتضيه حكمته تعالى، وفي حقه صلى الله عليه وسلم المتحقق صدقه ونبوته فائدة: فرّق الإمام فخر الدين رحمه الله تعالى بين الصدق والحق، بأن الصدق نسبة الشيء إلى الواقع، والحق نسبة ما في الواقع إلى الشيء. «الحكم» : بفتح أوله وثانيه: الحاكم أو المانع، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الحاكم

"الحكيم":

الذي لا رادّ لحكمه ولا معقّب لقضائه، قال تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً أي مانعاً «الحكيم» : قال «ع» لأنه علم وعمل وأذعن لربه. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهو فعيل من الحكمة. قال تعالى: يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ والمتصف بالحكمة علماً وتعليماً حكيم. واختلف في المراد بالحكمة في قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ الآية. فقيل: النبوة. وقيل: المعرفة بالقرآن والفهم فيه. وقيل: الإصابة في القول وقيل: العلم المؤدي إلى العمل. وقيل: السنة. وقيل: خشية الله. لحديث: «رأس الحكمة مخافة الله» . رواه ابن مردويه. وقال الإمام مالك: إنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله تعالى وأمر يدخله الله تعالى في القلوب من رحمته وفضله. ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلاً في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه عالماً بأمر دينه بصيراً به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا. انتهى إلى هنا. وهو صلى الله عليه وسلم حكيم بالمعاني المذكورة كلها. قال في الشرح: هو المتقن للأمور. وفعيل بمعنى مفعل من الإحكام وهو الإتقان، أو بمعنى فاعل من الحكم وهو المنع للإصلاح، وهو أعم من الحكمة، وكل حكمة حكم ولا عكس، لأن الحكم أن نقضي على شيء بشيء إيجاباً أو سلباً. أو ذو الحكمة وهي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم وإصابة الحق بالعلم والعقل. والمراد بها في حقه تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام. وفي حق الإنسان: معرفة الموجودات وفعل الخيرات «الحليم» : قال «د» هو موصوف به بالتوراة، وهو اسم فاعل للمبالغة من حلم بالضم ككريم من كرم، يقال حلم فهو حليم إذا صار الحلم طبعاً له وسجيّة من سجاياه. قال أبو طالب يمدحه صلى الله عليه وسلم: حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائش ... يوالي إلهاً ليس عنه بغافل والحلم بكسر المهملة وسكون اللام: الأناة في الأمور وهي بفتح الهمزة مقصورة كقناة: اسم للتأنّي وهو التثبت وترك العجلة، وأما عطفها عليه في قوله صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم عن ابن عباس للأشج: أشجّ عبد القيس، واسمه المنذر بن عائذ بن الحارث العصري- بمهملات على الأصح: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله تعالى ورسوله: الحلم والأناة» [ (1) ] فعطف تفسير. والمراد به في الخبر: العقل خاصة. وقال القاضي: هو حالة تأنّ وثبات عند الأسباب والمحرّكات. قال غيره: هو ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب. قال القاضي:

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 48 كتاب الإيمان (25- 17) .

"الحلاحل":

والاحتمال: حبس النفس عند الآلام والمؤذيات، ومثله الصبر. قال غيره: وجمعه أحلام. قال الله تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أي عقولهم. وسمّي العقل حلماً لكونه سبباً عنه. قال ابن عطية: هو العقل إذا انضاف إليه أناة واحتمال. وقد كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس، وكل حليم قد عرفت منه زلّة وحفظت منه هفوة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبراً، وعلى إشراف الجاهلية إلا حلماً. ولهذا مزيد بيان في بيان حلمه صلى الله عليه وسلم. وهذا الاسم من أسمائه تعالى. ومعناه في حقه تعالى: الذي لا يعجل بالعقوبة. والفرق بينه وبين الحقود: أنه الذي يؤخر الانتقام لانتهاز الفرصة. والحليم يؤخره لانتظار التوبة. وسيأتي الفرق بينه وبين العفو وبينه وبين الصبر في تفسيرهما «الحلاحل» : بمهملتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة: السيد الشجاع، أو كثير المروءة، والرئيس الرزين، كأنه مأخوذ من الحلول والاستقرار، لأن القلق وقلة الثبات في مجلس ليس من عادات السادات. قال بعضهم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: وعربة أرضٍ ما يحلّ حلالها ... من الناس إلا اللوذعيّ [ (1) ] الحلاحل [ (2) ] أراد بها مكة المشرفة، وأشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي» الحديث رواه الشيخان [ (3) ] . والعربة- بمهملتين محركة: ناحية قرب المدينة أقامت بها قريش فنسبت العرب إليها وسكّن الشاعر راءها للضرورة، وهي باحة دار أبي الفصاحة دار إسماعيل صلى الله عليه وسلم، والباحة بالموحدة والمهملة: قال في الصحاح: الساحة «الحمّاد» : بتشديد الميم صيغة مبالغة من الحمد أي الحامد الكثير الحمد «حمّطايا» : روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمّى في الكتب القديمة: أحمد ومحمد والماحي والمقفّي ونبيّ الملاحم وحمّطايا وفارقليطا وماذماذ. قال أبو عمر الزاهد: سألت بعض من أسلم من اليهود فقال: معناه يحمي الحرم ويمنع الحرام.

_ [ (1) ] لذعه برأيه وذكائه: أسرع إلى الفهم والصواب كإسراع النار إلى الاحتراق فهو لوذعي انظر المصباح المنير 552. [ (2) ] حلحل القوم: أزالهم عن مواضعهم والحلاحل السيد في عشيرته الشجاع الركين في نجله اللسان 1/ 978، 979. [ (3) ] أخرجه البخاري 9/ 8 كتاب الديات (6880) ، ومسلم 2/ 988 كتاب الحج (447- 1355) .

الحمد"الحميد":

قال شيخ الإسلام التقي الشّمنّي: وهو بفتح الحاء والميم المشددة وبالطاء المهملة بعدها ألف فمثناة تحتية. وقال الهرويّ في الغريب: هو بكسر الحاء وسكون الميم وتقديم الياء وألف بعدها طاء مهملة وألف. فعنده حمياطا. وفسّره بحامي الحرم. قال ابن دحية: ومعناه: أنه حمى الحرم مما كان فيه من النّصب التي تعبد من دون الله، والزنا والفجور الحمد «الحميد» : فعيل بمعنى حامد أو محمود: صيغة مبالغة من الحمد وهو الثناء أي الذي حمدت أخلاقه ورضيت أفعاله، أو الحامد لله تعالى بما لم يحمده به حامد، أو الكثير المحامد، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي حمد نفسه أزلاً وحمده عباده أبداً، أو المستحق للحمد لأنه الموصوف بكل كمال ومولٍ لكل نوال «حم. عسق» : ذكرهما «د» في أسمائه صلى الله عليه وسلم ونقله الماوردي عن جعفر بن محمد، ونقل عن ابن عباس أنهما من أسماء الله تعالى «الحنان» : بالتخفيف: الرحمة «الحنيف» : المائل إلى دين الإسلام الثابت عليه، من الحنف محركاً، أو المائل عما عليه العامة إلى طريق الحق والاستقامة، أو المستقيم. قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً جوّز بعضهم جعل حَنِيفاً حالاً من الضمير العائد عليه صلى الله عليه وسلم، وهو الطاهر. قال في النهاية: حديث «خلقت عبادي حنفاء» أي طاهرين من المعاصي لا أنهم كلهم مسلمون لقوله تعالى: فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ولهذا مزيد بيان في الكلام على الفطرة في شرح غريب قصة الإسراء «الحيي» : بمهملة وتحتيتين: الكثير الحياء وهو انقباض النفس وانكفافها عن القبائح. روى الدارمي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيياً لا يسأل شيئاً إلا أعطى» ولهذا مزيد بيان في باب حيائه صلى الله عليه وسلم «الحيّ» : الباقي المتلذذ المتنعم في قبره. ولهذا مزيد بيان في باب حياته في قبره صلى الله عليه وسلم. حرف الخاء المعجمة «الخاتم» : بكسر التاء المثناة فوق «الخاتم» بفتحها: ذكرهما «د» ونقل ذلك عن ضبط ثعلب وكذا في المهمات لابن عساكر قال: وأما الخاتم بالفتح فمعناه أنه أحسن الأنبياء خلقاً وخلقاً، ولأنه صلى الله عليه وسلم جمال الأنبياء صلى الله عليه وسلم كالخاتم الذي يتجمّل به.

"الخازن لمال الله":

وقيل: لما انقبضت النبوة وتمت كان كالخاتم الذي يختم به الكتاب عند الفراغ. وأما الخاتم بالكسر فمعناه آخر الأنبياء فهو اسم فاعل من قولك ختمت الشيء أي أتممته وبلغت آخره. خاتم النبيين: قال تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وتقدم في حديث نافع بن جبير في الباب الثاني. وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين» [ (1) ] . وسيأتي الكلام على هذا الحديث في باب: مثله ومثل الأنبياء من قبله في أبواب بعثته وفي الخصائص. وذكر العلماء في حكمة كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين أوجهاً: منها: أن يكون الختم بالرحمة. ومنها: أن الله تعالى أراد أن لا يطول مكث أمته تحت الأرض إكراماً له. ومنها: أنّا اطلعنا على أحوال الأمم الماضية، فجعلت أمته آخر الأمم لئلا يطلع أحد على أحوالهم تكريماً له. ومنها: إنه لو كان بعده نبي لكان ناسخاً لشريعته. ومن شرفه أن تكون شريعته ناسخة لكل الشرائع غير منسوخة. ولهذا إذا نزل عيسى صلى الله عليه وسلم فإنما يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا بشريعته، لأنها قد نسخت كما سيأتي بيان ذلك في الخصائص. ومن هنا يعلم أن معنى كونه لا نبي بعده أي لا نبيّ يبعث أو ينبأ أو يخلق وإن كان عيسى موجوداً بعده «الخازن لمال الله» : أخذه «د» من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما آتيكم من شيء ولا أمنعكم منه إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت» . رواه الإمام أحمد وغيره.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 24، كتاب المناقب (3534) . ومسلم 4/ 1791، كتاب الفضائل (22- 2286) .

"الخاشع":

قال النووي: معناه: خازن ما عندي أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به والأمور كلها بمشيئة الله تعالى «الخاشع» : والخشوع في اللغة: السكون. قال الأزهري: التخشع: التذلل، وفي المحكم: خشع الرجل: رمى ببصره إلى الأرض، وعرّفه أهل التصوف بأنه الانقياد للحق. وقال بعضهم: هو قيام القلب بين يدي الرب بهمٍّ مجموع. وقال الحسن: الخشوع: الخوف الدائم الملازم للقلب. وقال الجنيد: هو تذلل القلوب لعلاّم الغيوب. وقال محمد بن علي الترمذي: الخاشع: من خمدت نيران شهواته وسكن دخان صدره وأشرق نور التعظيم من قلبه، فماتت شهواته وحيي قلبه فخشعت جوارحه. قال القشيري: واتفقوا على أن محل الخشوع القلب. وهو قريب من التواضع «الخاضع» : في الصحاح: الخضوع: التطامن والتواضع. وقال الأزهري: الخضوع قريب من الخشوع، إلا أن الخشوع في البدن والصوت والبصر، والخضوع في الأعناق «الخافض» : أي خافض الجناح، اسم فاعل من الخفض وهو التواضع ولين الجانب. قال تعالى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي تواضع لضعفائهم وفقرائهم وطب نفساً عن أغنيائهم. أو الذي يخفض الجبابرة بسطوته ويكسر الأكاسرة ببأسه. وهو من أسمائه تعالى. ومعناه: دافع البلايا ورافع الرزايا، أو الذي يخفض الأشقياء بالإبعاد ويرفع الأتقياء بالإسعاد «الخالص» : النقيّ من الدنس «الخبير» : أخذه «ياد» من قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً قال القاضي بكر بن العلاء: المأمور بالسؤال غير النبي صلى الله عليه وسلم. والمسؤول الخبير: هو النبي صلى الله عليه وسلّم وسلم. قال: وهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه، ومعناه في حقه تعالى: المطّلع بكنه الشيء، العالم بحقيقته. وقيل المخبر. والنبي صلى الله عليه وسلم خبير بالوجهين، لأنه عالم غاية من العلم بما علمه الله تعالى من مكنون علمه وعظيم معرفته، ولأنه مخبر لأمته بما أذن الله له في إعلامهم به. والفرق بينه وبين العليم والشهيد يأتي في تعريف الشهيد «خطيب النبيين» : في حديث الشفاعة: «كنت إمام النبيين وخطيبهم» أي مقدّمهم وصاحب الكلام دونهم والخطيب الحسن الخطبة، وهي الكلام المنثور المسجع الذي يلقى على المنبر واشتقاقها من الخطب وهو الشأن، لأن العرب إذا دهمهم أمر اجتمعوا له وخطبت ألسنتهم فيه، أو من المخاطبة لأنه يخاطب فيه بالأمر والنهي، أو من الأخطب وهو ذو الألوان من كل شيء لأنها تشتمل على فنون الكلام

"خطيب الأمم":

«خطيب الأمم» : «خطيب الوافدين على الله تعالى» : ذكرهما «ط» والأمم جمع أمة والوافدين جمع وافد «الخليل» «خليل الرحمن» : ذكرهما «خا» ويأتي الكلام على معنى الخلّة قريباً «خليل الله» : روى أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً وإن صاحبكم خليل الله» [ (1) ] والخليل: فعيل بمعنى فاعل، وهو من الخلة وهي الصداقة والمحبة التي تخلّلت القلب فصارت خلاله. قال بعضهم: قد تخلّلت مسلك الرّوح منّي ... ولذا سمّي الخليل خليلا فإذا ما نطقت كنت حديثي ... وإذا ما سكتُّ كنت العليلا وهذا صحيح بالنسبة إلى ما في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من حب الله تعالى. وأما إطلاقه في حق البارئ تعالى فعلى سبيل المقابلة. وقيل: الخلّة أصلها الاصطفاء وسمي بذلك لأنه يوالي ويعادي في الله تعالى. وخلة الله تعالى له نصره وجعله خير خلقه وقيل هو مشتق من الخلّة بفتح المعجمة وهي الحاجة وسمي بذلك لانقطاعه إلى ربه وقصر حاجته عليه. قال الإمام الواحدي: والقول الأول هو المختار، لأن الله تعالى خليل محمد ومحمد خليل الله، ولا يجوز أن يقال: الله تعالى خليل محمد من الخلّة التي هي الحاجة. تنبيه: الخلّة: أعلى وأفضل من المحبة. قال ابن القيم: وأما ما يظنه بعض الغالطين من أن المحبة أكمل من الخلّة، وأن إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، فمن جهله بأن المحبة عامة والخلّة خاصة، وهي نهاية المحبة. قال: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى اتّخذه خليلاً، ونفى أن يكون له خليل غير ربّه، مع إخباره بحبّه لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب وغيرهم. وأيضاً: فإن الله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب الصابرين، وخلته خاصة بالخليلين. وبسط الكلام على ذلك. ثم قال: وإنما هي من قلّة العلم والفهم عن الله تعالى ورسوله.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 462، وابن سعد في الطبقات 2/ 2/ 25.

"الخليفة":

وقال الزركشي في شرح البردة: زعم بعضهم أن المحبة أفضل من الخلّة، وقال محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله. وضعف بأن الخلة خاصة، وهي توحيد المحب والمحبة عامة، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ قال وقد صح أن الله تعالى اتّخذ نبينا خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا «الخليفة» : أي الذي يخلف غيره وينوب عنه والهاء فيه للمبالغة وسمي بذلك. وكذا آدم وغيره لأن الله تعالى استخلفه على عمارة الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أوامره فيهم، لا لحاجة منه تعالى إلى ذلك بل لقصور المستخلف عليهم عن قبول فيضه وتلقي أمره بغير واسطة «خليفة الله» : ذكره «د» في أحاديث الإسراء فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء وحيّاه الله من أخ ومن خليفة. وقد ورد إطلاق الخليفة على الله تعالى في حديث: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» فهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه. قال «د» ومعناه يرجع إلى معنى الوكيل والباقي والآخر، لأن الخلافة عمل بعد ذهاب المستخلف، والبارئ تعالى أخير بعد كل أحد بدوام الوجود. قال الشيخ رحمه الله تعالى: ومعناه في حقه صلى الله عليه وسلم: أنه خليفة الله في الأرض في تنفيذ أحكامه فيما بين خلقه، فهو قريب من معنى الوكيل، ويصح أن يكون بمعنى الباقي دينه وشرعه لأنه خلف الأديان كلها ولا ينسخ، بمعنى الآخر لأنه خاتم الأنبياء «الخير» : بالمثناة التحتية الفضل والنفع، وسمي به لأنه حصل بوجوده لأمته خير كثير، أو الفاضل يقال رجل خير كعدل وخير ككيس أي فاضل ويجوز أن يكون وامرأة خيرة وخيرة الناس بالهاء إن أريد الوصف، فإن أريد التفضيل عكس ذلك فيقال كما في القاموس: فلان خيرة الناس وفلانة خيرهم بتركها. قال الشيخ عبد الباسط رحمه الله تعالى وقد ألغزت في ذلك فقلت: أيا خير الأنام بقيت ما اسمٌ ... يؤنّث إن أتى وصف المذكّر وإن هو للمؤنّث جاء وصفاً ... يذكر مثل ما في العدّ يذكر ثم أجبت عنه لما لم يجب عنه فقلت: لقد أبدعت في ترصيف لغزٍ ... رقيق النّظم موزونٍ محرّر وهاك جوابه إن رمت وصفاً ... بأفعل من بناء الخير يذكر فقل يا صاح خير الناس هندٌ ... وأحمد خيرةٌ والعكس منكر

"خير الأنبياء":

أو هو ذو الخير، أي صاحب الفضل والإحسان، قال تعالى: أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ بتنوين أذن ورفع خير على أنه صفة أذن، أو خبر بعد خبر، كما قرأ به مجاهد وزيد بن علي وأبو بكر عن عاصم. وحكى الإمام الخطّابي عن بعض مشايخه أنه كان يفرق بينه وبين الفضل بأن باب الخيرية متعدّ وبأن الأفضلية قاصر كما يقال: الحرّ الهاشمي أفضل من العبد الحبشي مثلاً. وقد يكون العبد الحبشي خيراً منه لكثرة طاعته ومنفعته للناس «خير الأنبياء» : أي أفضلهم قال الجوهري: يقال رجل خير أي فاضل. ولا يقال أخير لأن فيه معنى التفضيل حذفت منه الهمزة، كما حذفت من أشرّ غالباً لكثرة الاستعمال ورفضوا أخير وأشرّ إلا فيما ندر كقوله: بلال خير الناس وابن الأخير خيرة الله: بكسر الخاء وسكون التحتية وبوزن عنبة المختار قال الجوهري: يقال محمد خيرة الله في خلقه وخيرة الله بالتسكين أي مختاره ومصطفاه، أو بفتح الخاء مع سكون التحتية ومعناه أفضل الناس وأكثرهم خيراً. «خير البرية» : وهي الخلق. «خير الناس» . ذكرهما «خا» . «خير العاملين» . «خير خلق الله» . ذكرهما «د» وذلك معلوم من الأحاديث والآثار المشهورة ومعناهما واحد ولهذا مزيد بيان في الخصائص. والخلق مصدر في الأصل بمعنى المخلوق وهو المبتدع المخترع، بفتح الدال والراء ويتناول غيرهم. «خير هذه الأمة» : أخذه «د» مما رواه البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت لا، قال: تزوّج فخير هذه الأمة أكثرها نساءً يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا مزيد بيان في أبواب نكاحه. حرف الدال المهملة «دار الحكمة» : أخذه الشيخ رحمه الله تعالى من حديث علي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا دار الحكمة وعليّ بابها» .

"الداعي إلى الله":

رواه الحاكم في المستدرك وصححه. وادعى ابن الجوزي رحمه الله أنه موضوع. وتعقبه الشيخ رحمه الله تعالى في النكت وفي اللآلئ. قال الحافظان العلائي وابن حجر: والصواب أنه حسن لا صحيح ولا موضوع. وقد بسطت الكلام عليه في كتاب «الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة» . «الداعي إلى الله» : روى الشيخان عن جابر رضي الله تعالى عنه أن الملائكة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا: اضربوا له مثلاً. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً فعمل فيها مأدبة وبعث داعياً فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا: أوّلوها له يفقهها. فقالوا: «الدار الجنة والداعي محمد، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله» . والمأدبة بضم الدال المهملة وفتحها أي مدعاة إلى الطعام. وفي الشرح: الداعي من الدعاء وهو النداء وهو أخص منه لأنه لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو: يا فلان أي المنادي. وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه يدعو الناس إلى طاعة الله تعالى ويحثهم عليها قال تعالى: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ أي إلى توحيده وعبادته «بإذنه» أي بتيسيره وتسهيله، فاستعير الإذن لذلك لترتبها عليه، لأن الدخول في حق الرسول متعذر متعسر فإذا وجد الإذن سهل وتيسر. وفي ذلك إيذان بصعوبة ما حمله من التبليغ ودعاء أهل الشرك إلى التوحيد وهو أمر في غاية الصعوبة وإيماء إلى تسهيل ذلك وتيسيره عليه بمعونة الله تعالى: أو الراغب المستغيث إلى الله تعالى فيما عنده من الخير اسم فاعل من الدعاء وهو الطلب والاستغاثة بتضرّع ورغبة. تنبيه: وصف الله تعالى نفسه بالدعاء في قوله تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ فهو مما سماه به من أسمائه تعالى. «الدامغ» : في حديث علي- رضي الله تعالى عنه- في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «دامغ جيشات الأباطيل» ويأتي بتمامه في أبواب الصلاة عليه. وسمي صلى الله عليه وسلم به لأنه دمغ الباطل بالحق فإذا هو زاهق، وكسر جيوش الشرك بسيف حجته الماحق. والجيشات جمع جيشة بمعنى المرة من جاش إذا ارتفع، وهو من دمغته إذا أصبت دماغه، والدماغ مقتل إذا أصيب صاحبه هلك. «الداني» : اسم فاعل من الدنوّ وهو القرب، قال تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ولهذا مزيد بيان في تفسير أول سورة النجم من أبواب المعراج.

"الدعوة":

«الدعوة» : كلمة التوحيد. أي صاحب الدعوة أي قول: «لا إله إلا الله» أو الإعلام وسمي به لأنه أعلم الناس أي دلّهم على طريق الهداية، أو بمعنى المدعو به على إطلاق المصدر على اسم المفعول، وتقدم بسط ذلك في أول الكتاب. «دعوة إبراهيم» : قال صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة أبي إبراهيم» . وتقدم الكلام على ذلك. «دعوة النبيين» . «دليل الخير» : الدليل: الهادي. «دهتم» : بمثناة فوقية وزن جعفر: السهل الخلق والحسن الخلق. حرف الذال المعجمة «الذاكر» : اسم فاعل من الذكر وهو تمجيد الرّبّ تعالى وتقديسه وتسبيحه قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ. قال الإمام الرازي: والمعنى أنه يجب أن يكون الذّكر حاصلاً في كل وقت وحين، وأن الذكر القلبيّ تجب إدامته لقوله تعالى: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ وأنه لا ينبغي أن يغفل عن استحضار جلال الله وكبريائه لحظة واحدة حسب ما تطيقه القوى الإنسانية وتتحمّله الطاقة البشرية، ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام آنس الخلق بذلك وأولاهم به وأحقّهم بالاختصاص بدرجات الكمال والاستغراق في مشاهدة الجلال، فلذا سمّي بذلك. «الذخر» : بضم الذال وسكون الخاء المعجمة الذخيرة يقال ذخرت الشيء أذخره إذا أعددته للعقبى. الذّكر- بسكون الكاف: القوي الشجاع الأبي، والثناء والشرف قال «ع د» لأنه شريف في نفسه مشرّف لغيره يخبر عنه به فاجتمعت له وجوه الذّكر الثلاثة: هو شرف هذه الأمة قال الله تعالى: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا قال جماعة: هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: جبريل. فرسولاً عليهما حال أو بدل من ذكر. وقيل: القرآن. فرسولاً بدل من ذكر بتقدير مضاف، يعني: «ذكراً رسولاً» أي صاحب ذكر. أو نعت لذا المقدّر. وقال مجاهد في قوله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إنه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. «الذكّار» : أخذه الشيخ- رحمه الله تعالى- من الحديث السابق في الأوّاه: «واجعلني لك ذكّاراً» وفعّالاً للمبالغة أي كثير الذكر، وكثرة ذكره لربه ودعواته في يقظته ومنامه

"ذكر الله".

وحركاته وسكناته وقيامه وقعوده وكل أحواله معلوم مشهور. روى ابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه. «ذكر الله» . «الذّكر» : بفتحتين: الجليل الخطير. ومنه الحديث: «القرآن ذكر فذكّروه» . قال في النهاية: أي جليل خطير فأجلّوه. ذو التاج: أي صاحبه وهو العمامة، لأنها تاج العرب، وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة يلبسها كما سيأتي بيان ذلك في أبواب لباسه. «ذو الجهاد» : أي صاحبه، وهو مأخوذ من الجهد بفتح الجيم يعني التعب والمشقة، وبضمها الطاقة. فالمجاهد في سبيل الله هو البالغ غاية ما يكون من إتعاب نفسه في ذات الله تعالى وإعلاء كلمته التي جعلها طريقاً إلى جنته ووراء ذلك جهاد القلب، وهو دفع الشيطان ونهي النفس عن الهوى، وجهاد اليد واللسان، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال الأستاذ أبو علي الدقاق- رحمه الله تعالى-: من زيّن ظاهره بالمجاهدة حسّن الله سرائره بالمشاهدة. وقال القشيريّ: أصل المجاهدة وملاكها: فطم النفس عن المألوفات وحملها على خلاف هواها في سائر الأوقات. «ذو الحطيم» : بفتح الحاء وهو الحجر المخرج من البيت على الأصح كما قاله البرماوي. وقيل: هو ما بين الرّكنين والباب. وسمي حطيماً لأن البيت رفع وترك، أو لازدحام الناس فيه وحطم بعضهم بعضاً، أو لأن العرب كانت تطرح في ما طافت به من الثياب فتبقى حتى تنحطم أي تبلى بطول الزمان، أو لأنه يحطم الذنوب أي يذهبها، سمّي بذلك صلى الله عليه وسلم كما في الكتب السالفة لأنه أنقذه من أيدي المشركين وأخرج ما كان فيه من الأصنام وجعله محلاً لعبادة الملك العلاّم. «ذو الحوض المورود» : يأتي الكلام عليه في أبواب حشره صلّى الله عليه وسلم. «ذو الخلق العظيم» : بضم الخاء واللام ويأتي الكلام عليه في باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم. «ذو السيف» : هو من أسمائه في الكتب السالفة، وكان له صلى الله عليه وسلم عدّة أسياف. كما سيأتي بيانها في باب آلات حروبه إن شاء الله. «ذو السّكينة» : أي صاحبها وهي بفتح السين وتخفيف الكاف فعيلة من السكون وهو

"ذو الصراط المستقيم".

الوقار والتأني في الحركة. وقال الصغاني: بكسر السين وتشديد الكاف وهي الرحمة. قال تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ. «ذو الصراط المستقيم» . «ذو طيبة» : أي صاحب المدينة الشريفة، سميت بذلك لطيبها لساكنيها لأمنهم ودعتهم، أو لخلوصها من الشّرك. «ذو العزة» . «ذو العطايا» : جمع عطية وهي الوهبة. «ذو الفتوح» : جمع فتح وهو النصر على الأعداء قال تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً وهو فتح مكة أو الحديبية، وعبّر بالماضي وإن كان الفتح لم يقع بعد لأنه كان متحقّق الوقوع نزّل منزلة الواقع. «ذو الفضل» : أي الإحسان. «ذو المدينة» : وهي طيبة شرّفها الله تعالى وعظّمها. «ذو المعجزات» : وسيأتي الكلام عليها. «ذو القضيب» : أي السيف الدقيق. وجاء في الإنجيل في صفته صلى الله عليه وسلم: «معه قضيب من حديد يقاتل به» . «ذو القوة» : قال الله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ أحد القولين، ونقله القاضي عن الجمهور: أنه محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: جبريل قال القاضي: وهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه. ولهذا مزيد بيان في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم. «ذو المقام المحمود» : سيأتي الكلام عليه في أبواب الشفاعة. «ذو الميسم» : بكسر الميم وسكون التحتية، وهو في الأصل المكواة والمراد به هنا العلامة أو الجمال والحسن، أي ذو حسن وجمال. «ذو الهراوة» : بكسر الهاء: العصا. وفي حديث سطيح: «وخرج صاحب الهراوة» قال ابن الأثير: أراد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يمسك القضيب كثيراً وكان يمشى بين يديه بالعصا وتركز له فيصلّي إليها. وسيأتي لهذا تتمة في صاحب الهراوة. «ذو الوسيلة» : وهي أعلى درجة في الجنة كما في صحيح مسلم، وأصل الوسيلة القرب من الله والمنزلة عنده. وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص وفي شفاعته صلّى الله عليه وسلّم.

فائدة:

فائدة: «ذو» لا تضاف إلا إلى مظهر خلافاً للمبرد حيث جوّز إضافتها إلى ضمير المتكلم فتقول ذيّ أي صاحبي. كما تقول فيّ. قال السّهيلي: والإضافة بها أشرف من الإضافة بصاحب لأنه يضاف بها إلى التابع مثل ذو مال وصاحب تضاف بها إلى المتبوع مثل: أبو هريرة صاحب رسول الله (ص) . ولا يقال: النبي صاحب أبي هريرة. إلا على جهة ما. ومن ثم لما كان ذكر يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في سورة الأنبياء في موضع الثناء عليه والمدح له قال تعالى: وَذَا النُّونِ فأتى ب «ذا» الدالة على التشريف وأضيفت إلى لفظ النّون الذي هو أشرف من لفظ الحوت، لأنه وإن كان بمعناه إلا أنه ذكر دونه في حروف التهجّي وأوائل السور على جهة القسم زيادة في التشريف ومبالغة في التعظيم، ولما لم يكن المقصود من ذكره في سورة (ن) ذلك قال تعالى: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ الآية والله أعلم. حرف الراء المهملة «الراجي» : اسم فاعل من الرجاء ضد الخوف، وهو تعلق القلب بمحبوب سيحصل. وقيل: الثقة بالجود من الكريم الموجود. وقيل: سرور الفؤاد بحسن الميعاد، وفرّق بعضهم بينه وبين التمنّي بأنه يصاحب الكسل ولا يسلك معه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء بخلافه، وبأن الرجاء يختص بالممكن والتمني يستعمل فيه وفي المحال لأن ماهية التمني محبّة حصول الشيء سواء كان مع انتظار وترقّب أم لا، وتختص به ليت نحو: ليت الشباب يعود. والترجي ارتقاب ما لا يوثق بحصوله مع إمكانه، وتختص به «لعل» في المحبوب نحو لعل العدو يموت. «الراضع» : وفي ذكر مثله نظر. «الراضي» : أخذه «د» من قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى وهو القانع بما أعطي، اسم فاعل من الرضا ورضا العبد عن الكرب أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الرب عن العبد أن يراه مؤتمراً بأوامره منتهياً عن نواهيه. روى مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقول عيسى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ الآية. فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك» .

"الراغب":

قال «د» وهذا الحديث هو تفسير الآية. «الراغب» : اسم فاعل من رغب إليه كسمع رغباً محركاً ورغباً بالفتح وقد تضم ورغباء كصحراء ورغوباً ورغباناً ورغبة بالضم ويحرّك: إذا ابتهل وتضرع أو سأل وقد يعدّى بفي. ومعناه الإرادة والحرص على الشيء. وأصل الرغبة: الاتساع، حوضٌ رغيب أي واسع والرغبة كثرة العطاء قال الله تعالى: وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ قال ابن مسعود: أي فاجعل رغبتك إليه دون من سواه. وقال ابن عباس: إذا فرغت صلاتك وتشهّدك فانصب إلى ربك وسله حاجتك. وقال: تضرّع إليه راهباً من النار راغباً في الجنة. وقرأ ابن أبي عبلة: فرغّب من الترغيب والاسم منه الرّغب. «الرافع» : الذي رفع به قدر أمته وشرّفوا بإتباع ملته، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد ويخفض الكافرين بالإبعاد. «راكب البراق» : ذكره «د» وسيأتي الكلام عليه في باب الإسراء. «راكب البعير» : هو من أسمائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة. «راكب الجمل» : قال «د» : ورد في كتاب نبوة شعيا [ (1) ] وهو ذو الكفل- عليه الصلاة والسلام- أنه قال قيل لي: قم نظّاراً فانظر ما ترى فأخبر عنه. فقلت: رأيت راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل، فنزل يقول أحدهما لصاحبه سقطت بابل وأصنامها. قال فراكب الحمار عيسى وراكب الجمل محمد صلى الله عليهما وسلم، لأن ملك بابل إنما ذهب بنبوته وسيفه على يد أصحابه كما وعدهم به. قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: ولهذا قال النجاشيّ لما جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به: أشهد أن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل. قال ابن عساكر: إن قيل لم خصّ بركوب الجمل؟ وقد كان صلى الله عليه وسلم يركب الفرس والحمار. فالجواب: أن المعنى به أنه من العرب لا من غيرهم، لأن الجمل مركب للعرب يختص بهم لا ينسب إلى غيرهم من الأمم. «راكب الناقة» : وهو من أسمائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة. «راكب النّجيب» .

_ [ (1) ] قال في القاموس: وسعيا بن أمصيا: نبي بشر بعيسى عليه السّلام، والشين لغة، انظر الترتيب 2/ 568.

"الرجل":

«الرّجل» : بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها أيضاً: أي رجل الشّعر أي كأنه مشيط وليس بالسّبط ولا الجعد، أي ليس بالبيّن السّبوطة ولا الجعودة، بل بينهما. ولهذا مزيد بيان في صفاته صلى الله عليه وسلم. «الرّجيح» : الزائد على غيره في الفضل، فعيل بمعنى فاعل من الرّجحان وهو الزيادة، يقال رجح الميزان يرجح بكسر الجيم وبفتحها رجحاناً إذا مالت إحدى كفتيه عن الأخرى لزيادة ما فيها. «الرحب الكف» : أي واسعة أو الكثير العطاء. قلت قد كان صلى الله عليه وسلم موصوفاً بهما. «رحمة الأمة» . «رحمة العالمين» : قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (1) ] فهو صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع الخلق، المؤمن بالهداية والمنافق بالأمان من القتل، والكافر بتأخير العذاب عنه. قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله تعالى: زيّن الله محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة، فكان كونه رحمة وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، وحياته رحمة ومماته رحمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «حياتي خير لكم ومماتي خير لكم» [ (2) ] وكما قال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطاً وسلفاً. الفرط بفتح الفاء والراء: هو الذي يتقدم الواردين فيهيئ لهم ما يحتاجون إليه. «رحمة مهداة» . روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة» [ (3) ] . ورواه الطبراني بلفظ «بعثت رحمة مهداة» [ (4) ] قال ابن دحية رحمه الله: معناه أن الله تعالى بعثني رحمةً للعباد لا يريد لها عوضاً، لأن المهدي، إذا كانت هديته عن رحمة لا يريد لها عوضا. «الرؤوف الرحيم» : قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.

_ [ (1) ] الأنبياء 107. [ (2) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 442 وعزاه للديلمي عن أنس وعزاه في الجامع الصغير للحارث عن أنس، وفيه عند ابن سعد عن بكر بن عبد الله مرسلا بلفظ حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم فإذا مت كانت وفاتي خيرا لكم تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم. [ (3) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6/ 299، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 299، وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 128، وابن عدي في الكامل 4/ 1546. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الصغير 1/ 195، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 154.

"الرسول":

قال الأستاذ أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى: أعطاه الله تعالى هذين الاسمين من أسمائه. والرأفة شدة الرحمة وأبلغها. قال ابن دحية: خاصيتها أنها لدفع المكاره والشدائد، والرحمة طلب المحابّ، ولهذا قدّمت الرأفة عليها. والرحمة في كلام العرب العطف والإشفاق والرأفة، وهو صحيح في حقه صلى الله عليه وسلم إذ هو أرحم الخلق وأعطفهم وأشفقهم وأرقّهم قلباً، وهي لهذا المعنى محال في حقه تبارك وتعالى فتؤوّل بلازمها وهو إرادة الخير لأهله، وإعطاء ما لا يستحقه العبد من المثوبة، ودفع ما يستوجبه من العقوبة «عا» والفرق بين الرأفة والرحمة أن الرأفة إحسان مبدؤه شفقة المحسن والرحمة إحسان مبدؤه فاقة المحسن إليه. ولهذا مزيد بيان في باب شفقته صلى الله عليه وسلم. «الرسول» : يأتي الكلام عليه في أبواب بعثته صلى الله عليه وسلم. «رسول الله» . رسول الرحمة. ورد في الحديث السابق في إمام الخير ومعناه واضح لأنه أرسل للرحمة. كما تقدم. «رسول الملاحم» : جمع ملحمة. بفتح الميم، وهو موضع القتال والحرب مأخوذة من لحمة الثوب لاشتباك الناس في الحرب واختلاطهم كاشتباك اللحمة بالسّدي. وقيل من اللحم لكثرة لحوم القتلى في المعركة وسمي بذلك لأنه أرسل بالجهاد والسيف. «الرشيد» : فعيل من الرّشد بضم الراء وسكون الشين وبفتحها أو الثاني أخص من الأول، فإنه يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والأوّل للأخروية فقط، وهو الاستقامة في الأمور بمعنى راشد أي المستقيم. أو بمعنى المرشد أي الهادي، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي ترشد إلى الدين القيم، قال عمه أبو طالب: حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائش ... يوالي إلهاً ليس عنه بغافل وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سنن السّداد [ (1) ] من غير استشارة ولا إرشاد أو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم. «الرّضا» . «الرضوان» : أي ذو الرضا أو هو رضوان الله سبحانه وتعالى على عباده. «رضوان الله» بكسر الراء: الرضا. أي رضا الله تعالى علي عباده وقيل في قوله تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ أي اتبع رسوله.

_ [ (1) ] في أ: الرشاد.

"الرفيق":

«الرفيق» : فعيل بمعنى مفعل من الرفق وهو اللطف وكان صلى الله عليه وسلم منه بمكان. «الرفيع الذّكر» : قال الله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ روى ابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتاني جبريل فقال: إن ربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك، قال: الله أعلم. قال: إذا ذكرت ذكرت معي [ (1) ] . «عا» ومعناه العليّ أو رفيع الدرجات على غيره أو رفيع الذكر بمعنى مرفوعة أو رافع هذه الأمة بالإيمان بعد انخفاضهم بذل الكفر والعصيان فهو بمعنى الرافع ومن أسمائه تعالى: الرفيع. «رفيع الدرجات» : أخذه «ط» من قوله تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ والمراد به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال مجاهد: ورفعه بما خصه به من بدائع الفضل الذي لم يؤته نبي قبله، وسيأتي بيان ذلك في الخصائص. «الرقيب» : الذي يراقب الأشياء، ويحفظها: فعيل بمعنى فاعل من المراقبة وهي الحفظ، يقال رقبت الشيء أرقبه إذا رعيته أو العالم. قال بعض السادة: المراقبة علم العبد باطلاع الرب. وهو من أسمائه تعالى، ومعناه المطلع على الضمائر العالم بما في السرائر. «ركن المتواضعين» : وقع في كتاب شعيا تسميته صلى الله عليه وسلم به كما تقدم في باب ذكره في التوراة والإنجيل. «الرهّاب» : يقال للمبالغة من الرّهب بضم الراء وسكون الهاء وبفتحها، وهو الخوف لا من الترهّب لأن أمثلة المبالغة لا تبنى غالباً إلا من ثلاثي مجرّد، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن الرهبانية فلا يصف بها نفسه، وفي الحديث: «واجعلني لك شكّاراً لك رهّاباً» رواه ابن ماجة. «الروح» : في الأصل: ما يقوم به الجسد وسمي به صلى الله عليه وسلم والقرآن وجبريل والرحمة والوحي، لأن كل واحد فيها حياة الخلق بالهداية بعد موتهم بالضلالة وكشف العذاب عنهم كما يحيا الجسد بالروح. وقيل في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ إنه النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل جبريل. وقيل غيره. «روح الحق» . «روح القدس» «د» : وردا في الإنجيل ومعنى روح القدس: الروح المقدسة أي الطاهرة

_ [ (1) ] أخرجه ابن حبان (1772) والطبري في التفسير 30/ 151، وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 257 وعزاه لأبي يعلى وحسّن إسناده.

حرف الزاي

من الأدناس فيكون من باب إضافة الموصوف إلى الصفة. والحق إما أن يراد به الله تعالى وإضافة الروح إليه تشريف، كما سمّي عيسى روح الله. أو يراد به النبي صلى الله عليه وسلم وتكون الإضافة للبيان أي روح هو الحق. حرف الزاي «الزاجر» : اسم فاعل من الزّجر وهو المنع والكف، وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه ينهي عن معاصي الله تعالى ويزجر عنها، قال الله تعالى: وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. «الزاهر» : المشرق اللون المستنير الوجه، وفي قصص الكسائي: أن الله تعالى قال لموسى صلّى الله عليه وسلم: إن محمداً هو النجم الزاهر. «الزاهد» : وهو من أسمائه في الكتب المتقدمة، والزهد خلاف الرغبة، وقيل هو ترك الحرام لأن الحلال مباح، وقيل الزهد في الحرام واجب، وفي الحلال فضيلة. وقيل غير ذلك. روى الترمذي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك» [ (1) ] . وسيأتي في باب زهده صلى الله عليه وسلم ما فيه كفاية. «الزاهي» : الحسن المشرق أو الظاهر أمره الواضح برهانه المرتفع بسمات الهداية والفتوة، المنزّه عما لا يليق بمنصب النبوة. «زعيم الأنبياء» : الزعيم: الكفيل المتحمل للأمور أو الضامن لأمته بالفوز يوم النشور. روى أبو داود بسند صحيح عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا زعيم بيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق» [ (2) ] . الربض بفتح الراء والباء الموحدة وآخره معجمة أي أرض الجنة، تشبيه بربض المدينة وهو ما حولها. «الزكي» : قال «عا» : الطاهر المبارك من الزكاة وهي النمو والطهارة. وقال سطيح في وصفه صلى الله عليه وسلم كما تقدم في باب المنامات: «يقطعه- أي ملك ذي يزن- نبيٌّ زكيّ الوحي من قبل العليّ» .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2340) وذكره المتقي الهندي في الكنز (6059) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (4800) ، والبيهقي في السنن 10/ 241، والطبراني في الكبير 8/ 117.

"زلف":

وأخذه «د» من قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ [ (1) ] «ط» وهو أخذ غير صحيح فإن الوصف [ (2) ] من زكّى مزكّى لا زكيّ نعم الاسم المذكور صحيح في حقه صلى الله عليه وسلم ومعناه الطاهر يقال زكّاه أي طهّره. «زلف» : بفتح الزاي ككتف أي الزليف بإثبات المثناة التحتية بعد اللام: المتقدم القريب سمي بذلك لتقدمه على الأنبياء فضلاً وشرفاً، أو لتقربه من مولاه زلفى من الزّلف وهو القرب والتقدم. «الزمزمي» : «د» هو منسوب إلى زمزم وهي سقاية الله تعالى لجده إسماعيل صلى الله عليه وسلم فهو أولى من نسب إليها. «الزّين» : الحسن الكامل خلقاً وخلقاً، وهو في اللغة ضد الشّين. «زين من وافى القيامة» : ذكره القاضي وسيأتي في حديث الضب في المعجزات قوله: «السلام عليك يا زين من وافى القيامة» . حرف السين «سابق العرب» : في حديث أنس مرفوعاً «السّبّاق أربعة أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبشة» وهو اسم فاعل من السّبق وهو التقدم، وقد يستعار السبق لإحراز الفضيلة، ومنه قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. ومعناه المخلص الذي سارع إلى طاعة مولاه وشق الفيافي في طلب رضاه. وقيل: الناس على ثلاثة أقسام: رجل ابتكر الخير في مبدأ أمره وداوم عليه فهو السابق. ورجل ابتكر عمره بالذنب والغفلة ثم رجع بالتوبة فهو من أصحاب اليمين ورجل ابتكر الشر من مبدأ أمره ثم لم يزل عليه حتى مات فهو من أصحاب الشمال. أو السابق لفتح باب الجنة قبل الخلق. «السابق بالخيرات» . «الساجد» : الخاضع المطيع أخذه «ط» من قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ أي- داوم على عبادتك وخضوعك معهم. «سبيل الله» : أخذه «د» من قوله تعالى: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ في أحد القولين أنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله السّدي. ورواه ابن أبي حاتم، ومعنى كونه سبيل الله الطريق

_ [ (1) ] البقرة: 151. [ (2) ] في أ: الأخذ.

"السبط":

الموصل إليه، والسبيل الطريق الواضح. وسمّي به صلى الله عليه وسلم لأنه الموصل إلى رضا الله تعالى. قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي كتموا نعت محمد صلى الله عليه وسلم. «السَّبِط» : بفتح المهملة وكسر الموحدة أي سبط الشعر كما سيأتي في باب صفة رأسه وشعره. «السّخيّ» : الكريم صفة مشبهة من السخاء ممدوداً وهو الكرم. «السّديد» : بمهملات فعيل بمعنى فاعل من السداد وهو الاستقامة، أو هو بمعنى مفعّل أي المسدّد ثلم أمته بإصلاح أمورهم في الدنيا، والمرقع خللهم بالشفاعة في الآخرة. «السراج المنير» : قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً السراج الحجة أو الهادي أو المصباح أو الشمس وسمي سراجاً لإضاءة الدنيا بنوره، ومحو الكفر وظلامه بظهوره، وشبّهه بالشمس لأنه الغاية في النيرات. وقال بعضهم: سمّي سراجاً لأن دينه يضيء بين الأديان كما يضيء السراج في الليلة المظلمة. وقال غيره: لأن الله تعالى أمدّ بنور نبوّته أنوار البصائر كما أمدّ بنور السراج أنوار الأبصار. وإنما شبه صلى الله عليه وسلم بنور السراج دون غيره مما هو أضوأ منه كالشمس مثلاً لأن المراد بالسراج الشمس، أو لأنه بعث في زمان يشبه الليل من ظلمات الكفر والجهالة، فكشفه بنور اليقين والهداية. قال القاضي أبو بكر بن العربي- رحمه الله تعالى-: قال علماؤنا سمّي سراجاً لأن السراج الواحد توقد منه السّرج الكثيرة فلا ينقص ذلك من ضوئه شيئاً، وكذلك سرج الطاعات أخذت من سراج محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينقص ذلك من أجره شيئاً. قال: وفي وجه التشبيه بالشمس أوجه: منها أنها لا تطلع حتى يتقدم بين يديها الفجر الأول والثاني مبشّرين بطلوعها، وكذلك لم يبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى بشّرت به الأنبياء والمرسلون ووصفته الكتب المنزلة. ومنها: أن للشمس إحراقا وإشراقا، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم لبعثته نور يشرق في قلوب أوليائه، ولسيفه نار تحرق قلوب أعدائه. ومنها: أن فيها هداية ودلالة، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم هدى من الضلالة ودلّ على الرشاد. ومنها: أنها سيّدة الأنوار الفلكية، وهو صلى الله عليه وسلّم سيد الأنبياء، وقد وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالمنير ولم يصف الشمس إذ سمّاها بذلك لأنها خلقت من نوره ولأن دولتها في الدنيا فقط ودولته ونوره صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة أعظم.

"السراط المستقيم":

والمنير مفعل من أنار ينير إنارةً وهو راجع إلى النور. «السراط المستقيم» : يأتي في حرف الصاد. «سرخليطس» ذكره «ع» وقال هو اسمه بالسريانية ومعناه معنى البرقليطس. «السّريع» : السابق المبادر إلى طاعة ربه أو الشديد. ومنه قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ أي لشديدة، وإلا فسرعة العقاب تنافي صفة الحلم، إذ الحليم كما مرّ هو الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. وقيل معنى الآية: سريع العقاب إذا جاء وقت عقابه لا يردّه عند أحد سبحانه وتعالى. «سعد الله» «خا» . «سعد الخلائق» . «سعيد» : فعيل بمعنى فاعل من السعد، وسمي به صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أوجب له السعادة- من القدم وحقق لأمته السيادة على سائر الأمم. «السّلام» : أي السالم من العيب المنزّه عن الرّيب، وهو في الأصل السلامة، وسمي به صلى الله عليه وسلم لسلامة هذه الأمة بل وغيرها بوجوده من العذاب وأمنها من حلول العقاب، أو لسلامته من النقص والعيب وبراءته من الزيغ والرّيب. وهو من أسمائه تعالى ومعناه الذي سلمت ذاته من الشّين وجلّت صفاته عن النقص والرّين. وقيل: معناه مالك تسليم العباد من المهالك، ويرجع إلى القدرة. وقيل: ذو السلام على المؤمنين في الجنة. ويرجع إلى الكلام القديم الأزلي. وحكى ذلك إمام الحرمين. وقيل: الذي سلم خلقه من ظلمه. وقيل سلم المؤمنين من العذاب. وقيل المسلم على المصطفين لقوله تعالى: وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى. وهو في حقه صلى الله عليه وسلم صحيح بالمعنى الأول والرابع، كما هو واضح ويصح أيضاً بالمعنى الخامس، لأنه مسلّم المؤمنين من العذاب بهدايته إياهم. وليس المعنى الثالث والسادس ببعيدين في حقه أيضاً. «السّلطان» : الملك والحجة والبرهان. وتذكيره على معنى البرهان أشهر كما قاله ابن عطية. وهي لغة القرآن وقد يؤنث على معنى الحجة يقال قضت به عليك السلطان وفي القاموس: السلطان الحجة. وقدرة الملك- وتضم لامه- والوالي، يؤنث لأنه جمع سليط وهو الدّهن لأن به يضيء الملك أو لأنه بمعنى الحجة وقد يذكّر ذهاباً إلى معنى الرّجل. وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه حجة الله تعالى علي عباده في الآخرة وبرهانه في الدنيا وهو ذو السلطان وهو الملك، والقوة مأخوذ من السّلاطة وهي التمكن من القهر والغلبة، ومنه قيل للفصيح سليط لاقتداره على فنون الكلام وللمرأة السّخاية سليطة لقوتها على المقال وشدة

"السميع":

بأسها على الرجال. فسليط كما في القاموس وغيره مدح للذكر ذم للأنثى. وقد ألغز الزّيني عبد الباسط في ذلك فقال: يا إمام الأنام أيّة وصفٍ ... إن يكن للذّكور فهو مديح وإذا ما به الإناث نعتنا ... فهو في نعتهنّ ذمّ قبيح «السميع» : فعيل بمعنى فاعل من السمع هو أحد الحواس الظاهرة. قال تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قيل: الضمير عائد عليه صلى الله عليه وسلم، وسمي بذلك لما شرّف به في مسراه من سماع كلام مولاه وهو من أسمائه تعالى ومعناه: الذي يسمع السرّ وأخفى، وسمعه تعالى صفة تتعلق بالمسموعات. «السّميّ» : السامي أي العالي من السموّ وهو العلوّ ومنه سميت السماء لعلوّها وارتفاعها. «السنا» : مقصوراً الضوء الساطع أو النور اللامع، أو ممدوداً وهو الشرف والعلو، وسمي بذلك لأنه شرف هذه الأمة وفخرها أو هو صاحب الشرف. السّند: بمهملتين بينهما نون محركة: الكبير الجليل الذي يعتمد عليه ويقصد ويلجأ إليه. «السيّد» : الرئيس الذي يتّبع وينتهي إلى قوله. وقيل: الذي يلجأ إليه ويحتاجه الناس في حوائجهم. وقيل: الذي يطيع ربه. وقيل: الفقيه العالم وقيل الذي ساد في العلم والعبادة والورع. وقيل: الذي يفوق أقرانه في كل شيء وقيل: غير ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلّم سيد بالصفات المذكورة وهو من أسمائه تعالى. قال النحاس: ولا يطلق على غير الله تعالى ألا غير معرّف. قال النووي رحمه الله: الأظهر جوازه باللام وغيرها للمشهور بعلم أو صلاح ويكره لغيره. وروى الحاكم وغيره عن بريدة رضي الله تعالى عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الرجل للفاسق يا سيّد أغضب ربه عز وجل» [ (1) ] . تنبيه: روى الإمام أحمد عن مطرف بن عبد الله بن الشخّير عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنت سيّد قريش. قال: «السيد الله» وسيأتي في اسمه صلّى الله عليه وسلم «سيد الناس» ما يجاب به عنه [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 311، والخطيب في التاريخ 5/ 454 وابن المبارك في الزهد 2/ 51. [ (2) ] أخرجه أبو داود (4806) وأحمد في المسند 4/ 24، وابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 52، وابن عدي في الكامل 2/ 592.

"سيد الثقلين":

«سيد الثّقلين» : أي الإنس والجن سمّيا بذلك لأنهما كالثقل للأرض وعليها. وقيل إنهما إنما سمّيا بذلك لأنهما فضّلا بالتمييز الذي فيهما على سائر الحيوانات وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقيل. «سيّد الكونين» . «سيد ولد آدم» : روى عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة» ولهذا مزيد بيان يأتي في الخصائص. «سيد الناس» : في حديث الشفاعة: «أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد» الحديث بطوله في مجيء الناس إليه بعد ترددهم إلى الأنبياء وكلهم يقول: نفسي نفسي. «ع» : وإنما قيّده بيوم القيامة لأن فيه يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى له منازع ولا معاند، بخلاف الدنيا فقد نازعه في ذلك ملوك الكفار وزعماؤهم. وفي لفظ عند الحاكم: «أنا سيد الناس» وفيه «ولا فخر» أي ولا فخر أعظم ولا أكمل من هذا الفخر الذي أعطيته. وقيل: معناه أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله تعالى لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي، فليس لي أن أفتخر بها. قال النووي: وهذا قريب من قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فإنه تعالى له الملك اليوم وبعد، ولكن لما كان ثمّ من يدعيه أو يضاف إليه مجازا وانقطع كل ذلك في الآخرة وبقي الملك له وحده قاله موبّخاً لمن زعم ذلك في الدنيا. قال النووي: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لوجهين: أحدهما امتثالاً لقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ والثاني: أنه من البيان الذي يجب أن يبلّغ لأمته ليعرفوه ويعتقدوه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تفضلوني على موسى» وفي رواية على يونس [ (1) ] ، فقاله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم أنه سيد الناس، أو أدباً أو تواضعاً، أو أراد النهي عن التفضيل الذي يؤدّي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة أو عن التفضيل في نفس النبوّة دون التفضيل في الخصائص. قال النووي: ولا بد من اعتقاد التفاضل بينهم فيها لقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الآية. ولهذا تتمة تأتي في الخصائص وفي أحاديث الشفاعة آخر الكتاب.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1844 كتاب الفضائل (160- 2373) .

"السيف":

«السّيف» : روى الحاكم أن كعب بن زهير أنشد للنبي صلى الله عليه وسلم: بانت سعاد. حتى انتهى إلي قوله: إنّ الرّسول لسيفٌ يستضاء به ... مهنّدٌ من سيوف الهند مسلول [ (1) ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سيوف الله» . السيف في الأصل معروف وأسماؤه كما قال في القاموس تزيد على ألف وجمعه أسياف وسيوف وأسيف. «السيف» : المخدّم «عا» : بمعجمتين كمعظّم القاطع الماضي وفيه استعارة مرشحة لأنه ملائم للسيف الحقيقي الذي يشبّه به صلى الله عليه وسلم تشبيهاً بليغاً. والجامع بينهما أن الله تعالى محا بكل منهما أثر كل مجالد ومجادل وأظهر دين الحق وأدحض الباطل. «سيف الإسلام» : روى الديلمي عن عرفجة بن شريح رضي الله تعالى عنه رفعه: «أنا سيف الإسلام وأبو بكر سيف الردّة» . «سيف الله» : تقدم الكلام عليه. حرف الشين المعجمة «الشارع» : العالم الربّاني العامل المعلّم أو المظهر المبين للدين القيّم. اسم فاعل من الشرع وهو الإظهار والتبيين، وقد اشتهر إطلاقه عليه على ألسنة العلماء، لأنه شرع الدين والأحكام، والشرع الدين، وكذلك الشريعة، وقد وصف الله تعالى نفسه بقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ فهو مما سماه الله تعالى من أسمائه. «الشافع» : الطالب للشفاعة. «المشفّع» بفتح الفاء الذي يشفع فتقبل شفاعته وهي السؤال في التجاوز عن المذنبين. «الشفيع» : صيغة مبالغة ورد الأول والثالث في حديث مسلم السابق في اسمه «الأوّل» والثاني في حديث سبق في اسمه أكثر الأنبياء تابعاً وسيأتي الكلام على شفاعته صلّى الله عليه وسلم. «الشافي» : المبرئ من السقم والألم. والكاشف عن أمته كل خطب ألمّ. «الشاكر» : اسم فاعل من الشكر وهو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، وقيل تصور النعمة وإظهارها وقيل هو مقلوب عن الكشر وهو الكشف وقيل مأخوذ من قولهم «عين

_ [ (1) ] البيت من القصيدة المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول انظر ديوان كعب 66، الشعر والشعراء 1/ 155، والعقد الفريد 2/ 91.

"الشكار":

شكرى» أي ممتلئة فالشكر على هذا الامتلاء من ذكر المنعم. وقال القشيري: حقيقة الشكر: نطق العبد وإقراره بنعمة الرب. وقيل: الاعتراف بعجزه عنه. والشكر على ثلاثة أقسام: شكر باللسان، وهو الاعتراف بالنعمة وشكر بالأركان وهو الاتصاف بالوفاق والخدمة. وشكر بالجنان، وهو الاعتكاف على بساط الشهود مع حفظ الحدود والحرمة. قال القاضي: الشكر من الخلق للحق معرفة إحسانه، وشكر الحق للخلق مجازاتهم على أفعالهم، فسمي جزاء الشكر شكراً مجازاً، والعلاقة المشاكلة، كما سمي جزاء السيئة سيئة في قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وهو من أسمائه تعالى. «الشكّار» : أبلغ من الشّكور الذي هو أبلغ من شاكر كما يعلم ذلك في بحث الغفور. وفي حديث ابن ماجة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: رب اجعلني لك شكّاراً. «الشّكور» : كثير الشكر صيغة مبالغة فعول بمعنى فاعل، أو الذي يثيب الكثير على القليل، وكان هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم لئلا يصير لأحد عليه منه وهو من أسمائه تعالى ومعناه الذي يعطي الجزيل على العمل القليل من قولهم دابة شكور إذا أظهرت من السّمن [ (1) ] فوق ما تعطى من العلف، أو المثني على عباده إذا أطاعوه أو المجازي على الشّكر. روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتتكلّف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا» [ (2) ] . قيل: وهو أبلغ من الشاكر لأنه الذي يشكر على العطاء والشكور الذي يشكر على البلاء. وقيل: الشاكر الذي يشكر على الموجود والشكور الذي يشكر على المفقود. وحكي أن شقيقاً البلخي رحمه الله تعالى أنه سأل جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنه وعن آبائه عن الفتوة فقال: ما تقول أنت؟ فقال شقيق: إن أعطينا شكرنا وإن منعنا صبرنا. فقال جعفر: هكذا تفعل كلاب المدينة! فقال شقيق: يا بن رسول الله فما الفتوة عندكم؟ قال: إن أعطينا آثرنا وإن منعنا شكرنا. «الشاهد» : العالم. أو المطّلع الحاضر اسم فاعل من الشهود وهو الحضور. قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً أي على من بعثت إليهم مقبول القول عليهم عند الله تعالى كما يقبل الشاهد العدل. ولهذا تتمة تأتي في الشهيد. «الشّثن» «عا» بفتح الشين وسكون المثلثة وآخره، نون أي عظيم الكفين والقدمين.

_ [ (1) ] في أالمشي. [ (2) ] أخرجه البخاري 8/ 584 كتاب التفسير (4836) ، ومسلم 4/ 2171 كتاب صفات المنافقين (79- 2819) .

"الشديد":

والعرب تمدح بذلك. وقال القاضي رحمه الله: نحيفها وقيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر. وذلك محمود في الرجال لأنه أشدّ وأمكن للقبض. «الشّديد» : واحد الأشدّاء من الصفات المشبهة وهو البيّن الشّدة بكسر الشين المعجمة والاسم الاشتداد. وهو القوة قال الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ وهو معنى قوله تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقال الحسن: بلغ من شدتهم عليهم أنهم كانوا يتحرّزون من مماسّة أبدانهم وثيابهم. «الشّدقم» بفتح الشين وسكون الدال المهملة وفتح القاف البليغ المفوّه. وأصله كبير الشدق وهو جانب الفم، وميمه زائدة. روى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم. وسيأتي بيان ذلك في صفة فمه إن شاء الله تعالى. «الشريف» : صفة مشبهة من الشرف وهو العلوّ أي العالي أو المشرّف على غيره، أي المفضّل فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. «الشفاء» بكسر الشين ممدوداً البرء من السّقم والسلامة منه. وسمي به صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أذهب ببركته الوصب، وأزال بسماحة ملّته النصب. قال الله تعالى: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ قيل: المراد به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. «الشمس» في الأصل: الكوكب النهاري. وسمي به صلى الله عليه وسلم أما لظهور شريعته أو لعلوه ورفعته لأن رتبتها أرفع من غالب الكواكب، لأنها في السماء السادسة عند المحققين من متأخري أهل الهيئة أو لكثرة الانتفاع به كما أن الانتفاع بها أكثر من غيرها لأنها تنضج الزرع وتشد الحبّ وترطب البدن أو لأنه لجلالة قدره وعظم منزلته لا يحاط بكمال صفته ولا يسع الرائي ملء عينه منه إجلالا له كما أن الشمس لكبر جرمها حتى قيل إنها قدر كرة الأرض مائة وستين مرة وقيل: وخمسين وقيل: وعشرين. لا يدركها البصر بل تكاد تكلّه وتخطفه وتعميه. أو لأن نور الأنبياء مستمد من نوره كما قال البوصيري رحمه الله تعالى. وكلّ آي أتى الرسل الكرام بها ... فإنّما اتصلت من نوره بهم كما أن سائر الكواكب تستمد من نور الشمس بمعنى أن نورها لما كان مستمداً مستتراً من نور الشمس فكأنه مستمد منه وإلا فهي جوهر شفّاف لا لون لها مضيئة بذاتها أو بكواكب أخر مستتره عنا لا نشاهدها إلا القمر فإنه كمل في نفسه. «الشّهاب» بكسر الشين المعجمة: السيد الماضي في الأمر أو النجم المضيء وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك كما سمي بالنجم، أو لأن الله حمى به الدين من كل معاند وجاحد كما حمى بالشّهب سماء الدنيا من كل شيطان مارد. قال كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه يمدحه صلى الله عليه وسلم.

"الشهم":

إنّ الرسول شهابٌ ثم يتبعه ... نورٌ مضيءٌ له فضلٌ على الشّهب «الشّهم» : بفتح أوله وكسر ثانيه: السيد النافذ الحكم. «الشّهيد» : العليم أو العدل المزكي. قال تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً أي معدلاً مزكّياً. روى البخاري من حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال: «أنا فرطكم وأنا شهيد عليكم» [ (1) ] . وهو من أسمائه تعالى ومعناه أنه الذي لا يغيب عنه شيء. قال ابن الأثير: وهو فعيل من أبنية المبالغة في فاعل وإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم فإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير، أو إلى الظاهر فهو الشهيد. انتهى فكل شهيد وخبير عليم ولا عكس. وقيل هو الشاهد يوم القيامة بما علم. روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدعى نوح يوم القيامة فيقال: هل بلغت فيقول: نعم فيدعى قومه فيقال: هل بلّغكم فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد. فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. فذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً [ (2) ] وَسَطاً الآية. والوسط العدل. ولهذا مزيد بيان يأتي إن شاء الله تعالى في الخصائص والله تعالى أعلم. حرف الصاد «الصابر» : اسم فاعل من الصبر، وهو حبس النفس عن الجزع وإمساكها في الضيق والفزع. وقال في الإحياء: هو ثبات باعث الدين على مقاومة باعث الهوى. وفي رسالة الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى: الصبر إما على مكتسب للعبد وإما على غيره فالأول الصبر على ما أمر الله تعالى به وعما نهى عنه. والثاني: الصبر على مقاساة ما يتصل به من حكم الله لما فيه من مشقة. وقال الجنيد: هو تجرّع المرارة من غير تعبيس وقال ابن عطاء: هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب. وقال الجريدي: ألاّ يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما. وقيل: هو ترك الشكوى إلى العباد، فلا ينافيه الشكوى إلى الله تعالى لأنه وصف أيوب بالصبر فقال: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً مع شكواه إليه حيث قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 248 كتاب الجنائز (1344) . [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 48 كتاب التفسير (4487) .

"الصاحب":

والتصبر هو السكون على البلاء، مع وجود أثقال المحنة. وقال بعضهم: الصبر على ثلاث مقامات: أولها ترك الشكوى. وهي درجة التائبين. ثانيها: الرضا بالمقدور، وهي درجة الزاهدين. ثالثها: المحبة لما يصنع المولى. وهي درجة الصّديقين. وقال الخوّاص: هو الثبات على أحكام الكتاب والسّنة. وقال بعضهم: الصبر إما بدني أو نفسيّ، فإن كان عن شهوة البطن فهو العفّة، وإن كان عن مصيبة فهو الصبر وضده الجزع والهلع. وإن كان في احتمال الغني فهو ضبط النفس وضده البطر. وإن كان في القتال فهو الشجاعة وضده الجبن. وإن كان في كظم الغيظ فهو الحلم وضده السّفاهة وإن كان في إخفاء كلام فهو كتم السرّ. وإن كان عن فضول العيش فهو الزهد. قال تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وقد كان صلى الله عليه وسلم أصبر الناس بالمعاني المذكورة كلها. وروى ابن سعد عن إسماعيل بن عيّاش بالشين المعجمة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبر الناس على أقذار الناس. «الصاحب» : «ع ح د خا» اسم فاعل من الصحبة وهي المعاشرة والملازمة قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ قال: «د» : وهو بمعنى العالم والحافظ واللطيف. وقال «ع» : سمّي بذلك لما كان عليه من اتبعه من حسن الصّحبة وجميل المعاملة وعظم المروءة والوقار والبرّ والكرامة. «د» وقد ورد إطلاق الصاحب على الله تعالى في حديث: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» . «عا» الصّحبة على ثلاثة أقسام: الأول: صحبة من فوقك وهي في الحقيقة خدمة، وآدابها ترك الاعتزال وحمل ما يصدر منه على أشد الأحوال. الثاني: صحبة من هو دونك وهي تقضي على المتبوع بالإشفاق وعلى التابع بالوقار وآدابها أن تنبّه على ما فيه من نقصان من غير تعنيف. الثالث: صحبة مع المساوي وهي صحبة الأكفاء والأقران. وتنبني على الفتوّة والإيثار وآدابها: الالتفات عن عيوبهم وحمل ما صدر منهم على الجميل فإن لم تجد تأويلاً فاتهم نفسك. «صاحب الآيات» : «خا» . «صاحب المعجزات» . «صاحب الأزواج الطاهرات» . «صاحب البرهان» .

"صاحب البيان".

«صاحب البيان» . «صاحب التاج» : وقد ذكر في الإنجيل كما تقدم في اسمه راكب الجمل «يا» المراد بالتاج العمامة، ولم تكن حينئذ إلا للعرب والعمائم تيجان العرب. «صاحب التوحيد» : وهو مصدر وحّدته إذا وصفته بالوحدانية قال بعضهم: التوحيد الحكم بأن الله تعالى واحد، والعلم بذلك. «صاحب الخير» . «صاحب الدرجة العالية الرفيعة» . «صاحب الرداء» . «صاحب السجود للرب المعبود» . «صاحب السّرايا» . «صاحب الشّرع» . «صاحب العطاء» . «صاحب العلامات الباهرات» . «صاحب العلو والدرجات» . «صاحب الفضيلة» . «صاحب الفرج» . «صاحب القدم» . «صاحب المغنم» . «صاحب الحجّة» : قال «د» هو في أوصافه في الكتب المتقدمة، والحجة البرهان والمراد بها المعجزات التي جاء بها وسيأتي الكلام عليها في أبوابها. «صاحب الحوض المورود» : وسيأتي الكلام عليه في أواخر الكتاب. «صاحب الكوثر» : وسيأتي الكلام عليه. فائدة: روى الدارقطني بسند جيد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «من أراد أن يسمع خرير الكوثر فليجعل إصبعيه في أذنيه» قال الحافظ جمال الدين المزّي أي من أراد أن يسمع مثل خريره ... «صاحب الحطيم» : وسيأتي الكلام عليه في شرح قصة المعراج. «صاحب الخاتم» : والمراد به خاتم النبوة وسيأتي الكلام عليه في أبواب صفات جسده أو الخاتم الذي كان يلبسه وسيأتي الكلام عليه في أبواب زينته. «صاحب زمزم» : «د» وابن خالويه. وتقدم الكلام عليه في زمزم.

"صاحب السلطان":

«صاحب السلطان» : قال «يا» : هو من أسمائه في الكتب المتقدمة وفي كتاب نبوة شعيا صلى الله عليه وسلم فيما نقله ابن ظفر: أثر سلطانه على كتفه. قال وفي رواية العبرانيين بدل هذه: على كتفه خاتم النبوة فهو المراد بالأثر والمراد بالسلطان النبوة، وتقدم الكلام على لفظ السلطان. «صاحب السيف» : هو من أوصافه في الكتب المتقدمة والمعنى به أنه صاحب القتال والجهاد، وفيها ذكره بأن سيفه على عاتقه يجاهد به في سبيل الله. روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له» [ (1) ] . لطيفة: أنشأ الإمام العلامة جمال الدين بن نباتة مقامة في المفاخرة بين السيف والقلم ذكر فيها من خصائص السيف ومزاياه على القلم أن اليد الشريفة النبوية حملته دونه. وسيأتي الكلام على أسيافه صلى الله عليه وسلم في أبواب سلاحه. «صاحب الشّفاعة العظمى» : وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص وفي أبواب شفاعاته. «صاحب اللواء» : والمراد به لواء الحمد، وقد يحمل على اللواء الذي كان يعقده للحرب فيكون كناية عن القتال. «صاحب المحشر» . وفي الصحاح: المحشر بكسر الشين هو موضع الحشر وهو يوم القيامة. ومعنى كونه صاحبه أنه صاحب الكلمة فيه والشفاعة واللواء والمقام المحمود والكوثر. ويظهر له من الخصائص الجمّة ما ليس لغيره. «صاحب المدرعة» : ورد في الإنجيل كما سبق في اسمه: «راكب الجمل» وفي الصحاح المدرعة والمدرع واحد وهو درع الحديد انتهى. ومعنى الاسم راجع إلى القتال والملاحم. «صاحب المشعر» : ذكره ابن خالويه. والمشعر بفتح الميم وحكى الجوهري كسرها لغة. قال صاحب المطالع: يجوز الكسر ولكنه لم يرد. وقال النووي في تهذيبه: اختلف فيه. فالمعروف في كتب التفسير والحديث والأخبار والسير أنه مزدلفة كلها. وسمي مشعراً لما فيه من الشعائر وهي معالم الدين. «صاحب المعراج» : يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 50.

"صاحب المقام المحمود":

«صاحب المقام المحمود» : قال «د» : وقع الإجماع على أن المقام المحمود هو الشفاعة وسيأتي الكلام على ذلك في أبواب شفاعاته وفي الخصائص أن شاء الله تعالى. «صاحب المنبر» : بكسر الميم مأخوذ من النّبر وهو الارتفاع وسيأتي الكلام على ذلك في الحوادث. «صاحب النّعلين» : ورد في الإنجيل كما تقدم في حرف الراء ولهذا مزيد بيان في أبواب لباسه صلى الله عليه وسلم. «صاحب الهراوة» : ورد في الإنجيل كما سبق في حرف الراء. والهراوة بكسر الهاء في اللغة: العصا، وأراها والله تعالى أعلم: العصا المذكورة في حديث الحوض: «أذود الناس عنه بعصاي إلى اليمين» قال النووي: وهو ضعيف لأن المراد تعريفه بعلامة يراها الناس معه يستدلون بها على صدقه وأنه المبشّر به المذكور في الكتب السالفة فلا يصح تفسيره بعصا تكون في الآخرة. والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسك القضيب بيده كثيراً، وقيل لأنه كان يمشي والعصا بين يديه وتغرز له فيصلي إليها. روى الإمام أحمد في الزهد عن أبي المثنّى الأملوكي أنه سئل عن مشي الأنبياء بالعصي فقال: ذلّ وتواضع لربهم تبارك وتعالى. الأملوكي: بضم الهمزة أوله واللام. «صاحب لا إله إلا الله» : ومن صفته في التوراة: «ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله» . «الصادع» : اسم فاعل من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً من الصديع وهو الفجر أو من الصدع بمعنى الفصل والفرق. أخذه «ط» من قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ. أي أبن الأمر إبانةً لا تخفي كما لا يلتئم صدع الزجاجة المستعار منه ذلك التبليغ لجامع التأثير. وقيل: أظهره، أو أمضه أو افرق. ومعناه: بالقرآن أو الدعاء إلى الله تعالى وأوضح الحقّ وبيّنه من الباطل. «الصادق» : اسم فاعل من الصدق. وروى البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصّادق المصدوق فيما أخبره به جبريل عليه السلام» قال ابن دحية: «كان الصادق المصدوق علماً واضحاً له صلى الله عليه وسلم إذ يجري مجرى الأعلام» وروى الزبير بن بكّار أن أبا جهل لقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنا لا نكذّبك ولكن نكذّب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وهو من أسمائه تعالى. قال الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً وورد ذكره في حديث الإسراء.

"صاعد المعراج":

«صاعد المعراج» : اسم فاعل من الصعود وهو الرقيّ. يقال صعد في الجبل أو السلم إذا رقي فيه وأصعد في الأرض إذا توجه مستقبلاً أرضاً أرفع منها. وعن أبي عمرو: ذهب أينما توجه. وسيأتي لهذا مزيد بيان في أبواب معراجه. «الصالح» : في حديث الإسراء قول الأنبياء له صلى الله عليه وسلم: «مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح» . والصالح كلمة جامعة لمعاني الخير كله، قال الزجاج: الصالح الذي يؤدي إلى الله ما افترضه عليه وإلى الناس حقوقهم، وقال في المطالع: الصالح القيّم بما يلزمه من الحقوق. «الصّبور» : صيغة مبالغة من الصّبر، فعول بمعنى فاعل وهو الذي لا تحمله العجلة على المؤاخذة. وكان صلى الله عليه وسلم شديد الصبر على أذى قومه له مع حلمه عليهم، حتى قيل له لما رماه عتبة بن أبي وقّاص يوم أحد فكسر رباعيته السّفلى وجرح شفته السفلى وشجّ عبد الله بن شهاب الزهري قبل إسلامه وجهه وجرح عبد الله بن القمئة وجنته فدخلت حلقتان من المغفر فيها ذلك اليوم: ادع الله عليهم. فقال: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» امتثالاً لقوله تعالى المؤذن بالتسلية له: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ أي أصحاب عقد القلب على إمضاء الأمر، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلّى الله عليهم وسلم [ (1) ] . وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي لا تحمله العجلة على مؤاخذة العصاة ولا تستعجله على معاقبة العتاة. والفرق بينه وبين الحلم أن الحلم: لا يشعر بالمعاقبة آخر الأمر والصبر يشعر بذلك. «الصّبيح» : الجميل، صفة مشبهة من الصباحة وهي الحسن والجمال. يقال صبح ككرم فهو صبيح وصبّاح كفلاّح ورمّان. أي جميل، وسمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أصبح الناس وأحسنهم كما سيأتي في باب حسنه. «الصّدوق» : الذي يتكرر منه الصدق وهو الإخلاص، وأول مراتبه استواء السرّ والعلانية. وقال الواسطي: الصدق صحة التوحيد مع القصد. «الصّدق» : نقله الشيخ- رحمه الله تعالى- عن بعضهم أخذاً من قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ. «الصدّيق» : بتشديد الدال: الموقن. صيغة مبالغة من الصدق أو هو الذي يصدّق قوله بالعمل.

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 298 وعزاه لابن أبي شيبة وأحمد في الزهر وأبي نعيم وابن عساكر من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير.

"الصراط المستقيم":

«الصراط المستقيم» : قال أبو العالية: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم. ورواه الحاكم وصححه عن ابن عباس، وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه الطريق الموصّل إليه. والصراط: الطريق. وقيل: الواضح، وقيل السّويّ، والسين لغة فيه. والمستقيم: القيّم الواضح الذي لا عوج فيه. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. «الصفوة» : بتثليث الصاد: الخيار والخلاصة. وفي حديث عمر عند ابن ماجة والحاكم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أنت نبي الله وصفوته» . «الصّفوح» : هو من صفاته في التوراة «ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح» . وفي الشمائل عن عائشة: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخّابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح» . والصّفوح صيغة مبالغة من الصفح. قال في الصحاح: وصفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه. وفي الشرح: الصفح: تحرك التثريب والإعراض والتجاوز عن المسيئين قال تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قيل: وهو أبلغ في العفو لأن الإنسان قد يعفو ولا يصفح. قال «عا» وعندي أن العفو أبلغ من الصفح لأنه إعراض عن المؤاخذة، والعفو محو الذنب، ومن لازم المحو الإعراض ولا عكس. «الصّفيّ» : وهو الذي يختاره الكبير لنفسه من الغنيمة. فعيل بمعنى مفعول وسمّي به صلى الله عليه وسلم لأن الله اصطفاه من خير خلقه. وتقدم لهذا مزيد بيان في أبواب نسبه. «الصّنديد» : بمهملات وزن عفريت: السيّد المطاع والبطل الشجاع أو الحليم أو الجواد أو الشريف. «الصّيّن» : بفتح الصاد وتشديد المثناة التحتية وتخفيف النون صفة مشبّهة من الصّيانة وهي حفظ الأمور وإحرازها وسمي بذلك لأنه صان نفسه عن الدّنس وحفظ قلبه عن طوارق الشك والهوس. حرف الضاد المعجمة «الضابط» : قال في الصحاح: ضبط الشيء: حفظه فهو ضابط أي حازم. فهو راجع إلى معنى الحفيظ والحافظ وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه يضبط ما يوحى إليه أي يحفظه عن التغيير والتبديل. «الضارب بالحسام» . «الضارع» : الخاضع المتذلل المبتهل إلى الله تعالى، اسم فاعل من ضرع كفرح أو

"الضحاك":

كمنع يضرع فهو ضارع أي متذلل مبتهل. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لكثرة تضرعه وابتهاله إلى الله تعالى وخضوعه لهيبته واستكانته لعظمته. قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً. «الضّحّاك» : الذي يسيل دماء العدوّ في الحرب لشجاعته. «الضّحوك» : روى ابن فارس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: اسم النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة: الضحوك القتّال يركب البعير ويلبس الشّملة ويجتزئ بالكسرة وسيفه على عاتقه. قال ابن فارس: سمي بالضحوك لأنه صلى الله عليه وسلم كان طيّب النّفس فكهاً على كثرة من ينتابه ويفد عليه من جفاة العرب وأهل البوادي، ولا يراه أحد ذا ضجر ولا قلق، ولكن لطيفاً في النطق رفيقاً في المسألة. ولهذا مزيد بيان في باب ضحكه وتبسمه. «الضّمين» : فعيل بمعنى فاعل، وهو في الأصل الكفالة، والمراد به هنا الحفظ والرعاية، وسمي به صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لأمته حفظاً لهم ورعاية لهم. وفي البخاري عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له على الله الجنة» [ (1) ] أراد بما بين اللحيين اللسان وبما بين الرجلين الفرج. «الضّيغم» : بفتح المعجمتين وسكون التحتية بينهما: البطل الشجاع والسيد المطاع. «الضّياء» : بالمد: أشد النّور وأعظمه، وسمّي به صلى الله عليه وسلم والقرآن لأنه يهتدي بكل منهما ذوو العقول والحجى كما يهتدي بالضّوء في ظلمات الدّجى. قال عمرو بن معدي كرب رضي الله تعالى عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: حكمةٌ بعد حكمةٍ وضياء ... قد هدينا بنورها من عمانا حرف الطاء «طاب طاب» : بالتكرير قال «ع» : من أسمائه صلى الله عليه وسلم في التوراة، ومعناه طيّب. وقيل معناه: ما ذكر بين قوم إلا طاب ذكره بينهم. «الطاهر» : المنزه عن الأدناس المبرّأ من الأرجاس اسم فاعل من الطهارة، وهي كما قال بعضهم: على قسمين حسية، ومعنوية. فالأولى: التنقّي من الأدناس الظاهرة، والثانية: التخلي عن الأرجاس الباطنة، كالأخلاق المذمومة والتحلّي بالأخلاق المحمودة. قال النيسابوري: الطهارة على عشرة أوجه:

_ [ (1) ] أخرجه من رواية سهل بن سعد رضي الله عنه، البخاري في الصحيح 11/ 308 كتاب الرقاق (6474) .

"الطبيب"

الأول: طهارة الفؤاد، وهي صرفه عما دون الله تعالى. الثاني: طهارة السرّ، وهي رؤية المشاهدة. الثالث: طهارة الصدر، وهي الرجاء والقناعة. الرابع: طهارة الروح، وهي الحياء والهيبة. الخامس: طهارة البطن، وهي الأكل من الحلال والعفة. السادس: طهارة البدن، وهي ترك الشهوات. السابع: طهارة اليدين، وهي الورع والاجتهاد. الثامن: طهارة المعصية، وهي الحسرة والندامة. التاسع: طهارة اللسان، وهي الذّكر والاستغفار. العاشر: طهارة التقصير، وهي خوف سوء الخاتمة نسأل الله تعالى السلامة. وسمّي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه المستجمع لجميع أنواع الطهارة، لأن الله تعالى طيّب باطنه وظاهره وزكّى علانيته وسرائره. وسيأتي في الخصائص القول بطهارة فضلاته صلى الله عليه وسلّم. «الطّبيب» «خا» «عا» فعيل بمعنى فاعل من الطب، وهو علاج الجسم والنفس بما يزيل السقم، أي الذي يبرئ الأسقام ويذهب ببركته الآلام. «الطّراز المعلم» : أي العلم المشهور الذي يهتدى به. والطّراز في الأصل- بكسر الطاء آخره زاي: علم الثوب، فارسي معرب. وسمي به صلى الله عليه وسلم لتشريف هذه الأمة به، كما يشرّف الثوب بالطراز. والمعلم بالبناء للمفعول: المرسوم من العلامة، وهي ما يحصل به امتياز الشيء عن غيره، صفة للطراز. «طس» . «طسم» . ذكرهما «ذ» والنسفي، من أسمائه صلى الله عليه وسلم، وذكرهما جماعة في أسماء الله تعالى، وهذه الأسماء على ضربين: أحدهما: ما لا يتأتى فيه الإعراب نحو كهيعص. والثاني: ما يتأتّى فيه الإعراب وهو نوعان: الأول ما كان اسماً مفرداً كصاد وقاف. فهو محكى لا غير. والثاني: أن يكون أسماء عدة مجموعها بوزن اسم مفرد كحم وطس ويس، فإنها بوزن قابيل وهابيل فيجوز فيه الإعراب والحكاية، وكذلك «طسم» يتأتى أن تفتح نونها وتصير مضمومة إليها فيجعلا اسماً واحداً مركباً ك «دارا بجرد» لأنه مركب من «دارا» اسم الملك «وبجرد» اسم بلد. «طه» : ذكره خلائق في أسمائه صلى الله عليه وسلم وورد في حديث رواه ابن مردويه بسند ضعيف

"الطهور":

عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه. وقيل أراد يا طاهر من العيوب والذنوب أو يا هادي إلى كل خير. ذكره الواسطيّ. وقيل: إنه من أسماء الله تعالى وقد أشبعت الكلام على هذه الأسماء الواقعة في أوائل السور في كتابي «القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز» . «الطّهور» : كصبور: الطاهر في نفسه المطهّر لغيره. وسمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم سالم من الذنوب خالص من العيوب مطهّر لأمته من الأرجاس ومزكّيها من الأنجاس. «الطيّب» «ع د ح» بوزن سيّد: الطاهر أو الزكي. لأنه صلى الله عليه وسلم لا أطيب منه إذ سلم من حيث القلب حين أزيلت منه العلقة، ومن حيث القالب فهو كله طاعة. روى الترمذي في الشمائل عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «ما شممت مسكاً قط ولا عطراً كان أطيب من عرقه صلى الله عليه وسلّم» ولهذا مزيد بيان في باب طيب عرقه وريحه صلى الله عليه وسلم. وورد إطلاق الطيّب على الله تعالى في حديث: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيّبا» رواه مسلم والله تعالى أعلم [ (1) ] . حرف الظاء المعجمة «الظاهر» : «د» «عا» أي الجليّ الواضح أو القاهر من قولهم: ظهر فلان على فلان أي قهره. قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ والظهور: العلوّ والغلبة. وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الجليّ الموجود بالآيات الظاهرة. والقدرة الباهرة. «الظّفور» «خا» «عا» من ظفر: إذا أنشب ظفره في الشيء الغائر، فعول بمعنى فاعل صيغة مبالغة من الظفر وهو الفوز. والله تعالى أعلم. حرف العين المهملة «العابد» : «د» اسم فاعل من عبد إذا أطاع. قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ومواظبته صلى الله عليه وسلم علي العبادة معروفة تواترت بها الأحاديث. «العادل» : المستقيم الذي لا جور في حكمه ولا عيل، من العدل ضد الجور. قال عمه أبو طالب يمدحه صلى الله عليه وسلم: حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائش ... يوالي إلهاً ليس عنه بغافل

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 703 كتاب الزكاة (65- 1015) .

"العارف":

«العارف» : الصبور. قال في الصحاح: يقال أصيب فلان فوجد عارفاً أي صابراً. أو العالم، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري، قدّس الله تعالى سره: المعرفة على لسان العلماء هي العلم، فكل عارف بالله تعالى عالم، وعكسه، وعند هؤلاء يعني الصوفية المعرفة صفة من عرف الحقّ سبحانه في معاملاته ثم تنقى من أخلاقه الرّديّة وانقطع عن هواجس نفسه الأبية حتى صار من الخلق أجنبيّاً، ومن آفات نفسه برياً، فحينئذ يسمى عارفاً وحالته معرفة. ومن أماراتها حصول الهيبة، فمن زادت معرفته ازداد من الله تعالى هيبة فالهيبة من شرط المعرفة. قال الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ كما أن الخوف من شرط الإيمان قال الله تعالى: وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ والخشية من شرط العلم. قال الله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ والمعرفة توجب السّكينة والعلم يوجب السّكون. قال الشّبلي رحمه الله تعالى: ليس لعارف علاقة، ولا لمحبّ شكوى، ولا لراجٍ قرار، ولا من الله تعالى فرار. وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى: ركضت أرواح الأنبياء في ميدان المعرفة فسبقت روح محمد صلى الله عليه وسلم إلى روضة الوصال. فإن قيل: أيهما أفضل: العارف بالله تعالى أم العالم بأحكام الله تعالى؟ فالجواب قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدّس الله تعالى سره: العارف أفضل، لأن العلم يشرف بشرف معلومه، والمعرفة: العلم بصفات الله تعالى، والعلم بها أفضل من كل معلوم سواها لتعلّقه بأشرف المعلومات. وأما قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فالمراد العلماء العارفون به وبصفاته. كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، لا يجوز الحمل على من سواهم لأن الغالب عليهم عدم الخشية وخبر الله تعالى صدق فلا يحمل إلا على من عرفه وخشيه. وقول بعضهم: العمل المتعدي خير من العمل القاصر يرده أن الإيمان أفضل الأعمال وهو قاصر، وقد قدّم عليه الصلاة والسلام التسبيح عقيب الصلوات وفضّله على التصدق بفضول الأموال مع تعدي نفعه إلى الفقراء. «العاضد» : «عا» المعين، اسم فاعل من عضده إذا أعانه، وأصله الأخذ بالعضد وهو ما بين المرفق إلى الكتف، ثم استعير للمعين، يقال: عضدته أي أخذت بعضده وقوّيته. «العافي» : «خا» «عا» المتجاوز عن السيئات الماحي للزّلات والخطيئات. «العالم» .

"العليم":

«العليم» : جمع بينها «د» وأشار إليهما «يا» فالأول اسم فاعل من علم ومعناه: المدرك للحقائق الدنيوية والأخروية. والثاني: اسم فاعل للمبالغة. وهذان الاسمان من أسمائه تعالى، فالعالم معناه في حقه تعالى: المدرك لحقائق الأمور الدنيوية والأخروية والعليم بمعناه الذي له كمال العلم وثباته والعلم الكامل الثابت في نفسه ليس لغيره وسمّى بهما نبيه صلى الله عليه وسلم لما حازه من علم العليم وحواه من الاطلاع على ملكوت السموات والأرض، والكشف عن الأمور المغيبات، وأوتي علوم الأولين والآخرين، وأحاط بما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة وحكم الحكماء وسير الأمم الماضين مع احتوائه على لغة العرب وغريب ألفاظها والإحاطة بضروب فصاحتها والحفظ لأيامها وأمثالها وأحكامها ومعاني أشعارها، مع كلامه صلى الله عليه وسلم في فنون العلوم، كما سيأتي بيان ذلك كله إن شاء الله تعالى. «العامل» «ع» «ح» قال «ط» ولعله مأخوذ من قوله تعالى: قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ وروى الترمذي في الشمائل عن علقمة رحمه الله تعالى قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: «كان عمله ديمةً وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يطيق» . «العائل» : «عا» : الفقير قال الله تعالى: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى أي فقيراً فأغناك بما أفاء الله عليك من الغنائم أو أغنى قلبك. قلت: وفي تسميته صلى الله عليه وسلم بالعائل بعد الغنى نظر. «العبد» : تقدم الكلام عليه في ترجمة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي لهذا مزيد بيان في بيان أبواب الإسراء. «عبد الله» : قال الله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ والكلام عليه كالكلام على ما قبله وقد أشبعت القول على لفظ الاسم الكريم في القول الجامع. وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن» [ (1) ] . ونقل الإمام الحسين بن محمد الدمغاني رحمه الله تعالى في كتابه «شوق العروس وأنس النفوس» عن كعب الأحبار رحمه الله تعالى قال: اسم النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العرش: عبد الحميد وعند سائر الملائكة عبد المجيد، وعند الأنبياء عبد الوهاب، وعند الشياطين عبد القهّار وعند الجن عبد الرحيم، وفي الجبال عبد الخالق وفي البرّ عبد القادر وفي البحر عبد المهيمن، وعند الحيتان عبد القدوس، وعند الهوام عبد الغيّاث، وعند الوحوش

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (4949) والخطيب في التاريخ 10/ 323.

"العدة"

عبد الرزاق، وعند السّباع عبد السلام، وعند البهائم عبد المؤمن، وعند الطيور عبد الغفار، وكذا نقله في القول البديع وهو غريب جداً! ثم رأيت ابن الجوزي نقله في «التبصرة» عن كعب أيضاً. «العدّة» «عا» بضم العين: الذخيرة المعدّ لكشف الشدائد والبلايا والمرصد لإماطة المحن والرزايا. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه ذخر أمته في القيامة والمتكفّل لها بالنجاة والسلامة. «العدل» : الدائن الكافي في الشهادة أو المستقيم الصدر في الأصل، وهو من أسمائه تعالى ومعناه البالغ في العدل ضد الجور أو الاستقامة، أقصى غاياته. والذي يفعل ما يريد وحكمه ماض في العبيد. «العربي» : في أحاديث الإسراء أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: مرحباً بالنبي العربيّ. رواه الحسن بن عرفة في جزئه، وهو منسوب إلى العرب وهم خلاف العجم. والعرب أقسام: عاربة وعرب وهم الخلّص، وهم تسع قبائل من ولد إرم ومن ولد سام بن نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهي: عاد وثمود وأميم وعبيد وطسم، بطاء مفتوحة فسين ساكنة مهملتين، وجديس، بجيم فدال مهملة فتحتية فسين مهملة وزن أمير، وعمليق، بعين مهملة مكسورة فميم ساكنة فلام فتحتية فقاف. وجرهم، بجيم مضمومة فراء ساكنة، ووبار بموحدة وراء مبنيّ على الكسر. ومنهم تعلم إسماعيل صلى الله عليه وسلم العربية. قال عبد الملك بن حبيب رحمه الله تعالى: كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربياً إلى أن بعد وطال العهد حرّف وصار سريانياً وهو منسوب إلى أرض سورنة وهي أرض الجزيرة، وبها كان نوح صلى الله عليه وسلم وقومه قبل الغرق. قال: وكان يشاكل اللسان العربيّ إلا أنه محرّف وقد كان لسان جميع من في السفينة إلا رجلا واحدا يقال له جرهم فكان لسانه لسان العرب الأول فلما خرجوا تزوج إرم بن نوح بعض بناته وصار اللسان في ولده عوص بن عاد وعبيد وجاثر بجيم وثاء مثلثة وثمود وجديس. وسميت عاد باسم جرهم لأنه كان جدهم من الأم: وبقي اللسان السّرياني في ولد أرفخشذ بن سام إلى أن وصل إلى قحطان من ذريته وكان باليمن فنزل هناك بنو إسماعيل فتعلّم منه بنو قحطان اللسان العربيّ. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وعلى هذا يحمل قول الصّحاح: ويعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية أي من أهل اللسان السّرياني. وبنو قحطان هم القسم الثاني من العرب وهم المتعرّبة. قال في الصحاح: وهم الذين ليسوا بخلّص.

"العروة الوثقى":

والثالث: المستعربة وهم الذين ليسوا بخلّص أيضاً. كما قال في الصّحاح. قال ابن دحية: وهم بنو إسماعيل وهم ولد معد بن عدنان، وقال النحّاس رحمه الله تعالى: عربية إسماعيل هي التي نزل بها القرآن، وأما عربية حمير وبقايا جرهم فغير هذه العربية، وليست فصيحة، وإلى هذا مال الزّبير في كتاب النسب واحتج له ولم يعول على غيره، وكذلك أبو بكر بن أشتة في كتاب المصاحف. وتقدم في ترجمة إسماعيل عليه الصلاة والسلام، ولهذا مزيد بيان يأتي. «العروة الوثقى» : العقد الوثيق المحكم في الدّين أو السبب الموصّل إلى رضا الله تعالى. وحكى الشيخ أبو عبد الرحمن السّلمي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقيل هي الإسلام. «العزيز» : أي القوي، فعيل بمعنى فاعل من عزّ يعزّ عزّاً وعزّة وعزازة. وهي الحالة المانعة للإنسان من أن يغلب أو يقهر، من قولهم أرضٌ عزاز أي صلبة ممتنعة. أي هو الخطير الذي يقل وجوده ويكثر نفعه وجوده. أو الغالب من قولهم: «من عزّ بزّ» أي من غلب سلب. قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ أي الامتناع وجلالة القدر. وأما قوله تعالى: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً فالمراد العزة الكاملة التي يندرج فيها عزّ الإلهية والخلق والإحياء والإماتة والبقاء الدائم، وما أشبه ذلك مما هو مختص به تعالى. وهو ما سماه الله تعالى به من أسمائه، ومعناه في حقه تعالى: الممتنع الغالب. أو الذي لا نظير له. أو المعز لغيره. والمعاني صحيحة في حقه صلى الله عليه وسلم. «العصمة» «عا» بكسر العين وسكون الصاد: الذي يستمسك الأولياء بحبل كرامته ويلوذ العصاة بحمى شفاعته صلّى الله عليه وسلم. فالعصمة بمعنى عاصم، كقولهم رجل عدل بمعنى عادل. روى ابن سعد والطبراني أن أبا طالب عمه صلى الله عليه وسلم استسقى به في صغره لمّا تتابعت عليهم السّنون فأهلكتهم فخرج به صلى الله عليه وسلم إلى أبي قبيس وطلب السّقيا بوجهه فسقوا، فقال يمدحه صلى الله عليه وسلم: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل ويجوز أن يكون بمعنى معصوم اسم مفعول من العصمة كاللقمة بمعنى الملقوم، وأصلها شيء يجعل في المعصم مثل السّوار وحقيقتها عندنا كما في «المواقف» في حقه صلى الله عليه وسلم وحق سائر الأنبياء: أن لا يخلق الله تعالى فيهم ذنباً.

"عصمة الله تعالى":

«عصمه الله تعالى» : في «الفردوس» بلا سند عن أنس رضي الله تعالى عنه: «أنا عصمة الله أنا حجّة الله» . «العطوف» : «عا» الشّفوق صفة مشبّهة من العطف وهو الانثناء يقال: عطف الغصن إذا مال. وعطفا الإنسان جانباه من لدن رأسه إلى وركه ثم استعير للّين والشفقة إذا عدّي بعلى وإذا عدّي بعن كان على الضدّ من ذلك. وسمي به صلى الله عليه وسلم لكثرة شفقته بأمته ورأفته كما قال شاعره حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يرثيه صلّى الله عليه وسلم: عطوفٌ عليهم لا يثني جناحه ... إلى كنفٍ يحنو عليهم ويمهد [ (1) ] «العظيم» : الجليل الكبير. وقيل عظمة الشيء كون الشيء كاملاً في نفسه مستغنياً عن غيره. وتقدم الفرق بينه وبين الجليل «يا» «د» : وقع في أول سفر من التوراة: «وسيلد عظيماً لأمة عظيمة» فهو عظيم وعلى خلق عظيم وهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه ومعناه في حقه: الجليل الشأن أو الذي كل شيء دونه أو البالغ أقصى مراتب العظمة، فلا تتصوره الأفهام ولا تحيط بكنهه الأوهام: أو الذي ليس لعظمته بداية ولا لكبريائه نهاية. «العفو» «يا» «د» هو مثل العافي إلا أنه أبلغ منه، يقال عفا عن الذنب فهو عاف وعفوّ. فالأول يدل على أصل العفو فقط. والثاني يدل على تكريره وكثرته بالإضافة إلى كثرة الذنوب وتكررها حتى أن من لم يعف إلا عن نوع من الذنب فقط يسمّى بالأول دون الثاني. والفرق بين العفو والحلم والاحتمال كما قاله القاضي: أن العفو ترك المؤاخذة، والحلم حالة توقّر وثبات عن الأسباب المحركة للمؤاخذة. والاحتمال: حبس النفس عن الآلام المؤذيات. ومثله الصّبر، ومرّ الفرق بينه وبين الصفح. وسيأتي الفرق بينه وبين الغفور. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك كما قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: عفوٌّ عن الزلات يقبل عذرهم ... وإن أحسنوا فالله بالخير أجود لأنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس عفواً وتجاوزاً كما سيأتي بيان ذلك في باب عفوه صلى الله عليه وسلم. «العفيف» «د» : الذي كفّ نفسه عن المكروهات، ومنعها عن اقتحام الشبهات، اسم فاعل من العفّة، وهي حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، يقال عفّ وكفّ فهو عفّ وعفيف، قال كعب رضي الله تعالى عنه يمدحه صلى الله عليه وسلم: لنا حرمةٌ لا تستطاع يقودها ... نبيٌّ أتى بالحقّ عفٌّ مصدّق قال ابن دحية: وهو موصوف به في الكتب المتقدمة، وقد كان صلى الله عليه وسلم أعفّ الناس، وقلّ

_ [ (1) ] انظر ديوان حسان 62.

"العلامة"

ناسك إلا وكانت له في شبابه صبوة وفي أول أمره هفوة، طبع على ذلك البشر، إلا هو صلى الله عليه وسلم كما سيأتي ذلك في باب نشأته صلى الله عليه وسلم. «العلامة» «ط» «عا» بالتخفيف: الشاهد والعلم الذي يهتدى به ويستدلّ به على الطريق وسمّي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه دليل على طريق الهدى. «العلم» : «ع» بفتح أوله وثانية: العلامة التي يهتدى به أو العلم المشهور أو السيد المذكور. «علم الإيمان» . «علم اليقين» . «العليّ» «ع» «د» الكبير المرتفع الرتبة على سائر الرّتب الذي جلّ مقداره عن الشكوك والرّيب، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي علا عن الدرك ذاته وكبرت عن التصور صفاته، أو الذي تاهت الألباب في جلاله وكلت الألسن عن وصف جماله. «العماد» : «ع» السيد الذي يعتمد عليه ويهرع في الشدائد إليه. «العمدة» : «ع» السيد الشجاع، والبطل المطاع والركن الذي يعتمد عليه ويهرع في الشدائد إليه. «العين» : «ع» تطلق في الأصل بالاشتراك على معان، منها: الباصرة وحاسّة البصر، وسمّي به صلى الله عليه وسلم لأنه بصّر أمته بهدايته طرق الهدى، وجنّبهم سبل الردى، كما يستدل بحاسة البصر على ما فيه النفع والضرر. أو لشرف هذه الأمة به على سائر الأمم، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ كما شرف الرأس بالعين على سائر الجسد، وفي هذه الآية دليل على أفضلية نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم: آدم فمن دونه، من قبل أن خيرة أمته بحسب كمال دينه وذلك تابع لكمال نبيهم الذي يتّبعونه. ومنها: الذهب والخيار من كل شيء وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لكونه أفضل الأنبياء وأشرفهم، ومنه: فلان عين الناس أي خيارهم. والسيّد وسمّي به لأنه صلى الله عليه وسلّم سيد الناس. والكبير في قومه وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه أجلّ الخلق وأعظمهم. والإنسان. ومنه: «وما بها من عين» أي أحد وسمّي به صلى الله عليه وسلم من تسمية الخاص باسم العام. لكونه أشرفهم كما مرّ. والماء الجاري لأنه طاهر في نفسه مطهّر لغيره. والجماعة من الناس وسمي أي النبي صلى الله عليه وسلّم بذلك لأنه لمهابته وشدة جلالته يحسبه الرائي في جماعة تخشى سطوتها وتهاب شوكتها، كما قال البوصيري رحمه الله تعالى:

"وينبوع الماء".

كأنه وهو فرد في جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم «وينبوع الماء» . وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه منبع الحكمة ومعدن الرحمة. والشمس وسمي صلى الله عليه وسلم به كما مرّ لعلوّه وشرفه وكثرة النفع به صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم. «عين العزّ» . حرف الغين المعجمة «الغالب» : أي القاهر، اسم فاعل من الغلبة وهي القهر، يقال غالبته غلباً فأنا غالب. وهو من أسمائه تعالى ومعناه في حقه البالغ مراده من خلقه أحبّوا أو كرهوا. «الغطمطم» : بطاءين مهملتين وزن زبرجد: الواسع الأخلاق أي الرّيّض الحسن الخلق الحليم. «الغفور» : جاء في التوراة من صفاته صلى الله عليه وسلم: «ولكن يعفو ويغفر» . وهو من أسمائه تعالى وهو بمعنى الغفار أي الستّار لذنوب من أراد من عباده المؤمنين فلا يظهرها بالعتاب عليها. قال الغزالي رحمه الله تعالى: والغفور ينبئ عن نوع مبالغة ليست في الغفار فإن الغفار ينبئ عن تكرار المغفرة وكثرتها والغفور ينبئ عن وجودها وكمالها فمعناه أنه تامّ الغفران كامله حتى يبلغ أقصى درجات المغفرة. قال أبو بكر بن طلحة من النحاة: صيغ المبالغة تتفاوت، ففعول لمن كثر منه الفعل، وفعّال لمن صار له كالصناعة. ومفعال لمن صار له كالآلة، وفعيل لمن صار له كالطبيعة، وفعل لمن صار له كالعادة والغفور أخص مطلقاً من العفوّ لأن الغفور يستر مع التجاوز لأنه مأخوذ من الغفر وهو الستر ومن لازمه التجاوز في الجملة، لأن عدمه يعدّ مؤاخذة والعفو يتجاوز وقد لا يستر لأنه مأخوذ من العفو وهو المحو، وذلك يصدق بترك المؤاخذة بالذنب بعد أن لا يستره. فكل عفوّ غفور ولا عكس. ويجوز أن يكون بينهما عموم من وجه لاشتراك الوصفين في من يستر الذنب ويمحوه فلا يؤاخذ به فيقال غفور عفوّ، وانفراد أحدهما عن الآخر فالذي يمحو بعد أن لا يستر هو العفوّ أو يستر ولا يمحو بل يؤاخذ سرّاً هو الغفور. «الغني» : قال تعالى: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى وهو من الغنى مقصوراً على ثلاثة أضرب: أحدها: ارتفاع الحاجات وليس ذلك إلا لله تعالى: الثاني قلّتها المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: «الغنى غنى النفس» [ (1) ] . والثالث: كثرة المال وهو المعنيّ بقوله تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ. وهو من أسمائه تعالى ومعناه: الذي لا يحتاج إلى شيء ويحتاج إليه كل شيء. قال

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 271 كتاب الرقاق (6446) ، ومسلم 2/ 726 كتاب الزكاة (120- 1051) .

"الغوث":

الغزالي: ومعناه في الخلق: الذي لا حاجة له إلا إلى الله تعالى. وكذلك كان صلى الله عليه وسلم. «الغوث» : النّصير الذي يستغاث به في الشدائد والمهمات ويستعان به في النوازل والملمّات. «الغياث» : الغيث: المطر الكثير. وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه كان أجود بالخير من الريح المرسلة وقد استسقى صلى الله عليه وسلم فأمطروا لحينه بالمطر الجود العامّ. وقال فيه عمه أبو طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب مثله صلى الله عليه وسلم ومثل ما بعثه الله به. والله تعالى أعلم. حرف الفاء «الفاتح» : تقدم ذكره في حديث أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه وسيأتي في حديث الإسراء «وجعلني فاتحاً وخاتماً» . وروى عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بعثت فاتحاً وخاتماً وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه» . قال «يا» «د» وهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه فإنه منها كما قال: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ. وقال تعالى: ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ، وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ومعناه: الحاكم بين عباده، فإن الفتح بمعنى القضاء، أو الفاتح أبواب الرزق والرحمة والمنغلق من أمورهم عليهم، أو فاتح قلوبهم وبصائرهم للحق، أو ناصرهم. وسمي النبي صلى الله عليه وسلم فاتحاً لأنه حاكم في الخلق بحكم الله حاملهم على المحجّة البيضاء مانعهم من التعدي والظلم. أو الفاتح لبصائرهم بالهداية، والدلالة على الخير والناصر لهم. وقيل لأنه يفتح خطاب الرب تبارك وتعالى. وقيل لأنه المبتدئ في هداية هذه الأمة ففتح لهم باب العلم الذي كان قد انغلق عليهم، كما قال علي رضي الله تعالى عنه: «الفاتح لما استغلق» . الأثر السابق في اسمه: «الرافع» . «ط» ويصح أن يكون صلى الله عليه وسلم فاتحاً لأنه فتح الرّسل بمعنى أنه أولهم في الخلق. أو فاتح الشّفعاء بقرينة اقترانه باسمه الخاتم، فيكون كاسمه الأول والآخر. قلت: وكل هذه المعاني مجتمعة فيه صلى الله عليه وسلم. «الفارق» : قال «ع» : هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في الزبور ومعناه: يفرق بين الحق والباطل وهو صيغة مبالغة. والفارق: اسم فاعل من الفرق وهو الفضل والإبانة. «الفارقليط» : تقدم في حرف الباء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه من

"الفاضل":

أسمائه صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة. وضبطه ثعلب بالفاء أوله وقال: معناه الذي يفرق بين الحق والباطل. وقال محمد بن حمزة الكرماني رحمه الله تعالى في غريب التفسير: أي ليس بمذموم. وضبطه أبو عبيد البكري بالباء الموحدة غير صافية فيه فقال: البارقليط ومعناه روح الحق. «الفاضل» : الحسن الكامل العالم إذ الفضل يرد بمعنى العلم، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا أي علماً. أو الكثير الفضيلة وهي الدرجة الرفيعة في الفضل ضد النقص. «الفائق» : بالهمزة كقائد وصائن فأعلّ إعلالهما، لأن أصله فاوق فقلبت الواو ألفاً كما قلبت في ماضي فعله الذي هو اسم الفاعل محمول عليه في الإعلال لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم قلبت الألف همزة لقربها منها ولم تحذف لالتقاء الساكنين حذراً من الالتباس بالماضي، وتكتب مثل هذه الهمزة بصورة الياء ويرقم عليها بالهمزة ونقطها خطأ قبيح عند علماء الرسم، ولا ينطق بها إلا بَين بين وهو الخيار من كل شيء وفي الصحاح: يقال: فاق الرجل أقرانه يفوقهم أي علاهم بالشرف والفضل. وسمّي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه خيار الخلق وخيرة الخلق. أو لأنه أفضل الخلق نسباً وأكثرهم فضلاً وأدباً. «الفتّاح» : بمعنى الفاتح إلا أنه أبلغ منه. أو الناصر. ومنه قوله تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أي النّصر. وهو من أسمائه تعالى. ومعناه. الذي لا يغلق وجوه النّعم بالعصيان ولا يترك اتصال الرحمة بالنسيان، أو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه وعلى القلوب باب تحقيقه، أو الذي يفتح بعنايته كل مقفل ويكشف بهدايته ما أشكل. «الفجر» : وهو مصدر في الأصل، وهو الصبح لأن فجر الليل أي شقّه، وأصل الفجر شقّ الشيء شقّاً واسعاً، يقال فجرته فانفجر. وفجرته فتفجر، ونقل القاضي عن ابن عطاء في قوله تعالى وَالْفَجْرِ وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه منه تفجر الإيمان. «الفخر» : بالخاء المعجمة: العظيم الكبير. «الفخم» : بالخاء المعجمة: العظيم الجليل. «الفدغم» : بالدال المهملة والغين المعجمة بوزن جعفر: الحسن الجميل والعظيم الجليل. «الفرد» : المنفرد بصفاته الجميلة المتوحّد في خلقته الجليلة. وهو أخصّ من الواحد، الأخص من الوتر. لأنه الذي لا يختلط به غيره وجمعه فرادى. «الفرط» : بفتح الراء. في حديث في صحيح البخاري: «أنا فرطكم وأنا شهيد

"الفصيح":

عليكم» [ (1) ] والفرط: الذي يسبق إلى الماء يهيئ للواردة الحوض ويستقي لهم، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً لمن تقدّم أصحابه يهيئ لهم ما يحتاجون إليه، كذا فسّره أبو عبيد، ويوافقه رواية مسلم. «أنا الفرط على الحوض» [ (2) ] وقيل: معناه أنا أمامكم وأنتم ورائي، وهو صلى الله عليه وسلم يتقدم أمته شافعاً لهم. «الفصيح» : فعيل من الفصاحة وهي لغة: البيان واصطلاحا خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، وهذا باعتبار المعنى وأما باعتبار اللفظ فهو كونه على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم وسيأتي في باب فصاحته صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بذلك. «الفضل» : الإحسان سمي به صلى الله عليه وسلم لأنه فضل الله تعالى ومنّته على هذه الأمة بل وعلى غيرها. أو الفاضل أي الشريف الكامل. «فضل الله» : حكى الماوردي رحمه الله في قوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا أقوالاً: أحدها: أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم. «الفطن» : «عا» بكسر الطاء المهملة: الحاذق مأخوذ من الفطنة، وهي كما قيل الفهم بطريق الفيض، أو بدون اكتساب. «الفلاح» : قال «ع» هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في الزبور، وتفسيره يمحق الله به الباطل «ط» : وكأنه غير عربي إذ الفلاح في اللغة: الفوز والنجاح، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: ليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظ الفلاح ولا يبعد أن يكون هو اللفظ العربي. وسمي صلى الله عليه وسلم به لما جمع فيه من خصال الخير التي لم تجمع في غيره. أو لأنه سبب الفلاح. «الفهم» : «عا» ككتف: السريع الفهم وهو علم الشيء وعرفانه بالقلب، هذا حده لغة، وأما حده في الاصطلاح فهو كما نقل عن كتاب «البصائر» لابن سهلان: جودة تهيئ الذهن الذي هو قوة للنفس معدة لاكتساب الآراء لتصوّر ما يرد عليها من غيرها، كما أن الكفر: حركة الذهن في المبادئ لتصير منها إلى المطالب، والحدس جودة حركته إلى اقتناص الحد الأوسط من تلقاء النفس، والذكاء: شدة استعداد هذه القوة لذلك، أو الفهم المدرك لدقائق المعاني والمزيل لقناع المشكلات عن وجه المباني فواتح الفوز. «فاتح الكنوز» .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 83 كتاب الفتن (7049) . [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1802 كتاب الفضائل (45- 2305) .

"فئة المسلمين":

«فئة المسلمين» : ذكره شيخنا وبيّض له. وكأنه أخذه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان في سرية قال: فحاص الناس حيصة فكنت ممن حاص، فلما برزنا قلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا. فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج إلينا قمنا إليه فقبّلنا يديه فقلنا: نحن الفرّارون يا رسول الله. فقال: «بل أنتم العكارون» . فقلنا: إنا قد فررنا من الزحف. فقال: «أنا فئة المسلمين» . رواه أبو داود والترمذي وحسنه النسائي. والعكّارون: الكرارون إلى القتال والعاطفون نحوه. قال الخطابي رحمه الله تعالى: يمهد بذلك عذرهم، وهو تأويل قوله تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ والله تعالى أعلم. حرف القاف «القاري» : «عا» ، الكريم الجواد، اسم فاعل من القرى بكسر القاف مع القصر. وبالفتح مع المد، وهو البذل للأضياف. روى الشيخان في حديث بدء الوحي: «كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف» والمعنى كما قال العلماء: إنه لا يصيبه مكروه لما جمع الله تعالى فيه من هذه الصفات الحميدة الدالة على مكارم الشّيم وحسن الشمائل. «القاسم» : «ع د عا» الذي يقسم الأمور في جهاتها والمعطي. اسم فاعل من القسم وهو العطاء. روى البخاري حديث: «إنما أنا قاسم والله المعطي» . «القاضي» : الحاكم، اسم فاعل من القضاء وهو فصل الأمر وبتّه. وسمي صلى الله عليه وسلم به لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم إنه كان له أن يقضي بغير دعوى ولا بيّنة كما قال ابن دحية واستدل بحديث رواه مسلم. وكان له صلى الله عليه وسلم أن يحكم لنفسه ولولده ويقبل شهادة من شهد له كما في قصة خزيمة. ولا يكره في حقه القضاء ولا الإفتاء في حال غضبه لأنه لا يخاف عليه من الغضب كما يخاف على غيره، لعصمته من الشيطان. «القانت» : «عا» الطائع اسم فاعل من القنوت، وهو لزوم الطاعة مع الخضوع أو الخاشع أو طويل القيام في صلاته. «القائد» «عا» بالهمز: الذي يقود الناس أي يقدمهم فيسلك بهم طريق الهدى ويعدل بهم عن سبيل الردى.

"قائد الغر المحجلين"

وفي الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعاً «وأنا قائدهم إذا فزعوا» . «قائد الغرّ المحجّلين» «يا» «عا» الغرّ: جمع أغرّ وهو من الخيل الذي له غرّة أي بياض في جبهته. والمحجّل: الذي به التحجيل وهو بياض في القوائم والمراد بهم أمته وهو قائدهم إلى الجنة. روى الشيخان حديث «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء» ولهذا مزيد بسط في الخصائص. «قائد الخير» : أخذه «ط» من حديث ابن ماجة السابق في «الإمام» ومعناه أنه يقود الخير ويجلبه إلى أمته أو يقودهم إليه ويدلهم عليه. «القائل» : «عا» الحاكم لأنه ينفذ قوله. أو المحب بالحاء المهملة والباء الموحدة، من قال بالشيء أي أحبه واختص به. «القائم» : «خا» يأتي في القيم. «القتّال» : روى ابن فارس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: اسم النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة: «أحمد الضّحوك القتّال» الحديث ابن فارس: وإنما سمي صلى الله عليه وسلم به لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القراع وقلة إحجامه. «القتول» «خا» . «قثم» : بضم القاف وفتح المثلثة: روي الإمام أبو إسحاق الحربي رحمه الله تعالى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني ملك فقال: أنت قُثَم وخلقك قيم ونفسك مطمئنة» قال ابن دحية في اشتقاقه معنيان أحدهما: أنه من القثم وهو الإعطاء، يقال قثم له من العطاء إذا أعطى فسمي النبي صلى الله عليه وسلّم بذلك لجوده وعطائه. الثاني: أنه من القثم وهو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم وقثم. وقد كان صلى الله عليه وسلم جامعا لخصال الخير والفضائل كلها. «قثوم» «خا» تقدم في الذي قبله. «قدم صدق» : في الصحيح عن زيد بن أسلم في قوله تعالى: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم. وروى ابن مردويه عن علي رضي الله تعالى عنه في الآية قال: محمد صلّى الله عليه وسلم شفيع لهم. وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه مثله. ونقله «يا» عن الحسن وقتادة. وقال القشيريّ رحمه الله تعالى: سابقة رحمة لهم أودعها في محمد صلى الله عليه وسلم. والقدم: الجارحة. يذكّر ويؤنث، والمراد بها هنا السابقة في الخير والفضل ورفعة

"قدمايا":

المحل وفي إضافته إلى الصدق دلالة على زيادة الفضل والشرف وأنه من السوابق العظيمة وإنما سميت السابقة قدماً لكونها يسعى ويستبق إلى الخير بها، كما سميت النعمة يداً لأنها يعطى بها. «قدمايا» : هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في التوراة. كما سبق في «أخرايا» ، ومعناه الأول السابق. «القرشيّ» : «د» نسبة إلى قريش. وتقدم الكلام على ذلك في النسب الشريف. «القريب» : «د» : الداني من الله تعالى. قال الله عز وجل: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أي دنا من ربه تبارك وتعالى حتى إنه صار في القرب منه كقرب الواحد من الآخر بقدر قاب قوسين أو أقل من ذلك، وإلا فالله سبحانه وتعالى منزّه عن المكان. وسيأتي الكلام على هذه الآية في باب المعراج. أو القريب من الناس لتواضعه. والقرب على قسمين: أحدهما قرب العبد من ربه وهو التقرب إليه بطاعته والاتصاف في كل الأوقات بعبادته. وقيل قربه بإيمانه وتصديقه ثم بإحسانه وتحقيقه، الثاني: قرب الحق من الخلق وهو ما يخصهم به في الدنيا من العرفان وفي الآخرة ما يكرمهم به من الشهود والعيان، وسئل عبد الله بن حنيف رحمه الله تعالى عن القرب فقال: قربك منه بملازمة الموافقات، وقربه منك بدوام التوفيق، وهو من أسمائه تعالى قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أي قريب منهم بالعلم لا يخفى عليه شيء من أحوالهم. «القسم» : «عا» . «القطب» : «عا» بالضم: سيد القوم وملاك أمورهم ومدار حوائجهم وجمعه أقطاب وقطوب وقطبة كعنبة. «القمر» : «خا» «عا» الكوكب المعروف، وإنما يسمى بذلك إذا امتلأ ومضى عليه ثلاث ليال لأنه يقمر ضوؤه ضوء الكواكب حينئذ ويفوز. وقبل ذلك يسمّى هلالاً. وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه جلا ظلمة الكفر بنور الهداية. وفي قصص الكسائي: أن الله تعالى قال لموسى عليه الصلاة والسلام أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو البحر الزاخر والقمر الباهر. «القويّ» : من الصفات المشبهة الشديد التمكن. قال تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ قيل: النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: جبريل عليه الصلاة والسلام وهو من أسمائه تعالى. قال في أنوار التنزيل: القوة تطلق على معان مترتبة أدناها الإمكان وأقصاها القدرة التامة، والله تعالى قادرٌ له قدرة.

"القيم":

«القيّم» : بالمثناة التحتية قال «يا» : روي في حديث «وأنا قيّم» والقيم: الجامع الكامل. كذا وجدته ولم أروه وأرى أن صوابه قثم بالمثلثة، وهو أشبه بالتفسير لكن في كتب الأنبياء أن داود عليه الصلاة والسلام قال: اللهم ابعث لنا محمداً يقيم السنة بعد الفترة. وقد يكون القيّم بمعناه «ط» . وذكر الآمديّ رحمه الله تعالى أن جريبة، - وهو بجيم مضمومة فراء مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فباء موحدة مفتوحة مصغر-، ابن اللثيم الأسدي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال: بدّلت ديناً غير دينٍ قد يذمّ ... كنت من الذّنب كأنّي في ظلم يا قيّم الدّين أقمنا نستقم ... فإن أصادف مأثماً فلن أثم والقيّم من أسمائه تعالى، كما في حديث: «أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن» «د» وهو بمعنى القائم. «عا» : والقيم أبلغ من قائم. والفرق بينه وبين القيّوم والقيّام: أنهما يختصان به تعالى لما فيهما من الأبلغية ولا يستعملان في غير المدح بخلاف القيّم والله تعالى أعلم. حرف الكاف «الكافّ» : بتشديد الفاء. قال ابن عساكر: قيل معناه الذي أرسل إلى الناس كافة. وهذا ليس بصحيح لأن كافة لا يتصرف منه فعل فيكون اسم فاعل. وإنما معناه الذي كفّ الناس عن المعاصي. «الكافة» : «عا» : الجامع المحيط. والهاء فيه للمبالغة وأصله اسم فاعل من الكفّ وهو المنع وقيل مصدر كالعاقبة قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ قال الزمخشري: يعني إلا إرسالةً عامة محيطة بهم، لأنها إذا اشتملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد ولهذا مزيد بيان في الخصائص. «الكافي» : «عا» اسم فاعل من الكفاية وهو سدّ الخلّة وبلوغ المراد في الأمر. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه سدّ خلّة أمته بالشفاعة يوم الحساب، وبلّغهم مرادهم فيما أمّلوه من النصر على الأحزاب، أو لأنه كفي شرّ أعدائه من المشركين، كما قال تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فيكون المراد بالكافي المكفي بفتح الميم وهو سائغ، لأنه قد يرد اسم فاعل بمعنى المفعول، نحو: ماء دافق وعيشة راضية. بمعنى: مدفوق ومرضية. وإن كان مؤوّلاً عند بعضهم بالحمل على النسب أي منسوبة إلى الرضا كالزارع والنابل أي يجعل إسناد الفعل لها مجازاً أي راضٍ أهلها.

"الكامل":

«الكامل» : التام خلقاً وخلقاً. «الكثير الصمت» «عا» : أي القليل الكلام فيما لا يجدي نفعاً وسيأتي في صفاته المعنوية صلى الله عليه وسلم. «الكريم» : «يا» : الجواد المعطي. أو الجامع لأنواع الخير والشرف. أو الذي أكرم نفسه أي طهّرها عن التدنيس بشيء من المخالفات وتقدم أن أحد القولين في قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أنه النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام. وعلى هذا فليس في ذلك مع قوله: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ما يقتضي تقاصر رتبته صلى الله عليه وسلم عن مرتبة جبريل خلافاً لما زعمه الزمخشري، لأن المراد بسلب تلك عنه: الرد على من زعم ثبوتها له من المعاندين لا بيان تفاوت المرتبتين. وهو من أسمائه تعالى ومعناه: المتفضل. وقيل العفوّ. وقيل العليّ. وقيل: الكثير الخير، والمعاني صحيحة في حقه صلى الله عليه وسلم. «الكفيل» : السيد المتكفل بأمور قومه وإصلاح شأنهم. فعيل من الكفالة وهي الضمان، وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه متكفّل لأمته بالفوز والنجاة بما ادخره لهم من الشفاعة أو بمعنى مفعول كالجريح والكحيل. وسمي به صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى تكفّل له بالنصر والظّفر. أو بمعنى الكفل وزن طفل. وهو الرحمة والنعمة سمي به صلى الله عليه وسلم لأنه رحمة للخلق ونعمة من الحق. «كنديدة» : قال «د» هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في الزبور. «الكنز» : في الأصل المال أو الشيء النفيس. وسمي بذلك صلى الله عليه وسلم لنفاسته، أو لأنه حصل لنا به السعادة الدنيوية والأخروية. «كهيعص» : ذكره «د» . في أسمائه صلى الله عليه وسلم. وذكره غيره في أسماء الله تعالى. وقد بسطت القول على ذلك في «القول الجامع» . «الكوكب» : «عا» سيد القوم وفارسهم، أو النجم المعروف، وسمّي به صلى الله عليه وسلم لوضوح شرعته وسموّ ملته. حرف اللام «اللبيب» : «عا» صفة مشبهة من لبب أي فطن وهو العاقل الفطن والذكي الفهم. «اللسان» : «دعا» في الأصل المقول. ويطلق على الرسالة وعلى المتكلم عن القوم وهو المراد هنا، يذكّر ويؤنث، وجمعه ألسنة وألسن ولسن بضمتين، واللسن بالفتح: الفصاحة

"اللسن":

والبلاغة، وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه لشدة بلاغته وفصاحته كان مجموعة لسان. وحكى بعضهم أن المراد باللسان في قول السيد إبراهيم صلى الله عليه وسلم: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ هو محمد صلى الله عليه وسلم. والمعنى إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى أن يجعل من ذريته من يقوم بالحق ويدل عليه فأجيبت دعوته بمحمد صلى الله عليه وسلم. «اللسن» : «عا» بوزن كتف الفصيح البليغ المصقع. «اللوذعي» : «عا» بذال معجمة فعين مهملة: الذكي الفصيح الحديد الذّهن، كأنه يلذع بالنار من توقد ذكائه. وتقدم في الحلاحل. «الليث» : بالمثلثة: الشديد القوي أو السيد الشجاع أو اللسن البليغ. والله تعالى أعلم. حرف الميم «المؤتمن» : بفتح الميم الثانية الذي يؤتمن لأمانته ويرغب في ديانته اسم مفعول من الائتمان وهو الاستحفاظ. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه حافظ للوحي مؤتمن عليه، أو على هذه الأمة أي شاهد عليها. «المؤمّل» : بفتح الميم أي المرجوّ خيره.. «المؤمّم» : «عا» بالهمزة: المقصود الذي يؤمّ كل راجٍ حماه لغة في الميمّم بالياء. «المؤيّد» : بفتح التحتية: المنصور، اسم مفعول من أيّدته تأييداً إذا قويّته وأعنته قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. «المؤيّد» بكسر المثناة: الناصر أو القوي أو الشديد. «الماء المعين» : بفتح الميم وهو الطاهر الجاري على وجه الأرض، فعيل: بمعنى فاعل. «المأمون» : «عا» بالهمز اسم مفعول من الائتمان وهو الاستحفاظ الذي يوثق به لأمانته في ديانته. وإنما سمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه لا يخاف منه شر. «المؤمن» : بالهمز وبإبدال همزته واواً تخفيفاً بسكونها بعد ضمة، وهي لغة أهل الحجاز، وبها قرأ ورش والسّوسيّ عن أبي عمرو. والهمز لغة تميم وهو المتّصف بالإيمان، قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ أي يصدق، والإيمان مأخوذ من الأمن، لأن المؤمن يأمن العقاب في الدنيا والعذاب في الآخرة. «الماجد» : المفضال الكثير الجود، أو الحسن الخلق السمح، أو الشريف. اسم فاعل من المجد وهو سعة الشرف وكثرة الفوائد. وأصله من قولهم مجدت الإبل: أي أصابت روضة

الماحي:

أنقاً خصبة فأمجدها الراعي. قال إياس بن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: سمح الخليقة ماجدٌ وكلامه ... حقٌّ وفيه رحمةٌ ونكال وهو من أسمائه تعالى قال الغزالي رحمه الله تعالى: الماجد والمجيد: هو الشريف لذاته الحميد فعاله الجزيل عطاؤه، فهو جمع بين الجليل والوهاب والكريم. الماحي: تقدم في حديث جبير في الباب الثاني «وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر» قال القاضي: أي من مكة وبلاد العرب وما زوي له من الأرض ووعد أنه يبلغه ملك أمته، ويكون المحو: بمعنى الظهور والغلبة كما قال تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وفي طريق أخرى عن جبير رواها الحاكم والبيهقي وإسنادها حسن متصل خلافاً لابن دحية، «وأنا ماحي» فإنه صلى الله عليه وسلم محا سيئات من اتبعه. «ماذ ماذ» : هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في الكتب السالفة، ومعناه طيّب طيب، وضبطه الإمام الشّمنيّ رحمه الله تعالى بفتح الميم وألف غير مهموزة وذال معجمة. «المانح» : المعطي اسم فاعل من منح، إذا أعطى الجزيل وأولى الجميل. «المانع» : الذي يمنع أهل الطاعة من الأعداء ويحوطهم وينصرهم، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان في الأديان والأبدان بما يلحقه من الأسباب المعدة للحفظ. أو يحرم من لا يستحق العطاء لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا مانع كما أعطيت ولا معطي لما منعت» فمنعه سبحانه وتعالى حكمة، وإعطاؤه جود ورحمة. «المبارك» : العظيم البركة وهي الزيادة والنمو. وقيل: البركة لفظ جامع لأنواع الخير، ومنه قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ أي جامعة لأصناف الخير. وقال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد [ (1) ] وقال عباس بن مرداس رضي الله تعالى عنه: فآمنت بالله الذي أنا عبده ... وخالفت من أمسى يريد المهالكا ووجهت وجهي نحو مكة قاصدا ... وبايعت بين الأخشبين المباركا نبيٌّ أتانا بعد عيسى بناطقٍ ... من الحق فيه الفضل منه كذلكا

_ [ (1) ] البيت من قصيدة من الكامل مطلعها: ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مآقيها بكل الأرمد انظر ديوان حسان ص 65، 66.

"المبرأ":

«ع» وإنما سمي صلى الله عليه وسلم بذلك لما جعل الله تعالى في حاله من البركة والثواب وفي أصحابه من فضائل الأعمال. وفي أمته من زيادة القدر على الأمم. وفي تفسير قوله تعالى عن سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ أي نفّاعاً للناس. «المبرّأ» : المنزّه المبعد عن كل وصف ذميم. ولهذا مزيد بيان في باب طيب عرقه صلى الله عليه وسلم. «المبتهل» : المتضرع المتذلّل: اسم فاعل من الابتهال وهو التضرّع قال الله تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نتباهل بأن نقول: بهلة الله على الكاذبين منكم، والبهلة بالفتح والضم: اللعنة، وبهله الله: لعنه، من أبهله إذا أهمله، هذا هو الأصل في كل دعاء بما يجتهد فيه وإن لم يكن التعاناً. «المبشّر» : اسم فاعل من البشارة وهي الخبر السارّ. وأما قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فهو. بمعنى أنذرهم، استعيرت البشارة التي هي الإخبار بما يظهر سروراً في المخبر به للإنذار الذي هو ضدها بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التهكّم والاستهزاء. وتقدم الكلام على ذلك في البشير. «المبعوث بالحق» : أي المرسل به اسم مفعول من البعث وهو الإرسال. وأصله إثارة الشيء وتوجيهه، وبعث صلى الله عليه وسلم للخلق كافة، كما سيأتي في الخصائص أن شاء الله تعالى. «المبلّغ» : الذي يؤدي الرسالة كما أمر، اسم فاعل من بلّغ الرسالة إذا أداها، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. «المبيح» : الذي أباح لأمته ما حرّم على الأمم السابقة. كما سيأتي بيان ذلك في الخصائص. المبيّن: بتشديد التحتية: اسم فاعل من التبيين وهو الإظهار قال تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. «المتبتّل» : «ط» «عا» المخلص المنقطع إلى الله تعالى بعبادته. اسم فاعل من التبتل وهو الإخلاص والانقطاع إلى الله تعالى، قال تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا أي أخلص له العبادة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا رَهبانيّة ولا تبتّل في الإسلام» فالمراد به الانقطاع والرغبة عن النكاح. ومنه قيل لمريم: البتول. «المتبسّم» : «د» «عا» اسم فاعل من التبسم وهو البشاشة. وسمّي صلى الله عليه وسلم به لأنه كان يلقى الناس بالبشر، وطلاقة الوجه من حسن العشرة ولهذا مزيد بيان في باب ضحكه وتبسّمه صلى الله عليه وسلم.

"المتبع"

«المتَّبع» «ط» «عا» اسم مفعول من الاتباع وهو الذي يتبعه غيره أي يقتدي به في أقواله وأفعاله، قال الله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ أمرنا الله تبارك وتعالى باتباعه صلى الله عليه وسلم والإقتداء به في أقواله وأفعاله فوجب علينا إتباعه في ذلك في أقواله فإنه لا ينطق عن الهوى وأفعاله فإنه لا يصدر منه محرّم لعصمته. ولا مكروه لندرته من غيره من أهل الكمال فكيف به منه. بل قيل: لا يتصور وقوع المكروه منه أيضاً لأنه فعل ما هو مكروه في حقنا أو خلاف الأولى كوضوئه صلى الله عليه وسلم مرةً مرة فذلك لبيان الجواز. وقد حكى الإمام النوويّ عن العلماء أن وضوءه صلى الله عليه وسلم على تلك الصفة أفضل في حقّه من التثليث. «المتربّص» : ذكره الإمام شمس الدين البرماوي- رحمه الله تعالى- في رجال العمدة أخذاً من قوله تعالى، آمراً له أن يقول للكفار: تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أي انتظروا حصول ما تتمنونه لي فإني منتظر ما وعدني ربي من النصر عليكم والظّفر بكم. «المترحّم» : اسم فاعل من ترحم. «المتضرّع في الدعاءِ» : الخاضع لله وتقدم في الضارع. «المتقن» : اسم فاعل من الإتقان وهو إحكام الأمور أو الحاذق اللبيب والفطن الأريب، يقال أتقن الشيء فهو متقن وتقن بكسر القاف أي حاذق. «المتّقي» : اسم فاعل من اتقى. وقد تقدم الكلام على التقوى في اسمه الأتقى. «المتلُوّ» «عا» اسم مفعول من التلوّ وهو المتابعة لأنه يتّبع ويقتدى به. «المتلو عليه» : من التلاوة، لأن جبريل كان يتلو عليه القرآن ويدارسه به. «المتمكّن» : وجد مكتوباً على حجر في البيت في الهدمة الأولى فيه: «عبدي المنتخب المتمكّن المنيب المختار» ، ومعنى المتمكن: المستمكن في الأرض الذي أطاعه الناس واتبعوه وظهر دينه واشتهر. والتمكن صفة أهل الحقائق، والتكوين صفة أرباب الأحوال، فما دام العبد في الطريق فهو صاحب تكوين لأنه يرتقي من حال إلى حال، فإذا وصل تمكّن. قال الأستاذ أبو علي الدقاق- رحمه الله تعالى-: كان موسى عليه الصلاة والسلام صاحب تكوين فرجع من سماع الكلام وأثر فيه الحال قال تعالى: وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ومحمد صلى الله عليه وسلم صاحب تمكين فرجع بعد أن وصل ولم يؤثر فيه ما شاهد، قال تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. «المتمّم لمكارم الأخلاق» : روى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-

"المتمم":

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» [ (1) ] وهي من جملة الدين، والمكارم: جمع مكرمة بضم الراء، والأخلاق جمع خلق بضمتين وهي السجيّة. «المتمّم» : مبنياً للمفعول: المكمّل خلقاً وخلقاً. «المتهجّد» : قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ وسيأتي الكلام عليه في أبواب عبادته. «المتوسط» : «خا» المتردّد في الشفاعة بين الله تعالى وبين الأمة. «المتوكّل» : قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وهو من أسمائه في التوراة كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما-. قال الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه-: نزه الله تعالى نبيّه ورفع قدره بهذه الآية لأن الناس في التوكل على أحوال: متوكّل على نفسه أو على أهله أو على جاهه أو على سلطانه أو على صناعته أو على غلّته أو على الناس. وكل منهم متوكل مستند إلى حيّ يموت وإلى ذاهب ينقطع، فنزه الله تعالى نبيه عن ذلك كله وأمره بالتوكل عليه، وقال النّخشبي- وهو بنون مفتوحة فخاء ساكنة فشين مفتوحة معجمتين فباء موحّدة فياء نسب: التوكل: طرح البدن في العبودية، وتعلّق القلب بالربوبية، والطمأنينة بالله، فإن أعطاه شكر، وإن منعه صبر. وقيل: الثقة بالله تعالى والإيقان بقضائه لكن يجوز السّعي فيما لا بد منه تأسّياً بالسّنة. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري: التوكل محلّه القلب، والحركة بالظاهر لا تنافيه بعد أن تحقّق أن الكل من الله تعالى، فإن تعسّر شيء فبتدبيره وإن تيسّر شيء فبتيسيره. وحكي أن إبراهيم بن أدهم سأل شقيقا البلخي عن مبدأ أمره فقال: رأيت في بعض الخلوات طائرا مكسور الجناحين فأتاه طائر صحيح الجناحين بجراده في منقاره فأطعمه إياها، فتركت التكسّب واشتغلت بالعبادة، فقال إبراهيم: ولم لا تكون أنت الطائر الصحيح الذي أطعم الطائر العليل حتى تكون أفضل منه؟! قال صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السفلى» [ (2) ] . «المتين» : «حا» «عا» القويّ الشديد ومنه حبل متين. وهو من أسمائه تعالى ومعناه القويّ السلطان البالغ أقصى مراتب القدرة والإمكان.

_ [ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ (904) ، والبيهقي في السنن 10/ 192 بلفظ «صالح الأخلاق» والحاكم في المستدرك 2/ 613 وذكره المتقي الهندي في الكنز (31969) . [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 294 كتاب الزكاة (1429) ، ومسلم 2/ 717 كتاب الزكاة (94/ 1033) .

"المثبت":

«المثبّت» : «عا» بفتح الموحدة مبنيا للمفعول من الثبات وهو التمكن والاستقرار. قال الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ وسمي بذلك لأن الله تعالى ثبّت قلبه على دينه. «المثبِّت» : «عا» بكسر الباء مبنيّاً للفاعل المثبت لمن اتبعه على دينه المجاب «خا» المعطى سؤله. «المجادل» : «عا» : المحكم المتقن للأمور أو المحاجج اسم فاعل من الجدال وهو المعارضة في القول على سبيل المنازعة والمغالبة لإظهار الحجة. وأصل الجدال الإحكام، ومنه جدلت الحبل والبناء إذا أحكمت صنعهما قال تعالى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي بأحسن أطرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف. «المجاهد» : اسم فاعل من الجهاد. قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ أي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالاحتجاج أو بإقامة الحدود أو بإفشاء أسرارهم. «المجتبى» : اسم مفعول من الاجتباء وهو الاصطفاء. قال في الصحاح: اجتباه: اصطفاه. «المجتهد» : المجدّ في الطاعة أو من قام به الاجتهاد. وهو بذل الوسع في طلب أمرٍ يقصد، افتعال من الجهد والطاقة. «المجيب» : اسم فاعل من أجاب. «المجير» : اسم فاعل من أجار، أي أنقذ من استجار به وأغاث من استغاث به. «المجيد» : بفتح الميم وكسر الجيم: الرفيع القدر العالي البركة، أو الكريم الشريف الفعال. فعيل بمعنى فاعل من المجد ونيل الشّرف، يقال مجد كنصر وكرم مجداً ومجادةً فهو ماجدٌ ومجيد. وهو من أسمائه تعالى، ومعناه: الكريم الجميل الفعال الكثير الأفضال، أو الذي لا يشارك في أوصاف جماله ولا يضاهى في علوّ شأنه. «المحجّة» : جادة الطريق، مفعلة من الحجّ وهو القصد، والميم زائدة، وجمعه المحاجّ. وسمّي بذلك صلى الله عليه وسلم لأن الناس تقصده. «المحرّض» : بكسر الراء المشددة فضاد معجمة: المحض على القتال والجهاد أو العبادة، أي المحثّ على ذلك، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ. «المحرِّم للظّلم» : وهو مجاوزة الحق ولهذا مزيد بيان يأتي.

"المحفوظ":

«المحفوظ» : اسم مفعول من الحفظ. وسمّي به لأنه محفوظ من الشيطان. روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقال: «إن الشيطان عرض لي فشدّ عليّ ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه» . وفيه دليل على حفظه منه [ (1) ] . فإن قيل: لم سلط عليه الشيطان أولاً، وهلاّ كان إذا سلك عليه الصلاة والسلام طريقاً هرب الشيطان منه كما وقع لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، فقد روى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجّاً إلا سلك فجا غيره» [ (2) ] . الجواب: أنه لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوماً من الشيطان ومكره ومحفوظاً من كيده وغدره آمناً من وسواسه وشره كان اجتماعه به وهربه منه سيّان في حقه صلى الله عليه وسلم. ولما لم يبلغ عمر- رضي الله تعالى عنه- هذه الرتبة العليّة والمنزلة السنيّة كان هرب الشيطان منه أولى في حقه وأيقن لزيادة حفظه وأمكن لدفع شره، على أن يجوز أن يحمل الشيطان الذي كان يهرب من عمر غير قرينه أما قرينه فكان لا يهرب منه بل لا يفارقه لأنه وكّل به كغيره. «المحكّم» : «عا» بفتح الكاف المشددة: الحاكم وهو القاضي. قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ أي يرضوا بحكمك لهم وعليهم. «المحرم» : مبيّن الحرام وهو ما نهى الله عنه ولم يرخص فيه. «المحلّل» : شارع الحلال وهو ما أذن في تناوله شرعاً. «المحمود» : «يا» «د» «ع» هو المستحق لأن يحمد لكثرة خصاله الحميدة. قال حسان بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- يرثيه: فأصبح محمودا إلى الله راجعا ... يبكيه حق المرسلات ويحمد [ (3) ] وهو من أسمائه تعالى قال حسان أيضاً: وشقّ له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد [ (4) ]

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 143 كتاب العمل في الصلاة (1210) . [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 256 كتاب بدء الخلق (3294) ، ومسلم 4/ 1864 كتاب الفضائل (22- 2396) . [ (3) ] البيت في الديوان: فأصبح محمودا إلى الله راجعا ... يبكيه جفن المرسلات ويحمد الديوان ص 63. [ (4) ] يعد البيت في الديوان: نبيٌّ أتانا بعد يأس وفترة ... من الرسل والأوثان في الأرض بعد الديوان ص 54.

"المحيد":

«المحيد» : من حاد عن الشيء إذا عدل عنه، وسمّي بذلك لأنه حاد عن الباطل واتبع الحق. أو من أحاد لأنه عدل بأمته إلى جادّة الطريق المستقيم وسلك سبيل الدين القويم. «المخبت» : «خا» تقدم في الأوّاه. وفي الصحاح: الإخبات الخشوع والتواضع. «المخبر» : «د» المبلّغ عن الله ما أوحى إليه. «المختار» : اسم مفعول من الاختيار وهو الاصطفاء كما في الصّحاح. روى الدارمي عن كعب الأحبار قال في السّفر الأول: محمد رسول الله عبدي المختار لا فظ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة. «المختص» : اسم مفعول من الاختصاص بالشيء وهو الإيثار به، وسمي بذلك لأن الله تعالى اختصه لنفسه واستأثر به على خلقه، ويجوز أن يراد به اسم الفاعل، وسمي به لأنه اختص بملازمته عبادة ربه واستأثر بزيادة حبه وقربه. «المختصّ بالقرآن» : «عا» المستأثر به على غيره، يقال اختصه الله بكذا واختص نفسه بكذا فهو مختص فيهما. والقرآن في الأصل مصدر نحو كفران ورجحان سمي بذلك من بين كتب الله لكونه جامعاً لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار إليه بقوله: وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وقوله: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وقد خصّ بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وصار له كالعلم، كما أن التوراة لما أنزل على موسى والإنجيل لما أنزل على عيسى عليهما الصلاة والسلام. والقرآن: ضم بعض الحروف والكلمات إلى بعض في الترتيل. وليس يقال ذلك لكل جمع، لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم. «المختص بآيٍ لا تنقطع» : الآي: جمع آية وهي العلامة والمراد بها المعجزة لأن منها القرآن، والمعنى أن آياته لا تبيد ولا تنقطع بل هي باقية إلى يوم القيامة تتجدّد ولا تضمحل لأن منها القرآن وهو باق إلى آخر الدهر بخلاف معجزات سائر الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم فإنها انقرضت بانقراضهم، ولهذا مزيد بسط في المعجزات. «المختّم» : اسم مفعول من تختّم إذا اتخذ خاتماً، وسيأتي لهذا مزيد بيان في أبواب زينته. أو الذي ختم عليه بخاتم النبوة كما سيأتي بيانه في صفات جسده الشريف. «المخصوص بالعزّ» . «المخصوص بالمجد» . «المخضم» «عا» بضاد معجمة بوزن منبر: السيد الشريف العظيم المنيف. «المخلص» : «عا» الصادق في عبادته الذي ترك الرياء في طاعة الله تعالى، اسم فاعل

"المدثر":

من الإخلاص وهو الصدق وترك الرياء. قال الله تعالى: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي قال الأستاذ أبو القاسم القشيري- رحمه الله تعالى-: الإخلاص إفراد الحق في الطاعة بالقصد، أو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين. والفرق بينه وبين الصدق أو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين. والفرق بينه وبين الصدق أنه التنقّي عن مطالعة النفس. والإخلاص: التوقّي عن ملاحظة الخلق. والمخلص لا رياء له والصادق لا إعجاب له. «المدثّر» : قال تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ روى الشيخان عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث عن فترة الوحي: «بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسّي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت دثروني دثروني» [ (1) ] . وفي لفظ: زمّلوني زمّلوني فانزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وهو اسم مشتق من الحالة التي كان عليها حين النزول. والمدثر: المتلفّف في الدثار وهو الثياب وأصله المتدثر لأنه من تدثّر فقلبت التاء دالاً وأدغمت. قال أبو القاسم بن الورد: وإنما نزل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ عقب قوله «زملوني» لأجل أن هذا التزمل أريد به الدثار من البرد الذي يعتري الروع لأنه كالمحموم مخاطبة بالمعنى المطلوب من تزمل أي يا أيها المزمل المدثر دع هذا الدّثار وخذ في الإنذار تأنيباً له من ذلك الروع وتنشيطاً على فعل ما أمر به. كما تقول لمن أرسلته في حاجة فتخوّف وجلس في بيته: يا أيها المتخوّف امض فيما وجّهتك. ولو قلت: يا أيها الجالس في بيته لاستقام لكن بدأه بالمعنى الذي من أجله جلس في بيته آنس له وآمن من تخوّفه وأبلغ في التنشيط له. «المدنيّ» : نسبة إلى المدينة الشريفة وسيأتي الكلام عليها في أبواب فضلها. «مدينة العلم» : روى الترمذي وغيره مرفوعاً: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» [ (2) ] والصواب الحديث حسن. كما قال الحافظان العلائي وابن حجر، وقد بسط الشيخ الكلام عليه في كتاب «تهذيب الموضوعات» . وفي «النكت» . «المذكِّر» : المبلغ الواعظ، اسم فاعل من التذكرة وهي الموعظة والتبليغ. قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ أي ذكّر عبادي وعظهم بحجّتي وبلّغهم رسالاتي.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 284 كتاب التفسير (4925) ، ومسلم 1/ 193 كتاب الإيمان (255- 161) . [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 126، والفتن في التذكرة (95) ، والذهبي في الميزان (429) ، والعقيلي في الضعفاء 3/ 150، والطبراني في الكبير 11/ 66، وابن كثير في البداية والنهاية 7/ 359، وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 117، وعزاه للطبراني وقال: فيه عبد السلام بن صالح الهروي وهو ضعيف.

"المذكور":

«المذكور» : «خا» : في الكتب السالفة. «المرء» : بتثليث الميم: الرجل الكامل المروءة، وهي بالهمز وتركه: الإنسانية. قال الجوهري. وسأل رجل الأحنف عن المروءة فقال: عليك بالخلق الفسيح والكفّ عن القبيح. وقيل: أن تصون نفسك عن الأدناس ولا تشينها عند الناس. وقال الإمام جعفر الصادق: وهي أن لا تطمع فتذلّ ولا تسأل فتثقل ولا تبخل فتشتم، ولا تجهل فتخصم. وقيل: أن لا تعمل في السرّ ما تستحي منه في العلانية. وقيل: هي اسم جامع لكلّ المحاسن. وعن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-: المروءة مروءتان: مروءة ظاهرة وهي الرئاسة ومروءة باطنة وهي العفاف. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة مرفوعاً: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود» ورواه الإمام الشافعي وابن حبان في صحيحه بلفظ: أقيلوا ذوي الهيئات زلاّتهم. وقال الشافعي: وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم: الذين لا يعرفون بالشر فيزلّ أحدهم الزلّة. وقال الماوردي: في عثراتهم وجهان: أحدهما: الصغائر. والثاني أول معصية زلّ فيها مطيع. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه منها بمكان قال له زهير بن صرد: آمنن على رسول الله في كرمٍ ... فإنّك المرء نرجوه وندّخر «المرتجى» : «ط» [ (1) ] بفتح الجيم: اسم مفعول من الرجاء بمعنى الأمل لأنه الذي يرجوه الناس لكشف كروبهم وجلاء مصائبهم وأعظمها يوم القيامة في فصل القضاء. «عا» : أو بكسرها: اسم فاعل، أي المؤمّل من الله تعالى قبول شفاعته في أمته. روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لكل نبي دعوةٌ مستجابة فتعجّل كلّ نبي دعوته وأني أختار دعوتي شفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً» . «المرتضى» : الذي رضيه مولاه أي أحبه واصطفاه. «المرتّل» : بكسر المثناة الفوقية اسم فاعل من رتّل مضاعفاً وهو الذي يقرأ القرآن على ترسّل وتؤدة مع تبيين الحروف والحركات قال تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. روى الترمذي عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. ولهذا مزيد بيان في أبواب قراءته صلى الله عليه وسلم. «المرحوم» : اسم مفعول من رحم. وتقدم بيان معنى الرحمة.

_ [ (1) ] في أ (خا) .

"مرحمة":

«مرحمة» : روى أبو نعيم في «الحلية» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- مرفوعاً: «بعثت مرحمة وملحمة ولم أبعث تاجراً ولا زارعاً» [ (1) ] أي بعثت رحمةً للمؤمنين وشدة على الكافرين. كما قال الله تعالى في حقه وحق أصحابه: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ. «المرسَل» : «ع» «د» . قال الله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا. قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ وهو مفعل من الرسالة والفرق بينه وبين الرسول أن الأوّل لا يقتضي التتابع في الإرسال، بل قد يكون مرة واحدة والرسول يقتضيه. «المرشد» : الهادي: اسم فاعل من أرشد أي دلّ على طريق الهدى. «مرغمة» «د» وقع في الصحاح: «بعثت مرغمةً» أي مذلاً للكفر حتى يلتصق بالرّغام وهو بالفتح التراب، ثم استعمل في الذل والعجز. «المرغّب» : «عا» اسم فاعل من رغّب مضاعفاً، لأنه يحث الخلق على طاعة الحق ويرغبهم فيما عنده من الخير، وقرأ زيد بن علي: وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ أي رغّب الناس إلى طلب مغفرته ومحبة مثوبته. «المزكّي» : «ط» قال تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ أي يطهرهم من الشرك ووضر الآثام. «المزَّمِّل» : أصله المتزمّل قلبت التاء زاياً وأدغمت لأنه من تزمّل. قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ ولهذا مزيد بيان في أبواب بعثته. «المزمزم» : «عا» بضم الميم الأولى وفتح الزاي الثانية أي المغسول قلبه بماء زمزم كما سيأتي الكلام على ذلك في أبواب صفة جسده الشريف في باب شق صدره صلى الله عليه وسلم. «مزيل الغمّة» : اسم فاعل من الإزالة وهي الكشف والإماطة. والغمة من الغم: الكرب والشدة. وأصله الستر ومنه الغمام لأنه يستر ضوء الشمس، وسمي بذلك لأنه جلى ظلمة الشك بنور اليقين، وأماط غمة الشّرك عن الدين المتين، ورفع حجب الغفلة عن قلوب المتقين. «المسبّح» : «ط» «عا» بسين مهملة فباء موحدة مهملة: المهلل الممجّد، اسم فاعل من التسبيح وهو تنزيه الحق عن أوصاف الخلق، وأصله المرّ بسرعة في الماء. قال «عا» : وفرّق بينه وبين التقديس والتنزيه بأن التقديس تبعيد الرب عما لا تليق به الربوبية، والتنزيه تبعيده عن أوصاف البشرية، والتسبيح تبعيده عن أوصاف جميع البريّة. «المستجيب» : «عا» المطيع اسم فاعل من استجاب بمعنى أجاب، وليست سينه

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 4/ 72، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (10500) .

"المستعيذ":

للطلب بل هو استفعل بمعنى أفعل قال كعب الغنويّ: وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب ومنه: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ أي فتجيبون ويجوز أن يكون المستجيب بمعنى مستجاب، فعيل بمعنى مفعول، وسمّي بذلك لأنه تجب علينا طاعته ويلزمنا إجابته إذا دعانا ولو في صلاتنا، ولا تبطل بإجابته كما سيأتي بيان ذلك في الخصائص. «المستعيذ» : «ط» اسم فاعل من العوذ وهو الالتجاء إلى الله تعالى والاستجارة به والانحياز إليه والاستعانة به، قال تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ واستعاذته صلى الله عليه وسلم عند القراءة وفي كل وقت من الشيطان وهمزه ونفثه ومن شر ما خلق وعند نزوله المنازل في السفر معلوم جاءت به الأحاديث الصحيحة وذكر بعضهم أن الاستعاذة كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم وحده ثم تأسيناً به. «المستغفر من غير مأثم» : قال تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ روى ابن السني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنا نعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة يقولها قبل أن يقول شيئاً «ربّ اغفر لي وتب عليّ إِنك أَنت التوابُ الرحيم» ولهذا مزيد بيان في باب استغفاره. «المستغني» : «خا» تقدم في الغنيّ. «المستقيم» : اسم فاعل من الاستقامة وستأتي وأصله مستقوم نقلت حركة الواو إلى ما قبلها ثم قلبت ياء، وهو الذي لا عوج فيه ينقصه، أو السالك الطريق المستقيم وهي طريق الحق فلا يحول عنها، وقد مرّ عن الحسن وأبي العالية أن الصراط المستقيم في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي استقم استقامةً مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادّة الحق غير عادل عنها، أي دوام على ذلك. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى: الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها. وببلوغها حصول الخيرات ونظامها، وأول مدارجها: التقويم وهو تأديب النفس، ثم الاستقامة وهي تقرّب الأسرار. وقيل: الاستقامة الخروج من المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الحق على قدم الصّدق. «المسدّد» : أخذه «ط» من قوله تعالى لشعيا صلى الله عليه وسلّم فيما رواه ابن أبي حاتم عن وهب: أسدّده لكل جميل. «المسرى به» : بضم الميم وسكون السين المهملة اسم مفعول من الإسراء كما سيأتي بيان ذلك في بابه.

"المسعود":

«المسعود» : «د» «عا» اسم مفعول من أسعده الله تعالى أي أغناه وأذهب شقاوته فهو مسعود ولا تقل مسعد. «د» : ويجوز أن يكون بمعنى فاعل، كالمحبوب. بمعنى محبّب من سعد كعلم وعني سعادة فهو سعيد ومسعود أي حصل له اليمن والبركة. «المسلّم» : «عا» بتشديد اللام المكسورة المفوّض من غير اعتراض، المتوكّل على الله تعالى في جميع الأعراض. «المسيح» : المبارك باليونانية، أو الذي يمسح العاهات فيبرئها فعيل بمعنى فاعل، أو الذي لا أخمص له. وسيأتي في باب صفة قدمه الشريف أنه صلى الله عليه وسلم كان مسيح القدمين ومعناه أنه كان أمسح الرجل ليس لرجله أخمص فالأخمص: ما لا يمسّ الأرض من باطن الرجل ولذلك سمي السيد عيسى صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه أقوالٌ يناسب النبي صلى الله عليه وسلم منها عشرة: الأول: أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، وقد كان صلى الله عليه وسلم كذلك. كما سيأتي في المعجزات. الثاني: سمي بذلك لحسن وجهه، والمسيح في اللغة الجميل، وقد كان صلى الله عليه وسلم من الحسن بمكان لا يدانيه فيه أحد، كما سيأتي بيان ذلك في حسنه. الثالث: الكثير الجماع يقال مسحها إذا جامعها. قال ابن فارس. الرابع: الصّديق قاله الأصمعي. الخامس: المسيح قطعة الفضة وسمي به لأنه كان أبيض مشربا بحمرة وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في باب صفة لونه. السادس: المسيح: السيف قاله المطرّز. ومعنى السيف في حقه صلى الله عليه وسلم واضح لأنه سيف الله كما تقدم. السابع: الذي يمسح الأرض أي يقطعها لأنه كان تارةً بالشام وتارةً بمصر وتارة بغيرهما. والنبي صلى الله عليه وسلم قطع السماوات السبع. الثامن: لأن الله تعالى كان يمسح عنه الذنوب: التاسع: أن جبريل مسحه بالبركة ذكرهما أبو نعيم. العاشر: أنه ولد كأنه ممسوح بالدّهن. وقد ولد صلى الله عليه وسلم مسروراً مختوناً. وقالت حاضنته أم أيمن: كان يصبح دهيناً رجلاً وغيره من الأولاد شعثاً. قال أبو عبيد: وأظن المسيح أصله مشيح بالشين المعجمة فعرّب. «المشاور» : «عا» اسم فاعل من المشاورة وهي استخراج الآراء ليعلم ما عند أهلها. قال تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: «ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم» ولهذا مزيد بيان في باب مشاورته أصحابه. «المشذّب» : «عا» بمعجمتين آخره باء موحّدة: الطويل المعتدل القامة.

"المشرد":

«المشرّد» : «عا» اسم فاعل من التشريد بالعدوّ وهو التنكيل والتسميع بعيوبه ويجوز إعجام ذاله وبه قرأ ابن مسعود في قوله تعالى: فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أي فرّقهم عن محاربتك بقتلهم شرّ قتلة واجعلهم نكالا لمن يتعرض لك بعد ذلك بسوء حتى لا يجسر أحد عليك اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم. «المشفّع» : بفتح الفاء: الذي يشفع فتقبل شفاعته، وهو السؤال في طلب التجاوز عن المذنبين. ويأتي الكلام على شفاعته صلّى الله عليه وسلم في بابها. «المشفوع» : ذكره «د» قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولم يظهر لي معناه لأنه لا يصح أن يكون من الشفاعة لأن اسم المفعول منها مشفّع من شفع. «مشقّح» : «يا» قال الشّمنيّ: هو بضم الميم وفتح الشين المعجمة والقاف المشددة وفي آخره حاء مهملة. وقال ابن دحية هو بالفاء وزن محمّد ومعناه، فإن الشّقح في اللغة: الحمد. وقال ابن ظفر: وقع هذا الاسم في كتاب شعيا ونصه: عبدي الذي سرّت به نفسي أنزل عليه وحيي فيظهر في الأمم عدلي ويوصيهم بالوصايا ولا يضحك ولا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العور والآذان الصّمّ والقلوب الغلف وما أعطيه لا أعطي أحداً، مشقّح بحمد الله تعالى حمداً جديداً، يأتي من أقصى الأرض يفرح البرّية وسكانها يهللون الله ويكبّرونه على كل رابية، لا يضعف ولا يغلب ولا يميل إلى الهوى ولا يذل الصالحين الذين هم كالعصبة الضعيفة بل يقوّي الصّديقين، وهو ركن المتواضعين، وهو نور الله الذي لا يطفأ أثر سلطانه على كتفه. قلت: قد راجعت عدة نسخ من «خير البشر» لابن ظفر فلم أره قد ضبط مشقّح بالفاء «إنما فيها نقطتان فوق الحرف» . وذلك مما يؤيد ضبط الشّمنيّ رحمه الله تعالى. «المشهود» : «د» اسم مفعول وهو الذي تشهد أوامره ونواهيه وتحضر. قال تعالى: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ حكى القرطبي أن الشاهد: الأنبياء، والمشهود: النبي صلى الله عليه وسلم قال: وبيانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ إلى قوله: وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. «المشيح» : بضم الميم وكسر الشين المعجمة وسكون المثناة التحتية آخره مهملة. أي مشيح الصدر أي باديه من غير تقعّس ولا تطامن، بل بطنه وصدره سواء. قال القاضي: ولعله بفتح الميم بمعنى عريض الصدر، كما وقع في الرواية الأخرى. «المشير» : اسم فاعل من أشار عليه إذا نصحه وبين له الصواب. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه الناصح المخلص في نصحه.

"المصافح":

«المصافح» : «عا» اسم فاعل من المصافحة وهي الأخذ باليد. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وهي عند التلاقي سنّة مجمع عليها ويستحب معها البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة ولهذا مزيد بيان في باب مصافحته صلى الله عليه وسلم. «المصارع» : «خا» «عا» الذي يصرع الناس لقوّته من الصّرع وهو الطّرح. روى البيهقي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صارع أبا الأشدّ الجمحيّ واسمه كلدة فصرعه. وبلغ من شدة أبي الأشدّ أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة من تحت قدميه فيتمزّق الجلد من تحته ولا يتزحزح. ولهذا مزيد بيان في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم وقوّته. «المصباح» : السّراج، وأحد أعلام الكواكب، وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه أضاءت به الآفاق. «مصحّح الحسنات» : لأن شرط صحتها الإيمان به صلى الله عليه وسلم. «المصدّق» : «عا» بكسر الدال. اسم فاعل من صدّق مضاعفاً إذا أذعن وانقاد لما أمر به، وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه صدّق جبريل فيما أخبر به عن الله تعالى من الوحي. قال تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ قيل هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه جاء بالصدق وآمن به، ولما كان المراد هو وأمته ساغ الإتيان بضمير الجمع وإشارته في الآية فقال تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وقيل: الذي صفة لمحذوف بمعنى الجمع تقديره والفريق أو الفوج الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ أو لأنه صدّق ما بين يديه من الكتاب كما قال تعالى: ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ. «المصدّق» : بفتح الدال مبنيا للمفعول لأن أمته صدّقته فيما أخبرهم به فهو بمعنى ما قرئ به في الآية وصدق بضم الصاد. «المصدوق» : تقدم في الصادق. «المصطفى» : هو من أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم وأصله «مصتفوٌ» لأنه مأخوذ من الصفوة وهو الخلوص، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً وأبدلت تاء الافتعال منه طاء لوقوعها بعد الصاد التي هي أحد حروف الإطباق، وتقدم في باب «فضل العرب» وفي باب طهارة أصله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة فيها أن الله اصطفاه على خلقه. «المصلح» : اسم فاعل من أصلح إذا أزال الإفساد وأوضح سبيل الرشاد، وتقدّم وروده في حرف التاء. وهو صلى الله عليه وسلم مصلح للدّين بإزالة الشّرك والطغيان، مصلح للخلق بالهداية. «المصلّى» : بفتحها مبني للمفعول أي المصلّى عليه .

"المصون":

«المصون» : الصيّن. وتقدم. «المضخم» : بمعجمتين بوزن منبر: السيد الشريف العظيم المنيف. «المضري» : «عا» بضاد معجمة نسبة إلى مضر أحد أجداده، وتقدم الكلام عليه في أبواب نسبه صلى الله عليه وسلم. فائدة: العرب لا تقول إلا ربيعة ومضر ولا تنطق بالعكس أصلاً مع أن مضر أشرف من ربيعة طلباً للخفّة إذ لو قدّمت مضر لتوالت حركاتٌ كثيرة فأخّر ليوقف عليه بالسكون. «المضيء» : «عا» بالمعجمة مهموز: اسم فاعل من أضاء إذا أنار، وسمّي صلى الله عليه وسلم بذلك كما سمي بالضياء، وقد مرّ الفرق بينه وبين النور مع مزيد كلام. قال كعب يمدحه صلى الله عليه وسلم: نورٌ يضيء له فضلٌ على الشّهب «المطاع» : المتّبع الذي يذعن وينقاد له، اسم مفعول من الطاعة. قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأحد القولين في قوله تعالى: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ أنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. «المطهر» : ونقله «د» عن كعب «ط» : ويحتمل ضبطه بكسر الهاء اسم فاعل لأنه صلى الله عليه وسلم طهر من دنس الشّرك. وبفتحها اسم مفعول لأنه صلى الله عليه وسلم طهر ذاتاً ومعنى ظاهراً وباطناً. «المطيع» : ورد في حديث ابن ماجة السابق في الأوّاه أي المنقاد لربه، اسم فاعل من الطّوع وهو الانقياد ومثله الطاعة. يقال طاع يطوع وأطاع يطيع فهو طائع ومطيع وأطعته فهو مطاع. «المظفّر» : «خا» المنصور على من عاداه. «المعروف» : «عا» بالبر والخير والإحسان أي معروف لله تعالى أي برّه وإحسانه لعباده أو صاحب المعروف. «المعزّر» : الموقّر. ذكرهما «د» قال تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وقال تبارك وتعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ فأوجب الله تعالى تعزيره وتوقيره وإكرامه، ومعنى يعزّروه يجلّوه، وقيل: يبالغوا في تعظيمه، وقيل يعينوه، وقرئ بزاءين من العزّ، ومعنى يوقّروه: يعظموه. ومن ذلك ما أوجبه الله تعالى من خفض الصوت عنده بقوله: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآية. ولهذا مزيد بيان في باب وجوب تعظيمه وتوقيره صلى الله عليه وسلم. «المعصوم» : قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ولهذا مزيد بيان في باب عصمته صلى الله عليه وسلم.

"المعطي":

«المعطي» : «د» الواهب المتفضل، اسم فاعل من العطاء وهو الإنالة وهو من أسمائه تعالى. «المعظّم» : بالبناء للمفعول أي العظيم ومعناه الجليل الشأن الكبير السلطان، أو الذي كل شيء دونه أو البالغ أقصى مراتب العظمة فلا تتصوره الأفهام ولا تحيط بكنهه الأوهام. «المعقّب» : «د» قال «ط» : وكأنه بفتح العين وكسر القاف المشددة بمعنى العاقب لأنه عقّب الأنبياء أي جاء بعدهم «عا» هو الذي يخلف غيره فهو بمعنى العاقب يقال: «نجم معقّب» إذا طلع بعد آخر، أو من أعقب إذا أخلف عقباً لأن له صلى الله عليه وسلم عقباً باقياً إلى يوم القيامة وهم أولاد السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنهم. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: إن أولاد بناته ينسبون إليه كما سيأتي بسط ذلك هنالك. «المعلّم» : بكسر اللام المشددة: أي المرشد للخير والدالّ عليه، روى الدارميّ في حديث «إنما بعثت معلّماً» وقال حسان رضي الله تعالى عنه: معلم صدقٍ إن يطيعوه يهتدوا [ (1) ] «المعلّم» : كمعظّم اسم مفعول من التعليم وهو تنبيه النّفس لتصوّر المعاني وتوقيفها لتدبّر المباني، والتعلّم تنبّهها لذلك يقال: علّمته تعليماً وأعلمته إعلاماً بمعنى واحد في الأصل، ثم اختص الإعلام كما قال الراغب بما كان بإخبار سريع، والتعليم بما كان بتكرير وتكثير حتى يحصل منه في النفس أثر، قال تعالى: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ أي أرشدك وهداك ودلّك على ما لم يكن لك به علم ولا سبق لك فيه معرفة من حوادث الأمور وضمائر القلوب وأسرار الغيوب وأمر الدّين والأحكام وشرائع الإسلام. «معلّم أمته» صلى الله عليه وسلم. «المعلن» : «د» المظهر بدعوته من العلانية ضد السر بالمهملة في حديث علي رضي الله تعالى عنه في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: المعلن الحقّ بالحق. «المعلّى» : الذي رفع على غيره، اسم مفعول من التعلية وهي الرفعة. «المعمّم» : «عا» بالبناء للمفعول أي صاحب العمامة وهو من أسمائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة.

_ [ (1) ] وأوله: إمامٌ لهم يهديهم الحق جاهدا انظر ديوان حسان بن ثابت ص 62.

"المعين":

«المعين» : «عا» الناصر، أو الكثير العونة وهي المعاضدة والمساعدة. قالت خديجة رضي الله تعالى عنها: «إنك تعين على نوائب الحق» أي تعين على خصال الخير وتساعد عليها. «المغرم» : بضم الميم وسكون الغين المعجمة- أي المحب لله تعالى من الغرام وهو الولوع بالشيء والاهتمام به. «المغنم» : بغين معجمة ونون كجعفر، مثل الغنيمة وهي الخيار من كل شيء. «المغنِي» : المحسن المتفضل، اسم فاعل من الإغناء وهو الإحسان والتفضل بما يدفع الحاجة قال تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ وفي هذه الآية ما فيها من تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه والتنبيه على علوّ مقامه وعظم شأنه حيث ذكره معه في إيصال الصنع إلى عباده وجعله مغنياً لهم بما فتح على يديه وأفاءه من المغانم. «المفتاح» : الذي يفتح به المغلاق. «مفتاح الجنة» : لأنه أول من يفتح له صلى الله عليه وسلم. «المفخّم» : «عا» بالخاء المعجمة كمعظّم: الموقّر المعظّم في الصدور المهاب في العيون، وليس المراد فخامة الجسم وهو عظم الجثّة. «المفضال» : «د» صيغة مبالغة من الإفضال وهو الجود والكرم. «المفضّل» : «د» قال «ط» : يحتمل أن يكون بوزن المكرّم من أفضل يفضل فيكون بمعنى الذي قبله بوزن المقدّس، أي المفضّل على جميع العالمين «عا» : أي المشرّف على غيره، اسم مفعول من التفضيل وهو التشريف والتكريم. وسمّي صلى الله عليه وسلم بذلك لأن الله تعالى فضّله على سائر البريّة وخصّه بالرّتب السنيّة. «المفلّج» : بالجيم كمعظّم أي مفلج الثنايا وهو المتباعد ما بين الأسنان. وإن بنيت هذا الوصف من أفعل فلا بد من ذكر الأسنان فتقول كما في القاموس أفلج الثنايا. «المفلح» : «عا» اسم فاعل من الفلاح وهو الفوز والبقاء. «المقتصد» : بكسر الصاد المهملة اسم فاعل من الاقتصاد افتعال من القصد وهو استقامة الطريق أو هو العدل. «المستقيم» : «المقتفي» : بقاف ففاء بمعنى قفى النبيين ذكره شيخنا أبو الفضل بن الخطيب. «المقدّس» : «يا» «ع» «د» بفتح الدال- سماه الله تعالى بذلك في كتب أنبيائه. ومعناه

"المقدس":

المطهّر من الذنوب المبرّأ من العيوب أو المطهّر من الأخلاق السيئة والأوصاف الذميمة. وأصل التقديس التطهير أو البعد. يقال قدّس في الأرض إذا ذهب فيها. ومن أسمائه تعالى: القدّوس وهو المطهّر مما لا يليق به من النقائص وسمات الحدوث. «المقدّس» : بكسر الدال أي المطهّر من اتبعه من أرجاس الشرك. «المقدّم» : بفتح الدال ضد المؤخّر، اسم مفعول من قدّم المتعدي. وسمي به صلى الله عليه وسلّم بذلك لأن الله تعالى قدّمه على غيره من الأنبياء خلقةً ورتبة وشرفاً. وما أحسن قول الأبو صيريّ في سياق قصة الإسراء: وقدّمتك جميع الأنبياء بها ... والرّسل تقديم مخدومٍ على خدم «المقدّم» : بكسر الدال اسم فاعل من المتعدي لأن أمته قدّمت بسببه أي فضّلت على غيرها من الأمم وشرّفت من القدم. «المقرئ» : «عا» بالهمز الذي يقرئ غيره القرآن. روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: «أن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن» [ (1) ] أي أعلّمك كما يقرأ الشيخ على الطالب ليفيده لا ليستفيد منه وفيه منقبة لأبيّ رضي الله تعالى عنه. «المقسط» : اسم فاعل من أقسط إذا عدل وهو من أسمائه تعالى. ومعناه العادل في حكمه المنصف المظلوم من الظالم. «المقسّم» : «لمقصوص» : عليه: قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ. «المقَفَّي» : بضم الميم وفتح القاف وكسر الفاء المشددة. سبق في حديث حذيفة في الباب الثاني. ومعناه الذي ليس بعده نبيّ كالعاقب، وقيل المتّبع آثار من قبله من الأنبياء. «المقوّم» : «عا» بالفتح- المستقيم اسم مفعول من التقويم وهو الاستقامة أو بمعنى المقيم. «مقيل العثرات» : «مقيم السنّة» : هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في التوراة والزّبور. ففي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله،

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1915، كتاب فضائل الصحابة (121- 799) .

"المكتفي بالله":

وفي رواية: «ولا يذهب حتى يقيم السّنّة العوجاء» وفي الزبور قال داود صلى الله عليه وسلم: «اللهم ابعث لنا محمدا صلى الله عليه وسلم يقيم لنا السّنّة بعد الفترة» . والسّنة: الطريقة، والملّة: الدين، ومعناهما واحد. ومعنى إقامتها إظهار الإسلام. وسبق الكلام على ذلك في الباب الثالث من أبواب فضائله السابقة على مولده صلى الله عليه وسلم. «المكتفي بالله» : «عا» أي الذي سلم أموره إليه وتوكّل في كل الأحوال عليه. «المكرّم» : «عا» أي الذي سلم أموره إليه وتوكّل في كل الأحوال عليه. «المكرَّم» : «عا» بتشديد الراء مخففاً. قال «د» : لأنه صلى الله عليه وسلم كان أكرم الناس لجليسه. «المكفي» : «المكلّم» : بفتح اللام مشددة- اسم مفعول. بمعنى المخاطب. فإن في حديث المعراج أنه صلى الله عليه وسلّم سمع خطاب الحق تبارك وتعالى كما سيأتي بيان ذلك. فإن قيل: فإذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم مكلم وقام به هذا الوصف فلم لا يشتق له من الكلام اسم الكليم كما اشتق لموسى صلّى الله عليه وسلم؟ أجيب بأن اعتبار المعنى قد يكون لتصحيح الاشتقاق كاسم الفاعل، فيطرّد بمعنى أن كل من قام به ذلك الوصف اشتق له منه اسمٌ وجوباً، وقد يكون للترجيح فقط كالكليم والقارورة فلا يطرّد، وحينئذ فلا يلزم في كل من قام به ذلك الوصف أن يشتق له منه كما حققه القاضي عضد الدين رحمه الله تعالى. «المكّي» : نسبة إلى مكة أشرف بلاد الله تعالى. وتقدم الكلام على ذلك في باب أسمائها. «المكين» : أخذه جماعة من قوله تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ وهو فعيل من المكانة أي ذو مكانة عظيمة عند خالقه. «الملاحمي» : نسبة إلى الملاحم وستأتي. «الملاذ» : «عا» بالذال المعجمة: المجير. قال أبو طالب يمدحه صلى الله عليه وسلم: يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ ... فهم عنده في نعمةٍ وفواضل «الملبّي» : بضم الميم وفتح اللام آخره موحّدة وهو المطيع أو المخلص أو المجيب أو المحب، اسم فاعل من لبّى يلبّي تلبيةً أي أقام على طاعة ربّه إلباباً بعد إلباب، أو أخلص فيها من قولهم: حسبٌ لبابٌ كغراب أي خالص، أو إجابة بعد إجابة. أو أحبّ، من قولهم: امرأة ملبة أي محبة لزوجها. أو جعل تجاهه وقصده إليه، من قولهم: داري تلبّ داره أي تواجهها .

"الملجأ":

«الملجأ» : بالجيم مهموز: الملاذ. «الملحمة» : بفتح الميم المعركة واحدة الملاحم، مأخوذة من لحمة الثوب لاشتباك الناس في الحرب واختلاطهم كاشتباك اللحمة بالسّدي. وقيل: من اللحم لكثرة لحوم القتلى في المعركة. وسمي به صلى الله عليه وسلّم بذلك لأنه بعث بالسيف والجهاد. «ملقّي القرآن» : أي الملقّي لما تلقّاه على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام من القرآن وغيره من الوحي على أمته، أي المبلّغ ذلك إليهم، أو بمعنى المتلقي أي المتصدّي لسماعه حين ينزل. قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ أي يلقى إليك وحياً. «المليك» : «د» فعيل من الملك بضم الميم أو بكسرها كما سيأتي من أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه في حقه تعالى: القادر على الإيجاد والاختراع، أو هو ضابط الأمور المتصرّف في الجمهور. «الملك» : بكسر اللام وهو الذي يسوس الناس ويدبّر أمرهم. أو هو ذو العز والسلطان وهو من أسمائه تعالى، ومعناه في حقه تعالى: المستغني في ذاته وصفاته عن الكون وموجوداته وليس يستغنى عن جوده أحدٌ من مخلوقاته، وقيل: هو القادر على الاختراع والإبداع من العدم إلى الوجود. «المليء» «عا» باللام مهموزاً: الغني بالله عما سواه أو الحسن حكمه وقضاؤه. «الممنوح» : «عا» : الذي منح من ربه كلّ خير دنيوي وأخروي، أو الذي منح أمته ذلك وساقه إليها من المنحة أي العطية لأنه، أي الله، منحه ذلك، أو أنه صلى الله عليه وسلم منح أمته ذلك. «الممنوع» : «عا» الذي له منعة وقوة تمنعه من الشيطان وتحميه من الأعداء. أو الذي منعه الله تعالى من العدا وحماه من السوء والرّدى. «المنادي» : بكسر الدال المهملة: الداعي إلى الله تعالى أو إلى توحيده. قال الله تعالى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ قال ابن جريج رحمه الله: هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن أبي حاتم. «المنادى» : «عا» بفتح الدال المهملة أي المدعوّ إلى الله تعالى ليلة الإسراء على لسان جبريل صلى الله عليهما وسلم «المنتجب بالجيم» «المنتخب» : بالخاء المعجمة، كلاهما بمعنى المختار

"المنتصر"

«المنتصر» «المنجد» : المعين الناصر، أو المرتفع القدر، اسم فاعل من أنجد إذا ارتفع وأعان «المنحمنّا» : قال ابن إسحاق: هو اسمه في الإنجيل ومعناه بالسريانية: محمد. وضبطه الإمام الشّمنيّ بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم بعدها نون مشددة مفتوحة وألف. وقال ابن دحية: إنه بفتح الميمين «المنذر» : قال تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وهو من الحصر الخاص، أي لست بقادر على هداية الكفار، وليس من الحصر العام، لأنه عليه الصلاة والسلام له أوصاف أخرى كالبشارة، وهو وصفٌ من الإنذار وهو الإبلاغ، ولا يكون إلا مع تخويف «المنزّل عليه» «المنصف» : بضم الميم وسكون النون وكسر الصاد المهملة: العادل. وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس إنصافاً «المنصور» : المؤيّد. اسم مفعول من النصر وهو التأييد «المنقذ» : بنون فقاف فذال معجمة: اسم فاعل من الإنقاذ وهو التخليص من ورطة الشدائد، وسمي بذلك لأنه ينقذنا بالشفاعة يوم القيامة، قال حسان رضي الله تعالى عنه يرثيه: يدل على الرحمن من يقتدي به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد [ (1) ] وأما قوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ فالمراد: إنك لا تقدر على إنقاذ من يستحق العذاب وإن اجتهدت في دعائه إلى الإيمان. «منّة الله» : قال الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وإنما خصّهم بالذكر لأنهم المنتفعون بمبعثه، ووجه المنة به عليهم. أنه لمّا بعث سهل أخذ ما يجب عليهم أخذه عنه «المنيب» : تقدم في الأوّاه، وهو اسم فاعل من الإنابة وهي الإقبال على الطاعة، والفرق بينه وبين التائب والأوّاب: أن التائب من رجع عن المخالفات خوفاً من عذاب الله. والمنيب: من رجع عنها حياء من الله. والأوّاب: من رجع تعظيماً للأوصاف المحمودة. ويقال الإنابة صفة الأولياء والمقرّبين. قال تعالى: وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ والتوبة صفة المؤمنين قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والأوبة: صفة الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ

_ [ (1) ] البيت في الديوان ص 62 وقبله: يدل على الرحمن من يقتدي به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد

"المنير":

«المنير» : اسم فاعل من أنار إذا أضاء. أي المنوّر قلوب المؤمنين بما جاء به «المهاب» : بالضم: الذي يهابه الناس أي تخافه لعظم بأسه وسلطانه، اسم مفعول من الهيبة وهي الخوف والرّهبة. قال في الإحياء: الهيبة: خوف مصدره الإجلال والتعظيم، فهي أخص من الخوف لوجوده بدون التعظيم، كالخوف من العقرب ونحوها من الأشياء الخسيسة، وعدم صدقها بدونه كالخوف من سلطانٍ معظم. وسمي بذلك لأنه كان من مهابته أنه كان أعداؤه إذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر هابوه وفزعوا منه، ولهذا مزيد بيان في الخصائص «المهاجر» : «ع» «ح» : لأنه صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة، ولهذا مزيد بيان في أبواب الهجرة «المهداة» : بضم الميم وفتح الدال: اسم مفعول من أهدى الشيء يهديه فهو مهدىً. قال صلى الله عليه وسلم: «إنما أَنا رحمة مهداة» «المهدي» : بضم الميم وكسر الدال اسم فاعل من أهدى بمعنى هدى، وهو المرشد والدالّ على طريق الخير، قال تعالى: وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. قال حسان رضي الله تعالى عنه يرثيه: جزعاً على المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطئ الحصا لا تبعد [ (1) ] «المهذّب» : بالمعجمة: المطهّر الأخلاق الخالص من الأكدار اسم مفعول من التهذيب وهو الخلوص أيضاً «المهيمن» : قال «يا» سمّاه به عمّه العباس في الأبيات التي امتدحه بها ومنها: حتّى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النّطق قال ابن قتيبة: قوله: «حتى احتوى بيتك المهيمن» أي يا أيها المهيمن «ط» : وقد ورد تسميته به في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ. روى ابن جرير عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: «ومهيمناً عليه» محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمن على القرآن.

_ [ (1) ] البيت في الديوان ص 95 وبعده: وجهي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد

"المورود حوضه":

قال ابن جرير: وتأويل الكلام على هذا وأنزلنا الكتاب مصدّقاً الكتب قبله إليك «مهيمناً عليه» فيكون «مصدّقاً» حال من الكتاب ومهيمناً حال من الكاف التي في «إليك» وهي كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم عائدة على الكاف «ط» . وعلى هذا في الآية لفّ ونشر غير مرتب، فمصدّقاً الحال الأول راجع إلى الكاف في إليك ومهيمناً الحال الثاني راجع إلى الكتاب المفعول الثاني «عا» . ونوقش ابن جرير في ذلك بأنه معطوف على مصدّقاً الذي هو حال من الكتاب لا من الكاف، وإلا لقيل مصدقا لما بين يديك، وحمل ذلك على أنه من قبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة بعيدٌ من نظم القرآن كما قاله أبو حيّان، لكن جوّز ابن عطية أن يكون مصدّقاً ومهيمناً حالين من الكاف ولا يختص هذا بقراءة مجاهد لما مر عن ابن جرير بل يأتي على قراءة الجمهور. ولفظ مهيمن عربي عند الأكثر وهو بكسر الميم الثانية اسم مفعول من هيمن يهيمن فهو مهيمن أي مراقب كما قرأ به الجمهور في الآية. فهاؤه على هذا أصلية وقيل إنها مبدلة من همزة وأصله مؤأمن بهمزتين، اسم فاعل من أمن فأبدلت الثانية ياء لكراهة اجتماع همزتين في كلمة، وقلبت الأولى هاء لاتحاد مخرجهما، وضعّف بأنه تكلّف لا حاجة إليه مع سماع أبنية تلحق بها. قال ثعلب: وقول من قال: أصله مؤيمن تصغير مؤمن اسم فاعل من آمن بمعنى صدّق قلبت همزته هاء، رأي باطل لأن أسماء الله تعالى وما في معناها من الأسماء العظيمة لا يناسبها التصغير لأنه ينافي التعظيم. أو بفتحها مبنيّاً للمفعول كما قرأ به مجاهد وابن محيصن في الآية. وهذا الاسم من أسمائه تعالى، ومعناه: الشاهد والحافظ، وقيل الرّقيب، وقيل القائم على خلقه، وقيل المؤمن، وقيل الأمين. والنبي صلى الله عليه وسلم مهيمن بالمعنى الأول والرابع والخامس «المورود حوضه» : اسم مفعول من الورود أي الذي يرد الناس حوضه يوم القيامة وسيأتي الكلام عليه في الخصائص، وفي أبواب بعثه وحشره صلى الله عليه وسلم «الموصل» : قال «عا» هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في التوراة ومعناه: مرحوم «المؤتى جوامع الكلم» : يأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى «الموحى إليه» : «خا» سيأتي الكلام عليه في أبواب بعثته صلى الله عليه وسلم

"المولى":

«المولى» : «يا» : قال الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة فمن ترك مالاً فلعصبته من كانوا، فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه» [ (1) ] . قال ابن الأثير: المولى يقع على ستة عشر معنى: الأقرب، والمالك، والسيّد، والمعتق والمنعم والناصر والمحب، والتابع، والخال، وابن العم، والحليف، والعقيل، والصّهر والعبد، والمنعم عليه والمعتق وكل من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه. قال: وأكثر هذه المعاني جاءت في الأحاديث فيضاف كل معنى إلى ما يليق به. واللائق بهذا «المحلّ» : السيّد والمنعم والناصر والمحب. وهذا الاسم من أسمائه تعالى ويزيد على هذه المعاني: المالك «موذ موذ» : قال «ع» : هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في صحف إبراهيم صلى الله عليه وسلم «الموعظة» : ما يتّعظ ويتذكر به من الوعظ وهو كما مر عن الخليل التذكير بالخير بما [ (2) ] ترق له القلوب. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأن الله تعالى وعظ بمبعثه العباد حيث جعله دليلاً على اقتراب يوم التّناد «الموقّر» : ذو الحلم والرزانة. وقد كان صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيء من أطرافه وتقدم في «المعزّر» «الموقن» : اسم فاعل من أيقن الأمر وتيقّنه واستيقنه إذا فهمه وثبت في ذهنه وارتفع عنه الشكّ. قال الراغب: وهو أعلى من المعرفة والدراية ولأنه من صفات العلم قال تعالى عِلْمَ الْيَقِينِ بخلافهما، فلا يقال معرفة اليقين ولا دراية اليقين. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه عقد قلبه بتوحيد الله تعالى والعلم به وبصفاته والإيمان بذلك وبما أوحي إليه على غاية المعرفة ووضوح المعرفة واليقين وانتفاء الشك والريب في كل شيء من ذلك والعصمة من كل ما يضاد المعرفة أو ينافيها. وهذا كما قال القاضي: ما وقع عليه إجماع المسلمين «ميذ ميذ» : قال «ع» هو اسمه صلّى الله عليه وسلم في التوراة «الميزان» «ط» : قيل في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ أنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم حكاه الإمام محمود بن حمزة الكرماني- رحمه الله تعالى- في غريبه.

_ [ (1) ] أخرجه 5/ 75 كتاب الاستقراض (2399) . [ (2) ] في أمما.

"الميسر":

فإن قيل: كيف يصح عطفه على الكتاب المنصوب بأنزل؟ فالجواب: هو كقوله تعالى: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا «الميسّر» : «ع» «ط» : المسهّل للدين اسم فاعل من اليسر ضد العسر وهو السهولة. روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- في حديث تخييره نساءه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ الله بَعَثني ميسِّراً» وقالت عائشة- رضي الله عنها-: «ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما» «الميمّم» : بفتح التحتية كمعظّم: المقصود اسم مفعول من التيمم وهو القصد، وأصله التعمّد والتوخّي من قولهم: يمّمتك وأممتك. وسمّي بذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الخلق تؤمّ حماه يوم القيامة وتقصد جاهه لنيل السلامة. والله تعالى أعلم. حرف النون «النابذ» : اسم فاعل من النّبذ بسكون الباء وفتحها وهو إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به. قال الله تبارك وتعالى: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ أي اطرح عهدهم على طريق مستوٍ بأن تظهر لهم نبذ العهد بحيث يعلمون أنه قطع ما بينك وبينهم، ولا تناجزهم بالحرب وهم يتوهّمون بقاء العهد، لأن مثل ذلك خيانة «الناجز» : «خا» : المنجز لما وعد، اسم فاعل من نجز الوعد كأنجزه إذا وفى به ولم يخلفه. وكان صلى الله عليه وسلم من ذلك بمكان «الناس» : قال الله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ روى عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن عكرمة- رضي الله تعالى عنه- في الآية قال: الناس في هذا الموضع النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جرير عن مجاهد- رحمه الله تعالى- نحوه ويسمى صلى الله عليه وسلم بذلك من تسمية الخاص باسم العام لأنه صلى الله عليه وسلم أعظمهم وأجلّهم أو لجمعه صلى الله عليه وسلم ما في الناس من الخصال الحميدة «الناسخ» : اسم فاعل من النّسخ وهو لغةً: إزالة شيء بشيء يعقبه. ومنه: نسخ الظلّ الشمس وعكسه. واصطلاحاً: رفع الحكم الشرعي بخطاب. سمّي به صلى الله عليه وسلم لأنه نسخ بشريعته كلّ الشرائع «ط» . ومن ثم كان المختار في الأصول: أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا مطلقا ولو لم يرد ناسخ له. وقيل: إذا لم يرد ناسخ في شرعنا له فهو شرع لنا. قال: وسمعت شيخنا شيخ الإسلام أبا زكريا المناويّ- رحمه الله تعالى- يقول في تقرير هذا القول: القول الذي يجب اعتقاده أن شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم نسخت كلّ الشرائع مطلقاً

تنبيه:

ولا يمترى في ذلك. ومن قال شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد ناسخ فمعناه أنه شرع لنا بتقرير شرعنا له، لا أنّا متعبّدون بالشريعة الأولى. تنبيه: وصف الله تعالى نفسه بالنّسخ في قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها. «الناسِك» : العابد، اسم فاعل من النّسك وهو العبادة. «الناشر» : المظهر للشيء بعد طيّه اسم فاعل من النشر وهو البسط ومنه نشر الصحيفة والحديث والسحاب، وسمّي به صلى الله عليه وسلم لأنه نشر الإسلام وأظهر شعائر الأحكام، أو بمعنى الحاشر، وقد تقدم. «الناصب» : ذكره «د» . قال «ط» ويحتمل أن يكون معناه المبيّن لأحكام الدّين من النّصب بضم النون وفتح الصاد المهملة وهي العلامات التي في الطريق يهتدى بها، أو المقيم لدين الإسلام من نصبت الشيء: إذا أقمته. ويحتمل أن يكون مأخوذاً من قوله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ أي اتعب في الدعاء والتضرّع. «عا» ، الناصب المرتفع يقال: رجل ناصب أي مرتفع الصدر أو الناصب للحرب أي المقيم لها. والمجتهد المجدّ في الطاعة قال تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ أي إذا قضيت صلاتك فاجتهد في الدعاء كما قاله ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وعن الحسن- رحمه الله تعالى-: فإذا فرغت من جهادك فاجتهد في العبادة. ولما عدد الله تعالى علي نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه السالفة ووعده رفع الآلام والمشقة من انشراح الصّدر ووضع الوزر وإعقاب العسر باليسر إلى غير ذلك، حثّه على الشكر وحضّه على الاجتهاد في العبادة والنّصب أي كدّ النفس فيها وأعقبها بأخرى وهلم جرا. «الناصح» : «د» مأخوذ من قول الأنبياء ليلة الإسراء مرحباً بالنبيّ الأميّ الذي بلّغ رسالة ربه ونصح لأمته. قال الإمام الخطابي- رحمه الله تعالى-: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبّر عنه بكلمة واحدة بخصوصها. ومعناه في اللغة: الإخلاص. وقال غيره: النصح فعل الشيء الذي به الصلاح والسلامة، مأخوذ من النصاح وهو الخيط الذي يخاط به الثوب. وقال آخر: النّصح سدّ ثلم الرأي للمنصوح مأخوذ من نصح الثوب إذا خاطه. قال في النهاية: أصل النصح الخلوص: يقال نصحت العسل إذا خلصته من شمعة،

"ناصر الدين":

فكأنهم شبّهوا فعل الناصح فيما يتحرّاه من صلاح المنصوح له وخلاصه من الغش بتخليص العسل من الخلط. «ناصر الدين» : «عا» بالإضافة أي مانعه ومنقذه من طعن الكفرة الجاحدين والفجرة المعاندين وجمعه نصراء كعالم وعلماء. والدّين مضاف إليه في الأصل: الطاعة والجزاء والملّة والعهد والشريعة والمراد به هنا: دين الإسلام وهو أشرف الأديان. قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ. وقال بعضهم هو تخصيص إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخيرات بالذات. «الناضر» «عا» بالضاد المعجمة الساقطة: الحسن، من النضارة وهي الحسن والرّونق. «الناطق بالحق» «خا» . «الناظر من خلفه» : بفتح الميم على أن من موصولة بمعنى الذي ونصب خلفه على الظرف أي ينظر الذي يكون وراءه. أو بكسرها فتكون من حرف جرّ للابتداء وخلفه بالكسر متعلّقها، أي يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه. ولهذا مزيد بيان في باب صفة عينيه صلى الله عليه وسلم وفي الخصائص. «الناهي» : اسم فاعل من النهي وهو الزجر عن الشيء والأمر به وتقدم في الآمر. «النبي» صلى الله عليه وسلم. يأتي الكلام عليه في أبواب البعثة. «نبيّ الراحة» : بمهملتين رجوع النفس بعد الإعياء والتعب وسكونها أو السهولة. سمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه أراح أمته من نصب الشّرك أو لأنه خفّف بشريعته ما كان مشدّداً في شريعة غيره من التكاليف الشاقة كقتل النفس في التوبة وقرض موضع النجاسة لطهارة المحل إلى غير ذلك. «نبيّ الرحمة» : تقدم تفسير الرحمة. «النبيّ الصالح» : في حديث المعراج أن الأنبياء والملائكة قالوا له ليلتئذ: «مرحبا بالنبي الصالح» وتقدم الكلام على الصالح في الصاد. «نبي الأحمر» . «نبي الأسود» : أي الإنس والجن أو العجم والعرب. «نبيّ التوبة» : وهي الرجوع والإنابة. وقال سهل- رحمه الله تعالى-: هي ترك التسويف وقال إمام الحرمين- رحمه الله تعالى-: «إذا أضيفت إلى العبد أريد بها الرجوع من الزلاّت إلى الندم عليها، وإذا أضيفت إلى الرب تبارك وتعالى أريد بها رجوع نعمه. وآلائه عليهم» .

"نبي الحرمين":

«نبيّ الحرمين» : أي مكة والمدينة. «نبيّ زمزم» : تقدم الكلام على زمزم في أبواب فضائل البيت الشريف. «نبيّ المرحمة» : تقدم في الرحمة. «نبيّ الملحمة» : الحرب وموضع القتال مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسّدى. وقيل: هو كثرة لحوم القتلى فيها، ومعنى نبي الملحمة نبي القتال، وهو كقوله الآخر: «بعثت بالسيف» . «نبيّ الملاحم» : جمع ملحمة وسبق بيانها. «النبأ» : «عا» بنون فموحّدة مهموز: الشأن العظيم والخطب الجسيم قال تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ قيل المراد القرآن وقيل النبي صلى الله عليه وسلم. «النّجم» : «خا» معروف، وسمي به صلى الله عليه وسلم لأنه يهتدي به السالك في طريق الإيمان كما يهتدي بالنجم، قال الإمام جعفر بن محمد- رضي الله تعالى عنهما وعن آبائهما- في قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى محمد صلى الله عليه وسلم وهويّه: نزوله ليلة الإسراء. «النجم الثاقب» : المضيء الذى يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه. قال السلمي- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى النَّجْمُ الثَّاقِبُ: هو محمد صلى الله عليه وسلم. «النجيب» : الكريم الحسيب أو المنتخب المختار. «النّجيد» : بالجيم: الدليل الماهر، أو الشجاع الماضي فيما يعجز غيره عنه، فعيل بمعنى فاعل من نجد ككرم نجادة ونجدة فهو نجيد ومنجد ونجد محركاً ونجد ككتف. «نجيّ الله تعالى» : قال الراغب- رحمه الله تعالى-: النجيّ. المناجي: ويقال للواحد والجمع. قال تعالى: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا وخَلَصُوا نَجِيًّا وانتجيت فلاناً: استخلصته لسرّي. وناجيته: ساررته، وأصله أن تخلو في نجوة من الأرض، وقيل أصله من النجاة وهو أن يعاونه على ما فيه خلاصة وأن تنجو بسرّك ممن يطلّع عليه. «الندب» : «عا» بنون مفتوحة فدال مهملة ساكنة فموحدة. النّجيب الظريف وجمعه ندوب وندباء. «النذير» : فعيل بمعنى فاعل وهو التخويف من عواقب الأمور، وبينه وبين الرسول من عموم من وجه لاجتماعهما في مخبر عن غيره بما يخاف منه وانفراد الرسول في مخبر عن غيره بغير تخويف: وانفراد النذير في المنذر عن نفسه بما يخاف منه، وسمّي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه يخوّف الناس العذاب ويحذّرهم من سوء الحساب. وقد سمّي بذلك كلّ مبلّغ لأحكام شرعته

"النسيب":

كما قال تعالى: فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ وقد يسمّى ذلك رسولاً أيضاً. قال تعالى: وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً أي مبشّراً للطائعين ونذيراً للعاصين. «النسيب» : ذو النّسب العريف، من النّسبة. وهي الاشتراك من جهة أحد الأبوين. ونسبه صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب، وتقدم بيان ذلك. النّصيح فعيل بمعنى فاعل من النّصح. «النعمة» : بكسر النون، الحالة الحسنة، وبناء النّعمة بالكسر بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة، والنّعمة بالفتح التنعم، وبناؤها بناء المرّة من الفعل كالضّربة، والنّعمة للجنس يقال للقليل والكثير، والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير ولا يقال إلا إذا كان الموصّل إليه من الناطقين فإنه لا يقال: أنعم فلان على فرسه. «نعمة الله» . روى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تعالى: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قال: هم والله كفار قريش. قال عمر: هم قريش، ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها النعمة هنا: محمدٌ صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه نبي مرسل. «النَّقِيّ» : الخالص من الأدناس المنزّه عن الأرجاس، من نقي بالكسر فهو نقيّ أي نظيف. «النقيب» : ذكره جماعة أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم لبني النجّار لما مات نقيبهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وقالوا له: يا رسول الله اجعل لنا رجلاً مكانه. فقال لهم: «أنتم أخوالي وأنا نقيبكم» «د» : وفيه أقوال: أحدها: الشهيد على قومه. والثاني: الأمين والثالث: الضمين وأصله في اللغة النقب الواسع، فنقيب القوم هو الذي ينقّب عن أحوالهم فيعلم ما خفي منها. «النّور» : قال الله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ قال جماعة: النور هنا محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فيما رواه ابن مردويه: المراد بالنور هنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وروى ابن جرير وابن المنذر إن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- سأل كعباً عن تفسير هذه الآية فقال: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ هي الكوّة ضربها الله تعالى مثلاً لقلب محمد صلى الله عليه وسلّم «فيها مصباح» المصباح قلبه «في زجاجة» الزجاجة صدره «كأنها كوكب دري» يشبه صدر النبي صلّى الله عليه وسلم بالكوكب الدري وهو المضيء يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يتبين للناس ولو لم يتكلم كما يكاد الزيت يضيء بلا نار.

وروى الطبراني وابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: قال: المشكاة: جوف النبي صلى الله عليه وسلم. والزجاجة: قلبه. والمصباح: النور الذي في قلبه يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ الشجرة: إبراهيم «زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» لا يهودية ولا نصرانية. ثم قرأ: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. رواه ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان. وقال عبد الله بن رواحة- رضي الله تعالى عنه-: لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنةٌ ... لكان منظره ينبيك بالخبر قال القاضي: وسمّي بالنور لوضوح أمره وبيان نبوّته وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به. وهو من أسمائه تعالى ومعناه ذو النور أي خالقه، ومنوّر السموات والأرض بالأنوار ومنوّر قلوب المؤمنين بالهداية. والنور في الأصل: كيفية قائمة بالنفس لمقابلة المضيء لذاته. وفسّره الجوهري بالضياء وهو أشدّ منه. وقال: هو الضوء المنتشر الذي يعيّن على الإبصار. وهو ضربان: مدرك بعين البصيرة وهو ما انتشر من النور الإلهي كنور العقل والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم. ومدرك بعين البصر وهو ما كان منتشراً من الأجسام كالقمر والشمس ونحوهما. وقد ذكر الفرق بينه وبين الضوء فيما مرّ. وأما الفرق بينهما وبين الشعاع والبريق فهو كما في شرح المواقف أنهما شيء يتلألأ على الأجسام المستنيرة حتى كأنه يفيض منها ويكاد يستر لونها بخلاف الضوء والنور فإن الأول كيفية قائمة بالجسم لذاته والثاني كيفية قائمة به لغيره كما مر. ثم هذا التلألؤ واللمعان إن كان ذاتياً للجسم كالحاصل للشمس فهو الشعاع أو غير ذاتي للجسم بل مستفاداً من غيره كالحاصل للمرآة عند محاذاتها للشمس بالبريق، فعلم من ذلك أن الشعاع كالضوء ذاتي للجسم، وأن البريق كالنور ليس ذاتاً بل مستفاد من غيره. فإن قيل: فإن كان الضياء أشدّ من النور فلم شبه الله تعالى به في قوله تبارك وتعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ولم يشبهه بالضياء؟. فالجواب: أنه لو شبهه به لم يضل أحد من العقلاء، وقد سبق في علمه تعالى أن منهم: شقيّ وسعيد ألا ترى أن النهار لا يضل فيه أحد لضوء الشمس الحاصل به، وربما ضل الطريق السائر ليلاً مع وجود القمر ومن هنا تؤخذ حكمة تسميته صلى الله عليه وسلم بالنور دون الضّوء، وإنما مثّله بنور المصباح ولم يمثّله بنور الشمس مع أن نورها أتمّ وأكمل وغير محتاج إلى مدد بخلاف نور المصباح لأن المقصود كما قال الإمام الرازي: تمثيل النور في القلب. والقلب في الصدر والصدر في البدن كالمصباح وهو الضوء في الفتيلة وهي في الزجاجة، والزجاجة في الكوّة

"نور الأمم":

التي لا منفذ لها. ولا يتمّ ذلك إلا بما ذكر، أو لأن نور المعرفة له آلات يتوقف على اجتماعها كالفهم والعقل واليقظة، كما أن نور المصباح يتوقف على اجتماع الزيت والزجاجة والفتيلة، ولأن نور الشمس يشرق متوجها إلى العالم السفلي ونور المعرفة يشرق متوجها إلى العالم العلوي كنور المصباح، ولأن نور الشمس يشرق نهاراً فقط، ونور المعرفة يشرق ليلاً كنور المصباح في وقت الحاجة إليه ولأن نور الشمس يعم جميع الخلق ونور المعرفة لا يصل إليه إلا بعضهم كنور المصباح. «نور الأمم» : «خا» : أي هاديها. «نور الله الذي لا يطفأ» : «خا» . «نون» : ذكر ابن عساكر في مهماته أن بعضهم قال في قوله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ أنه اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: من أسماء الله، والله تعالى أعلم. حرف الهاء «الهادي» : «يا» اسم فاعل من هدى هداية وهي الدلاية إن تعدّت بحرف الجر. والوصول إن تعدّت بنفسها قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي بصّر عباده طريق معرفته حتى أقرّوا بربوبيته، أو هادي كل أحد من خليقته إلى ما لا بد له من معيشته. والهداية تطلق على خلق الاهتداء وذلك من وصفه تعالى خاصة وهو المنفيّ في قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وعلى البيان والدلالة بلطف وهذه يتصف بها الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم وتطلق أيضاً على الدعاء. ومنه: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي داع. «الهاشمي» : نسبة إلى جد أبيه هاشم بن عبد مناف، وتقدم الكلام عليه في النّسب. «الهجود» : كصبور: الكثير التهجّد وهو مجانبة الهجود بضم الهاء وقيام الليل في طاعة الملك المعبود، قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ أي زيادة على ما فرض الله تعالى عليك، قاله البغويّ- رحمه الله تعالى- ولهذا مزيد بيان في الخصائص. «الهدى» : الرشاد والدلالة، قال تعالى: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى وهو مصدر سمّي به صلى الله عليه وسلم مبالغة. وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمؤمنين» [ (1) ] . «هدية الله» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 268، والطبراني في الكبير 8/ 232، وأبو نعيم في الدلائل 1/ 5، وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 72 وعزاه لأحمد والطبراني وقال: فيه علي بن يزيد وهو ضعيف.

"الهمام":

«الهمام» : «عا» بضم الهاء: الملك العظيم. «الهمّة» : بالكسر وتفتح واحدة الهمّ وهي ما هم به الشخص من أمر يفعل، يقال: هممت بالشيء أهمّ همّاً إذا أردت فعله، ولا همّة لي بالفتح، وهمام كقطام أي أفضله أو السيد الشجاع أو السخيّ. «الهيّن» : «عا» : بفتح الهاء وسكون التحتية مخفّف هيّن بوزن سيّد: الساكن المتّئد، فيعل من الهون وهو بالفتح: السّكينة والوقار، أو بالضم وهو السهولة فعينه واو. قال ابن الأعرابي: العرب تمدح بالهين اللّين مخفّفين، وتذم بهما مثقّلين «عا» : ولعل ذلك لكون المثقّلين يدلان على كثرة اللّين والسهولة المفضي ذلك إلى ارتكابهما فيما يطلب فيه الغلظة والشدة كما قال الله تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ بخلاف المخفّفين فإنهما لا يقتضيان ذلك وإنما يدلان على حصول أصل الوصف وذلك يحصل بأن يأتي بهما في محلهما، كما قال تعالى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ أو لأن المخفّف من الهون بمعنى السهولة والمثقل من الهون وهو الذلة والمهانة والله تعالى أعلم. حرف الواو «الواجد» : «عا» بالجيم: العالم أو الغني، اسم فاعل من الجدة وهو الاستغناء وهو من أسمائه تعالى، ومعناه العالم أو الغنيّ الذي لا يفتقر [إلى أحد] وكل أحد إلى معروفه ينتظر. «الواسط» : «د» قال في الصحاح: فلان وسيط في قومه إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم محلاً. والواسط: الجوهر الذي وسط القلادة. وتقدم بيان شرف نسبه صلى الله عليه وسلم. «الواعد» : «د» اسم فاعل من الوعد وهو إذا أطلق كان في الخير. والوعيد في الشر إلاّ بقرينة على حد البشارة والنّذارة. «الواسع» : الجواد الكثير العطاء، من الوسع، مثلثة الواو، كالسّعة وهي الجدة والطاقة. وهو من أسمائه تعالى، ومعناه: المحيط بكل شيء. أو الذي وسع رزقه جميع خلقه. أو الذي وسعت رحمته كلّ شيء أو المعطي عن غنى أو العالم أو الغني. «الواضع» : «عا» المزيل والقاطع، اسم فاعل من الوضع وهو أعم من الحطّ، قال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ أي يزيله ويقطعه عنهم. والإصر: الثّقل الذي يأصر صاحبه أي يحسبه عن الحركة وهو مثل ثقل تكليف بني إسرائيل وصعوبته، نحو اشتراط قتل النفس في صحة التوبة وقطع الأعضاء الخاطئة كما سيأتي في الخصائص.

"الواعظ":

«الواعظ» : «د» قال تعالى: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ قال ابن فارس: والوعظ التخويف. وقال الخليل هو التذكير بالخير وما ترق له القلوب. وقال الجوهري: هو النّصح والتذكير بالعواقب. «الوافي» : بمعنى الوفيّ من قولهم: درهم واف وكيل واف أي تامّ. وسمي صلى الله عليه وسلّم بذلك لكماله خلقاً وخلقاً ورجحانه على غيره عقلاً. قال حسان- رضي الله تعالى عنه- يمدحه صلى الله عليه وسلم: وافٍ وماضٍ شهابٌ يستضاء به ... بدرٌ أنار على كلّ الأناجيل «الوالي» : المالك أو الملك أو الحاكم، اسم فاعل من الولاية وهي بالكسر فقط: الإمارة. أو الشريف القريب من معالي الأمور، من الولاء بمعنى القرب كالولاية بالكسر والفتح. وهو من أسمائه تعالى والمعنى ما مرّ. «الوجيه» : ذو الوجاهة والجاه عند الله تعالى. «الورع» : بكسر الراء: التقيّ، اسم فاعل من الورع وهو اتّقاء الشبهات، يقال: ورع الرجل يرع بالكسر فيهما ورعاً ووراعة فهو ورع أي متّقٍ وقال ابن يونس- رحمه الله تعالى-: الورع: الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس مع كل طرفة ولهذا مزيد بيان في باب ورعه صلى الله عليه وسلم. «الوسيم» : بالمهملة والتحتية كأمير: الحسن الوجه الجميل. «الوسيلة» : ما يتقرب به ويتوسّل إلى ذي قدر. وهو صلى الله عليه وسلم وسيلة الخلق إلى ربهم. «الوصيّ» : «عا» بالمهملة: الخليفة القائم بالأمر من بعد غيره. سمّي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه قام بأمر التبليغ والرسالة من بعد عيسى صلى الله عليهما وسلم الذي بشر به وأخبر برسالته وحضّ على اتباعه. «الوفيّ» : «د» : الكامل الخلق التام الخلق. وهو فعيل صيغة مبالغة من الوفاء. وكان صلى الله عليه وسلم أوفى الناس بالعهد وأوفاهم ذمةً. وتقدّم قول القاضي في «الأبرّ» . وفي حديث هرقل قوله لأبي سفيان: فهل يغدر؟ قال: لا. وهذا الاسم من أسمائه تعالى. «وليّ الفضل» : «عا» أي موليه وهو الإحسان والبرّ. «الولي» : الناصر أو الوالي أو المتولّي مصالح الأمة القائم بها، قال تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أو المحب لله أو المتصف بالولاية وهي عبارة عن كشف الحقائق وقطع العلائق وتصرّف في باطن الخلائق. قال القشيري: الوليّ له معنيان أحدهما: فعيل

"الوهاب":

بمعنى مفعول وهو من يتولى الله تعالى أموره ولا يكله إلى نفسه لحظة. الثاني: فعيل بمعنى فاعل، وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته فيجري بها على التوالي ولا يتخلل بينها عصيان. وهو من أسمائه تعالى، قال الله عز وجل: وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ وقال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا أي يتولى نصرهم ومعونتهم وكفايتهم ومصالحهم. «الوهّاب» : صيغة مبالغة من الهبة وهي بذل المال بغير عوض يقال: وهب يهب هبةً وموهبا. ولهذا مزيد بيان في باب كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم. وهو من أسمائه تعالى، ومعناه: الذي يعطي على قدر الاستحقاق ولا يغيض ما في يمينه من كثرة الإنفاق. والله تعالى أعلم. حرف الياء «اليتيم» : اسم مفعول من اليتم وهو انقطاع الولد قبل بلوغه عن أبيه بموته وفي سائر الحيوانات الانقطاع من قبل الأمّ. وكل منفرد يتيمٌ، يقال درّة يتيمة تنبيها على أن قد انقطعت مادتها التي خرجت منها. وقد قيل بذلك في الآية. والمعنى عليه: ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فيهم. «يس» : ذكره جماعة في أسمائه صلى الله عليه وسلم، وورد في حديث أبي الطفيل عن ابن مردويه، ورواه البيهقي عن محمد بن الحنفية- رحمه الله تعالى-. قال السّهيلي: لو كان اسماً له صلى الله عليه وسلم لقال: يا يس بالضم كما قال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ قال تلميذه ابن دحية: وهذا غير لازم فإن الكلبي قرأه بالضم، أي على حذف حرف النداء. «اليثربيّ» : نسبة إلى يثرب، اسم المدينة الشريفة في الجاهلية. وقد ورد النهي عن تسميتها بذلك كما سيأتي في باب أسمائها في أبواب فضلها. تنبيه: قد علم مما تقدم أن الله سبحانه وتعالى سمي النبي صلى الله عليه وسلم بعده أسماء من أسمائه عز وجل. وسيأتي سردها في الخصائص أن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم.

الباب الرابع في كناه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا لديه

الباب الرابع في كناه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلاً لديه قال الإمام العلامة أبو السعادات مجد الدين المبارك بن الأثير- رحمه الله تعالى- في كتابه «المرصع» : أما الكنية فأصلها من الكناية، وهي أن يتكلم بالشيء ويريد غيره، تقول كنيت وكنوت بكذا وعن كذا كنية وكنية والجمع الكنى، وآكتنى فلانٌ بأبي فلان وفلان يكنى بأبي الحسن، وكنيته أبا زيد وبأبي زيد، يخفّف ويثقل والتخفيف أكثر. وفلان كنّي فلان، كما تقول: سميّه: إذا اشتركا في الاسم والكنية. وإنما جيء بالكنية لاحترام المكنّى بها وإكرامه وتعظيمه كيلا يصرّح في الخطاب باسمه. ومنه قوله: أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقّبه والسّوأة اللقب هذا مختص بالإنسان دون غير وهو الأصل. ولقد بلغني أن أصل سبب الكنى في العرب أنه كان ملك من ملوكهم الأول ولد له ولد توسّم فيه أمارة النّجابة فشغف به فلما نشأ وترعرع وصلح لأن يؤدّب أدب الملوك أحب أن يفرد له موضعاً بعيداً من العمارة يكون فيه مقيماً يتخلّق بأخلاق مؤدّبيه ولا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه، فبنى له في البريّة منزلاً ونقله إليه ورتب له من يؤدبه بأنواع من الآداب العلمية والملكية وأقام له ما يحتاج إليه من أمر دنياه، ثم أضاف إليه من هو من أقرانه وأضرابه من أولاد بني عمه وأمرائه ليؤنسوه ويتأدبوا بآدابه ويحبّبوا إليه الأدب بموافقتهم له عليه. وكان الملك في رأس كل سنة يمضي إلى ولده ويستصحب معه من أصحابه من له عند ولده ولد ليبصروا أولادهم، فكانوا إذا وصلوا إليهم سأل ابن الملك عن أولئك الذين جاءوا مع أبيه ليعرفهم فيقال له: هذا أبو فلان وهذا أبو فلان، يعنون آباء الصبيان الذين عنده فكان يعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم، فمن هنالك ظهرت الكنى في العرب. ثم ذكر ابن الأثير- رحمه الله تعالى- فوائد تتعلق بالكنى ليس هذا الكتاب محلاً لها وقد ذكرتها مع زيادات أخرى في كتابي «سفينة السلامة» . إذا علمت ذلك: فللنبي صلى الله عليه وسلم عدّة كنى وهي: «أبو القاسم» صلّى الله عليه وسلم. وهو أشهرها. روى الشيخان عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بالبقيع فسمع قائلاً يقول: يا أبا القاسم فرد رأسه إليه فقال الرجل: يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلانا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإني

"أبو إبراهيم":

جعلت قاسماً أقسم بينكم» [ (1) ] . وظاهر هذا الحديث أنه إنما كني صلى الله عليه وسلم أبا القاسم لذلك. وقال العزفيّ والوزير أبو الحسن سلام بن عبد الله الباهليّ رحمهما الله تعالى في كتابه «الذخائر والأعلاق في آداب النفوس ومكارم الأخلاق» : لأنه صلى الله عليه وسلم يقسم الجنة بين أهلها يوم القيامة. قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: والذي جزم به الجماهير من أهل السير أنه إنما كني بابنه القاسم. وهو أول أولاده صلّى الله عليه وسلم ولادةً ووفاةً وسيأتي الكلام على تكنّي غير النبي صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم في الخصائص. «أبو إبراهيم» : روى البيهقي في الدلائل عن أنس- رضي الله عنه- أنه لما ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم منه حتى أتاه جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم. «أبو الأرامل» : ذكره ابن دحية وقال: ذكره صاحب الذخائر والأعلاق. «أبو المؤمنين: قال الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وقرأ أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه-: «وهو أبٌ لهم» أي كأبيهم في الشفقة والرأفة والحنوّ والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 64، من حديث أبي هريرة، كتاب العلم (110) ، ومسلم 3/ 1682، كتاب الآداب (1- 2131) .

المجلد الثاني

[المجلد الثاني] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم أفرد الحافظ أبو الخطاب ابن دحية كتاباً سماه: «الآيات البينات فيما في أعضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المعجزات» وسأذكر خلاصته في المعجزات مع زوائد كثيرة، والمقصود منه هنا بيان صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم فقط وقد أذكر شيئاً من الآيات لزيادة الفائدة.

الباب الأول في حسنه صلى الله عليه وسلم

الباب الأول في حسنه صلى الله عليه وسلم أعلم رحمني اللَّه وإياك أن اللَّه سبحانه وتعالى أنشأ النفوس مختلفة، فمنها الغاية في جودة الجوهر، ومنها المتوسط، ومنها الكدر. وفي كل مرتبة درجات. فالأنبياء صلى اللَّه عليهم وسلم هم الغاية، خلقت أبدانهم سليمة من العيب فصلحت لحلول النفس الكاملة، ثم يتفاوتون. فكان نبينا صلى الله عليه وسلم أصلح الأنبياء مزاجا وأكملهم بدنا وأصفاهم روحا، وبمعرفة ما نذكره من صفاته صلى الله عليه وسلم وأخلاقه يتبين ذلك إن شاء اللَّه تعالى. روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنهما قال: لم أر شيئاً أحسن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. البراء بفتحتين مخففا. وقال رجل من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإذا هو رجل حسن الجسم. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أجمل الناس [وأبهاه] من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب. رواهما البيهقي. وقال جابر بن سمرة- بسين مهملة مفتوحة فميم مضمومة فراء- رضي اللَّه تعالى عنه: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه والقمر فلهو أحسن في عيني من القمر. رواه الترمذي والنسائي. وقال البراء رضي اللَّه تعالى عنه: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . رواه مسلم وأبو داود. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحسن الناس صفة وأجملها. رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقال طارق بن عبيد [ (2) ] رضي اللَّه تعالى عنه: أقبلنا ومعنا ظعينة حتى نزلنا قريبا من

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1804 كتاب الفضائل (52- 2309) [ (2) ] طارق بن عبيد بن مسعود الأنصاري. روى محمد بن مروان السدي في تفسيره عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال طارق بن عبيد بن مسعود وأبو اليسر ومالك بن الدخشم يوم بدر: يا رسول اللَّه إنك قلت من قتل

المدينة، فأتانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت الظعينة: ما رأيت وجها أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه صلى الله عليه وسلم. رواه إبراهيم الحربي [ (1) ] في غريبه وأبو الحسن بن الضحاك في الشمائل وابن عساكر. وقال أبو إسحاق الهمداني- وهو بفتح الهاء وسكون الميم ودال مهملة- لامرأة حجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: شبهيه لي: قالت: كالقمر ليلة البدر ولم أر قبله ولا بعده مثله. رواه يعقوب بن سفيان. وقال أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر للربيع بنت معوذ [ (2) ] رضي اللَّه تعالى عنها: صفي لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالت: يا بني لو رأيته لقلت الشمس طالعة. رواه الدرامي ويعقوب. قال الطيبي رحمه اللَّه تعالى: قولها: «لقلت الشمس طالعة» أي لرأيت شمسا طالعة، جردت من نفسه الشريفة شمسا وهي هي، نحو قولك: لئن لقيته لتلقين أسدا، وإذا نظرت إليه لم تر إلا أسدا. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: ما رأيت شيئاً قط أحسن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري. وفي لفظ: تخرج من وجهه. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان وبقي بن مخلد. وسنده على شرط صحيح مسلم [ (3) ] . قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم. ومنه قول الشاعر:

_ [ () ] قتيلا فله سلبه وقد قتلنا سبعين. الحديث في نزول قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وقال ابن منده الذي أسر العباس ومعه أبو اليسر الأنصاري [انظر الإصابة 3/ 282] . [ (1) ] إبراهيم بن إسحاق بن بشير بن عبد اللَّه البغدادي الحربي، أبو إسحاق: من أعلام المحدثين. أصله من مرو، واشتهر وتوفى ببغداد، ونسبته إلى محلة فيها. كان حافظا للحديث عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام، قيما بالأدب، زاهدا، أرسل إليه المعتضد ألف دينار فردها. تفقه على الإمام أحمد، وصنف كتبا كثيرة منها «غريب الحديث» و «إكرام الضيف» ، و «سجود القرآن» و «الهدايا والسنة فيها» و «الحمام وآدابه» و «دلائل النبوة» توفي سنة 285 هـ. [انظر الأعلام 1/ 32] . [ (2) ] الرّبيّع بضم أوله وكسر التحتانية بنت معوّذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد، ويعرف بابن عفراء وهي أمه الأنصارية شهدت الشجرة. لها إحدى وعشرون حديثاً. اتفقا على حديثين، وانفرد (خ) بحديثين. وعنها سليمان بن يسار، وأبو سلمة. وجماعة. [الخلاصة 3/ 381] . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 350.

تنبيهان

يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا [ (1) ] وفيه أيضاً عكس التشبيه للمبالغة. ويجوز أن يقدر الخبر الاستقرار، فيكون من باب تناسي التشبيه، فجعل وجهه صلى الله عليه وسلم مقرا ومكانا لها. ويحتمل أن يكون فيه تناهي التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للتشبيه. وللَّه در القائل: لم لا يضيء بك الوجود وليله ... فيه صباح من جمالك مسفر فبشمس حسنك كل يوم مشرق ... وببدر وجهك كلّ ليل مقمر وقال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: لم يقم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع شمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط، إلا غلب ضوؤه ضوء السراج. رواه ابن الجوزي. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسيما قسيما. رواه الحارث بن أبي أسامة. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كل شيء حسن قد رأيت، فما رأيت شيئاً قط أحسن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. رواه ابن عساكر. وقال أبو قرصافة- بكسر القاف وسكون الراء بعدها مهملة وفاء- واسمه جندرة- بفتح أوله ثم نون ساكنة ثم مهملة مفتوحة- ابن خيشنة بمعجمة ثم تحتانية ثم معجمة ثم نون رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حسن الوجه ولم يكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالفارع الجسم. رواه ابن عساكر. تنبيهان الأول: قال ابن المنير والزركشي وغيرهما في قوله صلى الله عليه وسلم في يوسف: أعطي شطر الحسن: يتبادر إلى أفهام بعض الناس إن الناس يشتركون في الشطر الآخر. وليس كذلك، بل المراد أنه أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه بلغ النهاية ويوسف بلغ شطرها. ويحققه ما رواه الترمذي عن قتادة والدارقطني عن أنس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها وصوتا» .

_ [ (1) ] البيت لأبي نواس [انظر دلائل الإعجاز 296] .

وقال نفطويه [ (1) ] رحمه اللَّه تعالى في قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [النور 35] هذا مثل ضربه اللَّه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول: يكاد نظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا. كما قال ابن رواحة رضي اللَّه تعالى عنه: لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بداهته تنبيك بالخبر وقال القرطبي رحمه اللَّه تعالى: قال بعضهم، لم يظهر لنا تمام حسنه صلى الله عليه وسلم لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما طاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه وسلم. ويرحم اللَّه تعالى الشرف البوصيري حيث قال: فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيبا بارى النسم منزّهٌ عن شريكٍ في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم إلى أن قال رحمه اللَّه تعالى: أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... للقرب والبعد فيه غير منفحم كالشمس تظهر للعينين من بعدٍ ... صغيرة وتكل الطرف من أمم وهذا مثل قوله رحمه اللَّه تعالى: إنما مثلوا صفاتك للناس ... كما مثل النجوم المساء ويرحم اللَّه تعالى الشرف ابن الفارض حيث قال: وعلى تفنن واصفيه بحسنه [ (2) ] ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف [ (3) ] وسيدي علي بن أبي وفا حيث قال رحمه اللَّه تعالى: كم فيه للأبصار حسن مدهش ... كم فيه للأرواح راح مسكر سبحان من أنشاه من سبحاته ... بشرا بأسرار الغيوب يبشر

_ [ (1) ] إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي العتكي، أبو عبد اللَّه، من أحفاد المهلب بن أبي صفرة: إمام في النحو. وكان فقيها، رأسا في مذهب داود، مسندا في الحديث ثقة، قال ابن حجر: جالس الملوك والوزراء، وأتقن حفظ السيرة ووفيات العلماء، مع المروءة والفتوة والظرف. ولد بواسط (بين البصرة والكوفة) ومات ببغداد وكان على جلالة قدره تغلب عليه سذاجة الملبس، فلا يعنى بإصلاح نفسه. وكان دميم الخلقة، يؤيد مذهب «سيبويه» في النحو فلقبوه «نفطويه» ونظم الشعر ولم يكن بشاعر، وإنما كان من تمام أدب الأديب في عصره أن يقول الشعر. سمّى له ابن النديم وياقوت عدة كتب، منها «كتاب التاريخ» و «غريب القرآن» و «كتاب الوزراء» و «أمثال القرآن» ولا نعلم عن أحدها خبرا. توفي سنة 323 هـ[الأعلام 1/ 61.] [ (2) ] في أبوصفه. [ (3) ] البيت من قصيدة مطلعها: قلبي يحدثني بأنك متلفي ... روحي فداك، عرفت أم لم تعرف ديوان ابن الفارض. دار الكتب العلمية ت: مهدي محمد ناصر الدين ص 142: 148.

قاسوه جهلا بالغزال تغزلا ... هيهات يشبهه الغزال الأحور هذا وحقّك ماله من مشبه ... وأرى المشبه بالغزالة يكفر يأتي عظيم الذنب في تشبيهه ... لولا لربّ جماله يستغفر فخر الملاح بحسنهم وجمالهم ... وبحسنه كل المحاسن تفخر فجماله مجلى لكل جميلة ... وله منار كل وجه نير جنات عدن في جنى وجناته ... ودليله أن المراشف كوثر هيهات ألهو عن هواه بغيره ... والغير في حشر الأجانب يحشر كتب الغرام علي في أسفاره ... كتبا تؤول بالهوى وتفسر فدع الدعي وما أدعاه من الهوى ... فدعيه بالهجر فيه يهجر وعليك بالعلم العليم فإنه ... لخطيبه في كل خطب منبر الثاني: في تفسير غريب ما سبق. إضحيان [ (1) ]- بهمزة مكسورة فضاد معجمة ساكنة فحاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية: أي مقمرة مضيئة من أولها إلى آخرها. اللمة: بالكسر شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن فإذا بلغ المنكبين فهو الجمة والجمع لمم. الظعينة: قال في النهاية: أصل الظعينة الراحلة التي ترحل ويظعن عليها أي يسار. وقيل للمرأة ظعينة لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت. وقيل: الظعينة المرأة في الهودج، ثم قيل للهودج بلا امرأة، أو للمرأة بلا هودج: ظعينة. الربيع: بالتصغير والتشديد. معوذ: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو. الوسيم: المشهور بالحسن كأن الحسن صار له علامة. وقال في النهاية: رجل قسيم. الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال. والوسيم: الحسن الوضيء الثابت.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 3/ 14.

الباب الثاني في صفة لونه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في صفة لونه صلى الله عليه وسلم قال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ليس بالآدم ولا بالأبيض الأمهق. متفق عليه. وفي رواية لمسلم: كان صلى الله عليه وسلم مشربا بحمرة. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض كأنما صيغ من فضة. رواه الترمذي ورواه ابن عساكر من حديث أنس. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا بحمرة. رواه الإمام أحمد والترمذي والبيهقي من طرق. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا بحمرة. رواه ابن عساكر. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق. رواه ابن عساكر من طرق. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشربا حمرة. رواه ابن عساكر. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحسن الناس لونا. رواه ابن عساكر. وقال جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنهما: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا بحمرة. رواه ابن سعد وابن عساكر. وقال أبو أمامة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلا أبيض تخالطه حمرة. رواه ابن عساكر. وقال أبو الطفيل رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض مليح الوجه. رواه البخاري وأحمد ومسلم ويعقوب بن سفيان.

تنبيهات

وفي رواية لأحمد: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض مليحا مقصدا. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون. رواه البيهقي. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحسن الناس لونا. رواه ابن الجوزي. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ظاهر الوضاءة. رواه البيهقي. وقال هند بن أبي هالة [ (1) ] رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنور المتجرد. رواه الترمذي والبيهقي. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها أهدي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شملة سوداء فلبسها، وقال: كيف ترينها علي يا عائشة؟ قلت، ما أحسنها عليك يا رسول اللَّه! يشوب سوادها بياضك وبياضك سوادها [ (2) ] . رواه ابن عساكر. تنبيهات الأول: روى الإمام أحمد ويعقوب بن سفيان والبزار وابن حبان والحاكم وصححه الحافظ عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسمر اللون. ورواه البيهقي من وجه آخر بلفظ: كان بياضه إلى سمرة وعند الإمام أحمد بسند حسن: أبيض إلى سمرة. وروى ابن أبي شيبة عن شيخه هوذة والإمام أحمد عن شيخه محمد بن جعفر وأبو نعيم عن روح قالوا: أنبأنا عوف بن أبي جميلة [ (3) ] عن يزيد الفارسي رحمه اللَّه تعالى قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام فذكرت ذلك لابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما فقال: صفه لي.

_ [ (1) ] هند بن أبي هالة التميمي ربيب النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمة خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه الحسن بن علي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي والبغوي والطبراني وغيرهم من طرق عن الحسن بن علي، قال الزبير بن بكار: قتل هند مع على يوم الجمل وكذا قال الدارقطني في كتاب الإخوة وقال أبو عمر كان فصيحا بليغا وصف النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأحسن وأتقن. [الإصابة 6/ 293، 294.] [ (2) ] أخرجه ابن عساكر في التهذيب 1/ 325 وذكره المتقي الهندي في الكنز (18528) . [ (3) ] عوف بن أبي جميلة، بفتح الجيم، الأعرابي العبدي، البصري، ثقة، رمي بالقدر وبالتشيع، من السادسة، مات سنة ست أو سبع وأربعين، وله ست وثمانون. [التقريب 2/ 89] .

فذكر الحديث: وفيه: أسمر إلى البياض. قال ابن عباس: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن شيخه هوذة، وأبو نعيم من طريق الحارث بن أبي أسامة عن شيخه روح، كلاهما عن عوف عن يزيد. وذكر الحديث ولفظه: أحمر إلى البياض. قال الحافظ: وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة: الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبت: ما تخالطه الحمرة. والمنفي ما لا تخالطه، وهو الذي تكره العرب لونه وتسميه أمهق. وقال ابن أبي خيثمة: ولونه صلى الله عليه وسلم الذي لا شك فيه: الأبيض الأزهر، المشرب من حمرة وإلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح، وأما ما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر. وتعقبه بعضهم بأن أنسا لا يخفى عليه أمره حتى يصفه بغير صفته اللازمة له لقربه منه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ملازما للشمس. نعم لو وصفه بذلك بعض القادمين ممن صادفه في وقت غيرته الشمس لأمكن، فالأولى حمل السمرة في هذه الرواية على الحمرة التي تخالط البياض، أي كما سبق في كلام الحافظ. قلت: قوله أن أنسا لا يخفى عليه. إلخ يقال عليه: قد وصفه أنس بأنه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ليس بالآدم، كما تقدم أول الباب، وهو حديث أصح من هذه الروايات. وتابعه غيره على هذه الرواية. وقال الحافظ أبو الفضل العراقي: في قوله: «أسمر اللون» : هذه اللفظة تفرد بها حميد عن أنس ورواها غيره عنه بلفظ «أزهر اللون» ثم نظرنا من روى صفة لونه صلى الله عليه وسلم غير أنس، فكلهم وصفوه صلى الله عليه وسلم بالبياض دون السمرة، وهم خمسة عشر صحابيا. قلت: سمى أبو الحسن بن الضحاك في كتاب الشمائل منهم: أبا بكر وعمر وعليا وأبا جحيفة وابن عمر وابن عباس وهند بن أبي هالة والحسن بن علي وأبا الطفيل ومخرش الكعبي وابن مسعود والبراء بن عازب وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأبا هريرة وذكر أحاديثهم وأسانيدهم العشرة. ثم قال: وما رواه أنس مما يوافق الجمهور أولى وأصح وهو الذي ينبغي أن يرجع إليه ويعول عليه. وأما رواية أبي يزيد الفارسي: أنه صلى الله عليه وسلم أسمر إلى البياض: فخطأ في الرواية، والصواب الرواية الثانية.

الثاني: وقع في زيادات المسند لعبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل [ (1) ] ، عن علي رضي اللَّه تعالى عنه: أبيض شديد الوضح. وفي حديث أبي هريرة عند البزار ويعقوب بن سفيان بسند قوي: كان صلى الله عليه وسلم شديد البياض. وهذا مخالف لقول أنس أول الباب: وليس بالأمهق. ولرواية مسلم عنه: أبيض مشرباً بحمرة: وهما أصح منهما. ويمكن الجمع بحمل ما ذكر على ما تحت الثياب مما لا يلقى الشمس. الثالث: وقع عند أبي زيد المروزيّ أحد رواة الصحيح عن أنس: أمهق ليس بالأبيض واعترض الداودي الشارح هذه الرواية. وقال القاضي إنها وهم. وقال: لعل الصحيح رواية من روى أنه ليس بالأبيض ولا بالآدم. قال الحافظ: وهذا ليس بجيد لأن المراد أنه ليس بالأبيض الشديد البياض ولا الآدم الشديد الأدمة وإنما يخالط بياضه الحمرة. والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر. ولهذا جاء في حديث أنس أي السابق: كان صلى الله عليه وسلم أسمر. قال الحافظ: وتبين من مجموع الروايات أن رواية المروزي: «أمهق ليس بالأبيض» مقلوبة على انه يمكن توجيهها بأن المراد بالأمهق الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته. فقد نقل عن رؤبة أن المهق خضرة الماء فهذا التوجيه على تقدير ثبوت الرواية وقد جاء في عدة طرق أنه صلى الله عليه وسلم كان أبيض. الرابع: نقل القاضي عن أحمد بن أبي سليمان صاحب سحنون رحمهما اللَّه تعالى أن من قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أسود. يقتل. انتهى. قال بعضهم: وهذا يقتضي أن مجرد الكذب عليه في صفة من صفاته كفر يوجب القتل. وليس كذلك، بل لا بد من ضميمة ما تشعر بنقص كما في مسألتنا هذه فإن السواد مفصول. الخامس: في بيان غريب ما سبق: الأزهر: الأبيض المستنير المشرق وهو أحسن الألوان أي ليس بالشديد البياض. الآدم: الشديد السمرة. الأمهق: الشديد البياض الذي لا يخالطه شيء من الحمرة وليس بنير كلون الجص أو نحوه.

_ [ (1) ] عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الرحمن، ولد الإمام، ثقة، من الثانية عشرة مات سنة تسعين، وله بضع وسبعون [انظر التقريب 1/ 401.]

الإشراب [ (1) ] : خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى الآخر لونه، يقال: بياض مشرب حمرة بالتخفيف. فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة. المقصد: من الرجال الذي ليس بجسيم ولا طويل. ظاهر الوضاءة: أي الحسن والجمال. أنور المتجرد: بجيم وراء مشددة مفتوحتين: ما كشف عنه الثوب من البدن، يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان مشرق الجسد نير اللون فوضع الأنور موضع النير. واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 4/ 2224.

الباب الثالث في صفة رأسه وشعره صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في صفة رأسه وشعره صلى الله عليه وسلم قال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس. رواه البخاري. ورواه أبو الحسن بن الضحاك عن جبير بن مطعم. ورواه أبو الحسن بن الضحاك وابن عساكر من طرق عن علي رضي اللَّه تعالى عنه. ورواه من طريق عنه بلفظ: عظيم الرأس. وروى الترمذي عن هند بن أبي هالة والبيهقي عن علي رضي اللَّه تعالى عنهما قالا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عظيم الهامة رجل الشعر إن افترقت عقيقته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفره. وقال أنس رضي الله تعالى عنه: لم يكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجعد قطط ولا بسبط، كان رجلا. رواه الشيخان والترمذي والنسائي. وقال جبير بن مطعم رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس رجله. رواه ابن أبي خيثمة. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها في صفته صلى الله عليه وسلم: ولا تزريه صعلة. رواه الحارث بن أبي أسامة. وقال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه لشيء وكان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم. فسدل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم فرق بعده. رواه الستة. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شعرا بين شعرين، ولا رجل سبط ولا جعد قطط، وكان بين أذنيه وعاتقه. وفي رواية: كان شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه. متفق عليه. وقال علي بن حجر رضي اللَّه تعالى عنه: لم يكن شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا.

رواه مسلم والبيهقي. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: «أنا فرقت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه صدعت فرقه عن يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه. رواه ابن إسحاق وأبو داود، وابن ماجة ولفظه: «كنت أفرق خلف يافوخ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم أسدل ناصيته» . وقال البراء رضي اللَّه تعالى عنه: كان شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى منكبيه. رواه الشيخان. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: كان شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة. رواه أبو داود والترمذي. وقالت أم هانئ رضي اللَّه تعالى عنها: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وله أربع غدائر: يعني ضفائر. رواه الترمذي وأبو داود بسند جيد. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا امتشط بالمشط كأنه حبل الرمال. رواه أبو نعيم. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أذنيه وعاتقه. رواه مسلم. وروى عبد المجيد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فطلبها حتى وجدها وقال: اعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر. رواه سعيد بن منصور. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة نحر نسكه ثم ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه فأعطاه أبا طلحة ثم ناوله شقه الأيسر فقال: اقسمه بين الناس. رواه الشيخان. وفي رواية لمسلم: «فلقد رأيته والحلاق يحلقه فطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذا وفرة. رواه ابن عساكر.

تنبيهات

وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حسن الشعر. رواه ابن عساكر. وقال سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شديد سواد الرأس واللحية. رواه ابن عساكر. ورواه أبو الحسن بن الضحاك وغيره عن رجل من الصحابة من بني كنانة. وروى إسرائيل [ (1) ] عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب [ (2) ] : أرسلني أهلي إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء- وقبض إسرائيل ثلاث أصابع- فجاءت بجلجل من فضة فيها شعر من شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أصاب أحدا من الناس عين أو شيء بعث إليها بخضه، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرا حمرا. رواه البخاري واللفظ للحميدي في جمعه. تنبيهات الأول: حاصل الأحاديث السابقة: أن شعره صلى الله عليه وسلم كان جمة وفرة لمة، فوق الجمة ودون الوفرة عكسه. فالوفرة- بفتح الواو وإسكان الفاء: ما بلغ شحمة الأذن. واللمة- بكسر اللام: ما نزل عن شحمة الأذن، والجمة- بضم الجيم وتشديد الميم- قال الجوهري رحمه اللَّه تعالى: هي مجتمع شعر الرأس وهي أكثر من الوفرة ما نزل عن ذلك إلى المنكبين. هذا قول جمهور أهل اللغة وهو الذي ذكره أصحاب المحكم والنهاية والمشارق وغيرهم. واختلف فيه كلام الجوهري. فذكره على الصواب في مادة «لمم» فقال: واللمة- بالكسر: الشعر، المتجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهي الجمة. وخالف ذلك في مادة «وفر» فقال: والوفرة إلى شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة. وهي التي ألمت بالمنكبين [ (3) ] . انتهى. وقال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه اللَّه تعالى: ما قاله في باب الميم هو الصواب

_ [ (1) ] إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السّبيعي أبو يوسف الكوفي. روى عن الأعمش، وسماك بن حرب، ويوسف بن أبي بردة، وعاصم الأحول. وعنه عبد الرزاق، وأبو داود الطيالسي، وأحمد بن أبي إياس، وابن مهدي، وأبو نعيم، والفريابي، ووكيع. وقال يحيى القطان: إسرائيل فوق أبي بكر بن عيّاش، وكان أحمد يعجب من حفظه. وقال أحمد: إسرائيل أصح حديثا من شريك إلا في أبي إسحاق، فإن شريكا أضبط. مات سنة اثنتين وستين ومائة. [طبقات الحفاظ 191.] [ (2) ] عثمان بن عبد اللَّه بن موهب، التميمي مولاهم، المدني، الأعرج، وقد ينسب إلى جده، ثقة، من الرابعة، مات سنة ستين. [التقريب 2/ 11] . [ (3) ] في ألمت المنكبين.

وهو الموافق لقول غيره من أهل اللغة. ولا جمع بين رواية: (فوق الجمعة، ودون الوفرة) وهي عند الترمذي، والعكس رواية أبي داود وابن ماجة، وهي الموافقة لقول أهل اللغة، إلا على المحمل الذي تؤول عليه رواية الترمذي، وذلك أنه قد يراد بقوله: «دون» بالنسبة إلى محل وصول الشعر. فرواية الترمذي محمولة على هذا التأويل: أن شعره كان فوق الجمة أي أرفع في المحل. فعلى هذا يكون شعره لمة، وهو ما بين الوفرة، والجمعة، وتكون رواية أبي داود وابن ماجة معناها: «كان شعره فوق الوفرة» أي أكثر من الوفرة ودون الجمة أي في الكثرة. وعلى هذا فلا تعارض بين الروايتين. فروى كل راو ما فهمه من الفوق والدون. وقال القاضي: والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه والذي يلي أذنيه وعاتقيه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه. وقيل بل لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصير شعره بلغ المنكب وإذا قصره كان إلى أنصاف أذنيه فكان يقصر ويطول بحسب ذلك. الثاني: قال ابن القيم رحمه اللَّه تعالى في زاد المعاد: لم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الشريف إلا أربع مرات. ولهذا مزيد بيان في أبواب زينته صلى الله عليه وسلم ويأتي الكلام على ما شاب من شعره صلى الله عليه وسلم في الباب التاسع. الثالث: روى ابن عساكر من طريقين غير ثابتين عن علي رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: كان شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبطا. وقد تقدم من طريق صحيحة أنه لم يكن بالسبط ولا بالجعد القطط. الرابع: قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: إنما جعل شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورأسه غدائر أربعا ليخرج الأذن اليمنى من بين غديرتين يكتنفانها ويخرج الأذن اليسرى من بين غديرتين يكتنفانها ويخرج الأذنان بياضهما من بين تلك الغدائر كأنهما توقد الكواكب الدرية بين سواد شعره وكان أكثر شيبه صلى الله عليه وسلم في الرأس في فودي رأسه، والفودان خرفا الفرق، وكان أكثر شيبه صلى الله عليه وسلم في لحيته فوق الذقن وكان شيبه كأنه خيوط الفضة يتلألأ بين ظهري سواد الشعر الذي معه، إذا مس ذلك الشيب الصفرة- وكان كثيرا ما يفعل- صار كأنه خيوط ذهب يتلألأ بين ظهري سواد الشعر الذي معه. الخامس: في بيان غريب ما سبق. الهامة- بالتخفيف: الرأس. رجل الشعر- بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها وسكونها، ثلاث لغات ذكرها في المفهم لا شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما. قال القرطبي: وكان شعره صلى الله عليه وسلم بأصل الخلقة مسرحا.

العقيقة: بقافين على المشهور: شعر الرأس، سمي عقيقة تشبيها بشعر المولود قبل أن يحلق فإذا حلق ونبت ثانيا فقد زال عنه اسم العقيقة، وربما سمي الشعر عقيقة بعد الحلق على الاستعارة. ومنه هذا الحديث. والمراد إن انفرقت عقيقته من ذات نفسها وإلا تركها معقوصة. وروي: عقيصته- بقاف وصاد مهملة- وهي اسم للشعر المعقوص، مشتق من العقص وهو اللي. وفره: بفتح الفاء المشدّدة أي جعله وفرة. الجعد- بفتح الجيم وسكون المهملة. والجعودة في الشعر أن لا يتكسر ولا يسترسل. القطط- بفتحتين: الشديد الجعودة الشبيه بشعر السودان. السبط [ (1) ]- بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وكسرها، المنبسط المسترسل الذي لا تكسير فيه، أي لم يكن شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما. الصعلة- بصاد فعين مهملتين: صغر الرأس. ويروى بالقاف. ويأتي بيانه في صفة إبطه الشريف صلى الله عليه وسلم. يسدل- بفتح المثناة التحتية وسكون السين وكسر الدال المهملتين، ويجوز ضم الدال أي يترك شعر ناصيته على جبهته. قال النووي. قال العلماء: المراد إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة أي بضم القاف وبعدها صاد مهملة وهو شعر الناصية. يفرقون- بضم الراء وكسرها: أي يلقون شعر رؤوسهم إلى جانبيه ولا يتركون منه شيئاً على جبهتهم. فرق- بفتح الفاء والراء: تقدم معناه قبله. العاتق: ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء يذكر ويؤنث، والجمع عواتق. صدعت- بالتخفيف: نحيت. اليأفوخ: بهمز، وهو أحسن وأصوب، ولا يهمز، وهو وسط الرأس، ولا يقال يافوخ حتى يصلب ويشتد بعد الولادة. الناصية والناصاة: منبت الشعر في مقدم الرأس، ويطلق على الشعر. المنكب: مجتمع رأس العضد والكتف. الغدائر: بغين معجمة ودال مهملة. حبك الرمال- بضم أوله وثانيه جمع حبيكة وهي الطريق في الرمل وقال الفراء: الحبك

_ [ (1) ] انظر اللسان 2/ 1922.

تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة والماء الدائم إذا مرت به الريح والشّعرة الجيدة تكسّرها حبك. القلنسوة [ (1) ]- بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين وفتح الواو. والجمع: القلانس والقلاسي. اليرموك- بفتح الياء: مكان قرب دمشق. قوله: «وقبض إسرائيل ثلاث أصابع» أشار بذلك إلى صغر القدح. قصة- بضم القاف وصاد مهملة لأكثر الرواة الصحيح. قال ابن دريد: كل خصلة من الشعر قصة. قال ابن دحية والصحيح عند المتقنين: «من فضة» بالفاء بواحدة وضاد معجمة وهو الأشبه والأولى لقوله بعد ذلك: «فاطلعت في الجلجل» وقد بينه وكيع في مصنفه فقال: كان جلجلا من فضة صنع صونا لشعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 754.

الباب الرابع في صفة جبينه وحاجبيه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في صفة جبينه وحاجبيه صلى اللَّه عليه وسلم قال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مفاض الجبين. رواه البيهقي وابن عساكر. وقال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب. رواه الترمذي. وقال رجل من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دقيق الحاجبين. رواه البيهقي. وقال سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه: كان جبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلتا. رواه ابن ابن عساكر. وقال الحافظ أبو أحمد بن أبي خيثمة رحمهما اللَّه تعالى: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين إذا طلع جبينه من بين الشعر أو طلع من فلق الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس تراءى جبينه كأنه السراج المتوقد يتلألأ، كانوا يقولون هو صلى الله عليه وسلم. كما قال شاعره حسان بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه: متى يبد في الليل البهيم جبينه ... يلح مثل مصباح الدجى المتوقد فمن كان أو من قد يكون كأحمد ... نظاما لحق أو نكالا لملحد [ (1) ] . قال أبو الحسن بن قانع عن سويد بن غفلة رضي اللَّه تعالى عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واضح الجبين أهدب مقرون الحاجبين. تنبيهات الأول: في حديث أم معبد: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزج أقرن. قال ابن قتيبة وابن عساكر: ولا أراه إلا كما وصف هند وصححه ابن الأثير والقطب رحمه للَّه تعالى. قلت: وروى البيهقي وابن عساكر عن مقاتل بن حيان رحمه اللَّه تعالى قال: أوحى اللَّه تعالى إلى عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام: جد في أمري ولا تهزل إلى أن قال: صدقوا النبي العربي الصلت الجبين المقرون الحاجبين.

_ [ (1) ] انظر الديوان ص 67.

وروى ابن عساكر من طرق عن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقرون الحاجبين. ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وسلم كان أولا بغير قرن أو من جهة الرائي من قرب ومن بعد، وبأنه لم يكن بالأقرن حقيقة ولا بالأزج حقيقة بل كان بين الحاجبين فرجة يسيرة لا تتبين إلا لمن دقق النظر إليها. كما ذكر في صفة انفه الشريف صلى الله عليه وسلم فقال: يحسبه من لم يتأمله أشم ولم يكن أشم. الثاني: في بيان غريب ما سبق. مفاض الجبين- بميم مضمومة ففاء فألف فضاد معجمة مخففة أي واسعة، يقال درع مفاضة أي واسعة. الجبين ما فوق الصدغ. والصدغ ما بين العين إلى الأذن، ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة. الزجج: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. قاله في النهاية. وقال غيره: الزجج دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس. سوابغ- حال من المجرور وهو الحواجب جمع سابغ وهو التام الطويل أي أنها دقت في حال سبوغها. وضع الحواجب موضع الحاجبين لأن التثنية جمع. القرن- بالتحريك: اتصال شعر الحاجبين. يدره- بضم أوله وكسر ثانيه وتشديد ثالثه: أي يحركه ويظهره، كان صلى الله عليه وسلم إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلئ الضرع لبنا إذا در فيظهر ويرتفع. الصلت الجبين: أي واسعة، وقيل الصلت الأملس وقيل البارز. واللَّه أعلم.

الباب الخامس في صفة عينيه صلى الله عليه وسلم وبعض ما فيهما من الآيات

الباب الخامس في صفة عينيه صلى اللَّه عليه وسلم وبعض ما فيهما من الآيات قال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أدعج العينين. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عظيم العينين أهدب الأشفار. رواه الإمام أحمد ومسلم. وقال أيضاً: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عظيم العينين أهدب الأشفار مشرب العين بحمرة. رواه البيهقي وأبو الحسن بن الضحاك وابن عساكر من طرق. وقال سماك بن حرب [ (1) ] : قال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليه وسلم أشكل العين. قال الرواي له عن سماك: ما أشكل العين؟ قال: طويل شق العين. رواه مسلم وغيره. ورواه أبو داود بلفظ: أشهل العين. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: في أشفاره عطف وفي لفظ: وطف. رواه الحارث بن أبي أسامة. وقال أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبحر العينين. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبرج العينين. رواهما أبو الحسن بن الضحاك. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أكحل العينين أهدب الأشفار. رواه محمد بن يحيى الذهلي [ (2) ] في الزهريات. وقال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه: كنت إذا نظرت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت أكحل وليس بأكحل. رواه الإمام أحمد بن حنبل ويعقوب بن سفيان.

_ [ (1) ] سماك: بكسر أوله وتخفيف الميم، ابن حرب بن أوس بن خالد الذّهلي البكري الكوفي، أبو المغيرة، صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن، من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين. [التقريب 1/ 332.] [ (2) ] محمد بن يحيى بن عبد اللَّه بن خالد بن فارس الذّهلي أبو عبد اللَّه النيسابوري، الحافظ، أحد الأعلام الكبار، عن ابن مهدي وعلي بن عاصم ويزيد بن هارون وعبد الصمد وخلائق، وله رحلة واسعة ونقد، وعنه (خ) ويدلسه، و (عم) ، وهو الذي جمع حديث الزهري في مجلدين. قال أبو حاتم: محمد بن يحيى إمام زمانه. وقال النسائي: ثقة مأمون. قال الذهلي: أنفقت على العلم مائة وخمسين ألفا. قال أبو حامد بن الشرقي: مات سنة ثمان وخمسين ومائتين. [الخلاصة 2/ 467.]

وقال مقاتل بن حيان رحمه اللَّه تعالى: أوحى اللَّه تعالى إلى عيسى أبن مريم جد في أمري ولا تهزل إلى أن قال: صدقوا النبي العربي الأنجل العينين. رواه البيهقي وابن عساكر. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسود الحدقة أهدب الأشفار. رواه الترمذي. وقال أيضاً: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عظيم العينين مشرب العين حمرة أهدب الأشفار كث اللحية. رواه ابن عساكر. وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أدعج العينين. رواه ابن عساكر. فصل: روى ابن عدي والبيهقي وابن عساكر عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها، والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قالا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل ترون قبلتي ها هنا، فواللَّه لا يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم من وراء ظهري. متفق عليه [ (1) ] . قال الحافظ أبو بكر بن أبي خيثمة وتبعه أبو الحسن بن الضحاك في كتاب الشمائل له: كان فيه صلى الله عليه وسلم شيء من صور. والصور: الرجل الذي كأنه يلمح الشيء ببعض وجهه. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إنه إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود فإني أراكم من أمامي ومن خلفي [ (2) ] . رواه مسلم. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إني لأنظر إلى ما وراء ظهري كما أنظر إلى أمامي» [ (3) ] . رواه عبد الرزاق في الجامع وأبو زرعة الرازي في دلائله.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 182 كتاب الصلاة 418 ومسلم 1/ 319 كتاب الصلاة (109- 424) . [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 320 (112- 426) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 92 بنحوه وعزاه للبزار وقال ورجاله ثقات.

تنبيهات

وقال مجاهد رحمه اللَّه تعالى: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من بين يديه. رواه الحميدي وأبو زرعة الرازي في دلائله. فائدة: ذكر القاضي رحمه اللَّه تعالى إنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما. وذكر السهيلي رحمه اللَّه تعالى أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى فيها اثني عشر نجما. وبالأول جزم أبو عبد اللَّه القرطبي في كتاب «أسماء النبي صلى الله عليه وسلم» حيث نظم ذلك فقال رحمه اللَّه تعالى: وهو الذي يرى النجوم الخافية ... مبينات في السماء العالية إحدى عشر قد عد في الثريا ... لناظر سواه ما تهيا قال في: «القول المكرم» وهذا لم أقف له على أصل يستند إليه. والناس يذكرون أن الثريا لا تزيد على تسعة أنجم فيما يرون. انتهى. تنبيهات الأول: قال القاضي: إنما حدثت هذه الآية له صلى الله عليه وسلم بعد ليلة الإسراء كما أن موسى صلى الله عليه وسلم كان يرى النملة السوداء في الليلة الظّلماء من مسيرة عشرة فراسخ بعد ليلة الطور. الثاني: هذه الرؤية رؤية إدراك، والرؤية لا تتوقف على وجود آلتها التي هي العين عند أهل الحق ولا شعاع ولا مقابلة، وهذا بالنسبة إلى الباري تعالى. أما المخلوق فتتوقف صفة الرؤية في حقه صلى الله عليه وسلم، وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها. قال الحراني رحمه اللَّه تعالى: وهذه الآية قد جعلها اللَّه تعالى دالة على ما في حقيقة أمره من الاطلاع الباطن، لسعة علمه ومعرفته، لما عرف بربه لا بنفسه أطلعه اللَّه تعالى على ما بين يديه مما تقدم من أمر اللَّه وعلى ما وراء الوقت مما تأخر من أمر اللَّه تعالى. فلما كان على ذلك من الإحاطة في إدراك مدركات القلوب جعل اللَّه تعالى له صلى الله عليه وسلم مثل ذلك في مدركات العيون، فكان يرى المحسوسات من وراء ظهره كما يراها من بين يديه. ومن الغرائب ما ذكره بختيار محب بن محمود الزاهد شارح القدوري في رسالته الناصرية أنه صلى الله عليه وسلم كان له بين كتفيه عينان كسم الخياط يبصر بهما لا تحجبهما الثياب. وقيل: بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة أمثلتهم فيها فيشاهد أفعالهم. قال الحافظ: وهذا إن كان نقلا عن الشارع بطريق صحيح فمقبول وإلا فليس المقام مقام رأي، على أن الأقعد في إثبات كونها معجزة حملها على الإدراك من غير آلة. وقال ابن المنير رحمه اللَّه تعالى: لا حاجة إلى تأويله لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة.

وقال القرطبي: حمله على ظاهره أولى، لأن فيه زيادة كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي ولهذا مزيد بيان في الخصائص. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الدعج: شدة سواد العين في شدة بياضها. الأهدب- بالدال المهملة: الطويل الأشفار. الأشفار: جمع شفر وزن قفل وهو حرف الجفن الذي ينبت عليه الهدب. قال ابن قتيبة رحمه اللَّه تعالى: والعامة تجعل أشفار العين: الشعر وهو غلط، وإنما الأشفار حروف العين التي ينبت عليها الشعر. الحدقة: بالتحريك، سواد العين والجمع حدق وحدقات. مثل قصبة، وقصب، وقصبات. وربما قيل حداق محل رقبة ورقاب. قوله: مشرب العين بحمرة: هي عروق حمر رقاق وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم التي في الكتب السالفة. وقول سماك رحمه اللَّه تعالى: إن الشكلة طول شق العين: قال القاضي: إنه وهم من سماك باتفاق العلماء وغلط ظاهر، فقد اتفق العلماء وأصحاب الغريب أن الشهلة حمرة في سواد العين كالشكلة في البياض. الغطف: بغين معجمة وتهمل هو أن يطول شعر الأجفان ثم ينعطف. الوطف: الطويل أيضاً. الكحل: بالتحريك: سواد يكون في مفاوز أجفان العين خلقة. الأنجل: يقال عين نجلاء أي واسعة. الأبرج [ (1) ] العين: بهمزة فموحدة فراء فجيم: من البرج بالتحريك بياض العين محدقا بالسواد كله لا يغيب من سوادها شيء. واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 2/ 243.

الباب السادس في سمعه الشريف صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في سمعه الشريف صلى اللَّه عليه وسلم كان صلى الله عليه وسلم يسمع ما لا يسمعه الحاضرون مع سلامة حواسهم من مثل الذي سمعه. وروى ابن عساكر عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تام الأذنين. وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي ذر، وأبو نعيم عن حكيم بن حزام رضي اللَّه تعالى عنهما قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «تسمعون ما أسمع؟» قالوا ما نسمع من شيء قال: إني لأرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، إني أسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم.» وقال زيد بن ثابت [ (1) ] رضي اللَّه تعالى عنه: بينا النبي صلى الله عليه وسلم على بغلة له إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا. فقال: متى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فأعجبه ذلك فقال: «أن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت اللَّه عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع» . رواه مسلم [ (2) ] . وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حائطا من حيطان المدينة لبني النجار فسمع أصوات قوم يعذبون في قبورهم فحاصت البغلة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى دفن هذا؟ قالوا: يا رسول اللَّه دفن هذا في الجاهلية فأعجبه ذلك وذكر نحو الذي قبله. رواه الإمام أحمد. وقد ثبت أن الوحي كان يأتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحيانا في مثل صلصلة الجرس ويسمعه ويعيه ولا يسمعه أحد من الصحابة. تنبيهان الأول: إن قيل: كيف يكون صوت مسموع لسامع في محل لا يسمعه آخر معه وهو

_ [ (1) ] زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بمعجمة ابن عمرو النّجّاري المدني كاتب الوحي وأحد نجباء الأنصار، شهد بيعة الرضوان، وقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع القرآن في عهد الصديق. وولي قسم غنائم اليرموك، له اثنان وتسعون حديثاً. اتفقا على خمسة، وانفرد (خ) بأربعة، و (م) بواحد، روى عنه ابن عمر وأنس وسليمان بن يسار، وابنه خارجة بن زيد وخلق. قال يحيى بن سعيد: لما مات زيد قال أبو هريرة: مات خير الأمة. توفي سنة خمس وأربعين. وقيل: سنة ثمان. وقيل: سنة إحدى وخمسين. [الخلاصة 1/ 350.] [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 2199 كتاب الجنة (67- 2867) .

مثله سليم الحاسة عن آفة الإدراك؟ أجيب: بأن الإدراك معنى يخلقه اللَّه تعالى لمن يشاء ويمنعه لمن يشاء وليس بطبيعة ولا وتيرة واحدة. الثاني: في بيان غريب ما تقدم: الأطيط: صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها، أي أن كثرة ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. قال في النهاية: وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة اللَّه تعالى. قلت: وفيه نظر لقوله: «إني لأسمع أطيط السماء» . حادت: مالت عند نفارها عن سنن طريقها. حاصت: بحاء فصاد مهملتين: نفرت وكرت راجعة من خوف ما سمعت.

الباب السابع في صفة أنفه الشريف وخديه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع في صفة انفه الشريف وخديه صلى اللَّه عليه وسلم روى الترمذي عن هند بن أبي هالة وابن عساكر عن علي رضي اللَّه تعالى عنهما قالا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقنى العرنين. زاد هند: له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم وليس بأشم. وقال رجل من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دقيق الأنف. رواه البيهقي. وقال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سهل الخدين. رواه الترمذي. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسيل الخدين. رواه محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات وابن عساكر. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سهل الخدين دقيق العرنين. رواه ابن عساكر من طرق. وقال أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض الخد. رواه ابن عساكر. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبيض الخدين. رواه أبو الحسن بن الضحاك. تفسير الغريب العرنين: بكسر العين وسكون الراء المهملة وكسر النون: الأنف. والقنى فيه: طوله ودقة أرنبته مع ارتفاع في وسطه. الشمم: ارتفاع قصبة الأنف واستواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لحسن قنى أنفه واعتدال ذلك يحسب قبل التأمل أنه أشم وليس كذلك. قاله في النهاية. السهل الخدين: أي ليس في خديه نتوء وارتفاع. وقيل أراد أن خديه صلى الله عليه وسلم أسيلان قليلا اللحم رقيقا الجلد، كما في حديث أبي هريرة.

الباب الثامن في صفة فمه صلى الله عليه وسلم وأسنانه وطيب ريقه وبعض الآيات فيه

الباب الثامن في صفة فمه صلى اللَّه عليه وسلم وأسنانه وطيب ريقه وبعض الآيات فيه قال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشنب [ (1) ] ، مفلج الأسنان، يفتر عن مثل حب الغمام. رواه الترمذي وأبو الشيخ. وقال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضليع الفم. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم [ (2) ] . وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم براق الثنايا. رواه ابن عساكر. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حسن الثغر. رواه البيهقي. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مفلج الثنايا. رواه ابن سعد وأبو الشيخ. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: شممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. رواه ابن سعد وأبو الشيخ. وقال وائل بن حجر رضي اللَّه تعالى عنه: أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشرب من الدلو ثم صب في البئر أو قال ثم مج في البئر. ففاح منها مثل رائحة المسك. رواه الإمام أحمد وابن ماجة. ورواه الإمام أبو الحسن بن الضحاك بلفظ: أتي بدلو فتوضأ منه فتمضمض ومج مسكا أو أطيب من المسك وانتشر خارجا منه. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ضحك كاد يتلألأ في الجدر لم أر قبله ولا بعده مثله. رواه محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات. وأبو الحسن بن الضحاك وابن عساكر.

_ [ (1) ] في أ: أشهب. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1820 كتاب الفضائل (97- 2339) .

وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: بزق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بئر بدار نا فلم يكن بالمدينة بئر أعذب منها. رواه أبو نعيم. وقالت عميرة بنت سمعود الأنصارية [ (1) ] رضي اللَّه تعالى عنه: دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنا وأخواتي وهن خمس فوجدنا يأكل قديدا فمضغ لهن قديدة ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن. وفمضغت كل واحدة قطعة فلقين اللَّه وما وجد لأفواههن خلوف. رواه الطرانى. وقالت أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد رضي اللَّه تعالى عنها: كنا نتطيب ونجهد لعتبة بن فرقد أن نبلغه فما نبلغه وربما لم يمسّ عتبة طيبا، فقلنا له فقال: أخذني البثر على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأتيت، فتفل في كفه ثم مسح جلدي، فكنت من أطيب الناس ريحا. رواه البخاري في التاريخ والطبراني وأبو الحسن بن الضحاك. وقال أبو أمامة رضي اللَّه تعالى عنه: جاءت امرأة بذيئة اللسان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل قديداً، فقالت: ألا تطعمني؟ فناولها مما بين يديه، فقالت: لا إلا الذي في فيك. فأخرجه فأعطاها فألقته في فمها فأكلته فلم يعلم منها بعد ذلك الأمر الذي كانت عليه من البذاء والذرابة رواه الطبراني. وقال محمد بن ثابت بن قيس بن شماس [ (2) ] : أن أباه فارق أمه وهي حامل به، فلما ولدته حلفت أن لا تلبنه من لبنها. فدعا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبصق في فيه وقال اختلف به فإن اللَّه رازقه فأتيته به اليوم الأول والثاني الثالث. رواه البيهقي. ويرحم اللَّه تعالى القائل حيث قال:

_ [ (1) ] عميرة بنت سمعود الأنصارية. ذكرها أبو نعيم وأبو موسى من طريقه ثم من طريق أبي عروبة الحراني حدثنا هلال بن بشر حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة أن جدته عميرة بنت مسعود حدثته أنها دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها وهن خمس فبايعنه فوجدنه وهو يأكل قديداً فمضغ لهن قديدة ثم ناولهن فقسمنها بينهم فمضغت كل واحدة منهن قطعة فلقين اللَّه عز وجل ما وجدن في أفواههن خلوفا ولا اشتكين من أفواههن شيئا قاله الحافظ [انظر الإصابة 8/ 150] [ (2) ] محمد بن ثابت بن قيس بن شمّاس الأنصاري، حنّكه النبي صلى الله عليه وسلّم وسمّاه. عن أبيه وسالم مولى أبي حذيفة. وعنه ابناه يوسف وإسماعيلى والزّهر. وثقه ابن حبان. قتل يوم الحرة [الخلاصة 2/ 386.]

تنبيه في بيان غريب ما سبق

بحر من الشهد في فيه مراشفه ... ياقوت من صدف فيه جواهره ويرحم اللَّه تعالى القائل أيضا: جني النّخل في فيه وفيه حياتنا ... ولكنه من لي بلثم لثامه رحيق الثّنايا والثاني تنفست ... إذا قال عن فتح بطيب ختامه وقال أبو جعفر محمد بن علي رحمه اللَّه تعالى: بينهما الحسن بن علي مع رسول اللَّه إذ عطش فاشتد ظمؤه فطلب له النبي صلى الله عليه وسلم ماء فلم يجد فأعطاه لسانه فمصه حتى روي. رواه ابن عساكر. وهو منقطع. ورواه عن أبي هريرة وزاد: الحسين. وقال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم أفل الثنيتين. زاد أبو الحسن بن الضحاك: والرّباعيّتين. انتهى. إذ تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه. رواه أبو زرعة الرازي [ (1) ] في دلائله والدارمي والترمذي وأب الحسن بن لضحاك وسنده جيد. وقال سهل بن سعيد رضي اللَّه تعالى عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح اللَّه على يديه، يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسلوه. فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. قال:. ين بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع. الحديث رواه الشيخان [ (2) ] . وقال أبو قرصافة- بكسر القاف رضي اللَّه تعالى عنه: بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنا وأمي وخالتي فلما رجعنا قال أمي وخالتي: يا بني ما رأينا مثل هذا الرجل لا أحسن وجها ولا أنقى ثوبا ولا ألين كلاما، ورأينا كالنو. ر يخرج من فيه. رواه البيهقي. تنبيه في بيان غريب ما سبق الضليع: بضاد معجمة وعين مهملة- قالوا في النهاية: أي عظيم الفم وقيل واسعه

_ [ (1) ] عبد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي بالولاء، أبو زرعة الرازي: من حفّاظ الحديث، الأئمة. من أهل الريّ. زار بغداد وحث بها، وحالس أحمد بن حنبل. كان يحفظ ألف حديث، ويقال: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل. توفى بالريّ. سنة 264 هـ[الأعلام 4/ 194] [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 87 (3701) ومسلم 4/ 1871 كتاب الضائل (32- 404)

والعرب تمدح عظم الفم وتذم صغره. قال الإمام النوري: وهذا قول الأكثر وهو الأظهر. والضليع: العظيم الخلق، الشديد وقال غيره: المهزول الذابل. وهو في صفته صلى الله عليه وسلم ذبول شفتيه ورقتهما وحسنها. الشنب: بشين معجمة فنون مفتوحة فموحدة: البياض والبريق والتحديد في الأسنان وقيل هو بردها وعذوبتها. الفلج بالتحريك: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات. يفتر- بمثناة تحتية ففاء ففوقية مضمومة أي يظهر أسنانه. حب الغمام: البر بفتحتين به ثغره في بياضه وصفائه وبرده. الثّغر هنا: الثايا. مج الماء من فيه: محاز من باب رمي: الخلوف: كالقعود تغير رائحة الفم. الذّاربة: الفحش. البذاء في المنطق. بالفتح والمد والذال المعجمة: السفه والفحش. تلبنه: بالمثناة الفوقية فلام فموحدة فنون: ترضعه. الثنايا: جمع ثنية وهي أربع من الأسنان. بصق بالصاد المهملة ويقال بالسين أيضاً.

الباب التاسع في صفة لحيته الشريفة وشيبه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع في صفة لحيته الشريفة وشيبه صلى الله عليه وسلم قال هند بن أبي هالد رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كث اللحية. رواه الترمذي ورواه ابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عظيم اللحية. رواه البيهقي وابن عساكر وابن الجوزي وقال جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضخم اللحية. رواه أَبو الحسن بن الضحاك. وقال أَبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَسود اللحية. رواه البيهقي وابن عساكر. وقال سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شديد سواد الرأس واللحية. رواه ابن عساكر. وقال أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه: كانت لحية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد ملأت من هاهنا إلى هاهنا. رواه ابن عساكر. وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة رحمه اللَّه تعالى: كانت عنفقته صلى الله عليه وسلم بارزة ونبكاه حول العنفقة كأنهما بياض اللؤلؤة، في أسف عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منها. وقال أبو ضمضم رحمه للَّه تعالى: نزلت بالرّجيجح [ (1) ] فقيل ها هنا رجل يقال له أسعد بن خالد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فقلت: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم رأيته كان رجلا مربوعا حسن السبلة. رواه الدينوري وابن عساكر. وقال. أيضاً كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس واللحية. رواه مسلم وابن أبي خيثمة واللفظ له.

_ [ (1) ] رجيح: تصغير رجل أي تحرّك. موضع في بلاد العرب. [انظر معجم البلدان 3/ 33]

وقال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه: شمط مقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولحيته وكان إذا ادهن لم يتبين فإذا لم يدهن تبين. رواه مسلم. وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن [ (1) ] عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه: ليس في شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولحيته عشرون شعرة بيضاء. رواه الشيخان. وقال ثابت عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه: ما كان في رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا لحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة بيضاء. رواه ابن سعد بسند صحيح. ورواه أبو الحسن بن الضحاك بلفظ أربع عشرة بيضاء. وقال حميد عنه: لم يكن في لحية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء. قال حميد: كن سبع عشرة. رواه ابن أبي خيثمة. وقال قتادة عنه: لم يخضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما كان في عنفقته وفي الصدغين وفي الر. س نبذ. رواه مسلم. وقال أبو بكر بن عياش [ (2) ] رحمه اللَّه تعالى: قلت لربيعة: جالست أنساً؟ قال: نعم. وسمعته يقول: شاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عشرين شيبة هاهنا. يعني العنفقة. رواه ابن خيثمة. وقال ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما: كان شيب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليه نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه رواه ابن إسحاق وابن حبان والبيهقي.

_ [ (1) ] ربيعة بن أبي عبد الرحمن، التيمي مولاهم، أبو عثمان المدني، المعروف بربيعة الرأي، و. سم أبيه فروخ، ثقة، فقيه مشهور، قال ابن سعد 6 كانوا يتّقونه لموضع الرّي 7 من الخامسة، مات سنة سنت وثلاثين على الصحيح وقيل سنة ثلاث، قال الباجي سنة اثنتين وأربعين [التقريب 1/ 247] [ (2) ] أبو بكر بن عيّاش: ابن سالم الأسدى، مولاهم الكوفي الحنّاط- المقري الفقيه، المحدث شيخ الإسلام، وبقية ال. علام، مولى واصل الأحدب. وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة 7 فإن أبا هاشم فإن أبا هاشم الرّفاعي، وحسن بن عبد الأول، سألاه عن اسمه، فقال: شعبة. وسأله يحيى بن آدم وغيره عن اسمه، فقال: اسمي كنيتي. قرأ أبو بكر القرآن، وجوده ثلاث مرات على عاصم بن أبي النّجود، وعرضه أيضا فيما بلغنا على عطاء بن السائب، وأسلم المنقري [انظر سير أعلام النبلاء]

وقال أبو جحيفة رضي اللَّه تعالى عنه: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورأيت بياضا تحت شفته السفلى العنفقة [ (1) ] . رواه البخاري. ورواه الإسماعيلي بلفظ: «من تحت شفته السفلى مثل موضع إصبع العنفقة» . وفي لفظ له. رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شابت عنفقته. وقال عبد اللَّه بن بسر- بضم الموحدة وسكون المهملة- المازني رضي اللَّه تعالى عنه: كان في عنفقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شعرات بيض. رواه البخاري. وفي رواية عند الإسماعيلي: إنما كانت شعرات بيضا. وقال أبو إياس رحمه اللَّه تعالى: سئل أنس عن شيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما شانه اللَّه تعالى بيضاء. رواه ابن عساكر. وقال: لعل أنسا أراد بلحية بيضاء. فقد روى عنه وعن غيره من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم أنه شاب بعض شعره صلى اللَّه عليه وسلم وأشار إلى العنفقة. وروى ابن سعد وأبو نعيم عن ابن سيرين [ (2) ] رحمه اللَّه تعالى قال: سئل أنس رضي اللَّه تعالى عنه عن خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن شاب إلا يسيرا ولكن أبا بكر وعمر خضابه بعد بالحناء والكتم. وروى ابن عساكر عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صفر لحيته وما فيها عشرون شعرة بيضاء. وقال قتادة: سألت أنسا: هل خضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لا إنما كان شيء في صدغيه. رواه البخاري ولفظه: قال: لم يخضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إنما كان البياض في عنفقته وفي صدغيه. نبذ: أي متفرّق.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 651 (3543) . [ (2) ] محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم أبو بكر البصري إمام وقته. عن مولاه أنس وزيد بن ثابت وعمران بن حصين وأبي هريرة وعائشة وطائفة من كبار التابعين. وعنه الشعبي وثابت، وقتادة وأيوب ومالك بن دينار وسليمان التّيمي وخالد الحذّاء والأوزاعي وخلق كثير قال أحمد: لم يسمع من ابن عباس. وقال خالد الحذّاء: كل شيء يقول يثبت عن ابن عباس إنما سمعه من عكرمة أيام المختار قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم ... وقال أبو عوانة: رأيت ابن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر اللَّه تعالى وقال بكر المزني: واللَّه ما أدركنا من هو أورع منه قال حماد بن زياد مات سنة عشر ومائة. [انظر الخلاصة 2/ 412، 413]

تنبيهات

وقال محمد بن سيرين رحمه اللَّه تعالى: سألت أنسا أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب؟ قال: لم يبلغ الخضاب. رواه الشيخان. ولمسلم عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه: «ولو شئت أن أعد شمطات كن في رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لفعلت» [ (1) ] . فائدة روى ابن سعد عن يونس بن طلق بن حبيب رحمه اللَّه تعالى أن حجاما أخذ من شارب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأى شيبة في لحيته فأهوى إليها، فأمسك النبي- صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة» . تنبيهات الأول: قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: عرف من مجموع الروايات أن الذي شاب في عنفقته صلى اللَّه عليه وسلم أكثر من الذي شاب في غيرها. وقول أنس لما سأله قتادة هل خضب؟: «إنما كان شيء في صدغيه» أراد أنه لم يكن في شعره ما يحتاج إلى الخضاب. وقد صرح بذلك في رواية محمد بن سيرين السابقة. الثاني: اختلف في عدد الشعرات التي شابت في رأسه صلى اللَّه عليه وسلم ولحيته. فمقتضى حديث عبد اللَّه بن بسر [ (2) ] أن شيبه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة القلة. وفي رواية ابن سعد: لم يبلغ ما في لحيته من الشعر عشرين شعرة. قال حميد: وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة. وروى أيضا عن ثابت عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: ما كان في رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة. وروى ابن أبي خيثمة عن أنس رضي اللَّه تعالى قال: لم يكن في لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء. قال حميد: كن سبع عشرة. وروى الحاكم من طريق عبد اللَّه بن محمد بن عقيل [ (1) ] عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1821 (103- 2341) . [ (2) ] عبد اللَّه بن بسر بن أبي بسر المازني السلمي أبو بسر. صحابي ابن صحابي له أحاديث انفرد البخاري بحديث ومسلم بحديث مات سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة ست وتسعين، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. [انظر الخلاصة 2/ 42] .

قال: لو عددت ما أقبل من شيبه صلى اللَّه عليه وسلم في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة. وجمع العلامة البلقيني بين هذه الروايات بأنها تدل على أن شعراته البيض لم تبلغ عشرين شعرة، والرواية الثانية توضح أن ما دون العشرين كان سبع عشرة، فيكون كما ذكرناه: العشرة في عنفقته والزائد عليها يكون في بقية لحيته لأنه قال في الرواية الثالثة: لم يكن في لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء، واللحية تشمل العنفقة وغيرها. وكون العشرة في العنفقة بحديث عبد اللَّه [ (1) ] بن بسر والبقية بالأحاديث الأخر في بقية لحيته. وكون حميد أشار إلى عنفقته سبع عشرة ليس يعلم ذلك من نفس الحديث، والحديث لا يدل إلى على ما ذكرنا من التوفيق. وأما الرواية الرابعة فلا تنافي كون العشرة على العنفقة والزائد على غيرها. وهذا الموضع موضع تأمل. انتهى. الثالث: سيأتي الكلام في خصائصه صلى اللَّه عليه وسلم في أبواب زينته. الرابع: في بيان غريب ما سبق. الكثه: بفتح الكاف وثاء مثلثة- أي فيها كثاثة واستدارة وليست بطويلة. السبلة: بالتحريك- مقدم اللحية وما انحدر منها على الصدر. وقيل: هي الشعرات التي تحت اللحى الأسفل. وقيل: الشارب. الرجيج [ (2) ] : شمط: بالكسر شمطا: خالط سواد لحيته بياض فهو أشمط. والمرأة في رأسها كذلك فهي شمطاء. أبو جحيفة: بجيم مضمومة فحاء مهملة ومثناة تحتية ساكنة ففاء- واسمه وهب بن عبد اللَّه السوائي بضم السين. العنفقة: ما بين الذقن والشفة السفلى، سواء كان عليه شعر أم لا. ويطلق على الشعر أيضاً. وقوله: «تحت شفته السفلى العنفقة» بجر العنفقة بدل من الشفة. وبنصبها وإعراب عنفقة كما تقدم. الصدغ: بالضم: ما بين لحظ العين إلى أصل الأذن ويطلق على الشعر المتدلي عليه والجمع أصداغ، مثل قفل وأقفال.

_ [ (1) ] عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد، المدني، أمه زينب بنت عليّ، صدوق، في حديثه لين، ويقال تغير بآخره، من الرابعة، مات بعد الأربعين [التقريب 1/ 447، 448] . [ (2) ] بياض في الأصل. والرجيج تصغير رج، موضع ببلاد العرب [معجم البلدان 9/ 29] .

الباب العاشر في صفة وجهه صلى الله عليه وسلم

الباب العاشر في صفة وجهه صلى اللَّه عليه وسلم سئل البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنه أكان وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر. رواه البخاري والترمذي [ (1) ] . وسئل جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه: أكان وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا. رواه مسلم [ (2) ] . وقال البراء رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا. رواه الشيخان [ (3) ] . وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالمطهم ولا المكلثم، وكان في وجهه تدوير. رواه البيهقي وابن عساكر من طرق. وقال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر. رواه الترمذي وغيره. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تدوير. رواه مسلم والبيهقي. وقال أبو عبيد: يريد ما كان في غاية التدوير بل كان فيه سهولة وهي أحلى عند العرب. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة: متبلج الوجه. رواه الحارث بن أسامة وغيره. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن الناس وجها وأنورهم لونا.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 653 (6552) . [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1823 (109- 2344) . [ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 652 (3549) ومسلم 4/ 1819 (93- 2337.)

تنبيهات

رواه ابن الجوزي. وقال أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه: كان وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كدارة القمر. رواه أبو نعيم. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: ما رأيت أحسن من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كأن الشمس تخرج من وجهه. رواه ابن الجوزي. وقالت امرأة حجت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال لها أبو إسحاق الهمداني: شبهيه لي. قالت: كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده مثله. رواه البيهقي. ويروى عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كنت أخيط الثوب فسقطت الإبرة فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتبينت الإبرة بشعاع وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه ابن عساكر. ويروى عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما. قال: لم يكن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ظل ولم يقم مع شمس إلا غلب ضوؤه ضوءة الشمس ولم يقم مع سراج إلا غلب ضوؤه ضوء السراج. رواه ابن الجوزي. وقال كعب بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر فكنا نعرف ذلك منه [ (1) ] . رواه الشيخان وأبو داود والنسائي. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه. رواه الشيخان [ (2) ] . وقال أنس كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا سر كأن وجهه المرآة، وكأن الجدر تلاحك وجهه. أورده ابن الأثير في النهاية. تنبيهات الأول: قال الحافظ: قوله: «كأنه قطعة قمر» لعله صلى اللَّه عليه وسلم كان حينئذ متلثّما، والموضع

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الموضع السابق (3556) ومسلم 4/ 2120 (53) . [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 653 كتاب المناقب (3555) ومسلم 2/ 1081 كتاب الرضاع (38- 1459) .

الذي يتبين فيه السرور هو جبينه وفيه يظهر السرور، وكأن الشبه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر. وقال في المغازي في قصة توبة كعب: ويسأل عن السر في التقييد بالقطعة مع كثرة. ما ورد في كلام البلغاء من تشبيه الوجه بالقمر بغير تقييد. وقد تقدم تشبيههم له بالشمس طالعة وغير ذلك. وكان كعب قائل هذا من شعراء الصحابة وحاله في ذلك مشهور، وما قيل في ذلك من الاحتراز من السواد الذي في القمر ليس بقوي، لأن المراد بتشبيهه ما في القمر من الضياء والاستنارة وهو في تمامه لا يكون فيها أقل مما في القطعة المجردة. ويحتمل أن يكون أراد بقوله «قطعة قمر» القمر نفسه. وقد روى الطبراني حديث كعب بن مالك من طرق في بعضها: «كأنه دارة قمر» . وروى النسائي عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه في قصة صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر وسؤاله ربه تبارك وتعالى قال: ثم التفت إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان شقة وجهه القمر فقال: هذه مصارع القوم العشية. ووقع في حديث جبير بن مطعم عند الطبراني: التفت إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بوجهه مثل شقة القمر. فهذا محمول على صفته صلى اللَّه عليه وسلم عند الالتفات. الثاني: هذه التشبيهات الواردة في صفاته صلى اللَّه عليه وسلم إنما هي على عادة الشعراء والعرب، وإلا فلا شيء من هذه المحدثات يعادل صفاته صلى اللَّه عليه وسلم. ويرحم اللَّه تعالى القائل حيث قال: كالبدر والكاف إن أنصفت زائدة ... فلا تظننها كافا لتشبيه ويرحم اللَّه تعالى القائل أيضاً: يقولون يحكي البدر في الحسن وجهه ... وبدر الدجى عن ذلك الحسن منحط كما شبهوا غصن النقا بقوامه ... لقد بالغوا بالمدح للغصن واشتطوا وقد تقدم في أبيات سيدي على وفا إشارة إلى هذا. الثالث: قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه اللَّه تعالى: كان وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مستديرا فأراد البراء أن يزيل ما توهمه القائل من معنى الطول الذي في السيف إلى معنى الاستدارة التي في القمر، لأن القمر يؤنس كل من شاهده ويجمع النور من غير أذى حر ويتمكن من النظر إليه بخلاف الشمس التي تعشي البصر فتمنع من الرؤية. وقال الحافظ في الفتح: ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقالة فقال

البراء: لا بل مثل القمر الذي فوق السيف في ذلك، لأن القمر يشمل التدوير واللمعان بل التشبيه به أبلغ وأشهر. وإنما قال جابر بن سمرة «كان مستديرا» لينبه على أنه جمع الصفتين لأن قوله مثل السيف يحتمل أن يريد به السائل الطول واللمعان، فرده المسؤول ردا بليغا، ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق، والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرها أتى بقوله «وكان مستديرا» إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معا: الحسن والاستدارة. الرابع: في بيان غريب ما سبق: المطهم: بميم مضمومة فطاء مهملة فهاء مشددة مفتوحتين: وهو المنتفخ الوجه. المكلثم: بميم مضمومة فكاف مفتوحة فلام ساكنة فثاء مثلثة مفتوحة- وهي من الوجه القصير الحنك الداني الجبهة المستدير مع خفة اللحم. فخما: بفاء مفتوحة فخاء معجمة ساكنة: أي عظيما. مفخما: بميم مضمومة فخاء معجمة مفتوحة مشددة اسم مفعول: أي معظما في الصدور والعيون. المتبلج والأبلج: الحسن المشرق المضيء، ولم ترد به بلج الحواجب لأنها وصفتها بالقرن. دارة القمر: الهالة حوله. سر: بضم أوله مبنيا للمفعول من السرور. استنار: أضاء وتنور. الأسارير: جمع أسرار، وهي جمع السرر، وهي الخطوط التي تكون في الجبهة. وبرقانها يكون عند الفرح. الملاحكة [ (1) ] بالفتح شدة الملاءمة، أي يرى شخص الجدر في وجهه صلى اللَّه عليه وسلم. واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 5/ 4010.

الباب الحادي عشر في صفة عنقه صلى الله عليه وسلم وبعد ما بين منكبيه وغلظ كتده

الباب الحادي عشر في صفة عنقه صلى اللَّه عليه وسلم وبعد ما بين منكبيه وغلظ كتده قالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: كان في عنق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سطع. رواه الحارث بن أبي أسامة. وقال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان عنق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كجيد دمية في صفاء الفضة. رواه الترمذي. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه فيما رواه ابن عساكر، وعلي بن أبي طالب فيما رواه ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي: كأن عنق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إبريق فضة. وروى الإمام أحمد والشيخان عن البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنه: والإمام أحمد والبيهقي عن أبي هريرة، والترمذي عن هند رضي اللَّه تعالى عنهم قالوا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين [ (1) ] . وروى الترمذي عن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جليل المشاش والكتد. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين سأله الناس فأعطاهم الحديث وفيه: فجذبوا ثوبه حتى بدا منكبه فكأنما أنظر حين بدا منكبه إلى شقة القمر من بياضه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة. رواه البزّار والبيهقي وابن عساكر. وقال الحافظ أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن الناس عنقا، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة مشرب ذهبا يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب. وما غيبت الثياب من عنقه فما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر. [تفسير الغريب] السطع: بالتحريك طول العنق.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 652 (3551) ومسلم 4/ 1819 (91- 2337) .

الجيد: بكسر الجيم وسكون المثناة التحتية: العنق. الدمية- بضم الدال المهملة وإسكان الميم ومثناة تحتية مفتوحة- الصورة المصورة سميت بذلك، لأن الصانع يتفوق في صنعها وتحسينها، شبه عنقه صلى اللَّه عليه وسلم بالفضة في صفائها. المنكب: بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه: مجتمع رأس العضد والكتف. وبعد ما بين المنكبين يدل على سعة الصدر والظهر. المشاش: بضم الميم وشينين معجمتين: رؤوس العظام: كالمرفقين والكعبين والركبتين. وقال الجوهري. رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها. الكتد: بكاف فمثناة مفتوحتين فدال مهملة مجتمع الكتفين. واللَّه تعالى أعلم.

الباب الثاني عشر في صفة ظهره صلى الله عليه وسلم وما جاء في صفة خاتم النبوة

الباب الثاني عشر في صفة ظهره صلى اللَّه عليه وسلم وما جاء في صفة خاتم النبوة قال محرش- بضم الميم وفتح المهملة وقيل معجمة وكسر الراء بعدها معجمة، ابن عبد اللَّه الكعبي رضي اللَّه تعالى عنه: اعتمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الجعرانة ليلا فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. رواه الإمام أحمد ويعقوب بن سفيان. فصل اختلف في صفة خاتم النبوة على أقوال كثيرة متقاربة المعنى. أحدها: أنه مثل زر الحجلة. روى الشيخان عن السائب بن يزيد رضي اللَّه تعالى عنه قال: قمت خلف ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وسلم فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة [ (1) ] . الثاني: أنه كالجمع: روى مسلم عن عبد اللَّه بن سرجس [ (2) ]- بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة- رضي اللَّه تعالى عنه قال: نظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل [ (3) ] . الثالث: أنه كبيضة الحمامة. روى مسلم والبيهقي عن جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: رأيت خاتم النبوة بين كتفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم مثل بيضة الحمامة يشبه جسده [ (4) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن سلمان رضي اللَّه تعالى عنه قال: رأيت الخاتم بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مثل بيضة الحمامة. الرابع: أنه شعر مجتمع. روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه وأبو يعلى والطبراني من طريق علباء

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 648 (3541) ومسلم 4/ 1823 (111- 2345) . [ (2) ] عبد اللَّه بن سرجس بفتح أوله وكسر الجيم المزني حليف بني مخزوم البصري له سبعة عشر حديثا. انفرد له (م) بحديث. وعنه عثمان بن حكيم وعاصم الأحول وقتادة. [الخلاصة 2/ 60] . [ (3) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق (112- 2346) . [ (4) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق (110- 2344) .

بكسر المهملة وسكون اللام بعدها موحدة- ابن أحمر- بحاء مهملة وآخره راء- عن أبي يزيد عمرو بن أخطب، بالخاء المعجمة، الأنصاري رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اذن فامسح ظهري. فدنوت ومسحت ظهره ووضعت أصابعي على الخاتم. فقيل له: ما الخاتم؟ قال: شعر مجتمع عند كتفه [ (1) ] . ورواه أبو سعد النيسابوري بلفظ شعرات سود. الخامس: أنه كالسلعة. روى الإمام أحمد وابن سعد والبيهقي من طرق عن أبي رمثة- بكسر الراء وسكون الميم فثاء مثلثة- رضي اللَّه تعالى عنه قال: انطلقت مع أبي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنظرت إلى مثل السلعة بين كتفيه [ (2) ] . السادس: أنه بضعة ناشزة. روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه تعالى عنه قال: الخاتم الذي بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضعة ناشزة. وفي لفظ عند البخاري في التاريخ والبيهقي: لحمة نائتة ولأحمد: لحم ناشز بين كتفيه [ (3) ] . السابع: أنه مثل البندقة. روى ابن حبان في صحيحه من طريق إسحاق بن إبراهيم قاضي سمرقند: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما قال: كان خاتم النبوة على ظهر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مثل البندقة من لحم مكتوب فيها: محمد رسول اللَّه. قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي في «مورد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» بعد أن أورد الحديث: اختلط على بعض الرواة خاتم النبوة بالخاتم الذي كان يختم به الكتب. انتهى. ومن خطه نقلت وبخط تلميذه الحافظ على الهامش: البعض المذكور هو إسحاق بن إبراهيم قاضي سمرقند. وهو ضعيف. وذكر الحافظ ابن كثير نحو ما قال الهيثمي. ولهذا مزيد بيان يأتي في ثامن التنبيهات. الثامن: أنه مثل التفاحة.

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 17/ 27. [ (2) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 214. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 69.

روى الترمذي عن أبي موسى رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان خاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه صلى اللَّه عليه وسلم مثل التفاحة. التاسع: أنه كأثر المحجم. روى الإمام أحمد والبيهقي عن التنوخي رسول اللَّه هرقل رضي اللَّه تعالى عنه في حديثه الطويل قال: فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة. العاشر: أنه كشامة سوداء تضرب إلى الصفرة. روي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كان خاتم النبوة كشامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف الفرس رواه أبو بكر بن أبي خيثمة من طريق صبح بن عبد اللَّه الفرغاني حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد [ (1) ] . وسيأتي في ثامن التنبيهات أنه غير ثابت أيضاً. الحادي عشر: أنه كشامة خضراء محتضرة في اللحم، قليلا. نقله ابن أبي خيثمة في تاريخه عن بعضهم. وسيأتي في ثامن التنبيهات أنه غير ثابت أيضاً. الثاني عشر: أنه كركبة عنز: روى الطبراني وأبو نعيم في المعرفة عن عباد بن عمر رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان خاتم النبوة على طرف كتف النبي صلى اللَّه عليه وسلم الأيسر كأنه ركبة عنز، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يكره أن يرى الخاتم. سنده ضعيف. الثالث عشر: أنه كبيضة حمامة مكتوب في باطنها: اللَّه وحده لا شريك له. وفي ظاهره: توجه حيث شئت فإنك منصور. رواه الحكيم الترمذي وأبو نعيم، قال في المورد: وهو حديث باطل. ولهذا مزيد بيان في ثامن التنبيهات. الرابع عشر: أنه كنور يتلألأ. رواه ابن عائذ- بعين مهملة ومثناة تحتية وذال معجمة.

_ [ (1) ] عبد العزيز بن عبد الصمد العمّي أبو عبد الصمد البصري الحافظ. عن أبي عمران الجوني ومطر الورّاق. وعنه أحمد وإسحاق وابن معين وخلق. وثقه أحمد وأبو داود، وقال: مات سنة سبع وثمانين ومائة. [الخلاصة 2/ 167] .

الخامس عشر: أنه ثلاث شعرات مجتمعات. ذكره أبو عبد اللَّه محمد القضاعي- بضم القاف وبضاد معجمة وعين مهملة- رحمه اللَّه تعالى في تاريخه. السادس عشر: أنه عذرة [ (1) ] كعذرة الحمامة. قال أبو أيوب: يعني قرطمة الحمامة. رواه ابن أبي عاصم في سيرته. السابع عشر: أنه كتينة صغيرة تضرب إلى الدهمة. روي ذلك عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها. الثامن عشر: أنه كشيء يختم به. روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن أخطب أبي زيد الأنصاري رضي اللَّه تعالى عنه قال: رأيت الخاتم على ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال هكذا بظفره. كأنه يختم. التاسع عشر: أنه كان بين كتفيه صلى اللَّه عليه وسلم كدارة القمر مكتوب فيها سطران: السطر الأول: لا إله إلا اللَّه. وفي السطر الأسفل: محمد رسول اللَّه. رواه أبو الدحداح أحمد بن إسماعيل الدمشقي رحمه اللَّه تعالى في الجزء الأول من سيرته. قال في «المورد» و «الغرر» وهو باطل بين البطلان. العشرون: أنه كبيضة نعامة. روى ابن حبان في صحيحه عن جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: رأيت خاتم النبوة بين كتفيه صلى اللَّه عليه وسلم كبيضة النعامة يشبه جسده [ (2) ] . قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي في «مورد الظمآن» روى هذا في حديث الصحيح في صفته صلى اللَّه عليه وسلم ولفظه: مثل بيضة الحمامة وهو الصواب [ (3) ] . قال الحافظ: تبين من رواية مسلم «كركبة عنز» أن رواية ابن حبان غلط من بعض الرواة. قلت: ورأيت في «إتحاف المهرة» للحافظ شهاب الدين البوصيري رحمه اللَّه تعالى بخطه: «كركبة البعير» وبيض لاسم الصحابي وعزاه لمسند أبي يعلى وهو وهم من بعض رواته كأنه تصحف عليه كركبة عنز بركبة بعير. ثم رأيت ابن عساكر روى الحديث في تاريخه من طريق أبي يعلى وسمى الصحابي عباد بن عمرو.

_ [ (1) ] في أ: غدة. [ (2) ] أخرجه ابن حبان (514) باب خاتم النبوة حديث (2898) . [ (3) ] انظر موارد الظمآن الموضع السابق.

تنبيهات

وقال الحافظ في الإصابة في سنده من لا يعرف. قلت: وقد تقدم عنه في الثاني عشر أنه كركبة عنز. ولم أظفر به في مجمع الزوائد للهيثمي. الحادي والعشرون: أنه غدة حمراء. روى أبو الحسن بن الضحاك عن جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غدة حمراء مثل بيضة الحمامة. تنبيهات الأول: اختلف في موضع الخاتم من جسده صلى اللَّه عليه وسلم: ففي صحيح مسلم: أنه عند نغض كتفه الأيسر. وفي رواية شاذة عن سلمان أنه عند غضروف كتفه اليمنى عزى هذه الرواية الشيخ في الخصائص الكبرى والسخاوي في جمع طرق قصة سلمان من رواية أبي قرة الكندي [ (1) ] عنه لدلائل البيهقي ولم أر ذلك في نسختين منها، لا في الكلام على خاتم النبوة ولا في قصة سلمان، فكأنه في موضع آخر غيرهما. الثاني: قال العلماء: هذه الروايات متقاربة في المعنى وليس ذلك باختلاف بل كل راو شبه بما نسخ له، فواحد قال كزر الحجلة وهو بيض الطائر المعروف أو زرار البشخاناه. وآخر كبيضة الحمامة. وآخر كالتفاحة وآخر بضعة لحم ناشزة. وآخر لحمة ناتئة. وآخر كالمحجمة. وآخر كركبة العنز. وكلها ألفاظ مؤداها واحد وهو قطعة لحم. ومن قال: شعر. فلأن الشعر حوله متراكب عليه كما في الرواية الأخرى. قال أبو العباس القرطبي في «المفهم» : دلت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئاً بارزا أحمر عند كتفه صلى اللَّه عليه وسلم الأيسر إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر قدر جمع اليد. وذكر نحوه القاضي وزاد: وأما رواية جمع اليد فظاهرها المخالفة، فتتأول على وفق الروايات الكثيرة، ويكون معناها: على هيئة جمع الكف لكنه أصغر منه في قدر بيضة الحمامة. الثالث: قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: والحكمة في كون الخاتم عند نغض كتفه الأيسر أنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع منه يوسوس لابن آدم. قلت: روى أبو عمر بسند قوي عن عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه تعالى أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن أدم فأري جسدا ممهى يرى داخله من خارجه، وأري

_ [ (1) ] أبو قرة بن معاوية بن وهب بن قيس بن حجر الكندي ... ذكره ابن الكلبي وقال كان شريفا وفد على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذكر ابن سعد أن ابنه عمرو بن أبي قرة ولى قضاء الكوفة بعد شريح. [الإصابة 7/ 157] .

الشيطان في صورة ضفدع عند كتفه حذاء قلبه له خرطوم كخرطوم البعوضة وقد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه فإذا ذكر اللَّه تعالى العبد خنس. قال السهيلي: والحكمة في وضع خاتم النبوة على جهة الاعتبار أنه صلى اللَّه عليه وسلم لما ملئ قلبه إيمانا ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا، فجمع اللَّه تعالى أجزاء النبوة لسيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتممه وختم عليه بختمه فلم تجد نفسه ولا عدوه سبيلا إليه من أجل ذلك الختم، لأن الشيء المختوم محروس، وكذلك تدبير اللَّه تعالى لنا في هذه الدار إذا وجد أحدنا الشيء بختمه زال الشك وانقطع الخصام فيما بين الآدميّين، فلذلك ختم رب العالمين في قلبه ختما يطمئن له القلب وألقى فيه النور ونفذت قوة القلب فظهر بين كتفيه كالبيضة. الرابع: قال الحافظ: مقتضى الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودا عند ولادته صلى اللَّه عليه وسلم، وإنما وضع لما شق صدره عند حليمة وفيه تعقب على من زعم أنه صلى اللَّه عليه وسلم ولد به، وهو قول نقله أبو الفتح بلفظ: قيل ولد به وقيل حين وضع. ونقله مغلطاي عن ابن عائذ. قال الحافظ: وما تقدم أثبت. قلت: وصححه في «الغرر» وتقدمت الأحاديث التي فيها ذكر الختم في باب شق صدره الشريف صلى اللَّه عليه وسلّم فراجعها. ومقتضاها والحديث السابق أول هذا الباب أن الختم تكرر ثلاث مرات: الأول وهو في بلاد بني سعد. والثانية: عند المبعث. والثالثة: ليلة الإسراء، ولم أقف في شيء من أحاديث شق صدره صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن عشر سنين على ذكر الخاتم. فاللَّه تعالى أعلم. الخامس: سئل الحافظ برهان الدين الحلبي رحمه اللَّه تعالى: هل خاتم النبوة من خصائص النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ أو كلّ نبي مختوم بخاتم النبوة؟ فأجاب: لا أستحضر في ذلك شيئاً ولكن الذي يظهر أنه صلى اللَّه عليه وسلم خص بذلك لمعان منها: أنه إشارة إلى أنه خاتم النبيين وليس كذلك غيره. ولأن باب النبوة ختم به فلا يفتح بعده أبدا. وروى الحاكم عن وهب بن منبه رحمه اللَّه تعالى قال: لم يبعث اللَّه نبيا إلا وقد كانت عليه شامة النبوة في يده اليمنى، إلا أن يكون نبينا صلى اللَّه عليه وسلم، فإن شامة النبوة كانت بين كتفيه صلى اللَّه عليه وسلم. فعلى هذا يكون وضع الخاتم بظهر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مما اختص به عن الأنبياء وجزم به الشيخ رحمه اللَّه تعالى في «أنموذج اللبيب» كما في النسخ الصحيحة خلافا لما وقع في غيرها مما يخالف ذلك.

السادس: قال القاضي رحمه اللَّه تعالى: إن الختم هو أثر شق الملكين لما بين كتفيه. وتعقبه النووي فقال: هذا باطل لأن الشق إنما كان في صدره صلى اللَّه عليه وسلم وبطنه، وقال القرطبي أثره- أي الشق- إنما كان خطا واضحا من صدره إلى مراق بطنه كما في الصحيح. ولم يثبت قط أنه بلغ الشق حتى نفذ من وراء ظهره، ولو ثبت لزم عليه أن يكون مستطيلا من بين كتفيه إلى بطنه أي أسفل بطنه لأنه الذي يحاذي الصدر من مسربته إلى مراقّ البطن. قال: فهذه غفلة من القاضي. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: كذا قال. وقد وقفت على مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي وفيه أن الملكين لما شقا صدره صلى اللَّه عليه وسلم قال أحدهما للآخر خطه فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة. انتهى. فلما ثبت أن خاتم النبوة بين كتفيه كان ذلك أثر الختم. وفهم النووي وغيره أن قوله: «بين كتفيه» متعلق بالشق، وليس كذلك بل هو متعلق بالختم ويؤيده ما في حديث شداد بن أوس عند أبي يعلى وأبي نعيم في الدلائل أن الملك لما أخرج قلبه وغسله ثم أعاده ختم عليه بخاتم في يده من نور فامتلأ نورا وذلك نور النبوة. فيحتمل أن يكون ظهر من وراء ظهره عند كتفه الأيسر لأن القلب في تلك الجهة. وفي حديث عائشة عند أبي داود الطيالسي وابن أبي أسامة وأبي نعيم في الدلائل أن جبريل وميكائيل لما تراءيا له عند المبعث «هبط جبريل فسلقني لحلاوة القفا ثم شق قلبي فاستخرجه ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم ألقاني وختم في ظهري حتى وجدت برد الخاتم في قلبي قال: اقرأ» [ (1) ] وذكر الحديث. هذا مستند القاضي رحمه اللَّه تعالى وليس بباطل. قلت: وقد تقدم في التنبيه الثالث من كلام السهيلي ما يوضح ما ذكره القاضي فراجعه. السابع: وقع في حديث شداد بن أوس [ (2) ] في مغازي ابن عائذ في قصة شق صدره صلى اللَّه عليه وسلم وهو في بلاد بني سعد بن بكر «وأقبل وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه» وهذا قد يؤخذ منه أن الختم وقع في موضعين من جسده صلى اللَّه عليه وسلم والعلم عند اللَّه تعالى. الثامن: قال الحافظ: ما قيل أن الخاتم كان كأثر المحجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء مكتوب عليها: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه أو سر فإنك المنصور. ونحو ذلك فلم يثبت من ذلك شيء ولا يغير بما وقع في صحيح ابن حبان فإنه غفل حيث صحح ذلك.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (175) . [ (2) ] شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري، أبو يعلى، صحابي، مات بالشام قبل الستين أو بعدها، وهو ابن أخي حسان بن ثابت. [انظر التقريب 1/ 347] .

وقال القطب في «المورد» والمحب ابن الشهاب بن الهائم في «الغرر» : إنه حديث باطل. ونقل أبو الخطاب بن دحية رحمه اللَّه تعالى عن الحكيم الترمذي أنه قال: كان الخاتم الذي بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها: اللَّه وحده. وفي ظاهرها: توجه حيث شئت فإنك منصور. قال ابن دحية: وهذا غريب واستنكروه. وتقدم لهذا مزيد بيان في فصل: اختلف في صفة خاتم النبوة فراجعه. التاسع: قيل أن الخاتم النبوي الذي كان بين كتفيه صلى اللَّه عليه وسلم رفع عند وفاته فكان بهذا عرف موته صلى اللَّه عليه وسلم. فروى أبو نعيم والبيهقي من طريق الواقدي عن شيوخه قالوا: شكوا في موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال بعضهم: قد مات. وقال بعضهم: لم يمت. فوضعت أسماء بنت عميس [ (1) ] . رضي اللَّه تعالى عنها يدها بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: قد مات، قد رفع الخاتم من بين كتفيه. وكان بهذا عرف موته صلى اللَّه عليه وسلم. ورواه ابن سعد عن الواقدي عن ام معاوية أنه لما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فذكره. والواقدي متروك بل كذبه جماعة. وذكر في «الزهر» أن الحاكم روى في تاريخه عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها أنها لمست الخاتم حين توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجدته قد رفع. انتهى. ووقع لي نصف تاريخ الحاكم فطالعته فلم أر فيه ذلك وكأنه فيما لم يقع لي. فلينظر سنده، وما أخاله صحيحا. وعلى تقدير كونه صحيحا قال في «الاصطفاء» فإن قيل: النبوة والرسالة باقيتان بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم حقيقة كما يبقى وصف الإيمان للمؤمن بعد موته لأن المتصف بالنبوة والرسالة والإيمان هو الروح وهي باقية لا تتغير بموت البدن كما صرح به النسفي فلم رفع ما هو علامة على ذلك؟ قلت: لأنه لما وضع لحكمة وهي تمام الحفظ والعصمة من الشيطان وقد تم الأمن منه بالموت فلم يبق لبقائه في جسده فائدة. وما ذكره النسفي من بقاء النبوة والرسالة بعد موت الأنبياء حقيقة هو مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه اللَّه تعالى وعامة أصحابه، لا لما قال النسفي بل لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم كما وردت به الأخبار وسيأتي تحقيق ذلك في باب حياته في قبره صلى اللَّه عليه وسلم. العاشر: روى الحافظ إبراهيم الحربي في غريبه وابن عساكر في تاريخه، عن جابر

_ [ (1) ] أسماء بنت عميس الخثعمية، صحابية، تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر، ثم عليّ وولدت لهم، وهي أخت ميمونة بنت الحارث، أم المؤمنين لأمها، ماتت بعد عليّ. [التقريب 2/ 589.]

رضي اللَّه تعالى عنه قال: أردفني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خلفه فالتقمت خاتم النبوة بفيّ فكان ينم علي مسكا. الحادي عشر: في بيان غريب ما سبق: زر الحجلة: اختلف في ضبط زر وفي الحجلة ومعنييهما. فقيل في «زر» إنه بتقديم الزاي على الراء المشددة والحجلة بفتح الحاء المهملة والجيم وعلى هذا فقيل المراد بالزر الذي يعقد به النساء عرى حجولهن كأزرار القميص والحجلة بيت من ثياب كالقبة يجعل بابه من جنبه يجعل فيه الزر والعروة. وقيل المراد بالزر البيض والحجلة الطائر المعروف. قال الترمذي رحمه اللَّه تعالى: ويساعده في ذلك رواية كبيضة حمامة. قال النووي: والصحيح المشهور هو الأول. وقيل المراد بالحجلة من حجل الفرس. نقله البخاري في الصحيح عن محمد بن عبيد اللَّه بن محمد بن أبي زيد [ (1) ] . قال في المطالع وقيده بعضهم بضم الحاء وفتح الجيم. قال في المطالع: إن كان سمي البياض الذي بين عيني الفرس حجلة لكونه بياضا كما سمي بياض القوائم تحجيلا فما معنى الزر مع هذا؟ لا يتجه له فيه وجه. وقال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: واستبعد السهيلي قول ابن عبيد اللَّه بأنه من حجل الفرس الذي بين عينيه بأن التحجيل إنما يكون في القوائم وأما الذي في الوجه فهو الغرة وهو كما قال: إلا أن منهم يطلقه على ذلك مجازا وكأنه أراد قدر الزر وإلا فالغرة لا زر لها. وضبطه بعضهم بتقديم الراء على الزاي. حكاه الخطابي وفسره بأنه البيض من قولهم. أرزت الجرادة بفتح الراء وتشديد الزاي إذا أدخلت ذنبها في الأرض لتبيض. فاستعار له الطائر. قال في «المفهم» : لا يسمى العرب البيضة «رزة» ولا تؤخذ اللغة بالقياس. النغض- بنون تضم وتفتح فغين ساكنة فضاد معجمتين- قال الجمهور: النغض والناغض: أعلى الكتف. وقيل هو العظم الدقيق الذي على طرفه [ (2) ] وقيل: ما يظهر عند التحرك. السلعة. بكسر السين وسكون اللام وفتح العين: وهي هنا خراج كهيئة الغدة يتحرك بالتحريك. البضعة: القطعة من اللحم والجمع بضع وبضعات. وبضع وبضاع. مثل تمرة وتمر وسجدات وبدر وصحاف.

_ [ (1) ] محمد بن عبيد اللَّه بن محمد بن زيد مولى عثمان أبو ثابت المدني. عن مالك وإبراهيم بن سعد. وعنه (خ) وأبو حاتم. وقال: صدوق. [الخلاصة 2/ 424] . [ (2) ] في أ: كتفه.

ناشزة: بنون وشين مكسورة فزاي معجمتين: مرتفعة. ناتئة- بالهمز وتركه: أي خارجة من موضعها من غير أن تبين. جمع- بضم الجيم، وحكى ابن الجوزي وابن دحية كسرها وبه جزم في «المفهم» إسكان الميم أي مجمع الكف وهو صورته بعد أن تجمع الأصابع وتضمها يقال ضربه بجمع كفه. خيلان- بخاء معجمة مكسورة فمثناة ساكنة: جمع خال وهو الشامة في الجسد. الثآليل [ (1) ]- بالثاء المثلثة- جمع ثؤلول بهمزة ساكنة وزان عصفور ويجوز التخفيف: حب يظهر في الجسد كالحمصة فما دونها. قال القرطبي في المفهم: نقط سود كانت على الخاتم شبهها بها لسعتها لا أنها كانت ثآليل. الغضروف: رأس لوح الكتف. متراكبات: مجتمعات. سلقني: ألقاني على ظهري. قال في النهاية ويروى بالصاد أيضاً وبالسين أكثر. واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 93.

الباب الثالث عشر في صفة صدره وبطنه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث عشر في صفة صدره وبطنه صلى اللَّه عليه وسلم قال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عريض الصدر سواء البطن والصدر مشيح الصدر. رواه الترمذي. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: لم تعبه ثجلة ولا تزريه صعلة. رواه الحارث بن أبي أسامة. وقالت أم هانئ رضي اللَّه تعالى عنها: ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا تذكرت القراطيس المثنى بعضها على بعض. رواه أبو داود الطيالسي وابن سعد. وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه: كانت له صلى اللَّه عليه وسلم عكن ثلاث يغطي الإزار منها واحدة ويظهر اثنتان، ومنهم من قال: يغطي الإزار منها اثنتين ويظهر واحدة- تلك العكن أبيض من القباطي المطواة وألين مسا. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفاض البطن. رواه الترمذي والبيهقي. وقال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنور المتجرد دقيق المشربة موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر. رواه الترمذي. وقال أبو أمامة رضي اللَّه تعالى عنه كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متفتق الخاصرة. رواه ابن عساكر. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبيض الكشحين. رواه ابن عساكر. وقال علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طويل المسربة. رواه الترمذي وصححه. وقال أيضاً: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شعر يجري من لبته إلى سرته كالقضيب ليس في صدره ولا بطنه شعر غيره.

[تفسير الغريب]

رواه ابن سعد وابن عساكر [ (1) ] . وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دقيق المسربة له شعرات من لبته إلى سرته كأنهن قضيب مسك أذفر، ولم يكن في جسده ولا صدره شعرات غيرهن. رواه ابن عساكر. [تفسير الغريب] سواء: بالمد أي مستوي البطن والصدر يعني أن يظنه غير خارج فهو مساو لصدره. وصدره عريض فهو مساو لبطنه. مشيح- بميم مضمومة فشين معجمة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة. أي بادي الصدر غير قعس، والقعس: نتوء الصدر خلقة. ويروى: فسيح الصدر بالفاء ومهملتين أي واسع الصدر. الثّلجة- بثاء مثلثة وجيم ساكنة فلام مفتوحة: عظيم البطن ويروى بالنون والحاء المهملة وهو النحول وهو الدقة وضعف التركيب. ولا تزريه [ (2) ] . بضم أوله. الصقلة. بالصاد المهملة والقاف: الدقة والنحول. وقيل أرادت أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن منتفخ الخاصرة جدا ولا ناحلا جدا. القراطيس: جمع قرطاس. مفاض البطن: أي واسعه. وقيل مستوى البطن مع الصدر. أنور: من النور تريد شدة بياضه وحسنه. المتجرد- بضم الميم وفتح التاء والجيم والراء المشددة: ما جرد عنه الثوب من بدنه وهو المجدد أيضاً. المسربة- بفتح الميم وسكون السين المهملة وضم الراء وفتح الباء الموحدة فتاء تأنيث: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة. اللبة- بفتح اللام وتشديد الموحدة المفتوحة: المنحر وهي التطامن الذي فوق الصدر

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد (1/ 2/ 133) . [ (2) ] انظر اللسان 2/ 1830.

وأسفل الحلق بين الترقوتين وفيها تنحر الإبل. عاري الثديين إلى آخره: أي أن ثدييه وبطنه- ليس عليهما شعر سوى المسربة المتقدم ذكرها الذي جعله جاريا كالخط. الأشعر: الذي عليه الشعر من البدن. الكشح: الخصر. واللَّه اعلم.

الباب الرابع عشر فيما جاء في شق صدره وقلبه الشريفين صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع عشر فيما جاء في شق صدره وقلبه الشريفين صلى الله عليه وسلم قال اللَّه تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح 1] قال في الكشاف: استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار مبالغة في إثبات الشرح وإيجابه فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك. ولذلك عطف عليه «ووضعنا» اعتبارا للمعنى. قال الطيبي: أي أنكر عدم الشرح فإذا أنكر ذلك ثبت الشرح لأن الهمزة للإنكار، والإنكار نفي، والنفي إذا دخل على النفي عاد إثباتا، ولا يجوز جعل الهمز للتقرير. قال الراغب رحمه اللَّه تعالى: أصل الشرح بسط اللحم ونحوه يقال شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر وهو بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة اللَّه وروح منه. النقاش [ (1) ] : الشرح التوسعة وكل ما وسعته فقد شرحته. الراغب: الصدر الجارحة وجمعه صدور. قال بعض الحكماء: حيثما ذكر اللَّه تعالى القلب فإشارة إلى العقل والعلم نحو: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق 37] وحيثما ذكر الصدر فإشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى من الشهوة والهوى ونحوهما وقوله: تعالى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه 25] سؤال لإصلاح قواه وكذا: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة 14] فإشارة إلى ذلك. مكي: المراد بالصدر القلب، لأنه وعاء الفهم والعلم وإنما ذكر الصدر لقربه من القلب وامتزاجه به. الحكيم الترمذي: ذكر الصدر دون القلب لأن محل الوسوسة في الصدر، فأزال اللَّه تلك الوسوسة وأبدلها بدواعي الخير وهي الشرح. وقيل القلب محل العقل والمعرفة وهو الذي

_ [ (1) ] محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون الموصلي ثم البغدادي أبو بكر النقاش المقري المفسر، كان إمام أهل العراق في القراءات والتفسير. قرأ القرآن على هارون بن موسى الأخفش. وابن أبي مهران (1) وجماعة. وقرأ عليه خلائق. منهم أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران، وأبو الحسين الحمامي وجماعة. وروى الحديث عن أبي مسلم الكجّيّ، ومطيّن. والحسن بن سفيان وآخرين. وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وأبو أحمد الفرضيّ، وأبو علي بن شاذان وجماعة. ورحل وطوّف من مصر إلى ما وراء النهر في لقي المشايخ. وصنف التفسير وسماه «شفاء الصدور» وله «الإشارة في غريب القرآن» و «الموضح في معاني القرآن» و «دلائل النبوة» و «القراءات» بعلها، وأشياء آخر. ضعّفه جماعة. قال البرقاني: كل حديث النّقّاش منكر. وقال طلحة بن محمد بن جعفر: كان يكذب في الحديث. وقال الخطيب: في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة. وقال الذهبي: متروك، ليس بثقة على جلالته ونبله. وقال هبة اللَّه اللاكائي: تفسير النقاش، إشفاء الصدور، ليس شفاء الصدور. طبقات لمفسرين للسيوطي 80، 81، وتذكرة الحفاظ 3/ 908.

يقصده الشيطان فإن الشيطان يجيء الصدر الذي هو حصن القلب فإذا وجد مسلكا أغار عليه فيضيق القلب ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة فإذا طرد العدو في الابتداء حصل الأمن وزال الضيق وانشرح الصدر وتيسر له القيام بأداء العبودية. الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه اللَّه تعالى: كان موسى صلى الله عليه وسلم مريدا إذ قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وكان نبينا صلى الله عليه وسلم مرادا إذ قيل له أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الإمام الرازي رحمه اللَّه تعالى: وإنما لم يقل: ألم نشرح صدرك دون «لك» لوجهين: أحدهما: أراد شرحته لأجلك كما تفعل أنت الطاعة لأجلي. الثاني: أن فيه تنبيها على أن منافع الرسالة عائدة إليه عليه الصلاة والسلام، كأنه قيل إنما شرحنا لك صدرك لأجلك لا لأجلي. وإنما قال «نشرح» بنون العظمة لأن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة، وكان صلى الله عليه وسلم يضيق صدره من منازعة الجن والإنس فآتاه اللَّه تعالى من آياته ما اتسع لكل ما حمله صلى الله عليه وسلم. واختلف المفسرون في معنى الآية على أقوال: فقال الإمام البيضاوي رحمه اللَّه تعالى: ألف نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق وكان غائبا حاضرا أو: ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل. أو: بما يسرناه لك من تلقي الوحي بعد ما كان يشق عليك. وقيل: إنه إشارة إلى ما روي أن جبريل أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في صباه أو يوم أخذ الميثاق فاستخرج قلبه فغسله فملأه إيمانا وعلما ولعله إشارة إلى نحو ما سبق انتهى. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى في حواشيه: إن أراد بقوله «يوم الميثاق» يوم أخذه في عالم الذر فلا أصل له. وإن أراد به يوم بعث ونبئ. وبيض الشيخ هنا. قلت: وكأنه أراد: فله أصل. كما سيأتي في المرة الثالثة. ولا منافاة بين هذه الأقوال السابقة وبين شق صدره صلى الله عليه وسلم فإن من جملة شرح صدره شقه وإخراج ما فيه من أذى كما أشار إلى ذلك الحافظان أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وابن كثير رحمهما اللَّه تعالى. وقد تكرر شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم أربع مرات: الأولى: وهو صلى الله عليه وسلم صغير في بني سعد. روى البيهقي عن إبراهيم بن طهمان- بفتح الطاء المهملة رحمه اللَّه تعالى: قال: سألت سعدا عن قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ فحدثني به عن قتادة عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: شق بطنه صلى الله عليه وسلم من عند صدره إلى أسفل بطنه فاستخرج قلبه الخ.

تفسير الغريب

وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه واستخرج القلب ثم شق القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه فأعاده مكانه. وجعل الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره- فقالوا: إن محمدا قد قتل فجاؤوه وهو منتقع اللون. قال أنس: فلقد كنت أرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم. وروى الإمام أحمد والدارمي والحاكم وصححه والطبراني والبيهقي وأبو نعيم، عن عتبة بن عبد- بغير إضافة- السلمي [ (1) ] رضي اللَّه تعالى عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا فقلت: يا أخي أذهب فائتنا بزاد من عند أمنا. فأنطلق أخي ومكث عند البهم فأقبل إلي طائران كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقّاه بطني ثم استخرجا قلبي شقّاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه: إيتني بماء ثلج فغسلا به جوفي- ثم قال: إيتني بماء برد فغسلا به قلبي. ثم قال: إيتني بالسكينة فذراها في قلبي. ثم قال أحدهما لصاحبه حصه. فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة. وذكر الحديث. تفسير الغريب الظئر ومنتقع اللون. تقدما في شرح غريب قصة الرضاع. المخيط بكسر الميم: ما يخاط به. البهم وزن فلس- جمع بهمة وهي الصغير من أولاد الغنم. نسران: تثنية نسر- طائر معروف والجمع أنسر ونسور مثل فلس وأفلس وفلوس. ذراها بذال معجمة: حشياها. حصه بحاء مهملة مضمومة: أي خطه يقال حاص الثوب يحوصه حوصا إذا خالطه. المرة الثانية: وهو صلى الله عليه وسلم ابن عشر سنين. روى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند بسند رجاله ثقات، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم وابن عساكر والضياء، في «المختارة» عن أبي بن كعب رضي اللَّه تعالى عنه أن أبا هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: يا رسول اللَّه ما أول ما ابتدئت به من أمر النبوة؟ قال: إني لفي صحراء أمشي ابن عشر حجج إذا أنا برجلين فوق رأسي يقول أحدهما لصاحبه:

_ [ (1) ] عتبة بن عبد، السّلمي، أبو الولية، صحابي شهير، أول مشاهده قريظة، مات سنة سبع وثمانين، ويقال بعد التسعين، وقد قارب المائة [التقريب 5/ 2] .

تفسير الغريب

أهو هو؟ قال نعم. فأخذاني فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أرها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسا. فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعاني بلا قصر ولا هصر وفي لفظ: فقلباني لحلاوة القفا ثم شقا بطني. وفي لفظ فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره. فخوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فكان أحدهما يختلف بالماء في طست من ذهب والآخر يغسل جوفي فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره فإذا صدري فيما أرى مفلوقا لا أجد له وجعا. ثم قال: شق قلبه فشق قلبي فقال: أخرج الغل والحسد منه. فأخرج شبه العلقة فنبذ به. ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة في قلبه. فأدخل شيئاً كهيئة الفضة. ثم أخرج ذرورا كان معه فذره عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: اغد واسلم. فرجعت بما لم أغد به من رحمتي للصغير ورأفتي للكبير [ (1) ] . تفسير الغريب الحجج: بكسر الحاء وفتح الجيم الأولى السنون. الأرواح: جمع ريح بمعنى الرائحة وهي عرض يدرك بحاسة الشم وهي مؤنثة يقال ريح [ (2) ] ذكيُة. بلا قصر: قصرت الثوب أي أرخيته بلا استرخاء. ولا هصر: قال في النهاية: هصر ظهره أي ثناه إلى الأرض. وأصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه إليك وتعطفه. حلاوة القفا: يأتي بيانه في بيان غريب المرة الثالثة. خوى أحدهما إلى صدري: أي مال إليه. ذرورا: بفتح الذال المعجمة. المرة الثالثة: عند المبعث. روى أبو داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما، والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل، عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة. فوافق ذلك شهر رمضان فخرج ذات ليلة فسمع: السلام عليك. قال: فظننت أنها فجاءة الجن، فجئت مسرعا حتى دخلت على خديجة فقالت: ما شأنك؟ فأخبرتها فقالت: أبشر فإن السلام خير. ثم خرجت مرة أخرى فإذا أنا بجبريل على الشمس له جناح بالمشرق

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 226، وعزاه لعبد الله وقال ورجاله ثقات وثقه ابن حبان. [ (2) ] في أ: رائحة.

وجناح بالمغرب فهلت منه فجئت مسرعا فإذا هو بيني وبين الباب فكلمني حتى أنست منه ثم وعدني موعدا فجئت له فأبطأ علي فأردت أن أرجع فإذا أنا به وبميكائيل قد سد الأفق فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذني جبريل فألقاني لحلاوة القفا ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم استخرج منه ما شاء اللَّه أن يستخرج ثم غسله في طست من ماء زمزم ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم أكفأني كما يكفأ الإناء ثم ختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي. وذكر الحديث [ (1) ] . تفسير الغريب فُجاءة الجن بالضم والمد، وفي لغة بوزن تمرة: بغتة. هلت منه: خفت وزنا ومعنى. الأفق. بضم الهمزة والفاء: الناحية والجمع آفاق. حلاوة القفا: بتثليث الحاء المهملة وحلاواه. فإن ضممت قصرت وهي وسط القفا. أكفأني: قلبني. المرة الرابعة: ليلة الإسراء. روى مسلم والبرقاني بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وبالقاف والنون، وغيرهما عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتيت وأنا في أهلي فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري، ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئا حكمة وإيمانا فحشي بهما صدري. قال أنس والنبي صلى الله عليه وسلم يرينا صدره. فعرج بي الملك إلى سماء الدنيا. وذكر حديث المعراج [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن مالك بن صعصعة [ (3) ] رضي اللَّه تعالى عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم وربما قال قتادة: في الحجر. مضطجعا إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه: الأوسط من الثلاثة. فأتاني فشق ما بين هذه إلى هذه. يعني من ثغرة نحره إلى شعرته. فاستخرج قلبي. فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد. ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار. ورواه البخاري من طريق شريك عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه [ (4) ] واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (171) . [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 145 (259- 162) . [ (3) ] مالك بن صعصعة بن وهب بن عديّ بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي الأنصاري النجاري. له خمسة أحاديث، اتفقا على حديث المعراج (5) . وعنه أنس. [الخلاصة 3/ 5] . [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 348 (3207) ومسلم في الموضع السابق.

ذكر أحاديث فيها شق صدره صلى الله عليه وسلم من غير تعيين زمان

ذكر أحاديث فيها شق صدره صلى الله عليه وسلم من غير تعيين زمان عن أبي ذر رضي اللَّه تعالى عنه قال: قلت يا رسول اللَّه كيف علمت أنك نبي حتى علمت ذلك واستيقنت أنك نبي؟ قال: يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا في بعض بطحاء مكة فوقع أحدهما بالأرض وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه، هو هو؟ فقال: هو هو. فقال: زنه برجل فوزنت برجل فرجحت. فقال: زنه بعشرة فوزنني بعشرة فوزنتهم. فقال: زنه بمائة فوزنني بمائة فرجحتهم. ثم قال: زنه بألف. فوزنني بألف فرجحتهم فجعلوا ينتثرون علي من كفة الميزان. فقال أحدهما للآخر: لو وزنته بأمته رجحها. ثم قال أحدهما لصاحبه: شق بطنه فشق بطني ثم قال أحدهما لصاحبه: اغسل قلبه فشق قلبي فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحهما ثم قال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاءة، ثم دعا بسكينة كأنها برهرة بيضاء فأدخلت قلبي، ثم قال احدهما لصاحبه: خط بطنه. فخاط بطني فجعلا الخاتم بين كتفي فما هو إلا أن وليا عني فكأنما أعاين الأمر معاينة. رواه الدارمي والبزّار والرّوياني وابن عساكر والضياء في المختارة. وروى البيهقي عن يحيى بن جعدة [ (1) ] رحمه اللَّه تعالى: مرسلا. قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن ملكين جاءاني في صورة كركيين معهما ثلج وبرد وماء بارد فشق أحدهما صدري ومج الآخر بمنقاره فيه فغسله. وروى أبو نعيم عن يونس بن ميسرة بن حلبس [ (2) ] بمهملتين في طرفيه وموحدة وزن جعفر رحمه اللَّه تعالى- مرسلا. قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتاني ملك بطست من ذهب فشق بطني فاستخرج حشوة جوفي فغسلها ثم ذرّ عليه ذرورا ثم قال: قلب وكيع يعي ما وضع [ (3) ] فيه عينان [ (4) ] بصيرتان وأذنان تسمعان وأنت محمد رسول اللَّه المقفي الحاشر، قلبك سليم ولسانك صادق ونفسك مطمئنة وخلقك قيم وأنت قثم. وروى الدارمي وابن عساكر، عن ابن غنم [ (5) ]- بغين معجمة مفتوحة فنون ساكنة- وهو

_ [ (1) ] يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي، ثقة وقد أرسل عن ابن مسعود ونحوه. [التقريب 2/ 344] . [ (2) ] يونس بن ميسرة بن حلبس بفتح المهملة والموحدة بينهما لام ساكنة وآخره مهملة الحميري الدّمشقي الزاهد عن معاوية وواثلة. وعنه الأوزاعي ومروان بن جناح. وثقة الدارقطني قتلته المسودة سنة اثنتين وثلاثين ومائة بدمشق. [الخلاصة 3/ 194] . [ (3) ] في: أ: وقع. [ (4) ] في أ: عيناك. [ (5) ] عبد الرحمن بن غنم، بفتح المعجمة وسكون النون، الأشعري، مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين، مات سنة ثمان وسبعين. [التقريب 1/ 494] .

ذكر غريب ما تقدم

مختلف في صحبته رضي اللَّه تعالى عنه قال: نزل جبريل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وسلم فشق قلبه ثم قال جبريل: قلبك وكيع فيه أذنان سميعتان وعينان بصيرتان محمد رسول اللَّه المقفي الحاشر خلقك قيم ولسانك صادق ونفسك مطمئنة. ذكر غريب ما تقدم ثغرة النحر: بالضم: وهي النقرة التي بين الترقوتين. شعرته بكسر الشين المعجمة: العانة. كفه الميزان: بتثليث الكاف والكسر أشهر. مغمز الشيطان: بفتح الميم الأولى وإسكان الغين المعجمة وكسر الميم الثانية وآخره زاي، وهو الي يغمزه الشيطان من كل مولود، إلا عيسى ابن مريم وأمه لقول أمها حنة: وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [آل عمران 36] قال السهيلي: ولا يدل هذا على أفضلية عيسى على نبينا صلى الله عليه وسلم فقد نزع ذلك منه وملئ حكمة وإيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد. الملاءة بالضم والمد: الإزار. سكينة وبرهرة. سيأتي الكلام عليها. حشوة بضم الحاء وكسرها: الأمعاء. وكيع [ (1) ] قال في النهاية: قلب وكيع: واع: أي متين محكم ومنه قولهم: سقاء وكيع إذا كان محكم الخرز. قيم بمثناة تحتية. وقثم: بمثلثة. وتقدم الكلام عليهما في الأسماء. تنبيهات الأول: قال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه اللَّه تعالى: في أول شرحه لتقريبه. قد أنكر صحة وقوع شق الصدر ليلة الإسراء ابن حزم وعياض وادعيا أنه تخليط من شريك. وليس كذلك فقد ثبت في الصحيحين من غير طريق شريك. وقال الإمام أبو العباس القرطبي في المفهم: لا يلتفت لإنكار شق الصدر ليلة الإسراء لأن رواته ثقات مشاهير. وقال الحافظ: قد أنكر شق الصدر ليلة الإسراء بعضهم ولا إنكار في ذلك، فقد تواترت به الروايات. الثاني: قال القرطبي في المفهم والتوربشتي- بضم المثناة الفوقية وفتح الراء وكسر

_ [ (1) ] انظر لسان العرب [5/ 4908] .

الموحدة وسكون الشين المعجمة بعدها مثناة فوقية- في شرح المصابيح والطيبي في شرح المشكاة والحافظ والشيخ وغيرهم رحمهم اللَّه تعالى أن جميع ما ورد في شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك مما يجب التسليم له دون تعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك. ويؤيده الحديث الصحيح أنهم كانوا يرون أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: وما وقع من بعض جهلة العصر من إنكار ذلك وحمله على الأمر المعنوي وإلزام قائله القول بقلب الحقائق، فهو جهل صريح وخطأ قبيح نشأ من خذلان اللَّه تعالى لهم وعكوفهم على العلوم الفلسفية وبعدهم عن دقائق السنة. عافانا اللَّه تعالى من ذلك. الثالث: قال العلامة ابن المنير- بضم الميم وفتح النون وكسر التحتية المشددة رحمه اللَّه تعالى: وشق الصدر له صلى الله عليه وسلم وصبره عليه من جنس ما ابتلى به اللَّه الذبيح وصبر عليه، بل هذا أشق وأجل لأن تلك معاريض وهذه حقيقة، وأيضاً فقد تكرر ووقع له صلى الله عليه وسلم وهو صغير يتيم بعيد من أهله صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا. الرابع: سئل شيخ الإسلام أبو الحسن السبكي رحمه اللَّه تعالى عن العلقة السوداء التي أخرجت من قلبه صلى الله عليه وسلم حين شق فؤاده وقول الملك: هذا حظ الشيطان منك. فأجاب رحمه اللَّه تعالى: بأن تلك العلقة خلقها اللَّه تعالى في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه صلى الله عليه وسلم فلم يبق فيه مكان لأن يلقي الشيطان فيه شيئاً. هذا معنى الحديث ولم يكن للشيطان فيه حظ. وأما الذي نفاه الملك هو أمر في الجبلات البشرية فأزيل القابل الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب. قيل له: فلم خلق اللَّه تعالى هذا القابل في هذه الذات الشريفة، وكان يمكن أن لا يخلقه اللَّه تعالى فيها؟ فقال: إنه من جملة الأجزاء الإنسانية فخلقه تكملة للخلق الإنساني ولا بد منه ونزعه كرامة ربانية طرأت. وقال غيره: لو خلق اللَّه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم سليما فيها لم يكن للآدميين اطلاع على حقيقته، فأظهره اللَّه تعالى على يد جبريل عليه الصلاة والسلام ليتحقق كمال باطنه كما برز لهم مكمل الظاهر. الخامس: قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة [ (1) ]- وهو بجيم مفتوحة فراء مهملة

_ [ (1) ] عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي، أبو محمد: من العلماء بالحديث، مالكي. أصله من الأندلس ووفاته بمصر. من كتبه «جمع النهاية اختصر به صحيح البخاري، ويعرف بمختصر ابن أبي جمرة، و «بهجة النفوس» في شرح جمع النهاية، و «المرائي الحسان» في الحديث والرؤيا. توفي سنة 695 هـ[الأعلام 4/ 89] .

رحمه اللَّه تعالى: الحكمة في شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيمانا وحكمة من غير شق: الزيادة في قوة اليقين لأنه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس حالا ومقالا ولذلك وصف بقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم 17] . السادس: اختلف: هل كان شق الصدر وغسله مختصا به صلى الله عليه وسلم أو وقع لغيره؟ صحح الشيخ رحمه اللَّه تعالى عدم المشاركة. وسيأتي في الخصائص أن الصحيح المشاركة. السابع: في الحكمة في تكرره. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى، بعد أن ذكر الأولى والثالثة والرابعة: ولكل من الثلاث حكمة، فالأولى كان في زمن الطفولية لينشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم عند المبعث زيادة في الكرامة ليتلقى ما يلقى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة. قلت: وسكت عن حكمه المرة الثانية مع ذكره للمرة الثانية في كتاب التوحيد جازما بها ويحتمل أن يقال لما كان العشر قريبا من سن التكليف شق صدره صلى الله عليه وسلم وقدس حتى لا يلتبس بشيء مما يعاب على الرجال. واللَّه تعالى أعلم. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما هي في شرعه صلى الله عليه وسلم. وقال ابن أبي جمرة رحمه اللَّه تعالى: وإنما غسل قلبه صلى الله عليه وسلم وقد كان مقدسا وقابلا لما يلقى فيه من الخير. وقد غسل أولا وهو صغير السن وأخرجت منه العلقة إعظاما وتأهبا لما يلقى هناك. يعني في المعراج. وقد جرت الحكمة بذلك في غير ما موضع مثل الوضوء للصلاة لمن كان متوضئا لأن الوضوء في حقه إنما هو إعظام وتأهب للوقوف بين يدي اللَّه تعالى ومناجاته. وكذلك أيضاً الزيادة على الواحدة والثنتين إذا أسبغ بالأولى لأن الإجزاء قد حصل وبقي ما بعد الإسباغ إلى الثلاث عظاما لما يقدم عليه. وكذلك غسل الباطن هنا وقد قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج 32] فكان الغسل له صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل وإشارة لأمته بالفعل بتعظيم الشعائر كما نص عليه بالقول. وقال البرهان النعماني رحمه اللَّه تعالى في سراجه: قد سن لداخل الحرم الشريف الغسل، فما ظنك بداخل الحضرة المقدسة؟! فلما كان الحرم الشريف من عالم الملك وهو ظاهر الكائنات أنيط الغسل له بظاهر البدن في عالم المعاملات، ولما كانت الحضرة القدسية من عالم الملكوت وهو باطن الكائنات أنيط الغسل بباطن البدن في التحقيقات، وقد عرج به صلى الله عليه وسلم لتفرض عليه الصلاة وليصلي بملائكة السموات، ومن شأن الصلاة الطهور فقدس ظاهرا وباطنا.

فإن قلت: إن اللَّه تعالى خلقه نورا متنقلا من الأنبياء وفي صفاء النور ما يغني عن التطهير الحسي، ثم إن المرة الأولى لم تكن كافية في تطهير الباطن ويلزم عليه أنه بعد النبوة كان فيه شيء يحتاج إلى ذلك، وهو منزه عن أدران البشرية. قلت: الغسلة الأولى لعين اليقين والثانية لعلم اليقين، والثالثة لحق اليقين. الثامن: اختلف هل وقع له صلى الله عليه وسلم مع ذلك مشقة أم لا؟. قال الحافظ: من غير مشقة وبه جزم ابن الجوزي فقال: شقه وما شق عليه. وقال ابن دحية: بمشقة عظيمة ولهذا انتقع لونه صلى الله عليه وسلم أي صار كلون النقع وهو الغبار، وهذه صفة ألوان الموتى. قلت: رواية «انتقع لونه» حكاية، وقع في المرة الأولى وهو صغير في بني سعد. وأما ما وقع بعدها فلم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تأثر لذلك. وقد تقدم في حديث أبي هريرة في المرة الثانية ما يؤيد ذلك فراجعه. التاسع: وقع السؤال هل كان شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم بآلة أم لا: ولم يجب عنه أحد ولم أر من تعرض له بعد التتبع. وظاهر قوله: «فشق» أنه كان بآلة، ويدل لذلك قول الملك في حديث أبي ذر. «خط بطنه فخاطه» وفي لفظ عن عتبة بن عبد: «حصه فحاصه» ، وفي حديث أنس «كانوا يرون أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم» . العاشر: في حديث أبي ذر «وأتيت بالسكينة كأنها برهرهة فوضعت في صدري» قال ابن الأنباري: «برهرهة» وهي السكينة المعوجّة الرأس التي تسميها العامة «المنجل» بالجيم. وقال الخطابي: عثرت على رواية وفيها: أنه شق عن قلبه قال: فدعي بسكينة كأنها درهمة بيضاء، فوقع لي أنه أراد بالبرهرهة سكينة بيضاء صافية الحديد تشبيها بالبرهرهة من النساء في بياضها وصفائها. ثم قال ابن دحية والصواب في هذه اللفظة السكينة- أي بالتخفيف لأنه قال بعد شق البطن، ثم أتيت بالسكينة كأنها برهرهة فوضعت في صدري، فإنما عني بها السكينة التي هي في الأصل اللغة فعيلة من السكون وهي أكثر ما تأتي في القرآن العظيم بمعنى السكون والطمأنينة. الحادي عشر: خص الطست بما ذكر لكونه أشهر آلات الغسل عرفا. قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: وفي ذكر الطست أيضاً وحروف اسمه حكم تنظر إلى قوله تعالى: طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ [النمل 1] .

الثاني عشر: قال السهيلي: خص الذهب لكونه مناسبا للمعنى الذي أريد به فإن نظرت إلى لفظ الذهب فمطابق للذهاب، فإن اللَّه تعالى أراد أن يذهب عنه الرجس ويطهره تطهيرا وإن نظرت إلى معنى الذهب وأوصافه وجدته أنقى شيء وأصفاه يقال في المثل: «أنقى من الذهب» وقالت بريرة في عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر. وقال حذيفة رضي اللَّه تعالى عنه في صلة- بكسر الصاد المهملة- ابن أشيم- بالشين المعجمة- وزن أعلم: إنما قلبه ذهب. وقال جرير بن حازم رحمه اللَّه تعالى، وهو بالحاء المهملة والزاي، في الخليل بن أحمد: إنه لرجل من ذهب. يريد النقاء من العيوب. فقد طابق طست الذهب ما أريد بالنبي صلى الله عليه وسلم من نقاء قلبه. ومن أوصاف الذهب أيضاً المطابقة لهذا المقام: ثقله ورسوبه فإنه يجعل في الزئبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب. واللَّه سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل 5] وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: إنما ثقلت موازين المحقين يوم القيامة لإتباعهم الحق وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا. وقال في أهل الباطل بعكس ذلك. وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أنزل عليه الوحي وهو على ناقته فثقل عليها حتى ساخت قوائمها في الأرض. فقد طابقت الصفة المعقولة الصفة المحسوسة. ومن أوصاف الذهب أيضاً: أنه لا تأكله النار، وكذلك القرآن لا تأكل النار يوم القيامة قلبا وعاه ولا بدنا عمل به. قال عليه الصلاة والسلام: «لو كان القرآن في إهاب ثم طرح في النار ما احترق [ (1) ] » . ومن أوصاف الذهب المناسبة لأوصاف القرآن والوحي: أن الأرض لا تبليه وأن الهواء لا يذريه وكذلك القرآن لا يخلق على كثرة الرد ولا يستطاع تغييره ولا تبديله. ومن أوصافه أيضاً: نفاسته وعزته عند الناس. وكذلك القرآن والحق عزيزان، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ [فصلت 41.] فهذا إذا نظرت إلى أوصافه ولفظه فإن نظرت إلى ذاته وظاهره فإنه زخرف الدنيا وزينتها، وقد فتح بالقرآن والوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وأمته خزائن الملوك وتصيير ذلك إلى أيديهم

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 155 والطبراني في الكبير 6/ 212 وابن عدي في الكامل 1/ 46 والعقيلي في الضعفاء 2/ 295 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 161 وعزاه لأحمد وأبو يعلى والطبراني وقال: فيه ابن لهيعة وفيه خلاف وفسره بعض رواة أبي يعلى بأن من جمع القرآن ثم دخل النار فهو شر من الخنزير.

ذهبها وفضتها وجميع زخرفها وزينتها. ثم وعد بإتباع الوحي والقرآن قصور الذهب في الجنة قال صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما» وفي التنزيل: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ [الزخرف 71] فكأن ذلك الذهب يشعر بالذهب الذي يصير إليه من اتبع الحق والقرآن، وأوصافه تشعر بأوصاف الحق والقرآن، ولفظه يشعر بإذهاب الرجس. كما تقدم. فهذه حكم بالغة لمن تأمل، واعتبار صحيح لمن تدبر. وزاد غيره أن الذهب من جوالب السرور. وقال الشاعر: صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء [ (1) ] . الثالث عشر: قال النووي رحمه اللَّه تعالى: ليس في هذا الخبر ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب والفضة لأن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا ولأنه كان قبل تحريم النبي صلى الله عليه وسلم أواني الذهب والفضة. انتهى. أي لأن التحريم إنما وقع بالمدينة كما نبه عليه الحافظ. الرابع عشر: يؤخذ من غسل قلبه صلى الله عليه وسلم بماء زمزم أنه أفضل المياه وبه جزم الإمام البلقيني قال ابن أبي جمرة: إنما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركته صلى الله عليه وسلم في الأرض. وقال غيره: لما كان ماء زمزم أصل حياة أبيه إسماعيل صلى الله عليه وسلم وقد ربي عليه ونما عليه قلبه وجسده وصار هو صاحبه وصاحب البلدة المباركة، ناسب أن يكون ولده الصادق المصدوق كذلك. ولما فيه من الإشارة إلى اختصاصه بذلك بعده فإنه قد صارت الولاية إليه في الفتح فجعل السقاية للعباس وولده وحجابة البيت لعثمان بن شيبة وعقبه إلى يوم القيامة. الخامس عشر: الحكمة في غسل صدره صلى الله عليه وسلم بماء الثلج والبرد هي مع ما فيهما من الصفاء وعدم التكدر بالأجزاء الترابية التي هي محل الأرجاس وعنصر الأكدار، الإيماء إلى أن الوقت يصفو له صلى الله عليه وسلم ولأمته ويروق بشريعته الغراء وسنته، والإشارة إلى ثلوج صدره أي انشراحه بالنصر على أعدائه والظفر بهم والإيذان ببرودة قلبه، أي طمأنينته على أمته بالمغفرة لهم والتجاوز عن سيئاتهم. وقال ابن دحية: إنما غسل قلبه صلى الله عليه وسلم بالثلج لما يشعر به الثلج من ثلج اليقين إلى قلبه. وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول بين التكبير والقراءة: «اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والبرد [ (2) ] » وأراد

_ [ (1) ] البيت لأبي نواس انظر الأغاني 4/ 200. [ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 180 حديث (6868) ومسلم 4/ 2078 حديث (48- 2705) .

تعالى أن يغسل قلبه فيما حمل من الجنة في طست ملئ حكمة وإيمانا ليعرف قلبه طيب الجنة ويجد حلاوتها فيكون في الدنيا أزهد وعلى دعوة الخلق إلى الجنة أحرص، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان له أعداء يتقولون عليه فأراد اللَّه تعالى أن ينفي عنه طبع البشرية من ضيق الصدر وسوء مقالات الأعداء، فغسل قلبه ليورث ذلك صدره سعة ويفارقه الضيق. كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ [الحجر 97] . فغسل قلبه غير مرة فصار بحيث إذا ضرب أو شج رأسه أو كسرت رباعيته كما في يوم أحد يقول: «اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» . السادس عشر: جاء في رواية: أن المغسول البطن. فقيل: المراد بالبطن هنا ما بطن وهو القلب، واستظهره بعضهم لأنه جاء في رواية ذكر القلب ولم يذكر البطن. ويحتمل أن تحمل كل رواية على ظاهرها، ويقع الجمع بينهما بأن يقال: أخبر صلى الله عليه وسلم مرة بغسل البطن ولم يتعرض لذكر القلب، وأخبر مرة بذكر القلب ولم يتعرض لذكر البطن، فيكون قد حصل فيهما معا مبالغة في تنظيف المحل. قلت: تقدم التصريح بذلك في الأحاديث السابقة. السابع عشر: قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: فإن قيل كيف يكون الإيمان والحكمة في طست من ذهب، والإيمان عرض من الأعراض لا يوصف بها إلا محلها والذي يقوم به، ولا يجوز فيها الانتقال لأن الانتقال من صفة الأجسام لا من صفة الأعراض؟ قلنا: إنما عبر عما في الطست- بالحكمة والإيمان كما عبر عن اللبن الذي شربه وأعطى فضله عمر بن الخطاب بالعلم، فكان تأويل ما أفرغ في قلبه صلى الله عليه وسلم إيمانا وحكمة ولعل الذي كان في الطست كان ثلجا وبردا كما ذكر في الحديث الأول، فعبر في المرة الثانية بما يؤول إليه وعبر عنه في المرة الأولى بصورته التي رآها، لأنه في المرة الأولى كان طفلا فلما رأى الثلج في طست الذهب اعتقده ثلجا حتى عرف تأويله بعد. وفي المرة الأخرى كان نبيا فلما رأى طست الذهب مملوءا ثلجا علم التأويل لحينه واعتقده في ذلك المقام حكمة وإيمانا، فكان لفظه في الحديثين [ (1) ] على حسب اعتقاده في المقامين. انتهى. وقال النووي والحافظ: المعنى جعل في الطست شيء يحصل به الزيادة في كمال الإيمان وكمال الحكمة، وهذا المملوء يحتمل أن يكون على الحقيقة، وتجسد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها الظلة والموت في صورة كبش وكذلك وزن الأعمال، وغير ذلك من أحوال الغيب.

_ [ (1) ] في أ: الحديث.

وقال البيضاوي [ (1) ] رحمه اللَّه في شرح المصابيح لعل ذلك من باب التمثيل، إذ تمثيل المعاني وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط- بضم العين المهملة، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس. وأشار النووي بقوله: جعل فيه شيء يحصل به زيادة في كمال الإيمان إلى آخره: أنه صلى الله عليه وسلم كان متصفا بأقوى الإيمان. الثامن عشر: المملوء الصدر أو البطن ففي رواية ذكر البطن وفي غيرها القلب. والظاهر أنهما ملئا معا وأخبر صلى الله عليه وسلم في رواية بالبطن وأخبر في أخرى بالقلب، ويحتمل أن يكون أراد القلب وذكر البطن توسعة لأن العرب تسمي الشيء بما قاربه وبما كان فيه. وقد قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام 125] والمراد بالصدر في الآية القلب فسماه باسم ما هو فيه وهو الصدر. التاسع عشر: اختلف في تفسير الحكمة فقيل: إنها العلم المشتمل على معرفة اللَّه تعالى مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك. قال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى: هذا ما صفا لنا من أقوال كثيرة. انتهى. وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذكر ذكر ذلك كله، وعلى النبوة كذلك. وقد تطلق على العلم فقط وعلى المعرفة فقط ونحو ذلك. وقال الحافظ: أصح ما قيل فيها: أنها وضع الشيء في محله والفهم في كتاب اللَّه تعالى. وعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان، وقد لا توجد. وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة. العشرون: قال بعض العلماء: المراد بالوزن في قوله «زنه بعشرة من أمته» الوزن الاعتباري، فيكون المراد الرجحان في الفضل وهو كذلك. وهو فائدة فعل الملكين ذلك ليعلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك حتى يخبر به غيره ويعتقده، إذ هو من الأمور الاعتقادية. وسألت شيخ الإسلام برهان الدين ابن أبي شريف رحمه اللَّه تعالى عن هذا الحديث

_ [ (1) ] عبد الله بن عمر بن محمد بن على، قاضي القضاة، ناصر الدين، أبو الخير البيضاوي، صاحب المصنفات وعالم آذربيجان وشيخ تلك الناحية. ولي قضاء شيراز. قال السبكي: كان إماما مبرزا، نظارا، خيرا، صالحا، متعبدا. برع في الفقه والأصول، وجمع بين المعقول والمنقول. تكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته وفاه، ولو لم يكن له غير المنهاج الوجيز لفظه المحرر لكفاه. ولي أمر القضاء بشيراز، وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز. توفي بمدينة تبريز، قال السبكي والإسنوي سنة إحدى وتسعين وستمائة. وقال ابن كثير في تاريخه والكتبي وابن حبيب: توفى سنة خمس وثمانين. [انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 172، 173] .

قبل وقوفي على الكلام السابق فكتب لي بخطه: هذا الحديث يقتضي أن المعاني جعلها اللَّه تعالى ذواتا فعند ذلك قال الملك لصاحبه: أجعله في كفة وأجعل ألفا من أمته في كفة. ففعل فرجح ماله صلى الله عليه وسلم رجحانا طاش معه ما للألف بحيث يخيل إليه أنه يسقط بعضهم عليه، ولما عرف الملكان منه الرجحان وأنه معنى لو اجتمعت المعاني كلها للأمة ووضعت في كفة ووضع ماله صلى الله عليه وسلم لرجح على الأمة، قالا: لو أن أمته وزنت به مال بهم، لأن مآثر خير الخلق صلى الله عليه وسلم وما وهبه اللَّه تعالى له من الفضائل يستحيل أن يساويها غيرها. واللَّه أعلم.

الباب الخامس عشر في صفة يديه وإبطيه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس عشر في صفة يديه وإبطيه صلى الله عليه وسلم قال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شثن الكفين سائل الأطراف سبط القصب [ (1) ] . رواه الترمذي. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضخم الكفين [ (2) ] . رواه أبو يعلى وابن عساكر. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسط الكفين [ (3) ] . رواه البخاري. وقال الحافظ أبو بكر بن أبي خيثمة رحمه اللَّه تعالى: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عبل العضدين والذراعين طويل الزندين، وكان معمر الأوصال سبط القصب كأن أصابعه قضبان الفضة [ (4) ] . رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عبل الذراعين [ (5) ] . رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقال هند بن أبي هالة كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أشعر الذراعين طويل الزندين رحب الراحة [ (6) ] . رواه الترمذي. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شبح الذراعين [ (7) ] . رواه ابن سعد وابن عساكر.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 369 عن أنس بلفظ «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم شاش القدمين والكفين» حديث (5910) . [ (2) ] أخرجه البخاري عن أنس بلفظ «ضخم اليدين» (5907) . [ (3) ] أخرجه البخاري حديث (5907) . [ (4) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 305. [ (5) ] العبل الضخم من كل شيء يقال هو عبل الذراعين وفرس عبل الشوي ضخم القوائم. [انظر المعجم الوسيط 2/ 587] . [ (6) ] أخرجه الترمذي في الشمائل ص (19- 20) انظر مختصر الشمائل وعزاه صاحب المختصر للطبراني والبيهقي في الدلائل. والزندان الساعد والذراع والأعلى منهما هو الساعد والأسفل منهما هو الذراع مطرفهما الذي يلي الإبهام هو الكوع والذي يلي الخنصر هو الكرسوع والرسغ مجتمع الزندين من أسفل والمرفق مجتمعهما من أعلى. [انظر المعجم الوسيط 1/ 404] . [ (7) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 44، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (17824) .

وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: ما مسست حريرا ولا ديباجا قط ألين من كف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . رواه الإمام أحمد والشيخان. وقال المستورد بن شداد [ (2) ] عن أبيه رضي اللَّه تعالى عنه: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذت بيده فإذا هي ألين من الحرير وأبرد من الثلج. رواه الطبراني. وقال وائل بن حجر رضي اللَّه تعالى عنه: لقد كنت أصافح النبي صلى اللَّه عليه وسلم أو يمس جلدي جلده فأتعرفه بعد في يدي فإنه لأطيب رائحة من المسك. رواه الطبراني والبيهقي. وقال يزيد بن الأسود [ (3) ] رضي اللَّه تعالى عنه: ناولني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. رواه الشيخان. وقال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه: مسح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجت من جؤنة عطار [ (4) ] . رواه مسلم. وقال المثنى بن صالح عن جدته رضي اللَّه تعالى عنها قالت: صافحت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم أر واللَّه كفا ألين من كفه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقال سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه: اشتكيت بمكة فدخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعودني فوضع يده على جبهتي فمسح وجهي وصدري وبطني فما زلت يخيل إلي أني أجد برد يده على كبدي حتى الساعة [ (5) ] . رواه الإمام أحمد.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 31 (3561) ومسلم 4/ 1814 حديث (81- 2330) . [ (2) ] المستورد بن شداد بن عمرو القرشي الفهري: حجازي نزل الكوفة، له ولأبيه صحبة، مات سنة خمس وأربعين. [التقريب 2/ 242] . [ (3) ] يزيد بن الأسود أو ابن أبي الأسود، صحابي له حديث. وعنه ابنه جابر. [ (4) ] أخرجه مسلم 4/ 1814 حديث (80- 2329) . [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 161.

تنبيهات

وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه. رواه البخاري وغيره. وقال جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا سجد يرى بياض إبطيه [ (1) ] . رواه ابن سعد. وقال رجل من بني حريش رضي اللَّه تعالى عنه: ضمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسال علي من عرق إبطيه مثل ريح المسك. رواه البزار. قال الحافظ محب الدين الطبري رحمه اللَّه تعالى: من خصائص النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره صلى اللَّه عليه وسلم. وذكر القرطبي مثله وزاد: أنه لا شعر عليه. وجرى على ذلك الإمام الإسنوي رحمه اللَّه تعالى. وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء اللَّه تعالى. تنبيهات الأول: وصف أنس وغيره كف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالليونة، وهو مخالف لوصف هند له بالشثن وهو الغلظ مع الخشونة كما قال الأصمعي. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: والجمع بينهما: أن المراد باللين في الجلد والغلظ في العظام، فيجتمع له نعومة البدن وقوته. قال ابن بطال [ (2) ] رحمه اللَّه تعالى: كانت كفه صلى اللَّه عليه وسلم ممتلئة لحما غير أنها مع ضخامتها كانت لينة كما في حديث المستورد. وأما قول الأصمعي: الشثن غلظ الكف مع خشونة فلم يوافق على تفسيره بالخشونة، والذي فسر به الخليل أولى. وعلى تسليم ما فسر به الأصمعي يحتمل أن يكون وصف كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فكان إذا عمل في الجهاد أو مهنة أهله صار كفه خشنا للعارض المذكور، وإذا ترك ذلك رجع إلى أصل جبلته من النعومة. وقال القاضي: فسر أبو عبيد الشثن بالغلظ مع القصر وتعقب بأنه ثبت في وصفه صلى صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان سائل الأطراف. انتهى.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 233 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 225. [ (2) ] عليّ بن خلف بن عبد الملك بن بطال، أبو الحسن: عالم بالحديث، من أهل قرطبة. له «شرح البخاري» توفي سنة 449 هـ[انظر الأعلام 4/ 285] .

وقال الحافظ: ويؤيد كون كفه صلى اللَّه عليه وسلم ليّنا قوله في رواية النعمان: كان سبط الكفين بتقديم المهملة على الموحدة فإنه موافق لوصفها باللين. والتحقيق في الشثن أنه غلظ من غير قصر ولا خشونة. الثاني: زعم الحكيم الترمذي وتبعه أبو عبد الله القرطبي والدميري في شرح المنهاج أن سبابة النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت أطول من الوسطى. قال ابن دحية: وهذا باطل بيقين ولم ينقله أحد من ثقات المسلمين مع إشارته صلى اللَّه عليه وسلم بأصبعه في كل وقت وحين، ولم يحك ذلك عند أحد من الناظرين. وفي مسلم عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين [ (1) ] » وفي رواية: فقرن شعبة بين إصبعيه المسبحة والوسطى كليهما. وروى الترمذي وحسنه عن المسترود بن شداد يرفعه: «بعثت في نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه هذه [ (2) ] » . لإصبعه السبابة والوسطى. وقال الحافظ في فتاويه: ما قاله الترمذي الحكيم خطأ نشا عن اعتماد رواية مطلقة، ولكن الحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ميمونة بنت كردم رضي اللَّه تعالى عنهما قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة وهو على ناقة له وأنا مع أبي. فذكرت الحديث إلى قولها: فدنا منه أبي فأخذ بقدمه فأقر له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: فما نسيت فيما نسيت طول إصبع قدمه السَّبابة على سائر أصابعه. الحديث. انتهى. وقد جزم الإمام العلامة فتح الدين ابن الشهيد رحمه اللَّه تعالى بأن ذلك كان في سبابة قدمه صلى اللَّه عليه وسلم فقال في سيرته المنظومة التي لا نظير لها في بابها: ووصف زينب بنت كردم ... فيما رأته عينها في القدم فإنها سميت في الرواية ميمونة. وكذا في الباب بعده: سبابة النبي كانت أطول ... أصابع النبي فاحفظ واسأل كردم بوزن جعفر. الثالث: في بيان غريب ما سبق: شثن الكفين: بشين معجمة فثاء مثلثة ساكنة فنون: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضتهم ويذم في النساء.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الصحيح 11/ 347 الحديث (6504) وأخرجه مسلم بتمامه في الصحيح 4/ 2268- 2269 الحديث (133/ 2951) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 4/ 429 الحديث (2213) وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (38329) .

سائل الأطراف: بسين مهملة وآخره لام، من السيلان أي ممتدها، يعني أنها طوال ليست بمتعقدة ولا منقبضة. ورواه بعضهم بالنون بدل اللام فقال سائن. قال ابن الأنباري: وهما بمعنى تبدل اللام من النون، أي طويل الأصابع. سبط: بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وكسرها، وحكي الفتح أيضاً وبالطاء المهملة: الممتد الذي ليس فيه تعقد ولا نتوء. والقصب بقاف فصاد مهملة فباء موحدة جمع قصبة وهي كل عظم أجوف فيه مخ وأما العريض فيسمى لوحا، يريد بهما ساعديه وساقيه. وفي لفظ: العصب بالعين المهملة بدل القاف. الزندان: بفتح الزاي: عظما الذراعين. رحب الراحة: أي واسع الكف. وقال في النهاية: يكون بذلك عن السخاء والكرم. فسيح- بفاء فسين وحاء مهملتين بينهما مثناة تحتية: أي بعيد ما بينهما لسعة صدره. شبح الذراعين: بشين معجمة فباء موحدة فحاء مهملة أي عريض الذراعين. مسست: بسينين الأولى مكسورة وتفتح والثانية ساكنة. ولا ديباجا: من عطف الخاص على العام لأن الديباج نوع من الحرير. ألين: أنعم. الجؤنة: يأتي الكلام عليها في طيب عرقه وريحه صلى اللَّه عليه وسلم. واللَّه أعلم.

الباب السادس عشر في صفة ساقيه وفخذيه وقدميه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس عشر في صفة ساقيه وفخذيه وقدميه صلى الله عليه وسلم قال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان في ساقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حموشة [ (1) ] . رواه مسلم. وقال سراقة بن مالك بن جعشم [ (2) ]- بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة- رضي اللَّه تعالى عنه: دنوت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على ناقته فرأيت ساقه كأنها جمارة نخل. رواه يعقوب بن سفيان وإبراهيم الحربي. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: انحسر الإزار عن فخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو راكب في غزوة خيبر فإني لأرى بياض فخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه ابن أبي خيثمة. وقال أيضاً: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ضخم القدمين. رواه الشيخان والبيهقي [ (3) ] . وقال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منهوس العقب. رواه مسلم [ (4) ] . وقال أبو جحيفة رضي اللَّه تعالى عنه: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فكأني أنظر إلى وبيص ساقيه [ (5) ] . رواه البخاري. وقال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف سبط القصب خمصان الأخمصين فسيح القدمين ينبو عنهما الماء. رواه الترمذي.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 5/ 562 الحديث (3645) وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه صحيح. [ (2) ] سراقة بن مالك بن جعشم: بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة، الكناني، ثم المدلجي، أبو سفيان، صحابي مشهور، من مسلمة الفتح، مات في خلافة عثمان، سنة أربع وعشرين، وقيل بعدها. [التقريب 1/ 284] . [ (3) ] تقدم. [ (4) ] أخرجه مسلم 4/ 1820 الحديث (97- 2339) . [ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 651 كتاب المناقب- باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم.

تنبيهات

وتقدم تفسير غريبه إلا قوله «خمصان» فسيأتي. وقال عبد اللَّه بن بريدة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن البشر قدما. رواه ابن عساكر. وقالت ميمونة بنت كردم بوزن جعفر- رضي اللَّه تعالى عنها: إنها رأت سبابة قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أطول من سائر أصابعه. رواه الإمام أحمد وغيره [ (1) ] . ويرحم اللَّه تعالى من قال: يا رب بالقدم التي أوطأتها ... من قاب قوسين المحل الأعظما وبحرمة القدم التي جعلت لها ... كتف البرية في الرسالة سلما ثبت على متن الصراط تكرما ... قدمي وكن لي منقذا ومسلما واجعلهما ذخري ومن كانا له ... أمن العذاب ولا يخاف جهنما تنبيهات الأول: ذكر كثير من المداح إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا مشى على الصخر غاصت قدماه فيه. ولا وجود لذلك في كتب الحديث البتة. وقد أنكره الإمام برهان الدين الناجي بالنون- الدمشقي رحمه اللَّه تعالى وجزم بعدم وروده، والشيخ رحمه اللَّه تعالى في فتاويه وقال إنه لم يقف له على أصل ولا سند ولا رأى من خرجه في شيء من كتب الحديث وناهيك باطلاع الشيخ رحمه اللَّه تعالى. وقد راجعت الكتب اللّاتي ذكرها في آخر الكتاب فلم أر من ذكر ذلك، فشيء لا يوجد في كتب الحديث والتواريخ كيف تسوغ نسبته للنبي صلى اللَّه عليه وسلم؟!. الثاني: في حديث جابر بن سمرة قال: كانت خنصر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من رجله متظاهرة. رواه البيهقي. وفي سنده سلمة بن حفص السعدي. قال ابن حبان كان يضع الحديث لا يحل الاحتجاج به ولا الرّواية عنه، وحديثه هذا باطل لا أصل له، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان معتدل الخلق. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الحموشة: بضم الحاء المهملة وشين معجمة: الدقّة.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد بنحوه 8/ 283 وعزاه للطبراني وقال فيه من لم أعرفهم.

الجمار- كرمان: قلب النخل حين يقطع يكون رطبة بيضاء. منهوس: بإعجام السين وإهمالها أي قليل لحم العقب. الوبيص: البريق واللمعان. خصمان [ (1) ] . بضم الخاء المعجمة كما وجدته مضبوطا بالقلم في نسخة صحيحة من الصحاح والنهاية، لكن في بعض نسخ الشفاء المعتمدة بالفتح. قال في النهاية: الأخمص من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء والخمصان المبالغ فيه. أي ذلك الموضع من أسفل قدميه كان شديد التجافي عن الأرض جدا. وسئل ابن الأعرابي رحمه اللَّه تعالى عنه فقال: إذا كان خمص الإخمص بقدر لم يرتفع عن الأرض جدا ولم يستو أسفل القدم جدا، فهو أحسن الخمص بخلاف الأول. مسيح القدمين: بميم مفتوحة فسين مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة أي ملساوان لينتان ليس فيهما تكسر ولا شقاق فإذا أصابهما الماء نبا عنهما سريعا لملاستهما فينبو عنهما ولا يقف، يقال نبا الشيء ينبو إذا تباعد. وأما رواية عبد الرزاق والبزار عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يطأ بقدمه جميعا. وفي لفظ كليهما ليس له أخمص فيحتمل. واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] انظر اللسان 2/ 1266.

الباب السابع عشر في ضخامة كراديسه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع عشر في ضخامة كراديسه صلى الله عليه وسلم روى الترمذي عن هند بن أبي هالة، والبيهقي وابن عساكر وابن الجوزي عن علي، وأبو الحسن بن الضحاك عن جبير بن مطعم رضي اللَّه تعالى عنهم قالوا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ضخم الكراديس. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جليل المشاش. رواه الترمذي والبيهقي. الكراديس: رؤوس العظام واحدها كردوس قيل هو ملتقى كل عظمين كالركبتين والمرفقين والمنكبين، أراد أنه صلى اللَّه عليه وسلم ضخم الأعضاء. المشاش: بضم الميم وبشينين معجمتين: رؤوس العظام كالمرفقين والكفين والركبتين وقال الجوهري: رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها. جليلهما: عظيمهما.

الباب الثامن عشر في طوله واعتدال خلقه ورقة بشرته صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن عشر في طوله واعتدال خلقه ورقة بشرته صلى الله عليه وسلم قال البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنهما: لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالطويل البائن ولا بالقصير [ (1) ] . رواه الشيخان. وقال أيضاً: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مربوعا [ (2) ] . رواه الخمسة. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ربعة وهو إلى الطول أقرب. رواه محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات وأبو الحسن بن الضحاك بسند حسن. وقال هند بن أبي هالة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معتدل الخلق بادن متماسك أطول من المربوع وأقصر من المشذب. رواه الترمذي. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن الناس قواما وأحسن الناس وجها وأحسن الناس لونا وأطيب الناس ريحا وألين الناس كفا. رواه أبو الحسن بن الضحاك وابن عساكر [ (3) ] . وقال أيضاً: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير [ (4) ] . متفق عليه. وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ربعة لا بائن من طوله ولا تقتحمه عين من قصر غصنا بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا. رواه البيهقي. وقال معاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنه: أردفني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خلفه في سفر فما مسست شيئاً قط ألين من جلد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه البزّار والطبراني.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 652 حديث (3549) وذكره مسلم 4/ 1818 حديث (92- 2337) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (18555) . [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 652 الحديث (3547) .

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد كان ربعة من القوم. رواه ابن عساكر. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: ما مشى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع أحد إلا طاله. رواه ابن عساكر. وقال أبو الطفيل عامر بن وائلة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقصدا [ (1) ] . رواه مسلم. وقال البراء رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل ولا بالقصير [ (2) ] . رواه الشيخان. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، وكان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده، ولم يكن يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا فارقاه نسب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الربعة. رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه والبيهقي وابن عساكر. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليس بالذاهب طولا وفوق الربعة إذا جامع القوم غمرهم [ (3) ] . رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند والبيهقي ولفظه: إذا جامع القوم. وقال أيضاً: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رقيق البشرة. رواه ابن الجوزي. وقال ابن سبع رحمه اللَّه تعالى: إنه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا جلس يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين صلى اللَّه عليه وسلّم. تنبيه في بيان غريب ما سبق: اعتدال الخلق: يناسب الأعضاء والأطراف، أي لا تكون متباينة في الدقة والغلظ والصغر والكبر والطول والقصر.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1820 حديث (99- 2340) . [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 652 (3549) ومسلم 4/ 1818 حديث (92- 2337) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 151 وابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 121 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 275 وعزاه لعبد الله بإسنادين في أحدهما رجل لم يسم والأخر من رواية يوسف بن مازن عن علي وأظنه لم يدرك عليا واللَّه أعلم.

البادن: بكسر الدال المهملة: الضخم الكثير اللحم. ولما قال ذلك أردفه بقوله متماسك وهو الذي يمسك بعضه بعضا فليس هو بمسترخ ولا متهدل، كأن لحمه لاكتنازه واصطحابه يمسك بعضه بعضا لأن الغالب على السمن الاسترخاء. المربوع: الذي بين الطويل والقصير. المشذب: بميم مضمومة فشين فذال مشددة معجمتين مفتوحتين فباء موحدة: البائن طولا مع نقص في لحمه، أي ليس بنحيف طويل، لا بل طوله صلى اللَّه عليه وسلم وعرضه متناسبان على أتم صفة. ربعة: براء مفتوحة فموحدة ساكنة أي مربوع الخلق لا طويل ولا قصير، والتأنيث باعتبار النفس، يقال رجل ربعة وامرأة ربعة وقد فسره في الحديث بقوله: ليس بالطويل البائن المفرط في الطول مع اضطراب القامة. البائن: الطويل في نحافة اسم فاعل من بان أي ظهر على غيره. قاله الحافظ وفي النهاية: أي المفرط طولا الذي بعد عن قدر الرجال الطوال [ (1) ] . الغصن والأغصان: أطراف الشجر ما دامت فيها نابتة. النضارة: حسن الوجه والبريق. الثلاثة: النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وعامر بن فهيرة. المُمَّغط [ (2) ] : بميمين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة مشددة فغين معجمة مكسورة المتناهي في الطول، وامتغط النهار امتدّ ومغطت الحبل إذا مددته وأصله منمغط والنون للمطاوعة فقلبت ميما وأدغمت في الميم ويقال بالعين المهملة بمعناه. القصير المردد: وهو الذي تردد من بعض خلقه على بعض فهو المجتمع الخلق الذي يضرب إلى القصر جدا. مقصدا: بميم مضمومة فقاف فصاد مشددة مفتوحتين أي ليس بطويل ولا قصير لا جسيم، كأن خلقه صلى اللَّه عليه وسلم يجيء به القصد من الأمور. اكتنفه الرجلان: أحاطا به من جانبيه. غمرهم: أي كان فوق كل من معه. سهمهم: طالهم. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] في أطوله. [ (2) ] انظر اللسان 5/ 4241.

الباب التاسع عشر في عرقه صلى الله عليه وسلم وطيبه

الباب التاسع عشر في عرقه صلى الله عليه وسلم وطيبه قال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كثير العرق [ (1) ] . رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقال أيضاً: ما شممت ريحا قط أو عرقا قط أطيب من ريح أو عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي. وزاد: ولا شممت مسكا- ولا عطرا أطيب من ريح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: كأن ريح عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ريح المسك بأبي وأمي! لم أر قبله ولا بعده مثله. رواه ابن عساكر. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأتي أم سليم فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه وكان كثير العرق وكانت تجمع عرقه صلى اللَّه عليه وسلم فتجعله في الطيب والقوارير، فيستيقظ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيقول: ما هذا الذي تضعين يا أم سليم؟ فتقول: هذا عرقك نجعله لطيبنا وهو أطيب الطيب. وفي رواية قالت: هذا عرقك أدوف به طيبي. رواه مسلم وغيره [ (3) ] . وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: كان عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجهه مثل اللؤلؤ أطيب ريحا من المسك الأذفر وكأن كفه كف عطار مسها طيب أو لم يمسها به، يصافحه المصافح فيظل يومها يجد ريحهها، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان من ريحها على رأسه. رواه أبو بكر بن أبي خيثمة وأبو نعيم مختصرا. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ. رواه أبو بكر بن أبي خيثمة. وقالت أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد السلمي له: إنا لنجهد في الطيب ولأنت أطيب

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (17828) . [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 654 حديث (3561) ومسلم 4/ 1814 حديث (81- 2330) . [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1816 حديث (85- 2332) .

ريحا منا فمم ذلك؟ فقال: أخذني السرى على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتيته فشكوت ذلك إليه فأمرني أن أتجرد فتجردت وقعدت بين يديه صلى اللَّه عليه وسلم وألقيت ثوبي على فرجي فنفث في يده ومسح ظهري وبطني بيده فعبق بي هذا الطيب من يومئذ. رواه الطبراني. وروي عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إني زوجت ابنتي وأحب أن تعينني بشيء فقال: ما عندي شيء ولكن ايتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة. فأتاه بهما فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسلت له فيها من عرقه حتى امتلأت القارورة، فقال خذها وأمر ابنتك أن تغمس هذا العود في القارورة وتطيب به. فكانت إذا تطيبت به يشم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب [ (1) ] . رواه الطبراني وأبو يعلى وابن عدي. وقال وائل بن حجر [ (2) ] رضي اللَّه تعالى عنه: كنت أصافح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو يمس جلدي جلده فأتعرّفه بعده في يدي وإنه لأطيب من ريح المسك. رواه الطبراني. وقال يزيد بن الأسود رضي اللَّه تعالى عنه: ناولني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. رواه البيهقي. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كل ريح طيب قد شممت، فما شممت قط أطيب من ريح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكل شيء لين قد مسست فما مسست شيئاً قط ألين من كف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه ابن عساكر. وقال جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه مسح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرج يده من جؤنة عطار. رواه مسلم. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: كان عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجه اللؤلؤ، ولريح عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أطيب من ريح المسك الأذفر.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 286 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال فيه حسن الكلبي هو متروك. [ (2) ] وائل بن حجر، بضم المهملة وسكون الجيم، ابن سعد بن مسروق، الحضرمي، صحابي جليل، وكان من ملوك اليمن، ثم سكن الكوفة، مات في ولاية معاوية. [التقريب 2/ 329.]

رواه ابن سعد وابن عساكر. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ [ (1) ] . رواه مسلم. وقال رجل من قريش كنت مع أبي حين رجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما عز بن مالك، فلما أخذته الحجارة أرعبت، فضمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسال من عرق إبطه مثل ريح المسك. رواه الدارمي. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أقبل بطيب ريحه. رواه ابن سعد وأبو نعيم. وقال معاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنه: كنت أسير مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال أدن مني فدنوت منه فما شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. رواه البزار. وقال جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنهما: كان في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خصال: لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه أو عرفه. رواه البخاري في تاريخه والدارمي. وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة. وجدوا منه رائحة الطيب فيقال مر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذا الطريق [ (2) ] . رواه أبو يعلى والبزار. ويرحم اللَّه تعالى القائل حيث قال: ولو أن ركبا يمموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدل به الركب والقائل: يروح على تلك الطريق التي غدا ... عليها فلا ينهى علاه نهاته تنفّسه في الوقت أنفاس عطره ... فمن طيبه طابت له طرقاته تروح له الأرواح حيث تنسمت ... لها سحرا من حبه نسماته

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1815 حديث (82- 2330) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 285 وعزاه لأبي يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وقال: ورجال أبي يعلى وثّقوا.

تنبيهات

وقال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كثير العرق [ (1) ] . رواه مسلم. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها فيما رواه ابن عساكر وأبو نعيم: كنت قاعدة أغزل والنبي صلى اللَّه عليه وسلم يخصف نعله فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نورا فبهت فقال: مالك بهت؟ قلت: جعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نورا ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره حيث يقول في شعره: ومبرأ عن كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة وداء معضل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت بروق العارض المتهلل [ (2) ] تنبيهات الأول: قال إسحاق بن راهويه رحمه اللَّه تعالى: أن هذه الرائحة الطيبة كانت رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من غير طيب. وقال النووي رحمه اللَّه تعالى: وهذا مما أكرمه اللَّه تعالى به. قالوا: وكانت الريح الطيبة صفته صلى اللَّه عليه وسلم وإن لم يمس طيبا، ومع هذا كان يستعمل الطيب في أكثر أوقاته مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي ومجالسة المسلمين. الثاني: مبدأ هذه الرائحة الطيبة بجسده صلى اللَّه عليه وسلم من ليلة الإسراء. روى ابن مردويه عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منذ أسري به ريحه ريح عروس وأطيب من ريح عروس. الثالث: ما اشتهر على ألسنة بعض العوام أن الورد خلق من عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وأبو زكريا يحيى النووي والحافظ والشيخ وغيرهم: إنه باطل لا أصل له. والحديث رواه الديلمي في مسند الفردوس من طريق مكي بن بندار وقد اتهمه الدارقطني بوضع الحديث. وله طرق بينت بطلانها في كتابي «إتحاف اللبيب في بيان ما وضع في معراج الحبيب» .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1815 حديث (82- 2330) . [ (2) ] الأبيات من قصيدة مطلعها: ولقد سريت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مهبّل ورواية البيتين أيضا: ومبرأ من كل غبر حيضة ... ورضاع مغبلة وداء معضل فإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبر من العارض المتهلل انظر الشعر والشعراء 2/ 670، 671، والحماسة 1/ 82- 90 وخزانة الأدب 3/ 466- 467.

الرابع: في بيان غريب ما تقدم: شممت [ (1) ] : بكسر الميم في الماضي وفتحها في المضارع ويجوز فتحها في الماضي وضمها في المضارع. أو عرفا: شك من الراوي لأن العرف- بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها فاء- هو الريح الطيب. ومن ريح: بكسر الحاء بلا تنوين لأنه في حكم المضاف تقديره من ريح النبي صلى اللَّه عليه وسلم أو عرقه. ووقع في بعض الروايات بفتح الراء وبالقاف فأو على هذا للتنويع. قال الحافظ: والأول هو المعروف. وفي رواية ما شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: ضبط هذا اللفظ بوجهين: أحدهما بسكون النون بعدها موحدة. والآخر بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتية والأول هو المعروف، والثاني طيب معمول من أخلاط يجمعها الزعفران. وقيل هو الزعفران. ووقع عند البيهقي ولا شممت مسكا ولا عبيرا ذكرهما جميعا. يقيل: ينام في القائلة وهي شدة الحر. القوارير: آنية من زجاج. أدوف بالدال المهملة أي أخلط. يقال: داف الشيء يدوفه. دوفا وأدافه: خلطه. الأذفر [ (2) ] بذال معجمة أي طيب الرائحة والذفر بالتحريك يقع على الطيب والكريه ويفرق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به. السرى: بفتحتين- خراج صغار لها لذع شديد. عبق به الطيب عبقا من باب تعب- ظهرت ريحه بثوبه أبو بدنه فهو عبق. قلت: ولا يكون العبق إلا للرائحة الطيبة الزكية. جؤنة [ (3) ]- بضم الجيم وهمزة ساكنة، ويجوز تسهيلها، سفط مغشى بجلد يجعل فيه العطار طيبه.

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 323. [ (2) ] انظر لسان العرب 2/ 1504/ 1505 والمعجم الوسيط 1/ 312. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 149.

الباب العشرون في مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن يرى له ظل

الباب العشرون في مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن يرى له ظل قال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في جنازة فكنت إذا مشيت سبقني، فالتفت إلي رجل إلى جنبي فقلت: تطوى له الأرض وخليل إبراهيم [ (1) ] . رواه الإمام أحمد وابن سعد. وقال يزيد بن مرثد- بميم مفتوحة فراء ساكنة فثاء مثلثة مفتوحة فدال مهملة- وهو من التابعين رحمه اللَّه تعالى: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل وراءه فلا يدركه [ (2) ] . رواه ابن سعد. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: ما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه غير مكترث [ (3) ] . رواه الإمام أحمد والترمذي في الشمائل والبيهقي وابن عساكر من طرق. وقال ذكوان [ (4) ] رحمه اللَّه تعالى: لم ير لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ظل في شمس ولا قمر. رواه الحكيم الترمذي. وقال: معناه لئلا يطأ عليه كافر فيكون مذلة له. وقال ابن سبع رحمه اللَّه تعالى: في خصائصه: إن ظله صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يقع على الأرض وإنه كان نوراً وكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يظهر له ظل. قال بعض العلماء: ويشهد له قوله صلى اللَّه عليه وسلم في دعائه: «واجعلني نورا» [ (5) ] وستأتي صفة مشيه صلى اللَّه عليه وسلم في باب آدابه. نجهد- بفتح النون وضمها، يقال: جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها فوق طاقتها. مكترث: أي غير مبال، ولا يستعمل إلا في النفي وأما استعماله في الإثبات فشاذ. واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 258. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 100. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 350 والترمذي 5/ 563 حديث (3648) وقال هذا حديث غريب. [ (4) ] ذكوان، أبو صالح، السمان الزيات، المدني، ثقة ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة. [التقريب 1/ 238] . [ (5) ] أخرجه البخاري في الصحيح 11/ 116 الحديث (6316) وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 525- 526 الحديث (187/ 763) .

الباب الحادي والعشرون في الآية في صوته صلى الله عليه وسلم وبلوغه حيث لا يبلغه صوت غيره

الباب الحادي والعشرون في الآية في صوته صلى الله عليه وسلم وبلوغه حيث لا يبلغه صوت غيره روى ابن سعد عن قتادة وابن عساكر عنه، عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا بعثه حسن الوجه حسن الصوت حتى بعث اللَّه نبيكم صلى الله عليه وسلم فبعثه حسن الوجه حسن الصوت. وقال علي رضي اللَّه تعالى عنه: ما بعث اللَّه تعالى نبيا قط إلا بعثه صبيح الوجه كريم الحسب حسن الصوت، إن نبيكم كان صبيح الوجه كريم الحسب حسن الصوت. رواه ابن عساكر. وقال جبير بن مطعم رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حسن النغمة. رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقال البراء رضي اللَّه تعالى عنه: خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى أسمع العواتق في خدورهن. رواه أبو نعيم والبيهقي. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: جلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر فقال للناس: اجلسوا، فسمعه عبد الله بن رواحة وهو في بني غنم فجلس مكانه. رواه أبو نعيم والبيهقي. وقال عبد الرحمن بن معاذ التميمي رضي اللَّه تعالى عنه: خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمنى ففتحت أسماعنا. وفي لفظ: ففتح اللَّه أسماعنا حتى أنا كنا لنسمع ما يقول ونحن في منازلنا. رواه ابن سعد وأبو نعيم. وقالت أم هانئ رضي اللَّه تعالى عنها: كنا نسمع قراءة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في جوف الليل وأنا على عريشي [ (1) ] . رواه ابن ماجه. وقال البراء رضي اللَّه تعالى عنه: قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في العشاء وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين: 1] فلم أسمع صوتا أحسن منه [ (2) ] . متفق عليه.

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 429 حديث (1349) وقال في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات ورواه الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى. [ (2) ] أخرجه البخاري 8/ 583 حديث (4952) ومسلم 1/ 339 حديث (177- 464) .

تفسير الغريب

وقالت أم معبد رضي اللَّه تعالى عنها: كان في صورته صلى اللَّه عليه وسلم صحل. رواه ابن عساكر وغيره. تفسير الغريب العواتق: جمع عاتق يقال: عتقت الجارية عن خدمة أبويها وعن أن يملكها زوج فهي عاتق. وفي البارع [ (1) ] : العاتق التي لم تبن عن أهلها والتي لم تتزوج. وقال أبو زيد رحمه اللَّه تعالى: هي التي أدركت ما لم تعنس. وقال الأصمعي: هي فوق المعصر. صحل [ (2) ]- بفتح الصاد والحاء المهملتين وباللام- شبه البحة وهي غلظ الصوت. وفي رواية: صهل بالهاء بدل الحاء وهو قريب منه لأن الصهل صوت الفرس، وهو يصهل بشدة وقوة. وستأتي صفة كلامه صلى اللَّه عليه وسلم في أبواب آدابه.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 3/ 2798، 2799. [ (2) ] انظر اللسان 3/ 2405 والمعجم الوسيط 1/ 509.

الباب الثاني والعشرون في فصاحته صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني والعشرون في فصاحته صلى الله عليه وسلم الفصاحة لغة: البيان. واصطلاحا: خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد. هذا باعتبار المعنى. وأما باعتبار اللفظ فهي كونه على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور واستعمالهم له أكثر. والفرق بينهما وبين البلاغة: أن الفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم، والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط. ففصاحة المفرد: خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس. وفصاحة الكلام: خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد. وبلاغته: مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته. وفصاحة المتكلم: ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود. وبلاغته: ملكة يقتدر بها على وجوه تأليف الكلام البليغ. فالبلاغة أخص مطلقا، فكلّ بليغ فصيح ولا عكس، والبليغ الذي يبلغ بعبارته كنه ضميره. وقال الإمام العلامة أبو سليمان أحمد الخطابي رحمه اللَّه تعالى: اعلم أن اللَّه تعالى لما وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم موضع البلاغ من وحيه ونصبه منصب البيان لدينه اختار له من اللغات أعذبها ومن الألسن أفصحها وأبينها، ثم أمده بجوامع الكلم التي جعلها ردءا لنبوته وعلما لرسالته، لينتظم في القليل منها عليم كثير يسهل على السامعين حفظه ولا يؤودهم حمله، ومن تتبع الجوامع من كلامه صلى اللَّه عليه وسلم لم يعدم بيانها. وقال الإمام أبو السعادات المبارك ابن محمد بن الأثير رحمهم اللَّه تعالى في أول النهاية: قد عرفت أيدك اللَّه تعالى وإيانا بلطفه وتوفيقه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان أفصح العرب لسانا وأوضحهم بيانا وأعذبهم نطقا وأسدهم لفظا وأبينهم لهجة وأقومهم حجة، وأعرفهم بمواقع الخطاب وأهداهم إلى طريق الصواب، تأييدا إلهيا ولفظا سمائيا وعناية ربانية ورعاية روحانية، حتى لقد قال له علي رضي اللَّه تعالى عنه وسمعه يخاطب وفد بني نهد: يا رسول اللَّه نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال: «أدبني ربي فأحسن تأديبي وربيت في بني سعد» [ (1) ] .

_ [ (1) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا وعزاه العسكري وقال إسناده ضعيف جدا وإن اقتصر شيخنا يعني الحافظ بن حجر على الحكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه ولكن معناه صحيح وجزم به الأثير في خطبه النهاية. قال ابن تيمية:

فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخاطب العرب [ (1) ] على اختلاف شعوبهم وقبائلهم وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم يخاطب كلا منهم بما يفهمون ويحادثهم بما يعلمونه، ولذلك قال صدق اللَّه تعالى قوله: «أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم» [ (2) ] . فكأن اللَّه تعالى قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره من بين أبيه وجمع فيه ما تفرق ولم يوجد في قاصي العرب ودانيه، وكان أصحابه رضي اللَّه تعالى عنهم ومن يفد إليه من العرب يعرفون أكثر ما يقوله وما جهلوه يسألونه عنه فيوضحه لهم. قلت: قوله: «ولذلك قال: أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم» . رواه الحسن بن سفيان في مسنده بسند ضعيف وله طرق تقويه. وقال القاضي أبو الفضل عياض رحمه اللَّه تعالى: وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى اللَّه عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع وبراعة منزع وإيجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معان وقلة تكلف، أوتي صلى اللَّه عليه وسلم جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل أمة بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه صلى اللَّه عليه وسلم يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله، من تأمل حديثه وسيره على ذلك وتحققه. ففصاحة لسانه صلى اللَّه عليه وسلم غاية لا يدرك مداها ومنزلة لا يداني منتهاها وكيف لا يكون ذلك وقد جعل اللَّه تعالى لسانه سيفا من سيوفه يبين عنه مراده ويدعو إليه عباده، فهو ينطق بحكمة عن أمره، ويبين عن مراده بحقيقة ذكره، أفصح خلق اللَّه إذا لفظ وأنصحهم إذا وعظ، لا يقول هجرا ولا ينطق هذرا، كلامه كله يثمر علما ويمتثل شرعا وحكما لا يتفوه بشر بكلام أحكم منه في مقالته ولا أجزل منه في عذوبته، وخليق بمن عبر عن مراد اللَّه بلسانه وأقام الحجة على عباده ببيانه، وبين مواضع فروضه وأوامره ونواهيه وزواجره، أن يكون أحكم الخلق تبيانا وأفصحهم لسانا وأوضحهم بيانا، وبالجملة فلا يحتاج العلم بفصاحته إلى شاهد ولا ينكرها موافق ولا معاند. قال القاضي رحمه اللَّه تعالى: أما كلامه المعتاد وفصاحته المعلومة وجوامع حكمه

_ [ () ] لا يعرف له إسناد ثابت لكن قال في الدرر صححه أبو الفضل بن ناصر، وقال في اللآلئ: معناه صحيح لكن لم يأت من طريق صحيح، وذكره ابن الجوزي في الأحاديث الواهية فقال: لا يصح ففي إسناده ضعفاء لا مجاهيل. والحديث أخرجه الفتني في تذكرة الموضوعات (87) وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (31895) . [ (1) ] في أ: يخاطب ألوفا. [ (2) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا وعزاه لأبي الحسن التيمي.

المأثورة فقد ألف الناس فيها الدواوين وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب. ومنها ما لا يوازى فصاحة ولا يبارى بلاغة. كقوله صلى اللَّه عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» [ (1) ] . رواه أبو داود والنسائي عن علي رضي اللَّه تعالى عنه. «المسلمون كأسنان المشط» [ (2) ] . ابن الآل في مكارم الأخلاق عن سهل بن سعد رضي اللَّه تعالى عنه. «المرء مع من أحب» . الشيخان عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه. «لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له» [ (3) ] . ابن عدي عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه. «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» [ (4) ] . الشيخان عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه. «ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه» [ (5) ] . ابن السمعاني في تاريخه عن علي رضي اللَّه تعالى عنه. «المستشار موتمن، وهو بالخيار إن شاء تكلم وإن شاء سكت.» أحمد عن أبي مسعود عقبة بن عمرو وصدره عند الأربعة عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه. «رحم اللَّه عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن شر فسلم» [ (6) ] . أبو الشيخ في الثواب عن أبي أمامة والديلمي عن أنس رضي اللَّه تعالى عنهما.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 22 وأبو داود 4/ 666 (4530) والنسائي 8/ 24 كتاب القسامة وابن ماجة (1683) والبيهقي في السند 8/ 29 وعبد الرزاق في المصنف (403) . [ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 153 وقال: هذا الحديث وضعه سليمان على إسحاق ورواه ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 80. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 557 (6169) ومسلم 4/ 2034 (165- 2640) . [ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 153 وابن حبان في المجروحين 1/ 88 والدولابي 1/ 168 وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 80. [ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 525 (3493) ومسلم 4/ 1358 (199- 2526) . [ (6) ] أخرجه أبو داود (5128) والترمذي (2822) وابن ماجة (3745- 3746) وأحمد في المسند 5/ 274 والبيهقي في السند 10/ 112 والدارمي 2/ 219 والطبراني في الكبير 12/ 409 والحاكم في المستدرك 4/ 131. وابن حبان (1991) وابن عدي في الكامل 1/ 201.

«أسلم تسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين» . الشيخان في قصة هرقل. «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساُ يوم القيامة أحسنكم أخلاقاُ الموطأون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون» [ (1) ] . الترمذي عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه. «لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ويبخل بما لا يُغنيه» [ (2) ] . البيهقي في الشعب عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه والترمذي نحوه. «ذو الوجهين لا يكون عند اللَّه وجيها» [ (3) ] . أبو داود بلفظ: ذو الوجهين في الدنيا ذو لسانين في النار. «نهيه عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات، وعقوق الأمهات ووأد البنات» . رواه الشيخان. «اتق اللَّه حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» [ (4) ] . رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي ذر رضي اللَّه تعالى عنه. «خير الأمور أوساطها» [ (5) ] . ابن السمعاني في الذيل عن علي. «أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما» [ (6) ] . البخاري في الأدب المفرد والترمذي عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي عن جابر 4/ 325 (2018) وعن أبي ثعلبة الخشني أخرجه أحمد في المسند 4/ 193 وابن حبان كذا في الموارد (1917) والطبراني في الكبير 22/ 221 (588) وأبو نعيم في الحلية 3/ 97 والبيهقي في المسند 1/ 193 وذكره المتقي الهندي في الكنز 3/ 15 (5213) وعزاه للخرائطي. [ (2) ] أخرجه الترمذي 4/ 483 (2316) . [ (3) ] ذكره باللفظ الأول القاضي عياض في الشفا 1/ 175 وبالثاني أبو داود 2/ 684 (4873) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 153 والدارمي 2/ 323 والترمذي 4/ 355 (1987) وقال: حسن صحيح. [ (5) ] أخرجه البيهقي في السنن 3/ 273) والفتني في التذكرة (189) وذكره العجلوني في الكشف 1/ 469 وقال: قال ابن الغزي ضعيف وقال في المقاصد: رواه ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد لكن بسند فيه مجهول عن علي مرفوعا، وللديلمي بلا سند. [ (6) ] أخرجه الترمذي 4/ 316 (1997) وابن حجر في لسان الميزان 4/ 310 والذهبي في الميزان (3624) والخطيب في التاريخ 11/ 428 وابن الجوزي في العلل 2/ 248 وابن عدي في الكامل 2/ 593.

«الظلم ظلمات يوم القيامة» [ (1) ] . البخاري عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما. «اللهم إني أسألك رحمة تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلم بها شعثي وتصلح بها غائبي وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها ألفتي وتعصمني بها من كل سوء، اللهم إني أسألك الفوز في القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء» [ (2) ] . الترمذي عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما. إلى غير ذلك مما روته الكافة عن الكافة من مقاماته صلى اللَّه عليه وسلم ومحاضراته وخطبه وأدعيته ومخاطباته وعهوده مما لا خلاف إنه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره وحاز منها سبقا لا يقدر قدره. وقد جمعت من كلماته صلى اللَّه عليه وسلم التي لم يسبق إليها ولا يقدر أحد أن يفرغ في قالبه عليها كقوله صلى اللَّه عليه وسلّم «حمى الوطيس» [ (3) ] قاله صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين. مسلم عن جابر رضي اللَّه تعالى عنه: «مات حتف أنفه» [ (4) ] البيهقي عن عبد الله بن عتيك رضي اللَّه تعالى عنه. قال: واللَّه إنها كلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبله صلى اللَّه عليه وسلم. «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» [ (5) ] البخاري عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما. «السعيد من وعظ بغيره» [ (6) ] . الدّيلمي عن عقبة بن عامر القضاعي عن ابن مسعود مرفوعا. ومسلم عن ابن مسعود موقوفا وزاد: والشقي من شقي في بطن أمه» [ (7) ] . هذا ما ذكره القاضي. وزاد الثعالبي [ (8) ] : «كل الصيد في جوف الفرا» الرامهرمزي في الأمثال وهو مرسل سنده جيد.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 100 (2447) ومسلم 4/ 1996 (57- 2579) . [ (2) ] أخرجه الترمذي (3419) والذهبي في الميزان (2633) وابن خزيمة (1119) والطبراني في الكبير 10/ 343 وابن عدي في الكامل 6/ 957 وابن حبان في المجروحين 1/ 230. [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1399 (76- 1775) . [ (4) ] عبد الله بن عتيك أو ابن عتيق. عن عبادة بن الصامت. وعنه ابن سيرين. [الخلاصة 2/ 77] . [ (5) ] أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه 10/ 529 (6133) ومسلم 4/ 2295 (63- 2998) . [ (6) ] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/ 78 والفتني في التذكرة (200) وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 225. [ (7) ] في مسلم 4/ 2037 (3- 2645) . [ (8) ] عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، أبو منصور الثعالبي: من أئمة اللغة والأدب. من أهل نيسابور. كان فراء يخيط جلود الثعالب، فنسب إلى صناعته. واشتغل بالأدب والتاريخ، فنبغ. وصنّف الكتب الكثيرة الممتعة. من كتبه «يتيمة الدهر» و «فقه اللغة» و «سحر البلاغة» وغير ذلك توفي سنة 429 هـ[انظر الأعلام 4/ 163، 164] .

«لا ينتطح فيها عنزان» [ (1) ] . «هدنة على دخن» [ (2) ] . «جماعة على قذى» . «إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» [ (3) ] . «نصرت بالرعب» [ (4) ] . «أوتيت جوامع الكلم» [ (5) ] . «إن مما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم» [ (6) ] . رواه البخاري. قال ابن دريد: إنه من الكلام الفرد الوجيز الذي لم يسبق إلى مثله. «الإيمان قيد الفتك» [ (7) ] . «يا خيل اللَّه اركبي» [ (8) ] . «اشتدي أزمة تنفرجي» [ (9) ] . انتهى. قال القاضي: إلى غير ذلك مما يدرك الناظر العجب في مضمنها ويذهب به الفكر في أدنى حكمها. وقال أبو سعيد الخدري رضي اللَّه تعالى عنه: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم «أنا النبي لا كذب أنا ابن

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 18 والخطيب في التاريخ 13/ 99 وابن الجوزي في العلل 1/ 175 وذكره العجلوني في الكشف 2/ 524 وعزاه لابن عدي عن ابن عباس. [ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 497 (4245) والحاكم في المستدرك 4/ 433. [ (3) ] أخرجه البيهقي في السند 3/ 18 وابن عبد البر في التمهيد 3/ 195 وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 67 وعزاه للبزار وقال: فيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 435 (335) ومسلم 1/ 370 (3- 521) . [ (5) ] انظر التخريج السابق. [ (6) ] أخرجه البخاري 6/ 57 (2842) ومسلم 2/ 727 (121- 1052) . [ (7) ] أخرجه أبو داود (2769) وأحمد في المسند 1/ 167 والطبراني في الكبير 19/ 319 والحاكم في المستدرك 4/ 352 والخطيب في التاريخ 1/ 387 والبخاري في التاريخ 1/ 403. [ (8) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 88 والطبري في التفسير 6/ 133 وذكره العجلوني في الكشف 2/ 531 وعزاه لأبي الشيخ في الناسخ والمنسوخ. وقال: قال العسكري: قوله «يا خيل اللَّه اركبي» على المجاز والتوسع، أراد يا فرسان خيل اللَّه اركبي، فاختصر لعلم المخاطب بما أراد. [ (9) ] أخرجه الذهبي في الميزان (2013) وابن حجر في لسان الميزان 2/ 1214 وذكره العجلوني في الكشف 1/ 141 وعزاه للعسكري والديلمي والقضاعي بسند فيه كذاب عن علي.

عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر، فأنى يأتيني اللحن» . رواه أبو الحسن بن الضحاك. وقد قال له أصحابه فيما رواه ابن أبي حاتم والبيهقي عند محمد بن إبراهيم التيمي والعسكري والرامهرمزي معا في الأمثال عنه عن أبيه عن جده قال: ما رأينا الذي هو أفصح منك. فقال: «وما يمنعني وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين وإني من قريش ونشأت في بني سعد بن بكر» . قال: فجمع له بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها وفصاحة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: يا رسول اللَّه ما لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: «كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل فحفظتها» [ (1) ] . رواه أبو نعيم والبيهقي. وقالت برة بنت عامر الثقفية سيدة نساء قومها لإخوتها: يا بني عامر أفيكم من أبصر محمدا صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالوا: كلّنا قد رأيناه أيام الموسم. فقالت: أفيكم من سمعه يتكلم؟ قالوا: نعم. فقالت: كيف هو في فصاحته؟ قالوا: يا أختاه إن أقبح مثالب العرب الكذب، أما فصاحته فما ولدت العرب فيما مضى ولا تلد فيما بقى أفصح منه ولا أذرب منه إذا تكلم يعجز اللبيب كلامه ويخرس الخطيب خطابه. رواه أبو الحسن أحمد بن عبد اللَّه محمد البكري في كتابه «أنس الواحش وري العاطش» . وقال محمد بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن جده قال: سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أيدالك الرجل امرأته؟ قال: نعم. إذا كان ملقحاً. فقال له أبو بكر: يا رسول اللَّه لقد طفت في العرب وسمعت فصاحهم [ (2) ] فما سمعت أفصح منك. فقال: «أدبني ربي ونشأت في بني سعد بن بكر» . رواه ابن عساكر. دالكه: ماطله.

_ [ (1) ] ذكره العراقي في تخريجه على الإحياء 2/ 367 وعزاه للحاكم. [ (2) ] في أ: فصاحتهم.

[معرفته صلى الله عليه وسلم بلهجات العرب]

ملقحا- بضم الميم وفتح القاف اسم فاعل من ألقح الرجل فهو ملقح إذا كان فقيرا. وهو غير مقيس. قاله في القاموس. وقال غيره: معناه أيداعب الرجل امرأته يعني قبل الجماع وسماه مطلا لكون غرضها الجماع- قال: إذا كان عاجزا فيكون ذلك محركا لشهوته ولعجزه يسمى مفلسا. وقال زكريا بن يحيى بن يزيد السعدي رحمه اللَّه تعالى: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنا أعرب العرب ولدت في قريش ونشأت في بني سعد فأني يأتيني اللحن» [ (1) ] . رواه ابن سعد. وقال بريدة رضي اللَّه تعالى عنه: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أفصح الناس وكان يتكلم بالكلام لا يدرون ما هو حتى يخبرهم» رواه أبو الحسن بن الضحاك وابن الجوزي. [معرفته صلى الله عليه وسلم بلهجات العرب] وليس كلامه صلى اللَّه عليه وسلم مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد ككلامه مع غيرهم، فانظر دعاؤه صلى اللَّه عليه وسلم لبني نهد وقد وفدوا عليه صلى اللَّه عليه وسلم في جملة الوفود فقام طهفة بن رهم النهدي يشكو الجدب فقال: أتيناك يا رسول اللَّه من غور تهامة بأكوار الميس ترتمي بها العيس، نستحلب الصبير، ونستجلب الخبير ونستعضد البرير، ونستخيل الرهام، ونستجيل الجهام، من أرض غائلة النطاء، غليظة الوطاء، قد نشف المدهن ويبس الجعثن، وسقط الأملوج، ومات العسلوج، وهلك الهدي، ومات الودي، برئنا إليك يا رسول اللَّه من الوثن، والعنن، وما يحدث به الزمن، لنا دعوة السلام. وشريعة الإسلام، ما طما البحر، وقام يعار، وكنا نعم همل أغفال. ما تبل ببلال. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اللهم بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها. وابعث رعاتها في الدّثر بيانع الثمر وافجر لهم الثمد، وبارك لهم في المال والولد، من أقام الصلاة، كان مسلما، ومن آتى الزكاة كان محسنا، ومن شهد أن لا إله إلا اللَّه كان مخلصا، لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع الملك لا تلطط في الزكاة ولا تلحد في الحياة ولا تثاقل عن الصلاة» [ (2) ] . ثم كتب معهم كتابا إلى بني نهد: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللَّه إلى بني نهد بن زيد: السلام على من آمن باللَّه عز وجل ورسوله. لكم يا بني نهد في الوظيفة

_ [ (1) ] ذكره العجلوني في الكشف 1/ 232 بنحوه وعزاه لابن سعد عن يحيى بن يزيد السعدي مرسلا. [ (2) ] أخرجه ابن الجوزي في العلل 1/ 179 والقاضي عياض في الشفا 1/ 169 وذكره السيوطي في جمع الجوامع (9927) والمتقي الهندي في الكنز (21607) .

الفريضة ولكم الفارض والفريش. وذو العنان الركوب والفلق الضبيس، لا يمنع سرحكم، ولا يعضد طلحكم، ولا يحبس دركم، ما لم تضمروا الرماق. وفي لفظ: الأرماق. وتأكلوا الرباق من أقر بما في هذا الكتاب، فله من اللَّه الوفاء بالعهد والذمة، ومن أبى فعليه الربوة. رواه أبو نعيم في المعرفة والديلمي في مسند الفردوس عن عمران بن حصين، وأبو نعيم عن حذيفة بن اليمان رضي اللَّه تعالى عنهم مختصرا. وكتابه صلى اللَّه عليه وسلم لدى المشفار مالك بن نمط لما لقيه وفد همدان مقدمه من تبوك فقال مالك بن نمط: يا رسول اللَّه نصية من همدان، من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواج، متصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم في اللَّه لومة لائم، من مخلاف خارف ويام، لا ينقض عهدهم عن سنة ماحل، ولا سوداء عنقفير، ما أقام لعلع، وما جرى يعفور بصلع. فكتب إليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وجفاف الرمل، مع وافدها ذي المعشار مالك بن نمط ومن أسلم من قومه، على أن لهم فراعها ووهاطها وعزازها ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة يأكلون علافها ويرعون عفاءها لنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصدقة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري، وعليهم فيه الصالغ والقارح» . رواه أبو القاسم الزجاجي في أماليه عن ... معضلا. وكتابه صلى اللَّه عليه وسلم لقطن بن حارثة ويقال حارثة بن قطن قال الشيخ في «مناهل الصفا» وهو المعروف: العليمي بن كلب: «هذا كتاب من محمد لعمائر كلب وأحلافها ومن ظأره الإسلام من غيرهم مع قطن بن حارثة العليمي بإقام الصلاة لوقتها وأداء الزكاة بحقها في شدة عقدها ووفاء عهدها بمحضر من شهود المسلمين وسمى جماعة منهم دحية بن خليفة الكلبي. عليهم من الهمولة الراعية البساط الظئار، في كل خمسين ناقة غير ذات عوار، والحمولة المائرة لهم لاغية، وفي الشوي الوري مسنة حامل أو حائل وفيما سوى الجدول من العين المعين العشر، وفي العترى شطره بقيمة الأوسط، لا يزاد عليهم وظيفة ولا يفرّق. شهد على ذلك اللَّه ورسوله وكتب ثابت بن قيس بن شماس. رواه ابن سعد عن ربيعة بن إبراهيم الدمشقي رحمه اللَّه تعالى. وكتابه صلى اللَّه عليه وسلم لوائل بن حجر: «إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشابيب من أهل حضر موت بإقام الصلاة المفروضة وأداء الزكاة المعلومة عند محلها، في التيعة شاة لا مقورة الألياط ولا ضناك وأنطوا الثبجة، وفي السيوب الخمس، ومن زنى مم بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه عاماً، ومن زنى مم ثيب فضرجوه بالأضاميم ولا توصيم في الدين ولا غمة في فرائض اللَّه، وكل مسكر حرام، ووائل بن حجر يترفل على الأقيال أميراً أمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.»

رواه الطبراني في الصغير والخطابي في غريبه. قال القاضي رحمه اللَّه تعالى: وأين هذه الألفاظ من كتابه صلى اللَّه عليه وسلم في الصدقة لأنس المشهور، فإنه بمحل من جزالة ألفاظ مألوفة وسلاسة تراكيب مأنوسة، وذلك بمحل من غلاقة ألفاظ غريبة وقلالة أساليب في النطق عسرة، لأنه لما كان كلام هؤلاء على هذا الحد أي غريبا غير مألوف وكانت بلاغتهم على هذا النمط وحشيا غير مأنوس، وكان أكثر استعمالهم هذه الألفاظ التي ليست بمألوفة ولا مأنوسة، استعملها معهم ليبين للناس ما نزل إليهم وليحدث الناس بما يعلمون ليفهموه. وقد كان من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلم إن يكلم كل ذي لغة بلغته على اختلاف لغة العرب وتركيب ألفاظها وأساليب كلمها، وكان أحدهم لا يجاوز لغته وإن سمع لغة غيره فكالعجمية يسمعها العربي وما ذلك منه صلى اللَّه عليه وسلم إلا بقوة إلهية وموهبة ربانية، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم بعث إلى الكافة طرّا وإلى الخليقة سودا وحمرا، ولا يوجد متكلم بغير لغته إلا قاصرا في تلك الترجمة نازلا عن صاحب الأصالة في تلك، إلا هو صلى اللَّه عليه وسلم، فإنه كان إذا تكلم في كل لغة من لغة العرب كان أفصح وأنصع بلغاتها منا بلغة نفسها وجدير به ذلك، فإنه صلى اللَّه عليه وسلم قد أوتي جميع القوى البشرية المحمودة ومزية على الناس بأشياء كثيرة، كقوله صلى اللَّه عليه وسلم، في حديث عطية السعدي رضي اللَّه تعالى عنه قال: قدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلما رآني قال: «ما أغناك اللَّه فلا تسأل الناس فإن اليد العليا خير هي المنطية واليد السفلى هي المنطاة وإن مال اللَّه مسؤول ومنطى» [ (1) ] . قال: فكلمنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلغتنا. رواه الحاكم وصححه البيهقي. وقوله صلى اللَّه عليه وسلم لكعب بن عاصم الأشعري [ (2) ] رضي اللَّه تعالى عنه: «ليس من ام برّ ام صيام في أم سفر» . رواه عبد الرزاق والحميدي، وابن القاسم البغوي. أي ليس من البر الصيام في السفر، وهذه لغة صحيحة وأكثر ما يتكلم بها الأشعريون وهي في الغالب يمنية والأشعريون من اليمن، وإنما تكلم بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رغبة في البيان وحسن التعلم والإفهام لهم بلغتهم. وقوله في حديث العامري حين سأله فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «سل عنك» [ (3) ] . رواه أبو نعيم عن شداد بن أوس رضي اللَّه تعالى عنه.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 327 وذكره السيوطي في الدر 1/ 359. [ (2) ] كعب بن عاصم الأشعري، يكنى أبا مالك، صحابي نزل الشام ومصر وله حديثان. [التقريب 2/ 134] . [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (3559) .

تنبيهات

أي اسأل عما شئت، وهي لغة بني عامر. تنبيهات الأول: ما اشتهر على ألسنة كثير من الناس أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «أنا أفصح من نطق بالضاد» [ (1) ] فقال الحافظ عماد الدين ابن كثير- وتابعه تلميذه الزركشي- وابن الجوزي والشيخ والسخاوي: إنه لا أصل له ومعناه صحيح، والمعنى أنه صلى اللَّه عليه وسلم أفصح العرب لكونهم هم الذين ينطقون بها ولا توجد في لغة غيرهم. الثاني: في شرح غريب ما سبق: قول القاضي رحمه اللَّه تعالى «سلاسة طبع» : قال العلامة شمس الدين الدلجي في شرحه على «الشفا» - وهو فردٌ في بابه- نصب سلاسة بنزع الخافض أي مع أو بسهولة جبلة وانقياد طبيعة. براعة منزع: أي ومنزعا بارعا، من برع الرجل بفتح رائه وضمها، أي فاق أقرانه، والمنزع- بفتح أوله وثالثه: المأخذ. وإيجاز مقطع: أي ومقطعا موجزا، من أوجز: أتى بكلام قل لفظه وكثرت معانيه. والمقطع- بفتح ميمه وطائه: تمام الكلام. ونصاعة لفظ: أي ولفظا ناصعا- أي خالصا من شوائب تنافر الحروف وغرابة الألفاظ ومخالفة القياس. وجزالة قول: أي قولا جزلا سالما من شوائب الركة وضعف التأليف قد نسجت حبره على منوال تراكيب العربية. وصحة معان: أي ومعان صحيحة لا يتطرق إلى ألفاظها احتمال غير لائق. وقلة تكلف: لو قال: وعدم تكلف كان أليق وأحسن. أوتي جوامع الكلم: كالمؤكد لما قبله أو البدل منه ومن ثم فصله عنه، لأن من جبلت طبيعته على ما ذكر من الملكات فجدير أن يجوز الكلم الجوامع، جمع جامعة للمعاني الكثيرة. وخص ببدائع الحكم: جمع حكمة وهي هنا كمال العلم وإتقان العمل. أي وبالحكمة البديعة، ومن أبدع إذا أتى بشيء بديع مخترع غير مسبوق بمادة وزمان، ويقابله التكوين لكونه مسبوقا بمادة، والإحداث لكونه مسبوقا بزمان.

_ [ (1) ] أخرجه الفتني في التذكرة (87) وملا علي القاري في الأسرار المرفوعة (246) وقال: معناه صحيح، ولكن لا أصل له في مبناه كما قاله ابن كثير. [انظر البداية والنهاية 2/ 277] .

يحاورها: يجاوبها. ويباريها: يعارضها. يقال هو يباريه أي يعارضه ويفعل مثل فعله، وهما يتباريان. ومن تأمل حديثه وسيره صلى اللَّه عليه وسلم: جمع سيرة وفي رواية: وسبره: بباء موحدة أي نظر في نصاعة أساليبه وصياغة تراكيبه. تتكافأ: تتساوى. دماؤهم: أي في العصمة والحرمة فكل مسلم شريفا أو وضيعا أو ضعيفا كبيرا أو صغيرا حرا أو عبدا في ذلك سواء. أو في القصاص والدية لا فضل فيهما لمسلم على مسلم: فيقاد الدين بالوضيع، والكبير بالرضيع، والعالم بالجاهل، والذكر بالأنثى، وكذا حكم الدية فيخص منه العبد إذ لا يكافئ حرا. بذمتهم: بعهدهم وأمانهم: أدناهم: كعبيد وامرأة فإذا أعطي أحدهم أمانا فليس لأحدهم نقض أمانه. وهم يد على من سواهم: أي هم مع كثرتهم قد جمعتهم أخوة الإسلام وجعلتهم في وجوب الاتفاق تعاونا وتناصرا على من ناوأهم وعاداهم كيد واحدة لا يسعهم أن يخذل بعضهم بعضا بل يجب أن ينصر كل أخاه. قال اللَّه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ كأسنان المشط تماثلا وتساويا أي فهم مستوون في إجراء الأحكام عليهم. معدن كل شيء: أصله أي أن أصول بيوتهم الشريفة تعقب أمثالها ويسرى كرم أعراقها إلى فروعها لا يكون فيها خيار لمجرد ذلك، ومن ثم قيد بقوله إذا فقهوا- بضم القاف- أي مارسوا الفقه وتعاطوه، فأرشد أنه لا خيار فيه إلا بالفضل والتقوى فمن اتفق له مع ذلك أصل حميد شريف الأعراق كملت فضيلته وربا فضله عن غيره. وهو بالخيار: أي بين أن يشير بالإصلاح وأن لا يشير به، بشهادة رواية أحمد: إن شاء تكلم وإن شاء سكت فإن تكلم فيجتهد رأيه. ما لم يتكلم: أي ما لم يعزم المستشار على الإشارة له، فإذا عزم وجب أن يجتهد رأيه فإن أخطأ فلا غرم عليه. الموطأون: من التوطئة بمعنى لين الجانب: أكنافا: جمع كنف أي جانب. عن قيل وقال: أي عما يتحدث به في المجالس كقيل كذا وقال كذا. ويجوز بناؤهما على أنهما فعلان ماضيان في كل منهما ضمير ويجوز إعرابهما إجراء لهما مجرى الأسماء ولا ضمير فيهما. ووأد البنات- بهمزة ساكنة بعد واو مفتوحة: أي: دفنهن حيات. هونا ما: بتشديد ما،

والهون في الأصل: السكينة، نصب على المصدر لأن المعنى: أحب حبيبك حبا قليلا. فقليلا صفة لما اشتق منه أحبب. وما مزيدة لتأكيد معنى القلة أو على الظرف لأنه من صفات الأحيان أي أحبب في حين قليل ولا تسرف في حبه. شعثي: ما تفرق من أمري. غائبي: باطني. ألفتي- بضم الهمزة وكسرها: مصدر بمعنى المفعول أي أليفي أو مألوفي أي ما كنت آلفه. الكافة: الجماعة. وعن سيبويه منع استعمال الكافة معرفة، وهي نكرة منصوبة على الحال. مرقبة- بقاف بعد راء- بمعنى مرتبة- بتاء بعدها هاء، كما في بعض النسخ. حمى الوطيس: وهو في الأصل التنور شبه به الحرب لاستعار نارها وشدة وقدها فاستعار لها اسمه استعارة تحقيقية لتحقق معناها وقرنها بالحمو ترشيحا للمجاز. مات حتف أنفه: أي بلا مباشرة قتال. قوة عارضة: أي جلد وصرامة. الجزالة: ضد الركاكة. النصاعة: الخلوص. الرونق: الحسن. كل الصيد- بضم الكاف واللام- مبتدأ. الفراء- بفتح الفاء: حمار الوحش. لا ينتطح فيها عنزان: قال في النهاية: أي لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان لأن النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز، وهي إشارة إلى قضية مخصوصة لا يجري فيها حلف ولا نزاع. الهدنة- بضم الهاء وسكون الدال المهملة: السكون. والهدنة الصلح والموادعة بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين. على دخن- بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة: أي على فساد واختلاف تشبيها بدخان الحطب الرطب، لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر. المنبت [ (1) ] قال في النهاية: يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته: قد أنبت من البت وهو القطع، يريد أنه بقي في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطه وقد أعطب ظهره.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 1/ 204.

حبطا- بفتح الحاء المهملة والموحدة والطاء المهملة: وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل حتى ينتفخ فيموت. يلم: بضم المثناة التحتية أي يقرب من الهلاك، وهو مثل للمنهمك في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها. الفتك [ (1) ]- بفتح الفاء وسكون المثناة الفوقية- قال في النهاية: هو أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله. والغيلة أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي. شرح غريب الحديث الأول طهفة [ (2) ]- بطاء مهملة فهاء ساكنة ففاء أخت القاف مفتوحة. الميس- بفتح الميم وسكون المثناة التحتية: شجر صلب يعمل منه أكوار الإبل ورحالها. نهد- بفتح النون وإسكان الهاء ودال مهملة: قبيلة من اليمن. نستحلب: بحاء مهملة. الصبير: بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة وهو سحاب أبيض متراكب متكاثف أي نستدر السحاب. نستخلب: بالخاء المعجمة. الخبير- بخاء معجمة فموحدة: النبات والعشب، شبه بخبير الإبل وهو وبرها، واستخلابه احتشاشه بالمخلب وهو المنجل. والخبير يقع على الوبر والزرع والأكار. نستعضد البرير- بفتح الموحدة والراء بينهما مثناة تحتية: ثمر الأراك إذا اسود وبلغ، وقيل هو اسم له في كل حال. أي نجنيه ونقطعه من شجره للأكل وكانوا يأكلونه في الجدب. نستخيل: بالخاء المعجمة من أخال إذا ظن. الرهام- بكسر الراء: الأمطار الضعيفة، واحدتها رهمة، أي نتخيل الماء في السحاب القليل، وقيل: الرهمة أشد دفعا من الديمة. نستجيل: بالجيم أي نراه جائلا تذهب به الريح ها هنا وها هنا. الجهام [ (3) ]- بفتح الجيم: السحاب الذي فرغ ماؤه. ومن رواه: نستخيل بالخاء المعجمة فهو نستفعل من خلت أخال إذا ظننت، أراد لا نتخيل في السحاب خيالا إلا المطر وإن كان جهاما لشدة احتياجنا.

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 462. [ (2) ] انظر لسان العرب 3/ 2714. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 144.

ومن رواه بالحاء المهملة وهو الأشهر: أراد أنه لا ننظر من السحاب في حال إلا إلى جهام من قلة المطر. أرض غائلة: بالغين المعجمة. النطا: بكسر النون أي مهلكة للبعيد، يقال بلد نطي أي بعيد. ويروى المنطي وهو مفعل منه. المدهن- بضم الميم وسكون المهملة وضم الهاء: نقرة في الجبل. الجعثن [ (1) ]- بجيم مكسورة فعين مهملة ساكنة فمثلثة مكسورة: أصل النبات ويقال: أصل الصليان خاصة، وهو نبت معروف. العسلوج- بعين مضمومة فسين ساكنة مهملتين آخره جيم: الغصن إذا يبس فذهبت طراوته، وقيل هو القضيب الحديث الطلوع، يريد أن الأغصان يبست وهلكت من الجدب، والجمع عساليج. الأملوج [ (2) ]- بضم الهمزة فميم ساكنة فلام مضمومة: ورق شجر يشبه الطرفاء والسرو وقيل هو ضرب من النبات ورقه كالعيدان. وقيل هو نوى المقل. وفي رواية: ونط الأملوج. هلك الهدي- بفتح الهاء وكسر الدال وبالتشديد كالهدي مخففا، وهو ما يهدى إلى البيت الحرام لينحر، فأطلق على جميع الإبل وإن لم تكن هديا تسمية للشيء باسم بعضه، يقال: كم هدي بني فلان؟ أي كم إبلهم. مات الودي: بفتح الواو وكسر المهملة مشددا: فسيل النخل. يريد هلكت الإبل ويبست النخيل. الوثن: الصنم. العنن [ (3) ] : بفتح العين المهملة والنون الأولى: الاعتراض، يقال عن إلى الشيء: اعترض كأنه قال: برئنا إليك من الشرك والظلم وقيل أراد به الخلاف والباطل. طما البحر: ارتفع بأمواجه. تعار: بكسرة المثناة الفوقية وبالعين المهملة: اسم جبل يصرف ولا يصرف. نعم همل: أي مهملة لا رعاء لها ولا فيها ما يصلحها ويهديها فهي كالضالة.

_ [ (1) ] انظر اللسان 1/ 631. [ (2) ] انظر اللسان 5/ 4254. [ (3) ] انظر اللسان 4/ 3139.

إبل أغفال: لا لبن فيها. محضها- بالحاء المهملة والضاد المعجمة: أي خالص لبنها. مخضها بالمعجمتين: ما تمخض من اللبن ويؤخذه زبده. مذقها- بفتح الميم وسكون المعجمة وبالقاف: الممزوج بالماء. الدثر [ (1) ] بدال مهملة فثاء مثلثة ساكنة فراء: المال الكثير. وقيل الخصب والنبات الكثير افجر لهم الثمد: بمثلثة مفتوحة: الماء القليل، أي صيره كثيرا. ودائع الشرك: قيل المراد بها العهود والمواثيق، يقال توادع الفريقان إذا أعطى كل واحد منهم عهده للآخر لا يغزوه. وقيل: ما كانوا استودعوه من أموال الكفار الذين لم يدخلوا في الإسلام، أراد إحلالها لهم لأنها مال كافر قد قدر عليه من غير عهد ولا شرك. وضائع الملك: جمع وضيعة وهي الوظيفة التي تكون على الملك، وهي ما يلزم الناس في أموالهم من الزكاة والصدقة، أي لكم الوظائف التي تلزم المسلمين لا تتجاوز عنكم ولا نزيد عليكم شيئاً. لا تلطط [ (2) ] : بمثناة فوقية مضمومة فلام ساكنة فطائين مهملتين الأولى مكسورة والثانية مجزومة على النهي أي لا تمنعها. لا تلحد: بمثناة فوقية مضمومة فلام ساكنة فحاء مهملة مكسورة فدال مهملة ساكنة: أي لا تحد عن الحق ما دمت حيا. لا تثاقل عن الصلاة: أي لا تتخلف. قال الحافظ أبو موسى المديني رحمه اللَّه تعالى: هكذا رواه القتبي على النهي للواحد أي لا تلطط ولا تلحد. والذي رواه غيره: «ما لم يكن عهد ولا موعد ولا تثاقل عن الصلاة ولا تلطط في الزكاة ولا تلحد في الحياة» وهو الوجه، لأنه خطاب للجماعة واقع على ما قبله. الوظيفة: الحق الواجب. الفريضة: الهرمة المسنة، أي لا تأخذ في الصدقات هذا الصنف كما لا تأخذ خيار الأموال. الفارض: بفاء فراء فضاد معجمة: المريضة. الفريش: بفاء مفتوحة فراء فمثناة تحتية فشين معجمة، وهي من الإبل كالنفساء من بنات آدم، أي لكم خيار المال وشراره، ولنا وسطه.

_ [ (1) ] اللسان 2/ 1327. [ (2) ] اللسان 5/ 4034.

ذو العنان: بكسر العين المهملة: سير اللجام. الركوب: بفتح الراء: الفرس الذلول. الضبيس: بضاد معجمة فباء موحدة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فسين مهملة: المهر العسر الصعب. امتن عليهم بترك الصدقة في الخيل جيدها ورديئها. لا يمنع: بضم المثناة التحتية وفتح النون. سرحكم: بسين مهملة مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملة مضمومة: ما سرحتم من المواشي، أي لا يدخل عليكم أحد في مراعيكم. ولا يعضد: لا يقطع. طلحكم: جمع طلحة وهي شجر عظام من شجر العضاه. لا يحبس دركم: أي لا تحبس ذوات الدر عن المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثم تعد وإنما منعناه أن يأخذها لما في ذلك من الإضرار. الإماق: بالميم أي ما لم تضمروا الغيظ والبكاء بما يلزمكم من الصدقة. قاله في القاموس. وقال الزمخشري: المراد إضمار الكفر والعمل على ترك الاستبصار في دين اللَّه. وفي رواية الرماق، والمراد النفاق يقال رامقته رماقا وهو أن تنظر إليه شزرا نظر العداوة، يعني ما لم تضق قلوبكم عن الحق، يقال عيش رماق أي ضيق وعيش رمق ومرمق أي يمسك الروح، والرمق بقية الروح وآخر النفس. تأكلوا الرّباق: براء مكسورة وموحدة مخففة أي لا تنقضوا العهد، واستعار الأكل لنقض العهد لأن البهيمة إذا أكلت الربق، وهو الحبل الذي تجعل فيه عرى وتشد، خلصت من الرباط. الربوة: بتثليث الراء: الزيادة يعني من تقاعد عن إعطاء الزكاة فعليه الزيادة في الفريضة عقوبة له. شرح غريب الحديث الثاني المِشر: بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة فراء مهملة. الهمداني: بهاء مفتوحة فميم ساكنة فدال مهملة اسم قبيلة. النصية: بنون مفتوحة ومشددة، فصاد مهملة مكسورة فمثناة تحتية مفتوحة من ينتصى من القوم أي يختار من نواصيهم وهم الرؤوس والأشراف، ويقال للرؤوساء نواص كما يقال للأتباع أذناب. وقد انتصيت من القوم رجلا أي اخترته.

القلص [ (1) ] : بقاف ولام مضمومتين جمع قلوص بفتح القاف وهي الناقة الشابة. النواجي: جمع ناجية، السريعة المشي. حبائل الإسلام: عهوده وأسبابه. المخلاف: بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وآخره فاء وهو في لغة اليمن الرستاق. خارف- بخاء معجمة فألف فراء مكسورة ففاء- ويام- بمثناة تحتية- قبيلتان من اليمن. عن سنة ما حل: أي لا ينقض بسعي ساع بالنميمة والإفساد، كما يقال: لا أفسد ما بيني وبينك بمذاهب الشرار وطرقهم في الفساد. والسنة: الطريقة أيضاً. عنقفير: بعين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فقاف مفتوحة ففاء مكسورة فمثناة تحتية: الداهية أي لا ينقض عهدهم بسعي الواشي ولا بداهية تنزل. لعلع: بلامين مفتوحتين بينهما عين مهملة وآخره أخرى: جبل. اليعفور: بمثناة تحتية مفتوحة: الخشن من ولد البقر الوحشية وقيل هو تيس الظباء والجمع اليعافير. بصلع: بباء موحدة هي حرف جر فصاد مهملة مفتوحة فلام مشددة فعين مهملة: الأرض التي لا نبات فيها. جناب: بكسر الجيم وبالنون: اسم موضع. الهضب: بفتح الهاء وسكون الصاد المعجمة جمع هضبة. وهي هنا اسم موضع. جفاف الرمل: بحاء مهملة مكسورة ففائين بينهما ألف أسماء بلادهم. فراعها: بفاء مهملة مكسورة فراء فعين مهملتين: ما علا من الجبال والأرض. وهاطها [ (2) ] : بكسر الواو وبطاء مهملة: المواضع المطمئنة. عزازها بعين مهملة فزايين معجمتين مخففتين: ما صلب من الأرض واشتد وخشن وإنما يكون في أطرافها. علافها بعين مهملة مكسورة فلام مخففة ففاء جمع علف وهو ما تأكله الماشية. عفاها: بعين مهملة مفتوحة ففاء مخففة وبالمد: المباح ما ليس لأحد فيه ملك ولا أثره من عفا الشيء إذا خلص وصفا. لنا من دفئهم: بدال مهملة مكسورة ففاء ساكنة وبالهمز: نتاج الإبل وما ينتفع به منها،

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 4/ 3722. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 1060.

سماها دفئا لأنها يتخذ من أصوافها وأوبارها ما يستدفأ به، وفصله عما قبله ملتفتا من الخطاب إلى التكلم لشبه انقطاع بينهما، إذ ذاك مما خصها به من أراضيهم وما يخرج منها وهذا مما خص به نفسه أو من معه من مواشيهم. صرامهم: بصاد مهملة مكسورة: نخيلهم، سميت صراما لأنها تصرم أي تقطع، واحدتها صرمة بكسر أوله وراء ساكنة: أو من ثمرتهم. قال شيخنا الإمام العلامة شمس الدين الدلجي: وعليهما يجوز فتح الصاد وأيضاً لأن الاسم عليهما مصدر، تقول صرمت النخل أو الثمر صراما بالكسر والفتح. الثلب: بثاء مثلثة فلام ساكنة فباء موحدة: ما هرم من ذكور الإبل. الناب: بالنون الموحدة الناقة الهرمة التي طال نابها. الفصيل: أكثر ما يطلق على أولاد الإبل وقد يطلق أولاد البقر إذ هو ما فصل عن اللبن. الفارض بالفاء: المسن من الإبل وقيل من البقر بشهادة لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ [البقرة 68.] الداجن: بدال مهملة وجيم: الدابة التي تألف البيوت ولا ترسل إلى المراعي. الحوري: بحاء مهمة فواو مفتوحتين فراء مكسورة منسوب إلى الحور وهو جلود الضأن وقيل ما دبغ من الجلود بغير القرظ. الصالغ [ (1) ] : بصاد مهملة فلام فغين معجمة هو من البقر والغنم ما أكمل ست سنين ويقال بالسين. القارح بالقاف والراء المكسورة: ما دخل من الخيل في خامس سنة. وفي القاموس: هو من ذي الحافر بمنزلة البازل من الإبل: شرح غريب الحديث الثالث العمائر: جمع عمارة بالفتح والكسر وهو فوق البطن من القبائل، أولها الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ. وقيل: العمارة الحي العظيم يمكنه الانفراد بنفسه. فمن فتح فلالتفاف بعضهم على بعض كالعمارة وهي العمامة. ومن كسر فلأنهم عمارة الأرض. الأحلاف: جمع حلف وهو في الأصل المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد. ظأره الإسلام [ (2) ] : بالظاء المعجمة والهمز آخره راء أي عطفه عليه.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 3/ 2483. [ (2) ] انظر مختار الصحاح 131، والمعجم الوسيط 2/ 575.

الهمولة: بفتح الهاء: هي التي ترعى بأنفسها. البساط: قال الهروي يروى بالفتح والكسر والضم وقال الجوهري والقتبي هو بالضم جمع بسط بكسر الباء كظئر وهي المرضع وجمعها ظئار. وقال الأزهري: هو بالكسر جمع بسط وهي التي تركت وولدها لا يمنع منها ولا تعطف على غيره. وبسط بمعنى مبسوطة أي بسطت على أولادها التي معها أولادها. الظئار بكسر الظاء المعجمة وبالهمز آخره راء: أن تعطف الناقة على غير ولدها. الحمولة المائرة: بفتح الحاء الإبل التي تحمل عليها الميرة وهي الطعام ونحوه مما يجلب للبيع. لهم لاغية: أي لا يؤخذ منها زكاة لأنها عوامل. الشوي بشين معجمة مفتوحة فواو مكسورة فمثناة تحتية مكسورة مشددة اسم جمع للشاة. الوري: بفتح الواو وكسر الراء وتشديد الباء: السمينة. شرح غريب الحديث الرابع وائل بن حجر: بضم المهملة وسكون الجيم. الأقيال: بقاف فمثناة تحتية ولام جمع قيل وهم رؤساء الملك الأعظم ووزراؤه. العباهلة [ (1) ] : بعين مهملة مفتوحة فباء موحدة جمع عبهل هم الملوك الذين أجروا على ملكهم فلم يزالوا عنه وكذا كل شيء لا يمنع مما يريد ولا يؤخذ على يده فيما قصده: عبهل. الأرواع: بفتح الهمزة وسكون الراء وآخره عين مهملة جمع رائع وهم الحسان الوجوه أو الذين يروعون الناس أي يفزعونهم بجمالهم ومنظرهم هيبة لهم. المشابيب: بفتح الميم والشين المعجمة وموحدتين بينهما مثناة تحتية ساكنة: الرؤوس السادة الحسان المناظر الزهر الألوان كأنما وجوههم تتلألأ نورا. التيعة: بمثناة فوقية مكسورة فتحتية ساكنة فعين مهملة: الأربعون من الغنم أو أدنى ما تجب فيه الزكاة كالأربعين منها والخمس من الإبل. مقورة: بميم مضمومة فقاف مفتوحة فواو مشددة. الألياط: بهمزة مفتوحة فلام ساكنة آخره طاء مهملة جمع ليط وهو في الأصل القشر اللائط بعود أي اللازق به شبه به الجلد لالتزاقه باللحم من الهزال، أي لا مسترخية الجلد لهزالها.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 3/ 2791.

ضناك: بضاد معجمة مكسورة فنون مخففة: المكتنز للحم يستوي فيه المذكر والمؤنث. أنطوا [ (1) ] : بقطع الهمزة أي أعطوا. الثبجة: بمثلثة فباء موحدة فجيم مفتوحات. وقد تكسر الموحدة. ثبج كل شيء: وسطه، أي أعطوا في الزكاة الشاة الوسطى التي ليست رديئة ولا خيارا. وألحق بها التاء لانتقالها من الاسمية إلى الوصفية. السيوب: بسين مهملة مضمومة وآخره موحدة جمع سيب وهو الركاز. قال أبو عبيد: ولا أراه إلا أخذ من معنى العطية، إذ السيب لغة العطاء، والركاز عطاء من اللَّه تعالى. وقيل هي عروق الذهب والفضة تسيب في الأرض أي تكون فيها وتظهر. وقال الزمخشري هي المعدن والمال المدفون في الجاهلية لأنه من فضل اللَّه وعطائه لمن أصابه. ومن زنى مم بكر: قال شيخنا الشمس الدلجي: بكر نكرة عامة لوقوعها في سياق الشرط فراؤها منونة وأبدلت فيه نون «من» ميم لكثرة استعمالهم ذلك لفظا نحو «مما أنزلنا» «مما أخرجنا» «مما كانا فيه» سيما إذا كان بعدها باء كما هنا ولو كان معرفة لقال بلغتهم: ومن زنى من بكر كما قال: «ليس من امبر امصيام في امسفر» . و «من» الجارة تبعيضية أو بيانية مفسرة للاسم المبهم الشرطي وترجمة عنه، أي ومن زنى من الأبكار. فاصقعوه: بهمزة وصل فصاد مهملة ساكنة فقاف مفتوحة فعين مهملة وأصله الضرب على الرأس وقيل ببطن الكف. أي اضربوه. استوفضوه: بهمزة وصل وكسر الفاء وضم الضاد المعجمة، من استوفضت الإبل إذا تفرقت في رعيها أي اطردوه وانفوه أو غربوه. فضرجوه: بضاد معجمة فراء مشددة مسكورة فجيم أي أدموه بالضرب بالأضاميم بفتح الضاد المعجمة جمع إضمامة لأن بعضها يضم إلى بعض كالجماعات من الناس، أي ارجموه بالحجارة حتى تدموه بالضرب بجمامير الحجارة. لا توصيم في الدين [ (2) ] : بمثناة فوقية فصاد مهملة مكسورة أي لا كسل ولا تواني ولا محاباة في إقامة الحدود. ولا غمة: بغين معجمة مضمومة فميم مشددة. وفي لفظ ولا عمة بعين مهملة فميم

_ [ (1) ] انظر اللسان 5/ 4465. [ (2) ] انظر اللسان 5/ 4853.

مفتوحتين فهاء. وفي لفظ ولا غمد بمعجمة مكسورة فميم ساكنة فدال مهملة أي لا ستر ولا خفاء ولا إلباس. يترفل على الأقيال: بفاء مفتوحة مشددة تشبيها لإمرته بالثوب فهي في تلبسه بها كهو، استعير لها ترفيله وهو إطالته وإسباله فكأنه يرفل فيها أي يجر ذيلها عليهم زهوا.

الباب الثالث والعشرون في معرفة الذين كانت صفات أجسادهم تقرب من صفات جسده صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والعشرون في معرفة الذين كانت صفات أجسادهم تقرب من صفات جسده صلى الله عليه وسلم وهم: آدم أبو البشر صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره صاحب «استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف» . وإبراهيم نبي اللَّه ورسوله وخليله صلى اللَّه عليه وسلم: جاء في غير ما حديث صحيح أنه كان يشبهه صلى اللَّه عليه وسلم. ومن أمته: أبو محمد الحسن وأبو عبد الله الحسين ابنا علي رضي اللَّه تعالى عنهم. روى البخاري عن ابن سيرين عن أنس قال: كان الحسن بن علي أشبههم برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وروى البخاري أيضاً عن الزهري عن أنس قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم من الحسين بن علي. وفي لفظ لغيره: كان أشبههم وجها بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم. قال الحافظ: قوله أشبههم أي أشبه أهل البيت. وقول أنس في رواية ابن سيرين يعارض قوله في رواية الزهري. ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما قال في رواية الزهري في حياة الحسن لأنه كان يومئذ أشد شبها بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم من أخيه الحسين. وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه والمراد: من فضل عليه الحسين في الشبه كان من عبد الحسن. ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبها به في بعض أعضائه فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال: الحسن أشبه برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. وفي رواية عن أنس: كان الحسن أشبههم وجها. وهو يؤيد حديث علي انتهى. وأم الحسن، السيدة فاطمة الزهراء أمهما رضي اللَّه تعالى عنهم. وأخوها إبراهيم ابن سيد الخلائق صلى اللَّه عليه وسلم. روى الخرائطي في «اعتلال القلوب» عن عبد الله بن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل على مارية وهي حامل منه بإبراهيم فذكر حديثاً فيه أن جبريل صلى اللَّه عليه وسلم بشره أنه أشبه الخلق به. وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين ابن عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في صحيح البخاري أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال له: أشبهت خلقي وخلقي [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 242 والترمذي (3765) وأحمد في المسند 1/ 98 والبيهقي في السنن 8/ 5 والحاكم 3/ 120 وعبد الرزاق (20394) .

وابناه عون وعبد الله. روى النسائي عن عبد الله بن جعفر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لأخيه عون: إنه أشبه خلقي وخلقي. وقثم ابن سيدنا العباس عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وصفه ابن السكن بذلك. وأبو سفيان بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه. وابن ابنه عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب الملقب فيما ذكر في «المحبر» و «الاستيعاب» بذلك أمير البصرة. وعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال الزبير بن بكار: كان يشبه النبي صلى اللَّه عليه وسلم. ومحمد ومسلم. ذكرهما ابن حبان في الثقات بذلك، ابنا عقيل بن أبي طالب. والسائب بن يزيد، الجد الأعلى للإمام الشافعي رضي اللَّه تعالى عنهما، وصفه الزبير بن بكار بذلك. روى الحاكم في مناقب الشافعي عن أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذات يوم في فسطاط إذا جاء السائب بن عبيد الله ومعه ابنه فقال: «من سعادة المرء أن يشبه أباه» [ (1) ] وهذا الابن هو شافع بن السائب- ويمكن أن يعد هذا الولد في الأشباه أيضاً لهذا. وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي. وكابس بن ربيعة بن عدي. وعلي بن نجاد بنون مكسورة فجيم خفيفة- ابن رفاعة الرفاعي اليشكري- بمثناة تحتية مفتوحة ومعجمة ساكنة. والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل. وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ذكره المزي في ترجمة والده بذلك. والقاسم بن محمد. قال عبيد الله بن إسحاق فيما نقله العسكري كان أشبه الخلق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وإبراهيم بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنهم.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (119) .

ويحيى بن القاسم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنهم. وعبيد الله بن أبي طلحة الخولاني. ومسلم بن معتب بن أبي لهب. قيل وعثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه لكن قال الحافظ: إن الأثر المحكي في ذلك موضوع وإن الثابت في صفته رضي اللَّه تعالى عنه خلاف ذلك. وثابت البناني [ (1) ] وقتادة بن دعامة. ذكرهما صاحب «استجلاب ارتقاء الغرق» . ومحمد بن عبد الله المهدي الذي يخرج في آخر الزمان. ذكر غالب ذلك الحافظ في الفتح في مناقب السيدين الحسن والحسين رضي اللَّه تعالى عنهما. وعده المهدي في الأشباه غلط. فقد روى أبو داود عن علي رضي اللَّه تعالى عنه في صفة المهدي «يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق» . وعبد الله بن عوانة شريف مغربي قدم الديار المصرية زمن السلطان الأشرف قايتباي. أخبرني غير واحد من الأشياخ الذين كانت لهم معرفة بصفات النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن هذا المغربي كانت صفته تقرب من صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وسألت شيخنا الإمام العلامة شيخ الإقراء بدمشق وإمام جامعها أبا العباس أحمد شهاب الدين الرملي ثم الدمشقي الشافعي لما قدم الديار المصرية في آخر عمره أن ينظر أسماء المذكورين قبل أن أظفر بجماعة لبسوا في نظمه فأجاب إلى ذلك وسر بوقوفه على أسمائهم فقال: بالمصطفى شبه بعض الناس ... فاحفظهم ولا تكن بالناسي فاطمة الزهراء وابناها الحسن ... ثم حسين وكلاهما حسن وابن رسول اللَّه إبراهيم ... ونوفل بن الحارث العظيم وابن ابنه انشر بالجميل ذكره ... أبو محمد أمير البصرة وجعفر وابناه عبد اللَّه ... وعونا اذكر لا تكن باللّاهي

_ [ (1) ] ثابت بن أسلم البناني بضم الموحدة وبنونين مولاهم أبو محمد البصري أحد الأعلام. عن ابن عمر وعبد الله بن مغفّل. وأنس وخلق من التابعين. وعنه شعبة والحمّادان ومعمر. قال ابن المديني: له نحو مائتين وخمسين حديثا. وقال حماد بن زيد: ما رأيت أعبد من ثابت. وقال شعبة: كان يختم في كل يوم وليلة ويصوم الدهر. وثقه النسائي وأحمد والعجلي. قال ابن عليه: مات سنة سبع وعشرين ومائة. وقيل: سنة ثلاث، عن ست وثمانين سنة. [الخلاصة 1/ 147] .

وابنا عقيل وهما محمد ... ومسلم والسائب الممجد ابن يزيد وهو جد الشافعي ... إمامنا الأعظم نجل شافع والحبر عبد اللَّه ذا ابن عامر ... ابن كريز العبشمي الفاخر وكابس والده ربيعه ... ابن عدي نسبة رفيعه كذا علي بن علي بن نجاد ... ابن رفاعة الرفاعي الجواد اليشكري وعد بعد اليشكري ... يحيى هو ابن القاسم بن جعفر ابن محمد مولانا علي ... ابن حسين بن علي الولي وولد العباس وهو قثم ... وابن معتب المسمى مسلم والقاسم الثبت ابن عبد الله ... بن محمد عظيم الجاه فجده عقيل الكريم ... كذا ابن عبد الله إبراهيم وجده فالحسن بن الحسن ... ابن علي يا له من محسن والسيد المهدي الذي سيظهر ... قبيل عيسى وبه يبشر وابن أبي طلحة عبد الله ... وذاك خولاني بلا اشتباه وابن عوانة الشريف المغربي ... أحمد لقب الشبيه بالنبي قد جاء في تاسع قرن قد مضى ... ووجهه على البدور قد أضا وقد رأيته لطيف الذات ... ممدحا بأحسن الصفات وذكروا عثمان في التشبيه ... بالمصطفى وليس بالوجيه وأثر فيه أتى موضوع ... مختلق في شبهه مصنوع وهو جميل الذكر عالي الدرجه ... وبابنتيه المصطفى قد زوجه صلى عليه ربنا وسلما ... والآل والصحب الكرام العظما وقد تممّ ما أفاد الناظم أقل تلامذة المؤلف- هو شيخنا الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محب الدين أحمد بن أحمد القيسي المالكي فسح اللَّه تعالى في مدته آمين منبها على ما في النظم من مخالفة الأصل في تسمية أبي سفيان بن نوفل بنوفل فقال: وعد في أشباهه الخليل ... وآدم المعظم الجليل صلى عليهما الإله دائما ... مسلما ما لاح نجم في السما

كذاك عبد الله بن نوفل ... كذا أبو سفيان أخوه المعتلي وعده الناظم نوفلا بلا ... شك مخالف لما قد نقلا كذلك المهدي أيضاً منتقد ... لما مضى في الأصل وهو المعتمد وعد في الأشباه أيضاً ثابت ... هو البناني وكذا قتادة ابن دعامة كذاك القاسم ... كذاك عبد الله أبوه العالم وشافع ابن ذي الذكر الجميل ... والفضل والتبجيل مولانا عقيل وشافع جد الإمام الشافعي ... لما مضى عن صاحب الشّرائع صلّ عليه الرب ذو الجلال ... كذا الصحاب جملة والآل

جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم الباب الأول في وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له توفيت أمه وهو ابن أربع سنين. وقدمه في الإشارة. وقيل ست. وقيل سبع. وقيل تسع. وقيل خمس. وقيل اثنتى عشرة سنة وشهر وعشرة أيام. بالأبواء. وقيل بشعب أبي دب بالحجون. وغلط قائله. قال ابن إسحاق: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب في كلاءة اللَّه وحفظه ينبته اللَّه نباتا حسنا لما يريد به من كرامته، فلما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة. قال البلاذري: وزعم بعض البصريين أنها ماتت بمكة ودفنت في شعب أبي دب الخزاعي وذلك غير ثبت. وقال ابن سعد: هو غلط وليس قبرها بمكة، قبرها بالأبواء وكانت أمه قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به إلى مكة. قال ابن هشام: أم عبد المطلب بن هاشم: سلمى بنت عمرو النجارية فهذه الخؤولة التي ذكر ابن إسحاق لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم. وروى ابن سعد عن ابن عباس وغيره قالوا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعه أم أيمن رضي اللَّه تعالى عنها تحضنه، وهم على بعيرين، فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهرا، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك ولما نظر أطم بني عدي بن النجار عرفه فقال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم، وكنت مع الغلمان من أخوالي نطير طائرا كان يقع عليه. ونظر إلى الدار فقال: ها هنا نزلت بي أمي وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار. وكان قوم من اليهود يختلفون إليه ينظرون إليه. قالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: هذا نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته. فوعيت ذلك منه.

ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانت بالأبواء توفيت أمه آمنة بنت وهب، فقبرها هناك فرجعت به أم أيمن إلى مكة وكانت تحضنه. وروى أبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه مثله وزاد: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فنظر إلي رجل من اليهود يختلف ينظر إلي فقال: يا غلام ما اسمك؟ قلت: أحمد، ونظر إلى ظهري فأسمعه يقول: هذا نبي هذه الأمة، ثم راح إلى أخوالي فأخبرهم فأخبروا أمي فخافت علي فخرجنا من المدينة. وكانت أم أيمن تحدث تقول: أتاني رجلان من يهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا أخرجي لنا أحمد. فأخرجته فنظر إليه وقبلاه مليا ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم. قالت أم أيمن: ووعيت ذلك كله من كلامهما. وروى أبو نعيم عن أم سماعة بنت أبي رهم عن أمها قالت: شهدت آمنة بنت وهب في علتها التي ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت: علتها التي ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت: بارك فيك اللَّه من غلام ... يا ابن الذي من حومة الحمام نجا بعون الملك المنعام ... فودي غداة الضرب بالسهام بمائة من إبل سوام ... إن صح ما أبصرت في منامي فأنت مبعوث إلى الأنام ... من عند ذي الجلال والإكرام تبعث في الحل وفي الحرام ... تبعث بالتحقيق والإسلام دين أبيك البر إبراهام ... تبعث بالتخفيف والإسلام أن لا تواليها مع الأقوام ... فاللَّه أنهاك عن الأصنام ثم قالت: كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى وأنا ميتة وذكري باق وقد تركت خيرا وولدت طهرا. ثم ماتت وكنا نسمع نوح الجن عليها فحفظنا من ذلك: نبكي الفتاة البرة الأمينة ... ذات الجمال العفة الرزينة زوجة عبد اللَّه والقرينة ... أم نبي اللَّه ذي السكينة وصاحب المنبر بالمدينة ... صارت لدى حفرتها رهينة لو فوديت لفوديت ثمينه ... وللمنايا شفرة سنينه لا تبقي ظعانا ولا ظعينة ... إلا أتت وقطعت وتينه أما هلكت أيها الحزينة ... عن الذي ذو العرش يعلي دينه فكلنا والهة حزينه ... نبكيك للعطلة أو للزينه وللضعيفات وللمسكينة

تنبيه

تنبيه روى أبو حفص بن شاهين [ (1) ] في الناسخ والمنسوخ من طريق أحمد بن يحيى الحضرمي، والمحب الطبري في سيرته من طريق القاضي أبي بكر محمد بن عمر بن محمد بن الأخضر، والدارقطني وابن عساكر كلاهما في غرائب مالك، والخطيب في السابق واللاحق من طريق علي بن أيوب الكعبي، قالوا: حدثنا أبو غزية محمد بن يحيى الزهري، حدثنا عبد الوهاب بن موسى الزهري. قال الحضرمي وابن الأخضر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد [ (2) ] . وقال الكعبي عن مالك بن أنس [ (3) ] ، قالا عن هاشم بن عروة [ (4) ] ، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: حج بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم فبكيت لبكاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم انه طفق يقول: يا حميراء استمسكي. فاستندت إلى جنب البعير فمكث عني طويلا ثم عاد إلي وهو فرح مبتسم فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! نزلت من عندي وأنت باك حزين مغتم فبكيت لبكائك ثم إنك عدت إلي وأنت فرح مبتسم فمم ذاك؟ قال: ذهبت لقبر أمي فسألت اللَّه أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها اللَّه [ (5) ] .

_ [ (1) ] عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين، أبو حفص: واعظ علامة، من أهل بغداد. كان من حفاظ الحديث. له نحو ثلاثمائة مصنف، منها كتاب «السنّة» سماه صاحب التبيان «المسند» وقال: ألف وخمسمائة جزء، و «التفسير» في نحو ثلاثين مجلدا. و «تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم» على حروف المعجم، و «معجم الشيوخ» و «الأفراد» و «كشف الممالك» و «ناسخ الحديث ومنسوخه» و «الترغيب» في فضائل الأعمال. [الأعلام 5/ 40] . [ (2) ] عبد الرحمن بن أبي الزناد، عبد الله بن ذكوان، المدني، مولى قريش، صدوق، تغير حفطه لما قدم بغداد، وكان فقيها، من السابعة، ولي خراج المدينة، فحمد، مات سنة أربع وسبعين، وله أربع وسبعون سنة. [انظر التقريب 1/ 479، 480.] [ (3) ] مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي أبو عبد الله المدني، أحد أعلام الإسلام، وإمام دار الهجرة. عن نافع والمقبري ونعيم بن عبد الله وابن المنكدر ومحمد بن يحيى بن حبّان وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وأيوب وزيد بن أسلم وخلق، وعنه من شيوخه الزهري ويحيى الأنصاري. قال الشافعي: مالك حجة اللَّه تعالى علي خلقه. قال ابن مهدي: ما رأيت أحدا أتمّ عقلا ولا أشد تقوى من مالك. وقال ابن المديني: له نحو ألف حديث. قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر ولد مالك سنة ثلاث وتسعين، وحمل به ثلاث. وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة. ودفن بالبقيع [الخلاصة 3/ 3] . [ (4) ] هشام بن عروة بن الزبير بن العوّام الأسدي أبو المنذر أحد الأعلام. عن أبيه وزوجته فاطمة بنت المنذر وأبي سلمة وخلق. وعنه أيوب وابن جريج وشعبة ومعمر وخلق. قال ابن المديني: له نحو أربعمائة حديث. وقال ابن سعد: ثقة حجة. وقال أبو حاتم: إمام. قال أبو نعيم: توفي سنة خمس وأربعين ومائة، وقيل سنة ست، وتكلم فيه مالك وغيره. [الخلاصة 3/ 115] . [ (5) ] قال المزي: كل حديث فيه يا حميراء فهو موضوع إلا حديث عن النسائي قال الزركشي في الإصابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة في أثناء تعديد خصائصها رضي اللَّه تعالى عنها «السابعة والعشرون» جاء في حقها. خذوا شطر دينكم عن الحميراء وسألت شيخنا الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه اللَّه عن ذلك فقال: كان شيخنا حافظ الدنيا أبو الحجاج المزي رحمه اللَّه تعالى يقول: كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديث في الصوم في

تفرد بهذا الحديث أبو غزية وتفرد عنه الكعبي بذكر مالك في إسناده. قال الدارقطني: هذا كذب على مالك والحمل فيه على أبي غزية والمتهم بوضعه هو أو من حدث به عنه. وهذا الحديث قد حكم بوضعه الحافظ أبو الفضل بن ناصر والجوزقاني وابن الجوزي والذهبي وأقره الحافظ في اللسان، وحكم بوضعه جماعة سبق ذكرهم في ترجمة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم. وجعله ابن شاهين ومن تبعه ناسخا لأحاديث النهي عن الاستغفار. قلت: وهذا غير جيد لأن أحاديث النهي عن الاستغفار لهما بعض طرقها صحيح. رواه مسلم وابن حبان في صحيحيهما وهذا الحديث على تسليم ضعفه لا يكون ناسخا للأحاديث الصحيحة واللَّه تعالى أعلم. قال أبو الخطاب بن دحية: الحديث في إحياء أبيه وأمه موضوع يرده القرآن والإجماع قال تعالى: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء 18] وقال: فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ [البقرة 217] فمن مات وهو كافر لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه، فكيف بعد الإعادة؟ وفي التفسير أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ليت شعرى ما فعل أبواي [ (1) ] ؟» . فنزلت وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة 119] . قلت: لو اقتصر أبو الخطاب على الحكم بوضع الحديث فقط وسكت عما ذكره لكان جيدا وتأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم- في حق أبويه. وقد تعقبه القرطبي فقال: وفيما ذكره ابن دحية نظر. وذلك أن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه لم تزل تتوالى وتتتابع إلى حين مماته فيكون هذا مما فضله تعالى وأكرمه به، وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنعا عقلا ولا شرعا، فقد ورد في الكتاب العزيز إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله وكان عيسى صلى الله عليه وسلم يحيي الموتى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أحيا اللَّه تعالى على يديه جماعة من الموتى. وإذا ثبت هذا فما يمتنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته وفضيلته مع ما ورد من الخبر في ذلك ويكون مخصوصا ممن مات كافرا. وقوله: «فمن مات كافرا» إلى آخر كلامه مردود بما في الخبر أن اللَّه رد الشمس على نبيه صلى الله عليه وسلم بعد مغيبها حتى صلى علي العصر. ذكره الطحاوي وقال إنه حديث ثابت. فلو لم

_ [ () ] «سند النسائي» وحديث آخر أخرجه النسائي عن أبي سلمة قال: قالت عائشة: دخل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم وإسناده صحيح [انظر الإجابة 61- 62 المصنوع (211) ] . [ (1) ] أخرجه الطبري في التفسير 1/ 409 وذكره السيوطي في الدر 1/ 111 وزاد نسبته لوكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

فصل في الكلام على أحاديث النهي عن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه.

يكن رجوع الشمس نافعا وأنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه، فكذلك يكون إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قبل اللَّه تعالى إيمان قوم يونس وتوبتهم مع تلبسهم بالعذاب كما هو أحد الأقوال وهو ظاهر القرآن. وأما الجواب عن الآية فيكون ذلك قبل إيمانهما وكونهما في العذاب. انتهى كلام القرطبي. ونقله الحافظ في شرح الدرر ملخصا له. وأقره. قال الشيخ رحمه اللَّه: استدلاله على عدم تجدد الوقت بقصة رجوع الشمس في غاية الحسن ولهذا حكم بكون الصلاة أداء وإلا لم يكن لرجوعها فائدة إذ كان يصح قضاء العصر بعد الغروب. قال: وقد ظفرت باستدلال أوضح منه، وهو ما ورد أن أصحاب الكهف يبعثون آخر الزمان ويحجون ويكونون من هذه الأمة تشريفا لهم بذلك. وورد عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما مرفوعا: أصحاب الكهف أعوان المهدي. رواه ابن مردويه في التفسير. فقد اعتد بما يفعله أصحاب الكهف بعد حياتهم عن الموت. ولا بدع في أن يكون اللَّه تعالى كتب لأبوي النبي صلى الله عليه وسلم عمرا ثم قبضهما قبل استيفائه ثم أعادهما لاستيفاء تلك اللحظة الباقية وآمنا فيها فيعتد به ويكون تأخير تلك البقية بالمدة الفاصلة بينهما لاستدراك الإيمان، من جملة ما أكرم اللَّه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أن تأخير أصحاب الكهف هذه المدة من جملة ما أكرموا به، فيحوزون شرف الدخول في هذه الأمة. وأما حديث: «ليت شعرى ما فعل أبواي» فإنه معضل ضعيف لا تقوم به حجة. وقال الحافظ ابن سيد الناس في «العيون» بعد أن ذكر أنه روى أن اللَّه تعالى أحيا أبويه فآمنا به قال: وهو مخالف لما أخرجه أحمد عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول اللَّه أين أمي؟ قال: أمك في النار. قلت: فأين من مضى من أهلك؟ قال: أما ترضى أن تكون أمك مع أمي. قال: وذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا إلى الدرجات العلية إلى أن قبض اللَّه روحه الطاهرة لديه وأزلفه بما خصه به لديه من كرامة القدوم عليه، فمن الجائز أن تكون هذه كرامة حصلت له صلى الله عليه وسلم بعد أن لم تكن وأن يكون الإحياء والإيمان متأخرا عن تلك الأحاديث، فلا تعارض. انتهى. فصل في الكلام على أحاديث النهي عن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه. حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليت شعرى ما فعل أبواي» فنزل إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ فما ذكرهما حتى توفاه اللَّه. ورواه ابن جرير وغيره

عن محمد بن كعب القرظى مرسلا وسنده ضعيف لا تقوم به حجة. وروى أيضا عن داود بن أبي عاصم نحوه وهو معضل وسنده ضعيف لا تقوم به حجة. ثم إن هذا السبب مردود بوجوه أخرى من جهة الأصول والبلاغة وأسرار البيان، وذلك أن الآيات من قبل هذه الآيات ومن بعدها كلها في اليهود من قوله تعالى يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة 40] إلى قوله: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ واختتمت القصة بمثل ما صدرت به وهو قوله يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ الآيتين فتبين أن المراد بأصحاب الجحيم كفار أهل الكتاب وقد ورد ذلك مصرحا به في الأثر. روى عبد بن حميد والفريابي عن مجاهد قال: من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين، ومن أربعين آية إلى عشرين ومائة في بني إسرائيل. ومما يؤيد ذلك أن السورة مدنية وأكثر ما خوطب فيها اليهود، ويرشح ذلك من حيث المناسبة أن الجحيم اسم لما عظم من النار كما هو مقتضى اللغة والآثار، روى ابن جرير عن مالك في الآية قال: الجحيم اسم لما عظم من النار. وروى ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله تعالى لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ قال: أولها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم، ثم الهاوية. قال: والجحيم فيها أبو جهل. إسناده صحيح. فاللائق بهذه المنزلة من عظم كفره واشتد وزره وعاند عند الدعوة، وبدل وحرف وجحد بعد علم، لا من هو بمظنة التخفيف. وإذا كان قد صح في أبي طالب أنه أهون أهل النار عذابا لقرابته منه صلى الله عليه وسلم وبره به، مع إدراكه الدعوة وامتناعه من الإجابة وطول عمره، فما ظنك بأبويه اللذين هما أشد منه قربا وآكد منه حبا، وأبسط عذرا وأقصر منه عمرا؟ فمعاذ اللَّه أن يظن بهما أنهما في طبقة الجحيم وأن يشدد عليهما العذاب العظيم هذا لا يفهمه من له أدنى ذوق. حديث: أنه صلى الله عليه وسلم استغفر لأمه فضرب جبريل في صدره وقال لا تستغفر لمن مات مشركا. رواه البزار وفي سنده من لا يعرف فلا تقوم به حجة. وأما ما يروى في سبب نزول قوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة: 113] من أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر لأمه فنزلت الآية. فرواه الحاكم عن ابن

مسعود، وابن جرير من طريق عطية العوفي، والطبراني من طريق عكرمة، كلاهما عن ابن عباس وابن مردويه عن بريدة قال: وفيه أن قبرها بمكة. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: فأما حديث ابن مسعود وإن صححه الحاكم فقد تعقبه الذهبي في مختصره فقال: في سنده أيوب بن هانئ ضعفه ابن معين. فهذه علة تقدح في صحته. وله علة ثانية وهي مخالفته لما في صحيح البخاري وغيره أن هذه الآية نزلت بمكة عقب موت أبي طالب واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم له كما سيأتي في باب موت أبي طالب. وأما حديث ابن عباس فله علتان: مخالفته للحديث الصحيح كما سبق وضعف إسناده. وأما حديث بريدة فله علتان: إحداهما المخالفة في سبب نزول الآية. والثانية: قال ابن سعد بعد تخريجه: هذا غلط وليس قبرها بمكة وقبرها بالأبواء. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: وأصح هذه الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه في ألفي مقنع فما رئي أكثر باكيا من ذلك اليوم. رواه الحاكم وصححه عن [بريدة] . وهذا القدر لا علة له، وليس فيه مخالفة لشيء من الأحاديث، ولا نهي عن الاستغفار، وقد يكون البكاء لمجرد الرقة التي تحصل عند زيارة الموتى من غير سبب تعذيب ونحو. ثم قال الشيخ: وقد ظفرت بأثر يدل على أنها ماتت وهي موحدة. فذكر أثر أم سماعة- بنت أبي رهم عن أمها- السابق ثم قال: فهذا القول من أم النبي صلى الله عليه وسلم صريح في أنها موحدة إذ ذكرت دين إبراهيم وبعث ابنها صلى الله عليه وسلم بالإسلام من عند ذي الجلال والإكرام ونهيه عن عبادة الأصنام وموالاتها مع الأقوام وهل التوحيد شيء غير هذا؟ التوحيد الاعتراف باللَّه وإلهيته وإنه لا شريك له والبراءة من عبادة الأصنام ونحوها. وهذا القدر كاف في التبري من الكفر وصفة ثبوت التوحيد في الجاهلية قبل البعثة. وقد قال العلماء في حديث الذي أمر بنيه عند موته أن يحرقوه ويسحقوه ويذروه في الريح وقوله: «إن قدر اللَّه علي» إن هذه الكلمة لا تنافي الحكم بإيمانه لأنه لم يشك في القدرة ولكن جهل فظن أنه إذا فعل ذلك لا يعاد. ولا يظن بكل من كان في الجاهلية أنه كان كافرا، فقد كان جماعة تحنفوا وتركوا ما كان عليه أهل الشرك وتمسكوا بدين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد، كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل، فكلهم محكوم بإيمانه في الحديث ومشهود له بالجنة، فلا بدع أن تكون أم النبي صلى الله عليه وسلم منهم، كيف وأكثر من تحنف إنما كان سبب تحنفه ما سمعه من أهل الكتاب قرب زمنه صلى الله عليه وسلم من أنه قرب بعث نبي من الحرم صفته كذا، وأم النبي صلى الله عليه وسلم سمعت من ذلك أكثر مما سمعه غيرها، وشاهدت في حمله وولادته من آياته الباهرة ما يحمل على التحنف ضرورة، ورأت النور الذي خرج منها أضاءت له قصور الشام حتى رأتها كما ترى أمهات النبيين صلى اللَّه عليهم

أجمعين وقالت لحليمة حين جاءت به وقد شق صدره وهي مذعورة: أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا واللَّه ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن. في كلمات أخرى من هذا النمط، وقدمت به المدينة عام وفاتها وسمعت كلام اليهود فيه وشهادتهم له بالنبوة ورجعت به فماتت في الطريق. فهذا كله مما يؤيد أنها تحنفت في حياتها. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: فإن قلت كيف قررت أنها كانت موحدة في حياتها ومتحنفة وقد صح أنه استأذن ربه في الاستغفار لها فلم يؤذن له. وقوله في الحديث «أمي مع أمكما» يؤذن بخلاف ذلك وهبك أجبت عنهما فيما يتعلق بحديث الإحياء بأنهما متقدمان في التاريخ وذاك متأخر فكان ناسخا، فما تقول في هذا؟ فإن الموت على التوحيد ينفي التعذيب البتة؟. قلت: أما حديث: «أمي مع أمكما» وإن صححه الحاكم، فقد تقرر في علوم الحديث أن الحاكم يتساهل في التصحيح. وقال الذهبي بعد قول الحاكم في هذا الحديث: أنه صحيح: قلت: لا واللَّه فإن عثمان بن عمير ضعفه الدارقطنيّ. فبين الذهبي ضعف الحديث وحلف عليه يمينا. وعلى تقدير أن يكون صحيحا فأحسن ما يقرر به الجواب أن يقال: إن قوله «أمي مع أمكما» صدر قبل أن يوحى إليه أنها من أهل الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا أدري تبعا كان نبيا أم لا» [ (1) ] رواه الحاكم وابن شاهين من حديث أبي هريرة. وقال صلى الله عليه وسلم بعد أن أوحى إليه في شأنه: «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم» [ (2) ] رواه ابن شاهين في نسخه من حديث سهل ابن سعد وابن عباس. وكأنه صلى الله عليه وسلّم أولا لم يوح إليه في شأنها شيء ولم يبلغه الذي قالته عند موتها ولا تذكره فإنه كان إذ ذاك ابن خمس سنين، فأطلق القول بأنها مع أمهما جريا على قاعدة أهل الجاهلية، ثم أوحى إليه في أمرها بعد ذلك. ويؤيد ذلك أن في آخر الحديث نفسه «ما سألتهما ربي» فهذا يدل على إنه لم يكن بعد وقعت بينه وبين ربه مراجعة في أمرها ثم وقع بعد ذلك. وأما عدم الإذن في الاستغفار فلا يلزم منه الكفر بدليل أنه صلى الله عليه وسلم كان ممنوعا في أول الإسلام من الصلاة على من عليه دين لم يترك وفاء ومن الاستغفار له وهو من المسلمين، وعلل ذلك بأن استغفاره مجاب على الفور، فمن استغفر له وصل عقب دعائه إلى منزله الكريم في الجنة والمديون محبوس عن مقامه حتى يقضى دينه كما ورد في الحديث «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى» فقد تكون أمّ

_ [ (1) ] ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 103. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 340 والطبراني في الكبير 6/ 250 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 166 والسيوطي في الدر 6/ 31 والهيثمي في المجمع 8/ 76.

النبي صلى الله عليه وسلم مع كونها متحنفة كانت محبوسة في البرزخ عن الجنة لأمور أخرى غير الكفر اقتضت أن لا يؤذن له في الاستغفار إذ ذاك بسببها إلى أن أذن اللَّه تعالى فيه بعد ذلك. ويحتمل أن يجاب عن الحديثين بأنها كانت موحدة غير أنها لم يبلغها شأن البعث والنشور وذلك أصل كبير، فأحياها اللَّه تعالى له حتى آمنت بالبعث وبجميع ما في شريعته ولذلك تأخر إحياؤها إلى حجة الوداع حتى تمت الشريعة ونزل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة 3] فأحييت حتى آمنت بجميع ما أنزل وهذا معنى نفيس بليغ. وبسط الشيخ رحمه اللَّه تعالى الكلام على ذلك في كتابيه «الدرر الكامنة في إسلام السيدة آمنة» وفي «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» والذي ذكرته خلاصتهما وفيه مناقشات ليس المقام لائقا لذكرها. وتقدم في ترجمة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه مقنع. وقد وقعت على فتوى بخط بعض علماء المغاربة بسط فيها الكلام على هذا المقام ورجح ما مشى عليه الشيخ، ومن جملة ما ذكره: أن المتكلم في هذا المقام على ثلاثة أقسام: قسم يوجب تكفير قائله وزندقته وليس فيه إلا القتل دون تلعثم، وهو حيث يتكلم بمثل هذا الكلام المؤذي في أبويه صلى الله عليه وسلم قاصدا لأذيته وتعييره والإزراء به والتجسر على جهته العزيزة بما يصادم تعظيمه وتوقيره. وقسم ليس على المتكلم به وصم وهو حيث يدعوه داع ضروري إلى الكلام به، كما إذا تكلم على الحديث مفسرا له ومقررا، ونحو ذلك مما يدعو إلى الكلام به من الدواعي الشرعية. وقسم يحرم علينا التكلم فيه ولا يبلغ بالتكلم به إلى القتل، وهو حيث لا يدعوه داع شرعي إلى الكلام به فهذا يؤدب على حسب حاله ويشدد في أدبه إن علم منه الجرأة وعدم التحفظ في اللسان، ويعزل عن الوظائف الشرعية. واستدل بعزل عمر بن عبد العزيز عامله. وسبق ذلك في ترجمة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: ولا ينبغي لعاقل إنكار ذلك. أي حديث إحياء أبويه صلى الله عليه وسلم- فكرامته صلى الله عليه وسلم على مولاه أعظم من ذلك، ولا يتشاغل في هذا المقام بكونه صحيحا، فقد قال العلماء: أحاديث الترغيب والترهيب لا يشترط فيها الصحة، فما بالك بهذا المقام؟ ولا مانع من صحته إن شاء اللَّه تعالى وذلك هو الذي يغلب على ظن كل محب للجناب الشريف صلى الله عليه وسلم.

الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه.

الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه. لما توفيت آمنة أم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضمه إليه جده عبد المطلب ورق عليه رقة لم يرقها على ولده. قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه يؤخرونه فيقول جده: دعوا ابني. فيمسح ظهره ويقول: إن لابني هذا لشأناً. وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما مثله. وزاد: دعوا ابني يجلس فإنه يحس من نفسه بشيء، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده. وروى ابن سعد وابن عساكر عن الزهري ومجاهد ونافع وابن جبير قالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب: دعوا ابني ليؤنس ملكاً [ (1) ] . وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه. وقال عبد المطلب لأم أيمن: يا بركة احتفظي به لا تغفلي عنه فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة. وروى المحاملي عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: سمعت أبي يقول: كان لعبد المطلب مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره وكان حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما وهو غلام لم يبلغ الحلم فجلس على المفرش فجذبه رجل فبكي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال عبد المطلب- وذلك بعد ما كف بصره: ما لابني يبكي؟ قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه. دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه بشرف وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده. وروى البلاذري عن الزهري ومحمد بن السائب أن عبد المطلب كان إذا أتي بالطعام أجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وربما أقعده على فخذه فيؤثره بأطيب طعامه، وكان رقيقا

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 70.

عليه برا به، فربما أتي بالطعام وليس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاضرا فلا يمس شيئاً منه حتى يؤتى به. وكان يفرش له في ظل الكعبة ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه فإذا خرج قاموا على رأسه مع عبيده إجلالا له وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر فيجلس على الفراش فيأخذه أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب: دعوا ابني ما تريدون منه؟ إن له لشأنا. ويقبل رأسه ويمسح صدره ويسر بكلامه وما يرى منه. وروى أبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه قالوا: بينا عبد المطلب يوما في الحجر وعنده أسقف نجران وهو يحادثه ويقول: إنا نجد صفة نبي بقي من ولد إسماعيل، هذا البلد مولده ومن صفته كذا وكذا. وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنظر إليه الأسقف وإلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدميه فقال: هو هذا، ما هذا منك؟ قال: هذا ابني. قال الأسقف: لا، ما نجد أباه حيا. قال: هو ابن ابني وقد مات أبوه وأمه حبلى به. قال: صدقت. قال عبد المطلب لبنيه: تحفظوا بابن أخيكم ألا تسمعون ما يقال فيه؟. وروى البخاري في تاريخه وابن سعد والحاكم وصححه، عن كندير بن سعيد بن حيوة [ (1) ] ويقال حيدة، عن أبيه، والبيهقي عن معاوية بن حيدة [ (2) ] قال الأول: خرجت حاجا في الجاهلية. وقال الثاني: خرجت معتمرا في الجاهلية. قالا: فإذا شيخ طويل يطوف بالبيت وهو يقول: رد إلي راكبي محمدا ... اردده ربي واتخذ عندي يدا فسألا عنه فقيل هذا سيد قريش عبد المطلب له إبل كثيرة فإذا ضل منها شيء بعث فيه بنيه يطلبونها فإذا غابوا بعث ابن ابنه ولم يبعثه في حاجة إلا أنجح فيها، وقد بعثه في حاجة أعيا عنها بنوه وقد أبطأ عليه. قالا: فلم نلبث حتى جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالإبل معه، فقال له عبد المطلب: يا بني حزنت عليك حزنا لا تفارقني بعد أبدا. وروى ابن الجوزي عن أم أيمن رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كنت أحضن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يوما فلم أدر إلا بعبد المطلب قائما على رأسه يقول: يا بركة. قلت: لبيك. قال: أتدرين أين وجدت ابني؟ قلت: لا أدري. قال: وجدته مع غلمان قريبا من السدرة، لا تغفلي عنه فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة وأنا لا آمنهم عليه.

_ [ (1) ] كندير بن سعيد بن حيوة قال حججت في الجاهلية فإذا أنا برجل يطوف بالبيت وهو يقول «رد إلي راكبي محمدا» وروى عن أبيه روى عنه العباس بن عبد الرحمن سمعت أبي يقول ذلك. [ (2) ] معاوية بن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري، صحابي، نزل البصرة، ومات بخراسان، وهو جد بهز بن حكيم [التقريب 2/ 259] .

الباب الثالث في استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته

الباب الثالث في استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته روى ابن سعد والبلاذري وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي عن رقيقة بنت أبي صيفي ابن هاشم وكانت لدة عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون جدبة أقحلت الجلد وأدقت العظم، فبينا أنا نائمة أو مهومة إذا هاتف يصرخ بصوت صحل يقول: يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث منكم قد أظلتكم أيامه وهذا إبان مخرجه فحي هلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا رجلا منكم وسيطا عظاما جساما أبيض بضا أوطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين له فخر يكظم عليه وسنة يهتدى إليها، فليخلص هو وولده وولد ولده، وليدلف إليه من كل بطن رجل، فليشنوا من الماء وليمسوا من الطيب ثم يستلم الركن، وليطوفوا بالبيت سبعا ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستق الرجل وليؤمن القوم، ألا وفيهم الطيب الطاهر فغثتم إذا ما شئتم. قالت: فأصبحت مذعورة قد اقشعر جلدي ووله عقلي واقتصيت رؤياي فنمت في شعاب مكة، فما بقي أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد. وتتامت عنده قريش وانقض إليه من كل بطن رجل فشنوا من الماء ومسوا من الطيب واستلموا وطافوا ثم ارتقوا أبا قبيس فطفق القوم يدلفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهلة، حتى قر لذروته، فاستكفوا جانبيه ومعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب فقام عبد المطلب فقال: اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلم ومسؤول غير مبخل وهذه عبادك وإماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم التي قد أقحلت الظلف والخف فأمطرنا اللَّه غيثا مريعا مغدقا. فما برحوا حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي بثجيجه فلسمعت شيخان قريش وهي تقول لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطحاء بك عاش أهل البطحاء. وفي ذلك تقول رقيقة بنت أبي صيفي: بشيبة الحمد أسقى اللَّه بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر فجاد بالماء جوني له سبل ... سحا فعاشت به الأنعام والشجر سيل من اللَّه بالميمون طائره ... وخير من بشرت يوما به مضر مبارك الأمر يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر تفسير الغريب رقيقة: براء مضمومة وقافين مصغرة، بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية والدة مخرمة بن نوفل. ذكرها ابن سعد في المسلمات المهاجرات.

لدة الرجل [ (1) ] : تربه الذي ولد هو وإياه في وقت واحد. التتابع: بمثناتين فوقيتين فألف فمثناة تحتية فعين مهملة قال في النهاية: الوقوع في الشر من غير فكرة ولا روية والمتابعة عليه، ولا يكون في الخير. وقال غيره: التتابع بالموحدة يقال في الخير، والمثناة يقال في الشر. السنون: جمع سنة وهي الجدب بفتح الجيم وسكون الدال المهملة نقيض الخصب. أقحلت: بقاف فحاء مهملة: أيبست. مهومة: بضم الميم وفتح الهاء وكسر الواو المشددة قال في النهاية: التهويم: أول النوم. وهو دون النوم الشديد. الهاتف: ما يسمع صوته ولا يرى شخصه. بصوت صحل: بصاد مفتوحة فحاء مهملتين فلام أي غير حاد الصوت. إبان الشيء بكسر الهمزة وتشديد الموحدة: وقته. حي هلا: اسم فعل بمعني أقبلوا وأسرعوا، وهي كلمتان جعلتا كلمة فحي بمعني أقبل وهلا بمعنى أسرع. الحيا: بالقصر الغيث. الخصب: بالكسر نقيض الجدب. وسيطا: يقال فلان وسيط قومه إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم محلا. عظاما [ (2) ] : بضم العين المهملة بمعنى عظيم. جساما: بضم الجيم بمعنى جسيم. بضا: بموحدة فضاد معجمة مشددة قال في النهاية: البضاضة رقة اللون وصفاؤه الذي يؤثر فيه أدنى شيء. الوطف: بفتح الواو والطاء المهملة: طول شعر العين مع سعتها. الشمم: ارتفاع قصبة الأنف واستواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا. العرنين: بكسر العين المهملة وسكون الراء: الأنف وهذا اللفظ كناية عن الرفعة والعلو وشرف النفس. يكظم عليه: بمثناة تحتية مفتوحة فكاف ساكنة فظاء مشالة مضمومة فميم أي لا يبديه ولا يظهره.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 822. [ (2) ] انظر لسان العرب 3/ 2004.

يدلفون: بدال مهملة وفاء: أي يقربون منه. شنوا من الماء: اغتسلوا به. تتام القوم: جاءوا كلهم وتموا. العذرات: بعين مهملة مفتوحة فذال معجمة فراء فتاء تأنيث جمع عذرة بفتح أوله وكسر ثانيه وهي فناء الدار، وهو سعة أمامها. وقيل: ما امتد من جوانبها. الغدق بفتح الغين المهملة: المطر الكبار القطر، والمغدق: مفعل منه. مريعا بفتح الميم: مخصبا. الحيا: هنا بالقصر المطر. اجلوذ المطر [ (1) ] : بجيم فلام مشددة مفتوحتين فذال معجمة قال في النهاية: امتد وقت تأخره وانقطاعه. جوني: بفتح الجيم وسكون الواو وتشديد الياء منسوب إلى الجون وهو من الألوان يقع على الأبيض والأسود، والجمع جون بضم الجيم، وقيل الياء فيه للمبالغة كما يقال في الأحمر أحمري. السبل: بسين مهملة فباء موحدة مفتوحتين المطر الجود الهاطل يقال أسبل المطر والدمع: إذا هطلا والاسم السبل بالتحريك. سحا: بسين فحاء مهملة مشددة مفتوحتين: يقال سح المطر والدمع وغيرهما يسح بالضم سحوحا وسحا: سال. ويقال السح: الصب الكثير. الميمون طائره: أي المبارك حظه ويجوز أن يكون أصله من الطير السارح والبارح. العدل بكسر العين: المثل. الخطر بخاء معجمة: الشبيه والمثل.

_ [ (1) ] اللسان 1/ 656.

الباب الرابع فيما حصل له في سنة سبع من مولده

الباب الرابع فيما حصل له في سنة سبع من مولده قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في «الوفا» في سنة سبع من مولده صلى الله عليه وسلم أصابه رمد شديد فعولج بمكة فلم يغن فقيل لعبد المطلب: إن في ناحية عكاظ راهبا يعالج الأعين فركب إليه فناداه وديره مغلق فلم يجبه فتزلزل ديره حتى كاد أن يسقط عليه فخرج مبادرا فقال: يا عبد المطلب إن هذا الغلام نبي هذه الأمة ولو لم أخرج إليك لخر علي ديرى فارجع به واحفظه لا يقتله بعض أهل الكتاب. ثم عالجه وأعطاه ما يعالج به. وألقي له المحبة في قلوب قومه وكل من يراه. عكاظ: بضم العين وآخره ظاء مشالة معجمة: مكان بقرب عرفات.

الباب الخامس في وفاة عبد المطلب ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات

الباب الخامس في وفاة عبد المطلب ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات اختلف في سن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين مات جده فقيل: وله ثمان سنين وقدمه في الإشارة. وقيل بزيادة شهر وعشرة أيام. وقيل تسع وقيل عشر وقيل ست. ولعبد المطلب عشر ومائة سنة. وقدمه في الإشارة. وقيل اثنتان وثمانون سنة ويقال بلغ مائة وأربعة وأربعين سنة. ويقال خمسا وتسعين سنة. ويقال مائة وعشرين. قال الواقدي: وليس ذلك بثبت. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن أم أيمن أنها حدثت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يبكي خلف سرير عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين ودفن بالحجون. وروى ابن سعد عن الواقدي عن شيوخه أنه قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين. قال ابن إسحاق وغيره: ولما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحياطته والقيام عليه، وأوصى به إلى أبي طالب، لأن عبد الله وأبا طالب كانا لأم واحدة، فلما مات عبد المطلب كان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد جده. وروى ابن سعد والحسن بن عرفة وابن عساكر عن ابن عباس وغيره قالوا: لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان يكون معه، وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده وكان لا ينام إلا إلى جنبه وصب به صبابة لم يصب مثلها قط، وكان يخصه بالطعام وكان عيال أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا وإذا أكل معهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شبعوا. وكان أبو طالب إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم يقول: كما أنتم حتى يحضر ابني. فيأتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعهم، وإن كان لبنا شرب أولهم ثم يتناول العيال القعب فيشربون منه فيروون عن آخرهم من القعب الواحد، وإن كان أحدهم ليشرب قعباً وحده فيقول أبو طالب: إنك لمبارك. وكان الصبيان يصيحون رمصاً شعثاً ويصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا. وروى أبو نعيم عن أم أيمن قالت: ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شكا جوعا ولا عطشا لا في كبره ولا في صغره، وكان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغداء فيقول: أنا شبعان.

تفسير الغريب

وروى الحسن بن سفيان عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: كان أبو طالب يقرب للصبيان تصبيحهم فيضعون أيديهم فينتهبون ويكف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده فلما رأى ذلك أبو طالب عزل له طعامه. تفسير الغريب صب به: يقال صب يصب بالفتح صبابة رق شوقه. القعب: [ (1) ] قدح من خشب: الرمص بالتحريك وسخ يجتمع في الموق فإن سال فهو غمص وإن جمد فهو رمص. الشَّعث: تلبد الشعر لقلة تعهده بالدهن. واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 510.

الباب السادس في استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم روى ابن عساكر عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وقريش في قحط، فقائل منهم يقول: اعتمدوا واللات والعزى. وقائل منهم يقول: اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى فقال شيخ وسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل. قالوا: كأنك عنيت أبا طالب؟ قال: إيها. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه فخرج إلينا رجل حسن الوجه عليه إزار قد اتشح به فثاروا إليه فقالوا: يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق لنا فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجنة تجلت عليه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ بإصبعه الغلام وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وها هنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي. وفي ذلك يقول أبو طالب: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ ... فهم عنده في نعمة وفواضل وقال ابن سعد: حدثنا الأزرق، حدثنا عبد الله بن عون، عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي، يعني النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت: يا ابن أخي قد عطشت. وما قلت له ذلك وأنا أرى عنده شيئاً إلا الجزع قال: فثنى وركه ثم قال: يا عم عطشت؟ قلت: نعم. فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا أنا بالماء فقال اشرب فشربت. وله طرق أخرى رواها الخطيب وابن عساكر. تفسير الغريب جلهمة: بجيم مضمومة ولام ساكنة وهاء مضمومة وميم مفتوحة. أني: بمعنى كيف. تؤفكون: تصرفون. ثاروا إليه: بالمثلثة قاموا. دجنة [ (1) ] بدال مهملة فجيم مضمومتين: الظلة والجمع دجنات. قتماء [ (2) ] : بقاف فتاء

_ [ (1) ] انظر اللسان 2/ 1331. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 715.

مثناة فوقية: الغبراء، من القتام بالفتح وهو الغبار. لاذ به: طاف. قزعة: سحابة. أغدق كذلك. اغدودق: كذلك. الثمال: تقدم الكلام عليه في أسمائه صلى اللَّه عليه وسلم. ذو المجاز: مكان على فرسخ من عرفة.

الباب السابع في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن

الباب السابع في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن قال ابن الجوزي في «الوفا» لما أتت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضع عشرة سنة خرج في سفر مع عمه الزبير، فمروا بواد فيه فحل من الإبل يمنع من يجتاز، فلما رآه البعير برك وحك الأرض بكلكله، فنزل عن بعيره وركبه فسار حتى جاوز الوادي ثم خلى عنه، فلما رجعوا من سفرهم مروا بواد مملوء ماء يتدفق فوقفوا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اتبعوني. ثم اقتحمه فاتبعوه فأيبس اللَّه الماء. فلما وصلوا إلى مكة تحدثوا بذلك فقال الناس: إن لهذا الغلام شأنا. الكلكل والكلكال: الصدر.

الباب الثامن في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام

الباب الثامن في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمة أبي طالب إلى الشام روى ابن سعد وابن عساكر عن داود بن الحصين [ (1) ]- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان ابن اثنتي عشرة سنة. قال البلاذري: وهو الثبت. وروى أبو نعيم عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه وابن سعد وابن عساكر عن عبد الله بن محمد بن عقيل وابن سعد عن عبد الرحمن بن أبزى، والبزار والترمذي وحسنه عن أبي موسى الأشعري، وابن سعد عن داود بن الحصين، وأبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي، والبيهقي عن محمد بن إسحاق قالوا: إن أبا طالب أراد المسير في ركب إلى الشام فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أي عم إلى من تخلّفني ها هنا؟ وصب به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرق له أبو طالب فلما سارا أردفه خلفه فخرج به فنزلوا على صاحب دير فقال صاحب الدير: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له أب حي. قال: ولم؟ قال: لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي. قال: وما النبي؟ قال: الذي يوحى إليه من السماء فينبئ أهل الأرض. قال اللَّه أجل مما تقول. قال فاتق عليه اليهود. ثم خرج حتى نزل براهب أيضاً صاحب دير فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني قال: ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له أب حي. قال: ولم؟ قال: لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي. قال: سبحان اللَّه! أجل مما تقول. وقال أبو طالب للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: يا ابن أخي ألا تسمع ما يقولون؟ قال: أي عم لا تنكر للَّه قدرة. خبر بحيرا فلما نزل الركب بصرى وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له قال ابن إسحاق: وكان أعلم أهل النصرانية. فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا قريبا من صومعته فرأى وهو في صومعته رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ركب حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة وتهصرت أغصان الشجرة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: هذا سيد العالمين هذا يبعثه اللَّه رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: وما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يمر بشجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا

_ [ (1) ] داود بن الحصين، الأموي مولاهم، أبو سليمان المدني، ثقة، إلا في عكرمة، ورمي برأي الخوارج، من السادسة، مات سنة خمس وثلاثين. [التقريب 1/ 231] .

يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع وأمر بطعام كثير فصنع ثم أرسل إليهم فقال: إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وإني أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم. فقال رجل: يا بحيرا إن لك اليوم لشأناً ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا فيما شأنك؟ فقال بحيرا: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه. فاجتمعوا إليه، فلما أتاهم به وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راح مع من يرعى الإبل. وفي رواية: فتخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم، فلما نظر بحيرا لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا قالوا: ما تخلف عنك أحد يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالنا. فقال: لا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام. فقام الحارث بن عبد المطلب فأتى به، فلما أقبل وعليه غمامة تظله فقالوا: انظروا إليه عليه غمامة تظله. فلما دنا من القوم وجدهم سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا ما فيء الشجرة عليه هذا نبي هذه الأمة الذي يرسله اللَّه إلى الناس كافة. وفي «الزهر» نقلا عن محمد بن عمر الأسلمي إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما فارق تلك الشجرة التي كان جالسا تحتها وقام انفلقت من أصلها حين فارقها وجعل يلحظه لحظا شديدا ينظر إلى أشياء من بدنه قد كان يجدها عنده في صفته وقال لقومه: هذه الحمرة التي في عينيه تأتي وتذهب أولا تفارقه؟ قالوا: ما رأيناها فارقته قط. فأقبل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى فواللَّه ما أبغضت بغضهما شيئاً. فقال له بحيرا: فباللَّه إلا ما أخبرتني عما أسألك. فقال: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء عن حال نومه ويقظته وجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخبره فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته عنده فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. فقال بحيرا: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون له أب حي. قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حامل به. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فواللَّه لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً فإنه كائن لابن أخيك شأن. فأسرع به إلى بلاده ولا تذهب به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 100.

والتفت عنه بحيرا فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا إلى هذا النبي الذي هو خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس وإنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا. قال: أفرأيتم أمرا أراد اللَّه أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا فبايعوه وأقاموا معه. فأتى قريشا فقال: أنشدكم با اللَّه أيكم وليه قالوا: أبو طالب. فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وأرسل معه رجلا وزودهم الراهب من الكعك والزيت. وقال: أبو طالب في هذه السّفرة قصائد منها ما ذكره ابن إسحاق وأبو هفان في ديوان شعر أبي طالب: إن ابن آمنة الأمين محمدا ... عندي بمثل منازل الأولاد لما تعلق بالزمام رحمته ... والعيس قد قلصن بالأزواد فارفض من عيني دمع ذارف ... مثل الجمان مفرق الأفراد راعيت منه قرابة موصولة ... وحفظت فيه وصية الأجداد وأمرته بالسير بين عمومة ... بيض الوجوه مصالت أنجاد ساروا لأبعد طية معلومة ... فلقد تباعد طية المرتاد حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا ... لاقوا على شرك من المرصاد حبرا فأخبرهم حديثاً صادقا ... عنه ورد معاشر الحساد قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى ... ظل الغمامة ثاغري الأكباد ساروا لفتك محمد فنهاهم ... عنه وأجهد أحسن الإجهاد فثنى زبيراء بحير فانثنى ... في القوم بعد تجادل وتعاد ونهى دريسا فانتهى لما نهي ... عن قول حبر ناطق بسداد ومنها: بكى حزنا لما رآني محمد ... كأن لا يراني راجعا لمعاد فبت يجافيني تهلل دمعه ... وعبرته عن مضجعي ووسادي فقلت له قرب قتودك وارتحل ... لا تخش مني جفوة ببلاد وحل زمام العيس وارحل بنا معا ... على عزمة من أمرنا ورشاد رح رائحا في الرائحين مشيعا ... لذي رحم والقرم غير بعاد فرحنا مع القوم التي راح ركبها ... يؤمون من غورين أرض إياد

فما رجعوا حتى رأوا من محمد ... أحاديث تجلو رين كل فؤاد وحتى رأوا أحبار كل مدينة ... سجودا له من عصبة وفراد زبيرا وتماما وقد كان شاهدا ... دريس فهموا كلهم بفساد فقال لهم قولا بحيرا فأيقنوا ... به بعد تكذيب وطول بعاد كما قال للركب الذين تهودوا ... وجاهدهم في اللَّه حق جهاد وقال ولم يترك له النصح رده ... فإن له أرصاد كل مضاد فإني أخاف الحاسدين وإنه ... لفي الكتب مكتوب بأي مداد ومنها: ألم ترني من بعد هم هممته ... بفرقة حر الوالدين كرام بأحمد لما أن شددت مطيتي ... برحلي وقد ودعته بسلام بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا ... وأمسك بالكفين فضل زمام ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة ... بحورا من العينين ذات سجام فقلت تروح راشدا في عمومة ... مواسين في البأساء غير لئام فرحنا مع العير الّتي راح أهلها ... شام الهوى والأصل غير شام فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا ... لنا فوق دور ينظرون جسام فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا ... لنا بشراب طيب وطعام فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا ... فقلنا جمعنا القوم غير غلام يتيما فقال ادعوه إنَّ طعامنا ... كثير عليه القوم غير حرام فلما رآه مقبلا نحو داره ... توقيه حر الشمس ظل غمام حنى رأسه شبه السجود وضمه ... إلى نحره والصدر أي ضمام وأقبل ركب يطلبون الذي رأى ... بحيرا من الأعلام وسط خيام فثار إليهم خشية لغرامهم ... وكانوا ذوي مكر معا وغرام دريس وتمام وقد كان فيهم ... زبير وكل القوم غير نيام فجاءوا وقد هموا بقتل محمد ... فردهم عنه بحسن خصام بتأويله التوراة حتى تفرقوا ... فقال لهم ما أنتم بطغام

تنبيهات

فذلك من أعلامه وبيانه ... وليس نهار واضح كظلام [ (1) ] تنبيهات الأول: وقع في حديث أبي سعيد عن الترمذي: فلم يزل بحيرا يناشد جده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي وتبعه في المورد والعيون: في قوله: «وأرسل معه أبو بكر بلالا» نكارة كيف وأبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أسن من أبي بكر بأزيد من عامين وقد قدمنا ما كان سن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حسين سافر هذه السفرة. وأيضاً فإن بلالا لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما، فإنه كان لبني خلف الجمحيّين وعند ما عذب في اللَّه على الإسلام اشتراه أبو بكر رحمة له واستنقاذا له من أيديهم وسيأتي بيان ذلك. وذكر نحو ذلك الحافظ في الإصابة وزاد أن هذا اللفظ مقتطع من حديث آخر أدرج في هذا الحديث وفي الجملة هو وهم من أحد رواته. وروى ابن منده بسند ضعيف عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: إن أبا بكر صحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبي صلى اللَّه عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في تجارة، حتى إذا نزل منزلا فيه سدرة فقعد في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له بحيرا يسأله عن شيء فقال له: من الرجل الذي في ظل السدرة فقال له: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فقال له: هذا واللَّه نبي هذه الأمة ما استظل تحتها بعد عيسى ابن مريم إلا محمد. وذكر الحديث. قال الحافظ: فهذا إن صح يحتمل أن يكون في سفرة أخرى بعد سفرة أبي طالب. وذكر نحوه في «الزهر» وزاد: وقول ابن دحية: يمكن أن يكون أبو بكر استأجر بلالا حينئذ أو يكون أمية بن خلف بعثه: غير جيد لأمرين. أحدهما: أن أبا بكر لم يكن معهم ولا كان في سن من يملك. وذكر نحو ما سبق في سن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذ ذاك. ثانيهما: أن بلالا كان أصغر من أبي بكر فلا يتجه ما قاله بحال.

_ [ (1) ] القصيدة في الأرض الأنف من البيت الأول إلى البيت العاشر. ويروى البيت الثالث. ............... وأسكت ويروى البيت السادس. ............... شآمي ورواية الروض في البيت السادس خطأ لكسر عروض القصيدة بخلاف البيت الثالث [انظر الروض الأنف 1/ 208] .

الثاني: قوله في الحديث: «فبايعوه» في «العيون» إن كان المراد فبايعوا بحيرا على مسالمة النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقريب. وإن كان غير ذلك فلا أدري ما هو. وقال في «الغرر» الأول هو الظاهر ليوافق الضمير في فيه وفي «وأقاموا معه» ومعناه: فبايعوه على أن لا يأخذوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولا يؤذوه على حسب ما أرسلوا فيه، وأقاموا مع بحيرا خوفاً على أنفسهم إذا رجعوا بدونه. وهذا وجه حسن جدا. الثالث: وقع في سير الزهري أن بحيرا كان حبرا من يهود تيماء. قال الحافظ عماد الدين ابن كثير: والظاهر من سياق القصة أنه كان نصرانيا. قلت: وبذلك جزم ابن إسحاق. كما تقدم. وقال المسعودي في تاريخه: كان بحيرا نصرانيا من عبد القيس. وفي تاريخ ابن عساكر أنه كان يسكن ميفعة قرية وراء دير بالبلقاء. وذكر الإمام السروجي في مناسكه أن عند كفافة منزلة وادي الظباء بها شجر تمر الهندي تزعم العامة أن صومعة بحيراً كانت هناك. قال: ولا يوقف على حقيقة ذلك. وذكر القتبي في «المعارف» أنه سمع قبل الإسلام بقليل هاتف يهتف: ألا إن خير أهل الأرض بحيرا ورئاب بن البراء الشني والثالث المنتظر. فكان الثالث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال ابن قتيبة: وكان قبر رئاب الشني وقبر ولده من بعده لا يزال يرى عليه طش والطش: المطر الخفيف. ثم إن بحيرا بباء موحدة مفتوحة فحاء مهملة مكسورة فراء فألف قال: غير واحد مقصورة ورأيت بخط مغلطاي وصاحب الغرر وغيرهما عليها مدة. فاللَّه تعالى أعلم. قال المسعودي: واسمه سرجس. كذا فيما وقفت عليه من نسخ الروض. وفي النسخ التي وقفت عليها من الإشارة جرجيس بكسر الجيمين بينهما راء وبعد الثانية مثناة تحتية فسين مهملة. وهكذا رأيته بخط صاحبها في «الزهر» وصحح عليه. وكذلك هو في الإصابة للحافظ. وجزم الذهبي في ترجمة أبي الفتح سعيد بن عقبة من «الميزان» بأن بحيرا لم يدرك البعثة. وأقره الحافظ في اللسان. وهو غير مصروف للعجمة والعلمية. وهو في الأصل اسم نبي. الرابع: في بيان غريب ما سبق: صب به- بصاد مهملة فباء موحدة: أي مال إليه ورق عليه. ويروى وضبث به بضاد معجمة فباء موحدة فمثلثة. أي تعلق به وأمسك. الصومعة: منزل الراهب، سميت بذلك لأنها محددة الرأس من قولهم ثريدة مصمعة إذا دقت وحدد رأسها.

تهصرت: مالت وتدلت عليه. احتضنه: أخذه مع حضنه أي مع جنبه. الغضروف- بضم الغين وإسكان الضاد المعجمتين فراء مضمومة فواو ساكنة ففاء: هو رأس لوح الكنف ويقال فيه غرضوف بتقديم الراء. فبايعوه- بفتح المثناة التحتية وهو خبر لا أمر. أنشدكم- بفتح الهمزة وضم الشين: أي أسألكم باللَّه. العيس [ (1) ]- بعين مهملة مكسورة وسين مهملتين بينهما مثناة تحتية: إبل بيض في بياضها ظلمة خفية، والواحدة عيساء بفتح العين. قلصن: ارتفعن. ارفض: سال. ذارف- بذال معجمة- يقال ذرف الدمع يذرف ذرفا وذرفانا: سال. الجمان: بضم الجيم: جمع جمانة، حبة تعمل من الفضة كالدرة. الصلت: الواضح الجبين. أنجاد: أقوياء. على شرك: على طريق. ثاغري الأكباد [ (2) ] : أي سقطت أكبادهم من سرعة المشي. الفتك: البطش والقتل على غفلة. القتود [ (3) ] والأقتاد جمع قتد: خشب الرحل. من غورين: تثنية غور وهو ما انخفض من الأرض. إياد: هم بنو إياد بن نزار من معد بن عدنان. الرين [ (4) ] : الغشاء الذي على القلب من ظلمة الذنوب. رقرقت: براءين مهملتين وقافين قال في الصحاح: رقرقت الماء فترقرق: أي جاء وذهب، وكذلك الدمع إذا ملأ الحملاق. سجام: يقال سجم الدمع سجما وسجاما: سال.

_ [ (1) ] لسان العرب 4/ 3189. [ (2) ] انظر لسان العرب 1/ 486 والمصباح المنير 81، 82. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 714. [ (4) ] المفردات في غريب القرآن 208.

الباب التاسع في حفظ الله تعالى إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته وتعظيم قومه له صلى الله عليه وسلم.

الباب التاسع في حفظ الله تعالى إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته وتعظيم قومه له صلى الله عليه وسلم. قال داود بن الحصين، فيما رواه ابن سعد وابن عساكر، وابن إسحاق فيما رواه البيهقي وغيره: فشب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يكلؤه اللَّه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعايبها، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما. ما رئي ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين لما جمع اللَّه فيه من الأمور الصالحة. وذكر أبو هاشم محمد بن ظفر في «خير البشر بخير البشر» : حج أكثم بن صيفي حكيم العرب، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم في سن الحلم، فرآه أكثم فقال لأبي طالب: ما أسرع ما شب أخوك. فقال ليس بأخي ولكنه ابن أخي عبد الله. فقال أكثم أهو ابن الذبيحين؟ قال: نعم. فجعل يتوسمه ثم قال لأبي طالب ما تظنون به؟ قال: نحسن به الظن وإنه لوفي سخي. قال؟ هل غير هذا؟ قال: نعم إنه لذو شدة ولين ومجلس ركين وفضل متين. قال فهل غير هذا؟ قال: أنا لنتيمن بمشهده ونتعرف البركة فيما لمسه بيده. فقال أكثم: أقول غير هذا إنه ليضرب العرب قامطة- يعني جامعة- بيد حائطة ورجل لائطة ثم ينعق بهم إلى مرتع مريع وورد سريع فمن اخرورط إليه هداه ومن احروف عنه أرداه. وروى ابن سعد عن الربيع بن خثيم [ (1) ] قال: كان يتحاكم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام. قال ابن إسحاق: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحدث عما كان اللَّه يحفظه في صغره من أمر الجاهلية وأنه قال: لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الصبيان كلنا قد تعرى وأخذ إزاره وجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم وأدبر إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال: شد عليك إزارك. قال: فأخذته فشددته علي ثم جعلت أنقل الحجارة علي رقبتي وإزاري على من بين أصحابي.

_ [ (1) ] الربيع بن خثيم الثوري من بني ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ومات بالكوفة في ولاية عبيد الله بن زياد طبقات ابن سعد 6/ 219] .

وهذه القصة شبيهة بما وقع عند بناء الكعبة. روى الطبراني والبيهقي في الدلائل من طريق عمرو بن قيس، وابن جرير في التهذيب من طريق هارون بن المغيرة، وأبو نعيم في المعرفة من طريق قيس بن الربيع، وفي الدلائل من طريق شعيب بن خالد، كلهم عن سماك بن حرب، وأبو نعيم من طريق الحكم بن أبان، كلاهما عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال: لما بنت قريش الكعبة انفردت رجلين ينقلون الحجارة، فكنت أنا وابن أخي فجعلنا نأخذ أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا فبينا هو أمامي إذ صرع فسعيت وهو شاخص ببصره إلى السماء فقلت: يا بن أخي ما شأنك؟ قال نهيت أن أمشي عريانا. قال: فكتمته حتى أظهره اللَّه بنبوته. وورد من حديث جابر وأبي الطفيل. ويأتيان. وروى الترمذي وغيره عن أبي موسى أن بحيرا حين حلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم باللات والعزى قال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى شيئاً فو اللَّه ما أبغضت بغضهما شيئاً [ (1) ] . وعن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمّون به من الغناء إلا ليلتين كلتاهما عصمني اللَّه منهما [ (2) ] . قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا فقلت لصاحبي: أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الفتيان. فقال: بلى فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا وغرابيل ومزامير. قلت ما هذا؟ قيل: تزوج فلان فلانة. فجلست أنظر. وضرب اللَّه على أذني، فو اللَّه ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت: فقلت: ما فعلت شيئاً ثم أخبرته بالذي رأيت. ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة. ففعل فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فجلست أنظر وضرب اللَّه على أذني فو اللَّه ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت فقلت لا شيء ثم أخبرته بالذي رأيت فو اللَّه ما هممت ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني اللَّه بنبوته. رواه ابن إسحاق وإسحاق بن راهويه والبزار وابن حبان. قال الحافظ: وإسناده حسن متصل. وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (127) وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 100. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 58 وابن حجر في المطالب (4253) وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 287.

[الشعراء 214] نادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قريش بطنا بطنا فقال: «أرأيتم لو قلت لكم إن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبا قط [ (1) ] . رواه الشيخان. وعن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب كل ما ذبح لغير اللَّه فما ذقت شيئاً ذبح على النصب حتى أكرمني اللَّه برسالته [ (2) ] . رواه أبو نعيم. وعن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: قيل للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: هل عبدت وثنا قط؟ قال: لا. قالوا: فهل شربت خمرا قط؟ قال: «لا وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان» . رواه أبو نعيم وابن عساكر. وعن أم أيمن رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كان بوانة صنما تحضره قريش يوما في السنة فكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن يحضر ذلك معه فيأبى حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن عليه وقلن يا محمد ما تريد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمحا. فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب ما شاء اللَّه ثم رجع مرعوبا فزعا فقالت عماته: ما دهاك؟ قال: إني أخشى أن يكون بي لمم فقلن: ما كان اللَّه يبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك، فما الذي رأيت؟ قال: إني كلما دعوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي: وراءك يا محمد لا تمسه قالت: فما عاد إلى عيد لهم. رواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر. وعن جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية وهو يقف على بعير له بعرفات من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من اللَّه تعالى له. وعن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها وهم الحمس يقفون عشية عرفة بالمزدلفة ويقولون: نحن قطن البيت. وكانت بقية الناس والعرب يقفون بعرفات فأنزل اللَّه عز وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [البقرة 199] فتقدموا فوقفوا مع الناس. رواه الشيخان.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 609 (4971) ومسلم 1/ 193 (355- 208) . [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 59 وذكره المتقي الهندي في الكنز (34080) .

تنبيهات

وروى يعقوب بن سفيان عن الزهري أن قريشا سمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي فطفقوا ألا ينحروا جزورا إلا التمسوه فيه فيدعو لهم فيها. وروى الشيخان من حديث عائشة في حديث بدء الوحي لما أتاه جبريل بالوحي قال لخديجة: لقد خشيت على نفسي وأخبرها الخبر. فقالت له: كلا أبشر فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. تنبيهات الأول: ما ذكره ابن إسحاق من قصة تعريه صلى اللَّه عليه وسلم وأنه في صغره وأنه أمر بالستر قال السهيلي وتبعه ابن كثير وأبو الفتح والحافظ: إن صح حمل على أن هذا الأمر كان مرتين مرة في حال صغره ومرة في أول اكتهاله عند بنيان الكعبة. واستبعد ذلك مغلطاي في كتابيه «الزهر» و «دلائل النبوة» بأنه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نهي عن شيء مرة لا يعود إليه ثانيا بوجه من الوجوه. وأيضاً في حديث العباس- أي الآتي في باب بناء البيت- أنه لأول ما نودي. وأما ما رواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر من طريق النضر بن عبد الرحمن عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال كان أبو طالب يعالج زمزم وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم ينقل الحجارة وهو غلام يأخذ إزاره ويتقي به الحجارة فغشي عليه، فلما أفاق سأله أبو طالب فقال: أتاني آت عليه ثياب بيض فقال لي: استتر فكان أول شيء رآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من النبوة أن قيل له استتر وهو غلام. قال: فما رئيت عورته من يومئذ [ (1) ] . فقد قال الحافظ في الفتح: إن النضر ضعيف وقد خبط في إسناده وفي متنه فإنه جعل القصة في معالجة زمزم ولم يذكر العباس وقد قدمنا أن عكرمة والحكم بن أبان رويا القصة عن ابن عباس عن أبيه في قصة بناء البيت. الثاني: روى أبو يعلى وابن عدي والبيهقي وابن عساكر عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشهد مع المشركين مشاهدهم فسمع ملكين خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب بنا حتى نقوم خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلام الأصنام قبيل؟ فلم يعد بعد ذلك يشهد مع المشركين مشاهدهم. وقول الملكين: وإنما عهده باستلام الأصنام قال الطبراني والبيهقي: يعني أنه شهد مع من استلمها. والمراد بالمشاهد التي شهدها مشاهد الحلف ونحوها لا مشاهد استلام الأصنام.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (145) .

وقال الحافظ في المطالب العالية: هذا الحديث أنكره الناس على عثمان بن أبي شيبة فبالغوا، والمنكر منه قوله عن الملك: «عهده باستلام الأصنام» فإن ظاهره أنه باشر الاستلام. وليس ذلك مرادا، بل المراد أنه شهد مباشرة المشركين استلام أصنامهم. انتهى. الثالث: في بيان غريب ما سبق. ملاحيا: مخاصما لأحد ولا سابّا له. أكثم: بثاء مثلثة. ركين: أي له أركان عالية، أراد بذلك شدة قومه وركن الشيء جانبه. قامطة [ (1) ] : أي جامعة. لايطة بمثناة تحتية مكسورة وطاء مهملة: أي لاصقة لازمة. ينعق بهم: بكسر العين المهملة أي يصيح. المرتع. بفتح الميم: مكان الخصب والسعة. مريع: أي كثير النماء والزيادة. ورد سريع: مجيء قريب. اخرورط [ (2) ] . بخاء معجمة فراء فواو ساكنة فراء مهملة فطاء مهملة: أي مال إليه وتبعه. احرورف [ (3) ] . عنه: بحاء فراء مفتوحة مهملتين فواو ساكنة فراء ففاء أي عدل عنه. أرداه: أهلكه. رأيتني، بضم التاء: أي رأيت نفسي. السمر: الحديث بالليل. غناء بكسر الغين المعجمة وبالمد: معروف. العزف قال في الصحاح: المعازف الملاهي والعازف اللاعب بها والمغني، وقد عزف عزفا. الغرابيل: جمع غربال والمراد به هنا الدف سمي بذلك لأنه يشبه الغربال في استدارته. سفح الجبل بالسين، وبالصاد أجواد، مضجعة. بوانة بضم الباء الموحدة وتفتح ثم واو مخففة وبعد الألف نون مفتوحة ثم باء تأنيث. النصب: الأصنام التي كانوا يذبحون عليها الذبائح تقربا لها. الحمس [ (4) ] . يقال حمس بالكسر فهو أحمس أي شديد صلب في الدين والقتال، ومنه حمس قريش ومن ولدت وكنانة وجديلة قيس. قطن البيت: أي سكانه جمع قاطن.

_ [ (1) ] انظر مختار الصحاح 206. [ (2) ] انظر لسان العرب 2/ 1136. [ (3) ] انظر لسان العرب 2/ 839 والمصباح المنير 130، والمعجم الوسيط 1/ 167. [ (4) ] انظر مختار الصحاح 165.

الباب العاشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار

الباب العاشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار وكان في شوال. كما قاله الواقدي. وقيل في شعبان كما في الروض. لما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أربع عشرة أو خمس عشرة فيما قال ابن هشام، وقال ابن إسحاق: عشرين سنة كان قبل المبعث بعشرين سنة هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان. وكان الذي هاجها أن عروة الرحال ابن عتبة أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال البراض بن قيس أحد بني ضمرة: أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم وعلى الخلق. فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام، فلذلك سمي الفجار. فأتى آت قريشا فقال: إن البراض قد قتل عروة وهم في الشهر الحرام بعكاظ. فارتحلوا وهوازن لا تشعر، ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما، وكان لكنانة وقيس فيه ستة أيام مذكورة: شمظة ويوم العبلاء وهما عند عكاظ، ويوم الشرب وهو أعظمها يوما وفيه قيد أبو سفيان وأمية وحرب أبناء أمية أنفسهم كي لا يفروا فسموا العنابس. ويوم الحريرة عند نخلة انهزمت قريش إلا بني نصر منهم فإنهم ثبتوا وشهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعض أيامهم أخرجه أعمامه معهم. وروى ابن سعد إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: قد حضرته- يعني: حرب الفجار- مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحب أني لم أكن فعلته وكنت أنبل على أعمامي [ (1) ] . وكان آخر أيام الفجار أن هوازن وكنانة تواعدوا للعام القابل بعكاظ فجاءوا للموعد، وكان حرب بن أمية رئيس قريش وكنانة، وكان عتبة بن ربيعة يتيما في حجره فضربه حرب وأشفق من خروجه معه فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعر إلا وهو على بعيره بين الصفين ينادي: يا معشر مضر علام تفانون؟ فقالت له هوازن: ما تدعو إليه؟ قال: الصلح على أن ندفع لكم دية قتلاكم وتعفوا عن دمائنا. قالوا: وكيف ذاك؟ قال: ندفع إليكم رهنا منا. قالوا: ومن لنا بهذا، قال أنا: قالوا، ومن أنت: قال: أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. فرضوا ورضيت كنانة ودفعوا إلى هوازن أربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء وأطلقوهم وانقضت حرب الفجار. وكان يقال: لم يسد من قريش مملق يعني فقيرا غير عتبة وأبي طالب فإنهما سادا بغير مال.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 8.

تفسير الغريب

تنبيه: ذكر السهيلي إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يقاتل في حرب الفجار. وقد تقدم عن ابن سعد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قاتل فيه. تفسير الغريب الفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة، كالقتال بمعنى المقاتلة، وذلك أنه كان قتالهم في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعا فسمي الفجار. وكانت للعرب فجارات أربع ذكرها المسعودي. عيلان: بفتح العين المهملة. الرحال: براء مفتوحة فحاء مهملة مشددة. البراض: بفتح الباء الموحدة والراء المشددة وآخره ضاد معجمة ساقطة. تيمن: بفتح المثناةُ الفوقية بعدها مثناة تحتية فميم فنون. يوم شمظة: بشين معجمة مفتوحة فميم ساكنة فظاء معجمة. يوم العبلاء: بعين مهملة مفتوحة فباء موحدة ساكنة فلام فألف ممدودة. يوم شرب: بشين معجمة فراء مفتوحتين فباء موحدة. الحريرة: بحاء مهملة تصغير حرة. الأربعة أسماء أماكن. العنابس [ (1) ] : بعين مهملة فنون مخففة فألف فباء موحدة مكسورة فسين مهملة جمع عنبس وهو الأسد. قال في الصحاح: العنابيس من قريش: أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر وهم ستة حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو، وسموا بالأسد والباقون يقال لهم الأعياص بعين مهملة فمثناة تحتية فصاد مهملة وهم أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر وهم أربعة: العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص. نخلة بلفظ واحدة شجر النخل: موضع قريب من مكة. في حجره: بكسر الحاء وفتحها. ضن به: بضاد معجمة مفتوحة ساقطة فنون مشددة: بخل به. أشفق: خاف. يشعر: يعلم. تفانون: بمثناة فوقية حذف منه أخرى مأخوذ من الفناء. رهنا بضم الهاء والراء.

_ [ (1) ] اللسان 4/ 3120.

الباب الحادي عشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

الباب الحادي عشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول كان هذا الحلف في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة منصرف قريش من الفجار ولرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ عشرون سنة. وكان أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب. وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وكان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل السهمي وكان ذا قدر وشرف بمكة فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار ومخزوماً وجمحاً وسهماً فأبوا أن يعينوا الزبيدي على العاصي بن وائل وزبروه ونهروه فلما رأى الزبيدي الشر رقى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فقال بأعلى صوته: يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحجر والحجر إن الحرام لمن تمت مكارمه ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر [ (1) ] . فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال ألهذا مترك؟ فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما فحالفوا في القعدة في شهر حرام قياما فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة وما رسا حراء وثبير مكانهما، وعلى التآسي في المعاش. فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول. وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر. ثم مشوا إلى العاصي بن وائل. فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه. وروى ابن إسحاق عن طلحة بن عبيد الله وابن سعد والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي اللَّه تعالى عنهما قالا قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعي به في الإسلام لأجبت» [ (2) ] . وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيبين شهدته مع عمومتي وما أحب أن لي به حمر النعم وأني كنت نقضته. قال بعض رواته: والمطيبون هاشم وزهرة ومخزوم.

_ [ (1) ] الروض الأنف 1/ 156. [ (2) ] أخرجه البيهقي 6/ 167 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 291.

تفسير الغريب

قال البيهقي: كذا روى هذا التفسير مدرجا ولا أدري من قاله. وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يدرك حلف المطيّبين. تفسير الغريب الحلف: بكسر الحاء المهملة وإسكان اللام وهو العهد والبيعة. الفضول: اختلفوا فيه فقيل سمي بذلك لأنه كان قد سبق قريشا فيما قاله ابن قتيبة إلى مثل هذا الحلف جرهم في الزمن الأول فتحالف منهم ثلاثة هم ومن تبعهم أحدهم: الفضل بن فضالة. والثاني: الفضل بن وداعة. والثالث: الفضل بن الحارث. هذا قول القتبي. وقال الزبير: الفضل بن شراعة والفضل بن قضاعة فلما أشبه حلف الآخر فعل هؤلاء الجرهميين سمي حلف الفضول، والفضول جمع فضل وهي أسماء أولئك الذين تقدم ذكرهم. قال السهيلي: وهذا الذي قاله ابن قتيبة حسن ولكن في الحديث ما هو أقوى منه. روى الحميدي عن سفيان عن عبد الله بن محمد وعبد الرحمن بن أبي بكر قالا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها ولا يعز ظالم على مظلوم» . قلت: الظاهر أن قوله: تحالفوا إلى آخره- مدرج من بعض رواته وليس بمرفوع، فلا دلالة حينئذ فيه. وقيل: إنما سمي حلف الفضول لأنهم أخرجوا فضول أموالهم للأضياف. منصرف: بفتح الراء. جدعان: بضم الجيم وإسكان الدال فعين مهملتين فألف فنون. ما بل بحر صوفة: يعني الأبد، أي ما قام في البحر ماء ولو قطرة. حمر النعم: بحاء مضمومة فميم ساكنة والنعم هنا: الإبل خاصة.

الباب الثاني عشر في رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم

الباب الثاني عشر في رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما بعث اللَّه نبيا إلا راعي غنم» . فقال له أصحابه: وأنت يا رسول اللَّه؟ قال: «وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط [ (1) ] » . رواه ابن سعد والبخاري وابن ماجة. وعن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نجني الكباث، فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه فإني كنت أجنيه إذ كنت أرعى الغنم. قلنا: وكنت ترعى الغنم يا رسول اللَّه؟ قال: نعم. وما من نبي إلا وقد رعاها [ (2) ] . رواه الإمام أحمد وابن سعد والشيخان. وروى أبو داود الطيالسي والبغوي وابن منده وأبو نعيم وابن عساكر عن بشر بن حرب البصري مرسلا، والإمام أحمد وعبد بن حميد عن أبي سعيد رضي اللَّه عنه قالا: افتخر أهل الإبل والشاء، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا راعي غنم لأهلي بأجياد [ (3) ] » . تنبيهات الأول: قال العلماء رضي اللَّه تعالى عنهم: الحكمة في إلهام رعي الغنم قبل النبوة: أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما سيكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل الحلم والشفقة، لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها، فجبروا كسيرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما تحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادا من غيرها. وفي ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لذلك بعد أن علم أن أكرم الخلق على اللَّه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 116 وابن ماجة (2149) والبيهقي في السنن 6/ 118 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 55. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 191 ومسلم 3/ 1621 (163- 2050) وأحمد في المسند 3/ 326. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 96 وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 80 وابن المبارك في الزهد (415) .

تعالى ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلى اللَّه عليه وسلم وعليهم أجمعين. الثاني: في فتاوى الشيخ رحمه اللَّه تعالى نقلا عن الحنفية والمالكية والحنابلة ومقتضى مذهب الشافعي: أنه يعزر من قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم راعي غنم. إذا عير برعيها. الثالث: في بيان غريب ما سبق. رعيته بكسر الراء المراد: الهيئة. والغنم: منصوب مفعول المصدر وهو رعيته. على قراريط: قال الحافظ: على بمعنى الباء، وهي للسببية. وقيل إنها للظرفية كما سيتبين. وفي رواية ابن ماجة، عن سويد بن سعيد، والإسماعيلي عن حسان بن محمد كلاهما عن عمرو بن يحيى: كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط قال سويد بن سعيد: يعني كل شاة بقيراط. يعني القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم. وقال الإمام أبو إسحاق الحربي: قراريط: اسم موضع بمكة ولم يرد القراريط من الفضة. وصوبه ابن الجوزي تبعا لابن ناصر وخطأ سويدا في تفسيره. قال الحافظ: لكن رجح الأول بأن أهل مكة لا يعرفون بها مكانا يقال له قراريط. وزعم بعضهم أن في قوله صلى اللَّه عليه وسلم في الرواية الأخرى: «وبعثت وأنا راعي غنم بأجياد» رد لتأويل سويد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله، فتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بأجياد وتارة بقراريط. وليس الرد بجيد إذ لا مانع من الجمع بأن يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة. والمراد بقوله: «أهلي» أهل مكة فيتحد الخبران ويكون في أحد الحديثين بين الأجرة وفي الآخر بين المكان فلا تنافي في ذلك. وقال بعضهم: لم تكن العرب تعرف القراريط الذي هو من النقد، ولذلك جاء في الصحيح: «ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط» وليس الاستدلال لما ذكر من نفي المعرفة بواضح. انتهى كلام الحافظ. قلت: تأويل سعيد هو الذي فهمه الإمام البخاري وهو الأجرة، ولذا ذكره في الإجارة. الكباث [ (1) ]- بكاف فباء موحدة مفتوحتين فألف فثاء مثلثة: النضيج من ثمر الأراك. جياد: موضع بأسفل مكة معروف من شعابها، ذكره بغير همز البكري في معجمه. أجياد: بفتح أوله وإسكان ثانيه وبالمثناة التحتية والدال المهملة: كأنه جمع جيد، موضع من بطحاء مكة من منازل قريش، فإذن يقال له جياد وأجياد بالهمز وعدمه.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 4/ 3805.

الباب الثالث عشر في سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام

الباب الثالث عشر في سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام قال ابن إسحاق: وله من العمر خمس وعشرون سنة. زاد غيره: لأربع عشرة ليلة من ذي الحجة. وروى ابن سعد وابن السكن وأبو نعيم عن نفيسة بنت منية [ (1) ] قالت: لما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير، قال له أبو طالب: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليست لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع، فلو جئتها وعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت أكره أن تأتي الشام، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا تجد من ذلك بدا. وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم الأموال مضاربة، وكانت قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا من قريش فليس عندهم بشيء فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فلعلها ترسل إلي في ذلك. فقال أبو طالب: إني أخاف أن تولي غيرك فتطلب أمرا مدبرا. فافترقا. وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبل ذلك ما كان من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، فقالت: ما علمت أنه يريد هذا. ثم أرسلت إليه فقالت: إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك. ففعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم لقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك فقال: إن هذا لرزق ساقه اللَّه إليك. فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع غلامها ميسرة، وقالت خديجة لميسرة: لا تعص له أمرا ولا تخالف له رأيا. فخرج هو وميسرة وعليه غمامة تظله وجعل عمومته يوصون به أهل العير. فخرج حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له نسطورا. فاطلع الراهب إلى ميسرة- وكان يعرفه- فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل

_ [ (1) ] نفيسة بنت منية أخت يعلى ... تقدم نسبها في ترجمة أخيها قال: قال أبو عمر لها صحبة ورواية وقال ابن سعد أمها منية بنت جابر بن وهب أسلمت نفيسة بنت منية وهي التي مشت بين خديجة والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى تزوجها [الإصابة 8/ 2] .

تحت هذه الشجرة؟ فقال ميسرة: رجل من قريش. فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، أفي عينيه حمرة؟ قال ميسرة: نعم لا تفارقه. فقال الراهب: هو هو، وهو آخر الأنبياء، ويا ليت أني أدركه حيث يؤمر بالخروج. وعند أبي سعد النيسابوري في الشرف: فلما رأى الغمامة فزع وقال: ما أنتم؟ قال: ميسرة غلام خديجة، فدنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا من ميسرة وقبل رأسه وقدميه وقال: آمنت بك وأنا أشهد أنك الذي ذكره اللَّه في التوراة. ثم قال: يا محمد قد عرفت فيك العلامات كلها خلا خصلة واحدة فأوضح لي عن كتفك. فأوضح له، فإذا هو بخاتم النبوة يتلألأ، فأقبل عليه يقبله ويقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك رسول اللَّه النبي الأمي الذي بشر بك عيسى ابن مريم فإنه قال: لا ينزل بعدي تحت هذه الشجرة إلا النبي الأمي الهاشمي العربي المكي صاحب الحوض والشفاعة وصاحب لواء الحمد. انتهى. فوعى ميسرة ذلك. ثم حضر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها واشترى، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة فقال الرجل: احلف باللات والعزى. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «ما حلفت بهما قط [ (1) ] . فقال الرجل: القول قولك. ثم قال الميسرة وخلا به: يا ميسرة هذا نبي هذه الأمة والذي نفسي بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم، فوعى ميسرة ذلك. ثم انصرف أهل العير جميعا، وكان ميسرة يرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره. وكان اللَّه تعالى قد ألقى على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المحبة من ميسرة، فكأنه عبد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وعند أبي سعد في «الشرف» أنهم باعوا متاعهم وربحوا ربحا لم يربحوا مثله قط، فقال ميسرة: يا محمد اتجرنا لخديجة أربعين سنة ما رأيت ربحا قط أكثر من هذا الربح على وجهك. فلما كانوا بمر الظهران قال ميسرة للنبي صلى الله عليه وسلم: هل لك أن تسبقني إلى خديجة فتخبرها بالذي جرى لعلها تزيدك بكرة إلى بكرتيك. فركب النبي صلى الله عليه وسلم قعودا أحمر فتقدم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علية لها معها نساء فيهن نفيسة بنت منية فرأت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك. ودخل عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك وقالت: أين ميسرة؟ قال: خلفته في البادية. قالت: عجل إليه ليعجل بالإقبال. وإنما أرادت أن تعلم أهو الذي رأت

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 83 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 54.

أم غيره. فركب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصعدت خديجة تنظر فرأته على الحالة الأولى فاستيقنت أنه هو، فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت وأخبرها بقول الراهب نسطورا وبقول الآخر الذي خالفه في البيع. قال ابن إسحاق: فلما رأت خديجة أن تجارتها قد ربحت أضعفت له ما سمت. وكانت قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان ابن عمها وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس، ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه، فقال ورقة: يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه. أو كما قال: وجعل ورقة يستبطئ الأمر وله في ذلك أشعار منها ما رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق: أتبكر أم أنت العشية رائح ... وفي الصدر من إضمارك الحزن فادح لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح فتاك الذي وجهت يا خير حرة ... بغور وبالنجدين حيث الصحاصح إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت ... وهن من الأحمال قعص دوالح فخبرنا عن كل حبر بعلمه ... وللحق أبواب لهن مفاتح بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح وظني به أن سوف يبعث صادقا ... كما أرسل العبدان هود وصالح وموسى وإبراهيم حتى يرى له ... بهاء ومنشور من الذكر واضح ويتبعه حيا لؤي بن غالب ... شبابهم والأشيبون الجحاجح فإن أبق حتى يدرك الناس أمره ... فإني به مستبشر الود فارح وإلا فإني يا خديجة فاعلمي ... عن أرضك في الأرض العريضة نازح [ (1) ] وقال أيضاً: لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النّشيجا

_ [ (1) ] يروى في البيت العاشر ويتبعه حيا لؤي جماعة........... والحادي عشر ......... حتى يدرك الناس دهره.............. انظر الروض الأنف 1/ 220، 221 والبداية والنهاية 2/ 297.

تنبيهات

ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا بما أخبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا بأن محمدا سيسود قوما ... ويخصم من يكون له حجيجا ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا فيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا فيا ليتي إذا ما كان ذاكم ... شهدت فكنت أولهم ولوجا ولوجا في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا أرجي بالذي كرهوا جميعا ... إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا وهل أمر السفاهة غير كفر ... بمن يختار من سمك البروجا فإن يبقوا وأبق تكن أمور ... يضج الكافرون لها ضجيجا وإن أهلك فكل فتى سيلقى ... من الأقدار متلفة خروجا تنبيهات الأول: قول الراهب: «ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي» قال السهيلي: يريد ما نزل تحتها هذه الساعة قط إلا نبي. ولم يرد ما نزل تحتها قط إلا نبي لبعد العهد بالأنبياء قبل ذلك، وإن كان في لفظ الخبر قط فقد يتكلم بها على جهة التوكيد للنفي، والشجرة لا تعمر في العادة هذا العمر الطويل حتى يدرى أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى أو غيره من الأنبياء، ويبعد في العادة أيضاً أن تكون شجرة تخلو من أن ينزل تحتها إلا عيسى أو غيره من الأنبيا، ويبعد في العادة أيضاً أن تكون شجرة تخلو من أن ينزل تحتها أحد حتى يجيء نبي، إلا أن تصح رواية من قال: لم ينزل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم. وهي رواية عن غير ابن إسحاق فالشجرة على هذا مخصوصة بهذه الآية. انتهى. وأقره في «الزهر» و «النور» . وتعقبه الإمام العلامة عز الدين بن جماعة بأنه مجرد استبعاد لا دلالة فيه على امتناع ولا إحالة، وبأنه استبعاد يضعفه معارضة ظاهر الخبر وكون متعلقات الأنبياء مظنة خرق العادة، فلا يكون حينئذ ذلك من طول البقاء وصرف غير الأنبياء عن النزل تحتها ببعيد، وذلك واضح فتفطن. قلت: ويؤيد ما ذكره الشيخ عز الدين ما سبق نقله عن أبي سعد، وما في أسباب النزول للإمام الواحدي أن أبا بكر رضي اللَّه تعالى عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفره إلى الشام فنزلوا منزلا فيه سدرة، فقعد النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها وذهب أبو بكر يسأل عن الدين، فقال له الراهب:

الرجل الذي في ظل الشجرة من هو؟. قال: محمد بن عبد الله. ابن عبد المطلب. قال: هذا واللَّه نبي. ما استظل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم إلا محمد ابن عبد الله. وذكر العلماء بالنبات أن الزيتون قد تعمر الشجرة منه ثلاثة آلاف سنة وما يقارب ذلك واللَّه تعالى أعلم. الثاني: قال في «النور» لم أر لميسرة ذكرا في كتب الصحابة، والظاهر أنه توفى قبل البعثة ولو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم لأسلم واللَّه تعالى أعلم. قلت: وذكره الحافظ في الإصابة في القسم الأول وقال: لم أقف على رواية صحيحة بأنه بقي إلى البعثة فكتبته على الاحتمال. الثالث: في بيان غريب ما سبق. نفيسة: صحابية رضي اللَّه تعالى عنها. منية بميم مضمومة فنون ساكنة فمثناة تحتية فتاء تأنيث. ألحت علينا: أقبلت ودامت. مادة الشيء: ما يمده ويقويه. السنون: القحوط. عيراتها: جمع عير: الإبل التي تحمل الميرة. المضاربة: والمقارضة والقراض بمعنى واحد. سميت مضاربة لأن كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم. وقيل غير ذلك. تجار- بكسر المثناة الفوقية وتخفيف الجيم ويجوز ضم التاء وتشديد الجيم، وهما لغتان: جمع تاجر. ويقال أيضاً: تجر كصاحب وصحب. والتجارة: تقليب المال وتصريفه لأجل النماء. المحاورة: المجاذبة، والتحاور: التجاذب. نسطورا- بنون مفتوحة فسين ساكنة فطاء مضمومة مهملتين. قال في النور: وألفه مقصورة كذا أحفظه. مر الظهران: بفتح الميم وتشديد الراء وظاء معجمة مشالة بلفظ تثنية الظهر: واد بين مكة والمدينة وتسميه العامة بطن مرو. في ساعة الظهيرة: هي شدة الحر نصف النهار، ولا يقال في الشتاء ظهيرة. والجمع ظهائر. إضمارك: إخفاؤك. الحزن: بفتح النون مفعول المصدر وهو إضمارك. فادح- بالفاء والدال والحاء المهملتين أي ثقيل وفي نسخة من الروض والعيون: بالقاف. قال في الصحاح: القادح

الصّدع في العود. نازح: بعيد. وأخبار: بفتح الهمزة وخفض الراء معطوف على فرقة وهو جمع خبر. خبرت: بفتح الخاء المعجمة مبنى للفاعل. فتاك: أي غلامك ميسرة. الغور: المطمئن من الأرض. النّجد: المرتفع منها. الصحاصح [ (1) ] : بصادين وحائين مهملات: جمع صحصح وهو المكان المستوي. الركاب: بكسر الراء المشددة: الإبل التي يسار عليها، الواحدة راحلة ولا واحد لها من لفظها، والجمع الركب مثل الكتب. دوالج: بالجيم جمع دالج: السائر أول الليل. الأباطح: جمع أبطح. مسيل: متسع فيه دقاق الحصى. كما أرسل: بالبناء للمفعول. البهاء: بالمد الحسن. الأشيبون: بشين معجمة فمثناة تحتية فموحدة جمع أشيب وهو المبيض الرأس. الجحاجح [ (2) ]- بجيم فحاء مهملة فألف فجيم مهملة جمع جحجاج وهو السيد. النشيج- بنون مفتوحة فشين معجمة فمثناة تحتية فجيم: البكاء مع صوت. القس- بضم القاف- واحد القسيسين وهم عباد النصارى. وقوله ببطن المكتين: ثنّى مكة وهي واحدة لأن لها بطاحا وظواهر، على أن للعرب مذهبا في أشعارها في تثنية البقعة الواحدة، ومقصدهم في هذه الإشارة إلى جانبي كل بلدة والإشارة إلى أعلى البلد وأسفله فيجعلونها اثنتين على هذا المغزى. تموج: أي يضرب بعضها في بعض. الفلوج- بفاء فلام مضمومتين آخره جيم. الظهور على الخصم. عجت: ارتفعت أصواتها. العروج: الصعود والعلو. سمك: بفتحات: رفع. يضج- بمثناة تحتية فضاد معجمة فجيم: أي يصيح. متلفة: بميم مفتوحة فمثناة فوقية فلام ففاء مفتوحتين أي مهلكة. الخروج- بخاء معجمة مفتوحة: أي الكثيرة التصرّف.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 3/ 2402. [ (2) ] انظر لسان العرب 1/ 547.

الباب الرابع عشر في نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها

الباب الرابع عشر في نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها وسبب ذلك ما حدّثها به غلامها ميسرة وما رأته من الآيات وما ذكره ابن إسحاق في المبتدأ قال: كان لنساء قريش عيد يجتمعن فيه في المسجد فاجتمعن يوما فيه فجاءهن يهودي فقال: يا معشر نساء قريش إنه يوشك فيكن نبي فأيكن استطاعت أن تكون فراشا له فلتفعل. فحصبه النساء وقبحنه وأغلظن له. وأغضت خديجة على قوله ولم تعرض فيما عرض فيه النساء ووقر ذلك في نفسها. فلما أخبرها ميسرة بما رآه من الآيات وما رأته هي قالت: إن كان ما قاله اليهودي حقا ما ذلك إلا هذا. واختلفوا في سبب الخطبة. فعند أبي سعيد النيسابوري في «الشرف» أن خديجة رضي اللَّه تعالى عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى عمك فقل له: عجل إلينا بالغداة. فلما جاء قالت له: يا أبا طالب ادخل على عمرو عمي فكلمه يزوجني من ابن أخيك محمد بن عبد الله. فقال أبو طالب: يا خديجة لا تستهزئي. فقالت: هذا صنع اللَّه. فقام أبو طالب مع عشرة من قومه. فذكر الحديث. وعند الزهري في سيرته إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة ليتحدث عندها فلما قام من عندها جاءت امرأة فقالت: خاطبا يا محمد؟ فقال: كلا. فقالت: ولم؟ فواللَّه ما في قريش امرأة وإن كانت خديجة إلا تراك كفئا لها. فرجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاطبا لخديجة مستحييا منها. وعند يعقوب بن سفيان في تاريخه عن عمار قال: مررت أنا ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأخت خديجة فنادتني فانصرفت إليها ووقف لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: أما لصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة؟ فقال عمار: فأخبرته. فقال: بلى لعمري. فذكرت لها، فقالت: اغدوا علينا إذا أصبحنا. فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرة وألبسوا خديجة حلة. وذكر الحديث. وعند ابن إسحاق في المبتدأ أنها قالت له: يا محمد ألا تتزوج؟ قال: ومن؟ قالت: أنا قال: ومن لي بك، أنت أيم قريش وأنا يتيم قريش. قالت: اخطبني. وذكر الحديث. وعنده في السيرة: فلما استقر عندها ذلك، أي ما أخبرها به ميسرة وما رأته وكانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد اللَّه تعالى بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا، وكل قومها حريص على نكاحها لو يقدر عليه، وعرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون: إني رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك. فلما قالت له ذلك ذكره لأعمامه. وذكر الحديث. وروى ابن سعد عن نفيسة بنت منية قالت: كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة

تنبيهات

جلدة شريفة مع ما أراد اللَّه بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به. قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة. قال: وكيف لي بذلك؟ قالت: قلت: علي. قال: فأنا أفعل. فذهبت فأخبرتها فذكرت الحديث. قالت: فأرسلت إليه أن ائت ساعة كذا وكذا. فحضر وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها. وعند ابن إسحاق إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل مع عمه حمزة. وعند النيسابوري في الشرف أن أبا طالب خرج مع عشرة من قومه حتى دخلوا على عمها فخطبها فزوجه. فقال عمرو بن أسد: هذا الفحل لا يقدع أنفه. قال ابن هشام: أصدقها عشرين بكرة. قال البلاذري والدمياطي: اثنتي عشرة أوقية ونشا. قال المحب الطبري: ذهبا. وذكر أبو الحسين بن فارس وغيره رحمهم اللَّه تعالى أن أبا طالب خطب يومئذ فقال: الحمد للَّه الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا وإن كان في المال قلا فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة، وهو واللَّه بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق حكمكم عاجله وآجله اثنتا عشرة أوقية ونشا. فقال عمرو بن أسد عمها: هو الفحل لا يقدع أنفه. وأنكحها منه. ويقال: إن ورقة هو الذي قاله. قال ابن إسحاق في المبتدأ: وكان تزويجه لها بعد مجيئه من الشام بشهرين وخمسة وعشرين يوما عقب صفر سنة ست وعشرين. قال الزهري: وقال راجز من أهل مكة في ذلك: لا تزهدي خديج في محمّد ... نجم يضيء كما أضاء الفرقد تنبيهات الأول: ما تقدم من أن عمها هو الذي زوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكره أكثر علماء أهل السير. قال السهيلي: وهو الصحيح، لما رواه الطبري عن جبير بن مطعم وابن عباس وعائشة

كلهم قال: إن عمرو بن أسد هو الذي أنكح خديجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإن خويلد كان قد هلك قبل الفجار. ورجحه الواقدي وغلط من قال بخلافه. وقال عمر بن أبي بكر المؤملي: المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه. وذكر الزهري في سيرته أن خويلدا أباها الذي زوجها منه وكان قد سكر من خمر، فألقت عليه خديجة حلة وضمخته بخلوق فلما صحا من سكره قال: ما هذه الحلة والطيب؟ فقيل: إنك أنكحت محمدا خديجة وقد ابتنى بها. فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه. ووافقه ابن إسحاق على ذلك، وذكر ابن إسحاق في آخر كتابه أن عمرو بن خويلد أخاها هو الذي زوجها. فاللَّه أعلم. الثاني: اختلف في قدر عمر خديجة وعمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حينئذ فقيل: كان عمره صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة. قال في «الغرر» وهو الصحيح الذي عليه الجهور. وقطع به أبو عمرو الحافظ عبد الغني المقدسي. وقيل: إحدى وعشرين سنة وقدمه في «الإشارة» . وقيل: تسعا وعشرين وقد راهق الثلاثين. قاله البرقي. وقيل ثلاثين وقيل سبعا وثلاثين. وقيل غير ذلك. قال في «الغرر» وهذه الأقوال الأربعة ضعيفة ليس لها حجة تقوم على ساق. وقيل: كان عمرها رضي اللَّه تعالى عنها أربعين سنة. وصححه في «الغرر» وقيل خمسا وأربعين وقيل ثلاثين وقيل ثمانية وعشرين. الثالث: ذكر الحافظ يعقوب بن سفيان في كتاب «ما روى أهل الكوفة مخالفا لأهل المدينة» أن عليا ضمن المهر وقال: هذا غلط. قال في «الزهر» قد وجدنا ما ينفي الغلط وهو ما ذكره ابن إسحاق في المتبدإ: أن عليا قال: أرسلني أبي أنه يضمن لكم المهر فزوجوه. قال: فهذا يبين لك معنى ما أشكل على يعقوب ويوضحه. وتعقبه الحافظ في الحاشية بأن عليا كان كما ولد أو لم يكن حينئذ ولد، على جميع الأقوال في مقدار عمره. وتعقب في «الغرر» كلام «الزهر» أيضاً بأن عليا لم يكن ولد كما سنذكر الخلاف في سنه حين أسلم. والصحيح أنه ثمانية وعند آخرين عشرة وعلى الأول يكون مولده سنة اثنتين وثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني يكون سنة ثلاثين. فيكون

تزوج النبي صلى الله عليه وسلم قبل مولده بسبع سنين أو خمس. واللَّه تعالى أعلم. الرابع: في بيان غريب ما سبق. جلدة- بفتح الجيم وإسكان اللام وبالدال المهملة: الصلبة القوية. الحزم: ضبط الشخص أمره وأخذه بالثقة، وقد حزم الرجل بضم فهو حازم. السطة- بسين مكسورة وطاء مفتوحة مهملتين. قال السهيلي: هي من الوسط مصدر كالعدة والزنة، يعني من الوعد والوزن. والكلمة أصلها الواو، والهاء عوض عنها. والوسط من أوصاف المدح والتفضيل ولكن في مقامين: في ذكر النسب وفي ذكر الشهادة. أما النسب: فلأن أوسط القبيلة أعرقها وأولادها بالصميم وأبعدها عن الأطراف وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوى، لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب فكان الوسط من أجل هذا مدحا في النسب لهذا السبب. وأما في الشهادة فنحو قوله تعالى: قالَ أَوْسَطُهُمْ [ن 28] وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة 143] وكان هذا مدحا في الشهادة لأن غاية العدالة في الشاهد أن يكون وسطا كالميزان لا يميل مع أحد بل يصمم على الحق تصميما، لا يجذبه هوى ولا تميل به رغبة ولا رهبة من هاهنا ولا من هاهنا فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل وظن كثير من الناس أن معنى الوسط الأفضل على الإطلاق، وقالوا معنى الصلاة الوسطى الفضلى، وليس كذلك بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم كما يقتضي لفظ التوسط فإذا كان وسطا في السمن فهو بين الممخة أي السمينة والعجفاء. والوسط في الجمال بين الحسناء والشّوطاء إلى غير ذلك من الأوصاف لا يعطي مدحا ولا ذما. غير أنهم قد قالوا في المثل: أثقل من مغن وسط على الذم لأن المغني إن كان مجيدا جدا أمتع وأطرب وإن كان باردا جدا أضحك وألهى وذلك أيضاً مما يمتع. قال الجاحظ: وإنما الكرب الذي يجثم على القلوب ويأخذ بالأنفاس الغناء الفاتر الوسط الذي لا يمتع بصوت. ولا يضحك بلهو. وإذا ثبت هذا فلا يجوز أن يقال في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو أوسط الناس أي أفضلهم ولا يوصف بأنه وسط في العلم ولا في الجود ولا في غير ذلك إلا في النسب والشهادة. دسيسا: بفتح الدال وسينين مهملتين الأولى مكسورة بينهما مثناة تحتية ساكنة يقال دسست الشيء في الشيء إذا أخفيته فيه. والدسيس إخفاء المكر. الضئضئ [ (1) ] بكسر الضادين المعجمتين وبهمزتين الأولى ساكنة ويقال فيه ضئضيء

_ [ (1) ] أنظر اللسان 3/ 2541.

بوزن قنديل وضؤضؤ بوزن هدهد، وضؤضوء بوزن سرسور، ويقال أيضاً بصادين وسينين مهملتين، وهو في الجميع: الأصل والمعدن. العنصر: بعين مهملة مضمومة فنون ساكنة وصاد مهملة مضمومة وقد تفتح: الأصل. الفحل: بفاء فحاء مهملة: معروف. لا يقدع: بمثناة تحتية مضمومة فقاف ساكنة فدال مفتوحة فعين مهملتين قال في الصحاح: قدعت فرسي أقدعه قدعا: كبحته وكففته، فهو فرس قدوع أي يحتاج إلى القدع ليكف بعض جريه. وهذا فحل لا يقدع أي لا يضرب أنفه، وذلك إذا كان كريما. وفي النهاية: يقال: قدعت الفحل وهو أن يكون غير كريم فإذا أراد ركوب الناقة الكريمة ضرب أنفه بالرمح أو غيره يرتدع وينكف. ويروى بالراء. التضمخ: التلطخ. الخلوق: بفتح المعجمة طيب يخلط بزعفران. النش: بنون مفتوحة فشين معجمة: نصف أوقية، والأوقية أربعون درهما، فيكون جملة الصداق خمسمائة درهم شرعي.

الباب الخامس عشر في بنيان قريش الكعبة

الباب الخامس عشر في بنيان قريش الكعبة وكان بناؤهم لها لأمور: الأول: توهينها من الحريق الذي أصابها، وذلك أن امرأة جمرت الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت. الثاني: أن السيل دخلها وصدع جدرانها بعد توهينها. الثالث: أن نفرا سرقوا حلي الكعبة وغزالين من ذهب. وقيل غزال واحد مرصع بدر وجوهر وكان في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة فقطعت قريش يده. وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك. فأرادوا أن يشدوا بنيانها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءوا، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم اسمه باقوم- بباء موحدة فقاف مضمومة- وكان بانيا فتحطمت، فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها وكلموا الرومي باقوم فقدم معهم فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيف الكعبة. قال الأموي: كانت هذه السفينة لقيصر ملك الروم تحمل له آلات البناء من الرخام والخشب والحديد، سرحها قيصر مع باقوم إلى الكنيسة التي أحرقها الفرس بالحبشة، فلما بلغت مرساها من جدة بعث اللَّه تعالى عليها ريحا فحطمتها. قال ابن إسحاق: وكان بمكة رجل قبطي نجار، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية عظيمة تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها فتشرق على جدار الكعبة، وكانت مما يهابون ذلك أنه لا يدنو منها أحد إلا اخزألت وكشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها. وحكى السهيلي عن رزين أن سارقا دخل الكعبة في أيام جرهم ليسرق كنزها فانهار البئر عليه حتى جاءوا فأخرجوه وأخذوا ما كان أخذه. ثم سكنت البئر حية كرأس الجدي وبطنها أبيض وظهرها أسود. فأقامت فيه خمسمائة سنة، وهي التي ذكرها ابن إسحاق. قال ابن عقبة: وزعموا أنها إذا أحاطت بالبيت كان رأسها عند ذنبها. فبينا هي ذات يوم تشرق على جدار الكعبة كما كانت تصنع بعث اللَّه تعالى طائرا فاختطفها فذهب بها فقالت قريش عند ذلك: إنا لنرجو أن يكون اللَّه تعالى قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق وعندنا خشب، وقد كفانا اللَّه تعالى الحية. فلما أجمعوا أمرهم في أمرها وبنيانها قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ. قال ابن إسحاق: ابن عبد بن عمران. وقال ابن هشام: عائذ بن عمران ثم اتفقا فقالا: ابن مخزوم. وهو خال أبي

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان شريفا فتناول حجرا من الكعبة فوثب من يده حتى رجع إلى مكانه فقال: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس. وبعض الناس ينحل هذا الكلام إلى الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. ثم إن قريشا تجزأت الكعبة فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة. وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم. وكان ظهر الكعبة لبني جمح وبني سهم، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي ولبني عدي بن كعب، وهو الحطيم. فأمروا بالحجارة تجمع وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينقل معهم. روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما قال: لما بنيت الكعبة ذهب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والعباس ينقلان الحجارة فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك يقيك الحجارة. ففعل وكان ذلك قبل أن يبعث فخر إلى الأرض فطمحت عيناه إلى السماء فقال: إزاري. فشده عليه. وفي رواية: فسقط مغشيا عليه فما رئي بعد عريانا [ (1) ] . وروى عبد الرزاق والطبراني والحاكم عن أبي الطفيل رضي اللَّه تعالى عنه قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدر، وكانت قدر ما تقتحمها العناق، وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلا، وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة فأقبلت سفينة من الروم حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت فخرجت قريش لتأخذ خشبها فوجدوا الرومي الذي فيها نجارا، فقدموا به وبالخشب ليبنوا به البيت فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها، فبعث اللَّه تعالى طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألقاها نحو أجياد، فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة الوادي فرفعوها في السماء عشرين ذراعا، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته من صغرها فنودي: يا محمد خمر عورتك. فلم ير عريانا بعد ذلك. قال ابن إسحاق: ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه. فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها. فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم ترع. ويقال لم نرع، اللهم لا نريد إلا الخير. ثم هدم من ناحية الركنين، فتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننتظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء هدمنا فقد رضي اللَّه تعالى ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته غاديا إلى عمله فهدم وهدم الناس حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 513 (1582) ومسلم 1/ 268 (76- 340) .

الأساس أساس إبراهيم صلى الله عليه وسلم أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنمة آخذ بعضها ببعض، فأدخل رجل ممن كان يهدم عتلته بين حجرين منها ليقلع بها بعضها فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها وأبصر القوم برقة خرجت من تحت الحجر كادت تخطف بصر الرجل فانتهوا عن ذلك الأساس. ووجدت قريش في الركن كتابا بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود فإذا هو: أنا اللَّه ذو بكّة، خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا يزول أخشباها يبارك لأهلها في الماء واللبن. ووجدوا في المقام كتابا فيه: مكة اللَّه الحرام يأتيها من ثلاثة سبل، لا يحلها أول من أهلها. ووجدوا آخر مكتوب فيه: من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة تعملون السيئات وتجزون الحسنات أجل كما يجتنى من الشوك العنب. ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوزوا وتحالفوا وأعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا لعقة الدم. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ثم إنهم اجتمعوا في المسجد، فتشاوروا وتناصفوا، فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عامئذ أسن قريش كلها قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم. فكان أول داخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين. رضينا، هذا محمد. فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم: هلم إلي ثوبا. فأتي به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا. ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم. وكانت قريش تسمي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي الأمين. قال في «الزهر» و «الإشارة» : وكان ذلك في يوم الاثنين. وروى يعقوب بن سفيان عن ابن شهاب أن قريشا لما بنوا الكعبة فبلغوا موضع الركن اختصمت في الركن أي القبائل تلي رفعه فقالوا: نحكم أول من يطلع علينا. فطلع عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو غلام فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فوضعه هو، ثم طفق لا يزداد على السن إلا رضا حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي، فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها.

تنبيهات

وروى ابن سعد وأبو نعيم عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، قال: لما وضع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الركن ذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي صلى الله عليه وسلم حجرا يشد به الركن فقال العباس: لا. وناول العباس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجرا فشد به الركن فغضب النجدي وقال: وا عجبا لقوم أهل شرف وعقول وأموال عمدوا إلى رجل أصغرهم سنا وأقلهم مالا فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحرزهم كأنهم خدم له! أما واللَّه ليفرقنهم شيعا وليقسمن بينهم حظوظا وجدودا. فيقال إنه إبليس- زاد غيره: فكاد يثير شرا فيما بينهم ثم سكنوا. وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي حين جعلت قريش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حكما: تشاجرت الأحياء في فصل خطة ... جرت طيرهم بالنحس من بعد أسعد تلاقوا لها بالبغض بعد مودة ... وأوقد نارا بينهم شر موقد فلما رأينا الأمر قد جد جده ... ولم يبق شيء غير سل المهند رضينا وقلنا العدل أول طالع ... يجيء من البطحاء عن غير موعد فلم يفجنا إلا الأمين محمد ... فقلنا رضينا بالأمين محمد بخير قريش كلها أمر ديمة ... وفي اليوم مع ما يحدث اللَّه في الغد فجاء بأمر لم ير الناس مثله ... أعم وأرضى في العواقب والبدي أخذنا بأكناف الرداء وكلنا ... له حصة من رفعه قبضة اليد فقال ارفعوا حتى إذا ما علت به ... أكف إليه فسر في خير مسند وكان رضينا ذاك عنه بعينه ... وأعظم به من رأى هاد ومهتد لتلك يد منه علينا عظيمة ... يروح بها ركب العراق ويغتدي ولما بنت قريش الكعبة جعلت ارتفاعها من خارجها من أعلاها إلى الأرض ثمانية عشر ذراعا، منها تسعة أذرع زائدة على طولها حين عمرها الخليل صلى الله عليه وسلم واقتصروا من عرضها أذرعا جعلتها في الحجر لقصر النفقة الحلال التي أعدوها لعمارة الكعبة عن إدخال ذلك فيها، ورفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، وجعلوا في داخلها ست دعائم في صفين، ثلاث في كل صف من الشق الذي يلي الحجر إلى الشق اليماني وجعلوا في ركنها الشامي من داخلها درجة يصعد منها إلى سطحها وجعلوه مسطحا وجعلوا فيه ميزابا يصب في الحجر. تنبيهات الأول: اختلف في سن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حينئذ.

فقيل: كان ابن خمس وثلاثين. وقدمه في «الإشارة» . وحكى الأزرقي قولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنيت الكعبة كان غلاما. قال الحافظ: ولعل عمدته ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت فذكر القصة. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن مجاهد أن ذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة وكذا رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن جبير وبه جزم موسى بن عقبة في مغازيه. والذي جزم به ابن إسحاق أن بنيان قريش كان قبل المبعث بخمس سنين. قال الحافظ: وهو أشهر قال: ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدم وقته على الشروع في البناء. وقيل: ابن خمس وعشرين، وغلط قائله. الثاني: في بيان غريب ما سبق. تجمرها [ (1) ] : بضم المثناة الفوقية وإسكان الجيم وكسر الميم يقال أجمر وجمر لغتان، أي تبخرها. شرارة: واحدة الشرار وهو ما يتطاير من النار. وكذا واحدة الشرر: شررة. المجمرة: بفتح الميم الأولى. دويك: تصغير ديك. مليح: بضم الميم وفتح اللام وبالحاء المهملة. باقوم بباء موحدة فقاف فواو. العتلة: الهرواة الغليظة. تنقضت: بمثناة فوقية فنون مفتوحتين فقاف فضاد معجمة. ساقطة: أي اهتزت. مرسى السفينة: مكان وقوفها بالبر. الرضم: الحجارة يجعل بعضها على بعض. تشرق: بمثناة فوقية فشين معجمة فراء مفتوحات فقاف، أي تبرز للشمس. اخزألت [ (2) ] بخاء معجمة فزاي فهمزة مفتوحة فلام مشددة فتاء تأنيث أي رفعت ذنبها والمخزئل: المرتفع. كشت [ (3) ] : صوتت. ويقال: الكشيش صوت جلدها. البغيّ: الفاجرة.

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 108، ومختار الصحاح 107. [ (2) ] لسان العرب 2/ 859. [ (3) ] لسان العرب 4/ 3881.

الشق: هنا- بكسر الشين المعجمة الناحية والجانب. وأصل شق الشيء: نصفه يقال: هذا شق الشيء وشقته، بمعنى. الحطيم: سمي بذلك لأن الناس يزدحمون فيه حتى يحطم بعضهم بعضا. وقيل لأن الثياب كانت تجرد فيه عند الطواف. فرقوا: خافوا. تحاوزوا: بمثناة فوقية فحاء مهملة فألف فواو فزاي: أي انحازت كل قبيلة إلى جهة. هلم: كلمة سمي بها فعل. وفيها لغتان فلغة أهل الحجاز لا يثنونها ولا يجمعونها ولا يؤنثونها ولغة غيرهم ضد ذلك. ومعناها: أقبل. تجزأت: اقتسمت. لم ترع: بمثناة فوقية فراء مفتوحة: أي لم تفزع، أي الكعبة. فأضمرها لتقدم ذكرها. ويروى: لم نزغ بفتح النون وكسر الزاي وبالغين المعجمة أي لم نمل عن دينك ولا خرجنا عنه، يقال زاغ عن كذا إذا خرج عنه. الأسنمة: جمع سنام، وهو أعلى الظهر. وأراد: أن الحجارة دخل بعضها في بعض كما تدخل عظام السنام بعضها في بعض، فشبهها بها. ومن رواه: كالأسنة جمع سنان: الرمح، شبهها بالأسنة في الخضرة. حففتها: بحاء مهملة ففاءين ثانيهما ساكنة فتاء التكلم أحاطت الملائكة بها. أخشبا مكة: جبلاها: أبو قبيس وقعيقعان. السبل: جمع سبيل الطريق. الغبطة: تمني حصول مثل الخير الذي فيه غيرك. أجل: كنعم وزنا ومعنى. الجفنة: كالقصعة، والجمع جفان بالكسر وجفنات بالتحريك. موضع الركن: أي الحجر الأسود، سمي ركنا لأنه مبني في الركن. الأحياء: جمع حي. خطة: بالضم الأمر والقصة. طيرهم: حظهم وبختهم. موقد: بكسر القاف.

جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى كان الناس قبل المبعث من زمن نوح صلى الله عليه وسلم إلى زمن المبعث عباد أصنام إلا من استجاب للرسل منهم وهذه الضلالة اشترك فيها العرب والعجم، وعبد كثير من العجم النار وهم المجوس فاتخذوا بيوت نيران لا تزال تقد أبدا، وكانت إلى هذه النيران صلاتهم وقرا بينهم ويعتقدون فيها النفع والضر. وعلى هذه الضلالة كانت ملوك الأكاسرة. وعبدت طائفة منهم كواكب معلومة، وترى هذه الطوائف أن سائر ما في العالم السفلي المعبر عنه بالحياة الدنيا ناشئ وصادر عن الكواكب وأن الشمس هي المفيضة على الكل، واتخذت هذه الطائفة التماثيل من الجواهر والمعادن على أسماء الكواكب وعبدتها وصلت إليها وقربت لها القرابين واعتقدت أنها تجلب النفع وتدفع الضرر ويقال لهذه الطائفة الصابئة. وقد بسط أبو جعفر ابن جرير والمسعودي وغيرهما الكلام على ذلك ومبدئه ولا حاجة بنا إلى ذكره. وأما العرب، إلا القليل منهم، فإنهم اتخذوا الأصنام وعبدوها من دون اللَّه تعالى ويقال. لهم: «الذين أشركوا» سمة لهم واسما لزمهم وإن كان غيرهم ممن تقدم شاركهم في عبادة غير اللَّه تعالى فإن هذا الاسم لا يطلق إلا على العرب. وأول ما حدثت عبادة الأصنام في قوم نوح صلى الله عليه وسلم، فأرسله اللَّه تعالى إليهم ينهاهم عن ذلك فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما كما قص اللَّه خبره في عدة آيات واستمرت هذه الضلالة في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقد قص اللَّه تعالى نبأه مع قومه في عدة آيات. واستمر هذا الأمر الشنيع إلى أن بعث اللَّه سبحانه وتعالى فضلا منه ورحمة، عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فدعا إلى عبادة اللَّه تعالى وحده فأنكر المشركون ذلك كما حكاه اللَّه تعالى عنهم في غير ما آية. والسبب في عبادة الناس الأصنام ما رواه الفاكهي عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجل منهم فجزع عليه ابنه فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره، فمات ففعل به كما

فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء فقال الأبناء ما اتخذ هذه آباؤنا إلا أنها كانت آلهتهم. فعبدوها. وروى عبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظى في قوله تعالى وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً [نوح 23] قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح فنشأ قوم بعدهم يأخذون في العبادة فقال لهم إبليس: لو صوّرتهم صورهم فكنتم تنظرون إليهم. فصوروا ثم ماتوا فنشأ قوم بعدهم فقال إبليس: إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها فعبدوها. وروى أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن كعب القرظي قال كان لآدم خمسة بنين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، فكانوا عبادا، فمات رجل منهم فحزنوا عليه حزنا شديدا فجاءهم الشيطان فقال: حزنتم على صاحبكم هذا؟ قالوا نعم. قال: هل لكم أن أصور لكم مثله في قبلتكم إذا نظرتم إليه ذكرتموه؟ قالوا: نكره أن تجعل لنا في قبلتنا شيئاً نصلي إليه. قال فأجعله في مؤخر المسجد؟ قالوا: نعم. فصوره لهم حتى مات خمستهم فصور صورهم في مؤخر المسجد، فتنقضت الأشياء حتى تركوا عبادة اللَّه تعالى وعبدوا هؤلاء، فبعث اللَّه تعالى نوحا فقالوا «لا تذرن آلهتكم» إلى آخر الآية. وروى عبد بن حميد عن أبي جعفر بن يزيد بن المهلب قال: كان ود رجلا مسلما وكان محببا في قومه فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال: أرى جزعكم على هذا فهل لكم أن أصور مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم فصوّر لهم مثله فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالا فيكون في بيته فيذكر به؟ قالوا: نعم. فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله فجعلوا يذكرونه به وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون اللَّه تعالى فكان أول من عبد من دون اللَّه ود، الصنم الذي سموا بود. وروى البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح تعبد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي كلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم. ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان إلى مشركي العرب.

وكان أول من حمل العرب على عبادة الأصنام عمرو بن لحي- بضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية- ابن قمعة- بفتح القاف والميم وتخفيفها- وقيل غير ذلك، ابن خندف- بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة ويجوز كسر الخاء وفتح الدال وآخرها فاء. روى ابن إسحاق عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي: «يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبة في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه» فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا نبي اللَّه؟ قال: «لا إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان» الحديث ويأتي [ (1) ] . قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا. فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى العرب فيعبدونه. فأعطوه منها صنما يقال له هبل، فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. وروى الفاكهي عن هشام بن السائب قال: كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فذكر له شعرا يأمره فيه بإخراج الأصنام من ساحل جدة فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا وهي الأصنام التي عبدت زمن نوح وإدريس ثم إن الطوفان طرحها هناك، فسقى عليها الرمل، فاستخرجها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب. وقال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل: أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا والفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك منهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل صلى اللَّه عليهما وسلم غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 632 (3520) .

عهد إبراهيم يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والوقوف على عرفة والمزدلفة وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه، فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده. يقول اللَّه تبارك لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف 106] أي ما يوحدونني بمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي. قال ابن إسحاق: وكان لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها، فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل أو غيرهم وسموها بأسمائها حين فارقوا دين إسماعيل، فاتخذ هذيل بن مدركة سواعا، وكان لهم برهاط، واتخذ كلب بن وبرة من قضاعة ودا بدومة الجندل، واتخذ كلب بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث. واتخذ خيوان، بطن من همدان، يعوق بأرض همدان من اليمن. واتخذ ذو الكلاع من حمير نسرا بأرض حمير، واتخذ الأديم، بطن من خولان، صنما يقال له عم أنس يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين اللَّه تعالى بزعمهم، فما دخل في حق عم أنس من حق اللَّه تعالى الذي سموه له تركوه له، وما دخل في حق اللَّه تعالى من حق عم أنس ردوه عليه، فأنزل اللَّه تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الأنعام 136] . وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة صنم يقال له سعد، صخرة بفلاة من أرضهم طويلة، فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس بركته فيما يزعم، فلما رأته الإبل وكانت مرعية لا تركب وكان يهراق عليه الدماء نفرت منه فذهبت في كل وجه، وغضب ربها الملكاني فأخذ حجرا فرماه به ثم قال: لا بارك اللَّه فيك! نفرت علي إبلي. ثم خرج في طلبها حتى جمعها فلما اجتمعت له قال: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة بتنوفة ... من الأرض لا يدعى لغي ولا رشد [ (1) ] واتخذت قريش صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل، واتخذوا إسافا ونائلة

_ [ (1) ] الروض الأنف 1/ 104، والبداية والنهاية 2/ 191.

على موضع زمزم ينحرون عندهما، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم وهو إساف بن بغي. قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم أحدثا في جوف الكعبة فمسخهما اللَّه حجرين. رواه ابن إسحاق. قال ابن إسحاق: واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه من دون اللَّه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، فإذا قدم من سفره تمسح به فكان أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله، فلما بعث اللَّه سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص 5] . وذكر ابن إسحاق وغيره كثيرا من أسماء أصنام العرب. ولم أذكر ذلك إذ لا فائدة في ذكرها وذكرت منها ما سمي في القرآن العزيز مع زيادة. تنبيه: قال الواقدي: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة طائر. قال في الفتح: وهذا شاذ، والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر، وهو مقتضى الآثار في سبب عبادتها. وقال المسعودي في مروج الذهب. كان كثير من أهل الهند والصين وغيرهم من الطوائف يعتقدون أن اللَّه تعالى جسم وأن الملائكة أجسام لها تمام وأن اللَّه تعالى احتجب بالسماء فدعاهم ذلك إلى أن اتخذوا تماثيل وأصناما على صورة الباري تعالى وبعضها على صورة الملائكة مختلفة القدور والأشكال في الصور، فمنها على صورة الإنسان ومنها على صورة غيره في الصور، فعبدوها وقربوا لها القرابين ونذروا لها النذور لشبهها عندهم بالباري تعالى وقربها منه، فأقاموا على ذلك برهة من الزمان وكثيرا من الأعصار حتى نبههم بعض ضلالهم على أن الأفلاك والكواكب أقرب الأجسام إلى الباري- تعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا، وأنها حية ناطقة وأن كل ما يحدث في هذا العالم فإنما هو على قدر ما تجري به الكواكب عن أمر اللَّه تعالى فعظموها وقربوا لها القرابين لتنفعهم، ومكثوا على ذلك دهرا فلما رأوا الكواكب تخفى بالنهار وفي بعض أوقات الليل بما يعرض في الجو من السواتر، أمرهم بعض من كان فيهم من ضلّالهم أن يجعلوا أصناما وتماثيل على صورها وأشكالها وهيآتها، فجعلوا لها أصناما بعدد الكواكب المشهورة المتحيرة، فكل صنف منهم يعظم كوكبا منها ويقرب له نوعا من القربان. ولما طال عليهم العهد عبدوا الأصنام وألغوا عبادة الكواكب، فلم

يزالوا كذلك حتى ظهر بعض ضلالهم بأرض الهند وكان هنديا خرج من أرض الهند إلى السند ثم دخل بلاد العجم، وهو أول من أظهر مذهب الصابئة وجوز للناس عبادة الأصنام والسجود لها لشبهة ذكرها وقرب إلى عقولهم عبادتها بضرب من الحيل. قال المسعودي: وذكر ذوو الخبرة بشأن هذا العالم وأخبار ملوكه أن «جم» الملك أول من عظم النار ودعا الناس إلى تعظيمها وقال إنها تشبه ضوء الشمس والكواكب وجعل للنور مراتب، ثم تنازع هؤلاء بعده فعظم كل فريق منهم ما يرون تعظيمه من الأشياء. ثم ذكر المسعودي بعض ما تقدم من خبر عمرو بن لحي. ثم ذكر المسعودي عبادة الفرس للنار وبيوت النيران في كل بلد وأطال النفس في ذلك.

الباب الثاني في إخبار الأحبار والرهبان والكهان بمبعث حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في إخبار الأحبار والرهبان والكهان بمبعث حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم قد تقدم في الباب التاسع أوائل الكتاب كثير من ذلك. وأذكر هنا ما لم أذكره هناك. قال ابن إسحاق رحمه اللَّه تعالى: وكانت الأحبار من يهود والرهبان من النصارى والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، لما تقارب زمانه. أما الأحبار والرهبان فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان عهد إليهم أنبياؤهم فيه. وأما الكهان فأتتهم به الشياطين من الجن، فيما يسترقون من السمع إذا كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أمور ولا تلقي العرب لذلك بالا حتى بعثه اللَّه تعالى ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها. ذكر خبر زيد بن عمرو بن نفيل ابن عبد العزى [ابن عبد الله] بن قرط بن رباح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، وورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزيز بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أنس بن خزيمة، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب، وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قرط بن رباح. قال ابن إسحاق: واجتمعت قريش في عيد لهم عند صنم من أصنامهم. قال محمد بن عمر الأسلمي: وهو بوانة، كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به، وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما، فخلص منهم هؤلاء الأربعة نجيا، ثم قال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض. قالوا: أجل. فقال بعضهم لبعض: تعلموا واللَّه ما قومكم على شيء، لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نُطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع؟! يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم واللَّه ما أنتم على شيء. فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم. فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى علم علما من أهل الكتاب. وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس. حتى أسلم ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأته أم حبيبة ابنة أبي سفيان مسلمة فلما قدمها تنصر وفارق

الإسلام حتى هلك نصرانيا. وكان يمر بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم بالحبشة فيقول: فقحنا وصأصأتم. أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر لم تبصروا بعد. وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه للنظر صأصأ لينظر. وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر وحسنت منزلته عنده. وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال: أعبد رب إبراهيم وبادى قومه بعيب ما هم عليه. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنهما قالت: رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه. ثم يسجد على راحلته. وكان يحيى الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها. رواه ابن إسحاق والنسائي وأبو بكر بن أبي داود وعلقه البخاري جازما به [ (1) ] . وروى البخاري والبيهقي من طريق موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقى زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل عليه الوحي فقدمت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم قال لزيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم اللَّه عليه. وإن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها اللَّه تعالى وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم اللَّه تعالى! إنكارا لذلك وإعظاما له [ (2) ] . وروى البخاري في المناقب وفي الذبائح من صحيحه والإسماعيلي والزبير بن بكار والفاكهي عن ابن عمر، إن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويبتغيه. وفي لفظ: ويتبعه. فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إني لعلى أن أدين دينكم. فأخبرني. فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب اللَّه. فقال زيد: ما أفر إلا من غضب اللَّه ولا أحمل من غضب اللَّه شيئاً أبدا وأنا أستطيعه، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 176 كتاب مناقب الأنصار. [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار 7/ 176 (3826) .

أعلمه إلا أن تكون حنيفا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا اللَّه، فخرج فلقي عالما من النصارى. فذكر مثله. فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة اللَّه. قل: ما أفر إلا من لعنة اللَّه ولا أحمل من لعنته ولا من غضبه شيئاً وأنا أستطيعه. فهل تدلني على غيره؟ فقال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا اللَّه. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج فلما برز رفع يديه فقال: اللهم أشهد أني على دين إبراهيم. [ (1) ] وفي لفظ: فانطلق وهو يقول: لبيك حقا حقا تعبدا ورقا. ثم يخر ويسجد للكعبة. قال ابن إسحاق: أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج يطلب دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ويسأل الرهبان حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ثم أقبل إلى الشام حتى انتهى إلي راهب بميفعة من أرض البلقاء وكان ينتهي إليه علم النصرانية، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم فقال: إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، فالحق فإنه مبعوث الآن فهذا زمانه. وكان قد شام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئاً منها، فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه، فقال ورقة بن نوفل يرثيه: رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا وإدراكك الدين الذي قد طلبته ... ولم تك عن توحيد ربك ساهيا فأصبحت في دار كريم مقامها ... تعلل فيها بالكرامة لاهيا تلاقي خليل اللَّه فيها ولم تكن ... من الناس جبارا إلى النار هاويا وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض سبعين واديا [ (2) ]

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 176 (3827) . [ (2) ] تروى هذه الأبيات في البداية والنهاية البيت الأول والثاني والسادس فقط، انظر البداية والنهاية 2/ 238. ويروي ابن كثير أيضا بعد البيت الأول: لدينك ربا ليس كمثله ... وتركك جنان الجبال كما هيا أقول إذا أهبطت أرضا مخوفة ... حنانيك لا تظهر علي الأعاديا حنانيك إن الحب كانت رجاءهم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا لتدركن المرء رحمة ربه ... وإن كان تحت الأرض سبعين واديا أدين لرب يستجيب ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهر واعيا أقول إذا صليت في كل بيعة ... تباركت قد أكثرت باسمك داعيا انظر البداية والنهاية 2/ 243.

ولزيد عدة قصائد في التوحيد منها: أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور [ (1) ] عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور فلا عزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمرو أزور ولا غنما أدين وكان ربا ... لنا في الدّهر إذ حلمي يسير عجبت وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير بأن اللَّه قد أفنى رجالا ... كثيرا كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببسر قوم ... فيربل منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوما ... كما يتروح الغصن النضير ولكن أعبد الرحمن ربي ... ليغفر ذنبي الرب الغفور فتقوى اللَّه ربكم احفظوها ... متى ما تحفظوها لا تبوروا ترى الأبرار دارهم جنان ... وللكفار حامية سعير وخزي في الحياة وإن يموتوا ... يلاقوا ما تضيق به الصدور وروى أبو يعلى والطبراني والبزار بسند حسن عن زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنه قال: إن زيد بن عمرو بن نفيل مات ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة» [ (2) ] . وروى أبو يعلى بسند حسن، عن سعيد بن زيد قال: سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن زيد بن عمرو، فقال: «يأتي القيامة أمة وحده» [ (3) ] . وروى الباغندي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فوجدت لزيد بن عمرو دوحتين» .

_ [ (1) ] يروى البيت الأول، ورواية أخرى للأبيات تنظر في البداية والنهاية. أرب واحد أم ألف رب والثالث فلا العزى أدين ولا ابنتيها انظر البداية والنهاية 2/ 242. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 190. [ (3) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 217.

تفسير الغريب

قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد قوي. وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن زيد بن عمرو فقال، «يحشر ذلك أمة وحده بيني وبين عيسى ابن مريم [ (1) ] . قال ابن كثير إسناده جيد قوي. تنبيه: توفى زيد قبل المبعث بخمس سنين وقريش تبنى الكعبة. تفسير الغريب قرط: بضم القاف وإسكان الراء وبالطاء المهملة. رياح: بالمثناة التحتية. رزاح: روي بكسر الراء وبفتحها، وبه جزم الدارقطني. النجي: الجماعة يتحدثون سرا عن غيرهم، ويقع للاثنين والجماعة بلفظ واحد. فقحنا: بفاء فقاف مفتوحتين مشددة فحاء مهملة يقال فقح إذا فتح عينيه. الموءودة: شيء كان يفعله بعض العرب، كان إذا ولد له بنت دفنها في التراب أو في الرمل حية، وأصل وأد: أثقل فسميت الموءودة لأنها أثقلت بالتراب. بادى: بغير همز أي ظهر، وبه: ابتدأ. ميفعة: بمثناة تحتية وزن منفعة، قرية من أرض البلقاء من الشام، وهي بفتح الموحدة ثم لام ساكنة ثم قاف ممدودة. شام اليهودية: اسم فاعل من الشم ومعناه أنه استخبر، فاستعاره من الشم فنصب اليهودية نصب المفعول به. ومن خفض جعل شام اسم فاعل من شممت، والفعل أولى بهذا الموضع. غنما: بفتح الغين المعجمة وسكون النون صنم كانوا يعبدونه. يربل: بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة فموحدة مضمومة فلام، يقال ربل الطفل يربل إذا شب وعظم. ثاب: رجع. يتروح الغصن: يهتز. لا تبوروا: لا تهلكوا. يبعث أمة وحده: الأمة: الشخص المنفرد بدين، أي يقوم مقام جماعة.

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (37860) .

خبر قس بن ساعدة

خبر قس بن ساعدة هو ابن ساعدة بن جذامة بن زفر بن زياد بن نزار الإيادي. قال المرزباني: عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة. وكثير من أهل العلم يذكر أنه عاش ستمائة سنة. وقد سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حكمته. وهو أول من آمن بالبعثة من أهل الجاهلية، وأول من اتكأ على عصا في الخطبة، وأول من قال أما بعد. وأول من كتب: من فلان إلى فلان. وقد جاء أنه خطب الناس بعكاظ وبشرهم بمبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم وحثهم على إتباعه وذلك قبل البعثة. روى الإمام محمد بن داود بن علي الظاهري في كتاب «الزهرة» حدثنا أحمد بن عبيد النحوي، حدثنا علي بن محمد المدائني حدثنا محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن سعد بن أبي وقاص. والطبراني والبزار من طريق محمد بن الحجاج، وهو متروك، والبيهقي من طريق سعيد بن هبيرة وهو متروك، والبيهقي من طريق أحمد بن سعيد بن فرسخ الأخميمي، عن شيخه القاسم بن عبد الله بن مهدي، وهما متهمان، عن ابن عباس. والبيهقي عن أنس وفي سنده من اتهم، وأبو نعيم والخرائطي عن عبادة بن الصامت، والأزدي عن أبي هريرة، وخلف بن أعين، رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، والحسن البصري، رواه أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه: أن وفد إياد لما قدموا على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأسلموا سألهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن قس بن ساعدة فقالوا: يا رسول اللَّه مات. قال: كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أحمر أورق وهو يخطب الناس وهو يقول كلاما ما أراني أحفظه. فقال بعض القوم: نحن نحفظه يا رسول اللَّه. فقال: هاتوا. فقال قائلهم إنه قال: أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، مطر ونبات، وأرزاق وأقوات، وآباء وأمهات، وأحياء وأموات، جميع وأشتات، وآيات بعد آيات، إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا، ليل داج وسماء ذات فجاء وبحار ذات أمواج، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا، أقسم قس قسما حقا لا حانثا فيه ولا آثما، إن للَّه دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ونبيا خاتما حان حينه وأظلكم أوانه وأدرككم إبانه، فطوبى لمن آمن به فهداه، وويل لمن خالفه وعصاه. ثم قال: تبا لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية، يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين المريض والعواد، وأين الفراعنة الشداد، أين من بنى رشيد، وزخرف ونجد وغره المال والولد، أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال: وقال: أنا ربكم الأعلى، ألم يكونوا أكثر

منكم أموالا وأولادا وأبعد منكم آمالا وأطول منكم آجالا طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم الدهر بتطاوله، فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خالية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو اللَّه الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود. قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: فأيكم يروي شعره؟ فأنشده أبو بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه قال: في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر [ (1) ] . هذا حاصل الطرق السابقة. قال البيهقي بعد أن أورد بعضها: إذا ورد الحديث من أوجه وإن كان بعضها ضعيفا دل على أن للحديث أصلا [ (2) ] . وقال الحافظ عماد الدين بن كثير: هذه الطريق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة. وقال الحافظ في الإصابة طرقه كلها ضعيفة: وقال الشيخ رحمه اللَّه تعالى في تهذيب موضوعات ابن الجوزي: أمثل طرقه الأول، فإن ابن أخي الزهري ومن فوقه من رجال البخاري ومسلم، وعلي بن محمد المدائني ثقة. وأحمد بن عبيد قال ابن عدي. صدوق له مناكير. قلت: وقال الذهبي: صويلح. قال الحافظ: لين الحديث. انتهى. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: فإذا ضم طريق خلف بن أعين إليه حكم بحسنه بلا توقف. انتهى. إذا علمت ذلك فالحديث ضعيف لا موضوع، خلافا لابن الجوزي ومن تبعه. وقد رواه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس. فذكر حديثا طويلا مسجعاً فيه أشعار كثيرة. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: وآثار الوضع ظاهرة عليه. وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن قس بن ساعدة كان يخطب قومه في

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 2/ 234. [ (2) ] ذكره السيوطي في اللآلي 1/ 100 والمتقي الهندي في كنز العمال (34071- 30472) .

تفسير الغريب

سوق عكاظ فقال: سيعمكم حق من هذا الوجه. وأشار بيده إلى نحو مكة. قالوا له: وما هذا الحق؟ قال: رجل أبلج أحور من ولد لؤي بن غالب يدعوكم إلى كلمة الإخلاص وعيش الأبد ونعيم لا ينفد، فإن دعاكم فأجيبوه ولو علمت أني أعيش إلى مبعثه لكنت أول من سعى إليه. تفسير الغريب أورق: الورقة في الإبل: لون يضرب إلى الخضرة كلون الرماد. وقيل إلى السواد. داج: مظلم. رتاج [ (1) ] براء مكسورة ثم مثناة فوقية مخففة فألف فجيم: الباب. المقام: بضم الميم وفتحها. قال في النور لكن هنا يتعين الضم لأن بعده قافا فهو من الرباعي. أظلكم: أقبل عليكم ودنا منكم كأنه ألقى ظله عليكم. تبا: خسرانا. شيد: بفتح الشين المعجمة والمثناة التحتية المشددة: والشيد: كل ما طلي به الحائط من جص وغيره. نجد: زين. الكلكل والكلكال [ (2) ] : الصدر. خبر العباس عن بعض أحبار اليمن روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: قال العباس رجت في تجارة إلى اليمن في ركب فيهم أبو سفيان بن حرب، فورد كتاب حنظلة بن أبي سفيان أن محمدا قائم بالأبطح يقول: أنا رسول اللَّه أدعوكم إلى اللَّه. ففشا ذلك في مجالس أهل اليمن فجاءنا حبر من اليهود فقال: بلغني أن فيكم عم هذا الرجل الذي قال ما قال. قال العباس: فقلت نعم. قال: نشدتك هل كانت لابن أخيك صبوة؟ فقلت: لا واللَّه ولا كذب ولا خان، وإن كان اسمه عند قريش إلا الأمين قال: فهل كتب بيده؟ فأردت أن أقول نعم، فخشيت من أبي سفيان أن يكذبني ويرد علي فقلت: لا يكتب. فوثب الحبر وترك رداءه وقال: ذبحت يهود وقتلت يهود. قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان: يا أبا الفضل إن يهود تفزع من ابن

_ [ (1) ] المصباح المنير 218. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 796.

خبر أمية عن بعض أحبار الشام

أخيك. قلت: قد رأيت، فهل لك أن تؤمن به. قال: لا أومن به حتى أرى الخيل في كداء. قلت: ما تقول؟! قال: كلمة جاءت على فمي، إلا أني أعلم أن اللَّه لا يترك خيلا تطلع على كداء. قال العباس: فلما فتح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكة ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كداء قلت: يا أبا سفيان تذكر تلك الكلمة؟ قال: إي واللَّه إني لأذكرها. كداء: كسحاب: الثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة، لا تنصرف. وقال النووي: ويجوز الصرف على إرادة الموضع. خبر أمية عن بعض أحبار الشام روى البيهقي وأبو نعيم واللفظ له عن أبي سفيان بن حرب قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام فقال: هل لك في عالم من علماء النصارى إليه انتهى علم الكتاب نسأله. قلت له: لا أرب لي فيه. فذهب ثم رجع فقال: إني جئت هذا العالم فسألته عن أشياء ثم قلت: أخبرني عن هذا النبي الذي ينتظر. فقال: هو رجل من العرب قلت: من أي العرب؟ قال: من أهل بيت يحجه العرب من إخوانكم من قريش. قلت: صفه لي. قال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بدء أمره يجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة أكثر جنده الملائكة. قلت ما آية ذلك؟ قال: قد رجفت الشام بعد عيسى ابن مريم صلى اللَّه عليهما وسلم ثلاثين رجفة كلها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصائب. قال أبو سفيان: فقلت: هذا واللَّه الباطل. فقال أمية: والذي حلفت به إن هذا لهكذا. ثم خرجنا فإذا راكب من خلفنا يقول: أصاب أهل الشام بعدكم رجفة دمرت أهلها وأصابتهم فيها مصائب عامة. قال أبو سفيان: فأقبل علي أمية فقال: كيف ترى قول النصراني؟ قلت: أرى واللَّه إنه حق. وقدمت مكة فقضيت ما معي ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجرا فمكثت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة فجاء الناس يسلمون علي ويسألون عن بضائعهم ثم جاءني محمد صلى اللَّه عليه وسلم فسلم علي ورحب بي وسألني عن سفري ومقام ولم يسألني عن بضاعته، ثم قال: فقلت لهند: واللَّه إن هذا ليعجبني! ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا وقد سألني عنها ما سألني هذا عن بضاعته. قالت: وما علمت بشأنه؟ إنه يزعم أنه رسول اللَّه. فوقذتني. وذكرت قول النصراني: قلت: لهو أعقل من أن يقول هذا. قالت: بلى واللَّه إنه يقول ذلك.

خبر أبي سفيان عن أمية

خبر أبي سفيان عن أمية روى الطبراني وأبو نعيم عن معاوية بن أبي سفيان عن أبيه قال: كنا بغزة [ (1) ] أو بإيلياء فقال لي أمية بن أبي الصلت: يا أبا سفيان أيه عن عتبة بن ربيعة؟ قلت: أيه عن عتبة بن ربيعة. قال: كريم الطرفين ويجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: نعم وشريف مسن. قال: السن أزرى به. قلت: كذبت بل ما ازداد سنا إلا ازداد شرفا. قال: لا تعجل علي حتى أخبرك. فقال: إني أجد في كتبي نبيا يبعث من حرتنا هذه فكنت أظن أني هو، فلما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة، فلما أخبرتني بسنه عرفت أنه ليس به حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه. قال أبو سفيان: فرجعت وقد أوحى اللَّه إلى رسوله محمد صلى اللَّه عليه وسلم، فخرجت في ركب في تجارة فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به: خرج النبي الذي كنت تنعته. قال: أما إنه حق فاتبعه وكأني بك يا أبا سفيان إن خالفته ربطت كما يربط الجدي حتى يؤتى بك فيحكم فيك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب. خبر عبد الرحمن بن عوف عن عثكلان الحبر روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تعالى عنه قال: سافرت إلى اليمن قبل مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بسنة، فنزلت على عثكلان بن عواكن الحميري، وكان شيخا كبيرا وكنت لا أزال إذا قدمت اليمن أنزل عليه فيسألني عن مكة وعن الكعبة وزمزم ويقول: هل ظهر فيكم رجل له نبه له ذكر؟ هل خالف أحد منكم عليكم في دينكم؟ فأقول: لا. حتى قدمت القدمة التي بعث فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوافيته قد ضعف وثقل سمعه فنزلت عليه فاجتمع عليه ولده وولد وولده فأخبروه بمكاني فشدت عصابة على عينيه وأسند فقعد فقال لي: انتسب يا أخا قريش. فقلت: أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عدي بن الحارث بن زهرة. قال: حسبك يا أخا زهرة ألا أبشرك ببشارة هي خير لك من التجارة؟ قلت: بلى. قال: أنبئك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة، إن اللَّه تعالى بعث في الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه صفيا وأنزل عليه كتابا وجعل له ثوابا، ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الإسلام يأمر بالحق ويفعله وينهى عن الباطل ويبطله فقلت: ممن هو؟ قال: لا من الأزد ولا ثمالة، ولا من سرو ولا تبالة، هو من بني هاشم وأنتم أخواله، يا عبد الرحمن أحسن الوقعة وعجل الرجعة ثم امض وآزره وصدقه

_ [ (1) ] (غزّة) بفتح أوله وثانية وتشديده: مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر، بينها وبين عسقلان فرسخان أو أقل في غربيها، من عمل فلسطين، وفيها مات هاشم (2) [جد النبي] (3) .

خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان والكواهن

واحمل إليه هذه الأبيات: أشهد باللَّه ذي المعالي ... وفالق الليل والصباح إنك في السر من قريش ... يا ابن المفدى من الذباح أرسلت تدعو إلى يقين ... يرشد للحق والفلاح أشهد باللَّه رب موسى ... أنك أرسلت بالبطاح فكن شفيعي إلى مليك ... يدعو البرايا إلى النجاح قال عبد الرحمن: فحفظت الأبيات وأسرعت في تقضي حوائجي وانصرفت فقدمت مكة فلقيت أبا بكر فأخبرته الخبر فقال: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه رسول اللَّه إلى خلقه. فأتيته في نفر في بيت خديجة فلما رآني ضحك وقال: أرى وجها خليقا أرجو خيرا ما وراءك؟ قلت: وما ذاك يا محمد؟ قال: حملت إلي وديعة أم أرسلك مرسل إلى برسالة هاتها. فأخبرته وأسلمت فقال: أما إن أخي حمير من خواص المسلمين ثم قال: «رب مؤمن بي ولم يرني ومصدق بي وما شاهدني أولئك إخواني حقا» . خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان والكواهن ذكر أبو هاشم بن ظفر في «خبر البشر» أن عروة بن مسعود الثقفي رضي اللَّه تعالى عنه قال: خرجت في تجارة لنجران قبل أن يظهر أمر محمد فجلست تحت سرحة منتبذا من أصحابي فإذا جاريتان تسوقان بهما إلى السرحة، فجلستا وأنا مضطجع فتناومت، فقالت إحداهما للأخرى: من هذا فيما تظنين يا ابنة الأكرمين؟ قالت الأخرى: هذا عروة بن مسعود سيد غير مسود، جود وعصر منجود. قالت: صدقت فمن أين هو وإلى أين؟ فقالت الأخرى: أتى من المعقل المنيف، طائف ثقيف ينوي نجران ذات المخاليف فقالت: صدقت فما هو مصيب في سفره هذا؟ فقالت: يسهل طريقة وينفق سوقه ويعلو فوقه. قالت: صدقت فما عاقبة أمره؟ قالت: يعيش زعيما ويتبع نبيا كريما ويتعاطى أمرا جسيما. فقالت: صدقت وما هذا النبي؟ فقالت: داع مجاب، له أمر عجاب، يأتيه من السماء كتاب يبهر الألباب ويقهر الأرباب. قال عروة: ثم أمسكتا فغشيني النعاس، فلما استيقظت لم أر لهما أثرا فلما بلغت نجران قال أسقفها- وكان لي صديقا-: يا أبا يعفور هذا حين خروج نبي من أهل حرمكم يهدي إلى الحق، وحق المسيح إنه لخير الأنبياء وآخرهم فإن ظهر فكن أول من يؤمن به. تفسير الغريب السرحة- بسين مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملات: الشجرة العظيمة.

خبر عمرو بن معدي كرب عن بعض الكهان

منتبذا: منفردا. البهم- بضم الباء الموحدة: صغار الغنم. العصر [ (1) ] بعين وصاد مهملتين مفتوحتين- الملجأ. المنجود: المكروب. هوى: قصد أرضا غورا وأصله أن يخر من علو إلى سفل. نوى: قصد. المنيف: المرتفع. المخاليف: قرى تخلف القرية العظيمة في المرافق وتنوب منابها، واحدها مخلاف. يعلو فوقه- بضم الفاء وسكون الواو وضم القاف- هذا مثل يضرب للظفر والعلو والجد وأصله فوق السهم. زعيما: سيدا. خبر عمرو بن معدي كرب عن بعض الكهان ذكر ابن ظفر أيضاً أن أبا ثور عمرو بن معدي كرب رضي اللَّه تعالى عنه قال: واللَّه لقد علمت أن محمدا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: فزعنا إلى كاهن لنا في أمر نزل بنا، فقال الكاهن: أقسم بالسماء ذات الأبراج والأرض ذات الأدراج والريح ذات العجاج إن هذا لإمراج ولقاح ذي نتاج. قالوا: وما نتاجه؟ قال: ظهور نبي صادق بكتاب ناطق وحسام ذالق. قالوا: أين يظهر وإلام يدعو؟ قال: يظهر بصلاح ويدعو إلى فلاح ويعطل الأقداح، وينهى عن الراج والسفاح وعن كل أمر قباح. قالوا: ممن هو؟ قال من ولد الشيخ الأكرم حافر زمزم ومطعم الطير المحرّم والسباع الضرم. قالوا: وما اسمه؟ قال: محمد، وعزه سرمد، وخصمه مكمد. صلاح: من أسماء مكة. وتقدم ضبطه. خبر ابن الهيبان روى البيهقي عن عاصم بن عمرو بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري عما كان إسلام أسيد وثعلبة ابني سعية وأسيد بن عبيد، نفر من هذل لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير، كانوا فوق ذلك. فقلت: لا.

_ [ (1) ] لسان العرب 4/ 2971.

تفسير الغريب

قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام. من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا، واللَّه ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه، فقدم علينا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسنين، فكنا إذا قحطنا وقل علينا المطر نقول: يا ابن الهيبان اخرج فاستق لنا. فيقول: لا واللَّه حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة. فنقول: كم؟ فيقول: صاع من تمر أو مدين من شعير. فنخرجه ثم يخرج إلى ظاهر حرتنا ونحن معه فيستقي فو اللَّه ما يقوم من مجلسه حتى تمر السحاب. قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة. فحضرته الوفاة فاجتمعنا إليه فقال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا: أنت أعلم. قال: فإنه إنما أقدمني هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه هذه البلاد مهاجرة فأتبعه فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي النساء والذراري ممن يخالفه، فلا يمنعكم ذلك منه. ثم مات. فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة قال أولئك الفتية- وكانوا شبابا أحداثا- يا معشر يهود واللَّه إنه الذي ذكر لكم ابن الهيبان. فقالوا: ما هو به. قالوا: بلى واللَّه إنها لصفته. ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم في حصن مع المشركين، فلما فتح رد ذلك عليهم. تفسير الغريب أسيد: وقع في الرواية بضم الهمزة وفتحها وصوّبه الدارقطني وعبد الغني. سعية- بسين مفتوحة فعين ساكنة مهملتين فمثناة تحتية ويقال بالنون بدلها. أتوكف: انتظر وأستشعر. أظل زمانه: أشرف عليكم وقرب. خبر الحبر من جرهم روى ابن أبي خيثمة عن عكرمة أن نفرا من قريش مروا بجزيرة من جزائر البحر فإذا هم بشيخ من جرهم. فقال: ممن أنتم؟ قالوا: من أهل مكة من قريش: فقال الشيخ ذات يوم: لقد طلع الليلة نجم لقد بعث فيكم نبي. فنظروا فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث تلك الليلة. خبر الحبر من أهل بصرى روى ابن سعد والبيهقي عن طلحة بن عبيد الله رضي اللَّه تعالى عنه قال: حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم هل فيهم أحد من أهل الحرم؟ فقلت: نعم أنا. قال: هل ظهر أحمد؟ قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجرة إلى نخل وحرّة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال. فقدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة. فخرجت سريعا حتى قدمت على أبي بكر فأخبرته بما قال الراهب، فخرج أبو بكر حتى دخل على

خبر رئيس نجران

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره، فسر بذلك وأسلم طلحة فأخذ نوفل بن العدوية أبا بكر وطلحة فشدهما في حبل واحد فلذلك سميا القرينين. خبر رئيس نجران قال ابن هشام: وبلغني أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتبا عندهم، فكلما مات رئيس منهم فأفضت الرياسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التي قبله ولم يكسرها، فخرج الرئيس الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمشي فعثر، فقال ابنه: تعس الأبعد. يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبوه: لا تفعل فإنه نبي واسمه في الوضائع- يعني الكتب. فلما مات لم يكن همه إلا أن شد فكسر الخواتم فوجد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فاسلم وحسن إسلامه، فحج وهو الذي يقول: إليك تعدو قلقا وضينها ... معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها تفسير الغريب نجران: بفتح النون وإسكان الجيم. عثر: بفتح المثلثة، والعثرة: الزّلّة. تعس: - بفتح العين وكسرها- ومعناه: عثر وانكب لوجهه. الوضائع- بفتح الواو وبالضاد المعجمة وبعد الألف مثناة تحتية ثم عين مهملة: يعني الكتب. زاد في النهاية: التي تكتب فيها الحكمة. الوضين [ (1) ]- بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وسكون المثناة التحتية: بطان: منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج، أراد أنها قد هزلت ودقت للسير عليها.

_ [ (1) ] لسان العرب 6/ 4861.

الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال اللَّه سبحانه وتعالى: قُلْ يا محمد للناس: أُوحِيَ أخبرت بالوحي إِلَيَّ أَنَّهُ الضمير للشأن اسْتَمَعَ لقرآني نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ جن نصيبين أو نينوى، وكانوا سبعة أو تسعة وذلك في صلاة الصبح ببطن نخلة موضع بين مكة والطائف وهم الذين ذكروا في قوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف 29] والنفر ما بين الثلاثة والعشرة. «فقالوا» لقومهم لما رجعوا إليهم: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً وصف بالمصدر على سبيل المبالغة أي هو عجب في نفسه لفصاحة لفظه وحسن مبانيه ودقة معانيه وغرابة أسلوبه وبلاغة مواعظه وكونه مباينا لسائر الكتب، والعجب ما خرج عن أشكاله ونظائره. يَهْدِي يدعو إِلَى الرُّشْدِ الإيمان والصواب فَآمَنَّا بِهِ أي القرآن. ولما كان الإيمان به متضمنا الإيمان باللَّه تعالى وبوحدانيته وبراءته من الشرك. قالوا: وَلَنْ نُشْرِكَ بعد اليوم بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ الضمير للشأن فيه وفي الموضعين بعده تَعالى تعاظم جَدُّ رَبِّنا جلاله وعظمته عما نسب إليه مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً زوجة وَلا وَلَداً. بيان ذلك كأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقدوه من الشرك واتخاذ الصاحبة والولد. وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا إبليس أو مردة الجن. عَلَى اللَّهِ شَطَطاً غلوّ في الكذب بوصفه بالصاحبة والولد. ثم أخذوا يعتذرون عن إتباعهم للسفيه في ذلك: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ مخففة أنه لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً بوصفه بذلك، حتى تبينا كذبهم بذلك. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ يستعيذون. بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ حين ينزلون في أسفارهم بمكان مخوف فيقول كل رجل أعوذ بسيد هذا المكان من شر سفهائه. فَزادُوهُمْ بعوذهم بهم رَهَقاً طغيانا، فقالوا: سدنا الجن والإنس وَأَنَّهُمْ أي الجن: ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ يا إنس أو بالعكس. والآيتان من كلام الجن بعضهم لبعض، أو استئناف من كلام اللَّه تعالى ومن فتح أَنْ فيهما جعلهما من الموحى به أي أنه لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً بعد موته، أو رسولا.

قال الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ طلبنا استراق السمع منها. واللمس مستعار من المس للطلب: فَوَجَدْناها صادفناها مُلِئَتْ حَرَساً حراسا اسم جمع كخدم: شَدِيداً قويا وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها وَشُهُباً جمع شهاب وهو المضيء المتولد من النار: وَأَنَّا كُنَّا قبل مبعثه نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للرصد والاستماع لِلسَّمْعِ صلة نقعد أو صفة لمقاعد. وفسر النبي صلى الله عليه وسلم كيفية قعود الجن أنهم كانوا واحدا فوق واحد فمتى احترق الأعلى طلع الذي تحته مكانه وكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون فيها ويزيد الكاهن مائة كذبة. فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ ظرف للحال ويستمع ظرف مستقبل فاتسع في الظرف واستعمل للاستقبال يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً أي أرصد له ليرمى به. هذا لمن استمع وأما السمع فقد انقطع كما قال اللَّه تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء 212] . ولما رأوا ما حدث من كثرة الرجم ومنع الاستراق قالوا: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بعدم استراق السمع بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً خيرا. قال ابن إسحاق رحمه اللَّه تعالى: فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من اللَّه فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة. فآمنوا وصدقوا ثم وَلَّوْا رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ مخوفين قومهم العذاب إن لم يؤمنوا وكانوا يهودا. قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً هذا القرآن أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ الإسلام وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ أي طريقة يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي بعضها وهو ما يكون في خالص حق اللَّه، فإن المظالم لا تغفر بالإيمان. وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ مؤلم. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ [الأحقاف: 32] أي لا يعجز اللَّه بالهرب منه فيفوته وَلَيْسَ لَهُ لمن لا يجب مِنْ دُونِهِ أي اللَّه أَوْلِياءُ أنصارا يدفعون عنه العذاب أُولئِكَ الذين لم يجيبوا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ بين ظاهر. لطيفة: مناسبة سورة الجن لما قبلها أنه لما حكي تمادي قوم نوح صلى الله عليه وسلم في الكفر وعكوفهم على عبادة الأصنام، وكان أول رسول إلى أهل الأرض، كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر رسول إلى أهل الأرض، والعرب الذين هو منهم كانوا عباد أصنام كقوم نوح حتى أنهم عبدوا أصناما مثل أصنام أولئك في الأسماء، وكان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من القرآن هاديا إلى الرشد

وقد سمعته العرب وتوقف عن الإيمان به أكثرهم، أنزل اللَّه سبحانه وتعالى سورة الجن إثر سورة نوح تبكيتا لقريش والعرب في كونهم تباطأوا عن الإيمان، إذ كانت الجن خيرا منهم وأقبل إلى الإيمان، هذا وهم من غير جنس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فعند ما سمعوا القران استعظموه وآمنوا به للوقت وعرفوا كونه معجزا، وهم مع ذلك مكذبون له ولمن جاء به بغيا وحسدا أن ينزل اللَّه من فضله على من يشاء من عباده. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء فيستمعون الكلمة من الوحي فيهبطون إلى الأرض فيزيدون فلم يزالوا كذلك حتى بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس فقال: لقد حدث في الأرض حدث، فبعثهم فوجدوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتلوا القرآن قالوا: هذا واللَّه الحدث. وإنهم ليرمون فإذا توارى النجم عنكم فقد أدركه لا يخطئ أبدا ولكنه لا يقتله، يحرق جنبه وجهة يده. وروى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم من وجه آخر عن سعيد عنه قال: كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي فيخبرون به الكهنة فلما بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم دحروا منه، فقالت العرب حين لم تخبرهم الجن: هلك أهل السماء. فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة وصاحب الغنم ينحر كل يوم شاة، وقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث فأتوني من تربة كل أرض. فأتوه بها فجعل يشمها فلما شم تربة مكة قال: من هاهنا الحدث فنصتوا فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد بعث. وروى البيهقي من طريق العوفي عنه قال: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكان يقعدون منها مقاعد للسمع، فلما بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم حدست السماء حرسا شديدا ورجمت الشياطين. وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم عن ابن عمرو قال: لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين من خبر السماء ورموا بالشهب فذكروا ذلك لإبليس فقال: بعث نبي عليكم بالأرض المقدسة. فذهبوا ثم رجعوا فقالوا: ليس بها أحد. فخرج إبليس يطلبه بمكة فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحراء منحدرا معه جبريل فرجع إلى أصحابه فقال: قد بعث أحمد ومعه جبريل. وروى أيضا عن أبي بن كعب رضي اللَّه تعالى عنه قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى تنبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمى بها، فلما رأت قريش أمرا لم تكن تراه فجعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقاءهم يظنون أنه الفناء وفعلت ثقيف مثل ذلك، فبلغ عبد ياليل فقال: لا تعجلوا

وانظروا فإن تكن نجوما تعرف فهو عند فناء من الناس، وإن كانت نجوما لا تعرف فهو عند أمر قد حدث. فنظروا فإذا هي لا تعرف فأخبروه فقال: هذا عند ظهور نبي فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم الطائف أبو سفيان بن حرب فقال: ظهر محمد بن عبد الله يدعي أنه نبي مرسل. فقال عبد ياليل: فعند ذلك رمي بها. عبد ياليل- بمثناتين تحتيتين وكسر اللام الأولى، وذكره ابن إسحاق فيمن وفد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف. وروى سعيد بن منصور والبيهقي عن الشعبي قال: كانت النجوم لا يرمى بها حتى بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فرمي بها فسيبوا أنعامهم وأعتقوا رقيقهم، فقال عيد ياليل: انظروا. وذكر مثله. وروى ابن إسحاق وابن سعد عن يعقوب بن المغيرة بن الأخنس قال: إن أول العرب فزع لرمي النجوم ثقيف فأتوا عمرو بن أمية أحمد بني علاج فقالوا: ألم تر ما حدث؟ قال: بلى، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أنواء الصيف والشتاء انتثرت فهي طي الدنيا وذهاب هذا الخلق، وإن كانت نجوما غيرها فأمر أراد اللَّه تعالى، ونبي يبعث في العرب. فقد تحدث بذلك عمرو بن أمية هذا. وروى ابن سعد وأبو نعيم عن الزهري قال: كان الوحي يستمع فلما كان الإسلام منعوا وكانت امرأة من بني أسد يقال لها سعير لها تابع من الجن فلما رأى الوحي لا يستطاع أتاها فدخل في صدرها وجعل يصيح: وضع العناق ورفع الشقاق وجاء أمر لا يطاق، أحمد حرم الزنا. وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم عن نافع بن جبير قال: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب. وروي أيضاً عن عطاء عن ابن عباس وعن مجاهد. وأبو نعيم عن حجاج الصواف، عن ثابت عن أنس. وأبو الشيخ عن عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس قال ابن عباس: كانت الشياطين يستمعون الوحي قالوا: فلما بعث اللَّه محمدا صلى الله عليه وسلم منعوا فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: لقد حدث أمر. فرقى فوق أبي قبيس فرأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى خلف المقام فقال: أذهب فأكسر عنقه. فجاء وعنده جبريل فركضه برجله فألقاه بوادي الأردن. وروى الخرائطي في الهواتف عن سعيد بن جبير أن رجلا من بني تميم حدث عن بدء إسلامه فقال: إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم ونمت فنزلت عن راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي. فقلت أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن. فرأيت في منامي رجلا بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي، فانتبهت فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئاً فقلت:

هذا حلم. ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أر شيئاً وإذا ناقتي ترعد، ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب والتفت فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيته في منامي وبيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها، فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى: قم فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الإنسي. فقام الفتى فأخذ منها ثورا وانصرف ثم التفت إلي الشيخ وقال: يا فتى إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ باللَّه رب محمد من هول هذا الوادي. ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها. فقلت له: ومن محمد؟ قال: نبي عربي لا شرقي ولا غربي، بعث يوم الاثنين. قلت: أين مسكنه؟ قال: يثرب. ذات النخل. فركبت راحلتي حين برق لي الصبح وجديت السير حتى أتيت المدينة فرآني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحدثني قبل أن أذكر له شيئاً ودعاني إلى الإسلام فأسلمت. وروى مسلم وابن إسحاق عن ابن عباس عن نفر من الأنصار، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لهم: «ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به في الجاهلية؟» قالوا: يا نبي اللَّه كنا نقول حين رأيناها يرمى بها: مات ملك، ملك ملك، ولد مولود مات مولود. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «ليس ذلك كذلك، ولكن اللَّه سبحانه وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه [ (1) ] حملة العرش فسبح من تحتهم لتسبيحهم، فسبح من تحت ذلك، فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيسبحوا. ثم يقول بعضهم لبعض: مم سبحتم؟ فيقولون: سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم فيقولون: ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا؟ فيقولون مثل ذلك حتى ينتهوا إلى حملة العرش فيقال لهم: مم سبحتم؟ فيقولون: قضى اللَّه تعالى في خلقه كذا وكذا للأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيتحدثون به، فتسرقه فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف، ثم يأتون به الكهان فيحدثونهم فيخطئون بعضا ثم إن اللَّه تعالى حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها فانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة» . وروى عن لهيب بن مالك اللهبي قال: حضرت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: بأبي أنت وأمي نحن أول من عرف حراسة السماء والشياطين ومنهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن يقال له خطر بن مالك، وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة فقلنا: يا خطر هل عندك علم من علم هذه النجوم التي يرمى بها فإنا قد فزعنا لها وخفنا سوء عاقبتها. فقال: ائتوني بسحر، أخبركم الخبر، الخير أم الضرر والأمن أم الحذر.

_ [ (1) ] في أيسمعه.

قال: فانصرفنا عنه يومنا، فلما كان من غد في وجه السحر أتيناه فإذا هو قائم على قدميه شاخص ببصره إلى السماء، فناديناه: يا خطر يا خطر. فأومأ إلينا أن أمسكوا فأمسكنا، فانقض نجم عظيم من السماء، فصرخ الكاهن رافعا صوته. أصابه أصابه ... خامره عقابه عاجله عذابه ... أحرقه شهابه زايله جوابه يا ويحه ما حاله ... بلبله بلباله عاوده خباله ... تقطعت حباله وغيرت أحواله ثم أمسك طويلا وقال: يا معشر بني قحطان ... أخبركم بالحق والعيان أقسمت بالكعبة ذات الأركان ... [والبلد] المؤتمن السدان لقد منع السمع عناة الجان ... بثاقب بكف ذي سلطان من أجل مبعوث عظيم الشان ... يبعث بالتنزيل والقرآن وبالهدى وفاصل الفرقان ... تبطل به عبادة الأوثان فقلنا: يا خطر ما ترى لقومك؟ فقال: أرى لقومي ما أرى لنفسي ... أن يتبعوا خير بني الإنس برهانه مثل شعاع الشمس ... يبعث في مكة دار الحمس بمحكم التنزيل غير اللبس [ (1) ] فقلنا: يا خطر وممن هو؟ فقال: والحياة والعيش، إنه لمن قريش، ما في حكمه طيش، ولا في خلقه هيش، يكون في جيش وأي جيش، من آل قحطان وآل أيش. فقلنا: بين لنا من أي قريش هو؟ فقال: والبيت ذي الدعائم، إنه لمن نجل هاشم، من معشر أكارم، يبعث بالملاحم، وقتل كل ظالم.

_ [ (1) ] الأبيات في الروض الأنف 1/ 240.

تنبيهات

ثم قال: هذا هو البيان أخبرني به رئيس الجان، ثم قال: اللَّه أكبر جاء الحق وظهر. وانقطع عن الجن الخبر، ثم سكت وأغمى عليه فما أفاق إلا بعد ثالثة فقال: لا إله إلا اللَّه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «سبحان اللَّه لقد نطق عن مثل نبوة وإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة» . رواه أبو جعفر العقيلي في كتاب الصحابة. والآثار في هذا كثيرة وفيما ذكر كفاية. تنبيهات الأول: قال القرطبي: اختلف في الشهاب هل يقتل أم لا؟ فقال ابن عباس: إنه لا يخطئ ولكن يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل. وقال الحسن وطائفة: يقتل. فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقائهم السمع إلى الجن قولان. أحدهما: أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم. فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء وبذلك انقطعت الكهانة. والثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوا من السمع إلى غيرهم من الجن ولذلك ما يعودون إلى استراقه ولو لم يصل لانقطع الاستراق وانقطع الإحراق [ (1) ] . ذكره الماوردي. قال القرطبي: والأول أصح. قلت: روى سعيد بن منصور والبخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى اللَّه تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الذي قال الحق وهو العليّ الكبير. فيسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا واحدا فوق آخر- وصف سفيان بيده وفرج بين أصابعه نصبها بعضها فوق بعض- فيسمع الكلمةُ فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه

_ [ (1) ] في أ: الاحتراق.

فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا. فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء. انتهى [ (1) ] . ففي قوله «فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه» إلى آخره، ما يجمع بين القولين السابقين. وأما قول السهيلي رحمه اللَّه تعالى: لولا أن الشهاب قد يخطئ الشيطان لم يتعرض له، أي الاستماع، مرة أخرى. فجوابه- كما أشار إليه الحافظ في الفتح- أنه يجوز أن يقع التعرض مع تحقق الإصابة لرجاء اختلاف الكلمة وإلقائها قبل إصابة الشهاب ثم لا يبالي المختطف بالإصابة لما طبع عليه من الشر. وقال أبو عثمان الجاحظ [ (2) ] : فإن قيل: كيف تعرض الجن لإحراق أنفسها بسبب سماع خبر بعد أن صار ذلك معلوما لهم؟ فالجواب: أن اللَّه تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة. الثاني: قال بعضهم: ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن الرجم بالنجوم نفسها. وقال القرطبي: ليست الشهب التي يرجم بها من الكواكب الثوابت يدل على ذلك رؤية حركاتها، والثابتة لا تجرى ولا ترى حركاتها لبعدها. وقال في موضع آخر: قال العلماء نحن نرى انقضاض الكواكب فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان، ويجوز أن يقال يرمون بشعلة من نار من الهواء فيخيل إلينا أنه نجم يرى. وقال في موضع آخر: الكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض. قال النقاش ومكي: وليست بالكواكب الجارية في السماء لأن تلك لا ترى حركتها، وهذا الراجمة ترى حركتها لأنها قريبة منا. وقال الإمام أبو عبد الله الحليمي في منهاجه: ليس فيما نتلوه من كلام ربنا عز وجل أن الشيطان يرمى بالكواكب أو النجوم. ثم أطال الكلام في تقرير أن الرمي إنما هو بالشهب وهي شعل النار، وجعل المصابيح كناية عن الشعل لا النجوم. وقال الإمام شهاب الدين أبو شامة رحمه اللَّه تعالى: الشهاب في اللغة اسم للشعلة الساطعة من النار ثم أطلق على النجم المرصد لرجم الشياطين المسترقين للسمع لأنها لما عينت لرجم الشياطين وهي الشعل من النار، أطلق عليها لفظ الشهب لهذه الملابسة والمجاورة مجازا.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 100 والترمذي (3223) وابن ماجة (194) . [ (2) ] في أالحافظ.

وهذا ظاهر كلام الشقراطيسي فإنه لما جعل ثواقب الشهب رامية بالشعل دل على أن الشهب عنده هي النجوم المرصدة لذلك. ثم قال: والمصابيح هي النجوم التي جعلها اللَّه تعالى راجمة للشياطين بالشهب، لأن النجوم تنقض بأنفسها خلف الشياطين. ثم نقل كلام الحليميّ ثم قال: لا خفاء أنه قد جاء الرمي بالنجوم مصرحا في الأحاديث وفي شعر العرب القديم. ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: أخبرني رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار قالوا: بينما هم جلوس مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار [ (1) ] . الحديث. وذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الزهري أنه سئل عن هذا الرمي بالنجوم أكان في الجاهلية قال: نعم ولكنه إذا جاء الإسلام غلّظ وشدّد. ثم ذكر أبو شامة شاهدين من كلام العرب القدماء ثم قال: ففي الجمع بين هذين وما تقدم وجهان: أحدهما أن هذا جاء على حذف المضاف للعلم به وتقديره: رمي بنار نجم وانقض انقضاض نار الكواكب وهي الشعل المعبر عنها بالشهب. فقد أخبر اللَّه تعالى في كتابه أن الذي يتبع مسترق السمع شِهابٌ مُبِينٌ [الحجر 18] وقال في موضع آخر: شِهابٌ ثاقِبٌ [الصافات 10] والشهاب عبارة عن شعلة نار وبها يحصل إحراق الجنِّي. الوجه الثاني: أن يكونوا أطلقوا لفظ النجوم على الشهب تجوزا، كما أطلقوا لفظ الشهب على النجوم لملابسة كل واحد منهما الآخر على ما قدرناه من أن النجوم ترمي الجن بشعل النار. وقال شيخه الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: إن الذي يرجم به شهب تخلق عند الرجم. ولذا قال أبو علي في قوله تعالى وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك 5] الهاء عائدة على السماء، التقدير: وجعلنا شهبها. على حذف المضاف، فصار الضمير للمضاف إليه. انتهى. الثالث: قال الإمام أبو عبد اللَّه الحليمي رحمه اللَّه تعالى: فإن قيل هذا القذف كان لأجل النبوة، فلم دام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: أنه دام بدوام النبوة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببطلان الكهانة، فلو لم تحرس السماء بعد موته فعادت الجن إلى تسمعها وعادت الكهانة، ولا يجوز ذلك بعد أن بطل لأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة في ضعفاء المسلمين ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة، فصح أن الحكمة تقتضي دوام الحراسة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1750 (124- 2229) .

وقال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: فإن قيل: إذا كان الرمي بها غلظ وشدد بسبب نزول الوحي، فهلا انقطع بانقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نشاهدها الآن يرمي بها؟. فالجواب: يؤخذ من حديث الزهري المتقدم، ففيه عند مسلم قالوا: كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فإنها لا ترمي لموت أحد ولا حياته، ولكن ربنا إذا قضى أمرا أخبر أهل السموات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون به إلى أوليائهم [ (1) ] . فيؤخذ من ذلك أن سبب التغليظ والحفظ لم ينقطع لما يتجدد من الحوادث التي تلقى بأمره إلى الملائكة، وأن الشياطين مع شدة التغليظ عليهم في ذلك بعد المبعث لم ينقطع طمعهم من استراق السمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بما بعده؟ وقد قال عمر لغيلان لما طلق نساءه: إني أحسب أن الشياطين فيما تسترق من السمع سمعت بأنك ستموت فألقت إليك ذلك الحديث. رواه عبد الرزاق وغيره. فهذا ظاهر في أن استراقهم للسمع استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقصدون استماع الشيء مما يحدث فلا يصلون إلى ذلك إلا أن يخطف أحدهم بخفة حركته خطفة فيتبعه الشهاب فإن [ (2) ] أصابه قبل أن يلقيها لأصحابه مات وإلا سمعوها وتداولوها. الرابع: هل كانت الشياطين تقذف بالشهب قبل المبعث أم حدث القذف بها بعده؟. اختلف العلماء رضي اللَّه تعالى عنهم في ذلك على قولين: نقل أبو عبد الله القرطبي رحمه اللَّه تعالى في تفسيره عن الأكثرين الأول. وبه جزم السهيلي والشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه اللَّه تعالى في أماليه وتلميذه الشيخ أبو شامة في شرح الشقراطيسية وغيرهم وصححه غير واحد واحتجوا بقوله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ [الصافات 6: 8] وبقوله تبارك وتعالى: وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [الحجر 17، 18] . قال الزركشي في شرح البردة: فهذه الآيات تدل على وجود الرجم قبل المبعث، لأنها خلقت لذلك. وكذا قوله تعالى وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً [الجن 8] وهذا إخبار عن الجن أنه كان الرجم موجودا لكنه ليس يستأصل وأنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت.

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (17674) . وابن الجوزي في زاد المسير 4/ 389. [ (2) ] في أفإذا.

وقال الإمام العلامة شمس الدين الهروي في شرح مسلم: وفي هذه الآية دليل على أن الحادث هو الملأ والكثرة، وأنهم كانوا في الأول يقعدون من السماء مقاعد لاستراق السمع ويجدون بعض المقاعد غير خالية من الحرس والشهب، والآن ملئت المقاعد كلها ولم يبق مقعد من المقاعد خاليا. وأيضاً فإن اللَّه سبحانه وتعالى ذكر فائدتين في خلق الكواكب في قوله: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك 5] وفي قوله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. وروى عبد الرزاق في تفسيره عن معمر قال: قلت للزهري: أو كان يرمى به- أي النجم- في الجاهلية؟ قال نعم. قلت: يقول اللَّه عز وجل وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً قال: غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: وهذا يوافق ظاهر القرآن لأنه خبرا عن الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً: وأخبرت الجن أنه زيد في حراسة السماء وشهبها حتى امتلأت منها ومنهم. وفي ذلك دليل على أنه كان قبل ذلك فيها حرّاس وشهب معدّة معهم. واستدلوا أيضاً بما رواه مسلم عن ابن عباس قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟» وتقدم بتمامه. واستدلوا أيضاً بما جاء في أشعار العرب القديمة من ذكر ذلك، كأوس بن حجر وعوف بن الجذع وبشر بن أبي خازم. ورجح جماعة الثاني وهو الذي صح عن ابن عباس وبه قال أبي بن كعب والشعبي ونافع بن جبير وصححه أبو عثمان الجاحظ ومال إليه أبن الجوزي وغيره، واستدلوا بأن ذلك ظاهر الأخبار لإنكار الشياطين للرمي وطلبهم بسببه ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب ومرجوعاً إليها حكمهم، حتى قطع سببها بأن حيل بين الشياطين وبين استراق السمع. وجمع المحققون بين الأخبار فقال القرطبي: يجمع بأنها لم يكن يرمى بها قبل المبعث رميا يقطع الشياطين عن استراق السمع، ولكن ترمى تارة ولا ترمى أخرى، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب، ولا ترمى من جميع الجوانب. ولعل الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً. وقال في موضع آخر: لا يبعد أن يقال: انقضاض الكواكب كان في قديم الزمان، ولكنه لم يكن رجوماً للشياطين ثم صار رجوماً حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفي هذا نظر.

وقال الحافظ: قد وجدت عن وهب بن منبه ما يرفع الإشكال ويجمع بين مختلف الأخبار. قال: كان إبليس يصعد إلى السموات كلهن يتقلب فيهن كيف شاء لا يمنع منذ أخرج آدم إلى أن رفع عيسى عليه الصلاة والسلام فحجب من أربع سموات، فلما بعث نبينا صلى الله عليه وسلم حجب من ثلاث، فصار يسترق السمع هو وجنوده ويقذفون بالكواكب. ويؤيده ما روى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حرست حرسا شديدا ورجمت الشياطين فأنكروا ذلك. ومن طريق السدي قال: إن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين ظاهر، وكانت الشياطين قد اتخذت مقاعد يستمعون فيها ما يحدث، فلما بعث محمد رجموا. وقال الإمام زين الدين بن المنير رحمه اللَّه تعالى: ظاهر الخبر أن الشهب كانت يرمى بها، وليس كذلك لما دل عليه حديث مسلم. وأما قوله تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً فمعناه أن الشهب كانت يرمى بها فتصيب تارة ولا تصيب أخرى وبعد البعثة أصابتهم إصابة مستمرة فوصفوها لذلك بالرصد، فإن الذي يرصد الشيء لا يخطئه، فيكون المتجدد دوام الإصابة لا أصلها. الخامس: في بيان غريب ما سبق: الشهاب: تقدم بيانه. علاء: بكسر العين المهملة والجيم. أنكرها: يروى بالنون وبالباء الموحدة، فمن رواه بالنون فمعناه: أدهاها رأيا من النكر بفتح النون وهو الدهاء. ومن رواه بالباء فمعناه: أشدهم ابتداء لرأي لم يسبق إليه، من البكور في الشيء. معالم النجوم: يعني النجوم المشهورة. الأنواء: جمع نوء وهو بفتح النون مهموز الآخر، وهو سقوط نجم من المنازل في المغرب من الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ثلاثة عشر يوما. قال أبو عبيد: وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما. قال أبو عبيد: ولم يسمع في الأنواء أنه السقوط إلا في هذا الموضع، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها. وقال الأصمعي: إلى الطالع منها في سلطانه، فيقولون مطرنا بنوء كذا ونهى الشارع عن قول هذا اللفظ. خطر: بخاء معجمة فطاء مهملة.

الباب الرابع في بعض ما سمع من الهواتف وتنكس الأصنام

الباب الرابع في بعض ما سمع من الهواتف وتنكس الأصنام روى ابن سعد عن تميم الدري قال: كنت بالشام حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي فلما أخذت مضجعي إذا مناد يناديني لا أراه: عذ باللَّه فإن الجن لا تجير أحدا على اللَّه. فقلت: أيم تقول؟ فقال: قد خرج رسول الأميين رسول اللَّه وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه، وذهب كيد الجن ورميت بالشهب فانطلق إلى محمد وأسلم. فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهبا وأخبرته الخبر فقال: صدق، نجده يخرج من الحرم ومهاجره الحرم، وهو خير الأنبياء فلا تسبق إليه. قال تميم: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. تفسير الغريب مضجعي: بفتح الجيم، وحكي الكسر. أيم: قال في النور: وجدته بخط ابن قرقول مضبوطا بفتح الباء وإسكان الميم وأظنه وهما، والصواب بفتح الهمزة وتشديد الياء وإسكانها وهما لغتان. والميم مفتوحة. قال في النهاية: أصله أي ما. أي: أي شيء هو، فخفف الياء وحذف ألف ما. الحجون: بفتح الحاء وضم الجيم: جبل بمكة. دير أيوب: قرية بحوران. تسبق: بضم أوله وفتح الموحدة مبني للمفعول. الشخوص: بضم الشين والخاء المعجمتين فواو ساكنة فصاد مهملة: يقال شخص من البلد شخوصا إذا ذهب. غيره: أزعجه. وروى البخاري عن عبد الله بن عمر مختصرا، وابن إسحاق عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان، وابن الجوزي عن محمد بن كعب القرظي، وأبو يعلى، والبيهقي والخرائطي عن سواد بن قارب مطولا قال ابن عمر ومحمد: إن عمر بينما هو جالس في الناس في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من العرب، قال الخشني: وهو سواد بن قارب. انتهى. داخل المسجد يريد عمر بن الخطاب، فلما نظر عمر إليه قال: إن الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد أو لقد كان كاهنا في الجاهلية. فسلم الرجل ثم جلس فقال له عمر: هل أسلمت؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فهل كنت كاهنا في الجاهلية؟ فقال له الرجل: سبحان اللَّه يا

أمير المؤمنين! لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما وليت. فقال عمر: اللَّهم غفرا قد كنا في الجاهلية على شر من هذا، نعبد الأصنام والأوثان حتى أكرمنا اللَّه تعالى برسوله وبالإسلام. قال: نعم يا أمير المؤمنين كنت كاهنا في الجاهلية. قال: فأخبرني ما جاءك به صاحبك. قال: جاءني قبيل الإسلام بشهر أو شيعه. انتهى. وقال سواد بن قارب [ (1) ] : بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني رئي فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب أتاك رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته. فرفعت رأسي وجلست فأدبر وهو يقول: عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدي ... ما صادق الجن ككذابها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس قداماها كأدبارها [ (2) ] قال: فقلت دعني أنام فإني أمسيت ناعسا. قال: فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وأخبارها ... ورحلها العيس بأكوارها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس ذوو الشر كأخيارها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ما مؤمنو الجنّ ككفّارها [ (3) ] .

_ [ (1) ] سواد بن قارب الدوسي أو السدوسي. قال البخاري وأبو حاتم والبرزنجي والدارقطني. له صحبة. [الإصابة 3/ 148] . [ (2) ] الأبيات في الروض الأنف 1/ 243. [ (3) ] الأبيات في السيرة النبوية لابن هشام 1/ 243 وتروى: عجبت للجن وإبلاسها ... وشدها العيس بأحلاسها تهوى إلى مكانة تبغي الهدي ... ما مؤمنو الجن كأنجاسها وتروى في الروض الأنف 1/ 243 وتروى: عجبت للجن وإبلاسها ... وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكانة تبغي الهدي ... ما طاهر الجن كأنجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس ذنابا الطير من رأسها

قال: قلت دعني أنام فإني أمسيت ناعسا. فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وتجساسها ... وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدي ... ما خير الجن كأنجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... وارم بعينيك إلى رأسها [ (1) ] فقمت وقلت: وقد امتحن اللَّه قلبي. فرحلت ناقتي ثم أتيت المدينة فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله فدنوت منه فقلت: اسمع مقالتي يا رسول اللَّه. قال: هات. فأنشأت أقول: أتاني رئيي بعد هدء ورقدة ... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة ... أتاك رسول اللَّه من لؤي بن غالب فشمرت عن ذيل الإزار ووسطت ... بي الذعلب الوجناء بين السباسب فأشهد أن اللَّه لا رب غيره ... وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى اللَّه يا ابن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك من وحي ربنا ... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب وكن لي شفيعا حين لا ذو قرابة ... بمغن قتيلا عن سواد بن قارب [ (2) ] قال: ففرح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمقالتي فرحا شديدا حتى رئي الفرح في وجوههم. قال عبد الله: فقال عمر عند ذلك يحدث الناس: واللَّه إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش يقال لهم آل ذريح قد ذبح لهم رجل من العرب عجلا فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت قط أنفذ منه وذلك قبل الإسلام بشهر أو شيعه وهو يقول يا آل ذريح. وفي لفظ. يا جلبح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول. لا إله إلا اللَّه.

_ [ (1) ] الأبيات في الروض الأنف 1/ 243. عجبت للحين وتنفارها ... وشدها العيس بأكوارها تهوي إلى كلمة تبغي الهوى ... ما مؤمنو الجن ككفارها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس قداماها كأدبارها [ (2) ] الأبيات في الروض الأنف 1/ 244.

وروى هشام بن محمد بن السائب عن عدي بن حاتم [ (1) ] قال: كان لي عسيف من كلب يقال له حابس بن دغنة فبينا أنا ذات يوم إذا به مروع الفؤاد فقال: دونك إبلك. فقلت: ما هاجك؟ فقال بينا أنا بالوادي إذا أنا بشيخ من شعب جبل تجاهي كأن رأسه رخمة فانحدر عما تزل عنه العقاب وهو مترسل غير منزعج حتى استقرت قدماه في الحضيض وأنا أعظم ما أرى فقال. يا حابس بن دغنة يا حابس ... لا تعرضن لفعلك الوساوس هذا سنا النور بكف قابس ... فاجنح إلى النور ولا تعابس قال: ثم غاب فروحت إبلي وسرحتها إلى غير ذلك الوادي، ثم اضطجعت فإذا راكب قد ركضني فاستيقظت فإذا هو صاحبي وهو يقول: يا حابس اسمع ما أقول ترشد ... ليس ضلول حائز كمهتد لا تتركن نهج الطريق الأقصد ... قد نسخ الدين بدين أحمد قال: فأغمي علي ثم أفقت. وروى ابن دريد في الأخبار المنثورة عن ابن الكلبي قال: كان خنافر بن التوأم كاهنا، فنزل واديا مخصبا وكان له رئي في الجاهلية ففقده في الإسلام قال: فبينا أنا ليلة في الوادي إذ هوى علي هوي العقاب قال خنافر: فقلت: شصار؟ قال: اسمع أقل. قلت: قل أسمع. قال: عه تغنم لكل ذي أمد نهاية، وكل ذي ابتداء إلى غاية. قلت: أجل. قال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، وقد انتسخت النحل ورجعت إلى حقائقها الملل، إني آنست بالشام نفرا من آل العوام، حكاما على الحكام، يرددون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف. ولا السجع المتكلف، فأصغيت فزجرت، فعاودت فظلعت، فقلت: بم تهينمون، وإلام تعتزون، فقالوا خطاب كبار. جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، لأصدق الأخبار، وأسلك واضح الأخيار، تنج من اوار النار. فقلت: وما هذا الكلام؟ قالوا: فرقان بين الكفر والإيمان. أتى به رسول الله من مضر، ثم من أهل المدر، ابتعث فظهر. فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر.

_ [ (1) ] عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعيد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي الطّائي الجواد ابن الجواد. وفد في شعبان سنة سبع، قيل: لما وفد نزع له النبي صلى الله عليه وسلم وسادة كانت تحته فألقاها له حتى جلس عليها. ولما ارتدّت العرب ثبت عدي وقومه على الإسلام، وشهد فتح المدائن، وشهد مع على حروبه. وكان أول صدقة قدم بها على أبي بكر صدقة عدي وقومه. وفقئت عينه يوم الجمل. عاش مائة وعشرين سنة. قال ابن سعد: توفي سنة ثمان وستين. [انظر الخلاصة 2/ 223/ 224.]

قلت: ومن هذا المبعوث بالآي الكبر. قال: أحمد خير البشر، فإن آمنت أعطيت الشبر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا خنافر وأقبلت إليك أبادر فجانب كل نجس كافر، وشايع كل مؤمن طاهر، وإلا فهو الفراق. قال: فاحتملت حتى أتيت معاذ بن جبل بصنعاء فبايعته على الإسلام وفى ذلك أقول: ألم تر أن اللَّه عاد بفضله ... وأنقذ من لفح الجحيم خنافرا دعاني صار للتي لو دفعتها ... لأصليت جمراً من لظى الهول جائرا وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن قوما من خثعم كانوا عند صنم لهم جلوسا وكانوا يتحاكمون إلى أصنامهم، فبينما هم عند صنمهم إذ سمعوا هاتفا يقول: يا أيها الناس ذوو الأجسام ... ومسندو الحكم إلى الأصنام أكلكم أوره كالنعام ... ألا ترون ما أرى أمامي من ساطع يجلو دجى الظلام ... ذاك نبي سيد الأنام أعدل في حكم من الأحكام ... يصدع بالنور وبالإسلام من هاشم في ذروة السنام ... مستعلن بالبلد الحرام جاء بهدم الكفر بالإسلام ... أكرمه الرحمان من إمام قال أبو هريرة: فأمسكوا ساعة حتى حفظوا ذلك ثم تفرقوا، فلم يمض بهم ثلاث حتى فجأهم خبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قد ظهر بمكة. وروى ابن شاهين عن أبي خيثمة عبد الرحمن بن أبي سبرة قال: كان لسعد العشيرة صنم يقال له قراض يعظمونه وكان سادنه رجلا منهم يقال له ابن وقشة قال عبد الرحمن فحدثني ذباب بن الحارث قال: كان لابن وقشة رئي من الجن يخبر بما يكون فأتاه ذات ليلة فأخبره بشيء فنظر إلي فقال: يا ذباب اسمع العجب العجاب، بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة فلا يجاب. فقلت له ما هذا؟ قال: لا أدري كذا قيل لي. فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وثرت إلى الصنم فكسرته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وقلت في ذلك: تبعت رسول اللَّه إذ جاء بالهدى ... وخلفت قراضا بدار هوان ولما رأيت اللَّه أظهر دينه ... أجبت رسول اللَّه حين دعاني وروى الخرائطي عن سفيان الهذلي قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كان بين

الزرقاء ومعان وقد عرسنا إذا بفارس يقول وهو بين السماء والأرض: أيها النيام هبوا فليس هذا بحين رقاد، وقد خرج أحمد وطردت الجن كل مطرد. ففزعنا ونحن رفقة حزاورة كلهم قد سمع بهذا، فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون خروج النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبد الله العماني أن مازنا الطائي كان بأرض عمان، وكان يسدن الأصنام لأهله، وكان له صنم يقال له بادر. قال مازن: فعترت ذات يوم عتيرة، وهي الذبيحة، فسمعت صوتا من الصنم يقول: يا مازن أقبل إلي أقبل، تسمع ما لا يجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل، عن حر نار تشعل، وقودها بالجندل. قال مازن: فقلت واللَّه إن هذا لعجب. ثم عترت بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا أبين من الأول وهو يقول: يا مازن اسمع تسر، ... ظهر خير وبطن شر بعث نبي من مضر، ... بدين اللَّه الكبر فدع نحيتا من حجر، ... تسلم من حر سقر قال مازن: فقلت واللَّه إن لهذا لعجب وإنه لخير يراد بي. وقدم علينا رجل من الحجاز فقلت: ما الخبر وراءك؟ قال: خرج رجل بتهامة يقول لمن أتاه: أجيبوا داعي اللَّه يقال له أحمد. فقلت: هذا واللَّه نبأ ما سمعت. فرحلت حتى أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فشرح لي الإسلام فأسلمت وقلت: كسرت بادر أجذاذا أو كان لنا ... ربا نطيف به ضلا بتضلال بالهاشمي هدانا من ضلالتنا ... ولم يكن دينه مني على بال يا راكبا بلغن عمرا وإخوتها ... أني لمن قال ربي بادر قالي قال مازن: فقلت: يا رسول اللَّه إني امرؤ مولع بالشراب والطرب وشرب الخمر والهلوك من النساء وألحت علينا السنون فأذهبن الأموال وأهزلن الذراري والرجال وليس لي ولد، فادع اللَّه أن يذهب عني ما أجد ويأتيني بالحيا ويهب لي ولدا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن وبالحرام الحلال وأته بالحيا، وهب له ولدا [ (1) ] . قال مازن: فأذهب اللَّه عني كل ما كنت أجد، وأخصب عمان وتزوجت أربع حرائر ووهب لي حيان بن

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 33 والبيهقي في دلائل النبوة 12/ 36 وذكره الهيثمي في الجمع 8/ 248.

مازن وأنشأت أقول: إليك رسول اللَّه سقت مطيتي ... تجوب الفيافي من عمان إلى العرج لتشفع لي يا خير من وطئ الثرى ... فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج إلى معشر خالفت في اللَّه دينهم ... فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي وكنت امرأ بالزغب والخمر مولعا ... شبابي حتى آذن الجسم بالنهج فبدلني بالخمر خوفا وخشية ... وبالعهر إحصانا فحصن لي فرجي فأصبحت همي في الجهاد ونيتي ... فلله ما صومي ولله ما حجي وروى ابن سعد وأبو نعيم عن نفيل بن عمرو الهذلي قال: ذبحت ذبيحة على صنم فسمعت من جوفه: العجب كل العجب، خرج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا ويحرم الذبح للأصنام، وحرست السماء ورمينا بالشهب. فتفرقنا فقدمنا مكة فلم نجد من يخبرنا بخروج محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لقينا أبا بكر الصديق فقلنا يا أبا بكر خرج بمكة أحد يدعو إلى اللَّه تعالى يقال له أحمد؟ قال: وما ذاك؟ فأخبرته الخبر، قال: نعم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهو رسول اللَّه. وروى أبو سعد النيسابوري في الشرف عن جندل بن نضلة أنه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: كان لي صاحب من الجن فأتاني فدهمني وقال: هب فقد لاح سراج الدين ... بصادق مهذب أمين فارحل على ناجية أمون ... تمشي على الصحصح والحزون فانتبهت مذعورا فقلت: ماذا؟ فقال: وساطح الأرض، وفارض الفرض لقد بعث محمد في الطول والعرض، نشأ في الحرمات العظام، وهاجر إلى طيبة الأمينة، فسرت وإذا بهاتف يقول: يا أيها الراكب المزجي مطيته ... نحو الرسول لقد وفقت للرشد وروى البيهقي وابن عساكر عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول اللَّه خرجت في الجاهلية أطلب بعيرا لي شرد فهتف لي هاتف في الصبح يقول: يا أيها الراقد في الليل الأجم ... قد بعث اللَّه نبيا في الحرم من هاشم أهل الوفاء والكرم ... يجلو دجنات الدياجي والظلم فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا فقلت:

يا أيها الهاتف في داجي الظلم ... أهلا وسهلا بك من طيف ألم بين هداك اللَّه في لحن الكلم ... ماذا الذي تدعو إليه تغتنم وإذا أنا بنحنحة قائل يقول: ظهر النور وبطل الزور وبعث محمد بالحبور ثم أنشأ يقول: الحمد للَّه الذي ... لم يخلق الخلق عبث أرسل فينا أحمدا ... خير نبي قد بعث صلى عليه اللَّه ما ... حج له ركب وحث ثم لاح الصباح فوجدت البعير. وروى أبو سعد النيسابوري في الشرف عن الجعد بن قيس قال: خرجنا أربعة أنفس نريد الحج في الجاهلية، فمررنا بواد من أودية اليمن، فلما أقبل الليل استعذنا بعظيم الوادي وعقلنا رواحلنا فلما هدأ الليل ونام أصحابي إذا هاتف من بعض أرجاء الوادي يقول: ألا أيها الركب المعرس بلغوا ... إذا ما وقفتم بالحطيم وزمزما محمدا المبعوث منا تحية ... تشيعه من حيث سار ويمما وقولوا له إنا لدينك شيعة ... بذلك أوصانا المسيح ابن مريما وروى أبو نعيم عن خويلد الضمري قال: كنا عند صنم جلوسا إذ سمعنا من جوفه صائحا يصيح: ذهب استراق السمع ورمي بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد ومهاجره إلى يثرب يأمر بالصلاة والصيام والبر وصلة الأرحام فقمنا من عند الصنم فسألنا فقالوا: خرج نبي بمكة اسمه أحمد. وروى ابن جرير والطبراني وابن أبي الدنيا وأبو نعيم والخرائطي عن العباس بن مرداس السلمي رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان أول إسلامي أن أبي لما حضرته الوفاة أوصاني بصنم له يقال له ضمار فجعلته في بيت وجعلت آتيه كل يوم، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم كنت في لقاح لي نصف النهار إذا طلعت علي نعامة بيضاء مثل القطن عليها راكب أبيض عليه ثياب بيض فقال: يا عباس بن مرداس ألم تر أن السماء كفت حراسها، وأن الحرب جرعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الذي جاء بالبر والتقى يوم الاثنين في ليلة الثلاثاء صاحب الناقة القصواء. فخرجت مرعوبا قد راعني ما سمعت وما رأيت، حتى جئت وثنا ضمار وكنا نعبده ونكلم من جوفه، فدخلت فكنست ما حوله ثم تمسحت به وقبلته فإذا صائح من جوف الصنم بالليل وهو يقول:

قل للقبائل من سليم كلها ... هلك الأنيس وعاش أهل المسجد أودى ضمار وكان يعبد مرة ... قبل الكتاب إلى النبي محمد إن الذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي قال: فكتمته الناس فلم أحدث به أحدا فلما رجع الناس من غزوة الأحزاب، فبينا أنا في إبلي بطريق العقيق من ذات عرق راقد سمعت صوتا شديدا فرفعت رأسي فإذا رجل على جناح نعامة وهو يقول: النور الذي وقع يوم الاثنين ليلة الثلاثاء مع صاحب الناقة العضباء في دار بني أخي العنقاء. فأجابه هاتف على شماله أبصره: بشر الجن وأبلاسها، أن المطي قد وضعت أحلاسها، وكلأت السماء حراسها. قال: فوثبت مذعورا وعلمت أن محمدا مرسل. وقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وأنشدته شعرا قلته وهو: لعمرك إني يوم أجعل جاهلا ... ضمارا لرب العالمين مشاركا وتركي رسول اللَّه والأوس حوله ... أولئك أنصار له ما أولائكا كتارك سهل الأرض والحزن يبتغي ... ليهلك في كل الأمور المهالكا فآمنت باللَّه الذي أنا عبده ... وخالفت من أمسى يريد المهالكا ووجهت وجهي نحو مكة قاصدا ... أبايع بين الأخشبين المباركا نبي أتى من بعد عيسى بناطقٍ ... من الحق فيه الفضل فيه كذلكا أمين على الفرقان أول شافع ... وأول مبعوث يجيب الملائكا تلاقي عرى الإيمان بعد انتفاضها ... فأحكمها حتى أقام المناسكا وروى أبو نعيم عن راشد بن عبد ربه قال: كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلاة تدين له هذيل وبنو ظفر من سليم فأرسلت بنو ظفر راشد بن عبد ربه بهدية بني سليم إلى سواع، قال: فأتيته فألفيت مع الفجر إلى صنم قبل سواع فإذا صارخ يصرخ من جوفه: العجب كل العجب، خروج نبي من بني عبد المطلب يحرم الزنا والربا والذبح للأصنام، وحرست السماء ورمينا بالشهب ثم هتف صنم آخر من جوفه: ترك الضمار وكان يعبد، وخرج نبي اسمه أحمد، نبي يصلي الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام والصلة للأرحام. ثم هتف من جوف صنم آخر هاتف: إن الذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي قال راشد: فألفيت عند سواع مع الفجر ثعلبين يلحسان ما حوله ويأكلان ما يهدى إليه

ثم يعرجان عليه ببولهما فعند ذلك يقول راشد: أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب وذلك عند مخرج النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن الجوزي عن بشير الهذلي قال: خرجنا من عيراتنا إلى الشام فلما كنا بين الزرقاء ومعان وقد عرسنا من الليل إذا نحن بفارس يقول: أيها الناس هبوا فليس هذا بحين رقاد، قد خرج أحمد وطرد الجن كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة حزاورة كلهم قد سمع هذا فرجعنا إلى أهلينا فإذا هم يذكرون اختلافا بمكة بين قريش بسبب نبي قد خرج من بني عبد المطلب اسمه أحمد. وروى الروياني وابن عساكر عن خريم بن فاتك [ (1) ] ، والطبراني وابن عساكر من طريق آخر عنه، قال: بينا أنا في طلب نعم لي إذ جنني الليل بأبرق العذيب فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهائه، وإذا هاتف يقول: ويحك عذ باللَّه ذي الجلال ... منزل الحرام والحلال ووحد اللَّه ولا تبالي ... ما كيد ذي الجن من الأهوال إن تذكر اللَّه على الأميال ... وفي سهول الأرض والجبال قد صار كيد الجن في سفال ... إلا التقى وصالح الأعمال فقلت له: يا أيها الهاتف ما تقول ... أرشد عندك أم تضليل فقال: هذا رسول اللَّه ذو الخيرات ... جاء بياسين وحاميمات وسور بعد مفصلات ... يأمر بالصلاة والزّكاة ويزجر الأقوام عن هنات ... قد كن في الأنام منكرات فقلت: من أنت؟ فقال: أنا مالك بن مالك الجني. وفي رواية الروياني عن عمرو بن أثال قال: بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على جن نجد فانبعثت راحلتي فقلت:

_ [ (1) ] خريم: بالتصغير، ابن فاتك الأسدي، أبو يحيى، وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك، نسب لجد جده، صحابي، شهد الحديبية، ولم يصح إنه شهد بدرا، مات بالرّقة في خلافة معاوية. [التقريب 1/ 223.]

أرشدني راشد هديت ... لا جعت ولا عريت ولا برحت سيدا مقيتا قال فاتبعني وهو يقول: صاحبك اللَّه وسلم نفسكا ... وبلغ الأهل وأدى حلكا آمن به أفلح ربي حقكا ... وانصره أعز ربي نصركا فقلت: لو كان لي من يكفيني إبلي هذه لأتيته حتى أومن به. قال: أنا أكفيكها حتى أؤديها إلى أهلك سالمة. فاعتقلت بعيرا منها ثم أتيت المدينة فوافيت الناس يوم الجمعة وهم في الصلاة فقلت: يقضون الصلاة ثم أدخل، فبينا أنا أنيخ راحلتي إذ خرج إلي أبو ذر. وعند الروياني: أبو بكر الصديق- فقال: ادخل فقد بلغنا إسلامك. قلت: لا أحسن الطهور فعلمني فدخلت المسجد ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر كأنه البدر وهو يقول: «ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يحفظها ويعقلها إلا دخل الجنة» [ (1) ] . فلما رآني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك سالمة؟ أما إنه قد أداها إلى أهلك سالمة. قلت: رحمه اللَّه. قال: أجل رحمه اللَّه تعالى [ (2) ] . وروى الأموي والفاكهي وأبو نعيم عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تعالى عنهما قالا: لما ظهر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام رجل من الجن على أبي قبيس فقال: قبح اللَّه رأي كعب بن فهر ... ما أرق العقول والأحلام دينها أنها تعنف فيها ... دين آبائها الحماة الكرام حالف الجن جن بصرى عليكم ... ورجال النخيل والآطام توشك الخيل أن تروها تهادى ... تقتل القوم في حرام بهام هل كريم منكم له نفس حر ... ماجد الوالدين والأعمام ضارب ضربة تكون نكالا ... ورواحا من كربة واغتمام فأصبح هذا الحديث قد شاع بمكة، وأصبح المشركون يتناشدونه بينهم وقالوا:

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 251 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 31 وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 252 والمتقي الهندي في الكنز (18980- 37042) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 252 والحاكم في المستدرك 3/ 621 وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 251 والمتقي الهندي في الكنز (37041) .

تفسير الغريب

توانيتم حتى حرضتكم الجن وهموا بالمؤمنين فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هذا شيطان يكلم الناس يقال له مشعر ولم يعلن شيطان بتحريض نبي إلا قتله اللَّه تعالى. فمكثوا ثلاثة أيام فإذا هاتف على الجبل يقول: نحن قتلنا مسعرا* لما طغى واستكبرا وسفه الحق وسن المنكرا* بشتمه نبينا المطهرا قنعته سيفا جروفا أبترا* إنا نذود من أراد البطرا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذاكم عفريت من الجن يقال له سمحج وقد سميته عبد الله آمن بي فأخبرني أنه في طلبه منذ أيام حتى قتله [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن زميل ويقال زمل بن عمرو العذري، قال: كان لبني عذرة صنم يقال له خمام، وكانوا يعظمونه وكان سادنه يقال له طارق وكانوا يعترون عنده، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا يقول: يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق، بوحي ناطق، صدع صدعته بأرض تهامة، لناصرية السلامة ولخاذلية الندامة، هذا الوداع مني إلى يوم القيامة. قال زمل: فوقع الصنم لوجهه. قال زمل: فابتعت راحلة ورحلت عليها حتى أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومي فأنشدته شعرا قلته: إليك رسول اللَّه أعملت نصها ... أكلفها نصا وقوزا من الرمل لأنصر خير الخلق نصرا مؤزرا ... وأعقد حبلا من حبالك في حبلي وأشهد أن اللَّه لا شي غيره ... أدين له ما أثقلت قدمي نعلي وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال: لما بعث اللَّه تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أصبح كل صنم منكسا فأتت الشياطين إبليس فأخبروه قال: هذا نبي قد بعث فالتمسوه. فقالوا: لم نجده فقال: أنا صاحبه. فخرج إبليس فوجده بمكة فرجع إلى الشياطين فقال: قد وجد ومعه جبريل. وروى أيضاً عن مجاهد قال: رن إبليس أربع مرات: حين لعن وحين أهبط وحين بعث النبي صلى الله عليه وسلم وحين أنزلت الحمد للَّه رب العالمين. والآثار في هذا الباب كثيرة. تفسير الغريب سواد: بفتح السين المهملة وواو مخففة فألف فدال مهملة.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 30 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 348.

قارب: بقاف فألف فراء مكسورة فموحدة. الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار. شهر أو شيعة: بشين معجمة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة. فعين مهملة مكسورة يعني أو دونه بقليل. يا سواد بن قارب: يجوز فتح سواد وضمه ونصب ابن وضمه وهو قليل. تطلابها: بفتح المثناة الفوقية. العيس: بعين مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فسين مهملة، وهي الإبل البيض مع شقرة واحدها أعيس وعيساء وهي منصوبة على أنها مفعول المصدر وهو الشد. الصفوة: بتثليث الصاد، وهو خلاصة الشيء، وخياره، والمراد النبي صلى الله عليه وسلم. أنام: هذا جائز في جواب الأمر والأكثر أنم وكذا التي بعدها. اعقل: بكسر القاف، وكذا يعقل الثانية، والوصل. لؤي: بالهمز وتركه. تخبارها: بمثناة فوقية مفتوحة. ككفارها: بضم الكاف. تجساسها: بتاء مفتوحة فوقية فجيم فسين فألف فسين أخرى مهملتين والتجسس: التفتيش عن بواطن الأمور. الأحلاس [ (1) ] : بحاء وسين مهملتين جمع حلس وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب. ما خير: بتشديد الياء وتخفيفها، ولا يجوز هنا للوزن. رحلت ناقتي: بتخفيف الحاء أي جعلت عليها رحلها. ثم أتيت المدينة: كذا في رواية. وفي رواية: حتى أتيت مكة. قال البيهقي: وهذه الثانية أقرب إلى الصحة من الأولى. هات: بكسر التاء أي أعطني. أنشأت: ابتدأت.

_ [ (1) ] انظر اللسان 2/ 961.

هدى: بهاء مفتوحة فدال مهملة ساكنة فهمزة. والهدى والهدأة بمعنى، تقول: جاءني بعد هدى وبعد هدأة. أي بعد ثلث من الليل أو ربعه وبعد ما هدأ الناس أي ناموا. بلوت: اختبرت. الذعلب: بذال معجمة مكسورة فعين مهملة ساكنة فلام مكسورة فموحدة وهي الناقة السريعة وكذا الذعلبة. الوجناء: بواو مفتوحة فجيم ساكنة فنون فألف ممدودة وهي الغليظة الصلبة وقيل العظيمة الوجنتين. السباسب [ (1) ] : بسينين مهملتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبعد كل سين باء موحدة وهي المفازة أو الأرض المستوية. أدنى: أقرب. الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير. آل ذريح: بذال معجمة مفتوحة فراء مكسورة فمثناة تحتية فحاء مهملة. قال السهيلي: وكأنه نداء للعجل المذبوح كقولهم: أحمر ذريحي أي شديد الحمرة فصار وصفا للعجل الذبيح من أجل الدم. ومن رواه: «يا جليح» فمآله إلى هذا المعنى لأن العجل قد جلح أي كشف عنه الجلد. وذكر قبله: يا جليح ونقل عن بعض أشياخنا أنه اسم شيطان، والجليح في اللغة: ما تطاير من رؤوس النبات وخف، كالقطن وشبهه، الواحدة جلحة، ثم ذكر ما تقدم. وقال ابن الأثير في النهاية: جليح اسم رجل قد ناداه. العسيف: الأجير. دغنة: بدال مهملة فغين معجمة فنون فهاء. مروع الفؤاد: خائف القلب. هاجك: فزعك وأثارك من مكانك. الحضيض: القرار. من الأرض عند منقطع الجبل. القابس: طالب النار. خنافر: بخاء معجمة فنون فألف ففاء فراء. شصار: بشين معجمة فصاد مهملة مخففة.

_ [ (1) ] انظر اللسان 3/ 1921.

يتاح: يقدر. حول: تحول. انتسخت: زالت. النحل: بكسر النون وفتح الحاء: الملل. آنست: بمد الهمزة. أبصرت. العدام.... الخفي. الرونق: الحسن. أصغيت: استمعت. زجرت: بضم أوله من الزجر. تهينمون: الهينمة: الصوت الخفي. إلام تعتزون: تنتسبون. كبار: بضم الكاف يقال كبير وكبار بالتخفيف أي عظيم، فإذا أفرط في العظم قيل: كبار. بالتشديد. أوار النار [ (1) ] : بضم الهمزة: حرها. المدر هنا: القرى والأمصار. ابتعث: بباء موحدة ساكنة فمثناة فوقية مضمومة من البعث. بهر: غلب غيره وفضله. النهج: الطريق الواضح. دثر: درس. الشبر: بشين معجمة فباء موحدة مفتوحات فراء: العطية. شايع: فعل أمر: تابع وانصر. الأورة: بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فراء مفتوحة فهاء لا تاء: هو الحمق وقيل الخرق ورجل أوره وامرأة ورهاء، وقد ورهت توره. الكهام: بكاف مفتوحة فهاء مخففة: السيف الكليل. ولسان كهام أي عيي أو كليل لم يغن شيئاً. وفرس كهام: أي بطيء- وكأن ذا في الأصل- واللَّه تعالى أعلم- مأخوذ من هذا، فيكون معنى الكلام: أكلكم أحمق أو أخرق عيي أو كليل لم يغن شيئاً، أو بطيء عن الحق. الدجا: بدال مهملة مضمومة فجيم فألف الليل المظلم.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 1/ 169 والمعجم الوسيط 1/ 32.

الذروة: بضم الذال المعجمة وكسرها أعلى الشيء. بهد: بفتح الهاء وتشديد الدال. فجأهم بغتة: بجيم مكسورة فهمزة مفتوحة أي جاءهم بغتة. قراض: بقاف فراء مشددة فألف فضاد معجمة ساقطة. ذباب: بلفظ الطائر المعروف. مازن: بميم فألف فزاي فنون. الغضوبة: بغين مفتوحة فضاد معجمة فواو ساكنة فموحدة مفتوحة فتاء تأنيث. السادن: الخادم. العتيرة: بعين مهملة مفتوحة فمثناة فوقية فتحتية ساكنة فراء فتاء تأنيث وهي شاة كانوا يذبحونها في رجب لأصنامهم. تسر: بضم المثناة الفوقية وفتح السين المهملة مبنى المفعول. الكبر: بضم الكاف وفتح الموحدة جمع كبرى، وفي الكلام حذف مضاف محذوف تقديره شرائع دين اللَّه الكبر. أقبل إلي أقبل: بفتح الهمزة وكسر الموحدة فيهما. ما لا يجهل: بالبناء للمفعول. فآمن به: بمد الهمزة وكسر الميم، من الإيمان. يعدل: بالبناء للمفعول. وكذا تشعل. وقودها: بفتح الواو ما توقد به النار كالحطب. الجندل [ (1) ] : بجيم مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة: الحجارة. الجذاذ [ (2) ] : بجيم مضمومة وتكسر وذالين معجمتين: أي قطعا وكسرا. بادر: بباء موحدة وبعد الألف دال مهملة مكسورة ثم راء. قال في النور: كذا أحفظه. ضلا [ (3) ] : بضم الضاد المعجمة الساقطة. يقال للباطل ضل بتضلال. عمرا: أراد به بني الصامت وإخوتها.

_ [ (1) ] لسان العرب 1/ 699. [ (2) ] المفردات للراغب 90. [ (3) ] المعجم الوسيط 1/ 543.

قال: مبغض وإثبات الياء فيه للوزن. مولع: بفتح اللام أي مغرم به. الهلوك [ (1) ] : بفتح الهاء وضم اللام المخففة وآخره كاف. قال في الصحاح: الهلوك من النساء الفاجرة المتساقطة على الرجال فلا يقال رجل هلوك. ألحت علينا السنون: أي دامت أيام الجدب. الذراري: بفتح الياء وتشديدها. الحيا: بفتح الحاء والقصر: المطر والخصب. ريا. بكسر الراء وتفتح. العهر: بفتح العين المهملة وإسكان الهاء: الزنا. حيان: بفتح الهاء المهملة وتشديد المثناة التحتية. خبّت: بخاء معجمة مفتوحة فباء موحدة مشددة فمثناة فوقية كما في عدة نسخ من العيون: من السير الخبب وهو دون الإسراع. تجوب: بالجيم والموحدة: تقطع. الفيافي: بفتح الفاء الأولى وكسر الثانية: الصحارى الملس واحدها فيفاء. الفلج: بضم الفاء وإسكان اللام وهو الفوز والظفر. الشرج [ (2) ] : بشين معجمة فراء ساكنة فجيم، يقال ليس هو من شرجه: أي ليس من طبيعته وشكله. الرغب [ (3) ] : بضم الراء وإسكان الغين المعجمة ثم موحدة سعة البطن وكثرة الأكل، ويروى بالزاي المفتوحة فعين مهملة ساكنة فموحدة: يعني الجماع: قال في النهاية: وفيه نظر. يقال رغب المرأة إذا جامعها فملأها منيا، يزغبها كمنع يمنع. آذن: بمد الهمزة: أعلم. النهج: بفتح النون وإسكان الهاء وبالجيم: قال في النور: أي البلاء. فلله ما صومي: ما في البيت مكررة زائدة في الموضعين، وتقديره فلله صومي وحجي. ناجية: سريعة. أمون: أي مأمون. الحزون جمع حزن: ما غلظ من الأرض.

_ [ (1) ] لسان العرب 6/ 4688. [ (2) ] اللسان 4/ 2227. [ (3) ] لسان العرب 2/ 1679.

المزجي: السائق. المطية: البعير، فعيلة بمعنى مفعولة لأنه يركب مطاه أي ظهره، ذكرا كان أو أنثى. الليل الأجم: الطويل. دجنات الظلم: بضم الدال المهملة والجيم وتشديد النون جمع دجنة، وهي الظلمة والدياجي: الليالي المظلمة. الحبور: السرور. السلمي: بضم السين المهملة. ضمار: بضاد ساقطة معجمة مكسورة فميم مخففة فألف فراء مكسورة، ووقع في بعض نسخ السيرة بضم الضاد. أودى: بدال مهملة: هلك. زميل: بالتصغير ويقال زمل بكسر الزاي وإسكان الميم وباللام. العذري: بعين مهملة مضمومة فذال معجمة فراء فياء نسب. خمام: بخاء معجمة مضمومة فميم مخففة. الشرك: بالنصب مفعول والإسلام فاعل. هالنا: أفزعنا. أعمل الناقة: حثها وساقها. نصها [ (1) ] : بنون مفتوحة وصاد مهملة مشددة يقال نص في سيره: دفع وأسرع. والنص: منتهى الغاية. الحزن: بحاء مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فنون وهو ما غلظ من الأرض. قوزا [ (2) ] : بقاف مفتوحة فواو ساكنة فزاي وهو الكثيب الصغير، عند أبي عبيدة، والجمع أقواز وقيزان. وفي النهاية: القوز بالفتح: العالي من الرمل كأنه جبل. حبلا: بالحاء المهملة واحد الحبال قال في النور: والظاهر أن مراده العهد والميثاق فإنهما يقال لهما حبل. أدين له: بفتح الهمزة وكسر الدال: أطيع وأخضع.

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 608. [ (2) ] لسان العرب 4/ 2773.

الباب الخامس في قدر عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها

الباب الخامس في قدر عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها قال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى في شرح مسلم: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس الأربعين سنة، هذا هو المشهور الذي أطبق عليه العلماء. وقال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: إنه الصحيح عند أهل السير والعلم بالأثر. وحكى القاضي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة والصواب الأول. وقال شيخ الإسلام البلقيني رحمه اللَّه تعالى: كان سن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل في غار حراء أربعين سنة على المشهور. وقيل ويوما. وقيل وعشرة أيام. وقيل وشهرين وقيل وسنتين وقيل وثلاثة. وقيل وخمس. قال: وكان ذلك يوم الاثنين نهارا. واختلف في الشهر. فقيل شهر رمضان في سابع عشره وقيل سابعه. وقيل رابع عشره. وقال الحافظ: ورمضان هو الراجح لما سيأتي من أنه الشهر الذي جاور فيه في حراء فجاءه الملك. وعلى هذا يكون سنه حينئذ أربعين سنة وستة أشهر. وقيل في سابع عشر شهر رجب. وقيل في أول شهر ربيع الأول. وقيل في ثامنه. وعند أبي داود الطيالسي ما يقتضي أن مجيء جبريل لرسول اللَّه عليهما الصلاة والسلام في حراء كان في آخر شهر رمضان. قال الحافظ: ولعله الراجح. وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: أنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد: بعثه اللَّه تعالى على رأس الأربعين وهي سن الكمال. قيل: ولها تبعث الرسل. وأما ما يذكر عن المسيح أنه رفع إلى السماء وله ثلاث وثلاثون فهذا لا يعرف به أثر متصل يجب المصير إليه. انتهى. والأمر كما قال: فإن ذلك يروى عن وهب بن منبه قال: إن النصارى تزعم. فذكر الحديث إلى أن قال: وإنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة رواه الحاكم. وفي سنده

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 652 (3547) وقد تقدم تخريجه.

عبد المنعم بن إدريس كذبوه، ولو صح سنده فإنه عن النصارى كما ترى. وعن الحسن رواه ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر وهو كذاب يضع [ (1) ] ، لكنه قال ابن أربع وثلاثين. ورواه الحاكم عن سعيد بن المسيب وفي سنده علي بن زيد وهو ضعيف. ويأتي في الوفاة النبوية أحاديث صحيحة تدل على أنه رفع وهو أبن مائة وعشرين سنة. الثاني: قال ابن الجوزي: حديث: «ما من نبي نبئ إلا بعد الأربعين» [ (2) ] موضوع. لأن عيسى عليه الصلاة والسلام نبئ ورفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فاشتراط الأربعين في حق الأنبياء ليس بشيء. انتهى. وما ذكره في قدر عمر عيسى لما رفع يرده ما سبق عن ابن القيم وسيأتي في أبواب الوفاة حديث عائشة إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه لفاطمة إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني بالقرآن العام مرتين وأخبرني أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله وأخبرني أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين. رواه الطبراني ورجاله ثقات وله طرق تأتي في الوفاة. والمشهور عند الجمهور كما قال الحافظان ابن كثير وابن حجر أنه صلى الله عليه وسلم بعث في شهر رمضان. وصححه الإمام علاء الدين علي بن محمد الخازن. زاد الحافظ: لما تقدم أنه الشهر الذي جاء فيه إلى حراء فجاءه الملك. وعكس ابن القيم فقال في زاد المعاد: قيل إنه بعث لثمان مضين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل. وهذا قول الأكثرين. ثم حكى أنه كان في رمضان. وجمع بعضهم بين القولين بأنه صلى الله عليه وسلم نبئ بالرؤيا في شهر مولده ثم كانت مدتها ستة أشهر ثم أوحي إليه في اليقظة. ولهذا مزيد بيان في التنبيه السابع من الباب الثامن. وكان ذلك يوم الاثنين. وروى مسلم عن أبي قتادة رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه وفيه بعثت أو قال أنزل على فيه» [ (3) ] .

_ [ (1) ] في أ: يقع. [ (2) ] ذكره القاري في الأسرار المرفوعة (808) ونقل وجزم ابن الجوزي بوضعه وقال: ويعارضه نص قوله تعالى في يحيى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم 12] وقوله سبحانه في يوسف وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا [يوسف 15] الآية. ولو ثبت يحمل على الغالب وذكره كذلك العجلوي في كشف الخفا 2/ 271 والسيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (139) . [ (3) ] أخرجه مسلم 2/ 819 (197- 1162) .

وروى محمد بن عمر الأسلمي، عن أبي جعفر الباقر قال: كان ابتداء الوحي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان. وروى الإمام أحمد وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل اللَّه القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 107 وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 197 والسيوطي في الدر 1/ 9 والسيوطي في الجامع الكبير (4536) .

الباب السادس في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة وسلام الحجر والشجر عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب السادس في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة وسلام الحجر والشجر عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح [ (1) ] . رواه البخاري. وروى أبو نعيم عن علي بن الحسين رضي اللَّه تعالى عنه وعن آبائه قال: إن أول ما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى شيئاً في المنام إلا كان كما رأى. وروى أيضاً عن علقمة بن قيس قال: أن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم ثم ينزل الوحي. وروى أيضاً البيهقي عن الزهري رحمه اللَّه تعالى قال: بلغنا أن أول ما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن اللَّه تعالى أراه رؤيا فشق ذلك عليه فذكرها لخديجة فقالت أبشر فإن اللَّه لن يصنع بك إلا خيرا. وروى ابن سعد عن برة بنت أبي تجراة- بكسر الفوقانية وسكون الجيم- قالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أراد اللَّه كرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه. وكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا. وروى الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن» [ (2) ] . وقال عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان العلاء بن جارية- بجيم وراء- الثقفي، وكان واعية، عن بعض أهل العلم، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أراد اللَّه تعالى كرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وأوديتها فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه. فيلتفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة وهي تحييه بتحية النبوة: السلام عليك يا رسول اللَّه.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 585 (4953) . [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1782 (2- 2277) وأحمد في المسند 5/ 89- 95.

تنبيهان

رواه ابن إسحاق. وروى ابن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه رحمهما اللَّه تعالى إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يا خديجة إني أرى ضوءا وأسمع صوتا لقد خشيت أن أكون كاهنا. قالت: أن اللَّه تعالى لا يفعل ذلك بك إنك تصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتصل الرحم. وروى ابن الجوزي عن ابن عباس قال: أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة: سبعا يرى الضوء والنور ويسمع الصوت، وثماني سنين يوحى إليه. وقال الخازن [ (1) ] : وهذا إن صح فيحمل على سنتين قبل النبوة فيما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يراه من تباشير النبوة، وثلاث سنين بعد النبوة قبل إظهار الدعوة وعشر سنين معلنا بالدعوة بمكة. تنبيهان الأول: قال السهيلي في بعض السمندات: إن هذا الحجر الذي كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم هو الحجر الأسود. وهذا التسليم الأظهر فيه أن يكون حقيقة ويكون اللَّه تعالى أنطقه إنطاقا، كما خلق الحنين في الجذع. ولهذا مزيد بيان في المعجزات. الثاني: قال القاضي وغيره رحمهم اللَّه تعالى: وإنما ابتدئ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوة بغتة فلا تحملها القوى البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامة ومن صدق الرؤيا وما جاء في الحديث الآخر من رؤية الضوءة وسماع الصوت وتسليم الحجر والشجر عليه بالنبوة حتى استشعر عظيم ما يراد به واستعد لما ينتظره فلم يأته الملك إلا بأمر عنده مقدماته. واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] علي بن محمد بن إبراهيم الشيحيّ علاء الدين المعروف بالخازن: عالم بالتفسير والحديث، من فقهاء الشافعية. بغدادي الأصل، ولد ببغداد، وسكن دمشق مدة، وكان خازن الكتب بالمدرسة السميساطية فيها. وتوفي بحلب. له تصانيف، منها «لباب التأويل في معاني التنزيل» يعرف بتفسير الخازن، و «عدة الأفهام في شرح عمدة الأحكام» في فروع الشافعية، توفي 741 هـ[الأعلام 5/ 5] .

الباب السابع فيما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل صلى الله عليه وسلم

الباب السابع فيما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد في تاريخه بسند صحيح عن عامر الشعبي قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة، عشرا بمكة وعشرا بالمدينة، فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة. وهذا يقتضي أن إسرافيل قرن معه بعد الأربعين ثلاث سنين، ثم جاءه جبريل. قال الإمام أبو شامة [ (1) ] رحمه اللَّه تعالى: وحديث عائشة- أي الآتي في الباب بعده- لا ينافي هذا فإنه يجوز أن يكون أول أمره الرؤيا، ثم وكل به إسرافيل في تلك المدة التي كان يخلو فيها بحراء فكان يلقي إليه الكلمة بسرعة ولا يقيم معه تدريجا وتمرينا، إلى أن جاءه جبريل فعلمه بعد ما غطه ثلاث مرات. فحكت عائشة ما جرى له مع جبريل ولم تحك ما جرى له مع إسرافيل اختصارا للحديث، أو لم تكن وقفت على قصة إسرافيل. انتهى. وذكر بعض العلماء في حكمة مجيء إسرافيل إليه أنه الموكل بالنفخ في الصور، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث قرب الساعة وكانت بعثته من أشراطها، فبعث إسرافيل لهذه المناسبة ولم يبعث إلى نبي قبله. وقد أنكر الواقدي رحمه اللَّه تعالى خبر الشعبي وقال: لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل. قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه، فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم. انتهى. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى في فتاويه: قد ورد ما يوهي أثر الشعبي، وهو ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: يا محمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط. قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة

_ [ (1) ] عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي، أبو القاسم، شهاب الدين، أبو شامة: مؤرخ، محدث، باحث. أصله من القدس، ومولده في دمشق، وبها منشأه ووفاته. ولي بها مشيخة دار الحديث الأشرفية، له «كتاب الروضتين في أخبار الدولتين: الصلاحية والنورية» و «مختصر تاريخ ابن عساكر» خمسة مجلدات، و «المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز» وغير ذلك. ووقف كتبه ومصنفاته جميعها في الخزانة العادلية بدمشق، فأصابها حريق التهم أكثرها. ولقب أبا شامة، لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر. توفى سنة 665 هـ[انظر الأعلام 3/ 299] .

الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منها إلا أوتيته [ (1) ] . قال جماعة من العلماء إن هذا الملك إسرافيل. انتهى كلام الشيخ. وروى الطبراني والبيهقي في الزهد بسند حسن عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل على الصفا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا جبريل والذي بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سفه دقيق ولا كف من سويق. فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدة من السماء أفزعته فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أمر اللَّه القيامة أن تقوم؟ فقال: لا ولكن أمر إسرافيل فنزل إليك حتى يسمع كلامك فأتاه إسرافيل فقال: إن اللَّه تعالى بعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض وأمرني أن أعرض إليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة. فقلت: فإن شئت نبيا ملكا وإن شئت نبيا عبدا؟ فأومأ إليه جبريل: أن تواضع. فقال بل نبياً عبداً. ثلاثاً [ (2) ] . ورواه ابن حبان في صحيحه مختصرا من حديث أبي هريرة ولفظه: جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنظر إلي السماء فإذا ملك ينزل فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة. وذكر الحديث. فظهر أن المعتمد ما مشى عليه الواقدي رحمه اللَّه تعالى.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 554 (254- 806) . [ (2) ] ذكره المنذري في الترغيب والترهيب 5/ 157 حديث (112) وعزاه للطبراني بإسناد حسن والبيهقي في الزهد.

الباب الثامن في كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن في كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ورد ذلك من حديث: خديجة رضي اللَّه تعالى عنها. رواه البيهقي. وعائشة رضي اللَّه تعالى عنها. رواه الشيخان. وعبيد بن عمير الليثي [ (1) ] . رواه ابن إسحاق. وابن الجوزي في الوفا. وسعيد بن المسيب. رواه موسى بن عقبة. وسليمان بن طرخان التيمي [ (2) ] . رواه أبو نعيم وابن عساكر. وعمرو بن شرحبيل. رواه البيهقي وأبو نعيم. وابن شهاب. رواه أبو نعيم والبيهقي. وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رواه الدولابي: أن أول ما بدئ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة- وفي رواية: الصادقة- في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فرأى وهو بمكة أن آت أتاه ومعه صاحبان له فنظروا إليه فقالوا: هو هو ولم يأن له بعد. فهاله ذلك وذكره لعمه فقال: يا بن أخي ليس بشيء، حلمت. ثم رجع إليه بعد ذلك فقال: يا عم سطا بي الرجل الذي ذكرت لك فأدخل يده في جوفي حتى أجد بردها. فخرج به عمه إلى رجل من أهل الكتاب يتطيب بمكة فحدثه حديثه وقال عالجه فصوب به وصعد وكشف عن قدميه ونظر بين كتفيه وقال: يا عبد مناف ابنك هذا طيب طيب، للخير فيه علامات، إن ظفرت به يهود قتلته، وليس الرئي من الشيطان ولكنه من النواميس الذين يتحسسون القلوب للنبوة. فرجع به. ثم رأى في منامه أن سقف بيته نزعت منه خشبة وأدخل فيه سلم من فضة ثم نزل إليه رجلان، فأراد أن يستغيث فمنع الكلام فقعد أحدهما إليه والآخر إلى جنبه، فأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، فأدخل يده في جوفه ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجد بردها فأخرج قلبه

_ [ (1) ] عبيد بن عمير بن قتادة الليثي أبو عاصم المكي القاص مخضرم قال ثابت: أول من قص عبيد بن عمير وثقه أبو زرعة. قيل: توفي سنة أربع وستين. [الخلاصة 2/ 203] . [ (2) ] سليمان بن طرخان التيمي نزل فيهم، أبو المعتمر البصري أحد سادة التابعين علما وعملا عن أنس وأبي عثمان النّهدي وطاوس ويحيى بن يعمر. وعنه ابنه المعتمر وشعبة وابن المبارك وابن عليّة وخلق. قال ابن المديني: له نحو مائتي حديث. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث يصلي الليل كله بوضوء العشاء الآخرة. وقال حماد بن سلمة: كنا نرى أن سليمان لا يحسن يعصي اللَّه تعالى. ولم يضع جنبه بالأرض عشرين سنة. قال ابن سعد: توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة، عن تسع وتسعين، قال ابنه المعتمر. [الخلاصة 1/ 414] .

فوضعه على كفه فقال لصاحبه: نعم القلب قلب رجل صالح. فطهر قلبه وغسله ثم أدخل القلب مكانه ورد الضلعين، ثم ارتفعا ورفعا سلمهما فإذا السقف كما هو، فذكر لخديجة بنت خويلد فقالت له: أبشر فإن اللَّه لا يصنع بك إلا خيرا هذا خير فأبشر. وفي حديث عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أيضاً جبريل ومعه نمط من ديباج فيه كتاب فقال له اقرأ. فقال له: ما أقرأ. فغته به حتى ظن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال: اقرأ. قال: ما أقرأ. فغته به حتى ظن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال له اقرأ. قال: ماذا أقرأ- ما قال ذلك إلا افتداء منه أن يعود إليه بمثل ما صنع- قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 1] فقرأها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم انتهى فانصرف جبريل وهب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نومه، قال: فكأنما كتب في قلبي كتابا، فذكر ذلك الخديجة فقالت: أبشر فإن اللَّه لا يصنع بك إلا خيرا. ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو شهر رمضان بغار حراء- وفي لفظ يلحق- ومعه أهله فيتحنث- وفي لفظ: فيتحنف- فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل إن ينزع- وفي لفظ: يرجع- إلى أهله ويتزود لذلك ويطعم من جاءه من المساكين، فإذا رجع من جواره كان أول ما يبدأ به إذا انصرف قبل أن يدخل بيته الكعبة، فيطوف بها سبعا أو ما شاء اللَّه، ثم يرجع إلى بيته فيتزود لمثلها. فقال لخديجة يوما: لما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً فنظرت عن شمالي فلم أر شيئاً فرفعت رأسي فرأيت شيئاً بين السماء والأرض فقلت: دثروني دثروني وصبوا علي ماء باردا. وفي رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت: كان أول شأنه يرى في المنام، وكان أول ما رأى جبريل بأجياد وصرخ جبريل: يا محمد أنا جبريل. فنظر يمينا وشمالا فلم يرى شيئاً فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال: يا محمد أنا جبريل. فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئاً، ثم خرج عنهم فناداه ثم هرب ثم استعلن جبريل من قبل حراء. انتهى. وفي رواية: إني إذا خلوت وحدي أرى ضوءا وأسمع نداء: يا محمد أنا جبريل. وقد واللَّه خشيت أن يكون هذا أمرا. فقالت: معاذ اللَّه ما كان اللَّه ليفعل ذلك بك، إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث. فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له وقالت: اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل فإنه رجل يقرأ الكتب فيذكر له ما يسمع. فانطلقا إليه فقصا عليه فقال: إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد أنا جبريل. فأنطلق هاربا،

فقال ورقة: سبوح سبوح! وما لجبريل يذكر في هذه الأرض التي يعبد فيها الأوثان، جبريل أمين اللَّه تعالى على وحيه بينه وبين رسله، لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني. فخرج ذات ليلة فسمع: السلام عليكم قال فظنها فجأة الجن، فجاء مسرعا حتى دخل على خديجة فقالت: ما شأنك فأخبرها، فقالت: أبشر فإن السلام خير. فخرج مرة أخرى إلى حراء. قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول اللَّه وأنا جبريل. فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء فرفعت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أتأخر ورائي حتى بعثت خديحة رسلها في طلبي فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إليها فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فو اللَّه لقد بعثت رسلي في طلبك فبلغوا مكة ورجعوا إلي. ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: أبشر يا بن عم واثبت، فوالذي نفسي بيده إني أرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة فأخبرته بما أخبرها به فقال ورقة: قدوس قدوس! والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة، فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف فلقيه ورقة فقال له: يا بن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت. فأخبره فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتقاتلنه ولتؤذينه، ولئن أدركت ذلك لأنصرنَّ اللَّه نصرا يعلمه. ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه [ (1) ] . وقالت خديجة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا بن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي نفسي بيده إذا جاءك؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فأخبرني به. فجاءه جبريل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خديجة هذا جبريل قد جاءني فقالت: قم يا بن عمي فاجلس على فخذي اليسرى. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى فتحول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى فقالت: هل تراه؟ قال نعم. فحسرت فألقت خمارها ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت يا بن عم اثبت وأبشر فواللَّه إنه لملك ما هذا شيطان.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 30 (3) .

قال البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنه: عرض جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة السبت وليلة الأحد، ثم أتاه بالرسالة ليلة الاثنين ففجأه الحق- وفي لفظ: فجاءه الحق- وهو في غار حراء وفي رواية: فأتاه جبريل وميكائيل، فنزل جبريل وبقي ميكائيل واقفا بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: هو هو. قال: فزنه برجل. فوزنه به فرجحه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: زنه بعشرة فوزنه فرجحهم. قال: زنة بمائة. فوزنه فرجحهم. قال: زنة بألف. فوزنه فرجحهم. ثم جعلوا يتساقطون عليه من كفة الميزان فقال ميكائيل: تبعته أمته ورب الكعبة. ثم أجلس على بساط كهيئة الدرنوك، فيه الياقوت واللؤلؤ، فقال أحدهما لصاحبه: شق بطنه. فشقه فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحها فقال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاء. ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه. فخاطه. ثم أجلساه فبشره جبريل برسالة ربه حتى اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: اقرأ فقال: ما أنا بقارئ. فغطه حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال له اقرأ قال: ما أنا بقارئ. فغطه حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال له اقرأ قال: ما أنا بقارئ فغطه حتى بلغ منه الجهد. ثم أرسله فقال: اقْرَأْ أوجد القراءة. مبتدئا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الخلائق خَلَقَ الْإِنْسانَ الجنس مِنْ عَلَقٍ جمع عَلَقة وهي القطعة اليسيرة من الدم الغليظ وجمعها لأن الإنسان في معنى الجمع اقْرَأْ تأكيد للأول. وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الذي لا يوازيه كريم. الَّذِي عَلَّمَ الخط بِالْقَلَمِ وأول من خط إدريس صلى الله عليه وسلم. ثم أفرد ما هو أشرف وأظهر صنيعا وتدبيرا وأدل على وجوب العبادة المقصودة من القراءة فقال: عَلَّمَ الْإِنْسانَ الجنس ما لَمْ يَعْلَمْ قبل تعليمه من الهدى والكتابة والصناعة وغيرها. وهذا القدر من هذه السورة هو الذي نزل أولا بخلاف بقية السورة فإنما نزل بعد ذلك فرجع بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أهله ترجف بوادره. وفي لفظ: فؤاده. لا يلقاه حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه. فرجع إلى بيته وهو موقن قد فاز فوزا عظيما فدخل على خديجة فقال: «زملوني زملوني» . فزملوه حتى ذهب عنه الروع. قال أرأيتك الذي كنت أخبرتك أني رأيته في المنام؟ فإنه جبريل استعلن لي أرسله إلي ربي. وأخبرها الخبر. وقال: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا أبشر فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق، فاقبل الذي جاءك من اللَّه فإنه حق، وأبشر فإنك رسول اللَّه حقا. ثم انطلقت حتى أتت غلاما لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس نصرانيا من أهل نينوى يقال

له عداس، فقالت له يا عداس أذكرك اللَّه إلا ما أخبرتني هل عندكم علم من جبريل؟ فقال عداس: قدوس قدوس ما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل الأوثان. فقالت: أخبرني بعلمك فيه. قال: هو أمين اللَّه بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى وعيسى. فرجعت من عنده فانطلقت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل بن أسد ابن عم خديجة وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربيّ فيكتب من الإنجيل ما شاء اللَّه أن يكتب، وكان شيخا قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى. فأخبره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة: أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم. هذا الناموس الذي أنزل اللَّه على موسى. وفي لفظ: وإنك على مثل ناموس موسى، وإنك لنبي مرسل وستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك، يا ليتني فيها جذعا. وفي لفظ جذع. ليتني أكون حياً إذا يخرجك قومك ... فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ فقال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي. وفي لفظ: أوذي. وفي رواية: لتكذبنه ولتؤذينه ولتقاتلنه، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي. وقال ورقة في ذلك أشعاراً منها قوله: يا للرجال وصرف الدهر والقدر ... وما لشيء قضاه اللَّه من غير حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس من أخر وخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر والعصر بأن أحمد يأتيه ويخبره ... جبريل أنك مبعوث إلى البشر فقلت عل الذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجى الخير وانتظري وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمره ما يرى في النوم والسهر فقال حين أتانا منطقا عجبا ... يقف منه أعالي الجلد والشعر إني رأيت أمين اللَّه واجهني ... في صورة أكملت من أعظم الصور ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ... مما يسلم من حولي من الشجر فقلت ظني وما أدري أيصدقني ... أن سوف تبعث تتلو منزل السور وسوف أنبيك إن أعلنت دعوتهم ... من الجهاد بلاد من ولا كدر [ (1) ] . وقوله:

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 1/ 217، 218 البداية والنهاية 3/ 11.

تنبيهات

فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي ... حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من اللَّه وحي يشرح الصدر منزل يفوز به من فاز فيها بتوبة ... ويشقى به الغالي القوي المضلل فريقان منهم فرقة في جنانه ... وأخرى بأحواز الجحيم تعلل فسبحان من تهوي الرياح بأمره ... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل ومن عرشه فوق السموات كلها ... وأقضاؤه في خلقه لا تبدل [ (1) ] تنبيهات الأول: في رواية البخاري في التفسير: الرؤيا الصادقة وفي غيره: الصالحة. وهما بمعنى بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء. وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص، فرؤيا النبي كلها صادقة، وقد تكون صالحة، وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد. وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص، إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا. قال الإمام نصر بن يعقوب الدينوري في التعبير القادري: الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به من لا يكذب. والصالحة ما يسر. الثاني: قال البيضاوي رحمه اللَّه: شبه ما جاءه في اليقظة ووجده في الخارج طبقاً لما رآه في المنام بالصبح في إنارته ووضوحه، والفلق: الصبح، لكنه لما كان مستعملا في هذا المعنى وفي غيره أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص، كقولهم عين الشيء ونفسه. قال الطيبي رحمه اللَّه تعالى: وللفلق شأن عظيم ولذلك جاء وصفا للَّه تعالى في قوله: «فالق الإصباح» وأمر بالاستعاذة برب الفلق لأنه ينبئ عن انشقاق ظلمة عالم الشهادة وطلوع تباشير الصبح بظهور سلطان الشمس وإشراقها في الآفاق، كما أن الرؤيا الصالحة مبشرات تنبئ عن وفود أنوار عالم الغيب وآثار مطالع الهدايات، شبه الرؤيا التي هي جزء يسير من أجزاء

_ [ (1) ] القصيدة من بحر الطويل ويروى البيت الثالث: ............ ويشقى به العاني الغرير المضلل ويروى قبل البيت الخامس: إذا ما دعوا يا لويل فيها تتابعت ... مقامع في هاماتهم ثم كشعل البداية والنهاية 3/ 11.

النبوة وتنبيه من تنبيهاتها لمشتركي العقول على ثبوت النبوة، لأن النبي إنما سمي نبيا لأنه ينبئ عن الغيب الذي لا تستقل العقول بإدراكه. وقال ابن أبي جمرة رحمه اللَّه تعالى: إنما شبهت رؤياه بفلق الصبح دون غيره، لأن شمس النبوة قد كانت الرؤيا مبادئ أنوارها، فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس وتم نورها، فمن كان باطنه نوريا كان في التصديق كأبي بكر الصديق، ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل، وبقية الناس بين هاتين المنزلتين، كل منهم بقدر ما أعطي من النور. الثالث: قال الخطابي رحمه اللَّه تعالى: هذه الأمور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بدئ بها من صدق الرؤيا وحب العزلة عن الناس والخلوة في غار حراء والتعبد فيه ومواظبته عليه الليالي ذوات العاد إنما هي أسباب ومقدمات أرهصت لنبوته وجعلت مبادئ لظهورها، والخلوة يكون معها فراغ القلب وهي معينة على الفكر ومقطع لدعاوى الشغل، والبشر لا ينفك عن طباعه ولا يترك مألوفه من عاداته إلا بالرياضة البليغة والمعالجة الشديدة، فلطف اللَّه تعالى بينه محمد صلى الله عليه وسلم في بادية أمره فحبب إليه الخلوة وقطعه عن مخالطة البشر، ليتناسى المألوف من عاداتهم ويستمر على هجران ما لا يحمد من أخلاقهم وألزمه شعار التقوى وأقامه في مقام التعبد بين يديه ليخشع قلبه وتلين عريكته لورود الوحي فيجد منه مرادا سهلا ولا يصادفه حزنا وعرا، فجعلت هذه الأسباب مقدمات لما أرصد له من هذا الشأن ليرتاض بها ويستعد لما ندب إليه، ثم جاءه التوفيق والتبشير وأخذه بالقوة الإلهية، فجبرت منه النقائص البشرية وجمعت له الفضائل النبوية. وقال غيره: من فوائد خلوة نفسه ما ألهمه اللَّه تعالى قبل ظهور الملك له ومخاطبته لما أراده اللَّه تعالى من صدوفه عن متعبدات قريش وعزوب نفسه الشريفة عن قرب أرجاس الأصنام وتبريه منه وبغضه لها وإقباله على التحنث وهو فعل البر والقرب. الرابع: قال ابن أبي جمرة رحمه اللَّه تعالى: الحكمة في تخصيصه صلى الله عليه وسلم التخلي بغار حراء، أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت. وقال الحافظ وكانت قريش تفعله كما كانت تصوم عاشوراء وإنما لم ينازعوا النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه، فتبعه على ذلك من كان يتأله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو مكان جده فسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم.

الخامس: قوله: فرأى بمكة أن آت أتاه. الخ قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: ليس ذكر النوم حديث عائشة، بل يدل ظاهرة على أن نزول جبريل حين نزل بسورة اقرأ قد كان في اليقظة وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيرا عليه ورفقا به، لأن أمر النبوة عظيم وعبؤها ثقيل والبشر ضعيف، وسيأتي في حديث الإسراء من مقالة العلماء ما يؤكد هذا الفرض ويصححه. قال في «الزهر» : والأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم هذا شأنهم، فلا حاجة إلى ما ذكره السهيلي بقوله: وقد يمكن الخ، لأن الرواية بذلك لا بأس بسندها. وبسط الكلام على ذلك. السادس: قال السهيلي: في كون الكتاب في نمط من الديباج إشارة إلى أن هذا الكتاب به يفتح على أمته ملك الأعاجم ويسلبونهم الديباج والحرير الذي كان زيهم وزينتهم وبه ينال أيضاً ملك الآخرة ولباس الجنة وهو الحرير والديباج. السابع: يؤخذ من قول عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: «فجاءه الملك فيه» - كما في كتاب التعبير من الصحيح- أي في الغار، دفع توهم من يظن أن الملك لم يدخل إليه الغار بل كلمه والنبي صلى الله عليه وسلم داخل الغار والملك خارجه على الباب. قال الحافظ: وإذا علم أنه كان يجاور في غار حراء شهر رمضان وأن ابتداء الوحي جاءه وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نبئ في شهر رمضان. ويعكر على قول ابن إسحاق أنه بعث على رأس الأربعين مع قوله: إنه ولد في شهر ربيع. ويمكن أن يكون المجيء في الغار كان أولا في شهر رمضان وحينئذ نبّيء وأنزل عليه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق 1] ثم كان المجيء الثاني في شهر ربيع الأول بالإنذار وأنزلت عليه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 1] فيحمل قول ابن إسحاق: على رأس الأربعين: أي عند المجيء بالرسالة. الثامن: فإن قيل: لم كرر: «أقرأ» ثلاث مرات؟ أجاب الإمام أبو شامة رحمه اللَّه تعالى بأنه يحتمل أن يكون قوله أولا: «ما أنا بقارئ» على الامتناع، وثانيا على الإخبار بالنفي المحض، وثالثا على الاستفهام. ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة إنه قال: كيف أقرأ. وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق ماذا أقرأ. وفي مرسل الزهري عند البيهقي كيف أقرأ وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية. وقال الحافظ: لعل الحكمة في تكرير «اقرأ» الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث: القول والعمل والنية، وأن الوحي يشتمل على ثلاث: التوحيد والأحكام والقصص.

التاسع: الحكمة في غط جبريل له: شغله عن الالتفات لشيء آخر، أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه، فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقى إليه، هذا وإن كان في علم اللَّه حاصل لكن المراد إبرازه للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئاً فلما لم يأت بشيء دل على أنه لا يقدر عليه. ونقل الحافظ عن بعض من لقيه أن هذا يعد من خصائصه صلى الله عليه وسلم إذا لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه وقع له عند ابتداء الوحي مثل ذلك. قال البلقيني: وكأن الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم عند تلقي الوحي من الجهد مقدمة لما صار يحصل له من الكرب عند نزول القرآن وبسط الكلام على ذلك، ويأتي بتمامه في باب شدة الوحي. العاشر: الحكمة في تكرير الغط: المبالغة في التنبيه، ففيه أنه ينبغي للمعلم أن يحتاط في تنبيه المتعلم وأمره بإحضار قلبه. وقيل الإشارة إلى التشديدات الثلاث التي وقعت له، وهي الحصر في الشعب، وخروجه إلى الهجرة، وما وقع له يوم أحد، وفي الإرسالات الثلاث إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث، أو في الدنيا، والبرزخ، والآخرة. الحادي عشر: هذا القدر الذي ذكر من سورة اقرأ هو الذي نزل أولا بخلاف بقية السورة، فإنما نزل بعد ذلك بزمان. والحكمة في هذه الأولية: أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن، ففيها براعة الاستهلال وهي جديرة أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة، في أوله، وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى بالعنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ المتكلم في فن فيؤكده بذكر مثال سابق. وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن: أنها تنحصر في علم التوحيد والأحكام والأخبار، وقد اشتملت على الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم اللَّه، وفي هذا الإشارة إلى الأحكام. وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفات ذات وصفات فعل، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين، وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ. وقال السهيلي: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فإنك لا تقرأ بحولك وقوتك ولا بصفة نفسك ولا بمعرفتك، ولكن اقرأ مفتتحا قراءتك باسم ربك مستعينا في جميع أمورك به، فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وعلمك ما لم تكن تعلم من أمور الدين ومصالح العباد وما تنطق به من المغيبات. الثاني عشر: قال الحافظ: ذكر أكثر الأئمة أن هذا القدر المذكور في القصة من سورة

اقرأ أول ما نزل من القرآن. وشذ صاحب الكشاف فقال: إن أكثر المفسرين على أن أول سورة نزلت الفاتحة. وهذا وهم بلا شك. وقال في موضع آخر: المحفوظ أن أول ما نزل: اقرأ باسم ربك وأن نزول الفاتحة كان بعد ذلك. وقال النووي: أول ما نزل من القرآن: اقرأ. هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف وقيل أوله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ وليس بشيء. الثالث عشر: إنما اضطرب فؤاده لما فجاء من الأمر المخالف للعادة والمألوف، فنفر طبعه البشري ولم يتمكن من التأمل في تلك الحالة، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها. الرابع عشر: قال البلقيني: الحكمة في العدول عن القلب إلى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب كما قاله بعض أهل اللغة، فإذا حصل للوعاء الرجفان حصل للقلب فيكون في ذكره من تعظيم الأمر ما ليس في ذكر القلب. الخامس عشر: الحكمة في طلب التزمل أن العادة جرت بسكون الرعدة بالتلفف. السادس عشر: دل قوله: «لقد خشيت على نفسي» مع قوله «ترجف بوادره» وفي لفظ: «فؤاده» على انفعال حصل له من مجيء الملك، ومن ثم قال: «زملوني» . والخشية المذكورة اختلف في المراد بها على اثني عشر قولا: أولاها بالصواب: الموت من شدة الرعب. وقيل المرض. وقيل دوامه. وقيل تعييرهم إياه. قال القاضي: ليس هذا من معنى الشك فيما آتاه اللَّه، لكنه صلى الله عليه وسلم عساه يخشى أن لا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يقدر على حمل أعباء النبوة فتزهق نفسه أو ينخلع قلبه لشدة ما لقيه أولا عند لقاء الملك. قال: أو يكون قوله هذا الأول ما رأى التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك وتحقق رسالة ربه فيكون ما خاف أولا أن يكون من الشيطان، فأما منذ ما جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز عليه الشك ولا يخشى من تسلط الشيطان عليه. قال: وعلى هذا يحمل كل ما ورد من مثل هذا في حديث البعث. قال النووي: وهذا الاحتمال الثاني ضعيف، لأنه خلاف تصريح الحديث بأن هذا بعد غط الملك وإتيانه «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» . السابع عشر: خص ورقة موسى بالذكر ولم يقل على عيسى، مع كون ورقة نصرانيا، لأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام بخلاف عيسى، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى، وكذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه وسلم بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل ومن معه يوم بدر. أو قاله تحقيقا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتابين بخلاف عيسى، فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته.

قال الحافظ: وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرج عليه في حق ورقة وأشباهه من لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل. على أنه قد ورد عند أبي نعيم في الدلائل بسند حسن عن عروة في هذه القصة أن خديجة أو لا قد أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر، فقال: لئن كنت صدقتيني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم. فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة: ناموس عيسى وتارة ناموس موسى، فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند أخبار النبي صلى الله عليه وسلم له قال ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها، وكل صحيح. الثامن عشر: قال السهيلي: قال ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم: لتكذبنه فلم يقل له شيئاً، ثم قال ولتؤذينه. فلم يقل له شيئاً. ثم قال: ولتخرجنّه فقال عليه الصلاة والسلام: أو مخرجي هم؟ ففي هذا دليل على حب الوطن وشدة مفارقته على النفس، وأيضاً فإنه حرم اللَّه تعالى وجوار بيته وبلدة أبيه إسماعيل، فلذلك تحركت نفسه عند ذكر الخروج ما لم تتحرك قبل ذلك، فقال: أو مخرجي هم؟ والموضع الدال على تحرك النفس وتحرقها: إدخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص الإخراج بالسؤال عنه، وذلك أن الواو ترد إلى الكلام المتقدم وتشعر المخاطب بأن الاستفهام على جهة الإنكار والتفجع لكلامه والتألم منه. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون انزعاجه كان من جهة خشية فوات ما أمله من إيمان قومه باللَّه وإنقاذهم به من وضر الشرك وأدناس الجاهلية ومن عذاب الآخرة وليتمّ له المراد من إرساله إليهم. ويحتمل أن يكون انزعج من الأمرين معا. وسبقه إلى ذلك الشيخ تقي الدين السبكي فقال: كما حكاه عنه ولده في الطبقات: الأحسن أن يقال: تحركت نفسه، لما في الإخراج من فوات ما ندب إليه من إيمانهم، وهدايتهم، فإن ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقب، ومع الإخراج منقطع، وذلك هو الذي لا شيء عند الإنسان أعظم منه، لأنه امتثال أمر اللَّه تعالى، وأما مفارقة الوطن فأمر جبلي والنبي صلى الله عليه وسلم أجل وأعلى مقاما من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم. التاسع عشر: قال الإسماعيلي رحمه اللَّه تعالى: موه بعض الطاعنين على المحدثين فقال: كيف يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يرتاب في نبوته حتى يرجع إلى ورقة ويشكو لخديجة ما يخشاه؟ والجواب: إن عادة اللَّه سبحانه وتعالى جرت بأن الأمر الجليل إذا قضى اللَّه تعالى

بإيصاله إلى الخلق أن يتقدمه تشريح وتأسيس، وكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك، فلما جاءه الملك فجأه بغتة أمر خالف العادة والمألوف فنفر طبعه البشري منه وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه وينفر طبعه منه، حتى إذا اندرج عليه وألفه استمر عليه، فلذلك رجع إلى أهله التي ألف أنسها فأعلمها بما وقع له، فهونت عليه خشيته مما عرفته من أخلاقه الكريمة وطريقته الحسنة، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة لمعرفتها بصدقه ومعرفته وقراءته الكتب القديمة فلما سمع كلامه أيقن بالحق واعترف به، وأشار إلى أن الحكمة في ذكره صلّى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة: أن يكون سببا في انتشار خبره في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي إليه طريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا [ (1) ] على محله. العشرون: ورقة هو ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ابن عم خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره الطبري والبغوي وابن نافع وابن السكن وغيرهم في الصحابة. وروى يونس بن بكير عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أحد كبار التابعين أن ورقة قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به عيسى ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل. فذكر الحديث وفيه: فلما توفي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب بيض لأنه آمن بي وصدقني» [ (2) ] . في سنده انقطاع. ويعضده ما رواه الزبير بن بكار بسند جيد عن عروة بن الزبير قال: كان بلال لجارية من بني جمح، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالمرضاء لكي يشرك فيقول: أحد أحد. فمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول: أحد أحد يا بلال، واللَّه لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا. فهذا المرسل يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال. قال الحافظ: والجمع بين هذا وبين حديث عائشة: أن يحمل قولها: لم ينشب ورقة أن توفى. أي قبل أن يشتهر الإسلام ويؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد. ولا يعكر على ذلك ما رواه ابن عائذ عن ابن عباس أن ورقة مات على نصرانيته لأن في

_ [ (1) ] في ألينتبهوا. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 158- 221 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 10.

سنده عثمان بن عطاء وهو ضعيف. وروى الإمام أحمد بسند حسن عن عائشة أن خديجة رضي اللَّه تعالى عنها سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ورقة فقال: قد رأيته فرأيت عليه ثيابا بيضا، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض [ (1) ] . وروى أبو يعلى بسند حسن عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال: «أبصرته في بطنان الجنة وعليه، السندس» [ (2) ] . وروى البزار وابن عساكر بإسناد جيد عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين» [ (3) ] . الحادي والعشرون: في بيان غريب ما سبق: أول ما بدئ به نكرة موصوفة، أي أول شيء. من الوحي: أي من المبشرات من إيحاء الوحي بالرؤيا: أي مطلق ما دل على نبوته، فتقدمت له أشياء مثل تسليم الحجر والشجر ويحتمل أن تكون «من» للتبعيض، أي من أقسام الوحي. ويحتمل أن تكون بيانية ورجحه القزاز. واحترزت بقولها: «من الوحي» عما رآه من دلائل نبوته من غير وحي، وأول ذلك مطلقا ما سمعه من بحيرا الراهب وما سمعه عند بناء الكعبة حين قيل له: اشدد عليك إزارك. وكذلك تسليم الحجر والشجر عليه. الرؤيا: ما يرى في المنام. في النوم: صفة موضحة، أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا. فلق الصبح وفرقه بفتح اللام والراء: ضياؤه إذا تميز عن ظلمة الليل وظهور نوره، وفي الكلام حذف تقديره: جاء تأويلها كفلق الصبح، وإنما يقال هذا اللفظ في الشيء الواضح البين. لم يأن [ (4) ] : لم يقرب. هاله ذلك: أفزعه.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 65 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 9. [ (2) ] أخرجه أبو يعلى في المسند 4/ 41 (281- 2047) وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 419 وعزاه لأبي يعلى وقال فيه مجالد وهذا مما مدح من حديث مجالد وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 419 وعزاه للبزار متصلا ومرسلا وقال: وزاد في المرسل كان بين أخي ورقة وبين رجل كلام فوقع الرجل في ورقة ليغضيه والباقي بنحوه ورجال المسند والمرسل رجال الصحيح. [ (4) ] المفردات في غريب القرآن 29.

سطا بي: غلبني. من النواميس: جمع ناموس. يأتي بيانه. يتحسسون: الإحساس: العلم بالحواس. أبشر: بفتح الهمزة. نمط: بنون فميم مفتوحتين فطاء مهملة: ضرب من البسط، والجمع أنماط. فغته [ (1) ] : بغين معجمة مفتوحة فمثناة فوقية مشددة أي خنقه. هب من نومه: استيقظ. حبب: مبني للمفعول، وعبر به لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان الكل من عند اللَّه، أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر، أو يكون ذلك من وحي الإلهام. الخلاء: بالمد مصدر بمعنى الخلوة، أي الاختلاء وهو بالرفع نائب عن الفاعل. الغار: النقب في الجبل. حراء: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالمد، وحكى الأصيلي فتحها والقصر، وعزاها في القاموس للقاضي وهي لغية، وهو مصروف إن أريد المكان وممنوع إن أريد البقعة، فهي أربعة: التذكير والتأنيث والمد والقصر. وقد ألغزه بعضهم فقال: وما اسم أتت فيه وجوه عديدة ... أيؤنّث طورا ثم طورا يذكر وقد جاء فيه الصرف أيضاً ومنعه ... ومن شاء يمدده ومن شاء يقصر وكذا حكم قباء وقد نظم بعضهم أحكامهما فقال: حرا وقبا ذكر وأنثهما معا ... ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا وهو جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى. يتحنث فيه: بحاء مهملة وآخره مثلثة في موضع الحال، إي يخلو بالغار متحنثاُ فيه. وفي رواية: «فيتحنف» بالفاء فيكون عطفاً على يخلو، وهو من الأفعال التي معناها السلب أي اجتناب فاعلها لمصدرها، مثل تأثم وتحوب إذا اجتنب الإثم والحوب. أو هو بمعنى الرواية الأخرى: يتحنف بالفاء أي يتبع الحنيفية دين إبراهيم، والفاء تبدل ثاء، وهو عائد إلى مصدر يتحنف. التعبد: يأتي الكلام على تعبده صلى الله عليه وسلم في أول أبواب عبادته. قال في «الزهر» : أخبرني

_ [ (1) ] اللسان 4/ 3212.

القدوة أبو الصبر أيوب السعودي، قال سألت سيدي أبا السعود بن أبي العشائر: بم كان سيدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتعبد في حراء قال: بالتفكر. الليالي: أي مع أيامهن، واقتصر عليهن للتغليب لأنهن آنس للخلوة. وقال النووي: قوله الليالي متعلق بيتحنث، لا بالتعبد، والمعنى يتحنث الليالي، ولو جعل متعلقا بالتعبد فسد المعنى، فإن التحنث لا يشترط فيه الليالي بل يطلق على الكثير والقليل، ونصبها على الظرفية. ووصف الليالي بقوله ذوات العدد قال الكرماني: لإرادة التقليل كما في قوله تعالى: دراهم معدودة أو الكثرة لاحتياجها إلى العدد وهو المناسب. قال الحافظ: أما كونه فمسلم، وأما الأول فلا، لأن عادتهم في الكثيرة أن يوزن في القليل أن يعد. وقد جزم الشيخ ابن أبي جمرة بأن المراد به الكثرة لأن العدد على قسمين فإذا أطلق أريد به مجموع القلة والكثرة، فكأنها قالت: ليالي كثيرة أي مجموع قسمي العدد، وأبهم العدد لاختلافه بالنسبة إلى المدد التي تخللها مجيئه إلى أهله. تنبيه هذا التفسير للزهري وأدرجه في الخبر، كما جزم به الطيبي، ورواية البخاري في التفسير تؤيده. ينزع: بمثناة تحتية مفتوحة فنون فزاي مكسورة: يرجع وزنا ومعنى. أهله: خديجة وأولاده ويحتمل أن يريد أقاربه. التزود: استصحاب الزاد وهو الطعام الذي يحمله المسافر. لمثلها: أي الليالي. كما رجحه الحافظ في كتاب التعبير من «الفتح» وإن كان رجح غيره في تفسير سورة اقرأ، لأن مدة الخلوة كانت شهرا، فكان يتزود لبعض ليالي الشهر فإذا نفد ذلك الزاد رجع إلى أهله فيتزود قدر ذلك ولم يكونوا في سعة بالغة من العيش، وكان غالب أدمهم اللبن واللحم، وذلك لا يدخر منه كفاية شهر لئلا يسرع الفساد إليه، ولا سيما وقد وصفه بأنه كان يطعم من يرد عليه. حتى: هنا على بابها، من انتهاء الغاية، أي انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك فترك ذلك. فجئه: بفتح الفاء وكسر الجيم ثم همزة ويقال فجأه بفتح الجيم، لغتان، أي جاءه

الوحي. قاله النووي قال: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعا للوحي. قال البلقيني: وفي إطلاق هذا النفي نظر، فإن الوحي كان جاءه في النوم مرارا، واستدل بما رواه ابن إسحاق عن عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم وقع له في النوم نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والأمر بالقراءة وغير ذلك. قال الحافظ: ففي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر، فالأولى ترك الجزم بأحد الأمرين. الحق: قال الطيبي: أي الأمر الحق، وهو الوحي أو رسول الحق وهو جبريل. وقال البلقيني: أي الأمر البين الظاهر أو المراد: الملك بالحق، أي الأمر الذي بعث به. فجاءه الملك: هو جبريل بلا خلاف كما قال البلقيني، واللام فيه لتعريف الماهية لا للعهد، إلا أن يكون المراد به ما عهده صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، لما كلمه في صباه، أو اللفظ لعائشة وقصدت به ما يعهده من تخاطبه به. قال الإسماعيلي: هي عبارة عما عرف بعد أنه ملك، إنما الذي في الأصل: فجاءه جاء وكان ذلك الجائي ملكا، فأخبر صلى الله عليه وسلم عنه يوم أخبر بحقيقة جنسه، وكان الحامل على ذلك أنه لم يتقدم له معرفة به. وقال البلقيني: والفاء يحتمل أن تكون سببية أي حتى قضي بمجيء الوحي، فبسبب ذلك جاءه الملك. قال الحافظ: وهو أقرب من الذي قبله. وقال في مكان آخر هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية، لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى يعقب به بل هو نفسه، ولا يلزم من هذا التقدير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه، بل التفسير عين المفسر به من جهة الإجمال وغيره من جهة التفصيل. فقال «اقرأ» : يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه، وأن يكون على بابه من الطلب، ويحتمل أن صفة الأمر محذوفة أي قل: اقرأ، وإن كان الجواب ما أنا بقارئ فعلى ما فهم من ظاهر اللفظ، وكأن السر في حذفها لئلا يتوهم أن لفظ قل من القرآن. قال أبو شامة: وقع في الصحيحين الأمر بالقراءة من غير ذكر المقروء وفي حديث عبيد بن عمير قال صلى الله عليه وسلم: «فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ» . ففي هذه الرواية بيان المقروء، إلا أن الأشبه أن هذا المجيء غير الذي في حديث عائشة، لأن هذا صرح فيه أنه كان فيه مناما وحديث عائشة في اليقظة.

ما أنا بقارئ: وفي لفظ: «ما أحسن أن أقرأ» فما نافية واسمها أنا وخبرها بقارئ، ولو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ، والباء زائدة لتأكيد النفي، وتقدم في التنبيه الثاني ما يدل على أنها استفهامية وجزم به بعض الشراح. فغطني: بغين معجمة فطاء مهملة أي عصرني وضمني. يقال غطه وغته بالغين المعجمة. وضغطه وخنقه وغمره، كله بمعني. وفي رواية الطبري: فغتني بتاء مثناة فوقية. وفي رواية عند أبي داود الطيالسي: فأخذ بحلقي. حتى بلغ مني الجهد: يجوز فتح الجيم وضمها، وهو الغاية المشقة. ويجوز نصب الدال وضمها أي بلغ الغط مني الجهد أي غاية وسعي فهو مفعول حذف فاعله، ويروى بضم الجيم والدال أي بلغ مني الجهد مبلغه، فهو فاعل بلغ. فأرسلني: أطلقني. فرجع بها: أي رجع مصاحبا للآيات الخمس المذكورة. يرجف: بضم الجيم: يخفق ويضطرب. الفؤاد: قال الزمخشري: وسط القلب، سمي بذلك لتفؤده أي توقده وفسر الجوهري القلب بالفؤاد، ثم فسر الفؤاد بالقلب. قال الزركشي: والأحسن قول غيره أن الفؤاد غشاء القلب والقلب حبته وسويداؤه، فإذا حصل للوعاء الرجفان حصل لما فيه فيكون في ذكره من تعظيم الأمر ما ليس في ذكر القلب. ويؤيد الفرق قوله صلى الله عليه وسلم «ألين قلوبا وأرق أفئدة» وهو أولى من قول بعضهم أنه كرر لاختلاف اللفظ. بوادره: قيل المراد بها اللحمة التي بين المنكب والعنق، وجرت العادة بأنها تضطرب عند الفزع، وعلى ذلك جرى الجوهري أي اللحمة المذكورة سميت بلفظ الجمع وتعقبه ابن بري فقال: البوادر جمع بادرة وهي ما بين المنكب والعنق يعني أنه لا يختص بعضو واحد، وهو جيد فيكون إسناد الرجفان إلى القلب لكونه محله، وإلى البوادر لأنها مظهره. خشيت علي: بالتشديد وفي رواية على نفسي. الروع: براء مفتوحة فواو ساكنة فعين مهملة: الفزع. والروع بضم الراء موضع الفزع من القلب. كلا: قال النووي تبعا لغيره: هي كلمة نفي وإبعاد وقد تأتي بمعنى حقا وبمعنى الاستفتاح. وقال القزاز: هي هنا بمعنى الرد لما خشي على نفسه، أي لا خشية عليك، ويؤيده أن في رواية أبي ميسرة: فقالت معاذ اللَّه. ومن اللطائف أن هذه الكلمة التي ابتدأت خديجة رضي اللَّه تعالى عنها النطق بها

عقب ما ذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم من القصة التي وقعت له، هي التي وقعت عقب الآيات الخمس من سورة اقرأ في نسق التلاوة، فجرت على لسانها اتفاقا لأنها لم تكن نزلت بعد، وإنما نزلت في قصة أبي جهل، وهذا هو المشهور عند المفسرين. لا يخزيك: بمثناة تحتية مضمومة فمعجمة فزاي فمثناة تحتية. وفي لفظ: يحزنك بحاء مهملة فزاي فنون ثلاثيا ورباعيا، قال اليزيدي: أحزنه: لغة تميم، وحزنه لغة قريش والحزن: الوقوع في بلية وشهرة بذلُة. نينوى: بنون، قال ياقوت في «المشترك» بنون مكسورة، فمثناة تحتية ساكنة فنون فواو فألف قال ياقوت: بلد قديم كان مقابل مدينة الموصل خرب وقد بقي من آثاره شيء وبه كان قوم يونس وجرجس عليهما الصلاة والسلام، وكذا وجد مضبوطا بكسر النون الأولى في نسخة صحيحة من كتاب «الذيل والصلة» لكتاب التكملة للصغاني وعليها خطه في مواضع كثيرة. وقال أبو ذر: روي بضم النون وبفتحها وهو أشهر. قدوس: بضم القاف وتفتح: الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص. وفعول بالضم والتشديد من أبنية المبالغة. قال في النور: والظاهر أن معنى هذا الكلام التعجب مثلما يقول القائل: اللَّه اللَّه ويحتمل أن يريد: أنت قدوس أي طاهر منزه عن المعاصي يشير بذلك إلى أنه نبي. عداس: بعين مفتوحة فدال مشددة وآخره سين مهملات. الرحم: القرابة وصلتها بالإحسان إليها على حسب حال الواصل والموصول، فتارة يكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة وغير ذلك. الكل [ (1) ] : بفتح الكاف وتشديد اللام وهو الذي لا يستقل بأمره أو الثقل بكسر المثلثة وإسكان القاف. تكسب المعدوم: بفتح المثناة الفوقية: أي تعطي الناس مالا يجدونه عند غيرك، فحذف أحد المفعولين، يقال: كسبت الرجل مالا واكتسبته بمعنى، وقيل معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه ما لا يصيبه غيرك وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة كما سبق بيان ذلك، وإنما يصح هذا المعنى هنا إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت من المكرمات. وفي رواية: بضم المثناة الفوقية، من اكتسبت، أي تكسب غيرك المال المعدوم أي

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 796.

تتبرع له به، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، أو تعطي الناس مالا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق. والرواية الأولى قال القاضي: أصح. وعلى الرواية الثانية قال الخطابي: الصواب المعدم بلا واو أي الفقير لأن المعدوم لا يكسب. وأجاب صاحب التحرير بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم، لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له. والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت: إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تفيد رجلا عاجزا فتعاونه. وقال قاسم بن ثابت في الدلائل: تكسب المعدوم: معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه ويصيبه وهو يكسبه، وأنشد على ذلك شاهدين من كلام العرب. وفي تهذيب الأزهري عن ابن الأعرابي: رجل عديم: لا عقل له. ومعدوم: لا مال له. قال الدماميني: كأنهم نزلوا وجود من لا مال له منزلة العدم. تقرى الضيف: بفتح أوله بلا همز ثلاثيا قال الآبي: وسمع بضمها رباعيا، أي تهيئ له طعامه وشرابه. نوائب الحق: حوادثه وإنما أضافت النوائب للحق لأنها تكون في الحق والباطل ورقة: بفتح الراء. تنصر: صار نصرانيا. الجاهلية: ما كان قبل البعثة. فكان يكتب الكتاب العبراني: وفي رواية: العربي. يكتب من الإنجيل بالعبرانية وفي رواية بالعربي والجميع صحيح، لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي لتمكنه من الكتابين واللسانين. يا بن عم: هذا نداء على الحقيقة. ووقع في مسلم: يا عم. قال الحافظ: وهو وهم لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين، فتعين الحمل على الحقيقة. الناموس: صاحب السر، كما جزم به البخاري في أحاديث الأنبياء، ويقال نمست السر بفتح النون والميم أنمسه بكسر الميم نمسا: كتمته. ونمست الرجل ونامسته: ساررته. قال الحافظ: وزعم ابن ظفر وغيره أن الناموس صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، والأول الصحيح الذي عليه الجمهور وقد سوى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب.

والمراد بالناموس هنا جبريل عليه الصلاة والسلام وسمي بذلك لأن اللَّه تعالى خصه بالغيب والوحي. يا ليتني فيها: أي أيام الدعوة. جذعا: بفتح الجيم والذال المعجمة، وروى في الصحاح بفتح العين وبضمها قال ابن بري: التقدير يا ليتني جعلت فيها جذعا. وقيل النصب على الحال إذا جعلت فيها خبر ليت، والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار، قاله القاضي والسهيلي، قال النووي: وهو الصحيح الذي اختاره أهل التحقيق والمعرفة من شيوخنا. والجذع: الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور النبي صلى الله عليه وسلم شابا ليكون أمكن لنصره. أو مخرجي هم: بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج، فالياء الأولى ياء الجمع والثانية ضمير المتكلم، وفتحت للتخفيف لئلا يجتمع الكسر والياءان بعد كسرتين، فهم: مبتدأ مؤخر، ومخرجي: خبر مقدم. إلا عودي: وفي رواية: إلا أوذي. لتكذبنه، إلى آخره: قال السهيلي لا ينطق بهذه الهاء إلا ساكنة لأنها هاء السكت وليست بهاء إضمار، وقال الخشني: الهاء للسكت. كذا جاءت الرواية بسكونها، ويحتمل أن تكون ضميرا منتصبا بالفعل ولكن كذا جاءت الرواية. مؤزرا [ (1) ]- بالهمز للأكثر وتشديد الزاي بعدها راء من التأزير والتقوية وأصله من الأزر، والصواب موزرا بغير همز من وازرته موازرة إذا عاونته، ومنه أخذ وزير الملك، ويجوز حذف الألف فتقول نصرا موزرا. قال الحافظ ويرد عليه قول الجوهري: آزرت فلانا عاونته، والعامة تقول وازرته. وقال الإمام أبو شامة: يحتمل أن يكون من الإزار، أشار بذلك إلى تشميره في نصرته. قال الأخطل: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم. البيت. اليافوخ- بمثناة تحتية فهمزة ففاء فواو فخاء معجمة: وسط الرأس، يقال في رأس الطفل حتى يشتد. لم ينشب [ (2) ]- بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث، وأصل النشوب التعلق، أي لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات.

_ [ (1) ] لسان العرب 6/ 4823، 4824. [ (2) ] المعجم الوسيط 2/ 920.

الباب التاسع في كيفية إنزال الوحي

الباب التاسع في كيفية إنزال الوحي قال اللَّه سبحانه وتعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقال اللَّه تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وقال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: فصل القرآن من الذكر ودفع إلى جبريل فوضعه في بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة القدر جملة واحدة، وكان اللَّه ينزله على رسوله بعضه إثر بعض نجوما على مواقع النجوم رسلا لجواب كلام العباد وأعمالهم في عشرين سنة ثم قرأ: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً. وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا. رواه الحاكم والبيهقي من طريق سعيد بن جبير، والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي من طريق آخر، والطبراني من طريق آخر، والبزار من طريق آخر، وابن أبي شيبة من طريق آخر. رسلا: أي رفقاء. على مواقع النجوم: أي على مثل مساقطها. يريد: أنزل مفرقا يتلوا بعضه بعضا على تؤدة ورفق. وهذا. قال الزركشي في البرهان والشيخ في الإتقان: إنه الأصح الأشهر، وقال الحافظ في الفتح: أنه الصحيح المعتمد. وقيل: إنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين في كل ليلة ما يقدر اللَّه تعالى إنزاله في كل سنة، ثم نزل بعد ذلك منجما في جميع السنة. وقيل إنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفات. وقيل إنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، وإن الحفظة نزلته على جبريل في عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة. تنبيهات الأول: قيل: السر في إنزاله جملة إلى السماء تفخيم أمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليهم لتنزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع

لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن اللَّه باين بينه وبينها فجعل له الأمرين: إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا تشريفا للمنزل عليه. ذكر ذلك أبو شامة رحمه اللَّه تعالى. وقال الحكيم الترمذي رحمه اللَّه تعالى: إنزال القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثته كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد تعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من اللَّه تعالى إلى الأمة. وقال الإمام أبو الحسن السخاوي في «جمال القرآن» في نزول القرآن إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية اللَّه بهم ورحمته لهم، ولهذا المعني أمر سبعين ألفا من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام! وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له. قال: وفيه أيضاً التسوية بين نبينا وبين موسى في إنزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وسلم في إنزاله عليه منجما ليحفظه. الثاني: قال أبو شامة رحمه اللَّه تعالى: الظاهر أنه نزل جملة إلى السماء الدنيا قبل ظهور نبوته صلى الله عليه وسلم. قال: ويحتمل أن يكون بعدها. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: والظاهر الثاني. وسياق الآثار السابقة عن ابن عباس صريح فيه. وقال الحافظ: قد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه» [ (1) ] . وفي رواية: «وصحف إبراهيم لأول ليلة» . قال: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة 185] ولقوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر 1] فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 107 والطبري في التفسير 2/ 84 والبيهقي في الأسماء والصفات (234) .

قال الشيخ: لكن يشكل على هذا ما اشتهر من أنه بعث في شهر ربيع الأول. ويجاب عن هذا بما ذكروه أنه صلى الله عليه وسلم نبئ أولا بالرؤيا في شهر مولده، ثم كانت مدتها ستة أشهر، ثم أوحى إليه في اليقظة، ذكره البيهقي وغيره. الثالث: قال أبو شامة: إن قيل ما السر في نزوله منجما وهلا نزل كسائر الكتب جملة؟ قلنا: هذا سؤال قد تولى اللَّه جوابه فقال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الفرقان 32] يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله «كذلك» أي أنزلناه كذلك مفرقا «لنثبت به فؤادك» . أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقائه جبريل. وقيل معنى «لنثبت به فؤادك» : أي لنحفظه لأنه عليه الصلاة والسلام كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء فإنه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع. وقال غيره: إنما لم ينزل جملة واحدة لأن منه الناسخ والمنسوخ، ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا، ومنه ما هو جواب لسؤال، ومنه ما هو إنكار على قول قيل أو فعل فعل، وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس: «ونزل به جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم» . وبه فسر قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ [الفرقان 33] . فالحاصل: أن الآية تضمنت حكمتين لإنزاله مفرقا. الرابع: قال الأصفهاني: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام اللَّه تعالى منزل واختلفوا في معنى الإنزال، فمنهم من قال: إظهار القراءة، ومنهم من قال: أن اللَّه تعالى ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته، ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط في المكان. وفي التنزيل طريقان: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل. والثاني: أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه. والأول أصعب الحالين. وقال الحافظ: جرت العادة بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع

بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشد بلا شك. وقال الطيبي: لعل نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم إن يتلقفه الملك من اللَّه تعالى تلقفا روحانيا، أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه. وقال القطب الرازي في حواشي الكشاف: الإنزال لغة بمعنى الإيواء وبمعنى تحريك الشيء من علو إلى سفل، وكلاهما لا يتحققان في الكلام، فهو مستعمل فيه في معنى مجازي، فمن قال: القرآن معنى قائم بذات اللَّه تعالى: فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ، وهذا المعنى مناسب لكونه منقولا عن أول المعنيين اللغويين، ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ، وهذا مناسب للمعنى الثاني، والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يلقفها الملك تلقفا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم. وقال الشيخ رحمه اللَّه تعالى في فتاويه: وسألت شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي عن كيفية التلقف الروحاني فقال لي: لا بكيف. وقال البيهقي رحمه اللَّه تعالى في معنى قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يريد واللَّه تعالى أعلم: إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل. قال أبو شامة: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن أو إلى شيء منه يحتاج إليه أهل السنة المعتقدون قدم القرآن وأنه صفة قائمة بذات اللَّه تعالى. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: ويؤيد أن جبريل تلقفه سماعا من اللَّه تعالى ما أخرجه الطبراني من حديث النواس بن سمعان رضي اللَّه تعالى عنه مرفوعا: إذا تكلم اللَّه بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف اللَّه تعالى، فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدا فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل، فيكلمه اللَّه تعالى بما أراد فينتهي به على الملائكة فكلما مر بسماء سأله أهلها: ماذا قال ربنا؟ قال: الحق. فينتهي به حيث أمر [ (1) ] . وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رفعه: إذا تكلم اللَّه تعالى بالوحي يسمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة فذكر نحو ما سبق. وأصل الحديث في الصحيح [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 649 من حديث مسلم عن مسروق عن عبد الله مرفوعاً بنحوه. [ (2) ] في البخاري 13/ 461 كتاب التوحيد.

وقال الإمام العلامة شهاب الدين محمد بن أحمد بن الخليل الخولي- بضم الخاء المعجمة- رحمه اللَّه تعالى: كلام اللَّه تعالى المنزل قسمان: قسم قال اللَّه تعالى لجبريل قل للنبي الذي أنت مرسل إليه: إن اللَّه يقول افعل كذا وكذا وأمر بكذا وكذا- ففهم جبريل ما قاله ربه ثم نزل على ذلك النبي وقال له ما قال له ربه، ولم تكن العبارة تلك العبارة، كما يقول الملك لمن يثق به قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع جندك للقتال. فإن قال الرسول: يقول لك الملك لا تتهاون في خدمتي ولا تترك الجند يتفرق وحثهم على المقاتلة، لا ينسب إلى كذب أو تقصير في أداء الرسالة. وقسم آخر قال اللَّه تعالى لجبريل: اقرأ على النبي هذا الكتاب. فنزل جبريل بكلام اللَّه تعالى من غير تغيير، كما يكتب الملك كتابا ويسلمه إلى أمين ويقول اقرأه على فلان، فهو لا يغير منه كلمة ولا حرفاً. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: القرآن هو القسم الثاني، والقسم الأول هو السنة، كما ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن.

الباب العاشر في شدة الوحي وثقله

الباب العاشر في شدة الوحي وثقله قال اللَّه سبحانه وتعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل 5] . وقال زيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه: أنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فكادت فخذه ترض فخذي [ (1) ] . رواه الشيخان. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: أن كان ليوحى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه. وتلت الآية. رواه الإمام أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه. وقال أبو أروى الدوسى- بفتح الدال المهملة- رضي اللَّه تعالى عنه: رأيت الوحي ينزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإنه على راحلته فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنقصم، فربما بركت وربما قامت موتدة يديها حتى يسرى عنه عن ثقل الوحي، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان. رواه ابن سعد. وقال عبادة بن الصامت رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه وغمض عينيه [ (2) ] . رواه مسلم. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه لم يستطع أحد منا يرفع طرفه إليه حتى يقضى الوحي [ (3) ] . رواه مسلم. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي يغط في رأسه ويتربد وجهه ويجد بردا في ثناياه ويعرق حتى لينحدر منه مثل الجمان. رواه ابن سعد. وقالت أسماء بنت يزيد رضي اللَّه تعالى عنها: كنت آخذة بزمام ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أنزلت عليه سورة المائدة فكاد ينكسر عضدها من ثقل السورة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 166 كتاب الصلاة باب في الفخذ. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1817 (88- 2334) . [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1405 (84- 1780) .

رواه الإمام أحمد والطبراني. وقال ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما: أنزلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها. قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وثبت في الصحيحين نزول سورة الفتح على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على راحلته، فكأنه يكون تارة وتارة بحسب الحال. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: لقد رأيته- تعني النبي صلى اللَّه عليه وسلم- ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا. رواه البخاري. وقال ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه هل تحسّ بالوحي؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك، فما مرّة يوحى إليّ إلا ظننت أن نفسي تقبض [ (1) ] . رواه أحمد. وروى ابن سعد عن عكرمة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أوحى إليه وقد لذلك ساعة كهيئة السكران. وقال يعلى بن أمية [ (2) ] إنه كان يقول: «ليتني أرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي فلما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالجعرانة وعليه ثوب قد أظلّ عليه ومعه ناس من أصحابه فيهم عمر إذ جاءه رجل متضمّخ بطيب فقال: يا رسول اللَّه كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب فنظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم سكت، فجاءه الوحي فأشار عمر: أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمّر الوجه يغط كما يغط البكر، كذلك ساعة ثم سري عنه» الحديث [ (3) ] . رواه الشيخان. وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها في حديث الإفك: فأخذه- يعني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- ما كان يأخذه من البرحاء [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 222. [ (2) ] يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همّام التميمي، حليف قريش، وهو يعلى ابن منية، بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة، وهي أمه، وصحابي مشهور، مات سنة بضع وأربعين [التقريب 2/ 377] . [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 718- 1789 ومسلم 2/ 836 (6- 1180) . [ (4) ] أخرجه البخاري 8/ 306 (4750) ومسلم 4/ 2129 (56- 2770) .

تنبيهات

رواه الشيخان. وقالت أيضا: وكان إذا أتاه الوحي أخذه السّبل. رواه الحاكم. وقال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي تربّد لذلك جسده ووجهه وأمسك عن أصحابه ولم يكلمه أحد منهم. رواه أبو داود الطيالسي. وقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي صدع وغلّف رأسه بالحنّاء. رواه أبو نعيم وله طرق تأتي- في طبّه صلى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مما يعالج من التنزيل شدّة يحرّك به لسانه وشفتيه من حبّه إياه، فانزل اللَّه تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ قال: جَمْعه لك في صدرك ثم تقرؤه. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ فاستمع وأنصت. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه جبريل بعد ذلك استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما وعده اللَّه تعالى. رواه الشيخان وابن سعد. وروى الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي لم يستطع أحد منا يرفع إليه طرفه حتى ينقضي الوحي. تنبيهات الأول: قال الإمام أبو شامة: وهذا العرق الذي كان يغشاه واحمرار الوجه والغطيط وثقله على الراحلة وعلى الفخذ لثقل الوحي، كما أخبره بذلك اللَّه تبارك وتعالى في ابتداء أمره بقوله: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا وذلك لضعف قوى البشر عن تحمل مثل ذلك الوارد العظيم من ذلك الجناب الجليل. قال ابن إسحاق: وللنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها إلّا أهل القوة والعزم من الرسل بعون اللَّه تعالى. الثاني: قال شيخ الإسلام البلقيني: هذا الذي كان يحصل له حين تلقي الوحي من الجهد حال يؤخذ فيه عن حال الدنيا من غير موت، وهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي، ولما كان البرزخ العام ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال خص اللَّه تعالى نبيه صلى اللَّه عليه وسلم

[تفسير الغريب]

ببرزخ في الحياة يلقي إليه فيه وحيه المشتمل على كثير من الأسرار، وقد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم أو غيره اطلاع على كثير من الأسرار، وذلك مستمد من المقام النبوي، ويشهد له قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» [ (1) ] . انتهى. وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: لما نزلت آية الحجاب وأن سودة خرجت بعد ذلك إلى المناصع ليلا فقال عمر: قد عرفناك يا سودة، فرجعت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسألته وهو جالس يتعشّى والعرق في يده، فأوحى اللَّه تعالى إليه والعرق في يده ثم رفع رأسه فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن. قال ابن كثير: فدل هذا على أنه لم يكن عند الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية بدليل أنه جالس لم يسقط ولم يسقط العرق من يده. انتهى. [تفسير الغريب] المناصع- بفتح الميم وكسر الصاد المهملة: صعيد أفيح خارج المدينة. العرق [ (2) ]- بعين مهملة مفتوحة فراء ساكنة فقاف: العظم الذي عليه اللحم والقطعة من اللحم. وسيأتي الكلام عليه في أبواب مناماته صلى اللَّه عليه وسلّم. الثالث: قال ابن كثير: تحريكه صلى اللَّه عليه وسلّم لسانه عند إلقاء الوحي إليه كان في الابتداء كان صلى اللَّه عليه وسلم من شدة حرصه على أخذه من الملك ما يوحيه إليه عن اللَّه تعالى يساويه في التلاوة، فأمره اللَّه تعالى أن أنصت لذلك حتى يفرغ من الوحي، ولهذا قال: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [ (2) ] [طه 114] . وقال الحافظ: اختلف في سبب تحريكه صلى اللَّه عليه وسلّم لسانه وشفتيه. ففي رواية: يخشى أن يتفلّت منه. وفي لفظ: خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره فيشتد عليه، وفي رواية أنه كان إذا نزل عليه جعل يتكلم من حبّه إياه. قال الحافظ: وظاهر الرواية الثانية أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول، فكان يتعجل ما يأخذه لتزول المشقة سريعا. وظاهر الثالثة أنه كان يتكلم بما يلقي اللَّه منه أولا فأولا، من شدة حبه إياه فأمر أن يتأنّى إلى أن ينقضي النزول. قال الحافظ: ولا بعد في تعدد السبب.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 39 ومسلم 4/ 1773 (6- 2263) . [ (2) ] انظر لسان العرب 4/ 2906.

الرابع: في بيان غريب ما سبق: ترضّ فخذي: تدقه وتكسره. الجران- بجيم مكسورة فراء: باطن العنق ومعناه: أنها تفعل ذلك لشدة الوحي وثقله. يسرّى- بضم أوله وتشديد الراء المفتوحة والقصر: أي يكشف ذلك عنه ويزول. ترغو- بغين معجمة: تصيح. تفتل يديها: تديرهما من ثقل ما عليها. تنقصم: تنكسر وتندق. موتدة يديها- بضم الميم من الوتيد. قال الشيخ في مختصر النهاية: ووتيد الأرض: صوت شدة الوطء على الأرض يسمع كالدويّ من بعد. الجمان- بجيم مضمومة فميم مفتوحة: اللؤلؤ، شبّهت قطرات عرقه بالجمان لتشابهها في الصّفاء والحسن. كرب لذلك- بضم الكاف وكسر الراء: أي أصابه الكرب أي الشدة فهو مكروب، والذي كربه كارب. التربّد- بالراء ودال مهملة في آخره: كمودة في اللون وهي غبرة في سواد. الغطّ- بغين معجمة وطاء مهملة مشددة، والغطيط: صوت يخرج من نفس النائم وهو ترديده حيث لا يجد مساغا. يفصم عنه: بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة: أي يقلع وينجلي. ويروى بضم أوله من الرباعي وفي رواية بضم أوله وفتح الصاد مبنيّا للمفعول، وأصل القصم القطع، وقيل الفصم بالفاء: القطع بلا إبانة. وبالقاف: القطع بإبانة فعبر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العلقة. يتفصّد عرقا: أي يجري منه كما يجري الدم من الفصاد. الصّلاصل: بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية: جمع صلصلة بفتح المهملتين بينهما لام ساكنة، وهي صوت وقع الأشياء الصّلبة اليابسة بعضها على بعض، ثم أطلق على صوت له طنين. وقذ- بواو مضمومة فقاف مكسورة فذال معجمة مفتوحة: يقال وقذه النّعاس: إذا غلب عليه.

الجعرانة- بكسر الجيم وسكون العين المهملة ونقل ابن المديني عن أهل العراق كسر العين وشدّ الراء. وقال الشافعي والخطابي: المحدّثون يخطئون في تشديدها وقد أولع أصحاب الحديث به، والصواب الأول: موضع على سبعة أميال من مكة إلى جهة الطائف. متضمّخ: متلطخ. البرحاء- بباء موحدة مضمومة فراء مفتوحة فحاء مهملة فألف ممدودة: شدة الحمى، وقيل شدة الكرب، وقيل شدة الحر. السّبل- بفتح السين المهملة والموحّدة داء في العين شبه غشاوة كأنها نسج العنكبوت. المعالجةُ: محاولة الشيء بمشقة إن كان العلاج ناشئا من تحريك الشفتين، أي مبدأ العلاج منه، وما موصولة، وأطلقت على من يعقل مجازا. هكذا قرّره الكرماني. قال الحافظ: وفيه نظر، لأن الشدة حاصلة له قبل التحريك، والصواب ما قاله ثابت السّرقسطي أن المراد كان كثيرا ما يفعل ذلك، وورود «ممّا» في هذا كثير، ومنه حديث الرؤيا: «وكان ممّا يقول لأصحابه: من رأى منكم رؤيا» [ (1) ] . قال الحافظ: ويؤيده رواية البخاري في التفسير عن عائشة ولفظها: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي فكان ممّا يحرك شفتيه» [ (2) ] فأتى بهذا اللفظ مجردا عن تقدّم العلاج الذي قدّره الكرماني فظهر ما قاله ثابت. ووجه ما قاله غيره: أن «من» إذا وقع بعدها «ما» كانت بمعنى ربما، وهي تطلق على الكثير كما تطلق على القليل. وفي كلام سيبويه مواضع من هذا، منها قوله: اعلم أنهم مما يحذفون كذا. ومنه حديث البراء: كنا إذا صلّينا خلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم مما يحب أن يكون عن يمينه.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 146. [ (2) ] أخرجه البخاري 8/ 549 (4928) .

الباب الحادي عشر في أنواع الوحي

الباب الحادي عشر في أنواع الوحي قال العلماء رضي اللَّه تعالى عنهم: كان الوحي ينزل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في أحوال مختلفة. الأول: الرؤيا الصادقة في المنام. قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى. قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ [الصافات 102] فدل على أن الوحي كان يأتيهم في المنام كما كان يأتيهم في اليقظة. وفي الصحيح عن عبيد بن عمير: «رؤيا الأنبياء وحي» وقرأ هذه الآية. الثاني: أن ينفث الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي: لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا اللَّه وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية اللَّه فإن ما عند اللَّه لن ينال إلا بطاعته. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القناعة والحاكم. وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشورى 51] : هو أن ينفث في روعه بالوحي. قال الحليمي: هذا هو الوحي الذي يخص القلب دون السمع. الثالث: أن يأتيه مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليه، فيتلبّس به الملك حتى إن جبينه ليتفصّد عرقا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راحلته لتبرك على الأرض. روى الشيخان عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها أن الحارث بن هشام رضي اللَّه تعالى عنه سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه علي فيفصم عنّي وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول» [ (1) ] . وروى ابن سعد بسند رجاله ثقات عن أبي سلمة الماجشون إنه بلغه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقول: «كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه عليّ كما يلقى الرجل الرجل فذاك يتفلّت منّي، ويأتيني في شيء مثل صلصلة الجرس حتى يخالط قلبي فذاك لا يتفلت مني» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 3 (2) ومسلم 4/ 1516 (87- 2333) . [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 197.

قال الحافظ: وهذا محمول على ما كان قبل نزول قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ كما تقدم فإن الملك قد تمثّل رجلا في صور كثيرة ولم يتفلّت ما أتاه به، كما في قصة مجيئه في صورة دحية وفي صورة أعرابي، وغير ذلك، وكلها في الصحيح. الرابع: أن يكلمه اللَّه تعالى بلا واسطة من وراء حجاب في اليقظة كما في ليلة الإسراء على القول بعدم الرؤية. الخامس: أن يكلمه اللَّه تعالى كفاحا بغير حجاب على القول بالرؤية ليلة الإسراء. وسيأتي بسط ذلك في أبوابه. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: وليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم، نعم يمكن أن يعدّ منه آخر سورة البقرة وبعض سورة الضحى وألم نشرح، فقد روى ابن أبي حاتم من حديث عدي بن ثابت قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «سألت ربي مسألة ووددت أني لم أكن سألته، قلت: أي ربّ اتّخذت إبراهيم خليلاً وكلّمت موسى تكليما، فقال يا محمد: ألم أجدك يتيما فآويت وضالا فهديت وعائلا فأغنيت، وشرحت لك صدرك وحططت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي» [ (1) ] . السادس: أن يكلمه اللَّه تعالى في النوم، كما في حديث معاذ عند الترمذي: «أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى» ويأتي بتمامه في أبواب مناماته. وذكر بعضهم من هذا سورة الكوثر لما رواه مسلم عن أنس قال: بينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع بصره مبتسما فقرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إلى آخرها. وقال الإمام الرافعي رحمه اللَّه تعالى في أماليه: فهم فاهمون من الأحاديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة وقالوا من الوحي ما كان يأتيه في النوم لأن رؤيا الأنبياء وحي. قال: وهذا صحيح لكن الأشبه أن يقال: القرآن كله نزل في اليقظة وكأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة، أو عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة فقرأها عليهم وفسّرها لهم. قال: وورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه وقد يحمل ذلك على الحالة التي تعتريه عند نزول الوحي ويقال لها برحاء الوحي. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: وهذا الذي قاله الإمام الرافعي في غاية الاتجاه، وهو الذي

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 7/ 63.

تنبيهات

كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه، والتأويل الأخير أصح من الأول لأن قوله: أنزل علي آنفا يدفع كونها نزلت قبل ذلك، بل نقول: نزلت في تلك الحالة وليس الإغفاء إغفاءة نوم بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي، فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا. انتهى. السابع: مجيء الوحي كدوي النحل. روى الإمام أحمد والحاكم، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «إذا أنزل عليه يسمع عند وجهه كدويّ النحل» [ (1) ] . الثامن: العلم الذي يلقيه اللَّه تعالى في قلبه وعلى لسانه عند الاجتهاد في الأحكام. لأنه اتّفق على أنه صلى اللَّه عليه وسلم إذا اجتهد أصاب قطعا وكان معصوما عن الخطأ وهذا خرق للعادة في حقه صلى اللَّه عليه وسلم دون الأمة، وهو يفارق النّفث في الرّوع من حيث حصوله بالاجتهاد والنفث بدونه. قال في إرشاد الساري: ويعكر عليه أن الظاهر من كلام الأصوليين أن اجتهاده صلى اللَّه عليه وسلّم والوحي قسمان. انتهى. هذا ما وقفت عليه من صفات الوحي. وأما صفة حامله: فمجيء جبريل عليه الصلاة والسلام في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح يتناثر من أجنحته اللؤلؤ والياقوت، وقد وقع ذلك مرتين: مرة في السماء ليلة المعراج، ومرة في الأرض، كما سيأتي بسط ذلك في أبواب المعراج. ومجيئه في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشّعر. وفي صورة دحية الكلبي. ومجيئه في صورة رجل غير دحية. نزول الوحي على لسان ملك الجبال كما سيأتي بيان ذلك في باب سفره إلى الطائف ونزوله على لسان إسرافيل، كما تقدم بيان ذلك. تنبيهات الأول: ذكر الإمام الحليمي رحمه اللَّه تعالى أن الوحي كان يأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ستة وأربعين نوعا، فذكرها. قال الحافظ: وغالبها من صفة حامل الوحي ومجموعها يدخل فيما ذكر. الثاني: استشكل تشبيه مجيء الوحي بصلصلة الجرس إذ المحمود لا يشبّه بالمذموم،

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 34.

إذ حقيقة التشبيه: إلحاق ناقص بكامل، والمشبّه الوحي وهو محمود، والمشبّه به صوت جرس وهو مذموم، لصحة النّهي عنه والتّنفير من موافقة ما هو عليه والإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم، فكيف يشبّه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟ والجواب: بأنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبّه بالمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخسّ وصف له بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، فالمقصود هنا بيان الحسّ فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم، والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوة وجهة طنين، فمن جهة القوة وقع التشبيه، ومن جهة الصوت وقع التنفير عنه، وعلّل بكونه مزمار الشيطان. قيل: ويحتمل أن يكون النهي وقع بعد السؤال. قال الحافظ: وفيه نظر. قال ابن بطال: وعلى مثل هذه الصفة تتلقى الملائكة الوحي من اللَّه تعالى، وقال التوربشتي: وهذا الصوت من الوحي تشبيها بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «إذا قضى اللَّه في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم. قالوا: الحق وهو العليّ الكبير» . رواه البخاري وغيره. قال القاضي: ما جاء من مثل ذلك يجري على ظاهره وكيفية ذلك وصورته مما لا يعلمه إلا اللَّه تعالى أو من أطلعه اللَّه تعالى على شيء من ذلك من ملائكته ورسله، وما يتأوّل هذا ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان، إذ جاءت به الشريعة ودلائل العقل لا تحيله انتهى. والصلصلة المذكورة: قيل صوت الملك بالوحي. وقيل صوت حفيف أجنحة الملائكة. قال الخطّابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد. قوله: خضعانا- بفتحتين، وبضم أوله وسكون ثانيه: مصدر بمعنى خاضعين. كأنه: أي القول المسموع. الصّفوان: الحجر الأملس. الثالث: الحكمة في تقديم الصلصلة أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره، فلما كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا بتدارك وقع التشبيه به دون غيره من الآلات. الرابع: دلّ قوله «وهو أشدّه عليّ» أن الوحي كله شديد ولكن هذه الصفة أشدها، وهو

واضح لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل لغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشد بلا شك. قال الإمام البلقيني: وسبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدّمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به، كما في حديث ابن عباس: كان يعالج من التنزيل شدة. قال الإمام البلقيني: وسبب ذلك أن الكلم العظيم له مقدّمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به، كما في حديث ابن باس: كان يعالج من التنزيل شدة. قال: وقال بعضهم: وإنما كان أشدّه عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع. انتهى. الخامس: قيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد. قال الحافظ: وفيه نظر. والظاهر أنه لا يختص بالقرآن كما في حديث يعلى بن أمية في قصة لابس الجبّة المتضمّخ بالطيب. وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزّلفى. السادس: عبّر بقوله: «فيفصم عنيّ وقد وعيت» بالماضي وفي: «فيكلّمني فأعي» بالاستقبال. لأن الوعي حصل في الأول قبل الفصم، وفي الثاني حصل حالة المكالمة وإنه كان في الأول قد تلبس بصفات الملائكة فإذا عاد إلى حالته الجبلّية كان حافظا لما قيل له، فعبّر عنه بالماضي، بخلاف الثاني فإنه على حالته المعهودة. السابع: قال إمام الحرمين [ (1) ] : تمثّل جبريل رجلا معناه أن اللَّه تعالى أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام [ (2) ] : فإن قيل إذا أتى جبريل النبي صلى اللَّه عليه وسلم في صورة دحية فأين تكون روحه: أفي الجسد الذي يشبّه بجسد دحية؟ أم في الجسد الذي خلق عليه له ستمائة جناح؟ فإن كان في الجسد الأعظم فما الذي أتى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جبريل، لا

_ [ (1) ] عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن محمد، العلامة إمام الحرمين، ضياء الدين، أبو المعالي بن الشيخ أبي محمد الجويني مولده في المحرم سنة تسع عشرة وأربعمائة. وتوفى أبوه وله عشرون سنة، فأقعد مكانه للتدريس فكان يدرس ويخرج إلى مدرسة البيهقي حتى حصل أصول الدين وأصول الفقه على أبي القاسم الاسفراييني الإسكاف. ومن تصانيفه «النهاية» جمعها بمكة وحررها بنيسابور و «الأساليب في الخلاف» و «البرهان» في أصول الفقه. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 255، 256، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 249، ووفيات الأعيان 2/ 341. [ (2) ] [عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن، الشيخ الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، عز الدين، أبو محمد، السلمي، الدمشقي ثم المصري] (1) . ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، وتفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر (2) والقاضي جمال الدين بن الحرستاني (3) ، وقرأ الأصول على الآمدي (4) وبرع في المذهب، وفاق فيه الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم من التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والعربية، واختلاف الناس ومآخذهم، حتى قيل: إنه بلغ رتبة الاجتهاد. قال الشيخ قطب الدين اليونيني: كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار. وقال الشريف عز الدين: حدث، ودرس، وأفتى، وصنف، وتولى الحكم بمصر مدة. [انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 109، 110، 111، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 80] .

من جهة روحه ولا من جهة جسده، وإن كانت في الجسد المشبّه بجسد دحية فهل يموت الجسد الذي له ستمائُة جناح كما تموت الأجساد إذا فارقتها الأرواح؟ أم يبقى حيّا خاليا من الروح المتنقلة بالجسد المشبّه بجسد دحية؟ قلت: لا يبعد أن يكون انتقالها من الجسد الأول غير موجب لموته لأن موت الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلاً، وإنما هو بعادة مطّردة أجراها اللَّه في أرواح بني آدم، فيبقى ذلك الجسد حيّا لا ينقص، من معارفه وطاعاته شيء، ويكون انتقال روحه إلى الجسد الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف الطيور الخضر. انتهى. وقال الشيخ سراج الدين البلقيني في كتابه «الفيض الجاري على صحيح البخاري» : يجوز أن يكون الآتي هو جبريل بشكله الأول، إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل، وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته، ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد أن كان منفوشا، فإنه بالنفش تحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغيّر وهذا على سبيل التقريب. وقال العلامة علاء الدين القونوي [ (1) ] شارح الحاوي في كتاب «الأعلام بإلمام الأرواح بعد الموت على الأجسام» : قد كان جبريل عليه الصلاة والسلام يتمثّل في صورة دحية وتمثّل لمريم بشرا سويّا، وفي الممكن أن يخص اللَّه بعض عباده في حال الحياة بخاصة لنفسه الملكيّة القدسية وقوة لها يقدر بها على التصّرف في بدن آخر غير بدنها المعهود مع استمرار تصرفها في الأول. وقد قيل في الأبدال: إنهم إنما سمّوا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم شبحا آخر تشبيها بشبحهم الأصلي بدلا عنه، وقد أثبت الصوفية عالما متوسّطا بين عالمي الأجساد والأرواح، وبنوا على ذلك تجسّد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال، وقد يستأنس لذلك بقوله تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا فتكون الروح الواحدة كروح جبريل مثلا في وقت واحد مدبّرة لشبحه الأصلي، ولهذا الشبح المثال، وينحلّ بهذا ما قد اشتهر نقله عن بعض الأئمة أنه سأل بعض الأكابر عن جسم جبريل فقال: أين كان يذهب ما قد اشتهر نقله عن بعض الأئمة أنه سأل بعض الأكابر عن جسم جبريل فقال: أين كان يذهب جسمه الأول- الذي يسدّ الأفق بأجنحته لمّا تراءى للنبي صلى اللَّه عليه وسلم في صورته الأصلية- عند إتيانه إليه في صورة دحية؟ وقد تكلف بعضهم الجواب عنه بأنه يجوز أن يقال:

_ [ (1) ] محمود بن علي بن إسماعيل بن يوسف، العالم، محب الدين أبو الثناء بن الإمام العلامة علاء الدين، التبريزي، القونوي الأصل المصري. ولد بمصر سنة تسع عشرة وسبعمائة، وتوفي والده وهو صغير، فاشتغل، وأخذ عن مشايخ العصر، ودرس وأشغل، وأفتى، وصنف. ذكره رفيقه الإسنوي في طبقاته، وبالغ في المدح له والثناء عليه، فقال: كان صاحب علم وعمل وطريقة لا عوج فيها ولا خلل. كان عالما بالفقه وأصوله، فاضلا في العربية والمعاني والبيان، صالحا، مجتهدا في العبادة والتلاوة، كثير الاشتغال والإشغال محافظا على أوقاته، توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. الطبقات لابن قاضي شهبة 3/ 72، 73، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 247. وطبقات الأسنوي

كان يندمج بعضه في بعض إلى أن يصغر حجمه فيصير بقدر صورة دحية، ثم يعود وينبسط إلى أن يصير كهيئته الأولى. وما ذكره الصوفية أحسن، ويجوز أن يكون جسمه الأول بحاله لم يتغير، وقد أقام اللَّه له شبحا آخر وروحه متصرّفة فيهما جميعا في وقت واحد. انتهى. وقال العلامة شمس الدين بن القيّم في كتاب الرّوح: للروح شأن غير شأن الأبدان، فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة ببدن الميت بحيث إذا سلّم المسلّم على صاحبها رد عليه السلام وهي في مكانها هناك، وهذا جبريل رآه النبي صلى اللَّه عليه وسلم وله ستمائة جناح منها جناحان سدّ الأفق، وكان يدنو من النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه، وقلوب المؤمنين تتسع للإيمان بأن من الممكن أنه كان يدنو هذا الدنوّ وهو في مستقره من السموات. وفي الحديث في رؤية جبريل: «فرفعت رأسي فإذا جبريل صافّ قدميه بين السماء والأرض يقول: يا محمد أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، فجعلت لا أصرف بصري إلى ناحية إلا رأيته كذلك» . وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد، فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره. وهذا غلط محض. وقال الحافظ: إنّ تمثّل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنّسا لمن يخاطبه، والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط. واللَّه أعلم. انتهى. الثامن: قال الحافظ: ودويّ النحل في حديث عمر لا يعارض صلصلة الجرس لأن سماع الدويّ بالنسبة إلى الحاضرين والصلصلة بالنسبة إلى مقامه صلى اللَّه عليه وسلّم. التاسع: في بيان غريب ما سبق: روح القدس: جبريل عليه الصلاة والسلام لأنه خلق من محض الطهارة. نفث في روعي: يعني جبريل أوحى إليّ من النفث بالفم المثلثة، وهو شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل، لأن التّفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق. الرّوع- بضم الراء: النّفس. الصلصلة [ (1) ] : صوت الحديد إذا حرّك، يقال صلّ الحديد وصلصل، والصلصلة أشد من الصّليل.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 4/ 2486.

الجرس: مثال يشبه الجلجل الذي يعلقه الجهّال في رؤوس الدواب. يفصم عني: بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع وينجلي، ويروى بضم أوله من الرباعي وفي رواية بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمفعول وأصل الفصم القطع. وقيل بالفاء: القطع بلا إبانة وبالقاف القطع بإبانة، فعبّر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العلقة.

الباب الثاني عشر في فترة الوحي وتشريف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة بعد النبوة

الباب الثاني عشر في فترة الوحي وتشريف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلّم بالرسالة بعد النبوة روى ابن سعد عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، والإمام أحمد والبخاري والبيهقي عن الزهري رحمه اللَّه تعالى، والشيخان عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما، قال الأوّلان: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما نزل عليه الوحي بحراء مكث أياما لا يرى جبريل، فحزن لذلك حزنا شديدا- ولفظ الزهري: فتر الوحي فترة فيما بلغنا- غدا منه مرارا حتى يتردّى من رؤوس شواهق الجبال. ولفظ ابن عباس: حتى كاد يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء مرة أخرى، يريد أن يلقي نفسه منه. فبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كذلك عامدا لبعض تلك الجبال. قال الزهري: فكلما وافى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدّى له جبريل فقال له: يا محمد أنت رسول اللَّه حقا فيسكن لذلك جأشه وتقرّ عينه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل. فقال له مثل ذلك. قال جابر: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فبينا أنا أمشي إذا سمعت صوتا فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، ثم نوديت فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي- وفي لفظ: على عريش بين السماء والأرض فرعبت منه. - وفي لفظ فجثثت. وفي لفظ فجثثت- فرقا حتى هويت إلى الأرض. فرجعت حتى أتيت خديجة فقلت: زمّلوني زملوني، وفي لفظ دثّروني دثروني صبّوا علي ماء باردا، فانزل اللَّه تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أي المتلفّف بثيابه عند نزول الوحي عليه قُمْ فَأَنْذِرْ خوّف الناس بالنار إن لم يؤمنوا وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عظّم عن إشراك المشركين وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ عن النجاسة، أو قصّر خلاف جرّ العرب ثيابهم للخيلاء فربما أصابتها النجاسة. وَالرُّجْزَ فسره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأوثان. فَاهْجُرْ أي دم على هجره [ (1) ] . قال ابن عباس والزّهريّ: فتتابع الوحي وحمي. قال ابن إسحاق ومتابعوه: وجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه، وهو الذي أكرمه بما أكرمه ما ودّعه وما قاله فقال تعالى: وَالضُّحى أول النهار أو كله وَاللَّيْلِ إِذا سَجى

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 545 (4924) .

تنبيهات

غطّى بظلامه أو سكن ما وَدَّعَكَ تركك يا محمد رَبُّكَ وَما قَلى ما بغضك، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ لما فيها من الكرامات مِنَ الْأُولى الدنيا وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلا فَتَرْضى به. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار» . وإلى هنا تمّ جواب القسم بمثبتين بعد منفيّين. أَلَمْ يَجِدْكَ استفهام تقريري أي وجدك يَتِيماً بفقد أبيك قبل ولادتك فَآوى بأن ضمك إلى عمك أبي طالب وَوَجَدَكَ ضَالًّا عما أنت عليه من الشريعة فَهَدى أي هداك إليها وَوَجَدَكَ عائِلًا أي فقيرا فَأَغْنى بما قنَّعك به من الغنيمة وغيرها. وفي الحديث: «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» . فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ بأخذ ماله أو غير ذلك وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ تزجره لفقره وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ عليك بالنبوة وغيرها فَحَدِّثْ أخبر. وحذف ضميره صلى اللَّه عليه وسلم في بعض الأفعال لذكره أولا، رعاية للفواصل. تنبيهات الأول: قال الحافظ: فترة الوحي عبارة عن تأخرّه مدة من الزمان، وليس المراد بفترته بين نزول اقْرَأْ وأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ عدم مجيء جبريل إليه بل تأخر نزول الوحي فقط. قلت: وفيه نظر، لما سبق أول الباب عن ابن عباس والزهري. الثاني: الحكمة في فترة الوحي- واللَّه أعلم- ليذهب عنه ما كان يجده صلى اللَّه عليه وسلّم من الرّوع وليحصل له التشوق إلى العود. الثالث: اختلف في مقدار مدة الفترة: فقال السّهيلي: جاء في بعض الأحاديث المسندة أنها كانت سنتين ونصف سنة. قال في «الزّهر» : ويخدش فيه ما ذكره ابن عباس في تفسيره أنها كانت أربعين يوما وفي تفسير ابن الجوزي ومعاني الزجّاج والفرّاء: خمسة عشر يوما. وفي تفسير مقاتل: ثلاثة أيام. ولعل هذا هو الأشبه بحاله عند ربه لا ما ذكر السهيلي واحتج لصحته. وقال الحافظ فما رأيته بخطه في الفتح: وهذا الذي اعتمده السهيلي لا يثبت وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس: أن مدة الفترة المذكورة كانت أياما. قال: وسيأتي مزيد لذلك في كتاب التعبير، إن شاء اللَّه تعالى. قلت: راجعت كتاب التعبير من نسخة بغير خطه فألفيته قال: قوله: «وفتر الوحي» تقدم القول في مدة هذه الفترة في أول الكتاب. انتهى فليراجع خطه، فعله يكون الحق ذلك في

نسخته بعد. الرابع: وقع في بعض النسخ القديمة من الفتح وتبعه الشيخ وشيخنا القسطلاني في شرحيهما أن الإمام أحمد روى في تاريخه عن الشعبي أن فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وأن ابن إسحاق جزم بذلك. قلت: وهذا وهم بلا شك، وعزو ذلك لجزم ابن إسحاق أشدّ، وكأنَّ الحافظ قلّد في ذلك ولم يراجع التاريخ المذكور، فإن الموجود فيه وفي الطبقات لابن سعد ودلائل البيهقي عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل عليه القرآن على لسان، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة. الخامس: قال الحافظ ابن كثير في البداية: قال بعضهم: كانت الفترة قريبا من سنتين أو سنتين ونصف والظاهر واللَّه أعلم أنها المدة التي اقترن معه ميكائيل كما قال الشّعبي وغيره، ولا ينفي هذا تقدّم إيحاء جبريل إليه أولا: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ثم حصلت الفترة التي اقترن معه ميكائيل، ثم اقترن به جبريل بعد نزول: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ثم حمي الوحي بعد هذا وتتابع. قلت: الثابت عن الشّعبي إنما هو إسرافيل كما تقدم لا ميكائيل، وإن كان ابن التّين جزم به، ولتتأمل عبارة الشّعبي إن كانت تفهم ما قال أنه الظاهر. السادس: روى البخاري في بدء الوحي وتفسير سورة اقرأ من طريق ابن شهاب: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يحدث عن فترة الوحي: قال في حديثه: بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء ... وذكر الحديث. وفي تفسير سورة المزمّل من طريق علي بن المبارك، ومن طريق حرب بن شدّاد، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، قال سالت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أيّ القرآن أنزل أول؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فقلت: أنبئت أنه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال جابر: لا أخبرك إلا بما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت» فذكر الحديث السابق. قال الحافظ: رواية الزّهري تدل على أن المراد بالأوّلية في قوله: أول ما نزل سورة المدثر. أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي، أو مخصوصة بالإنذار، لا أن المراد بها أوّلية مطلقة، وإنما أتى بحرف العطف ليعلم أنه معطوف على ما سبق، كأنه قال عروة بكذا. أي بحديث عائشة في بدء الوحي ونزول سورة اقرأ.

ثم قال الحافظ: ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة فإنها دالة على تقدم شيء عطفته، ودلّ قوله: «عن فترة الوحي» وقوله: «الملك الذي جاءني بحراء» على تأخر نزول يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ عن اقْرَأْ. ولمّا خلت رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر، عن هاتين الجملتين أشكل الأمر فجزم من جزم بأن يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أول ما نزل. ورواية الزهري هذه الصحيحة ترفع ذلك الإشكال. وقال في التفسير: والمشكل من رواية يحيى قوله: «جاورت بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت» إلى أن قال: «فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء، يعني جبريل، فأتيت خديجة فقلت: «دثّروني» ويزيل الإشكال أحد أمرين: إما أن يكون سقط على يحيى أو شيخه من القصة مجيء جبريل بحراء ب اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وسائر ما ذكرته عائشة. وإما أن يكون جاور صلى الله عليه وسلّم بحراء شهرا آخر، ففي مرسل عبيد بن عمير عند البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجاور في كل سنة شهرا وهو رمضان، وكان ذلك في مدة فترة الوحي، فعاد إليه جبريل بعد انقضاء جواره. وقال الحافظ أيضا: فكأن من قال من أول ما نزل اقرأ أراد أولية مطلقة ومن قال يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أراد بقيد التصريح بالإرسال. وقال الكرماني: استخرج جابر أن أول ما نزل يا أيها المدثر باجتهاده وليس هو من روايته، والصحيح ما وقع في حديث عائشة. السابع: قال عطاء الخراساني: إن سورة المزمل نزلت قبل سورة المدثر. قال الحافظ: عطاء ضعيف وروايته معضلة. وظاهر الأحاديث الصحيحة تأخر المزمّل لأن فيها ذكر قيام الليل وغير ذلك مما تراخى عند ابتداء الوحي، بخلاف المدثر فإن فيها قُمْ فَأَنْذِرْ. وقال في موضع آخر: يعرف من اتحاد الحديثين في نزول يا أيها المدثر عقيب قوله: «دثّروني» و «زمّلوني» أن المراد بزملوني دثروني، ولا يؤخذ من ذلك نزول يا أيها المزمل حينئذ، لأن نزول يا أيها المزمل تأخر عن نزول يا أيها المدثر بالاتفاق، لأن أول يا أيها المدثر الأمر بالإنذار، وذلك أول ما بعث، وأول المزمّل الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن، فيقتضي تقدم نزول كثير من القرآن قبل ذلك. الثامن: هذا القدر الذي نزل من المدثر فيه محصّل ما يتعلق بالرسالة. ففي الآية الأولى المؤانسة بالحالة التي هو عليها من التدثّر، إعلاما بعظم قدره وتقدم في اسمه «المدّثر» و «المزمل» زيادة لذلك. فراجعه.

وفي الثانية: الأمر بالإنذار قائما، وحذف المفعول تخفيفا. والمراد بالقيام إما حقيقة، أي قم من مضجعك، أو مجازا، أي قم مقام تصميم. وأما الإنذار فالحكمة في الاقتصار عليه هنا- فإنه أيضا بعث مبشّرا- لأن ذلك كان أول الإسلام، فمتعلّق الإنذار محقّق فلما أطاع من أطاع نزلت: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [الأحزاب 45] . وفي الثالثة: تكبير الربّ تمجيدا وتعظيما، ويحتمل الحمل على تكبير الصلاة، كما حمل الأمر بالتطهير على طهارة البدن والثياب، وهي الآية الرابعة. أما الخامسة فهجران ما ينافي التوحيد وما يؤول إلى العذاب وحصلت المناسبة بين السورتين المبتدأ بهما النزول فيما اشتملتا عليه من المعاني الكثيرة باللفظ الوجيز في عدة ما نزل من كل منهما ابتداء. التاسع: ما ذكره ابن إسحاق من سبب نزول سورة الضحى رواه الطبراني من طريق العوفي، وهو ضعيف، عن ابن عباس. ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير ذكره سليمان التّيمي في السيرة التي جمعها. قال الحافظ: وكل هذه الروايات لا تثبت بحال، ويخالفها ما رواه الشيخان في سبب نزولها عن جندب بن سفيان البجلي رضي اللَّه تعالى عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اشتكى فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم يقربك منذ ليلتين أو ثلاث، فانزل اللَّه تعالى: وَالضُّحى إلى آخر السورة. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: والحق أن الفترة التي في سبب نزول سورة الضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي فإنها دامت أياما وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثا، فاختلطتا على بعض الرواة. وتحقيق الأمر ما بينته. وذكر الحافظ ابن كثير نحوه. قال الحافظ: ووقع في السيرة لابن إسحاق في سبب نزولها شيء آخر فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وغيره ووعدهم بالجواب ولم يستثن، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشر ليلة، فضاق صدره وتكلّم المشركون فنزل جبريل بسورة الضحى وبجواب ما سألوا. قال الحافظ: ونزول سورة الضحى هنا بعيد لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربا، فضمّ بعض الرواة إحدى القصتين إلا الأخرى، وكلّ منهما لم يكن في ابتداء المبعث، وإنما كان بعده بمدة.

وعند الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب إبطاء جبريل كون جرو كلب تحت سريره صلى الله عليه وسلّم لم يشعر به، فأبطأ عنه جبريل كذلك. وقضية إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة، لكن كونها سبب نزول هذه السورة شاذ مردود بما في الصحيح، وكلّ ما خالفه فغير ثابت. العاشر: قال الإسماعيليّ: كان من مقدّمات تأسيس النبوة فترة الوحي ليتدرّج فيه ويتمرّن عليه، فشق عليه فتوره إذا لم يكن خوطب عن اللَّه تعالى بعد: أنك رسول اللَّه ومبعوث إلى العباد، فأشفق أن يكون ذلك أمرا بدئ به ثم لم يرد استتمامه، فحزن لذلك، حتى إذا اندرج على احتمال أعباء النبوة والصبر على ثقل ما يرد عليه فتح اللَّه له من أمره بما فتح. قال: ومثال ذلك ما وقع له من أول ما خوطب ولم يتحقق الحال على جليّتها مثل رجل سمع آخر يقول: الحمد للَّه. فلم يتحقق أنه يقرأ حتى إذا وصلها بما بعدها من الآيات تحقق أنه يقرأ، وكذا لو سمع قائلا يقول: خلت الديار ولم يتحقق أنه ينشد شعرا حتى يقول: محلّها ومقامها. انتهى ملخصا. ثم قال: وأما إرادة إلقاء نفسه من رؤوس الجبال بعد ما نبّئ فلضعف قوته عن حمل ما حمّله عن أعباء النبوة، وخوفا مما حصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعا، كما يطلب الرجل الراحلة من غم يناله في العاجل بما يكون فيه زواله عنه لو أفضى إلى هلاك نفسه عاجلا، حتى إذا تفكّر فيما في صبره على ذلك من العقبى المحمودة صبر واستقرّت نفسه. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: أما الإرادة المذكورة أولا: ففي صحيح الخبر أنه كانت حزنا على ما فاته من الأمر الذي بشّره به ورقة. وأما الإرادة الثانية بعد أن تبدّى له جبريل وقال له: أنت رسول اللَّه حقا فيحتمل ما قاله. والذي يظهر لي أنه بمعنى الذي قبله. وأما المعنى الذي ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجيء جبريل، ويمكن أن يؤخذ مما رواه الطبراني من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب فذكر نحو حديث البخاري وفيه: فقال: يا محمد أنت رسول اللَّه حقا. قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق الجبل أي من علوّه. انتهى. الحادي عشر: في بيان غريب ما تقدم: عدا: بعين مهملة: من العدو وهو الذهاب بسرعة، وبإعجامها من الذهاب غدوة. يتردّى: يسقط. شواهق: جمع شاهق وهو الجبل العالي.

يغدو- بإعجام الغين وإهمالها. ثبير- بثاء مثلثة مفتوحة فباء موحدة مكسورة فمثناة تحتية فراء. عامدا: قاصدا. بذروة جبل: بتثليث الذال: أعلاه. تبدّى له جبريل: أي ظهر. جأشه [ (1) ]- بجيم مفتوحة فهمزة ساكنة وقد تسهّل فشين معجمة، أي نفسه. قاله الخليل فعلى هذا فقوله: تقرّ نفسه: بفتح المثناة الفوقية والقاف توكيد لفظي. استبطنت الوادي: دخلت بطنه. فرعبت: فزعت. جئثت- بجيم مضمومة فهمزة مكسورة فمثلثة ساكنة فمثناة فوقية: أي فزعت، وفي رواية جثثت بمثلثتين من جثي الرجل كعني أيضا: فزع قال في التقريب: وما سواهما تصحيف. فرقا: خوفا. هويت إلى الأرض: سقطت.

_ [ (1) ] اللسان 1/ 529 والمعجم الوسيط 1/ 103.

الباب الثالث عشر في معنى الوحي والنبي والرسول والنبوة والرسالة

الباب الثالث عشر في معنى الوحي والنبيّ والرسول والنبّوة والرسالة الوحي: مصدر وحى إليه يحي من باب وعد، وأوحى إليه بالألف مثله، وجمعه وحيّ. والأصل فعول مثل فلوس. وبعض العرب يقول وحيت إليه ووحيت له وأوحيت إليه وله. وهو هنا لغة: الإعلام في خفاء، وقيل الإعلام بسرعة. وشرعا: الإعلام بالشرع. وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه أي الموحى، من إطلاق المصدر على المفعول. قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم 4] . وهو كلام اللَّه المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم. وبسطت الكلام على الوحي ومعانيه في القول الجامع الوجيز فراجعه. والرسول: إنسان ذكر أوحي إليه بالعمل والتبليغ، فعول من الرسالة، وهي قول اللَّه تعالى لمن اصطفاه: أرسلتك أو بعثتك فبلّغ عني. وقيل هي سفارة بين اللَّه وبين ذوي الألباب من خليقته. وهي أفضل من النبوة، لأنها تثمر هداية الأمة، والنبوة قاصرة على النبي كالعلم والعبادة. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: النبوة أفضل لأنها الوحي بمعرفته تعالى وصفاته فهي متعلقة باللَّه من طرفيها، والرسالة الأمر بالتبليغ فهي متعلقة باللَّه من أحد الطرفين. وأجيب بأنها تستلزم النبوة فهي مشتملة عليها، لأنها كالرسول أخصّ من النبوة التي هي أعمّ كالنبي، وهو بمعنى المرسل فعول بمعنى مفعل، وذلك نادر. وإرساله: أمر اللَّه تعالى له بالبلاغ إلى من أرسل إليهم، واشتقاقه من التتابع ومنه: جاء الناس أرسالا، إذا تبع بعضهم بعضا، فكأنه ألزم بتكرير التبليغ أو ألزمت الأمة اتباعه. والنبي: إما أن يكون بمعنى منبّأ- بفتح الباء- لأن اللَّه تعالى أطلعه على غيبه وأعلمه أنه نبيّه، فهو فعيل بمعنى مفعول، أو بمعنى منبي أي مخبر للناس ما أوحى إليه فهو فعيل بمعنى فاعل، وهو بلا همز على الأكثر، قيل مخفف المهموز بقلب همزته ياء، وقيل إنه في الأصل من النّبوة- بفتح النون وسكون الباء- وهي الرّفعة لأن رتبته مرفوعة على سائر الخلق، وبالهمز من النبأ وهو الخبر لأنه مخبر عن اللَّه تعالى وقد لا يهمز على هذا أيضا للتسهيل. وهو: إنسان ذكر أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بذلك فهو رسول أيضا. وقيل: وإن أمر بتبليغه ولم يكن له كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله فهو نبي، وإن كان له ذلك فهو رسول. فالرسول أخصّ من النبي على القولين. وقيل هما مترادفان لقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ [الحج 52] فأثبت لهما الإرسال معا.

تنبيهات

وأجيب بأنهما لو كانا مترادفين لم يحسن تكرارهما في بليغ الكلام. وفي الآية إضمار تقديره: وما أرسلنا من رسول ولا نبَّأنا من نبيّ كما في قوله: ورأيت روحك في الوغى ... متقلّدا سيفا ورمحا أي وحاملا رمحا. وقال الآمديّ [ (1) ] رحمه اللَّه تعالى- بعد حكايته مذهب الفلاسفة في النبوّة، وقول من قال إن النبي من علم كونه نبيّا وقول من قال: إن النبوة سفارة بين الحق والخلق وتزييف كل منها- والحقّ ما ذهب إليه أهل الحق من الأشاعرة وغيرهم من أن النبوة ليست راجعة إلى ذاتيّ من ذاتيات النبيّ ولا إلى عرض من أعراضه المكتسبة له، بل هي موهبة من اللَّه تعالى ونعمة منه عليه يجعله متأهّلا للرسالة، وحاصلها يرجع إلى قول اللَّه تعالى لمن اصطفاه من عباده: أرسلتك أو بعثتك فبلّغ عني. انتهى. فعلم بذلك: أن النبوة والرسالة من الصفات الاعتبارية كالولاية للوليّ والإمامة للسلطان ونحو ذلك، لأن القول لا يوجب لمتعلّقه صفة كما صرح به القاضي عضد الدين. تنبيهات الأول: لا يلزم من كون الرسالة قول اللَّه: أرسلتك. أن تكون قديمة ضرورة قدم الكلام الرباني، لأن الرسالة ليست الكلام القديم فقط، بل الكلام القديم بصفة كونه متعلّقا بالمخاطب، والتعلق والمتعلّق- بفتح اللام- حادث غير قديم. الثاني: روى الحاكم أن رجلا قال: يا نبي اللَّه- أي بالهمز- فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لست نبيء اللَّه ولكني نبي اللَّه» [ (2) ] قال الذّهبي: إنه حديث منكر وفي سنده حمدان بن أعين وليس بثقة، وعلى تقدير صحته فأجيب عنه بأن أبا زيد حكى: نبأت من أرض إلى أرض أخرى، أي خرجت منها إليها، فإذا قال: يا نبيء اللَّه احتمل أن يريد يا طريد اللَّه الذي أخرجه من بلده إلى غيرها فنهاه عن ندائه بلفظ النبيء مهموزا. ونظيره نهى المؤمنين عن قولهم له «راعنا» لأن اليهود وجدوا بذلك طريقا إلى سبّه.

_ [ (1) ] علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، سيف الدين الآمدي شيخ المتكلمين في زمانه ومصنف الأحكام. ولد بآمد بعد الخمسين وخمسمائة بيسير ورحل إلى بغداد وقرأ بها القراءات، وقرأ الهداية على مذهب الإمام أحمد. واشتغل على أبي الفتح بن المنى الحنبلي ثم تحول شافعيا وصحب أبا القاسم بن فضلان (6) ، واشتغل عليه في الخلاف وبرع فيه، ويحكى عن ابن عبد السلام أنه قال: ما تعلمنا قواعد البحث إلا منه، وأنه قال: ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن منه كأنه يخطب، وأنه قال: لو ورد على الإسلام متزندق يستشكل ما تعين لمناظرته غيره لاجتماع آلات ذلك فيه. توفى في صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة. [انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 79، 80، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 129، ووفيات الأعيان 2/ 455. [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 231 والعقيلي في الضعفاء 3/ 81 وذكره السيوطي في الدر 1/ 73.

الباب الرابع عشر في مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدي

الباب الرابع عشر في مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدى قال أبو موسى الأشعري رضي اللَّه تعالى عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن مثلي ومثل ما بعثني اللَّه تعالى به من الهدي والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيّبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا- وفي لفظ وزرعوا- وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين اللَّه ونفعه اللَّه بما بعثني به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى اللَّه الذي أرسلت به. رواه الشيخان [ (1) ] . ورويا أيضا والبيهقيّ عنه والإمام أحمد والرامهرمزي [ (2) ] في الأمثال عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فنادى ثلاث مرات: أيها الناس إن مثلي ومثل ما بعثني اللَّه به كمثل قوم خافوا عدوّا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم، فبينما هو كذلك إذ أبصر العدوّ فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه: أيها الناس أتيتم- ثلاث مرات- يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان فالنّجاء النجاء، فأطاعه، طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذّب طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق، ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحق [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود والبخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما قال ابن مسعود: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في حجري فنام وكان إذا رقد نفخ، فبينا أنا قاعد ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متوسّد فخذي إذ أتى رجال- وفي لفظ إنَّ هنينا أتوا عليهم ثياب بيض اللَّه أعلم بما بهم من الجمال، فانتهوا إليه فجلس بعض منهم عند رأس النبي صلى الله عليه وسلّم، وطائفة منهم عند رجليه. وفي رواية أخرى عن جابر: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 211 (79) ومسلم 4/ 1787 (15- 2282) . [ (2) ] الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي الفارسي، أبو محمد: محدث العجم في زمانه. من أدباء القضاة. أول سماعه بفارس سنة 290 له «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» في علوم الحديث، قال الذهبي: ما أحسنه من كتاب! وله غير ذلك توفى نحو 360 هـ[الأعلام 2/ 194] . [ (3) ] أخرجه البخاري 11/ 322 (6482) ومسلم 4/ 1788 (16- 2283) .

فقال بعضهم لبعض: لقد أوتي هذا العبد خيرا، ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي، إنّ عينيه نائمتان وقلبه يقظان. ثم قال بعضهم لبعض: هلم فلنضرب له مثلا، فقال بعضهم: اضربوا مثلا ونؤوّل نحن أو نضرب نحن وتؤوّلون أنتم. فقال بعضهم: اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك، إن مثلك- وفي لفظ: مثله- كمثل ملك، وفي لفظ: رجل. وفي لفظ: سيّد ابتنى بنيانا حصينا ثم جعل فيه مأدبة وبعث داعياً- وفي لفظ: رسولا- يدعو الناس إلى طعامه وشرابه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عذّبه عذابا شديدا. أوّلوها له يفقهها. فقال الآخرون: فأما السيّد: فهو ربّ العالمين. وأما البنيان: فهو الإسلام. والطعام: الجنة. والداعي: محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع اللَّه وكان في الجنة، ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى اللَّه وكان في النار، محمد فرق بين الناس. قال ابن مسعود: ثم إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استيقظ قال: ما رأيت يا بن أمّ عبد؟ هل سمعت ما قال هؤلاء؟ قال عبد الله: رأيت كذا وكذا. قال: هل تدري من هم؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: المثل الذي ضربوه: الرحمن، بنى الجنة ودعا إليها عباده، فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه وعذّبه، ما خفي علي شيء مما قالوا، وهم نفر من الملائكة. وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الجنادب والفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن- ويغلبنه فيقعن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها [ (1) ] . ولفظ مسلم: «فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم هلمّ عن النار فتغلبونني تقتحمون فيها» . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى فيما يرى النائم ملكين قعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته. فقال: مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذا أتاهم رجل في حلّة حبرة فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أتتبعوني؟ فقالوا: نعم فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء فأكلوا وشربوا وسمتوا فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحالة فجعلتم لي وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني؟ قالوا: نعم. فأوردهم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 315 كتاب الأنبياء (3426) ومسلم 4/ 1789 كتاب الفضائل (17- 2284) .

تنبيهات في بعض فوائد الحديث

رياضا معشبة وحياضا رواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا. فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحالة فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء، أن تتبعوني؟ قالوا: بلى. قال: فإن بين يديكم رياضا أعشب من هذه وحياضا أروى من هذه فاتبعوني. فقالت طائفة: صدق واللَّه لنتبعنّه. وقالت طائفة: رضينا بهذا نقيم عليه. تنبيهات في بعض فوائد الحديث الأول: المثل: بفتح المثلثة والمراد به هنا: الصفة العجيبة الشأن، أي صفتي وصفة ما بعثني اللَّه به من الأمر العجيب الشأن كصفة رجل أتى قوما إلى آخره. والهدى والعلم: أي الطريقة والعمل. روى: «من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من اللَّه إلا بعدا» . والغيث: المطر، وإنما اختير الغيث على سائر أسماء المطر ليؤذن باضطرار الخلق إليه حينئذ. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا [الشورى 28] وقد كان الناس في الزمن الأول قبل المبعث وهم على فترة من الرسل قد امتحنوا بموت القلب وذهاب العلم حتى أصابهم اللَّه برحمة من عنده فأفاض عليهم سجال الوحي السماويّ، فأشبهت حالهم حال من توالت عليه السّنون وأخلفتهم المخايل حتى تداركهم اللَّه بلطفه وأرخت عليهم السماء عزاليها، ثم كان حظّ كل فريق من تلك الرحمة على ما ذكره من الأمثلة والنظائر. قال القرطبي والنووي تبعا للقاضي: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدّين مثلا بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيى البلد الميّت فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبّه السامعين له بالأرض المختلفة التي نزل الغيث بها، فمنهم العالم المعلّم فهو بمنزلة الأرض الطيبة التي شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها. ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله ولم يتفقّه فيما جمع لكنه أدّاه لغيره فهو بمنزلة الأرض التي يستقرّ فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله «نضر اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها» [ (1) ] . ومنهم من سمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السّبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها.

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في ترتيب المسند 1/ 16 والترمذي 5/ 34 (2658) وأبو داود 4/ 68 (3660) وابن ماجة 1/ 84 (230) وأحمد في المسند 5/ 183.

قال الحافظ: وإنما أفرد الطائفتين الأولتين الممدوحتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النّفع بها. ثم ظهر لي إن في كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه والثاني: الأول منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يرفع بذلك رأسا» [ (1) ] أي أعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع. والثانية منه: من لم يدخل في الدين أصلا بل بلغه فكفر به، ومثالها الأرض الصمّاء الملساء المستوية التي تمرّ عليها الماء فلا تنتفع به، وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: «ولم يقبل هدى اللَّه الذي أرسلت به» . وقال الطّيبيّ: قال المطهّريّ: اعلم أنه ذكر في الأرض ثلاثة أقسام، وفي تقسيم الناس باعتبار قبول العلم قسمين: أحدهما من فقه في دين اللَّه إلى آخره. والثاني: من لم يرفع بذلك رأسا، يعني تكبّر ولم يقبل الدّين، يقال: لم يرفع فلان رأسه بهذا أي لم يلتفت إليه من غاية تكبّره، وإنما ذكره كذلك لأن القسم الأول والثاني من أقسام الأرض كقسم واحد من حيث إنه ينتفع به والثاني لا ينتفع به، وكذلك الناس قسمان: أحدهما من يقبل العلم وأحكام الدين. والثاني: من لا يقبلهما، وهذا يوجب جعل الناس في الحديث على قسمين: أحدهما ينتفع به والثاني لا ينتفع به. وأما في الحقيقة فالناس على ثلاثة أقسام: فمنهم من يقبل العلم بقدر ما يعمل به ولم يبلغ درجة الفتوى والتدريس وإفادة الناس فهو القسم الأول، ومنهم من يقبل من العلم بقدر ما يعمل به وبلغ أيضا درجة الفتوى والتدريس وإفادة الناس، فهو القسم الثاني، ومنهم من لا يقبل العلم، وهو القسم الثالث. قال الطيبي: اتفق الشارحون على هذا الوجه الثاني، وظاهر الحديث ينصر الوجه الأول، لأن الشّطر الأول من التمثيل مركب من أمرين، وذلك أن «أصاب منها طائفة» معطوف على «أصاب أرضا» والضمير في منها يرجع إلى مطلق الأرض المدلول عليه بقوله أرضا، ثم قسمت الأرض الأولى بحرف التعقيب في «فكانت» وعطف كانت على كانت قسمين، فيلزم اشتمال الأرض الأولى على الطائفة الطيبة وعلى الأجادب، والثانية على عكسها، فالواو في «وكانت» ضمّت وترا إلى وتر، وفي «وأصابت» شفعا إلى شفع، نظيره قوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ [فاطر 19] وقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [الأحزاب 35] قال في الكشاف: الفرق بين عطف الإناث على الذكور وعطف الزوجين على الزوجين أن الإناث والذكور جنسان مختلفان إذا اشتركا في حكم لم يكن بد من توسط العاطف بينهما، وأما العاطف الثاني فمن باب عطف الصفة على

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 211 (79) ومسلم 4/ 1787 (15- 2282) .

الصفة بحرف الجمع وكأن معناه: إن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات أعدّ اللَّه لهم. وأيضا أن أصل التمثيل مركّب من أمرين: الهدى والعلم لتغايرهما في الاعتدال، ويعضده مراعاة معنى التقابل بين الكلامين من إثبات الكلأ وإمساك الماء في إحداهما ونفيهما في الآخر على سبيل الحصر بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي قيعان» ثم تعقيبهما بالتفصيل في قوله: «فذلك مثل من فقه في دين اللَّه ونفعه» إلى آخر الحديث لأنه ذكر المثل فيه مرتين. ويؤيده ما ذكر النووي أن رعوا بالراء من الرعي. هكذا هو في جميع نسخ مسلم. ووقع في البخاري: «وزرعوا» وكلاهما صحيح. وإنما قلنا هذه الرواية تؤيد ما ذكرنا لأن في الكلام حينئذ لفّا ونشرا فإن «رعوا» مناسب لأنبتت الكلأ و «فشربوا وسقوا» للأجادب وأمسكت الماء. فيكون الضمير في نفع اللَّه بها ل «أرض» [ (1) ] ومعنى كليهما صحيح، لأن زرعوا متعلّق بالأول لا بالأجادب فإنه لا تكفي الشرب والسّقي فضلا عن الزرع. فعلى هذا يكون قد ذكر في الحديث الطرفان: الغالي في الاهتداء والغالي في الضلال، فعبّر عمن قبل هدى اللَّه والعلم بقوله: «فقه في الدين» إلى آخره. وكنى عمن أبى قبولهما بقوله «لم يرفع بذلك رأسا» وبقوله ولم يقبل هدى اللَّه لأن الثاني عطف تفسيريّ للأول، وترك الوسط وهو قسمان: أحدهما: الذي ينتفع بالعلم في نفسه فحسب، والثاني: الذي لم ينتفع هو بنفسه ولكن نفع الغير. وفي الحديث إشعار بأن الاستعدادات ليست بمكتسبة، بل هي مواهب ربّانية يختصّ بها من يشاء، وكمالها أن يفيض اللَّه تعالى عليها من المشكاة النبوية، فإذا وجد من يشتغل بغير الكتاب والسّنة وما والاهما علم أنه تعالى لم يرد به خيرا، فلا يعبأ باستعداده الظاهر، وأن الفقيه هو الذي علم وعمل وعلّم وفاقد أحدها فاقد هذا الاسم، وأن العالم العامل ينبغي أن يفيد الناس بعلمه كما يفيدهم بعمله، ولو أفاد بالعمل فحسب لم يحظ منه بطائل كأرض معشبة لا ماء فيها فلا يمرى مرعاها ولو اقتصر على القول لأشبه السّقي مجرّدا عن الرعي، فيشبه أخذه المستسقي، ولو منعهما معا كان كأرض ذات ماء وعشب حماها بعض الظّلمة عن مستحقّيها كما قال القائل: ومن منح الجهّال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم الطائفة، هنا: القطعة من الأرض. قبلت: بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول.

_ [ (1) ] في ألأرضا.

الكلأ: بالهمز بلا مد. وقوله: العشب: من ذكر الخاص بعد العام، لأن الكلأ يطلق على النّبت الرّطب واليابس معا والعشب للرطب فقط. أجادب [ (1) ]- بالجيم والدال المهملة جمع جدب بفتح الدال على غير قياس: وهي الأرض الصّلبة التي لا ينصبّ منها الماء. فنفع اللَّه بها: أي الأجادب وفي رواية: «به» أي الماء. رعوا: من الرعي وفي رواية: «زرعوا، من الزرع. قال النووي: كلاهما صحيح، ورجح القاضي الأول بلا مرجّح، لأن رواية زرعوا يدل على مباشرة الزرع ليطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم، وإن كانت رواية رعوا مطابقة لقوله أنبتت، لكن المراد أنها قابلة للإنبات. قيعان: بكسر القاف: جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت شيئا. فقه: بضم القاف أي صار فقيها. الثاني: في بعض فوائد الحديث الثاني: قال الأشرف: ذكر العينين إرشاد إلى أنه صلّى الله عليه وسلم متحقق عنده جميع ما أخبر عنه من الأمور تحقق من رأى شيئاً بعينه لا يعتريه وهم ولا يخالطه شك. وقال القاضي والنووي والطّيبي: قوله: «أنا النّذير العريان» مثل سائر يضرب لشدة الأمر ودنوّ المحذور وبراءة المحذّر عن التّهمة. وأصله: أن الرجل إذا رأى العدو وقد هجم على قومه وأراد أن يفاجئهم، وكان يخشى لحوقهم عند لحوقه تجرّد عن ثوبه وجعله على رأس خشبة وصاح ليأخذوا حذرهم ويستعدوا قبل لحوقهم، وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر وأغرب وأشنع منظرا، فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهّب للعدو. وقيل: الأصل فيه: أن رجلاً لقى جيشا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش وسلبوني فرأوه عريانا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا بصدقه لهذه لقرائن، فضرب صلى الله عليه وسلّم لنفسه ولما جاء به بذلك لما أبداه من المعجزات والخوارق الدالة على القطع بصدقه. تقريبا لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه.

_ [ (1) ] اللسان 1/ 557.

وقال الطيبي: وهذا التشبيه من التشبيهات المفرّقة، شبّه ذاته صلى الله عليه وسلّم بالرجل، وما بعثه اللَّه تعالى به من إنذار القوم بعذاب اللَّه القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبّح، وشبّه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذّب الرجل في إنذاره وصدّقه. وفي قول الرجل: أنا النذير العريان إلخ أنواع من التأكيد: أحدها: «بعيني» لأن الرؤية لا تكون إلا بها. وثانيها: قوله: «إني» و «أنا» وثالثها: «العريان» فإنه دال على بلوغ النهاية في قرب العدوّ. وفي ذلك تنبيه على أنه الذي يختص في إنذاره بالصدق والذي لا شبهة فيه، وهو الذي يحرص جدا على خلاص قومه من الهلاك. وقال في الفرقة الأولى: «فأطاعني» وقابله في الثانية ب «كذّب» ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق، ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان، كأنه جمع في كل من الفرقتين بين المعنيين. وإلى المعنيين أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني» إلى آخره. وأتبع قوله: «اجتاحهم» قوله «أهلكهم» إعلاما بأنه أهلكهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد. الجيش- بجيم فمثناة تحتية فشين معجمة. بعيني: روى بالإفراد وبالتثنية. النّجاء النجاء- بالمد فيهما، وبمد الأولى وقصر الثانية، وبالقصر فيهما تخفيفا، نصبا على المصدر أي أنجو النجاء أو على الإغراء أي اطلبوا النجاء تسرعوا الهرب. أدلجوا: بهمزة فسكون أي ساروا أول الليل كله على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة. مهلهم- بفتحتين- والمراد به الهينة والسكون. وبفتح أوله وسكون ثانيه: الإمهال وليس مرادا هنا. الطائفة هنا: الفرقة. صبّحهم: أتاهم صباحا هذا أصله، ثم كثر استعماله حتى استعمل فيمن طرق بغتة في أي وقت كان. اجتاحهم: بجيم فمثناة فوقية فألف فحاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته والاسم الجائحة وهي الهلاك، وأطلقت لأنها مهلكة. الثالث: في بعض فوائد الحديث الثالث: قال القاضي ناصر الدين البيضاوي في شرح المصابيح رحمه اللَّه تعالى: هذا الحديث يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون حكاية سمعها جابر من النبي صلى الله عليه وسلم فحكاها. وثانيهما: أن يكون إخبارا بما شاهده هو نفسه وانكشف له. وقول بعض الملائكة: «إن العين نائمة والقلب يقظان» مناظرة جرت بيانا وتحقيقا لما أنّ النفوس القدسية الكاملة لا يضعف إدراكها بضعف الحواس واستراحة الأبدان.

والفاء في «فمن أطاع محمدا» فاء السببية، أي لمّا كان الرسول يدعوهم إلى اللَّه تعالى بأمره وهو سفير من قبله فمن أطاع فقد أطاع اللَّه، ومن عصاه فقد عصى اللَّه. وقال الطيبي: قوله: «مثل كمثل رجل» مطلع للتشبيه، وهو مبني على أن هذا التشبيه ليس من التشبيهات المفرّقة كقول امرئ القيس: كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي شبّه القلوب الرطبة بالعناب، واليابسة بالحشف على التفريق، بل هو من التمثيل الذي ينتزع فيه الوجه من أمور معدودة متوهّمة منضمّ بعضها مع بعض إذا لو أريد التفريق لقيل: مثله كمثل داع بعثه رجل ومن ثمّ قدّمت الملائكة في التأويل الردّ على الداعي وعلى المضيف، وروعي في التأويل أدب حسن، حيث لم يصرح المشبّه بالرجل لكن لمّح في قوله: «من أطاع اللَّه» ما يدل على أن المشبّه من هو. ونظيره في التمثيل قوله تعالى: «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ» قال في الكشاف: ولي الماء الكاف وليس الغرض تشبيه الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحّل لتقديره، ومما هو بين في هذا قول لبيد: وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلّوها وغدواً بلاقع لم يشبّه الناس بالديار وإنما شبّه وجودهم فيها وسرعة زوالهم وفنائهم بحلول أهل الديار فيها ووشك نهوضهم عنها وتركها خلاء خاوية. وتحريره أن الملائكة مثّلوا سبق رحمه اللَّه تعالى على العالمين بإرسال الرحمة المهداة للخلق كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء 107] ثم إعداده الجنة للخلق ودعوته صلى الله عليه وسلّم إياهم إلى الجنة ونعيمها وبهجتها، ثم إرشاده للخلق بسلوك الطريق إليها واتباعهم إياه بالاعتصام بالكتاب والسنة المدليان إلى العالم السفلي، وكأن الناس واقعون في مهواة طبيعتهم، ومشتغلون بشهواتها، وأن اللَّه تعالى يريد بلطفه رفعهم فأدلى حبل القرآن والسنّة إليهم ليخلّصهم من تلك الورطة، فمن تمسك بها نجا وحصل في الفردوس والجناب الأقدس عند مليك مقتدر، ومن أخلد إلى الأرض هلك وأضاع نصيبه من رحمة اللَّه تعالى: بحال مضيف كريم بنى دارا وجعل فيها من ألوان الأطعمة المستلذّة والأشربة المستعذبة ما لا يحصى ولا يوصف ثم بعث داعيا إلى الناس يدعوهم إلى الضيافة إكراما لهم، فمن تبع الداعي نال من تلك الكرامة، ومن لم يتبع حرم منها. ثم إنهم وضعوا مكان حلول سخط اللَّه تعالى بهم ونزول العقاب السّرمد عليهم قولهم: «لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة» لأن فاتحة الكلام سيقت لبيان سبق الرحمة على

الغضب فلم يطابق أن لو ختم بما يصرّح بالعذاب والغضب، فجاءوا بما يدل على المراد على سبيل الكناية. وقولهم: «محمّد فرق بين الناس» كالتذييل للكلام السّابق، لأنه مشتمل على معناه ومؤكد له في حضور الملائكة ورجع بعض الكلام على بعض، وتمثيلهم ذلك ووضعهم المظهر موضع المضمر في مواضع من الحديث، وتكرير الألفاظ مرة بعد أخرى، وفي تقديم المجمل ممثّلا به وتأويله، دلالة على الإرشاد التام وإزاحة للعلل وإيقاظ للسامعين من رقدة الغفلة وسنة الجهالة، وحثّ لهم على الاعتصام بالكتاب والسّنة والإعراض عما يخالفهما من البدعة والضلالة. المأدبة: قال ابن خطيب الدهشة في تقريبه بالفتح والضم: الطعام يدعى إليه الناس. أوّلوها: أي فسّروا الحكاية أو التمثيل بمحمد صلى الله عليه وسلم، من أوّل تأويلا إذا فسّر بما يؤول إليه الشيء، والتأويل في اصطلاح العلماء: تفسير اللفظ بما يحتمله احتمالا غير بيّن. فرّق: روى بالتشديد أي على صيغة الفعل وبالسكون على المصدر وصف به للمبالغة كالعدل، أي هو الفارق بين المؤمن والكافر والصالح والفاسق، إذ به تميزت الأعمال والعمّال. الرابع: في بعض فوائد الحديث الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: «مثلي» أي في دعاء الناس إلى الإسلام المنقذ لهم من النار ومثل ما تزيّن لهم أنفسهم من التمادي على الباطل «كمثل رجل» إلى آخره والمراد تفسير الجملة بالجملة، لا تمثيل فرد بفرد. قال النووي: مقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلّم شبّه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه إياهم، والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه. وقال القاضي: أبو بكر بن العربي: هذا مثل كثير المعاني، والمقصود أن الخلق لا يأتون ما يجرّهم إلى النار على قصد الهلكة، وإنما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة، كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها بل لما يعجبه من الضياء، وقد قيل إنها لا تبصر بحال وهو بعيد. وإنما قيل إنها تكون في ظلمة فإذا رأت الضياء اعتقدت أنه كوّة يستظهر منها النور فتقصده لأجل ذلك فتحترق وهي لا تشعر، وقيل إن ذلك لضعف بصرها فتظن أنها في بيت مظلم وأن السراج كوّة فترمي نفسها إليها وهي من شدة طيرانها تجاوزه فتقع في الظّلمة فترجع فتحترق.

وقيل: إنها تتضرر بشدة النور فتقصد إطفاءه فشدة جهلها تورّط نفسها فيما لا قدرة لها عليه. وقال الغزالي: التمثيل واقع على صورة الإكباب على الشهوات من الإنسان بإكباب الفراش على التهافت في النار، ولكن جهل الآدمي أشدّ من جهل الفراش، لأنها باغترارها بظاهر الضوء إذا احترقت انتهى عذابها في الحال، والآدمي يبقى في النار مدة طويلة أو أبدا. وقال الطيبي: تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة 229] وذلك أن حدود اللَّه هي محارمه ونواهيه كما في الحديث الصحيح: «إلا أن حمى اللَّه محارمه» ورأس المحارم حبّ الدنيا وزينتها واستبقاء لذتها وشهواتها، فشبّه صلى الله عليه وسلّم تلك الحدود ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة باستيقاد الرجل النار، وشبّه فشوّ ذلك الكشف في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد، وشبّه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف وتعدّيهم حدود اللَّه تعالى وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات ومنع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إياهم عنه بأخذ حجزهم: بالفراش اللاتي يقتحمن في النار ويغلبن المستوقد على دفعه إياها عن الاقتحام، وكما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاهتداء والاستدفاء وغير ذلك، والفراش بجهلها جعلته سببا لهلاكها: كذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة واحتماءها عما هو سبب هلاكهم، وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها موجبة لتردّيهم. وفي قوله: «آخذ بحجزكم» استعارة مثّلت حالة منعه صلى الله عليه وسلّم الأمة عن الهلاك بحالة رجل أخذ بحجزة صاحبه الذي يهوي. أن يهوي في قعر بئر مردية. والفاء في قوله: «فأنا آخذ بحجزكم» فصيحة كما في قوله تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات 12] . فإنه تعالى لما سأل بقوله: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً» فأجابوا لا. قال: فإذا كان كذلك «فَكَرِهْتُمُوهُ» وكذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما قال للناس: «مثلي ومثلكم» أي صفتي وصفتكم. ثم شرع في بيان المشبّه بقوله: «مثل رجل» إلخ، وعلم منه ما يقابله من التشبيهات على ما بيّناها آنفا، أتى بما هو أهمّ وأولى منها وهو قوله: «فأنا آخذ بحجزكم» بالفاء. كأنه قيل: إذا صح هذا التمثيل وأنا مثل المستوقد وأنتم كالفراش تقتحمون في النار فأنا آخذ بحجزكم. ولهذه الدقيقة التفت من الغيبة في قوله «مثل الناس» إلى الخطاب في قوله: «فأنا آخذ بحجزكم» كما أنك إذا أخذت في حديث من لك عناية بشأنه، والحال أنه مشتغل بشيء

يورّطه في الهلاك، ثم إنك من غاية رأفتك عليه وشدة حرصك على نجاته تجد في نفسك أنه حضر عندك فتتحرى خلاصه. استوقد: بمعنى أوقد، ولكن الأول أبلغ كعفّ واستعف. والإضاءة: فرط الإنارة، واشتقاقه من الضوء وهو ما انتشر من الأجسام النيّرة يقال: أضاءت النار وأضاءت غيرها يتعدى ولا يتعدى، فإن جعل متعديا يكون: ما حوله مفعولا به، وإن جعل لازما يجوز أن يكون ما حوله فاعلا له على تأويل الأماكن، ويجوز أن يكون فاعله ضمير النار، وما حوله ظرف، فيجعل حصول إشراق النار في جوانبها بمنزلة حصولها نفسها فيها مبالغة. وحول الشيء، جانبه الذي يمكنه أن يحوّل إليه، أو سمي بذلك اعتبارا بالدوران والإطافة، ويقال للعام: حول. لأنه يدور. وفي رواية مسلم: «ما حولها» فيكون الضمير راجعا إلى النار وفي رواية البخاري: «ما حوله» كما في التنزيل والضمير راجع إلى المستوقد. الجنادب: جمع جندب وفيها ثلاث لغات: جندب بضم الدال وفتحها والجيم مضمومة فيهما. والثالثة حكاها القاضي جندب بكسر الجيم وفتح الدال. والجنادب هذه الصّرار التي تشبه الجراد. وقيل غير ذلك. الفراش: اسم لنوع من الطير مستقل له أجنحة أكبر من جثته وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر وكذا أجنحته. وهذه الدواب: قال الحافظ: عطف الدواب على الفراش يشعر بأنها غير الجنادب والجراد. قال النووي وتبعه الطيبي: وقوله «وهذه الدواب» كقوله تعالى: ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا وقول عائشة في حق عبد الله بن عمرو: «عجبت لابن عمرو هذا» فيؤنث كقوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي [النحل 68] وتخصيص ذكر الدواب- والفراش لا يسمّى دابة عرفا- لبيان جهلها، كقوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ [الأنفال 22] كل ذلك تعريض بطالب الدنيا المتهالك فيها. يتقحّمن: التقحم أصله القحم وهو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت، ويطلق على رمي الشيء بغتة. واقتحم الدار: هجم عليها. فأنا آخذ: بوزن اسم الفاعل، ويروى بصيغة المضارعة. قال النووي: والأول أشهر. بحجزكم: بحاء مهملة مضمومة فجيم مفتوحة فزاي: جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل.

عن النار: وضع السبب موضع المسبّب، لأن المراد أنه يمنعهم من الوقع في المعاصي التي تكون سببا لولوج النار. هلم: كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء كما يقال: تعال. قال الخليل: أصله: لمّ من الضمّ والجمع، ومنه لمّ اللَّه شعثه. وكأن المنادي أراد لمّ نفسك إلينا. وهاء للتنبيه، وحذفت الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال وجعلا اسما واحدا. وقيل في أصلها غير ذلك. وأهل الحجاز ينادون بها بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. وفي لغة نجد تلحقها الضمائر وتطابق. وتستعمل لازمة نحو «هلمّ إلينا» أي أقبل ومتعدية نحو هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ [الأنعام 150] أي أحضروهم. فتغلبوني: بتشديد النون لأن أصله فتغلبونني، فأدغم أحد النونين في الأخرى، والفاء فيه سببية على التعكيس كاللام في فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص 8] وتقديره: أنا آخذكم بحجزكم لأخلصكم عن النار فعكستم فجعلتم الغلبة مسبّبة عن الأخذ. تقحّمون: بفتح المثناة الفوقية والقاف والحاء المهملة المشددة والأصل تتقحّمون فحذف إحدى التاءين. الخامس: في بعض فوائد الحديث: سفر- بفتح السين المهملة: جمع سافر كركب وراكب، يقال سفر الرجل سفرا من باب طلب خرج للارتحال فهو سافر. المفازة: الفلاة بلا ماء من المهالك أو من النجاة تفاؤلا. الحلّة: بضم الحاء لا تكون إلا من ثوبين. حبرة [ (1) ] : كعنبة على الوصف أو الإضافة. وردت بكم: يقال ورد الماء والشيء: حضره. رياضا: جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهور. معشبة: ذات عشب، وهو الكلأ الرّطب. حياضا: جمع حوض وهو ما يجمع فيه الماء. رواء: بوزن كتاب جمع ريّا يقال روي من الماء بكسر ريّا ويكسر. أو المكسور اسم فهو ريّان والمرأة ريّا كغضبان وغضبى وجمعهما رواء.

_ [ (1) ] المصباح المنير 118.

الباب الخامس عشر في مثله ومثل الأنبياء من قبله

الباب الخامس عشر في مثله ومثل الأنبياء من قبله روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة، والإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد والشيخان عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد والترمذي وصححه عن أبي بن كعب رضي اللَّه تعالى عنهم، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله وأتمّه إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يدخلون ويطوفون ويتعجبون له ويقولون: لولا موضع اللبنة. وفي لفظ: يقولون له: هلا وضعت هذه اللبنة فيتمّ بنيانك، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة، جئت فختمت الأنبياء» [ (1) ] . قال الحافظ: أن قيل المشبّه به واحد والمشبّه جماعة، فكيف صح التشبيه؟ وجوابه: أنه جعل الأنبياء كلّهم كرجل واحد، لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل، وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان. ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيليّ، وهو أن يؤخذ وصف من أوصاف المشبّه ويشبّه بمثله من أحوال المشبّه به، فكأنه شبّه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسّست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت، فنبيّنا صلى الله عليه وسلّم بعث لتتميم مكارم الأخلاق، كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار. وزعم ابن العربي إن اللبنة المشار إليها كانت في رأسّ الدار المذكورة، وأنها لولا وضعها لا نقضت تلك الدار. قال: وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور انتهى. وهذا إن كان منقولا فحسن، وإلا فليس بلازم. نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها، وقد وقع في رواية همّام عند مسلم: «إلا موضع لبنة في زاوية من زواياها» فظهر أن المراد أنها مكمّلة محسّنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا، وليس كذلك فإن شريعة كلّ نبيّ بالنسبة إليه كاملة، فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية، مع ما تقدم من الشرائع الكاملة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 24 (3534) ومسلم 4/ 1790 (23- 2287) .

الباب السادس عشر في الوقت الذي كتب فيه نبينا صلى الله عليه وسلم

الباب السادس عشر في الوقت الذي كتب فيه نبينا صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد عن مطرف بن عبد الله بن الشخّير أن رجلا سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: متى كنت نبيا: قال: بين الروح والطين من آدم [ (1) ] . وروى أيضا عن عبد الله بن شقيق عن أبي الجدعاء قال: قلت يا رسول اللَّه متى كنت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» - رجاله ثقات- وروى الترمذي وحسنه عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قالوا: يا رسول اللَّه متى وجبت لك النبوة؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» . وتقدمت أحاديث في الباب الثالث أوائل الكتاب فراجعها. واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 95 وذكره المتقي الهندي في الكنز (32115) .

الباب السابع عشر في إعلام الوحش برسالته صلى الله عليه وسلم

الباب السابع عشر في إعلام الوحش برسالته صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد عن مجاهد رحمه اللَّه تعالى قال: حدّثنا شيخ أدرك الجاهلية يقال له عنبس قال: كنت أسوق بقرة لآل لنا فسمعت من جوفها: يا آل ذريح، قول فصيح، رجل يصيح: لا إله إلا اللَّه. قال: فقدمنا مكة فوجدنا النبي صلّى الله عليه وسلم قد خرج بمكة. ذريح- بذال معجمة مفتوحة فراء مكسورة فمثناة تحتية فحاء مهملة. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، فصعد الذئب على تلّ فأقعى فقال: عمدت إلى رزق رزقنيه اللَّه انتزعته منّي؟ فقال الرجل: تاللَّه إن رأيت كاليوم! ذئب يتكلم! فقال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرّتين يخبركم بما مضى وما هو كائن. وكان الرجل يهوديا فجاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأخبره الخبر وصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث. ويأتي بتمامه في المعجزات ويأتي فيها قول الضبّ له: أنت رسول اللَّه.

الباب الثامن عشر في شهادة الرضيع والأبكم برسالته صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن عشر في شهادة الرضيع والأبكم برسالته صلى الله عليه وسلم روى البيهقي عن معرض بن عبد الله بن معيقيب اليماميّ، عن أبيه عن جده رضي اللَّه تعالى قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. ووجهه مثل دارة القمر ورأيت منه عجبا، جاءه رجل بغلام يوم ولد فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا غلام من أنا؟ فقال: أنت رسول اللَّه قال: صدقت بارك اللَّه فيك. قال: ثم إن الغلام لم يتكلم بعد حتى شب فكنا نسميه مبارك اليمامة. وروى أيضا عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه قال: جاءت امرأة بابن لها قد شبّ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد. فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: أدنيه منّي فأدنته منه فقال: من أنا؟ فقال: أنت رسول اللَّه. وسيأتي في المعجزات زيادة على ذلك.

جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم الباب الأول في تعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحى إليه فأراه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء حثى حفنة من الماء فنضح بها فرجه. رواه الإمام أحمد والدارقطني من طريق رشدين بن سعد وهو ضعيف، عن عقيل عن قرّة، عن عروة، عن أسامة. والحارث بن أبي أسامة، والدارقطني من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف، عن عقيل، عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، عن أسامة بن زيد، عن أبيه فذكره، ورواه الطبراني في الأوسط عن عقيل عن الزهري به. فينظر فيمن دون عقيل فإن كانوا ثقات فالحديث سنده جيد. ورواه أبو نعيم من طريق النضر بن سلمة وهو ضعيف، عن عائشة. ورواه أبو نعيم والبيهقي من طريق [يزيد بن رومان] عن عروة بن الزبير، فذكر مجيء جبريل عليه السلام وحديث البعث، وفي آخره: ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ ومحمد صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه وغسل رجليه إلى الكعبين ثم نضح فرجه وسجد سجدتين مواجهة البيت ففعل محمد كما رأى جبريل يفعل. ورواه أبو نعيم من طريق [يزيد بن رومان] عن الزهري عن عروة عن عائشة. وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا. ويدل على أن للقصة أصلا. وقد ذكر القصة ابن إسحاق ورواه البلاذري عن الزهري وقتادة والكلبي ومحمد بن قيس قالوا: إن جبريل علّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ أتاه وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت له منه عين فتوضأ جبريل ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ليريه كيف الطّهور للصلاة، ثم توضأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل يتوضأ، ثم أقام به جبريل فصلى به. وفي حديث عائشة السابق أنه صلى به ركعتين نحو الكعبة واستقبل الحجر الأسود. انتهى.

تنبيهات

وصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصلاته، ثم انصرف جبريل فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم خديجة فتوضأ لها يريها كيف الطّهور للصلاة كما أراه جبريل، فتوضأت كما توضأ لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم ثم صلّى لها كما صلى به جبريل، فصلّت بصلاته. وروى الإمام أحمد والبيهقي وابن عبد البر عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرأ تاجرا فقدمت الحج في الجاهلية، فأتيت العباس بن عبد المطلب لابتاع منه بعض التجارة فو اللَّه إني لعنده بمنى إذ خرج رجل مجتمع من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت توضأ فأسبغ الوضوء ثم قام يصلي، ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخباء فقام يصلي معه، ثم لم ألبث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة من ذلك الخباء فقامت خلفهما، ثم ركع الشاب وركع الغلام وركعت المرأة، ثم رفع الشاب ورفع الغلام ورفعت المرأة، ثم خرّ الشاب ساجدا وخرّ الغلام وخرّت المرأة فقلت للعباس: يا عباس ما هذا؟ قال: هذا محمد بن عبد المطلب ابن أخي. قلت: من هذه المرأة. قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد. فقلت: من هذا الفتى؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه قلت: فما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي، يزعم أنه نبي ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. قال عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون ثانيا مع علي بن أبي طالب. وهذا الحديث يردّ قول من قال: إن فرض الصلاة كانت بالغداة والعشيّ فقط. تنبيهات الأول: قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: الوضوء على هذا الحديث- يعني رواية الحارث بن أبي أسامة. عن زيد بن حارثة- مكيّ بالفرض مدنيّ بالتلاوة، لأن آية الوضوء مدنية وإنما قالت عائشة: فأنزل اللَّه آية التيمم ولم تقل آية الوضوء وهي هي لأن الوضوء قد كان مفروضا قبل، غير أنه لم يكن قرآنا يتلى حتى نزلت آية المائدة. قلت: قال الحاكم رحمه اللَّه تعالى في المستدرك: أهل السّنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول المائدة. ثم ساق حديث ابن عباس: دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا على قتلك فقال: ائتوني بوضوء فتوضأ ثم خرج إلى المسجد. وذكر الحديث. وقال أبو عمر رحمه اللَّه تعالى: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع هذا إلا جاهل أو معاند، قال: وفي قول عائشة رضي اللَّه

تعالى عنها: «فأنزل اللَّه آية التيمم» إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء. قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع ما تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل. وقال غيره: يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به، ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة. وإطلاق آية التيمم على هذا من إطلاق الكلّ على البعض. قال الحافظ: لكن رواية عمرو بن الحارث عند البخاري في التفسير تدل على أن الآية نزلت جميعها في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر. وقال القاضي رحمه اللَّه تعالى: اختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة؟ فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضا. انتهى. الثاني: قال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه اللَّه تعالى: صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبيّن له أوقات الصلوات الخمس أولها وآخرها فإن ذلك كان بعد فرضيّتها ليلة الإسراء، كما سيأتي بيان ذلك. الثالث: زعم ابن حزم أن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة وتعقب بما تقدم. الرابع: قال السهيلي: ذكر الحربيّ ويحيى بن سلّام أن الصلاة كانت قبل الإسراء صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها. ونقل ابن الجوزي عن مقاتل بن سليمان قال: فرض اللَّه تعالى على المسلمين في أول الإسلام ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ. قال الحافظ بعد أن نقل ما ذكره الحربي: وردّه جماعة من أهل العلم. وقال قبل ذلك: ذهب جماعة إلى إنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد. الخامس: ذكر ابن إسحاق هنا حديث ابن عباس في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلّم وتعليمه إياه أوقات الصلوات الخمس في اليومين. قال في الروض: ولم يكن ينبغي له ذكره في هذا الموضع، لأن أهل العلم متفقون علي إن هذه القصة كانت في الغد من ليلة الإسراء كما سيأتي بيان ذلك في موضعه. السادس: في بيان غريب ما تقدم. حتى صبّ الحفنة- بفتح الحاء المهملة: ملء الكفين.

نضح: بالحاء المهملة: رشّ. لهيعة: بفتح اللام وكسر الهاء. عقيل: بضم العين وفتح القاف. همز: أي دفع: بعقبه- بفتح العين وكسر القاف: مؤخر القدم. الطّهور [ (1) ]- بضم الطاء: الوضوء ويجوز فيه الفتح والأكثر في الماء الفتح، ويجوز الضم. عفيف- بعين مهملة بالتكبير: صحابي له في فضل عليّ حديث. مجتمع- بميم مضمومة فجيم ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فميم مكسورة: وهو الذي بلغ أشدّه ولا يقال ذلك في النساء. إسباغ الوضوء: الوضوء هنا بالضم لأنه الفعل ويجوز فيه الفتح، والماء بالفتح ويجوز فيه الضم. راهق: قارب الاحتلام. واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] لسان العرب 4/ 2712.

الباب الثاني في إسلام خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، واختلاف الناس فيمن اسلم أولا

الباب الثاني في إسلام خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، واختلاف الناس فيمن اسلم أولا قال أبو عمر: اتفقوا على أن خديجة أول من آمن. وقال أبو الحسن بن الأثير: خديجة أول خلق اللَّه أسلم بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجل ولا امرأة وأقره الذهبي. وقال محمد بن كعب القرظي: أول من أسلم من هذه الأمة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: خديجة رضي اللَّه تعالى عنها. رواه البيهقي. وروى الدولابي عن قتادة والزّهريّ قالا: كانت خديجة أول من آمن باللَّه ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من النساء والرجال. وحكى الإمام الثعلبي اتفاق العلماء على ذلك، وإنما اختلافهم في أول من أسلم بعدها. وقال النووي: إنه الصواب عند جماعة من المحققين. وقال ابن إسحاق: وآمنت به خديجة بنت خويلد وصدّقت بما جاء به من اللَّه. ووازرته على أمره، فكانت أول من آمن باللَّه ورسوله وصدّق بما جاء به، فخفف اللَّه بذلك عن رسوله، لا يسمع بشيء يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج اللَّه عنه بها إذا رجع إليها تثبّته وتخفّف عليه وتصدّقه وتهوّن عليه أمر الناس. يرحمها اللَّه تعالى. وقال الواقديّ: أجمع أصحابنا أن أول المسلمين استجاب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خديجة. قال ابن إسحاق: ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصدّق بما جاءه من اللَّه علي بن أبي طالب، كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وخديجة يصليّان سرّا ثم أن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما يصليان فقال علي: ما هذا يا محمد؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: دين اللَّه الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله فأدعوك إلى اللَّه وحده لا شريك له وإلى عبادته وكفر باللات والعزى. فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتّى أحدّث به أبا طالب. وكره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يفشى عليه سرّه قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا عليّ إذا لم تسلم فاكتم هذا. فمكث عليّ تلك الليلة، ثم إن اللَّه تبارك وتعالى أوقع في قلب عليّ الإسلام فأصبح غاديا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى جاءه فقال: ماذا عرضت عليّ يا

محمد: فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى وتبرأ من الأنداد [ (1) ] . ففعل علي رضي اللَّه تعالى عنه وأسلم، فمكث عليّ يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم إسلامه ولم يظهره. قال مجاهد: وكان مما أنعم اللَّه على على أنه كان في حجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل الإسلام، لما أراد اللَّه به الخير، وذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم للعباس عمه: وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق فخفّف عنه من عياله فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما [ (2) ] . قال ابن هشام: ويقال: عقيلا وطالبا، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى بعثه اللَّه نبيّا فأتبعه وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه. قال ابن إسحاق: وذكر بعض أهل العلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من عمه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصلّيان الصلاة فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء اللَّه أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا ابن أخي ما هذا الذي تدين به، قال: أي عم هذا دين اللَّه ودين ملائكته ورسله ودين أبينا إبراهيم- أو كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- بعثني اللَّه به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحقّ من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه. أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك شيء تكرهه ما بقيت [ (3) ] . وذكروا أنه قال لعلي: أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: يا أبت آمنت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصدّقت بما جاء به وصلّيت معه، فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 161. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 162. [ (3) ] أخرجه الطبري في تاريخه 2/ 313.

وروى الإمام أحمد عن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: ظهر علينا أبو طالب وأنا أصلّي مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: ماذا تصنعان؟ فدعاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الإسلام فقال: ما بالذي تقول من بأس، ولكن واللَّه لا تعلوني استي أبدا. وروى البيهقي عن محمد بن كعب القرظي قال: أول من أسلم من هذه الأمة خديجة وأول رجلين أسلما: أبو بكر وعلي، وأسلم عليّ قبل أبي بكر، وكان علي يكتم إيمانه خوفا من أبيه حتى لقيه أبوه قال: أسلمت؟ قال: نعم. قال: وازر ابن عمّك وانصره. قال: وكان أبو بكر أول من أظهر الإسلام. وروى الترمذي واستغربه وابن جرير عن جابر قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين وصلى عليّ يوم الثلاثاء. وروى ابن جرير عن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بن أبي طالب. قال أبو عمر: وقد روي عن سلمان والمقداد وخبّاب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد ابن أرقم أن علي بن أبي طالب أول من أسلم. وبذلك قال ابن إسحاق والزّهري إلا أنه قال: من الرجال بعد خديجة. وهو قول الجميع في خديجة. قال ابن إسحاق: ثم أسلم زيد بن حارثة بن شراحيل- بفتح الشين المعجمة والراء فألف فحاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية فلام- ابن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان أول ذكر أسلم وصلّى بعد علي بن أبي طالب. قال ابن إسحاق: ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة. روى البيهقي عن ابن إسحاق أن أبا بكر رضي اللَّه تعالى لقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا وتسفيهك عقولنا وتكفيرك إيانا؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بلى إني رسول اللَّه ونبيّه بعثني لأبلّغ رسالته، وأدعوك إلى اللَّه بالحق، فو الله إنه لحقّ فأدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له ولا تعبد غيره والموالاة على طاعته. وقرأ عليه القرآن فلم يعزّ ولم ينكر بل أسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد وأقرّ بحق الإسلام، ثم رجع إلى أهله وقد آمن وصدّق [ (1) ] . قال ابن إسحاق: بلغني إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردّد ونظر إلا أبا بكر ما عكم عنه حين ذكرته له ولا تردّد [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 164. [ (2) ] ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 1/ 108، 3/ 27.

الكبوة- بكاف مفتوحة فموحدة ساكنة فواو فتاء تأنيث: قال أبو ذر: يعني تأخّرا وقلة إجابة من قولهم كبا الزّند: إذا لم يور نارا. ما عكم- بعين مهملة فكاف مفتوحتين: أي ما تلبّث بل أجاب بسرعة. قال البيهقي: وذلك لما كان يرى من دلائل نبوته ويسمع بشأنه قبل دعوته، فلما دعاه وقد سبق فيه تفكّره ونظره أسلم على الفور. قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: وكان من أسباب ذلك توفيق اللَّه تعالى إياه فيما ذكروا أنه رأى رؤيا قبل، وذلك أنه رأى القمر نزل إلى مكة ثم رآه قد تفرّق على جميع منازل مكة وبيوتها فدخل في كل بيت شعبة، ثم كان جميعه في حجره. فقصّها على بعض أهل الكتابين فعبّرها له بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- المنتظر قد أظل زمانه، اتّبعه وتكون أسعد الناس به، فلما دعاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يتوقف. وروى ابن الجوزي في صفوة الصفوة عن الشعبي قال: قال ابن عباس: أول من صلى أبو بكر وتمثيل بأبيات حسان بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه: إذا تذكّرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البريّة أتقاها وأفضلها ... بعد النّبيّ وأوفاها بما حملا والثّاني التّالي المحمود مشهده ... وأوّل النّاس منهم صدّق الرّسلا [ (1) ] . قال السّهيلي: وقد مدح حسان أبا بكر بما ذكر وسمعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم ينكره: وفيه دليل على أنه أول من أسلم. وقال إبراهيم النّخعي: أول من أسلم أبو بكر. رواه الإمام أحمد وصححه. قال ابن كثير: قول النّخعي هو المشهور عند جمهور أهل السّنة. وقال المحب الطبري تبعا لأبي عمرو بن الصلاح: الأولى التوفيق بين الروايات كلها وتصديقها فيقال: أول من أسلم مطلقا: خديجة. وأول ذكر أسلم علي بن أبي طالب وهو صبي لم يبلغ، وكان مخفيا إسلامه، وأول رجل عربيّ أسلم وأظهر إسلامه أبو بكر بن أبي قحافة، وأول من أسلم من الموالي: زيد. وقال: هذا متّفق عليه لا خلاف فيه، وعليه يحمل قول عليّ وغيره: أول من أسلم من الرجال أبو بكر. أي من الرجال البالغين. ويؤيده ما رواه خيثمة في فضائل الصحابة عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه قال: أن أبا بكر سبقني إلى أربع لم أعتض بشيء منهن: سبقني إلى إفشاء الإسلام،

_ [ (1) ] انظر الديوان ص 179، 180.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

وقدم الهجرة، ومصاحبته في الغار، وأقام الصلاة وأنا يومئذ بالشّعب يظهر إسلامه وأخفيه. الحديث. وجمع بعض المحققين بين الاختلاف بالنسبة إلى عليّ وأبي بكر بأن أبا بكر أول من أظهر إسلامه، وأن عليّا أول من أسلم بعد خديجة، ويحققه ما مرّ. وقيل: أول رجل أسلم ورقة بن نوفل. ومن يمنع يدعى أنه أدرك نبوته عليه الصلاة والسلام لا رسالته، لكن جاء كما تقدم في بدء الوحي أنه قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك ستؤمر بالجهاد، وإن أدركت ذلك لأجاهدن معك. فهذا تصريح منه بتصديقه برسالة محمد صلى اللَّه عليه وسلم. قال البلقيني: بل يكون بذلك أول من أسلم من الرجال. وعلى ذلك جرى الحافظ أبو الفضل العراقي في نكته على كتاب ابن الصلاح. وقيل: أن خالد بن سعيد أسلم قبل علي رضي اللَّه تعالى عنهما. تنبيه: في بيان غريب ما سبق. وازرته كذا في نسخ السيرة. وقال الجوهري: الأزر: القوة إلى أن قال: آزرت فلانا: عاونته، والعامة تقول: وازرته. الحجر: بفتح الحاء وكسرها. أزمة- بفتح الهمزة ثم زاي ساكنة: وهي الشدة والقحط، يقال أصابتهم سنة أزمتهم أي استأصلتهم. وأزم عليه الدّهر يأزم أزما اشتد وقلّ خيره. الشّعاب [ (1) ]- بكسر الشين المعجمة: جمع شعب بكسرها أيضا، وهو ما انفرج بين الجبلين. وقيل هو الطريق في الجبل. عثر عليهما، بفتح الثاء المثلثة: اطّلع. لا يخلص، بالبناء للمفعول: أي لا يصل إليكم أحد بسوء. الشّجو: الهم والحزن، هذا أصله قال في الرياض النضرة: هذا أصله ولا أرى له وجها هنا إلا أن يريد به ما كابده أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه، فأطلق عليه شجوا لاقتضائه ذلك، أو أراد حزن أبي بكر مما جرى على النبي صلى اللَّه عليه وسلم. النواجذ: جمع ناجذ بالجيم والذال المعجمة وهو آخر الأضراس.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 483.

الباب الثالث في ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - تقدم علي وزيد بن حارثة

الباب الثالث في ذكر متقدّمي الإسلام من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- تقدم علي وزيد بن حارثة قال ابن إسحاق: فلمّا أسلم أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه أظهر إسلامه ودعا إلى اللَّه تعالى وكان رجلا مؤلّفا لقومه محبّبا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا ذا خلق حسن ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف، بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وسعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وطلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. ولما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدويّة فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم، وكان نوفل هذا يدعى أسد قريش، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة: القرينين. وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: اللهم اكفنا ابن العدويّة [ (1) ] . فانطلقوا حتى أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام وبما وعدهم اللَّه تعالى من الكرامة، فآمنوا وأصبحوا مقرّين بحق الإسلام. قال ابن إسحاق: فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإسلام فصلّوا وصدّقوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فآمنوا بما جاءه من عند اللَّه. وروى البخاري عن عمار بن ياسر رضي اللَّه تعالى عنهما قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 167 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 29.

وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. قال الحافظ: أما الأعبد فهم: بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، فإنه أسلم قديما مع أبي بكر. روى الطبراني عن عروة أن عامرا كان ممن يعذّب في اللَّه فاشتراه أبو بكر وأعتقه، وأبو فكيهة- بفاء مضمومة فكاف مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة: مولى صفوان بن أمية بن خلف، ذكر ابن إسحاق أنه أسلم حين أسلم بلال فعذبه أمية فاشتراه أبو بكر فأعتقه. وأما الخامس فيحتمل أن يفسّر بشقران فقد نقل ابن السّكن في الصحابة عن عبد الله بن أبي داود إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورثه من أبيه هو وأمّ أيمن. وذكر بعض شيوخنا بدل أبي فكيهة عمار بن ياسر، وهو محتمل، وكان ينبغي أن يكون منهم أبوه، فإن الثلاثة كانوا ممن يعذّب في اللَّه. وأما المرأتان: فخديجة، والأخرى أمّ أيمن أو سميّة. وذكر بعض شيوخنا تبعا للدمياطي أنها أمّ الفضل زوج العباس، وليس بواضح لأنها وإن كانت قديمة الإسلام إلا أنها [لم] تذكر في السابقين ولو كان كما قال لعدّ أبو رافع مولى العباس لأنه أسلم حين أسلمت أمّ الفضل. وكذا عند ابن إسحاق في هذا الحديث أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار مطلقا، لكن مراد عمّار بذلك: ممن أظهر إسلامه وإلا فقد كان حينئذ جماعة ممن أسلم لكنهم كانوا يخفون إسلامهم من أقاربهم. وروى البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه: قال لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام وما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وأنا ثلث الإسلام. قال الحافظ: قال ذلك سعد بحسب اطلاعه، والسبب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر، أو النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر. وقد كانت خديجة أسلمت قطعا، فلعله خصّ الرجال. وبما ذكر يحصل الجمع بين حديث عمار بن ياسر وبين حديثي عمار وسعد، أو يحمل قول سعد على الأحرار البالغين ليخرج الأعبد المذكورون أو لم يكن اطلع على أولئك. ويدل على هذا الأخير أنه وقع عند الإسماعيلي بلفظ: «ما أسلم أحد قبلي» وهو مقتضى رواية البخاري، وهي مشكلة لأنه قد أسلم قبله جماعة لكن يحمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ.

ورواه ابن منده بلفظ: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه وهذه لا إشكال فيها إذ لا مانع أن لا يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم. لكن رواه الخطيب من الطريق التي رواها ابن مندة فأثبت «إلا» فتعين الحمل على ما قلته. انتهى. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار بن ياسر، وأمه سميّة- بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد المثناة التحتية- وصهيب، وبلال، والمقداد، الحديث. قال ابن إسحاق ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب- بضم الهمزة وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية- ابن ضبّة- بفتح الضاد المعجمة الساقطة. وتشديد الموحدة- ابن الحارث بن فهر. وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة- بمثناة تحتية مفتوحة فقاف ساكنة فظاء معجمة مشالة- ابن مرة بن كعب بن لؤي. وأسلم بعده عشرة أنفس فان الحادي عشر: عتبة بن غزوان- بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي فواو فألف فنون- ابن جابر بن وهب المازني. حمزة بن عبد المطلب ويأتي الكلام على إسلامه في بابه. مصعب بن عمير. عياش بن أبي ربيعة [ (1) ] . والأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف بن أسد، وكان أسد يكنى أبا جندب، بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي. وعثمان بن مظعون- بالظاء المعجمة المشالة- ابن حبيب- بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة- ابن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص- بضم الهاء وفتح الصاد المهملة المثناة تحتية ساكنة ثم صاد مهملة- ابن كعب بن لؤي. وروى أبو الحسن خيثمة الأطرابلسي في فضائله أن هذه الأربعة أسلموا أيضا على يد أبي بكر. وأخوا عثمان: قدامة وعبد الله ابنا مظعون. وعبيدة- بضم أوله وفتح الموحدة- ابن الحارث بن المطلب، بن عبد مناف بن قصي بن

_ [ (1) ] عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، واسم أبيه عمرو، يلقب ذا الرّمحين أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وكان أحد من يدعو له النبي صلى اللَّه عليه وسلم، من المستضعفين، واستشهد باليمامة وقيل باليرموك وقيل مات سنة خمس عشرة. [التقريب 2/ 95] .

كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط- بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة- ابن رياح- براء مكسورة فمثنّاه تحتية- ابن رزاح- براء مفتوحة فزاي وآخره حاء مهملة- ابن عدي بن كعب بن لؤي وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى أخت عمر بن الخطاب. روى البخاري عن سعيد قال: لقد رأيتني وعمر موثقي على الإسلام أنا وأخته، وما أسلم بعد. وأسماء وعائشة بنتا أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنهم. كذا ذكر ابن إسحاق. قال في الزهر والعيون والدّرر: وهو وهم لم تكن عائشة ولدت بعد فكيف تسلم وكان مولدها سنة أربع من النبوة؟ وخبّاب- بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة- ابن الأرت- بتشديد المثناة الفوقية، حليف بني زهرة. قال ابن هشام: خبّاب بن الأرت من بني تميم، ويقال من خزاعة. وعمير بن أبي وقاص. وعبد الله بن مسعود بن غافل- بغين معجمة وبعد الألف فاء مكسورة- ابن حبيب بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة- ابن شمخ- بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وآخره خاء معجمة- ابن فار- بفاء وراء مخففة- ابن مخزوم بن صاهلة- بصاد مهملة وبعد الآلف هاء مكسورة- ابن كاهل- قيّده الوقشي بأنه سمّي من الفعل- من كاهل يكاهل. قاله في الرّوض. وسيأتي في المعجزات سبب إسلامه. ومسعود ابن ربيعة- كذا قاله ابن عقبة وابن إسحاق. وقال أبو معشر والواقديّ ربيع القاريّ- بتشديد الياء منسوب إلى القارة- ابن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة- بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم- ابن غالب، بن محلّم- بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر اللام المشددة- ابن عائذة- بالمثناة التحتية وبالذال المعجمة- ابن سبيع- بضم السين المهملة وفتح الموحدة مصغّر. كذا قال ابن إسحاق وتبعه في العيون والنّور. وقال البلاذريّ يبثغ- بمثناة تحتية مفتوحة فأخرى ساكنة فمثلثة مفتوحة فغين معجمة- كذا وجدته مضبوطا بالقلم في نسخة صحيحة قوبلت ثلاث مرات. ابن الهون- بضم الهاء وإسكان الواو ثم نون. قال في الصحاح: الهون بالضم: وهون بن خزيمة بن مدركة انتهى. وقال البلاذري: في الهون جد مسعود بن ربيعة: أنه بفتح الهاء. انتهى. ابن خزيمة بن القارة- بالقاف وتخفيف الراء.

وسليط- بفتح السين المهملة وكسر اللام ثم مثناة تحتية ساكنة ثم طاء مهملة- ابن عمرو بن عبد شمس بن ود بن نصر بن مالك بن حسل- بكسر الحاء وسكون السين المهملتين- ابن عامر بن لؤي. وعيّاش- بمثناة تحتية وشين معجمة- ابن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: عمرو، ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. وامرأته أسماء بنت سلامة- بتخفيف اللام- ابن مخرّبة- بميم مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فراء مشددة مكسورة فموحدة مفتوحة، فتاء تأنيث- ابن جندل بن أبير- بهمزة مضمومة فموحدة فمثناة تحتية ساكنة- ابن نهشل بن دارم الدارمية التميمية. وخنيس- بخاء معجمة مضمومة فنون مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فسين مهملة- ابن حذافة- بحاء مهملة فذال معجمة- ابن عديّ بن سعيد بن سهم بن عمر بن هصيص بن كعب بن لؤي. كذا في السيرة خنيس بن عدي بن سعيد بن سهم. قال الأمير أبو نصر في القسم المختلف فيه: سعيد بن سهم أخو سعد بن سهم بن عمر بن هصيص، اسمه سعيد- بفتح السين وكسر العين، وقريش تصغّره سعيد تصغير سعد. وقال السّهيلي ما نصه: وذكر ابن إسحاق في السابقين إلى الإسلام من بني سهم عبد الله بن قيس بن الحارث بن عديّ بن سعيد بن سهم، حيثما تكرر في نسب بني عدي بن سعد بن سهم. يقول فيه ابن إسحاق: سعيد والناس على خلافه، وإنما هو سعد وسيأتي في شعر عبد الله بن قيس شاهد على ذلك، وإنما سعيد بن سهم أخو سعد وهو جد آل عمرو بن العاصي بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم. وفي سهم سعيد آخر وهو ابن سعد المذكور، وهو جد المطّلب بن أبي وداعة عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد. وقد قيل في صبيرة: ضبيرة- بالضاد المعجمة. وقال الخشني: قول ابن إسحاق في نسب خنيس هذا: ابن سعيد بن سهم. كذا وقع هنا وصوابه سعد، وإنما سعيد ابنه. وعامر بن ربيعة العنزي- بإسكان النون، وهو فيما ذكر ابن الكلبي عامر بن ربيعة الأصغر، ابن حجير- بحاء مهملة مضمومة فجيم مفتوحة- ابن سلامان بن مالك بن ربيعة الأكبر- ابن رفيدة- براءة مضمومة ففاء مفتوحة فمثناة ساكنة فدال مهملة- ابن عبد الله وهو عنز بن وائل بن قاسط- بقاف وسين وطاء مهملتين- ابن هنب بهاء مكسورة فنون ساكنة فباء موحدة بن أفصى- بفتح الهمزة ففاء ساكنة فصاد مهملة مفتوحة- ابن دعميّ- بدال مضمومة فعين ساكنة مهملتين فميم مكسورة فمثناة تحتية مشددة تشبه ياء النّسب، ابن جديلة- بجيم مفتوحة فدال مكسورة- ابن أسد بن ربيعة بن نزار حليف آل الخطاب.

وعبد الله بن جحش بن رئاب- براء مكسورة فمثناة تحتية فهمزة موحدة- ابن يعمر- بمثناة تحتية وميم مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة، وقيل فيه بضم الميم وهو غير مصروف، ابن ضبيرة- بضاد معجمة وتهمل مضمومة فباء موحدة فمثناة تحتية ساكنة- ابن مرة بن كبير- بفتح الكاف وكسر الموحدة- ابن غنم- بغين معجمة مفتوحة فنون ساكنة- ابن دودان- بدالين مهملتين الأولى مضمومة بينهما واو ساكنة- ابن أسد بن خزيمة. وأخوه أبو أحمد واسمه عبد بغير إضافة. وقيل عبد اللَّه وليس بشيء إنما عبد الله أخوه. وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس- بعين مضمومة وسين مهملة بلا خلاف- ابن النعمان بن كعب بن مالك بن خثعم. كذا هو عند ابن إسحاق وعند أبي عمر: أسماء بنت عميس بن معد بوزن سعد أوله ميم. ووقع في الاستيعاب بفتح العين وتعقّب- ابن الحارث، بن تميم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر- بنون مفتوحة فسين مهملة ساكنة- ابن عفرس- بعين مكسورة ففاء ساكنة فراء مكسورة فسين مهملتين- ابن وهب اللَّه بن شهران- تثنية أحد شهور السنة- ابن حلف- بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام وبالفاء نقله الأمير عن ابن حبيب- ابن أفتل- بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فلام وهو جماع خثعم بن أنمار على الاختلاف في أنمار. وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن زيد بن نسر بن وهب اللَّه. وحاطب- بحاء فطاء مهملتين غير مصروف- ابن الحارث بن معمر، بفتح الميمين- ابن حبيب بن وهب بن مالك بن حذافة بن جمح- بجيم مضمومة فميم مفتوحة فحاء مهملة. وامرأته فاطمة بنت المجلّل- بجيم مفتوحة وزن اسم المفعول- ابن عبد الله بن قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل- بحاء مكسورة فسين ساكنة مهملتين فلام- ابن عامر بن لؤي. وأخوه خطّاب بن الحارث. وامرأته فكيهة- بضم الفاء وفتح الكاف وسكون المثناة التحتية وفتح الهاء آخره تاء تأنيث- بنت يسار- بمثناة تحتية فسين مهملة. ومعمر- بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة- ابن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن دارم بن جمح. والسائب بن عثمان بن مظعون.

والمطّلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد- بغير إضافة- ابن الحارث بن زهرة. وامرأته رملة، بلام، بنت عوف بن صبيرة- بصاد مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة- ابن سعيد بضم أوله وفتح ثانيه- كما ضبطه الأمير- ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. والنحّام بنون فحاء مهملة مشددة، واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد- بوزن أمير- ابن عبد الله بن عوف بن عبيد- بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة بعدها مثناة تحتية- ابن عويج- بعين مفتوحة مهملة فواو مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فجيم- ابن عدي بن كعب. وعامر بن فهيرة- بضم الفاء وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية وفتح الراء آخره تاء تأنيث، مولى أبي بكر الصديق. وخالد بن سعيد بن العاصي بن أمية بن عبد شمس. وقد قيل إنه أسلم قبل أبي بكر. وامرأته أمينة بهمزة مضمومة فميم مفتوحة فمثناة تحتية فنون فتاء تأنيث. كذا في عدة نسخ من العيون، وكذا وجد مضبوطا بخط الحافظ أبي الحجاج بن خليل. وقال الحافظ: أميمة بميمين. ويقال اسمها أمينة بالنون بدل الميم. ويقال همينة بالهاء بدل الألف. وقال أبو ذر: أميمة روى هنا بالميم، وأمينة بالنون وبالياء وهو الصواب. بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع- بضم السين المهملة وفتح الباء- وقال أبو ذر: كذا وقع هنا وصوابه يثيع- بمثناة تحتية مضمومة فثاء مثلثة- قاله ابن الدبّاغ وغيره. ابن خثعمة- بخاء معجمة مفتوحة فمثلثة- قال أبو ذر: كذا وقع هنا وصوابه جعثمة- بجيم مكسورة فعين مهملة ساكنة فثاء مثلثة مكسورة- قاله ابن الدباغ. انتهى. وكذا وجد في نسخه من الإكمال بخط الحافظ أبي الحجاج بن خليل بن سعد. ابن مليح- بميم مضمومة فلام مفتوحة- ابن عمرو بن خزاعة. وحاطب- بالحاء المهملة- ابن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن عتبة بن ربيعة بن حسل بن عامر بن لؤي. وأبو حذيفة، قال ابن هشام: اسمه مهشم- بكسر الميم وسكون الهاء. وقال السهيلي: قول ابن هشام وهم عند أهل النسب فإن مهشما إنما هو أبو حذيفة بن المغيرة أخو هاشم، وهشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وأما أبو حذيفة بن عتبة فاسمه قيس فيما ذكروا. انتهى.

وكذا ذكر أبو ذر. وقال في الزّهر: فيما ذكره السهيلي نظر، لأن الواقدي وأبا نعيم والعسكري والبغوي والحاكم وابن عبد البر سموه مهشما، زاد العسكري: ويقال أيضا هشيم، ويقال هشام- وعند الحاكم عن جماعة من القدماء حسل- بكسر الحاء وسكون السين المهملتين. وقيل بحشل- بفتح الباء وسكون المهملة. فينظر من النسّابون الذي سموه قيسا، وينظر من ذكر أبا حذيفة بن المغيرة في السابقين إلى الإسلام أو في الصحابة جملة. قلت: لم يذكره الحافظ في الإصابة، فكأنه هلك كافرا. وواقد- بالقاف والدال المهملة- ابن عبد الله بن عبد مناف بن عرين- بعين مهملة مفتوحة فراء مكسورة فمثناة تحتية فنون- ابن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم حليف بني عدي. وخالد وعامر وعاقل- بعين مهملة فألف فقاف- وإياس بنو البكير- بضم الموحدة- ابن عبد يليل- بمثناة تحتية فلام مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فلام- ابن ناشب- بنون فألف فشين معجمة مكسورة فموحدة- ابن غيرة- بغين معجمة مكسورة فمثناة تحتية مفتوحة فراء فتاء تأنيث من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة حلفاء بني عدي. وعمّار- بعين مهملة مفتوحة فميم مشددة- ابن ياسر- بمثناة تحتية فألف فسين مهملة ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين- بحاء مهملة مضمومة فصاد مفتوحة مهملتين- ابن الوذيم- بواو مفتوحة فذال معجمة مكسورة فمثناة تحتية- ابن ثعلبة بن عوف بن حارثة- بحاء مهملة ومثلثة- ابن عامر الأكبر بن يام- بمثناة تحتية وزن سام- ابن عنس- بعين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فسين مهملة- وهو زيد بن مالك بن أدد. ومالك جماع مذحج- بميم مفتوحة فذال معجمة ساكنة فحاء مهملة مكسورة فجيم- حليف بني مخزوم. وصهيب- بضم الصاد وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية وآخره موحدة- ابن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل- بضم المهملة وفتح القاف. كما وجد بخط ابن الأمين. في حاشية الاستيعاب- ابن عامر بن جندلة- بجيم فنون فدال مهملة- ابن سعد بن جذيمة- بجيم فذال معجمة فمثناة تحتية- ابن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة، بن النّمر بن قاسط- بالقاف والسين المهملة. كذا هو عند ابن الكلبي وعند أبي عمر سنان بن خالد بن عبد عمرو، بن الطفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة- بالخاء المعجمة والزاي- ابن كعب بن سعد. ومنهم من يقول ابن سفيان بن جندلة بن مسلم بن أوس بن زيد مناة بن النّمر بن قاسط. ويقال له الرومي، وكان مولى لعبد الله بن جدعان.

وذكر أبو عمر فيهم: عتبة بن مسعود، أخو عبد الله بن مسعود. وأبا نجيح عمرو بن عبسة- بعين مهملة فموحدة فسين مهملة مفتوحات وزن عدسة- ابن منقل- بميم مضمومة فنون ساكنة فقاف مكسورة فلام- ابن خالد بن حذيفة بن عمرو بن خلف بن حذيفة بن مازن بن مالك بن ثعلبة بن بهثة- بباء موحدة مضمومة فهاء ساكنة فمثلثة مفتوحة فتاء تأنيث- ابن سليم. ومازن بن مالك، أمه بجلة- بفتح الباء وسكون الجيم وفتح اللام- بنت هناءة- بضم الهاء فنون فألف ممدودة فتاء تأنيث- ابن مالك بن فهم- بفتح الفاء وسكون الهاء- وإليها ينسب البجلي- بسكون الجيم- ذكره كذلك الرشاطيّ. وحكي عن ابن عمر في نسبه غير ذلك وصحح ما تقدم. وحكى عن أبي عمر في نسبه غاضرة- بغين وضاد معجمتين بينهما ألف وآخره راء بعدها تاء تأنيث- ابن عتاب- بعين مهملة فمثناة فوقية فألف فموحدة- وزعم أنه خطأ وأن الصواب في ذلك النسب: ناضرة بالضاد المعجمة الساقطة، كما استظهره في النور. ابن خفاف- بخاء معجمة مضمومة ففاء مخففة فألف ففاء أخرى. روى الشيخان والبرقاني أن أبا أمامة قال لعمرو بن عبسة: بأي شيء تدّعي أنك ربع الإسلام؟ قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على غير شيء وأنهم ليسوا بشيء وهم يعبدون الأوثان. قال فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مستخفيا جراء عليه قومه فتلطّفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟ قال: نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني اللَّه. قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الرحم وكسر الأوثان وأن يوحّد اللَّه لا يشرك به. فقلت: من معك على هذا؟ قال: حرّ وعبد. قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال. وذكر أبو عمر أيضا أبا ذرّ جندب- بجيم مضمومة فنون ساكنة فدال مهملة تضم وتفتح- ابن جنادة بن سفيان بن عبد حرام- بفتح الحاء والراء المهملتين- ابن غفار- بغين معجمة ففاء مخففة فراء- ابن مليل بميم مضمومة ولامين الأولى مفتوحة بينهما مثناة تحتية- ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. روى الحاكم عنه: قال كنت ربع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة نفر وأنا الرابع. قال أبو عمر: ولكنهما يعني أبا نجيح وأبا ذرّ رجعا إلى بلاد قومهما. وأنيس أخو أبو ذر كما سيأتي.

الباب الرابع في قصة إسلام أبي ذر وأخيه أنيس - رضي الله تعالى عنهما -

الباب الرابع في قصة إسلام أبي ذرّ وأخيه أنيس- رضي اللَّه تعالى عنهما- روى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ومسلم عن عبد الله بن الصامت، والبخاري عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، كلاهما عن أبي ذر، قال ابن الصامت عنه: قد صلّيت يا ابن أخي قبل أن ألقى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين. قلت: لمن؟ قال للَّه. قلت فأين توجّه؟ قال: حيث يوجّهني ربي عز وجل أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت نفسي كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. قال فقال لي أنيس أخي: إن لي حاجة بمكة فاكفني، فانطلق. ثم جاء. وقال ابن عباس عنه: كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل فكلّمه وائتني بخبره فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث عليّ ثم جاء فقلت: ما عندك؟ فقال: واللَّه لقد رأيت رجلا يأمر بخير وينهى عن الشر. وفي رواية لقد رأيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن اللَّه أرسله ورأيته يأمر بمكارم الأخلاق. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر كاهن ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، واللَّه إنه لصادق وإنهم لكاذبون، قال: فقلت: لم تشفني من الخبر فاكفني حتى أذهب فأنظر. قال: نعم وكن على حذر من أهل مكة فإنهم قد شنفوا له وتجهّموه. قال: فحملت شنّة لي فيها ماء. وفي رواية: فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فأتيت المسجد ألتمس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا أعرفه وأكره أن أسأل عنه. وفي رواية ابن الصامت: فتضعّفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الرجال الذي تدعونه الصابئي؟ فأشار إلى: فقال: الصابئي الصابئي فمال عليّ أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا عليّ. قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم فغسلت عن الدماء وشربت من مائها، ولقد لبثت ثلاثين بين ليلة ويوم وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسّرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع. فدخلت بين الكعبة وأستارها فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أصمختهم فما يطوف بالبيت أحد وامرأتان منهم تدعوان إحافا ونائلة فأتتا عليّ في طوافهما فقلت: أنكحوا إحداهما الأخرى. فما تناهتا عن قولهما، فأتتا عليّ فقلت: هنّ مثل الخشبة. غير أنى لا أكنّي. فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا. فاستقبلهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطتان قالا: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قالا: ما قال؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم. وجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت وهو وصاحبه، ثم صلّى، فلما

قضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاته أتيت فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فرأيت الاستبشار في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال أبو ذر: فكنت أول من حيّاه بتحية الإسلام فقال: وعليك السلام ورحمة اللَّه. ثم قال: ممن الرجل؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده فقدعني صاحبي وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه فقال: متى كنت هاهنا؟ قلت: كنت من ثلاثين بين ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسّرت عكن بطني وما أجد على بطني سخفة جوع. قال: مباركة، إنها طعام طعم وشفاء سقم. وفي رواية ابن عباس عن أبي ذر قال: أقبلت حتى أتيت مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد، واضطجعت. قال: فمر بي على فقال: كأنّ الرجل غريب؟ قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره فلما أصبحت احتملت قربتي وزادي إلى المسجد أسأل عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فظللت ذلك اليوم حتى أمسيت فعدت إلى مضجعي فمر بي على فقال: أما نال للرجل أن يعرف منزله بعد؟ قلت: لا. قال: انطلق معي. فذهبت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره عن شيء، فلما كان اليوم الثالث فعل ذلك، فأقامه فذهب معه ثم قال له: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ فقلت له: إن كتمت عليّ أخبرتك. وفي رواية: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنّي فعلت. ففعل فأخبرته فقال: أما إنك قد رشدت إنه حقّ وإنه رسول اللَّه، فإذا أصبحت فاتبعني فإن رأيت شيئا أخافه عليك قمت كأني أريق ماء. وفي رواية: قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامضي أنت، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلت له: اعرض عليّ الإسلام، فعرض فأسلمت مكاني فقال: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى قومك فأخبرهم بأمري، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقلت: والذي بعثك بالحق- وفي رواية: والذي نفسي بيده- لأصرخن بها بين ظهرانيهم. فخرجت حتى أتى المسجد وقريش فيه فناديت بأعلى صوتي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمد رسول اللَّه. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فثار القوم فضربت لأموت. وفي رواية حتى أضجعوني فأدركني العباس فأكبّ عليّ ثم قال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأنه طريق تجارتكم عليهم؟! فأقلعوا عنّي. فلما أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئي فصنع بي ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليّ وقال مثل مقالته بالأمس.

تنبيهات

وفي حديث ابن الصامت فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه ايذن لي في طعامه الليلة. فانطلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف وكان ذلك أول طعام أكلت بها. ثم أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إني وجّهت لي أرض ذات نخل ولا أراها إلا يثرب فهل أنت مبلّغ عني قومك عسى اللَّه أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟ قال: فأتيت أنيسا فقال ما صنعت؟ قلت: قد أسلمت وصدّقت. فقال: ما لي رغبة عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فإني قد أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا فأسلم نصفهم وقال نصفهم: إذا قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم المدينة أسلمنا. فقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلم نصفهم الباقي وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول اللَّه إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه. فأسلموا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: «غفار غفر اللَّه لها وأسلم سالمها اللَّه» . تنبيهات الأول: قال الحافظ: قول أبي ذرّ لأخيه: ما شفيتني مغاير في الظاهر لما في حديث ابن الصامت. ويمكن الجمع بأنه أراد منه أن يأتيه بتفاصيل من كلامه وأخباره فلم يأته إلا بمجمل. وفي حديث ابن عباس أن لقياه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان بدلالة عليّ، وفي حديث ابن الصامت أن أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل، كما هو مذكور في القصة، وأكثره يغاير ما في حديث ابن عباس هذا عن أبي ذر، ويمكن التوافق بينهما بأنه لقيه أولا مع علي ثم لقيه في الطواف، أو بالعكس، وحفظ كلّ منهما ما لم يحفظ الآخر. الثاني: قال في المفهم: في التوفيق بين الروايتين تكلّف شديد لا سيما أن في حديث عبد الله بن الصامت أن أبا ذر أقام ثلاثين لا زاد له. وفي حديث ابن عباس أنه كان معه زاد وقربة ماء إلى غير ذلك. قال الحافظ: ويحتمل الجمع بأن المراد بالزاد في حديث ابن عباس ما تزوّده لمّا خرج من أرض قومه. ففرغ لما أقام بمكة. والقربة التي كانت معه كان فيها الماء حال السفر، فلما أقام بمكة لم يحتج إلى ملئها ولم يطرحها. ويؤيده أنه وقع في رواية أبي قتيبة عند البخاري: فجعلت لا أعرفه- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد. الثالث: في بيان غريب ما سبق

الخفاء- بخاء معجمة وفاء- وزن كتاب: الكساء، أو رداء تلبسه المرأة أو العروس فوق ثيابها. فأين كنت توجّه: بفتح التاء والجيم، وفي رواية توجّه بضم التاء وكسر الجيم- وكلاهما صحيح. راث يريث بالمثلثة: أبطأ. أقراء الشعر، بالقاف والراء وبالمد: طرقه وأنواعه. شنفوا له، بشين معجمة مفتوحة فنون مكسورة ففاء، أي أبغضوه يقال شنف له شنفا إذا أبغضه. تجهموه- بالجيم: أي تلقوه بالغلظة والوجه الكريه. الشّنّة. بفتح الشين المعجمة والنون المشددة: القربة البالية. تضعّفت رجلا: أي نظرت إلى أضعفهم فسألته، لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبا. الصّابئ: من صبأ يصبأ، إذا انتقل من شيء إلى شيء وكانوا يسمون من أسلم صابئا. مال عليه أهل الوادي: تحاملوا. المدرة: القطعة من الطين. النّصب- بضم الصاد المهملة وبسكونها: حجر نصب فعد من دون اللَّه وجمع أنصاب، كانوا يذبحون عليه فيحمرّ بالدم. تكسّرت: تثنّت لكثرة السّمن وانطوت. عكن [ (1) ] بطني: بضم العين المهملة وفتح الكاف وأعكانه جمع عكنة وهي الطيّ الذي في البطن من السّمن. السّخفة- بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة: ما يعتري الإنسان من الخفّة عند الجوع. وبضم السين: الخفّة في العقل. قمراء: مقمرة ليس فيها غيم. إضحيان- بكسر الهمزة والحاء المهملة وإسكان الضاد المعجمة بينهما: أي مضيئة. أصمخة- بالسين وبالصاد أيضا فخاء معجمة جمع صماخ وهي ثقب الأذن المتصل بالدماغ والمراد بالضرب هنا: النوم المانع من نفوذ الكلام إلى الأذن. إساف- بكسر الهمزة ونائلة بالنون والمثناة التحتية المكسورة: صنمان كانا لهم في الجاهلية. فما تناهيتا عن قولهما: أي ما انتهتا عن قولهما بل دامتا عليه.

_ [ (1) ] اللسان 4/ 3062.

الهن. والهنة- بفتح الهاء وتخفيف النون: كناية عن كل شيء وأكثر ما يستعمل كناية على الفرج والذّكر أي قال لهما: ذكر كالخشة في الفرج. وأراد بذلك سبّ إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك. الولولة [ (1) ] : الدعاء بالويل. الأنفار: جمع نفر أو نفير وهو الذي ينفر عند الاستغاثة أي لو كان هنا أحد من أنفارنا لانتصر لنا. كلمة تملأ الفم: أي لا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسدّ فم حاكيها وتملأه، لاستعظامها. أما نال للرجل: يقال نال له إذا آن له كما في رواية بمد الهمزة، ويروى: أما أنى بالقصر وبفتح النون. وفي رواية مسلم: أما آن أن يعلم بمنزله. ويروى بدون همزة الاستفهام في اللفظ أي ما جاء الوقت الذي يعرف به منزل الرجل بأن يكون له مسكن معيّن. قد رشدت: من رشد يرشد من باب علم يعلم رشدا بفتحتين. ورشد يرشد من باب نصر ينصر رشدا- بضم الراء وسكون الشين. والرشد: خلاف الغيّ. بين ظهرانيهم- بفتح النون وبين أظهرهم أي وسطهم. فثار القوم- بثاء مثلثة فراء أي نهضوا. فضربت: بالبناء للمفعول. لأموت: أي لأن أموت، يعني ضربوه ضرب الموت. فأكبّ عليّ: أي رمى نفسه علي. فأقلعوا عني: أي كفّوا عني. قدعني [ (2) ]- بقاف فدال مهملتين أي كفني، يقال قدعه وأقدعه إذا كفّه. طعم- بضم الطاء وإسكان العين أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام. وجّهت لي أرض: أي رأيت جهتها. لا أراها- بضم الهمزة وفتحها. إلا يثرب- هذا كان قبل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية المدينة بذلك. احتملنا: أي احتملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا وسرنا. ما بي رغبة عن دينك: أي لا أكرهه بل أدخل فيه.

_ [ (1) ] اللسان 6/ 4920. [ (2) ] انظر لسان العرب 5/ 3551.

الباب الخامس في سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربهم تبارك وتعالى

الباب الخامس في سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربّهم تبارك وتعالى دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم يعبد اللَّه تعالى فيها سرّا من قومه، ودخل معه جماعة حتى تكامل المسلمون أربعين رجلا وكان آخرهم عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، فلما تكاملوا أربعين رجلا خرجوا فلما أسلم عمر قال: يا رسول اللَّه علام نخفي ديننا ونحن على الحق ويظهر دينهم وهم على الباطل؟ فقال: يا عمر إنا قليل. فقال عمر: فو الذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان. وسيأتي بسط ذلك في إسلام عمر رضي اللَّه تعالى عنه. روى الحافظ أبو الحسن سليمان بن خيثمة الأطرابلسي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: لمّا اجتمع أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألحّ أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الظهور، فقال: يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل أبو بكر يلحّ حتى ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتفرّق المسلمون في نواحي المسجد كلّ رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا، ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرّقهما لوجهه من على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاءت بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكّون في موته ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: واللَّه لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة. فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلّمون أبا بكر حتى أجاب فتكلم في آخر النهار فقال: ما فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فمسّوا منه بألسنتهم وعذلوه وقالوا لأمه أم الخير انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه. فلما خلت به ألحّت عليه وجعل يقول: ما فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: واللَّه ما لي علم بصاحبك فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه. فخرجت حتى جاءت أمّ جميل فقالت: أن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله. فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك. فقالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فدنت أمّ جميل وأعلنت بالصياح وقالت: واللَّه إنّ قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر وإني لأرجو أن ينتقم اللَّه منهم. قال: فما فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شيء عليك

تنبيهان

منها. قالت: سالم صالح. قال: فأين هو؟ قالت: في دار الأرقم. قال: فإن للَّه على أن لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فأمهلنا حتى إذا هدأت الرّجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ عليّ حتى أدخلناه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأكبّ عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقبّله وأكبّ عليه المسلمون ورقّ له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول اللَّه ليس بي بأس إلا ما نال الناس من وجهي وهذه أمي برّة بولدها وأنت مبارك، فعسى اللَّه أن يستنقذها بك من النار. فدعا لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ودعاها إلى اللَّه فأسلمت. وأقاموا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الدار شهرا وهم تسعة وثلاثون رجلا، وقد كان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر. ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعمر بن الخطاب أو لأبي جهل بن هشام، فأصبح عمر وكانت الدعوة يوم الأربعاء فأسلم عمر يوم الخميس فكبّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة، فقام عمر فقال: يا رسول اللَّه علام نخفي ديننا فذكر نحو ما سبق. وذكر إسلام عمر هنا غريب والصحيح أنه أسلم بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة. قال ابن إسحاق: ودخل الناس أرسالا الرجال والنساء في دين اللَّه، حتى فشا الإسلام بمكة وتحدّث به. وكان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا صلّوا ذهبوا في الشّعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلّون فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحيي بعير فشجّه وكان أول دم أهريق في الإسلام. تنبيهان الأول: دار الأرقم هي الدار المعروفة الآن بدار الخيزران عند الصفا. الثاني: في بيان غريب ما سبق. ألحّ: ألحف في المسألة. نعلين مخصوفين [ (1) ] : مطبقتين. فمسّوا منه بألسنتهم: أي عنّفوه ونالوا منه.

_ [ (1) ] لسان العرب 2/ 1174.

الدّنف: ملازمة المرض. أمهلنا: صبرنا. هدأت الرّجل: سكنت. أرسالا: بفتح الهمزة: جمع رسول بفتح الراء والسين، أي أفواجا وفرقا. فشا، بغير همز: أي ظهر وذاع. تحدّث: بالبناء للمفعول. الشّعاب: جمع شعب. بلحيي بعير: هو تثنية لحي وهو العظم الذي عليه الخدّ وهو من الإنسان: العظم الذي تنبت عليه الأسنان. فشجّه: جرحه.

الباب السادس في أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهار الإسلام

الباب السادس في أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهار الإسلام قال اللَّه سبحانه وتعالى: فَاصْدَعْ فأظهر بِما تُؤْمَرُ بالقرآن وما فيه من الأحكام. وأصل الصدع: الشق والبينونة أو أصله الشق في الشيء الصّلب كالزجاج ثم استعير لغيرها. أي اكشف الحقّ وأبنه عن غيره وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر 94] اكفف عنهم ولا تبال بهم والكف عنهم. نسخ بآية السيف. وقال تعالى: وَأَنْذِرْ خوّف عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء 214] وهم بنو هاشم وبنو المطّلب وقد أنذرهم جهارا. روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن يصدع بما جاء به من عند اللَّه وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إلى اللَّه تعالى، فدعا في أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا إلى أن أمر بظهور الدعاء. وروى البلاذري عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرّا أربع سنين. وروي أيضاً عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم قال: لما نزلت على النبي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ اشتد ذلك على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وضاق به ذرعا، فمكث شهرا أو نحوه جالسا في بيته حتى ظن عماته أنه شاك فدخلن عليه عائدات فقال: ما اشتكيت شيئا لكن اللَّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فأردت جمع بني عبد المطلب لأدعوهم إلى اللَّه تعالى قلن: فادعهم ولا تجعل عبد العزّى فيهم- يعنى أبا لهب، فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه إليه. وخرجن من عنده فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث إلى بني عبد المطلب فحضروا ومعهم عدة من بني عبد مناف وجميعهم خمسة وأربعون رجلا وسارع إليه أبو لهب وهو يظن أنه يريد أن ينزع عما يكرهون إلى ما يحبّون، فلما اجتمعوا قال أبو لهب: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكّلم بما تريد ودع الصلاة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة وإن أحبّ من أخذك فحبسك أسرتك وبنو أبيك إن أقمت على أمرك فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدّها العرب، فما رأيت يا ابن أخي أحدا قط جاء بني أبيه وقومه بشرّ مما جئتهم به. فأسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يتكلم في ذلك المجلس ومكث أياما وكثر عليه كلام أبي لهب، فنزل عليه جبريل عليه السلام فأمره بإمضاء ما أمره اللَّه به وشجّعه عليه، فجمعهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثانية فقال: الحمد اللَّه أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله واللَّه لو كذبت الناس جميعا

ما كذبتكم ولو غررت الناس ما غررتكم، واللَّه الذي لا إله إلا هو إني لرسول اللَّه إليكم خاصة وإلى الناس كافة، واللَّه لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبنّ بما تعملون، ولتجزونّ بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا وإنها للجنة أبدا أو النار أبدا، وإنكم لأول من أنذر، ومثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه. فقال أبو طالب: ما أحبّ إلينا معاونتك ومرافدتك وأقبلنا لنصحك وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم، غير أني واللَّه أسرعهم إلى ما تحب فامض لما أمرت به فو اللَّه لا أزال أحوطك وأمنعك، غير إني لا أجد نفسي تطوّع إلى فراق دين عبد المطلب حتى أموت على ما مات عليه. وتكلم القوم كلاما ليّنا غير أبي لهب فإنه قال: يا بني عبد المطلب هذه واللَّه السّوءة خذوا على يديه قبل أن يأخذ على يديه غيركم فإن أسلمتموه حينئذ ذللتم وإن منعتموه قتلتم. فقال أبو طالب: واللَّه لنمنعنّه ما بقينا. وقالت صفية بنت عبد المطلب لأبي لهب: أي أخي أيحسن بك خذلان ابن أخيك وإسلامه؟ فواللَّه ما زال العلماء يخبرون أنه يخرج من ضئضئ عبد المطلب نبيّ فهو هو. فقال: هذا واللَّه الباطل والأماني وكلام النساء في الحجال، إذا قامت بطون قريش كلها وقامت معها العرب فما قوّتنا بهم؟ فو اللَّه ما نحن عندهم إلا إكلة رأس. وروى الشيخان والبلاذري عن ابن عباس، والشيخان عن أبي هريرة، ومسلم عن قبيصة ابن المخارق رضي اللَّه عنهم، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما أنزل عليه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قام على الصّفا فعلا أعلاها حجرا ثم نادى: يا صباحاه. فقالوا من هذا؟ وجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج يرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فاجتمعوا إليه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا. فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أغني عنكم من اللَّه شيئاً، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من اللَّه شيئاً، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من اللَّه شيئاً، يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من اللَّه شيئاً، يا عباس عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنقذ نفسك من النار فإني لا أغني عنك من اللَّه شيئاً، يا صفية عمة محمد، ويا فاطمة بنت محمد أنقذا أنفسكما من النار فإني لا أملك لكما من اللَّه شيئاً، غير أن لكما رحما سأبلّها ببلالها، إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد.

تنبيه في بيان غريب ما سبق

فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ إلى آخرها [ (1) ] . ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا بني عبد المطلب إني واللَّه ما أعلم شابّا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به أني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة. وروى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم عن علي وأبو نعيم عن البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنهم قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا علي اصنع لنا رجل شاة على صاع من طعام. وفي رواية: مدّ. وأعدّ لنا عسّ لبن ثم اجمع بني عبد المطلب. قال عليّ: ففعلت، فاجتمعوا له وهو يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، منهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فقدّمت إليهم تلك الجفنة، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منها حذية فشقّها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال: كلوا باسم اللَّه. فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما ترى إلا آثار أصابعهم، واللَّه إن كان الرجل الواحد ليأكل مثل ما قدّمت لجميعهم. ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتى رووا جميعا، واللَّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. وفي رواية من يأكل المسنّة ويشرب العسّ. فلما أراد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لهدّ ما سحركم صاحبكم. فتفرقوا ولم يكلّمهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما كان الغد قال يا علي عد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ففعلت ثم جمعتهم إليه فصنع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كما صنع بالأمس فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا بني عبد المطلب، واللَّه ما أعلم شابّا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، أني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة. ثم قال: من يؤازرني على ما أنا عليه؟ قال علي: فقلت: أنا يا رسول اللَّه وإني أحدثهم سنّا وسكت القوم. ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك. قال: دعوه فلن يألوا ابن عمه خيرا [ (2) ] . تنبيه في بيان غريب ما سبق يبادي: قال في النور: الظاهر أنه بالموحدة أي يجاهر.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 609 (4972) . ومسلم 4/ 2242 (91- 2927) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 305 وعزاه للبزار وأحمد والطبراني في الأوسط وقال: ورجال أحمد وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة.

ضاق به ذرعا: يقال ضاق بالأمر ذرعا أي عجز عن احتماله، وذرع الإنسان: طاقته التي يبلغها. أسرة الرجل: وزان غرفة: رهطه. يربأ أهله، بمثناة تحتية فراء فباء موحدة فهمزة، يقال ربأت القوم أربؤهم ربأ: كنت طليعة لهم فوق شرف خوفا أن يكبسهم العدوّ على غرّة. الحذيّة [ (1) ] : تصغير حذوة بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون الذال المعجمة: القطعة من اللحم. وقيل: إذا كسرت الحاء كانت بمعنى أن يقطع اللحم طولا. المسنة: الشاة التي سقطت ثناياها. العسّ [ (2) ] : بضم العين وبالسين المهملة المشددة: القدح الكبير. نهلوا: بنون: أي شربوا حتى رووا. لهدّ [ (3) ] : بفتح اللام والهاء والدال المشددة: كلمة يتعجب بها، فيقال: لهدّ الرجل أي ما أجلده، ويقال إنه لهدّ الرجل، أي لنعم الرجل وذلك إذا أثني عليه لجلده وشدة بأسه. واللام فيه للتأكيد والمعنى هنا: لنعم ما سحركم به.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 163. [ (2) ] لسان العرب 4/ 2942. [ (3) ] لسان العرب 5/ 4085.

الباب السابع في مشي قريش إلى أبي طالب ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب السابع في مشي قريش إلى أبي طالب ليكفّ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزّهري وابن إسحاق: فلما بادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره اللَّه لم يبعد منه قومه ولم يردّوا عليه، حتى ذكر آلهتهم وعابها. قال العتقي: وكان ذلك سنة أربع. فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا لخلافه وعداوته إلا من عصم اللَّه تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون. وحدب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على أمر اللَّه مظهرا لأمره لا يردّه عنه شيء. فلما رأت قريش إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه ولم يسلمه لهم، مشى رجال من أشرافهم إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وعاب ديننا وسفّه أحلامنا وضلّل آباءنا فإما أن تكفّه وإما أن تخلّي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه. فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردّهم ردّا جميلا. فانصرفوا عنه. ومضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين اللَّه ويدعو إليه ثم شري الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت قريش من ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بينها فتذامروا فيه وحضّ بعضهم بعضا عليه. ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له: يا أبا طالب إن لك سنّا وإن لك شرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنّا وإنا واللَّه لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفّه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه. فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا خذلانه، فأرسل خلقه فقال: يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا. للذي كانوا قالوا له. فأبق على نفسك وعليّ ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد بدا لعمّه فيه بداء وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن

نصرته والقيام معه. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا عمّ واللَّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللَّه أو أهلك فيه ما تركته ثم استعبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما ولّى ناداه أبو طالب: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو اللَّه لا أسلمك لشيء أبدا. ثم قال أبو طالب: واللَّه لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتّى أوسّد في التّراب دفينا فامضي لأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقرّ بذاك منك عيونا ودعوتني وزعمت أنّك ناصحي ... فلقد صدقت وكنت ثمّ أمينا لولا الملامة أو حذاري سبّة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا [ (1) ] قال في الروض: خص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الشمس باليمين لأنه الآية المبصرة وخصّ القمر بالشمال لأنه الآية الممحوّة. وخص صلى اللَّه عليه وسلّم النيّرين حين ضرب المثل بهما لأن نورهما محسوس، فالنور الذي جاء به من عند اللَّه تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة 32] فاقتضت بلاغة النبوّة لمّا أرادوه على ترك النور الأعلى أن يقابله بالنور الأدنى وأن يخص أعلى النيرين وهي الآية المبصرة بأشرف اليدين وهي اليمين، بلاغة لا مثلها وحكمة لا يجهل اللبيب فضلها. انتهى. قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإسلامه، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف ديننا ودين آبائك وفرّق جماعة من قومك وسفّه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل. قال: واللَّه لبئس ما تسومونني! أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا واللَّه ما لا يكون أبدا، أرأيتم ناقة تحنّ إلى غير فصيلها؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل: واللَّه يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلّص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا. فقال أبو طالب للمطعم: واللَّه ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ فاصنع ما بدا لك أو كما قال. فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادر بعضهم بعضا. فقال أبو طالب يعرّض بالمطعم بن عديّ يعمّ من خذله من بني عبد مناف ومن عاداه

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 3/ 42.

من قبائل قريش ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم: ألا قل لعمر والوليد ومطعم ... ألا ليت حظّي من حياطتكم بكر من الخور خبخاب كثير رغاؤه ... رشّ على السّاقين من بوله قطر تخلّف خلف الورد ليس بلاحق ... إذا ما علا الفيفاء قيل: له وبر أرى أخوينا من أبينا وأمّنا ... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر بلى لهما ولكن تجرجما ... كما جرجمت من رأس ذي علق صخر أخصّ خصوصا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثل ما نبذ الجمر هما أغمزا للقوم في أخويهما ... فقد أصبحا منهم أكفّهما صفر هما أشركا في المجد من لا أبا له ... من الناس إلا أن يرسّ له ذكر وتيم ومخزوم وزهرة منهم ... وكانوا لنا مولى إذا بغي النّصر فو اللَّه لا تنفكّ منّا عداوة ... ولا منهم ما كان من نسلنا شفر [ (1) ] قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الذين أسلموا، فوثبت كلّ قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذّبونهم ويفتنونهم عن دينهم، ومنع اللَّه تعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم بعمه أبي طالب. وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، إلا ما كان من أبي لهب عدوّ اللَّه الملعون. فلما رأى أبو طالب من قومه ما سرّه في جدّهم معه وحدبهم عليه جعل يمدحهم ويذكر فضل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيهم ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحدبوا معه على أمره فقال: إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرّها وصميمها وإن حصّلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها وقديمها وإن فخرت يوما فإنّ محمّدا ... هو المصطفى من سرّها وكريمها تداعت قريش غثّها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها وكنّا قديما لا نقرّ ظلامة ... إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 2/ 9 والبداية والنهاية 3/ 48، 49.

تفسير الغريب

ونحمي حماها كلّ يوم كريهة ... ونضرب عن أحجارها من يرومها بنا انتعش العود الذّواء وإنّما ... بأكتافنا تندى وتنمى أرومها [ (1) ] تفسير الغريب حدب عليه، بفتح الهاء وكسر الدال المهملتين فموحدة: أي عطف عليه ومنعه، وأصل الحدب انحناء في الظهر، ثم استعير فيمن عطف على غيره ورقّ له. لا يعتبهم: بضم أوله وكسر المثناة فوق: أي لا يرضيهم. سفّه أحلامنا: بتشديد الفاء وبالهاء، وهو فعل ماض، أحلامنا مفعوله أي قال إنا قليلو العقل. رفيقا: براء ففاء فمثناة تحتية فقاف. ثم شري الأمر بينه وبينهم: بفتح الشين المعجمة فراء مكسورة فمثناة تحتية مفتوحة أي كثر وتزايد، يقال شرى البرق يشرى إذا كثر لمعانه ويقال أشرى الرجل أيضا إذا غضب. تضاغنوا: تعادوا، والضّغن: العداوة والحقد. فتذامروا [ (2) ] : بالذال المعجمة: أي حضّ بعضهم بعضا على حربه وعداوته. استنهيناك: أي طلبنا منك أن تنهاه. أو ننازله وإياك: أي نحاربه وإياك. يهلك: بكسر اللام. فأبق: بقطع الهمزة فموحدة ساكنة: فعل أمر. بدا: يغير همز أي ظهر. بداء: بفتح الموحدة ممدودا: أي نشأ له فيه رأى. استعبر: أي دمعت عيناه. أوسّد: أوضع. غضاضة: أوضع. غضاضة: نقصان. الملامة: العذل. السّبّة بالضم: العار.

_ [ (1) ] انظر السيرة النبوية لابن هشام 2/ 10 البداية والنهاية 3/ 49. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 315.

خذلانه: أي تركه ونصرته. إجماعه: عزمه. بعمارة: بضم العين وتخفيف الميم: كان من أجمل الناس وله قصة مع النجاشي. أنهد فتى [ (1) ] : بنون فهاء فدال مهملة: أي أشدّه وأقواه. عقله بعين مهملة مفتوحة: أي ديته، وأصله أن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول أي شدها في عقلها ليسلمها إليهم. تسومونني: تكلّفونني.. أغذوه- بالغين والذال المعجمتين. المطعم، بكسر العين، هلك كافرا قبل وقعة بدر. المظاهرة: بالظاء المعجمة المشالة: المعاونة. ما بدا لك: بغير همز أي ظهر. فحقب الأمر: بحاء مهملة فقاف مكسورة فموحدة: أي زاد واشتد. وتنابذ القوم بموحدة مفتوحة فذال معجمة أي تركوا ما كان بينهم من عهد. قول أبي طالب: ألا ليت حظي من حفاظكم: بكسر الحاء، الحفاظ والحفيظة: الغضب. وقال بعضهم: لا يكون الحفاظ إلا في الحرب خاصة. قال أبو ذر: والقول الأول هو الصحيح. ويروى: من حياطتكم وهي الحفظ. البكر: الفتيّ من الإبل أي أنّ بكرا من الإبل أنفع لي منكم، فليته لي بدلا من حياطتكم. الخور: بضم الخاء المعجمة: جمع أخور وهو الضعيف. خبخاب [ (2) ] : يروى الخاء المعجمة وبالحاء المهملة وبالجيم. قال ابن السرّاج: الجبجاب بالجيم: الكثيرة الكلام فاستعاره هنا للرغاء، والحبحاب- بالحاء المهملة: القصير. وبالخاء المعجمة: الضعيف. الفيفاء: القفر. الورد بكسر الواو: الماء الذي ترده الإبل. والوبر: دويّبة قدر الهر، أي يشبّه بالوبر لصغره. ويحتمل أن يكون أراد يصغر في العين. لعلوّ المكان وبعده.

_ [ (1) ] لسان العرب 6/ 4555. [ (2) ] المعجم الوسيط 1/ 214.

تجرجما [ (1) ] : بمثناة فوقية فجيم مفتوحتين فراء ساكنة فجيم: أي سقط وانحدر. يقال: تجرجم الشيء إذا سقط. ذو علق: بعين مهملة فلام مفتوحتين فقاف: جبل في ديار بني أسد، ترك صرف علق إما لأنه جعله اسم بقعة، وإما لأنه تركه لضرورة الشّعر. أغمزا للقوم: أي سبّبا لهم الطعن فيهم، يقال: غمزت الرجل إذا طعنت فيه. الصّفر بكسر الصاد: الخالي. إلا أن يرسّ له ذكر [ (2) ] : أي يذكر ذلك خفيّا، يقال رسست الحديث إذا حدّثت به في خفاء،. شفر بفتح الشين المعجمة وسكون الفاء: أي أحد. سرّها وصميمها: أي خالصها وكريمها. غثّها وسمينها: أصل الغث: اللحم الضعيف، فاستعاره هنا لمن ليس نسبه هناك. طاشت: ذهبت. حلومها: عقولها. ثنوا: عطفوا. صعر الخدود: بالعين المهملة: أي مائلة، يقال صعّر خدّه إذا أماله إلى جهة، فعل المتكبّر. ونضرب عن أحجارها: بحاء مهملة فجيم: أي ندفع عن حصونها ومعاقلها، يريد عن مواضعها المانعة. ومن رواه بالجيم والحاء أراد عن منازلها وبيوتها. والحجر هنا مستعار. انتعش: حيّ وظهرت فيه الخضرة، وأصل نعش: رفع، يقال نعشه اللَّه أي رفعه وبه سمى النّعش نعشا. العود الذّواء [ (3) ] : بذال معجمة مشدّدة وبالهمز: الذي جفّت رطوبته ولم ينته إلى حد اليبس. الأكناف: النواحي. أرومها: جمع أرومة وهي الأصل.

_ [ (1) ] اللسان 1/ 586. [ (2) ] المعجم الوسيط 1/ 343. [ (3) ] اللسان 2/ 1527.

الباب الثامن في إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

الباب الثامن في إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه روى ابن أبي حاتم عن الأجلح [ (1) ] قال: كان حمزة بن عبد المطلب رجلا حسن الشعر حسن الهيئة صاحب صيد، وأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مر على أبي جهل فولع به أبو جهل وآذاه، فرجع حمزة من الصيد وامرأتان تمشيان خلفه فقالت إحداهما: لو علم ذا ما صنع أبو جهل بابن أخيه أقصر عن مشيته. فالتفت إليهما فقال: وما ذاك؟ قالت: أبو جهل فعل بمحمد كذا وكذا. فدخلته الحميّة فجاء حتى دخل المسجد وفيه أبو جهل فعلا رأسه بقوسه ثم قال: ديني دين محمد، إن كنتم صادقين فامنعوني. ووثبت إليه قريش فقالوا: يا أبا يعلى. يا أبا يعلى فانزل اللَّه تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ إلى قوله: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الفتح 26.] قال الأجلح: أراد حمزة بن عبد المطلب. وروى ابن إسحاق قال: حدثني رجل من أسلم وكان واعية، والطبراني برجال ثقات، عن يعقوب عن عتبة بن المغيرة والطبراني برجال ثقات عن محمد بن كعب القرظي رحمهم اللَّه، إن أبا جهل مر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند الصّفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلّمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ومولاة لعبد اللَّه بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشّحا قوسه راجعا من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، فكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على نادي قريش إلا وقف وسلّم وتحدث معهم، وكان أعزّ فتى في قريش وأشدّه شكيمة فلمّا مرّ بالمولاة وقد رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بيته قالت له: يا أبا عمارة: لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام، وجده هنا جالسا فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلّمه محمد. فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللَّه تعالى به من كرامته، فخرج يسعى لم يقف على أحد معدّا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل

_ [ (1) ] يحيى بن عبد الله [هو] أبو حجيّة الكندي الأجلح الكوفي الشيعي. عن الشعبي، وجماعة. وعنه شعبة، وعليّ بن مسهر، وطائفة. وقد مرّ بلقبه. قال ابن عدي: هو عندي صدوق إلّا أنه يعدّ في الشيعة. وهو مستقيم الحديث. وقال ابن معين: لا بأس به. وقال الجوزجاني: الأجلح مفتر. وقال أبو حاتم: لا يحتج به، ليس بقوي. [ميزان الاعتدال 4/ 388، 389.]

نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجّه بها شجة منكرة وقال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فردّ على ذلك أن استطعت. فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني واللَّه قد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا. زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق: ثم رجع حمزة إلى بيته فقال: أنت سيّد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك؟ للموت خير لك مما صنعت. وقال: اللهم إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا. فبات بليلة لم يبت مثلها من وسوسة الشيطان، حتى أصبح فغدا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا ابن أخي إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو أرشد أم هو غيّ شديد فحدّثني حديثا فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدّثني. فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكّره ووعظه وخوّفه وبشّره، فألقى اللَّه تعالى في قلبه الإيمان بما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أشهد إنّكم لصادق فأظهر يا ابن أخي دينك فو اللَّه ما أحب أن لي ما أظلّته المساء وأني على ديني الأول. وتمّ حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من قوله. فلما أسلم حمزة عرفت قريش إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عزّ وامتنع، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. وقال حمزة حين أسلم: حمدت اللَّه حين هدى فؤادي ... إلى الإسلام والدّين الحنيف لدين جاء من ربّ عزيز ... خبير بالعباد بهم لطيف إذا تليت رسائله علينا ... تحدّر دمعه ذي اللّبّ الحصيف رسائل جاء أحمد من هداها ... بآيات مبيّنة الحروف وأحمد مصطفى فينا مطاع ... فلا تغسوه بالقول الضّعيف فلا واللَّه نسلمه لقوم ... ولمّا نقض فيهم بالسّيوف ونترك منهم قتلى بقاع ... عليها الطّير كالورد العكوف وقد خبّرت ما صنعت ثقيف ... به فجزى القبائل من ثقيف إليه النّاس شرّ جزاء قوم ... ولا أسقاهم صوب الخريف [ (1) ]

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 2/ 49، 50.

تفسير الغريب

تفسير الغريب داعية: حافظا لما يسمع. ابن جدعان: بضم الجيم وإسكان الدال، ثم عين مهملتين: هلك على كفره. فعمد: بفتح الميم في الماضي وكسرها في المستقبل. إلى ناد من قريش: أي أهل ناد من قريش. القنص: بفتح القاف والنون وبالصاد المهملة: الصيد. الشّكيمة [ (1) ] : بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف فمثناة تحتية ساكنة فميم مفتوحة فهاء تأنيث، يقال فلان شديد الشكيمة إذا كان عزيز النفس أبيّا قويا وأصله من شكيمة اللجام وهي الحديدة المعترضة في فم الفرس. آنفا: بمد الهمزة وقصرها أي الآن والساعة. فاحتمل حمزة: مفعول مقدّم والغضب: فاعل مؤخر. فشجّه أي أثّر في رأسه أثرا. أتشتمه: بكسر المثناة الثانية ويجوز ضمها. حكاه ابن دريد. وعلى ما تابع: بالمثناة الفوقية وبعد الألف باء موحدة. وفي بعض النسخ الصحيحة: بايع بالموحدة وبالمثناة بعد الألف، من المبايعة، والأول أظهر من سياق القصة. واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 4/ 2313.

الباب التاسع في إرسال قريش عتبة بن أبي ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أشياء ليكف عنهم

الباب التاسع في إرسال قريش عتبة بن أبي ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أشياء ليكف عنهم روى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله والبيهقي وابن عساكر عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهم قالا: اجتمع نفر من قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسّحر والكهانة والشّعر فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا وشتّت أمرنا وعاب ديننا، فليكلّمه ولينظر ماذا يردّ عليه. فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة. وعند ابن إسحاق وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي: أن عتبة بن ربيعة قال يوما، وكان جالسا في نادي قريش، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيّها شاء ويكفّ عنا. وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلّمه. وروى أبو يعلى [ (1) ] بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما قال: اجتمعت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشّعر فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا وشتّت أمرنا وعاب ديننا فيكلّمه ولينظر ما يرد عليه فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة فقالوا: أنت أبا الوليد. انتهى. فقام عتبة حتى جلس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السّطة في العشيرة والمكان في النّسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم وسفّهت أحلامهم وعبت آلهتهم ودينهم وكفّرت من مضى من آبائهم، يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلّم نسمع قولك، إنا واللَّه ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرّقت جماعتنا وأشتّت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب، حتى طار فيهم أن في قريش ساحرا وأن في قريش كاهنا واللَّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا بعضا إليك بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها.

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى في المسند 3/ 349 (1818) وأبو نعيم في الدلائل (182) وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 20 وعزاه لأبي يعلى وقال: فيه الأجلح الكندي وثقة ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وباقي رجاله ثقات.

فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قل أبا الوليد أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعناه لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به الشّرف سّودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطبّ وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه. أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسمعه منه قال له: أقد فرغت أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني قال: أفعل. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بسم اللَّه الرحمن الرحيم حم اللَّه أعلم بمراده به. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مبتدأ كِتابٌ خبره فُصِّلَتْ آياتُهُ بيّنت بالأحكام والقصص والمواعظ قُرْآناً عَرَبِيًّا حال من الكتاب بصفته لِقَوْمٍ يتعلق بفصلت يَعْلَمُونَ يفهمون ذلك وهم العرب أو أهل العلم والنظر وهو صفة أخرى لقرآنا بَشِيراً للعالمين به وَنَذِيراً للمخالفين له فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن تدبّره وقبوله فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ سماع تأمل وطاعة وَقالُوا للنبي. قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ أغطية جمع كنان وَفِي آذانِنا وَقْرٌ صمم وأصله الثقل وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ خلاف في الدين فَاعْمَلْ على دينك إِنَّنا عامِلُونَ على ديننا. ومضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعه عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما، فسمع منه إلى أن بلغ: فَإِنْ أَعْرَضُوا أي كفار مكة من الإيمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ خوَّفتكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت 13] منع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه أريد به القبيلة، أي عذابا يهلككم مثل ما أهلكهم. فأمسك عتبة على فيه وناشده الرّحم أن يكفّ عنه، ثم انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السّجدة منها فسجد ثم قال: قد سمعت أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك، فقال: ما عندك غير هذا؟ فقال: ما عندي غير هذا. فقام عتبة ولم يعد إلى أصحابه واحتبس عنهم فقال أبو جهل: واللَّه يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا قد صبا إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه. فأتوه. فقال أبو جهل: واللَّه يا عتبة ما جئناك إلا أنك قد صبوت إلى محمد وأعجبك أمره فإن كان لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد.

تفسير الغريب

فغضب وأقسم لا يكلّم محمدا أبدا وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته، فقصّ عليهم القصة. قالوا: فما أجابك؟ قال: واللَّه الذي نصها بنيّة ما فهمت شيئا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأمسك بفيه وناشدته الرحم أن يكفّ وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب. قالوا: ويك يكلّمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟! قال: والله ما سمعت مثله، واللَّه ما هو بالشّعر ولا بالسّحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فواللَّه ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزكم وكنتم أسعد الناس به، يا قوم أطيعوني في هذا الأمر واعصوني بعده، فو اللَّه لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي كلاما مثله وما دريت ما أردّ عليه. قالوا: سحرك واللَّه يا أبا الوليد. قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم. تفسير الغريب السّطة- بكسر السين وفتح الطاء المهملتين- أي من الوسط حسبا ونسبا، وأصل الكلمة الواو، والهاء عوض عن الواو كعدة من الوعد. وتقدم ذلك في سفره إلى الشام ونكاحه خديجة. سفّهت أحلامنا: أي قلت إنهم صغير والعقل. أعرض عليك: وهو مجزوم جواب شرط مقدّر ويجوز رفعه، وكذلك قوله أسمع. رئيّا [ (1) ] : الرئي: التابع من الجن بوزن كمي، وهو فعيل أو مفعول سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه أو هو من الرّأي من قولهم: فلان رئي قومه. إذا كان صاحب رأيهم وقد تكسر راؤه لإتباعها ما بعدها. الطّب: مثلث الطاء: العلاج في النفس والجسم. يداوى: يفتح الواو مبنى للمفعول. أفعل: بالجزم جواب شرط مقدر ويجوز رفعه.

_ [ (1) ] اللسان 3/ 1541.

الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعا من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد

الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما سألوا لعلم اللَّه سبحانه وتعالى أنهم لو عاينوا أو شاهدوا ما أرادوا لاستمروا في طغيانهم يعمهون ولظلّوا في غيهم وضلالهم يتردّدون، فقد كانوا رأوا من دلائل النبوة ما فيه شفاء لمن أنصف. قال اللَّه تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ [العنكبوت 51] . وفي هذا المعنى قيل: لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنةٌ ... كانت بداهته تنبيك بالخبر قال اللَّه تعالى: لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى كما طلبوا وَحَشَرْنا جمعنا عليهم كُلَّ شَيْءٍ طلبوه قُبُلًا بكسر القاف وفتح الباء أي معاينة، فنصبه مصدر في موضع الحال، وبضمها جمع قبيل أي فوجا فوجا، فنصبه حال من كلّ وإن كان نكرة نافية من العموم، أي: ولو جئناهم بالملائكة قبيلا قبيلا وبما طلبوا ورأوا ذلك معاينة ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ استثناء منقطع أو متصل أي ما كانوا ليؤمنوا إلا في حال مشيئة اللَّه وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ أي الكفار يَجْهَلُونَ. فيحلفون أنهم يؤمنون عند نزول الآيات. أو المؤمنون يجهلون أن الكافرين لا يؤمنون فيطلبون نزول الآيات ليؤمنوا. قال في الروض: وكان سؤالهم تلك الآيات جهلا منهم بحكمة اللَّه تعالى في امتحانه الخلق وتعبّدهم بتصديق الرسل وأن يكون إيمانهم عن نظر وفكر في الأدلة، فيقع الثواب على حسب ذلك، ولو كشف الغطاء وحصل لهم العلم الضروري لطلب الحكمة التي من أجلها يكون الثواب والعقاب إذ لا يؤجر الإنسان على ما ليس من كسبه كما لا يؤجر على ما خلق فيه من لون وشعر ونحو ذلك، وإنما أعطاهم من الدليل ما يقتضي النظر فيه العلم الكسبي. وروى ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس [ (1) ] أن أشراف قريش من كل قبيلة اجتمعوا عند غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا فيه. فبعثوا إليه فجاءهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أن

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 4/ 202 وعزاه لابن جرير وابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وذكر ابن جرير في التفسير 15/ 110.

قد بدا لهم فيما يكلمهم فيه بداء، وكان حريصا عليهم يحب رشدهم ويعزّ عليه عنتهم، حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفّهت الأحلام، وفرّقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلّا قد جئته فيما بيننا وبينك. أو كما قالوا له. فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تريد به الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا، وإن كنت تريد به ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه قد غلب عليك- وكانوا يسمون التابع من الجن رئيّا- فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطبّ لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئت به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن اللَّه تعالى بعثني إليكم رسولا وأنزل عليّ كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلّغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظّكم في الدنيا والآخرة وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللَّه حتى يحكم اللَّه بيني وبينكم. أو كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قالوا: يا محمد إن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا لك فإنك قد علمت أنه ليس أحد أضيق بلدا ولا أقلّ مالا ولا أشدّ عيشا منا، فاسأل لنا ربّك أنهارا كأنهار العراق والشام، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول: أحقّ هو أم باطل، فإن صدّقوك وصنعت ما سألناك صدّقناك وعرفنا منزلتك من اللَّه وأنه بعثك إلينا رسولا كما تقول. فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما بهذا بعثت لكم، إنما جئتكم من اللَّه بما بعثني به وقد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه أصبر لأمر اللَّه حتى يحكم اللَّه بيني وبينكم. قالوا: فإذا لم تفعل فخذ لنفسك، سل ربّك يبعث معك ملكا يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس الرزق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك إن كنت رسولا. فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي سأل ربّه هذا وما بعثت إليكم بهذا، ولكن اللَّه بعثني بشيرا ونذيرا أو كما قال. فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظّكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللَّه حتى يحكم اللَّه بيني وبينكم.

قالوا: فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: ذلك إلى اللَّه عز وجل، إن شاء أن يفعله بكم فعله. قالوا: يا محمد فما علم ربّك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب إليك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به؟ إنه قد بلغنا أنك إنما يعلّمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمن، وإنا واللَّه لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمد، وإنا واللَّه لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات اللَّه. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا باللَّه والملائكة قبيلا. فلما قالوا ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أميمة بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، وهو ابن عمته وهو لعاتكة بنت عبد المطلب، وأسلم بعد ذلك رضي اللَّه تعالى عنه، فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من اللَّه تعالى كما تقول ويصدّقوك ويتّبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من اللَّه فلم تفعل ثم سألوك أن تعجّل لهم بعض ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل. أو كما قال له. فو اللَّه لا أومن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلّما ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي بصكّ معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وأيم اللَّه إن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدّقك، ثم انصرف عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. وانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه، لما رأى من مباعدتهم إياه. فلما قام عنهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وشتم آلهتنا، وإني أعاهد اللَّه لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله. أو كما قال. فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. قالوا: واللَّه لا نسلمك لشيء أبدا فامض لما تريد. فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، ثم جلس لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو وكان بمكة وقبلته إلى الشام، وكان إذا صلى صلى بين الركنين، الركن اليماني والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

يصلي وقد غدت قريش وجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع مهزوما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف بالحجر من يده. وقامت إليه رجال من قريش فقالوا: ما بك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا واللَّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهمّ بي أن يأكلني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك جبريل لو دنا لأخذه. قال ابن إسحاق: وأنزل اللَّه تعالى فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ نقلت بِهِ الْجِبالُ عن أماكنها أَوْ قُطِّعَتْ شققت به الأرض فجعلت أنهارا وعيونا أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بأن يحيوا وجواب لو محذوف اكتفي بمعرفة السامعين مراده وتقديره: لكان هذا القرآن أو وهم يكفرون بالرحمن وإن أجيبوا إلى سؤالهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ أي أمر خلقه جَمِيعاً فيتصرف فيهم كيف يشاء. وأنزل أيضا: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ التي اقترحها أهل مكة إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذّبوا بها واستحقّوا الإهلاك، وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: وأنزل اللَّه سبحانه وتعالى في قولهم: خذ لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدّقك إلى آخره: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا هلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً يصدّقه أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ من السماء ينفقه ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ بستان يَأْكُلُ مِنْها أي من ثمارها فيكتفي بها وفي قراءة: نأكل بالنون أي نحن فيكون له علينا مزيّة بها. وَقالَ الظَّالِمُونَ أي الكافرون للمؤمنين إِنْ ما تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً مخدوعا مغلوبا على عقله قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمر فَضَلُّوا بذلك عن الهدى فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا طريقا إليه تَبارَكَ تكاثر خير الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ الذي قالوا من الكنز والبستان جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي في الدنيا لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً أيضا إلى قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ فأنت مثلهم في ذلك وقد قيل هم كما قد قيل لك وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً بلية ابتلي بها الغنيّ بالفقير والصحيح

بالمريض والشريف بالوضيع يقول الثاني في كلّ: مالي لا أكون كالأول في كلّ أَتَصْبِرُونَ على ما تسمعون ممن ابتليتم بهم، استفهام بمعنى الأمر أي اصبروا وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً بمن يصبر وبمن يجزع. وأنزل اللَّه تعالى فيما قال عبد الله بن أبي أمية- وقد تقدم إنه أسلم بعد: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً عيناً ينبع منها الماء أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ بستان مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ، فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها وسطها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً قطعا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا مقابلة وعيانا فنراهم. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ذهب أَوْ تَرْقى تصعد فِي السَّماءِ بسلّم وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ لو رقيت فيها حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا منها كِتاباً فيه تصديقك نَقْرَؤُهُ قل لهم: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا كسائر الرسل والبشر ولم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن اللَّه. قال ابن إسحاق: وأنزل اللَّه تعالى في قولهم فيما قد بلغنا: إنما يعلّمك رجل باليمامة يقال له الرحمن: ولن نؤمن به أبدا، يعنون به مسيلمة بن حبيب الحنفي، روى وثيمة بن موسى عن سعيد بن المسيّب أن مسيلمة تسمّى بالرحمن في الجاهلية قبل أن يولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم كان من المعمّرين: كَذلِكَ أي مثل إرسالنا الرسل قبلك يا محمد أَرْسَلْناكَ ثم بين المرسل إليهم فقال: فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مضت مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا لتقرأ عليهم الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من القرآن وشرائع الإسلام وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ، قل لهم يا محمد الرحمن الذي أنكرتم معرفته: هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ توبتي ومرجعي. وأنزل اللَّه تعالى فيما عرضوا عليه من أموالهم: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ على الإنذار والتبليغ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ أي لا أسألكم عليه أجرا إن أَجْرِيَ ما ثوابي إِلَّا عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ مطّلع يعلم صدقه. وأنزل اللَّه تعالى فيما قال أبو جهل وما همّ به: أَرَأَيْتَ في مواضعها الثلاثة للتعجب الَّذِي يَنْهى هو أبو جهل عَبْداً هو النبي صلى الله عليه وسلم إِذا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ أي المنهي عَلَى الْهُدى أَوْ للتقسيم أَمَرَ بِالتَّقْوى. أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ أي الناهي النبيّ وَتَوَلَّى عن الإيمان. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ما يصدر منه أي يعلمه فيجازيه عليه. أي: أعجبت منه يا مخاطب، من حيث نهيه عن الصلاة، ومن حيث أن المنهيّ على الهدى آمر بالتقوى، ومن حيث أن الناهي مكذّب متولّ عن الإيمان. كَلَّا ردع له لَئِنْ لام قسم لَمْ يَنْتَهِ عما هو عليه من الكفر لَنَسْفَعاً

بالناصية لنجرّن بناصيته إلى النار ناصِيَةٍ بدل نكرة من معرفة كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ وصفها بذلك مجازا والمراد صاحبها. فَلْيَدْعُ نادِيَهُ أي أهل ناديه وهو المجلس ينتدى أي يتحدث فيه القوم. وكان قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما انتهره حيث نهاه عن الصلاة: لقد علمت ما بها أكثر ناديا مني لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا، ورجالا مردا. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ الملائكة الغلاظ الشداد لإهلاكه، في الحديث: لو دعا نَاديهَ لأَخذته الزبانية عياناً. كَلَّا ردع له لا تُطِعْهُ يا محمد في ترك الصلاة وَاسْجُدْ صلّ للَّه وَاقْتَرِبْ منه بطاعته. وروى أبو يعلى وأبو نعيم عن الزبير بن العوام [ (1) ] رضي اللَّه تعالى قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صاح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أبي قبيس: يا آل عبد مناف إني نذير. فجاءته قريش فحذّرهم وأنذرهم قالوا: تزعم أنك نبي يوحى إليك وإن سليمان سخّر له الريح والجبال، وإن موسى سخّر له البحر، وإن عيسى كان يحيي الموتى، فادع اللَّه أن يجعل هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فإنك تزعم أنك كهيئتهم. فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي فلما سري عنه قال: والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان، ولكنه خيّرني بين أن تدخلوا باب الحرمة فيؤمن منكم وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلّوا عن باب الرحمة ولا يؤمن منكم، فاخترت باب الرحمة فيؤمن منكم، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم به يعذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. فنزلت: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ حتى قرأ ثلاث آيات. وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الآية [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي والحاكم والضياء في صحيحه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: سأل أهل مكة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحّي عنهم الجبال فيزرعون، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبا فمن كفر منهم بعد ذلك عذّبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت

_ [ (1) ] الزبير بن العوام بن خويلد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله القرشي الأسدي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، قتل سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل. [التقريب 1/ 259.] وسيأتي مفصلا. [ (2) ] أخرجه أبو يعلى في المسند 2/ 41 (14- 679) وذكره الهيثمي في المجمع 7/ 58 وقال: رواه أبو يعلى من طريق عبد الجبار بن عمر الأيلي عن عبد الله بن عطاء بن إبراهيم وكلاهما وثق وقد ضعفهما الجمهور وذكره السيوطي في الدر 4/ 62 وعزاه لأبي نعيم في الدلائل وابن مردويه.

تفسير الغريب

فتحت لهم باب التوبة والرحمة، قال: أي رب باب الرحمة. وفي رواية: إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكتهم كما أهلكت من قبلهم من الأمم. قال: لا بل أستأني بهم. فأنزل اللَّه: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [ (1) ] . وروى ابن جرير عن قتادة قال: قال أهل مكة فذكر نحوه وفيه: فأتاه جبريل فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا، وإن شئت استأنيت بقومك. قال: بل أستأني بقومي، فانزل اللَّه تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الآية. وأنزل اللَّه تعالى: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ [ (2) ] . تفسير الغريب أصبر: بالسكون جواب الشرط. اليمامة- بفتح المثناة التحتية: مدينة باليمن. الصّكّ [ (3) ]- بفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف: الكتاب. وايم اللَّه: من ألفاظ القسم كقولك: لعمر اللَّه وعهد اللَّه وفيها لغات كثيرة، تفتح همزتها وتكسر، وهي همزة وصل وقد تقطع. أسلموني: بقطع الهمزة المفتوحة. ما بدا لهم: بغير همز أي ظهر. منتقعا- بفتح القاف- امتقع لونه فهو منتقع لغة في انتقع أي تغير من حزن أصابه. الفحل- بفتح الفاء وإسكان الحاء- الذكر من الحيوان والمراد به هنا من الإبل. الحجر- بفتح الحاء والجيم. هامته- بميم مخففة مفتوحة: الرأس. القصر [ (4) ]- بفتح القاف والصاد المهملة والراء. والقصرة: أصل العنق. والجمع قصر بفتحهما. واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 285 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 52 وذكره السيوطي في الدر وعزاه للنسائي وابن جرير وابن المنذر. والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة. الدر 1/ 190. [ (2) ] أخرجه الطبري في التفسير 15/ 75 وذكره السيوطي في الدر 4/ 190 وعزاه لابن جرير عن قتادة وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 352 والهيثمي في المجمع 7/ 50 والقرطبي في التفسير 10/ 281. [ (3) ] اللسان 4/ 2475. [ (4) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 739.

الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأصياء لا يعرفها إلا نبي

الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأصياء لا يعرفها إلا نبي قال ابن إسحاق: أن النضر بن الحارث، وكان من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. والصواب أنه هلك ببدر وهو مشرك على يدي علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه. فقال: يا معشر قريش واللَّه لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم الشّيب في صدغيه وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر. ولا واللَّه ما هو بساحر، وقد رأينا السّحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة تخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا واللَّه ما هو بشاعر، لقد روينا الشّعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه. وقلتم: مجنون. لا واللَّه ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه، يا معشر قريش انظروا في شأنكم فإنه واللَّه لقد نزل بكم أمر عظيم. وكان النضر قد قدم الحيرة وتعلّم بها أحاديث ملوك الفرس، فكان إذا جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكّر فيه باللَّه وحذّر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة اللَّه عز وجل، خلفه في مجلسه إذا قام ثم قال: أنا واللَّه يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلم إليّ فأنا أحدثكم أحسن من حديثه. ثم يحدثهم عن ملوك فارس ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا مني؟ وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما كتبتها. قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثل ما أنزل اللَّه. قال ابن إسحاق: وكان ابن عباس يقول فيما بلغني: إنه أنزل فيه ثماني آيات من القرآن: قوله تعالى: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [القلم 15] وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن. فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة وقالوا لهما: اسألاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجنا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم، ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة وقد أتيناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبيّ مرسل وإن لم يفعل فالرجل [متقوّل] فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجيب، واسألوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان

نبؤه، واسألوه عن الروح ما هي؟ فإن أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي مرسل، وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل [ (1) ] فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبيّ وإن لم يفعل فالرجل مفتون فروا فيه رأيكم. فجاؤوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسألوه في تلك الأشياء فقال لهم: أخبركم بما سألتم عنه غدا. ولم يستثن. فانصرفوا عنه. قال ابن إسحاق: ومكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمسة عشرة ليلة وفي سير الزّهري وموسى بن عقبة: أن الوحي إنما أبطأ عنه ثلاثة أيام لا يحدث اللَّه تعالى في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا واليوم خمسة عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه. حتى أحزن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة. ثم جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم من اللَّه عز وجل بسورة الكهف وفيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطّواف والروح. قال ابن إسحاق: فذكر لي إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل حين جاءه: لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا. فقال له جبريل: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فافتتح اللَّه سبحانه سورة الكهف بحمده وذكر نبوّة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: الْحَمْدُ وهو الوصف بالجميل الثابت لِلَّهِ وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما؟ احتمالات أفيدها الثالث الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ محمد الْكِتابَ القرآن وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أي فيه عِوَجاً اختلافا وتناقضا قَيِّماً مستقيما لِيُنْذِرَ يخوف بالكتاب الكافرين بَأْساً عذابا شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ من قبل اللَّه وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً وهو الجنة وَيُنْذِرَ من جملة الكافرين الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ما لَهُمْ بِهِ بهذا القول مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ من قبلهم القائلين له كَبُرَتْ عظمت كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ كلمة تمييز مفسّر للضمير المبهم، والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة إِنْ ما يَقُولُونَ في ذلك إلا قولا كَذِباً فَلَعَلَّكَ باخِعٌ مهلك نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ بعد

_ [ (1) ] في أمقتول.

تولّيهم عنك إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ القرآن أَسَفاً غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فيه أي أزهد له وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً فتاتا جُرُزاً يابسا لا ينبت. ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوا عنه من شأن الفتية فقال: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ الغار في الجبل وَالرَّقِيمِ اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم كانُوا في قصتهم مِنْ جملة آياتِنا عَجَباً خبر كان وما قبله حال، أي كانوا عجبا دون باقي الآيات وأعجبها؟ ليس الأمر كذلك. اذكر إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ جمع فتى وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ غيره إِلهاً، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً أي قولا ذا شطط، أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير اللَّه فرضا. هؤُلاءِ مبتدأ قَوْمُنَا عطف بيان اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً الخبر: لَوْلا هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ على عبادتهم بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ بحجة ظاهرة فَمَنْ أَظْلَمُ أي لا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك إليه تعالى إلى آخر القصة. ثم قال تعالي: سَيَقُولُونَ أي المتنازعون فيهم في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم: هم ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ أي بعضهم: خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ والقولان لنصارى نجران رَجْماً بِالْغَيْبِ أي ظناً في الفتية عنهم، وهو راجع إلى القولين معا ونصبه على المفعول أي لظنهم ذلك. وَيَقُولُونَ أي المؤمنون سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ الجملة من المبتدأ والخبر صفة سبعة بزيادة الواو، وقيل تأكيد أو دلالة على لصق الصفة بالموصوف، ووصف الأوّلين بالرجم دون الثالث يدل على أنه مرضيّ صحيح قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ من الناس. قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل. وذكر أنهم سبعة فَلا تُمارِ تجادل فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً بما أنزل إليك. وَلا تَسْتَفْتِ تطلب الفتيا فِيهِمْ مِنْهُمْ من أهل الكتاب اليهود أَحَداً. وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً أي فيما يستقبل من الزمان إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي إلا ملتبسا بمشيئة اللَّه بأن تقول: إن شاء اللَّه وَاذْكُرْ رَبَّكَ أي مشيئته معلّقا بها إِذا نَسِيتَ التعليق بها ويكون ذكرها بعد النسيان كذكرها مع القول. قال الحسن وغيره: ما دام في المجلس. وروى ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في الآية قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت. قال: وهي خاصة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوّتي رَشَداً هداية وقد فعل اللَّه تعالى ذلك. وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ اختلف في اسمه فقيل اسمه الصّعب. وبه جزم كعب الأحبار ونقله ابن هشام في التيجان عن ابن عباس. وقال الشيخ تقي الدين المقريزي في الخطط: إنه التحقيق عند علماء الأخبار. وقال الحافظ في الفتح بعد أن أورد قول أعشى بن ثعلبة: والصّعب ذو القرنين أمسى ثاويا ... بالحنو في حديث هناك مقيم. والحنو- بكسر الحاء المهملة وسكون النون فواو: مكان في ناحية المشرق. ثم ذكر شواهد أخر يؤخذ من أكثر هذه الشواهد أن الراجح في اسمه الصّعب. وقيل المنذر: وقيل غير ذلك. ولقّب بذي القرنين قيل لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها رواه الزبير بن بكار عن الزّهري. وقيل لأنه ملكهما. وقيل لأنه رأى في منامه أنه أخذ بقرني الشمس، وقيل لأنه كان له قرنان حقيقة. وهذا أنكره الإمام علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى. وقيل لأنه كان له ضفيرتان تواريهما ثيابه. وقيل كانت الغديرتان طويلتين من شعره حتى كان يطأ عليهما. وقيل لأنه دخل النور والظّلمة. وقيل لأنه عمّر حتى فني في زمانه قرنان من الناس. وقيل غير ذلك. واختلف في نبوته: فقيل كان نبيّا. وبه جزم جماعة. وهو مرويّ عن عبد الله بن عمرو بن العاصي. قال الحافظ: وعليه ظاهر القرآن وروى الحاكم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا أدري ذو القرنين كان نبيّا أو لا» وذكر وهب في المبتدأ إنه كان عبدا صالحا وأن اللَّه تعالى بعثه إلى أربعة أمم اثنتين منها طول الأرض، واثنتين منها عرض الأرض فذكر قصة طويلة ذكرها الثعلبي في تفسيره. وروى الزبير بن بكّار وسفيان بن عيينة في جامعه والضياء المقدسي في صحيحه، كلاهما من طريق آخر بسند صحيح كما قال الحفاظ عن أبي الطفيل أن ابن الكوّاء قال لعلي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه: أخبرني عن ذي القرنين نبيّا كان أم ملكا؟ قال: لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحبّ اللَّه فأحبّه، ونصح للَّه فنصحه، بعثه إلى قومه فضربوه على قرنه ضربة مات فيها، ثم بعثه اللَّه إليهم فضربوه، ثم بعثه فسمّي ذا القرنين. قال الحافظ: وفيه إشكال لأن قوله: لم يكن نبيا مغاير لقوله: بعثه اللَّه إلى قومه إلا أن يحمل البعث على غير رسالة النبوّة.

والأكثر: أنه كان من الملوك الصالحين. وذكره البخاري قبل ترجمة إبراهيم صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: وفي ذلك إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر اليوناني، لأن الإسكندر كان قريباً من زمن عيسى، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة. والذي يظهر أن الإسكندر المتأخر لقب بذي القرنين تشبيها بالمتقدم لسعة مملكته وغلبته على البلاد الكثيرة، أو لأنه لما غلب على الفرس وقتل ملكهم انتظم له ملك المملكتين الواسعتين الرّوم والفرس فلقّب ذو القرنين بذلك. والحق: أن الذي قصّ اللَّه نبأه في القرآن هو المتقدم، والفرق بينهما من أوجه: أحدها ما ذكرته. والذي يدلّ على تقدم ذي القرنين ما رواه الفاكهي عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين: أن ذا القرنين حجّ ماشيا فسمع به إبراهيم فتلقّاه. وذكر ابن هشام في التيجان أن إبراهيم تحاكم إلى ذي القرنين في شيء فحكم له. ثاني الأوجه: قال الإمام فخر الدين كان ذو القرنين نبيّا وكان الإسكندر كافرا ولكن الجمهور على خلاف قوله إنه كان نبيا. ثالثها: كان ذو القرنين من العرب. وأما الإسكندر فهو من اليونان. وشبهة من قال إن ذا القرنين هو الإسكندر: ما رواه ابن جرير بإسناد فيه ابن لهيعة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فقال: كان من الروم فأعطي ملكا فسار إلى مصر وبنى الإسكندرية. إلى آخره. وهذا لو صحّ لدفع النزاع، ولكنه ضعيف. هذا خلاصة كلام الحافظ في الفتح. وقال الشيخ تقي الدين المقريزي في الخطط: اعلم أن التحقيق عند علماء الأخبار أن ذا القرنين الذي ذكره اللَّه تعالى في القرآن اسمه الصّعب بن الحارث. وساق نسبه إلى قحطان بن هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وأنه ملك من ملوك حمير وهم العرب العاربة ويقال لهم أيضا العرب العرباء. كان ذو القرنين تبّعا متوّجا ولما تولى الملك تجبّر ثم تواضع للَّه تعالى. وقد غلط من ظن أن الإسكندر هو ذو القرنين الذي بنى السّدّ فإن لفظة «ذو» عربية، وذو القرنين من ألقاب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني وبسط الكلام على ذلك وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير نحو ما سبق عن الحافظ وصوّب أن ذا القرنين غير الإسكندر اليوناني وبسط الكلام على ذلك. قُلْ سَأَتْلُوا سأقصّ عَلَيْكُمْ مِنْهُ من حاله ذِكْراً خبرا. إلى آخر القصة.

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

وقال تعالى فيما سألوه عنه من الروح الذي يحيا به البدن: قُلِ لهم الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي علمه لا تعلمونه. وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا بالنسبة إلى علمه تعالى. وكلام ابن إسحاق يدل على أن هذه الآية مكّية. ورواه الترمذي عن ابن عباس، ورجاله رجال مسلم. وفي الصحيحين أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح بالمدينة فنزلت هذه الآية. قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يتعدّد النزول ويحمل سكوته في المرة الثانية على توقّع مزيد بيان في ذلك وإلا فما في الصحيح أصحّ. قال ابن إسحاق: فلما جاءهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بما عرفوا من الحق، وعرفوا صدقه فيما حدّث وموقع نبوته فيما جاءهم من علم الغيب حين سألوه عنه، حال الحسد منهم له بينهم فقال قائلهم: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ أي اجعلوه لغوا باطلا وهزؤا لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ بذلك فإنكم إن ناظرتموه وخاصمتموه غلبكم بذلك. فقال أبو جهل يوما، هو يهزأ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما أتى به من الحق: يا معشر قريش يزعم محمد إنما جنود اللَّه الذين يعذّبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم الناس عددا وكثرة، فيعجز كلّ مائة منكم عن رجل منهم؟ فانزل اللَّه تعالى في ذلك: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً فلا يطاقون كما تتوهّمون وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً ضلالا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بأن يقولوا: لم كانوا تسعة عشر لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي اليهود صدق النبي صلى الله عليه وسلم في كونهم تسعة عشر الموافق لما في كتابهم وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا من أهل الكتاب إِيماناً تصديقا لموافقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتابهم. وَلا يَرْتابَ يشك الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ من غيرهم في عدد الملائكة وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شكّ بالمدينة وَالْكافِرُونَ بمكة ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا العدد مَثَلًا سمّوه مثلا لغرابته وأغرب حالا. كَذلِكَ أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدّقه يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ أي الملائكة في قوّتهم وأعوانهم إِلَّا هُوَ سبحانه وتعالى. تنبيه في بيان غريب ما سبق: النّضر: بنون وضاد معجمة. مكث: مرفوع فاعل أحزن.

الباب الثاني عشر في سبب نزول قوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا 17: 110

الباب الثاني عشر في سبب نزول قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا [الإسراء 110] روى سعيد بن منصور والإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس، وابن إسحاق وابن جرير عنه من طريق آخر في الآية قال: نزلت ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة متوار، فكان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به وتفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلوه وهو يصلي استرق السّمع دونهم فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع، فإن خفض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئا، فانزل اللَّه تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ بقراءتك فيها فيسبّ المشركون القرآن ويتفرقوا عنك وَلا تُخافِتْ تُسرّ بِها فلا ينتفع بها أصحابك ولا من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك لعله يرعوي إلى بعض ما يستمع فينتفع به وَابْتَغِ اقصد بَيْنَ ذلِكَ بين الجهر والمخافتة سَبِيلًا طريقا وسطا [ (1) ] . قال عروة بن الزبير فيما رواه ابن إسحاق عنه: أول من جهر بالقرآن بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود، اجتمع يوما أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فقالوا: واللَّه ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد اللَّه بن مسعود: أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إذا أرادوه. قال: دعوني فإن اللَّه سيمنعني. فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام ثم قال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ثم استقبلها يقرؤها وتأمَّلوه يقولون: ماذا قال ابن أمَّ عبد؟ ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ ما شاء اللَّه أن يبلغ ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثّروا بوجهه فقالوا: هذا الذي خشينا عليك. قال: ما كان أعداء اللَّه تعالى أهون عليّ منهم الآن ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا. قالوا: لا حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون. لأغادينهم: أي آتيهم غدوة بذلك.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 257 (4722) ومسلم 1/ 329 (145- 446) .

الباب الثالث عشر في اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث عشر في اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن إسحاق والبيهقي عن الزهري والحافظ محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات عن الزهري، عن سعيد بن المسيب بسند صحيح أنه حدّث إن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يسمعه فيه وكلّ لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في قلبه شيئا. ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة. ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل واحد منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود. فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد. ولفظ الذهلي: إن أبا سفيان قال للأخنس: فما تقول أنت؟ قال: أراه الحق. انتهى. قال أبو سفيان: واللَّه يا أبا ثعلبة لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس: وأنا واللَّه كذلك. ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ما سمعت؟ تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف فأطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الرّكب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبيّ يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه؟! والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدّقه. تنبيه اختلف في إسلام الأخنس بن شريق وسيأتي بسط الكلام على ذلك. وروى البيهقي عن المغيرة بن شعبة قال: أول يوم عرفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أني كنت أمشي مع أبي جهل بن هشام في أزقّة مكة إذ لقينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحكم هلمّ إلى اللَّه ورسوله أدعوك إلى اللَّه؟ فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سبّ آلهتنا هل تريد أن نشهد أنك قد بلّغت؟ فواللَّه لو أعلم أن ما تقول حق اتبعتك، فانصرف

تفسير الغريب

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. فأقبل عليّ فقال: واللَّه إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن بني قصيّ قالوا فينا الحجابة. قلنا، نعم، ثم قالوا: وفينا النّدوة قلنا نعم. ثم قالوا: وفينا اللّواء. قلنا نعم. ثم قالوا: وفينا السّقاية. قلنا نعم. ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكّت الرّكب قالوا منا نبي! واللَّه لا أفعل [ (1) ] . تفسير الغريب الأخنس: بفتح الهمزة فخاء معجمة ساكنة فنون مفتوحة فسين مهملة. شريق: بشين معجمة مفتوحة فراء مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فقاف. تجاذينا [ (2) ] : بمثناة فوقية مفتوحة فجيم فألف فذال معجمة مفتوحة فياء مثناة ساكنة فنون فألف: قال في الصحاح: الجاذي المقعي منتصب القدمين وهو على أطراف الأصابع والجمع جذاء مثل نائم ونيام. قال أبو عمرو جذا وجثا لغتان. قال ابن الأعرابي: الجاذي على قدميه والجاثي على ركبتيه.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 207 وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 91 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (37878) . [ (2) ] اللسان 1/ 580.

الباب الرابع عشر في تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن والآيات التي أنزلت فيه

الباب الرابع عشر في تحيّر الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن والآيات التي أنزلت فيه روى ابن إسحاق ومقاتل في تفسيره وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي والواحديّ من طرق عن ابن عباس قال: لما أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة غافر قرأها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعها الوليد ثم انطلق إلى مجلس بني مخزوم فقال: واللَّه لقد سمعت من محمد كلاما آنفا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إنّ أسفله لمغدق وإن أعلاه لمونق وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه يعلو ولا يعلى. ثم انصرف. فقالت قريش: لقد صبأ الوليد، واللَّه لئن صبأ الوليد لتصبأن قريش كلها، وكان يقال للوليد ريحانة قريش. فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه. فانطلق حتى دخل عليه وهو حزين فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قبله. فقال: لقد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك «أنك كاره له» . قال: وماذا أقول فيه؟ واللَّه أنه ليس من كلام الإنس ولا من كلام الجن. فقال له أبو جهل: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. دعني أفكر فيه. فلما اجتمع بقومه قال وقد حضر الموسم: يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا. قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس أقم لنا رأيا نقوله فيه. قال: بل أنتم فقولوا أسمع. قالوا: نقول كاهن. قال: واللَّه ما هو بكاهن، فقد رأينا الكهّان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه. قالوا: فنقول مجنون. قال: والله ما هو بمجنون فقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قالوا: فنقول شاعر. قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بشاعر. قالوا: فنقول ساحر. قال: والله ما هو بساحر لقد رأينا السحّار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.

قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: واللَّه إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة وإن أصله لمغدق وإن فرعه لمثمر وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا وأنا أعرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا ساحر، فما يقول سحر يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته. فتفرّقوا عنه بذلك، وجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمرّ بهم أحد إلا حذّروه إياه وذكروه لهم. وأنزل اللَّه تعالى في الوليد وفي ذلك من قوله: ذَرْنِي أي اتركني. وهي كلمة يقولها المغتاظ إذا اشتد غيظه وغضبه وكره أن يشفع لمن اغتاظ عليه. وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً أي منفردا بلا أهل ولا مال وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً واسعا متصلا من الزروع والضروع والتجارة. وَبَنِينَ عشرة أو أكثر شُهُوداً يشهدون المحافل وتسمع شهادتهم وَمَهَّدْتُ بسطت لَهُ في العيش والعمر والولد تَمْهِيداً. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا لا أزيده على ذلك إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا أي القرآن عَنِيداً معاندا سَأُرْهِقُهُ أكلّفه صَعُوداً مشقة من العذاب أو جبلا من نار يصعد فيه ثم يهوى أبدا إِنَّهُ فَكَّرَ فيما يقوله في القرآن الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. وقدّر في نفسه ذلك. فَقُتِلَ لعن وعذّب كَيْفَ قَدَّرَ على أي حال كان تقديره. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ تكرير للمبالغة وثم للدلالة على أن الثانية أبلغ من الأولى وفيما يقدّر على الأصل. ثُمَّ نَظَرَ في وجوه قومه أو فيما يقدح به في القرآن. ثُمَّ عَبَسَ قبض وجهه وكلّحه ضيقا بما يقول وَبَسَرَ زاد في القبض والكلوح ثم ثُمَّ أَدْبَرَ عن الإيمان وَاسْتَكْبَرَ تكبر عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيما جاء به: إِنْ ما هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ينقل عن السحرة إِنْ ما هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ. كما قالوا: إنما يعلمه بشر سَأُصْلِيهِ أدخله سَقَرَ جهنم وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ تعظيم لشأنها لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ شيئا من لحم ولا عصب إلا أكلته ثم يعود كما كان لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ محرقة لظاهر الجلد. قال ابن إسحاق: وأنزل اللَّه تعالى في النفر الذين كانوا معه يسفّون القول في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وفيما جاء به: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ أصنافا، وواحدة العضين عضة فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ سؤال توبيخ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ. قال ابن إسحاق: وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.

تفسير الغريب

تفسير الغريب الطّلاوة: بضم الطاء المهملة وبفتحها: الحسن والقبول. مونق [ (1) ] : حسن معجب. الزّمزمة: كلام خفيّ لا يفهم. السّجع: الكلام المنثور الذي له نهايات كنهايات الشعر. بخنقه: يريد الاختناق الذي يصيب المجنون. التخالج [ (2) ] : اضطراب الأعضاء وتحركها من غير إرادة. الوسوسة: ما يلقيه الشيطان في نفس الإنسان. الرّجز والهزج والقريض والمقبوض والمبسوط: هذه الخمسة أنواع من الشعر. وقوله فيما هو بنفثه ولا بعقده إشارة إلى ما كان يفعل الساحر من أن يعقد خيطا ثم ينفث ومن ذلك قوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ يعني الساحرات. العذق: بعين مهملة مفتوحة فذال معجمة الكثير الشّعب والأطراف. هذه رواية ابن إسحاق قال في الروض: استعارة من النخلة التي ثبت أصلها وقوي وطاب فرعها إذا جنى. وهذه الرواية أفصح من التي بعدها لأنها استعارة تامة يشبه آخر الكلام أوله وفي رواية ابن هشام بغين معجمة فدال مهملة: الماء الكثير. وإن فرعها لجناة: أي فيه ثمر يجنى. السّبل: بضم أوله وثانيه جمع سبيل وهو الطريق.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 30. [ (2) ] انظر المصباح المنير 177.

الباب الخامس عشر في عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة

الباب الخامس عشر في عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين يعذّبونهم ويفتنونهم عن دينهم فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر ممن استضعفوه منهم، فمنهم من يفتتن من شدة البلاء الذي يصيبهم ومنهم من تصلّب لهم ويعصمه اللَّه تعالى. روى ابن إسحاق عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم، واللَّه إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه [ (1) ] ويعطشونه حتى ما يقدر يستوي جالسا من شدة الضّرّ الذي نزل به حتى يقولوا له: اللات والعزّى إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم حتى إن الجعل ليمرّ بهم فيقولون له: هذا الجعل إلهك من دون اللَّه فيقول نعم. افتداء منهم مما يبلغون من جهدهم. وكان أبو جهل الخبيث هو الذي يغري بهم رجال قريش، إذا سمع بالرجل أسلم له شرف ومنعة أنَّبه [وأخزاه] فقال: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهن حلمك ولنفيِّلنَّ رأيك ولنضعن شرفك. وإن كان تاجرا قال: والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك. وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به. فمن المستضعفين بلال رضي اللَّه عنه، وكان صادق الإسلام طاهر القلب. قال ابن إسحاق وغيره: فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظّهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزّى فيقول وهو في ذلك البلاء. أحد أحد أنا كافر باللات والعزّى. وروى البلاذري عن عمرو بن العاص قال: مررت ببلال وهو يعذّب في الرمضاء ولو أن بضعة لحم وضعت عليه لنضجت وهو يقول: أنا كافر باللات والعزى. وأمية مغتاظ عليه فيزيده عذابا فيقبل عليه فيدغت في حلقه فيغشى عليه ثم يفيق. وروى ابن سعد عن حسان بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه قال: حججت- أو قال اعتمرت- فرأيت بلالا في حبل طويل يمده الصبيان وهو يقول: أحد أحد أنا أكفر باللات والعزى وهبل ونائلة وبوانة فأضجعه أمية في الرمضاء.

_ [ (1) ] في أو يجوعونه.

وروى البلاذري عن مجاهد قال: جعلوا في عنق بلال حبلا وأمروا صبيانهم أن يشتدّوا به بين أخشبي مكة- يعني جبليها- ففعلوا ذلك وهو يقول: أحد أحد. وروى ابن سعد عن عروة قال: كان بلال من المستضعفين من المؤمنين وكان يعذّب حين أسلم ليرجع عن دينه فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون، وكان الذي يعذبه أمية بن خلف الجمحي. وروى البلاذري عن عمير بن إسحاق قال: كان بلال إذا اشتدّ عليه العذاب قال: أحد أحد. فيقولون له: قل كما نقول فيقول: إن لساني لا ينطق به ولا يحسنه. قال البلاذريّ: وروي أن بلالا قال: أعطشوني يوما وليلة ثم أخرجوني فعذّبوني في الرمضاء في يوم حارّ. قال ابن إسحاق: وحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال: كان ورقة بن نوفل يمرّ ببلال وهو يعذّب وهو يقول: أحد أحد. فيقول ورقة: أحد أحد واللَّه يا بلال. ثم يقبل على أمية بن خلف ومن يصنع ذلك به من بني جمح فيقول: أحلف باللَّه لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا. حتى مرّ أبو بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنهما وهم يصنعون به ذلك، وكانت دار أبي بكر في بني جمح فقال أبو بكر لأمية: ألا تتقي اللَّه في هذا المسكين حتى متى تعذبه؟ قال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى. قال أبو بكر: أفعل. عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به. قال: قد قبلت. قال: هو لك. فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذ بلالا فأعتقه. وروى البلاذري بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال: لمّا أسلم بلال أخذه أهله فقمطوه وألقوا عليه من البطحاء، وجعلوا يقولون: ربّك اللات والعزى. فيقول أحد أحد. فأتى عليه أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه فقال: علام تعذّبون هذا الإنسان؟ فاشتراه بسبع أواقيّ وأعتقه. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قد اشتراه فقال: الشركة يا أبا بكر. فقال: قد أعتقته يا رسول اللَّه. وروى البلاذري بسند جيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالا بخمس أواقي. ومنهم خبّاب بن الأرتّ بالمثناة الفوقية. قال البلاذري: قالوا كان الأرت سواديا، فأغار قوم من ربيعة على الناحية التي كان فيها فسبوه وأتوا به الحجاز فباعوه فوقع إلى سباع بن عبد العزى الخزاعي حليف بني زهرة. وزعم أبو اليقظان أن خبّابا كان أخا سباع لأمّه. قال البلاذري: وخبّاب فيما يقول ولده: ابن الأرتّ بن جندلة بن سعد بن خزيمة، من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، وإنه وقع عليه سبي فصار إلى أم أنمار مولاته فأعتقته وإنه كانت به رتّة، كان ألكن إذا تكلم بالعربية فسمي الأرتّ.

وروى البلاذري عن كردوس أن خبّابا أسلم سادس ستة. وروى البلاذري عن الشّعبي قال: أعطوهم ما أرادوا حين عذّبوا إلا خبّاب بن الأرت فجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرّضف حتى ذهب ماء متنه. وروى البلاذري عن الشّعبي، ومن طريق آخر عن أبي ليلى الكندي قال، جاء خبّاب إلى عمر رضي اللَّه تعالى عنهما فقال له عمر: ادنه ادنه. فأجلسه على متّكئه وقال: ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا رجل واحد. قال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: بلال- وفي رواية الشعبي، عمار بن ياسر قال: ما هو بأحق مني أن بلالا كان له في المشركين من يمنعه. اللَّه به، ولم يكن لي أحد، لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها ثم وضع رجل رجله على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري ثم كشف خبّاب عن ظهره فإذا هو قد برص. وروى البلاذري عن أبي صالح قال: كان خباب قينا وكان قد أسلم، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يألفه ويأتيه فأخبرت بذلك مولاته فكانت تأخذ الحديدة وقد أحمتها فتضعها على رأسه، فشكا ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم انصر خبّابا فاشتكت مولاته رأسها وهي أم أنمار فكانت تعوي مع الكلاب، فقيل لها اكتوي فكان خباب يأخذ الحديدة قد أحماها فيكوي بها رأسها. قال محمد بن عمر الأسلمي وكان الذي يعذّب خبابا حين أسلم ولازم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عتبة بن أبي وقاص. وقيل وهو الثبت الأسود بن عبد يغوث. وروى البخاري ومحمد بن عمر الأسلمي والبيهقي عن خبّاب رضي اللَّه تعالى عنه قال: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة ولقد لقينا من المشركين شدة شديدة فقلت: يا رسول اللَّه ألا تدعو اللَّه لنا؟ فقعد محمرّا وجهه فقال: إن كان من كان قبلكم ليمشّط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأس أحدهم فيشقّ باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمنّ اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا اللَّه والذئب على غنمه [ (1) ] . ومنهم صهيب بن سنان الرومي. روى ابن سعد عن عروة قال: كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا يعذبون في اللَّه. ومنهم عامر بن فهيرة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 202 (3852) .

قال البلاذري: قالوا كان عامر من المستضعفين فكان يعذّب بمكة ليرجع عن دينه حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه. وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي- بضم القاف وكسر الظاء المشالة المعجمة- قال: كان عامر بن فهيرة يعذّب حتى لا يدري ما يقول. ومنهم أبو فكيهة واسمه أفلح ويقال يسار. وكان عبدا لصفوان بن أمية فأسلم حين أسلم بلال، فمرّ به أبو بكر رضي اللَّه عنه وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا وأمر به فجرّ ثم ألقاه في الرمضاء فمر به جعل فقال: أليس هذا ربك فقال: اللَّه ربي خلقني وخلقك وخلق هذا الجعل فغلط عليه وجعل يخنقه ومعه أخوه أبي بن خلف يقول: زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره. فأخرجه نصف النهار في شدة الحر مقيدا إلى الرمضاء ووضع على بطنه صخرة فدلع لسانه فلم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات، ثم أفاق فمرّ به أبو بكر رضي اللَّه عنه فاشتراه وأعتقه. وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: كان أبو فكيهة يعذّب حتى- لا يدري ما يقول. ومنهم عمار بن ياسر وأبوه وأمه سميّة وأخوه عبد الله رضي الله عنهم. روى البلاذري والبيهقي عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام أبو بكر وبلال وخبّاب وصهيب وعمار، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الآخرون فألبسوا دروع الحديد وصهروا في الشمس حتى بلغ الجهد منهم، وجاء أبو جهل إلى سميّة فطعنها في قلبها فهي أول شهيدة في الإسلام. وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: أخبرني من رأى عمار بن ياسر متجردا في سراويل. قال: ونظرت إلى ظهره فإذا فيه حبط فقلت: ما هذا؟ قال: هذا ما كانت قريش تعذّبني في رمضاء مكة. وروى البلاذري عنه أيضاً قال: كان عمار يعذّب حتى لا يدري ما يقول. وروى البلاذري عن أم هانئ رضي اللَّه عنها أن عمار بن ياسر وأباه ياسرا وأخاه عبد الله ابن ياسر وسميّة بن عمار كانوا يعذّبون في اللَّه فمر بهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. فمات ياسر في العذاب وأغلظت سمية لأبي جهل فطعنها في قلبها فماتت، ورمي عبد الله فسقط [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 383 وأبو نعيم في الحلية 1/ 140 وذكره ابن حجر في المطالب (4034) والمتقي الهندي في الكنز (37366- 37368) وابن كثير في البداية والنهاية 3/ 59.

ومنهم جارية بني المؤمل بن حبيب. قال البلاذري: وكان يقال لها فيما ذكر أبو البختريّ: لبيبة، أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب فكان عمر يعذّبها حتى يفتر فيدعها ثم يقول: أما إني أعتذر إليك بأني لم أعدك إلا سآمة فتقول: كذلك يعذبك ربك إن لم تسلم. وروى ابن سعد عن حسان قال: قدمت مكة معتمرا والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يؤذون ويعذّبون، فوقفت على عمر وهو متوزر يخنق جارية بني عمرو بن المؤمل حتى تسترخي في يديه فأقول قد ماتت. فاشتراها أبو بكر فأعتقها. ومنهم زنّيرة- بزاي فنون مشددة مكسورتين فمثناة تحتية ساكنة وهي في اللغة الحصاة الصغيرة ويروي: زنبرة بزاي مفتوحة فنون ساكنة فباء موحدة- الرومية كان عمر بن الخطاب وأبو جهل يعذّبانها. قال البلاذري: قالوا وكان أبو جهل يقول ألا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمدا؟ فلو كان ما أتى به محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه أفسبقتنا زنّيرة إلى رشد وهي من ترون. وكانت زنيرة قد عذّبت حتى عميت فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزّى فعلتا بك ما ترين. فقالت، وهي لا تبصر: وما تدري اللات والعزى من يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء وربيّ قادر على أن يرد بصري. فأصبحت تلك الليلة وقد رد اللَّه بصرها، فقالت قريش: هذا من سحر محمد فاشتراها أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه فأعتقها. ومنهم أم عنيس- بعين مهملة مضمومة فنون فمثناة تحتية فسين مهملة- ويقال عبيس بباء موحدة فمثناة تحتية. أمة لبنى زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها فابتاعها أبو بكر. ومنهم النّهدية وابنتها. وكانت مولّدة لبني نهد بن زيد فصارت لامرأة من بني عبد الدار فكانت تعذبهما وتقول: واللَّه لا أقلعت عنكما أو يعتقكما بعض من صبأ بكما. فمر بهما أبو بكر رضي اللَّه عنه وقد بعثتهما في طحين لها وهي تقول: واللَّه لا أعتقكما أبدا فقال: حل يا أم فلان فقالت حل أنت واللَّه أفسدتهما فأعتقهما. قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. قال: قد أخذتهما به وهما حرّتان أرجعا إليها طحينها قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها قال: أو ذاكما إن شئتما. ومنهم أم بلال حمامة. ذكرها أبو عمر في الدّرر فيمن كان يعذّب في اللَّه فاشتراها أبو بكر وأعتقها. وأهملها أبو عمر في الاستيعاب واستدركوها على الاستيعاب. والحاصل مما تقدم: أن أبا بكر رضي اللَّه عنه اشترى جماعة ممن كان يعذب في اللَّه تعالى، وهم بلال وأمه وعامر بن فهيرة وأبو فكيهة وجارية بني المؤمل والنهدية وابنتها وزنّيرة.

تفسير الغريب

وروى الحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير قال: قال أبو قحافة لأبي بكر رضي اللَّه عنهما: يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك فعلت ما فعلت فأعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك؟ فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا أبت إنما أريد ما أريد للَّه عز وجل. فانزل اللَّه تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى [الليل 5] إلى آخر السورة. قال عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه يذكر بلالا وأصحابه الذين أعتقهم أبو بكر مما كانوا فيه من البلا وكان اسم أبي بكر عتيقا: جزى اللَّه خيرا عن بلال وصحبه ... عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل عشيّة همّا في بلال وصحبه ... ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل بتوحيده ربّ الأنام وقوله ... شهدت بأنّ اللَّه ربّي على مهل فإن تقتلوني تقتلوني ولم أكن ... لأشرك بالرّحمن من خيفة القتل فيا ربّ إبراهيم والعبد يونس ... وموسى وعيسى نجّني ثمّ لا تمل لمن ظلّ يهوى العزّ من آل غالب ... على غير حقّ كان منه ولا عدل تفسير الغريب رمضاء مكة: الحجارة التي أحرقتها الشمس. الجعل [ (1) ]- بضم الجيم وسكون العين: دابة من الحشرات. أنّبه: بالغ في توبيخه. الذّعت- بذال معجمة فعين مهملة: الخنق والدّعت بالدال والذال: الدفع العنيف. والدعت أيضا: المعك في التراب. لأتخذنه حنانا: يعني لئن قتلتموه وهو على هذه الحالة لأتخذنه حنانا أي أتخذنّ قبره مسكنا ومسترحما، والحنان: الرحمة. كذا ذكر عروة قول ورقة هنا فدل على أنه عاش بعد البعثة. وتقدم الكلام على ذلك في باب بدء الوحي. سواديّا: أي من أهل سواد العراق. ماء متنه: بمدّ ماء قال في الصحاح: متن الشيء بالضم متانة فهو متين أي صلب. ومتنا الظهر: مكتنفا الصّلب عن يمين وشمال من عصب ولحم، يذكّر ويؤنث. القين [ (2) ] : الحدّاد. صهروهم: أحرقوهم. الرّضف: الحجارة المحمّاة. جلداء بضم الجيم وبالمد جمع جلد بالفتح وهو القويّ الشديد.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 126. [ (2) ] لسان العرب 5/ 3798.

الباب السادس عشر في الهجرة الأولى إلى الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين وكانت في شهر رجب سنة خمس من المبعث

الباب السادس عشر في الهجرة الأولى إلى الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين وكانت في شهر رجب سنة خمس من المبعث قال ابن إسحاق فلما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية من اللَّه تعالى ثم من عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق، حتى يجعل اللَّه تعالى لكم فرجا مما أنتم فيه. فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى اللَّه تعالى بدينهم فكانت أول هجرة كانت في الإسلام [ (1) ] . وكانوا- فيما قيل- اثني عشر رجلا وامرأتين. وقيل عشرة رجال. وبه قال ابن إسحاق وابن هشام وقيل اثني عشر رجلا وثلاث نسوة. وقيل اثني عشر رجلا وأربع نسوة. وقيل: اثني عشر رجلا وخمس نسوة. وجزم به العراقي في الدرر. وكان أول من هاجر منهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت سيدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. روى يعقوب بن سفيان رحمه اللَّه تعالى عن أنس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط. وعبد الرحمن بن عوف. وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو. والزبير بن العوام بن ربيعة. ومصعب بن عمير، وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد. قال الحافظ الوقشي: كذا وقع وإنما هو غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بفتح العين المهملة- ابن عويج بفتح العين المهملة وكسر الواو فمثناة تحتية فجيم وأقره الخشني وذكر أبو عمر مثله. وروى الطبراني بسند صحيح عن ليلى بنت أبي حثمة قالت: كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة أتانا عمر بن الخطاب وأنا على بعيري وأنا أريد أن أتوجه فقال: أين يا أم عبد الله؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا فنذهب في أرض اللَّه حيث لا نؤذى. فقال: صحبكم اللَّه. ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية لابن كثير 3/ 66.

فأخبرته بما رأيت من رقّة عمر فقال: ترجّين أن يسلم؟ واللَّه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب! وسهيل بن بيضاء وأبو سبرة بن أبي رهم العامري ويقال بدله: حاطب بن عمرو العامري. زاد بعضهم: وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو امرأة أبي سبرة بن أبي رهم، وعبد الله بن مسعود وجزم ابن إسحاق بأنه إنما كان في الهجرة الثانية وصححه الحافظ. قال ابن هشام وكان عليهم عثمان بن مظعون فيما ذكر لي وأنكر ذلك الزّهري وقال: لم يكن لهم أمير. فخرجوا متسلّلين سرّا حتى أتوا الشعيبية منهم الراكب ومنهم الماشي، ووفق اللَّه للمسلمين ساعة جاءوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما بنصف دينار وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا. قالوا: وقدمنا أرض الحبشة فجاورنا بها خير جار أمنّا على ديننا وعبدنا اللَّه تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه. وكان المشركون يقولون: لو ذكر محمد آلهتنا بخير قرّرناه وأصحابه ولكنه لا يذكر من خالفه من اليهود والنصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم. وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قد اشتد عليه ما نال أصحابه من أذاهم وتكذبيهم وأحزنته ضلالتهم، وكان يتمنى هداهم، فاتفق أنه قرأ يوما سورة النجم وكان يرتل قراءته فلما بلغ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم 19، 20] ارتصده الشيطان في سكتة من سكتاته فألقى عندها: وإنهن الغرانيق العلا وإنّ شفاعتهن لترتجى. محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وأشاعها فوقعت في قلب كل مشرك بمكة وزلّت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى ديننا. فلما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آخر النّجم سجد وسجد معه كلّ مشرك غير الوليد بن المغيرة كان شيخا كبيرا ملأ كفّه ترابا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود بسجود النبي صلى الله عليه وسلّم، وعجب المسلمون لسجود المشركين معهم ولم يكن المسلمون سمعوا ما ألقى الشيطان كما قاله موسى بن عقبة، وأما المشركون فاطمأنوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه. وفشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين. ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك ساءه فانزل اللَّه تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى قرأ أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أي في قراءته كما قال الفرّاء ويؤيده ما رواه ابن جرير وعلقه البخاري في صحيحه عن ابن عباس في قوله تعالى: إِذا

تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ قال: إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه [ (1) ] فَيَنْسَخُ اللَّهُ يبطل ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ يثبتها وَاللَّهُ عَلِيمٌ بإلقاء الشيطان ما ذكر حَكِيمٌ [الحج: 52] في تمكينه منه يفعل ما يشاء إلى آخر الآية. والذي قدمناه من قصة الغرانيق له طرق كثيرة ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتجّ مثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها بعضا روى الأول: ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قلت: ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: رواه ابن جرير عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. والثالث: رواه ابن جرير عن أبي العالية. قال الحافظ: وقد تجرّأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها. وهو إطلاق مردود عليه. وكذا قول القاضي: هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم إلى آخر كلامه. قال الحافظ: جميع ذلك لا يتمشّى على القواعد، فإنّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن للقصة أصلا [ (2) ] . انتهى وسيأتي الكلام على ذلك بأبسط مما هنا في أبواب عصمته صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق فلما أن بلغ المسلمين الذين بأرض الحبشة ذلك وأن أهل مكة أسلموا حتى إن الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة قد سجدا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال القوم: فمن بقي بمكة إذا أسلم هؤلاء؟ وقالوا: عشائرنا أحبّ إلينا. فخرجوا راجعين حتى إذا كانوا دون مكة بساعة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 292 كتاب التفسير وقال الحافظ: وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مقطعا. [ (2) ] قال ابن حجر في الفتح 8/ 293 عند الكلام على حديث الغرانيق: أخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده «عن سعيد بن جبير عن ابن عباس» فيما أحسب، ثم ساق الحديث، وقال البزار: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور، قال: وإنما يروى هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى. والكلبي متروك ولا يعتمد عليه، وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي، وذكره ابن إسحاق في السيرة مطولا وأسندها عن محمد بن كعب، وكذلك موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب الزهري، وكذا ذكره أبو معشر في السيرة له عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأورده من طريقه الطبري، وأورده ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السّدي، ورواه ابن مردويه من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة وسليمان التيمي عمن حدثه ثلاثتهم عن ابن عباس، وأوردها الطبري أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس، ومعناهم كلهم في ذلك واحدا، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإما منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلاً مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر نحوهن، والثاني ما أخرجه أيضاً من طريق المعتمر بن سليمان وحمّاد بن سلمة فرقهما عن داود

من نهار لقوا ركبا من كنانة فسألوهم عن قريش وعن حالهم فقال الركب: ذكر محمد آلهتهم بخير فتابعه الملأ ثم رجع فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشرّ فتركناهم على ذلك. فائتمر القوم بالرجوع إلى الحبشة ثم قالوا: قد بلغنا ندخل فنظر ما فيه قريش ويحدث عهدا من أراد بأهله ثم يرجع. ولم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفيا إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ثم رجع إلى أرض الحبشة وكانوا خرجوا في رجب سنة خمس فأقاموا شعبان ورمضان، وكانت السجدة في رمضان وقدموا في شوال من السنة المذكورة.

_ [ () ] ابن أبي هند عن أبي العالية، وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وهو إطلاق مردود عليه. وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وكذا قوله: ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية، قال وقد بين البزار إنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله، وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه. ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم، قال: ولم ينقل ذلك انتهى، وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله «ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلّى الله عليه وسلّم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به في التوحيد لمكان عصمته. وقد سلك العلماء في ذلك ما سلك، فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر، فلما علم بذلك أحكم اللَّه آياته. وهذا أخرجه الطبري عن قتادة، ورد عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا ولاية للشيطان عليه في النوم، وقيل: إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره، ورده ابن العربي بقوله تعالى حكاية عن الشيطان وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ الآية قال: فلو كان للشيطان قوة على لما بقي لأحد قوة في طاعة. وقيل: إن المشركين إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك، فعلق ذلك بحفظه صلّى الله عليه وسلّم فجرى على لسانه لما ذكرهم سهوا. وقد رد ذلك عياض فأجاد. وقيل لعله توبيخا للكفار، قال عياض: وهذا جائز إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد، ولا سيما وقد كان الكلام في ذلك الوقت في الصلاة جائزا. وإلى هذا نحا الباقلاني. وقيل إنه لما وصل إلى قوله وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى خشي المشركون أن يأتي بعدها بشيء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك فخلطوه في تلاوة النبي صلّى الله عليه وسلّم على عادتهم في قولهم لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك، أو المراد بالشيطان شيطان الإنس. وقيل: المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفار يقولون: الملائكة بنات اللَّه ويعبدونها، فسيق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله تعالى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا: قد عظم آلهتنا، ورضوا بذلك، فنسخ اللَّه تلك الكلمتين وأحكم آياته. وقيل: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها. قال: وهذا أحسن الوجوه. ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس من تفسير تَمَنَّى بتلا. وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل وقال قبله إن هذه الآية نص في مذهبنا في براءة النبي صلّى الله عليه وسلّم مما نسب إليه. قال: ومعنى قوله فِي أُمْنِيَّتِهِ أي في تلاوته، فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله قال: وقد سبق إلى ذلك الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب على هذا المعنى وحوم عليه.

وكان من قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم ومنهم من أقام بها حتى هاجر إلى المدينة فشهد معه بدرا ومنهم من حبس عنه حتى فاته بدر وغيره، ومنهم من مات بمكة. ودخل عثمان بن مظعون بجوار من الوليد بن المغيرة. فلما قدم أولئك النفر مكة اشتد عليهم قومهم وسطت عليهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا. ولما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة قال: واللَّه إن غدوّي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في اللَّه ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي. فمشى إلى الوليد فقال يا أبا عبد شمس وفت ذمتك وقد رددت إليك جوارك. قال: لم يا بن أخي، لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا ولكني أرضى بجوار اللَّه عز وجل ولا أريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتك علانية. فانطلقا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يردّ عليّ جواري. قال: صدق قد وجدته وفيّا كريم الجوار ولكنني قد أحببت ألا أستجير بغير اللَّه عز وجل فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة بن مالك في مجلس من قريش ينشدهم قبل إسلامه، فجلس عثمان معهم فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل فقال عثمان: صدقت. فقال لبيد: وكلّ نعيم لا محالة زائل [ (1) ] فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد: يا معشر قريش واللَّه ما كان يؤذي جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدنّ في نفسك من قوله. فردّ عليه عثمان حتى شري أمرهما فقام ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال: أما واللَّه يا ابن أخي إن كانت عينك عمّا أصابها لغنيّة ولقد كنت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بل واللَّه إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في اللَّه عز وجل وإني لفي جوار من هو أعزّ وأقدر يا أبا عبد شمس. فقال له الوليد: هلمّ يا ابن أخي إن شئت إلى جوارك فعد. فقال: لا. ولما أجار أبو طالب أبا سلمة بن عبد الأسد مشى إليه رجال من بني مخزوم فقالوا له:

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 2/ 120، والبداية والنهاية 3/ 92.

تنبيهات

يا أبا طالب هذا منعت ابن أخيك محمدا فمالك ولصاحبنا تمنعه؟ فقال: إنه استجار بي وهو ابن أختي وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي. فقام أبو لهب فقال: يا معشر قريش واللَّه لقد أكثرتم على هذا الشيخ ما تزالون توثّبون عليه في جواره من بين قومه، واللَّه لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما أراد. قالوا: بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة. وكان لهم وليّا وناصرا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فأبقوا على ذلك. فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول ورجا أن يقوم معه في شأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب يحرّض أبا لهب على نصرته ونصرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ امرءا أبو عتيبة عمّه ... لفي روضة ما إن يسام المظالما أقول له وأين منه نصيحتي ... أبا معتب ثبّت سوادك قائما ولا تقبلنّ الدّهر ما عشت خطّة ... تسبّ بها إمّا هبطت المواسما وولّ سبيل العجز غيرك منهم ... فإنّك لم تخلق على العجز لازما وحارب فإنّ الحرب نصف ولن ترى ... أخا الحرب يعطي الخسف حتّى يسالما وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة ... ولم يخذلوك غانما أو مغارما جزى اللَّه عنّا عبد شمس ونوفلا ... جماعتنا كيما ينالوا المحارما كذبتم وبيت اللَّه نبزى محمّدا ... ولمّا تروا يوما لدى الشّعب قائما [ (1) ] تنبيهات الأول: ظاهر كلام ابن إسحاق أن رجوع من هاجر إلى الحبشة كان بعد أن صار المسلمون هناك زيادة على الثمانين، فإنه بعد أن ذكر خروج أصحاب الهجرة الأولى ذكر خروج جعفر وأصحابه، ثم ذكر بعد ذلك أن المهاجرين إلى الحبشة بلغهم إسلام أهل مكة فأقبلوا لمّا بلغهم ذلك. فذكر نحو ما تقدم، وأن الراجعين: عثمان بن عفان، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وامرأته سهلة بنت سهيل، وعبد الله بن جحش، وعتبة بن غزوان، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وسويبط بن سعد، وطليب بن عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وامرأته أم سلمة، وشمّاس بن عثمان، وسلمة بن هشام بن المغيرة حبسه عمّه بمكة فلم يقدم إلا بعد بدر وأحد والخندق، وعيّاش بن أبي ربيعة، وعمار بن ياسر- شكّ فيه أكان خرج- ومعتّب بن عوف، وعثمان بن مظعون، وابنه السائب بن عثمان، وأخوا عثمان: قدامة وعبد الله، وخنيس بن حذافة،

_ [ (1) ] البداية والنهاية 3/ 93.

وهشام بن العاصي حبس بمكة بعد هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى قدم بعد بدر وأحد والخندق. وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم وعبد الله بن مخرمة، وعبد الله بن سهيل بن عمرو وكان حبس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم حين هاجر إلى المدينة حتى كان يوم بدر فانحاز من المشركين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فشهد معه بدرا، وأبو سبرة بن أبي رهم وامرأته أم كلثوم بنت سهل بن عمرو، والسّكران بن عمرو وامرأته سودة بنت زمعة، مات بمكة قبل مهاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وسعد بن خولة، وأبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن الحارث بن زهير وسهيل ابن بيضاء، وعمرو بن أبي سرح. قال: فجميع من قدم مكة من أصحابه من أرض الحبشة ثلاثة وثلاثون رجلا. انتهى. وموسى بن عقبة ذكر أن الراجعين من أرض الحبشة للسبب السابق هم المهاجرون أولا وبه صرح في الطبقات والعيون والإشارة والمورد. الثاني: ذكر موسى بن عقبة إن ابن مسعود مكث بمكة قليلا ورجع إلى الحبشة حتى قدم في المرة الثانية مع من قدم وتعقبه في زاد المعاد بأن عبد الله بن مسعود شهد بدرا وأجهز على أبي جهل، وأصحاب هذه الهجرة إنما قدموا المدينة مع جعفر وأصحابه بعد بدر بأربع سنين أو خمس. وبسط الكلام على ذلك. ثم قال: وقد ذكر- يعني ابن عقبة- في هذه الهجرة الثانية عثمان بن عفان وجماعة ممن شهدوا بدرا. فإما أن يكون هذا وهما وإما أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر، فيكون لهم ثلاث قد مات: قدمة قبل الهجرة، وقدمة قبل بدر، وقدمة عام خيبر. قلت: هذا هو الصحيح بلا شك. قال: وعلى هذا فيزول الإشكال. انتهى ملخصا. الثالث: في بيان غريب ما سبق. الشّعيبة: بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الموحدة تصغير شعبة مكان على ساحل البحر بطريق اليمن. الغرانيق [ (1) ] : بالغين المعجمة ها هنا الأصنام وهي في الأصل الذّكور من طير الماء وقيل طير الماء مطلقا إذا كان أبيض طويل العنق واحدها غرنوق بضم الغين وفتح النون. وغرنيق بكسر الغين وفتح النون، سمّي به لبياضه وقيل هو الكركيّ. وكانوا يزعمون أن الأصنام تقرّبهم من اللَّه وتشفع لهم فشبّهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع.

_ [ (1) ] لسان العرب 5/ 3249.

الباب السابع عشر في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الباب السابع عشر في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ابن إسحاق: وكان إسلام عمر عقب الهجرة الأولى إلى الحبشة. قال في «الزهر» : وكان إسلامه في ذي الحجة سنة ست من المبعث وله ست وعشرون سنة فيما ذكره ابن سعد عن ابن المسيب. قال ابن الجوزي: سنة خمس. قال أبو نعيم: بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام. قال ابن إسحاق: وكانوا- أي المسلمون- قريبا من أربعين من رجال ونساء وتقدم ذكرهم في الباب الثالث من أبواب المبعث. وقال ابن المسيّب فيما رواه ابن سعد: كانوا أربعين رجلا وعشر نسوة. وروى إسحاق بن بشر عن ابن عباس أنهم كانوا يومئذ تسعة وتسعين رجلا وثلاثا وعشرين امرأة ثم إن عمر أسلم. قال في الزهر: ولعل هذا هو الصواب، فقد كان في الحبشة ثلاثة وثمانون كما ذكر ابن إسحاق. قلت: ابن إسحاق إنما ذكر ذلك في الذين هاجروا ثانيا وإسلام عمر كان بين الهجرتين كما تقدم عن ابن عباس، فالزيادة على الأربعين حصلت بعد إسلام عمر وإسحاق كذّاب يضع، لا يصادم ما رواه ما ذكره الثقات. واللَّه أعلم. واختلف في سبب إسلامه كما سأبينه. واختلف في سبب إسلامه كما سأبينه. وقد روى قصة إسلامه ابن إسحاق، وابن سعد، وأبو يعلى، والحاكم عن أنس، والبزار والطبراني عن أسلم مولاه عنه، وأبو نعيم عن ابن عمر. قال أسلم مولاه عنه: أتحبون أن أعلمكم بإسلامي؟ قلنا: نعم قال: كنت أشد الناس على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم، فجلست يوما مع أبي جهل بن هشام أو شيبة بن ربيعة، فقال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد شتم آلهتكم وسفّه أحلامكم وزعم أن من مضى من آبائكم يتهافتون في النار، إلا ومن قتل محمدا فله عليّ مائة ناقة حمراء وسوداء وألف أوقية من فضة. قال عمر: فخرجت متقلدا السيف متنكّبا كنانتي أريد النبي صلى الله عليه وسلّم، فمررت على عجل وهم يريدون ذبحه فقمت أنظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل: يا لذريح، رجل يصيح، بلسان فصيح، يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه. قال عمر: فقلت في نفسي إن هذا لأمر ما يراد به إلا أنا. قال: ثم مررت بغنم فإذا هاتف يهتف ويقول: يا أيها الناس ذوو الأجسام ... ما أنتم وطائش الأحلام

ومسند الحكم إلى الأصنام ... فكلّكم أوره كالكهام أما ترون ما أرى أمامي ... من ساطع يجلو دجى الظلام قد لاح للنّاظر من تهام ... أكرمه الرّحمن من إمام قد جاء بعد الكفر بالإسلام ... والبرّ والصّلات للأرحام ويزجر النّاس عن الآثام ... فبادروا سبقا إلى الإسلام بلا فتور وبلا إحجام قال عمر: فقلت واللَّه ما أراه إلا أرادني. ثم مررت بالضّمار فإذا هاتف يهتف من جوفه: ترك الضمار وكان يعبد مرّة ... قبل الصّلاة مع النبي محمد إن الذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي سيقول من عبد الضّمار ومثله ... ليت الضّمار ومثله لم يعبد فاصبر أبا حفص فإنّك امرؤ ... يأتيك عزّ غير عزّ بني عدي لا تعجلنّ فأنت ناصر دينه ... حقّا يقينا بالّلسان وباليد. قال عمر: فو اللَّه لقد علمت أنه أرادني. فلقيني رجل من قريش. قال ابن إسحاق: هو نعيم بن عبد الله النحّام وكان قد أسلم وكان يخفي ذلك فرقا من قومه. فقال: أين تذهب يا ابن الخطاب؟ قلت: أريد هذا الصابئ الذي فرّق أمر قريش وسفّه أحلامها وعاب دينها وسبّ آلهتها فأقتله. فقال له نعيم: واللَّه لقد غرّتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على وجه الأرض وقد قتلت محمدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال: وأيّ أهل بيتي؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمر وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد واللَّه أسلما وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما. وإنما فعل ذلك نعيم ليصرف عمر عن أذى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه. وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم إذا أسلم بعض من لا شيء له ضمّ الرجل والرجلين إلى الرجل ينفق عليه، وكان ضمّ رجلين من أصحابه إلى زوج أخت عمر فقرع عمر عليهم الباب وعندهم خبّاب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها فلما سمعوا حسّ عمر تغيّب خبّاب في مخدع لهم أبو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع حين دنا من البيت قراءة خبّاب عليهما، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئا. قال: بلى واللَّه لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه.

وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته بنت الخطاب لتكفّه عن زوجها، فضربها فشجّها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم قد أسلمنا وآمنا باللَّه ورسوله فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر مات بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد. وكان عمر كاتبا فلما قال ذلك قالت له أخته: إنا نخشاك عليها. قال: لا تخافي. وحلف لها بآلهته ليردّنها إذا قرأها إليها. فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت: يا أخي أنت نجس على شركك وإنه لا يمسّه إلا الطاهر. فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها فلما قرأ صدرا منها فقال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه. وفي رواية أنه وجد في الصحيفة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فذكر من أين اشتق. ثم رجع إلى نفسه فقرأ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ حتى بلغ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. انتهى. فلما سمع ذلك خبّاب خرج إليه فقال له يا عمر واللَّه إني لأرجو أن يكون اللَّه تعالى قد خصّك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول: اللهم أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فاللَّه اللَّه يا عمر. فذكر الحديث [ (1) ] . وفي رواية مجاهد عمن روى أن عمر قال: كنت للإسلام مباعدا وكنت صاحب خمر في الجاهلية أصبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزوّرة عند دور آل عمر بن عبد عمران المخزومي، فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت في نفسي: فلو أني جئت فلانا الخمّار وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها فخرجت فلم أجده. فقلت في نفسي: فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلي وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فكان مصلّاه بين الركنين الركن الأسود والركن اليماني فقلت حين رأيته: واللَّه لو سمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول. فقلت لئن دنوت منه أستمع لأروّعنه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابه فجعلت أمشي رويدا رويدا ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعت القرآن رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام، فلم أزل

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 2487 وانظر البداية والنهاية 3/ 80.

قائما في مكاني حتى قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم صلاته وانصرف، فتبعته حتى دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته، فلما سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم حسّي عرفني فظن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنما تبعته لأوذيه فنهمني ثم قال: ما جاء بك يا بن الخطاب هذه الساعة؟ قلت: جئت لأومن باللَّه ورسوله وبما جاء من عند اللَّه. قال: فحمد اللَّه تعالى ثم قال: قد هداك اللَّه يا بن الخطاب. ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات. ثم انصرفت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. ودخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيته [ (1) ] . وفي رواية إن خبّابا لمّا قال لعمر: فاللَّه اللَّه يا عمر. قال له عمر عند ذلك: دلّني يا خبّاب على محمد حتى آتيه فأسلم. فقال خبّاب: هو في بيته عند الصفا معه نفر من أصحابه. فأخذ عمر سيفه متوشحة ثم عمد إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فرجع وهو فزع فقال: يا رسول اللَّه هذا عمر بن الخطاب متوشّحا السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له فإن كان يريد خيرا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: ائذن له فإن يرد اللَّه به خيرا يهده فأذن له الرجل وفتحوا له، وأخذ رجلان بعضديه حتى دنا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أرسلوه. فأرسلوه، فنهض إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة وقال: ما جاء بك يا بن الخطاب؟ فو اللَّه ما أراك أن تنتهي حتى ينزل اللَّه بك قارعة. فقال: رسول اللَّه جئت لأومن باللَّه وبرسوله وبما جاء من عند اللَّه. فكبّر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن عمر قد أسلم، فكبّروا تكبيرة سمعت بطرق مكة وتفرّقوا من مكانهم وقد عزّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوّهم. وقال عمر حين أسلم. الحمد للَّه ذي المنّ الّذي وجبت ... له علينا أياد كلّها عبر وقد بدأنا فكذّبنا فقال لنا ... صدق الحديث نبيّ عنده الخبر وقد ظلمت ابنة الخطّاب ثمّ هدى ... ربيّ وقالوا جميعا قد صبا عمر وقد ندمت على ما كان من زللي ... بظلمها حين تتلى عندها السّور لمّا دعت ربّها ذا العرش خالقها ... وأنّ أحمد فينا اليوم مشتهر نبيّ صدق أتى بالحقّ من ثقة ... وافي الأمانة ما في وعده خور [ (1) ]

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 3/ 81.

وروى ابن إسحاق عن بعض آل عمر قال: قال عمر لمّا أسلمت تلك الليلة تذكّرت أي أهل مكة أشد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت. قال: فقلت: أبو جهل. فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه فخرج أبو جهل فقال: مرحبا وأهلا يا بن أختي ما جاء بك؟ قلت: جئت لأخبرك أني قد آمنت باللَّه ورسوله وصدّقت بما جاء به. فضرب الباب في وجهي وقال: قبحّك اللَّه وقبح ما جئت به. وروى أيضاً بسند صحيح عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أيّ قريش أنقل للحديث؟ قيل له: جميل بن معمر الجمحي. قال: فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوت معه أتبع أثره وأنظر ماذا يفعل حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد؟ قال: فو اللَّه ما راجعه حتى قام يجرّ رداءه وتبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش- وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن ابن الخطاب قد صبأ. قال: يقول عمر من خلفه: كذب ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم وطلع فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم فأحلف باللَّه أن لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها أو تتركونها لنا. فبينا هو على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشّى حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. قال: فمه، رجل اختار لنفسه أمرا فما تريدون منه؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبكم؟ هكذا خلّوا عن الرجل. قال: فو اللَّه فكأنما كانوا ثوبا كشط عنه. فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبي من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟ قال: ذاك أي بنيّ العاصي بن وائل السهمي. ومات مشركا. وروى البخاري عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: بينا عمر في الدار خائفا إذ جاءه العاصي بن وائل السهمي وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير فقال: ما بك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني لأنني أسلمت. قال: لا سبيل إليك أمنت. فخرج العاصي فلقي الناس قد سال بهم الوادي فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد ابن الخطاب الذي صبأ. قال: لا سبيل إليه. فكرّ الناس وتصدّعوا عنه. [ (1) ] وروى البخاري عن ابن مسعود قال: ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر.

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 2/ 100.

تنبيه في بيان غريب ما سبق

وروى عنه قال: واللَّه ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم عمر. وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال: لما أسلم عمر نزل جبريل فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان عن ابن عمر إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأحبّ هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب. وكان أحبّهما إليه عمر [ (1) ] . تنبيه في بيان غريب ما سبق أوره: بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فراء مفتوحة: وهو الحمق وقيل الخرق. الكهام [ (2) ] : بفتح الكاف وتخفيف الهاء: السيف الكليل. ولسان كهام أي عيي، وفرس كهام: بطيء. وكأن ذا في الأصل واللَّه أعلم مأخوذ من هذا، فيكون معناه: أكلكم أحمق وأخرق عيي أو كليل لم يغن شيئاً أو بطيء عن الحق والخير. والصّلات- بكسر الصاد: جمع صلة وهي الإحسان إلى الأقارب. وتقدم بيان ذريح في الباب الرابع. المخدع عندهم: البيت يكون في جوف البيت شبه البهو الذي يصنعه الناس في أوساط المجالس. الهينمة [ (3) ] : صوت وكلام لا يفهم. ارعوى: رجع، يقال ارعويت عن الشيء إذا رجعت عنه وازدجرت. جبذه: بجيم فباء موحدة مفتوحتين جبذا من باب ضرب مثل جذب أي مدّه إلى نفسه. الحزورة- بحاء مفتوحة مهملة فزاي ساكنة: سوق كانت بمكة وأدخلت في المسجد لمّا زيد فيه. طلح [ (4) ] : بفتح الطاء المهملة وكسر اللام: فعل ماض أي أعيا. نهمه: زجره.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3681، 3683) وأحمد في المسند 2/ 95 والحاكم في المستدرك 3/ 502 وأبو نعيم في الحلية 5/ 361 وابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 173، 191. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 803. [ (3) ] لسان العرب 6/ 4712. [ (4) ] المصباح المنير (375) .

الحبرة: ضرب من برود اليمن. هكذا عن الرجل: قال أبو ذر: هكذا: هنا اسم سمّي به فعل ومعناه: تنحوا ولا يحتاج معه إلى زيادة خلّوا. وقال في الرّوض: هكذا كلمة معناها الأمر بالتنحّي فليس يعمل فيها ما قبلها كما يعمل إذا قلت: جلست هكذا. أي على هذه الحال وإن كان لا بدّ من عامل إذا جعلتها للأمر لأنها كاف التشبيه دخلت على ذا وهاء التنبيه، فيقدّر العامل إذن مضمرا كأنك قلت: ارجعوا هكذا وتأخّروا هكذا واستغني بقولك: «هكذا» . عن الفعل كما استغني برويدا عن ارفق. سال الوادي بالناس: أي امتلأ كامتلائه من السّيل في كثرتهم وسرعة مشيهم.

الباب الثامن عشر في دخول بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف الشعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة

الباب الثامن عشر في دخول بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف الشّعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة قال أبو الأسود والزّهري وموسى بن عقبة وابن إسحاق: أن قريشا لما رأت أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قد نزلوا بلدا. أصابوا فيه أمنا وقرارا، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وبحمزة حتى عازّوا قريشا فكان هو وحمزة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وجعل الإسلام يفشو في القبائل. فأجمعوا رأيهم واتفق رأيهم على قتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقالوا: قد أفسد علينا أبناءنا ونساءنا فقالوا لقومه: خذوا منّا دية مضاعفة وليقتله رجل من غير قريش ويريحنا وتريحون أنفسكم. فأبى قومه بنو هاشم من ذلك وظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف. فلما عرفت قريش إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قد منعه قومه فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشّعب وأجمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على ألا ينكحوهم ولا ينكحوا إليهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، ولا يقبلوا منهم صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للقتل. فلما اجتمعوا لذلك كتبوا صحيفة ثم تعاهدوا وتعاقدوا على ذلك. والذي كتب الصحيفة: قال ابن إسحاق: منصور بن عكرمة. قال ابن هشام: ويقال النضر بن الحارث. فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فشلّت بعض أصابعه. وقال غيره: بغيض بن عامر. فشلّت يده. وقال غيره: هشام بن عمرو بن الحارث العامري وأسلم بعد ذلك. ويجمع بين هذه الأقوال باحتمال أن يكون كتب بها نسخ. ثم علّقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاما ولا إداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم. فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطّلب إلى أبي طالب فدخلوا معه في شعبه مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا والكافر حميّة. وخرج من بني هاشم أبو لهب إلى قريش فظاهرهم ولقي هند بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشا فقال: يا بنت عتبة هل نصرت اللات والعزّى وفارقت من فارقها وظاهر عليها؟ قالت: نعم جزاك اللَّه خيرا يا أبا عتبة. وروى البلاذري عن ابن عباس قال: حصرنا في الشّعب ثلاث سنين وقطعوا عنا الميرة حتى إن الرجل ليخرج بالنفقة فما يبايع حتى يرجع، حتى هلك من هلك.

وقال أبو طالب فيما صنعت قريش من ذلك واجتمعوا له: ألا بلّغا عنّي على ذات بيننا ... لؤيّا وخصّا من لؤيّ بني كعب ألم يعلموا أنّا وجدنا محمّدا ... نبيّا كموسى خطّ في أوّل الكتب وأنّ عليه في العباد محبّة ... ولا خير ممّن خصّه اللَّه بالحبّ وأنّ الّذي لصّقتم في كتابكم ... لكم كائن نحسا كراغية السّقب أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثّرى ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا ... أواصرنا بعد المودّة والقرب وتستجلبوا حربا عوانا وربّما ... أمرّ على من ذاقه حلب الحرب فقلسنا وربّ البيت نسلم أحمدا ... لعزّاء من عضّ الزّمان ولا كرب ولمّا تبن منّا ومنكم سوالف ... وأيد أثرت بالقساسية الشّهب بمعترك ضنك ترى كسر القنا ... به والنسّور الطّخم يعكفن كالشّرب كأنّ مجال الخيل في حجراته ... ومعمعة الأبطال معركة الحرب أليس أبونا هاشم شدّ أزره ... وأوصى بينه بالطّعان وبالضّرب ولسنا نملّ الحرب حتّى تملّنا ... ولا نشتكي ما إن ينوب من النّكب ولكنّنا أهل الحفائظ والنّهى ... إذا طار أرواح الكماة من الرّعب [ (1) ] قال ابن إسحاق وغيره: فأقاموا على ذلك ثلاث سنين حتى جهدوا، ولا يصل إليهم شيء إلا سرّا مستخفيا به من أراد صلتهم من قريش. وقد كان أبو جهل لقي حكيم بن حزام معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة وهي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم في الشّعب، فتعلّق به وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟! لا تذهب أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة. فقال له أبو البختريّ ابن هشام بن الحارث- وهلك كافرا-: طعام كان لعمّته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خلّ سبيل الرجل. فأبى أبو جهل حتى نال كل واحد منهما من صاحبه فأخذ أبو البختريّ لحي بعير فضربه به فشجّه ووطئه وطئا شديدا، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فيشمتوا بهم. وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشّعب يأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة فإذا نام أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمّه فاضطجع على فراش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليه.

_ [ (1) ] انظر الروض الآنف 2/ 102، 103 والبداية والنهاية 3/ 87.

فلم يزالوا إلى تمام ثلاث سنين. وبعث اللَّه تعالى علي صحيفتهم الأرضة فأكلت أو لحست ما في الصحيفة من عهد وميثاق- وفي رواية أنها لم تترك في الصحيفة اسما للَّه إلا لحسته وأبقت ما كان من شرك أو ظلم أو قطيعة. وأطلع اللَّه سبحانه وتعالى رسوله على ذلك فذكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، فقال عمه أبو طالب: أربّك أخبرك بهذا؟ قال: نعم. قال: فو اللَّه ما يدخل عليك أحد- وفي رواية قال: لا والثواقب ما كذبتني فانطلق بعصابة من بني هاشم وبني المطلب حتى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش، فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برمّته إلى قريش، فتكلم أبو طالب فقال: جرت أمور بيننا وبينكم لم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح. وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها. فأتوا بصحيفتهم مجمعين لا يشكون إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدفع إليهم، فوضعوها بينهم وقالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم. فقال أبو طالب: إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم: أن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث اللَّه تعالى عليها دابّة فأبقت اسم اللَّه وأكلت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم- وفي رواية: فلم تترك فيها اسما اللَّه تعالى إلا لحسته وتركت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان كما يقال فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم. فقالوا: قد رضينا بالذي تقول. ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح. فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قالوا: هذا سحر ابن أخيك. وزادهم ذلك بغيا وعدوانا. فقال أولئك النفر من بني هاشم وبني المطلب: إن أولانا بالكذب والسحر غيرنا، فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطعتنا أقرب إلى الجبت والسّحر. وقال أبو طالب: يا معشر قريش علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبيّن أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة. ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة فقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحلّ ما يحرّم عليه منا. ثم انصرفوا إلى الشّعب. وكان أبو طالب لمّا خاف دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته اللامية التي تعوّذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها وتودّد إلى أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لشيء أبدا حتى يهلك دونه.

وقد أوردها ابن إسحاق وأبو هفّان عبد اللَّه بن أحمد المهزمي في جمعه لشعر أبي طالب بكماله وزاد على ابن إسحاق أبياتا كثيرة في أماكن متعددة، وقد أوردت هنا خلاصة ما ذكراه وهي: خليليّ ما أذني لأوّل عاذل ... بصغواء في حقّ ولا عند باطل خليليّ إنّ الرّأي ليس بشركة ... ولا نهنه عند الأمور البلابل ولمّا رأيت القوم لا ودّ عندهم ... وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل قد صارحونا بالعداوة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدوّ المزايل وقد حالفوا قوما علينا أظنّة ... يعضّون غيظا خلفنا بالأنامل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عضب من تراث المقاول وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي ... وأمسكت من أثوابه بالوصائل قياما معا مستقبلين رتاجه ... لدى حيث يقضي خلفه كلّ نافل أعوذ برب الناس من كلّ طاعن ... علينا بسوء أو ملحّ بباطل ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة ... ومن ملحق في الدّين ما لم نحاول وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ... وراق ليرقى حراء ونازل وبالبيت حقّ البيت من بطن مكّة ... وباللَّه إنَّ اللَّه ليس بغافل وبالحجر الأسود إذ يمسحونه ... إذا اكتنفوه بالضّحى والأصائل وموطئ إبراهيم في الصّخر رطبة ... على قدميه حافيا غير ناعل ومن حجّ بيت اللَّه من كل راكب ... ومن كلّ ذيّ نذر ومن كلّ راجل فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ... وهل من معيذ يتّقي اللَّه عاذل يطاع بنا العديى وودّوا لو أنّنا ... تسدّ بنا أبواب ترك وكابل كذبتم وبيت اللَّه نترك مكّة ... ونظعن إلّا أمركم في بلابل كذبتم وبيت اللَّه نبزى محمّدا ... ولمّا نطاعن حوله ونناضل ونسلمه حتّى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض قوم في الحديد إليكم ... نهوض الرّوايا تحت ذات الصّلاصل وحتّى نرى ذا الضّغن يركب ردعه ... من الطّعن فعل الأنكب المتحامل إنّا لعمر اللَّه إن جدّ ما أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل بكفّي فتى مثل الشّهاب سميدع ... أخي ثقة حامي الحقيقة باسل وما ترك قوم لا أبالك سيّدا ... يحوط الذّمار غير ذرب مواكل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تنبيهات

يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ ... فهم عنده في نعمة وفواضل جزى اللَّه عنّا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شرّ عاجلا غير آجل بميزان قطّ لا يخيس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل ونحن صميم من ذؤابة هاشم ... وآل قصيّ في الخطوب الأوائل فكلّ صديق وابن أخت نعدّه ... لعمريّ وجدنا غبّه غير طائل سوى أن رهطا من كلاب بن مرة ... براء إلينا من معقّة خاذل ونعم ابن أخت القوم غير مكذّب ... زهير حساما مفردا من حمائل أشمّ من الشّمّ البهاليل ينتمي ... إلى حسب في حومة المجد فاضل لعمري لقد كلّفت وجدا بأحمد ... وإخوته دأب المحبّ المواصل فلا زال في الدّنيا جمالا بأحمد ... وإخوته دأب المحبّ المواصل فلا زال في الدّنيا جمالا لأهلها ... وزينا على رغم العدو المخاتل فمن مثله في النّاس أيّ مؤمّل ... إذا قاسه الحكّام عند التّفاضل حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائش ... يوالي إلهاً ليس عنه بغافل فأيّده ربّ العباد بنصره ... وأظهر دينا حقّه غير ناصل فو اللَّه لولا أن أجيء بسبّة ... تجرّ على أشياخنا في القبائل لكنّا اتّبعناه على كلّ حالة ... من الدّهر جدّا غير قول التّهازل لقد علموا أنّ ابننا لا مكذّب ... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل فأصبح فينا أحمد في أرومة ... يقصّر عنها سورة المتطاول حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذّرى والكلاكل [ (1) ] والقصيدة طويلة جدا وهذا الذي ذكرته منها عينها. قال الحافظ عماد الدين ابن كثير: وهي قصيدة عظيمة بليغة جدا لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلّقات السّبع وأبلغ في تأدية المعنى، ذكر فيها ما يتعلق بالصحيفة الظالمة التي كتبتها قريش، والأشبه أن أبا طالب إنما قالها بعد دخولها الشعب فذكرها هنا أنسب. انتهى. تنبيهات الأول: تقدم الخلاف في كتابة الصحيفة، وجمع بين الأقوال باحتمال أن يكون كل ممن ذكر كتب بها نسخة. الثاني: في رواية: أن الأرضة لحست اسم اللَّه تعالى وأبقت ما عداه. وفي رواية: لحست ما فيها من ظلم وجور وأبقت اسم اللَّه تعالى. وجمع بين الروايتين: بأنهم كتبوا نسخا

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 2/ 13، 14، 15، 16، والبداية والنهاية 3/ 54، 55، 56، 57.

فأكلت الأرضة من بعض النسخ اسم اللَّه تعالى إشارة إلى أنه تعالى كره فعلهم ذلك فلم يترك اسمه مع ذكر ظلمهم، وأكلت من بعض النسخ ما عدا اسم اللَّه تعالى إشارة إلى أنه تعالى لم يرض هذا الفعل. واللَّه أعلم بحقيقة ذلك. الثالث: في بيان غريب ما تقدم الشّعب: بكسر الشين المعجمة: وهو الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن أرض، والمراد به هنا شعب بني هاشم بن عبد مناف، فقسّمه بين بنيه حين ضعف بصره وصار للنبي صلى الله عليه وسلّم حظّ أبيه، وهو كان منزل بني هاشم غير مساكنهم، وهو الذي يعرف بشعب ابن يوسف. قاله في المطالع. قال في النور: وقوله «صار إليه حظّ أبيه» فيه نظر لأن أباه توفي قبل جده عبد المطلب فلم ينتقل لعبد اللَّه شيء حتى يقال إنه ورثه عليه الصلاة والسلام، وحين توفي عبد المطلب حجب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأولاده، هذا شرعنا وما أظنهم كانوا يخالفون ذلك. ويحتمل أنه وصل إليه حظ أبيه بطريق آخر. دية مضاعفة: الدية مائة من الإبل معروفة. والمضاعفة: قال الخليل: التضعيف أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين أو أكثر. ظاهرهم: عاونهم. منابذتهم: نقضهم العهد. ذات بيننا: وصلنا. ولا خير ممن خصه اللَّه بالحب: خير مخفف من خيّر كهين وميت. وممن متعلق بمحذوف كأنه قال لا خير أخير ممن خصه اللَّه بالحب. السّقب: بسين مهملة مفتوحة فقاف ساكنة فباء موحدة وهو من الرّغاء وهو أصوات الإبل. والسّقب: ولد الناقة، وأراد به هنا ولد ناقة صالح صلى الله عليه وسلّم التي عقرها قدار، فرغا ولدها وصاح برغائه كلّ شيء له صوت، فهلكت ثمود عند ذلك فضربت العرب ذلك مثلا في كل هلكة. الأواصر: بالصاد والراء المهملتين: أسباب القرابة والمودة. حربا عوانا: أي قوتل فيها مرارا. لعزّاء: بعين مهملة مكسورة أي لشدة. عضّ الزمان: شدته.

السوالف: بسين مهملة مفتوحة وفاء: صفحات الأعناق. أترّت: بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية وفتح الراء المشددة فتاء تأنيث: أي قطعت. القساسيّة: بقاف مضمومة فسين مهملة فألف فسين أخرى مكسورة: سيوف منسوبة إلى قساس وهو جبل فيه معدن الحديد. المعترك: موضع الحرب. ضنك: بضاد معجمة مفتوحة فنون ساكنة فكاف: أي ضيق. الطّخم [ (1) ] : بطاء مهملة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة: التي في لونها سواد. يعكفن: يقمن ويلازمن. الشّرب: بشين مشددة مفتوحة فراء ساكنة: الجماعة من القوم يشربون. الحجرات: بحاء مهملة مضمومة وجيم فراء مفتوحتين. المعمعة: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فميم فعين أخرى مفتوحتين، وهي الأصوات في الحرب وغيرها. الجرب: بضم الجيم وسكون الراء: الإبل التي بها جرب فهي تحكّ بعضها بعضا. أزره: بهمزة مفتوحة: وهي القوة والظهر أيضا أي ظهره. الحفائظ: بالحاء المهملة: جمع حفيظة وهي الغضب في الحرب. النّهى [ (2) ] : بضم النون: العقول. الكماة: بضم الكاف: الشجعان. الرّعب: الفزع. الأرضة: بفتح الهمزة والراء والضاد المعجمة الساقطة فتاء تأنيث: دويّبة تأكل الخشب. الثواقب: النجوم، جمع ثاقب وهو النجم المضيء. ما اكذبتني: بتخفيف الذال المعجمة أي ما حدثتني بحديث كذب. العصابة: بكسر العين: الجماعة. برمّته: بضم الراء وتشديد الميم المفتوحة: قطعة من حبل بالية، والجمع رمم ورمام،

_ [ (1) ] اللسان 4/ 2648. [ (2) ] المفردات في غريب القرآن 507.

تفسير غريب قصيدة أبي طالب اللامية.

وأصله أن رجلا دفع إلى عدوه بحبل في عنقه فقيل ذلك لكل من دفع شيئا بجملته. معجبين: بفتح الجيم. نصف [ (1) ] : بفتح النون والصاد المهملة: وهي في الأصل المرأة بين الحدثة والمسنّة أي في أمر وسط بيننا وبينكم لا فيه حيف علينا ولا عليكم. تفسير غريب قصيدة أبي طالب اللامية. خليليّ: تثنية خليل، وهو منادى مضاف حذف منه حرفه. تصغو: بصاد مهملة وغين معجمة مائلة. نهنه: يقال: نهنهت الرجل إذا كففته. والبلابل بموحدتين: الأمور المهمّة. العرى: جمع عروة. وأراد بها ها هنا العهود. الوسائل: جمع وسيلة وهي القربة يقال: وسل إلى ربه وسيلة إذا تقرّب بعمله إليه، والوسيلة: المنزلة عند الملك. صارحونا: واجهونا مكافحة. المزايل: المحاول المعالج. حالفوا: عاهدوا. أظنة: جمع ظنين وهو المتهم. الأنامل: أطراف الأصابع. بسمراء سمحة: يعني قناة تسمح بالانعطاف عند هزّها. العضب [ (2) ] : بالعين المهملة والضاد المعجمة: القاطع. تراث: أصله وارث من ورثت، ولكن لا تبدل هذه الواو ياء إلا في مواضع مخصوصة والتراث: مال قد يورث وتوارثه قوم عن قوم. المقاول [ (3) ] : بالقاف: الملوك بلغة حمير. ويقال: الذين يخلفون الملوك إذا غابوا. رهطي: قومي وقبيلتي.

_ [ (1) ] المصباح المنير 608. [ (2) ] المعجم الوسيط 2/ 606. [ (3) ] لسان العرب 5/ 3780.

الوصائل: ثياب حمر فيها خطوط كان البيت يكسى بها. الرّتاج: هنا بكسر الراء: والمراد به هنا الباب. لدى: بمعنى عند. نافل: بالنون والفاء: أي كل متبرّئ يقال: انتقل من كذا أي تبرأ منه، فاستعمل اسم الفاعل من الثلاثي غير المزيد قال الأعشى: لا تلفنا من دماء القوم ننتفل. ثور: بثاء مثلثة وراء. أرسى: أثبت. وثبيرا: بثاء مثلثة مفتوحة فباء موحدة مكسورة فمثناة تحتية فراء. وحراء: بكسر الحاء: وتقدم الكلام عليه في باب بدء الوحي. والثلاثة جبال بمكة. راق: صاعد. لبرّ: من البرّ. وفي بعض التصانيف ليرقى من الرقّى وصححوا الأولى وقالوا: الثانية تصحيف ضعيف المعنى، فإنه معلوم أن الراقي يرقى وإنما هو البرّ أي في طلب برّ وهو خلاف الإثم. أقسم بطالب البرّ بصعوده في حراء التعبدّ فيه وبالنازل منه. نازل: من النزول. ملحّ: مجحف يقل: ألحّ على الشيء إذا أقبل عليه مواظبا. الكاشح: العدوّ. بمعيبة: بالعين المهملة: أي منقصة. وبالحجر الأسود: فيه زحاف ويسمى الكفّ، وهو حدف النون من مفاعلن وهو بعد الراء من الأسود. ما لم يحاول: يريد. اكتنفوه: أحاطوا به. وفي رواية: كثفوه بثاء مثلثة بعد الكاف: ازدحموا عليه من الشيء الكثيف وهو الملتفّ. الأصائل: والأصل بضمتين جمع أصيل وهو ما بعد العصر إلى الغروب. وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة: يعني موضع قدميه حين غسلت امرأة ابنه رأسه وهو راكب فاعتمد بقدمه على الصخرة، أبقى اللَّه تعالى أثر قدمه آية. وقيل بل هو أثر قدمه حين رفع القواعد من البيت وهو قائم عليه.

وترك: بضم التاء المثناة الفوقية وسكون الراء. وكابل بضم الباء الموحدة: جيلان من العجم. نظعن: بظاء معجمة مشالة: نرحل. في بلابل: يروى بمثناتين فوقيتين أي في حركة واضطراب وبموحدتين أي في وساوس الهموم، واحدها بلبال. نبزى [ (1) ] : بنون مضمومة فباء موحدة ساكنة فزاي مفتوحة: معناه نسلب ونغلب عليه. نناضل: نرامي بالسهام. نذهل: نغفل. الحلائل: الزوجات، واحدها حليلة. الرّوايا: جمع راوية: الإبل التي تحمل الماء. الصلاصل [ (2) ] : بفتح الصاد المهملة الأولى وكسر الثانية: بقية الماء. الضّغن: بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين: العداوة. يركب ردعه: براء مفتوحة فدال ساكنة فعين مهملتين أي يسقط على وجهه في دمه. الطّعن بفتح الطاء وسكون العين المهملتين. الأنكب: المائل إلى جهة. المتحامل: المائل عن الحق. لعمر اللَّه: بفتح العين: بقاء اللَّه. جدّ: بجيم فدال مهملة: عظّم. بالأماثل: بالخيار من القوم. سميدع [ (3) ] : بفتح السين المهملة لا بضمها: السيّد. الحقيقة: بحاء مهملة وقافين بينهما مثناة تحتية ما يحقّ على الرجل أن يحميه. باسل: شجاع كريم. لا أبا لك: ويقال لا أبا لك وهو مدح.

_ [ (1) ] المعجم الوسيط 1/ 54. [ (2) ] لسان العرب 4/ 2487. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 448.

الذّمار: بذال معجمة مكسورة. ما يلزم الرجل حمايته والدفع عنه ويلام على إضاعته. الذّرب: بذال معجمة تفتح وتكسر: الفاسد. مواكل: أي يتوكل على غيره. ثمال اليتامى [ (1) ] : أي قائم بمصالحهم وغياثهم. عصمة للأرامل: يمنعهن من الضياع والحاجة. يلوذ: يلجأ. الهلّاك: بضم الهاء وتشديد اللام. غير عائل: مائل عن الحق. الصّميم وزان كريم: الخالص. وصميم القلب وسطه. من ذؤابة هاشم: الذؤابة بضم الذال المعجمة وبالهمزة وقد تبدل واوا وهي في الأصل الشّعر المضفور من شعر الرأس. وذؤابة الجبل: أعلاه ثم استعير للشرف والمرتبة. الخطوب: جمع خطب وهو الأمر الشديد. غبّه: بغين معجمة مكسورة فموحدة أي عاقبته. غير طائل: أي غير رفيع ولا نفيس. وأصل الطائل النفع والفائدة، وهذا اللفظ يقال للشيء الخسيس مشتق من الطّول. الرّهط: بسكون الهاء وتفتح: دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى الأربعين. براء: بموحدة مفتوحة فراء فمد فهمز أي بريء عن مساوئه. المعقّة: العقوق. الخاذل: بالخاء والذال المعجمتين: تارك النّصرة والإعانة. أشمّ: بالشين المعجمة. عزيز. البهاليل: السادة واحدهم بهلول بضم الموحدة وسكون الهاء. الحومة: بفتح الهاء المهملة: من كل شيء معظمه. الوجد: الحب.

_ [ (1) ] اللسان 1/ 506.

الدّأب: العادة. على رغم العدو: بتثليث الراء: أي ألصقه اللَّه بالرّغام بفتح الراء وهو التراب، هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره. المخاتل [ (1) ] : بالخاء وكسر المثناة الفوقية: المخادع. المؤمّل: بفتح الميم المشددة المرجو خيره. طائش: خفيف العقل. يوالى: يعبد. السّبّة: الشتم. غير ناصل: بنون وصاد مهملة أي زائل. التهازل: الهزل وهو ترك الجدّ في قول أو فعل. لا مكذّب: بفتح الذال المعجمة المشددة. ولا يعنى: يشتغل. الأرومة [ (2) ] : بفتح الهمزة وضم الراء: الأصل. بسورة: روي بضم السين المهملة أي المنزلة: وبفتحها أي الشدة والبطش. المتطاول: بكسر الواو من الطول بفتح الطاء وهو الفضل والعلوّ. حدبت: بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين أي عطفت ومنعت. الذّرى: جمع ذروة بذال معجمة تضم وتفتح وهي أعلى ظهر البعير. الكلاكل: جمع كلكل وهو معظم الصدر.

_ [ (1) ] المعجم الوسيط 1/ 218. [ (2) ] لسان العرب 1/ 65.

الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية

الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية قال ابن سعد: قالوا: لما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مكة من الهجرة الأولى اشتدّ عليهم. قومهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا. فأذن لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية، فكانت خرجتهم الثانية أعظمها مشقة، ولقوا من قريش تعنيفا شديدا ونالوهم بالأذى واشتد عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم، فقال عثمان بن عفان: يا رسول اللَّه فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة ولست معنا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: «أنتم مهاجرون إلى اللَّه تعالى وإليّ، لكم هاتان الهجرتان جميعا» . قال عثمان: فحسبنا يا رسول اللَّه [ (1) ] . قال ابن إسحاق وابن سعد: وكان عدّة من خرج في هذه الهجرة من الرجال ثلاثة وثمانين. قال ابن سعد: ومن النساء إحدى [ (2) ] عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب. وزاد غيرهما على ذلك كما سيأتي بيانه. وقد روى قصتهم الإمام أحمد عن ابن مسعود، وأبو نعيم والبيهقي عن أبي موسى الأشعري، وابن إسحاق عن أم سلمة، والطبراني وابن عساكر عن جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنهم قالوا: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشيّ، أمنّا على ديننا وعبدنا اللَّه تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة، وكان أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلّما النجاشيّ فيهم، ثم قدّما إلى النجاشي هداياه ثم اسألاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلّمهم. فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار عند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يدفعا إلى النجاشيّ هديته ويكلّماه وقالا لكل بطريق منهم: أنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم،

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 138. [ (2) ] سقط في أ.

وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردّهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلّمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى وأعلم بما عابوهم فيه. فقالوا: نعم. ثم إنهما لمّا دخلا على النجاشي سجدا له وقدّما له هداياهما فقبلها ثم قالا له: أيها الملك أن نفرا من بني عمنا سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم عليهم فهم أعلى وأعلم بهم عينا وبما عابوا عليهم وبما عيّبوهم فيه. ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد من أن يسمع النجاشيّ كلام جعفر وأصحابه فقال بطارقته: صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم. فأسلمهم إليهما فليردّاهم إلى بلادهم وقومهم. قال: فأين هم؟ قالا: في أرضك. فغضب النجاشي ثم قال: لاها اللَّه إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فاسألهم عما يقول هذان من أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا غير ذلك منعتهم منهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني. ثم أرسل إلى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول واللَّه ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كان في ذلك ما هو كائن. فقال جعفر بن أبي طالب: أنا خطيبكم اليوم. وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، فدخل جعفر وتبعه المسلمون فسلّم فقالوا: مالك لا تسجد للملك؟ قال جعفر: إنا لا نسجد إلا للَّه عز وجل. فقال النجاشي ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من أهل هذه الملل. فقال جعفر: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القويّ الضعيف، فكنّا على ذلك حتى بعث اللَّه إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى اللَّه لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا أن نعبد اللَّه وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. فعدّد عليه أمور الإسلام. ثم قال: وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرّحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، فصدّقناه وآمنا به واتبعناه على ما

جاء به من اللَّه تعالى، فعبدنا اللَّه تعالى وحده ولم نشرك به شيئاً وحرّمنا ما حرم اللَّه علينا وأحللنا ما أحلّ لنا فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة اللَّه وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك. فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به من شيء فقال له جعفر: نعم. قال فاقرأه عليّ. فقرأ عليه صدرا من «كهيعص» فبكى واللَّه النجاشيّ حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما يتلى عليهم. ثم قال له النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج عن مشكاة واحدة. ثم قال النجاشي لعمرو: أعبيدهم لكم؟ قال: لا. قال: أفلكم عليهم دين؟ قال: لا. قال: انطلقا فواللَّه لا أسلمهم إليكما أبدا ولا يكادون. فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: واللَّه لآتينّه عنهم غدا بما أستأصل به خضراءهم. فقال له عمارة لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا. قال: واللَّه لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد. ثم غدا إلى النجاشي فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما فاسألهم عما يقولون فيه. فأرسل إليهم ليسألهم عنه فاجتمع المسلمون ولم ينزل بهم مثلها. فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ فقالوا: نقول واللَّه ما قال اللَّه تعالى وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن. فقال جعفر: لا يتكلم أحد أنا خطيبكم. فلما دخلوا عليه فإذا هو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن شماله والقسيسون جلوس سماطين، فقال لجعفر وأصحابه: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا، نقول هو عبد اللَّه ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي بيده الأرض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، يا معشر القسيسين والرهبان واللَّه ما يزيدون على الذي فيه. فتناحرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال: وإن نخرتم واللَّه. ثم قال: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده أشهد أنه رسول اللَّه وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، واللَّه لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه. وأمر لنا بطعام وكسوة، ثم قال: اذهبوا فأنتم آمنون. من سبّكم غرم، من سبّكم غرم، من سبّكم غرم. قالها ثلاثا. فما أحب أن لي جبلا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم.

وفي رواية أن النجاشي قال للمسلمين: أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم. فأمر مناديا ينادي: من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم. ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا. قال: فأضعفوها. وعند موسى بن عقبة: من نظر إلى هؤلاء نظرة تؤذيهم فقد غرم. أي فقد عصاني. ثم قال: ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فو اللَّه ما أخذ اللَّه منيّ الرشوة حين ردّ عليّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به. ثم إن الحبشة اجتمعت فقالت للنجاشي: إنك فارقت ديننا- وخرجوا عليه فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيّأ لهم سفنا وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا حيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن وخرج إلى الحبشة وصفّوا له صفين فقال: يا معشر الحبشة ألست أحقّ الناس بكم؟ قالوا: بلى. قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة؟ قال فما لكم؟ قالوا: فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد، هو ابن اللَّه. فقال النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه: هو يشهد أن عيسى ابن مريم لم يزد على هذا. وإنما يعني ما كتب. فرضوا عنه وانصرفوا. قالت أم سلمة: فأقمنا عنده بخير دار مع خير جار، فو اللَّه أنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو اللَّه ما حزنّا قطّ حزنا كان أشدّ من حزن حزنّاه عند ذلك تخوّفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. وسار إليه وبينهما عرض النّيل، فقال أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من رجل ينطلق حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير بن العوام: أنا. قالوا: فأنت. وكان من أحدث القوم سنا. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليهم حتى خرج إلى ناحية النّيل التي بها يلتقي القوم، ثم انطلق حتى حضرهم. وقالت: ودعونا اللَّه للنجاشيّ بالظهور على عدوّه والتمكين له في بلاده. قالت: فو اللَّه أنا على ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير بن العوام يسعى فلمع بثوبه وهو يقول: أبشروا فقد ظهر النجاشيّ وأهلك اللَّه عدوّه. قالت: فو اللَّه ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها. ورجع النجاشي وقد أهلك اللَّه عدوّه ومكن له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة، وكنا عنده في خير منزل. وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي موسى الأشعري، والطبراني وأبو الفرج الأموي

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى واللفظ لأبي الفرج قال: وكان اللَّه سبحانه وتعالى قد ألقى العداوة بين عمرو وعمارة في مسيرهما قبل أن يقدما على النجاشي، وذلك أن عمرا كان رجلا دميما ومعه امرأته، وكان عمارة رجلا جميلا، فهوي امرأة عمرو وهويته، فعزما على دفع عمرو في البحر فدفع عمارة عمرا في البحر فسبح عمرو ونادى أصحاب السفينة فأخذوه فرفعوه إلى السفينة- فأضمرها عمرو في نفسه ولم يبدها لعمارة، بل قال لامرأته: قبّلي ابن عمك عمارة لتطيب بذلك نفسه. فلما أتيا أرض الحبشة وردّهما اللَّه تعالى خائبين مكر عمرو بعمارة فقال له: أنت امرؤ جميل وهن النساء يحببن الجمال، فتعرّض لامرأة النجاشي فلعلها أن تشفع لنا عند الملك في قضاء حاجتنا. ففعل عمارة وتكرّر تردده إلى امرأة النجاشي وأخذ عطرا من عطرها، فلما رأى عمرو ذلك أتى الملك فذكر له أمر عمارة، فأدركت الملك عزة الملك وقال: لولا أنه جاري لقتلته، ولكن سأفعل له ما هو شر من القتل. فدعا بالسّواحر فأمرهن أن يسحرنه فنفخن في إحليله نفخة طار منها هائما على وجهه حتى لحق بالوحوش بالجبال، فكان إذا رأى آدميّا ينفر منه، وكان ذلك آخر العهد به إلى زمن عمر بن الخطاب، فجاء ابن عمة عبد الله بن أبي ربيعة إلى عمر بن الخطاب واستأذنه في المسير إليه لعله يجده، فأذن له عمر، فسار عبد الله إلى أرض الحبشة فأكثر النّشدة عنه والفحص عن أمره حتى أخبر أنه في جبل كذا يرد مع الوحوش إذا وردت ويصدر معها إذا صدرت، فسار إليه فكمن له في طريقه إلى الماء فإذا هو قد غطّاه شعره وطالت أظافره وتمزقت عنه ثيابه حتى كأنه شيطان، فقبض عليه عبد الله وجعل يذكّره بالرّحم ويستعطفه وهو ينتفض منه وهو يقول أرسلني يا بجير أرسلني يا بجير وأبي عبد الله إن يرسله حتى مات بين يديه. قال الزهري: فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال: أتدري ما قوله: «ما أخذ اللَّه الرشوة منيّ فآخذ الرشوة فيه ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه؟» فقلت: لا. قال عروة: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر رجلا ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو أنّا قتلنا أبا النجاشي وملّكنا أخاه فإن له اثني عشر رجلا من صلبه فتوارثوا الملك لبقيت الحبشة عليهم دهرا طويلا لا يكون بينهم اختلاف، فعدوا عليه فقتلوه وملّكوا أخاه. فمكثوا على ذلك حينا ونشأ النجاشيّ مع عمه فلا يدبّر أمر عمه غيره، وكان النجاشي حازما لبيبا من الرجال، فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا: قد غلب هذا الغلام على أمر عمه فما نأمن من أن يملّكه علينا، وقد عرف أنا قتلنا أباه، فلئن فعل لم يدع منا شريفا إلا قتله، فكلّموه فيه فليقتله أو ليخرجه من بلادنا. فمشوا إلى عمه فقالوا: قد رأينا مكان هذا الغلام منك، وقد عرفت أنا قتلنا أباه وجعلناك مكانه، وإنا لا نأمن من أن يملّك علينا فيقتلنا، فإما أن تقتله وإما أن تخرجه من بلادنا. قال: ويحكم

كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي

قتلتم أباه بالأمس وأقتله اليوم؟ بل أخرجه من بلادكم. فخرجوا به فوقفوه في السوق وباعوه من تاجر من التجار بستمائة درهم أو بسبعمائة درهم، فرفعه في سفينة فانطلق به، فلما كان العشاء هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يتمطّر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته ففزعوا إلى ولده فإذا هم محمقون ليس في أحد منهم خير، فمرج أمر الحبشة. فقال بعضهم لبعض: تعلمون واللَّه إن ملككم الذي يصلح أمركم الذي بعتم بالغداة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب. فخرجوا في طلبه فأدركوه فردّوه فعقدوا عليه التاج وأجلسوه على سريره وملكوه، فقال التاجر: ردّوا عليّ مالي كما أخذتم غلامي فقالوا: لا نعطيك. فقال التاجر: واللَّه لأكلمنّه فمشى إليه فكلّمه فقال: أيها الملك إني ابتعت غلاما فقبض ثمنه الذين باعونيه ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردّوا عليّ مالي، فكان أول ما خبر من صلابة حكمه أن قال: لتردّن عليه ماله أو ليجعلن يد غلامه في يده فيذهب به حيث شاء. فقالوا: بل نعطيه ماله فأعطوه ماله. فلذلك يقول: «ما أخذ اللَّه مني الرشوة فآخذ الرشوة فيه حين ردّ عليّ ملكي وما أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه» . فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي في أحسن جوار وتعجّل عبد اللَّه بن مسعود فرجع إلى مكة، فلما سمع المسلمون بمهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثماني نسوة، فمات منهم رجلان بمكة وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا. كما سيأتي بيان ذلك هناك. واللَّه تعالى أعلم. كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي روى البيهقي عن ابن إسحاق قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشيّ في جعفر بن أبي طالب وأصحابه وكتب معه كتابا فيه: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللَّه إلى النجاشي الأصحم. سلام عليك فإني أحمد إليك اللَّه الملك القدوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح اللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى اللَّه وحده لا شريك له والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بي وبالذي جاءني فإني رسول اللَّه، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر بن أبي طالب ومعه نفر من المسلمين فإذا جاءوك فأقرهم ودع التجبر فإني أدعوك وجنودك إلى اللَّه وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي. والسلام على من اتبع الهدى» . فكتب إليه النجاشي: إلى محمد رسول اللَّه من النجاشي الأصحم ابن الأبجر. سلام

تنبيهات

عليك يا نبي اللَّه من اللَّه ورحمته وبركاته، لا إله إلا الذي هداني إلى الإسلام، فقد بلغني كتابك يا رسول اللَّه فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى لم يزد على ما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد مر بنا ابن عمك وأصحابه فأشهد أنك رسول اللَّه صادقا مصدّقا وقد تبعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه للَّه رب العالمين وقد أرسلت بابني أريحا بن أصحم بن أبجر، فإني لا أملك إلا نفسي، وإن أمرتني أن أجيء فعلت يا رسول اللَّه فإني أشهد أن ما تقول حقّ [ (1) ] . تنبيهات الأول: ذكر ابن إسحاق أن رفيق عمرو في هذه السّفرة عبد الله بن أبي ربيعة، قالوا: والصحيح أن رفيق عمرو في هذه السفرة عمارة، وعبد الله كان رفيق عمرو في خروجهما بعد وقعة بدر. الثاني: قول جعفر للنجاشي رضي اللَّه عنهما: «وأمرنا بالصلاة» أي التي كانت قبل فرض الصلوات الخمس. وقوله: «والزكاة» أراد مطلق الصدقة لأن زكاة المال إنما فرضت بالمدينة. الثالث: في بيان غريب ما سبق: البطريق: بالكسر كالقائد من العرب. ضوى [ (2) ] : أوى، يقال ضويت إليه إذا أويت وانضممت. لاها اللَّه إذن: الهاء بدل من الواو، أي لا واللَّه، هكذا جاء في الحديث لاها اللَّه إذن قيل: والصواب لاها اللَّه ذا: بحذف الهمزة ومعناه لا واللَّه لا يكون ذا. أو واللَّه الأمر ذا، فحذف الكلام واختصر تخفيفا لكثرة الاستعمال. ولك في ألفها مذهبان: أحدهما تثبت ألفها لأن الذي بعدها مدغم مثل دابّة. والثاني: أن تحذفها لالتقاء الساكنين قاله في النهاية. وقال ابن مالك: في اللفظ بها أربعة أوجه: أحدها: ها للَّه إذن: بهاء تليها اللام. الثاني: ها للَّه: بألف ثابتة قبل اللام. الثالث: الجمع بين ثبوت الألف وقطع الهمزة.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 3/ 83. [ (2) ] اللسان 4/ 2622.

في معرفة أسماء الذين هاجروا الهجرة الثانية:

الرابع: أن تحذفه وتقطع همزة اللَّه. والمعروف في كلام العرب ها اللَّه ذا، وقد وقع في هذا الحديث: إذن. وليس ببعيد انتهى. الأساقفة: جمع أسقفّ بضم الهمزة وتشديد الفاء وتخفف، رأس من رؤوسهم. ولا يكاد: بتحتية مضمومة فكاف فألف فدال مهملة من الكيد وهو الاحتيال وإرادة السوء ومنه سمّى الحرب كيدا. خضلوا لحاهم: بلّوها بالدموع يقال خضل وأخضل إذا ندّى وأخضلته أنا. المشكاة: الكوّة. أستأصل: أي لا أدع لهم أصلا. خضراءهم: سوادهم ومعظمهم. القسّيسون جمع قسّ بفتح القاف: العالم العابد من رؤوس النصارى. سماطين: جانبين. العذراء: البكر. البتول [ (1) ] : التي انقطعت عن الرجال. ما عدا عيسى هذا العود: قال في الزهر: منصوب على الظرف تقديره: مقدار هذا العود أو قدر هذا العود. تناخرت: قال في النهاية: أي تكلمت وكأنه كلام مع غضب ونفور. الرّشوة: بكسر الراء وضمها: ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد. عرم [ (2) ] : بعين وراء مثلثة مهملتين والعارم الخبيث الشرير. هاجت سحابة: ثارت وطلعت. الخريف: أحد فصول السنة. سمي بذلك لأنه تخترف فيه الثمار أي تقطع. الرابع: في معرفة أسماء الذين هاجروا الهجرة الثانية: وفي ذلك فائدتان: إحداهما: معرفتهم. وثانيتهما: أنهم من أكابر الصالحين، فقد روى

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 38. [ (2) ] المصباح المنير 406.

الباء الموحدة

ابن الجوزي في مقدمة الصفوة عن سفيان بن عيينة رحمه اللَّه أنه قال: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. وقد ذكرهم ابن إسحاق مرتّبا لهم على القبائل والبطون، فرأيت ذلك صعبا على من أراد الكشف عن اسم واحد منهم، فرتبت أسماءهم على حروف المعجم. الألف أبان بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي. ذكره ابن إسحاق فيهم وخالفه في ذلك أهل العلم بالأخبار وقالوا: أسلم أيام خيبر وشهدها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر القرشي التّيمي [ (1) ] هاجر مع أبيه. الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي ابن أخي خديجة رضي اللَّه عنهما. الباء الموحدة بشر بن الحارث بن قيس بن عديّ القرشي السّهمي [ (2) ] . التاء المثناة تميم بن الحارث بن قيس بن عدي أخو بشر السابق. الجيم جابر بن سفيان بن معمر بن حبيب الجمحي [ (3) ] . جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ أبو عبد الله رضي اللَّه عنه. قاله الحافظ عماد الدين بن كثير. قلت: وفي ذلك نظر لأن ابن إسحاق ذكر أسماء الذين هاجروا الهجرة الأولى ثم ذكر الذين هاجروا ثانيا. جنادة بن سفيان بن معمر بن حبيب القرشي الجمحي. جهم بن قيس بن عبد شرحبيل العبدري [ (4) ] .

_ [ (1) ] إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن تيم بن مرة القرشي ... قال البخاري هاجر مع أبيه. [الإصابة 1/ 11، 12] . [ (2) ] بشر بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي السهمي ... من مهاجرة الحبشة. [الإصابة 1/ 156] . [ (3) ] جابر بن سفيان من بني زريق الخزرجي حليف معمر بن حبيب الجمحي. [الإصابة 1/ 221] . [ (4) ] جهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العبدري ... أبو خزيمة ويقال له جهيم بالتصغير أخو جهم بن الصامت لأمه. [الإصابة 1/ 266] .

الحاء المهملة

الحاء المهملة الحارث بن الحارث بن قيس بن عديّ القرشي السهمي، قال البلاذريّ: ذكر بعضهم أنه هاجر مع أخويه إلى الحبشة وليست هجرته بثبت. الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر القرشي الجمحي. ذكر الزهري أنه ولد بأرض الحبشة، وفي كلام مصعب ما يدل على أن الحارث ولد قبل هجرة الحبشة. الحارث بن خالد بن صخر بن عامر القرشي التيمي [ (1) ] . الحارث بن عبد قيس بن لقيط بن عامر القرشي التّيمي الفهري [ (2) ] . حاطب بن الحارث بن عديّ السّهميّ. قال أبو عمر: أسلم وهاجر إلى الحبشة وتعقبه ابن الأثير بأنه كان من المستهزئين. وقال الذهبي: لم يذكر احد أنه أسلم إلا أبو عمر. قال الحافظ: نعم ذكره فيهم أيضا أبو عبيدة ومصعب والطّبري وغيرهم، ولا مانع أن يكون تاب وهاجر، فلا تنافي بين القولين. وبسط الكلام على ذلك. قلت: وذكره ابن الجوزي في التّلقيح في مهاجرة الحبشة، وقال: مات بها. حاطب بن الحارث بن معمر القرشي الجمحي [ (3) ] مات بها. حاطب بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامريّ، يقال إنه أول من هاجر إلى الحبشة وبه جزم الزّهري. ورجع من الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة. الحجّاج بن الحارث بن قيس القرشي السهمي. ذكره ابن عقبة وابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة وأنكر ذلك ابن الكلبي والزبير بن بكار. حطّاب- بالحاء والطاء المهملتين- ابن الحارث بن معمر القرشي الجمحي مات بها وهو أخو حاطب. الخاء المعجمة خالد بن حزام- بالحاء المهملة وبالزاي- ابن خويلد القرشي الأسدي. قال البلاذريّ وابن منده عن عروة: إنه هاجر إلى الحبشة فنهشته حية فمات في الطريق، فنزل فيه: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ الآية.

_ [ (1) ] الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة القرشي التيمي ... ذكره ابن إسحاق وغيره في مهاجرة الحبشة. [انظر الإصابة 1/ 290] . [ (2) ] الحارث بن قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الظرب بن الحارث بن فهر القرشي الفهري ... ويقال الحارث بن قيس ذكره ابن إسحاق وابن دأب في مهاجرة الحبشة. [الإصابة 1/ 290] . [ (3) ] حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي ثم الجمحي. ذكره ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة وذكره الطبراني فيمن مات بالحبشة هو وأخوه خطاب [الإصابة 1/ 314، 315] .

الراء

وروى ذلك مصعب الزبيري عن غير واحد من آل حزام. وجزم بذلك الواقدي. قال الحافظ: لكن المشهور الذي نزلت فيه هذه الآية جندب بن ضمرة. خالد بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي. خالد بن سفيان بن معمر بن حبيب القرشي الجمحي. خزيمة بن جهم بن عبد بن شرحبيل العبدري [ (1) ] . خنيس- بضم الخاء المعجمة فنون مفتوحة فمثناة تحتية فسين مهملة- ابن حذافة بن قيس بن عدي القرشي السهمي. الراء ربيعة بن هلال بن مالك. الزاي الزبير بن العوام بن خويلد القرشي الأسدي أبو عبد اللَّه. السين المهملة السائب بن الحارث بن قيس القرشي السهمي [ (2) ] . السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي [ (3) ] . سعد بن خولة القرشي العامري [ (4) ] . سعيد بن الحارث بن قيس القرشي السهمي [ (5) ] . سعيد بن عبد قيس بن لقيط القرشي الفهري [ (6) ] .

_ [ (1) ] خزيمة بن جهم بن عبد بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ العبدي ... ذكر الزبير بن بكار أنه هاجر إلى الحبشة مع أبيه وأخيه. [الإصابة 2/ 112] . [ (2) ] السائب بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي ... أحد السابقين قال ابن إسحاق هاجر إلى الحبشة وذكره ابن إسحاق فيمن قتل بالطائف ذكر موسى بن عقبة بن شهاب ووافقه معمر عن ابن شهاب أنه خرج وأنه عاش بعد ذلك إلى أن استشهد بالأردن يوم فحل في أول خلافة عمر سنة ثلاث عشرة وكذا ذكر ابن سعد وزاد وأمه أم الحجاج كنانية. [الإصابة 3/ 58] . [ (3) ] السائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي. قال ابن إسحاق أسلم في أول الإسلام وهاجر إلى الحبشة وشهد بدرا والمشاهد واستشهد باليمامة واستعمله النبي صلى اللَّه عليه وسلم على المدينة في غزوة بواط. [الإصابة 3/ 61] . [ (4) ] سعد بن خولة القرشي العامري من بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ... [الإصابة 3/ 74] . [ (5) ] سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو القرشي السهمي ... ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق في مهاجرة الحبشة وقال موسى بن عقبة استشهد بأجنادين وذكره ابن إسحاق وأبو الأسود عن عروة أنه استشهد باليرموك وكذا قال الزبير وسيف وابن سعد. [الإصابة 3/ 95] . [ (6) ] سعيد بن عبد قيس وقيل سعيد بن عبيد بن قيس بن لقيط بن عامر بن أمية أو ربيعة بن طرب بن الحارث بن فهر القرشي الفهري ... ذكر ابن شاهين من طريق ابن الكلبي وغيره أنه أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة وذكر البلاذري أنه قدم المدينة قبل جعفر بن أبي طالب. [الإصابة 3/ 100] .

الشين المعجمة

سعيد بن عمر التّيمي [ (1) ]- ويقال اسمه معبد. سفيان بن معمر [ (2) ]- بفتح الميمين وإسكان المهملة بينهما- ابن حبيب القرشي الجمحي. السكران بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري [ (3) ] . سلمة بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي [ (4) ] . سليط بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري، ويقال إنه أول من هاجر إلى الحبشة. سهيل ابن بيضاء وهي أمه واسمها دعد، واسم أبيه وهب بن ربيعة القرشي الفهري. سويبط بن حرملة ويقال بن سعد بن حرملة، ويقال حريملة، القرشي العبدري. الشين المعجمة شرحبيل بن عبد الله المطاع ابن عبد الله الكندي ويقال التميمي ويعرف بأمه حسنة. شمّاس بن عثمان بن الشّريد القرشي المخزومي واسمه عثمان بن عثمان، وإنما سمي شمّاسا، لأن شماسا من الشمامسة قدم مكة في الجاهلية وكان جميلا فعجب الناس من جماله فقال عتبة بن ربيعة وكان خال عثمان: أنا آتيكم بشماس أحسن منه. فجاء بابن أخته عثمان فسمي شمّاسا. والشماس من رؤوس النصارى يحلق وسط رأسه ويلزم البيعة وليس بعربي صريح. الطاء المهملة طليب- بالتصغير- ابن أزهر بن عبد عوف القرشي الزّهري. طليب بن عمير- بالتصغير- أو عمرو بن وهب أبو عدي.

_ [ (1) ] سعيد بن عمرو التيمي حليف بني سهم ... ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق في مهاجرة الحبشة وقال موسى بن عقبة استشهد باجنادين. [الإصابة 3/ 101] . [ (2) ] سفيان بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي ... ذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب في مهاجرة الحبشة وكانت معه امرأته حسنة وهي والدة شرحبيل وقال الزبير بن بكار هو أخو جميل بن معمر. [الإصابة 3/ 108] . [ (3) ] السكران بن عمرو بن شمس بن عبد ود بن مالك بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري أخو سهيل بن عمرو ... ذكره موسى بن عقبة في مهاجرة الحبشة. [الإصابة 3/ 110] . [ (4) ] سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أخو أبي جهل والحارث يكنى أبا هاشم وذكر عروة وموسى بن عقبة أنه استشهد بأجنادين وبه جزم أبو زرعة الدمشقي وصوبه أحمد. [الإصابة 3/ 119، 120] .

العين المهملة

العين المهملة عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزيّ [ (1) ]- بفتح العين المهملة والنون- ويقال بفتح النون. عامر بن أبي وقاص [ (2) ] ، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب القرشي الزهري أبو عمرو أخو سعد. عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال القرشي الفهري [ (3) ] ، أبو عبيدة. عبد الله بن جحش بن رياب [ (4) ]- براء فمثناة تحتية فألف فباء موحدة- بن يعمر القرشي الأسدي. عبد الله بن الحارث بن قيس القرشي السهمي [ (5) ] . عبد الله بن حذافة بن قيس القرشي السهمي [ (6) ] . عبد الله بن سفيان بن عبد الأسد القرشي المخزومي [ (7) ] . عبد الله بن سهيل بن عمرو العامري، أبو سهيل [ (8) ] .

_ [ (1) ] عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد الله بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل العنزي ... كان أحد السابقين الأولين وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة ثم هاجر إلى المدينة أيضا وشهد بدرا وما بعدها وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبيه عبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير وأبي أمامة بن سهل وغيرهم وذلك في الصحيحين وغيرهما مات سنة اثنتين وثلاثين كذا قال أبو عبيدة وقال الواقدي كان موته بعد قتل عثمان بأيام وقيل في وفاته غير ذلك. [الإصابة 4/ 8] . [ (2) ] عامر بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري ومالك وهو أبو وقاص يكنى أبا عمرو وهو أخو سعد ... ذكره الواقدي وقال أسلم بعد عشرة رجال. [الإصابة 4/ 16] . [ (3) ] عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب ويقال وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري أبو عبيدة بن الجراح مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده ... اتفقوا على أنه مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة وأرخه بعضهم سنة سبع عشرة وهو شاذ. [الإصابة 4/ 11، 12، 13] . [ (4) ] عبد الله بن جحش بن رياب براء تحتانية وآخره موحدة ابن يعمر الأسدي حليف بني عبد شمس ... أحد السابقين قال ابن حبان له صحبة وقال ابن إسحاق هاجر إلى الحبشة وشهد بدر. وكان قاتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق ودفن هو وحمزة في قبر واحد وكان له يوم قتل نيف وأربعون سنة. [الإصابة 4/ 46] . [ (5) ] عبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعيد بن سعد بن سهم القرشي السهمي.. ذكره ابن إسحاق وغره فيمن هاجر إلى الحبشة مات بالحبشة. [انظر الإصابة 4/ 52] . [ (6) ] عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي أبو حذافة وأبو حذيفة وأمه بنت حربان من بني الحارث بن عبد مناة من السابقين الأولين ... يقال شهد بدرا وقال أبو نعيم: توفي بمصر في خلافة عثمان. [الإصابة 4/ 55، 56] . [ (7) ] عبد الله بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي ابن أخي أبي سلمة وأمه بنت عبد بن أبي قيس بن عبد الله من بني عامر بن لؤي ... [الإصابة 4/ 79] . [ (8) ] عبد الله بن سهيل بن عمرو أبو سهيل أمه فاطمة بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف ... قال ابن مندة لا يعرف له رواية وذكره ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة وروى ابن مندة في مغازي ابن عائذ بسنده إلى ابن عباس قال وممن هاجر إلى الحبشة عبد الله بن سهيل بن عمرو. [الإصابة 4/ 83] .

عبد الله بن شهاب بن عبد الله القرشي الزهري [ (1) ] . عبد الله بن عبد أسد بن هلال القرشي المخزومي، أبو سلمة، هاجر الهجرتين، ويقال إنه أول من هاجر إلى الحبشة هو وامرأته. عبد الله بن عرفطة- بضم العين وإسكان الراء ففاء مضمومة وطاء مهملة مفتوحة. عبد الله بن قيس بن سليم أبو موسى الأشعري. ذكره فيهم ابن إسحاق. قال أبو عمر: ليس كذلك ولكنه خرج في طائفة من قومه من أرضهم باليمن يريد المدينة فركبوا البحر فرمتهم الريح إلى الحبشة فأقام هناك حتى قدم مع جعفر. قلت: وقد روى البيهقي وغيره بسند صحيح عن أبي موسى في حديث الهجرة إلى الحبشة وفيه: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم أن ننطلق مع جعفر إلى أرض الحبشة. فذكر الحديث. قال البيهقي: وظاهره يدل على أن أبا موسى كان بمكة وأنه خرج مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة. والصحيح ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، الحديث. وقال الحافظ في الفتح: ويؤيد ما ذكره ابن إسحاق ما رواه الإمام أحمد بسند حسن عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا فيهم عبد الله بن مسعود وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى الأشعري. فذكر الحديث. وقد استشكل ذكر أبي موسى فيهم لأن المذكور في الصحيح أن أبا موسى خرج من بلاده هو وجماعة قاصدين النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فألقتهم السفينة بأرض الحبشة فحضروا مع جعفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر. ويمكن الجمع بأن يكون أبو موسى هاجر أولا إلى مكة فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع من بعث إلى الحبشة فتوجه هو إلى بلاد قومه وهي مقابل الحبشة من الجانب الشرقي، فلما تحققوا استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة هاجر هو ومن أسلم من قومه إلى المدينة فألقتهم السفينة لأجل هيجان الرّيح إلى الحبشة. فهذا محتمل، وفيه جمع بين الأخبار. فليعتمد واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب الزهري وهو الذي قبله وهو جد الزهري من قبل أمه ... وكان من السابقين ذكره الزهري والزبير وغيرهما فيمن هاجر إلى الحبشة ومات بمكة قبل هجرة المدينة. [الإصابة 4/ 85] .

وعلى هذا قول أبي موسى: «بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم» أي إلى المدينة وليس المراد: بلغنا مبعثه. ويؤيده أنه يبعد كلّ البعد أن يتأخر علم مبعثه إلى مضيّ نحو عشرين سنة مع الحمل على مخرجه إلى المدينة فلا بد من زيادة استقراره بها وانتصافه ممن عاداه ونحو ذلك، وإلا فيبعد أن يخفى عليهم خبر خروجه إلى المدينة ست سنين. ويحتمل أن إقامة أبي موسى بأرض الحبشة طالت لأجل تأخر جعفر عن الحضور إلى المدينة حتى يأتيه الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوم. عبد الله بن مخرمة القرشي العامري. عبد الله بن غافل- بمعجمة وفاء- الهذلي. عبد الله بن مظعون بن وهب القرشي الجمحي [ (1) ] أخو عثمان. عبيد الله بن جحش، تنصّر هناك ثم توفي على النصرانية. عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري. عتبة بن غزوان- بغين معجمة مفتوحة فزاي ساكنة- ابن جابر المازني- بالزاي والنون. عتبة بن مسعود الهذلي أخو عبد الله. عثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب القرشي الجمحي [ (2) ] . عثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبي شداد القرشي الفهري [ (3) ] . عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية القرشي الأموي. عثمان بن مظعون- بالظاء المعجمة المشالة- ابن حبيب بن وهب القرشي الجمحي. عدي بن نضلة- أو نضيلة بالتصغير- القرشي العدوي، مات بأرض الحبشة. عروة بن أبي أثاثة- ويقال ابن أثاثة بإسقاط أبي- ابن عبد العزى القرشي العدوي.

_ [ (1) ] عبد الله بن مظعون الجمحي يكنى أنا بمحمد وأمه مخيلة بنت النعمان بن وهبان ذكره ابن إسحاق وابن عقبة في البدريين وذكر ابن عائد في المغازي في مهاجرة الحبشة قدامة وعبد الله ابنا مظعون. [الإصابة 4/ 131] . [ (2) ] عثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي ... ذكره ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة. [الإصابة 4/ 220] . [ (3) ] عثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحرث بن فهر القرشي الفهري ... ذكره ابن إسحاق وغيره في مهاجرة الحبشة وقال البلاذري أقام بها حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب. [الإصابة 4/ 222] .

عمار بن ياسر بن عامر العنسي- بالنون- أبو اليقظان. اختلف في هجرته إلى الحبشة قال السهيلي: والأصح عند أهل السير كابن عقبة والواقدي وغيرهما إنه لم يكن فيهم. عمرو بن رئاب بن حذيفة السهمي. عمرو بن أمية بن الحارث الأسدي. مات بأرض الحبشة [ (1) ] . عمرو بن جهم بن قيس العبدري [ (2) ] . عمرو بن الحارث بن زهير الفهري [ (3) ] . عمرو بن سعيد بن العاصي القرشي الأموي [ (4) ] . عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد التيمي عم طلحة [ (5) ] . عمرو بن أبي سرح [ (6) ]- بسين فراء ساكنة فحاء مهملات- ابن ربيعة الفهري. عمير بن رئاب [ (7) ]- براء مكسورة فمثناة تحتية مهموزة- فموحدة- ابن حذيفة القرشي السّهمي. عيّاش- بالمثناة التحتية والشين المعجمة- ابن أبي ربيعة [ (8) ] واسمه عمرو بن المغيرة القرشي المخزومي. عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة القرشي الفهري [ (9) ] .

_ [ (1) ] عمرو بن أمية بن الحرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي ... ذكره الواقدي والطبري وغيرهما فيمن هاجر إلى أرض الحبشة ومات بها. [الإصابة 4/ 285] . [ (2) ] عمرو بن جهم بن قيس بن عبد شراحيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العبدري ... ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة. [الإصابة 4/ 291] . [ (3) ] عمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال الفهري يكنى أبا نافع وقيل اسمه جابر ... ذكره ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة وذكره هو وموسى بن عقبة فيمن شهد بدرا. [الإصابة 4/ 291] . [ (4) ] عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ... يكنى أبا عقبة القرشي الأموي وقال ابن منده كان من مهاجرة الحبشة قتل بأجنادين في خلافة أبي بكر قال ابن إسحاق لا عقب له. [الإصابة 4/ 300] . [ (5) ] عمرو بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي ... ذكره ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة وأمه هند بنت الشاع الليثية وقال البلاذري وغيره استشهد بالقادسية سنة خمس عشرة وليس له عقب. [الإصابة 5/ 7] . [ (6) ] عمرو بن أبي سرح بفتح المهملة ثم السكون وآخره مهملة ابن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحرث بن فهر الفهري يكنى أبا سعد ... ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة وفيمن شهد بدرا مات سنة ثلاثين في خلافة عثمان. [الإصابة 4/ 299] . [ (7) ] عمير بن رئاب بكسر الراء وتحتانية مثناة مهموزة ابن حذيفة بن مهشم بن سعيد بالتصغير ابن سهم القرشي السهمي ... كذا نسبه ابن إسحاق والجمهور. [الإصابة 5/ 32] . [ (8) ] عياش بن أبي ربيعة واسمه عمرو ويلقب ذا الرمحين ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة ... وكان من السابقين الأولين وهاجر الهجرتين مات سنة خمس عشرة بالشام في خلافة عمر وقيل استشهد باليمامة وقيل باليرموك. [الإصابة 5/ 47] . [ (9) ] عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحرث بن فهر القرشي الفهري ... ذكره موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهما فيمن هاجر إلى الحبشة وفي من شهد بدرا. [الإصابة 5/ 49] .

الفاء

الفاء فراس- بالسين المهملة- ابن النضر بن الحارث العبدري [ (1) ] . القاف قدامة بن مظعون بن حبيب القرشي الجمحي [ (2) ] . قيس بن حذافة بن قيس القرشي السهمي [ (3) ] . قيس بن عبد الله الأسدي [ (4) ] . الميم مالك بن زمعة بن قيس العامري أخو أم المؤمنين سودة [ (5) ] . محمد بن حاطب بن الحارث القرشي الجمحي [ (6) ] . محمية- بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثانية بعدها مثناة تحتية مفتوحة- ابن جزء- بفتح الجيم وسكون الزاي ثم همزة- ابن عبد يغوث الزّبيدي- بضم الزاي وبالدال المهملة. مصعب بن عمير بن هاشم العبدري، ويقال إنه أول من هاجر إليها. المطّلب بن أزهر بن عبد عوف القرشي الزهري [ (7) ] .

_ [ (1) ] فراس بن النضر بن الحرث بن علقمة بن كندة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العبدري يكنى أبا الحرث ... ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة وقتل يوم اليرموك شهيدا. [الإصابة 5/ 205] . [ (2) ] قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي أخو عثمان يكنى أبا عمرو ... كان أحد السابقين الأولين هاجر الهجرتين وشهد بدرا قال البخاري له صحبة وقال ابن السكن يكنى أبا عمرو أسلم قديما وكان تحته صفية بنت الخطاب أخت عمر مات سنة ست وثلاثين في خلافة علي وهو ابن ثمان وستين سنة وحكى ابن حبان فيه قولا آخر فقال: يقال إنه مات سنة سنت وخمسين. [الإصابة 5/ 232، 233، 234] . [ (3) ] قيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي السهمي ... ذكره ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة وكذا ذكره الواقدي قال وقدم بعد ذلك مكة وهاجر إلى المدينة. [الإصابة 5/ 249] . [ (4) ] قيس بن عبد الله الأسدي ... ذكره موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى الحبشة وكانت ابنته آمنة ظئر أم حبيبة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان هو ظئر عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة الذي تنصر في الحبشة وقال ابن سعد كان قديم الإسلام بمكة وهاجر في الثانية إلى الحبشة ومعه امرأته بركة بنت يسار. [الإصابة 5/ 260] . [ (5) ] مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس العامري أخو سودة أم المؤمنين ... كان من مهاجرة الحبشة الهجرة الثانية ومعه امرأته عميرة بنت السعدي بن وقدان. [الإصابة 6/ 25] [ (6) ] محمد بن حاطب بن الحرث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بين جمح أبو القاسم القرشي الجمحي وقيل أبو إبراهيم وقيل أبو وهب أمه أم جميل بنت المجلل العامرية ... [الإصابة 6/ 52] . [ (7) ] المطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري ابن عم عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف ... ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة قال فمات بها. [الإصابة 6/ 104] .

النون

معبد بن الحارث بن قيس القرشي السهمي، ويقال اسمه معمر [ (1) ] . معتّب بن عوف، يعرف بابن الحمراء الخزاعي [ (2) ] . معمر بن الحارث. تقدّم في معبد. معمر بن عبد الله بن نضلة [ (3) ] ، ويقال ابن عبد الله، بن نافع بن نضلة العدوى. معيقيب- بميم مضمومة فعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فقاف مكسورة فمثناة تحتية فموحدة- ابن فاطمة الدوسى- بفتح الدال المهملة وسكون الواو. المقداد بن الأسود الكندي. تبنّاه الأسود بن عبد يغوث الزهري وهو حليف له فنسب إليه وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك البهراني- بفتح الموحدة وسكون الهاء وقبل ياء النسب نون. النون نبيه بن عثمان بن ربيعة القرشي الجمحي [ (4) ] . النعمان بن عدي بن نضلة العدوي [ (5) ] . الهاء هاشم بن أبي حذيفة بن المغيرة القرشي المخزومي، ويقال اسمه هشام [ (6) ] . هبّار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال القرشي المخزومي [ (7) ] . هشام بن عتبة. تقدم في هاشم.

_ [ (1) ] معبد بن الحرث بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي السهمي ... ذكرها ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة. [الإصابة 6/ 127] . [ (2) ] معتب بن عوف المعروف بابن الحمراء الخزاعي ... ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة وفيمن شهد بدرا قال ابن البرقي يقال له ابن الحمراء ويقال له ميعانة. [الإصابة 6/ 122] . [ (3) ] معمر بن عبد الله بن نضلة بن نافع بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي القرشي العدوي ... أسلم قديما وهاجر الهجرتين وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعن عمر روى عنه سعيد بن المسيب وبشر بن سعيد وعبد الرحمن بن جبير وعبد الرحمن بن عقبة مولاه. [الإصابة 6/ 127/ 128. [ (4) ] نبيه بن عثمان بن ربيعة بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي ... ذكره الواقدي فيمن هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية قال وكان قديم الإسلام. [الإصابة 6/ 243] . [ (5) ] النعمان بن عدي بن نضلة العدوي انظر ترجمته في الإصابة 6/ 243. [ (6) ] هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي. ذكره ابن إسحاق والزبير بن بكار فيمن هاجر إلى الحبشة وسماه الواقدي هاشما. [الإصابة 6/ 285] . [ (7) ] هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي أمه فاختة بنت عامر بن قرظة القشيرية وأخواه لأمه حزن وهبيرة ابنا أبي وهب المخزوميان ... [انظر الإصابة 6/ 279] .

الياء

هشام بن العاصي بن وائل بن هاشم [ (1) ] أخو عمرو. الياء يزيد بن زمعة بن الأسود القرشي الأسدي [ (2) ] . يسار أبو فكيهة أحد المعذّبين في اللَّه. الكنى أبو الرّوم- بالراء- ابن عمير بن هاشم العبدري أخو مصعب. أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى القرشي العامري [ (3) ] . أبو سلمة بن عبد الأسد هو عبد الله [ (4) ] . أبو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبد الله أبو فكيهة- بضم الفاء وفتح الكاف- هو يسار. أبو قيس بن الحارث بن قيس بن عديّ السّهمي [ (5) ] . النساء أسماء بنت عميس- بعين مهملة مضمومة فميم مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فسين مهملة- ابن معد- بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة وزن سعد- ابن الحارث الخثعمية. أمينة: تأتي في همينة. بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب. حريملة بنت عبد الأسود [ (6) ] الخزاعية. ماتت بأرض الحبشة ويقال في اسمها حرملة بغير ياء.

_ [ (1) ] انظر ترجمته في الإصابة 6/ 286. [ (2) ] يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي أمه قرينة بنت أبي أمية أخت أم سلمة ... وكان من السابقين هاجر إلى أرض الحبشة قاله ابن الكلبي. [الإصابة 6/ 340] . [ (3) ] أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي القرشي العامري ... أحد السابقين إلى الإسلام وهاجر إلى الحبشة في الثانية ومعه أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو وشهد بدرا في قول جميعهم وأمّه برّة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أن مات في خلافة عثمان قال الزبير لا نعلم أحدا من أهل بدر رجع إلى مكة فسكنها غيره. [الإصابة 7/ 81] . [ (4) ] أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي ... أحد السابقين إلى الإسلام اسمه عبد الله. [الإصابة 7/ 90] . [ (5) ] أبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي ... كان من السابقين إلى الإسلام ومن مهاجرة الحبشة شهد أحدا وما بعدها. [الإصابة 7/ 157، 158] . [ (6) ] حريملة بنت عبد الأسود بن جذيمة بن قيس بن بياضة بن سبيع الخزاعية ... ماتت بأرض الحبشة كذا ذكرها الطبري وأوردها ابن عبد البر وقال ابن سعد حرملة بغير تصغير أسلمت قديما وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جهم بن قيس فولدت له عبد الله وعمرا وحرملة فكانت تكنى أم حرملة فهلكت هناك. [الإصابة 8/ 51] .

حسنة بلفظ ضد السّيئة أم شرحبيل. خزيمة بنت جهم بن قيس العبدريّة [ (1) ] . رقيّة- بضم الراء وفتح القاف وتشديد المثناة التحتية- بنت سيد الخلائق. وذكر ابن قدامة أن نفرا من الحبش كانوا ينظرون إليها فتأذّت من ذلك فدعت عليهم فهلكوا جميعا. رملة بنت أبي عوف القرشية السهمية [ (2) ] . ريطة- بفتح الراء وسكون المثناة التحتية- بنت الحارث بن جبلة القرشية التميمية ويقال في اسمها رايطة. سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشية العامرية [ (3) ] . سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية أم المؤمنين. عميرة- ويقال عمرة- بنت أسعد بن وقدان- بفتح الواو وسكون القاف القرشية العامرية. فاطمة بنت صفوان بن أمية [ (4) ] . فاطمة بنت علقمة بن عبد الله القرشية العامرية [ (5) ] . فاطمة بنت المجلّل بضم الميم وفتح الجيم واللام المشددة- ابن عبد الله القرشية العامرية. فكيهة بنت يسار السابق. ليلى بنت أبي خيثمة بن غانم العدوية. همينة بنت خلف بن أسعد الخزاعية ويقال في اسمها أمينة [ (6) ] .

_ [ (1) ] خزيمة بنت جهم بن قيس العبدرية ... هاجرت مع أبيها وأمها خولة بنت الأسود أم حرملة إلى أرض الحبشة قاله أبو عمر. [الإصابة 8/ 64] . [ (2) ] رملة بنت أبي عوف بن صبرة بن سعيد بن سهم زوج المطلب بن أزهر بن عوف الزهري ... ذكرها ابن إسحاق في تسمية من أسلم من أهل مكة وهاجر إلى الحبشة قال وولدت المطلب بن أزهر بن عوف الزهري هناك عبد الله بن المطلب قال: يقال إنه أول من ورث أباه في الإسلام. [الإصابة 8/ 86] . [ (3) ] سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشية العامرية. [انظر الإصابة 8/ 115] . [ (4) ] فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن حمل بن شق بن رقية بن محرج الكنانية امرأة عمرو بن أبي احيحة سعيد بن العاص ... ذكرها ابن إسحاق في تسمية من هاجر من بني أمية إلى الحبشة فقال وعمرو بن سعيد ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية وماتت بها. [الإصابة 8/ 162] . [ (5) ] فاطمة بنت علقمة بن عبد الله بن أبي قيس أم قهطم العامرية ... هاجرت مع زوجها سليط بن عمرو إلى الحبشة فولدت له سليط بن سليط ... [الإصابة 8/ 164] . [ (6) ] همينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبع الخزاعية ... قال ابن سعد أسلمت قديما وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها خالد بن سعيد فولدت له هناك سعيدا وأمية فتزوج ابن الزبير بعد أمية. [الإصابة 8/ 202] .

من ولد بأرض الحبشة

هند بنت أبي أمية [ (1) ]- واسمه حذيفة، وقيل سهل بن المغيرة- القرشية المخزومية، أم المؤمنين أم سلمة. أم حرملة بنت عبد الأسود بن خزيمة الخزاعية [ (2) ] . أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو القرشية العامرية. من ولد بأرض الحبشة عبد الله وعون ومحمد أولاد جعفر بن أبي طالب من أسماء بنت عميس. سعيد وأمة- بفتح الهمزة والميم بغير إضافة- ابنا خالد بن سعيد من أمية بنت خلف. عبد الله بن المطلب من رملة بنت أبي عوف. محمد بن أبي حذيفة من سهلة بنت سهيل. محمد والحارث ابنا حاطب من فاطمة بنت المجلّل. روى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن محمد بن حاطب قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إني قد رأيت أرضا ذات نخل فاخرجوا. قال: فخرج حاطب وجعفر في البحر قبل النجاشي. قال: فولدت أنا في البحر في تلك السفينة. موسى وعائشة وزينب أولاد الحارث بن خالد من ريطة.

_ [ (1) ] هند بنت أبي أمية واسمه حذيفة وقيل سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية أم المؤمنين أم سلمة مشهورة بكنيتها معروفة باسمها وكان أبوها يلقب زاد الراكب لأنه كان أحد الأجواد فكان إذا سافر لم يحمل أحد معه من رفقته زادا بل هو كان يكفيهم وأمها عاتكة بنت عامر كنانية من بني فراس وكانت تحت أبي سلمة بن عبد الأسد وهو ابن عمها ... وهاجرت معه إلى الحبشة ثم هاجرت إلى المدينة فيقال إنها أول ظعينة دخلت إلى المدينة مهاجرة ولما مات زوجها من الجراحة التي أصابته خطبها النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال الواقدي: ماتت في شوال سنة تسع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة ولها أربع وثمانون سنة. [الإصابة 8/ 203، 204] . [ (2) ] أم حرملة بنت عبد الأسود بن خزيمة بن أقش بن عامر بن بياضة الخزاعية. [الإصابة 8/ 223] .

الباب العشرون في إرادة أبي بكر رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة

الباب العشرون في إرادة أبي بكر رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة قالت عائشة رضي اللَّه عنها: لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم في النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنّة وهو سيّد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي عز وجل- فقال ابن الدغنّة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج [ولا يخرج] إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار فارجع واعبد ربّك ببلدك. وكان مع أبي بكر الحارث بن خالد، فقال أبو بكر: فإن معي رجلا من عشيرتي. فقال له ابن الدغنة: دعه فليمض لوجهه وارجع أنت إلى عيالك. فقال له أبو بكر: فأين حق المرافقة؟ فقال الحارث: أنت في حلّ فامض فإني سأمضي لوجهي مع أصحابي. فمضى حتى صار إلى الحبشة. فرجع أبو بكر وارتحل معه ابن الدغنّة فطاف ابن الدغنة في أشراف كفار قريش فقال: أن أبا بكر لا يخرج مثله أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكلّ ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟! فلم تكذّب قريش بجوار ابن الدغنة. وفي رواية: فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره وليصلّ فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر. فلبث أبو بكر كذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلّي فيه فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين وأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فأته فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبي إلا أن يعلن بذلك فسله أن يردّ عليك ذمّتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان. فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر

تنبيه في بيان غريب ما سبق

على ذلك وإما أن ترجع إليّ ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فإني أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار اللَّه تعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: إني أريت دار هجرتكم بسبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي. فقال أبو بكر: هل ترجو ذلك؟ قال: نعم [ (1) ] . وسيأتي بقية الحديث في باب الهجرة إلى المدينة. رواه البخاري والبلاذريّ وغيرهما. وروى ابن إسحاق عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: لقيه- يعني أبا بكر الصديق- حين خرج من جوار ابن الدغنة سفيه من سفهاء قريش وهو عامد إلى الكعبة فحثا على رأسه ترابا فمرّ بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاصي بن وائل فقال له أبو بكر: ألا ترى ما يصنع هذا السفيه؟ فقال: أنت صنعت هذا بنفسك. قال وهو يقول: أي ربّ ما أحلمك، أي رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك! ثلاثا. تنبيه في بيان غريب ما سبق الدّين: بالنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الإسلام، أو هو مفعول به على التجوز. ابتلي المسلمون: أي بأذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن النبي صلى الله عليه وسلّم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة. برك- بباء موحدة مفتوحة وتكسر فراء ساكنة فكاف. الغماد بغين معجمة مكسورة وقد تضم فميم مخففة فألف فدال مهملة: موضع على خمس ليال من مكة. ابن الدّغنّة- بدال مهملة فغين مضمومتين فنون مشددة عند أهل اللغة، وعند أهل الرواية: بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون. وثبت بالتخفيف والتشديد عند بعض رواة الصحيح وهي أمّه وقيل أم أبيه ومعنى الدغنّة: المسترخية، وأصلها الغمامة الكثيرة المطر. واختلف في اسمه فقال الزهري، كما رواه البلاذري: الحارث بن يزيد. وحكى السّهيلي أن اسمه مالك.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 75 وانظر البداية والنهاية 3/ 184.

القارة- بالقاف وتخفيف الراء- وهي قبيلة مشهورة من بني الهون- بالضم والتخفيف- ابن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر، ويضرب بهم المثل في قوة الرّمي. قال الشاعر: قد أنصف القارة من راماها أسيح- بسين وحاء مهملتين بينهما مثناة تحتية: أسير. لا يخرج مثله. بفتح أوله أي من وطنه باختياره على نية الإقامة في غيره مع ما فيه من النفع المتعدّي لأهل بلده ولا يخرج بضم أوله أي ولا يخرجه أحد بغير اختياره للمعنى المذكور. فلم تكذّب قريش: أي لم تردّ عليه قوله في أمان أبي بكر، وكل من كذّبك فقد ردّ عليك قولك، فأطلق التكذيب وأراد لازمه. بجوار- بكسر الجيم وضمها وآخره راء. الفناء- بكسر الفاء وتخفيف النون: سعة أمام البيت وقيل ما امتد من جوانبه. بدا- ظهر له رأي غير الأول. يتقصّف [ (1) ] : بمثناة تحتية فمثناة فوقية فقاف فصاد مهملة مشددة مفتوحتين: يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر، وأطلق يتقصّف مبالغة. بكّاء: بالتشديد: كثير البكاء. ذمتك: أمانك. نخفرك [ (2) ]- بضم أوله وبالخاء المعجمة وبالفاء. مقرّين لأبي بكر الاستعلان: أي لا نسكت عن الإنكار عليه للمعنى الذي ذكروه. بجوار اللَّه: أي أمانه وحمايته. قبل المدينة- بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المدينة. على رسلك: بكسر الراء: أي على مهلك، والرّسل السير الرفيق. ودل قول أبي بكر رضي اللَّه عنه: ما أحلمك على جواز قول: ما أعظم اللَّه. وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب «رياض الأبرار في الدعوات والأذكار» واللَّه أعلم.

_ [ (1) ] اللسان 4/ 3654. [ (2) ] لسان العرب 2/ 1209.

الباب الحادي والعشرون في نقض الصحيفة الظالمة

الباب الحادي والعشرون في نقض الصحيفة الظالمة قال ابن إسحاق: ثم إنه قام في نقض الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب جماعة من قريش، ولم يبل فيها بلاء أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن الحارث رضي اللَّه عنه. وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه، فكان هشام لبني هاشم واصلا، وكان ذا شرف في قومه فكان يأتي ليلا بالبعير قد أوقره طعاما بالليل وبنو هاشم وبنو المطلب بالشّعب حتى إذا أقبله فم الشّعب قلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه فيدخل عليهم الشعب، ويأتي بالبعير وقد أوقره برّا فيفعل مثل ذلك. قال ابن سعد: وكان أوصل قريش لبني هاشم حين حصروا في الشعب، أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعاما، فعلمت بذلك قريش فمشوا إليه حين أصبح فكلّموه في ذلك فقال: إني غير عائد لشيء خالفكم. فانصرفوا عنه. ثم عاد الثانية فأدخل عليهم ليلا حملا أو حملين فغالظته قريش وهمّت به. فقال أبو سفيان بن حرب: دعوه، رجل وصل أهل رحمه، أما إني أحلف باللَّه لو فعلنا مثل ما فعل كان أحسن بنا. ثم إن هشاما مشى إلى زهير بن أبي أمية رضي اللَّه عنه، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يبايعون ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم؟ أما إني أحلف باللَّه أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه. فقال: ويحك يا هشام فماذا أصنع إنما أنا رجل واحد واللَّه لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها. قال: قد وجدت رجلا. قال: من هو؟ قال: أنا: فقال له زهير: ابغنا رجلا ثالثا. فذهب إلى المطعم بن عدي فقال له: يا مطعم أرضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه؟ أما واللَّه لئن مكّنتموهم من هذه لتجدنّهم إليها منكم سراعا. فقال: ويحك فماذا أصنع إنما أنا رجل واحد. قال: قد وجدت ثانيا. قال: من هو؟ قال: أنا. قال: ابغنا ثالثا. قال: قد فعلت. قال: من هو؟ قال زهير بن أبي أمية. قال: ابغنا رابعا. فذهب إلى أبي البختريّ بن هشام فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي فقال: وهل أحد يعين على هذا الأمر؟ قال: نعم. قال: من هو؟ قال: زهير بن أمية والمطعم بن عديّ وأنا معك. قال: ابغنا خامسا. فذهب إلى زمعة بن الأسود فكلّمه وذكر له قرابتهم وحقّهم فقال: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم وسمّى له القوم.

وعند الزبير بن أبي بكر: أن سهيل ابن بيضاء الفهري هو الذي مشى إليهم في ذلك، ويؤيده قول أبي طالب في قصيدته الآتية: هم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا وزاد ابن سعد في الجماعة: عديّ بن قيس. وأسلم منهم هشام وزهير وسهيل وعديّ ابن قيس. فاتّعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة، فاجتمعوا هنالك، فأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام في نقض الصحيفة حتى ينقضوها، وقال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم. فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير وعليه حلّة فطاف بالبيت ثم أقبل علي الناس فقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون ولا يبتاع منهم؟ واللَّه لا أقعد حتى تشقّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل، وكان في ناحية المسجد: كذبت واللَّه لا تشقّ. قال زمعة بن الأسود: أنت واللَّه أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت. قال أبو البختريّ: صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقرّ به. قال المطعم: صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى اللَّه منها ومما كتب فيها. وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك. فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل تشوور فيه في غير هذا المكان. وأبو طالب جالس في ناحية المسجد. وقال المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا: «باسمك اللهم» كما تقدم. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: إنهم مكثوا محصورين في الشّعب ثلاث سنين. رواه أبو نعيم. وقال محمد بن عمر الأسلمي: سألت محمد بن صالح وعبد الرحمن بن عبد العزيز: متى خرج بنو هاشم من الشعب؟ قالا: في سنة عشر يعني من المبعث قبل الهجرة بثلاث سنين. وقال صاعد في الفصوص: أنه صلى الله عليه وسلم خرج من الشعب وله تسع وأربعون سنة قال ابن إسحاق: فلما مزّقت الصحيفة وبطل ما فيها قال أبو طالب فيما كان من أمر أولئك النفر الذين قاموا في نقضها يمدحهم:

[تفسير الغريب]

ألا هل أتى بحريّنا صنع ربّنا ... على نأيهم واللَّه بالنّاس أرود فيخبرهم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه اللَّه مفسد ترواحها إفك وسحر مجمّع ... ولم يلف سحر آخر الدّهر يصعد فمن ينس من حضّار مكّة عزّة ... فعزّتنا في بطن مكّة أتلد نشأنا بها والنّاس فيها قلائل ... فلم ننفكك نزداد خيرا ونحمد ونطعم حتّى يترك النّاس فضلهم ... إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد جزى اللَّه رهطا بالحجون تتابعوا ... على ملاء يهدي لحزم ويرشد قعود لدى خطم الحجون كأنّهم ... مقاولة بل هم أعزّ وأمجد أعان عليها كلّ صقر كأنّه ... إذا ما مشى في رفرف الدّرع أحرد جريء على جلّى الخطوب كأنّه ... شهاب بكفّي قابس يتوقّد من الأكرمين من لؤي بن غالب ... إذا سيم خسفا وجهه يتربّد ألظّ بهذا الصّلح كلّ مبرّأ ... عظيم اللّواء أمره ثمّ يحمد قضوا ما قضوا في ليلهم ثمّ أصبحوا ... على مهل وسائر النّاس رقّد هم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسرّ أبو بكر بها ومحمّد متى شرك الأقوام في جلّ أمرنا ... وكنّا قديما قبلها نتودّد فيا لقصيّ هل لكم في نفوسكم ... وهل لكم فيما يجيء به عد فإنّي وإيّاكم كما قال قائل ... لديك بيان لو تكلّمت أسود [ (1) ] [تفسير الغريب] البحريّ: هنا يراد به من كان هاجر من المسلمين إلى الحبشة في البحر. نأيهم: بعدهم. أرود: أرفق. يراوحها بمثناة تحتية فراء فألف فواو فحاء مهملة أي تعتمد على الإفك مرة وعلى السّحر المجمع أخرى. يلف: بالفاء: يوجد. فمن ينس: أراد ينسى فحذف الألف. أتلد: أقدم. الخير: الكرم.

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 2/ 124، 125 والبداية والنهاية 3/ 97، 98.

المفيضون [ (1) ] : بميم مضموم ففاء مكسورة فمثناة تحتية فضاد معجمة: المراد بهم ها هنا: الضاربون بقداح الميسر، وكان لا يفيض معهم في الميسر إلا سخيّ. الحجون: بحاء مهملة مفتوحة فجيم مضمومة: موضع بأعلى مكة. خطم الحجون: قال في الصحاح الخطمة بالضم: رعن الجبل أي أنفه المتقدم. وقال في موضع آخر: أنف كل شيء أوله وأنف الجبل بارز يشخص منه. الرّهط: بسكون الهاء وتحريكها دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى الأربعين. الملأ: جماعة الناس وأشرفهم. المقاولة: الملوك. رفرف الدرع: ما فضل من درعها. أحرد: بالحاء والدال المهملتين: بطيء المشي لثقل الدرع التي عليه. جلّ الخطوب: معظمها ويروي جلّى وهي الأمر العظيم. قابس: موقد. سيم: بكسر أوله كلّف. الخسف: بالخاء المعجمة والسين المهملة: الذل. يتربّد: بالراء والباء الموحدة: يتغير إلى السواد. ألظّ [ (2) ] : لزم ولحّ. أسود: قال الخشني اسم رجل وأراد يا أسود، وهو مثل يضرب للقادر على الشيء ولا يفعله. وقال السهيلي: هو هنا اسم جبل كان قتل عنده قتيل لم يعرف قاتله، فقال أولياء المقتول هذه المقالة، يعنون بها أن هذا الجبل لو تكلّم لأبان عن القاتل ويعرف الجاني، ولكنه لا يتكلم فذهبت مقالتهم مثلا.

_ [ (1) ] لسان العرب 45/ 3501. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 827.

الباب الثاني والعشرون في إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه

الباب الثاني والعشرون في إسلام الطّفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه روى ابن سعد عن أبي عون الدّوسي، والبيهقي عن ابن إسحاق، وابن جرير وأبو الفرج الأموي عن العباس بن هشام، عن أبيه إن الطفيل بن عمرو حدّث أنه قدم مكة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرّق جماعتنا وشتّت أمرنا، وإنما قوله كالسّحر يفرّق بين المرء وأبيه وبين الرجل وأخيه وبين الرجل وزوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تسمع منه. قال: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلّمه وحتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله. فغدوت إلى المسجد فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه، فأبى اللَّه تعالى إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي: أني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت؟ فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتبعته فقلت: إنّ قومك قد قالوا لي كذا وكذا، وإني شاعر فاسمع ما أقول. فقال النبي صلى الله عليه وسلم هات. فأنشدته. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: وأنا أقول فاسمع. ثم قرأ: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ إلى آخرها وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخرها وعرض عليّ الإسلام فلا واللَّه ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وقلت: يا نبي اللَّه إني امرء مطاع في قومي، وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم. فقال: اللهم اجعل له آية. فخرجت إلى قومي في ليلة مطيرة ظلماء حتى إذا كنت بثنيّة تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح. فقلت: اللهم في غير وجهي إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي فتحوّل فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلّق، وأنا أهبط عليهم من الثنيّة حتى جئتهم فلما نزلت أتاني أبي فقلت: إليك عني يا أبت فلست مني ولست منك. فقال: لم يا بني؟ فقلت: قد أسلمت وتابعت دين محمد. أي بنيّ فديني دينك. فقلت: اذهب فاغتسل وطهّر ثيابك ففعل ثم جاء، فعرضت عليه الإسلام فأسلم. ثم أتتني صاحبتي فقلت:

تفسير الغريب

إليك عنّي فلست منك ولست منّي قالت: ولم بأبي أنت وأمي؟ قلت: فرّق بيني وبينك الإسلام وتابعت دين محمد قالت: فديني دينك. فقلت: اذهبي فتطهّري ففعلت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت ولم تسلم أمي. ثم دعوت دوسا فأبطئوا عليّ ثم جئت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي اللَّه إنه قد غلبني على دوس الزّنا فادع اللَّه عليهم. فقال: اللهم اهد دوسا وائت بهم. ارجع إلى قومك وارفق بهم [ (1) ] . فرجعت فلم أزل بأرض قومي أدعوهم حتى هاجر النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق فقدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمن أسلم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين. وقال الطّفيل لمّا أسلم: ألا بلّغ لديك بني لؤيّ ... على الشّنآن والغضب المردّي بأنّ اللَّه ربّ النّاس فرد ... تعالى جدّه عن كلّ ندّ وأنّ محمّدا عبد رسول ... دليل هدى وموضح كلّ رشد رأيت له دلائل أنبأتني ... بأنّ سبيله يهدي لقصد وأنّ اللَّه جلّله بهاء ... وأعلى جدّه في كل جدّ وقالت لي قريش عدّ عنه ... فإنّ مقاله كالغرّ يعدي فلمّا أن أملت إليه سمعي ... سمعت مقاله كمشهور شهد وألهمني هدايا اللَّه عنه ... وبدّل طالعي نحسي بسعدي ففزت بما حباه اللَّه قلبي ... وفاز محمّد بصفاء ودّي تفسير الغريب أعضل بنا: أي اشتد أمره، يقال أعضل الأمر إذا اشتد ولم يوجد له وجه منه الداء المعضل. الكرسف: بضم الكاف وإسكان الراء وضم السين المهملة ففاء وهو القطن. الثنيّة: الطريق في الجبل. الحاضر: القوم النازلون على الماء. أبطأوا: بهمزة مضمومة آخره أي تأخروا.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 4/ 179.

الباب الثالث والعشرون في قصتي الإراشي والزبيدي اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما

الباب الثالث والعشرون في قصتي الأراشيّ والزّبيديّ اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما قال ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي وكان واعية، قال: قدم رجل من إراش بإبل له فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فمطله بأثمانها، فأقبل حتى وقف على نادي قريش ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، فقال: يا معشر قريش من رجل يعينني على أبي الحكم بن هشام؟ فإني غريب وابن سبيل وقد غلبني على حقّي. فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل- لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم من العداوة، اذهب إليه فهو يعينك عليه. فأقبل الإراشيّ حتى وقف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقام معه فلما قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع. وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ قال محمد. فاخرج إليّ. فخرج إليه وما في وجهه من رائحة فقد انتقع لونه، فقال: أعط هذا حقّه. قال: نعم لا تبرح حتى أعطيه الذي له. فدخل ثم خرج إليه بحقه فدفعه إليه. فأقبل الإراشيّ حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه اللَّه خيرا فقد واللَّه أخذ لي بحقي. وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟ قال: رأيت عجبا من العجب! واللَّه ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال: أعط هذا حقّه. قال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقّه فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه. ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء فقالوا: ويلك مالك؟ واللَّه ما رأينا مثل ما صنعته قط. قال: ويحكم واللَّه ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي فسمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت إليه وإنّ فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، واللَّه لو أبيت لأكلني. تفسير الغريب الإراشي هذا: اسمه كهلة الأصغر ابن عصام بن كهلة الأكبر ينسب إلى جد له اسمه إراشة. قال الرشاطيّ: رأيته بخط عبد الغني بن سعيد بفتح الهمزة، وضبطه ابن الأثير بكسرها في جامعه. من رائحة أي بقية روح قال السهيلي: فكأن معناه روح باقية.

تفسير الغريب

انتقع لونه مبني للمفعول: أي تغير لونه. هامته: بتخفيف الميم: الرأس. قصرته أصل عنقه. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن يزيد بن رومان، وأبو نعيم عن أبي يزيد المدني، وأبى فرعة الباهليّ، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم بينما هو جالس في المسجد معه رجال من أصحابه إذ أقبل رجل من زبيد يقول: يا معشر قريش كيف تدخل عليكم المادّة أو يجلب إليكم جلب أو يحلّ تاجر بساحتكم وأنتم تظلمون من دخل عليكم في حرمكم؟ يقف على الحلق حلقة حلقة، حتى انتهى إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أصحابه. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ومن ظلمك؟ فذكر أنه قد قدم بثلاثة أجمال كانت خير إبله فسامه أبو جهل ثلث أثمانها، ثم لم يسمعه بها لأجل أبي جهل أحد شيئاً ثم قال: فأكسد عليّ سلعتي وظلمني. قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: وأين جمالك؟ قال هي هذه بالحزورة. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وقام أصحابه فنظر إلى الجمال فرأى جمالا فرها فساوم الزّبيدي حتى ألحقه برضاه، فأخذها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فباع جملين منها بالثمن وأفضل بعيرا باعه وأعطى أرامل بني عبد المطلب ثمنه، وأبو جهل جالس في ناحية السوق لا يتكلم ثم أقبل إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى مني ما تكره فجعل يقول: لا أعود يا محمد لا أعود يا محمد فانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وأقبل أمية بن خلف ومن حضر فقالوا: ذللت في يدي محمد فإما أن تكون تريد أن تتبعه وإما رعب دخلك منه. فقال: لا أتبعه أبداً إن الذي رأيت مني لما رأيت معه، قد رأيت رجالا عن يمينه وشماله معهم رماح يشرعونها إليّ لو خالفته لكانت إياها. أي لأتوا على نفسي. تفسير الغريب زبيد: بزاي مضمومة فباء موحدة مفتوحة. المادّة: بتشديد الدال. أو يحل: بضم الحاء أي ينزل. خير إبله: بتشديد المثناة التحتية وتخفيفها أي أفضلها. الحزورة: بحاء مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فواو فراء مفتوحتين فتاء تأنيث وزن قسورة وتقدم الكلام على ذلك بأبسط مما هنا. فرها بضم الفاء وإسكان الراء والفارة: الحاذق بالشيء. يشرعونها: أي يميلونها.

الباب الرابع والعشرون في وفد النصارى الذين أسلموا

الباب الرابع والعشرون في وفد النصارى الذين أسلموا قال ابن إسحاق: ثم قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلا أو قريبا من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه فكلّموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اللَّه عز وجل وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا للَّه وآمنوا به وصدّقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره. فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم: خيّبكم اللَّه من ركب! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدّقتموه بما قال؟! ما نعلم ركبا أحمق منكم. أو كما قالوا لهم. فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرا. ويقال إن النفر كانوا من أهل نجران. فاللَّه أعلم أيّ ذلك كان. فيقال: واللَّه أعلم- إن فيهم نزلت هذه الآيات: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ أي القرآن. هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ القرآن قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ موحّدين. أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بإيمانهم بالكتابين بِما صَبَرُوا بصبرهم على العمل بهما وَيَدْرَؤُنَ أي يدفعون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ منهم وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يتصدقون وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ الشتم والأذى من الكفار أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ سلام متاركة أي سلمتم منا من الشتم وغيره لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [القصص 52: 55] لا نصحبهم. قال ابن إسحاق: وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن نزلن فقال لي: ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي وأصحابه. والآيات من سورة المائدة قول اللَّه عز وجل: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى، ذلِكَ أي قرب مودتهم المؤمنين بِأَنَّ أي بسبب أن مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ علماء وَرُهْباناً عبّادا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ من القرآن تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ [المائدة 82، 83] الآيات.

تفسير الغريب

تفسير الغريب نجران: بفتح النون وإسكان الجيم: بلدة معروفة، كانت منزلا للنصارى، وهي بين مكة واليمن على نحو سبع مراحل من مكة. الأندية: جمع ناد وهو متحدّث القوم. يرتادون لهم: يطلبون لهم الأخبار. الحمق: بإسكان الميم وضمها: قلّة العقل. لم نأل أنفسنا خيرا: أي لم نقتصر بها عن بلوغ الخير، يقال ما ألوت، أي ما فعلت كذا وكذا، أي ما قصرت.

الباب الخامس والعشرون في سبب نزول أول سورة"عبس"

الباب الخامس والعشرون في سبب نزول أول سورة «عبس» روى الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان عن عائشة وعبد الرزاق وعبد بن حميد، وأبو يعلى عن أنس وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس، وسعيد بن منصور عن أبي مالك، وابن سعد وابن المنذر عن الضحّاك. وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقي رجلا من أشراف قريش فدعاه إلى الإسلام وهو يرجو أن يسلم. قال ابن إسحاق: وهو الوليد بن المغيرة. وقال أنس وأبو مالك: أمية بن خلف. وقالت عائشة ومجاهد: كان في مجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيه ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف فيقول لهم: أليس حسنا ما جئت به؟ فيقولون بلى واللَّه. وفي رواية هل ترون بما أقول بأسا؟ فيقولون: لا. فجاء ابن أم مكتوم الأعمى وهو مشتغل بهم فسأله ولم يدر أنه مشغول بذلك وجعل يستقرئه القرآن ويقول: يا رسول اللَّه أرشدني علّمني مما علّمك اللَّه. فشق ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أضجره. وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر أولئك النفر وما طمع فيه من إسلامهم، فلما أكثر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم انصرف عن ابن أم مكتوم وتركه. فعاتبه اللَّه تعالى في ذلك فقال عَبَسَ النبي صلى الله عليه وسلّم كلح وجهه وَتَوَلَّى أعرض لأجل أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى عبد الله ابن أم مكتوم. قال السُّهيلي: وفي ذكره إياه بالعمى من الحكمة والإشارة اللطيفة التنبيه على موضع العتب لأنه قال: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى فذكر المجيء مع العمى، وذلك كله ينبئ عن تجشّم كلفة ومن تجشّم القصد إليك على ضعفه فحقّك الإقبال عليه لا الإعراض عنه. وفائدة أخرى: وهي تعليق الحكم بهذه الصفة متى وجدت وجب ترك الإعراض، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معتوبا على تولّيه عن الأعمى فغيره أحقّ بالعتب. وَما يُدْرِيكَ يعلمك لَعَلَّهُ أي الأعمى أو الكافر يَزَّكَّى فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي أَوْ يَذَّكَّرُ أي يتعظ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى العظة المسموعة منك. وفي قراءة بنصب تنفعه جواب الترجّي. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى بالمال. فأنت له تصدّى. وفي قراءة بتشديد الصاد وبإدغام الثانية في الأصل فيها، أي تقبل وتتعرّض وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى يؤمن وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى حال من فاعل جاء وَهُوَ يَخْشى اللَّه حال من فاعل يسعى وهو الأعمى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى فيه حذف التاء الأخرى في الأصل أي تتشاغل كَلَّا لا تفعل مثل ذلك. فلما نزلت هذه الآيات دعاه النبي صلى الله عليه وسلّم فأكرمه، واستخلفه على المدينة ثلاث عشرة

تنبيهات

مرة كما ذكره أبو عمر. ويأتي بيانها في ترجمته عند ذكر مؤذّنيه صلى الله عليه وسلم، وكان يقول له إذا جاءه: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي! ويبسط له رداءه. تنبيهات الأول: ما ذكرته عائشة ومجاهد جامع بين الأقوال السابقة في تفسير المبهم. الثاني: قال الحافظ: لم يختلف السّلف في أن فاعل عَبَسَ النبي صلى الله عليه وسلّم وأغرب الداووديّ فقال: هو الكافر. الثالث: من الغرائب قول القاضي أبي بكر بن العربي: قول علمائنا: إن الرجل المبهم الوليد بن الغيرة وقال آخرون إنه أمية بن خلف والقياس على هذا كله باطل وجهل من المفسرين، وذلك أن أمية والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة وما حضر معهما ولا حضرا معه، وكان موتهما كافرين أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ولم يقصد قط أمية المدينة ولا حضر عنده مفردا ولا مع أحد كذا نقله عنه تلميذه السّهيليّ والقرطبي وأقرّاه. وهو كلام خرج من القاضي من غير رويّة لأن ابن أم مكتوم من أهل مكة بلا خلاف، وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين، أسلم قديما وكان من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل بل بعده وصحّحوا الأول، وسورة عبس مكّية بلا خلاف، فأي شيء يمنع من اجتماع ابن أم مكتوم والوليد أو أمية؟ ثم القائل لذلك إنما هو الصحابة والتابعون كما تقدم، نقل ذلك عنهم وهم أعلم من غيرهم، ولو كانت سورة عبس نزلت بالمدينة أو أن ابن أم مكتوم أسلم بها لصح ما قاله، والحال أن الأمر بخلاف ذلك ولم أر من نبه على ذلك. وعجبت من سكوت صاحب الزّهر عن ذلك مع أنه يناقش في أسهل شيء. الرابع: من الغرائب أيضا قول السّهيلي: إن ابن أم مكتوم لم يكن آمن بعد أي حين أنزلت سورة عبس وبسط الكلام على ذلك. قال في الزهر: ينبغي أن يتثبّت في هذا الكلام، فإني لم أر من قاله جزما ولا نقلا من مؤرخ ومفسّر، فينظر قول جميعهم فيه: قديم الإسلام يردّه. قال: ثم إن السّهيلي أكدّ بقوله: استدنيني يا محمد، ولم يقل يا رسول اللَّه. قال مغلطاي، ولفظة «استدنيني يا محمد» لم أرها، فتنظر. قلت: أما لفظ السيرة التي شرحها السهيلي: فكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وجعل يستقرئه القرآن. ولفظ رواية الترمذي وحسّنها وصححها ابن حبان عن عائشة: فجعل يقول يا رسول اللَّه أرشدني. إلخ ولفظ رواية ابن عباس عند ابن مردويه: فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن. قال يا رسول اللَّه علّمني مما علّمك اللَّه.

الباب السادس والعشرون في سبب نزول قل يا أيها الكافرون 109: 1

الباب السادس والعشرون في سبب نزول قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ روى ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن مينا، وعبد الرزاق عن وهب، وعن ابن إسحاق قالوا: اعترض لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة الأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاصي بن وائل السهمي. وكانوا ذوي أسنان في قومهم فدعوه إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا: هذا لك يا محمد وكفّ عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة فيها صلاح. قال ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة. وفي لفظ: هلمّ يا محمد فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي نعبده خيرا مما تعبد كنت قد أخذت منه بحظك وإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا منه بحظّنا. فانزل اللَّه تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ في الحال ما تَعْبُدُونَ من الأصنام وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ/ في الحال ما أَعْبُدُ وهو اللَّه تعالى وحده وَلا أَنا عابِدٌ في الاستقبال ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ في الاستقبال ما أَعْبُدُ علم اللَّه تعالى منهم أنهم لا يؤمنون والإطلاق ما على اللَّه تعالى على جهة المقابلة لَكُمْ دِينُكُمْ الشّرك وَلِيَ دِينِ الإسلام، وهذا قبل أن يؤمر بالحرب، وحذف ياء الإضافة السبعة، وقفا ووصلا وأثبتها يعقوب في الحالين.

الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم

الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم روى الإمام أحمد والترمذي وحسنه، والنسائي والبيهقي والضياء المقدسي عن ابن عباس وابن جرير والبيهقي من وجه آخر عنه، وابن جرير عن ابن مسعود وأبو يعلى وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب، والترمذيّ وصححه والطبراني عن نيار- بنون مكسورة فمثناة تحتية مخففة- ابن مكرم- بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء- وابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن أبي حاتم عن ابن شهاب، وابن جرير عن عكرمة: أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، وأدنى الأرض يومئذ أذرعات بها التقوا، فهزمت الروم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو بمكة، فشقّ ذلك عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، وفرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنكم أهل كتاب وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إذا قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم. فانزل اللَّه تعالى: الم [الروم 1: 6] اللَّه أعلم بمراده به غُلِبَتِ الرُّومُ وهم أهل كتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة، التقى فيها الجيشان والبادئ بالغزو الفرس. وَهُمْ أي الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ أضيف المصدر إلى المفعول، أي غلبة أهل فارس إياهم سَيَغْلِبُونَ فارس فِي بِضْعِ سِنِينَ هو ما بين الثالث إلى التسع أو العشر، فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ من قبل غلب الروم ومن بعده. المعنى أن غلبة فارس أولا وغلبة الروم ثانيا بأمر اللَّه أي بإرادته وَيَوْمَئِذٍ أي يوم يغلب الروم يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ إياهم على فارس، وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر ونزول جبريل بذلك مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ نصرته وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الرَّحِيمُ بالمؤمنين وَعْدَ اللَّهِ مصدر بدل من اللفظ بفعله والأصل وعدهم اللَّه النصر لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ به وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ كفار مكة لا يَعْلَمُونَ وعده تعالى بذلك. فلما نزلت هذه الآيات قال المشركون لأبي بكر: إلا ترى إلى ما يقول صاحبك؟ يزعم أن الروم تغلب فارس. قال: صدق صاحبي. وفي رواية: فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا ولا يقرّ اللَّه عينكم فو اللَّه ليظهرنّ الروم

تفسير الغريب

على فارس أخبرنا بذلك نبينا فقام إليه أبي بن خلف فقال: كذبت. فقال أبو بكر: أنت أكذب يا عدو اللَّه. قال: أنّا حبك عشر قلائص منيّ وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين. ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادّه في الأجل. فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال: لعلك ندمت؟ قال: لا. قال تعالى أزيدك في الخطر وأمادّك في الأجل فأجعلها مائة قلوص بمائة قلوص إلى تسع سنين. قال فعلت. وذلك قبل تحريم الرّهان، فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه ولزمه وقال: إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم كفيلا فكفله ابنة عبد الله. فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر وقال له: لا واللَّه لا أدعك تخرج حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا. فخرج إلى أحد ثم رجع إلى مكة وبه جراحة جرحه النبي صلى الله عليه وسلم حين بارزه يوم أحد فمات منها بمكة، وظهرت الروم على فارس فغلب أبو بكر أبيّا وأخذ الخطر من ورثته، فجاء يحمله إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هذا سحت تصدّق به. تفسير الغريب أنا حبك [ (1) ] : بالحاء المهملة والباء الموحدة: أي أراهنك. القلائص: بقاف فلام مفتوحتين فهمزة مكسورة فصاد مهملة: مفرده قلوص وهي الناقة الشابة.

_ [ (1) ] المعجم الوسيط 2/ 95.

الباب الثامن والعشرون في وفاة أبي طالب ومشي قريش إليه ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن والعشرون في وفاة أبي طالب ومشي قريش إليه ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ عماد الدين بن كثير المشهور أنه مات قبل موت خديجة وكان موتهما في عام واحد قبل مهاجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين. وقال صاعد في كتاب «الفصوص» : بعد ثمانية وعشرين يوما من خروجهم من الشّعب. وقال ابن حزم: توفي أبو طالب في شوال في النصف منه. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وصححه عن ابن عباس، وابن جرير وابن أبي حاتم عن السّدّي، والبخاري والبيهقي عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ومسلم والبيهقي عن أبي هريرة: أن أبا طالب لما اشتكى وبلغ قريش ثقله قال بعضها لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا فإنا واللَّه ما نأمن أن يبتزّونا أمرنا. فمشوا إلى أبي طالب فكلّموه، وهم أشراف قومه، عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجال من أشرافهم فقالوا: يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى وتخوّفنا عليك وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه وخذله منا وخذ منه ليكفّ عنا ونكفّ عنه، وليدعنا وديننا وندعه ودينه. فبعث إليه أبو طالب، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل، فخشي أبو جهل إن جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم إلى أبي طالب أن يكون أرقّ عليه، فوثب أبو جهل فجلس في ذلك المجلس، فلم يجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمّه، فجلس عند الباب. فقال: يا بن أخي هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليعطوك وليأخذوا منك. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: نعم كلمة واحدة يعطونيها يملكون بها العرب وتدين لهم بها العجم. وفي رواية: تدين لهم بها العرب وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية. ففزعوا لكلمته ولقوله. فقال القوم: كلمة واحدة؟ قال: نعم. فقال أبو جهل: نعم وأبيك عشر كلمات. قال: تقولون لا إله إلا اللَّه وتخلعون ما تعبدون من دونه. فصفّقوا بأيديهم ثم قالوا: يا محمد تريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن أمرك لعجب. ثم قال بعضهم لبعض: ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دينكم حتى يحكم اللَّه بينكم وبينه. ثم تفرقوا.

فأنزل اللَّه فيهم أول سورة ص. فقال أبو طالب لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: واللَّه يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شحطا. فلما قالها طمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيه فجعل يقول: أي عم فأنت فقلها أستحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة فلما رأى حرص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك قال: لولا مخافة السّبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرّك بها. وذكر ابن الكلبي أن أبا طالب لما حضرته الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة اللَّه من خلقه وقلب العرب واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم بذلك على الناس الفضيلة ولهم به إليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنيّة فإن فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش وثباتا للوطأة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيها هلكت القرون قبلكم، أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فإن فيها شرف الحياة والممات، عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فإن فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العامّ، وإني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش والصدّيق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به، وايم اللَّه كأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل البرّ في الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدّقوا كلمته وعظّموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعافها أربابا وأعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها وأصفت له فؤادها وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم كونوا له ولاة، ولحربه حماة، واللَّه لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكفيت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهي. ثم إن أبا طالب مات بعد ذلك. وروى الشيخان عن المسيّب بن حزن رضي اللَّه عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن المغيرة فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: يا عم قل لا إله إلا اللَّه كلمة أشهد- وفي لفظ: أحاجّ- لك بها عند اللَّه فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان لتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملّة عبد المطلب. وأبى أن يقول: لا إله إلا اللَّه بعد ذلك: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ [التوبة 113] ونزل في أبي

طالب: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [ (1) ] [القصص 56] . ورويا أيضا عن العباس رضي اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه أن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهل ينفعه ذلك؟ قال: نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح منها [ (2) ] . وفي لفظ: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» . وروي البخاري عن أبي سعيد رضي اللَّه عنه أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول، وذكر عنده عمّه، فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه [ (3) ] . وفي لفظ: «أمّ دماغه» . وروى الشيخان وابن إسحاق عن النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «أن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في إخمص قدميه جمرة- وفي لفظ على إخمص قدميه جمرتان [ (4) ] . وفي لفظ عند مسلم: له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه. وفي لفظ: يغلي دماغه من حرارة نعله [ (5) ] . وفي لفظ عند ابن إسحاق: حتى يسيل على قدميه. وفي لفظ عند البخاري: لا يرى أن أحدا أشدّ عذابا منه وإنه لأهونهم. وروى مسلم عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: «أهون أهل النار عذاباً أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» [ (6) ] . وهذه الأحاديث الصحيحة تبين بطلان ما نقل عن العباس أنه قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا بن أخي لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها. قال البيهقي وأبو الفتح والذهبي: وقد أسلم العباس بعد وسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم عن حال

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 199 (1360) ومسلم 1/ 54 (39- 24) . [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 233 (3883) ومسلم 4/ 195 (358- 209) . [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 233 (3885) ومسلم 1/ 195 (360- 210) . [ (4) ] أخرجه البخاري 8/ 208 (6561- 6562) ومسلم 1/ 196 (362- 212) . [ (5) ] عند مسلم في الموضع السابق (364- 213) . [ (6) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق (362- 212) .

تنبيهات

أبي طالب، أي كما تقدم قريبا. ولو كانت هذه الشهادة عنده لأدّاها بعد إسلامه وعلم حال أبي طالب ولم يسأل عنه، والمعتبر حالة الأداء دون التحمّل. وقال الحافظ: لو كان أبو طالب قال كلمة التوحيد ما نهى اللَّه تعالى نبيه عن الاستغفار له. وروى عبد الرازق والفريابي والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [الأنعام 26] نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وينأى عما جاء به. وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما مات أبو طالب أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه مات عمّك الضالّ. وفي لفظ إن أبا طالب مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فواره. قال: فلما واريته جئت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. قال اغتسل [ (1) ] . وبما ذكر أيضا تبين بطلان ما نقله المسعودي المؤرخ أنه أسلم، لأن مثل ذلك لا يعارض الأحاديث الصحيحة. تنبيهات الأول: قال السهيليّ: الحكمة في كون أبي طالب منتعلا بنعلين من نار أن أبا طالب كان مع النبي صلى الله عليه وسلم بجملته إلا أنه كان مثبّتا لقدميه على ملّة عبد المطلب حتى قال عند الموت: هو على ملّة عبد المطلب فسلّط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على ملة آبائه. الثاني: قال الحافظ: الآية التي فيها النهي عن الاستغفار نزلت بعد موت أبي طالب بمدة وهي عامة في حقه وحق غيره، ويوضح ذلك ما عند البخاري في كتاب التفسير بلفظ: فأنزل اللَّه بعد ذلك. إلى آخره. الثالث: إنما عرض عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم الإسلام أن يقول لا إله إلا اللَّه. ولم يقل فيها: محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم لأن الكلمتين صارتا كالكلمة الواحدة. ويحتمل أن يكون أبو طالب كان يتحقق أنه رسول اللَّه، ولكن كان لا يقرّ بتوحيد اللَّه تعالى ولهذا قال في أبياته النونية:

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 1/ 110 وأحمد في المسند 1 (130 والبيهقي في المسند 1/ 304 وذكره ابن الجوزي في العلل 1/ 180 وابن حبان في المجروحين 1/ 111.

ودعوتني وعلمت أنّك صادق ... ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا فاقتصر على أمره له بقول: لا إله إلا اللَّه، فإذا أقر بالتوحيد لم يتوقف عن الشهادة بالرسالة له. الرابع: من عجيب الاتفاق أن الذين أدركهم الإسلام من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وهم: أبو طالب واسمه عبد مناف، وأبو لهب واسمه عبد العزّى بخلاف من أسلم وهما حمزة والعباس رضي اللَّه عنهما. الخامس: زعم بعض غلاة الرافضة أن أبا طالب أسلم، واستدل بأخبار واهية ردّها الحافظ في الإصابة في القسم الرابع من الكنى. السادس: قوله: «لعله تنفعه شفاعتي» . ظهر من حديث العباس وقوع هذا الترجّي واستشكل قوله: «تنفعه شفاعتي» بقوله تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر 48] وأجيب بأنه خصّ ولذلك عدّوه في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في الحديث، والمراد بها في الآية الإخراج من النار، وفي الحديث المنفعة بالتخفيف وبهذا الجواب جزم القرطبيّ. وقال البيهقي في البعث: صحت الرواية في شأن أبي طالب فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية. ووجهه عندي أن الشفاعة في الكفار إنما امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد، وهو عامّ في حق كل كافر، فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه. قال: وحمله بعض أهل النظر على أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه، فيجوز أن يضع اللَّه تعالى عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيهم تطييبا لقلب الشافع لا ثوابا للكفر، لأن إحسانه صار بموته على الكفر هباء. وقال القرطبي في المفهم: اختلف في هذه الشفاعة هل هي بلسان قوليّ أو بلسان حاليّ، والأول يشكل بالآية، وجوابه جواز التخصيص. والثاني أن يكون معناه أن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي صلى الله عليه وسلّم والذبّ عنه جوزي على ذلك بالتخفيف فأطلق على ذلك شفاعة لكونها بسببه. ويجاب عنه أيضاً: أن المخفّف عنه لم يجد أمر التخفيف، فكأنه لم ينتفع بذلك. ويؤيد ذلك ما تقدم من أنه يعتقد أنه ليس في النار أشدّ عذابا منه، وذلك أن القليل من عذاب جهنم لا تطيقه الجبال، فالمعذّب لاشتغاله بما هو فيه يصدق عليه أنه لم يحصل له انتفاع بالتخفيف. السابع: في بيان غريب ما سبق:

يدين: أي يطيع ويخضع. يبتزّونا أمرنا: بفتح التحتية فباء موحدة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فزاي معجمة مشددة مضمومة، يقال ابتزّه يبتزّه أي استلبه وبزّه يبزّه أي سلبه. ومنه: من عزّ بزّ أي من غلب أخذ السّلب. شحطا [ (1) ] : بشين معجمة فحاء ساكنة فطاء مهملتين: أي بعدا. يقال شحط يشحط شحطا وشحوطا ويقال شحط المزار وأشحطته أبعدته، ومعنى الكلام: ما سألتهم شيئا بعيدا. عليهم التماسه وتناوله، بل هو أمر قريب. السّبة بسين مهملة مضمومة فباء موحدة مشددة مفتوحة فتاء تأنيث: العار الذي يسبّ به. ورجل سبّة أي تسبه الناس. خرعا [ (2) ] : بخاء معجمة فراء فعين مهملتين: وهو الخور والضعف، وتروى بالجيم والزاي وهو الخوف. وأما واللَّه: قال النووي: في كثير من الأصول أو أكثرها بالألف وغيرها: أم واللَّه بلا ألف، وكلاهما صحيح قال ابن الشجريّ في أماليه: «ما» المزيدة للتوكيد ركّبوها مع همزة الاستفهام واستعملوا مجموعهما على وجهين: أحدهما: أن يراد به معنى حقا في قولهم: أما واللَّه لأفعلن. والآخر: أن تكون افتتاحا للكلام بمنزلة ألا كقولك أما إن زيدا منطلق وأكثر ما تحذف الألف إذا وقع بعدها القسم ليدلّوا على شدة اتصال الثاني بالأول، لأن الكلمة إذا بقيت على حرف لم تقم بنفسها، فعلم بحذف ألف- «ما» افتقارها إلى الاتصال بالهمز. الضّحضاح: بضادين معجمتين الأولى مفتوحة وحاءين مهملتين الأولى ساكنة، وهو في الأصل ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار: المرجل [ (3) ] بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم: قدر من نحاس، وقيل يطلق على كل قدر يطبخ فيها.

_ [ (1) ] اللسان 4/ 2207. [ (2) ] اللسان 2/ 1137، 1138. [ (3) ] انظر المصباح المنير 221.

الباب التاسع والعشرون في وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها

الباب التاسع والعشرون في وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها روى البخاري عن عروة قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم وروى البلاذري عنه قال: توفيت قبل الهجرة بسنتين أو قريب من ذلك. وقال بعضهم: ماتت قبل الهجرة بخمس سنين. قال البلاذري: وهو غلط. وروى ابن الجوزي عن حكيم بن حزام وثعلبة بن صعير- بصاد فعين مهملتين مصغّرا أنه كان بين وفاة أبي طالب ووفاة خديجة شهر وخمسة أيام. وروى الحاكم أن موتها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام. وقال محمد بن عمر الأسلمي: توفيت لعشر خلون من رمضان وهي بنت خمس وستين سنة. ثم روي عن حكيم بن حزام أنها توفيت سنة عشر من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشّعب ودفنت بالحجون، ونزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قبرها، ولم تكن الصلاة على الجنازة شرعت. روى يعقوب بن سفيان عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. وكانت خديجة رضي اللَّه عنها وزيرة صدق للنبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام وكان يسكن إليها، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، وستأتي ترجمتها وبعض مناقبها في أبواب أزواجه صلى الله عليه وسلم.

الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب

الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم من الأذى ما لم تطمع فيه في حياة أبي طالب. وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب اعترض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم بيته والتراب على رأسه فقامت إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكي فإن اللَّه مانع أباك. ويقول بين ذلك: ما نالت قريش منّي شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب [ (1) ] . وروى الطبراني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: لما مات أبو طالب تجهّموا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك [ (2) ] . وروى البيهقي عن عروة إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما زالت قريش كاعّين حتى مات أبو طالب [ (3) ] . ورواه الطبراني والبيهقي من طريق آخر عن عائشة مرفوعا. وروى ابن سعد عن حكيم بن حزام وثعلبة بن صعير [ (4) ] قالا: لما توفي أبو طالب وخديجة اجتمع على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم مصيبتان، فلزم بيته وأقلّ الخروج، ونالت قريش منه ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاء فقال: يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيّا فاصنعه لا واللات والعزّى لا يوصل إليك حتى أموت. وسبّ ابن الغيطلة النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه أبو لهب فنال منه فولّى وهو يصيح يا معشر قريش صبأ أبو عتبة: فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطلب ولكن أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد. قالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم. فمكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك أياما يذهب ويأتي لا يعترض له أحد من قريش

_ [ (1) ] أخرجه الطبري في التاريخ 2/ 344. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 8/ 308. [ (3) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 622 والبيهقي في الدلائل 2/ 349 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 15. [ (4) ] ثعلبة بن صعير بمهملات أو ابن أبي صعير مصغّرا العذري بذال معجمة. عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه ابنه. مختلف في صحبته. وقال عباس بن محمد عن ابن معين: له رواية والحديث مضطرب. [الخلاصة 1/ 152] .

وهابوا أبا لهب، إلى أن جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل بن هشام إلى أبي لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبد المطلب؟ قال: مع قومه فخرج أبو لهب إليهما فقال: قد سألته فقال، مع قومه فقالا: يزعم إنه في النار. فقال: يا محمد أيدخل عبد المطلب النار؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نعم ومن مات على مثل ما مات عبد المطلب دخل النار. فقال أبو لهب: لا برحت لك عدوّا وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار. فاشتد عليه هو وسائر قريش. قال ابن إسحاق وكان النفر الذي يؤذون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيته: أبو لهب والحكم بن أبي العاصي بن أمية، وعقبة بن أبي معيط وعديّ بن الحمراء، وابن الأصداء الهذلي، وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاصي، وكان أحدهم، فيما ذكر لي، يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلّي، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجرا يستتر به منهم إذا صلى. وروى البخاري وابن المنذر وأبو يعلى والطبراني عن عروة قال: سألت عمرو بن العاصي فقلت: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلّم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عليه عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر رضي اللَّه عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وقال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ الآية. زاد الأخيران: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فلما قضى صلاته مرّ بهم وهم جلوس في ظل الكعبة فقال: يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذّبح وأشار بيده إلى حلقه فقال أبو جهل: يا محمد ما كنت جهولا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: أنت منهم. وروى البزار وأبو يعلى برجال الصحيح عن أنس رضي اللَّه عنه: لقد ضربوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه فقام أبو بكر ينادي: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه. فقالوا: من هذا؟ فقالوا: أبو بكر المجنون. وروى الشيخان والبزار والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه قال «ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلا جزور نحرت بالأمس قريبا فقالوا- وفي رواية فقال أبو جهل- من يأخذ سلا هذا الجزور فيضعه على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقاهم عقبة بن أبي معيط فجاء به فقذفه على ظهره صلى الله عليه وسلّم، فضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض والنبي صلى الله عليه وسلم ما يرفع رأسه، وجاءت فاطمة رضي اللَّه عنها فطرحته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك. فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم

تفسير الغريب

صلاته رفع رأسه فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال: «اللهم عليك بالملإ من قريش، اللهم عليك بأبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط» . وذكر السابع فلم أحفظه. فوالذي بعثه بالحق لقد رأيت الذين سمّى صرعى ببدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر غير أمية بن خلف فإنه كان رجلا بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به إليه [ (1) ] . زاد البزار والطبراني في الأوسط: ثم خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المسجد فلقيه أبو البختري ومع أبي البختري سوط يتخصّر به فلما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم أنكر وجهه فقال: مالك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خلّ عني قال: علم اللَّه لا أخلّي عنك أو تخبرني ما شأنك فلقد أصابك شيء. فلما علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه غير مخلّ عنه أخبره قال: إن أبا جهل أمر فطرح عليّ فرث. قال أبو البختري: هلم إلى المسجد. فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأبو البختري فدخلا المسجد ثم أقبل أبو البختري على أبي جهل فقال يا أبا الحكم أنت الذي أمرت بمحمد فطرح عليه الفرث؟ فقال: نعم. فرفع السّوط. فضرب به رأسه فثار الرجال بعضها إلى بعض وصاح أبو جهل: ويحكم إنما أراد محمد أن يلقي بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه. وروى ابن مردويه عن أنس رضي اللَّه عنه قال: لقد ضربوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه، فقام أبو بكر رضي اللَّه عنه فجعل ينادي: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه. وروى البزار وأبو نعيم في الفضائل عن علي رضي اللَّه عنه أنه قال: أيها الناس أخبروني بأشجع الناس. قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر، لقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأخذته قريش، هذا يجأه وهذا يتلتله وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا. قال: واللَّه ما دنا منه منّا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجالد هذا ويتلتل هذا ويقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه! ثم رفع عليّ بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم اللَّه أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبونني؟ فو اللَّه لساعة من أبي بكر خير من مثلي مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه. وروى الدارقطني في الإفراد عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه قال: أكثر ما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب. تفسير الغريب يجأه: بالمثناة التحتية والجيم والهمزة: أي يضربه. يتلتله: بمثناة تحتية ففوقية فلامين بينهما مثناة فوقية ثم هاء: أي يخيسه ويذلله، وخاسه: راضه واللَّه تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 127 ومسلم في كتاب الجهاد (108) وأحمد في المسند 1/ 417.

الباب الحادي والثلاثون في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

الباب الحادي والثلاثون في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قال موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما: ولما هلك أبو طالب ونالت قريش من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم ما لم تكن تنال منه في حياته خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم إلى الطائف وحده ماشيا. وفي حديث جبير بن مطعم عند ابن سعد: إن زيد بن حارثة كان معه، في ليال من شوال سنة عشر يلتمس النصر من ثقيف والمنعة بهم من قومه، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من اللَّه تعالى. فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، وهي صفية بنت معمر بن حبيب بن قدامة بن جمح، وهي أم صفوان بن أمية. فجلس إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكلمهم بما جاء به من نصرته على الإسلام والقيام على من خالفه من قومه. فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان اللَّه أرسلك!. وقال الآخر: أما وجد اللَّه أحد يرسله غيرك. وقال الثالث: واللَّه لا أكلّمك أبدا، لئن كنت رسول من اللَّه كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على اللَّه ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف. وقد قال لهم: إذ فعلتم فاكتموا عليّ. وكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه. فأقام بالطائف عشرة أيام وقيل شهرا لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاء إليه وكلّمه، فلم يجيبوه وخافوا على أحداثهم منه فقالوا: يا محمد اخرج من بلدنا. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبّونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس. قال ابن عقبة: وقفوا له صفّين على طريقه، فلما مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم بين الصفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه. زاد سليمان التيمي: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أذلقته الحجارة يقعد إلى الأرض فيأخذون بعضديه ويقيمونه فإذا مشى رجموه بالحجارة وهم يضحكون. قال ابن سعد: وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شجّ في رأسه شجاجا. قال ابن عقبة: فخلص منهم ورجلاه تسيلان دما فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة منه وهو مكروب موجع وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فلما رآهما كره

مكانهما لما يعلم من عداوتهما للَّه ورسوله صلّى الله عليه وسلم، فلما اطمأن في ظل الجبلة قال ما سيأتي. وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن جعفر رضي اللَّه عنهما إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم أتى ظلّ شجرة فصلى ركعتين ثم قال: «اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوّتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهّمني أو إلى عدوّ ملكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبال ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحلّ علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك» . فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما يقال له عداس فقالا له: خذ له هذا القطف من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل عدّاس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قال له: كل. فلما وضع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يده قال بسم اللَّه. ثم أكل فنظر عدّاس في وجهه ثم قال: واللَّه إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ومن أيّ البلاد أنت يا عدّاس وما دينك؟ قال: نصراني وأنا من أهل نينوى. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم من قرية الرجل الصالح يونس ابن متّى. قال له عدّاس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ واللَّه لقد خرجت منها- يعني من أهل نينوى- وما فيها عشرة يعرفون ما يونس بن متّى فمن أين عرفت أنت يونس بن متى وأنت أمّي وفي أمّة أمّيّة. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي. فأكبّ عدّاس على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يقبل رأسه ويديه وقدميه فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أمّا غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما عدّاس قالا له: ويلك! ما لك تقبّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل، لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي. قال: ويحك يا عدّاس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه. وقال عدّاس لسيديه لما أرادا الخروج إلى بدر وأمراه بالخروج معهما فقال لهما: قتال ذلك الرجل الذي رأيت في حائطكما تريدان؟ فو اللَّه ما تقوم له الجبال. فقالا: ويحك يا عدّاس قد سحرك بلسانه. فانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنهم وهو محزون لم يستجب له رجل واحد ولا امرأة. وقال خالد العدواني: إنه أبصر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سوق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ حتى ختمها قال فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ثم قرأتها في الإسلام. قال فدعتني ثقيف فقالوا ماذا سمعت من هذا الرجل فقرأتها عليهم. فقال من معهم من

قريش: نحن أعلم بصاحبنا ولو كنا نعلم ما يقوله حقا لاتبعناه. رواه الإمام أحمد [ (1) ] والبخاري في تاريخه. وقالت عائشة رضي اللَّه عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ عليك من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال لم يجبني إلى ما أردت أحد، فانطلقت على وجهي وأنا مهموم فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني وقال: إن اللَّه تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال فتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثم قال: يا محمد إن اللَّه قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال قد بعثني اللَّه عز وجل لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج اللَّه عز وجل من أصلابهم من يعبد اللَّه عز وجل ولا يشرك به شيئا. رواه الإمام أحمد والشيخان [ (2) ] . وقال عكرمة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: «جاءني جبريل فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام وهذا ملك الجبال قد أرسله وأمره ألّا يفعل شيئا إلا بأمرك. فقال له ملك الجبال: إن شئت رمهت عليهم الجبال، وإن شئت خسفت بهم الأرض فقال: يا ملك الجبال: فإني آنى بهم لعلهم أن يخرج منهم ذرية يقولون لا إله إلا اللَّه. فقال ملك الجبال: أنت كما سمّاك ربك رؤوف رحيم» . رواه ابن أبي حاتم مرسلا. وذكر الأموي وابن هشام أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته أقام بنخلة أياما وأراد الرجوع إلى مكة فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وهم قد أخرجوك؟ فقال: يا زيد إن اللَّه جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وإن اللَّه مظهر دينه وناصر نبيه. ثم انتهى إلى حراء وبعث عبد الله بن أريقط إلى الأخنس بن شريق- وأسلم بعد ذلك فيما يقال- ليجيره فقال: أنا حليف والحليف لا يجير على الصّريح. فبعث إلى سهيل بن عمرو- وأسلم بعد ذلك- فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب. فبعث إلى المطعم بن عدي- ومات كافرا- فأجابه إلى ذلك وقال: نعم قل له فليأت. فرجع إليه فأخبره فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فبات عنده تلك الليلة، فلما أصبح

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 335. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 237 كتاب بدء الخلق (3231) ومسلم 3/ 1420 (111- 1795) .

تنبيهان

خرج المطعم بن عدي وقد لبس سلاحه هو وبنوه ستة أو سبعة. فقال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: طف. واحتبوا بحمائل سيوفهم بالمطاف فأقبل أبو سفيان إلى المطعم بن عدي فقال: أمجير أم تابع؟ قال: بل مجير. قال: إذن لا تخفر قد أجرنا من أجرت. فجلس معه حتى قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم طوافه، فلما انصرف إلى بيته وانصرفوا معه، فذهب أبو سفيان مجلسه. فمكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أياما ثم أذن له اللَّه عز وجل في الهجرة، فلما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: توفى المطعم ابن عديّ بعده، ولأجل هذه السابقة التي سبقت للمطعم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لو كان المطعم بن عدي حيّا ثم كلمني في هؤلاء النّتنى- يعنى أسارى بدر لأطلقتهم له» . تنبيهان الأول: قال ابن الجوزي: ربما عرض لملحد قليل الإيمان فقال: ما وجه احتياج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أن يدخل في خفارة كافر وأن يقول في المواسم: من يؤويني حتى أبلّغ رسالة ربي. فيقال له: قد ثبت أن الإله القادر لا يفعل شيئا إلا لحكمة، فإذا خفيت حكمة فعله علينا وجب علينا التسليم. وما جرى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما صدر عن الحكيم الذي أقام قوانين الكلّيات وأدار الأفلاك وأجرى المياه والرياح، كلّ ذلك بتدبير الحكيم القادر، فإذا رأينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يشدّ الحجر من الجوع ويقهر ويؤذى علمنا أن تحت ذلك حكما إن تلمّحنا بعضها لاحت من خلال سجف البلاء حكمتان. إحداهما: اختيار المبتلى ليسكن قلبه إلى الرضا بالبلاء فيؤدّي القلب ما كلّف من ذلك والثانية: أن تبثّ الشبهة في خلال الحجج ليثاب المجتهد في دفع الشبهة. الثاني: في بيان غريب ما سبق. المنعة: بفتح النون: النّصرة والحماية. عمد: بعين مهملة فميم مفتوحة في الماضي وفي المستقبل بكسرها: وعن الليلي كسرها أيضا في الماضي. يمرط: يمزّق. أما وحقّ: بفتح الهمزة وتخفيف الميم: حرف تنبيه واستفتاح. خطرا: بخاء معجمة مفتوحة فطاء مهملة فراء: القدر والمنزلة. أغروا: سلّطوا. رضخوهما: شدخوهما. أذلقته: بذال معجمة وقاف أي وجد ألمها ومسّها.

شجّ في رأسه: الضمير عائد على زيد. الحائط: البستان إذا كان عليه حائط، وهو الجدار، وجمعه حوائط. حبلة بحاء مهملة فموحدة مفتوحتين وربما سكنت الباء وهي الأصل أو القضيب من شجر العنب. يتجهّمني: يلقاني بالغلظة والوجه الكريه. العتبي: بضم العين: الرضا. عدّاس ونينوى تقدم الكلام عليهما في شرح بدء الوحي. متّى: بفتح الميم وتشديد المثناة الفوقية مقصور. يا سيّديّ: بتشديد الياء تثنية سيد. ويحك: كلمة يتعجب بها العرب ولا يريدون بها الذمّ. ابن عبد ياليل بمثناة تحتية فألف فلان مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فلام واسمه كنانة ويقال مسعود. ابن عبد كلال: بضم الكاف وتخفيف اللام. كذا في الحديث ابن عبد ياليل والذي ذكره أهل المغازي أن الذي كلّمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد ياليل نفسه وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه قاله الحافظ. قرن الثعالب: بفتح القاف وسكون الراء وهو قرن المنازل ميقات نجد تلقاء مكة على يوم وليلة منها، وأصله الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير. الأخشبين: تثنية أخشب بفتح الهمزة فخاء فشين معجمتين فموحدة: الجبلان.

الباب الثاني والثلاثون في إسلام الجن

الباب الثاني والثلاثون في إسلام الجن قد تقدم في أبواب البعثة استماعهم لقراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن كثير وابن حجر: وقول من قال إن وفودهم كان بعد رجوع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الطائف ليس صريحا في أولية قدوم بعضهم، والذي يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب لحراسة السماء عن استراق السمع دالّ على أن ذلك كان بعد المبعث، وإنزال الوحي إلى الأرض، فكشفوا عن ذلك إلى أن وقفوا على السبب فرجعوا إلى قومهم. ولما انتشرت الدعوة وأسلم من أسلم قدموا فسمعوا فأسلموا وكان ذلك بين الهجرتين، ثم تعدّد مجيئهم حتى في المدينة انتهى. وروى محمد بن عمر الأسلمي، وأبو نعيم، عن أبي جعفر رضي اللَّه عنه وعن آبائه قال: قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم الجنّ في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة. قال ابن إسحاق وابن سعد وغيرهما: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلّي فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم اللَّه تعالى. قال ابن إسحاق: وهم فيما ذكر لي سبعة نفر من جن أهل نصيبين، فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا. فقصّ اللَّه تعالى خبرهم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وَاذكر إِذْ صَرَفْنا أملنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ جن نصيبين أو جن نينوى، وكانوا سبعة أو تسعة، وكان صلى الله عليه وسلّم ببطن نخلة يصلي بأصحابه الفجر. رواه الشيخان. يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أي قال بعضهم لبعض: أَنْصِتُوا لاستماعه فَلَمَّا قُضِيَ فرغ من قراءته وَلَّوْا رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ مخوفين قومهم العذاب إن لم يؤمنوا وكانوا يهودا. قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً هو القرآن أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي تقدّمه كالتوراة. يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ الإسلام وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ أي طريقة يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ اللَّه لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [الأحقاف 29: 31] أي بعضها لأن منها المظالم ولا تغفر إلا برضا أربابها. الآيات.

وروى ابن شيبة وأحمد بن منيع والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي، عن ابن مسعود قال: هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا. قالوا: صه وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فانزل الله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ الآيات. وروى ابن جرير والطبراني عن ابن عباس قالوا كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم. وروى الشيخان عن مسروق قال: قلت لابن مسعود: من إذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ قال: آذنته بهم شجرة وفي لفظ: سمرة. وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم عن كعب الأحبار قال: لما انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن نخلة وهم فلان وفلان والأحقب جاءوا قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وهم ثلاثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحقب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك. فوعده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ساعة من الليل بالحجون. وروى الإمام أحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ منكم أحد. قال: ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا استطير أو اغتيل فبتنا بشرّ ليلة باتها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فقلنا يا رسول اللَّه إنا فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فقال: إنه أتاني داعي الجنّ فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن. فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم [ (1) ] . وقال ابن مسعود أيضا: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يقول: بتّ الليل أقرأ على الجن رفقا- وفي لفظ: واقفا- بالحجون. رواه ابن جرير [ (2) ] . قلت: تبيّن من الأحاديث السابقة أن الجن سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم بنخلة فأسلموا، فأرسلهم إلى قومهم منذرين، ثم أتوه وهم ثلاثمائة، فقرأ عليهم القرآن وهذه المرّة لم يحضرها ابن مسعود، بل حضر في مرة بعدها. وروى ابن جرير الطبراني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم من طرق، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة: من أحبّ منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل. فلم يحضر منهم أحد غيري، فانطلقنا فقال: إن بني إخوة وبني عمّ يأتون الليلة فأقرأ

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 332 (150- 450) . [ (2) ] أخرجه الطبري في التفسير 26/ 21 وأحمد في المسند 1/ 416 وابن كثير في التفسير 7/ 275.

تنبيهات

عليهم القرآن. فسرنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خطّ لي برجله خطّا ثم أمرني أن أجلس فيه وقال لي لا تبرح منه حتى آتيك. ثم انطلق حتى إذا قام فافتتح القرآن فغشيه أسودة كثيرة. وفي رواية فذكر هيئة كأنهم الزطّ ليس عليهم ثياب، ولا أرى سوأتهم طوالا قليلا، فجئتهم فرأيت الرجال ينحدرون عليه من الجبال، فازدحموا عليه فقال سيد لهم يقال له وردان: أنا أرحلهم عنك. فقال: إني لن يجيرني من اللَّه أحد. فحالوا بيني وبينه حتى ما أسمع صوته فانطلقوا فطفقوا يتقطّعوه مثل السحاب ذاهبين حتى بقي رهط، ففرع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمع الفجر، فنزل ثم أتاني فقال: أرسلت إلى الجن. فقلت: فما هذه الأصوات التي سمعتها قال: هذه أصواتهم حين ودّعوني وسلّموا عليّ. ما فعل الرهط؟ فقلت: هم أولئك يا رسول اللَّه. فسألوه الزاد فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياهما. فقال: لكم كلّ عظم عراق ولكم كل روثة خضرة. قالوا: يا رسول اللَّه يقدرهما الناس علينا. قلت: يا رسول اللَّه وما يغني ذلك عنهم؟ فقال: إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبّها يوم أكلت، فلا يتنقّينّ أحدكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة. فلما أصبحت رأيت مبرك ستين بعيرا [ (1) ] . قصة أخرى روى ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: هم اثنا عشر ألفا جاءوا من جزيرة الموصل. وذكر أبو حمزة الثماليّ [ (2) ] قال: إن هذا الحي من الجن كان يقال لهم بنو الشّيصبان، وكانوا أكثر الجن عددا وأشرفهم وكانوا عامة جند إبليس. تنبيهات الأول: روى سفيان الثّوري عن عاصم عن زرّ عن ابن مسعود قال: كانوا تسعة أحدهم زوبعة أتوه في أصل نخلة. وتقدم عنه أنهم كانوا خمسة عشر. وفي رواية أنهم كانوا على ستين راحلة وتقدم أن اسم سيدهم وردان. وتقدم عن عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ألفا. ففي هذا الاختلاف دليل على تكرار وفادتهم على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة كما سيأتي بيان ذلك هناك.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (129) والحاكم في المستدرك 2/ 503. [ (2) ] ثابت بن دينار الثمالي الأزدي بالولاء، أبو حمزة: من رجال الحديث الثقات عند الإمامية. وروى عنه بعض أهل السنة. وهو من أهل الكوفة له كتاب في «تفسير القرآن» وكتاب «الزهد» وكتاب «النوادر» توفي 15 هـ[الأعلام 2/ 97] .

الثاني: في من وقفت على اسمه من الجن الذين اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إن اسم النفر السبعة أو التسعة على الاختلاف. فقال مجاهد كانوا سبعة ثلاثة من أهل حرّان وأربعة من نصيبين وكانت أسماؤهم حسى ومنسى وشاصر وماصر والأرد وإينان والأحقب. رواه ابن أبي حاتم. وقال إسماعيل بن أبي زياد: هم تسعة: سليط وشاصر وخاضر وحسا ومسا والأرقم والأدرس وحاصر. وروى البيهقي عن أبي معمر الأنصاري قال: بينا عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة بفلاة من الأرض إذ رأى حية ميتة فقال عليّ بمحفار. فحفر له ولفّه في خرقة ودفنه، وإذا بهاتف يهتف لا يرونه: رحمة اللَّه عليك يا سرق فأشهد لسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: تموت يا سرق في فلاة من الأرض فيدفنك خير أمّتي. فقال عمر: من أنت يرحمك اللَّه؟ قال: أنا رجل من الجن، وهذا سرق ولم يبق ممن بايع النبي صلّى الله عليه وسلم أحد من الجن غيري وغيره، وأشهد لسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: تموت يا سرق بفلاة من الأرض ويدفنك خير أمتي [ (1) ] . وذكر ابن سلّام من طريق أبي إسحاق السّبيعيّ [ (2) ]- بسين مهملة مفتوحة فموحدة فمثناة تحتية- عن أشياخه عن ابن مسعود أنه كان في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم يمشون فرفع لهم إعصار ثم جاء إعصار أعظم منه ثم انقشع فإذا حية قتيلة، فعمد رجل منا إلى ردائه فشقّه وكفّن الحية ببعضه ودفنها، فلما جنّ الليل إذا امرأتان تسألان: أيكما دفن عمرو بن جابر فقلنا ما ندري ما عمرو بن جابر قالتا: إن كنتم ابتغيتم الأجر فقد وجدتموه، إن فسقة الجن اقتتلوا مع المؤمنين فقتل عمرو بن جابر وهو الحية التي رأيتم، وهو من النفر الذين استمعوا القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن عبّاد بن موسى، العكليّ، حدثنا المطلب بن زياد الثقفي، حدثنا أبو إسحاق أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في مسير لهم وإن حيتين اقتتلتا فقتلت إحداهما الأخرى فعجبوا من طيب ريحها وحسنها، فقام بعضهم فلفّها في خرقة ثم دفنها، فإذا قوم يقولون السلام عليكم- لا يرونهم- إنكم دفنتم عمرا إن مسلمتنا وكفارنا اقتتلوا فقتل الكافر المسلم الذي دفنتم، وهو من الرهط الذين أسلموا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند والطبراني والحاكم عن صفوان بن

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 494. [ (2) ] عمرو بن عبد الله الهمداني، أبو إسحاق السّبيعي، بفتح المهملة وكسر الموحدة، مكثر، ثقة عابد، من الثالثة، اختلط بآخره، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك. [التقريب 2/ 73] .

المعطّل نحوه، وفيه: أنه كان آخر السبعة الذين أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن جهور، حدثنا ابن أبي إياس، وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عمه، عن معاذ بن عبد اللَّه بن معمر قال: كنت جالسا عند عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه فجاء رجل فقال: ألا أخبرك يا أمير المؤمنين عجبا؟ بينا أنا بفلاة كذا وكذا إذ إعصاران قد أقبلا أحدهما من هاهنا والآخر من هاهنا فالتقيا فتعاركا ثم تفرّقا وإذا أحدهما أكبر من الآخر فجئت معتركهما: فإذا من الحيات شيء ما رأت عيناي مثله قط، وإذا ريح المسك من بعضها، وإذا حية صفراء ميتة فقمت فقلبت الحيات كما أنظر من أيها هو فإذا ذلك من حية صفراء دقيقة، فظننت أن ذلك لخير فيها فلففتها بعمامتي ودفنتها، فبينما أنا أمشي ناداني مناد ولا أراه: يا عبد الله ما هذا الذي صنعت فأخبرته بالذي رأيت ووجدت، فقال: إنك قد هديت، ذانك حيّان من الجن بنو شيبان وبنو أقيش، التقوا فاقتتلوا وكان بينهم ما قد رأيت واستشهد الذي رأيت، وكان أحد الذين استمعوا الوحي من النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن أبي الدنيا وأبو نعيم من طريق بشر بن الوليد الكندي حدثنا كثير بن عبد الله أبو هاشم الناجي، قال دخلنا على أبي رجاء العطاردي فسألناه: هل عندك علم من الجن ممن بايع النبي صلّى الله عليه وسلم؟ فتبسّم فقال: أخبركم بالذي رأيت وبالذي سمعت، كنا في سفر حتى إذا نزلنا على الماء فضربنا أخبيتنا وذهبت أقيل، فإذا أنا بحية دخلت الخباء وهي تضطرب فعمدت إلى إداوتي فنضحت عليها من الماء فسكنت، فلما صلينا العصر ماتت، فعمدت إلى عيبتي فأخرجت منها خرقة بيضاء فلففتها فيها وحفرت لها ودفنتها، وسرنا بقية يومنا وليلتنا، حتى إذ أصبحنا ونزلنا على الماء وضربنا أخبيتنا وذهبت أقيل فإذا أنا بأصوات: السلام عليكم. مرتين لا واحد ولا عشرة ولا مائة ولا ألف أكثر من ذلك، فقلت: من أنتم؟ قالوا: الجن بارك اللَّه عليك قد صنعت ما لا نستطيع أن نجازيك. قلت: ما صنعت إليكم؟ قالوا: إن الحية التي ماتت عندك كأن أخر من بقي ممن بايع النبي صلّى الله عليه وسلم من الجن. ورواه البارودي- بالموحدة- في معرفة الصحابة من طريق آخر وفيه أنه آخر من بقي من النفر الذين كانوا يستمعون القرآن. قال الحافظ في الإصابة: هذه القصة مغايرة لما قبلها وقد أثبت لكل منها الآخريّة، فيمكن أن الأول مقيّد بالتسعة، والثاني بمن استمع بناء على أن الاستماع كان من طائفتين مثلا. قال: وقد وقع في قصة سرق أنه آخر من بايع، فتكون آخريّته مقيدة بالمبايعة. وروى أبو نعيم في الدلائل عن إبراهيم النخعي قال: خرج نفر من أصحاب عبد الله يريدون الحج حتى إذا كانوا ببعض الطريق إذا هم بحية تتثنّى على الطريق، أبيض ينفح منه ريح المسك، فقلت لأصحابي امضوا فلست ببارح حتى انظر إلى ما يصير أمر هذه الحية. فما

لبثت أن ماتت، فعمدت إلى خرقة بيضاء فلففتها فيها، ثم نحّيتها عن الطريق فدفنتها، ثم أدركت أصحابي. فو اللَّه إنا لقعود إذ أقبل أربع نسوة من قبل المغرب فقالت واحدة منهن: أيكم دفن عمرا؟ قلنا: ومن عمرو؟ قالت: أيكم دفن الحية؟ قلت: أنا. قالت: أما واللَّه لقد دفنت صوّاما قوّاما يأمر بما أنزل اللَّه ولقد آمن بنبيكم وسمع صفته في السماء قبل أن يبعث بأربعمائة سنة. فحمدنا اللَّه تعالى ثم قضينا حجنا، ثم مررت بعمر بن الخطاب بالمدينة فأنبأته بأمر الحية فقال: صدقت، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة [ (1) ] . وقال ابن أبي الدّنيا: حدثنا محمد بن عباد حدثني محمد بن زياد، حدثني أبو مصلح الأسدي، حدثني يحيى بن صالح، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، عن حذيفة العدوي قال: خرج حاطب بن أبي بلتعة من حائط له يريد النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالمسحاء التفت إليه عجاجتان ثم أجلتا عن حيّة كيف الحوار، يعني الجلد، فنزل ففحص له بسية قوسه ثم واراه، فلما كان الليل إذا هاتف يهتف به: يا أيها الراكب المزجي مطيته ... اربع عليك سلام الواحد الصّمد رأيت عمرا وقد ألقى كلاكله ... دون العشيرة كالضّرغامة الأسد. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ذاك عمرو بن الجوماية وافد نصيبين لقيه محصن بن جوشن النصراني فقتله، أما إني قد رأيتها- يعني نصيبين- فرفها إليّ جبريل، فسألت اللَّه تعالى أن يعذب نهرها ويطيب ثمرها ويكثر مطرها. والآثار في هذا المعنى كثيرة ذكر طرفا منها الشيخ رحمه اللَّه تعالى في كتابه «لقط المرجان في أخبار الجان» . الثالث: أنكر ابن عباس رضي اللَّه عنهما اجتماع النبي صلى الله عليه وسلّم بالجن. ففي الصحيحين عنه قال: ما قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم على الجن ولا رآهم، انطلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: مالكم؟ قالوا: قد حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشّهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (128) وذكره المتقي الهندي في الكنز (35368) .

فانزل اللَّه تعالى على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن: 1] وإنما أوحي إليه قول الجن. قال الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه اللَّه تعالى: وهذا الذي حكاه ابن عباس إنما هو في أول ما سمعت الجنّ قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم وعلمت بحاله ولم يرهم، ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معهم وقرأ عليهم القرآن كما رواه مسلم عن ابن مسعود. ويؤيد قول البيهقي أثر كعب السابق أول الباب. قال البيهقي: وابن مسعود قد حفظ القصتين فرواهما. وقال غيره: أثر ابن مسعود أثبت إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن ورآهم، فكان ذلك مقدّما على نفي ابن عباس. وقد جاء عن ابن عباس ما يوافق ابن مسعود. فروى ابن جرير بسند جيد قوي عن ابن عباس في قوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ [الأحقاف: 29] الآية. قال: كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم. فهذا يدل على إن ابن عباس روى القصتين كابن مسعود. الرابع: قال الحافظ: لا يعكر على قولنا حديث ابن عباس كان في أول البعثة، كما تقرر قوله إنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فيحتمل أن يكون ذلك بعد فرض الصلوات ليلة الإسراء لأنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا فيصح هذا على قول من قال إن الفرض كان أولا صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها والحجة فيه قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق: 39] ونحوها من الآيات. فيكون إطلاق صلاة الفجر في هذا الحديث باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول البعثة. وقد أخرج الترمذي والطبري هذا الحديث بسياق سالم عن الإشكال الذي ذكرته من طريق أبي إسحاق السّبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانت الجن تصعد إلى السماء يستمعون الوحي. وتقدم هو وأحاديث أخر تدل على أن هذه القصة وقعت أول البعثة وهو الذي تظافرت به الأخبار وهو المعتمد. الخامس: في بيان غريب ما سبق. الإعصار: قال في الصحاح ريح تثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنّه عمود. العكلي: بضم العين المهملة وسكون الكاف. الإداوة بالكسر: المطهرة. أقيل: أنام وقت القيلولة وهي نصف النهار.

العيبة [ (1) ] بفتح العين المهملة زنبيل من جلد وما يجعل فيه الثياب. تتثنّى: تتقلب. المطية: المطا، وزن العصا: الظهر ومنه قيل للبعير مطيّة فعيلة بمعنى مفعولة لأنه يركب مطاه ذكرا كان أو أنثى ويجمع على مطي ومطايا. المزجي مطيته: سائقها. اربع: فعل أمر، أي ارفق. نصيبين: بلد معروف بأرض الجزيرة.

_ [ (1) ] اللسان 4/ 3184.

الباب الثالث والثلاثون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه وينصروه ودعائه الناس إلى التوحيد

الباب الثالث والثلاثون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه وينصروه ودعائه الناس إلى التوحيد قال جابر بن عبد الله رضي اللَّه عنهما: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يعرض نفسه بالموقف، فيقول: ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي. رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح [ (1) ] . قال محمد بن عمر الأسلمي: مكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين، يوافي الموسم كلّ عام يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة، فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى أنه سأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا وتملكوا العرب وتذل لكم العجم وإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة. وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب، فيردون عليه أقبح الرد ويؤذونه ويقولون: قومك بك أعلم [ (2) ] . وقال ابن إسحاق: ثم قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم مكة أي من الطائف وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت، على قبائل العرب يدعوهم إلى اللَّه عز وجل ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتى يبيّن عن اللَّه عز وجل ما بعثه به. وروى ابن إسحاق والبيهقي والإمام أحمد وابنه عبد الله والطبراني برجال ثقات، عن ربيعة بن عباد- بكسر العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة- قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقف على القبائل من العرب فيقول: يا بني فلان إني رسول اللَّه إليكم يأمركم أن تعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدّقوني وتمنعوني حتى أبيّن عن اللَّه عز وجل ما بعثني به. والناس متقصّفون عليه ما رأيت أحدا يقول شيئا وهو لا يسكت. قال: وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلّة عدنية فإذا فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل: يا بني فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزّى من أعناقكم وحلفاءهم من الجن وبني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه. فقلت لأبي: يا

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2935) وأبو داود (4734) وابن ماجة (201) والبيهقي في الأسماء والصفات (187) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 492، 4/ 341 والطبراني في الكبير 5/ 56 والدارقطني 3/ 45 والبيهقي في الدلائل 5/ 380 وابن حبان (1682) والعقيلي في الضعفاء 1/ 106.

أبت من هذا الرجل الذي يردّ عليه ما يقول يتبعه حيث ذهب ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفرّ منه؟ قال: هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب أبو لهب [ (1) ] . وروى الطبراني عن طارق بن عبد الله قال: إني بسوق ذي المجاز إذ مرّ رجل بي [ (2) ] عليه حلّة من برد أحمر وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. ورجل خلفه قد أدمى عرقوبيه وساقيه يقول: يا أيها الناس إنه كذاب فلا تطيعوه. فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني هاشم الذي يزعم أنه رسول اللَّه وهذا عمه عبد العزى. وروى الطبراني برجال ثقات من مدرك بن [منيب] رضي اللَّه عنه قال: حججت مع أبي فلما نزلنا منى إذا نحن بجماعة فقلت لأبي: ما هذه الجماعة؟ قال: هذا الصابئ. وإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا. وروى البخاري في تاريخه والطبراني في الكبير واللفظ له عن مدرك بن منيب- بضم أوله وكسر النون وآخره موحدة- العامريّ عن أبيه عن جده رضي اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا. فمنهم من تفل في وجهه ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبّه، حتى انتصف النهار فأقبلت جارية بعسّ من ماء فغسل وجهه ويديه وقال: يا بنية لا تخشي على أبيك غلبة ولا ذلة. فقلت: من هذه؟ قالوا: زينب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وهي جارية وضيئة. وروى الطبراني برجال ثقات نحوه عن الحارث بن الحارث. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن الأشعث بن سليم عن رجل من كنانة قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم بسوق ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا. وإذا رجل خلفه يسفي عليه التراب، وإذا هو أبو جهل، وإذا هو يقول: يا أيها الناس لا يغرّنكم هذا عن دينكم فإنما يريد أن تتركوا عبادة اللات والعزى يتبعه حيث ذهب ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفرّ منه، وما يلتفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليه. قال الحافظ: عماد الدين بن كثير: المحفوظ: أبو لهب. وقد يكون أبو جهل وهما، ويحتمل أن يكون ذا تارة وذا تارة، وأنهما يتناوبان على أذيّة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا هو الظاهر. وذكر ابن إسحاق عرضه صلّى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على كندة وكلب وبني عامر بن صعصعة وبني حنيفة. قال: ولم يكن أحد من العرب أقبح ردّا عليه منهم.

_ [ (1) ] أخرجه الطبري في التاريخ 2/ 348 وأحمد في المسند 3/ 492 والطبراني في الكبير 5/ 58. [ (2) ] في أشاب.

زاد الواقدي: وعلى بني عبس وغسّان وبني محارب وبني فزارة وبني مرّة وبني سليم وبني نصر بن هوازن وبني ثعلبة بن عكابة- بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة- وبني الحارث بن كعب وبني عذرة وقيس بن الخطيم. وساق أخبارهم. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عامر بن سلمة الحنفي وكان قد أسلم في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نسأل اللَّه لا يحرمنا الجنة، لقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم جاءنا ثلاثة أعوام بعكاظ ومجنّة وبذي المجاز، يدعونا إلى اللَّه- عز وجل- وأن نمنع له ظهره حتى يبلّغ رسالات ربه، ويشرط لنا الجنّة، فما استجبنا له ولا رددنا عليه ردّا جميلا فخشنّا عليه وحلم عنا. قال عامر: فرجعت إلى هجر في أول عام فقال لي هودة بن علي: هل كان في موسمكم هذا خبر؟ قلت: رجل من قريش يطوف على القبائل يدعوهم إلى اللَّه تعالى وحده وأن يمنعوا ظهره حتى يبلّغ رسالة ربه ولهم الجنة. فقال هودة: من أي قريش هو؟ قلت: هو من أوسطهم نسبا من بني عبد المطلب. قال هودة: أهو محمد بن عبد المطلب؟ قلت: هو هو. قال: أما إن أمره سيظهر على ما ها هنا. فقلت: هنا قط من بين البلدان؟ قال: وغير ما ها هنا. ثم وافيت السنة الثانية هجر فقال: ما فعل الرجل؟ فقلت: واللَّه رأيته على حاله في العام الماضي. قال: ثم وافيت في السنة الثالثة وهي آخر ما رأيته وإذا بأمره قد أمر وإذا ذكره كثر في الناس. الحديث. وروى الحاكم والبيهقي وأبو نعيم وقاسم بن ثابت عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما أمر اللَّه عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه. فذكر الحديث إلى أن قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلّم فقال: من القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة. فالتفت أبو بكر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: بأبي وأمي هؤلاء عزر الناس وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ وابن قبيصة والمثنّى بن حارثة والنعمان بن شريك، وكان مفروق قد غلبهم لسانا وجمالا وكانت له غديرتان تسقطان على تربيته، وكان أدنى القوم مجلسا من أبي بكر فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لا نزيد على الألف ولن تغلب ألف من قلة. فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى، وأشد ما نكون لقاء حي نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند اللَّه يديلنا مرة ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش؟ فقال أبو بكر: إن كان بلغكم أنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فها هو ذا. فقال مفروق إلام تدعونا يا أخا قريش؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأني عبد اللَّه ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على اللَّه وكذّبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.

فقال مفروق وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو اللَّه ما سمعت كلاما أحسن من هذا. فتلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأَنعام 151] . فقال مفروق: دعوت- واللَّه- إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذّبوك وظاهروا عليك. ثم رد الأمر إلى هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا. فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى تركنا ديننا وإتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا لا أول له ولا آخر لذلّ في الرأي وقلة نظر في العاقبة، إن الزلّة مع العجلة وإنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدا ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر. ثم كأنه أحب أن يشركه المثنّى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا. فقال المثنّى- وأسلم بعد ذلك- قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك وإنا نزلنا بين صريين: أحدهما اليمامة والآخر السمامة. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما هذان الصريان؟ قال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكرهه الملوك، فأن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق. وإن دين اللَّه عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم اللَّه تعالى أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتستحبّون اللَّه تعالى وتقدّسونه؟ فقال النعمان: اللهم فلك ذاك. فتلا عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [الأحزاب 45] .

ثم نهض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وروى سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه عن أبيه، وأبو نعيم عن عبد الرحمن العامري عن أشياخ من قومه قالوا: أتانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن بعكاظ فقال: من القوم؟ قلنا: من بني عامر بن صعصعة بنو كعب بن ربيعة؟ فقال: إني رسول اللَّه إليكم وأتيتكم لتمنعوني حتى أبلّغ رسالة ربي ولا أكره أحدا منكم على شيء. قالوا: لا نؤمن بك وسنمنعك حتى تبلّغ رسالات ربك. فأتاهم بيحرة بن فراس القشيري فقال: من هذا الرجل الذي أراه عندكم أنكره؟ قالوا: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال: فما لكم وله؟ قالوا: زعم أنه رسول اللَّه فطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلّغ رسالة ربه. قال: ما رددتم عليه؟ قالوا: بالرّحب والسعة نخرجك إلى بلادنا ونمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فقال بيحرة: ما أعلم أحدا من أهل هذه السوق يرجع بشيء أشر من شيء ترجعون به! أتعمدون إلى رهيق قوم طردوه وكذّبوه فتؤووه وتنصروه تنابذوا العرب عن قوس واحدة، قومه أعلم به فبئس الرأي رأيكم. ثم أقبل علي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: قم فالحق بقومك فو اللَّه لولا أنك عند قومي لضربت عنقك. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم إلى ناقته ليركبها فغمز الخبيث بيحرة شاكلتها فقمصت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فألقته. وعند بني عامر يومئذ ضباعة بنت عامر بن حوط كانت من النسوة اللاتي أسلمن بمكة جاءت زائرة إلى بني عمها فقالت: يا لعامر ولا عامر لي، أيصنع هذا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أظهركم ولا يمنعه أحد منكم؟ فقام ثلاثة نفر من بني عمها إلى بيحرة واثنين أعاناه فأخذ كل رجل منهم رجلا فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره ثم علوا وجوههم لطما. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك على هؤلاء والعن هؤلاء. فأسلم الثلاثة الذين نصروه وقتلوا شهداء، وهم غطيف وغطفان ابنا سهل وعروة أو عزرة بن عبد الله، وهلك الآخرون [ (2) ] . فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم أدركته السّنّ حتى لا يقدر أن يوافي معهم موسمهم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدّثوه بما يكون في ذلك في الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا: جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا فوضع الشيخ يده على رأسه،

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (237) . [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (100) وابن كثير في البداية والنهاية 3/ 141.

ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف هل لذنا بها من مطلب! والذي نفسي بيده ما تقوّلها إسماعيليّ قط كاذبا وإنه لحقّ، فأين رأيكم كان عنكم. وروى أبو نعيم عن خالد بن سعيد عن أبيه عن جده أن بكر بن وائل قدم مكة في الحج فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ايتهم واعرض عليهم. فأتاهم فعرض عليهم. فقالوا: حتى يجيء شيخنا حارثة. فلما جاء قال: إن بيننا وبين الفرس حربا فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا فيما تقول فلما التقوا بذي قارهم والفرس قال لهم شيخهم: ما اسم الرجل الذي دعاكم إلى ما دعاكم إليه؟ قالوا: محمد. قال: فهو شعاركم. فنصروا على الفرس. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: بي نصروا. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن جهم بن أبي جهم إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقف على بني عامر يدعوهم إلى اللَّه تعالى، فقام رجل منهم فقال له: عجبا لك واللَّه قد أعياك قومك ثم أعياك أحياء العرب كلها حتى تأتينا وتتردّد علينا مرةً بعد مرة؟ واللَّه لأجعلنّك حديثا لأهل الموسم. ونهض إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وكان جالسا فكسر اللَّه ساق الخبيث، فجعل يصيح من رجله وانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وروى أبو نعيم عن عبد الله بن وابصة العبسي عن أبيه عن جده قال: جاءنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمنى فدعانا فاستجبنا له، وكان معنا ميسرة بن مسروق العبسي فقال لنا: أحلف باللَّه لو صدّقنا هذا الرجل وحملناه حتى نحلّ به وسط رحالنا لكان الرأي، فأحلف باللَّه ليظهرّن أمره حتى يبلغ كلّ مبلغ فأبى القوم وانصرفوا. فقال لهم ميسرة: ميلوا بنا إلى فدك فإن بها يهود نسألهم عن هذا الرجل. فمالوا إلى يهود فأخرجوا سفرهم فوضعوه ثم درسوا ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم النبي الأمي العربي يركب الحمار ويجتزئ بالكسرة، وليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالجعد ولا بالسّبط في عينيه حمرة مشرب اللون. قالوا: فإن كان هو الذي دعاكم فأجيبوه وادخلوا في دينه فإنا نحسده ولا نتبعه ولنا منه في مواطن بلاء عظيم، ولا يبقى أحد من العرب إلا اتبعه أو قتله. فقال ميسرة: يا قوم أن هذا الأمر بيّن فأسلم ميسرة. وروى أبو نعيم عن ابن رومان وعبد الله بن أبي بكر وغيرهما قالوا: جاء النبي صلى الله عليه وسلم كندة في منازلهم فعرض نفسه عليهم فأبوا. فقال أصغر القوم: يا قوم اسبقوا إلى هذا الرجل قبل أن تسبقوا إليه، فو اللَّه إن أهل الكتاب ليحدثونا إن نبياً يخرج من الحرم قد أظل زمانه فأبوا. وروى البيهقي عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا: قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا، وكان سويد إنما يسميه قومه الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه، وهو الذي يقول: ألا ربّ من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري

تنبيه [في بيان غريب ما سبق]

مقالته كالشّهد ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغره النّحر يسرّك باديه وتحت أديمه ... تميمة غشّ تبتري عقب الظّهر تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الغلّ والبغضاء بالنّظر الشّزر فرشني بخير طال ما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري [ (1) ] فتصدّى له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين سمع به، فدعاه إلى اللَّه تعالى وإلى الإسلام. فقال له سويد: لعل الذي معك مثل الذي معي. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وما الذي معك؟ قال مجلّة لقمان. يعني حكمته. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: اعرضها علي. فعرضها عليه. فقال: هذا كلام حسن والذي معي أفضل من هذا: قرآن أنزله اللَّه تعالى هو هدى ونور. فتلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليه القرآن ودعاه إلى الإيمان فلم يبعد منه وقال: أن هذا القول حسن. ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج، فإن كان رجال قومه ليقولون: إنا لنراه قد قتل وهو مسلم. وكان قتله قبل بعاث. تنبيه [في بيان غريب ما سبق] عكاظ- بضم العين المهملة: سوق بقرب مكة وراء قرن المنازل، يصرف ويمنع. ذي المجاز- بالجيم والزاي: سوق كانت تقام في الجاهلية على فرسخ من عرفة. مجنّة- بفتح الميم والجيم والنون المشددة: سوق أخرى. مفروق- بفتح الميم ففاء ساكنة فراء مضمومة فواو ساكنة. هانئ- بالهمزة في آخره. قبيصة- بفتح القاف وكسر الباء الموحدة ومثناة تحتية آخره صاد مهملة. مثنى بن حارثة- بالحاء المهملة والثاء المثلثة: أسلم المثنى بعد ذلك، وكان سببا في فتح العراق وأبلى فيه بلاء حسنا. رضي اللَّه عنه. هودة- بفتح الهاء وسكون الواو وفتح الدال المهملة. قطّ: أي حسب. التّربية- بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء: واحدة الترائب وهي عظام الصدر.

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 1/ 265.

رهيق قوم [ (1) ] : أي سفيههم. ذو قار- بالقاف والراء: موضع به ماء معروف. من تلاف. لذناباها من مطلب: الذنابى: وزان الخزامى في الأصل لغة في الذّنب ويقال هو في الطائر أفصح من الذّنب، ثم استعارها هنا للقصة. تقوّلها: أدعاها. الشّعار- بكسر الشين المعجمة: العلامة في الحرب وهو ما ينادون به ليعرف بعضهم بعضا. أدنى: أقرب. المنعة- بفتح الميم والنون: قال في التقريب: أي في قوم يمنعونه ويحمونه جمع مانع، ككاتب وكتبة ويسكّن على معنى منعة واحدة والسكون عاميّ. وقال الزمخشري: يسكن في الشعر لا في غيره. الجهد- بفتح الجيم وضمها: الطاقة. الجد- بفتح الجيم: الحظ والسعادة. والمعنى أن علينا أن نجهد وليس علينا أن يكون لنا الظفر والنصر إنما هو من عند اللَّه. لحين: الأكثر جرّ حين هنا، وهو ظرف زمان. نلقى- بفتح النون وإسكان اللام وفتح القاف: مبني للفاعل ويجوز بناؤه للمفعول فيكون مضموم النون. الجياد: جمع جواد، يقال جاد الفرس جوادا بالفتح وجودة بالضم صار جواد بالجري. اللّقاح [ (2) ]- بكسر اللام المشددة وبالقاف والحاء المهملة: جمع لقحة وهي هنا ذوات الدّرّ من الإبل بعد الولادة بشهر أو شهرين ثم هي ذات لبون. يديلنا- بضم المثناة التحتية وكسر الدال المهملة: أي ينصرنا. أخو قريش: أي الذي هو منهم. أوقد بلغكم- بفتح الواو على الاستفهام.

_ [ (1) ] اللسان 3/ 1755. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 833.

ظاهرت: عاونت. أفك- بفتح الهمزة والفاء: صرف عن الحق ومنع منه. أن يشركه- بفتح أوله وثالثه ويقال رباعي أيضا: أي يجعله شريكه. الصّريّين: بصاد مهملة فراء مفتوحتين فمثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة مشددة والثانية ساكنة تثنية صرى- وفي بعض نسخ العيون صيرين تثنية صير- بكسر الصاد. قال في المصباح والتقريب: صرى الماء صرىّ من باب تعب: طال مكثه وتغيّره ويقال طال استنقاعه فهو صرى وصف بالمصدر. وقال في النهاية: الصير الماء الذي يحضره الناس وقد صار القوم يصيّروه إذا حضروا الماء. اليمامة- بفتح المثناة التحتية: مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف وأربع من مكة. السّمامة- بكسر السين المهملة وميمين مفتوحتين: ولم أر لها ذكرا في معجم البكري ولا في معجم البلدان لياقوت، ولا في كتاب الزمخشري في الأماكن ولا في كتاب نصر، ولا في القاموس الذي وقفت عليه. يفري [ (1) ] : يقطع في عرضك. المأثور: السيف الموشّى. الثّغرة: الحفرة التي في الصدر. تبتري [ (2) ]- بتاء مثناة فوقية فموحدة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة. العقب: عصب الظهر. الشزر: هو نظرة العدو. فرشني: قوّني. بريتني: أضعفتني. المجلة: بفتح الميم والجيم واللام: الصحيفة هذا هو أصلها. بعاث- بالعين المهملة ويقال بإعجامها: اسم موضع. حاطه: كلأه ورعاه. يفرشكم- بضم المثناة التحتية وكسر الراء.

_ [ (1) ] المصباح المنير 471. [ (2) ] المعجم الوسيط 1/ 53.

الباب الرابع والثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم

الباب الرابع والثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم قال اللَّه سبحانه وتعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئ بك. وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم فَأَمْلَيْتُ أمهلت لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعقوبة فَكَيْفَ كانَ عِقابِ [الرعد 32] أي فكيف رأيت ما صنعت بهم فكذلك أصنع بمن استهزأ بك. وقال تبارك وتعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بأن أهلكناهم بآفة الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الحجر 95] صفة وقيل مبتدأ ولتضمّنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وَلَقَدْ للتحقيق نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ من الاستهزاء والكذب فَسَبِّحْ متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ أي قبل سبحان اللَّه وبحمده وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ المصلّين وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر 97: 99] الموت. قال الجمهور ومنهم ابن عباس في أكثر الروايات عنه: كانوا خمسة. وقال في رواية: كانوا ثمانية وصححه في الغرر وجزم به أبو عمرو العراقي في الدرر. الأول: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة، وهو ابن خال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال البلاذري: كان إذا رأى المسلمين قال لأصحابه: قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى وقيصر. ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أما كلّمت اليوم من السماء يا محمد. وما أشبه هذا القول. فخرج من عند أهله فأصابته السّموم فاسودّ وجهه حتى صار حبشيّا، فأتى أهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب، فرجع متلدّدا حتى مات عطشا. ويقال أن جبريل صلى الله عليه وسلم أومأ إلى رأسه فضربته الأكلة فامتخض رأسه قيحا ويقال أومأ إلى بطنه فسقى بطنه ومات حبنا. ويقال إنه عطش فشرب الماء حتى انشق بطنه. قلت: والقول الأول رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس، ورواه أيضاً عن الربيع بن أنس. وزاد: وكان رجلا أبيض حسن الجسم. والقول الثاني رواه الطبراني والبيهقي والضياء بسند صحيح. والقول الثالث رواه أبو نعيم من طريقين ضعيفين. والقول الرابع رواه [ (1) ] ... وروى ابن أبي حاتم والبلاذري بسند صحيح عن عكرمة أن جبريل حنى ظهر الأسود حتى احقوقف صدره، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالي خالي. فقال: دعه عنك يا محمد فقد كفيته. ولا تخالف بين هذه الروايات لاحتمال أن جميعها حصل له. امتخض: بالخاء والضاد المعجمتين: أي تحرك.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

الثاني: الحارث بن قيس السهمي

احقوقف: انحنى. الحبن- بحاء مهملة مفتوحتين: عظم البطن. الثاني: الحارث بن قيس السهمي وهو ابن العنطلة ينسب إلى أمه، وكان يأخذ حجرا يعبده فإذا رأى أحسن منه تركه وأخذه الأحسن. وفيه نزلت: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أي مهويّه قدّم المفعول الثاني لأنه أهم وجملة مَنِ مفعول أول لأرأيت أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان 43] حافظا تحفظه من اتباع هواه لا. وكان يقول: لقد غرّ محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت، واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث. فأكل حوتا مملوحا فلم يزل يشرب عليه الماء حتى انقدّ بطنه. ويقال إنه أصابته الذبحة. وقال بعضهم: امتخض رأسه قيحا. قلت: القول الأول رواه عبد الرازق وابن جرير وغيرهما عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس. الثالث: الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى. قال البلاذري رحمه اللَّه: كان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر ثم يمكّون ويصفّرون. وكلّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكلام شقّ عليه فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يعمي اللَّه بصره ويثكله ولده فخرج يستقبل ابنه وقد قدم من الشام، فلما كان ببعض الطريق جلس في ظل شجرة فجعل جبريل صلى الله عليه وسلّم يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها خضراء وبشوك من شوكها حتى عمي فجعل يستغيث بغلامه. فقال له غلامه: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك. ويقال أن جبريل صلى الله عليه وسلم أومأ إلى عينيه فعمي فشغل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم. ولما كان يوم بدر قتل ابنه زمعة بن الأسود، قتله أبو دجانة ويقال قتله ثابت بن الجذع، قتل ابنه عقيل أيضا، قتله حمزة بن عبد المطلب وعلي رضي اللَّه عنهما اشتركا فيه. وقيل قتله عليّ وحده رضي اللَّه عنه. الرابع: مالك بن الطّلاطلة - بطائين مهملتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة- ابن عمرو بن غبشان- بضم الغين المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها شين معجمة- ذكره فيهم ابن الكلبي والبلاذري، وكان سفيها فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم واستعاذ باللَّه من شره فعصر جبريل بطنه حتى خرج خلاؤه من بطنه فمات.

الخامس: العاصي بن وائل السهمي.

وقال البلاذري وقال غير ابن الكلبي، أشار جبريل إليه فامتخض رأسه قيحا وقال آخر: هو عمر بن الطلاطل. وذلك باطل. الخامس: العاصي بن وائل السهمي. قال البلاذري: ركب حمارا له ويقال بغلة بيضاء فلما نزل شعبا من تلك الشعاب وهو يريد الطائف ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة فأصابت رجله شوكة منها فانتفخت حتى صارت كعنق البعير ومات. ويقال إنه لما ربض به حماره أو البغلة لدغ فمات مكانه قلت: القول الأول رواه البلاذري والقول الثاني رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس. الشّبرقة- بكسر الشين المعجمة والراء: رطب الضّريع. وروى الشيخان وابن إسحاق عن خبّاب بن الأرتّ قال: كنت قينا. أي حدّادا- في الجاهلية فعملت للعاصي بن وائل سيوفا- وفي رواية سيفا- فجئته أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقلت: لا أكفر حتى يميتك اللَّه ثم تبعث. قال: وإني لميت ثم مبعوث؟! قلت: بلى. قال: دعني أموت وأبعث فنؤتي مالا وولدا فأعطيك هنالك حقك وو اللَّه لا تكون أنت وصاحبك يا خبّاب آثر عند اللَّه مني ولا أعظم حظّا. فانزل اللَّه تعالى فيه أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا العاصي بن وائل وقال لخبّاب بن الأرتّ القائل له: تبعث بعد الموت والمطالب له بمال: لَأُوتَيَنَّ على تقدير البعث مالًا وَوَلَداً فأقضيك. قال تعالى: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ: أي أعلمه وأن يؤتي ما قاله، واستغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً بأن يوتي ما قاله كَلَّا أي لا يوتى ذلك سَنَكْتُبُ نأمر بكتب ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ من المال والولد وَيَأْتِينا يومَ القيامة فَرْداً [مريم 77: 80] لا مال له ولا ولد. السادس: الحكم بن أبي العاصي بن أمية. قال البلاذري: كان ممن يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يشتمه ويسمعه ما يكره، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم يمشي ذات يوم وهو خلفه يخلج بأنفه وفمه فبقي على ذلك، وأظهر الإسلام يوم الفتح وكان مغموصا عليه في دينه، - فاطَّلع يوما على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في بعض حجر نسائه فخرج إليه بعنزة وقال: من عذيري من هذا الوزغة؟ لو أدركته لفقأت عينه أو كما قال صلى الله عليه وسلّم. ولعنه وما ولد وغرّبه من المدينة فلم يزل خارجا منها إلى أن مات عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه. قلت: وروى أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: كان رجل

السابع: الوليد بن المغيرة:

خلف النبي صلى الله عليه وسلّم يحاكيه ويلمض فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال كذلك كن. فرجع إلى أهله فلبط به مغشيّا عليه شهرا ثم أفاق حين أفاق وهو كما يحاكي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وهذا المبهم الظاهر أنه الحكم. السابع: الوليد بن المغيرة: قال البلاذري فمرّ الوليد برجل يقال له حرّاث- بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين- ابن عامر بن خزاعة، وهو الثّبت- وبعضهم يقول حرّاب بالحاء المهملة والباء الموحدة- وهو يريش نبلا له ويصلحها فوطئ على سهم منها فخدشته خدشا يسيرا، ويقال علق بإزاره فخدش ساقه خدشا خفيفا فأهوى إليه جبريل فانتفض الخدش وضربته الأكلة في رجله أو ساقه فمات. الثامن: أبو لهب، وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم. قال البلاذريّ: وكان يطرح القذر والنتن على باب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فرآه حمزة بن عبد المطلب وقد طرح من ذلك شيئاً فأخذه وطرحه على رأسه، فجعل أبو لهب ينفض رأسه ويقول: صابئ أحمق. فأقصر عما كان يفعل، لكنه كان يدسّ من يفعله. قال: وروى ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم كنت بين شرّ جارين، بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي. قالت: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: يا بني عبد مناف أيّ جوار هذا؟ ثم يميطه عن بابه. قالوا: وبعث أبو لهب ابنه عتبة بشيء يؤذي به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فسمعه يقرأ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [النجم: 1] فقال: أنا كافر برب النجم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: سلط اللَّه عليك كلبا من كلابه، فخرج في تجارة فجاء الأسد وهو بين أصحابه نائم بحوران من أرض الشام فجعل يهمس ويشمّ حتى انتهى إليه فمضغه مضغة أتت عليه، فجعل يقول وهو بآخر رمق: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس؟! ثم مات. قلت: صوابه عتيبة بالتصغير كما سيأتي بسط ذلك في أبواب إجابة دعواته. ومات أبو لهب بداء يعرف- بالعدسة، كانت العرب تتشاءم به وتفرّ ممن ظهر به، فلما أصاب أبا لهب تركه أهله حتى مات ومكث مدة لا يدفن حتى خافوا العار فحفروا له حفرة فرموه فيها. كما سيأتي بيان ذلك. وكانت امرأته أم جميل ابنة حرب تؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثيرا وهي حمالة الحطب، وإنما سماها اللَّه تعالى بذلك لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه بالليل على طريق

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيث يمرّ هو وأصحابه لتعقرهم بذلك، فبينا هي ذات يوم تحمل حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك فجذبها من خلفها بالحبل الذي في عنقها فخنقها به. وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي لبطون من قريش، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال: فإن لكم نذير بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا [ (1) ] ! فانزل اللَّه تعالى: بسم اللَّه الرحمن الرحيم تَبَّتْ خسرت. والتباب: الخسران المفضي إلى الهلاك يَدا أَبِي لَهَبٍ جملته وعبر عنها باليدين مجازا لأن أكثر الأفعال تداول بهما، وكني بأبي لهب لحسنه وجماله وإنما كناه لأنه كان مشتهرا بكنيته دون اسمه وقيل لأن اسمه عبد العزى فلا يناسب في القرآن عبديّة شخص إلى غير اللَّه تعالى وهذه الجملة دعاء وَتَبَّ خسر هو، وهذه خبر كقولهم أهلكه اللَّه وقد أهلكه. ولمّا خوّفه النبي صلى الله عليه وسلّم بالعذاب قال: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي منه بمالي وولدي فأنزل ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وكسبه: أي ولده وأغنى بمعنى يغني سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ أي تلهّب وتوقد فهي مآل تكنيته وَامْرَأَتُهُ: عطف على ضمير يصلى سوّغه الفصل بالمفعول وصفته وهي أم جميل حَمَّالَةَ بالرفع الْحَطَبِ الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم فِي جِيدِها عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ أي ليف وهذه الجملة حال من حمالة الحطب الذي هو نعت المرأته أو خبر مبتدأ مقدر. ولهذا مزيد بيان- في المعجزات. وذكر البلاذري ممن كان يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أبو الأصداء وكان يقول لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم ويقول الناس هو معلّم مجنون فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإنه لعلى جبل إذ اجتمعت عليه الأروى فنطحته حتى قتلته. وذكر ابن إسحاق فيهم: أمية بن خلف الجمحي. قال ابن إسحاق: وكان إذا رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم همزه ولمزه فأنزل اللَّه سبحانه وتعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 609 (4971) .

قال ابن هشام: الهمزة: الذي يشتم الرّجل علانية ويكسر عينه عليه ويغمز به وجعه همزات. واللّمزة: الذي يعيب الناس سرّا ويؤذيهم. النضر بن الحارث. قال ابن إسحاق: ابن كلدة بن علقمة. قال الخشنيّ: والصواب علقمة بن كلدة. كان إذا جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مجلسا فدعا فيه إلى اللَّه وتلا عليهم القرآن وحذّر قريشا ما أصاب الأمم الماضية خلفه في مجلسه إذا قام فحدّثهم عن ملوك الفرس، ثم يقول: واللَّه ما محمد بأحسن حديثا منّي، وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها فأنزل اللَّه: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أكاذيبهم، جمع أسطورة بالضم اكْتَتَبَها انتسخها من القوم بغيره فَهِيَ تُمْلى تقرأ عَلَيْهِ ليحفظها بُكْرَةً وَأَصِيلًا غدوة وعشيا. قال تعالى ردا عليهم: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ الغيب فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً للمؤمنين رَحِيماً بهم. قال ابن إسحاق: وجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فعرض له النّضر فكلّمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم: إِنَّكُمْ يا أهل مكة وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره من الأوثان حَصَبُ جَهَنَّمَ وقودها أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ داخلون فيها لَوْ كانَ هؤُلاءِ الأوثان آلِهَةً كما زعمتم ما وَرَدُوها دخلوها وَكُلٌّ من العابدين والمعبودين فِيها خالِدُونَ لا خلاص لهم منها لَهُمْ للعابدين فِيها زَفِيرٌ صياح وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ [الأنبياء 98: 100] ثم قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأقبل عبد الله بن الزّبعرى- بزاي فباء موحدة مكسورتين فعين مهملة ساكنة فراء فألف مقصورة- وأسلم بعد ذلك، حتى جلس إليهم فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى واللَّه ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد وقد زعم محمد أنّا وما نعبد من- آلهتنا هذه حصب جهنم. فقال عبد الله: أما والله ولو وجدته لخصمته فسلوا محمدا أكلّ ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى ابن مريم. فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله ورأوا أنه قد احتجّ وخاصم. فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كل من أحب أن يعبد من دون اللَّه فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته. فانزل اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا المنزلة الْحُسْنى وهي السعادة أو

تنبيه

التوفيق للطاعة أو البشرى بالجنة ومنهم من ذكر أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لأنهم يرفعون إلى أعلى علّيين ولا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها صوتها: وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ من النعيم خالِدُونَ دائمون لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار وَتَتَلَقَّاهُمُ تستقبلهم الْمَلائِكَةُ عند خروجهم من القبول يقولون لهم هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء 101: 103] في الدنيا [ (1) ] . تنبيه قال السهيلي: لو تأمل ابن الزّبعرى وغيره من كفار قريش الآية لرأى أن اعتراضه غير لازم من وجهين: أحدهما: أنه خطاب متوجه على الخصوص لقريش عبدة الأصنام، وقوله «إنا نعبد الملائكة» حيدة، وإنما وقع الكلام والمحاجّة في اللات والعزّى وهبل وغير ذلك من أصنامهم. والثاني: أن لفظ التلاوة: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ولم يقل ومن تعبدون فكيف يلزم اعتراضه بالمسيح وعزير والملائكة، وهم يعقلون والأصنام لا تعقل؟ ومن ثم جاءت الآية بلفظ ما الواقعة على ما لا يعقل. انتهى. وقال بعض العلماء: ان ابن الزبعرى من فصحاء العرب لا يخفى عليه موضع «من» من «ما» وإنما إيراده من جهة القياس والعموم المعنوي الذي يعمّ الحكم فيه لعموم علته أي إن كان كونه معبودا يوجب أن يكون حصب جهنم فهذا المعنى موجود في الملائكة والمسيح وعزير. وأجيب بالفارق من وجوه: الأول: الآية المتقدمة، لأن عزيرا والمسيح ممن سبقت لهم الحسنى فالتسوية بين الملائكة والأنبياء وبين الأصنام والشياطين من جنس التسوية بين البيع والرّبا وهو شأن أهل الباطل يسوّون بين ما فرّق الشرع والعقل والفطرة بينه، ويفرّقون بين ما سوى اللَّه عز وجل ورسوله بينه. الثاني: الأوثان حجارة غير مكلّفة ولا ناطقة، فإذا حصب بها جهنم إهانة لها ولعابديها- لم يكن في ذلك تعذيب من لا يستحق العذاب. الثالث: أن من عبد هؤلاء بزعمه فإنهم لم يدعوا إلى أنفسهم، وإنما عبد المشركون

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 2/ 89 تفسير ابن كثير 5/ 375.

تنبيه

الشياطين وتوهموا أن العبادة لهؤلاء، وقد برّأ اللَّه تعالى الملائكة والمسيح وعزيرا من ذلك، فما غير اللَّه إلا الشياطين. وهذه كلها منتزعة من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى وإذا تأمل قوله تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [التحريم 6] فأخرج من خلاله أن معبودهم معذّبهم المشتعل عليهم، فهو أبلغ في النّكال وقطع الآمال. الحيدة: بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وهي العدول. ومنهم الأخنس بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح النون فسين مهملة، ابن شريق- بفتح الشين المعجمة وبالقاف- الثقفي واسمه أبيّ وذكر غير واحد إنه أسلم بعد ذلك. قال ابن إسحاق: وكان من أشراف القوم وممن يستمع منه وكان يصيب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم ويردّ عليه، فأنزل اللَّه تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ كثير الحلف بالباطل مَهِينٍ حقير هَمَّازٍ عيّاب أي مغتاب مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ أي ساع بالكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع الناس من الخير من الإيمان والإنفاق والعمل الصالح مُعْتَدٍ ظالم أَثِيمٍ كثير الإثم عُتُلٍّ غليظ جاف بَعْدَ ذلِكَ بعد ما عدّ من مثاليه زَنِيمٍ [القلم: 1- 13] دعيّ في قريش قاله ابن عباس وأنشد على ذلك قول الشاعر: زنيم تداعاه الرّجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم أكارعه [ (1) ] . رواه عبد بن حميد وابن عساكر وبه قال عكرمة وأنشد قول الشاعر: زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغيّ الأمّ ذو حسب لئيم وقيل إنه كان له زنمتان حقيقة. وروى البخاري والنسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هو رجل من قريش نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم وكان له زنمة زائدة في عنقه يعرف بها. تنبيه ما جزم به ابن إسحاق من أن هذه الآيات أنزلت في حق الأخنس رواه ابن أبي حاتم عن السدي وابن سعد وعبد بن حميد عن الشعبي وعبد الرازق وابن المنذر عن الكلبي وقيل

_ [ (1) ] انظر ديوان حسان ص 164.

أنزلت في حق الأسود بن عبد يغوث. رواه ابن مردويه عن ابن عباس وابن أبي حاتم عن مجاهد وقيل أنزلت في الوليد بن المغيرة. ذكره يحيى بن سلام في تفسيره وجزم به غير واحد. ومنهم أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط. قال ابن إسحاق: وكانا متصافيين حسنا ما بينهما. روى ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير وعبد الرزاق في المصنّف وابن جرير وابن المنذر عن مقسم مولى ابن عباس كلاهما عنه، أن أبا معيط وفي رواية عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم بمكة ولا يؤذيه وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام. وفي رواية أنه أمية بن خلف فقالت قريش: صبأ أبو معيط. وفي رواية وكان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا أهل مكة كلهم فصنع طعاما ثم دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه. فقال: اطعم يا ابن أخي. فقال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول، فشهد بذلك وطعم من طعامه. وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشدّ ما كان أمرا. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقال: صبأ. فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه أبو معيط فحيّاه فلم يرد عليه التحية فقال: ما لك لا تردّ عليّ تحيتي. فقال: كيف أردّ عليك تحيتك وقد صبأت. قال: أوقد فعلتها قريش؟ لا واللَّه ما صبأت ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يأكل من طعامي إلا أن أشهد له. فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فشهدت له قال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبزق في وجهه. وفي رواية: فقال: ما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم. ففعل فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم إن مسح وجهه من البزاق. ونقل جماعة منهم أبو ذر الحسني عن أبي بكر النقّاش أن عقبة لمّا تفل في وجه النبي صلى الله عليه وسلم رجع ما خرج منه إلى وجهه فصار برصا. انتهى. ثم التفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن وجدتك خارجا من جبال مكة ضربت عنقك صبرا. وقال أبي بن خلف: واللَّه لأقتلن محمدا. فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء اللَّه. فلما بلغ أبيّا ذلك أفزعه لأنهم لم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم قولا إلا كان حقا. فلما كان يوم بدر، وخرج أصحاب عقبة، أبي أن يخرج فقال له أصحابه: اخرج معنا. فقال: قد وعدني هذا الرجل أن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا. فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه. فخرج معهم، فلما هزم اللَّه المشركين

تنبيهات

وحل به جمله في أخدود من الأرض فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسيرا في سبعين من قريش وقدّم إليه أبو معيط فقال: أتقتلني بين هؤلاء؟ قال: نعم. فقام إليه علي بن أبي طالب فضرب عنقه. ولم يقتل من الأسارى يومئذ غيره. فلما كان يوم أحد خرج أبيّ مع المشركين فجعل يلتمس غفلة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليحمل عليه فيحول رجل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينه، فلما رأى ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: خلّوا عنه. فأخذ الحربة ورماه بها فوقعت في ترقوته فلم يخرج منه دم كثير واحتقن الدم في جوفه، فجعل يخور كما يخور الثّور فاحتمله أصحابه وهو يخور فقالوا: ما هذا الذي بك! فو اللَّه ما بك إلا خدش. فقال: واللَّه لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني! أليس قد قال: أنا أقتله. واللَّه لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم. فما لبث إلا يوما حتى مات. وأنزل اللَّه تعالى في أبي معيط: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ندما وتحسّرا في القيامة قال سفيان الثوري: يأكل يديه ثم تنبت. رواه ابن أبي حاتم. وقال أبو عمران الجوني: بلغني أنه يعضهما حتى ينكسر العظم ثم يعود. يقول: يا للتنبيه لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ محمد صلى الله عليه وسلم سَبِيلًا طريقا إلى الهدى يا وَيْلَتى الألف عوض عن ياء الإضافة أي ويلتي ومعناه هلكتي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ القرآن بَعْدَ إِذْ جاءَنِي بأن ردني عن الإيمان به. قال تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ الكافر خَذُولًا [الفرقان: 27- 29] بأن يتركه ويتبرأ منه عند البلاء. تنبيهات الأول: قال ابن سعد: قلت للواقدي قال اللَّه تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر: 95] وهذه السورة مكية؟ فقال: سألت مالكا وابن أبي ذئب عند هذا فقال: كفاه إياهم فبعضهم عمي وبعضهم مات فشغل عنه وبعضهم كفاه إياه إذ هيأ اللَّه له من أسباب مفارقته بالهجرة ما هيأه له. وقال غيرهما: كفاه أمرهم فلم يضروه بشيء. الثاني: قال البلاذري ذكر غير الواقدي أن المستهزئين جميعا هلكوا في وقت واحد وقول الواقدي أثبت. الثالث: أكثر الروايات على أن عقبة بن أبي معيط هو الذي أسلم وأن أبيّا هو الذي ردّه. وفي بعضها ضد ذلك. فاللَّه أعلم. ومنهم أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

قال البلاذريّ: وغيره: كناه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك وكان يكنى قبل ذلك أبا الحكم. قال: وروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال من قال لأبي جهل أبا الحكم فقد أخطأ خطيئة يستغفر اللَّه منها. وروى عنه أنه قال: لكل نبي فرعون وفرعون هذه الأمة أبو جهل. قال ابن إسحاق: ولقي أبو جهل بن هشام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني- فقال له: واللَّه يا محمد لتتركن سبّ آلهتنا أو لنسبّنّ إلهك الذي تعبد. فانزل اللَّه تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام 108] فذكر لي إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم كفّ عن سبّ آلهتهم وجعل يدعوهم إلى اللَّه عز وجل. ولما أنزل اللَّه عز وجل: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ [الدخان 43] تخويفا لهم بها قال أبو جهل: يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوّفكم بها محمد؟ قالوا: لا. قال: عجوة يثرب بالزّبد! واللَّه لئن استمكنّا منها لنتزقّمنَّ منها. فانزل اللَّه تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ هي من أخبث الشجر المرّ بتهامة نبتها في الجحيم طَعامُ الْأَثِيمِ أي أبي جهل وأصحابه ذوي الإثم الكثير كَالْمُهْلِ أي كدرديّ الزيت الأسود خبر ثان يَغْلِي فِي الْبُطُونِ بالفوقانية خبر ثان وبالتحتانية حال من المهل كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان: 43- 47] الماء الحار الشديد الحرارة. الآيات.

المجلد الثالث

[المجلد الثالث] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب معراجه صلى الله عليه وسلّم قد كنت أفردت كتابا حافلا في هذا الباب سمّيته: «الآيات البيّنات في معراج سيد أهل الأرض والسماوات» ، ثم ظفرت بأشياء لم يتيسّر الوقوف عليها إذ ذاك، فجمعت كتابا آخر سمّيته: «الفضل الفائق في معراج خير الخلائق» ، فاجتمع فيه فوائد ونفائس لا توجد مجموعة إلا فيه، فرأيت أن أذكر هنا خلاصته:

الباب الأول في بعض فوائد قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير 17: 1 [الإسراء 1] .

الباب الأول في بعض فوائد قوله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء 1] . الكلام على هذه الآية من وجوه: الأول: في سبب نزولها: قال الإمام العالم العلامة أبو حيّان أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي- بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالطاء المهملة- في تفسيره المسمى بالنهر: «سبب نزولها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الإسراء به كذّبوه، فأنزلها الله تعالى» . الثاني: في وجه اتصال هذه السورة بما قبلها: قال الإمام فخر الدين الرازي، والبرهان النسفي: «وجه الاتصال بما قبلها أن في تلك السورة ذكر الخليل صلى الله عليه وسلم وذكر أوصافه الشريفة، وتشريعاته العليّة من الحضرة الأزلية، والأمر باتباع ملّة الحنيفية، والإقتداء به في العقائد الدينية، وفي هذه السورة ذكر من اتّبع ملّته بالصدق، وأقام سنّته على الحق، وفي آخر تلك السورة أمر نبينا صلى الله عليه وسلم: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل 125] . وأمره بعد ذلك بالصّبر فقال: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل 127] والصّبر هو التحمل للمكاره، والتّحمل من جملة ما يؤدّي إلى التّجمل، ومنه ما ذكر في أول هذه السورة. النّهر: لما أمره الله تعالى بالصبر، ونهاه عن الحزن عليهم، وأن يضيق صدره من مكرهم، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسّخر والشّعر وغير ذلك مما رموه به، فأعقب الله تعالى ذلك بشرفه وفضله واحتفائه به وعلو منزلته عنده. الشيخ رحمه الله تعالى في مناسباته: «هذه السورة والأربعة بعدها من قديم ما نزل، روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال في سورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: هنّ من العتاق الأول وهنّ من تلادي» . التّلاد- بكسر المثناة الفوقية وتخفيف اللام أي مما حفظ قديما، وهذا وجه في ترتيبها، وهو اشتراكها في قدم النزول وكونها مكيّات، وكلها مشتملة على القصص. وظهر لي في وجه اتصالها بسورة النحل أنه سبحانه وتعالى لما قال في آخرها: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل 124] . فسّر في هذه السورة شريعة أهل السبت وشأنهم، فذكر فيها جميع ما شرع لهم في التوراة. كما روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «التوراة كلها في خمس

الثالث: في حكمة استفتاحها بالتسبيح:

عشرة آية من بني إسرائيل» . وذكر عصيانهم وفسادهم وتخريب مسجدهم، ثم ذكر استفزازهم النبي صلى الله عليه وسلم وإرادتهم إخراجه من المدينة وسؤالهم إياه عن الروح. ثم ختم السورة بآيات موسى التسع، وخطابه مع فرعون. وأخبر أن فرعون أراد أن يستفزهم من الأرض فأهلك. وأرّث بني إسرائيل الأرض من بعدهم. وفي ذلك تعريض بهم أنهم كما استفزوا النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، فسيخرجون منها ويرثها هو وأصحابه كنظير ما وقع لهم مع فرعون لما استفزهم. وقد وقع ذلك أيضا. ولما كانت السورة مصدّرة بتخريب المسجد الأقصى افتتحت بذكر إسراء سيدنا محمد المصطفى إليه، تشريفا لحلول ركابه الشريف وجبرا لما وقع من تخريبه. انتهى. الثالث: في حكمة استفتاحها بالتسبيح: ابن الجوزي في زاد المسير: الحكمة في الإتيان به هنا وجهان: أحدهما: أن العرب تسبّح عند الأمر العجيب، فكأن الله تعالى عجّب خلقه بما أسدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإسراء به. الثاني: أن يكون خرج مخرج الرد عليهم، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حدّثهم عن الإسراء به كذّبوه، فيكون المعنى تنزّه الله تعالى أن يتّخذ رسولا كذّابا. القاضي تاج الدين السبكي في تذكرته سأل الإمام: ما الحكمة في افتتاح سورة الإسراء بالتسبيح والكهف بالتحميد؟ وأجاب بأن التسبيح حيث جاء قدّم على التحميد نحو: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [النصر 3] سبحان الله والحمد لله. وأجاب ابن الزّملكاني- بفتح الزاي واللام-: [أن] سورة سبحان لما اشتملت على الإسراء وكذّب المشركون به النبي صلى الله عليه وسلم، وتكذيبه تكذيب لله تعالى، أتي «بسبحان» لتنزيه الله عز وجل عما ينسب إليه من الكذب، وسورة الكهف لما نزلت بعد سؤال المشركين عن قصة أصحاب الكهف وتأخير الوحي نزلت مبيّنة أن الله تعالى لم يقطع نعمته على نبيّه ولا على المؤمنين، بل أتم عليهم النعمة بإنزال الكتاب، فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة. الرابع: في الكلام على سبحان الله: محمود الكرماني في «برهانه» : «كلمة استأثر الله تعالى بها، فبدأ بالمصدر في بني إسرائيل ثم بالماضي في الصّفّ والحشر لأنه أسبق، ثم بالمضارع في الجمعة والتغابن، ثم بالأمر في الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها» ، انتهى. وقوله: «فبدأ بالمصدر» أي بالاسم الموضوع موضع المصدر.

وروى الحاكم أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى «سبحان الله» ، فقال: «تنزيه الله من كل سوء» . وروى ابن أبي حاتم عن علي رضي الله تعالى عنهما، قال: «سبحان الله، اسم يعظّم الله تعالى به نفسه ويتحاشى به عن السوء» . الماوردي رحمه الله تعالى: «هو ذكر يعظّم الله تعالى به لا يصلح إلا له» . وأما ما ذكره في قول الشاعر. «سبحان من علقمة الفاخر» . فعلى سبيل الشذوذ. صاحب النّظم [ (1) ] : «السبّح- في اللغة- التباعد، يدل عليه قوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا [المزمل 7] ، أي تباعدا طويلا. فمعنى سبح الله تعالى بعده عما لا ينبغي. وللتسبيح معان أخر ذكرتها في كتاب: القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز. الإمام موفق الدين بن يعيش رحمه الله تعالى في شرح المفصّل: «اعلم أنهم قد علّقوا الأعلام على المعاني فأطلقوها على الأعيان، فمن ذلك قولهم: سبحان، وهو عندنا علم واقع على معنى التسبيح، وهو مصدر معناه البراءة والتنزيه وليس منه فعل، وإنما هو واقع التسبيح الذي هو المصدر في الحقيقة، جعل علما على هذا المعنى فهو معرفة لذلك، ولا ينصرف للتعريف وزيادة الألف والنون. وأما قول الشاعر: «سبحانه ثم سبحانا يعود له» ، ففي تنوينه وجهان: أن يكون ضرورة، والثاني: أن يكون أراد الفكرة» . الضياء بن العلج رحمه الله، في البسيط: «لفظ المصدر لأنه مصدر سبّح إذا قال: سبحان الله، ومدلول سبحان التنزيه لا اللفظ» . قلنا: التسبيح بمعنى التنزيه أيضا لأن معنى سبّحت نزّهت الله تعالى، فتطابقا حينئذ على معنى التنزيه، فصحَّ تعليق سبحان على التسبيح، واستعماله علما قليل، وأكثر استعماله مضافا اما إلى فاعله أو إلى مفعوله. فإذا أضيف فليس بعلم لأن الأعلام لا تضاف. قال: وقيل «سبحان» في البيت مضاف حذف المضاف إليه للعلم به وليس بعلم» .

_ [ (1) ] أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني القاضي بجرجان ثم بالري ذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقاته فقال: كان فقيها أديبا شاعرا وفيه يقول الصاحب بن عباد: إذا نحن سلمنا لك العلم كله ... فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها انظر شذرات الذهب 3/ 56، 57.

أبو عمرو بن الحاجب [ (1) ] رحمه الله تعالى في أماليه: «الدليل على أن سبحان علم للتسبيح قول الشاعر: قد قلت لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر [ (2) ] ولولا أنه علم لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية» . الشهاب السمين رحمه الله تعالى في إعرابه: «قيل هو مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي، وهو من الأسماء اللازمة للإضافة. وقد يفرد، وإذا أفرد منع من الصرف للتعريف، وزيادة الألف والنون كما في البيت السابق. وقد جاء منوّنا كقوله: سبحانه ثمّ سبحانا يعود له ... وقبلنا سبّح الجودي والجمد [ (3) ] فقيل ضرورة وقيل هو بمنزلة قبل وبعد، إن نوى تعريفه بقي على حاله، وإن نكّر أعرب، منصرفا. وهذا البيت يساعد على كونه مصدرا لا اسم مصدر لوروده منصرفا. ولقائل القول الأول أن يجيب عنه بأن هذا نكرة لا معرفة. وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية فلا تنصرف. والناصب له فعل مقدّر لا يجوز إظهاره» . أبو شامة رحمه الله: «حيث جاء منصوبا نصب المفعول المطلق اللازم إضمار فعله، وفعله إما فعل أمر أو خبر. وهو في هذه السورة محتمل للأمرين أي سبّحوا الذي أسرى بعبده أو سبّح الذي أسرى بعبده، على أن يكون ابتداء ثناء الله تعالى علي نفسه كقول (الحمد لله رب العالمين) » . القرطبي رحمه الله تعالى: «العامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه لا من لفظه إذ لم يجيء من لفظه فعل، وذلك مثل قعد القرفصاء واشتمل الصّمّاء. فالتقدير عنده أنزّه الله تعالى تنزيها، فوقع «سبحان الله» مكان [ (4) ] قولك تنزيها» . انتهى. الزمخشري رحمه الله تعالى: «سبحان علم للتسبيح كعثمان لرجل وانتصابه بفعل

_ [ (1) ] عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين بن الحاجب: فقيه مالكي، من كبار العلماء بالعربية. كردي الأصل. ولد في أسنا (من صعيد مصر) ونشأ في القاهرة، وسكن دمشق، ومات بالإسكندرية سنة 646 هـ. وكان أبوه حاجبا فعرف به. من تصانيفه «الكافية» في النحو، والشّافية» في الصّرف، و «منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل» . انظر الأعلام 4/ 211. [ (2) ] البيت للأعشى ويروى أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر انظر لسان العرب 2/ 1914. [ (3) ] البيت لأمية بن أبي الصلت انظر اللسان 2/ 1915 [ (4) ] في أ: فهو بمنزلة.

الخامس: في الكلام على"أسرى":

مضمر [متروك إظهاره، تقديره] أسبّح الله سبحان. ثم نزل منزلة الفعل فسدّ مسدّه ودلّ على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله» . الطيبي رحمه الله تعالى: «وذلك في جلب هذا المصدر في أصل هذا التركيب للتوكيد، وهو أسبّح تسبيحا ثم أسبح سبحان، ثم في حذف العامل وإقامته مقامه للدلالة على أن المقصود بالذات هو المصدر، والفعل تابع، فيفيد الإخبار بسرعة وجود التنزيه» . وروى عن الكسائي أنه جعل منادى تقديره يا سبحانك، وأباه الجمهور. السفاقسي والسمين [ (1) ] : «وردّ بأنه لم يسمع دخول حرف النداء عليه، وزعم بعضهم أن لفظه لفظ التثنية ومعناه كذلك كلبّيك. وهو غريب. ويلزمه أن يكون مفرده سبحا وألا يكون منصوبا بل مرفوعا، وأن نونه لم تسقط بالإضافة وأن فتحها يلزم» . ومن الغرائب أيضا ما حكاه الماوردي عن أبان بن تغلب- بالمثناة الفوقية والغين المعجمة- أن سبحان كلمة أصلها بالنبطية «شبهانك» فعرّبت «سبحانك» . والذي أضيف إلى سبحان مفعول به لأنه المسبّح، ويجوز أن يكون فاعلا لأن المعنى تنزه الذي أسرى بعبده. الخامس: في الكلام على «أسرى» : البرهان النسفي: قال أهل اللغة: أسرى وسرى لغتان. زاد غيره: يختصان بسير الليل. السمين: فيكون سرى وأسرى كسقى وأسقى. والهمزة هنا ليست للتعدية، خلافا لابن عطية، وإنما المعدّى الباء في «بعبده» . وتقدم في البقرة أنها لا تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول عند الجمهور، خلافا للمبرد. وبسط الكلام على ذلك هنا وفي البقرة. السفاقسي: الباء للتعدية وترادف الهمزة عند الجمهور خلافا للمبرد والسهيلي في أنها تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في الفعل بخلاف الهمزة حتى قال السهيلي: إذ قلت قعدت به فلا بد من مشاركة ولو باليد. وردّ عليهما بالآية: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [البقرة 17] لأن الله لا يوصف بالذهاب مع النور. وردّ عليهما أيضا بقول الشاعر:

_ [ (1) ] أحمد بن يوسف بن محمد، وقيل: عبد الدائم، العلامة شهاب الدين أبو العباس الحلبي ثم المصري، النحوي المقرئ الفقيه، المعروف بابن السمين. قرأ النحو على أبي حيان، والقراءات على ابن الصائغ، وسمع وولي تصدير إقراء النحو بالجامع الطولوني، وأعاد بالشافعي، وناب في الحكم بالقاهرة، وولي نظر الأوقاف بها، وصنف تصانيف حسنة، منها تفسير القرآن مطول، وقد بقي منه أوراق قلائل، قال الحسيني: في عشرين سفرا، وإعراب القرآن سماه الدر المصون في أربعة أجزاء، ومادته فيه من تفسير شيخه أبي حيان إلا أنه زاد عليه، وناقشه في مواضع مناقشة حسنة وقد قمنا بتحقيقه، وأحكام القرآن وشرح التسهيل شرحا مختصرا من شرح أبي حيان، وشرح الشاطبية. قال الإسنوي: كان فقيها بارعا في النحو، والتفسير، وعلم القراءة، ويتكلم في الأصول خيرا دينا. توفي في جمادى الآخرة، وقيل: في شعبان سنة ست وخمسين وسبعمائة بالقاهرة. ابن قاضي شهبة 1813.

ديار الّتي كانت ونحن على منى ... تحلّ بنا لولا نجاء الرّكائب [ (1) ] أي تحلنا فالباء هنا للتعدية، ولم تقتض المشاركة لأن الديار لم تكن حراما فتصير حلالا، ولكون الباء بمعنى الهمزة لا يجمع بينهما، فلا يقال أذهبت بزيد. وجزم ابن دحية- بفتح الدال وكسرها- وابن المنير، بما قاله المبرّد فقالا: «يؤخذ من قوله: «أسرى بعبده» ما لا يؤخذ إن قيل: بعث إلى عبده، لأن الباء تفيد المصاحبة، أي صحبه في مسراه بالإلطاف والعناية والإسعاف» . زاد ابن دحية: «ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت الصاحب في السفر» . ويؤخذ من ذلك أن من قال: لله علي إن أحجّ بفلان، يلزمه الحجّ معه، بخلاف ما لو قال: لله علي إن أحجّ فلانا، فإنه يلزمه أن يجهّزه للحج من ماله. والفرق بين الصورتين ما تعطيه الباء من المصاحبة» . انتهى. وتقدم ردّ ذلك. الحافظ: «أسرى مأخوذ من السّرى وهو سير الليل، فقول العرب أسرى وسرى إذا سار ليلا، هذا قول الأكثر» . وقال الحوفي: أسرى سار ليلا، وسرى سار نهارا» . قال الحافظ في موضع آخر: «وقيل أسرى سار من أول الليل، وسرى سار من آخره» وهذا أقرب. ولم يختلف القراء في أسرى، بخلاف قوله تعالى في قصة لوط: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [هود 81] . فقرئت بالوصل والقطع، وفيه تعقيب على من قال من أهل اللغة: أن أسرى وسرى بمعنى. قال السهيلي: «السّرى من سريت إذا سرت ليلا، يعني فهو لازم. والإسراء يتعدى في المعنى، لكن حذف مفعوله حتى ظنّ من ظنّ أنهما بمعنى واحد، وإنما معنى «أسرى بعبده» ، جعل البراق يسري به، كما تقول: أمضيت كذا أي جعلته يمضي، لكن حذف المفعول لقوة الدلالة عليه، والاستغناء عن ذكره، إذ المقصود بالذكر المصطفي لا الدابة التي سارت به. وأما قصة لوط فالمعنى: سر بهم على ما يتحملون عليه من دابة ونحوها، هذا معنى قراءة القطع. ومعنى الوصل: سر بهم ليلا، ولم يأت مثل ذلك في الإسراء، إلا أنه لا يجوز أن يقال: «سرى بعبده» بوجه من الوجوه» . قال الحافظ والنسفي: «الذي جزم به هو من هذه الحيثية التي قصر فيها الإشارة إلى أنه سار ليلا على البراق. والآن لو قال قائل: سرت بزيد بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحا.

_ [ (1) ] البيت لقيس بن الخطيم انظر اللّسان 1/ 972.

السادس: في الكلام على العبد:

السادس: في الكلام على العبد: أجمع المسلمون على أن المراد بالعبد هنا سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لغة المملوك من نوع من يعقل. قال في المحكم: «العبد الإنسان حرّا كان أو رقيقا، لأنه مملوك لبارئه» . وقال غيره: «إنه مشتق من التعبد وهو التذلل» . قال ابن الأنباري: «العبد الخاضع لله من قولهم: طريق معبّد إذا كان قد وطئها الناس» . وللإمام جمال الدين بن مالك [ (1) ] بيتان في جموع عبد، وذيّل الشيخ رحمه الله عليهما بمثلهما ووطّأ قبلهما ببيت، فقال: جموع لعبد لابن مالك نظمها ... وزدت عليها مثلها فاستفد وجد عباد عبيد جمع عبد وأعبد ... أعابد معبودا معبّدة عبد كذلك عبدان وعبدان أثبتا ... كذاك العبدّى وامدد إن شئت أن تمد وقد زيد أعباد عبود عبدّة ... وخفّف بفتح والعبدّان إن تشد وأعبدة عبدون ثمّت بعدها ... عبيدون معبودا بقصر فخذ تسد الإسنوي [ (2) ] رحمه الله تعالى: «قال سيبويه: العبد في الأصل صفة، ولكنه استعمل استعمال الأسماء» . الشيخ زكريا [ (3) ] رحمه الله تعالى في فتح الرحمن «قال تعالى: «بعبده» دون نبيه أو حبيبه لئلا تضل أمته أو لأن وصفه بالعبودية المضافة إلى الله تعالى أشرف المقامات» .

_ [ (1) ] محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني، أبو عبد الله، جمال الدين: أحد الأئمة في علوم العربية. ولد في جيان (بالأندلس) وانتقل إلى دمشق فتوفي فيها. أشهر كتبه «الألفية» في النحو، وله «تسهيل الفوائد» ، و «شرحه له» توفي سنة 672 هـ. الأعلام 6/ 233، بغية الوعاة 53، وغاية النهاية 2/ 180. [ (2) ] عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم، الإمام العلامة، منقح الألفاظ، محقق المعاني، ذو التصانيف المشهورة المفيدة، جمال الدين أبو محمد القرشي، الأموي، الإسنوي المصري. ولد باسنا في رجب سنة أربع وسبعمائة، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع الحديث، واشتغل في أنواع من العلوم، توفي فجأة في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، ودفن بتربته بقرب مقابر الصوفية. ومن تصانيفه: جواهر البحرين في تناقض الحبرين والتنقيح على التصحيح- وشرح المنهاج للبيضاوي وهو أحسن شروحه وأنفعها- والهداية في أوهام الكفاية- والمهمات- والتمهيد- وطبقات الفقهاء- وطراز المحافل في ألغاز المسائل- ومن تصانيفه أيضا: كافي المحتاج في شرح منهاج النووي. انظر الطّبقات لابن قاضي شهبة 3/ 98، 99، 100، والبدر الطالع 1/ 352، والعقد المذهب لابن الملقن 287، والأعلام 4/ 119، وشذرات الذهب 6/ 224. [ (3) ] زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي المصري الشافعي، أبو يحيى: شيخ الإسلام. قاض مفسر، من حفاظ الحديث. ولد في سنيكة (بشرقية مصر) وتعلم في القاهرة وكف بصره سنة 906 هـ. نشأ فقيرا معدما، له تصانيف كثيرة منها «فتح الرحمن في التفسير» ، و «تحفة الباري على صحيح البخاري» و «فتح الجليل» تعليق على تفسير البيضاوي، و «شرح إيساغوجي» في المنطق، و «شرح ألفية العراقي» في مصطلح الحديث، و «شرح شذور الذهب» في النحو، و «تحفة نجباء العصر» . توفي سنة 926 هـ. الأعلام 3/ 46.

الأستاذ أبو علي الدقاق [ (1) ] رحمه الله تعالى: «ليس للمؤمن صفة أتمّ ولا أشرف من العبودية، ولهذا أطلقها الله تعالى علي نبيه في أشرف المواطن، كقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء 1] ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف 1] ، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى [النجم 10] ، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ [الفرقان 1] . الشيخ عبد الباسط البلقيني رحمه الله: «ومن هنا يؤخذ الجواب عن وصفه صلى الله عليه وسلّم بذلك ووصف يحيى عليه السلام بالسيادة في قوله تعالى: وَسَيِّداً، وَحَصُوراً [آل عمران 39] . الأستاذ أبو القاسم القشيري [ (2) ] رحمه الله: «في معناه أنشدوا: يا قوم قلبي عند زهراء ... يعرفه السّامع والرّائي لا تدعني إلّا بيا عبدها ... فإنّه أشرف أسمائي» العوفي رحمه الله: «والسبب في ذلك أن الإلهية والسيادة والربوبية إنما هي في الحقيقة لله عز وجل لا غير. والعبودية في الحقيقة لمن دونه. فإذا كان في مقام العبودية فهو في رتبته الحقيقية، والرتبة الحقيقة أشرف المراتب إذ ليس بعد الحقيقة إلا المجاز، ولا بعد الحق إلا الضلال» . البرهان النسفي رحمه الله: «قيل لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعراج، أوحى الله تعالى إليه: يا محمد أشرفك؟. قال: يا رب تنسبني إلى نفسك بالعبودية، فانزل الله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ الآية. وأقوال القوم في العبد والعبودية كثيرة، والألفاظ مختلفة معانيها، وكل أحد يتكلم

_ [ (1) ] الحسين بن علي بن محمد، الأستاذ أبو الدقاق النيسابوري، الزاهد العارف، شيخ الصوفية. تفقه بمرو عند الخصري، وأعاد عند القفال وبرع في الفقه، ثم سلك طريق الصوفية، وصحب الأستاذ أبا القاسم النصرآباذي، وأخذ الطريقة عنه، وزاد عليه حالا ومقالا، واشتهر ذكره في الآفاق، وانتفع به الخلق، ومنهم أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة، وحكى عنه أحوالا وكرامات. مات في ذي الحجة سنة ست وأربعمائة، وقيل: سنة خمس. انظر طبقات ابن قاضي شهبة 1/ 178. [ (2) ] عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد، الأستاذ أبو القاسم القشيري النيسابوري. أحد العلماء بالشريعة والحقيقة. أخذ الطريقة عن الشيخ أبي على الدقاق وأبي عبد الرحمن السلمي، ودرس الفقه على أبي بكر الطوسي حتى فرغ من التعليق وقرأ الكلام على أبي بكر بن فورك وأبي إسحاق الاسفراييني وبرع في ذلك، وحج مع البيهقي وأبي محمد الجويني. ذكره الخطيب البغدادي ومات قبله، وقال: كتبنا عنه وكان ثقة، وكان يقص، وكان حسن الموعظة، مليح الإشارة، وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعري والفروع على مذهب الشافعي. وقال ابن السمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة. وقال ابن خلكان: صنف أبو القاسم التفسير الكبير، وهو من أجود التفاسير، وصنف الرسالة في رجال الطريقة، وذكر له الذهبي مصنفات أخر. ولد في ربيع الأول سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وتوفي في ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة عن تسع وثمانين سنة، ودفن إلى جانب أستاذه أبي علي بالمدرسة. ابن قاضي شهبة 11/ 254.

السابع: في الكلام على قوله تعالى: "ليلا".

بلسان حاله على قدر مقامه، فقال أبو حفص النيسابوري رحمه الله: «العبد هو القائم إلى أوامر سيده على حدّ النشاط حيث جعله محل أمره» . ابن عطاء [ (1) ] رحمه الله: «العبد الذي لا ملك له» . الجريري- بفتح الجيم-: «حقيقة العبد هو الذي يتخلّق بأخلاق ربّه» . رويم رحمه الله تعالى: «يتحقق العبد بالعبودية إذا أسلم القياد من نفسه وتبرّأ من حوله وقوته، وعلم أن الكل له وبه» . عبد الله بن محمد رحمه الله: «حزت صفة العبودية إن كنت لا ترى لنفسك ملكا، وتعلم أنك لا تملك لها نفعا ولا ضرا. ورحم الله من قال: وكنت قديما أطلب الوصل منهم ... فلمّا أتاني الحلم وارتفع الجهل تيقّنت أنّ العبد لا مطلب له ... فإن قرّبوا فضل وإن أبعدوا عدل وإن أظهروا لم يظهروا غير وصفهم ... وإن ستروا فالسّتر من أجلهم يحلو الإمام الرازي رحمه الله، دل قوله بعبده على إن الإسراء كان بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن العبد اسم للجسد والروح، قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلَّى [العلق: 9، 10] . السابع: في الكلام على قوله تعالى: «ليلا» . الحافظ رحمه الله تعالى: «ليلا ظرف للإسراء وهو للتأكيد، وفائدته رفع توهم المجاز، لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا، ويقال بل هو إشارة إلى أن ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه، والعرب تقول: سرى فلان ليلا إذا سار بعضه، وسرى في ليلة إذا سار في جميعها. ولا يقال أسرى ليلا إلا إذا وقع سيره في أثناء الليل، وإذا وقع في أوله يقال أدلج، ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبنى إسرائيل: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا [الدخان: 23] ، أي من وسط الليل» . أبو شامة رحمه الله تعالى: إنما نسب السّرى إلى الليل لما كان السّرى واقعا فيه كقوله تعالى: وَالنَّهارَ مُبْصِراً [يونس: 67] ، أي يبصر فيه، فهو من باب قوله: «ليل نائم وساهر، أي يحصل فيه النوم والسّهر، وهذا باب من أبواب المجاز معروف» .

_ [ (1) ] أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل تاج الدين، ابن عطاء الله الإسكندري: متصوف شاذلي، من العلماء. كان من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية. له تصانيف منها «الحكم العطائية- ط» في التصوف، و «تاج العروس- ط» في الوصايا والعظات، و «لطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن- ط» توفي بالقاهرة. وينسب إليه كتاب «مفتاح الفلاح» وليس من تأليفه.

واستشكل كثير من الناس كون «ليلا» ظرفا للإسراء. ووجه الإشكال أنه قد تقدم أن الإسراء هو سير الليل، فإذا أطلق الإسراء فهم أنه واقع ليلا، فهو كالصّبوح في شرب الصباح، لا يحتاج إلى قوله: شربت الصّبوح صباحا. وجوابه أن الأمر وإن كان كذلك إلا أن العرب تفعل مثل ذلك في بعض الأوقات إذا أرادت تأكيد الأمور. والتأكيد نوع من أنواع كلامهم وأسلوب منه. والعرب تقول: أخذ بيده، وقال بلسانه. وفي القرآن العزيز: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: 38] ، يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ [آل عمران: 167] ، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 26] ، وقال جرير: سرى نحوها ليلا كأنّ نجومه ... قناديل فيهنّ الذّبال المفتّل [ (1) ] الذّبال: جمع ذبالة- بضم الذال المعجمة وهي الفتيلة. الجوهري [ (2) ] : «وإنما قال ليلا، وإن كان السّرى لا يكون إلا بالليل للتأكيد، كقولهم: سرت أمس نهارا والبارحة ليلا. الزمخشري: [فإن قلت الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟ قلت] : أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء وأنه وقع السّرى في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة «من الليل» أي بعض الليل كقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء: 79] يعني الأمر بقيام الليل في بعض الليل. قال أبو شامة: «وهذا الوجه لا بأس به، وقد زاد شيخنا أبو الحسن- يعنى السخاوي في تفسيره أيضا وتقريرا، فقال: وإنما قال: «ليلا» ، والإسراء لا يكون إلا بالليل، لأن المدة التي أسرى به فيها لا تقطع في أقل من أربعين يوما، فقطعت به في ليل واحد المعنى سبحان الذي أسرى بعبده في ليل واحد من كذا إلى كذا، وهو موضع التعجب» . قال: «وإنما عدل عن ليلة إلى ليل، لأنهم إذا قالوا: سرى ليلة، كان ذلك في الغالب لاستيعاب الليلة، فقيل: ليلا أي في ليل» . وتعقّب صاحب الفوائد كلام الزمخشري بكلام تعقبه فيه الطيبي، ثم قال الطيبي:

_ [ (1) ] انظر ديوان جرير (343) . [ (2) ] إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر. لغويّ، من الأئمة. وخطه يذكر مع خط ابن مقلة. أشهر كتبه «الصحاح» - وله كتاب في «العروض» ومقدمة في «النحو» أصله من فاراب، ودخل العراق صغيرا، وسافر إلى الحجاز فطاف البادية، وعاد إلى خراسان، ثم أقام في نيسابور.. توفي 993 هـ الأعلام 1/ 313.

«ويمكن أن يراد بالتنكير التعظيم والتفخيم، والمقام يقتضيه، ألا ترى كيف افتتحت السورة بالكلمة المنبئة عنه؟ ثم وصف المسرى به بالعبودية، ثم أردف تعظيم المكانين بالحرام وبالبركة لما حوله، يعظّم الزمان ثم يعظّم الآيات بإضافتها إلى صيغة التعظيم، وجمعها لتشمل جميع أنواع الآيات، وكلّ ذلك شاهد صدق على ما نحن بصدده، والمعنى ما أعظم شأن من أسري [به] ممّن حقّق له مقام العبودية، وصحّح له استنهاله للعناية السرمدية ليلا، أي ليل له شأن جليل. ابن المنير رحمه الله تعالى: «وإنما كان الإسراء ليلا لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفا، ولأنه وقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: 2] وليكون أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب، وفتنة للكافر» . ابن دحية رحمه الله: «كرم الله نبينا صلى الله عليه وسلم ليلا بأمور منها: انشقاق القمر، وإيمان الجنّ به، ورأى أصحابه نيرانهم، كما في صحيح مسلم، وخرج إلى الغار ليلا. والليل أصل، ولهذا كان أول الشهور، وسواده يجمع ضوء البصر، ويحدّ كليل النّظر، ويستلذّ فيه بالسّمر. وكان أكثر أسفاره ليلا. وقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم- بالدّلجة فإن الأرض تطوى بالليل» . والليل وقت الاجتهاد للعبادة. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تورّمت قدماه. وكان قيام الليل في حقّه واجبا، فلما كانت عبادته ليلا أكرم بالإسراء [به] فيه ليكون أجر المصدّق به أكثر، ليدخل فيمن آمن بالغيب دون من عاينه نهارا، وقدّم الحق تبارك وتعالى اللّيل في كتابه على ذكر النهار، فقال عز وجل: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ [الإسراء: 12] ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً [الفرقان: 62] إلى غير ذلك من الآيات» . وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» ، الحديث [ (1) ] . وهذ الخصيصة لم تجعل للنهار، نبّه بها صلى الله عليه وسلم لما في ذلك الوقت من الليل من سعة الرحمة ومضاعفة الأجر وتعجيل الإجابة، ولإبطال كلام الفلاسفة أن الظّلمة من شأنها الإهانة والشّرّ، لأن الله تعالى أكرم أقواما في الليل بأنواع الكرامات كقوله في قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ [الأنعام: 76] الآية. وفي لفظ بقوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 66 (دار الفكر) ومسلم 1/ 521 (168- 758) وأبو داود (1315- 4733) وابن ماجة (1366) والبيهقي في السنن 3/ 2

الثامن: في الكلام على قوله تعالى (من المسجد الحرام) :.

[هود: 81] . وفي موسى: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف: 142] وناجاه ليلا، وأمره بإخراج أهله ليلا. بعض أهل الإشارات: «لما محا الله آية الليل، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [الإسراء: 12] انكسر الليل، فجبر بأن أسري فيه بمحمد صلى الله عليه وسلم» . انتهى. أبو أمامة بن النّقّاش رحمه الله: «ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر أفضل في حق الأمة، لأنها لهم خير من عمل أكثر من ثمانين سنة ممن كان قبلهم. وأما ليلة الإسراء فلم يأت في أرجحية العمل فيها حديث صحيح ولا ضعيف، ولذلك لم يعيّنها النبي صلى الله عليه وسلم» . ويؤخذ من قول الإمام البلقيني رحمه الله في قصيدته التي مدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم: أولاك رؤيته في ليلة فضلت ... ليالي القدر فيها الرّبّ أرضاكا أن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر. قال في الاصطفاء: «ولعل الحكمة في ذلك اشتمالها على رؤيته تعالى التي هي أفضل كل شيء، ولذا لم يجعلها ثوابا عن عمل من الأعمال مطلقا، بل منّ بها على عباده المؤمنين يوم القيامة تفضّلا منه تعالى. تنبيه: اختلف هل الليل أفضل من النهار؟ فرجّح كلّا مرجّحون. وقد ألف الإمام أبو الحسين بن فارس [ (1) ] اللغوي كتابا في التفضيل بينهما فذكر وجوها في تفضيل هذا ووجوها في تفضيل هذا. الثامن: في الكلام على قوله تعالى (من المسجد الحرام) :. «من» ههنا لابتداء الغاية. الزركشي رحمه الله في كتابه: «أعلام الساجد بأحكام المساجد» : المسجد لغة مفعل بالكسر اسم لمكان السجود وبالفتح اسم للمصدر» .

_ [ (1) ] أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين: من أئمة اللغة والأدب. قرأ عليه البديع الهمذاني والصاحب ابن عباد وغيرهما من أعيان البيان. أصله من قزوين، وأقام مدة في همذان، ثم انتقل إلى الريّ فتوفي فيها سنة 395 هـ، وإليها نسبته. من تصانيفه «مقاييس اللغة- ط» «المجمل» ، و «الصاحبيّ» في علم العربية، ألفه لخزانة الصاحب بن عباد، و «جامع التأويل» في تفسير القرآن، أربعة مجلدات، و «النيروز» و «الإتباع والمزاوجة» و «الحماسة المحدثة» و «الفصيح» و «تمام الفصيح» و «متخير الألفاظ» و «ذمّ الخطأ في الشعر» و «اللامات» و «أوجز السير لخير البشر» الأعلام 1/ 193.

التاسع: في الكلام على قوله: الحرام.

قال أبو زكريا الفرّاء [ (1) ] : «كل ما كان على فعل يفعل كدخل يدخل، فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا، فلا يقع فيه الفرق مثل دخل مدخلا. ومن الأسماء ما ألزموها كسر العين منها: المسجد والمطلع والمغرب والمشرق وغيرها، فجعلوا الكسر علامة للاسم، وربما فتحه بعض العرب. وقد روى المسجد المسجد والمطلع المطلع» . قال: «والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه» . قال في الصحاح: «والمسجد بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه السجود. وقال أبو حفص الصقلى- بفتحتين- في كتاب تثقيف اللسان «ويقال مسجد بفتح الميم، حكاه غير واحد، فتحصلنا فيه على ثلاث لغات» . والمسجد بكسر الميم الخمرة بضم الخاء المعجمة وهي الحصير الصغير، قاله العسكري. وأما عرفا فكل موضع من الأرض لقوله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» . قلت وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الخصائص. ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتقّ اسم المكان منه، فقيل مسجد، ولم يقولوا مركع. ثم إن العرف خصّص المسجد بالمكان المهيّا للصلوات الخمس حتى يخرج المصلّى المجتمع فيه للأعياد ونحوها، فلا يعطى حكمه، وكذلك الرّبط والمدارس فإنها هيّئت لغير ذلك. التاسع: في الكلام على قوله: الحرام. أبو شامة: أصل الحرام المنع، ومنه البيت الحرام، وفلان حرام أي محرم وهو ضد الحلال، وذلك لما منع منه المحرم مما يجوز لغيره، ولما منع في الحرم مما يجوز في غيره من البلاد. الماوردي رحمه الله في كتاب الجزية من حاويه: «كلّ موضع ذكر الله تعالى فيه المسجد الحرام فالمراد به الحرم، إلا في قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 144] فإنه أراد به الكعبة. الحافظ رحمه الله تعالى: «لفظ المسجد الحرام في الأصل حقيقة الكعبة فقط، وهو

_ [ (1) ] يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بني أسد (أو بني منقر) أبو زكرياء، المعروف بالفراء: إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو. من كتبه «المقصور والممدود» ، و «المذكر والمؤنث» ، وكتاب «اللغات» . واشتهر بالفراء. ولما مات وجد «كتاب سيبويه» تحت رأسه فقيل: إنه كان يشيع خطأه ويتعمد مخالفته. توفي سنة 207 هـ. انظر الأعلام 8/ 145، 146. ووفيات الأعيان 2/ 288، وغاية النهاية 2/ 371.

العاشر: في الكلام على الأقصى.

المغنيّ بقوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ [آل عمران: 96] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو ذرّ عن أول مسجد وضع في الأرض فقال: «المسجد الحرام» . واستعمله بعد ذلك في المسجد المحيط بالكعبة في قوله: «صلاة في المسجد الحرام بكذا وكذا صلاة» ، على وجه التغليب المجازي. وفي قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الإسراء: 1] على قول من يقول المراد به مكة، لأنه كان في بيت أم هانئ. وفي دور مكة والحرم حولها في قوله: «ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام» . كل ذلك من باب التغليب المسوغ للمجاز المتوسّع فيه وإلا لزم الاشتراك في موضع لفظ المسجد الحرام، والمجاز أولى منه، وكيف يقال بالاشتراك؟ والفهم ما تبادر عند الإطلاق إلى الكعبة، أو إليها مع المسجد حولها، ولا يتبادر إلى مكة كلها إلا بقرينة» . انتهى ملخّصا. العاشر: في الكلام على الأقصى. البرهان النسفي رحمه الله: «اتفقوا على أن المراد به مسجد بيت المقدس، وسمّي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام» . الزمخشري رحمه الله: «سمّى الأقصى لأنه لم يكن وراءه مسجد» . الكفيل: فثبت له هذا النّعت وإن كان وراءه بعد [ (1) ] مساجد هي أقصى منه، لأن العلمية إذا أثبتت لسبب لم يضرّ زوال السبب» . ابن دحية رحمه الله: «وهو معدن الأنبياء من لدن الخليل صلى الله عليه وسلم، ولذا جمعوا له هناك كلهم، وأنهم في محلتهم ودارهم، ليدل ذلك على أنه الرئيس المقدّم، والإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم» . أبو شامة: «هو بيت المقدس الذي عمره نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلّم بأمر الله عز وجل، وما زال مكرّما محترما، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال شرعا إلا إليها، أي لا تقصد بالزيارة والتعظيم من جهة أمر الشارع إلا هذه الثلاثة. وكان أبعد مسجد عن أهل مكة أو من النبي صلى الله عليه وسلم، والأقصى أفعل من القصيّ والقاصي هو البعيد» . ابن أبي جمرة- بفتح الجيم وبالراء- رحمه الله: «والحكمة في إسرائه صلى الله عليه وسلم أولا إلى بيت المقدس، لإظهار الحق على من عاند، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء، لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والإيضاح. فلما ذكر أنه أسرى به إلى بيت المقدس سألوه عن أشياء من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا إنه لم يكن رآها قبل ذلك. فلما أخبرهم بها

_ [ (1) ] في أ: كانت بعد وراءه

حصل التحقق بصدقه فيما ذكر من الإسراء به إلى بيت المقدس في ليلة. وإذا صحّ خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكر» . انتهى. وقيل: ليحصل له العروج مستويا من غير تعويج لما روي عن كعب أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل باب بيت المقدس، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. الحافظ: «وفيه نظر. وقيل ليجمع بين القبلتين، لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أسباب الفضائل. وقيل لأنه محل الحشر، فأراد الله تعالى أن تطأه قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم ببركة أثر قدميه. وقيل أراد الله سبحانه وتعالى أن يريه القبلة التي صلى إليها مدة، كما عرفت الكعبة التي صلى إليها. وقيل لأنه مجمع أرواح الأنبياء فأراد الله تعالى أن يشرّفهم بزيارته صلى الله عليه وسلم. وقيل لتفاؤل حصول التقدير له حساّ ومعنى. ابن دحية: «ويحتمل أن يكون الحق سبحانه وتعالى أراد ألّا يخلي تربة فاضلة من مشهده ووطء قدميه، فتمّم تقديس بيت المقدس بصلاة سيدنا محمد فيه. فلما تمم تقديسه به، أخبر صلى الله عليه وسلم أنه: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام لأنه مولده ومسقط رأسه وموضع نبوّته، ومسجد المدينة، لأنه محل هجرته وأرض تربته، والمسجد الأقصى، لأنه موضع معراجه صلى الله عليه وسلم» . رموز الكنوز: «فإن قيل الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، فهلّا أخبرهم تعالى بعروجه إلى السماء؟ قلت: استدرجهم إلى الإيمان بذكر الإسراء أولا، فلما ظهرت أمارات صدقه، وصحّت لهم براهين رسالته، واستأنسوا بتلك الآية الخارقة، أخبرهم بما هو أعظم منها وهو المعراج، فحدّثهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى سورة النّجم» . الإمام الرازي والبرهان: «اعلم أن كلمة «إلى» لانتهاء الغاية فمدلول قوله تعالى: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أنه وصل إلى ذلك المسجد، ولا دلالة في اللفظ على أنه دخل» . قلت: قال المحققون: إذا كانت «إلى» لانتهاء الغاية، فإن دلّت قرينة على دخول ما بعدها عمل بها، نحو قرأت القرآن من أوله إلى آخره. فالقرينة هنا ذكر الآخر وجعله غاية. وقيل القرينة هي كون الكلام مسبوقا لحفظ القرآن كله، وذلك مناف لخروج الغاية، فتعيّن دخولها، أو دلّت القرينة على خروج ما بعدها عمل بها نحو: أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187] . والقرينة في آية الإسراء العلم لا يسرى به إلى البيت المقدس ولا يدخله وصرّحت السّنّة الصحيحة بما اقتضته القرينة من دخوله صلّى الله عليه وسلم بيت المقدس.

الحادي عشر: معنى قوله: باركنا حوله 17: 1:

الحادي عشر: معنى قوله: بارَكْنا حَوْلَهُ: الراغب رحمه الله: «البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، والمبارك ما فيه ذلك الخير» . المصباح: «البركة الزيادة والنّماء، وبارك الله تعالى فيه فهو مبارك، والأصل مبارك فيه» . الأنموذج: فإن قيل: كيف قال: بارَكْنا حَوْلَهُ، ولم يقل باركنا عليه أو فيه، مع أن البركة في المسجد تكون أكثر من خارج المسجد وحوله، خصوصا المسجد الأقصى؟ قلنا أراد البركة الدنيوية كالأنهار الجارية والأشجار المثمرة، وذلك حوله لا فيه. وقيل أراد البركة الدينية فإنه مقر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومتعبّدهم ومهبط الوحى والملائكة. وإنما قال: بارَكْنا حَوْلَهُ، لتكون بركته أعمّ وأشمل، فإنه أراد بما حوله ما أحاط به من أرض الشام وما قاربه منها، وذلك أوسع من مقدار بيت المقدس، ولأنه إذا كان هو الأصل، وقد بارك في لواحقه وتوابعه من البقاع كان هو مباركا فيه بالطريق الأولى بخلاف العكس. وقيل أراد بالبركة: الدينية والدنيوية ووجههما ما مرّ. وقيل المراد: باركنا ما حوله من بركة نشأت منه، فعمّت جميع الأرض، لأن مياه الأرض كلها أصل انفجارها من تحت صخرة بيت المقدس» . انتهى. الكفيل: «فإن قيل إذا كانت البركة حول المسجد الأقصى فماذا يتميز عليه المسجد الحرام؟ قلت: البركة حول المسجد الأقصى باعتبار الدنيا ورفاهيتها وخصبها، والبركة حول المسجد الحرام باعتبار الدين والفضل وتضعيف الحسنات فيه للطائفين والعاكفين والمتوطنين والوافدين، لأن الأجر يكون على قدر النّصب، وهو واد غير ذي زرع، نزهه الله عن خصب الدنيا وسعتها، لئلا يكون القصد إليه ممزوجا بقصد الدنيا، فهذه البركة الدينية أفضل من تلك البركة الدنيوية» . انتهى. «وحوله» منصوب على الظرف أي أوقعنا البركة حوله، وقيل تقديره: باركنا ما حوله. أبو عبيد الهروي رحمه الله تعالى: «رأيت الناس حوله وحواليه وحواله ويجمع أحوالا» . الراغب: حول الشيء جانبه الذي يمكن أن يتحوّل إليه والضمير راجع إلى المسجد الأقصى» . الثاني عشر: في الكلام على قوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا. السّمين وابن عادل [ (1) ] : «قرأ العامة بنون العظمة، جريا على «باركنا» ، وفيه التفات من

_ [ (1) ] عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي، أبو حفص، سراج الدين: صاحب التفسير الكبير «اللباب في علوم الكتاب» توفي سنة 880. انظر الأعلام 5/ 58.

الغيبة في قوله: أَسْرى بِعَبْدِهِ إلى التكلم في «باركنا» و «لنريه» ، وقرأ الحسن «ليريه» بالمثناة التحتية أي الله تعالى» . وعلى هذه القراءة في الآية أربع التفاتات، لأنه التفت أولا من الغيبة في «أسرى» إلى التكلم في «باركنا» . ثم التفت ثانيا من التكلم في «باركنا» إلى الغيبة. «ليريه» ثم التفت ثالثا إلى التكلم في «آياتنا» . ثم التفت رابعا إلى الغيبة في إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. الزمخشري: «وطريقة الالتفات من طرق البلاغة. الطيبي: «وذكرك أن قوله: «سبحان الذي أسرى بعبده» يدل على مسراه من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، فهو بالغيب أنسب. وقوله: الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ دالّ على إنزال البركات وتعظيم شأن المنزل، فهو بالحكاية على التفخيم أحرى. وقوله: «ليريه» بالياء إعادة إلى مقام السّرّ والغيبوبة من هذا العالم، فالغيبوبة بهما أليق. وقوله: «من آياتنا» عود إلى التعظيم على ما سبق وقوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ إشارة إلى مقام اختصاصه بالمنح والزّلفى وغيبة شهوده في عين «بي يسمع وبي يبصر» فالعود إلى الغيبة أولى» انتهى. ومعنى الرؤية هو ما أري تلك الليلة من العجائب والآيات الدّالة على قدرة الله تعالى ومنها ما ذكره في القصة. أبو شامة: «من» هنا للتبعيض، وإنما أتي بها هنا تعظيما لآيات الله، فإن هذا الذي رآه محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان جليلا عظيما فهو بعض بالنسبة إلى جملة آيات الله وعجائب قدرته وجليل حكمته. والآية العلامة الظاهرة على ما يلازمها، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهاج، ثم وجد العلم على أنه وجد الطريق، وكذا إذا وجد شيئا مصنوعا، فإنه يعلم إنه لا بد له من صانع، فآية الشيء علامته الظاهرة، ثم غلب ذلك على صدق الرسل، وعلى الإلهية وكرامات الأولياء وما أشبه ذلك» . البرهان النسفي: «فإن قيل الآية تدل على أنه تبارك وتعالى ما أراه إلا بعض الآيات وقال في حق إبراهيم صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الانعام: 75] ، يدل على أنه تعالى أراه جميع الآيات، فيلزم أن يكون معراج إبراهيم أفضل من معراج محمد صلى الله عليه وسلم، فنقول: ملكوت السموات والأرض بعض آيات الله أيضا بعضا مخصوصا، والبعض المطلق أفضل من البعض المخصوص، إذ المطلق يصرف إلى الكامل. والجواب المشهور عنه هو أن بعض آيات الله أفضل من ملكوت السموات والأرض. انتهى. الثالث عشر: في الكلام على قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. السمين: «الصحيح إن الضمير في «إنّه» لله تبارك وتعالى» . الطيبي: «ولا يبعد أن يرجع الضمير إلى العبد، كما نقله أبو البقاء عن بعضهم، قال: إنه

السميع» ، لكلامنا، «البصير» لذاتنا. وأما توسّط ضمير الفعل فللإشعار باختصاصه بهذه الكرامة وحده، ولعل السّرّ في مجيء الضمير محتملا للأمرين الإشارة إلى المطلوب وأنه صلّى الله عليه وسلم إنما رأى رب العزّة وسمع كلامه به» . الماوردي: «في الحكمة بالإتيان بالسميع والبصير هنا وجهان أحدهما: أحدهما: أنه تعالى وصف نفسه بهما، وإن كانا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها، لأنه حفظ لرسوله عند الإسراء به في ظلمة الليل، فلم يضرّه ألّا يبصر فيها، وسمع كلامه دعاءه فأجابه إلى ما سأل. الثاني: أن قومه لما كذّبوه حين أخبرهم بإسرائه، فقال: السميع، يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب. البصير، فيما يفعله من الإسراء والمعراج. الزمخشري: «إنه هو السمّيع» لأقوال محمد، «البصير» بأفعاله، العالم بتهذّبها وخلوصها فيكرمه ويقرّبه على حسب ذلك. ولم يتعقّب ذلك الطيبي ولا السّكوني- بالفتح والضمّ- في التمييز مع مبالغته في التنكيب [ (1) ] والاعتراض عليه. وقال صاحب الكفيل: «ذكر صفتي السمع والبصر تنبيهاً على أنه علم حيث يجعل رسالاته وكراماته، والبصير بآياته، وكما أنه أعلم فهو أسمع وأبصر. والمراد أنه السميع لمن صدّق بالإسراء البصير بمن كذّب به» ، ثم ذكر كلام الزمخشري السابق، ثم قال: «وفي كلامه هذا إيماء إلى القول بإيجاب الجزاء وتلويح إلى اعتقاده أن فضائل النبوة مكتسبة، فاحذر هذه العقيدة. انتهى. الغزالي رحمه الله: المقصد الأسنى: «السميع هو الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فيسمع السّرّ والنجوى، بل ما هو أدق وأخفى، ويدرك دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصّمّاء، يسمع بغير أصمخة وآذان، وسمعه منزّه عن أن يتطرّق إليه الحدثان. ومهما نزّهت السمع عن تغير المسموعات وقدّسته عن أن يسمع بأذن وآلة علمت أن السمع في حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات. ومن لم يدقق نظره فيه وقع بالضرورة في بحر التشبيه فخذ حذرك ودقّق فيه نظرك» . وقال أيضا: «البصير هو الذي يشاهد ويرى ولا يعزب عنه ما تحت الثّرى، وإبصاره منزّة عن أن يكون بحدقة وأجفان، مقدّس عن أن يرجع عن انطباع الصور والألوان في ذاته تعالى، كما تنطبع في حدقة الإنسان، وأن ذلك من التغير والتأثير المقتضي للحدثان. وإذا نزّه عن ذلك كان البصر في حقه عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المصنوعات، والله تعالى أعلم بالصواب» .

_ [ (1) ] التنكيب: التنحية. انظر المعجم الوسيط 2/ 958.

الباب الثاني في تفسير أول سورة النجم

الباب الثاني في تفسير أول سورة النجم قال الله سبحانه وتعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: 1: 18] . الكلام على هذه الآيات من وجوه: الأول: في سبب نزولها. النهر: «سببه قول المشركين إن محمدا يختلق القرآن» . الثاني: في مناسبة هذه السورة لما قبلها: قال الإمام الرازي والبرهان النسفي رحمهما الله، قد قيل: إن السّور التي تقدمت وهي التي أقسم الله تعالى فيها بالأسماء دون الحروف: الصّافّات والذاريات والطور وهذه السورة بعدها، فالقسم في الأولى لإثبات الوحدانية، كما قال: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الصافات: 4] . وفي الثانية لوقوع الحشر والجزاء، كما قال تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ. وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ [الذاريات: 5، 6] . وفي الثالثة لدوام العذاب بعد وقوعه كما قال تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ [الطور: 7، 8] . وفي هذه السورة لبيان النبوة كما قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [النجم: 1] إلخ. لتكمل الأصول الثلاثة: الوحدانية والحشر والنبوة» . والوجه الآخر في المناسبة لما قبلها هو أن الكفرة بالغوا في المكابرة والمعاندة في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وطعنوا فيما نطق به من الكلام، كما مرّ بيانه في تلك السورة، فقال في هذه ما يدل على صدقه في دعواه، وصدق ما نطق به وأجراه مؤكّدا بالقسم. وأما مناسبة أول هذه السورة إلى آخر ما قبلها فمن وجوه: أحدها: أن اختتام تلك السورة بالنجم وافتتاح هذه السورة بالنجم مع القسم. ثانيها: أنه تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر في آخر تلك السورة، كما قال تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الطور: 48] والصبر أمر صعب، فذكر في أول هذه السورة ما يدل على علو منزلته وعظم شأنه ليسهل عليه ذلك الأمر. ثالثها: لما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ [الطور: 49] بيّن له أنه جزاه بخير، فقال: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [النجم: 2] وزاد الشيخ رحمه الله

الثالث: في الكلام على القسم الواقع هنا.

تعالى، في مناسبته وجها آخر، وهو أن [سورة] الطور فيها ذكر ذرّية المؤمنين وأنهم تبع لآبائهم، وهذه فيها ذكر ذرّية اليهود في قوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ [النجم: 32] . فقد روى ابن المنذر وابن حبان عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال: «كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبيّ صغير هو صدّيق، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كذبت يهود، ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقيّ أو سعيد» . فانزل الله تعالى عند ذلك: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ الآية. ولما قال الله تعالى هناك في المؤمنين: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور: 21] أي ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين مع نفعهم بعمل آبائهم، قال هناك في الكفار أو في الكبار: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم: 39] ، خلاف ما ذكر في المؤمنين الصغار» . انتهى. أبو حيان رحمه الله: «هذه السورة مكية، ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهر، لأنه تعالى قال: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [الطور: 33] أي اختلق القرآن، ونسبوه إلى الشّعر، وقالوا هو كاهن، هو مجنون، فأقسم تعالى أنه صلى الله عليه وسلم ما ضلّ، وأن ما أتى به هو الوحي من الله. وهي أول سورة أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءتها في الحرم، والمشركون يسمعون، وفيها سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته وقال يكفي هذا» . قلت: ذكر أبي لهب هنا غريب. روى الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود قال: أول سورة نزلت فيها سجدة، النجم، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته قتل كافرا وهو أمية بن خلف. وروى ابن مردويه وابن خلف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وسجد من حضر من الجن والإنس والشجر، زاد ابن أبي شيبة إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة، وسمى أحد الرجلين المبهمين في الرواية السابقة، والثاني الوليد بن المغيرة كما عند ابن سعد. وروى البخاري عن ابن عباس قال: سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس. الثالث: في الكلام على القسم الواقع هنا. الشيخ رحمه الله تعالى في الإتقان: [وقد قيل ما معنى القسم منه تعالى؟ فإنه إن كان لأجل المؤمن] فالمؤمن يصدّق بمجرد الإخبار من غير قسم، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده، وأجيب بأن القرآن نزل بلغة العرب، ومن عادتها القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرا. وأجاب الأستاذ- بضم الهمزة وبالذال المعجمة- أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى

بأن الله ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها وذلك أن الحكم يفصل باثنين إما بالشهادة وإما بالقسم، فذكر تعالى في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجّة فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران: 18] وقال: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس: 53] وعن بعض الأعراب أنه لما سمع قوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ [الذاريات: 22] فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات: 23] ، صاح وقال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين؟ ولا يكون القسم إلا باسم معظّم، وقد أقسم الله تعالى بنفسه، في القرآن في سبعة مواضع، بقوله: قُلْ إِي وَرَبِّي [يونس: 53] ، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن: 7] ، فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ [مريم 68] ، فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 92] ، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [النساء: 65] ، فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج: 40] ، والباقي كله قسم بمخلوقاته. فإن قيل: كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير الله تعالى؟ قلنا أجيب عنه بأوجه: الأول أنه على حذف مضاف أي ورب النّجم. وكذا الباقي. الثاني: أن العرب كانت تعظّم هذه الأشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفونه. الثالث: أن الأقسام إنما تكون بما يعظّمه المقسم ويجلّه وهو فوقه. والله سبحانه وتعالى ليس فوقه شيء، فأقسم تارة بنفسه وتارة بموضوعاته لأنها تدل على بادئ وصانع. ابن أبي الإصبع [ (1) ] رحمه الله تعالى في كتابه أسرار الفواتح: «القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع لأن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل. وروى ابن حاتم عن الحسن قال: «أن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه وليس لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى ... والقسم إما ظاهر وإما مضمر وهو قسمان: قسم دلّت عليه اللام نحو لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ [آل عمران: 186] وقسم دلّ عليه المعنى نحو: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: 71] تقديره: والله ... وأكثر الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو، فإذا ذكرت الباء أتي بالفعل كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ [الأنعام: 109] يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ [النساء: 62] ولا تجد الباء مع حذف الفعل، ومن ثم أخطأ من جعل قسما

_ [ (1) ] حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة، من عدوان، ينتهي نسبة إلى مضر: شاعر حكيم شجاع جاهلي. لقب بذي الإصبع لأن حية نهشت إصبع رجله فقطعها، ويقال: كانت له إصبع زائدة. وعاش طويلا حتى عدّ في المعمرين. له حروب ووقائع وأخبار. وشعره مليء بالحكمة والعظة والفخر، قليل الغزل والمديح، وهو صاحب القصيدة المشهورة التي يقول في أولها: «أأسيد إن مالا ملكت ... فسر به سيرا جميلا» انظر الأعلام 2/ 173.

بالله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] ، بِما عَهِدَ عِنْدَكَ [الأعراف: 134] . قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ [المائدة: 116] . ابن القيم: «اعلم أن الله سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور وإنما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته. وأقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته، فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب كقوله تعالى، فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات: 23] وإما على جملة طلبية كقوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: 92، 93] ، مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القسم فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلا بدّ أن يكون مما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور المشهورة الظاهرة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض، فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها. وأما ما أقسم عليه الرّبّ فهو من آياته، فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس» . الإمام الرازي رحمه الله تعالى: «أقسم تعالى في بعض السور بمجموع كقوله تعالى: وَالذَّارِياتِ، وفي بعضها بإفراد كقوله وَالطُّورِ، ولم يقل والأطوار والبحار، والكلمة فيه أن أكثر الجموع أقسم عليها بالمتحركات. والريح الواحدة ليست بثابتة مستمرة حيث يقع القسم عليها، بل هي متبدّلة بأفرادها، مستمرة بأنواعها، والمقصود منها لا يحصل إلا بالتبدّل والتغيّر، فقال: وَالذَّارِياتِ إشارة إلى النوع المستمر لا إلى الفرد غير المستقر. وأما الجبل فهو ثابت غير متغيّر عادة، فالواحد من الجبال قائم زمانا ودهرا فأقسم في ذلك بالواحد. وكذلك قوله: «وَالنَّجْمِ» ، ولو قال: والريح، لما علم المقسم به وفي الطور علم. والسّور التي افتتاحها القسم بالأسماء دون الحروف، كان القسم فيها لإثبات أحد الأصول الثلاثة وهي: الوحدانية والرسالة والحشر وهي التي يتم بها الإيمان. ثم إنه تعالى لم يقسم لإثبات الوحدانية إلا في سورة واحدة من تلك السور وهي: الصّافَّات، حيث قال تعالى فيها: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الصافات: 4] ، وذلك لأنهم وإن كانوا يقولون: أجعل الآلهة إلها واحدا، على سبيل الإنكار فقد كانوا يبالغون في الشرك، لكنهم في تضاعيف أقوالهم وتصاريف أحوالهم كانوا يصرّحون بالتوحيد، وكانوا يقولون: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الزمر: 3] وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت: 61] . فلم يبالغوا في الحقيقة والإنكار المطلوب الأوّل، فاكتفي بالبرهان ولم يكثر من

الأيمان في سورتين منها أقسم لإثبات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونه رسولا في إحداهما بأمر، وهو قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [النجم: 1، 2] . وفي الثانية بأمرين وهو قوله تبارك وتعالى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [الضحى: 1، 2، 3] وذلك لأن القسم على إثبات رسالته قد كثر بالحروف والقرآن العظيم، كما في قوله تعالى: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس: 1، 2، 3] . وقد ذكرنا الحكم فيه أن من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فأقسم به ليكون في القسم إشارة واقعة إلى البرهان. وفي باقي السّور كان المقسم عليه الحشر والجزاء، وما يتعلق به يكون إنكارهم في ذلك خارجاً عن الحد، وعدم استيفاء ذلك في سور القسم بالحروف. وأقسم تعالى بمجموع السلامة المؤنثة في خمس سور، ولم يقسم بمجموع السلامة المذكرة في سورة أصلا. فقال وَالصَّافَّاتِ [الصافات: 1] ، وَالذَّارِياتِ [الذاريات: 1] ، ولم يقل «والصالحين من عبادي» ، ولا المقربين، إلى غير ذلك، مع أن الذكور أشرف وذلك لأن المجموع بالواو والنون في الأمر الغالب، لمن يعقل. وقد ذكرنا أن القسم بهذه الأشياء ليس لبيان التوحيد إلا في صورة ظهر الأمر فيه، وحصل الاعتراف منهم، ولا للرسالة لحصول ذلك في سورة القسم بالحروف والقرآن، بقي أن يكون المقصود إثبات الحشر والجزاء، لكن إثبات الحشر لثواب الصالح وعقاب الطالح، ففائدة ذلك راجعة إلى من يعقل فيلزم أن يكون القسم بغيرهم. والسّور التي أقسم فيها لإثبات الوحدانية أقسم في أول الأمر بالساكنات حيث قال: وَالصَّافَّاتِ وفي السّور الأربع الباقية أقسم بالمتحركات فقال: وَالذَّارِياتِ، وَالْمُرْسَلاتِ [المرسلات: 1] ، والنَّازِعاتِ [النازعات: 1] وَالْعادِياتِ، وذلك لأن الحشر فيه جمع وتفريق، وذلك بالحركة أليق. وفي السور الأربع أقسم بالرياح على ما بين، وهي التي تجمع وتفرّق، فالقادر على تأليف السحاب المتفرق بالرياح الذارية والمرسلة قادر على تأليف الأجزاء المتفرقة بطريق من الطرق التي يختارها بمشيئته تبارك وتعالى» . وقال الإمام أيضا في موضع آخر: «اعلم أنه تعالى لم يقسم على الوحدانية ولا على النبوة كثيرا، لأنه أقسم على الوحدانية في سورة الصافات، وأما النبوة فأقسم عليها بأمر واحد في هذه السورة، وبأمرين في سورة «والضحى» ، وأكثر من القسم على الحشر وما يتعلق به. فإن قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [الليل: 1] وقوله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها [الشمس: 1] وقوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [البروج: 1] ، إلى غير ذلك، كلها في الحشر وما يتعلق به، وذلك لأن دلائل الوحدانية كثيرة، كلها عقلية كما قيل:

الرابع: في الكلام على النجم 53: 1 [النجم: 1] :

وفي كلّ شيء له آية ... تدل على أنه واحد [ (1) ] ودلائل النبوة أيضا كثيرة، وهي المعجزات المشهورة المتواترة، وأما الحشر فإمكانه يثبت بالعقل، وهذا أظهر، وأما وقوعه فلا يمكن إثباته إلا بالسمع، فأكثر فيه القسم ليقطع به المكلّف ويعتقده اعتقادا جازما. الرابع: في الكلام على النَّجْمِ [النجم: 1] : صاحب القاموس: «في المطلع النّجم الكوكب الطالع والجمع أنجم وأنجام ونجوم ونجم، والنّجم أيضا الثريّا، والنّجم من النبات ما نجم على غير ساق، والنّجم الوقت المضروب» . اللباب لابن عادل: «سمّي الكوكب نجما لطلوعه، وكل طالع نجما» ، يقال: نجم السّنّ والقرن والنّبت إذا طلع، زاد القرطبي: «ونجم فلان ببلد كذا أي خرج على السلطان» . ابن القيّم: «اختلف الناس في المراد بالنّجم، فقال الكلبي عن ابن عباس: أقسم بالقرآن إذ أنزل نجوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع آيات وثلاث آيات والسورة، وكان بين أوله وآخره عشرون سنة، وكذلك روى عطاء عنه، وهو قول مقاتل والضحاك ومجاهد، واختاره الفرّاء» . والهويّ على هذا القول النزول من أعلى إلى أسفل، وعلى هذا سمّي القرآن نجما لتفرقه في النزول. والعرب تسمي التفرق تنجّما والمتفرق منجّما. ونجوم الكتابة أقساطها، وتقول جعلت مالي على فلان نجوما منجّمة، كل نجم كذا وكذا. وأصل هذا أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت لحلول ديونها وآجالها، فيقولون: إذا طلع النجم يريدون الثّريّا- حلّ عليك كذا، ثم جعل كل نجم تفريقا وإن لم يكن موقّتا بطلوع نجم. قال الإمام الرازي: «ففي هذا القسم استدلال بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم على صدقه، وهو كقوله تعالى: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس: 1، 2، 3] وقال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة وعطية: يعني الثّريّا إذا سقطت وغابت، وهويّها مغيبها، وهو الرواية الأخرى عن مجاهد، والعرب إذا أطلقت النّجم تعني به الثريا، قال الشاعر: إذا طلع النجم عشاء ... ابتغى الرّاعي كساء [ (2) ] وفي الحديث: «ما طلع نجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا ارتفع» ، رواه الإمام

_ [ (1) ] البيت لأبي العتاهية وقبله فيا عجبا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاهد ولله في كل بحر يابسة ... وفي كل تسكينة شاهد انظر الديوان. دار الكتب العلمية ص 62. [ (2) ] البيت في الكشاف 4/ 27.

أحمد، وأراد بالنجم الثريا. وهذا القول اختاره ابن جرير والزمخشري. وقال السمين إنه الصحيح، لأن هذا صار علما بالغلبة» ، وقال عمر بن أبي ربيعة: أحسن النّجم في السماء الثريا ... والثّريا في الأرض زين النّساء قال الإمام الرازي: «ومناسبة هذا القول إن الثريا أظهر النجوم عند الرائي لأن له علامة لا تلتبس بغيره في السماء ويظهر لكل أحد. والنبي صلى الله عليه وسلم يتميز عن الكل بآيات بيّنات، فأقسم به، ولأن الثريا إذا ظهرت من المشرق بالبلد حان إدراك الثمار، وإذا ظهرت بالشتاء أو الخريف تقل الأمراض. والنبي صلى الله عليه وسلم إذا ظهر، قلّ الشك والأمراض القلبية وأدركت الثمار الحكمية» . وقال أبو حمزة، بالحاء المهملة والزاي: «والثمالي- بضم المثلثة وتخفيف الميم وباللام: يعني النجوم إذا انتثرت يوم القيامة. وقيل أراد به الشّعرى. وقال السدّي والثوري: «أراد به الزّهرة» . وقال الأخفش: «أراد به النّبت الذي لا ساق له، ومنه قوله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [الرحمن: 6] وهويّه سقوطه. قال الإمام الرازي: «لأنّ النّبات به نبات القوى الجسمانية وصلاحها، والقوة العقلية أولى بالإصلاح، وذلك بالرسل، وإصلاح السبل، ومن هذا يظهر أن المختار هو النجوم التي في السماء لأنها أظهر عند السامع. وقوله تعالى: إِذا هَوى أدلّ عليه، ثم بعد ذلك القرآن لما فيه من الظهور، ثم الثريا. وقال جعفر بن محمد- رضي الله عنهما-، كما نقله القاضي: «أراد به النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ نزل ليلة المعراج والهويّ النزول» . صاحب السراج: «ويعجبني هذا التفسير لملاءمته من وجوه، فإنه صلى الله عليه وسلم نجم هداية، خصوصا لما هدي إليه من فرض الصلاة تلك الليلة، وقد علمت منزلة الصلاة من الدين، ومنها أنه أضاء في السماء والأرض. ومنها التشبيه بسرعة السّير، ومنها أنه كان ليلا، وهو وقت ظهور النّجم، فهو لا يخفى على ذي بصر وأما أرباب البصائر فلا يمترون كأبي بكر الصديق- رضي الله عنه.» . انتهى. وقال مجاهد في رواية عنه: «نجوم السماء كلها» . وجزم أبو عبيدة وقال: ذهب إلى لفظ الواحد بمعنى الجمع، قال الشاعر: فبانت تعدّ النّجم في مستحيرة [ (1) ] أي تعدّ النجوم. قال ابن جرير: «وهذا القول له وجه، ولكن لا أعلم أحدا من أهل التأويل قاله» . انتهى.

_ [ (1) ] هذا شطر بيت للراعي النميري. انظر الكشاف 4/ 27.

الخامس: في الكلام على"هوى":

قلت: قد تقدم نقله عن مجاهد، ونقله الماوردي عن الحسن أيضا. وقال الإمام الرازي: «ومناسبة ذلك أن النجوم يهتدى بها فأقسم بها لما بينهما من المشابهة والمناسبة» . وقال ابن عباس في رواية عكرمة: أراد التي ترمى بها الشياطين إذا سقطت في آثارها عند استراق السمع. وهذا قول أبي الحسن الماوردي. وسببه أن الله تعالى لما أراد بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورسولا، كثر انقضاض الكواكب قبل مولده، فذعر أكثر العرب منها وفزعوا إلى كاهن، كان يخبرهم بالحوادث، فسألوه عنها فقال: انظروا إلى البروج الاثني عشر فإن انقضّ منها شيء فهو ذهاب الدنيا، وإن لم ينقضّ منها شيء فسيحدث في الدنيا أمر عظيم، فاستشعروا ذلك، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الأمر العظيم الذي استشعروه، فانزل الله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، هوى لهذه النبوة التي حدثت. الإمام الرازي: «إن الرجوم تبعد الشياطين عن أهل السماء والأنبياء يبعدون الشياطين عن أهل الأرض. ابن القيم: «وهذه الرواية عن ابن عباس أظهر الأقوال، ويكون الحق سبحانه وتعالى قد أقسم بهذه الآية الظاهرة المشاهدة التي نصبها آية وحفظا للوحي من استراق الشياطين له، على أن ما أتى به رسولا حق وصدق لا سبيل للشياطين ولا طريق لهم إليه، بل قد حرس بالنجم إذا هوى رصدا بين يدي الوحي وحرسا له، وعلى هذا فالارتباط بين المقسم به والمقسم عليه في غاية الظهور، وفي المقسم به دليل على المقسم عليه، فإن النجوم التي ترمى بها الشياطين آيات من آيات الله تعالى، يحفظ بها دينه ووحيه، وآياته المنزّلة على رسله، بها ظهر دينه وشرعه، وأسماؤه وصفاته. وجعلت هذه النجوم المشاهدة خدما وحرسا لهذه النجوم الهادية. وليس بالبيّن تسمية القرآن عند نزوله بالنجم إذا هوى ولا تسمية نزوله هويا، ولا عهد في القرآن بذلك فيحمل هذا اللفظ عليه وليس بالبين أيضا تخصيص هذا القسم بالثّريّا وحدها إذا غابت، وليس بالبيّن القسم بالنجوم عند تناثرها يوم القيامة، بل هذا مما يقسم الرب عليه، ويدل عليه بآياته، فلا يجعله نفسه دليلا لعدم ظهوره للمخاطبين ولا سيما منكرو البعث. فإنه سبحانه وتعالى إنما يستدل بما لا يمكن جحده ولا المكابرة فيه، فأظهر الأقوال قول الحسن وابن كثير وهذا القول له اتجاه» . الخامس: في الكلام على «هوى» : السمين: «العامل في «إذا» إما فعل القسم المحذوف وتقديره: أقسم بالنجم وقت هويّة» . قال أبو البقاء وغيره: «وهو مشكل، فإن فعل القسم إنشاء، والإنشاء حال. و «إذا» لما يستقبل من الزمان، فكيف يتلاقيان؟.

الطيبي نقلا عن المقتبس: «الوجه أن «إذا» قد انسلخ عنها معنى الاستقبال، وصار للوقت المجرد، ونحوه: آتيك إذا احمرّ البسر، أي وقت احمراره، فقد عرّي عن معنى الاستقبال لأنه وقت الغيبة عنه، بقوله: آتيك» . قال الشيخ عبد القاهر: «إخبار الله تعالى بالمتوقع مقام الإخبار بالواقع، إذا لا تكلف فيه، فيجري المستقبل مجرى المحقّق الماضي» . السمين: «وإما مقدّر على أنه حال من النّجم، إذ أقسم به حال كونه مستقرا في زمان هويّه. وهو مشكل من وجهين: أحدهما: أن النّجم جثّة والزمان لا يكون حالا عنها، كما لا يكون خبرا، الثاني: «إذا» للمستقبل، فكيف تكون حالا؟. وأجيب عن الأول: المراد بالنجم القطعة من القرآن، والقرآن، نزل منجّما في عشرين سنة. وهذا تفسير ابن عباس وغيره. وعن الثاني: بأنها حال مقدّرة، وأما العامل فهو نفس النجم الذي أريد به القرآن، قاله أبو البقاء. وفيه نظر لأن القرآن لا يعمل في الظّرف، إذا أريد به أنه اسم لهذا الكتاب المخصوص. وقد يقال إن النّجم بمعنى المنجّم كأنه قيل: والقرآن المنجّم في هذا الوقت» . المصباح: هوى يهوي من باب ضرب هويّا بضمّ الهاء وفتحها، وزاد ابن القوطية هواء بالمدّ، سقط من أعلى إلى أسفل قاله أبو زيد وغيره» . قال الشاعر:. فشج بها الأماعز وهي تهوى ... هويّ الدّلو أسلمها الرّشاء [ (1) ] يروى بالفتح والضّمّ. الراغب: «الهوى سقوط من علو» . ثم قال: «والهويّ ذهاب في انحدار والهويّ ذهاب في ارتفاع» . وقيل: «هوى في اللغة مقصده السفل أو مصيره إليه وإن لم يقصده» . وقال أهل اللغة: هوى بفتح الواو يهوي هويا سقط من علو، وهوى يهوى هوى أي صبا. القرطبي: هوى وانهوى فيه لغتان بمعنى وقد جمعهما الشاعر في قوله:. وكم منزل لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلّة النّيق منهوي النيق بكسر النون المشدّدة أرفع موضع في الجبل. الإمام الرازي: «الفائدة في تقييد القسم بالنجم بوقت هويّه أنه إذا كان في وسط السماء بعيدا عن الأرض لا يهتدي به السّاري، لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال: فإذا زال تبين بزواله، وتميّز جانب عن جانب، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم خفض جناحه

_ [ (1) ] انظر ديوان زهير ص 89، 94.

السادس: في الكلام على قوله: ما ضل صاحبكم وما غوى 53: 2:

للمؤمنين، وكان على خلق عظيم وخصّ الهويّ دون الطلوع لعموم الاهتداء به في الدين والدنيا. أما الدنيوي فلما ذكر، وأما الديني فكما قال الخليل صلى الله عليه وسلم لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: 76] وفيه لطيفة وهي أن القسم بالنجم يقتضي تعظيمه، وقد كان من المشركين من يعبده، فنبّه بهويّه على عدم صلاحيته للإلهية، وهويّه أفوله. السادس: في الكلام على قوله: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى: [النجم: 2] السمين: «هذا جواب القسم» . الإمام الرازي والبرهان النسفي: أكثر المفسّرين قالوا: لا نفرّق بين الضلال والغيّ. وقال بعضهم: إن الضلال في مقابله الهدى، والغيّ في مقابله الرّشد، قال تعالى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [الأعراف: 146] ، وتحقيق الفرق فيه أن الضلال أعمّ استعمالا في المواضع، تقول: ضلّ بعيري ورحلي ولا تقول: غوى، فالمراد من الضلال ألا يجد السالك إلى مقصده طريقا مستقيما. والغواية ألا يكون له إلى القصد طريق مستقيم، ويدل على هذا أنك تقول للمؤمن الذي ليس على طريق السّداد: إن سعيه غير رشيد، ولا تقول: إنه ضال. فالضّالّ كالكافر، والغاوي كالفاسق، فكأنه تعالى قال: ما ضَلَّ أي ما كفر، ولا أقل من ذلك، فما فسق، ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً: [النساء: 6] الآية. أو يقال: الضلال كالعدم والغواية كالوجود الفاسد في الدرجة والمرتبة. ويحتمل أن يكون معنى «ما ضلّ» أي ما جنّ، فإن المجنون ضالّ، وعلى هذا فهو كقوله تعالى ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم: 2] الآية. فقوله: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ [القلم: 3] ، إشارة إلى أنه ما غوى بل هو رشيد مرشد إلى حضرة الله تعالى. وقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] ، إشارة إلى قوله هنا: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: 3] ، فإن هذا خلق عظيم. وقد أشار قوله تعالى ما ضَلَّ إلى أنه على الطريق، وَما غَوى إشارة إلى أنه على الطريق المستقيم وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إلى أنه مسلك الجادّة، ركب من الطريق، فإنه إذا ركب متنه كان أسرع وصولا إلى المقصد، ويمكن أن يقال إن قوله وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى دليل على أنه ما ضلّ وما غوى، وتقديره: كيف يضلّ أو يغوي وهو لا ينطق عن الهوى؟ وإنما يضل من يتبع هواه، ويدل عليه قوله تبارك وتعالى: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص: 26] . القرطبي: وقيل ما غوى ما خاب مما طلب قال الشاعر:. فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما أي من خاب في طلبه لامه الناس، ثم يجوز أن يكون إخبارا عما بعد الوحي، ويجوز أن

السابع: في الكلام على قوله: وما ينطق عن الهوى 53: 3: [النجم: 3] .

يكون إخبارا عن أحواله على التعميم، أي كان أبدا موحّدا لله. وهو الصحيح. ابن القيم: نفى الله سبحانه وتعالى عن رسوله الضلال المنافي للهدى والغيّ المنافي للرشد، ففي ضمن هذا النفي الشهادة له بأنه على الهدى والرشد، فالهدى في علمه والرشد في عمله، وهذان الأصلان هما غاية كمال العبد، وهما سعادته وصلاحه، وبهما وصف النبي صلى الله عليه وسلم خلفاءه، فقال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي [ (1) ] . «فالرّاشد ضد الغاوي، والمهدي ضد الضال وهو الذي زكت نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح وهو صاحب الهدى ودين الحق، لا يشتبه الراشد المهدي بالضالّ الغاوي، إلا على أجهل الخلق وأعماهم قلبا وأبعدهم من حقيقة الإنسانية، ورحم الله القائل: وما انتفاع أخي الدّنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظّلم والناس أربعة أقسام: الأول: ضالّ في علمه، غاو في قصده وعمله، وهؤلاء سواد الخلق، وهم مخالفو الرسل. الثاني: مهتد في علمه غاو في قصده وعمله، وهؤلاء هم الأمة العصيّة ومن تشبّه بهم، وهو حال كل من عرف الحقّ ولم يعمل به. الثالث: ضال في علمه ولكن قصده الخير وهو لا يشعر، الرابع: مهتد في علمه راشد في قصده وهم ورثة الأنبياء، وهم وإن كانوا الأقلّين عددا فهم الأكثرون عند الله قدرا، وهم صفوة الله تعالى من خلقه. وتأمّل كيف قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ، ولم يقل: محمدا، تأكيدا لإقامة الحجة عليهم بأنه صاحبهم، وهم أعلم الخلق به وبحاله وأقواله وأعماله، وأنهم لا يعرفونه بكذب ولا غيّ ولا ضلال، ولا ينقمون عليه أمرا واحدا قط. وقد نبّه تعالى على ذلك بقوله: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ [المؤمنين: 69] ، وبقوله: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير: 22] . السابع: في الكلام على قوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى: [النجم: 3] . قال [تعالى] أولا: «ما ضلّ» و «وما غوى» ، بصيغة الماضي، وعبّر هنا بصيغة المستقبل، وهو ترتيب في غاية الحسن، أي ما ضلّ حين اعتزلكم وما تعبدون حين اختلى بنفسه. وما ينطق عن الهوى الآن حيث أرسل إليكم وجعل شاهدا عليكم، فلم يكن أولا ضالا ولا غاويا، وصار الآن منقذا من الضلالة ومرشدا وهاديا، والله سبحانه وتعالى يصون من يريد إرساله في صغره عن الكفر والمعايب، فقال تعالى: ما ضَلَّ في صغره لأنه لا ينطق عن الهوى.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 201 (4607) والترمذي [2676] وابن ماجة (42) وأحمد في المسند 4/ 126 والطبراني في الكبير 18/ 246 والبيهقي في السنن 10/ 114 وابن عبد البر في التمهيد 8/ 66.

ابن عادل: «فاعل ينطق إما ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الظاهر، وإما ضمير القرآن كقوله تعالى: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية: 29] . ابن القيّم: تنزّه تعالى عن نطق رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يصدر عن هوىّ، وبهذا الكمال هداه وأرشده، ولم يقل: وما ينطق بالهوى، لأن نفي نطقه عن الهوى أبلغ، فإنه يتضمّن أن نطقه لا يصدر عن هوى، وإذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به؟ فتضمّن نفي الأمرين: نفي الهوى عن مصدر النّطق، ونفيه عن النطق نفسه، فنطقه بالحق، ومصدره الهدى والرشاد، لا الغيّ والضلال. اللباب: قال النحاس [ (1) ] : «قول قتادة أولى وتكون» «عن» على بابها أي ما يخرج نطقه عن رأيه، إنما هو بوحي من الله تعالى، لأن بعده إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 4] . وقيل: هو بمعنى الباء، أي ما ينطق بالهوى، أي ما يتكلم بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إن محمدا يقول من تلقاء نفسه» . المصباح: الهوى مقصور مصدر هويته من باب تعب إذا أحببته وعلقت به، ثم أطلق على ميل النفس وانحرافها عن الشيء ثم استعمل في ميل مذموم فيقال اتّبع هواه» . الإمام البيهقي: «وأحسن ما يقال في تفسير الهوى أنه المحبة، لكن من النفس، يقال هويته بمعنى أحببته. والحروف التي في هوي تدل على الدّنوّ والنزول والسقوط ومنه الهاوية، فالنفس إذا كانت دنيّة وتركت المعالي وتعلّقت بالسفاسف فقد هوت فاختص الهوى بالنفس الأمّارة بالسوء» . الشعبي: «إنما سمّي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه» . وقال بعض الحكماء: «الهوى إله معبود، له شيطان شديد، يخدمه شيطان مريد، فمن عبد أوثانه، وأطاع سلطانه، واتّبع شيطانه، ختم الله تعالى علي قلبه، وحرم الرّشاد من ربّه، فأصبح صريح غيّه، غريق ذنبه، وقال عز من قائل أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23] وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص: 50] . وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فالمنجيات: خشية الله في السر والعلانية، والحكم بالعدل في الرضا والغضب، والاقتصاد في الفقر والغنى، والمهلكات: شجّ

_ [ (1) ] أحمد بن محمد بن إسماعيل المراديّ المصري، أبو جعفر النحاس: مفسر، أديب. مولده ووفاته بمصر. كان من نظراء نفطويه وابن الأنباري. زار العراق واجتمع بعلمائه. وصنف «تفسير القرآن» و «إعراب القرآن» و «تفسير أبيات سيبويه» و «ناسخ القرآن ومنسوخه» و «معاني القرآن» انظر الأعلام 1/ 208.

الثامن: في الكلام على قوله تعالى: إن هو إلا وحي يوحى 53: 4 [النجم: 4] .

مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء برأيه» [ (1) ] . رواه البرّار عن أنس. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله، أعظم عند الله من هوى متّبع» [ (2) ] . رواه الطبراني عن أبي أمامة. وقال بعض الحكماء: «الهوى خادع الألباب، صادّ عن الصواب، يخرج صاحبه من الصّحيح إلى المعتلّ، ومن الصريح إلى المختلّ، فهو أعمى يبصر، أصم يسمع» . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حبّك الشيء يعمي ويصم» [ (3) ] . وقال آخر: «على قدر بصيرة العقل يرى الإنسان الأشياء، فمن سلم عقله من الهوى يراها على حقيقتها، والنفس الكدرة المتبعة لهواها ترى الأشياء على طبعها. وقيل كان على خاتم بعض الحكماء: «من غلب هواه على عقله افتضح» . وقال ابن دريد في مقصورته: وآفة العقل الهوى فمن علا ... على هواه عقله فقد نجا الثامن: في الكلام على قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 4] . الإمام الرازي: «هذا تكملة للبيان، وذلك أن الله تعالى لما قال: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى كأَنّ قائلا يقول فعمّ ذا ينطق، أعن الدليل والاجتهاد؟ فقال: لا، إنما ينطق عن حضرته تعالى بالوحي، وهذا اللفظ أبلغ من أن لو قيل: هو وحي يوحى. وكلمة «إن» استعملت مكان «ما» للنّفي، كما استعملت «ما» للشرط مكان «إن» . اللباب: «يوحى صفة لوحي، وفائدة المجيء لهذا الوصف أنه ينفي المجاز، أي هو وحي حقيقة لا مجرد تسمية كقولك: هذا قول يقال. وقيل تقديره: يوحى إليه، ففيه مزيد فائدة» . ونقل القرطبي عن السجستاني أنه قال: «إن شئت أبدلت إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى من ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ قال ابن الأنباري: وهذا غلط لأن إن الخفيفة لا تكون مبدلة من «ما» بدليل أنك لا تقول: والله ما قمت إن أنا لقاعد» . ابن القيّم: «أعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أي ما نطقه إلا وحي يوحى، وهذا أحسن من قول من جعل الضمير عائدا إلى القرآن فإنه يعمّ نطقه بالقرآن والسّنّة، وأن

_ [ (1) ] ذكره العجلوني 1/ 386 بنحوه وعزاه للبزار والطبراني عن أنس بسند ضعيف. [ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 715 والفتني في تذكرة الموضوعات (172) وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 188. [ (3) ] أخرجه أبو داود (5130) وأحمد في المسند 5/ 194 والخطيب في التاريخ 3/ 117 وذكره العجلوني في الكشف 1/ 410 وقال: قال في المقاصد: رواه أبو داود والعسكري عن أبي الدرداء مرفوعا وموقوفا والوقف أشبه، وفي سنده ابن أبي مريم ضعيف، ورواه أحمد عن ابن أبي مريم فوقفه، والرفع أكثر ولم يصب الصغاني حيث حكم عليه بالوضع، وكذا قال العراقي ابن أبي مريم لم يتهمه أحد بكذب إنما سرق له حلى فأنكر عقله، وقال الحافظ ابن حجر: تبعا للعراقي ويكفينا سكوت أبي داود عليه فليس بموضوع ولا شديد الضعف فهو حسن انتهى. وقال القاري: بعد أن ذكر ما تقدم فالحديث إما صحيح لذاته أو لغيره مرتق عن درجة الحسن لذاته إلى صحة معناه، وإن لم يثبت مبناه.

كليهما وحي. قال الله تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء: 113] وهما القرآن والسّنّة. وروى الداري [ (1) ] عن يحيى بن أبي كثير [ (2) ] قال: «كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن» . قلت وفي الصحيحين أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة [فقال: يا رسول الله] كيف ترى في رجل أحرم بعمرة بعد ما تضمّح بالخلوق؟ فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم سكت. فجاءه الوحي، ثم سري عنه، فقال: أين السائل؟ فجيء به فقال: انزع عنك الجبّة واغسل أثر الطّيب واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الرضا والغضب. فأمسكت عن الكتابة حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا حقا» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أقول إلا حقاً» . وقال بعض أصحابه: «إنك تداعبنا يا رسول الله، قال: إني لا أقول إلا حقاً» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني والضياء في صحيحة عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليدخلنّ الجنّة بشفاعة رجل مثل الحيّين أو مثل أحد الحيّين ربيعة ومضر. فقال رجل: يا رسول الله وما ربيعة ومضر؟ قال: إني ما أقول إلا ما أقوّله» [ (6) ] - الثاني

_ [ (1) ] [عبد الله بن كثير الدّاري المكي، أبو معبد، القارئ، أحد الأئمة صدوق، من السادسة، مات سنة عشرين ومائة] انظر التقريب 1/ 442. [ (2) ] يحيى بن أبي كثير الطائي، مولاهم، أبو نصر اليمامي، ثقة، ثبت، لكنه يدلّس ويرسل، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل قبل ذلك. التقريب 2/ 356. [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 7 (1789) ومسلم 2/ 836 (6- 1180) . [ (4) ] أخرجه أبو داود (3646) وأحمد في المسند 2/ 162 والدارمي 1/ 125 والحاكم في المستدرك 1/ 106. [ (5) ] أخرجه الترمذي (1990) وأحمد في المسند 2/ 340 والبيهقي في السنن 10/ 348 وابن عبد البر في التمهيد 4/ 221 وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 17 والسيوطي في الدر 6/ 122 وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 55. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 384 وعزاه لأحمد والطبراني بأسانيد وقال: ورجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني رجالهم رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة وهو ثقة.

التاسع: في الكلام على قوله تعالى: علمه شديد القوى 53: 5 [النجم: 5] .

بضم الهمزة وفتح القاف والواو المشدّدة. أي ما يقوّله الله من الوحي، ولهذا مزيد بيان في أبواب عصمته. الإمام الرازي، «هو ضمير معلوم أو ضمير مذكور، فيه وجهان: أشهرهما أنه ضمير معلوم، وهو القرآن، كأنه تعالى يقول: «ما القرآن إلا وحي» ، وهذا على قول من قال: ليس المراد بالنجم القرآن، وأما على قول من قال: هو الوحي فضمير مذكور. والوجه الثاني: أنه عائد إلى مذكور ضمنا، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه، وذلك لأن قوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى في ضمنه النطق وهو كلام وقول، فكأنه تعالى يقول: وما كلامه ولا نطقه إلا وحي. وفيه وجه آخر، وهو أن قوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: 3] ردّ على الكفرة حيث قالوا: قوله قول كاهن، وقالوا: قوله قول شاعر، فقال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 4] ، وليس بقول شاعر كما قال تعالى: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [الحاقة: 41، 42] . وقوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، أبلغ من قول القائل: هو وحي، وفيه فائدة غير المبالغة، وهي أنهم كانوا يقولون: هو قول كاهن، هو قول شاعر. والمراد نفي قولهم وذلك يحصل بصيغة النفي فقال: ما هو كما تقولون، وزاد فقال: بل هو وحي. أنوار التنزيل: «احتجّ بهذه الآية من لم ير الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم. وأجيب عنه بأنه إذا أوحي إليه أن يجتهد كان اجتهاده وما يسند إليه واجبا وفيه نظر لأن ذلك حينئذ بالوحي» . الطيبي «هذه الآية واردة في أمر التنزيل وليس فيها لمستدلّ أن يستدلّ شيئاً من أمر الاجتهاد نفيا ولا إثباتا، لأن الضمير في «هو» للقرآن، بدليل من فسّر النجم بنجوم القرآن» . وبسط الكلام على ذلك، ثم أورد حديث طلحة بن عبيد الله في تأبير النخل [ (1) ] ، وسيأتي مع الكلام عليه في أبواب عصمته صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام الرازي: «القول بأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يجتهد خلاف الظاهر: فإنه في الحرب اجتهد وحرّم، قال الله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [مريم: 1] ، وأذن، قال الله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: 43] . التاسع: في الكلام على قوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النجم: 5] . التّبيان: «أخبر تعالى عن وصف من علّمه بالوحي أنه مضادّ لأوصاف الشيطان معلّم الضلالة والغواية، وهذا نظير قوله تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير: 20]

_ [ (1) ] تأبير النخل: تلقيحه. انظر المعجم الوسيط 1/ 2.

وفي وصفه بذلك تنبيه على أمور: الأول: أنه بقوته يمنع الشياطين أن تدنو منه وأن ينالوا منه شيئا أو يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، بل إذا رآه الشيطان هرب منه ولم يقربه. الثاني: أنه موال لهذا الرسول الذي كذبتموه ومعاضد له وموادّ له وناصر، كما قال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [التحريم: 4] الآية. ومن كان هذا القويّ وليّه ومن أنصاره وأعوانه ومعلّمه. فهو المهديّ المنصور. والله هاديه وناصره. الثالث: أن من عادى هذا الرسول فقد عادى صاحبه ووليّه جبريل، ومن عادى ذا القوة والشدة فهو عرضة للهلاك. الرابع: أنه قادر على تنفيذ ما أمر به بقوته فلا يعجز عن ذلك مواد له كما أمر» . السمين: «فاعل علّمه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر. قال الماوردي والقرطبي إنه قول الجميع إلا الحسن، فإنه، قال هو الباري تعالى لقوله عزّ وجلّ: الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: 1، 2] ويكون «ذو مرّة» تمام الكلام» . اللباب: «يجوز أن تكون هذه الهاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الظاهر، فيكون المفعول الثاني محذوفا أي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي أي الموحى، ويجوز أن يكون للقرآن والوحي، فيكون المفعول الأول محذوفا أي علمه النبي. الإمام الرازي: «الأولى أن يقال الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، تقديره علّم محمدا شديدا القوى جبريل، ويكون عائدا إلى صاحبكم، تقديره: ما ضلّ صاحبكم، وشديد القوى هو جبريل، أي قواه العلمية والعملية كلها شديدة، ثم في قوله: شَدِيدُ الْقُوى فوائد: الأولى: أن مدح المعلّم مدح للمتعلّم، فلو قال: علّمه جبريل ولم يصفه ما كان يحصل للنبي صلّى الله عليه وسلم فضيلة ظاهرة. الثانية: أن فيه ردّا عليهم بحيث قالوا: أساطير الأوّلين، فقال: لم يعلّمه أحد من الناس علّمه شديد القوى. الثالثة: فيه الوثوق بقول جبريل صلى الله عليه وسلم، ففي قوله تعالى: شَدِيدُ الْقُوى جميع ما يوجب الوثوق لأن قوة الإدراك شرط الوثوق بقول القائل على ما عرف، وكذلك قوة الحفظ، فقال: (شديد القوى) ليجمع هذه الشرائط، فيصير كقوله تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 20، 21] . اللباب: «شديد القوى من كافة الصفة المشبهة لمرفوعها فهي غير حقيقية، هذا ما جزم

العاشر: في الكلام على قوله تعالى: "ذو مرة" 53: 6 [النجم: 6] .

به الزمخشري وتابعوه» . وقال صاحب الكفيل: «بل هي مضافة إلى مفعولها، وبسط الكلام على ذلك، والشديد البيّن القوة» . روى ابن عساكر عن معاوية بن قرّة [ (1) ]- بضم القاف وتشديد الراء- رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ما أحسن ما أثنى عليك ربك: «ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين» ما كانت قوّتك وما كانت أمانتك؟ قال: أما قوّتي فإني بعثت إلى مدائن لوط وهي أربع مدائن، وفي كل مدينة أربع مائة ألف مقاتل سوى الذراري، فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماء أصوات الدجاج ونباح الكلاب، ثم هويت بهن فقلبتهن. وأما أمانتي فلم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره» . وقال محمد بن السائب: «من قوة جبريل أنه اقطع مدائن قوم لوط من الماء الأسود فحملها على جناحه حتى رفعها إلى السماء حتى أسمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم، ثم قلبها، ومن قوته أيضا أنه أبصر إبليس يكلم عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم على بعض عقاب الأرض المقدسة فنفحه بجناحه نفحة فألقاه في أقصى جبل بالهند. ومن قوته هبوطه من السماء على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم، وصعوده إليها في أسرع من طرفة عين» . العاشر: في الكلام على قوله تعالى: «ذُو مِرَّةٍ» [النجم: 6] . القرطبي: قال قطرب: تقول العرب لكل جزل الرأي حصيف العقل ذو مرّة، قال الشاعر: قد كنت قبل لقاكم ذا مرّة ... عندي لكلّ مخاصم ميزانه وكان من جزالة رأيه وحصافة عقله أن الله تعالى ائتمنه على وحيه إلى جميع رسله. الجوهري: «والمرّة القوّة وشدة العقل، ورجل مرير أي قوى ذو مرّة. قال: ترى الرّجل النّحيف فتزدريه ... وحشو ثيابه أسدّ مرير ابن القيّم: «أي جميل المنظر، حسن الصورة، ذو جلالة، ليس شيطانا، أقبح خلق الله تعالى وأشوههم صورة، بل هو من أجمل الخلق وأقواهم وأعظمهم أمانة ومكانة عند الله، وهذا تعديل لسند الوحي والنبوة، وتزكية له، كما ذكر نظيره في سورة التكوير، فوصفه بالعلم والقوة وجمال المنظر وجلالته. وهذه كانت أوصاف الرسول البشري والملكي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأعلمهم وأجملهم وأصفاهم نفسا. الإمام: «في قوله: «ذو مرة» وجوه: الأول: ذو قوة، قلت ورواه الفريابي عن مجاهد

_ [ (1) ] معاوية بن قرة بن إياس المزني أبو إياس البصري. عن علي مرسلا، وابن عباس وابن عمر. وعنه قتادة وشعبة وأبو عوانة وخلق. وثقة ابن معين وأبو حاتم. قال خليفة: مات سنة ثلاث عشرة ومائة، ومولده يوم الجمل. انظر الخلاصة 3/ 41، 42.

الحادي عشر: في الكلام على قوله تعالى: فاستوى، وهو بالأفق الأعلى 53: 6 - 7: [النجم: 6 - 7] .

ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغنيّ ولا لذي مرّة سويّ» . رواه الإمام أحمد. الثاني: ذو كمال في العقل وفي الدين جميعا. الثالث: ذو منظر وهيبة عظيمة. الرابع: ذو خلق حسن» . قلت زاد الماوردي خامسا: ذو غناء. قلت: ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنه صلى الله عليه وسلم متصف بها. فإن قيل: على قولنا ذو مرّة، قد تقدم بيان كونه شديد القوى، فكيف تقول قواه شديدة وله قوة؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن ذلك لا يحسن إذا كان وصفا بعد وصف، وأما إذا جاء بدلا فيجوز، كأنه قال: علّمه ذو قوة، ونزل شديد القوى فليس وصفا له وتقديره ذو قوة عظيمة أو كاملة. الثاني: أن إفراد «مرّة» بالذكر ربما تكون لبيان أن قواه المشهورة شديدة وله قوة أخرى خصه الله تعالى بها. على أنّا نقول المراد ذو شدة وهي غير القوة، وتقديره علّمه من قواه الشديدة، وفي ذاته أيضا شدّة، فإن الإنسان ربما يكون كثير القوة صغير الجثّة. وفيه لطيفة وهي أنه تعالى أراد بقوله: شَدِيدُ الْقُوى، أي قوة العلم، وبقوله: ذُو مِرَّةٍ، أي شدة في الجسم، قدّم العلميّة على الجسميّة، كما قال تعالى: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: 247] ، وتقدم الكلام على «ذو» في اسمه صلّى الله عليه وسلم: ذو الوسيلة فراجعه. الحادي عشر: في الكلام على قوله تعالى: فَاسْتَوى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى: [النجم: 6- 7] . اللباب: «قال مكي: استوى يقع للواحد وأكثر ما يقع من إثنين ولذلك جعل الفرّاء الضمير لاثنين» . الماوردي والقرطبي: «فاستوى» يعني جبريل أي ارتفع وعلا إلى مكانه في المساء، بعد أن علم محمدا صلى الله عليه وسلم، قاله ابن المسيب وابن جبير. وقال الإمام: «إنه المشهور» ، وقيل «فاستوى» أي ظهر في صورته التي خلقه الله تعالى عليها، لأنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي إلى الأنبياء، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي خلقه الله عليها، فأراه نفسه مرتين: مرة في الأرض ومرّة في السماء، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بحراء، فطلع له جبريل من المشرق، فسدّ الأرض إلى المغرب، فخرّ النبي صلى الله عليه وسلم مغشيّا عليه، فنزل إليه في صورة الآدميين وضمّه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه، فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا جبريل ما ظننت أن الله تعالى خلق أحدا على مثل هذه الصورة» . فقال: يا محمد، إنما نشرت جناحين من أجنحتي وأن لي ستمائة جناح سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب. فقال: «إن هذا العظيم» . فقال له: وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيرا، ولقد خلق الله تعالى إسرافيل له ستمائة جناح، كل جناح قدر أجنحتي، وإنه

ليتضاءل أحيانا- يتضاءل بالضاد المعجمة والهمز- من مخافة الله تعالى حتى يكون بقدر الوصع- بفتح الواو والصاد وبالعين المهملتين، يعني العصفور الصغير، قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير: 23] . وأما في السماء فعند سدرة المنتهى، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم. ابن كثير: «وهذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء، بل قبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض في أوائل البعث بعد فترة الوحي» . اللباب: «في الضمير وجهان: أحدهما: وهو الأظهر أنه مبتدأ، «وبالأفق» خبره، والضمير لجبريل أو للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم في هذه الجملة وجهان: الأول: أنها حال من فاعل «فاستوى» قاله مكي. قال القرطبي: والمعنى فاستوى جبريل عاليا على صورته ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك رآه عليها حتى سأله إياها على ما ذكرنا» ، انتهى. «الثاني: أنها مستأنفة، أخبر الله تعالى بذلك، ثانيهما: أن «وهو» معطوف على الضمير المستتر في استوى. وضمير استوى إما أن يكون لله تعالى وهو قول الحسن أو لجبريل أو لمحمد، وهذا ضعيف، لأنه يقال استوى هو وفلان ولا يقال استوى وفلان إلا في ضرورة الشعر، والصحيح استوى جبريل وجبريل بالأفق الأعلى على صورته الأصلية لأنه كان يتمثّل للنبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بالوحي في صورة رجل، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم إن يراه على صورته الحقيقية فاستوى جبريل في أفق المشرق فملأ الأفق» . وروى الإمام أحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي، وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، له ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق وتسقط من أجنحته التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم. وروى الإمام أحمد عن ابن عباس في الآية قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أن يراه في صورته، فقال: ادع ربّك، فدعا ربه عز وجل، فطلع عليه سواد من قبل المشرق، فجعل يرتفع وينتشر، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم صعق، فأتاه فقرب منه ومسح الغبار عن وجهه. المصباح: «الأفق بضمتين الناحية من الأرض ومن السماء والجمع آفاق، زاد في الصحاح: والأفق بضمة فسكون مثل عشر وعشر» . الماوردي: «في الأفق الأعلى ثلاثة أقوال: أحدها: مطلع الشمس قاله مجاهد، الثاني: هو بالأفق الذي يأتي منه النهار قاله قتادة يعني طلوع الفجر، الثالث: هو أفق السماء وهو جانب من جوانبها، قاله ابن زيد، ومنه قول الشاعر:

الثاني عشر: في الكلام على قوله تعالى: ثم دنا فتدلى 53: 8: [النجم: 8] .

أخذنا بآفاق السّماء عليكم ... لنا قمراها والنّجوم الطّوالع الثاني عشر: في الكلام على قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى: [النجم: 8] . الإمام الرازي: «فيه وجوه: الأول: وهو أشهرها أن جبريل دنا من النبي صلى الله عليه وسلم، أي بعد ما مدّ جناحه وهو بالأفق الأعلى عاد إلى الصورة التي كان يعتاد النزول عليها، وقرب من النبي صلى الله عليه وسلم. القرطبي: أي دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى «فتدلّى» على النبي صلى الله عليه وسلم، المعنى أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم من عظمة جبريل ما رأى وهاله ذلك، ردّه الله تعالى إلى صورة آدمي حين قرب من النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي. هذا قول الجمهور، انتهى. وعليه ففي تدلّى ثلاثة أقوال: الأول أن الدنوّ والتدلي بمعنى واحد كأنه قال: دنا فقرب. اللباب: «ذهب الفرّاء إلى أن الفاء في «فتدلّى» بمعنى الواو، والتقدير: ثم تدلى عليه الصلاة والسلام ودنا. ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا قدّمت أيهما شئت، تقول دنا فقرب، وقرب فدنا، وشتمني فأساء وأساء فشتمني لأن الشتم والإساءة شيء واحد، وكذلك قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1] ، أي انشقّ القمر واقتربت الساعة. القول الثاني: في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: ثم تدلّى من الأفق فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم. القول الثالث: أن دنا بمعنى قصد القرب من النبي صلى الله عليه وسلم وتحرك عن المكان الذي فيه فتدلّى فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. الوجه الثاني: أن المراد دنا من ربه تبارك وتعالى، والمراد بالدنوّ هنا المنزلة كما في قوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه عز وجل: «من تقرّب مني شبرا تقرّبت منه ذراعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» [ (1) ] وهذا إشارة إلى المعنى، ولهذا مزيد بيان في شرح القصة. الوجه الثالث: دنا جبريل من ربه، قاله مجاهد. الوجه الرابع: أنه النبي صلى الله عليه وسلم، دنا من ربه، ويحمل هو والذي قبله كما قال الإمام الرازي على القرب من المنزلة. والذي عليه الجمّ الغفير هو دنوّ جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم. الثالث عشر: في الكلام على قوله تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. [النجم: 9] . الباب: «ها هنا مضافان محذوفان نضطر لتقديرهما، أي فكان مقدار مسافة قربه منه مقدار مسافة قاب» .

_ [ (1) ] جزء من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي ذر رضي الله عنه 4/ 2068 (22- 2687) .

الإمام الرازي: «أي فكان بين جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين أو أقل، فهذا على استعمال العرب وعادتهم، فإن الأميرين منهم أو الكبيرين إذا اصطلحا وتعاقدا خرجا بقوسيهما، جعل كل واحد منهما قوسه بطرف قوس صاحبه، ومن دونهما من الرعية يكون كفّه بكف صاحبه فيمدان باعيهما، لذلك فسمّي مبايعة. وعلى هذا ففيه مقدار قوسين أو كان جبريل سفيرا بين حضرة الله تعالى عنه ومحمد صلى الله عليه وسلم فكان كالتّبع لمحمد صلى الله عليه وسلم، فصار كالمبايع الذي يمدّ الباع لا القوس» . اللباب: القاب: القدر تقول: هذا قاب هذا، أي قدره ومثله: القيب والقاد والقيد والقيس. الجوهري: «وقال بعضهم في الآية أراد قابي قوس فقلبه. وفي الحديث الصحيح: لقاب قوس أحدكم [أو موضع قدّه] من الجنة خير من الدنيا وما فيها» . والقوس معروفة، وهي ما يرمى بها وهي مؤنثة وشذوا في تصغيرها، فقالوا قويس من غير تأنيث، وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بألقاب وإن لم يجر لها ذكر لعدم اللّبس» . الواحدي: «المراد بالقوس التي يرمى بها عند الجمهور، قال: وقيل المراد الذراع لأنها يقاس بها» . القرطبي: «وقال سعيد بن جبير، وعطاء، وأبو إسحق الهمداني، وأبو وائل [ (1) ] شقيق ابن سلمة «فكان قاب قوسين» أي قدر ذراعين، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء، وهي لغة بعض الحجازيين، وقيل هي لغة أزد شنوءة أيضا» . قلت: ورواه ابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود أيضا. قال الحافظ: وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح، فقد روى الطبراني وابن مردويه والضياء بسند صحيح عن ابن عباس قال: القاب والقيد والقوسان الذراعان. اللباب: «أو» هنا كهي في قوله تعالى: أَوْ يَزِيدُونَ لأن المعنى بأحد هذين المقدارين في رأي الرائي أي لتقارب ما بينهما لا [ (2) ] يشك الرائي في ذلك. وقال ابن القيّم: «أو» هنا ليست للشك بل لتحقيق قدر المسافة، وأنها لا تزيد على قوسين البتة، كما قال تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: 147] ، تحقيقا لهذا القدر وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف أو يزيدون رجلا واحدا، ونظيره قوله تعالى:

_ [ (1) ] شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل، الكوفي، ثقة، مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة. التقريب (35411) . [ (2) ] سقط في أ.

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة: 74] ، أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة، بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها. وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل «أو» في هذا الموضع بمعنى بل، ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرائي، وقول من جعلها بمعنى الواو فتأمّله، وجزم بذلك ابن كثير. اللباب: «أدنى أفعل تفضيل، والمفضّل عليه محذوف أو أدنى من قاب قوسين، فمعنى الآية: ثم دنا جبريل بعد استوائه في الأفق الأعلى من الأرض، فتدلّى، فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فكان قاب قوسين أو أدنى بل أدنى. تنبيه: هذا الذي قلناه من المقترب الدّاني الذي صار بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى، إنما هو جبريل، نقله القاضي عن الجمهور. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير: إنه هو الصحيح في التفسير، كما دل عليه كلام أكابر الصحابة. قال ابن القيم: لأن جبريل هو الموصوف بما ذكر من أول السورة إلى قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى [النجم: 13، 14] هكذا فسّره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعائشة، قالت عائشة رضي الله عنها: سألت رسول الله عن هذه الآية، فقال: «ذاك جبريل لم أره في صورته التي خلق عليها إلا مرّتين» ، رواه مسلم، ولفظ القرآن لا يدل على غير ذلك من وجوه: الأول: أنه قال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى وهذا جبريل الذي وصفه بالقوة في سورة التكوير. الثاني: أنه قال: ذُو مِرَّةٍ [النجم: 6] أي حسن خلق، وهو الكريم في سورة التكوير. الثالث: أنه قال: فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى وهي ناحية السماء العليا وهذا استواء جبريل. الرابع: أنه قال: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فهذا دنو جبريل، وقد نزل إلى الأرض حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. وأما الدنو والتدلي في حديث المعراج فرسول الله صلّى الله عليه وسلم كان فوق سبع سموات. الخامس: أنه قال: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. والذي عند السّدرة قطعا هو جبريل، وبهذا فسّره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ذاك جبريل» . السادس: إن الضمير في قوله: «ولقد رآه» ، وقوله: «دنا فتدلّى» ، وقوله: «فاستوى» ، وقوله: «وهو بالأفق الأعلى» واحد، فلا يجوز أن يخالف بين المفسّرين من غير دليل.

الرابع عشر: في الكلام على قوله تعالى: فأوحى إلى عبده ما أوحى 53: 10 [سورة النجم: 10] .

السابع: أنه سبحانه وتعالى أخبر أن هذا الذي «دنا فتدلّى» كان بالأفق الأعلى، وهو أفق السماء، فدنا من الأرض فتدلى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والدنو والتدلي الذي في حديث شريك غير هذا، وكذا جزم ابن كثير بأن الدنو والتدلي في حديث شريك غير الذي في الآية. وروى مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في هذه الآية قال: «رأى بفؤاده مرتين» ، فجعل هذا إحداها، ولهذا مزيد بيان في الباب الثالث. الرابع عشر: في الكلام على قوله تعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى [سورة النجم: 10] . ابن عادل متابعا الإمام الرازي: «في فاعل أوحى وجهان: الأول: أن الله تعالى أوحى، وعلى هذا ففي «عبده» وجهان: أحدهما: أنه جبريل، أي أوحى الله تعالى إلى جبريل، وعلى هذا ففي فاعل أوحى الأخير وجهان: أحدهما: أنه الله تبارك وتعالى أيضا. والمعنى حينئذ: فأوحى الله تعالى إلى جبريل الذي أوحاه الله تعالى أيهما أكثر تفخيما وتعظيما للموحي، ثانيهما: فاعل أوحى الثاني جبريل، أي أوحى الله تبارك وتعالى إلى جبريل ما أوحى جبريل، وعلى هذا فالمراد من الذي أوحى إليه جبريل يحتمل وجهين: أولهما: أن يكون مبيّنا، وهو الذي أوحى جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ثانيهما: أن يكون عاما. أي أوحى الله تعالى إلى جبريل ما أوحى إلى كل رسول. وفيه بيان أن جبريل أمين لم يخن في شيء مما أوحى إليه، وهذا كقوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء: 193] وقوله مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 21] . الوجه الثاني: في «عبده» ، على قولنا هو الله تعالى، إنه محمد صلى الله عليه وسلم، أي أوحى الله تعالى إلى محمد ما أوحى إلى كل رسول به أبهمه للتفخيم والتعظيم. الوجه الثاني في فاعل أوحى الأول: هو أنه جبريل أوحى إلى عبده أي إلى عبد الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، ما أوحى إليه ربه عز وجل، قاله ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي، والحسن، والربيع، وابن زيد. وعلى هذا ففي فاعل أوحى الثاني وجهان: أحدهما: أنه جبريل إي أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحى جبريل للتفخيم، وثانيهما: إن يكون هو الله تعالى أي أوحى جبريل إلى محمد ما أوحى الله تعالى إليه. وفي ما أَوْحى وجوه: الأول: فضل الصلاة، الثاني: أنّ أحدا من الأنبياء لا يدخل الجنة قبلك ولا قبل أمّتك. الثالث: أن «ما» للعموم، والمراد كل ما جاء به جبريل» . الخامس عشر: في الكلام على قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: 11] . ابن القيّم: «أخبر الله تعالى عن تصديق فؤاده لما رأته عيناه، وأن القلب صدّق العين،

وليس كمن رأى شيئا على خلاف ما هو به، فكذب فؤاده بصره، بل ما رآه ببصره صدّقه الفؤاد وعلم أنه كذلك. يقال كذبته عينه وكذبه قلبه وكذبه جسده إذا أخلف ما ظنّه وحدسه. قال الشاعر: كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظّلام من الرّباب خيالا [ (1) ] ؟ أي أرتك ما لا حقيقة له. فنفى الله تعالى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أن فؤاده لم يكذب ما رآه» . الماوردي: «في الفؤاد قولان: أحدهما: أنه أراد صاحب الفؤاد، فعبّر عنه بالفؤاد، لأنه قطب الجسد وبه قوام الحياة. الثاني: أنه أراد نفس الفؤاد لأنه محل الاعتقاد» . اللباب: «قرأ هشام [ (2) ] وأبو جعفر [ (3) ] بتشديد الذال من «كذب» ، والباقون بتخفيفها. فأما الأولى فإن معناها أن ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم بعينه صدّقه قلبه، ولم ينكر الداري «أل» لتعريف ما علم حاله لسبق ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: «إلى عبده» وفي قوله (وهو بالأفق الأعلى) وقوله (ما ضلّ صاحبكم) ، أي لم يقل إنه خيال لا حقيقة. و «ما» الثانية مفعول له موصولة، والعائد محذوف، ففاعل «رأى» ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قراءة التخفيف فقيل فيها كذلك. وكذب يتعدى بنفسه. وقيل هو على إسقاط الخافض أي فيما رآه، قاله مكي وغيره. قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: لو كنت صادقة الّذي حدّثتني ... لنجوت منجا الحارث بن هشام [ (4) ] أي في الذي حدّثتني، وجوّز «ما» في وجهين: أحدهما: أن تكون بمعنى «الذي» ، فيكون المعنى: ما كذب الفؤاد الذي رأى بعينه، والثاني: أن تكون مصدرية.

_ [ (1) ] البيت للأخطل انظر اللسان 4/ 3281. [ (2) ] هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي وقيل: الظفري الدمشقي، إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم ومفتيهم، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة، وقال النسائي: لا بأس به وقال الدارقطني: صدوق كبير المحل، وكان فصيحا علامة واسع الرواية، قال عبدان الأهوازي: سمعته يقول ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة وقال محمد بن حريم: سمعته يقول في خطبته: قولوا الحق يريكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضي إلا بالحق، وقال أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني المقري لما توفي أيوب بن تميم رجعت الإمامة في القراءة إلى رجلين: ابن ذكوان وهشام، قال: وكان هشام مشهورا بالنقل والفصاحة والعلم والرواية والدراية رزق كبر السن وصحة العقل والرأي فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث، مات سنة خمس وأربعين. ومائتين وقيل سنة أربع وأربعين غاية النهاية 2/ 354، 355. [ (3) ] يزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزومي المدني القارئ، أحد القراء العشرة تابعي مشهور كبير القدر، ويقال اسمه جندب بن فيروز وقيل: فيروز، مات بالمدينة سنة ثلاثين ومائة وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة تسع وعشرين وقيل: سنة سبع وعشرين وقيل: سنة ثمان وعشرين. انظر غاية النهاية 2/ 382، 383، 384. [ (4) ] انظر ديوان حسان بن ثابت ص 213، 214.

السادس عشر: في الكلام على قوله تعالى: أفتمارونه على ما يرى 53: 12

ابن القيّم: فيكون المعنى: ما كذّب فؤاده رؤيته، وعلى التقديرين فهو إخبار عن تطابق رؤية القلب لرؤية البصر وتوافقهما، وتصديق كل واحد منهما لصاحبه، وهذا ظاهر في قراءة التشديد. وقد استشكلها طائفة منهم المبرّد، وقال في هذه القراءة بعد، لأنه إذا رأى بقلبه فقد علمه أيضا بقلبه، وإذا وقع العلم فلا كذب معه، فإذا كان الشيء في القلب معلوما فكيف يكون معه تكذيب؟. والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن الرجل قد يتخيل الشيء على خلاف ما هو به فيكذّبه قلبه، إذ يريه صورة المعلوم على خلاف ما هي عليه كما تكذبه عينه، فيقال كذبه قلبه وكذبه ظنّه وكذبته عينه، فنفى ذلك سبحانه وتعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أن ما رآه الفؤاد كما رآه، كمن يرى الشيء على حقيقة ما هو به، فإنه يصح أن يقال لم تكذبه عينه. الثاني: أن يكون الضمير في «رأى» عائد إلى الرائي لا إلى الفؤاد، ويكون المعنى: ما كذب الفؤاد ما رآه البصر، وهذا بحمد الله لا إشكال فيه، والمعنى: ما كذب الفؤاد بل صدّقه، وعلى القراءتين فالمعنى: ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير ولا اتّهم بصره» . انتهى. اللباب تبعا للإمام الرازي: «ويجوز أن يكون فاعل «رأى» ضميرا يعود على الفؤاد [أي] لم يشك قلبه فيما رأى بعينه» . قال الزمخشري: [ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام، أي ما قال فؤاده، لما رآه: لم أعرفه ولو قال ذلك لكان كاذبا، لأنه عرفه، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق] . فما كذب الفؤاد، هذا على قراءة التخفيف، يقال كذبه إذا قال له الكذب، وأما على قراءة التشديد فمعناه: ما قال إن الذي رآه كان خفيا لا حقيقة له. وأما الرائي فقيل هو الفؤاد كأنه تعالى قال: ما كذب الفؤاد ما رآه الفؤاد، أي لم يقل إنه جنّ أو شيطان، بل تيقّن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح. وقيل الرائي هو البصر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر، ولم يتدارك أن ما رآه البصر خيال. ويحتمل أن تكون «أل» للجنس أي جنس الفؤاد، ويكون المعنى: ما كذب الفؤاد ما رأى محمد صلى الله عليه وسلم، أي شهدت القلوب بصحة ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في المرئي ما هو؟ فقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلّتا رفرف أخضر قد ملآ ما بين السماء والأرض. رواه الفريابي والترمذي وصححه. وقيل رأى الآيات العجيبة. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: رأى ربّه بفؤاده مرّتين، رواه مسلم وغيره. وسيأتي الكلام على رؤية الله تعالى في الباب الثالث. السادس عشر: في الكلام على قوله تعالى: أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى [النجم: 12] .

السابع عشر: في الكلام على قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى 53: 13. [النجم: 13] .

ابن القيّم: «أنكر عليهم سبحانه وتعالى مكابرتهم وجحدهم له على ما رآه مما ينكر على الجاهل مكابرته لعالم، ومماراته له على ما علمه» . اللباب: «قرأ الأخوان: «أفتمرونه» بفتح التاء وسكون الميم، والباقون «تمارونه» ، وعبد الله بن مسعود والشعبي: «أفتمرونه» بضم التاء وسكون الميم. فأما الأولى ففيها وجهان: أحدهما: أنه من مريته حقّه إذا غلبته عليه وجحدته إياه، وعدّي بعلى لتضمّنه معنى الغلبة، وأنشدوا: لئن هجرت أخا صدق ومكرمة ... لقد مريت أخا ما كان يمريكا لأنه إذا جحده حقّه فقد غلبه عليه. قال المبرّد: يقال مراه عن حقّه وعلى حقّه إذا منعه منه ودفعه عنه. قال ومثل «على» بمعنى «عن» قول بني كعب بن ربيعة رضي الله عليك أي رضي عنك» . ابن القيم: «على بابها ليست بمعنى «عن» كما قوله المبرّد، بل الفعل متضمّن معنى المكابرة، وهذا في قراءة الألف أظهر. الثاني: أنه من مراه كذا على كذا أي غلبه فهو من المراء وهو الجدال» . وأما الثانية: فهي من ماراه يماريه، جادله واشتقاقه من مرى الناقة، لأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه. وكان من حقه أن يتعدّى بفي كقولك: جادله في كذا. وإنما ضمّن الغلبة فعدّي تعديتها. وأما قراءة عبد الله فمن «ماراه» رباعيا، والمعنى: «أفتجادلونه» ، أي كيف تجادلونه على ما يرى مع أنه، ما رأى عين اليقين؟ ولا شك بعد الرؤية. القرطبي: «والمعنيان متداخلان لأن مجادلتهم جحود، وقيل: إن الجحود كان دائما منهم وهذا جدال جديد» . ابن القيّم: «القوم جمعوا بين الجدال والدّفع في الإنكار، فكان جدالهم جدال جحود ودفع لا جدال استرشاد وتبيين للحق. وإثبات الألف يدل على المجادلة، والإتيان بعلى يدل على المكابرة، فكانت قراءة الألف متضمّنة للمعنيين جميعا، وذلك أنهم جادلوا حين أسري به، فقالوا صف لنا بيت المقدس، وأخبرنا عن عيرنا في الطريق، وغير ذلك مما جادلوه به. والمعنى: أفتجادلونه جدالا ترمون به دفعه عمّا رآه وعلمه وتيقّنه؟ فإن قيل: هلّا قيل: أفتمارونه على ما رأى؟ بصيغة الماضي، لأنهم إنما جادلوه حين أسري به كما تقدم، وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع؟ فالجواب أن التقدير: أفتمارونه على ما يرى؟ فكيف وهو قد رآه في المساء، فماذا تقولون فيه» ؟. السابع عشر: في الكلام على قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. [النجم: 13] .

الثامن عشر: في الكلام على السدرة وإضافتها إلى المنتهى.

ابن القيّم: «أخبر تعالى عن رؤيته لجبريل مرة أخرى. فالمرة الأولى كانت دون السماء بالأفق الأعلى والثانية كانت فوق السماء عند سدرة المنتهى» . ابن كثير: «هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، وكانت ليلة الإسراء ... وتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يثبت الرؤية ليلة الإسراء ويستشهد بهذه الآية، وتابعه جماعة من السلف والخلف، وقد خالفه جماعات من الصحابة والتابعين» . قلت وسيأتي تحقيق ذلك في بابه. اللباب: «الواو في «ولقد» يحتمل أن تكون عاطفة، ويحتمل أن تكون للحال، أي كيف تجادلونه فيما رآه، وهو قد رآه على وجه لا شك فيه؟ والنّزلة فعلة من النزول كجلسة من الجلوس، وفي نصبها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها منصوبة على الظّرف الذي هو مرّة، لأن الفعلة اسم للمرّة من الفعل، فكانت في حكمها. قال الشهاب الحلبي: وهذا ليس مذهب البصريين، وإنما هو مذهب القرّاء، نقله عنه مكي. الثاني: أنها منصوبة نصب المصدر الواقع موقع الحال، أي رآه نازلا نزلة أخرى، وإليه ذهب الحوفي وابن عطية الثالث: أنها منصوبة على المصدر المؤكد، فقدّره أبو البقاء مرة أخرى أو رؤية أخرى. قال الشهاب الحلبي: وفي تأويل نزلة برؤية، نظر، وأخرى تدل على سبق رؤية قبلها، وعند سدرة المنتهى ظرف مكان لرأى» . الثامن عشر: في الكلام على السّدرة وإضافتها إلى المنتهى. قال الإمام الرازي: «يحتمل وجوها: أحدها: إضافة الشيء إلى مكانه كقولك: أشجار بلدة كذا، فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعداه ملك أو روح من الأرواح. قال كعب الأحبار: هي في أصل العرش على رؤوس حملة العرش، وإليها ينقضي علم الخلائق وما خلفها بحيث لا يعلمه إلا الله تعالى. ثانيها: إضافة المحلّ إلى الحالّ فيه، كقولك: كتاب الفقه، وعلى هذا فالتقدير: سدرة عندها منتهى العلوم. ثالثها: إضافة الملك إلى مالكه كقولك: دار زيد أو شجرة زيد، وحينئذ المنتهى إليه محذوف تقديره: سدرة المنتهى إليه. قال الله تعالى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: 43] . فالمنتهى إليه هو الله تعالى، وإضافة السدرة إليه حينئذ كإضافة البيّنة للتشريف والتعظيم، كما يقال في التسبيح: يا غاية رغباه ويا منتهى أملاه» . القرطبي: «اختلف لم سمّيت سدرة المنتهى على أقوال تسعة: الأول لأنه ينتهي إليها ما نهبط من فوقها فيقبض منها وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض، رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود. الثاني: علم الأنبياء ينتهي إليها ويعزب عما وراءها، قاله ابن عباس. الثالث: أن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها، قاله الضّحّاك. الرابع: لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها

ووقوفهم عندها. الخامس: لأن أرواح الشهداء تنتهي إليها، قاله الربيع بن أنس. السادس: لأنه تأوي إليها أرواح المؤمنين، قاله قتادة. السابع: لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنّة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهاجه، قاله علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، والربيع بن أنس أيضا. الثامن: [هي شجرة على رؤوس حملة العرش] إليها ينتهي علم الخلائق. التاسع: لأن من رفع إليها فقد انتهى في الكرامة» . الماوردي: «فإن قيل: لم اختيرت السّدرة دون غيرها؟ قيل لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظلّ مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكيّة، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولا ونيّة وعملا، فظلّها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النّيّة لكمونه أي استتاره، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره» . الصحاح: «السّدر شجر النبق الواحدة سدرة والجمع سدرات أي بكسر فسكون وسدرات بكسرتين، وسدرات بكسر ففتح، وسدر بكسر ففتح» ، وسيأتي في شرح القصّة الكلام على أصلها. تنبيه: جاء في النّهي عن قطع السّدر أحاديث. فروى أبو داود والطبراني والبيهقي والضياء في صحيحه عن عبد الله بن حبشيّ بضم المهملة ثم موحّدة ساكنة، ثم معجمة بعدها ياء ثقيلة، ابن جنادة، بضم الجيم وبالنون والدال المهملة، السّلولي، بفتح السين المهملة ولامين، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قطع سدرة صوّب الله رأسه في النار» ، زاد الطبراني يعني من سدر الحرم. وقال أبو داود رحمه الله تعالى: يعني من قطع السّدر في فلاة يستظلّ بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها. وروى البيهقي عن أبي ثور أنه سأل الشافعي عن قطع السّدر فقال: لا بأس به. وقد روى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغسلها بماء وسدر» ، فيكون محمولا على ما حمله عليه أبو داود. وقال البيهقي: وروينا عن عروة إنه كان يقطعه وهو أحد رواة النهي، فيشبه أن يكون النهي خاصا كما قال أبو داود. وقال الخطّابي: سئل المزني [ (1) ] عن هذا فقال: وجهه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمّن هجم على قطع سدر لقوم أو يتيم أو لمن حرم الله تعالى أن يقطع عليه، فتحامل عليه فقطعه فاستحق ما قاله، فتكون المسألة سبقت لسامع فسمع الجواب ولم يسمع المسألة وجعل نظيره

_ [ (1) ] إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق أبو إبراهيم، المزني، المصري، الفقيه الإمام صاحب التصانيف. أخذ عن الشافعي وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي، كان زاهدا، عالما، مجتهدا، مناظرا، محجاجا، غواصا على المعاني الدقيقة، صنف كتبا كثيرة، قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. ولد سنة خمس وسبعين ومائة وتوفي في رمضان، وقيل: في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين، وكان مجاب الدعوة. انظر طبقات ابن قاضي شهبة 1/ 58.

التاسع عشر: في الكلام على قوله تعالى: عندها جنة المأوى 53: 15 [النجم: 15]

حديث أسامة بن زيد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الربا في النسيئة» ، فسمع الجواب ولم يسمع المسألة وقد قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد» . واحتج المزني بما احتج به الشافعي من إجازة النبي صلى الله عليه وسلم إن يغسل الميت بالسدر، ولو كان حراما لم يجز الانتفاع به وقال: والورق من السّدر كالغصن. قال: وقد سوّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما حرّم قطعه من شجر الحرم بين ورقه وغيره، فلما لم يمنع من ورق السّدر، دلّ على جواز قطع السّدر. قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: «والأولى عندي في تأويل الحديث أنه محمول على سدر الحرم، كما وقع في رواية الطبراني. قال ابن الأثير في النهاية: «قيل أراد به سدر مكة لأنها حرم وقيل سدر المدينة، نهى عن قطعه ليكون أنسا وظلّا لمن يهاجر إليها، وقيل أراد السّدر الذي يكون في الفلاة يستظلّ به أبناء السبيل والحيوان أو في ملك إنسان، فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق، ومع هذا فالحديث مضطرب الرواية فإن أكثر ما يروى عن عروة بن الزبير، وكان هو يقطع السدر ويتخذ منه أبوابا. قال هشام: وهذه أبواب من سدر قطعه أبي، وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعه» . وروى أبو داود عن حسان بن إبراهيم قال: «سألت هشام بن عروة عن قطع السّدر، وهو مسند ظهره إلى قصر عروة، قال: ترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي من سدر قطعه أبي من أرضه» . التاسع عشر: في الكلام على قوله تعالى: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى [النجم: 15] قال القرطبي: هذا تعريف بموضع جنة المأوى وأنها عند سدرة المنتهى، وهي عن يمين العرش، وقيل أوى إليها آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن أخرج منها. وقيل: إن أرواح المؤمنين كلهم في جنة المأوى، وهي تحت العرش فيتنعمون [بنعيمها ويتنسمون بطيب ريحها] . وقيل: لأن جبريل وميكائيل عليهما السلام يأويان إليها. اللباب: «جملة ابتدائية في موضع الحال، والأحسن أن يكون الحال الظرف، وجنة المأوى فاعل به. والعامة أن جنّة اسم مرفوع وقرأ أمير المؤمنين علي، وأبو الدرداء [ (1) ] ، وأبو هريرة، وابن الزبير، وأنس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وزرّ بن حبيش، ومحمد بن كعب من التابعين: جنّه فعلا ماضيا، والهاء ضمير المفعول يعود للنبي صلى الله عليه وسلم، والمأوى فاعل

_ [ (1) ] عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري، أبو الدرداء، مختلف في اسم أبيه وإنما هو مشهور بكنيته، وقيل: اسمه عامر، وعويمر لقب، صحابي جليل، أول مشاهده أحد، وكان عابدا، مات في آخر خلافة عثمان، وقيل: عاش بعد ذلك. التقريب 2/ 91.

العشرون: في الكلام على قوله تعالى: إذ يغشى السدرة ما يغشى 53: 16 [النجم: 16] .

بمعنى سترة إيواء الله إياه. ويقال ضمّه البيت والليل، وقيل جنّة بظلاله ودخل فيه» . قال الإمام الرازي: «ويحتمل أن يكون الضمير في «عندها» على هذه القراءة عائدا إلى النّزلة، أي عند النّزلة جنّ محمدا المأوى، أي ستره، والصحيح أنه عائد إلى، السّدرة» . اللباب: «وهذا قول الجمهور، وقد أنكرت عائشة رضي الله تعالى عنها هذه القراءة، وتبعها جماعة وقالوا: «أجنّ الله من قرأها» . فإذا ثبتت قراءة عن مثل هؤلاء فلا سبيل إلى ردها. ولكن استعمل إنما هو «أجنّه» رباعيا، فإن استعمل ثلاثيا تعدّى «بعلى» ، كقوله تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ الأنعام: 76] . وقال أبو البقاء: هو شاذّ والمستعمل: أجنّه» . العشرون: في الكلام على قوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى [النجم: 16] . ابن القيم: «لما ذكر سبحانه رؤية محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى، استطرد منها وذكر أن جنّة المأوى عندها وأنه يغشاها من أمره وخلقه ما يغشى، وهذا من أحسن الاستطراد، وهو أسلوب لطيف جدا في القرآن» . اللباب: «إذ» منصوب يراه. الإمام: «العامل في «إذ» ما قبلها أو ما بعدها، فيه وجهان. فإن قلنا ما قبلها ففيه احتمالان: أظهرهما رآه أي رأى وقت ما يغشى السّدرة الذي يغشى. والاحتمال الثاني العامل فيه الفعل الذي في النزلة أي رآه نزلة أخرى، تلك النزلة وقت ما يغشى السدرة ما يغشى، أي نزوله لم يكن إلا بعد ما ظهرت العجائب عند السّدرة وغشيها ما غشيها، فحينئذ نزل محمد نزلة، إشارة أنه لم يرجع من غير فائدة. وإن قلنا العامل فيه ما بعدها فالعامل: ما زاغ البصر، أي ما زاغ بصره وقت غشيان السدرة ما غشيها. واختلفوا فيما يغشى السدرة فقيل فراش أو جراد من ذهب وهو قول ابن عباس وابن مسعود والضّحّاك. قال القرطبي: ورواه ابن مسعود وابن عباس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت السّدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا يسبح الله تعالى» . قلت وقول الإمام: «إن هذا ضعيف، لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي، فإن صحّ فيه خبر وإلا فلا وجه له قصور شديد، فإن الحديث في صحيح مسلم وغيره. ومثله لا يقال بالرأي. وقيل: ملائكة يغشونها كأنهم طيور يرتقون إليها متشوّقين متبرّكين بها زائرين كما يزور الناس الكعبة، وقيل يغشاها أنوار الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى السّدرة تجلى لها ربه تبارك وتعالى كما تجلى للجبل، فظهرت الأنوار، ولكن السّدرة كانت أقوى من الجبل وأثبت، فجعل الجبل دكّا، ولم تتحرك الشجرة وخرّ موسى صعقاً، ولم يتزلزل محمد صلى الله عليه وسلم» .

الحادي والعشرون: في الكلام على قوله تعالى: ما زاغ البصر 53: 17:

قلت: ولا منافاة بين هذه الأقوال، فقد ورد أن كلّا منها يغشاها كما سيأتي ذلك في القصة. وقيل أبهمه تعظيما له كأنه قال: إذ يغشى السدرة ما الله أعلم به من دلائل ملكوته وعجائب قدرته. الإمام: «يغشى يستر، ومنه الغواشي أو من معنى الإتيان، يقال فلان يغشانا كل وقت أي يأتينا، الوجهان محتملان» . الحادي والعشرون: في الكلام على قوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ: الصحاح: «الزّيغ الميل، وقد زاغ يزيغ وزاغ البصر أي مال» . ابن القيم: «قال ابن عباس: «ما زاغ البصر يمينا ولا شمالا، ولا جاوز ما أمر به» . وعلى هذا المفسّرون، فنفى تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما يعرض للرائي الذي لا أدب له بين أيدي الملوك والعظماء من التفاته يمينا وشمالا لما بين يديه، وأخبر عنه بكمال الأدب في ذلك المقام، وفي تلك الحضرة، إذ لم يلتفت جانبا، ولم يمدّ بصره إلى غير ما أري من الآيات وما هناك من العجائب، بل قام مقام العبد الذي أوجب أدبه إطراقه وإقباله على ما أريد له دون التفاته إلى غيره، ودون تطلعه إلى ما لم يره، مع ما في ذلك من ثبات الجأش وسكون القلب وطمأنينته. وهذا غاية الكمال. فزيغ البصر التفاته جانبا، وطغيانه مدّه أمامه إلى حيث ينتهي. فنزّه في هذه السورة عمله عن الضّلال وقصده عن الغيّ ونطقه عن الهوى وفؤاده عن تكذيب بصره، وبصره عن الزيغ والطغيان. وهكذا يكون المدح: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا اللباب تبعا للإمام الرازي: «اللام في البصر تحتمل وجهين: أحدهما: المعروف وهو بصر محمد صلى الله عليه وسلم، أي ما زاغ بصر محمد، وعلى هذا فعدم الزّيغ لوجوه: إن قلنا الغاشي للسّدرة هو الجراد أو الفراش، فمعناه لم يلتفت محمد إليه ولم يشتغل به، ولم يقطع نظره عن مقصوده. وعلى هذا فغشيان الجراد والفراش يكون ابتلاء وامتحانا للنبي صلى الله عليه وسلم. وإن قلنا أنوار الله تعالى ففيه وجهان: أحدهما: لم يلتفت يمنّة ويسرة، بل اشتغل بمطالعتها، وثانيهما: ما زاغ البصر بضعفه، ففي الأول بيان أدب محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني بيان قوته. الوجه الثاني في اللام: أنها لتعريف الجنس، أي ما زاغ بصره أصلا في ذلك الموضع لعظم الهيبة. فإن قيل: لو كان كذلك لقال: ما زاغ بصر، فإنه أدلّ على العموم لأن النّكرة في معرض النّفي تعمّ. فالجواب هو كقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: 103] ولم يقل لم يدركه بصر. الثاني والعشرون: في الكلام على قوله تعالى: وَما طَغى: [النجم: 17] . اللباب تبعا للإمام الرازي: «فيه وجهان: أحدهما أنه عطف جملة مستقلة على جملة

الثالث والعشرون: في الكلام على قوله تعالى: لقد رأى من آيات ربه الكبرى 53: 18 [النجم: 18] .

أخرى. الثاني: أنه عطف جملة تقديره مقدّرة على جملة. فمثال المستقلة: خرج زيد ودخل عمرو، ومثال المقدّرة: خرج زيد ودخل، الوجهان جائزان هنا. أما الأول فكأنه تعالى قال عند ظهور النور: ما زاغ بصر محمّد وما طغى محمد بسبب الالتفات، ولو التفت لكان طاغيا. وأما الثاني فظاهر. فإن قيل بأن الغاشي للسّدرة جراد، فالمعنى لم يلتفت إليه وما طغى، أي ما التفت إلى غير الله تعالى، ولم يلتفت إلى الجراد ولا إلى غير الجراد، بل إلى الله سبحانه وتعالى. أما على قول من قال غشيها نور، فقوله تعالى: «ما زاغ» أي ما مال عن الأنوار. وما طغى، أي ما طلب شيئا وراءه. وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال: ما زاغ وما طغى ولم يقل ما مال وما جاوز، لأن الميل في ذلك الموضع والتجاوز مذمومان، فاستعمل الزّيغ والطغيان فيه. وفيه وجه آخر، وهو أن يكون ذلك بيانا لوصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى شدة اليقين الذي لا يقين فوقه، ووجه ذلك أن بصره صلى الله عليه وسلم ما زاغ أي ما مال عن الطريق، فلم ير الشيء على خلاف ما هو عليه بخلاف من ينظر إلى عين الشمس مثلا، ثم ينظر إلى شيء أبيض فإنه يراه أصفر وأخضر، يزيغ بصره عن جادّة الإبصار. وقوله: وَما طَغى أي ما تخيّل المعدوم موجودا، وقيل: «وما طغى» أي ما تخيّل المعدوم موجودا وقيل: «وَما طَغى» أي ما جاوز ما أمر به» . الثالث والعشرون: في الكلام على قوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: 18] . اللباب: «في الكبرى وجهان، أظهر هما أنه مفعول رأى من آيات ربه حال مقدمه، والتقدير: لقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه. والثاني أن «من آيات ربه» هو مفعول الرؤية، والكبرى صفة لآيات ربه. وهذا الجمع يجوز وصفه بوصف المؤنثة الواحدة، وحسنه هنا كونها فاصلة» . الإمام الرازي: «في الكبرى وجهان: أحدهما: أنهما صفة لمحذوف تقديره لقد رأى من آيات ربه. ثانيهما: صفة لآيات ربه، فيكون مفعول رأى محذوفا تقديره: رأى من آيات ربه الكبرى آية أو شيئا. القرطبي: «ويجوز أن تكون «من» زائدة، أي رأى آيات ربه الكبرى. وقال بعضهم: آيات ربه الكبرى هي أنه رأى جبريل عليه السلام في صورته» . قال الإمام: «والظاهر أن هذه الآيات غير تلك لأن جبريل وإن كان عظيما لكن ورد في الأخبار إن لله ملائكة أعظم منه. والكبرى تأنيث الأكبر، فكأنه تعالى قال: رأى من آيات ربه آيات هي أكبر الآيات. وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: «رأى جبريل في حلّة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض» .

قال الحافظ: «وبهذه الرواية يعرف المراد بالرفرف وأنه حلّة، ويؤيده قوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ [الرحمن: 76] . وأصل الرفرف ما كان من الديباج رقيقا حسن الصفة. ثم اشتهر استعماله في الستر، وكل ما فضل من شيء وعطف وثني فهو رفرف» . القرطبي: «هو ما رأى تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه وهذا أحسن» . قال الإمام: «وهذه الآية تدل على إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الله تعالى ليلة المعراج وإنما رأى آيات الله تعالى وفيه خلاف، ووجه الدلالة أنه تعالى ختم قصة المعراج ها هنا برؤية الآيات وقال سبحانه وتعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: 1] إلى أن قال: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظم ما يمكن، فكانت الآية للرؤية، وكان أكبر شيء هو الرؤية» . ابن كثير: «وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة إلى أن الرؤية تلك الليلة لم تقع لأنه قال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ولقال ذلك للناس» . خاتمة: اشتملت هذه الآيات على قسمه تعالى على هداية نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتنزيهه عن الهوى وصدقه فيما تلا، وأنه وحي يوحى، يوصّله إليه جبريل الشديد القوي عن الله تبارك وتعالى العليّ الأعلى، واحتوت أيضا على تزكية جملته صلى الله عليه وسلم وعصمته من الارتياب في هذا المسرى، ثم أخبر تعالى فيها عن فضيلته بقصة الإسراء وانتهائه إلى سدرة المنتهى، وتصديق بصره فيما روي أنه رأى من آيات ربه الكبرى.

الباب الثالث في اختلاف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج

الباب الثالث في اختلاف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج اعلم أن الصواب الذي عليه أهل الحق [أن] رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة، وإن المؤمنين يرون الله تعالى. وزعمت طوائف من أهل البدع أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا. وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح. وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمّة على إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة للمؤمنين. ورواها أحد وعشرون صحابيا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن العظيم فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها، لها أجوبة مذكورة في كتب المتكلمين من أهل السّنّة. وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فممكنة عقلا وسمعا، ومذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعّة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك. ولكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط. وقد قرّر أئمتنا المتكلمون ذلك بالدلائل الجليّة، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة الله- تعالى عن ذلك- بل يراه المؤمنون لا في جهة، كما يعلمون أنه لا في جهة. وبيان الدليل العقلي على جوازها بطريق الاختصار أن الباري سبحانه وتعالى موجود، وكل موجود يصحّ أن يرى، فالباري عزّ وجلّ يصحّ أن يرى. أما الصغرى فظاهرة، وأما الكبرى، فلأن الحكم يدور مع علّته وجودا وعدما. وقد تبيّن أن الموجود هو العلّة لصحة الرؤية، ولا يلزم من جوازها وقوعها وعدم تعلّقها، إنما هو لجري عادته تعالى بعدم خلقها فينا الآن، مع جواز خلقها فينا، إذ هي غير مستحيلة وهنا أبحاث محلّها الكتب الكلامية. وبيان الدليل الشّرعي على جوازها في الدنيا أن موسى بن عمران، رسول الله وكليمه، العارف به سأل الله سبحانه وتعالى الرؤية، فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف: 143] مع اعتقاده أنه تعالى يرى، فسألها. وفي هذه الآية دليلان. الأول: محال أن يجهل نبيّ ما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز عليه، بل لم يسأل إلا جائزا غير محال، لاستحالة سؤال المحال من الأنبياء، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ومن

أعلمه إياه وأطلعه عليه، فقال له تعالى غير ناف للجواز: «لن تراني» ، دون لن أرى المؤذنة بنفيه أي لن تطيق ولا تحتمل رؤيتي الآن لتوقّفها على معدّ لها في الرائي لم يوجد فيك بعد. ومثّل له مثالا بما هو أقوى من نبيّه موسى صلى الله عليه وسلم وأثبت، وهو الجبل في قوله: وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي [الأعراف: 143] . وهذا هو الدليل الثاني: وبيانه أنه تعالى علّق رؤية موسى إياه تعالى باستقرار جبل المناجاة في مكانه وقت التجلي له، والشيء المعلّق بالممكن ممكن، إذ معنى التعليق الإخبار بثبوت المعلّق عند ثبوت المعلّق به. وعلى هذا فالشرطية خبرية إذا كان الجزاء في الأصل خبريّا كما هنا. فثبت إمكان الرؤية ضرورة أن الله تعالى أخبر بوقوعها على بعض التقادير، والمحال لا يقع على شيءٍ من التقادير أصلا، وإذا ثبت الإمكان انتفى الامتناع وبالعكس وهنا أبحاث محلها الكتب الكلامية. وقول موسى صلى الله عليه وسلم: تُبْتُ إِلَيْكَ، أي من الإقدام على سؤالي إياه في الدنيا ما لم تقدّره لي. وقيل: إن قوله تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف: 143] إنما كان لما غشيه من شدة ما أفضى به إلى أن صعق، كما تقول من فعل جائر عراك منه مشقّة: تبت عن فعل مثله. وقال القاضي أبو بكر الهذلي، في قوله تعالى: لَنْ تَرانِي [الأعراف: 143] أي ليس لبشر أن يطيق النّظر إليّ في الدنيا وإن من نظر إلى في الدنيا مات، أي في الحال، بشهادة صعق موسى إذ رأى الجبل» وقال القاضي: «وقد رأيت لبعض السلف والمتأخرين أن رؤيته تعالى في الدنيا ممتنعة، لا من حيث ذاتها، لثبوت جوازها فيها بما مرّ، وإنما امتنعت فيها لضعف تراكيب أهل الدنيا وقواهم، وكونها متغيّرة عرضة للآفات من نوائب مقلقلة ونواكب للأكباد معلقة تنذر بالموت والفناء، فلم تكن لهم قوة على الرؤية في الدنيا. فإذا كان في الآخرة وركّبوا تركيبا آخر ورزقوا قوى ثابتة باقية وأتمّت أنوار أبصارهم وقلوبهم حصل بذلك قوّة على الرؤية في الآخرة» . وقد رأيت نحو هذا للإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: «لم ير في الدنيا لأنه باق ولا يرى الباقي بالفاني. فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رئي الباقي بالباقي» وهذا الذي قاله الإمام مالك كلام حسن مليح، وليس فيه دلالة على الاستحالة إلا من حيث ضعف القدرة، فإذا قوّى الله تعالى من شاء أقدره على حمل أعباء الرؤية في حقه في أي وقت كان. قال الحافظ: «ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد هذه التفرقة في حديث مرفوع فيه: «واعلموا أنكم لن تروا ربّكم حتّى تموتوا» . وأخرجه ابن خزيمة- بخاء معجمة مضمومة فزاي مفتوحة. من حديث أبي أمامة، ومن حديث عبادة بن الصامت. فإذا جازت الرؤية في الدنيا

عقلا، فقد امتنعت سمعا. لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يقول إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه» . قال القاضي: «ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: 103] لاختلاف التأويلات في الآية، فقد قيل: المراد بالإدراك الإحاطة، فلا نفي فيها لمطلق الرؤية، وقيل: لا تدركه أبصار الكفّار، وقيل غير ذلك: والجواب الصحيح أنه لا دلالة في هذا النفي على عموم الأوقات ولا حال من الأحوال لأنه مسكوت عنه. فمن أين أن المراد لا تدركه الأبصار في وقت من الأوقات ولا حال من الأحوال؟ بل يتعيّن الحمل على النفي بالنسبة إلى دار الدنيا جمعا بين الأدلة السمعية» . وقال أبو العباس القرطبي في المفهم: «الأبصار» جمع محلّى بالألف واللام، فيقبل التخصيص، وقد ثبت ذلك سمعا في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] فيكون المراد الكفّار، بدليل قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: 22، 23] قال: فإذا جازت في الآخرة جازت في الدنيا لتساوي الوقتين بالنسبة إلى الرائي» انتهى. قال الحافظ: «وهو استدلال جيد» . وقد يستدل بهذه الآية على جواز إمكان الرؤية، إذ لو امتنعت الرؤية لما حصل التّمدّح في الآية بنفي الرؤية، ووجه الملازمة أن الممتنع منتف في حد ذاته، فلا يكون نفيه صفة مدح، لأنه ضروري كالمعدوم الممتنع الرؤية، لا يمدح بعدم رؤيته، إذ لا يكون: «المعدوم لا يرى» تمدحا، لامتناع رؤية المعدوم. وقد ثبت التمدح بنفي عدم رؤيته تعالى فتكون رؤيته ممكنة، والحاصل أن التمدح بنفي عدم الرؤية إنما يكون في إمكان رؤيته تعالى لكنه لا يرى للامتناع وتعذر الإبصار والتحجب بحجاب الكبرياء والجلال لا في أنه لا يرى لامتناع رؤيته تعالى. لكن الصفات السلبية على هذا، صفات تمدّح، وإن جعلنا الإدراك في الآية عبارة عن الرؤية على وجه الإحاطة بجوانب المرئي وحدوده. فدلالة الآية حينئذ على جواز الرؤية بل على تحققها بالوقوع، أظهر من دلالتها على الجواز بما ذكر من التّمدّح. إذ المعنى على هذا لا تدركه الأبصار، إذ نظرت إليه على وجه الإحاطة، لأنه تبارك وتعالى، مع كونه مرئيا بالأبصار لا تدركه الأبصار على وجه الإحاطة، لتعاليه قطعا عن التناهي وعن الاتصاف بالحدود التي هي النهايات والجوانب على ما تبيّن في كتب الكلام. والإحاطة بما لا يتناهى محال. ولهذا مزيد بيان يأتي في الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها. ومع القول بجوازها في الدنيا، لم يحصل لبشر غير نبينا صلى الله عليه وسلم، على ما في

ذلك من الخلاف، ومن ادّعاها غيره فهو ضالّ. كما جزم بكفره الإمام موفق الدين الكواشي [ (1) ]- بالفتح والتخفيف وبالمعجمة- والإمام المهدوي [ (2) ] في تفسيريهما، والإمام جمال الدين الأردبيلي [ (3) ]- بالفتح وسكون الراء وضم الدال المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية- في كتاب «الأنوار» إذ قد سألها نبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران، ولم تحصل له، أفتحصل لآحاد الناس؟ هذا مما يتوقف فيه. فصل: وإذا علم ما تقرر ففي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج مذهبان: فنفتها عائشة وهو المشهور عن ابن مسعود، وجاء مثله عن أبي هريرة، وإليه ذهب كثيرون من المحدّثين والمتكلمين. وبالغ الحافظ عثمان عن سعيد الدارمي، فنقل فيه الإجماع، والثاني أنه رآه. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه كان يحلف بالله أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه. وروى ابن خزيمة عن عروة بن الزبير إثباتها، وكان يشتد عليه إنكار عائشة لها. وبه قال سائر أصحاب ابن عباس، وبه جزم كعب الأحبار والزهري ومعمر وآخرون. وبه قال الشيخ أبو الحسن الأشعري [ (4) ] وغالب أتباعه. وجنح ابن خزيمة إلى ترجيحه بما يطول ذكره. ثم اختلفوا:

_ [ (1) ] أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع بن الحسين بن سويدان الشيباني الموصلي، موفق الدين أبو العباس الكواشي: عالم بالتفسير، من فقهاء الشافعية. من أهل الموصل. كان يزوره الملك ومن دونه فلا يقوم لهم ولا يعبأ بهم. من كتبه: «تبصرة المتذكر» في تفسير القرآن، و «كشف الحقائق» و «تلخيص في تفسير القرآن العزيز» . توفي 680 هـ-. الأعلام 1/ 274. [ (2) ] أحمد بن عمار بن أبي العباس المهدوي التميمي، أبو العباس: مقرئ أندلسي أصله من المهدية بالقيروان. رحل إلى الأندلس في حدود سنة 408 وصنف كتبا، منها «التفصيل الجامع لعلوم التنزيل» وهو تفسير كبير للآيات، يذكر القراءات والإعراب، واختصره وسماه «التحصيل في مختصر التفصيل» توفي نحو 440 هـ-. الأعلام 1/ 184. [ (3) ] محمد بن عبد الغني الأردبيلي، جمال الدين: نحوي. له «شرح أنموذج الزمخشري» في النحو. توفي سنة 647 هـ-. الأعلام 6/ 211. [ (4) ] علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى، الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري. إمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، والذابّ عن الدين، والمصحح لعقائد المسلمين. مولده سنة ستين ومائتين، وقيل: سنة سبعين. أخذ علم الكلام أولا عن أبي على الجبائي شيخ المعتزلة، ثم فارقه، ورجع عن الاعتزال، وأظهر ذلك، وشرع في الرد عليهم، والتصنيف على خلافهم. وقال أبو بكر الصيرفي: وهو من نظراء الشيخ أبي الحسن، كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم. قال الخطيب البغدادي: أبو الحسن الأشعري المتكلم، صاحب الكتب والتصانيف في الرّد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة، والجهمية والخوارج، وسائر أصناف المبتدعة. وهو بصري سكن بغداد إلى أن توفي. وقد جمع الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر له ترجمة حسنة، ورد على من تعرض له بالطعن، وذكر فضائله، ومصنفاته، ومتابعته في كتبه المذكورة السنة، وانتصارها لها، وذبه عنها ومن أخذ عنه من العلماء الأعلام، سمّاه «تبيين الكذب المفتري فيما نسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري» ، وهو كتاب مفيد مطبوع ومتداول بين أهل العلم توفي في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 113، 114، وتاريخ بغداد 11/ 346 ووفيات الأعيان 2/ 446 والبداية والنهاية 11/ 187 وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 245 وتبيين كذب المفتري ص 128 وشذرات الذهب 2/ 303 والنجوم الزاهرة 3/ 259 والجواهر المضية 1/ 353.

هل رآه بعينه أو بقلبه؟ والقولان رويا عن الإمام أحمد. وقال الإمام النووي: الراجح عند أكثر العلماء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج، وبسط الكلام على ذلك واستدل بأشياء نوزع في بعضها كما سيأتي بيانه في ذكر أدلة المذهب الأول. وذهب جماعة إلى الوقف في هذه المسألة ولم يجزموا بنفي ولا إثبات لتعارض الأدلة، ورجّح ذلك الإمام أبو العباس القرطبي في المفهم، وعزاه لجماعة من المحققين، وقوّاه بأنه ليس في الباب دليل قاطع. وغالب ما استدلت به الطائفتان ظواهر متعارضة قابلة للتأويل. قال: وليست المسألة من التعظيمات فيكتفي فيها بالدلالة الظنّية، فإنما هي من المعتقدات فلا يكتفى فيها إلا بالدليل القطعي. وقال السبكي رحمه الله في السيف المسلول: «ليس من شرطه أن يكون قاطعا متواترا بل متى كان حديثا صحيحا ولو ظاهرا وهو من رواية الآحاد، جاز أن يعتمد عليه في ذلك لأن ذلك من مسائل الاعتقاد التي يشترط فيها القطع، على أنا لسنا مكلّفين بذلك» . انتهى. وقال القاضي في الشفاء وغيره «لا مرية في الجواز، إذا ليس في الآيات: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: 103] ، لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي [الأعراف: 143] نصّ في المنع للرؤية، بل هي مشيرة للجواز كما تقرّر ذلك. وأما وجوب وقوعها لنبينا صلّى الله عليه وسلم، والقول بأنه رآه بعينه، فليس فيه قاطع أيضا ولا نصّ يعوّل عليه، إذ المعوّل عليه فيه على آيتي النّجم: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: 11] وما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم: 17] . والتنازع بين الأئمة فيهما مأثور، والاحتمال لهما من حيث دلالتهما على الرؤية وعدمها ممكن، لعدم صراحتهما بها، لا أثر قاطع متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. وحديث ابن عباس أنه رآه بعينه أو بفؤاده إنما نشأ عن اعتقاد لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعتبر فيجب العمل باعتقاد مضمّنه من رؤيته ربّه. ومثله حديث شريك عن أبي ذر في تفسير الآية بأن النبي صلّى الله عليه وسلم رأى ربّه، وحديث معاذ: «رأيت ربي في أحسن صورة» [ (1) ] ، مضطرب الأسناد والمتن. وحديث أبي ذر مختلف من حديث اللفظ محتمل لأن يكون رآه أو لم يره، مشكل من حيث جعل ذاته نورا، فروي: «نور أنّى أراه» [ (2) ]- بفتح أوله وتشديد النون- أي نورا لن أراه، أي لجري العادة بأن النور إذا غشى البصر حجبه في رؤيته لما وراءه، وروي: «نورانيّ، أي بكسر النون الثانية وتشديد التحتية» .

_ [ (1) ] أخرجه السيوطي في اللآلئ 1/ 15 وأخرجه من طرق بنحوه الخطيب في التاريخ 8/ 152 وابن سعد في الطبقات 7/ 304 وابن الجوزي في العلل 1/ 16 وابن أبي عاصم في السنة 1/ 204. [ (2) ] أخرجه مسلم (161) والترمذي (3282) وأحمد في المسند 5/ 157 وأبو نعيم في الحلية 9/ 61 وسيأتي بتمامه في نص المصنف رحمه الله.

ذكر أدلة القول الأول

قال القاضي: «وهذه الرواية لم تقع لنا، ولا رأيتها في أصل من الأصول، ومحال أن تكون ذاته تعالى نورا، إذا النور جسم يتعالى الله عز وجل عنه، ومن ثمّ كانت تسميته نورا بمعنى ذي النور أو خالقه. وفي الحديث الآخر: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت نورا» . وليس يمكن الاحتجاج بواحد منهما لإفصاحهما بأنه لم يره، فإن كان الصحيح «رأيت نورا» ، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم ير الله تعالى، وإنما رأى نورا منعه وحجبه عن رؤية الله تعالى. وإلى قوله: «رأيت نورا» يرجع قوله: «نور أنّى أراه» ، أي كيف أراه مع كون حجابه النور المغشّي للبصر، وهذا الحديث مثل الحديث الآخر من حيث المعنى: حجابه النور، كما رواه مسلم وغيره. وقال أيضاً في الإكمال: وقف بعض مشايخنا في هذا. وقال: ليس هذا عليه دليل واضح، ولكنه جائز، ورؤية الله تعالى في الدنيا جائزة. ذكر أدلة القول الأول زاد الشيخان وعبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وغيرهم عن مسروق، زاد عبد الرزاق ومن بعده عنه، قال: لقي ابن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شيء فقال ابن عباس: إنّا بنو هاشم نزعم، وفي لفظ نقول: أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربّه مرّتين. فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال. ثم قال: «إن الله قسّم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى عليهما السلام [فكلّم موسى مرتين] ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين» . ثم اتفقوا. قال مسروق: فدخلت على عائشة فقلت يا أمتاه، هل رأى محمد ربّه؟ فقالت: لقد قفّ شعري بما قلت، أين أنت من ثلاث من حدّثكهنّ فقد كذب، وفي لفظ: فقد أعظم على الله الفرية، من حدّثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب وفي لفظ فقد أعظم على الله الفرية، ثم قرأت لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103] ، وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: 51] ، ومن حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، وفي لفظ: فقد أعظم على الله الفرية، ثم قرأت: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً [لقمان: 34] ومن حدّثك أنه قد كتم فقد كذب، وفي لفظ فقد أعظم على الله الفرية، ثم قرأت: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [المائدة: 67] ولكنه رأى جبريل في صورته مرّتين.. زاد الإمام أحمد ومسلم قال ومسروق: وكنت متكئا فجلست فقلت: ألم يقل الله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 13] . إن أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: «لا، إنما رأيت جبريل منهبطا» . وروى الإمام أحمد عن طريق همام، ومسلم عن طريق معاذ بن هشام عن أبيه، ومن طريق يزيد بن إبراهيم، ثلاثتهم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت: لأبي ذر: لو رأيت

تنبيهات

رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال: عن أي شيء كنت تسأله، قال: كنت أسأله: هل رأى ربه تبارك وتعالى. قال: إني قد سألته قلت: يا رسول الله: هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنّى أراه» وفي رواية: رأيت نورا. تنبيهات الأول: قال جماعة: لم تنف عائشة وقوع الرؤية بحديث مرفوع، ولو كان معها لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرت من ظاهر الآية وما قالوه غفلة عن قولها: إنها سألت النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: إِنما رأَيتُ جبريل منهبطاً. الثاني: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبها على قدر عقلها، ومن حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه فهو مخطئ قليل الأدب. الثالث: قول ابن الجوزي: «أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء، فأجابه بما أجابه، ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات، ضعيف جدا، فإن عائشة رضي الله عنها سألته بعد الإسراء ولم تثبت لها الرؤية» . الرابع: احتجاج عائشة بالآية خالفها فيه ابن عباس، فروى الترمذي وحسّنه من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: محمد رأى ربه. قلت: أليس الله تعالى يقول: «لا تدركه الأبصار» ؟ قال: «ويحك، ذلك نوره إذا تجلّى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربّه مرّتين» . والحاصل أن المراد بالآية الإحاطة به عند رؤيته، لا نفي أصل رؤيته. وقال النووي: المراد بالإدراك الإحاطة، والله تعالى لا يحاط به، وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة، وأما احتجاجها بقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشورى: 51] فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه لا يلزم مع الرؤية وجود الكلام حال الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام، الثاني: أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة، الثالث: ما قال بعض العلماء إن المراد بالوحي هنا الكلام من غير واسطة، وأن القول وإن كان محتملا لكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا الإلهام والرؤيا في المنام وكلاهما يسمى وحيا. وأما قوله تعالى أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. فقال الواحدي وغيره بمعناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه تعالى من حيث لا يرونه، وليس المراد أن يكون هناك حجاب يفصل موضعا عن موضع، ويدل على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب حيث لم ير المتكلّم. الخامس: قول كعب: «وكلّمه موسى مرتين» ، فيه نظر. والحق أنه كلّمه أكثر منهما، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه 17] وقوله عز وجل:

ذكر أدلة القول الثاني

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى [طه: 83] . وقوله تبارك وتعالى: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ [طه 85] وقوله تقدّس اسمه: فَخُذْها بِقُوَّةٍ [الأعراف: 145] ، وقوله تعالى: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ [طه: 43] ، وقوله عز وجل وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ، إلى غير ذلك من الآيات. السادس: في غريب ما سبق. «يا أمتاه» : أصله يا أمه [ (1) ] والهاء للسّكت فأضيفت إليها ألف الاستغاثة فأبدلت تاء، ثم زيدت هاء السّكت بعد الألف. ووقع في كلام الخطّابي إذا نادوا قالوا يا أمه عند السّكت وعند الوصل «يا أمتا» . فإذا تفجّعوا للنّدبة قالوا: «يا أمتاه» والهاء للسكت. وتعقّبه الكرماني بأن قول مسروق: «يا أمتاه» ليس للنّدبة، إذ ليس هو تفجّعا عليها. قال الحافظ: وهو كما قال. قفّ [ (2) ] شعري: قام من الفزع لما حصل عندها من هيبة الله واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك. قال النّضر- بالنون والضاد المعجمة- ابن شميل [ (3) ]- بضم الشين المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية وباللام: القفّ- بفتح القاف وتشديد الفاء- كالقشعريرة، وأصله القبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر لذلك. «أين أنت من ثلاث» ، أي كيف يغيب فهمك عن هذه الثلاث وكان ينبغي أن يكون مستحضرها ومعتقد الكذب ممّن يدّعي وقوعها. «الفرية» بالكسر: الكذب وجمعها فرى كعنب. ذكر أدلة القول الثاني تقدم حيث مسروق عن ابن عباس وكعب. وروى النسائي بإسناد صحيح عن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: أتعجبون أن الخلّة تكون لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ ورواه ابن خزيمة بلفظ: «إن الله اصطفى إبراهيم بالخلّة» . إلى آخره. وروى ابن إسحق عن عبد الله بن أبي سلمة أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهم يسأله: هل رأى محمد ربّه؟ فأرسل إليه أن نعم. تنبيهات الأول: قال الحافظ ابن كثير وابن حجر وغيرهما: جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 1/ 144. [ (2) ] انظر اللسان 5/ 3704، 3705. [ (3) ] انظر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي، أبو الحسن: أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة. توفي بمرو. من كتبه: «الصفات» كبير، في صفات الإنسان والبيوت والجبال والإبل والغنم والطير والكواكب والزروع، و «كتاب السلاح» و «المعاني» و «غريب الحديث» و «الأنواء» . توفي 203 هـ- الأعلام 8/ 33.

كما تقدم وأخبار مقيّدة، فيجب حمل مطلقها على مقيّدها. فمن المقيّدة ما رواه مسلم عن أبي العالية في قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: 11] ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 13] ، قال: «رآه بفؤاده مرّتين» . وروى أيضا عن طريق عطاء عنه قال: «رآه بقلبه» . وروى ابن مردويه من طريق عطاء عنه أيضا في الآية قال: «لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه» . وروى النسائي وابن خزيمة عن أبي ذر في الآية قال: «رآه بقلبه ولم يره بعينه» . وروى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيد عن محمد بن كعب القرظي- بالظاء المعجمة المشالة وبالتحتية- قال ابن جرير عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: يا رسول الله، هل رأيت ربّك؟ قال: لم أره بعيني، رأيته بفؤادي مرّتين» ثم تلا ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى [النجم: 8] وموسى ضعيف. الثاني: قال الحافظ: المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب، لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله تعالى على الدوام. بل مراد من أنه أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما تخلق الرؤية بالعين لغيره، زاد صاحب السراج: «بخلاف غيره من الأولياء، فإنهم إذا أطلقوا الرؤية والمشاهدة لأنفسهم، فإنهم إنما يريدون «المعرفة» فاعلمه، فإنه من الأمور المهمة التي يغلط فيها كثير من الناس» . انتهى. والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين. قال الواحدي: «وعلى القول بأنه رآه بقلبه جعل الله تعالى بصره في فؤاده، أو خلق لفؤاده بصرا حتى رأى ربّه رؤية صحيحة كما يرى بالعين» . الثالث: على هذه الآثار المقيّدة عن ابن عباس يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة، بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباتها على رؤية القلب. الرابع: قال ابن كثير: [فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأَيتُ ربي عَزَّ وجَلَّ، فإنه حديث إسناده صحيح. على شرط الصحيح لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس. الخامس: قال ابن كثير: من روى عن ابن عباس أنه رآه ببصره فقد أغرب فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة. وقول البغوي: وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه، وهو قول أنس والحسن وعكرمة فيه نظر. قلت: سبق البغوي إلى ذلك الإمام أبو الحسن الواحدي وقول ابن كثير: أنه لم يصح في ذلك شيء عن الصحابة فليس بجيّد، قال: فقد روى الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس إنه كان يقول: نظر محمد إلى ربّه مرتين: مرة ببصره ومرة بفؤاده.

الباب الرابع في أي زمان ومكان وقع الإسراء

الباب الرابع في أي زمان ومكان وقع الإسراء وفيه فصلان: الأول في مكانه. ففي رواية أنه كان عند البيت كما عند البخاري في باب بدء الخلق وفي باب المعراج في الحطيم، وربما قال في الحجر، والشك من قتادة كما بينه الإمام أحمد في روايته عن عفان عن همام ولفظه: «بينا أنا في الحطيم» ، وربما قال قتادة في الحجر. قال الحافظ: والمراد بالحطيم هنا الحجر، وأبعد من قال: المراد به ما بين الركن والمقام، أو ما بين زمزم والحجر. قال: وهو إن كان مختلفا في الحطيم بل هو الحجر أم لا فالمراد به هنا بيان البقعة التي وقع ذلك فيها لأنها لم تتعدد لأن القصة متحدة باتحاد مخرجها. وفي رواية الزّهري عن أنس: «فرج سقف بيتي وأنا بمكة» ، وفي رواية الواقدي أنه: «أسرى به من شعب أبي طالب» ، وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه «بات في بيتها» ، قالت: ففقدته من الليل/ فقال: إن جبريل أتاني» . قال الحافظ: والجمع بين هذه الأقوال أنه بات في بيت أم هانئ، وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج عن سقف بيته، وأضاف البيت إليه لأنه كان يسكنه، فنزل منه منزلة المالك، وأخرجه إلى المسجد، وكان به أثر النعاس، ثم أخرجه إلى باب المسجد، فأركبه البراق. قال: وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق فأتاه فأخرجه إلى المسجد، وهو يؤيد هذا الجمع» . انتهى. وقال بعضهم: ليس بين قوله: «بينا أنا في المسجد الحرام» وبين قوله: «في بيتي» وبين أم هانئ، تناف لأنه قد يكون المراد بالمسجد الحرام. الفصل الثاني: في زمانه: الصواب الذي اتفق عليه العلماء: إن الإسراء كان بعد البعثة. أما ما وقع في رواية شريك من قوله: «جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه» ، وفيه «فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى» ، ولم يعيّن المدة التي بين المجيئين، فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحى إليه، وحينئذ وقع الإسراء والمعراج، وإذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون المدة ليلة واحدة أو ليال كثيرة أو عدة سنين. قال ابن كثير: «وهذا الحمل هو الأظهر» ، وجزم به ابن القيّم، وجرى عليه الحافظ، قال: «وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك، ويحصل به الاتفاق بأن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة، ويسقط تشنيع الخطابي وابن حزم بأن شريكا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة» . قال الحافظ: «وأما ما ذكره بعض الشراح أنه كان بين الليلتين اللتين أتاه فيهما الملائكة سبع وقيل تسع وقيل ثلاثة عشر، فيحمل على إرادة السنين كما فهمه الشارح المذكور، وأجاب بعضهم بأن القبلية هنا هي في أمر مخصوص وليست

مطلقة، واحتمل أن يكون المعنى قبل أن يوحى إليه في شأن الإسراء والمعراج مثلا، أي أن ذلك وقع بغتة قبل أن ينذر به. ويؤيده قوله في حديث الزهري: فرج سقف بيتي. انتهى. واختلفوا في أي سنة كان، فجزم جمع بأنه كان قبل الهجرة بسنة، وجرى عليه الإمام النووي، وبالغ ابن حزم فنقل فيه الإجماع. وقال القاضي: قبل الهجرة بخمس سنين لأنه لا خلاف أن خديجة صلّت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، وتعقّبه ابن دحية بأن المراد بالصلاة التي صلّتها معه هي التي كانت من أول البعثة، وكانت ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ، وإنما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «أن خديجة رضي الله عنها ماتت قبل أن تفرض الصلاة» ، رواه ابن سعد، ويعقوب بن سفيان. فالمعتمد أن مراد من قال: بعد أن فرضت الصلاة، ما فرض قبل الصلوات الخمس، إن ثبت ذلك. ومراد عائشة بقولها: مات قبل أن تفرض الصلاة، أي الخمس، فيجمع بين القولين بذلك. ويلزم منه أنها ماتت قبل الإسراء وقد حكى العسكري أنها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين وسيأتي تحقيق ذلك في ترجمتها. واختلفوا في أي الشهور كان [الإسراء] فجزم ابن الأثير وجمع، منهم النووي في فتاويه كما في النسخ المعتمدة، بأنه كان في ربيع الأول، قال النووي: «ليلة سبع وعشرين» . وجرى عليه جمع، وهكذا عن الفتاوى الإسنوي في المهمات، والأذرعي- بفتح أوله والراء وسكون الذال المعجمة بينهما- في التوسط، والزركشي في الخادم، والدميري في حياة الحيوان، وغيرهم. وكذا رأيته في عدة نسخ من الفتاوى وفي بعض النسخ من شرح مسلم كذلك، وفي أكثرها ربيع الآخر كما في نسخ الفتاوى. ونقله ابن دحية في الابتهاج، والحافظ في الفتح، وجمع عن الحربي. والذي نقله عنه ابن دحية في كتابيه: التنوير والمعراج الصغير، وأبو شامة في الباعث، والحافظ في فضائل رجب، ربيع الأول. وقيل: كان في رجب، وجزم به النووي في الروضة تبعا للرافعي، وقيل في رمضان، وقيل في شوال. قال ابن عطية بعد أن حكى الخلاف والتحقيق: «أنه كان بعد شقّ الصحيفة وقبل بيعة العقبة،. قال ابن دحية: «ويمكن أن يعين اليوم الذي أسفرت عنه تلك الليلة، ويكون يوم الاثنين» . وذكر الدليل على ذلك بمقدمات حساب من تاريخ الهجرة، وحاصل الأمر أنه استنبطه، وحاول موافقة كون المولد يوم الاثنين وكون المبعث يوم الاثنين وكون المعراج يوم الاثنين وكون الهجرة يوم الاثنين وكون الوفاة يوم الاثنين. قال: فإن هذه أطوار الانتقالات النبوية وجودا ونبوة ومعراجا وهجرة ووفاة، فهذه خمسة أطوار، فيكون يوم الاثنين في حقه صلى الله عليه وسلم كيوم الجمعة في حق آدم عليه الصلاة والسلام فيه خلق وفيه أنزل إلى الأرض وفيه تاب الله عليه وفيه مات، وكانت أطواره الوجودية والدينية خاصة بيوم واحد. انتهى.

وروى ابن أبي شيبة عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما قالا: «ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وفيه بعث وفيه عرج إلى السماء وفيه مات» . وقولهما: «وفيه عرج إلى السماء» أراد الليلة لأن الإسراء كان بالليل اتفاقا. تنبيه: ذكر أبو الخطاب بن دحية إن الإسراء كان في الليلة التي بين الأحد والاثنين على القول بأن الليلة تتبع اليوم الذي قبلها. ثم قال: «ويدل على أن الليلة تتبع اليوم الذي قبلها أن ليلة عرفة هي التي قبلها بإجماع، وكان بعضهم يقول: ليلة السبت في ظنّ الناس هي ليلة الجمعة» . انتهى. والذي ذكره النحاة في باب التأريخ أن ليلة كل يوم هي التي قبله، لأن أول الشهر ليلة، وآخره يوم. وبذلك صرّح أئمتنا الشافعية في غير موضع من كتبهم. وليلة عرفة وإن تأخّرت عن يومها شرعا فذلك في الحكم، وهو مشروعية الوقوف في هذا الوقت المخصوص، ولا يعترض على ما سبق بقوله تعالى: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ لأن المفسّرين ذكروا فيه معنى غير هذا، فقال مجاهد،: «في قضاء الله تعالى وعلمه لا يفوت اللّيل النّهار حتى يدركه فيذهب بظلمته، وفي قضاء الله وعلمه لا يفوت النّهار الليل حتى يدركه فيذهب بضوئه» . رواه ابن المنذر. وقال الضّحّاك: «لا يذهب الليل من ههنا حتى النهار من ههنا» . رواه ابن أبي حاتم. وقال البغوي: «أي هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته» . وقيل لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر، فلا تطلع الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء. فإذا اجتمعا وأدرك كل واحد منهما صاحبه قامت القيامة، وقيل: لا يتصل ليل بليل ولا يكون بينهما نهار فاصل. والله أعلم.

الباب الخامس في كيفية الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تكرر أم لا

الباب الخامس في كيفية الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تكررّ أم لا وفيه فصلان: الأول: اعلم أنه لا خلاف في صحة الإسراء به صلى الله عليه وسلم. إذ هو نصّ القرآن على سبيل الإجمال، وجاءت بتفصيله وشرح عجائبه أحاديث كثيرة منتشرة عن جماعة من الصحابة يأتي ذكرهم بعد في باب مفرد، وإنما الخلاف في كيفية الإسراء، فاختلف العلماء في ذلك على أقوال: الأول وهو قول الأكثر إنه كان بالروح والجسد معا يقظة لا مناما، من مكة إلى بيت المقدس، إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى إلى حيث شاء العليّ الأعلى. قال القاضي وغيره: «وهو الحق وعليه تدل الآية نصّا وصحيح الأخبار إلى السموات استفاضة ولا يعدل عن الظاهر من الآية والأخبار الواردة فيه، ولا عن الحقيقة المتبادرة إلى الأذهان من ألفاظهما، إلى التأويل، إلا عند الاستحالة وتعذّر حمل اللفظ على حقيقته، وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة تؤذن بتأويل، إذ لو كان مناما لقال: سبحان الذي أسرى بروح عبده، ولم يقل: بعبده، والعبد حقيقة هو الروح والجسد، ويدل عليه قوله تعالى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم: 17] أي ما عدل عن رؤية ما أمر برؤيته من عجائب الملكوت وما جاورها لصراحة ظاهرة في كونه بجسده يقظة لأنه أضاف الأمر إلى البصر، وهو لا يكون إلا يقظة بجسده بشهادة: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: 18] . ولو كان مناما لما كانت فيه آية ولا معجزة خارقة للعادة تورث عدم صدقه، وإن كانت رؤيا الأنبياء وحيا، إذ ليس فيها من الأبلغية وخرق العادة ما فيه يقظة. وأيضا لو كان مناما لما استبعده الكفّار ولا كذّبوه، ولا ارتد به ضعفاء من أسلم وافتتنوا به، لبعده عن ساحة العادة، ووقوعه في زمن يستبعد فيه جدا، إذ مثل هذه المنامات لا ينكر، بل لم يكن منهم ذلك الاستبعاد والتكذيب، والارتداد والافتتان إلا وقد علموا أن خبره إنما هو عن جسمه وحال يقظته» . وقد روى البخاري في باب الإسراء من صحيحه، وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: 60] هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. زاد سعيد: «وليست رؤيا منام» . قال الحافظ: «إضافة الرؤية للعين للاحتراز عن رؤيا القلب. وقد أثبت الله تعالى رؤيا القلب في القرآن بقوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: 11] ، ورؤية العين بقوله: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم: 17] . وأما ما رواه ابن مردويه عن طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الآية قال: «رأى أنه وصل مكة وأصحابه. فلما ردّه المشركون كان

لبعض الناس في ذلك فتنة» . وما رواه ابن مردويه عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، رفعه قال: «رأيت كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا» ، فقال: هي دنيا تنالهم، ونزلت هذه الآية، فكلاهما إسناد ضعيف والصحيح ما تقدّم، وجزم بما قاله ابن عباس إنها رؤيا عين ليلة الإسراء مجاهد وسعيد بن جبير والحسن ومسروق وإبراهيم وقتادة وعبد الرحمن ابن زيد وغير واحد. تنبيه: قال ابن دحية: «جنح البخاري إلى أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج لأنه أفرد لكل منهما ترجمة» قال الحافظ: «ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده، بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما، وذلك أنه ترجم باب: كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء، والصلاة إنما فرضت في المعراج، فدلّ على اتحادهما عنده، وإنما أفرد كلّا منهما بترجمة لأن كلا منهما يشتمل على قصة منفردة وإن كانا وقعا معا. القول الثاني: إن الإسراء كان بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، ذهب إلى هذا طائفة واحتجوا بقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء: 1] فجعل المسجد الأقصى غاية للإسراء الذي وقع التّعجب فيه من حيث أنه كان في بعض ليلة. والتّعجب فيه من الكفّار تعجّب استحالة، ومن المؤمنين تعجّب تعظيم القدرة الباهرة. ووقع التّمدّح بتشريف النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار الكرامة له بالإسراء إليه. ولو كان الإسراء إلى مكان زائد على المسجد الأقصى لذكره تعالى فيكون ذكره أبلغ في المدح من عدم ذكره فيه.. وأجاب الأئمة عن ذلك بأن استدرجهم إلى الإيمان بذكر الإسراء أولا، فلمّا ظهرت أمارات صدقه، وصحّت لهم براهين رسالته، واستأنسوا بتلك الآية الخارقة، أخبرهم بما هو أعظم منها، وهو المعراج، فحدّثهم النبي صلى الله عليه وسلم به، وأنزله الله تعالى في سورة النّجم. ويؤيّد وقوع المعراج عقب الأسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس رضي الله عنه عند مسلم: «أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس» ، فذكر القصة إلى أن قال: «ثمّ عرج بنا إلى السماء الدنيا» وحديث أبي سعيد الخدري: بالخاء المعجمة المضمومة وبالدال المهملة. عند ابن إسحق: «فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج» . فذكر الحديث. القول الثالث: إن الإسراء كان بالروح وإنه رؤيا منام، مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء وحي بشهادة: يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات: 102] ، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم» [ (1) ] .

_ [ (1) ] جزء من حديث أخرجه البخاري 6/ 670 (3570) .

واحتجّ من قال بهذا القول بقوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: 60] ولو كان يقظة لقال: «الرؤية» بالتاء، وقول أنس في حديثه في رواية شريك: «وهو نائم بالمسجد الحرام» . وذكر القصة الواردة ليلة الإسراء، ثم قال في آخرها: «استيقظت- أي انتبهت- من منامي وأنا في المسجد الحرام» . وهذا المذهب يعزى لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فإن ابن إسحاق قال: «حدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كانت رؤيا من الله تعالى صادقة» . ويعقوب وإن كان ثقة إلا أنه لم يدرك معاوية فالحجة منقطعة. ويعزى أيضا إلى عائشة رضي الله عنها، قال ابن إسحق: «حدّثني بعض آل أبي بكر أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: «ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أسري بروحه» . كذا فيما وقفت عليه من نسخ السيرة «فقد» بالبناء للمفعول. وفي الذي وقفت عليه من نسخ الشّفا للقاضي «ما فقدت» بالبناء للفاعل وإسناد الفعل إلى تاء المتكلّم. وأجيب عن الأول بأن «الرؤيا» قد تكون بمعنى «الرؤية» في اليقظة كما نقله أبو الخطاب ابن دحية عن ابن عباس. قال الشيخ السهيلي في الروض: «وأنشدوا للراعي يصف صائدا: وكبّر للرّؤيا وهشّ فؤاده ... وبشّر قلبا كان جمّا بلابله وقوله: إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: 60] يدل على أنها رؤية عين، وإسراء شخص، إذا ليس في الحلم فتنة للناس من تعجّبهم تعجّب استحالة، حتى ارتدّ كثير ممن آمن. وقال الكفّار: «يزعم محمد أنه أتى بيت المقدس ورجع إلى مكة في ليلته، والعير تطّرد إليها شهرا مقبلة وشهرا مدبرة. ولو كانت رؤيا نوم لم يستبعد أحد منهم هذا، فمعلوم أن النائم قد يرى نفسه في السماء وفي المشرق وفي المغرب فلا يستبعد منه ذلك، ويؤيد كونها يقظة ما ورد من شربه تلك الليلة الماء الذي كان لسفّار قريش، وضعوه في بعض مراحلهم في قدح وغطّوه، فأصبحوا ولا ماء فيه، فعجبوا لذلك. وإرشاد أصحاب العير الذين ندّ بعيرهم حين أنفره حسّ البراق حتى دلّهم عليه، فأخبر أهل مكة بأمارة ذلك، حتى ذكر الغرارتين السوداء والبرقاء، ووعده لقريش بقدوم العير التي أرشد أصحابها إلى بعيرهم وشرب مائهم أن يقدموا يوم الأربعاء» . كما سيأتي بيان ذلك مبسوطا في القصة. وهذا كله لا يكون إلا يقظة وقد تقدم في القول الأول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: هذه رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فراجعه.

وأجيب عن الثاني وهو قوله: «بينا أنا بين النائم واليقظان، ثم استيقظت» بأنه لا حجة في ذلك إذ يحتمل قوله «بين النائم واليقظان» إلى آخره أنه أول وصول الملك كان وهو نائم بشهادة حديث الحسن: «بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهزّني بعقبه، فجلست فلم أر شيئاً فعدت لمضجعي» ، إلى أن قال: «فجرّني إلى باب المسجد فإذا أنا بدابّة» أو أنه محمول على ابتداء الحال، ثم لما خرج إلى باب المسجد، فأركبه البراق فاستمر في يقظته. وليس في الحديث أنه كان نائما في القصة كلها. وأما قوله: «ثم استيقظت وأنا بالمسجد الحرام» ، قال الحافظ: «أن قيل بالتعدّد فلا إشكال وإلا حمل على أن معناه أقفت أي أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة عجائب الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي فلم يرجع إلي عالم البشرية إلا وهو بالمسجد الحرام» . قال ابن كثير: «ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه يستغرق فيه فإذا انتهى رجع إلى حالته الأولى، فكنّي عنه بالاستيقاظ كما في حديث عائشة، حين ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الطائف فكذبوه، قال: «فرجعت وأنا مهموم فلم أستفق إلا بقرن الثعالب» أي وهو مكان. وفي حديث أبي أسيد- بضم الهمزة وفتح المهملة- حين جاء بابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليحنكه، فوضعه على فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم. واشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث مع الناس. فرفع أبو أسيد ابنه ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجد الصبي فسأل عنه فقالوا «رفع» ، فسمّاه المنذر أحد رواته استيقاظا. وهذا الحمل أحسن من تغليط شريك. تنبيه: قال بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم كان تلك الليلة نائم العين حاضر القلب، غمّض عينيه لئلا يشغله شيء من المحسوسات عن الله. قال القاضي: «هذا غير صحيح لأن المقام مشاهدة عجائب الملكوت بشهادة قوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا [الإسراء: 1] ، لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: 18] ، إذ المتبادر منه رؤية العين، ولا يصح أيضاً أن تكون في وقت صلاته بالأنبياء. وأما ما يعزى لعائشة رضي الله عنها، فلم يرد بسند يصلح للحجة بل في سنده انقطاع وارد مجهول كما تقدم. وقال أبو الخطاب بن دحية في التنوير: إنه حديث موضوع عليها. وقال في معراجه الصغير: «قال إمام الشافعية القاضي أبو العباس بن سريج: هذا حديث لا يصح وإنما وضع ردّ الحديث الصحيح» . انتهى. وعلى تقدير أن يكون صحيحا ورد بالبناء للمفعول فعائشة رضي الله عنها لم تحدّث عن مشاهدة لأنها لم تكن زوجة إذ ذاك، أو بالبناء للفاعل: «ما فقدت جسده الشريف» فعائشة لم يدخل بها إلا بالمدينة بالإجماع، ولا كانت وقت الإسراء في سن من يضبط الأمور، لأنها في سنة الهجرة كانت بنت ثمان سنين. فعلى القول بأن الإسراء كان قبلها بسنة تكون بنت سبع،

الفصل الثاني: في تكرره:

وعلى القول بأكثر من ذلك تكون أصغر من ذلك، وعلى قول من قال: إن الإسراء كان بعد البعث بعام لم تكن ولدت. تنبيه: قال في زاد المعاد: «ينبغي أن يعلم الفرق بين أن يقال: كان الإسراء مناما وبين أن يقال: كان بروحه دون جسده، وبينهما فرق عظيم. وعائشة ومعاوية لم يقولا: كان مناما، وإنما قالا: الإسراء بروحه ولم يفقد جسده. وفرق بين الأمرين، فإن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصور المحسوسة، فيرى كأنه عرج به إلى السماء، أو ذهب به إلى مكة أو أقطار الأرض، وروحه لم تصعد ولم تذهب، وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال، والذين قالوا: عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم طائفتان: طائفة قالت عرج بروحه وبدنه، وطائفة قالت عرج بروحه ولم يفقد بدنه. وهؤلاء لم يريدوا أن المعراج كان مناما وإنما أرادوا أن الروح ذاتها أسري وعرج بها حقيقة وباشرت من جنس ما تباشر بعد المفارقة. وكان حالها في ذلك كحالها بعد المفارقة في صعودها إلى السموات سماء سماء، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فتقف بين يدي الله تعالى فيأمر فيها بما يشاء، ثم تنزل إلى الأرض» . «والذي كان برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أكمل مما يحصل للروح عند المفارقة. ومعلوم إن هذا أمر فوق ما يراه النائم. لكن لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام خرق العوائد، حتى شقّ بطنه وهو حي لا يتألم بذلك، عرج بذات روحه المقدسة حقيقة من غير إماتة. ومن سواه: لا ينال بذات روحه الصّعود إلى السماوات إلا بعد الموت والمفارقة، إلى آخر كلامه، وسيأتي بتمامه في باب حياته صلى الله عليه وسلم في قبره. الفصل الثاني: في تكرره: ذهب جماعة منهم الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل «الشهير بأبي شامة رحمه الله تعالى إلى أن الإسراء وقع مرارا، واحتجّ بما رواه سعيد بن منصور، والبزّار، والبيهقي، وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفيّ، فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الطّير، فقعد جبريل في أحدهما وقعدت في الآخر، فسمت وارتفعت حتى سدّت الخافقين، وأنا أقلبّ طرفي، فلو شئت أن أمّس السماء لمسست وفتح لي باب من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم، وإذا دون الحجاب رفرف الدرّ والياقوت، وفي رواية فدليّ بسبب وهبط النور فوقع جبريل مغشيّا عليه كأنه حلس، فعرفت فضل خشيته على خشيتي، فأوحى الله تعالى إليّ ما شاء أن يوحي، وفي رواية: فأوحى إليّ نبيا ملكا أو نبيا عبدا وإلى الجنّة ما أنت، فأومأ إليّ جبريل وهو مضطجع: أن تواضع. قال: قلت: لا بل نبياً عبداً.

شرح غريب ما سبق

شرح غريب ما سبق «وكز» [ (1) ] ضرب برفق. «وكري [ (2) ] الطائر» تثنية بفتح الواو وهو عشّ الطائر إن كان في جبل أو شجر، والمراد هنا بيتان شبيهان بعشّه في الهيئة والوضع لا في المقدار. «نمت» زادت. «الخافقان» طرفا السماء والأرض أو المشرق والمغرب وخوافق السماء جهاتها التي تهب منها الرياح الأربع. «لمسست» بكسر أول سينيه وفتحها وقد يخفّف وتنقل حركتها إلى الميم وقد تترك الميم مفتوحة. «أقلّب طرفي» حال من الضمير قبله أي مقلّبا بصري في آيات الله في الآفاق. «حلس» [ (3) ] بكسر الحاء والسين المهملتين: كساء يلي ظهر الدابّة تحت الرّحل يشبّه به من لزم شيئا من خشية أو نحو ذلك. «السّبب» في الأصل الذي يتوصّل به إلى الماء ثم استعير لكل ما يتوصّل به إلى شيء. قال الحافظ: «وحديث أنس السابق رجاله لا بأس بهم إلا أن الدارقطني ذكر له علّة تقتضي إرساله. وعلى كل حال فهي قصة أخرى، الظاهر أنها وقعت بالمدينة، قال ولا بعد في وقوع مثل ذلك في المنام، وإنما المستغرب وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها السؤال عن كل نبي وسؤال أهل كل سماء: هل بعث إليه؟ وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك، فإن تعدّد مثل ذلك في اليقظة لا يتجه، فيتعيّن ردّ بعض الروايات المختلفة إلى بعض والترجيح، إلا أنه لا بعد في وقوع جميع ذلك في المنام، ثم وقوعه في اليقظة على وفقه ولهذا مزيد بيان في الباب الثامن. وذهب جماعة منهم المهلّب شارح البخاري، وحكاه عن طائفة، وأبو نصر القشيري، والبغوي، والسهيلي، ونقل تصحيحه عن شيخه القاضي أبي بكر العربي، وجزم به النووي في فتاويه إن الإسراء وقع مرتين: مرة في النوم ومرّة في اليقظة. قالوا: «وكانت مرة النوم توطئة له وتيسيرا عليه، كما كان في بدء نبوّته الرؤيا الصادقة، ليسهل عليه أمر النبوة، فإنه أمر عظيم

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 6/ 4906. [ (2) ] المعجم الوسيط 2/ 353. [ (3) ] اللسان 2/ 961.

تضعف عنه القوى البشرية، وكذلك الإسراء سهّله عليه الرؤيا لأن هوله عظيم، فجاء في اليقظة على توطئة وتقدمة رفقا من الله تعالى بعبده وتسهيلا عليه» . قال الحافظ: «ومن المستغرب قول ابن عبد السلام في تفسيره: إن الإسراء كان في النوم واليقظة ووقع بمكة والمدينة، فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم ويكون كلامه على طريق اللّف والنّشر غير المرتّب فيحتمل، ويكون الإسراء الذي اتصل بالمعراج وفرضت فيه الصلاة بمكة، والآخر في المنام بالمدينة، وينبغي أن يزاد فيه أن الإسراء في المنام تكرر بالمدينة النبوية. ففي الصحيح في الجنائز حديث سمرة الطويل، وفي غيره حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل، وفي الصحيح حديث ابن عباس رضي الله عنهما في رؤيا الأنبياء، وحديث ابن عمر في ذلك. قلت وسيأتي في باب مناماته صلى الله عليه وسلم ما فيه مقنع.

الباب السادس في دفع شبهة أهل الزيغ في استحالة المعراج

الباب السادس في دفع شبهة أهل الزّيغ في استحالة المعراج اعلم أن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخالف في وقوعه أحد من المسلمين، وإنما طعن فيه أهل الزّيغ بشبه باطلة. وقد تصدّى الإمام الرازي وغيره للرد عليهم، وأنا مورد تلك الشّبه ثم أتبعها بالرد. قال أهل الزيغ والضلالة قبّحهم الله تبارك وتعالى: «الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة، ولو صعد إلى السموات لوجب خرق الأفلاك، وذلك محال، وصعود الجرم الثقيل إلى السموات غير مقبول، ولأن هذا المعنى لو صحّ لكان أعظم من سائر معجزاته، وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلوا به على صدقه من ادّعاء النبوّة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه فيه أحد ولا يشاهده فإن ذلك يكون عبثا لا يليق بالحكيم» . وأجيب عن الأول أن الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها، والله قادر على ذلك، ويدل على صحته أن الفلك الأعظم يتحرك من الأول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف الدور، وثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع فبتقدير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الأعظم فهو لم يتحرك إلا إلى مقدار نصف القطر. فلما حصل في ذلك القدر من الزمان نصف الدور كان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالإمكان، فهذا برهان قاطع على الارتفاع من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث الليل وأنه أمر ممكن في نفسه. وإذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالإمكان. وأيضا ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة وستين مرة، ثم أنّا نشاهد طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع، فدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى هذا الحد أمر ممكن في نفسه. فإن كان الكلام مع من لا يعرف الهندسة فنقول له: أنت تشاهد الشمس والقمر والنجوم تقطع من الشروق إلى الغروب مسافة لا يقدر على قطعها في أعوام كثيرة. وأيضا كانت الرياح تسيّر لسليمان بن داود عليهما السلام إلى المواضع البعيدة في الأوقات اليسيرة، قال الله تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ [سبأ: 12] ، والحسّ يدل على ذلك وهو أن الرياح تنفذ عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان آخر في غاية البعد في اللحظة الواحدة. وقد أحضر الذي عنده علم من الكتاب كرسيّ بلقيس من أقصى اليمن إلى

أرض الشام في أقل من لمح البصر. والأجسام متماثلة في تمام ماهياتها، فلما حصل مثل هذه الحركة في حق بعض الأجسام وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام، فهي ممكنة والله تعالى قادرٌ على حصولها في جسد النبي صلى الله عليه وسلم. والجواب عن الثاني: وهو خرق الأفلاك فليس بمحال وقد منعه النّفاة للجنة والنار. قال الشيخ سعد الدين: «ادّعاء استحالة المعراج باطل، لأنه إنما ينبنى على أصول الفلاسفة من امتناع الخرق والالتئام على السموات، وإلا فالخرق والالتئام على السموات واقع عند أهل الحق، والأجسام العلوية والسفلية متماثلة مركّبة من الجواهر الفردة المتماثلة، يصح على كل من الأجسام ما يصح على الآخر ضرورة التماثل المذكور، فإذا أمكن خرق الأجسام السفلية أمكن خرق الأجسام العلوية والله قادر على الممكنات كلها، فهو قادر على خرق السموات وقد ورد به السمع فيجب تصديقه» . والجواب عن الثالث: فكما أنه يستبعد صعود الجسم الكثيف يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من العرش إلى مركز العالم. فإن كان القول بمعراج النبي صلى الله عليه وسلم في الليلة الواحدة ممتنعا كان القول بنزول جبريل عليه السلام من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعا كذلك، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان ذلك طعنا في نبوّة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة، فيلزم القائل بامتناع حصول هذه الحركة امتناع نزول جبريل عليه السلام. ولما كان ذلك باطلا، كان ما ذكروه باطلا. والجواب عن الرابع: إن في كونه ليلا فوائد منها: ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب، ويفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، وقد قال الله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: 60] ، ومنها أنه وقت الخلوة والاختصاص عرفا، فإن بين جليس الملك نهارا وجليسه ليلا فرقا واضحا، والخصوصية لليل، ورحم الله من قال: اللّيل لي ولأحبّائي أنادمهم ... قد اصطفيتهم كي يسمعوا ويعوا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالعلامات التي تفيد اليقين من وصف بيت المقدس ووصف العير التي مرّ بها في طريقه، وأنها تصل إليهم في وقت كذا، فكان كما ذكر كما سيأتي مفصّلا. ومع ذلك قالوا: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف 7] . فلا فرق بين أن يريهم ذلك نهارا وأن يخبرهم بخبر يفيد اليقين، وقد أراهم انشقاق القمر فقالوا: هذا: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: 4] .

الباب السابع في أسماء الصحابة الذين رووا القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم

الباب السابع في أسماء الصحابة الذين رووا القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب رضي الله عنه، رواه عنه ابن مردويه من طريق عبيد بن عمير، ومن طريق مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما مختصرا، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما مختصرا، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، وابن مردويه وابن عساكر بلفظ حديث أنس عن أبي ذر حرفا بحرف. قال الحافظ في أطراف المسند: «إنه وقع تحريف وكان في الأصل: «عن أبي ذر» فسقط من النسخة لفظة «ذرّ» فظنّ أن «أبي» [هي] «أبيّ» فأدرج في مسند أبي بن كعب غلطا» . قلت: نبّه الدّارقطني في العلل على أن الوهم فيه من أبي ضمرة أنس بن عياض. وأسامة بن زيد، ذكره أبو حفص النسفي في تفسيره ولم أقف على حديثه. وأنس بن مالك فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير واسطة رواه عنه الإمام أحمد ومسلم من طريق ثابت البناني. والشيخان من طريق شريك بن عبد الله، وابن مردويه من طريق كثير بن خنيس- بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون المثناة التحتية فسين مهملة- والنسائي، وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك وابن أبي حاتم من وجه آخر. وابن جرير وابن مردويه والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن هاشم [ (1) ] ، وروى من طريق عبد العزيز بن صهيب [ (2) ] ، والطبراني من طريق ميمون بن سياه [ (3) ]- بكسر السين المهملة بعدها مثناة تحتية- وابن جرير من طريق أبي سلمة بن سليم وابن مردويه من طريق أبي هاشم عن علي بن زيد وعن ثمامة- بضم المثلثة أوله، وابن سعد وسعيد بن منصور، والبزار عن أبي عمران الجوني- بفتح الجيم- وعند بعض هؤلاء ما ليس عند الآخر. وبريدة- بضم أوله وفتح الراء وسكون المثناة التحتية- ابن الحصيب- بحاء مضمومة فصاد مفتوحة مهملتين- رضي الله عنه، ورواه الترمذي والحاكم وصححه، وبلال بن حمامة، وبلال بن سعد ذكرهما أبو حفص النسفي. وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما رواه الشيخان ورواه الطبراني وابن مردويه بلفظ آخر بسند صحيح. وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه رواه ابن

_ [ (1) ] عبد الرحمن بن يونس بن هاشم، أبو مسلم المستملي، البغدادي، مولى المنصور، صدوق، طعنوا فيه للرأي، من العاشرة، مات سنة أربع وعشرين، أو بعدها. التقريب 1/ 503. [ (2) ] عبد العزيز بن صهيب البناني، البصري، ثقة، مات سنة ثلاثين. التقريب 1/ 510. [ (3) ] ميمون بن سياه، أبو بحر البصري. كان أسن من الحسن البصري، وثقه أبو حاتم، والبخاري. وقال أبو داود: ليس بذاك. وضعفه يحيى بن معين. ميزان الاعتدال 4/ 233.

أبي شيبة وأحمد والترمذي وصحّحه وسمرة بن جندب رضي الله عنه رواه ابن مردويه. وسهل بن سعد رضي الله عنه رواه ابن عساكر، وشدّاد بن أوس رضي الله عنه رواه البزّار والطبراني والبيهقي وصحّحه. وصهيب بن سنان رضي الله عنه رواه الطبراني وابن مردويه وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما رواه الإمام أحمد وأبو نعيم وابن مردويه من طريق قابوس- بالقاف والموحّدة- عن أبيه بسند صحيح. والإمام أحمد وأبو يعلى من طريق عكرمة. والشيخان من طريق أبي العالية ومن طريق عكرمة. والإمام أحمد والنسائي والبزار بسند صحيح عن طريق سعيد بن جبير. والإمام أحمد وابن أبي شيبة والزار بسند صحيح من طريق زرارة بن أوفى، وهذه الطرق كلها مختصرة. وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما رواه أبو داود والبيهقي. وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما رواه ابن سعد وابن عساكر. وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما. وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما ذكرهما أبو حفص النسفي. وعبد الله بن أسعد بن زرارة رضي الله عنهما رواه البزّار والبغوي وابن قانع كلاهما في معجم الصحابة. وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواه مسلم من طريق مرّة، وابن عرفة من طريق أبيه عن عبيد الله. والإمام أحمد وابن ماجة من طريق مؤثر- بضم الميم وسكون الواو وكسر المثلثة- ابن عفازة بفتح المهملة والفاء ثم زاي- الكوفي. والبرّار وأبو يعلى والطبراني من طريق علقمة، والبيهقي من طريق زرّ- بكسر الزاي وبالراء- ابن حبيش- بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالشين المعجمة. وعبد الرحمن بن عابس [ (1) ] ، ذكره ابن دحية في التنوير. والعباس بن عبد المطلب، وعثمان بن عفان رضي الله عنه ذكره أبو حفص النسفي. وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه رواه الإمام أحمد وابن مردويه. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه الإمام أحمد وابن مردويه. وأنس بن عياض ذكره ابن دحية. ومالك بن صعصعة رضي الله عنه رواه عنه الإمام أحمد والشيخان وابن جرير والبيهقي وغيرهم. وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ذكره ابن دحية. وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه رواه الشيخان في أثناء حديث أبي بن كعب. وأبو الحمراء رضي الله عنه رواه الطبراني. وأبو الدرداء رضي الله عنه ذكره أبو حفص النسفي. وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه رواه الشيخان. وأبو سعيد الخدري- بضم الخاء

_ [ (1) ] عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة النخعي، الكوفي، ثقة، مات سنة تسع عشرة. التقريب 1/ 485.

المعجمة والدال المهملة- رضي الله عنه رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق أبي هارون العبدي [ (1) ] وهو متكلّم فيه. وقد روى البيهقي عن أبي الأزهر قال: حدثنا زيد بن أبي حكيم قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله أين رجل من أمتك يقال له سفيان الثوري لا بأس به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس به. حدّثنا عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدريّ عنك أنك ليلة أسري بك قلت: رأيت في السماء، فحدّثته بالحديث، فقال: نعم. فقلت: يا رسول الله أن ناسا من أمتك يحدّثون عنك في الإسراء العجائب. فقال: ذاك حديث القصّاص» . وأبو سفيان بن حرب رضي الله عنه ذكره أبو حفص النسفي. وأبو سلمة بن دحية وأبو سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره أبو حفص النسفي. وأبو ليلى الأنصاري رضي الله عنه رواه الطبراني وابن مردويه. وأبو هريرة رضي الله عنه رواه مطوّلا ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي والحاكم وصححه من طريق أبي العالية، وفي سنده أبو جعفر الرازي وهو صدوق الحفظ، ومختصرا الشيخان من طريق سعيد بن المسيب، والإمام أحمد ومسلم من طريق أبي سلمة. والإمام أحمد وابن ماجة عن طريق أبي الصلت. وابن مردويه عن طريق سليمان التّيمي. وابن سعد وسعيد بن منصور والطبراني من طريق مولاه. وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها رواه ابن مردويه. وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رواه الحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه من طريق الزّهري عن عروة عنها. وابن مردويه من طريق هشام عن أبيه عنها. وأم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها ذكره أبو حفص النسفي. وأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها رواه أبو سعيد وابن عساكر. وأم هانئ رضي الله عنها رواه الطبراني وأبو يعلى وابن عساكر عن طريق أبي صالح وابن إسحق بلفظ آخر. والله أعلم.

_ [ (1) ] عمارة بن جوين، أبو هارون العبدي. تابعي لين بمرّة. كذبه حماد بن زيد. وقال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين: ضعيف، لا يصدق في حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث قال الجوزجاني: أبو هارون كذاب مفتر. توفي سنة أربع وثلاثين ومائة. ميزان الاعتدال 3/ 173، 174.

الباب الثامن في سياق القصة

الباب الثامن في سياق القصة اعلم رحمني الله وإياك أن في حديث كل من الصحابة السابق ذكرهم في الباب السابع ما ليس في الآخر، فاستخرت الله تعالى وأدخلت حديث بعضهم في بعض ورتبت القصة على نسق واحد، لتكون أحلى في الآذان الواعيات، وليعمّ النفع بها في جميع الحالات. فإن قلت إن أحاديث المعراج كل حديث منها مخالف للآخر. فقد يكون المعراج تعدّد بعددها فلم جعلت الكلّ قصّة واحدة؟. فأقول: قال في «زاد المعاد» : «هذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النّقل الذين إذا رأوا في القصة لفظة تخالف سياق بعض الرواة جعلوه مرّة أخرى فكلما اختلفت عليهم الرواة عدّدوا هم الوقائع والصواب الذي عليه أئمة النقل إن الإسراء كان مرّة واحدة بمكة بعد البعثة، ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه وقع مرارا كيف ساغ لهم أن يظنّوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين، ثم يتردّد بين ربّه وبين موسى حتى تصير خمسا، ثم يقول: «أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي» ، ثم يعيدها في المرة الثانية خمسين ثم يحطها عشرا عشرا؟. قال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله تعالى في تاريخه، بعد أن ذكر أنه لم يقع في سياق مالك بن صعصعة ذكر بيت المقدس: «وكان بعض الرواة يحذف بعض الخبر للعلم به، أو ينساه، أو يذكر ما هو الأهم عنده، أو ينشط تارة فيسوقه كلّه، وتارة يحدّث مخاطبه بما هو الأنفع له» «ومن جعل كل رواية خالفت الأخرى مرّة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة فقد أبعد وأغرب وهرب إلى غير مهرب ولم يحصل على مطلب» ، «وذلك أن كل السياقات فيها تعريفه بالأنبياء، وفي كلها تفرض عليه الصلوات، فكيف يدّعى تعدد ذلك؟ هذا في غاية البعد» ، «ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف ولو تعدّد هذا التعدد لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به أمّته ولنقله الناس على التكرار» . انتهى. وقال الحافظ في الفتح نحوه وزاد: «ويلزم أيضا وقوع التعدد في سؤاله صلّى الله عليه وسلم عن كل نبي وسؤال أهل كل باب: هل بعث إليه؟ وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك، فإن تعدد مثل ذلك في القصة لا يتّجه، فيتعيّن ردّ بعض الروايات المختلفة إلى بعض أو الترجيح إلا أنه لا يعدّ وقوع مثل ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه يقظة» . انتهى ملخّصا. إذا علم ما تقرر فأقول: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم عند البيت في الحجر، إذ أتاه جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر، فقال أوّلهم: أيّهم؟ فقال أوسطهم هو خيرهم. فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى ليلة أخرى. فقال الأول: هو هو. فقال الأوسط: نعم، وقال الآخر: خذوا سيّد القوم

الأوسط بين الرجلين. فرجعوا عنه حتى إذا كانت الليلة الثالثة، رآهم، فقال الأول: هو هو، فقال الأوسط: نعم، وقال الآخر: خذوا سيد القوم الأوسط بين الرجلين. فاحتملوه حتى جاءوا به زمزم، فألقوه على ظهره فتولّاه منهم جبريل» . وفي رواية: «فرج سقف بيتي، فنزل جبريل، فشقّ من ثغرة نحره إلى أسفل بطنه، ثم قال جبريل لميكائيل: ائتيني بطست من ماء زمزم كيما أطهّر قلبه وأشرح صدره، فاستخرج قلبه، فغسله ثلاث مرات، ونزع ما كان فيه من أذى، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسوت من ماء زمزم، ثم أتى بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدره، وملأه حلما وعلما ويقينا وإسلاما. ثم أطبقه ثم ختم بين كتفيه بخاتم النبوة، ثم أتي بالبراق مسرجا ملجما، وهو دابة أبيض، طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، مضطرب الأذنين، إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه، له جناحان في فخذيه يحفز بهما رجليه» . وعند الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما: «له خدّ كخدّ الإنسان وعرف كعرف الفرس وقوائم كالإبل وأظلاف وذنب كالبقر» . انتهى. «فاستصعب عليه» وفي رواية «فشمس [ (1) ] ، وفي رواية كأنها صرّت [ (2) ] أذنيها فرزّها جبريل وقال: مه أبمحمد تفعلين هذا؟» وفي رواية: «فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال: «ألا تستحي يا براق؟ فوالله ما ركبك خلق» - وفي رواية- عبد لله قط أكرم على الله منه. فاستحى حتى ارفضّ عرقا، وقرّ حتى ركبها» - وفي رواية- ركبه. وكانت الأنبياء تركبها قبله» . وقال أنس بن مالك: «كانت الأنبياء تركبها قبله» . وقال سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: «وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام» . فانطلق به جبريل- وفي رواية- فانطلقت مع جبريل. وعند أبي سعيد النيسابوري في الشرف: فكان الآخذ بركابه جبريل، وبزمام البراق ميكائيل- وفي رواية: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. فساروا حتى بلغوا أرضا ذات نخل. فقال له جبريل: انزل فصلّ ههنا، ففعل، ثم ركب. فقال له جبريل: أتدري أين صلّيت؟ قال: لا. قال: صلّيت بطيبة وإليها المهاجر. فانطلق البراق يهوي به، يضع حافره حيث أدرك طرفه. فقال جبريل: إنزل فصلّ، ففعل. ثم ركب. فقال جبريل: أتدري أين صلّيت؟ قال: لا. قال: صلّيت بمدين عند شجرة

_ [ (1) ] شمس الدابة شموسا، وشماسا: جمحت ونفرت. انظر المعجم الوسيط 1/ 496. [ (2) ] صرّ الفرس والحمار بأذنه يصر صرا وصرّها، وأصرّ بها: سوّاها ونصبها للاستماع. انظر لسان العرب 4/ 2430.

موسى. ثم ركب. فانطلق البراق يهوي. ثم قال: انزل فصلّ. ففعل. ثم ركب. فقال: أتدري أين صلّيت؟ قال: لا. قال: صلّيت بطور سينا حيث كلّم الله موسى. ثم بلغ أرضا بدت له قصورا. فقال له جبريل: انزل فصلّ. ففعل، ثم ركب وانطلق البراق يهوي. فقال له جبريل: أتدري أين صلّيت؟ قال: لا. قال: صلّيت ببيت لحم، حيث ولد عيسى. وبينا هو يسير على البراق إذ رأى عفريتا من الجن، يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رآه. فقال له جبريل: ألا أعلمك كلمات تقولهن، فإذا قلتهن طفئت شعلته وخرّ لفيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، فقال جبريل: «قل أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن» . فانكبّ لفيه وانطفأت شعلته. فساروا حتى أتوا على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان فقال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه. ووجد ريحا طيبة، فقال: يا جبريل ما هذه الرائحة؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، بينا هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط، فقالت: بسم الله، تعس فرعون. فقالت ابنة فرعون: أولك ربّ غير أبي؟ قلت: نعم، ربّي وربّك الله. وكان للمرأة ابنان وزوج فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما، فقال: إني قاتلكما، فقالا: إحسانا منك إن قتلتنا أن تجعلنا في بيت- وفي رواية قالت: إن لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قالت: تجمع عظامي وعظام ولديّ، فتدفنّا جميعا. قال: ذلك لك بما لك علينا من الحق، فأمر بنقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها هي وأولادها، فألقوا واحدا، واحدا، حتى بلغوا أصغر رضيع فيهم، فقال: يا أمه قعي ولا تقاسي فإنك على الحق. قال: وتكلم أربعة وهم صغار: هذا وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم عليه السلام. ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم، كلما رضخت عادت كما كانت. ولا يفتر عنهم من ذلك شيء. فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين تتشاغل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة. ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم، ويأكلون الضّريع والزّقّوم ورضف جهنّم وحجارتها. فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدّون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله شيئا، ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدور، ولحم آخر نيء خبيث، فجعلوا يأكلون من النّيّئ الخبيث ويدعون النضيج. فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل من أمّتك تكون عنده المرأة الحلال الطّيّب، فيأتي

امرأة خبيثة، فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي رجلا خبيثا فتبيت معه حتى تصبح. ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمرّ بها ثوب ولا شيء إلا خرقته. فقال: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا مثل أقوام من أمّتك يقعدون على الطريق فيقطعونه، وتلا: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ [الأعراف: 76] ورأى رجلا يسبح في نهر من دم، يلقم الحجارة، فقال: من هذا؟ قال: آكل الرّبا. وأتى على قوم قد جمع الرجل منهم حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل من أمّتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها، ويريد أن يتحمّل عليها. ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عاد، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة من أمتك يقولون ما لا يفعلون. ومرّ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. وأتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها. وأتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة كريح المسك، وسمع صوتا، فقال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا صوت الجنة تقول: يا رب ايتني بما وعدتني، فقد كثرت غرفي واستبرقي وحريري وسندسي، وعبقري [ (1) ] ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي، وأكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي ومائي، ولبني وخمري. قال: لك كلّ مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي، وعمل صالحا، ولم يشرك بي، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشيني فهو آمن، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكل عليّ كفيته، إني أنا الله لا إله إلا أنا، لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك الله أحسن الخالقين. قالت: قد رضيت. وأتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ايتني بما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغسّاقي وعذابي، وقد بعد قعري واشتدّ حرّي، فأتني بما وعدتني. فقال: لك كلّ مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وخبيث وخبيثة، وكلّ جبّار لا يؤمن بيوم الحساب: قالت: قد رضيت.

_ [ (1) ] عبقري قيل: هو الدّيباج. وقيل: البسط الموشيّة. وقيل: الطّنافس الثّخان. انظر النهاية لابن الأثير 3/ 173.

ورأى الدّجّال في صورته رؤية عين لا رؤيا منام، فقيل: يا رسول الله كيف رأيته؟ فقال: «رأيته فيلمانيا أقمر هجان إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري، كأن شعر رأسه أغصان شجرة، أشبّهه بعبد العزى بن قطن» [ (1) ] . ورأى عمودا أبيض كأنه لؤلؤة، تحمله الملائكة، فقال: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام. وبينا يسير إذ دعاه داع عن يمينه: يا محمد، أنظرني أسألك. فلم يجبه. فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا داعي اليهود، أما إنك لو أجبته لتهوّدت أمّتك. وبينا هو يسير إذ دعاه عن شماله: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يجبه، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا داعي النصارى، أما إنك لو أجبته لتنصّرت أمّتك. وبينا هو يسير، إذا بامرأة حاسرة عن ذراعها وعليها من كل زينة خلقها الله تعالى. فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يلتفت إليها، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة. وبينا هو يسير فإذا هو بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق، يقول: هلمّ يا محمد، فقال جبريل، سر يا محمد، فقال: من هذا؟ هذا عدو الله إبليس، أراد أن تميل إليه. وسار فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يلتفت إليها، فقال: من هذه يا جبريل؟ قال: أنه لم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر هذه العجوز. وبينا هو يسير إذ لقيه خلق من خلق الله، فقالوا: السلام عليك يا أوّل، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال جبريل: اردد السلام، فردّ، ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم لقيه الثالثة فقال له مثل ذلك. فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: إبراهيم وموسى وعيسى. ومرّ على، موسى وهو يصلي في قبره الكثيب الأحمر، رجل طوال سبط آدم كأنه من رجال شنوءة، وهو يقول يرفع صوته: أكرمته وفضّلته، فدفع إليه، فسلّم عليه فردّ عليه السلام، وقال: من هذا معك يا جبريل؟ فقال: هذا أحمد، فقل: مرحباً بالنبي العربيّ الذي نصح لأمته ودعا له بالبركة وقال: سل لأمتك اليسر. فساروا فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا موسى بن عمران، قال: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربّه. قال: أو يرفع صوته على ربه؟ قال جبريل أن الله تعالى قد عرف له حدّته ثم مرّ برجل قائم يصلي قال: من هذا معك يا جبريل قال جبريل: هذا أخوك محمد، فرحب به ودعا له ببركة فقال: سل لأمتك اليسر، فقال من هذا يا جبريل: قال هذا أخوك عيسى. ومرّ على شجرة كان ثمرها السرح، تحتها شيخ وعياله، فرأى مصابيح وضوءا. فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم. فسلّم عليه فردّ عليه السلام. وقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا ابنك

_ [ (1) ] أخرجه مسلم بنحوه 4/ 2250 وأحمد في المسند 1/ 174.

أحمد. فقال: مرحباً بالنبي العربيّ الذي بلّغ رسالة ربه ونصح لأمته، يا بنيّ إنك لاق ربّك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلّها في أمتك فافعل. ودعا له بالبركة. فسار حتى أتى الوادي الذي في المدينة يعني بيت المقدس، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي. فقيل: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال: «مثل الحمم» ثم سار حتى انتهى إلي المدينة، فدخلها من بابها اليماني، وإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان. فقال: يا جبريل ما هذان النوران؟ قال: أما الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود، وأما الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم. فدخل المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس، فوضع أصبعه فيها فخرقها، فشدّ بها البراق، وفي رواية مسلم، فربطه بالحلقة التي تربط بها الأنبياء. فلما استوى بها النبي صلى الله عليه وسلم في صخرة المسجد، قال جبريل: يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال: نعم، قال جبريل: فانطلق إلى أولئك النسوة فسلّم عليهن، وهنّ جلوس عن يسار الصخرة، فانتهى إليهن، فسلّم عليهن، فرددن عليه السلام. فقال: من أنتنّ؟ فقلن: «خيرات حسان» ، ساء قوم أبرار، نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا لم يظعنوا، وخلّدوا فلم يموتوا. ثم صلّى هو وجبريل كل واحد ركعتين فلم يلبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثيرون، فعرف النبيين من بين قائم وراكع وساجد، ثم أذّن مؤذّن وأقيمت الصلاة، فقاموا ينتظرون من يؤمّهم، فأخذ جبريل بيده فقدّمه فصلّى بهم ركعتين. وفي رواية: ثم أقيمت الصلاة، فتدافعوا حتى قدّموا محمدا. وعند الواسطي عن كعب: فأذن جبريل ونزلت الملائكة من السماء وحشر الله له المرسلين، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالملائكة والمرسلين، فلما انصرف، قال جبريل: يا محمد، أتدري من صلّى خلفك؟ قال: لا. قال: كلّ نبيّ بعثه الله تعالى. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عند الحاكم وصححه البيهقي: فلقي أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربهم. فقال إبراهيم: «الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما وجعلني أمّة قانتا يؤتمّ بي، وأنقذني من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما. ثم إن موسى أثنى على ربه تبارك وتعالى فقال: «الحمد لله الّذي كلّمني تكليما وجعل هلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمّتي قوما يهدون بالحق وبه يعدلون» . ثم إن داود أثنى على ربه فقال: «الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما، وعلّمني الزبور، وألان لي الحديد، وسخّر لي الجبال يسبّحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب» . ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال: «الحمد لله الذي سخّر لي الرياح وسخّر لي

الشياطين والإنس يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات، وعلّمني منطق الطير وأتاني من كل شيء فضلا، وسخّر لي جنود الشياطين والإنس والجن والطير، وفضّلني على كثير من عباده المؤمنين، وأتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي وجعل ملكي ملكا طيبا ليس فيه حساب ولا عقاب» . ثم أن عيسى بن مريم أثنى على ربه تبارك وتعالى فقال: «الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب. ثم قال له: كن فيكون، وعلّمني الكتاب والحكمة، والتوراة والإنجيل، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله، ورفعني وطهّرني. وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل» . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم أثنى على ربه وإني مثن على ربي» ، فقال: «الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافّة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل عليّ الفرقان فيه تبيان كل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمّتي وسطا، وجعل أمّتي هم الأولون والآخرون، وشرح لي صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحاً وخاتماً» . فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: «بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم» . ثم تذاكروا أمر الساعة، فردّوا أمرهم إلى إبراهيم فقال: «لا علم لي بها» . فردوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها» . فردوا أمرهم إلى عيسى فقال: «أما وجبتها فلا يعلمها إلا الله، وفيما عهد إليّ ربي إن الدجال خارج، ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، فيهلكه الله تعالى إذا رآني، حتى أن الحجر ليقول: يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله، فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج. وهم من كل حدب ينسلون فيطأون بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه، ثم يرجع الناس فيشكونهم إليّ، فأدعو الله تعالى عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تحوي الأرض من ريحهم، فينزل الله تعالى المطر، فيجرف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر. ففيما عهد إليّ ربيّ أن ذلك إذا كان كذلك فإن الساعة كالحامل المتمّ لا يدري أهلها متى تفجأهم بولادتها ليلاً أو نهاراً» . وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من العطش أشد ما أخذه، فأتي بقدحين أحدهما عن اليمين والآخر عن الشّمال في أحدهما لبن والآخر عسل- وفي رواية أتي بآنية ثلاث مغطّاة أفواهها، فأتي بإناء منها فيه ماء فشرب منه قليلا، وفي لفظ أنه لم يشرب منه شيئا، ثم دفع إليه إناء آخر فشرب منه حتى روي، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقيل له: اشرب فقال: «لا أريده قد رويت» . فقال جبريل: «إنها ستحرّم على أمّتك» . وفي رواية: فعرض عليه الماء والخمر واللبن، وفي

رواية العسل بدل الماء فشرب من العسل قليلا، وتناول اللبن فشرب منه حتى روي، فضرب جبريل منكبيه وقال: «أصبت الفطرة، ولو شربت الخمر لغوت أمّتك ولم يتبعك منهم إلا القليل، ولو شربت الماء لغرقت أمّتك» ، وفي رواية قال شيخ «متّكئ على منبر له لجبريل: «أخذ صاحبك الفطرة، وإنه لمهتد» . ثم أتي بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم، فلم ير الخلق أحسن من المعراج، له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب. وفي رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى أنه أتي بالمعراج من جنة الفردوس منضّد باللؤلؤ، عن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة، فصعد هو وجبريل حتى انتهيا إلى باب من أبواب السماء الدنيا يقال له باب الحفظة وعليه ملك يقال له إسماعيل، وهو صاحب السماء الدنيا- وفي حديث جعفر بن محمد عند البيهقي: «يسكن الهواء فلم يصعد إلى السماء قط ولم يهبط إلى الأرض قط إلا يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم» ، انتهى- وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف. فاستفتح جبريل باب السماء: قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ - وفي رواية: بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به وأهلا، حيّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء ففتح لهما. فلما خلصا إلى السماء، فإذا فيها آدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيّبة، اجعلوها في عليّين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الكفّار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين وعن يمينه أسودة وباب تخرج منه ريح طيبة وعن شماله أسودة وباب تخرج منه ريح خبيثة، فإذا نظر عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر عن شماله حزن وبكى. فسلّم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فردّ عليه السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، وهذه الأسودة نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، وأهل الشمال منهم أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر من يدخله من ذرّيته ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر من يدخله من ذريته بكى وحزن. ثم مضى صلى الله عليه وسلم هنيهة، فإذا هو بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربه أحد، وإذا بأخونة عليها لحم قد أروح وأنتن، عنده ناس يأكلون منه. فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمّتك يتركون الحلال ويأتون الحرام. وفي لفظ: وإذا هو بأقوام على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رؤي من اللحم، وإذا حوله جيف، فجعلوا يقبلون على الجيف يأكلون منها ويدعون اللحم. فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة يحلّون ما حرم الله عليهم ويتركون ما أحل الله لهم.

ثم مضى هنيهة فإذا هو بأقوام بطونهم أمثال البيوت فيها الحياة ترى من خارج بطونهم، كلما نهض أحدهم خرّ، فيقول: اللهم لا تقم الساعة، قال: وهم على سابلة آل فرعون، فتجيء السابلة فتطؤهم فسمعتهم يضجون إلى الله تعالى. فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275] . ثم مضى هنيهة فإذا هو بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، فتفتح أفواههم ويلقمون حجرا، وفي رواية: يجعل في أفواههم صخر من جهنم، ثم يخرج من أسافلهم، فسمعهم يضجون إلى الله تعالى. فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء: 10] ثم مضى هنيهة فإذا هو بنساء معلّقات بثديّهنّ ونساء منكّسات بأرجلهن، فسمعهنّ يضججن إلى الله تعالى، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن. ثم مضى هنيهة إذا هو بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه، فيقال له: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك. فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمّازون من أمّتك اللّمّازون.. ثم صعدا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وأهلا، حيّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء. ففتح لهما. فلما خلصا فإذا هو بابني الخالة: عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، شبيه أحدهما بصاحبه: ثيابهما وشعرهما ومعهما نفر من قومهما. وإذا بعيسى جعد مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشّعر كأنما أخرج من ديماس أي حمّام شبهه بعروة بن مسعود الثقفي. فسلّم عليها فردّا عليه السلام، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعوا له بخير. ثم صعدا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟. قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وأهلا، حيّاه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء. ففتح لهما فلما خلصا فإذا هو بيوسف ومعه نفر من قومه فسلّم عليه، فردّ عليه السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا له بخير، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، وفي رواية أحسن ما خلق الله، قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب. قال: من هذا يا جبريل؟ قال: أخوك يوسف. ثم صعدا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن

معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وأهلا حيّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء. فلما خلصا فإذا هو بإدريس فقد رفعه الله مكانا عليا، فسلّم عليه فردّ عليه السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم دعا له بخير. ثم صعدا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ فقال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وأهلا، حيّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء. ففتح لهما، فلما خلصا فإذا هو بهارون، ونصف لحيته بيضاء ونصف لحيته سوداء، تكاد تضرب إلى سرّته من طولها، وحوله قوم من بني إسرائيل، وهو يقص عليهم فسلم عليه فردّ عليه السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم دعا له. فقال: يا جبريل من هذا؟ فقال: الرجل المحبّب في قومه هارون بن عمران. ثم صعدا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وأهلا، حيّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، ففتح لهما، فجعل يمرّ بالنبي والنبيين معهم الرهط، والنبي والنبيين معهم القوم، والنبي والنبيين ليس معهم أحد. ثم مرّ بسواد عظيم، فقال: «من هذا» قيل له موسى وقومه ولكن ارفع رأسك فإذا بسواد عظيم قد سد الأفق من ذا الجانب ومن ذا الجانب فقيل له: هؤلاء أمتك وسوى هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب. فلما خلصا فإذا بموسى بن عمران، رجل آدم طوال كأنه من رجال شنوءة، كثير الشّعر، لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دونهما. فسلّم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فردّ عليه السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم دعا له بخير، وقال: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا، بل هذا أكرم على الله مني. فلما جاوزه النبي صلى الله عليه وسلم بكى. فقال: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لأن غلاما بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل الجنة من أمتي، ويزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله. وهذا رجل من بني آدم خلفي في دنيا وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسه لم أبال، ولكن معه كل أمته. ثم صعد. فلما انتهينا إلى السماء السابعة رأى فوقه رعدا وبرقا وصواعق، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وأهلا، حيّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء. ففتح لهما فسمع تسبيحا في السموات العلا مع تسبيح كثير: سبّحت السموات العلى من ذي

المهابة مشفقات، سبحان العليّ الأعلى، سبحانه وتعالى. فلما خلصا فإذا النبي صلى الله عليه وسلم بإبراهيم رجل أشمط، جالس عند باب الجنة، على كرسيّ مسندا ظهره إلى البيت المعمور، ومعه نفر من قومه، فسلّم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فردّ عليه السلام، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح وقال: مر أمّتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيّبة وأرضها واسعة. فقال له: وما غراس الجنة؟ قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» . وفي رواية: «أقرئ على أمّتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التّربة عذبة الماء وأن غراسها؟ سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر» . وهو أشبه ولده به، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا نهرا، فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت ألوانهم وصارت مثل ألوان أصحابهم. فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم فقال: يا جبريل من هؤلاء البيض الوجوه ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء وما هذه الأنهار التي دخلوها؟ فقال: أما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم، وأما هذه الأنهار فأولها رحمة الله والثاني نعمة الله والثالث وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً [الإنسان: 21] وقيل له: هذا مكانك ومكان أمتك، وإذا هو بأمّته شطرين: شطر عليهم ثياب كأنها القراطيس، وشطر عليه ثياب رمد [ (1) ] ، فدخل البيت المعمور، ودخل معه الآخرون الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرّمد وهم على خير، فصلّى ومن معه من المؤمنين في البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، آخر ما عليهم، ثم خرج ومن معه. وفي حديث عند الطبراني بسند صحيح: «مررت ليلة أسري بي على الملأ الأعلى فإذا جبريل كالحلس [ (2) ] البالي من خشية الله، وفي رواية عند البزار «كأنه حلس لاطئ» . انتهى، ثم أتي بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فشرب اللبن، فقال جبريل: اختارت [ (3) ] أمّتك الفطرة، وفي رواية: هذه الفطرة التي أنت عليها وأمّتك. ثم رفع إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يعرض من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوق فيقبض منها. وإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من خمر لذّة للشاربين، وأنهار من عسل مصفّى، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها. وإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها

_ [ (1) ] رمد: أي عبر فيها كدورة كلّون الرّماد، واحدها أرمد. انظر النهاية لابن الأثير 2/ 262. [ (2) ] حلس جمع حلس، وهو الكساء الذي بلي ظهر البعير تحت القتب، شبّهها به للزومها ودوامها. انظر النهاية لابن الأثير 1/ 423. [ (3) ] في أ: أصاب الله بك.

كآذان الفيلة، تكاد الورقة تغطّي هذه الأمة، وفي رواية: الورقة منها مغطّية للأمة كلها. وفي لفظ عند الطبراني: الورقة منها تظل الخلق، على كل ورقة ملك، تغشاها ألوان لا يدري ما هي، فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيّرت، وفي رواية: تحوّلت ياقوتا وزبر جدا فما يستطيع أحد أن ينعتها من حسنها، فيها فراش من ذهب، وفي رواية يلوذ بها جراد من ذهب. فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد من أمتك خلا [ (1) ] على سبيلك، وإذا في أصلها أربعة أنهار: نهروان باطنان ونهران ظاهران، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. وفي رواية: فإذا في أصلها عين تجري يقال لها السلسبيل، ينشقّ منها نهران: أحدهما الكوثر، يطّرد عجاحا مثل السّهم، عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعليه طيور خضر أنعم طير، رأى فيه آنية الذهب والفضة، تجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشدّ بياضا من اللبن، فأخذ من آنية، فاغترف من ذلك الماء، فشرب فإذا هو أحلى من العسل، وأشدّ ريحا من المسك، فقاله جبريل: هذا هو النهر الذي حباك به ربّك، والنهر الآخر نهر الرحمة فاغتسل فيه، فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر. وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها قد سد الأفق، تتناثر من أجنحته التهاويل: الدرّ والياقوت مما لا يعلمه إلا الله تعالى. انتهى. ثم أخذ على الكوثر حتى إذ دخل الجنة فإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فرأى على بابها مكتوبا: الصّدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقال: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يسأل إلا من حاجة. فاستقبلته جارية فقال: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: لزيد بن حارثة. ورأى الجنّة من درّة بيضاء وإذا فيها جنابذ [ (2) ] اللؤلؤ. فقال: يا جبريل، إنهم يسألوني عن الجنة. فقال: أخبرهم أنها قيعان ترابها المسك، وسمع في خارجها وجسا [ (3) ] ، فقال: يا جبريل ما هذا؟ قال: بلال المؤذن. فسار فإذا هو بأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفّى، وإذا رمّانها كالدّلاء، وفي رواية: وإذا فيها رمّان كأنه جلود الإبل المقتّبة، وإذا بطيرها كالبخاتي [ (4) ] . فقال أبو بكر: يا رسول الله إن تلك الطير لناعمة. قال:

_ [ (1) ] خلا عليه: اعتمد عليه. انظر المعجم الوسيط 1/ 253. [ (2) ] جنبذ في صفة الجنة «فيها جنابذ من لؤلؤ» الجنابذ جمع جنبذة: وهي القبّة» انظر النهاية لابن الأثير 1/ 305. [ (3) ] الوجس: الصوت الخفي، وتوجّس بالشيء: أحسّ به فتسمّع له، انظر النهاية لابن الأثير 5/ 156. والمعجم الوسيط 2/ 1025. [ (4) ] البختية: الأنثى من الجمال البخت، والذكر بختي، وهي جمال طوال الأعناق، وتجمع على بخت وبخاتيّ، واللفظة معربة. انظر النهاية لابن الأثير 1/ 101.

أكلتها أنعم منها وإني لأرجو أن تأكل منها. وبينا هو يسير بنهر على حافيته الدرّ المجوّف، وإذا طينة مسك أذفر فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هو الكوثر. ثم عرضت عليه النار فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته، ولو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، فإذا بقوم يأكلون الجيف، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس. ورأى رجلا أحمر أزرق فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا عاقر الناقة. ورأى مالك خازن النار، فإذا رجل عابس يعرف الغضب في وجهه، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام، ثم أغلقت دونه، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، فغشيها من أنوار الخلائق ومن أنوار الملائكة أمثال الغربان حين يقضّ على الشجرة وينزل على كل ورقة ملك من الملائكة فغشيها سحابة من كل لون. وفي حديث إن جبريل قال له: إن ربك يسبّح. قال: وما يقول؟ قال: يقول: «سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، سبقت رحمتي غضبي» . فتأخر جبريل، ثم عرج به حتى ظهر لمستوى سمع فيه صريف [ (1) ] الأقلام. ورأى رجلا مغبّبا في نور العرش، فقال: من هذا؟ ملك، قيل: لا، قال: نبي، قيل: لا، قال: من هو؟ قيل: هذا رجل كان في الدنيا لسانه رطب من ذكر الله، وقلبه معلّق بالمساجد، ولم ينتسب لوالديه قط، فرأى ربه سبحانه وتعالى، فخرّ النبي صلى الله عليه وسلّم ساجدا، وكلّمه ربه تعالى عند ذلك. فقال له: يا محمد. قال: لبّيك يا رب. قال: سل: فقال: إنك اتّخذت إبراهيم خليلاً، وأعطيته ملكا عظيما وكلّمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما وسخرت له الجن والإنس والشياطين وسخرّت له الرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده. وعلّمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك، وأعذته وأمّه من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان عليهما سبيل. فقال الله سبحانه وتعالى: قد اتخذتك حبيبا. قال الراوي: وهو مكتوب في التوراة: حبيب الله. وأرسلتك للناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، لا أذكر إلا وذكرت معي وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وجعلت أمتك أمّة وسطا، وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون، وجعلت أمتك لا يجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أنا جيلهم، وجعلتك أوّل النبيين خلقاً وآخرهم بعثاً، وأوّلهم يقضى له، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت عرشي لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك الكوثر،

_ [ (1) ] أسمع صريف الأقلام أي صوت جريانها بما تكتبه من أقضية الله تعالى ووحيه، وما ينتسخونه من اللوح المحفوظ. انظر النهاية لابن الأثير 3/ 25.

وأعطيتك ثمانية أسهم: الإسلام والهجرة والجهاد والصدقة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأني يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فقم بها أنت وأمتك. قال أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضّلني ربي: أرسلني رحمة للعالمين، وكافّة للناس بشيرا ونذيرا، وألقى في قلوب عدوّي الرّعب من مسيرة شهر، وأحلّ لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأعطيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه، وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع ورأيتهم على قوم ينتعلون بالشّعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما أخرمت أعينهم بالمخيط فلم يخف علي ما هم، لا قويّ من بعدي، وأمرت بخمسين صلاة» . انتهى. وأعطي ثلاثا: أنه سيد المرسلين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين. وفي حديث ابن مسعود: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات [ (1) ] . ثم انجلت عنه السحابة وأخذ بيده جبريل، فانصرف سريعا، فأتى على إبراهيم، فلم يقل شيئاً، ثم أتى على موسى، قال: ونعم الصاحب كان لكم، فقال: «ما صنعت يا محمد؟ ما فرض عليك ربّك وعلى أمتك؟» قال: فرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة كل يوم وليلة» . قال: «فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف عنك وعن أمتك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد خبرت الناس قبلك وبلوت بني إسرائيل وعالجتهم أشدّ المعالجة على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وأبدانا وقلوبا وأبصارا وأسماعا» . فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل يستشيره، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فرجع سريعا حتى انتهى إلي الشجرة، فغشيته السحابة، وخرّ ساجدا. وقال: «ربّ خفّف عنا» ، وفي لفظ: «عن أمتي فإنها أضعف الأمم» . قال: «قد وضعت خمسا» ، ثم انجلت السحابة، ورجع إلى موسى فقال: «وضع عني خمسا» . قال: «ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك» . فلم يزل يرجع بين موسى وبين ربه، يحطّ عنه خمسا خمسا، حتى قال: «يا محمد» ، قال: «لبّيك وسعديك» قال: «هنّ خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة لا يبدّل القول لديّ ولا ينسخ كتابي تخفيفها عنك كتخفيف خمس صلوات، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن

_ [ (1) ] المقحمات: أي الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار: أي تلقيهم فيها. انظر النهاية لابن الأثير 4/ 19.

عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة» . فنزل حتى انتهى إلي موسى، فأخبره فقال: «ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك» . قال له: «قد راجعت ربي حتى استحييت منه ولكن أرضى وأسلّم» . فناداه مناد أن «قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي» [ (1) ] . فقال له موسى: «اهبط بسم الله» . ولم يمر على الملأ من الملائكة إلا قالوا له: «عليك بالحجامة [ (2) ] » . وفي لفظ: «مر أمتك بالحجامة» . ثم انحدر، فقال جبريل: «ما لي لم آت لأهل السماء إلا رحّبوا بي وضحكوا إليّ، غير واحد سلّمت عليه فردّ السلام ورحّب بي ودعا لي، ولم يضحك إليّ. قال: قال: «مالك خازن النار، لم يضحك منذ خلق، ولو ضحك لأحد لضحك إليك» . فلما نزل إلى السماء الدنيا نظر أسفل منه، فإذا هو برهج ودخان، فقال ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم، لا يتفكرون في ملكوت السموات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب. ثم ركب منصرفا، فمرّ بعير لقريش بمكان كذا وكذا، منها جمل عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء، فلما حاذى العير نفرت واستدارت وصرخ ذلك البعير وانكسر، ومرّ بعير قد ضلّوا بعيرا لهم قد جمعه فلان، فسلّم عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتى أصحابه قبيل الصبح بمكة، فلما أصبح قطع وعرف أن الناس تكذّبه، فقعد حزينا، فمرّ عليه عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال: أسري بي الليلة. قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. فلم ير أنه يكذّبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه. قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ قال: نعم، قال يا معشر بني كعب بن لؤي. فانفضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما. فقال: حدّث قومك بما حدّثتني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أسري الليلة بي» . قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، فمن بين مصفّق ومن بين واضع يده على رأسه متعجّبا، وضجّوا وأعظموا ذلك. فقال المطعم بن عدي: كل أمرك قبل اليوم كان أمما غير قولك اليوم، أنا أشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى البيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا، أتدّعي أنت أنك أتيته في ليلة؟ واللّات والعزّى لا أصدقك.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري، 7/ 341 (3887) . [ (2) ] أخرجه البخاري بلفظ، إن أمثل ما تداويتم به الحجامة، (5696) .

فقال أبو بكر لمطعم: بئس ما قلت لابن أخيك، جبهته وكذبته، أما أنا فأشهد أنه صديق صادق. فقالوا: يا محمد صف لنا بيت المقدس، كيف بناؤه وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ وفي القوم من سافر إليه. فذهب ينعت لهم بناءه كذا وهيئته كذا، وقربه من الجبل كذا، فما زال ينعته لهم حتى التبس عليه النّعت فكرب كربا ما كرب مثله، فجيء بالمسجد وهو ينظر إليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال، فقالوا: كم للمسجد من باب؟ ولم يكن عدّها، فجعل ينظر إليه ويعدّها بابا بابا، ويعلمهم، وأبو بكر يقول: صدقت صدقت، أشهد أنك رسول الله. فقال القوم: أمّا النعت فوالله لقد أصاب. ثم قالوا لأبي بكر: أفتصدّقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فبذلك سمي أبو بكر الصديق. ثم قالوا: يا محمد أخبرنا عن عيرنا. فقال «أتيت على عير بني فلان بالرّوحاء قد ضلّوا ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، فليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان وها هي ذه تطلع عليكم من الثّنيّة» . قالوا: فمتى تجيء؟ قال يوم الأربعاء. فلما كان ذلك اليوم، انصرفت قريش ينظرون وقد ولّى النهار، ولم تجيء. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فزيد له في النهار ساعة، وحبست عليه الشمس، حتى دخلت العير، فاستقبلوا الليل. فقالوا: هل ضلّ لكم بعير؟ قالوا: نعم. فسألوا العير الأخر فقالوا: هل انكسر لكم ناقة حمراء؟ قالوا: نعم. قالوا: فهل كان عندكم قصعة من ماء؟ فقال رجل: أنا والله وضعتها فما شربها أحد، متأوّلا أهريقت في الأرض. فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد، فانزل الله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: 60] . فائدة: أخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ أسري به ريحه ريح عروس وأطيب من ريح عروس. شعر ويرحم الله تعالى من قال: ساد الأنام محمّدٍ خير الورى ... بفضائل جلّت عن الإحصاء وجوامع الكلم الّتي ما نالها ... أحد من الفصحاء والبلغاء وإلى الخلائق كلّهم إرساله ... فشفى القلوب الجمّة الأدواء وله الشّفاعة والوسيلة في غد ... ومقامه السّامي على الشّفعاء ويجيء يومئذ كما قد قاله ... أنا راكب والرّسل تحت لوائي ولقد دنا من ربه لمّا دنا ... في ليلة المعراج والإسراء سمع الخطاب بحضرة قدسيّة ... ما حلّها بشر من العظماء

وبرؤية الجبّار فاز ويا لها ... من نعمة عظمت على النّعماء ما نال موسى والخليل ومجتبى ... ما نلته يا سيّد الشّفعاء يا كنز مفتقر وملجأ عائذ ... يا أفضل الأجواد والكرماء أنت الوسيلة للإله فسل لنا ... عفوا عن الزّلّات والأهواء ودخولنا الجنّات أوّل وهلة ... وشفاعة للمفسد الخطّاء بك نستغيث ونستجير ونلتجي ... من ذي البلاء وفتنة الأهواء ونروم فضلا من جنابك سيّدي ... وشفاعة يا سيّد الشّفعاء فإليك ساق [الله] سحب صلاته ... وجزاك ربّ النّاس خير جزاء وعلى صحابتك الرّضى متعدّدا ... والآل والأتباع والعلماء ولله درّ البوصيري حيث قال مخاطبا للذات الشريفة: سريت من حرم ليلا إلى حرم ... كما سرى البدر في داج من الظّلم وبتّ ترقى إلى أن نلت منزلة ... من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم وقدّمتك جميع الأنبياء بها ... والرّسل تقديم مخدومٍ على خدم وأنت تخترق السّبع الطّباق بهم ... في موكب كنت فيه صاحب العلم حتى إذا لم تدع شأوا لمستبق ... من الدّنوّ ولا مرقى لمستنم خفضت كلّ مقام بالإضافة إذ ... [نوديت] بالرّفع مثل المفرد العلم كيما تفوز بوصل أيّ مستتر ... عن العيون وسرّ أي مكتتم فحزت كلّ فخار غير مشترك ... وحزت كلّ مقام غير مزدحم وجلّ مقدار ما ولّيت من رتب ... وعزّ مقدار ما أوليت من نعم بشرى لنا معشر الإسلام إنّ لنا ... من العناية ركنا غير منهدم لمّا دعا الله داعينا لطاعته ... يا أكرم الرّسل كنّا أكرم الأمم

الباب التاسع في تنبيهات على بعض فوائد تتعلق بقصة المعراج

الباب التاسع في تنبيهات على بعض فوائد تتعلق بقصة المعراج الأول: قال ابن المنير: كانت كرامته صلى الله عليه وسلم في المناجاة على سبيل المفاجأة كما أشار إليه بقوله: «بينا أنا» . وفي حق موسى عليه الصلاة والسلام عن ميعاد واستعداد فحمل عنه صلى الله عليه وسلم ألم الانتظار. ويؤخذ من ذلك أن مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى مقام موسى مقام المراد بالنسبة إلى مقام المريد. الثاني: قال ابن دحية في قوله: «فرج سقف بيتي» ، يقال: لم لم يدخل من الباب مع قوله تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها [البقرة: 189] ، فالحكمة في ذلك المبالغة في المناجاة، والتنبيه على أن الكرامة والاستدعاء كانا على غير ميعاد، ولعل كونه فرج عن سقف بيته توطئة وتمهيد لكونه فرج عن صدره، فأراه الملك، بإفراجه عن السقف فالتأم السقف على الفور، كيفيّة ما يصنع به، وقرّب له الأمر في نفسه بالمآل المشاهد في بيته لطفا في حقه وتبيينا لبصره، ولعله فرج عن سقف بيته حتى لا يعرج الملك، وقد جاء في هذا الأمر المهم العظيم على شيء سواه، فانصبّ له من السماء انصبابة واحدة وهي خرق الحجاب. ولو أنه جاء على العادة من الباب لاحتاج أن يلج صحن الدار، ثم يعرج إلى البيت الذي هو فيه وقال الحافظ: قيل الحكمة في نزوله عليه من السقف المبالغة في مفاجأته بذلك والتنبيه على أن المراد منه أن يعرج به إلى جهة العلوّ. الثالث: الرجلان اللذان كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما بينهما تلك الليلة: حمزة وجعفر رضي الله عنهما، نبه عليه الحافظ. قال ابن أبي جمرة: وفي هذا تواضعه صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، إذ أنه في الفضل حيث هو، ومع ذلك كان يضطجع مع الناس ويقعد معهم، ولم يجعل لنفسه المكرّمة مزيّة عليهم، وفيه دليل على جواز نوم جماعة في موضع واحد، ولكن يشترط في ذلك أن يكون لكل واحد منهم ما يستر به جسده عن صاحبه. الرابع: تقدم في أبواب صفاته الكلام على شقّ الصّدر وخاتم النبوة والطست والذهب وزمزم. الخامس: في الكلام على جبريل وفيه فوائد: الأولى: في لغات اسمه وهي إحدى وعشرون:

الأولى: جبريل بكسر الجيم والراء وياء ساكنة وهي قراءة نافع [ (1) ] وأبي عمرو [ (2) ] وابن عامر [ (3) ] ، وحفص [ (4) ] عن عاصم [ (5) ] وهي لغة الحجازيين. الثانية: جبريل كذلك إلا أنه بفتح الجيم وهي قراءة ابن كثير. الثالثة: جبرءل كذلك إلا أنه بزيادة همزة مكسورة بعد الراء وحذف الياء وهي قراءة أبي بكر [ (6) ] عن عاصم. الرابعة: جبرئيل كذلك إلا أنه بزيادة ياء بعد الهمزة وهي قراءة حمزة والكسائي ولغة تميم وقيس وكثير من أهل نجد كما قاله الفرّاء. الخامسة: جبرايل كذلك إلا أنه بزيادة ألف بعد الراء وهي رواية حمزة ونعيم بن سعيد وغيرهما عن الأعمش ورواية أبان بن تغلب [ (7) ]- بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام- وأبان بن يزيد العطار من رواية الثلاثة: بكّار ويونس وعبيد، عنه كلاهما عن عاصم وأبو رجاء وأبو غزوان عن طلحة ذكره الأهوازي. السادسة: جبرائيل كذلك إلا أنه بكسر الجيم على وزن إسرائيل وهي إحدى الروايات عن عكرمة ورواها عنه الزبير، وقرأ بها ابن صدقة عن يحيى ذكره ابن عيسى. السابعة: جبراءل بفتح الجيم والراء وهمزة بدون ياء، وفي رواية رزين وابن قيس وابن خثيم وأبي عمران وإسماعيل عن الحسن وغيرهم وإسحاق بن سويد بخلاف عنه والحسن الرازي [ (8) ] عن أصحابه

_ [ (1) ] نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء المدني: أحد القراء السبعة المشهورين. كان أسود، شديد السواد، صبيح الوجه، حسن الخلق، فيه دعابة. أصله من أصبهان. اشتهر في المدينة وانتهت إليه رياسة القراءة فيها، وأقرأ الناس نيفا وسبعين سنة، وتوفي بها سنة 169 هـ-. الأعلام 8/ 5. [ (2) ] زبان بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحسين بن الحارث بن جلهمة بن حجر بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن معد بن عدنان الإمام السيد أبو عمرو التميمي المازني البصري أحد القراء السبعة، قال الحافظ أبو العلاء الهمذاني: هذا الصحيح الذي عليه الحذاق من النساب وقد قيل: إنه من بني العنبر وقيل: من بني حنيفة وحكى القاضي أسد اليزيدي أنه قيل إنه من فارس من موضع يقال له كازرون. قال عبد الوارث: ولد أبو عمرو بمكة ونشأ بالبصرة ومات بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة. غاية النهاية 1/ 288، 289، 290، 291، 292. [ (3) ] عبد الله بن عامر بن يزيد، أبو عمران اليحصبي الشامي: أحد القراء السبعة. ولي قضاء دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك. ولد في البلقاء، في قرية «رحاب» وانتقل إلى دمشق، بعد فتحها، وتوفي فيها. قال الذهبي: مقرئ الشاميين، صدوق في رواية الحديث. انظر الأعلام 4/ 95. [ (4) ] حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي بالولاء، أبو عمر، ويعرف بحفيص: قارئ أهل الكوفة. بزاز، نزل بغداد، وجاور بمكة. وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءته، وهو ابن امرأته وربيبه، ومن طريقه قراءة أهل المشرق. توفي 180 هـ-. الأعلام 2/ 264. [ (5) ] عاصم بن أبي النجود ابن بهدلة الكوفي الأسدي بالولاء، أبو بكر: أحد القراء السبعة. تابعي، من أهل الكوفة، ووفاته فيها. كان ثقة في القراءات، صدوقا في الحديث. قيل: اسم أبيه عبيد، وبهدلة اسم أمه. توفي 127 هـ-. الأعلام 3/ 248. [ (6) ] شعبة بن عياش بن سالم الأزدي الكوفي الخياط، أبو بكر: من مشاهير القراء. كان عالما فقيها في الدين. توفي في الكوفة سنة 193 هـ-. الأعلام 3/ 165. [ (7) ] أبان بن تغلب: بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام، أبو سعد الكوفي، ثقة تكلّم فيه للتشيع، من السابعة، مات سنة أربعين. التقريب 1/ 30. [ (8) ] الحسن بن شعيب أبو علي الرّازي مقرئ، روى القراءة عرضا عن الفضل بن شاذان، روى القراءة عنه عرضا عبد الرحيم. انظر غاية النهاية 1/ 215.

الفائدة الثانية:

وأحمد بن يزيد وهي إحدى الروايات عن عكرمة أيضا. الثامنة: جبرايل كذلك إلا أنه بياء ساكنة بدل الهمزة على الجمع بين التقاء الساكنين وهي قراءة طلحة بن مصرف اليامي [ (1) ] . التاسعة: جبرييل بفتح الجيم والراء وياءين أولهما مكسورة والثانية ساكنة وهي إحدى الروايتين عن ابن محيصن [ (2) ] ويحيى بن يعمر وأبان بن يزيد العطار [ (3) ] عن عاصم. العاشرة: جبرئيل كذلك إلا أنه بهمزة عوض الياء الأولى وتشديد اللام وهي إحدى الروايات عن ابن محيصن ويحيى بن يعمر وأبان بن يزيد العطار عن عاصم. الحادية عشرة: جبرءلّ كذلك إلا أنه بحذف الياء بعد الهمزة وقرئ بها شاذا. الثانية عشر: جبريل بفتح الجيم والراء وياء ساكنة لا غير، وهي قراءة محمد بن طلحة بن مصرف وابن محيصن في إحدى الروايات عنه. الثالثة عشر: جبرإل كذلك إلا أنه بهمزة بدل الياء مشدّدة مكسورة ولام لا غير، وقد نقلها أبو عمر الداني في المجتبى في الشواذ عن ابن يعمر [ (4) ] أيضا. الرابعة عشرة: جبرال بفتح الجيم والراء وألف ولام لا غير. الخامسة عشرة: جبرال كذلك إلا أنه بكسر الجيم. السادسة عشرة: جبرين بفتح الجيم وكسر الراء ونون بدل اللام. السابعة عشرة: جبرين كذلك إلا أنه بكسر الجيم. قال الفرّاء هي لغة بني أسد. الثامنة عشرة: جبرئين بفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة ونون، نقلها ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان. التاسعة عشرة: جبرين كذلك إلا أنه بكسر الجيم نقلها ابن الجوزي وبرهان الدين الجعبري. العشرون: جبرئيل بفتح الجيم والراء وهمزة ساكنة بعدها ياء. الحادية والعشرون: جبراييل على وزن ميكاييل، نقل جميع ذلك الإمام العلّامة محب الدين بن شيخ الحساب والفرائض الإمام العالم العلامة شهاب الدين بن الهائم في الغرر، ومن خطه نقلت. الفائدة الثانية: قال في الروض الأنف: «ومعنى جبريل: عبد الرحمن أو عبد العزيز، هكذا جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا ومرفوعا أيضا والوقف أصحّ. وأكثر الناس أن آخر الاسم منه أعجمي وهو «إيل» [ (5) ] ، وكان شيخنا يعني ابن العربي يذهب مذهب طائفة من

_ [ (1) ] طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي: بالتحتانية، الكوفي، ثقة قارئ فاضل، من الخامسة، مات سنة اثنتي عشرة أو بعدها. التقريب 1/ 379، 380. [ (2) ] محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي بالولاء، أبو حفص المكي: مقرئ أهل مكة بعد ابن كثير، وأعلم قرائها بالعربية. انفرد بحروف خالف فيها المصحف، فترك الناس قراءته ولم يلحقوها بالقراءات المشهورة. وكان لا بأس به في الحديث. روى له مسلم والترمذي والنسائي حديثا واحدا. توفي سنة 123 هـ-. الأعلام 6/ 189. [ (3) ] أبان بن يزيد العطار البصري، أبو يزيد، ثقة له أفراد، من السابعة، مات في حدود الستين. التقريب 1/ 31. [ (4) ] يحيى بن يعمر، بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة، البصري، نزيل مرو وقاضيها، ثقة فصيح، وكان يرسل، من الثالثة، مات قبل المائة، وقيل بعدها. انظر التقريب 20/ 361. [ (5) ] إيل: اسم الله تعالى بالعبرية. انظر المعجم الوسيط 1/ 34.

أهل العلم في أن هذه الأسماء إضافتها مقلوبة وكذلك الإضافة في كلام العجم يقولون في «غلام زيد» . زيد غلام فعلى هذا يكون «إيل» عبارة عن العبد ويكون أول الاسم عبارة عن اسم من أسماء الله تعالى. قلت: روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن المنذر عن عكرمة، وأبو الشيخ عن علي بن الحسين قالوا: اسم جبريل عبد الله وميكائيل عبيد الله، وكل شيء راجع إلى «إيل» فهو معبّد لله عز وجل، زاد علي بن الحسين وإسرافيل عبد الرحمن، زاد عكرمة: «والإيل» : الله. قال الماوردي: «ولا يعلم لابن عباس مخالف في ذلك» ، وقال السهيلي: «إنه قول الأكثر» . وقال الشيخ شهاب الدين الحلبي رحمه الله تعالى في شرح الشاطبية: «اختلف الناس في هذا الاسم هل هو مشتق أم لا؟ والذي عليه الجمهور أنه لا اشتقاق» إذ الأسماء الأعجمية لا اشتقاق لها. وقال آخرون: بل هو مشتق من جبروت الله تعالى. وكذلك اختلفوا فيه هل هو اسم بسيط لا تركيب فيه أو هو مركّب؟ فإن جبر» معناه «عبد» ، «وإيل» هو اسم الباري تعالى وقد قيل ذلك في إسرافيل، ثم اختلفوا في تركيبه، هل هو مركّب تركيب إضافة أو تركيب مزج؟ فذهب بعضهم إلى الأول، وردّ بأنه كان ينبغي أن يعرب إعراب المتضايفين، فيجري الأول منهما مجرى الإعراب، ويجرى الثاني وينوّن، إذ لا مانع له من الصّرف، كما انصرف «إلّ» في قول من جعله اسما لله تعالى من قوله عز وجل: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة: 10] وهذا كما تقول: جاءني عبد الله، ورأيت عبد الله ومررت بعبد الله. وذهب آخرون كأبي العباس المهدوي إلى أنه مركّب تركيب مزج كبعلبك وحضر موت، وهذا قريب إلا أن بعضهم ردّ عليه بأنه كان ينبغي أن يبنى الأول على الفتح ليس إلا، وأنت كما رأيتهم يكسرون الراء في بعض اللغات. وردّ عليه بعضهم أيضا بأنه لو كان مركّبا تركيب مزج لجاز أن يعرب إعراب المتضايفين أو يبنى على الفتح كأحد عشر، فإنه مركب تركيب مزج يجوز فيه هذه الأوجه، فكونه لم يسمع فيه البناء ولا جريانه جريان المتضايفين دليل على عدم تركيبه تركيب مزج. وهذا الردّ مردود لأنه جاء على أحد الجائزين، واتفق أنه لم يستعمل إلا كذلك. انتهى. قال السهيلي: «واتفق في اسم جبريل عليه السلام أنه موافق من جهة العربية لمعناه وإن كان أعجميا، فإن الجبر هو إصلاح ما وهي، وجبريل موكّل بالوحي، وفي الوحي إصلاح ما فسد وجبر ما وهي من الدين، ولم يكن هذا الاسم معروفا بمكة ولا بأرض العرب، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة به انطلقت تسأل من عنده علم الكتاب كعدّاس ونسطور الراهب وورقة.

الفائدة الثالثة:

فقالوا لها: قدّوس قدّوس أنّى لهذا الاسم أن يذكر في هذه البلاد» كما تقدم بيان ذلك. الفائدة الثالثة: في بعض فضائله: ذكره تعالى في كتابه في خمسة وثلاثين موضعا بالصريح وغيره، وذكره باسمه في ثلاثة مواضع: في البقرة في موضعين قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ [البقرة: 97] ، مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ [البقرة: 98] ، والثالث في التحريم وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ [التحريم: 4] ، وذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم في أربعة مواضع الأول والثاني والثالث في آل عمران فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ [آل عمران: 39] ، وهو جبريل وحده بدليل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ [آل عمران 42] إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ [آل عمران: 45] والرابع في النحل: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ يعني جبريل والروح الوحي. وذكر بلفظ الروح في ثمانية مواضع بلفظ الروح مطلقا، وبإضافته إلى نفسه وبإضافته إلى القدس وهو الطهارة، وبوصفه بالأمانة، فقال: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج: 4] يعني جبريل تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها [القدر: 4] ، فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا [مريم: 17] ، وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: 87] وفي المائدة إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [المائدة: 110] وفي النحل قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل: 102] ، وفي الشعراء نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء: 193، 194] ، ووصفه في موضع واحد بسبع صفات جميلة وهي: الرسالة والكرم والقوة والقربة والمكانة وطاعة الملائكة والأمانة، وذلك في سورة التكوير في قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 19، 20، 21] . وروى أبو الشيخ في العظمة عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب الخلق إلى جبريل وميكائيل وإسرافيل وإنهم من الله بمسيرة ألف سنة» . وروى أبو الشيخ عن وهب. قال: هؤلاء الأربعة أملاك: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، أول من خلقهم الله من الملائكة وآخر من يميتهم، وأول من يحييهم وهم المدبرات. وروى أبو الشيخ عن خالد بن أبي عمران قال: جبريل أمين الله تعالى إلى رسله، وميكائيل يلقي الكتب التي ترفع من أعمال الناس وإسرافيل بمنزلة الحاجب. وروى أبو الشيخ عن عكرمة بن خالد أحد التابعين أن رجلا قال: يا رسول الله أي الملائكة أكرم على الله؟ قال: لا أدري فجاءه جبريل فقال: يا جبريل أي الملائكة أكرم على الله؟ قال: لا أدري، فعرج جبريل، ثم هبط فقال: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك

التنبيه السادس:

الموت، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض روح كل عبد في بر أو بحر، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم. التنبيه السادس: في لغات ميكائيل وهي سبع: الأولى وهي الأفصح: ميكال بوزن ميقات وميعاد وبها قرأ أبو عمرو. الثانية: مكائيل: بهمزة فياء وهي قراءة نافع. الثالثة: ميكائيل بياءين وهي قراءة باقي السبعة. الرابعة: ميكئيل بهمزة بعد الكاف فمثنّاة تحتية وهي قراءة ابن محيصن. الخامسة: كذلك [أي ميكئل] إلا أنه لا ياء بعد الهمزة وبها قرأ بعضهم. السادسة: ميكاييل بياءين صريحتين بعد الألف وبها قرأ الأعمش. السابعة: ميكاءيل بهمزة مفتوحة بعد الألف. التنبيه السابع: في الكلام على البراق، وهو بضمّ الموحّدة وتخفيف الراء مشتقّ من البريق فقد جاء في لونه أنه أبيض أو من البرق لأنه وصف بسرعة السّير أو من قولهم: شاة برقاء إذا كان خلال صوفها الأبيض طاقات سوداء، ولا ينافيه وصفه في الحديث بالبياض لأن البرقاء من الغنم معدودة في البيض. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد والحارث: «أبرقوا فإنّ دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين» ، فجعل البرقاء مقابلة السوداوين تفضيلا للبياض، فلهذا يكون البراق أفضل الألوان ويجوز أن يجمع بين المعنيين فيسمى براقا للونه ولسرعة مسيره فيكون ذلك من قبيل مجملي اللفظ المشترك دفعة واحدة في اللفظ ويحتمل ألا يكون مشتقا. قال ابن أبي جمرة: وإنما كان ركوب النبي صلى الله عليه وسلم على البراق إشارة إلى أن الاختصاص به لأنه لم ينقل أن أحدا ملكه بخلاف جنسه من الدوابّ. قال: والقدرة صالحة لأن يصعد بنفسه بغير براق، لكن كان البراق بشارة له في تشريفه، لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماش، والراكب خلاف الماشي. وقال ابن دحية: ربّما مزج خرق العادة بالعادة تأنيسا، وقد كان الحقّ قادرا على أن يرفع نبيه صلى الله عليه وسلم بدون البراق، ولكن الركوب وصفة المركوب المعتاد تأنيس في هذا المقام العظيم بطرف من العادة، ولعل الإسراء بالبراق إظهار للكرامة العرفيّة، فإن الملك العظيم إذا استدعى وليّا له وخصيصا به، وأشخصه إليه بعث إليه بمركوب سنّي، يحمله عليه في وفادته إليه. ولم يكن البراق بشكل الفرس ولكنه بشكل البغل وكان ذلك- والله تعالى أعلم- للإشارة إلى أن الركوب في سلم وأمن لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة في الإسراع العجيب من دابة ما يوصف شكلها بالإسراع الشديد عادة. فإن قيل: فقد ركب النبي صلى الله عليه وسلم البغلة في الحرب، فالجواب: كان ذلك لتحقيق نبوته

عليه الصلاة والسلام في مواطن الضرب والطعن والانتشاب في نحر العدو، ولما كان الله تعالى خصه بمزيد من الشجاعة والقوة. وإلا فالبغال عادة من ركوب الطمأنينة والأمنة، فبيّن أن الحرب عنده كالسّلم قوّة قلب وشجاعة نفس، وثقة وتوكّل. وركبت الملائكة في الحرب على الخيل لا غير لأنها بصدد ذلك عرفا دون غيرها من المركوبات. ولطف شكل البراق لما وصفه، عن شكل البغل، وما لطف من البغال واستدار أحمد وأحسن من المطهمات [ (1) ] منها، وذلك بخلاف الخيل. ولم يسمّ الله سبحانه وتعالى سير البراق برسوله صلى الله عليه وسلم طيرانا، وإنما سمّاه بما يسمّى به السير المعتاد وسير الليل عند العرب سرى، فيؤخذ من هذا أن الوليّ إذا طويت له الأرض البعيدة في الساعة الواحدة يتناوله اسم المسافر، ويشمله أحكام السّفر باعتبار القصر والفطر. وإنما لم يذكر البراق في الرجوع لأن ذلك معلوم بذكره في الصعود، كقوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: 81] يعني والبرد. قال في فتح الصفا: فإن قيل: هلّا كان الإسراء على أجنحة الملائكة والريح كما كانت تحمل سليمان عليه الصلاة والسلام أو الخطوة كطيّ الزمان؟ قلت المراد اطلاعه على الآيات الخارقة للعادة، وما يتضمّن أمرا عجيبا، ولا عجب في حمل الملائكة أو الريح بالنسبة إلى قطعة هذه المسافة، بخلاف قطعها على دابّة في هذا الحجم المحكيّ عن صفتها، ووقع من تعظيمه بالملائكة ما هو أعظم من حمله على أجنحتها فقط. فقد أخذ جبريل بركابه وميكائيل بزمام البراق، وهما من أكابر الملائكة، فاجتمع له صلى الله عليه وسلم حمل البراق، وما هو كحمل البراق من الملائكة وهذا أتمّ في الشرف. واختلفت الأقاويل في صفته، فنقل عن ابن عباس رضي الله عنهما ما ذكر. وقال صاحب الاحتفال: إنه دون البغل وفوق الحمار، وجهه كوجه الإنسان وجسده كجسد الفرس وقوائمه كقوائم الثور وذنبه كذنب الغزال. وقال غيره: جسده كجسد الإنسان وذنبه كذنب البعير وعرفه كعرف الفرس وقوائمه كقوائم الإبل وأظلافه كأظلاف البقر وصدره كأنه ياقوتة حمراء وظهره كأنه درّة بيضاء. له جناحان في فخذيه وهذا كله لم يصحّ منه شيء، وما ذكره عن ابن عباس أمثلها، ولعل السّرّ في كونهما في فخذيه لثقل مؤخّر الدابّة، أو لأن ذلك جار على هذا الأمر في خرق العادة، أو لأجل الراكب، لأنّهما لو كانا في جنبيه على العادة لكانا تحت فخذي الراكب أو فوقهما، ويحصل له من ذلك مشقة بضمّهما ونشرهما خصوصا مع السرعة العظيمة.

_ [ (1) ] المطهّم: المنتفخ الوجه. وقيل: الفاحش السّمن. وقيل: النّحيف الجشم، وهو من الأضداد. انظر النّهاية لابن الأثير 3/ 147.

التنبيه الثامن:

وفي بعض الآثار أنه ليس بذكر ولا أنثى، فاقتضى ذلك أن يكون مفردا بالخلق بهذه الصفة من غير توليد، وقد قال تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الذاريات: 49] ونقل الشيخ سعد الدين إن الملائكة الكرام لا ذكور ولا إناث إلى آخر ما ذكره. وفي أثر آخر أن جبريل خاطبه خطاب المؤنث. واختلف في الحكمة في استصعاب البراق، فقال ابن بطّال: إنما استصعب عليه لبعده بركوب الأنبياء قبله، ويؤيده ما في المبتدأ لابن إسحاق رواية وثيمة بن موسى في ذكر الإسراء، «فاستصعب البراق وكانت الأنبياء تركبها قبلي» وكانت بعيدة العهد بركوبهم فلم تكن ركبت في الفترة. وقال ابن دحية وابن المنير: «إنما استصعب تيها وزهوا بركوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد جبريل بقوله: أبمحمد تستصعب؟ استنطاقه بلسان الحال إذ أنه لم يقصد الصعوبة، وإنما تاه بركوب النبي صلى الله عليه وسلّم، ولهذا قال: فارفضّ عرقا، فكأنه أجاب بلسان الحال، فبرئ من الاستصعاب، وعرق من خجل العتاب، وذلك قريب من رجفة الجبل به حتى قال: اثبت فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيد، فإنها هزّة طرب لا هزّة غضب، كما سيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في المعجزات. قال الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي رحمه الله تعالى: ولا يبعد أن يقال إنما كان استصعابه فرقا من هيبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. التنبيه الثامن: قال الحافظ: من الأخبار الواهية أن البراق لما عاتبه جبريل عليه السلام اعتذر إليه البراق بأنه مسّ الصّفراء اليوم، وأن الصفراء صنم من ذهب عند الكعبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به فقال: «تبّا لمن يعبدك من دون الله» [ (1) ] ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى زيد بن حارثة أن يمسّه بعد ذلك، وكسره يوم الفتح. وقال في الزهر: هذا لا ينبغي أن يذكر ولا يعزى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أحمد- روى عنه ابنه عبد الله أنه قال: «هو موضوع» وأنكره جدا. التنبيه التاسع: قال الحافظ: من الأخبار الواهية ما ذكره الماوردي والثعلبي والقرطبي في التذكرة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الموت والحياة جسمان، فالموت ليس يجد ريحه في شيء إلا مات، والحياة فرس بلقاء أنثى وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمرّ بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي. التنبيه العاشر: اختلف في ركوب جبريل على البراق مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى القول به هل ركب أمام النبي صلى الله عليه وسلم أم خلفه؟ فعند الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه أن

_ [ (1) ] انظر الفتح 7/ 207.

التنبيه الحادي عشر:

رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق فلم يزايل ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس. وفي رواية عنه عند ابن حبّان أن جبريل حمله على البراق رديفا له، وفي لفظ «فركبه خلف جبريل فسار بهما» . وفي حديث أبي ليلى أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق فحمله بين يديه، رواه الطبراني. وفي حديث ابن مسعود، رفعه: «أتيت بالبراق فركبته خلف جبريل» . والصحيح أنه كان معدّا لركوب الأنبياء قبل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وروى الفاكهي بسند حسن عن علي رضي الله عنه قال: «كان إبراهيم يزور إسماعيل وأمه على البراق» . وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «وكانت الأنبياء تركبها قبلي» . رواه البيهقي وغيره. وقال أنس رضي الله عنه: «وكانت تسخّر للأنبياء قبلي» . رواه النسائي وابن مردويه. وقال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: «أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم على البراق، وهي دابّة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام» ، رواه ابن جرير. التنبيه الحادي عشر: قوله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «وتكلم أربعة وهم صغار» فذكر ابن الماشطة وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن مريم. وروى الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعا: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» ، فذكر عيسى وصاحب جريج وابن الماشطة. وفي حديث مسلم عن صهيب رضي الله عنه في قصة أصحاب الأخدود: أن امرأة جيء بها لتلقى في النار أو لتكفر ومعها صبيّ يرضع فتقاعست فقال: يا أماه اصبري فإنك على الحقّ. وفي رواية عند ابن قتيبة: إنه كان ابن سبعة أشهر. وروى الثعلبي عن الضحاك أن يحيى بن زكريا تكلم في المهد وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل عليه السلام تكلم في المهد. وفي سير الواقدي إن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في أوائل ما ولد. وقد تكلم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مبارك اليمامة كما سيأتي في المعجزات، فهذه عشرة، وتقدم نظمهم في أبواب المولد، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في المعجزات. وإذا علم ذلك فقوله صلى الله عليه وسلم: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» [ (2) ] ، قاله قبل أن يعلم الزيادة على ذلك. التنبيه الثاني عشر: ذكر في القصة نزوله صلى الله عليه وسلم عن البراق وصلاته بعدّة مواضع كما هو مذكور في القصة. وقال حذيفة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزايل ظهر البراق هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس» . قال الحافظ: «وهذا لم يسنده حذيفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أنه قاله عن اجتهاد» . قلت: ويدل على ذلك إنكاره ربط البراق والصلاة

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 145 (259- 162) وانظر مسند الإمام أحمد 3/ 148 والحاكم في المستدرك 4/ 606 الدر المنثور للسيوطي 4/ 136. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 201 ومسلم 4/ 1976 وأحمد في المسند 2/ 301 والحاكم في المستدرك 2/ 595.

التنبيه الثالث عشر:

في بيت المقدس، مع ورود الأحاديث الصحيحة عن جماعة من الصحابة بوقوع ذلك كما سيأتي. التنبيه الثالث عشر: أنكر حذيفة رضي الله عنه ربط البراق، فروى الإمام أحمد والترمذي عنه أنه لما قيل له: ربط البراق قال: أخاف أن يفرّ منه وقد سخّره له عالم الغيب والشهادة؟ قال البيهقي والسهيلي: والمثبت مقدم على النافي، يعني من أثبت ربط البراق في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى، فهو أولى بالقبول. قال الإمام النووي: وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التّوكّل إذا كان الاعتماد على الله سبحانه وتعالى. وقال السهيلي: وفي هذا من الفقه التنبيه على الأخذ بالحزم مع صحّة التوكل وأن الإيمان بالقدر كما روي عن وهب بن منبه لا يمنع الحزم من توقّي المهالك، قال وهب: وجدته في سبعين كتابا من كتب الله القديمة، وهذا نحو من قوله صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» [ (1) ] . فإيمانه صلى الله عليه وسلم بأنه قد سخّر له كإيمانه بقدر الله تعالى وعلمه بأنه قد سبق في أم الكتاب ما سبق، ومع ذلك كان يتزود في أسفاره، ويعدّ السلاح في حروبه، حتى لقد ظاهر بين درعين في غزوة أحد وربطه للبراق من هذا الفن. التنبيه الرابع عشر: في بعض فضائل بيت المقدس وفيه فوائد: الأولى: في مبدأ خلقه: روى أبو بكر الواسطي عن علي رضي الله عنه قال: كانت الأرض ماء، فبعث الله تعالى ريحا فمسحت الماء مسحا، فظهرت على الأرض زبدة فقسّمها أربع قطع، خلق من قطعة مكة ومن أخرى المدينة ومن أخرى بيت المقدس ومن أخرى الكوفة. وتقدم حديث أبي ذر في الباب الأول من أبواب بعض فضائل بلده المنيف فراجعه. وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سليمان عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل ربّه خلالا ثلاثا فأعطاه إياها: سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيّما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد يعني بيت المقدس خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه» . قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ونحن نرجو أن يكون الله تعالى قد أعطاه ذلك» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة والواسطي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «إن بيت المقدس لمقدّس في السموات السبع بمقداره في الأرض» وروى الواسطي عن عطاء

_ [ (1) ] أخرجه ابن حبان (2549) وأبو نعيم في الحلية 8/ 390 وذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 161 وعزاه للترمذي عن أنس. [ (2) ] أخرجه النسائي في المساجد باب (6) وأحمد في المسند 2/ 176 وذكره السيوطي في الدر 4/ 160.

الخراساني قال: «لما فرغ سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام من بناء بيت المقدس أنبت الله شجرتين عند باب الرحمة أحدهما تنبت الذهب والأخرى تنبت الفضّة، فكان كل يوم تنزع من كل واحدة مائة رطل ذهب وفضّة، ففرش المسجد، بلاطة ذهبا وبلاطة فضة. فلما جاء بختنصر خرّبه واحتمل منه ثمانين عجلة ذهبا وفضة فطرحهما برومية» . وروى الواسطي عن سعيد بن المسيّب رحمهما الله تعالى أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس فرّغ له عشرة آلاف من قرّاء بني إسرائيل: خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار، فلا تأتي ساعة من ليل أو نهار إلا والله تعالى يعبد فيه. وروى الواسطي عن كعب الأحبار إن سليمان بن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء المسجد خرّ ساجدا شكرا لله وقال: «يا رب من دخله من خائف فأمّنه أو من داع فاستجب له أو مستغفر فاغفر له» ، فأوحى الله تعالى إليه: «إني قد أجبت لآل داود الدعاء» . قال: فذبح أربعة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة، وصنع طعاما كثيرا ودعا بني إسرائيل إليه. والآثار في هذا كثيرة، وقد ذكر المؤرخون في عمارته وما فيه من الجواهر والمعادن واليواقيت في سمائه وأرضه وجدرانه ما تعجز عنه ملوك الدنيا. فلما دخل بختنصر خربه وأخذ تلك النفائس التي فيه، وذكر ذلك هنا ليس من غرضنا. الثانية: في بعض فضله، قال الله سبحانه وتعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ [الإسراء: 1] وهذه الآية هي المعظّمة لقدره بإسراء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه قبل عروجه إلى السماء وإخبار الله تعالى بالبركة حوله. وتقدم الكلام على ذلك. وقال تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 71] . روى أبو المعالي المشرف بن المرجّى المقدسي في فضائله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «الجنّة تحن إلى بيت المقدس، وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس» . وروى الواسطي عن مكحول قال: «من صلى في بيت المقدس ظهرا وعصرا ومغربا وعشاء، ثم صلّى الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» . وروى أيضا عن كعب قال: «في بيت المقدس، اليوم فيه كألف يوم وشهر فيه كألف شهر والسّنة فيه كألف سنة، ومن مات فيه كأنما مات في السماء» . وروى الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في بيت المقدس لنعم المصلّى، وليوشكن ألا يكون للرجل مثل بسط فرشه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا أو قال خير من الدنيا وما فيها» . وروى الواسطي عن كعب قال: «إن الله ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين» . والآثار في فضله كثيرة.

الثالثة: في أسمائه الأول: المسجد الأقصى وتقدم الكلام عليه. الثاني: مسجد إيلياء بوزن كبرياء. وحكى البكري وغيره قصر ألفه، وحكى ابن يونس في شرح التعجيز. وابن الأثير في النهاية بتشديد الياء. وحكى صاحب المطالع وغيره حذف الياء الأولى وكسر الهمزة وسكون اللام والمدّ، قال محمد بن سهل الكاتب: معنى إيلياء بيت الله. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مسند أبي يعلى: «الإيلا» بالألف واللام، قال النووي: وهو غريب. الثالث والرابع: «بيت المقدس» بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال مخفّفة، «والبيت المقدّس» بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة. قال الواحدي: «معناه المطهّر» ، قال: أبو علي المقدسي: «وأما بيت المقدس يعني بالتخفيف فلا يخلو إما أن يكون مصدرا أو مكانا، فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً [يونس: 4] ونحوه من المصادر، وإن كان مكانا فالمعنى بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره على معنى إخلائه من الأصنام وإبعاده منها» ، وقال الزّجّاج: «البيت المقدّس أي المكان المطهّر، وبيت المقدس أي المكان الذي يطهّر فيه من الذنوب، هذا ما ذكره الواحدي» ، وقال غيره: «البيت المقدّس وبيت المقدس لغتان الأولى على الصفة والثانية على إضافة الموصوف إلى صفته كصلاة الأولى ومسجد الجامع. قال ابن سراقة [ (1) ] : «ويقال الأرض المقدسة ثلاثة: فلسطين- بفاء مفتوحة فلام مفتوحة- والأردن- بهمزة مضمومة فراء ساكنة فدال مهملة مضمومة فنون، قال البكري: مشدّدة- ودمشق، وهو ما أدرك بصر إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين رفع على الجبل وقيل له: «ما أدرك بصرك فهو ميراث لك ولولدك من بعدك» . الخامس: بيت القدس: بضم الدال وإسكانها بغير ميم، ذكره الحازمي [ (2) ] في أسماء الأماكن ونقل عن ابن الأثير أيضا. السادس: سلّم بتشديد اللام لكثرة سلام الملائكة فيه. قال ابن بريّ: وأصله «شلم» بالشين المعجمة لأن الشين المعجمة في العربية سين، فالسلام شلام واللسان لشان والإسلام أشم، وقال البكري في حرف الشين المعجمة: «شلّم» [ (3) ] بفتح أوله وثانية وتشديده على وزن

_ [ (1) ] محمد بن يحيى بن سراقة العامري، أبو الحسن: فقيه فرضي. من أهل البصرة. صنف كتبا في فقه الشافعية والفرائض ورجال الحديث. ووقف ابن الصلاح على «كتاب الأعداد» له. توفي سنة 410 هـ-. انظر الأعلام 7/ 136. [ (2) ] محمد بن موسى بن عثمان بن حازم، أبو بكر، زين الدين، المعروف بالحازمي: باحث، من رجال الحديث. أصله من همذان، ووفاته ببغداد. له كتاب «ما اتفق لفظه واختلف مسماه» في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط، و «الفيصل» في مشتبه النسبة، و «الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار» في الحديث، و «عجالة المبتدي وفضالة المنتهي» ، توفي سنة 584 هـ-. الأعلام 7/ 117. [ (3) ] انظر لسان العرب 4/ 2318.

فعّل اسم لبيت المقدس. وقال الهمداني: «سلّم» : وقد تعرّبها العرب فنقول: شلم. وحكى ابن القطّاع: شلّام على وزن فعّال. وقال ابن الأثير: «شلّم» بالمعجمة وتشديد اللام اسم لبيت المقدس ويروى بالمهملة وكسر اللام سلم كأنّه عرّبه. ومعناه بالعبرانية: بيت السلام. السابع: روي عن كعب الأحبار، أن الجنة في السماء السابعة بحيال بيت المقدس والصخرة، ولو وقع حجر منها لوقع على الصخرة ولذلك دعيت: أوري شلم، ودعيت الجنة: دار السلام الثامن: أوري شلم، بضم الهمزة وسكون الواو وكسر الراء وسكون التحتية وفتح الشين المعجمة وكسر اللام المخففة، كذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى، والأكثرون بفتح الشين واللام. التاسع: كورة إليا، العاشر: أوري شلم. الحادي عشر: بيت إيل، أي بيت الله. الثاني عشر: «صهيون» : بصاد مهملة مكسورة فهاء ساكنة فمثناة تحتية فواو فنون، ذكره البكري. قال: وهو بفتح الصاد اسم قبيلة. الثالث عشر: «مصرث» بميم فصاد فراء فثاء مثلثة. الرابع عشر: «بابوش» : بموحدتين وآخره شين معجمة. الخامس عشر: «كورشيلاه» . السادس عشر: «صلعون» : ذكر هذه الأسماء ابن خالويه. السابع عشر: سليم. الثامن عشر: «فسط مصر» بضم الفاء. التاسع عشر: أرض المحشر والمنشر. العشرون: المحفوظة. الحادي والعشرون: المفرّقة. الثاني والعشرون: مدينة الجنة. الرابعة: في خصائصه: الأولى في مضاعفة الصلاة فيه: وقد اختلف الأحاديث في مقدارها: الأول: خمسمائة صلاة: روى الإمام أحمد وابن ماجة والبزّار والقاسم الحافظ أبي القاسم بن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة [ (1) ] » . الثاني: ألف صلاة: روى ابن ماجة عن ميمونة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة [ (2) ] » . قال النووي: لا بأس بإسناده، وقال الذهبي: حديث منكر. الثالث: خمسون ألف صلاة: روى ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمّع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة» . وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 10 وعزاه للطبراني في الكبير وقال: ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (1407) والطحاوي في مشكل الأثار 1/ 249 وابن حجر في المطالب (1365) وذكره المتقي الهندي في الكنز (38198) والعجلوني في كشف الخفا 1/ 345.

صلاة [ (1) ] » . الرابع: مائتان وخمسون: روى الطبراني في معجمه عن أبي ذر رضي الله عنه، مرفوعاً: «صلاة في مسجدي أفضل من أربع فيه [ (2) ] » ، يعني بيت المقدس، فدل على أن الصلاة في بيت المقدس بمائتين وخمسين صلاة. الخامس: بعشرين ألف صلاة، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ولهذا مزيد بيان في أبواب فضائل المدينة الشريفة. الثانية: استحباب شدّ المطيّ إليه لما رواه الشيخان: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى [ (3) ] » . الثالثة: استحباب ختم القرآن فيه: روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي مجلز بكسر الميم وحكي فتحها وإسكان الجيم وفتح اللام وبالزاي- واسمه لاحق بن حميد، قال: «كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم بها القرآن قبل أن يخرج» . الرابعة: استحباب المجاورة به: روى الحاكم عن ثور بن يزيد عن مكحول قال: «كان عبادة بن الصامت وشدّاد بن أوس رضي الله عنهما يسكنان بيت المقدس» . وقد سكنه عدّة من الصحابة رضي الله عنهم. الخامسة: يستحبّ الصيام فيه فقد روي: «صوم في بيت المقدس براءة من النار» . السادسة: استحباب الإحرام بالحج والعمرة منه: روى أبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر [ (4) ] » . السابعة: يستحب لمن لم يقدر على زيارته أن يهدي له زيتا، روى أبو داود وابن ماجة واللفظ له عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس. قال: «أرض المحشر والمنشر، ايتوه فصلّوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره» . قلت: يا رسول الله أرأيت إن لم أستطع أن أصل إليه؟ قال: «فتهدي إليه زيتا ليسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه» . المحشر مفعل من الحشر وهو الجمع يعني يوم القيامة، فإذا فتحت الشين فهو المصدر، وأمّا الموضع فهو بالكسر. قال الجوهري: المحشر بالكسر موضع الحشر. انتهى. وذكر صاحب مختصر العين أن المحشر بالكسر والفتح الموضع الذي يحشر إليه الناس والمنشر موضع النشور وهو قيام الموتى من قبورهم. الثامنة: حكي عن بعض السلف أن السيئات تضاعف فيه، روي ذلك عن كعب

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1413) وابن الجوزي في العلل 2/ 86. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 10 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: رجاله رجال الصحيح. [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 70 (1197) ومسلم 2/ 976 (415- 827) . [ (4) ] أخرجه أبو داود (1741) والبيهقي 5/ 30 والبخاري في التاريخ 1/ 161.

الأحبار وأنه لما كان يأتي من حمص للصلاة فيه، فإذا صار منه قدر ميل اشتغل بالذّكر والتلاوة والعبادة حتى يخرج منه بقدر ميل أيضا ويقول: «السيئات تضاعف فيه» ، أي تزداد قبحا وفحشا لأن العاصي في زمان أو مكان شريف أشد جرأة وأقل خوفا من الله تعالى. وذكر أبو بكر الواسطي عن نافع قال: قال لي ابن عمر: «أخرج بنا من هذا المسجد فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات» . التاسعة: أن الدّجّال لا يدخل بيت المقدس. روى ابن أبي شيبة في المصنف عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الدّجّال فقال: «وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس [وأنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس قال: فيهزمه الله وجنوده حتى إن جذم الحائط وأصل الشجرة ينادي: يا مؤمن: هذا كافر يستتر بي تعالى اقتله إلى آخره] . العاشرة: أن الصخرة في المسجد الأقصى كالحجر الأسود في المسجد الحرام. روى أبو نعيم عن وهب بن منبه قال: «إن الله تعالى قال لصخرة بيت المقدس: لأضعنّ عليك عرشي ولأحشرنّ إليك خلقي وليأتينّك يومئذ داود راكبا، وروى أبو بكر الواسطي وابن عساكر عن يزيد بن جابر في قوله تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ [ق 41] ، قال: «يقف إسرافيل على صخرة بيت المقدس فينفخ في الصور فيقول: «يا أيتها العظام النّخرة والجلود المتمزّقة والأشعار المتقطّعة إن الله يأمرك أن تجتمعي لفصل الخطاب» . وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والواسطي عن قتادة في الآية قال: «كنا نتحدث أنه ينادى من بيت المقدس من الصخرة وهي أوسط الأرض» ، وحدثنا أن كعبا قال: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. الحادية عشرة: يكره استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط ولا يحرم قاله في الروض. الثانية عشرة: روي أنه من دفن في بيت المقدس وقي فتنة القبر وسؤال الملكين ومن دفن في زيتون الملّة [يعني بإيلياء] فكأنما دفن في السماء الدنيا. وروى أبو نعيم في تاريخه عن أحمد بن جعفر بن سعيد قال حدثنا يحيى بن مطرّف حدثنا محمد بن بكر، حدثنا يوسف بن عطية، عن أبي سفيان، عن الضحاك بن عبد الرحمن ابن عرزب- بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحّدة، وقد تبدل ميما- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 220.

الثالثة عشرة: روى الخطيب في الموضّح عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يدخل الجنة الأنبياء ثم مؤذنو البيت ثم مؤذنو بيت المقدس ثم مؤذنو مسجدي ثم سائر المؤذنين» [ (1) ] . الرابعة عشرة: ليحذر من اليمين الفاجرة فيه وكذا في المسجد الحرام ومسجد المدينة فإن عقوبتها معجّلة. روي أن عمر بن عبد العزيز أمر بحمل عمّال سليمان بن عبد الملك إلى الصخرة ليحلفوا عندها فحلفوا إلا واحدا، فدى يمينه بألف دينار، فما مرّ الحول على واحد منهم بل ماتوا كلهم. الخامسة عشرة: روى ابن جرير عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» [ (2) ] . قيل: فأين هم يا رسول الله؟ قال: «ببيت المقدس أو بأكناف بيت المقدس» . وروى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة» [ (3) ] . السادسة عشرة: روى أبو المعالي المشرف بن المرجّى المقدسي قال: «من حجّ وصلّى في مسجد المدينة، ومسجد الأقصى في عام واحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» . وإذا ثبت ذلك فقول النووي: «إنه لا أصل لذلك» فيه نظر. السابعة عشرة: ذكر الدارمي: «أنه لا يجوز الاجتهاد يمنة ولا يسرة بمحراب بيت المقدس» وألحقه بمسجد المدينة. الثامنة عشرة: نصّ الصيدلاني والماوردي والروياني والبغوي والبندنيجي- بفتح الموحّدة وسكون النون الأولى وكسر الثانية ثم تحتية والجيم- والجويني في مختصره والغزالي في الخلاصة والخراساني في كافيه على استحباب صلاة العيد في مسجد بيت المقدس وأن فعلها فيه أولى من المصلّى. التاسعة عشرة: قال ابن سراقة في كتاب الأعداد: «أكبر مساجد الإسلام واحد وهو

_ [ (1) ] أخرجه ابن الجوزي في العلل 1/ 393 والبغدادي في موضع أوهام الجمع والتفريق 1/ 50. [ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 125 ومسلم في كتاب الإمارة (170) وأخرجه أبو داود في كتاب الفتن باب (1) والترمذي (2192) وابن ماجة (6) وأحمد في المسند 9/ 181. [ (3) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 2545 وذكره ابن حجر في المطالب (4244) والمتقي الهندي في الكنز (35051) .

التنبيه الخامس عشر:

بيت المقدس» . وقيل: «ما تمّ فيه صفّ واحدّ قط لا في عيد ولا في جمعة ولا غير ذلك» . العشرون: يستحب لزائره زيارة الأماكن المشهورة بآثار الأنبياء لا سيما مواضع صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم. الحادية والعشرون: حشر الكعبة إلى بيت المقدس: روى الواسطي في فضائل بيت المقدس عن خالد بن معدان- بفتح الميم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تزفّ الكعبة إلى الصخرة زفّ العروس، فيتعلّق بها جميع من حجّ واعتمر، فإذا رأتها الصخرة قالت: مرحبا بالزائرة والمزور إليها» . وروى أيضا عن كعب قال: «لا تقوم الساعة حتى يزفّ البيت الحرام إلى بيت المقدس فيتغادان إلى الجنّة، فيها أهلها، والعرض والحساب ببيت المقدس» وروى ابن مردويه والأصفهاني في ترغيبه والديلمي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة زفّت الكعبة: البيت الحرام إلى قبري فتقول الكعبة: السلام عليك يا محمد، فأقول: عليك يا بيت الله، ما صنع بك أمتي بعدي؟ فتقول: يا محمد من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعا، ومن لم يأتني فأنت تكفيه وتكون له شفيعا» [ (1) ] . وروى الجندي عن الزّهري نحوه. التنبيه الخامس عشر: أنكر حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس تلك الليلة، واحتج بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه. قال البيهقي وابن كثير: والمثبت مقدم على النافي، يعني من أثبت الصلاة في بيت المقدس، وهم الجمهور من الصحابة معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول. والجواب عما استند إليه حذيفة رضي الله عنه منع التلازم في الصلاة إن كان أراد بقوله كتب عليكم الفرض، وإن أريد التشريع فيلتزمه، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس، فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شدّ الراحلة وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث. التنبيه السادس عشر: تظافرت الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم صلّى بالأنبياء قبل العروج وهو أحد الاحتمالين للقاضي، وقال الحافظ: «إنه الأظهر» ، والاحتمال الثاني «أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم بعد أن هبط من السماء أيضا فهبطوا. وصححه الحافظ ابن كثير، وقال صاحب السراج: «وما المانع من أنه صلّى الله عليه وسلم صلى بهم مرتين، فإن في بعض الأحاديث ذكر الصلاة بهم بعد ذكره المعراج» . التنبيه السابع عشر: قيل: كيف يصلي الأنبياء وهم أموات في الدار الآخرة وليست

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 137 وعزاه لابن مردويه والأصبهاني في الترغيب والديلمي.

التنبيه الثامن عشر:

دار عمل؟ وأجاب القاضي وتبعه السبكي بجوابين: الأول: إنا نقول: إنهم كالشهداء بل أفضل، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يحجّوا وأن يصلّوا كما ورد في الحديث الآخر، وأن يتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدّتها، وتعقبها الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل، وحاصله أن البرزخ ينسحب عليه حكم الدنيا في استكثارهم من الأعمال وزيادة الأجور. الثاني ولفظه للسبكي رحمه الله تعالى: «إنا نقول إن المنقطع في الآخرة إنما هو التكليف، وقد تحصل الأعمال من غير تكليف على سبيل التلذذ بها والخضوع لله تعالى. ولهذا ورد أنهم يسبّحون ويدعون ويقرأون القرآن وانظر إلى سجود النبي صلى الله عليه وسلم وقت الشفاعة، أليس ذلك عبادة وعملا؟ وعلى كلا الجوابين لا يمتنع حصول هذه الأعمال في مدة البرزخ» . وقد صح عن ثابت البناني التابعي أنه قال: «اللهم إن كنت أعطيت أحدا أن يصلي في قبره فأعطني ذلك» . فرؤي بعد موته يصلي في قبره، ويكفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لموسى قائما يصلي في قبره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء لم يقبضوا حتى خيّروا بين البقاء في الدنيا وبين الآخرة فاختاروا الآخرة. ولا شك أنهم لو بقوا في الدنيا لازدادوا من الأعمال الصالحة ثم انتقلوا إلى الجنة، فلو لم يعلموا أن انتقالهم إلى الله تعالى أفضل لما اختاروه، ولو كان انتقالهم من هذه الدار يفوت عليهم زيادة فيما يقرب إلى الله تعالى لما اختاروه. انتهى ولهذا مزيد بيان يأتي في باب حياته في قبره صلى الله عليه وسلم. التنبيه الثامن عشر: هذه الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الصواب أنّها الصلاة المعروفة لأن النص يحمل على حقيقتها الشرعية قبل اللغوية إلا إذا تعذّر حمله على الشرعية، ولم يتعذّر هنا فوجب حمله على الشرعية. وعلى هذا قال بعضهم: «كانت الصلاة التي صلاها العشاء» وقال بعضهم: «إنها الصبح» . قلت: وليسا بشيء سواء قلنا صلّى بهم قبل العروج أو بعده لأن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس مطلقا الظّهر بمكة باتفاق، ومن حمل الأولية على مكة فعليه الدليل، والذي يظهره والله تعالى أعلم أنها كانت من النّفل أو كانت من الصلاة المفروضة عليه قبل ليلة الإسراء، وفي فتاوى النووي ما يؤيد الثاني. التنبيه التاسع عشر: قال بعضهم: ورؤيته إياهم صلى الله عليه وسلم في السماء محمولة على رؤيته أرواحهم إلا عيسى، لما صحّ أنه رفع بجسده، وقد قيل في إدريس أيضا ذلك. وأما الذين صلّوا معه في بيت المقدس فيحتمل الأرواح خاصة، ويؤيده ما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عند الحاكم والبيهقي، «فلقي أرواح الأنبياء» ، وفيه دليل على تشكّل الأرواح

التنبيه العشرون:

بصور أجسادها في علم الله تعالى، ويحتمل الأرواح بالأجساد ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس رضي الله عنه عند البيهقي. وبعث الله له آدم فمن دونه من الأنبياء. وعند البزار والطبراني: «فنشر لي الأنبياء، من سمّى الله تعالى ومن لم يسمّ، فصلّيت بهم» . التنبيه العشرون: قول سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم: «وأعطاني ملكا عظيما» : قال ابن دحية: لا يعهد لإبراهيم ملك عرفي، فإما أن يراد بالملك الإضافة إليه نفسه وذلك لقهره لعظماء الملوك، وناهيك بالنمرود، وقد قهره الله تعالى لخليله وأعجزه عنه، وغاية الملك العظيم قهر الملك العظيم، فالقاهر أعظم من المقهور قطعا. ويحتمل أن يراد الإضافة إلى نبيّه وذريّته وذلك نحو ملك يوسف الصّدّيق صلى الله عليه وسلم وهلم جرّا كملك داود وسليمان والكل من ولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي التنزيل: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء: 54] والإشارة هنا إلى ذرّيته. وإما أن يراد ملك النفس في مظنّة الاضطراب مثل ملكه لنفسه. وقد سأله جبريل فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. التنبيه الحادي والعشرون: اختلف في تقديم الآنية هل هو قبل العروج أو بعده؟ واختلف في عددها فأكثر الروايات أنه كان قبله. روى أحمد والشيخان والنسائي والترمذي من حديث أنس عن مالك بن صعصعة رضي الله تعالى عنه: «ثم رفع إلى البيت المعمور» ، إلى أن قال: «ثم أتيت بإناءين: أحدهما خمر والآخر لبن» ، وعند البخاري في الأشربة من طريق شعبة عن قتادة عن أنس مرفوعا: «رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا فيها أربعة أنهار» قال: «وأتيت بثلاثة أقداح» [ (1) ] . لم يذكر شعبة في الإسناد مالك بن صعصعة. وعند ابن عائذ من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في حديث المعراج بعد ذكر رؤيته إبراهيم في السماء السابعة: «ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة آنية مغطّاة» . قال السهيلي وابن دحية وابن المنير وابن كثير والحافظ: «لعلّه قدّم مرّتين جمعا بين الروايات» . قال ابن كثير والحافظ: «وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر، ومجموعها أربعة آنية فيها تعرض الآنية مرّتين وأربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي تخرج من أصل سدرة المنتهى» . التنبيه الثاني والعشرون: إذا قلنا بعرض الآنية مرتين ففائدة عرض الخمر [مع] إعراضه عنها في المرة الأولى وتصويب جبريل له، تكثير التصويب والتحذير. وهل كانت

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 198 كتاب الأشربة (5610) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 81 وذكره المتقي الهندي في الكنز (31846) .

التنبيه الثالث والعشرون:

الخمر من خمر الجنّة أو من جنس خمر الدنيا؟ فإن كان الأول فسبب تجنّبها صورتها ومضاهاتها للخمر المحرّمة، ويكون ذلك أبلغ في الورع. وإن كان الثاني فاجتنابها واضح. وعلى التقدير الأول يستفاد منه فائدة: وهو أن من وضع من الماء ونحوه من الأشربة ما يضاهي الخمر في الصورة وهيّأه بالهيئة التي يتعاطاها [بها] أهل الشهوات من الاجتماعات والآلات فقد أتى منكرا وإن كان لا يحدّ. وذكر أصحابنا أن إدارة كأس الماء على شاربه تشبّها بشارب الخمر حرام، ويعزّر فاعله. التنبيه الثالث والعشرون: قال ابن دحية: اعلم أن التّخيير قد يكون بين واجبين كخصال الكفّارة وقد يكون بين مباحين، وأما التّخيير بين واجب وممنوع أو مباح وممنوع فمستحيل، فانظر في إحضار اللبن والخمر، هل أريد به الإباحة لهما والإذن فيهما؟ كما لو أحضرت طعامين لضيف وأبحتهما له، فما معنى إختياره لأحدهما؟ وما معنى قول جبريل: «اخترت الفطرة» أو «أصبت، أصاب الله بك» ؟ وإن كان المراد الإذن في أحدهما لا بعينه، بحيث يكون الآخر ممنوعا لزم التّحيير بين ممنوع ومباح، وذلك لا يتصوّر، والذي يرفع الإشكال إن شاء الله تعالى أن يكون المراد تفويض الأمر في تحريم ما يحرّم منها وتحليل ما يحلّ إلى اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وسداد نظره المعصوم. فلما نظر فيها أدّاه اجتهاده إلى تحريم الخمر وتحليل اللبن، فوافق الصواب في علم الله تعالى، فقال له جبريل: «أصبت» ، وعلى تقدير ألا تكون الخمر محرّمة لأنها إنما حرّمت بالمدينة فيكون توقّيها ورعا وتعريضا بأنها ستحرّم. التنبيه الرابع والعشرون: قال أبو الخطاب الكلبي: «الفطرة تطلق على الإسلام وتطلق على أصل الخلقة، فمن الأول قوله صلّى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة» [ (1) ] . ومن الثاني قوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: 30] ، وقال تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فاطر: 1] ، أي مبدئ خلقهما، وقول جبريل: «اخترت الفطرة» أي اخترت اللبن الذي عليه بنيت الخلقة وبه ينبت اللحم، أو اخترته لأنه الحلال الدائم في دين الإسلام، وأما الخمر فحرام فيما يستقر عليه الأمر، وقد تكون الإشارة بتقديم اللبن إلى أن شعار العلم في التعبير، كما ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال: «رأيت كأني أتيت بقدح من لبن فشربت حتى أرى الرّيّ يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر بن الخطاب» ، قالوا: يا رسول الله ما أوّلته؟ قال: «العلم» [ (1) ] . والإسراء وإن كان يقظة إلا ربما وقعت في اليقظة إشارة إلى حكم الفأل يعبّر كما يعبر في المنام. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، فكأنه لما ملئ قلبه إيمانا وحكمة أردف

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 12/ 410 (7006) .

التنبيه الخامس والعشرون:

ذلك بالعلم مطلقا، ويجعل الله تعالى ذلك اللبن سببا في ترادف العلم وأشجان القلب النبوي بأنوارها. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون تسمية اللبن فطرة لكونه أوّل شيء يدخل بطن المولود ويشقّ أمعاءه، والسّرّ في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون غيره لكونه مألوفا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة، وافهم قول جبريل «أصبت» ، فإن اختيار الخمر خطأ عصم منه النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت المسألة حينئذ اجتهادية لأن الخمر لم تكن حرّمت بعد، فقد وقع تخييره في ملك الله الأعظم. التنبيه الخامس والعشرون: ظاهر قوله: «ثم أتي بالمعراج» أن العروج كان لا على البراق وفي ذلك خلاف، فظاهر حديث مالك بن صعصعة أنه استمر على البراق حتى عرج به إلى السماء، وهو مقتضى كلام ابن أبي جمرة وابن دحية. قال الحافظ: «لكن في غير هذه الرواية من الأخبار أن العروج لم يكن على البراق بل رقي في المعراج وهو السّلّم، ويؤيده قوله في حديث ثابت عن أنس كما في صحيح مسلم: «ثم أتيت بالمعراج» . وقال الحافظ ابن كثير: «إنه لمّا فرغ صلى الله عليه وسلم من أمر بيت المقدس نصب له المعراج وهو السّلّم، فصعد فيه إلى السماء، ولم يكن الصعود على البراق كما قد توهّمه بعض الناس، بل كان البراق مربوطا على باب مسجد بيت المقدس ليرجع عليه إلى مكة» . وقال الشيخ رحمه الله تعالى: «إنه الصحيح الذي تقرّر من الأحاديث الصحيحة» . التنبيه السادس والعشرون: نوّع ابن دحية المعراج إلى عشرة أنواع على عدد سني الهجرة، منها سبعة معاريج إلى السموات السبع، والمعراج الثامن إلى سدرة المنتهى والمعراج التاسع الذي سمع فيه صريف الأقلام في تصريف الأقدار، والمعراج العاشر إلى العرش والرّفرف والرؤية وسيأتي ما أبداه من الحكم في ذلك. التنبيه السابع والعشرون: ورد أن بين الدرجة والدرجة في الجنّة خمسمائة عام وأن الدرجة تهبط كالإبل ليصعد عليها ولي الله تعالى ثم ترفع به إلى مكانها والظاهر أن درج المعراج كذلك. التنبيه الثامن والعشرون: لا يتوهّم بما تسمعه في قصة المعراج من الصعود والهبوط أن بين العبد وربّه مسافة، فإن ذلك كفر، نعوذ بالله من ذلك، وإنما هذا الصعود والهبوط بالنسبة إلى العبد لا إلى الرّبّ، والنبي صلى الله عليه وسلم مع انتهائه ليلتئذ إلى أن كان قاب قوسين أو أدنى، لم يجاوز مقام العبودية، وكان هو ونبيّ الله يونس بن متّى صلى الله عليه وسلم إذا التقمه الحوت وذهب به إلى البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر، في مباينة الله تعالى خلقه وعدم الجهة والتحيز والحدّ والإحاطة سواء. وقد ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة ذكره الإمام البغوي وغيره. وإذا علمت ذلك فالمارد بترقّيه صلى الله عليه وسلم وقطع هذه المسافات إظهار مكانته عند أهل

التنبيه التاسع والعشرون:

السموات وأنه أفضل المخلوقات. ويقوّي هذا المراد بكونه أركبه البراق ونصب له المعراج وجعله إماما للنبيين والملائكة، مع أنه تعالى قادر على أن يرفعه بدون البراق والمعراج. ويقال لأصحاب الجهة: إنما منعكم من اعتقاد الحق استبعادكم موجودا إلا في جهة، فأحلتم ذلك. فأخبرونا عن العرش والفوق هل ذلك قديم؟ أو محدث؟ فإن قالوا قديما جاهروا بقدم العالم وأدّى ذلك إلى محالين: أحدهما أن يكون مع الباري تعالى في الأزل غيره، والقديمان ليس أحدهما بأن يكون مكانا للثاني بأولى من الآخر. ثانيهما أن الجهة والمكان إما أن يكونا جسمين، وهذا يؤدّي إلى جواز وجود الأجساد كلها، وهو قول من قال بقدم العالم، نعوذ بالله من ذلك. وإن قالوا: محدث، قل فقد صدقتم بأن الرّبّ تعالى كان موجودا أولا ولا جهة، والمستحيل [لا] ينقلب جائزا أو واجبا لأن الحادث لا يحتاج إليه القديم، فإنه قبل كونه كان مستغنيا عنه، وهو على استغنائه عنه لم يزل وكذلك لا يزال، ومحال أن يكون خالق الكل مفتقرا إلى بعض مخلوقاته. وما ورد من الاستواء والنزول وغير ذلك من الصفات التي يشكل إجراؤها على ظاهرها، نؤمن به ونكل علم معناه إلى الله تعالى، ولا نشبهه تعالى بخلقه ولا ننفي الصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . التنبيه التاسع والعشرون: نقل ابن دحية عن ابن حبيب، والحافظ عن ابن المنير عن ابن حبيب وأقرّه: أن بين السماء والأرض بحرا يسمى المكفوف تكون بحار الدنيا بالنسبة إليه كالقطرة من المحيط، فعلى هذا يكون ذلك البحر انفلق لنبينا صلّى الله عليه وسلم فهو أعظم من انفلاق البحر لموسى عليه الصلاة والسلام. التنبيه الثلاثون: في قدر ما بين السماء والأرض: روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتدرون كم بين السماء والأرض» ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «بينهما مسيرة خمسمائة سنة، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر من أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أو عال [ (2) ] بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش وبين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض ثم الله تعالى فوق ذلك. وروى إسحق بن راهويه والبزار بسند صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين السماء والأرض خمسمائة عام وغلظ كل سماء خمسمائة عام

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] ثمانية أو عال: أي ملائكة على صورة الأوعال. انظر النّهاية لابن الأثير 5/ 207.

شرح الغريب

كذلك إلى السماء السابعة، والأرضون مثل ذلك. وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك» [ (1) ] . وروى ابن جرير وابن المنير عن ابن مسعود وناس من الصحابة رضي الله عنهم قالوا: إن الله عز وجل كان عرشه على الماء لم يخلق شيئا غير ما خلق، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسمّاه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين: الأحد والاثنين، فخلق الأرض على الحوت، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ، والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة على الريح، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض، فتحرّك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرّت وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين: الثلاثاء والأربعاء، ثم استوى إلى السماء وهي دخان، والدّخان من تنفّس الماء حين تنفّس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين: الخميس والجمعة وإنما سمّي الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها أي خلق خلقها من الملائكة والخلق الذي فيهما من البحار والجبال والبرد وما لا يعلم، ثم زيّن السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظا من الشياطين. وروى ابن أبي حاتم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: «إن الله تعالى علي عرشه وعرشه على سمواته، وسمواته على أرضه هكذا» ، وقال بإصبعه: «مثل القبّة» وروى ابن حاتم عن القاسم بن أبي بزّة- بالزاي المعجمة- قال: «ليس السماء مربّعة ولكنها مقبوّة يراها الناس خضراء» وروى ابن راهويه والطبراني في الأوسط، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: «السماء الدنيا موج مكفوف والسماء الثانية زمرّدة بيضاء والثالثة حديد والرابعة نحاس والخامسة فضّة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء» ، زاد ابن أبي حاتم: «وما فوق ذلك صحاري من نور، ولا يعلم ما فوق ذلك إلا الله تعالى وملك هو موكّل بالحجب يقال له ميطاطروس» . وروى أبو الشيخ وابن أبي حاتم عن كعب قال: «السماء أشدّ بياضا من اللبن واخضرّت من خضرة جبل قاف» . شرح الغريب «الموج» - بميم فواو فجيم- ما ارتفع من فوران الماء. «المكفوف» - بميم

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 43 وعزاه لإسحاق بن راهويه في مسنده والبزار وأبي الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي.

التنبيه الحادي والثلاثون:

فكاف بفاءين بينهما واو- المحبوس. التنبيه الحادي والثلاثون: استفتاح جبريل باب السماء يحتمل أن يكون بقرع أو صوت. قال الحافظ: «والأشبه الأول لأنه صوت معروف» . قلت: في حديث ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه: «فقرع الباب» . قال ابن دحية: وفي استفتاح جبريل لأبواب السماء دليل على أنه صادف أبوابها مغلقة، وإنما لم تهيّأ للنبي صلى الله عليه وسلم بالفتح قبل مجيئه، وإن كان أبلغ في الإكرام، لأنه لو رآها مفتّحة لظنّ أنها لا تزال كذلك، ففعل ذلك ليعلم أن ذلك فعل من أجله، وأن الله تعالى أراد أن يطلعه على كونه معروفا عند أهل السموات، وقول أمين الوحي لما قبل له: من هذا؟ «جبريل» : سمّى نفسه لئلا يلتبس بغيره ولا يحتاج إلى موقف للمراجعة في المرّة، فإنه معهود عندهم نزوله وصعوده ولذلك قدّم اسمه لأنه الرسول بإحضار النبي صلى الله عليه وسلم. واستنبط ابن دحية وتبعه ابن المنير من قول الملك: «مرحبا» إلى آخره، جواز ردّ السلام بغير لفظه. وتعقّبا بأن قول الملك: مرحبا، ليس ردّ السلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب، والسياق يرشد إليه. وقد نبه على ذلك ابن أبي جمرة. ووقع في رواية إن جبريل قال له عند كل نبيّ: «سلّم عليه» ، فردّ عليه السلام. التنبيه الثاني والثلاثون: ينبغي للمستأذن إذا قيل له هذا أن يسمّي نفسه فيقول: محمد الشامي مثلا، ولا يقتصر على قوله: محمد، مثلا، لأن المسمّى بمحمد كثير، فيشتبه عليه، ولا يقول: «أنا» فإن جبريل ههنا لم يقل: «أنا» ، بل سمّى نفسه، ولم يرد أن أحدا من الملائكة سمّى جبريل غير أمين الله تعالى على وحيه. وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الذي استأذن عليه فقال: «من هذا؟» فجعل يقول: «أنا» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أنا إنكارا لذلك [ (1) ] . وكرهت هذه اللفظة لوجهين: أحدهما أن فيها إشعارا بالعظمة. وفي الكلام السائر أول من قال: أنا إبليس فشقي حيث قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، [الأعراف: 12] ، وتعس فرعون حيث قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النزعات: 24] والثاني أنها مبهمة لافتقار الضمير إلى العود، فهي غير كافية في البيان، والضمير إذا عاد وتعيّن مضمرة كان أعرف المعارف، والمستأذن محجوب عن المستأذن عليه غير متعيّن عنده فكأنه أحاله على جهالة. التنبيه الثالث والثلاثون: قول الخازن: «وقد بعث إليه؟» أراد الاستفهام فحذف الهمزة للعلم بها أي: «أو قد بعث إليه؟» قال العلماء: ليس هذا الاستفهام عن البعث الذي هو الرسالة لأنه كان مشهورا في الملكوت الأعلى، بل البعث للمعراج، وقيل: بل سألوا تعجبا من

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 37 (6250) .

التنبيه الرابع والثلاثون:

نعمة الله تعالى بذلك أو استبشارا به، وقد علموا أن بشرا لا يترقّى هذا الترقي إلا بإذن الله تعالى وأن جبريل لا يصعد بمن لا يرسل إليه. وقول الخازن: «من معك؟» يشعر أنّهم أحسّوا معه برفيق وإلا لكان السؤال: «أمعك أحد؟» وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفّافة، وإما لأمر معنوي بزيادة أنوار، ولزم من البعث إليه صلى الله عليه وسلم الإذن في إزالة الموانع وفتح أبواب السماء. ولم يتوقّف الخازن على أن يوحى إليه بالفتح، لأنه لزم عنده من البعث الإذن، وفي قول الخازن: «مرحبا به» إلى آخره ما يدل على أن الحاشية إذا فهموا من سيدهم عزما لإكرام وافد أن يبشّروه بذلك وإن لم يأذن لهم فيه، ولا يكون في ذلك إفشاء للّسّر، لأن الخازن أعلم النبي صلى الله عليه وسلم حال استدعائه أنه استدعاء إكرام وإعظام، فعجّل بالبشرى والفراسة الصادقة عند أهلها وفي محلها يحصل [بها] العلم كما يحصله الوحي، ولم يخاطبه الخازن بصيغة الخطاب فيقول: «مرحبا بك» وإنما أراد التحية بصيغة الغيبة، والسر في ذلك أنه حيّاه قبل أن يفتح الباب وقبل أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم خطاب، ولهذا قال الملك لجبريل: «ومن معك؟» فخاطبه بصيغة الخطاب، لأن جبريل خاطب الملك، فارتفع حكم الغيبة بالتخاطب من الجانبين، ويجوز أن يكون حيّاه بغير صيغة الخطاب تعظيما له لأن هاء الغيبة ربما كانت أفخم من كاف الخطاب. التنبيه الرابع والثلاثون: قول جبريل حين سئل: «من معه» فقال: «محمد» ، دليل على أن الاسم أرفع من الكنية لأنه أخبر باسمه ولم يخبر بكنيته، وهو عليه الصلاة والسلام مشهور في العالمين العلوي والسفلي، فلو كانت الكنية أشرف من الاسم لأخبر بها. التنبيه الخامس والثلاثون: قال ابن أبي جمرة: «استفهام الملائكة» : «وقد أرسل إليه؟» دليل على أن أهل العالم العلوي يعرفون رسالته ومكانته لأنهم سألوا عن وقتها: هل جاء؟ لا عنها، ولذلك أجابوا بقولهم: «مرحبا ونعم المجيء جاء» وكلامهم بهذه الصيغة أدلّ دليل على ما ذكرناه من معرفتهم بجلالة مكانته وتحقيق رسالته لأن هذا أجلّ ما يكون من حسن الخطاب، والترفيع على المعروف من عادة العرب. وقد قال العلماء في معنى قوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: 18] إنه رأى صورة ذاته المباركة في الملكوت فإذا هو عروس المملكة» . التنبيه السادس والثلاثون: وقع في رواية أنس ومن رواية أبي ذر رضي الله عنهما: «قلت لجبريل: من هذا؟ قال: أبوك آدم» . وظاهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم: «مرحبا» . ورواية مالك بن صعصعة بعكس ذلك، وهي المعتمدة، فتحمل هذه عليها، وليس في رواية أبي ذرّ ترتيب. وفي قول آدم: «مرحبا بالابن الصالح» ، إشارة إلى افتخاره بأبوّته للنبي صلى الله عليه وسلم.

وظاهر قوله في رواية آدم: «تعرض عليه أرواح ذرّيته» إلى آخره أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء. قال القاضي: «وهو مشكل، فقد جاء أن أرواح المؤمنين منعّمة في الجنة وأن أرواح الكفّار في سجّين، فكيف تكون مجتمعة في السماء؟ وأجاب بأنه يحتمل أنها تعرض أوقاتا فصادف وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن كونهم في النار في أوقات دون أوقات قوله تعالى: النَّارُ، يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا، [غافر: 46] واعترض بأن أرواح الكفار لا تفتح لهم أبواب السماء كما هو نص القرآن» ، والجواب ما أبداه القاضي احتمالا أن الجنة كانت في جهة يمين آدم والنار كانت في جهة شماله وكان يكشف له عنهما. وقال الحافظ: «ويحتمل أن النّسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد وهي مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عن يمين آدم وشماله، وقد أعلم بما سيصيرون إليه فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من على يمينه ويحزن إذا نظر إلى من على يساره، بخلاف التي في الأجساد فليست مرادة قطعا وبخلاف التي نقلت من الأجساد إلى مستقرها من الجنة أو النار فليست مرادة أيضا فيما يظهر، وبهذا يندفع الإيراد، ويعرف أن قوله: «نسم بنيه» عام مخصوص أو أريد به الخصوص» . انتهى. وقال في الفتح في باب المعراج: «وظهر لي الآن احتمال آخر وهو أن يكون المراد من «خرجت من الأجساد لا أنها مستقرة ولا يلزم من رؤية آدم لها وهو في السماء الدنيا أن تفتح لها أبواب السماء ولا أن تلجها، ويؤيد هذا ما رواه ابن إسحاق: فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيّبة ونفس طيّبة اجعلوها في عليّين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجّار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجّين. وفي حديث أبي هريرة: فإذا عن يمينه باب بخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، فهذا لو صحّ لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم ولكن سنده ضعيف وظاهرها عدم اللزوم المتقدم» انتهى. وقال السهيلي: «فإن قيل كيف رأى عن يمينه أصحاب اليمين؟ ولم يكن إذا ذاك منهم إلا نفر قليل، ولعله لم يكن مات تلك الليلة منهم أحد، وظاهر الحديث يقتضي أنهم كانوا جماعة، والجواب أن يقال: إن كان الإسراء رؤيا بقلبه فتأويلها أن ذلك سيكون وإن كانت رؤيا عين فمعناها أن أرواح المؤمنين رآها هنالك لأن الله يتوفّى الخلق في منامهم كما قال في التنزيل اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر: 42] «فصعد بالأرواح إلى هنالك ثم أعيدت إلى أجسادها» . وقال ابن دحية: «فإن قيل: كيف تكون نسم السّعداء كلهم في السماء، وقد كان حين الإسراء جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في الأرض وهم من السعداء؟ فالجواب: أن آدم

التنبيه السابع والثلاثون:

إنما رآهم في مواضعهم ومقارّهم في الأرض، ولكنه يراهم من الجانب الأيمن فالتقييد للنظر لا للمنظور» . وفي قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك آدم فسلّم عليه» ما يقتضي أن القادم يبدأ بالسلام على المقيم. التنبيه السابع والثلاثون: وقع في رواية شريك: «فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطّردان- أي يجريان- النيل والفرات، ويجمع منصرفهما» - أي أصلهما. وظاهر هذا يخالف حديث مالك بن صعصعة فإن فيه بعد ذكر سدرة المنتهى: «فإذا أصلها أربعة» ، فذكر منها النيل والفرات، ويجمع بينهما بأن أصل منبعهما من تحت سدرة المنتهى ومقرهما في السماء الدنيا ومنها ينزلان إلى الأرض. التنبيه الثامن والثلاثون: وقع في رواية شريك أيضا: «ثم مضى النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الدنيا فإذا هو بنهر آخر عليه قصور من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فيه فإذا طينه مسك أذفر فقال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي خبّأ لك ربّك، وهذا مما استشكل في رواية شريك، فإن الكوثر في الجنة وإن الجنة في السماء السابعة. وقد روى الإمام أحمد عن طريق حميد الطويل عن أنس، رفعه: «دخلت الجنة فإذا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي في مجرى مائه فإذا هو مشك أذفر» . فقال جبريل: «هذا الكوثر الذي أعطاك الله تعالى» . وأصل هذا الحديث عند البخاري بنحوه، وأخرجه في التفسير عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، ولكن ليس فيه ذكر الجنة. ورواه أبو داود من طريق سليمان التيمي عن قتادة ولفظه: «لما عرج بنبي صلى الله عليه وسلم عرض له في الجنة نهر» ، قال الحافظ: ويمكن أن يكون في هذا الموضوع شيء تقديره: ثم مضى به في السماء الدنيا إلى السماء [السابعة] فإذا هو بنهر، قال تلميذه الحافظ قطب الدين الخيضري في الخصائص: «وهذا بعيد إذ بينه وبين السماء السابعة خمس سماوات أخرى وكل منها له صفة خلاف صفة الأخرى ولها أبواب وخدّام غير الأخرى، فإطلاق المسير إليها وذكرها بعد السادسة مما يبعده أيضا، ولكن يقال من غير استبعاد: إن أصل النهر- الذي هو الكوثر- في الجنة، وجعل الله تعالى منه فرعا في السماء الدنيا عجّل لنبيه صلى الله عليه وسلم رؤيته استبشارا لأنها أول المراتب العلوية، ويؤيد هذا قول جبريل: «خبّأ لك ربّك» . انتهى. التنبيه التاسع والثلاثون: في قول آدم: «مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح» ، ثناء جميل جليل للنبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالصلاح مكررا مع النبوة، أي صالح مع النبيين جميعا، وفيه تنويه بفضيلة الصلاح وعلو درجته، ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم. قال بعضهم: وصلاح الأنبياء صلاح خاصّ لا يتناول عموم الصالحين. واحتج على ذلك بأنه قد تمنّى كثير من الأنبياء أن يلحق بالصالحين، ولا يتمنّى الأعلى أن يلحق بالأدنى، ولا خلاف في أن النبوة أعلى من

التنبيه الأربعون:

صلاح الصالحين من الأمم. وبهذا تحقق أن الصلاح المضاف إلى الأنبياء غير الصلاح المضاف إلى الأمم، فصلاح الأنبياء صلاح كامل لأنه يزول بهم كل فساد، فلهم كل صلاح ومن دونهم الأمثل فالأمثل، فكل واحد يستحق اسم الصلاح على قدر ما زال به أو منه من الفساد، واقتصر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم على وصفه صلى الله عليه وسلم بالصلاح وتواردوا على ذلك لأن الصلاح يشمل خصال الخير، ولذلك كررها كل منهم عند وصفه. والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، فمن ثمّ كانت كلمة جامعة مانعة شاملة لسائر الخصال المحمودة، ولم يقل له أحد: مرحبا بالنبي الصادق ولا بالنبي الأمين لما ذكرنا من أن الصلاح شامل لسائر أنواع الخير. التنبيه الأربعون: إنما رأى أكلة الربا منتفخة بطونهم لأن العقوبة مشاكلة للذنب، فآكل الربا يربو بطنه كما أراد أن يربو ماله بأكل ما حرّم عليه فمحقت البركة من ماله وجعلت نفخا في بطنه حتى يقوم كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. وإنما جعلوا بطريق آل فرعون يمرّون عليهم غدوّا وعشيّا، لأن آل فرعون هم أشدّ الناس عذابا فضلا عن غيرهم من الكفّار، وهم لا يستطيعون القيام. ومعنى كونهم في طريق جهنّم بحيث يمرّ بالكفار عليهم أن الله سبحانه وتعالى قد أوقف أمرهم بين أن ينتهوا فيكون خيرا لهم وبين أن يعودوا ويصرّوا فيدخلهم النار، وهذه صفة من هو في طريق النار، قال الله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة: 275] وفي بعض الأحاديث أنه رأى بطونهم كالبيوت يعني أكلة الربا، وفيها حيّات ترى من خارج البطون. التنبيه الحادي والأربعون: فإن قيل: هذه الأحوال التي ذكرها عن أكلة الربا، إن كانت عبارة عن حالهم في الآخرة، فآل فرعون قد أدخلوا أشدّ العذاب وإنما يعرضون على النار غدوّا وعشيّا في البرزخ، وإن كانت الحال التي رآهم عليها فأيّ بطون لهم وقد صاروا عظاما ورفاتا ومزّقوا كل ممزّق؟ فالجواب أنه إنما رآهم في البرزخ، وهذه الحال هي حال أرواحهم بعد الموت. وفيها تصحيح لمن قال: الأرواح أجساد لطيفة قابلة للنعيم والعذاب، فخلق الله تعالى في تلك الأرواح من الآلام ما يجده من انتفخ بطنه حتى وطئ بالأقدام ولا يستطيع معه قياما. وليس في هذا دليل على أنهم أشدّ عذاباً من آل فرعون، ولكن فيه دليل على أنه يطؤهم ال فرعون وغيرهم من الكفار الذين لم يأكلوا الربا، ما داموا في البرزخ إلى أن يقوموا يوم القيامة كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ، ثم ينادي منادي الله تعالى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر: 46] . وكذلك ما رأى من النساء المعلّقات

التنبيه الثاني والأربعون:

بثديّهن يجوز أن يكون رأى أرواحهنّ وقد خلق من الآلام ما يجده من هذه حاله، ويحتمل أيضا أن يكون مثلت له حالهنّ في الآخرة. التنبيه الثاني والأربعون: ذكره لإدريس في السماء الرابعة مع قوله تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [مريم: 57] ، مع أنه قد رأى موسى وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهما في مكان أعلى من مكان إدريس، فذلك- والله تعالى أعلم- لما ذكر عن كعب الأحبار أن إدريس خصّ من بين جميع الأنبياء بأنه رفع قبل وفاته إلى السماء الرابعة، رفعه ملك كان صديقا له وهو الملك الموكّل بالشمس. وكان إدريس سأله أن يريه الجنة فأذن له الله في ذلك، فلما كان في السماء الرابعة رآه هنالك ملك الموت فعجب وقال: أمرت أن أقبض روح إدريس الساعة في السماء الرابعة فقبضه هنالك، فرفعه حيّا إلى ذلك المكان العليّ الذي خص به دون سائر الأنبياء، قاله السهيلي. وتقدم الكلام في النسب النبوي على قوله: «مرحبا بالأخ الصالح» . التنبيه الثالث والأربعون: قال العلماء: «لم يكن بكاء موسى حسدا، معاذ الله، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين، فكيف بمن اصطفاهم الله تعالى، بل كان أسفا على ما فاته من الأجر الذي يترتّب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم والمستلزمة لتنقيص أجره، لأن لكل نبيّ أجر من تبعه، ولهذا كان من اتّبعه في العدد دون من اتّبع نبيا صلى الله عليه وسلم مع طول مدتهم بالنسبة لمدة هذه الأمة. وقال ابن أبي جمرة: «قد جعل الله تعالى في قلوب أنبيائه عليهم الصلاة والسلام الرحمة والرأفة لأمتهم، وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم، فسئل عن بكائه فقال: «هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» [ (1) ] . والأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أخذوا من رحمة الله تعالى أوفر نصيب، فكانت الرحمة في قلوبهم لعباد الله أكثر من غيرهم. فلأجل ما كان لموسى عليه الصلاة والسلام من الرحمة واللطف بكى إذ ذاك رحمة منه لأمته لأن هذا وقت إفضال وجود وكرم. فرجا لعله يكون وقت القبول والإفضال فيرحم الله تعالى أمته ببركة هذه الساعة. فإن قيل: كيف يكون هذا وأمته لا تخلو من قسمين: قسم مات على الإيمان، وقسم مات على الكفر فالذي مات على الإيمان لا بد له من دخول الجنة والذي مات على الكفر لا يدخل الجنة أبدا، فبكاؤه لأجل ما ذكرتم لا يسوغ إذ أن الحكم فيه قد مرّ ونفذ. قيل في الجواب: وكذلك قدّر الله عز وجل قدره على قسمين، كما شاءت حكمته، فقدّر قدرا وقدّر أن ينفذ على كل الأحوال وقدّر قدرا وقدّر ألا ينفذ، ويكون وقوعه بسب دعاء أو صدقة أو غير ذلك» .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 100 ومسلم في كتاب الجنائز (11) .

التنبيه الرابع والأربعون:

ومثاله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوات الثلاث لأمته وهي: ألّا يظهر عليهم عدوّ من غيرهم، وألّا يهلكهم بالسنين، فأعطيهما ودعا بألّا يجعل بأسهم بينهم، فاستجيب في الاثنتين ولم يستجب له في الثالثة، وقيل له: هذا أمر قدّرته أي أنفذته [ (1) ] ، فكانت الاثنتان من القدر الذي قدرّه الله تعالى وقدّر ألا ينفذه بسبب الدعاء وكانت دعوته الثالثة من القدر الذي قدرّه الله تعالى وقدرّ إنفاذه على كل الأحوال لا يردّه رادّ. وسيأتي لهذا مزيد إيضاح. فلأجل ما ركّب في موسى عليه الصلاة والسلام من اللطف والرحمة بالأمة طمع لعل أن يكون ما اتفق لأمته من القدر الذي قدّره الله تعالى وقدّر ارتفاعه بسبب الدعاء والتّضرّع. وهذا وقت يرجى فيه التعطف والإحسان من الله تعالى لأنه وقت أسري فيه بالحبيب ليخلع عليه خلع القرب والفضل العميم، فطمع الكليم لعل أن يلحق لأمته نصيبا» . وبوجه آخر وهو البشارة للنبي صلى الله عليه وسلم وإدخال السرور عليه يشهد لذلك بكاؤه حين ولّى النبي صلى الله عليه وسلّم وقبل أن يبعد عنه لكي يسمعه، لأنه لو كان البكاء خاصا بموسى لم يكن ليبكي حتى يبعد عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمعه لأن البكاء والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع، فيه شيء من التهوين عليه. فلما إن كان المراد بذلك ما يصدر عن البشارة له صلى الله عليه وسلم بسبب البكاء بكى والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه، والبشارة التي يتضمّنها البكاء هي قول موسى عليه الصلاة والسلام للّذي هو أكثر الأنبياء اتباعا: «إن الذي يدخل الجنة من أمة محمد أكثر ممن يدخلها من أمّتي» . «وقد وقع من موسى عليه السلام من العناية بهذه الأمة في أمر الصلاة ما لم يقع لغيره ووقعت الإشارة لذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعا: «كان موسى أشدّهم عليّ حين مررت به وخيرهم حين رجعت إليه» . وفي حديث أبي سعيد: فأقبلت راجعا فمررت بموسى ونعم الصاحب كان لكم» . التنبيه الرابع والأربعون: قول موسى عليه الصلاة والسلام: «لأن غلاما..» ليس على سبيل النّقص بل على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه، إذ أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك السّنّ ما لم يعطه أحدا قبله ممّن هو أسنّ منه. وقال الخطّابي: العرب تسمي الرجل المستجمع السّنّ: غلاما ما دامت فيه بقيّة من القوة [في الكهولة] وقال ابن أبي جمرة: العرب إنما يطلقون على المرء غلاما إذا كان سيّدا فيهم. فلأجل ما في هذا اللفظ من الاختصاص على غيره من ألفاظ الأفضلية ذكره موسى دون غيره تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: ويظهر أن موسى عليه السلام أشار إلى ما أنعم الله

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2216 (20- 2890) .

التنبيه الخامس والأربعون:

به على نبينا عليه السلام من استمرار القوة في الكهولة إلى أن دخل في سنّ الشيخوخة ولم يدخل على بدنه هرم ولا عرا قوّته نقص، حتى أن الناس لما رأوه مردفا أبا بكر عند قدومه المدينة أطلقوا عليه اسم الشاب وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه عليه السلام في العمر أسن من أبي بكر. التنبيه الخامس والأربعون: قول موسى: «رب لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدا- بفتح المثناة الفوقية و «أحدا» بالنّصب، ورواته في الصحيح بضم المثناة التحتية و «أحد» بالرفع. قال ابن بطال: «فهم موسى عليه الصلاة والسلام من اختصاصه بكلام الله تعالى في الدنيا دون غيره من البشر لقوله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف: 144] أن المراد بالناس هنا البشر كلهم، وأنه استحق بذلك ألا يرفع عليه أحد، فلما فضل الله تعالى محمدا عليه الصلاة والسلام من المقام المحمود وغيره ارتفع على موسى وغيره بذلك. التنبيه السادس والأربعون: قال ابن أبي جمرة: الظاهر أن القائل لموسى: «ما أبكاك» ؟ هو الباري تبارك وتعالى، يدل على ذلك قوله في الجواب: «ربّ [هذا غلام بعثته من بعدي، يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي» ] . التنبيه السابع والأربعون: أكثر الروايات على أن موسى عليه الصلاة والسلام في السماء السابعة بتفضيل الله تعالى، وهذا مطابق لقوله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي وهذا يدل على أن شريكا ضبط كون موسى في السابعة، وحديث أبي ذر يوافقه فإن فيه [فيما رواه ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك قال: «فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم] ولم يثبت منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة» . فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال ومع عدمه فقد يجمع بأن موسى كان حالة العروج في السماء السادسة وإبراهيم في السماء السابعة على ظاهر حديث مالك بن صعصعة وعند الهبوط كان موسى في السابعة، لأنه لم يذكر في القصة أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كلّمه في شيء مما يتعلّق بما فرض على أمته من الصلاة كما كلّمه موسى عليه السلام والسماء السابعة هي أول شيء انتهى إليه حالة الهبوط، فناسب أن يكون موسى بها لأنه هو الذي خاطبه في ذلك كما ثبت في جميع الروايات ويحتمل أن يكون لقي موسى في السادسة فأصعد معه إلى السماء السابعة تفضيلا له على غيره من أجل كلام الله تعالى وظهرت فائدة ذلك في كلامه مع نبينا فيما يتعلق بأمر أمته في الصلاة. التنبيه الثامن والأربعون: وقع في رواية شريك عن أنس رضي الله عنه أن كل سماء فيها أنبياء قد سمّاهم «فوعيت منهم إدريس في السماء الثانية وهارون في السماء الرابعة وآخر

التنبيه التاسع والأربعون:

في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة» . وفي رواية أنس عن أبي ذر رضي الله عنهما قال: «فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وابراهيم» ، ولم يثبت منازلهم، غير أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة» . انتهى. وهذا موافق لرواية شريك في إبراهيم، وهما مخالفان لرواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة، والأكثر وافقوه، وسياقه يدلّ على رجحان روايته، فإنه ضبط اسم كل نبي والسماء التي هو فيها، ووافقه ثابت البناني عن أنس، كما هو عند مسلم فقال في روايته: «ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية وفيها فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة» ، وذكر في الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم، وفي سياق الزّهري في روايته ن أنس عن أبي ذر أنه لم يثبت أسماءهم، وسياق شريك فيه أنه لم يضبط منازلهم. ولا شك أن رواية من ضبط أولى، ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت وقد وافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس إلا أنه خالف في إدريس وهارون، فقال: هارون في الرابعة وإدريس في الخامسة، ووافقهم أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، في رواية إلا أنه قال: «رأى يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة» . قلت: والأول أثبت، وأما إبراهيم فالأرجح من الروايات أنه في السماء السابعة لقوله فيها: إنه رآه مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وهو في السابعة بلا خلاف. وأما «ما جاء عن علي رضي الله عنه أن البيت المعمور في السماء السادسة عند شجرة طوبى فإن ثبت حمل على البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبى لأنه جاء عنه إن في كل سماء بيتا يحاذي الكعبة وكل منها معمور بالملائكة، وكذا القول فيما جاء عن الربيع بن أنس وغيره أن البيت المعمور في السماء. التنبيه التاسع والأربعون: اختلفت طرق المتكلمين على حديث الإسراء في ذكر من ذكر من الأنبياء وترتيبهم في السموات، فمن العلماء من لم ير الكلام على سرّ ذلك أصلا، ومنهم من تكلم فيه، ثم اختلف هؤلاء، فمنهم من قال: اختص من ذكر من الأنبياء بلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرف الناس إذا تلقّوا الغائب مبتدرين للقائه، فلا بدّ غالبا أن يسبق بعضهم بعضا، ويصادف بعضهم اللقاء ولا يصادفه بعضهم وإلى هذا جنح ابن بطّال وهذا زيّفه السهيلي فأصاب. وذهب غير ابن بطّال إلى أن ذلك تنبيه على الحالات الخاصة بهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وتمثيل لما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم مما اتفق لهم مما قصّه الله تعالى عنهم في كتابه. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن ويستدل على حسن

العاقبة وبالضدّ من ذلك. والفأل في اليقظة نظير الرؤيا في المنام. وأهل التعبير يقولون من رأى نبيا من الأنبياء بعينه في المنام فإن رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبي من شدّة أو رخاء أو غير ذلك من الأمور التي أخبر بها عن الأنبياء في القرآن والحديث. قال ابن أبي جمرة: «الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا لأنه أول الأنبياء وأول الآباء فهو أصل فكان الأوّل في الأولى، ولأجل تأنيس النبوّة بالأبوة» وقال السهيلي رحمه الله: «فآدم وقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقّة وكراهة فراق ما لقيه في الوطن، ثم كان لكل منهما أن يرجع إلى وطنه الذي خرج منه» . وقال ابن دحية: «إن في ذلك تنبيهاً على أنه يقوم مقامه في مبدأ الهجرة لأن مقام آدم التهيئة والنشأة وعمارة الدنيا بأولاده، وكذا كان مقام المصطفى أول سنة من الهجرة مقام تنشئة الإسلام وتربية أهله واتخاذ الأنصار لعمارة الأرض كلها بهذا الدين الذي أظهره الله على الدين كله، وزوى الأرض لنبيّه حتى أراه مشارقها ومغاربها، فقال صلى الله عليه وسلم: «وليبلغنّ ملك أمّتي ما زوى لي منها» . واتفق ذلك في زمن هشام بن عبد الملك حتى جيء إليه خراج الأرض شرقاً وغرباً، وكان إذا نشأت سحابه يقول: «أمطري حيث شئت فسيصل إليّ خراجك» . ثم رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى وهما الممتحنان باليهود. أما عيسى فكذّبته اليهود وآذته وهمّوا بقتله فرفعه الله تعالى، وأما يحيى فقتلوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى المدينة صار إلى حالة ثانية من الامتحان. وكانت محنته فيها باليهود [آذوه] وظاهروا عليه وهمّوا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجّاه الله تعالى كما نجّى عيسى منهم ثم سمّوه في الشاة، فلم تزل تلك الأكلة تعاده حتى قطعت أبهره [كما قال عند الموت] . وقال ابن أبي جمرة: لأنهما أقرب الأنبياء عهدا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن دحية: كانت حالة عيسى ومقامه معالجة بني إسرائيل والصبر على معاداة اليهود وحيلهم ومكرهم، وطلب عيسى الانتصار عليهم بقوله: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أي مع الله؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [آل عمران: 52] فهذه كانت حالة نبينا صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة، ففيها طلب الأنصار للخروج إلى بدر العظمى فأجابوا ونصروا، فلقاؤه لعيسى في السماء الثانية تنبيه على أنه سيلقى مثل حاله ومقامه في السنة الثانية من الهجرة. وأما لقاؤه ليوسف عليه السلام في السماء الثالثة فإنه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حال يوسف بما جرى له مع إخوته الذين أخرجوه من بين أظهرهم ثم ظفر بهم فصفح عنهم وقال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92] وكذلك نبيّنا عليه

الصلاة والسلام أخرجه قومه ثم ظفر بهم في غزوة الفتح فعفا عنهم وقال: «أقول كما قال أخي يوسف: (لا تثريب عليكم) » . قال ابن أبي جمرة: لأن أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يدخلون الجنة على صورته، زاد ابن أقرص وإشارة إلى جعله على خزائن الأرض. وقال ابن دحية: مناسبة لقائه ليوسف في السماء الثالثة أن السنة الثالثة من سني الهجرة اتفقت فيها غزوة أحد وكانت على المسلمين لم يصابوا بنازلة قبلها ولا بعدها مثلها، فإنها كانت وقعة أسف وحزن. وأهل التعبير يقولون: من رأى أحدا اسمه يوسف آذن ذلك من حيث الاشتقاق ومن حيث قصة يوسف عليه السلام بأسف يناله. قال ابن دحية: فإن كان يوسف النبي فالعاقبة حميدة والآخرة خير من الأولى. ومما اتفق في غزوة أحد من المناسبة شيوع قتل المصطفى فناسب ما حصل للمسلمين من الأسف على فقد نبيهم ما حصل ليعقوب من الأسف على يوسف لاعتقاده أنه فقد إلى أن وجد ريحه بعد تطاول الأمد. ومن المناسبة أيضا بين القصتين أن يوسف كيد وألقي في غيابة الجبّ حتى أنقذه الله تعالى علي يد من شاء. قال ابن إسحاق: وكبّت الحجارة على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش حتى سقط لجنبه في حفرة كان أبو عامر الفاسق قد حفرها مكيدة للمسلمين، فأخذ علي كرم الله وجهه بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنه طلحة حتى قام. قال السهيلي: «ثم لقاؤه لإدريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المكان الذي سمّاه الله مَكاناً عَلِيًّا [مريم: 57] وإدريس أول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك مؤذنا بحال رابعة وهي علوّ شأنه عليه السلام حتى خافه الملوك وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته حتى قال أبو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ورأى ما رأى من خوف هرقل: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة حتى أصبح يخافه ملك بني الأصفر، [وكتب عنه بالقلم إلى جميع ملوك الأرض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشي وملك عمان، ومنهم من هادنه وأهدى إليه وأتحفه كهرقل والمقوقس، ومنهم من تعصّى عليه فأظهره الله عليه، فهذا مقام عليّ وخط بالقلم كنحو ما أوتى إدريس عليه السلام] . «ولقاؤه في السماء الخامسة لهارون المحبّب في قومه يؤذن بحبّ قريش وجميع العرب له بعد بغضهم فيه» . وقال ابن أبي جمرة: إنما كان هارون في الخامسة لقربه من أخيه موسى، وكان موسى أرفع منه بفضل كلام الله تعالى. وقال ابن دحية ما نال هارون من بني إسرائيل من الأذى ثم الانتصار عليهم والإيقاع بهم وقصر التوبة فيهم على القتل دون غيره من العقوبات المنحطّة عنه، وذلك أن هارون عند ما تركه موسى في بني إسرائيل وذهب لموعد

المناجاة تفرّقوا على هارون وتحزّبوا عليه وداروا حول قتله ونقضوا العهد وأخلفوا الموعد واستضعفوا جانبه كما حكى الله تعالى ذلك عنهم وكانت الجناية العظمى التي صدرت منهم عبادة العجل فلم يقبل الله تعالى منهم التوبة إلا بالقتل فقتل في ساعة واحدة سبعون ألفا كان نظير ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم ما لقيه في السنة الخامسة من الهجرة من يهود قريظة والنّضير وقينقاع، فإنهم نقضوا العهد وحزّبوا الأحزاب وجمعوها وحشدوا وحشروا وأظهروا عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله. وذهب إليهم قبل الوقعة بزمن يسير يستعينهم في دية قتيلين فأظهروا إكرامه وأجلسوه تحت جدار ثم تواعدوا أن يلقوا عليه رحى، فنزل جبريل فأخبره بمكرهم الذي همّوا به. فمن حينئذ عزم على حربهم وقتلهم، وفعل الله تعالى ذلك، وقتل قريظة بتحكيمهم سعد بن معاذ، فقتلوا شرّ قتلة وحاق المكر السّيء بأهله. ونظير استضعاف اليهود لهارون استضعافهم المسلمين في غزوة الخندق كما سيأتي بسط ذلك. ولقاؤه في السماء السادسة لموسى يؤذن بحالة تشبه حالة موسى حين أمر بغزو الشام، فظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها وأدخل بني إسرائيل البلد الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوهم، وكذلك غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك من أرض الشام وظهر على صاحب دومة حتى صالحه على الجزية بعد أن أتي به أسيرا، وافتتح مكة ودخل أصحابه البلد الذي خرجوا منه. وقال ابن دحية: «يؤذن لقاؤه في السادسة بمعالجة قومه فإن موسى ابتلي بمعالجة بني إسرائيل والصبر على أذاهم، وما عالجه المصطفى في السنة السادسة لم يعالج قبله ولا وبعده مثله، ففي هذه السنة افتتح خيبر وفدك وجميع حصون اليهود وكتب الله عليهم الجلاء وضربهم بسوط البلاء وعالج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السنة كما عالج موسى من قومه، أراد أن يقيم الشريعة في الأرض المقدسة وحمل قومه على ذلك فتقاعدوا عنه وقالوا: إن فيها قوما جبّارين وإنا لن ندخلها أبدا حتى يخرجوا منها. وفي الآخر سجّلوا بالقنوط فقالوا: إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها، فغضب الله عليهم وحال بينهم وبينها، وأوقعهم في التيه. وكذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة أن يدخل بمن معه مكة يقيم بها شريعة الله وسنّة إبراهيم، فصدّوه فلم يدخلها في هذا العام، فكان لقاؤه لموسى تنبيها على التّأسي به وجميل الأثر في السنة القابلة. ثم لقاؤه في السماء السابعة لإبراهيم عليه السلام لحكمتين: إحداهما أنه رآه عند البيت المعمور مسندا ظهره إليه. والبيت المعمور حيال الكعبة وإليه تحج الملائكة، كما أن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة وأذن في الناس بالحجّ إليها والحكمة الثانية أن آخر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم حجة إلى البيت الحرام وحج معه في ذلك العام نحو من سبعين ألفا [من المسلمين] . ورؤية إبراهيم عند أهل التأويل تؤذن بالحج لأنه الداعي إليه والرافع لقواعد [الكعبة المحجوجة] .

التنبيه الخمسون:

قال ابن أبي جمرة: «وإنما كان إبراهيم في السماء السابعة لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقائه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى» . وقال ابن دحية: «مناسبة لقائه لإبراهيم عليه السلام في السماء السابعة إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة، ودخل مكة وأصحابه ملبّين معتمرين محييا لسنّة إبراهيم ومقيما لرسمه الذي كانت الجاهلية أماتت ذكره وبدّلت أمره. وفي بعض الطرق أنه رأى إبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة، وذلك- والله أعلم- إشارة إلى أنه يطوف بالكعبة في السنة السابعة وهي أول دخلة دخل فيها مكة بعد الهجرة. والكعبة في الأرض قبالة البيت المعمور. وفي قوله صلّى الله عليه وسلم في وصف البيت المعمور: «فإذا هو يدخله كل يوم سبعون/ ألفا لا يرجعون إليه إلى آخر الدهر إشارة إلى أنه إذا دخل البيت الحرام لا يرجع إليه لأنه لم يدخله بعد الهجرة إلا عام الفتح ولم يعاوده في حجة الوداع. التنبيه الخمسون: فإن قيل كيف أمّ الأنبياء في بيت المقدس وسلّم عليهم وعرفهم ثم سأل عنهم ثم يراهم تلك الليلة في السموات ويسأل عنهم جبريل؟ فإنه لو رآهم وعرفهم لما احتاج إلى سؤال جبريل عنهم. والجواب أنه لما اجتمع بهم ببيت المقدس وأمّهم على الهيئة البشرية تحقق وجودهم في الأرض، ثم لما وصل إلى الملكوت العلوي لم يجدهم على تلك الحالة التي شاهدهم عليها، وإنما هم على صفات روحانية يشكّل الله تعالى لهم أشكالا لائقة بالملكوت العلوي تأنيسا لهم بأصلهم البشري وتكريما لهم وتعظيما للقدرة الإلهية حيث شاهدهم تلك الساعة في الأرض ثم رآهم في منازلهم في السماء، فلذلك سأل عنهم استثباتا لا تعجبا، فإنه عالم أن الله تعالى الذي أصعده إلى هذا المكان في لحظة قادر على نقلهم إلى السموات في أسرع من طرفة عين سبحانه وتعالى. التنبيه الحادي والخمسون: استشكل رؤية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في السموات مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم في الأرض. وأجيب بأن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفا وتكريما ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عند البيهقي وغيره: «وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء» . وقال ابن أبي جمرة: «رؤيته لهؤلاء الأنبياء تحتمل وجوها: الأول: أن يكون عليه السلام عاين كل واحد منهم في قبره في الأرض على الصورة التي أخبر بها عن الموضع الذي عاينه فيه فيكون الله عز وجل قد أعطاه من القوة في البصر والبصيرة ما أدرك به ذلك. ويشهد لهذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم: «رأيت الجنة والنار في عرض الحائط» . وهو محتمل لوجهين أحدهما: أن

يكون صلى الله عليه وسلم رآهما من ذلك الموضع كما يقال رأيت الهلال من منزلي من الطاق والمراد من موضع الطاق، الوجه الثاني: أن يكون مثّل له صورتهما في عرض الحائط، والقدرة صالحة لكليهما. الثاني: أن يكون صلى الله عليه وسلم عاين أرواحهم هناك في صورهم. الثالث: أن يكون الله عز وجل لما أراد الإسراء بنبينا رفعهم من قبورهم لتلك المواضع إكراما لنبيه عليه السلام وتعظيما له حتى يحصل له من قبلهم ما أشرنا إليه من الأنس والبشارة وغير ذلك مما لم نشر إليه ولا نعلمه نحن، وإظهارا له عليه الصلاة والسلام القدرة التي لا يغلبها شيء ولا تعجز عن شيء وكل هذه الأوجه محتملة ولا ترجيح لأحدها على الآخر لأن القدرة صالحة لكلها. وقال ابن القيم في كتاب الروح «الأرواح قسمان: أرواح معذّبة وأرواح منعّمة، فالمعذّبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي. والأرواح المنعّمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح معها رفيقها الذي هو على مثل عملها. وروح نبينا صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] وهذه المعيّة ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء والمرء مع من أحب. ثم ذكر حديث أبي هريرة: «لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة» . الحديث. قال: فهذا نص في تذاكر الأرواح العلم، وقد أخبر الله تعالى عن الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل هذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه: أحدها أنهم أحياء عند الله وإذا كانوا أحياء عند الله فهم يتلاقون. الثاني: أنهم إنما يستبشرون بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم. الثالث: أن لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشّر بعضهم بعضا مثل يتباشرون وقد تواترت المرائي بذلك فذكر عدة منامات. ثم قال: وقد جاءت سنّة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها. قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن عبد الله بن بزيغ أنبأنا الفضيل بن سليمان النميري حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي أنيسة عن جده قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور- بمهملات- وجدت أم بشر عليه وجدا شديدا، فقالت: يا رسول الله أنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل يتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم والذي نفسي بيده يا أم بشر، إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطير في رؤوس الشجر» . وذكر الحديث وآثارا تؤيد ذلك، ثم قال: «والروح ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء، وتتحرك وتسكن، وعلى هذا أكثر من مائة دليل قد ذكرناها في كتابنا: معرفة الروح والنفس، وبيّنّا بطلان ما خالف هذا القول من وجوه كثيرة، وأن من قال

غيره لم يعرف نفسه وقد وصفها الله تعالى بالدخول والخروج، والقبض والتّوفيّ والرجوع، وصعودها السماء وفتح أبوابها وغلقها عنها، وقد ذكرت آيات وأحاديث كثيرة تشهد بما قاله» . ثم قال: «وأما إخباره صلّى الله عليه وسلم عن رؤية الأنبياء ليلة الإسراء به، فقد زعم بعض أهل الحديث أن الذي رآه أشباحهم وأرواحهم. قال: فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون. وقد رأى المصطفى إبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور ورأى موسى قائما في قبره يصلي، وقد نعت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لما رآهم بنعت الأشباح» . ونازعهم آخرون وقالوا: هذه الرواية إنما هي لأرواحهم دون أجسادهم، والأجساد في الأرض قطعا وإنما تبعث يوم تبعث الأجساد، ولا تبعث قبل ذلك، إذا لو بعثت قبل ذلك لكانت قد انشقّت عنهم الأرض قبل يوم القيامة، وكانت تذوق الموت عند نفخة الصور، وهذه موتة ثالثة وهذا باطل قطعا، ولو كانت قد بعثت الأجساد من القبور لم يعدهم الله تعالى إليها، بل كانت في الجنة وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله إن الله تعالى حرّم الجنة على الأنبياء حتى يدخلها هو، فهو أول من يستفتح باب الجنة، وأول من تنشق عنه الأرض على الإطلاق، ولم تنشق عن أحد قبله، ومعلوم بالضرورة أن جسده صلى الله عليه وسلم في الأرض طري. وقد سأله أصحابه: كيف تعرض عليك صلاتنا وقد بليت؟ فقال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» [ (1) ] ولو لم يكن جسده في ضريحه طريا لما أجاب بهذا الجواب. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى وكلّ بقبره ملائكة يبلّغونه عن أمته السلام، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم لما خرج بين أبي بكر وعمر قال: «هكذا نبعث» . هذا مع القطع بأن روحه الكريمة في الرفيق الأعلى في أعلى علّيّين مع أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وقد صح أنه رأى موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ليلة الإسراء ورآه في السماء السادسة أو السابعة، فالروح كانت هناك ولها اتصال بالبدن في القبر وإشراق عليه وتعلّق به بحيث تصلي في قبره وتردّ سلام من سلم عليه وهو في الرفيق الأعلى. ولا تنافي بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، فأنت تجد الروحين المتلائمتين المتناسبتين في غاية التجاور والقرب وإن كان بين بدنيهما غاية البعد، وتجد الروحين المتنافرتين المتباغضتين في غاية البعد وإن كان جسداهما متجاورين متلاصقين، وليس نزول الروح وصعودها، وقربها وبعدها من جنس ما للبدن فهي تصعد إلى فوق سبع سموات ثم تهبط إلى الأرض ما بين قبضها ووضع الميت في قبره، وهو زمن يسير لا يصعد

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجمعة باب (1) وابن ماجة (1085) وأحمد في المسند 4/ 8 والبيهقي في السنن 3/ 249 والحاكم في المستدرك 4/ 560 والطبراني في الكبير وابن حبان (55) .

التنبيه الثاني والخمسون:

البدن وينزل في مثله، وكذلك صعودها وعودها إلى البدن في النوم واليقظة. وقد مثّلها بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض. قال شيخنا- يعني أبا العباس الحرّاني: وليس هذا مثالا مطابقا فإن نفس الشمس لا تزول من السماء والشعاع الذي على الأرض لا هو الشمس ولا صفتها بل عرض حصل بسبب الشمس والجزم المقابل لها، والروح نفسها تصعد وتنزل وبسط الكلام على ذلك ولهذا مزيد بيان في باب حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره. التنبيه الثاني والخمسون: في الكلام على البيت المعمور: قال أبو عبيدة: معنى المعمور الكثير الغاشية ويسمى الضُّراح [ (1) ]- بضم الضاد المعجمة- ويقال المهملة. قال الزمخشري في ربيع الأبرار وهو غلط صراح، وبالضّراح تسمّيه الملائكة، وسمي به لأنه ضرح عن الأرض أي بعد قال مجاهد: «البيت المعمور وهو الضريح» يعني بالمعجمة وهو في اللغة: البعيد، وأكثر الروايات على أنه في السماء السابعة. وروى ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة» [ (2) ] . ورواه الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا أيضا. وروى إسحاق بن راهويه عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن البيت المعمور، قال: «بيت الله في السماء السابعة بحيال البيت، وحرمته كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودن إليه» . وفي حديث أبي هريرة عند ابن مردويه والعقيلي وابن أبي حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وفي السماء السابعة بيت يقال له البيت المعمور وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان، يدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة فيخرج عنه سبعون ألف قطرة، يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلّون فيه فيفعلون ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبداً، ويولّى عليه أحدهم ثم يؤمر أن يقف بهم في السماء موقفا يسبّحون الله في إلى أن تقوم الساعة [ (3) ] » . وإسناده ضعيف. والصحيح أنه ليس بموضوع كما

_ [ (1) ] الضرّاح بيت في السّماء حيال الكعبة ويروى: الضريح وهو البيت المعمور، من المضارحة، وهي المقابلة والمضارعة. انظر النهاية لابن الأثير 3/ 81. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 417 وأحمد في المسند 3/ 153 والحاكم في المستدرك 2/ 468 وذكره السيوطي في الدر 6/ 117 والمتقي الهندي في الكنز (34794) . [ (3) ] أخرجه ابن كثير في التفسير 7/ 404 وقال: هذا حديث غريب جدا، تفرد به روح بن جناح هذا، وقد أنكر هذا الحديث عليه جماعة من الحفاظ منهم: الجوزجاني والعقيلي، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري وغيرهم: وقال الحاكم: لا أصل له من حديث أبي هريرة ولا سعيد ولا الزهري.

التنبيه الثالث والخمسون:

بيّنته في: «الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة» . وروى أبو الشيخ من طريق الليث قال: حدثني خالد بن سعيد قال: «بلغني أن إسرافيل مؤذّن أهل السماء يسمع تأذينه من في السموات السبع ومن في الأرض، إلا الجنّ والإنس، ثم يتقدم عظيم الملائكة فيصلي بهم» ، قال: «وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة بالبيت المعمور» واستدلّ بهذه الأحاديث على أن الملائكة أكثر المخلوقات، لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدّد من جنسه في كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت في هذه الأحاديث. التنبيه الثالث والخمسون: قوله: «فرفع إلى البيت المعمور» معناه أنه أري له. وقد يحتمل أن يكون المراد الرفع والرؤية معا، لأنه قد يكون بينه وبين البيت عوالم حتى لا يقدر على إدراكه، فرفع إليه وأمدّ في بصره وبصيرته حتى رآه، ويحتمل أن تكون تلك العوالم التي كانت بينه وبين البيت المعمور أزيلت حتى أدركه بصره. وقد يحتمل أن يكون العالم بقي على حاله والبيت على حاله، وأمدّ في بصره وبصيرته حتى أدركه وعاينه، والقدرة صالحة للكلّ، يشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع إلى بيت المقدس على ما سيأتي فيه» ، والتأويل فيه كالتأويل في البيت المعمور. وأكثر الروايات: «رفعت إلى سدرة المنتهى» ، بضم الراء وسكون العين وضم التاء من «رفعت» ، وبعده حرف الجرّ. ولبعضهم «ورفعت» بفتح العين وسكون التاء، أي «السدرة لي» باللام أي من أجلي، ويجمع بين الروايتين بأن المراد أنه رفع إليها أي ارتقي بها فظهرت له والرّفع إلى الشيء يطلق على التقريب منه. التنبيه الرابع والخمسون: وجه مناسبة المعراج الثامن إلى سدرة المنتهى لما اشتملت عليه السنة الثامنة من الهجرة. إن السنة الثامنة اشتملت على فتح مكة، ومكة، أمّ القرى وإليها المنتهى ومنها المبتدأ، على ما ورد أن الأرض كلها دحيت [ (1) ] من مكة، فلذلك سمّيت أم القرى، أو هي أمّ القرى لأن أهل القرى يرجعون إليها في الدين والدنيا حجّا واعتمارا وجوارا وكسبا واتجارا قال الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ [المائدة: 97] أي تقوم بأبدانهم وأديانهم. وقال تعالى لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج 28] قيل هي الأجر والتجارات في الموسم. فبين سدرة المنتهى وأم القرى من المناسبة ما لا يخفى، إذ سدرة المنتهى ينتهي إليها علم الخلائق، ومكة ينتهي إليها أهل الآفاق شرقا وغربا وفيها يكون الاجتماع. فكان بلوغه إلى سدرة المنتهى تنبيها على بلوغه إلى فتح مكة أم القرى في العام

_ [ (1) ] الدّحو: البسط، والمدحوّات: الأرضون. يقال: دحا يدحو ويدحى: أي بسط ووسّع. انظر النّهاية لابن الأثير 2/ 106.

التنبيه الخامس والخمسون:

الثامن، وقد غشى السدرة الجراد والفراش والغربان الذي هو جند من جند الله كما غشى مكة في الفتح جند الله وحزبه وغشيها أيضا أجناس من الخلق وألوان من الأسود والأحمر. وجاء اللفظان معا في الحديث، كما غشى سدرة المنتهى ألوان لا يعلمها إلا الله تعالى: فلما غشيت الألوان السّدرة حسنت إلى أن لا يحسن أحد أن ينعتها لفرط الحسن. كما أن ألوان الخلق لما غشيت مكة يوم الفتح حسنت حينئذ بالإيمان وبأهل القرآن حتى لا يحسن أحد أن يصف حالها حينئذ من عظم الشأن. ثم كان ظهور الأنهار الأربعة حينئذ دليلا على أن تلك الأمة ستبلغها ويحقّقه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها [ (1) ] » . التنبيه الخامس والخمسون: وقع في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند مسلم أن السدرة في السماء السادسة وظاهر حديث أنس رضي الله عنه أنها في السابعة، قال القرطبي: «وهذا تعارض لا شك فيه» . وحديث أنس قول الأكثرين وهو الذي يقتضيه وصفها بكونها التي ينتهي إليها علم كل نبيّ مرسل وكل ملك مقرّب، «ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع وحديث ابن مسعود بأنه موقوف» . قال الحافظ: «كذا قال ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض ولا يعارض قوله إنها في السادسة ما دلت عليه بقية الأخبار أنه وصل إليها بعد أن دخل في السماء السابعة لأنه يحتمل على أن أصلها في السماء السادسة وأغصانها وفروعها في السابعة وليس في السادسة منها إلا أصل ساقها، والله أعلم. التنبيه السادس والخمسون: قال ابن أبي جمرة: «والأظهر أن شجرة المنتهى مفروشة بأرض بدليل قوله: «ونهران باطنان» ولا يطلق هذا اللفظ وما أشبهه إلا على ما يفهم، والباطن لا بد أن يكون سريانه تحت شيء، وحينئذ يطلق عليه اسم الباطن. التنبيه السابع والخمسون: قال القاضي رحمه الله: دلّ الحديث على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض لكونه قال: «إن النيل والفرات يخرجان من أصلها» ، وهما بالمشاهدة يخرجان من الأرض، فيلزم فيه أن يكون أصل السدرة في الأرض. وتعقّبه النووي بأن المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنّبع من الأرض، والحاصل أن أصلهما من الجنة وهما يخرجان أولا من أصل السّدرة إلى أن يستقرا في الأرض ثم ينبعان. التنبيه الثامن والخمسون: قال ابن أبي جمرة رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران» ، هذا اللفظ يحتمل أن يكون على الحقيقة، ويحتمل أن

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3952) وذكره العراقي في تخريجه على الإحياء 2/ 387.

التنبيه التاسع والخمسون:

يكون من باب تسمية الشيء بما قاربه، فإن كان على الحقيقة فتكون هذه الأنهار تنبع من أصل الشجرة نفسها فتكون الشجرة طعمها نبق وأصلها ينبع منه الماء، والقدرة لا تعجز عن هذا. وإن كان من باب تسمية الشيء بما قاربه فتكون الأنهار تنبع قريبا من أصل الشجرة» . التنبيه التاسع والخمسون: في قوله: «أما الباطنان فنهران في الجنة» ، دليل على أن الباطن أجلّ من الظاهر، لأنه لما كان الباطنان أصلا جعلا في دار البقاء، ولما كان الظاهران أقلّ أخرجا إلى دار الفناء، ومن ثم كان الاعتماد على ما في الباطن، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» . التنبيه الستون: في حديث أبي سعيد: «فإذا فيها- أي السماء السابعة- عين تجري يقال لها السلسبيل فينشق منها نهران أحدهما نهر الكوثر والآخر يقال له نهر الرحمة. «ويمكن أن يفسّر بهما النهران الباطنان المذكوران في الحديث، وكذا روي عن مقاتل، قال: «الباطنان السلسبيل والكوثر» . التنبيه الحادي والستون: قال النووي في هذا الحديث: أن أصل النيل والفرات من الجنة وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى ثم يسيران حيث شاء الله تعالى ثم ينزلان إلى الأرض ثم يسيران فيها ثم يخرجان منها. وهذا لا يمنعه العقل وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد» . التنبيه الثاني والستون: استدل بهذا الحديث على فضيلة ماء النيل والفرات لكون منبعهما من الجنة. وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة» [ (1) ] . قال العلماء: والمراد به أن في الأرض أربعة أنهار أصلها من الجنة وحينئذ لم يثبت لسيحان وجيحان أنهما ينبعان من أصل سدرة المنتهى، فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك، وأما الباطنان المذكوران في الحديث فهما غير سيحان وجيحان. قال القرطبي: «لعل ترك ذكرهما في حديث الإسراء لكونهما ليسا أصلا برأسهما وإنما يحتمل أن يتفرّعا من النيل والفرات» . التنبيه الثالث والستون: قيل: إنما أطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة تشبيها لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة. قال القرطبي: والأولى أنها من أنهار الجنة. وقال غيره: صورة انصبابها كانصباب المطر متفرقا ثم يجتمع في مواقعها في الأرض إلى أن ينساق كل منها إلى مستقره ومجراه. ويحتمل أن يكون انصبابها في نواحي الأرض

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الجنة (26) وأحمد في المسند 2/ 289 والبغوي في التفسير 6/ 177.

التنبيه الرابع والستون:

النائية المتصلة بمبادئ هذه الأنهار فإنه لم يقف أحد على مباديها حتى الآن. وروى أبو الشيخ في العظمة وأبو المخلص- بوزن اسم الفاعل- بسند من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد قال: بلغني أنه كان رجل من بني العيص يقال له حائد بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، خرج هاربا من ملك من ملوكهم حتى دخل أرض مصر، فأقام بها، فلما رأى أعاجيب نيلها، جعل لله عليه ألّا يفارق ساحلها حتى يبلغ منتهاه ومن حيث يخرج أو يموت. فسار عليه، قبل ثلاثين سنة في الناس، وثلاثين سنة في غير الناس، وقبل خمس عشرة كذا وخمس عشرة كذا حتى انتهى إلي بحر أخضر، فنظر إلى النيل ينشق مقبلا، وإذا رجل قائم يصلي تحت شجرة تفاح، فلما رآه استأنس به وسلّم عليه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا حائد به شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام فمن أنت؟ قال: أنا عمران بن فلان بن العيص، فما الذي جاء بك يا حائد؟. قال: جئت من أجل هذا النيل وهل بلغك في الكتب أن أحدا من بني آدم يبلغه ولا أظنه غيرك قال كيف الطريق إليه؟ قال: سر كما أنت على هذا البحر فإنك ستأتي دابّة ترى آخرها ولا ترى أولها فلا يهولنّك آخرها، وهي معادية للشمس إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها وإذا غربت أهوت إليها كذلك، فاركبها تذهب بك إلى جانب البحر، فسر عليها فإنها ستبلغ أرضا من حديد، فإن جزتها وقعت في أرض من ذهب فيها ينتهي إليها علم النيل. فسار حتى انتهى إلي أرض من الذهب فسار فيها حتى انتهى إلي سور من ذهب، وشرفة من ذهب وقبة من ذهب لها أربعة أبواب، فنظر إلى ما ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقر في القبة ثم ينصرف في الأبواب الأربعة، فأما الثلاثة فتفيض في الأرض وأما واحد فيسير على وجه الأرض وهو النيل. فشرب منه واستراح وهوى إلى السور ليصعد فأتاه ملك فقال له: «يا حائد قف فإنه قد انتهى إليك علم هذا النيل، وهذه الجنة، وإنما ينزل من الجنة. التنبيه الرابع والستون: قال ابن أبي جمرة في قول جبريل عليه السلام: «أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات» ، دليل على أن النيل والفرات ليسا من الجنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن جبريل أخبره أن هذه الأنهار منبعها من سدرة المنتهى، فيسير الباطنان إلى الجنة، والنيل والفرات ينزلان إلى الدنيا، وسدرة المنتهى ليست في الجنة حتى يقال إنهما يخرجان منها بعد نبعهما من الجنة. وهذا معارض لما رواه مسلم عن أبي هريرة من إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيحان وجيحان والنيل والفرات كلّ من أنهار الجنة» . والجمع بينهما

التنبيه الخامس والستون:

- والله تعالى أعلم- أن النيل والفرات منبعهما من سدرة المنتهى، وإذا نزلا يسلكان أولا طريقا إلى الجنة فيدخلانها ثم بعد ذلك ينزلان إلى الأرض. التنبيه الخامس والستون: قال ابن أبي جمرة: وردت الأخبار أن من شرب من ماء الجنة لا يموت ولا يفنى وأنه ليس له فضلة تخرج على ما يعهد في دار الدنيا خروجه وإنما خروجه رشح مسك على البدن، فجعل فيه هذه الخاصّيّة العظيمة، ثم لما شاءت الحكمة نزوله إلى هذه الدار نزعت منه تلك الخصوصية، وبقي جوهره بحاله، وكل الخواص مثله في هذا المعنى، إن شاء الله عزّ وجل أبقى له الخاصية وإن شاء سلبها مع بقاء جوهره وليس لذوات الخواص تأثير بل الخاصية خلقه والجوهر خلقه وإنما القدرة هي المؤثرة في كلها. التنبيه السادس والستون: قول ابن كثير: «المراد- والله أعلم- أن هذه الأنهار تشبه أنهار الجنة في صفائها وعذوبتها وجريانها من جنس تلك في هذه الصفات كما قال في حديث أبي هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «العجوة من الجنة» [ (1) ] أي تشبه ثمر الجنّة لا أنها مجتناة من الجنّة فإن الحسّ يشهد بخلافه. فيتعيّن أن يكون المراد غيره، وكذلك أصل منابع هذه الأنهار مشاهدة من الأرض» ، انتهى. وهو متعقّب بأنه لا يلزم من كونها كذلك ألّا تكون من الجنة، لما قدّمنا من كيفية النزول. وقد جزم النووي وغيره أنها من الجنة، ولا يشكل ذلك لأن في ماء الجنة خواصّ ليست في هذه الأنهار لما سبق في كلام ابن أبي جمرة. التنبيه السابع والستون: وقع في رواية شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في السماء الدنيا نهرين يطّردان فقال له جبريل: «هما النيل والفرات عنصرهما» . وفي رواية غيره: «رآهما في السماء السابعة» . قال ابن دحية: والجمع بينهما أنه رأى هذين النهرين عند سدرة المنتهى مع نهري الجنة، ورآهما في السماء الدنيا دون نهريّ الجنة وأراد بالعنصر عنصر انتشارهما. التنبيه الثامن والستون: روى أبو نعيم والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدودا في الأرض، لا والله إنها لسائحة على وجه الأرض» [ (2) ] الأخدود شق في الأرض مستطيل. التنبيه التاسع والستون: روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي في الشعب

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2066) وابن ماجة (3543) وأحمد في المسند 2/ 301 والدارمي 2/ 338 وعبد الرزاق في المصنف (20170) والخطيب في التاريخ 14/ 445. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 1/ 38 وعزاه لابن مردويه وأبي نعيم والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة.

التنبيه السبعون:

عن كعب الأحبار قال: «إن نهر العسل نهر النيل ونهر اللبن نهر دجلة ونهر الخمر نهر الفرات ونهر الماء نهر سيحان» . التنبيه السبعون: قوله في السّدرة: «يغشاها جراد من ذهب» . قال البيضاوي: «ذكر الجراد والفراش وقع على سبيل التمثيل لأن من شأن الشجر أن يسقط عليه الجراد وشبهه، وجعلها من ذهب لصفاء لونها وإضاءتها في نفسها» . وقال الحافظ: «ويجوز جعلها من الذهب حقيقة، ويخلق الله فيها الطيران، والقدرة صالحة لذلك» . انتهى. التنبيه الحادي والسبعون: قوله «فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر» ، قال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي رحمه الله: «المراد تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، أي لو كان له ذنوب لغفرت ولم يكن له ذنب البتة» . وحكى الشيخ رحمه الله في كتابه المحرّر، في الكلام على هذه الآية اثني عشر قولا، ونقل عن السبكي فساد خمسة منها وبيّن الشيخ فساد الباقي، ثم قال: «أما الأقوال المقبولة ففي الشفا للقاضي قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن يقول: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف: 9] سر بذلك الكفار فانزل الله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 2] وأخبر بمآل المؤمنين في الآية الأخرى بعدها، فمقصد الآية أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب وهذا الأثر رواه ابن المنذر في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، بدون قوله وأخبر بمآل المؤمنين إلى آخره، وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم نحوه. قال القاضي: قال بعضهم: المغفرة هنا تنزيه من العيوب، وقال بعض المحققين: المغفرة هنا كناية عن العصمة أي فعصمت فيما تقدّم من عمري وفيما تأخّر منه، وهذا القول في غاية الحسن. وقد عدّ البلغاء من أساليب البلاغة في القرآن أنه يكنّي عن التخفيفات بلفظ المغفرة والعفو والتوبة، كقوله عند نسخ قيام الليل: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ [المزمل: 20] وعند نسخ تقديم الصدقة بين يدي النّجوى فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة: 13] وعند نسخ تحريم الجماع ليلة الصيام: فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة: 187] . ثم نقل عن السبكي أنه قال: «قد تأمّلت هذه الآية بذهني مع ما قبلها وما بعدها فوجدتها لا تحتمل إلا وجها واحدا وهو تشريف النبي صلى الله عليه وسلم، من غير أن يكون هناك ذنب، ولكنه أريد أن تستوعب في الآية جميع أنواع النعم من الله تعالى على عباده. وجميع النعم الأخروية شيئان: سلبية وهي غفران الذنوب، وثبوتية وهي لا تتناهى وقد أشار إليها بقوله: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف: 6] وجميع النعم الدنيوية شيئان: دينية أشار إليها بقوله:

التنبيه الثاني والسبعون:

وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً [الفتح: 2] ودنيوية وإن كان المقصود بها الدين وهي قوله تعالى: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [الفتح: 3] وقدّم الأخروية على الدنيوية تقديما للأهمّ، فانتظم بذلك تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام أنواع نعم الله تعالى المتفرقة في غيره» . وبعد أن وقفت على هذا المعنى رأيت ابن عطية قد وقع عليه فقال: «وإنما المعنى تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم، ولم تكن ذنوبا البتة» ، وقد وفّق فيما قاله. التنبيه الثاني والسبعون: قوله: «ثم أخذ على الكوثر حتى دخل الجنة» . قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في تفسيره: «هذا الحديث دليل على أن السدرة ليست في الجنة» . وجزم به ابن أبي جمرة. وقال ابن دحية: «ثمّ هنا ليست للترتيب كما في قوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البلد: 17] إنما هي مثل الواو للجمع والاشتراك فهي بذلك خارجة عن أصلها، قال صاحب فتح الصفا: «وهي خلاف الظاهر» . التنبيه الثالث والسبعون: قال بعض العلماء في توجيه كون درهم القرض بثمانية عشر: إن درهم القرض بدرهمين من دراهم الصدقة كما ورد، ودرهم الصدقة بعشرة، ودرهم القرض يرجع للمقرض بدله، وهو بدرهمين من جملة مبلغ أصله عشرون يتأخر للمقرض منه ثمانية عشر. وسمعت شيخنا الإمام العلامة نور الدين المحليّ يذكر ذلك [في] الأصول. ثم رأيت في «نوادر الأصول» للحكيم الترمذي ما نصّه: «معنى الحديث أن المتصدّق حسب له الدرهم الواحد بعشرة، فدرهم صدقته وتسعة زائدة فصارت له عشرة، والقرض ضوعف له فيه بدرهم والتسعة مضاعفة فهذه ثمانية عشر، ودرهم القرض لم يحسب لأنه يرجع إليه، فيبقى التضعيف وهو ثمانية عشر، وفي الصدقة لم يرجع إليه فصارت له عشرة. التنبيه الرابع والسبعون: قال ابن دحية: «في عرض الجنة عليه كرامة عظيمة لأنه كان يعرض الجنة على أمته ليشتروها كما قال عن ربه تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 111] . فأراد الله تعالى أن يعاين نبيه صلى الله عليه وسلم ما يعرضه على أمته ليكون وصفه لها عن مشاهدة ولأنه كان يدعو الناس إلى الجنة وهي الدار التي هيّأها الله تعالى لضيافة عباده المؤمنين وبعثته صلى الله عليه وسلم داعيا إليها فأراد الله تعالى أن يريه الدار وكثرة ما أعدّ فيها من النعيم والكرامة لئلا يضنّ بالدعوة وليعلم أنها تسع الخلائق كلهم ولا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا، كما ثبت في الحديث. ويحتمل أنه إنما أراه إياها ليعلم خسّة الدنيا في جنب ما رآه فيكون في الدنيا

التنبيه الخامس والسبعون:

أزهد وعلى الشدائد أصبر. فقد قيل: حبذا محنة تؤدي بصاحبها إلى الرخاء وبؤس نعمة تؤدي بصاحبها إلى البلاء. ويحتمل أن الله تعالى أراد ألّا يكون لأحد كرامة إلا ولمحمد مثلها، ولما كان لإدريس كرامة دخول الجنة قبل يوم القيامة أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون [ذلك] أيضا لصفيّه ونجيّه محمد صلى الله عليه وسلم» . التنبيه الخامس والسبعون: قال ابن دحية: «إنما عرضت عليه النار ليكون آمنا يوم القيامة، فإذا قال سائر الأنبياء: نفسي نفسي فنبيّنا يقول: «أمّتي أمّتي، وذلك حين تسجر جهنم، ولذلك أمّن الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال عز من قائل: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ [التحريم: 8] والحكمة في ذلك أن يفزع إلى شفاعة أمته، ولو لم يؤمنه لكان مشغولا بنفسه كغيره من الأنبياء، لأنهم لم يروا قبل يوم القيامة شيئا منها، فإذا رأوها جزعوا وكفّت ألسنتهم عن الخطبة والشفاعة من هولها وشغلتهم أنفسهم عن أممهم، وهو صلى الله عليه وسلم قد رآها قبل ذلك فلا يفزع منها مثل ما فزعوا فيقدر على الخطبة وهو المقام المحمود، لأن الكفار لما كانوا يكذّبونه ويستهزئون به ويؤذونه أشد الأذى أراه الله سبحانه وتعالى النار التي أعدّها للمستخفّين به تطييبا لقلبه وتسكينا لفؤاده وللإشارة إلى أن من طيّب قلبه بإهانة أعدائه والانتقام منهم فأولى أن يطيّبه في أوليائه بالشفاعة والإكرام، وليعلم منّة الله عليه حين أنقذهم منها ببركته وشفاعته. التنبيه السادس والسبعون: لم ير مالكا في صورته التي يراه عليها المعذّبون في الآخرة، ولو رآه على تلك الصورة لما استطاع أن ينظر إليه. التنبيه السابع والسبعون: قال الطيبي: «إنما بدأ مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالسلام ليزيل ما استشعر من الخوف منه بخلاف سلامه على الأنبياء ابتداء» . التنبيه الثامن والسبعون: قال الطيبي: «إنما بدأ مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالسلام ليزيل ما استشعر من الخوف منه بخلاف سلامه على الأنبياء ابتداء» . التنبيه الثامن والسبعون: ذكر صلى الله عليه وسلم أنه لم يلقه ملك من الملائكة إلا ضاحكا مستبشرا إلا مالكا خازن النار، وذلك أنه لم يضحك لأحد قبله، ولا هو ضاحك لأحد بعده. قال الله تعالى: عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ [التحريم: 6] وهم موكّلون بغضب الله تعالى، فالغضب لا يزايلهم أبدا. وفي هذا الحديث معارضة لما رواه الإمام أحمد وأبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: «مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟» قال: «ما ضحك منذ خلقت النار» [ (1) ] . وهذا الحديث يعارضه ما رواه الدارقطني وغيره إن رسول الله تبسّم في الصلاة، فسئل عن ذلك فقال: «رأيت ميكائيل راجعا في طلب القوم وعلى جناحيه الغبار، فضحك إليّ، فتبسّمت إليه» قال السهيلي: «وإذا صحّ الحديثان فوجه الجمع بينهما أن يكون لم

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 224 وابن كثير في البداية والنهاية 1/ 46.

التنبيه التاسع والسبعون:

يضحك منذ خلقت النار إلا هذه المرّة الّتي ضحك فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون الحديث عاما يراد به الخصوص أو يكون الحديث الأول حدّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هذا الحديث الآخر، ثم حدّث بعد بما حدّث به من ضحكه إليه» . التنبيه التاسع والسبعون: المناسبة بين المعراج التاسع- وهو المستوي الذي سمع فيه صريف الأقلام- والعام التاسع من سني الهجرة. قال ابن دحية: «كان في العام التاسع غزوة تبوك وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المدينة إلى الشام في العدد الذي لم يتمّ قبله مثله، كان العدد ثلاثين ألفا، وكانت الشّقّة بعيدة، ولهذا لم يورّ فيها، بل أعلم النّاس بوجههم ليكون تأهّبهم بحسب ذلك، ومع هذا الاجتهاد في الاستعداد لم يلق صلى الله عليه وسلم حربا ولا افتتح بلدا، لأن أجل فتح الشام لم يكن حلّ بعد، فانتسخ العزم بالقدر وبجفاف القلم ورجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعلى المسلمين الوقار والسكينة من غير اضطراب عند انصراف العزيمة. التنبيه الثمانون: صريف الأقلام، بالصاد المهملة وكسر الراء وبالفاء. قال القاضي والنووي رحمهما الله تعالى: هو صوت حركتها وجريانها على ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره. وفيه حجة لأهل السّنّة في الإيمان بصحّة كتابة الوحي والمقادير في كتب الله تعالى من اللوح المحفوظ بالأقلام التي هو يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات في كتابه والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره، لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه لا يعلمه إلا الله تعالى، ومن أطلعه على شيء منه من ملائكته ورسله. وما يتأوّل هذا ويحيله إلا ضعيف النظر والإيمان، إذ جاءت به الشريعة، ودليل العقول لا يحيله، والله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، حكمة من الله وإظهارا لما يشاء من غيبه لمن يشاء من ملائكته وسائر خلقه وإلا فهو غنيّ عن الكتب والاستذكار. التنبيه الحادي والثمانون: قال ابن دحية: «قد علم أن الأقلام إنما تكتب الأقدار، والقدر المكتوب قديم، وإنما الكتابة حادثة. وظاهر الأخبار أن اللوح المحفوظ فرغ من كتابته وجفّ القلم بما فيه قبل خلق السموات والأرض، وإنما هذه الكتابة المحدودة في صحف الملائكة كالفروع المنتسخة من الأصل، وفيها المحو والإثبات على ما ورد في الأثر. وأصل اللوح المحفوظ الذي انتسخ منه اللوح هو علم الغيب القديم في أزل القدم وهو الذي لا محو فيه ولا إثبات حيث لا لوح ولا قلم. والحكمة البالغة- والله أعلم- في سماعه لصريف الأقلام حصول الطمأنينة بجفاف القلم بما في القدر حتى يمكن التفويض للقدر لا للسّبب، وحتى يتعاطى السّبب تعبّدا لا

التنبيه الثاني والثمانون:

تعوّذا، وبذلك يتمّ التّوكّل ويسكن الاضطراب عند اختلاف الأسباب. وقال القرطبي: «وأصل الأقلام الموصوفة هنا، هي المعبّر عنها بالقلم المقسم به في قوله تعال: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [القلم: 1] ويكون القلم هذا للجنس» . التنبيه الثاني والثمانون: المناسبة بين المعراج العاشر وهو الرفرف حين لقى الله تعالى وحضر بحضرة القدس وقام مقام الأنس ورفع الحجاب وسمع الخطاب، وكان قاب قوسين أو أدنى لا بالصورة بل بالمعنى، أن العام العاشر اجتمع فيه اللقاءان: أحدهما: لقاء البيت وحجّ الكعبة ووقوف عرفة وإكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، واللقاء الثاني: بقارب البيت وكانت فيه الوفاة واللقاء والانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء والعروج بالروح الكريمة إلى المقعد الصّدق وإلى الموعد الحق وإلى الوسيلة وهي المنزلة الرفيعة التي لا تنبغي إلا لعبد واحد اختاره الله تعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح الخبر أنه سئل عن الوسيلة فقال: «درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله فأرجو أن أكون إياه [ (1) ] ورجاؤه محقّق صلى الله عليه وسلم، وخاطره موفّق. التنبيه الثالث والثمانون: قال ابن دحية: خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤية والمكالمة لأنه صاحب الشفاعة يوم القيامة، فتوسّط قبلها لئلا يقع له حشمة البديهة كما يقع لغيره من الأنبياء فأراد الله سبحانه وتعالى أن يزيل عنه الانقباض قبل ذلك ليتمكن من المقام المحمود وأهّله قبل المشهد الأعلى للمشاهدة والكلام. التنبيه الرابع والثمانون: قوله تعالى: وأَعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت عَرْشي، إلى آخر الحديث. قال التّوربشتي: ليس يعني بقوله: «أعطى» أنها أنزلت عليه بل المعنى أنه استجيب له فيما لقّن من الآيتين: غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] إلى قوله تعالى: أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة: 286] ، ولمن يقوم بحقهما من السائلين» . وقال الطيبي: «وفي كلامه إشعار بأن الإعطاء بعد الإنزال لأن المراد منه الاستجابة وهي مسبوقة بالطلب والسورة والمعراج كان بمكة، ويمكن أن يقال هذا من قبيل وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 3، 4] وإنما أوثر الإعطاء لما عبّر عنه بكنز تحت العرش» . وروى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي» .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 288 (11- 384) .

التنبيه الخامس والثمانون:

التنبيه الخامس والثمانون: الحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء أنه صلى الله عليه وسلم لما عرج به رأى تلك الليلة تعبّد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد، فجمع الله تعالى له ولأمته تلك العبادات كلها في ركعة واحدة يصلّيها العبد بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص. التنبيه السادس والثمانون: وفي اختصاص فرضها بليلة الإسراء إشارة إلى عظم شأنها ولذلك اختصّ فرضها بكونه بغير واسطة بل بمراجعات عدّة. قال السهيلي: «وأما فرض الصلاة عليه هنالك، ففيه التنبيه على فضلها حيث لم تفرض إلا في الحضرة القدسية المطّهرة، ولذلك كانت الطّهارة من شأنها ومن شرائط أدائها والتنبيه على أنها من مناجاة الرّبّ، وأن الرب تبارك وتعالى مقبل بوجهه على المصلّي يناجيه يقول: حمدني عبدي أثنى عليّ عبدي إلى آخر السورة، وهذا مشاكل لفرضها عليه في السماء السابعة حيث سمع كلام الرب وناجاه، ولم يعرج به حتى طهّر ظاهره وباطنه بماء زمزم كما يتطّهر المصلّي للصلاة وأخرج عن الدنيا بجسمه كما يخرج المصلّي عن الدنيا بقلبه ويحرّم عليه كل شي إلا مناجاة ربه، وتوجهه إلى قبلته في ذلك الحين وهي بيت المقدس، ورفع إلى السماء كما يرفع المصلّي يديه إلى جهة السماء إشارة إلى القبلة العليا وهي البيت المعمور وإلى جهة عرش من يناجيه ويصلّي له سبحانه وتعالى» . التنبيه السابع والثمانون: قوله: «قد وضعت عنك خمسا» ، كذا في رواية ثابت عن أنس. وفي رواية مالك بن صعصعة: «عشرا» ، وفي رواية شريك: «وضع شطرها» . قال النووي: «المراد بحطّ الشّطر أنه حطّ في مرّات بمراجعات فلا يخالف رواية ثابت» . قال الحافظ: «وكذا العشر فكأنه وضع العشر في دفعتين والشطر في خمس دفعات، والمراد بالشطر هنا البعض» . قال: «وقد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمسا، وهي زيادة معتمدة يتعيّن حمل باقي الروايات عليها» . قلت: ويؤيد رواية ثابت ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي وابن مردويه من حديث مالك بن صعصعة: «فحطّ عني خمسا» ، وفيه: «فما زلت بين موسى وبين ربي يحط عني خمسا خمسا» . قال ابن دحية: «ذكر الشطر أعمّ من كونه وقع دفعة واحدة» . التنبيه الثامن والثمانون: قال أبو طالب الجمحي في كتاب «التحيات» : «لكل قوم تحية، فتحيّة العرب السلام وتحية الأكاسرة السجود قدّام الملك وتقبيل الأرض وتحية الفرس طرح اليد على الأرض قدّام الملك، وتحية الحبشة عقد اليدين على الصدر بين يدي الملك بسكون، وتحية الروم كشف غطاء الرأس من بعد تنكيس رأسه. وتحية النوبة إيماء الرجل بالدعاء

التنبيه التاسع والثمانون:

بالأصابع وتحية البجا وضع يد الداخل على كتف الملك، فإن بلغ الخدمة رفعها ووضعها مرارا. وهذه التحيات غالبها مجموعة في الصلاة التي هي خدمة ملك الملوك سبحانه وتعالى، ولهذا ناسب أن يقال في آخرها: «التحيات لله» إشارة إلى أنه تعالى يستحق جميع التحيات» . التنبيه التاسع والثمانون: وقع في رواية أنس عن أبي ذر رضي الله عنهما: «فرض الله على أمتي خمسين صلاة» وفي رواية ثابت عن أنس: «فرض الله عليّ خمسين صلاة كل يوم وليلة» . ونحوه في رواية مالك بن صعصعة، فيحتمل أن يقال في كل من رواية أبي ذرّ والرواية الأخرى اختصار. ويؤيد قوله في الرواية الأخرى: «إني فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة» إلى آخره. ويقال ذكر الفرض عليه يستلزم ذكر الفرض على الأمة وبالعكس، إلا ما استثنى من خصائصه. التنبيه التسعون: قال ابن أبي جمرة: «الحكمة في كون إبراهيم عليه السلام لم يكلم المصطفى في طلب التخفيف أن مقام الخلّة إنما هو الرّضى والتسليم، والكلام في هذا الشأن ينافي ذلك المقام. وموسى هو الكليم، والكليم أعطي الإدلال والنبساط» . وقال القرطبي: «الحكمة في تخصيص موسى عليه الصلاة والسلام بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلاة، لعلها لكون أمة موسى كلّفت من الصلوات ما لم يكلّف به غيرها من الأمم فثقلت عليهم فأشفق موسى على أمة محمد- عليهما الصلاة والسلام- من مثل ذلك ويشير إلى ذلك قول موسى: «إني قد جربت الناس قبلك» . وقال غيره: لعلها من جهة أنه ليس في الأنبياء من له أتباع أكثر من موسى، ولا من له كتاب أكبر ولا أجمع للأحكام من كتابه، فكان من هذه الجهة مضاهيا للنبي صلى الله عليه وسلم، فناسب أن يتمنّى أن يكون له مثل ما أنعم به عليه من غير أن يريد زواله عنه، وناسب أن يطلعه على ما وقع له وينصحه فيما يتعلق به. ويحتمل أن موسى عليه السلام لما غلب عليه في الابتداء الأسف على نقص حظّ أمته بالنسبة لأمة محمد صلّى الله عليه وسلم حتى تمنى ما تمنى إن يكون منهم، استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم ليزيل ما عساه أن يتوهّم عليه مما وقع منه في الابتداء، والعلم عند الله تعالى. قال القرطبي: «وأما قول من قال إنه أول من لقيه بعد الهبوط فليس بصحيح، لأن حديث مالك بن صعصعة أنه رآه في السادسة وإبراهيم في السابعة، وهو أقوى إسنادا من حديث شريك الذي فيه أنه رأى موسى في السابعة» . قال الحافظ: «إذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة، وصعد موسى معه إلى السابعة فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الإشكال وبطل الرّدّ» . قال السّهيلي: «وأما اعتناء موسى عليه السلام بهذه الأمة وإلحاحه على نبيها أن يشفع

التنبيه الحادي والتسعون:

لها ويسأل التخفيف عنها فلقوله- والله أعلم- حين قضي إليه الأمر بجانب القربى ورأى صفات أمة محمد عليه السلام في الألواح وجعل يقول: إني أجد في الألواح أمّة صفتهم كذا: اللهم اجعلهم أمتي. فيقال له: تلك أمة محمد. قال: اللهم اجعلني من أمة محمد، وهو حديث مشهور في التفاسير. فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بأمرهم يعتني بالقوم من هو منهم لقوله: اللهم اجعلني منهم» . التنبيه الحادي والتسعون: في قول موسى: «قد عالجت الناس قبلك» إلى آخره دليل على أن علم التجربة زائدة على العلوم، ولا يقدر على تحصيله بكثرة العلوم ولا يكتسب إلا بها، أعني التجربة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأفضلهم سيّما وهو حديث عهد بالكلام مع ربه تبارك وتعالى وورد إلى موضع لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ثم مع هذا الفضل العظيم قال له موسى عليه السلام: «أنا أعلم بالناس منك» ، وذكر له العلّة التي لأجلها كان أعلم منه بقوله: «عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة» . فأخبره أنه أعلم منه في هذا العلم الخاص الذي لا يوجد ولا يدرك إلا بالمباشرة وهي التجربة. التنبيه الثاني والتسعون: وفيه دليل على جواز الحكم بما أجرى الله تعالى بحكمته من ارتباط العوائد لأن موسى عليه السلام حكم على هذه الأمة بأنها لا تطيق، وذلك سبب ما أخبر به وهو علاج بني إسرائيل، ومن تقدّم أقوى وأجلد ممّن يأتي بعد، كما أخبر تعالى بقوله: كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها [الروم: 9] فرأى موسى أن ما لم يحمله القويّ فمن باب أولى ألا يحمله الضعيف فهو بعد محكم بأثر الحكمة في ارتباط العادة، مع أن القدرة صالحة لأن يحمل الضعيف ما لا يحمل القويّ. وقد ورد أن الصلاة التي كلّف بها بنو إسرائيل ركعتان بالغداة وركعتان بالعشيّ ومع هذا لم يقوموا بذلك. التنبيه الثالث والتسعون: وفي سؤال موسى طلب التخفيف عن هذه الأمة دليل على أن بكاءه أوّلا حين صعود النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا للوجه الذي أبديناه لا لغيره، لأنه لو كان لغير ذلك لبكى حين رجوع النبي صلى الله عليه وسلم أو سكت، ولكنه قام في الخدمة والنصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما أن كان بكاؤه أوّلا للوجه الذي ذكرناه ولم يصادف ما أشرنا إليه وإنما كانت هذه النّفحة من النّفحات الخاصّة بالنبي صلى الله عليه وسلم، تعرّض أيضا لهذه الأمة بطلب التخفيف، فصادف اعتراض هذه النفحة في موضعها لأنها خاصة بهذه الأمة. وتكلم هو صلى الله عليه وسلم في حقّها فأشعف فيما أراد وحقّق الله عز وجل دعاءه إذ ذاك وردّ الخمسين إلى خمس، وزاد بالإفضال فجعل الحسنة عشرا في الثواب عليها، فأزال الله تعالى عن الأمة فرض تلك الصلوات وأبقى لهم ثوابها تفضلا منه وإحسانا. التنبيه الرابع والتسعون: قال ابن أبي جمرة: «في الحديث دليل للصوفية حيث

التنبيه الخامس والتسعون:

يقولون: «حسنات الأبرار سيئات المقرّبين» لأن إبراهيم عليه السلام لم يتكلم في هذا الشأن بسبب أن مقامه أعلى من الكلام، فلو تكلم لكان ذلك في حقه سيئة بالنسبة إلى مقامه الخاص، وموسى عليه السلام كان كلامه مما يتقرب به إلى مقامه الخاص، كل منهم له مقام خاص لا يتعدّاه» . التنبيه الخامس والتسعون: قال ابن دحية: «في هذه المراجعة التي وقعت بين موسى والنبي عليهما السلام فوائد منها: تكرار الشفاعة في القصة الواحدة إلى أن يتم مقصود الشافع، ومنها أن الأمر إذا انتهى إلى حد الإلحاح كان الأولى الترك، ومنها تعظيم الأمر الذي لا يقدر عليه، ومنها الرجوع إلى المشير الناصح، ومنها أن الشافع لا يتوقّف على طلب المشفوع له في ذلك، ومنها أن الشافع يقيم عذر المشفوع له عند المشفوع عنده في ذلك، ومنها أنه لا يمتنع من الشفاعة وإن كان داخلا فيها» . التنبيه السادس والتسعون: إنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من طلب التخفيف في المرة العاشرة لما أمره موسى بذلك لأمرين: أحدهما: أن الأمر إذا انتهى إلى حد الإلحاح كان الأولى التّرك. ثانيهما: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تفرّس أن هذا العدد لا يحطّ عنه فاستحى أن يسأل في مظنّة الرّدّ، ووجه التّفرّس أن الله تعالى أدرج التخفيف خمسا خمسا من خمس إلى خمس. فالقياس أنه إن خفّف بحذف الخمسة الأخيرة ارتفعت الصلاة بجملتها، وقد علم إنه لا بد من وظيفة، فلهذا ترك السؤال، وكشف الغيب أن العلم القديم تعلّق ببقاء هذه الخمس، ولهذا بقيت، فصدقت الفراسة، وأصابت الفكرة، ولهذا جاء في بعض الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من المراجعة في العاشرة نادى مناد: «أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي» . التنبيه السابع والتسعون: قال ابن دحية: «دلّت مراجعته صلى الله عليه وسلم في طلب التخفيف تلك المرّات كلها، لأنه علم أن الأمر في كل مرة لم يكن على سبيل الإلزام بخلاف المرّة الأخيرة، ففيها ما يشعر بذلك لقوله تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق: 29] . التنبيه الثامن والتسعون: قال ابن أبي جمرة: «في امتناع النبي صلى الله عليه وسلم في المرّة العاشرة من طلب التخفيف دليل على أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد إسعاد عبد جعل اختياره في مرضاة ربّه، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل اختياره وإيثاره لما أراد الحق تبارك وتعالى إنفاذه وإمضاءه، وهو فرض الصلوات الخمس، وذلك تكريم له صلى الله عليه وسلم وترفيع، لأنه لو رجع لطلب التخفيف فلم يخفّف كما خفّف أولا لكان اختياره مخالفا للمقدور. فلما أن اختار وأشعف في اختياره كان دليلا على ما استدللنا عليه وهو علو منزلته صلّى الله عليه وسلم، فإنه ما دام يطلب التخفيف أسعف في مناه، ففي كل حال من طلب ومن عدم طلب كان اختياره موافقا للمقدور» .

التنبيه التاسع والتسعون:

وفيه دليل للصوفية حيث يقولون: «إن الحال حامل «لا محمول» لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أن ورد عليه حال الإشفاق على أمته بادر إلى طلب التخفيف عنهم ولم ينظر لغير ذلك، ثم لما ورد عليه حال الحياء من الله تعالى لم يلتفت لأمته إذا ذاك ولا طلب شيئا» . التنبيه التاسع والتسعون: في هذا الحديث دليل إن قدر الله تعالى على قسمين، كما قدمنا. فالقدر الذي قدّره وقدّر ألّا ينفذ بسبب واسطة أو دعاء هو فرضه هنا للخمسين صلاة لأنه تعالى لما أن أمر بالخمسين أوّلا وسبقت إرادته ألا ينفذ ذلك جعل بحكمة موسى هناك سببا لرفع ذلك. والقدر الذي قدّر إنفاذه ولا يردّه رادّ هو فرضه للخمس صلوات لأنه تعالى لما أن أمر بها وسبقت إرادته بإمضائها لم ينفع كلام موسى عليه السلام إذا ذاك لأنه من القدر المحتوم. التنبيه الموفي مائة: قال ابن دحية: «فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق: 29] ؟ فإن كان المراد لا يبدّل الخبر فكيف يطلق الحديث، لأن السياق في الأحكام فلهذا نسخ الخمسين إلى خمس وتبديل النّسخ لا يبقي، فإن كان المراد لا يبدّل الحكم فقد تقرّر أن النّسخ في الإحكام جائز وقد وقع في هذا الحديث إلى خمس. فالجواب أنه تعالى إذا أخبر عن الحكم أنه مؤبّد استحال التبديل والنّسخ حينئذ لأجل العلم، وقد أخبر الله تعالى أنه الفريضة أي أبدّها فلا يبدّل الخبر ولا يتوقّع النّسخ بعد ذلك والله تعالى أعلم» . ويكون المراد أنه تعالى وعد هذه الأمة على ألسنة الملائكة أو في صحفها أن لهم أجر خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فلما نسخها إلى خمس حصل للعدد نقص، وإن الأجرد المراد لم ينقص لأن الحسنة بعشر أمثالها، ولهذا قال تعالى: هن خمس وهن خمسون أي هنّ خمسٌ عددا وخمسون اعتدادا، ذلك الفضل من الله، ويكون ذلك كقوله في الصيام: «من صام رمضان وأتبعه ستّا من شوّال فكأنما صام الدهر» [ (1) ] ، بتأويل أن الحسنة بعشر أمثالها، فستة وثلاثون في عشرة بثلاثمائة وستين عدد أيام السّنة. واعتبرت الصلاة بما تحتاج إليه كل صلاة من وضوء ونحوه، فوجد لها ما يأتي على ساعتين وبعض الساعة غالبا، فعلم بذلك أن الخمسين لو استقّرت على أمة لاستوعبت اليوم والليلة لما تحتاج إليه كل صلاة من طهارة وغيرها، وكانت الطهارة واجبة التجديد في أول الأمر، ثم نسخ الوجب إلى النّدب، فكأن المصليّ من هذه الأمة لهذه الخمس استوعب الدّهر صلاة وكأنه أيضا استوعب الدهر صياما.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 822 (204- 1146) .

التنبيه الحادي والمائة:

والظاهر أن نقص الخمسين إلى خمس ليس من تبديل القول لأنه تبديل تكليف، وأما بعد الإخبار بالخمس والخمسين فتبديل أخبار. التنبيه الحادي والمائة: قال أبو الخطاب وتبعه ابن المنير: «جواز النسخ قبل التمكن من الفعل قبل دخول الوقت مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة، وجرى كل فريق على قاعدته وعقيدته. فعند أهل السّنّة التكليف على خلاف الاستطاعة جائز، بل واقع إذ الأفعال كلها مخلوقة لله تعالى، والعبد مطالب بما لا يقدر على إيجاده ولا يتمكن من التأثير في إحرازه، عملا بقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [الصافات: 96] بتقدير أن «ما» هنا مصدرية، والمعتزلة تجعل «ما» هنا موصولة وجروا على عقيدتهم في اعتقادهم أن العبد يخلق فعل نفسه ويوجد طاعة ربّه باستطاعته واختياره، ولا يسقط التكليف عندهم على خلاف الاستطاعة فلا يتصوّر النّسخ قبل التمكن من الفعل كما تتصوّر قاعدته. واستدل أهل السنة على جواز النسخ قبل التمكن بأنه وقع. وأي دليل على الجواز أتمّ من الوقوع؟. ومثّلوا ذلك بقصة الذّبيح فإن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده، ثم خفّف ذلك ونسخه إلى الفداء قبل أن يمضي زمن يسع الذّبح ولا يمكن فيه الفعل. ومن هنا ضاقت على المعتزلة المضايق حتى غالطوا في الحقائق، واختلفوا في الأجوبة، فمنهم من قال لم يأمره بالذبح لأن ذلك كان في المنام لا في اليقظة، ولا عقل أضلّ من عقل من زعم أنه استظهر على نبيّ في واقعة هو صاحبها وقضى فيها ومنه ظهرت، وعنه أثرت، فإن الذبيح قال فيما حكاه الله تعالى وصوّبه يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ [الصافات: 102] ، ونحن نقول إن راوي الحديث أعرف بتأويله وتفسيره، وأقعد بتبيينه وتنزيله. وحتى لو تعارض تأويلان قدّمنا تأويل صاحب الواقعة لأنه أفهم لها. فكيف لا يقدّم تأويل الذّبيح النبي الذّكيّ المسدّد المصوّب من رب العالمين على تأويل المبتدع الضّالّ الحائر المشكين؟ ومنهم من قال: أمر ولكن بالمقدّمات: الشّدّ والتّلّ والصرع وتناول «المدية» . وهذا من الطراز الأول لتهافت القول، فإن إبراهيم قال: أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات: 102] ولم يقل أصرعك، وأيضا ليست المقدمات «بلا» ، ولا سيما في حق إبراهيم عليه السلام الذي علم أن الحال لا ينتهي بغير الاضطجاع خاصة بما لا يتعنّى حينئذ للفداء، فهذا أحيد عن السّنن وجنوح إلى العناد والغبن. ومنهم من قال: «أمر بالذّبح وفعل، ولكن انقلبت السّكين أو لم تقطع، أو انقلبت العنق حديدا، وهذا من النّمط المردود، وحاصله النّقل بالتقدير وهو الكذب بعينه، ومنهم من قال: «ذبح والتحم» ، وهذه معايرة النقول ومكابرة العقول. وذلك أن الأمر لو كان على هذه المثابة

لم يقع الاقتصار في الآية على حكاية وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: 103] ولكان ذكر الذّبح أوقع في الابتلاء ولسقطت فائدة الفداء. فبطل ما قالوه، وتعيّن القول بجواز النّسخ قبل التمكن بدليل وقوعه في قصة الذّبيح، فلا يمكنهم ترديد مثلها في قصة الإسراء إذ لا خفاء بأنه صلى الله عليه وسلم أمر في حق الأمة بخمسين صلاة ثم نسخ ما نسخ قبل أن يدخل وقت الصلاة فضلا عن أن يمضي زمان يسعها. قال شيخنا السهيلي: وأما فرض الصلوات خمسين ثم حطّ منها عشرا بعد عشر إلى خمس صلوات وقد روي أيضا أنها حطّت خمسا بعد خمس. وقد يمكن الجمع بين الروايتين لدخول الخمس في العشر، فقد تكلم في هذا النقص من الفريضة أهو نسخ أم لا؟ على قولين. فقال قوم: هو من باب نسخ العبادة قبل العمل بها، وأنكر أبو جعفر النحاس هذا القول من وجهين: أحدهما: البناء على أصله ومذهبه في أن العبادة لا يجوز نسخها قبل العمل لها لأن ذلك عنده من البداء، والبداء محال على الله سبحانه. الثاني: أن العبادة إن جاز نسخها قبل العمل بها عند من يرى ذلك فليس يجوز عند أحد نسخها قبل هبوطها إلى الأرض وهبوطها إلى المخاطبين ... إنما هي شفاعة شفّعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ومراجعة راجعها ربه ليخفف عن أمته ولا يسمّى مثل هذا نسخا» . أما مذهب أبي جعفر النحاس في أن العبادة لا تنسخ قبل العمل بها وأن ذلك بداء فليس بصحيح لأن حقيقة البداء أن يبدو للآمر رأي يتبيّن له الصواب فيه بعد أن لم يكن تبيّنه، وهذا محال في حق من يعلم الأشياء بعلم قديم. وليس النّسخ من هذا في شيء، إنما النّسخ تبديل حكم بحكم، والكل سابق في علمه ومقتضى حكمته، كنسخه المرض بالصحّة والصّحّة بالمرض ونحو ذلك، وأيضا بأن العبد المأمور يجب عليه عند توجّه الأمر إليه ثلاث عبادات: الفعل الذي أمر به، والعزم على الامتثال عند سماع الأمر، واعتقاد الوجوب إن كان واجبا، فإن نسخ الحكم قبل الفعل فقد حصلت فائدتان: العزم، واعتقاد الوجوب، وعلم الله تعالى ذلك منه علم مشاهدة. فصحّ امتحانه له واختباره إياه، وأوقع الجزاء على حسب ما علم من نيته والذي لا يجوز إنما هو نسخ الأمر قبل نزوله وقبل علم المخاطب به. والذي ذكر النحاس من نسخ العبادة بعد العمل بها ليس هو حقيقة النّسخ لأن العبادة المأمور بها قد مضت وإنما جاء الخطاب بالنهي عن مثلها لا عنها. وقولنا في الخمس والأربعين صلاة الموضوعة عن محمد صلى الله عليه وسلم وأمته. أحد وجهين إما أن يكون نسخ ما وجب على النبي صلى الله عليه وسلم من أدائها، ورفع عنه استمرار العزم واعتقاد الوجوب. وهذا قد قدمنا أنه نسخ على الحقيقة، ونسخ عنه ما وجب

التنبيه الثاني والمائة:

عليه من التبليغ، فقد كان في كل مرة عازما على تبليغ ما أمر به [وقول أبي جعفر إنما كان شافعا ومراجعا ينفي النّسخ فإن النّسخ قد يكون عن سبب معلوم فشفاعته عليه السلام لأمته كانت سببا للنّسخ لا مبطلة لحقيقته، ولكن المنسوخ ما ذكرنا من حكم التبليغ الواجب عليه قبل النّسخ وحكم الصلوات الخمس في خاصته وأما أمته فلم ينسخ عنهم حكم [إذ] لا يتصوّر نسخ الحكم قبل وصوله إلى المأمور به. وهذا كله أحد الوجهين في الحديث. والوجه الثاني: أن يكون هذا خبرا لا تعبدا وإذا كان خبرا لم يدخله النّسخ، ومعنى الخبر أنه عليه السلام، أخبره ربّه أن على أمته خمسين صلاة ومعناه: أنها خمسون في اللوح المحفوظ، وكذلك قال في آخر الحديث: هي خمس، وهي خمسون والحسنة بعشر أمثالها، فتأوله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنها خمسون بالفضل، فلم يزل يراجع ربه حتى بيّن له أنها خمسون في الثواب لا بالعمل. التنبيه الثاني والمائة: قد علم مما سبق جواز نسخ الفعل قبل التمكن من فعله، وأن ذلك صحيح في حقه صلى الله عليه وسلم، وغير صحيح بالنسبة لأمته لاستحالة النسخ قبل البلاغ إذ شرط التكليف تمكين المكلّف من العلم به، أي إذا لم يكن العلم به شرطا فإن نسخ التكليف قبل البلاغ يناقض ذلك. وقال ابن دحية: «يصح النّسخ في حق الأمة أيضا بأن الإسلام يوجب على كل مسلم الدخول في فروعه وفي شرائع الدين بتفصيلها، وكل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلّم في حياته دخل في الإسلام. على أن هنالك تكاليف منها ما نزّل وبيّن بكل وجه، ومنها ما نزّل مجملا من وجه ومبيّنا من وجه، ومنها ما لم ينزّل بعد وسينزّل، والإيمان والالتزام شامل للجميع. فكما يجوز نسخ التكليف بعد أن يبلّغ بخصوصية يجوز أيضا قبله. وأكثر القواعد أن ما وجب مجملا ثم بيّن في وقت الحاجة كالصلاة والزكاة، لم يقترن بأول وجوبها ذكر أعدادها ولا إعدادها ولا أوقاتها ولا هيئاتها ولا شرائطها، بل للتكليف بها مستقر مع هذه الإجمالات، لأن المكلف بالالتزام الأول قد دخل على التزامها على ما هي عليه في نفس الأمر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الإسلام هو «أن تشهد ألّا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت [ (1) ] » . فنجز التكليف عليه بهذه القواعد مجملة غير مبيّنة» . التنبيه الثالث والمائة: قال ابن دحية: «إذا سمعت العلماء يتكلمون على النّسخ قبل

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 114 (50) ومسلم 1/ 40 (7- 10) .

التنبيه الرابع والمائة:

الفعل فاعلم أنهم أرادوا قبل مضيّ زمن يسع الفعل الأول. هذا هو المختلف فيه، وإلا فكل نسخ متّفق عليه لا يتصوّر إلا قبل الفعل لأن ما فعل مضى وانقطع التكليف به والنّسخ فيه. قال: وإذا سمعتهم يقولون نسخ التكليف قبل البلاغ متعذر لأن شرط التكليف البلاغ فاعلم أنهم يريدون تنجيز التكليف. هذا هو المشروط بالبلاغ. وأما أصل التكليف عندنا فلا يتوقف على ذلك فإن مذهبنا أن الأمر قديم محقّق قبل وجود المأمور فضلا عن بلاغه والله تعالى الموفق. التنبيه الرابع والمائة: قال بعض أهل الإشارات: «لما تمكنت المحبة من قلب موسى عليه السلام أضاءت له أنوار نور الطور ليقتبس، فاحتبس فلما نودى في النّادي اشتاق إلى المنادي فكان يطوف في بني إسرائيل فيقول: من يحملني حتى أبلّغ رسالة ربي، ومراده أن تطول المناجاة مع الحبيب، فلما مرّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ردّده في أمر الصلاة ليسعد برؤية حبيب الحبيب. وقال آخر: لما سأل موسى عليه السلام الرؤية ولم تحصل له البغية، بقي الشوق يقلقه والأمل يعلّله، فلما تحقق أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم منح الرؤية وفتح له باب المزيّة أكثر السؤال ليسعد برؤية من قد رأى، كما قيل: وأستنشق الأرواح من نحو أرضكم ... لعلّي أراكم أو أرى من يراكم وأنشد من لاقيت عنكم عساكم ... تجودون لي بالعطف منكم عساكم فأنتم حياتي إن حييت وإن أمت ... فيا حبّذا إن متّ عبد هواكم وقال آخر: وإنّما السّرّ في موسى يردّده، ... ليجتلي حسن ليلى حين يشهده يبدو سناها على وجه الرّسول فيا ... لله درّ رسول حين أشهده وقال آخر: لما جلس الحبيب في مقام القرب، دارت عليه كؤوس الحب، ثم عاد وهلال ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: 11] بين عينيه، وبشر فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى [النجم: 10] ملء قلبه وأذنيه. فلما اجتاز بموسى عليه السلام قال لسان حاله لنبينا صلّى الله عليه وسلم: يا واردا من أهيل الحيّ يخبرني ... عن جيرتي شنّف الأسماع بالخبر ناشدتك الله يا راوي حديثهم ... حدّث فقد ناب سمعي اليوم عن بصري فأجاب لسان حال نبينا صلى الله عليه وسلّم: ولقد خلوت مع الحبيب وبينا ... سرّ أرقّ من النّسيم إذا سرى وأباح طرفي نظرة أمّلتها ... فغدوت معروفا وكنت منكّرا

التنبيه الخامس والمائة:

التنبيه الخامس والمائة: قوله فلما جاوزت نادى مناد: «أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي» ، من أقوى ما يستدل به علي إن الله تبارك وتعالى كلّم نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بغير واسطة. التنبيه السادس والمائة: ظاهر سياق حديث شريك أن موسى هو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «فاهبط باسم الله» ، لأنه ذكر عقب قوله صلى الله عليه وسلم: «قد والله استحيت من ربي مما أختلف إليه» ، قال: «فاهبط» ، وليس كذلك بل الذي قال له «اهبط باسم الله» جبريل، وبذلك جزم الدّاودي. التنبيه السابع والمائة: قال السهيلي: «فإن قيل: «كيف استباح النبي صلى الله عليه وسلم شرب الماء الذي في القدح وهو ملك لغيره، وأملاك الكفار لم تكن أبيحت يومئذ ولا دماؤهم؟» فالجواب أن العرب في الجاهلية كان في عرف العادة عندهم إباحة اللّبن لابن السبيل فضلا عن الماء وكانوا يعهدون بذلك إلى رعاتهم ويشترطونه عليهم عند عقد إجارتهم ألّا يمنعوا [الرّسل وهو] اللّبن من أحد مرّ بهم، فكيف بالماء؟ وللحكم بالعرف في الشريعة أصول تشهد له وقد ترجم البخاري عليه في كتاب البيوع وخرّج حديث هند بنت عتبة وفيه: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» . قلت: وذكر أئمتنا رحمهم الله تعالى في الخصائص أنه صلى الله عليه وسلم أبيح له الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج صلى الله عليه وسلم إليهما فإنه يجب على صاحبهما البذل له صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6] . التنبيه الثامن والمائة: يأتي الكلام على حبس الشمس في المعجزات. التنبيه التاسع والمائة: قوله صلى الله عليه وسلم: «فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه» إلى آخره كذا في رواية ابن عباس رضي الله عنهما عند الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح، وفي رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عند مسلم قال: «فسألوني عن أشياء لم أثبتها فكربت كربا لم أكرب مثله قط، فرفعه الله تعالى لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به» . وفي رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «فجلّى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه» . ومعنى «جلّى الله بيت المقدس» كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته، ويحتمل أن يريد أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه، ثم أعيد، ويؤيده رواية ابن عباس السابقة، وهذا أبلغ في المعجزات ولا استحالة في ذلك. وقد أحضر عرش بلقيس في أقل من طرفة عين. ووقع في حديث أم هانئ عند ابن سعد: «فخيّل إلى بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن

التنبيه العاشر والمائة:

آياته» . فإن ثبت احتمل أن يكون المراد أنه مثل قريبا كما قيل في حديث: «أريت الجنة والنار» ويؤيد قوله: «حتى جيء بمثاله» . التنبيه العاشر والمائة: مجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره: من المشهور اثنا عشر شيئا: الأول: كون المعراج قبل البعثة وقدّمنا جوابه. الثاني: كونه مناما وتقدم الكلام على ذلك. الثالث: أمكنة الأنبياء في السموات وقد اتضح أنه لم يضبط منازلهم لكن وافقه الزهري في بعض ما ذكر. الرابع: مخالفته في محل سدرة المنتهى وأنها فوق السماء السابعة، مما لا يعلمه إلا الله تعالى، والمشهور أنها في السابعة أو السادسة كما تقدم. الخامس: مخالفته في النهرين وهما النيل والفرات وأن عنصرهما في السماء الدنيا، والمشهور في غير روايته أنهما في السماء السابعة وأنهما تحت سدرة المنتهى وتقدم جوابه السادس: شقّ الصّدر عند الإسراء وقد وافقته رواية غيره كما تقدّم بسط ذلك في أبواب صفاته. السابع: ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا، والمشهور في الحديث أنه في الجنة، وتقدم الكلام على ذلك. الثامن: نسبة الدّنوّ والتّدلّي إلى الله تعالى، والمشهور أنه جبريل. قال الخطابي: «ليس في هذا الكتاب- يعني صحيح البخاري- أشنع ظاهرا ولا أمنع مذاقا من هذا- يعني قوله: «ودنا الجبّار ربّ العزّة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى» - فإنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر وتمييز مكان كل واحد منهما، هذا مع ما في التّدلّي من التشبيه، والتمثيل له بالشيء الذي تعلّق من فوق إلى أسفل. قال: فمن لم يبلغه من هذا الحديث إلا هذا القدر مقطوعا عن غيره، ولم يعتبره بأول القصة ولا بآخرها اشتبه عليه وجهه ومعناه، وكان قصاراه إما ردّ الحديث من أصله وإما الوقوع في التشبيه، وهما خطآن مرغوب عنهما. «وأما من اعتبر أول الحديث بآخره فإنه يزول عنه الإشكال فإنه مصرّح فيهما بأنه كان رؤيا لقوله في أوله: «وهو نائم» وفي آخره: «استيقظ» . وفي بعض الرؤيا مثل يضرب ليتناول على الوجه الذي يجب أن يصرف إليه معنى التعبير في مثله، وبعض الرؤيا لا يحتاج إلى ذلك بل يأتي كالمشاهدة» . قال الحافظ: «وهو كما قال ولا التفات إلى من تعقب كلامه بقوله: إن في الحديث الصحيح أن رؤيا الأنبياء وحي فلا يحتاج إلى تعبير، لأنه كلام من لم يمعن النظر في هذا المحل، فإن بعض مرائي الأنبياء يقبل التعبير، فمن ذلك قول بعض الصحابة له صلى الله عليه وسلم في رؤيا القيص: «فما أوّلته يا رسول الله؟» قال: «الدّين» . وفي رؤيا اللّبن قال: «العلم» . لكن جزم الخطّابي بأن ذلك كان مناما، وهذا متعقّب بما قدمناه من ترجيح كونه في اليقظة بالأدلة التي أشرنا إليها.

ثم قال الخطابي مشيرا إلى رفع الحديث من أصله «إن القصة بطولها إنما هي حكاية يحكيها أنس من تلقاء نفسه لم يعزها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقلها عنه ولا أضافها إلى قوله، فحاصل الأمر في النقل أنها من جهة الراوي أنس، وأما شريك فإنه كثير التفرّد بمناكير الألفاظ التي لا يتابعه عليها سائر الرواة» . قال الحافظ: «وما نفاه من أن أنسا لم يسند هذه القصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تأثير له، فأدنى أمره فيها أن تكون مرسل صحابي، فإما أن يكون تلقّاها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي تلقّاها عنه. ومثل ما اشتملت عليه لا يقال بالرأي فيكون لها حكم الرفع. ولو كان لما ذكره تأثير لم يحمل حديث أحد روى مثل ذلك على الرفع أصلا وهو خلاف عمل المحدّثين قاطبة فالتعليل بذلك مردود. ثم قال الخطّابي: «إن الذي وقع في هذه الرواية من نسبة التّدلّي للجبار عزّ وجل مخالفة لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير ومن تقدم منهم ومن تأخّر. والذي قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها: دنا جبريل من محمد فتدلّى أي تقرّب منه، وقيل هو على التقديم والتأخير أي تدلّى فدنا لأن التّدلّي سبب الدّنوّ. الثاني: تدلّى جبريل بعد الانصباب والاندفاع حتى رآه متدلّيا كما رآه مرتفعا، وذلك من آيات الله حيث أقدره على أن يتدلّى في الهواء من غير اعتماد على شيء وتمسّك بشيء. الثالث: دنا جبريل فتدلّى محمد ساجدا لربه شكرا على ما أعطاه من الزّلفى. وقد روى هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه من غير طريق شريك فلم يذكر هذه لألفاظ الشنيعة، وذلك مما يقويّ الظّنّ أنها صادرة من شريك» . قال الحافظ: «قد أخرج البيهقي من طريق الأموي في مغازيه عن محمد بن عمر بن أبي سلمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 13] ، قال: «دنا منه ربه» ، وهذا سند حسن وهو شاهد قوي لرواية شريك. ثم قال الخطّابي: «وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرّد بها شريك أيضا لم يذكرها غيره، وهي قوله: «فعلا به» يعني جبريل إلى الجبّار تعالى، فقال وهو مكانه: «ربّ خفّف عنّا» . قال الخطّابي: «والمكان لا ينسب إلى الله تعالى، إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الأول الذي قام فيه قبل هبوطه» . قال الحافظ: «وهذا الأخير متعيّن وليس في السياق تصريح بإضافة المكان إلى الله تعالى، وأما ما جزم به من مخالفته للسلف والخلف فقد ذكرنا من وافقه» . وقد نقل القرطبي عن ابن عباس أنه قال: «دنا الله» ، قال القرطبي: «والمعنى دنا أمره وحكمه، وأصل التدلّي النزول إلى الشيء حتى يقرب منه» . قال: «وقيل التدلي تدلّي الرفرف لمحمد حتى جلس عليه، ثم دنا محمد من ربه» . وقد أزال العلماء إشكاله فقال القاضي: «إضافة الدنوّ والقرب هنا من الله تعالى أو إلى الله تعالى ليس بدنوّ مكان وقرب مدى ينتهي إليه وإنما دنوّ

النبي صلى الله عليه وسلم من ربه وقربه منه إبانة لعظيم منزلته وتشريف رتبته اعتناء بشأنه وإظهارا لما لم يؤته أحدا غيره وإشراق أنوار معرفته ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته، كما قال جعفر بن محمد: الدّنوّ من الله تعالى لا حدّ له ينتهي إليه مطمح فهم أو مطرح وهم، ومن العباد بالحدود الغائيّة المنتهية إلى غاية» . وقال أيضا: «انقطعت الكيفية عن الدّنوّ، ألا ترى كيف حجب جبريل عن دنوه ودنا محمد إلى ما أودع قلبه من المعرفة والإيمان فتدلى بسكون قلبه إلى ما أدناه إليه وأزال من قلبه الشك والارتياب أي الذي عرا خاطره: هل يغشى حضرة هذا القرب وينال مواهبه من إنافة وإكرام وشرف وإنعام فأنجح الله أمنيته لا الشك في ذلك، إذ كان أثبت الناس معرفة وإيمانا وأسكنهم جنانا وأملكهم طمأنينة وسكونا، وإنما الدّنو والقرب من الله تعالى أو إليه كناية عن جزيل فوائده إليه وجميل عوائده عليه وتأنيس لاستيحاشه بانقطاع الأصوات عنه، وبسط بالمكالمة وإكرام بشرائف منيفة، يتأوّل في دنوّه تعالى منه ما يتأوّل به في قوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر» [ (1) ] ، على أحد الوجوه من أن نزوله تعالى إنما هو نزول إفضال وإجمال وقبول توبة وإحسان بمعرفة وإشفاق» . وقال الواسطي: «من توهّم أنه بنفسه دنا فقد جعل ثمّ مسافة ولا مسافة لاستحالتها بل كلما دنا بنفسه من الحقّ تدلّى بعدا، يعني كلما قرب منه نزل بساحة البعد كناية عن نفيهما جميعا أو عن إدراك حقيقته إذ لا يدركها أحد، ولا دنوّ للحقّ ولا بعد، لاستحالتهما. وأما قوله تعالى: «فإني قريب» فتمثيل لكمال علمه وإجابة لتعاليه عن القرب مكانا. ويتأوّل في الدنوّ ما يتأوّل في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري حكاية عن ربه تبارك وتعالى: «من تقرّب مني شبرا تقرّبت منه ذراعا» ، وهو تمثيل يقرّب المعنى للأفهام، أي من تقرّب إلى طاعتي جازيته بأضعاف ما تقرّب به إليّ. «ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» ، أي سبقته بجزائه، فهو أقرب بالإجابة والقبول، وإتيان بإحسان، وتعجيل المأمول، ثوابا مضاعفا على حسب ما تقرّب به، وقد سبق به طريق المشاكلة فسمّاه تقرّبا» . التاسع: تصريحه بأن امتناعه صلى الله عليه وسلم من الرجوع إلى سؤال ربه تبارك وتعالى في طلب التخفيف كان عند الخامسة، ومقتضى رواية ثابت أنه كان بعد السابعة. العاشر: قوله «فعلا به الجبّار» ، وهو مكانه تقدم ما فيه. الحادي عشر: رجوعه بعد الخمس، والمشهور في الأحاديث أن موسى أمره بالرجوع بعد أن انتهى التخفيف إلى خمس فلم يرجع. الثاني عشر: زيادة ذكر «التّور» بالتاء المثنّاة في الطّست، فإنه قال: «أتي بطست من ذهب فيه تور من

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 29 (1145) ومسلم 1/ 521 (168- 758) .

التنبيه الحادي عشر والمائة:

ذهب» ، فيحتمل أنه طست صغير داخل طست كبير لئلا يتبدّد منه شيء فيكون في الكبير. وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه ورواية شريك أنهم غسلوه بماء زمزم فيحتمل أن يكون أحدهما فيه ماء زمزم والآخر هو المحشو بالإيمان، ويحتمل أن يكون التّور ظرف الماء والإيمان والطّست لما يصبّ فيه عند الغسل صيانة له عن التبدّد في الأرض وجريا له على العادة في الطّست وما يوضع فيه الماء. التنبيه الحادي عشر والمائة: في بيان غريب ما تقدم: «بينما» : الأصل «بين» فأشبعت الفتحة فصارت ألفا وزيدت الميم فيقال: «بينا» و «بينما» . قال في النهاية: وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة، وقال في المطالع: «بينا أنا» و «بينما أنا» من البين الذي هو الوصل أي أنا متصل بفعل كذا. «الحجر» ، بكسر الحاء وسكون الجيم وهو هنا حطيم مكة وهو المدار عليه بالبناء من جهة الميزاب وسمّي حجرا لأنه حجر عنه بحيطانه وحطيما لأنه حطم جداره عن مساواة الكعبة وعليه ظاهر قوله: «بينا أنا في الحطيم» ، وربما قال: «في الحجر» ، والشك من قتادة. وقال الطيبي: «لعله صلى الله عليه وسلم حكى لهم قصة المعراج فعبّر بالحطيم تارة وبالحجر أخرى» . وقيل: الحطيم غير الحجر، وهو ما بين المقام إلى الباب، وقيل: ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر، والراوي شكّ أنه سمع في الحطيم، أو في الحجر. «أوسطهم» خيرهم. «الثّغرة» [ (1) ] بضم المثلثة وسكون المعجمة الموضع المنخفض بين التّرقوتين، إلى أسفل بطنه أي شعرته بكسر الشين المعجمة أي شعر العانة. وفي رواية: «فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته وهي بفتح اللام وتشديد الموحدة موضع القلادة من الصدر، وفي رواية «إلى ثنّته» بضم المثلثة وتشديد النون أي ما بين سرّته إلى عانته. وفي رواية: «من قصّته بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة أي رأس صدره، وفي رواية: «فرج صدري» ومعنى الروايات واحد. «الطّست» [ (2) ] بفتح الطاء وسكون السين المهملة، وإعجامها ليس بلحن، بل لغة صرّح بها صاحب القاموس فيه وفي كتاب: تخيير الموشّين فيما يقال بالسين والشين» ، وبمثناة وقد تحذف وهو الأكثر وإتيانها لغة طيء، وأخطأ من أنكرها، وتدغم السين في التاء بعد قلبها فيقال طسّ وهي مؤنثة وجمعها طساس وطسوس وطسوت.

_ [ (1) ] انظر الوسيط 1/ 97 [ (2) ] الطّساس: جمع طس، وهو الطّست، والتاء فيه بدل من السين، فجمع على أصله، ويجمع على طسوس أيضا. انظر النهاية لابن الأثير 3/ 124، والمعجم الوسيط 3/ 3651.

«اختلف إليه» : تردّد. «ممتلئ» بالتذكير على معنى الإناء، وفي رواية: «مملوءة» ، بالتأنيث أي الطّست، وفي رواية «محشوّا» بالنصب وأعرب بأنه حال من الضمير في الجار والمجرور، وفي رواية «محشوّ» ، وفي رواية شريك: بطشت من ذهب بمثناة فوقية ويأتي لهذا مزيد بيان. «إيمانا» منصوب عل التمييز «وحكمة» معطوف عليه. قال ابن أبي جمرة: وفي هذا الحديث أن الحكمة ليس بعد الإيمان أجلّ منها، ولذلك قرنت به، ويؤيده قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة: 269] وقد اختلف في تفسير الحكمة فقيل إنها العلم المشتمل على معرفة الله تعالى مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك، قال النووي: «هذا ما صفا لنا من أقوال كثيرة» ، انتهى. وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذلك كله، وعلى النبوة كذلك، وقد تطلق على العلم فقط ونحو ذلك. قال الحافظ: «وأصح ما قيل فيها أنها وضع الشيء في محله، أو الفهم في كتاب الله، وعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد، وعلى الأول قد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة.. «دابّة أبيض» إنما قال أبيض ولم يقل بيضاء لأنه أعاده على المعنى أي مركوب أو براق. «مسرجا ملجما» حالان من البراق. «الحافر» [ (1) ] أحد حوافر الدّابّة سمّي بذلك لحفره الأرض لشدة وطئه عليها. «الطّرف» بسكون الراء وبالفاء النظر. «مضطرب الأذنين» أي طويلهما والطاء بدل من التاء. «يحفز [ (2) ] بهما رجليه» بمثناة تحتية مفتوحة فحاء مهملة ساكنة ففاء مكسورة قال في النهاية: الحفز الحثّ والإعجال. «عرف [ (3) ] الفرس» بضم العين المهملة وبالفاء الشّعر النّابت في محدّب رقبته. «الأظلاف» جمع ظلف بكسر الظاء المعجمة المشالة وهو من الشّاء والبقر كالظّفر للإنسان.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 2/ 925. [ (2) ] انظر اللسان 2/ 926. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 595.

«صرّت بأذنيها» أي جمعت بينهما وأصل الصّرّ الجمع والشّد قاله في النهاية وفي الصحاح: الصّرّة الشّدّة من كرب وعيره. «ارفضّ» جرى وسال. «عرقا» منصوب على التمييز من الفاعل ولذا ورد مخفّفا والمعنى فتبرّأ من الاستصعاب وعرق من خجل العتاب فوثب. «الزّمام» بالكسر المقود. «طيبة» [ (1) ] من أسماء المدينة الشريفة. «يهوي به» يسرع السّير. «مدين» بفتح الميم وسكون الدال المهملة وفتح المثنّاة التحتية بلد بالشام تلقاء غزّة. «طور سيناء» : الطور جبل ببيت المقدس وسيناء بكسر السين اسم للبقعة. «بيت لحم» بلام مفتوحة فحاء [مهملة] ساكنة قرية من قرى الشام تلقاء بيت المقدس. «العفريت» من الجنّ العارم الخبيث ويستعمل في الإنسان استعارة الشيطان له. «الشّعلة» من النار بالضّمّ وهي شبه الجذوة، والجذوة مثلّثة الجيم الجمرة. «خرّ لفيه» أي على فمه. «الكلمات التّامّات» أي الكاملة فلا يدخلها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية. لا يجاوزهنّ» أي لا يتعدّاهنّ. «البرّ» بفتح الباء التّقيّ. «الفاجر» المائل عن الحق. «ذرأ» خلق. «طوارق الليل» [ (2) ] حوادثه التي تأتي ليلا. «الماشطة» اسم فاعل من مشط الشّعر يمشطه ويمشطه بضمّ المعجمة وكسرها مشطا سرّحه، والتثقيل مبالغة. «المشط» بضم الميم وإسكان الشين ومع ضمّها أيضا، وبكسر الميم مع إسكان الشين، ويقال ممشط بميمين الأولى مكسورة.

_ [ (1) ] اللسان 4/ 2734. [ (2) ] المعجم الوسيط 2/ 556.

و «تعس» بفتح العين وتكسر، تعسا بسكون العين وفتحها لم يستقل من عثرته وأتعسه الله فتعس ويقال تعس أكبّ على وجهه. «راودوا [ (1) ] المرأة» أي راجعوها. «فأمر ببقرة من نحاس» بباءين موحّدتين فقاف، قال الحافظ أبو موسى المديني: الذي يقع لي في معناه أنه لا يريد شيئا مصوغا على صورة البقرة، ولكنه ربما كانت قدرا كبيرة واسعة فسمّاها بقرة مأخوذا من التّبقّر التّوسّع أو كان شيئا يسع بقرة تامّة بتوابلها فسمّيت بذلك. ولا تقاعسي» [ (2) ] أي لا تتأخّري وتتوقّفي عن إلقائك في النار، يقال تقاعس عن الأمر إذا تأخّر ولم يتقدّم فيه. «ترضخ [ (3) ] رؤوسهم» تشدخ كذا في الغريب. وقال في المصباح: تكسر. «لا يقرّ» لا يسكن. «يسرحون» يقال سرحت الإبل به سرحا وسروحا أيضا رعت. «الضّريع» [ (4) ] : الشوك اليابس أو نبات أحمر منتن الريح يرمي به البحر. «الزّقوم» ثمر شجر كريه الطّعم قيل لا يعرف في شجر الدنيا وإنما هي في النار يكره أهل النّار أكلها، كما قال تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 64، 65] «رضف جهنم» بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء، هي الحجارة المحماة واحدها رضفة [ (5) ] . «النّيء» بالهمز وزان حمل كل شيء شأنه أن يعالج بشيّ أو طبخ لم ينضج يقال لحم نيء والإدغام والإبدال عامّيّ. «الجحر» بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وهو النّقب المستدير. «الثّور» بالمثلثة معروف. «الغرف» بالضّمّ جمع غرفة وهي العلّيّة.

_ [ (1) ] راوده على الأمر: طلب منه فعله. انظر المعجم الوسيط 1/ 382. [ (2) ] اللسان 5/ 3692. [ (3) ] الرّضخ: الشّدخ. والرّضخ أيضا: الدّق والكسر. انظر النهاية لابن الأثير 2/ 229. [ (4) ] المفردات في غريب القرآن 295. [ (5) ] رضفه: كواه بالرّضفة: الرّضفة: الحجر المحمى بالنار أو الشّمس. انظر المعجم الوسيط 1/ 351.

«الإستبرق» ثخين الديباج. «السّندس» رقيق الديباج. «العبقري» قيل هو الديباج وقيل البسط الموشّية وقيل الطنافس الثّخان والأصل في العبقري فيما قيل إن عبقر قرية يسكنها الجنّ فيما يزعمون فكلما يرون شيئا فائقا غريبا مما يصعب عمله ويدقّ أو شيئا عظيما في نفسه نسبوه إليها. «اللؤلؤ [ (1) ] » بهمزتين وبحذفهما وبإثبات الأولى دون الثانية. «المرجان» : قال الأزهري وغيره هو صغار اللؤلؤ وقال الطرطوشي هو عروق حمر تطلع من البحر كأصابع الكفّ، قال: وهكذا شاهدناه بمغارب الأرض كثيرا. «الأكواب» : جمع كوب: إناء لا عروة له ولا خرطوم. «الصّحاف» . جمع صحفة إناء كالقصعة. «السّعير» النار، وسعرتها وأسعرتها أوقدتها. «الدّجّال» : أصل الدّجل الخلط يقال رجل دجل [ (2) ] إذا لبّس وموّه والدّجّال فعّال من أبنية المبالغة أي يكثر من الكذب والتلبيس وهو الذي يظهر في آخر الزمان. «فيلمانيّا» [ (3) ] » : قال في النهاية الفيلم العظيم الجثّة والفيلم الأمر العظيم والياء زائدة والفيلماني منسوب إليه بزيادة الألف والنون للمبالغة. «أقمر» أي شديد البياض. «هجان» : شديد البياض. «درّي» : مضيء. «عبد العزى بن قطن» : بفتح القاف والمهملة وهو ابن عمرو بن جندب/ بن سعيد بن عابد بن مالك بن المصطلق. هلك في الجاهلية، ووقع عند ابن مردويه: قطن بن عبد العزى وهو وهم من بعض رواته. «العمود» بفتح العين المهملة وضمّ الميم معروف وجمعه عمد بضمتين وأعمدة بكسر الميم وفتح الدال.

_ [ (1) ] اللؤلؤ: الدرّ، وهو يتكون في الأصداف من رواسب أو جوامد صلبة لماعة مستديرة في بعض الحيوانات المائية الدنيا من الرخويات. واحدته: لؤلؤة. انظر المعجم الوسيط 2/ 817. [ (2) ] لسان العرب 2/ 1330. [ (3) ] انظر اللسان 5/ 3467.

«حاسرة» اسم فاعل من حسر. «يا أوّل حاشر» تقدم الكلام عليهما في الأسماء النبوية. «الكثيب [ (1) ] » : التّلّ من الرمل. «طوال» : يقال رجل طويل فإن زاد قيل طوال بالضّمّ مخفّفا، فإن زاد قيل طوّال مشدّدا. «شعر سبط» [ (2) ] بفتحتين وككتف ويسكّن، ثم قد يكسر، مسترسل، وجسم سبط ككتف ويسكّن حسن القدّ والاستواء. «آدم» : بالمدّ أسمر. «أزد» بفتح الهمزة وسكون الزاي وبالدال المهملة. «شنوءة» بفتح الشين المعجمة وضمّ النون وسكون الواو وبعدها همزة ثم تاء تأنيث حيّ من اليمن ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله والنسبة إليه شنوئيّ بالهمز بعد الواو وشنأيّ [ (3) ] بالهمز بغير واو. وقال ابن قتيبة: «أزد شنوءة» : من قولك: رجل فيه شنوءة أي تقزّز. والتقزز بقاف وزايين التباعد من الأدناس. قال الداودي: «رجال الأزد معروفون بالطول» . وفي رواية: كانوا من رجال الزّط [ (4) ] وهم معروفون بالطول والأدمة. «يعاتب ربّه» وفي رواية سمعت صوتا وتذميرا فقلت من هذا؟ قال: هذا موسى. قلت: أعلى ربّه؟ قال: نعم قد عرف حدّته. قال الخليل رحمه الله تعالى: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة، والتذمر بذال معجمة مثله. «الحدّة» بكسر الحاء المهملة. «السّرح» بسين فراء فحاء مهملات وزن كتب جمع سرحة وهي الشجرة العظيمة. «جلّها» بضم الجيم معظمها. «مثل الزرابيّ» بزاي فراء كما رأيته بخط جماعة منهم الذهبي في تاريخ الإسلام والهيثمي في مجمع الزوائد والشيخ في تفسيره جمع زربيّة بتثليث الزاي وهي الطنفسة بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء وهي البساط الذي له خمل رقيق، ورأيت بخط

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 777. [ (2) ] انظر اللسان 3/ 1922. [ (3) ] اللسان 4/ 2335. [ (4) ] انظر لسان العرب 3/ 1830.

بعض المحدثين الروابي براء فواو وأظنه تصحيفا وإن كان قريب المعنى. «الحمة» بحاء مضمومة الفحمة. «السخنة» بضم السين المهملة وسكون الخاء المعجمة أي الحارّة. «بالحلقة» بإسكان اللام ويجوز فتحها وبالفتح جمعها حلق وحلقات وبالإسكان حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها. «يربط به الأنبياء» : قال النووي: كذا في الأصول «به» بضمير المذكّر أعاده على معنى الحلقة وهو الشيّء. قال صاحب التحرير: المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس. «الخليل والأمّة والقانت» سبق بيانها في أسمائه الشريفة «المحاريب [ (1) ] » ، قال في أنوار التنزيل هي قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بذلك لأنه يذبّ عنها ويحارب عليها. «التماثيل» الصور ولم تكن محرّمة في زمنه. «الجفان» جمع جفنة بفتح الجيم وسكون الفاء وهي القصعة الكبيرة، قال ابن الجوزي في زاد المسير: قال المفسّرون كانوا يصنعون القصاع الكبيرة كحياض الإبل يجتمع على الواحدة منها ألف رجل. «الجوابي» جمع جابية وهي الحوض الكبير يجبى فيه الماء أي يجتمع. «الأكمه» الذي يولد أعمى. «كافّة للناس» : تقدّم في الأسماء الشريفة. «قدور راسيات» : أي ثوابت قال في زاد المسير: وكانت القدور كالجبال لا تتحرك من أماكنها يأكل من القدر ألف رجل. «الفرقان» من أسماء القرآن وسمي به لأنه فرّق به بين الحق والباطل. «التّبيان» : بكسر أوله البيان الشّافي. «وسطا» : خيارا عدلا: «الأوّلون» في دخول الجنّة «والآخرون» في الوجود. «الوزر» : يأتي الكلام عليه في أبواب عصمته. «ورفع لي ذكري» : يأتي ذكره في الخصائص. «جعلني فاتحا» : أي لأبواب الإيمان والهداية إلى صراط مستقيم ولبيان أسباب التوفيق وما استعلق من العلم أو هو من الفتح بمعنى الحكم فجعله حاكما في خلقه فانفتح ما انغلق

_ [ (1) ] انظر المفردات في غريب القرآن 112.

بين الخصمين بأحيائه الحق وإيضاحه وإماتته الباطل وإدحاضه. «خاتما للنبيين» : أي آخرهم بعثا. «وجبتها» سقوطها. «النّجد» ما ارتفع من الأرض. «ينسلون» يسرعون. «تجزم الأرض» [ (1) ] . من ريحهم بالجيم تنتن من جيفهم. «الحامل المتمّ» أي التي دنا ولادها. «الفطرة» : بالكسر الهدى والاستقامة. «المعراج» لغة السّلّم وجمعه معارج ومعاريج. قال الأخفش إن شئت جعلت الواحد معرج ومعرج بفتح الميم وكسرها، فعلى هذا يكون الجمع لمعرج بفتح الميم معاريج بياء ومعرج بكسرها معارج بغير ياء، والمعارج المصاعد، ويقال عرج في السّلم بفتح الراء يعرج بضمّها عروجا إذا ارتقى وعرج أيضا بفتح الراء إذا غمز من شيء أصابه في رجله فخمع [ (2) ] ومشى مشية الأعراج إذا لم يكن خلقة أصلية، فإذا كان خلقة يقال عرج بكسر الراء يعرج بفتحها. «طمح» [ (3) ] بصره إلى الشيء ارتفع وكل طامح مرتفع. «المرقاة [ (4) ] » موضع الرّقيّ ويجوز فيها فتح الميم على أنه موضع الارتفاع ويجوز الكسر تشبيها باسم الآلة كالمطهرة وأنكر أبو عبيد الكسر. «منضّد باللؤلؤ» : أي جعل بعضه على بعض. «مرحبا» بالتنوين: كلمة تقال عند المسرّة بالقادم ومعناها صادفت رحبا أي سعة ويكنى بذلك عن الانشراح فوضع المرحب موضع التّرحيب. «وأهلا» أي أتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش. «حيّاه الله» أي أبقاه، من الحياة وقيل سلّم عليه من التحية والسلام وقول الملائكة: «من أخ» ، المراد بهذه الأخوة أخوّة الإيمان المشار إليها بقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] .

_ [ (1) ] انظر اللسان 1/ 619. [ (2) ] الخمع: العرج ورجل في رجل خمع أي عرج. انظر ترتيب القاموس 2/ 110. [ (3) ] انظر لسان العرب 3/ 2704. [ (4) ] اللسان 3/ 1711.

«الخليفة» : تقدم في أسمائه الشريفة.. «نعم المجيء جاء» : المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير، والأصل: فلنعم المجيء مجيئه. «خلصا» وصلا. «علّيّين» : اسم لأعلى الجنّة. «سجّين [ (1) ] » : موضع فيه كتاب الفجّار. «الأسودة» [ (2) ] جمع سواد ويجمع على أساود. قال النووي: قال أهل اللغة: السواد الشخص وقيل السواد الجماعة. وقال في التقريب: السواد نقيض البياض وكل شخص من متاع أو حيوان والجمع أسودة ثم أساود. «نسم [ (3) ] نبيه» بنون فسين مهملة مفتوحتين جمع نسمة بالتحريك وهي الروح. «قبل يمينه» بكسر القاف وفتح الموحّدة أي جهة يمينه. «هنيهة [ (4) ] » تصغير هنة يعني شيئا يسيرا والهاء بدل من الياء والأصل هنيّة. «الأخونة [ (5) ] » جمع خوان بكسر المعجمة وضمها الذي يؤكل عليه. وقال الخليل: هو المائدة. «أروح» تغيّرت رائحته. «المائدة» الخوان إذا كان عليه طعام. «جيف [ (6) ] » بكسر الجيم وفتح الياء جمع جيفة وهي الميتة من الدوابّ والماشية سميت بذلك لتغير ما في جوفها. «السابلة» : أبناء السبيل المختلفة. «يضجّون» بالجيم يصيحون من الفزع. «المسّ» الجنون.

_ [ (1) ] المفردات 225. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 461. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 919. [ (4) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 998. [ (5) ] المصباح المنير 185. [ (6) ] المعجم الوسيط 1/ 150.

«المشافر» بالمعجمة جمع مشفر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء وهي من البعير كالجحفلة من الفرس وهي من ذي الحافر كالشّفة للإنسان. «ثديّهن» بضم المثلّثة وكسر المهملة جمع ثدي يذكّر ويؤنّث فيقال هو الثدي وهي الثدي ويجمع أيضا على أثد وزن أكل وربما جمع على ثداء مثل سهم وسهام. «الهمّازون» الذين يغتابون الناس من غير مواجهة. «اللّمّازون [ (1) ] » العيّابون. «بابني الخالة» : قال ابن السّكّيت: «يقال أبناء خالة ولا يقال أبناء عمّة، ويقال أبناء عمّ ولا يقال أبناء خال» . قال الحافظ: «وسبب ذلك أن ابني الخالة أمّ كل منهما خالة الآخر، بخلاف ابني العمّة. «عيسى» : اسم أعجمي غير منصرف، للعلمية والعجمة، وقيل مشتق من العيس وهو البياض، والأعيس الجميل الأبيض وجمعه عيسى فقيل له عيسى لبياض لونه. وقيل من العوس وهو السياسة وأصله عوسا فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وقيل له عيسى لأنه ساس نفسه بالطاعة، وقلبه بالمحبة. وأمّته بالدعوة إلى ربّ العزّة. «مريم» : اسم أعجمي فيه ثلاث علل: العلمية والتأنيث المعنوي والعجمة، وقيل معناه بالعبراني: خادمة الله، وقيل أمة الله، وقيل المحررّة. «يحيى» : مشتقّ من الحياة وأطلق عليه هذا الاسم لأنه ولد في حال شيخوخة والديه، وغالبا لا يطول عمر من كان كذلك، فوهبه الله تعالى هذا الاسم طمأنة لقلبيهما أن يحيا كثيرا، وأنه ولد يحيا بالمحبة، حيّ الجسم بالطاعة حيّ اللسان بالذكر حيّ السّرّ بالمعرفة معصوما من الزّلة. «زكريا» : اسم أعجمي يقصر ويمدّ وقرئ بهما في السبعة، ويقال له زكريا بتخفيف الياء وتشديدها. وزكريا كان عالما بالتوراة والإنجيل وكان إمام علماء بيت المقدس ومقدّمهم وكان من تلاميذه أربعة آلاف عالم قارئ للتوراة: «النّقر» محرّكا جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة أو إلى سبعة. «وإذا هو بعيسى جعد [ (2) ] » : قال النووي: قال العلماء: «المراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وليس المراد جعودة الشّعر» . «مربوع» هو الرجل الذي بين الرجلين في القامة ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الحقير.

_ [ (1) ] المفردات في غريب القرآن 454. [ (2) ] اللسان 1/ 632.

«سبط الرأس» بفتح الباء وكسرها ويجوز إسكان الباء مع فتح السين ومع كسرها على التخفيف أي مسترسل الشّعر وليس فيه تكسير. «الديماس [ (1) ] » بكسر الدال المهملة وتفتح وبإسكان المثناة التحتية، فسّره الراوي وهو عبد الرّزّاق بالحمّام، والمعروف عند أهل اللغة أن الديماس هنا هو السّرب، والمراد من ذلك وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كنّ فخرج منه وهو عرقان. قال السهيلي: وفي هذه الصفة من صفات عيسى عليه السلام إشارة إلى الرّيّ والخصب في أيامه إذا أهبط إلى الأرض. «عروة بن مسعود» أحد السادة الصحابة رضي الله عنهم. «يوسف» : اسم أعجمي وتثلّث سينه وهو غير منصرف للعلمية والعجمة. «إذ هو قد أعطى» بدل من الأول بدل اشتمال «الشّطر» : قال بعض شرّاح المصابيح: المراد به هنا النصف، وقيل: البعض لأن الشّطر كما يراد به نصف الشيء قد يراد به بعضه مطلقا. قال الطيبي: وقد يراد به الجهة أيضا نحو قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 144] أي جهته «من الحسن» أي مسحة منه كما يقال على وجهه مسحة ملك ومسحة جمال أي أثر ظاهر ولا يقال ذلك إلا في المدح. «هارون» : اسم أعجمي للعلميّة والعجمة وقيل معرّب. «أرون» والأرن النشاط سمّي به لنشاطه في طاعة الله تعالى، ثم قيل هارون كما قالوا في إيّاك هيّاك. «الرّهط» بسكون الهاء وفتحها ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى الأربعين. «القوم» : جماعة الرجل عند الأكثرين. «الأفق» بضمتين وجمعها آفاق بالمدّ أي النواحي. «موسى» اسم معرّب أصله «مو» وهو بالعبرانية الماء، «والسا» وهو الشجر، سمي به لأنه وجد في الماء والشجر الذي كان حول قصر فرعون. «آدم أسمر طوال» : تقدّم. «جاوزه» : عداه وفارقه.

_ [ (1) ] لسان العرب 2/ 1421.

«يزعم» : يقول: «إسرائيل» يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ومعناه عبد الله وقيل صفوة الله وقيل سرّ الله لأنه أسرى به لما هاجر، وفيه لغات أشهرها بياءين بعد الهمزة ثم لام، وقرئ إسراييل بلا همز. «الشّمط [ (1) ] » : بياض شعر الرأس يخالطه سواده والرجل أشمط وقوم شمطان مثل أسود وسودان وقد شمط بالكسر شمطا والمرأة شمطاء. «مسند ظهره» ، مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو مسند ظهره، وفي رواية: مسندا ظهره بالنّصب على الحال. فائدة: نقل في النور أن السلطان الملك برقوق سأل عن البيت المعمور من أي شيء هو؟ قال بعض الحاضرين بأنه من عقيق، ونقله عن بعض التفاسير. «الغراس» بكسر الغين المعجمة وبالسين المهملة يقال غرست الشجرة غرسا من باب ضرب، والشجر مغروس ويطلق عليه أيضا غرس وغراس بالكسر فاعل بمعنى مفعول مثل كتاب وبساط. «القراطيس» جمع قرطاس ما يكتب فيه، وكسر القاف فيه أشهر من ضمّها، والقرطس وزان جعفر فيه لغة. «ولم يلبسوا إيمانهم بظلم» أي لم يخلطوه بشرك. «ثيابّ رمد» [ (2) ] أي لون الرماد. «آخر ما عليهم» بضم الراء وفتحها، فالرفع على تقدير: ذلك آخر ما عليهم، والنّصب على الظرف، قال القاضي: والرفع أجود. «الحلس» - بحاء مهملة مكسورة وبفتح فلام ساكنة فسين مهملة. كساء يلي ظهر البعير القتب، والمراد أنه لتصاغره واختفائه عن هيبة الله تعالى أشبه الحلس المختفي تحت القتب، ولهذا في بعض الروايات قال «لا طيء» وهو بهمزة في آخره. ويقال لطئ بالأرض لطوءا لصق بها، وهو شدة معرفته بها، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم: «فعرفت فضل علمه بالله عليّ» . قال بعضهم: وإنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم تواضعا إذ لا خلاف أنه أفضل خلق الله، وإنما الخلاف في غيره من الملائكة. قلت: أو قال ذلك قبل أن يصل إلى ما وصل إليه. «أسن الماء [ (3) ] » بفتح السين وكسرها يأسن مثلّثة [أسنا وأسنا] وأسونا تغيّر فلم يشرب فهو آسن.

_ [ (1) ] لسان العرب 3/ 2327. [ (2) ] لسان العرب 3/ 1727. [ (3) ] المفردات في غريب القرآن 18.

«النّبق» : بفتح النون وكسر الباء وتسكّن ثمرة السّدرة. «قلال هجر» : قال الخطّابي بكسر القاف جمع قلّة بالضّمّ وهي الجرار الواحدة تسع قربتين أو أكثر وهجر بفتح الهاء والجيم من قرى المدينة ولا تنصرف للتأنيث والعلمية، ويجوز الصرف، يريد أن ثمر السّدرة في الكبر مثل القلال، وكانت معروفة عند المخاطبين، ولذلك وقع التمثيل بها. تنبيه: سئل: هل ثمر سدرة المنتهى كالثمار المأكولة في أنه يزول ويعقبه غيره؟ وهل الزائل يؤكل أو يسقط؟. «وإذا ورقها مثل آذان الفيلة» : بكسر الفاء وفتح المثناة التحتية بعدها لام، وحكى الزركشي والبرماوي [ (1) ] فتح الفاء وقال الدماميني: إنه سهو، والفيلة جمع فيل، وفي رواية: مثل آذان الفيول وهي جمع فيل أيضا، ولا منافاة بين ذلك وبين قوله: «تكاد الورقة تغطّي هذه الأمة» لأن المراد التشبيه في الشكل خاصّة لا في الكبر ولا في الأحسن. «أنهار» : جمع نهر بسكون الهاء وفتحها. «غشيها ألوان» : علاها ولابسها، «فلما غشيها من الله ما غشيها» هو كقوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى [النجم: 16] في إرادة الإبهام للتفخيم والتهويل، وإن كان معلوما كما في قوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ [طه: 78] في حق فرعون. وقوله: فراش بيان له. «الزّبرجد [ (2) ] » بزاي مفتوحة وبالدّال المهملة جوهر معروف ويقال هو الزمرد [ (3) ] . «يلوذ بها» : يطوف بها. «الفراش» بالفتح جمع فراشة: الطير الذي يلقي نفسه في ضوء السّراج.

_ [ (1) ] محمد بن عبد الدائم بن موسى، الشيخ الإمام، العالم المفنن، شمس الدين أبو عبد الله العسقلاني الأصل البرماوي، المصري. مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ سراج الدين البلقيني، والشيخ سراج الدين بن الملقن، والشيخ زين الدين العراقي، والشيخ عز الدين بن جماعة، ومجد الدين البرماوي، والقاضي بدر الدين ابن أبي البقاء. وكان في صغره في خدمته، وسمع الكثير وفضل وتميز في الفقه والنحو، والحديث والأصول وكانت معرفته بهذه العلوم الثلاثة أكثر من معرفته بالفقه. وكتب شرحا على البخاري لم يبينه، وجمع شرحا على العمدة سماه جمع العدة لفهم العمدة، وأفرد أسماء رجال العمدة. وله الألفية في الأصول وشرحها، أخذ أكثره من البحر للزركشي، وله منظومة أخرى في الفرائض وغير ذلك، ومات في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة. الطبقات لابن قاضي شهبة 4/ 101، 102، 103، وإنباء الغمر 8/ 161، والأعلام 7/ 60، وشذرات الذهب 7/ 201. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 388. [ (3) ] الزمرّد: حجر أخضر اللون، شديد الخضرة. شفاف، وأشدّه خضرة أجوده وأصفاه جوهرا، واحدته زمرّدة. انظر المعجم الوسيط 1/ 401.

«خلّي على سبيلك» : بالبناء للمفعول، وهو صفة لقوله: أي أحد من أمتك ترك على طريقك. «الفرات» : بضمّ الفاء وبالتاء المبسوطة وصلا ووقفا. ومن قال بالهاء فقد أخطأ. «العنصر» : بضمّ العين والصاد المهملتين بينهما نون ساكنة، وهو الأصل. «السلسبيل» اسم عين في الجنة. «الكوثر» : يأتي الكلام عليه في الخصائص وفي أبواب حشره صلّى الله عليه وسلم. «يطّرد» : يجري. «عجاجا [ (1) ] » : كثير الماء كأنه يعجّ من كثرته وصوت تقعقعه. «الخيام» جمع خيم كفرخ وفراخ وسهم وسهام وهو مثل الخيمة، وهو بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر. قال ابن الأعرابي: لا تكون الخيمة عند العرب من ثياب بل من أربعة أعواد ثم يسقف بالثّمام بضم الثاء [المثلثة] وهو نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، والجمع خيمات وخيم وزان بيضات وقطع. «الرّضراض [ (2) ] » : بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة، وبأخرى مثلها: الحصى الصغار. «الزّمرّد» بزاي فميم فراء مشدّدة مضمومات فذال معجمة، هو الزبرجد. «خبّأ لك» : بفتح الخاء المعجمة والموحّدة مهموزا أي ادّخره لك ربّك. «ابن حارثة» : يأتي الكلام عليه في الموالي. «جنابذ اللؤلؤ [ (3) ] » : بجيم فنون مفتوحتين فألف فباء موحدّة فذال معجمة وهي القباب واللؤلؤ تقدم. «القيعان» : جمع قاع وهو المكان المستوي من الأرض، ويجمع أيضا على أقوع وأقواع. «الوجس [ (4) ] » بفتح الواو وسكون الجيم بعدها سين مهملة: الصوت الخفيّ. «الدّلاء» بكسر الدال جمع دلو. «للإبل المقتّبة» أي التي بأقتابها [ (5) ] .

_ [ (1) ] انظر اللسان 4/ 2813. [ (2) ] اللسان 3/ 1659. [ (3) ] انظر لسان العرب 1/ 695. [ (4) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 1014. [ (5) ] القتب: الرّحل الصغير على قدر سنام البعير. والجمع أقتاب. انظر المعجم الوسيط 2/ 720.

«مسك أذفر» : يقال ذفر الشيء بالكسر ذفرا بالتحريك اشتدت رائحته طيبة كانت أو كريهة. «عاقر النّاقة» : اسمه قدار بضم القاف والتخفيف، ابن سالف بالسين المهملة والفاء. «غشيها أنوار الخلائق» : إضافة تشريف كما يقال بيت الله. «الغربان» جمع غراب. «ظهر» ارتفع. «سبّوح [ (1) ] قدّوس [ (2) ] » بضمّ أولهما أي نزّه عن سوء وعيب. «لمستوى» : بفتح الواو وبالتنوين: موضع مشرف [يستوى عليه] أي يصعد وقيل المكان المستوي، [وفي بعض الأصول] : «بمستوى» بموحّدة بدل اللام وعليهما فالباء ظرفيّة. وعلى رواية اللام: قال التور بشتي: اللام للعلّة أو ارتفعت لاستعلاء مستوى أو لرؤيته أو لمطالعته ويحتمل أن يكون متعلقّا بالمصدر أي ظهرت ظهور المستوي، ويحتمل أن تكون بمعنى «إلى» . قال تعالى: أَوْحى لَها، أي إليها، والمعنى: إني أقمت مقاما بلغت فيه من رفعة المحلّ إلى حيث اطّلعت على الكوائن فظهر لي ما يراد من أمر الله وتدبيره في خلقه، وهذا هو المنتهى الذي لا تقدّم فيه لأحد عليه. وقال الطيبي: «لام» الغرض و «إلى» الغائيّة يلتقيان في المعنى، قال في الكشاف في قوله تعالى: كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان: 29] : «فإن قلت: يجري لأجل مسمّى، ويجري إلى أجل مسمّى، أهو من تعاقب الحرفين؟ قلت: كلّا ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع ضيّق العطن [ (3) ] ، ولكن المعنيين أعني الانتهاء والاختصاص كل واحد منهما ملائم لصحّة الغرض، لأن قولك: يجري إلى أجل مسمّى معناه يبلغه وينتهي إليه، وقولك: يجري لأجل مسمّى، تريد: يجري لإدراك أجل مسمّى. فالحاصل أن «اللام» و «إلي» وإن كان معناهما أعني الإدراك والانتهاء ملائما لصحة الغرض فليستا متعاقبتين، فمعنى: ظهرت إلى مستوى بلغته وانتهيت إليه، ومعنى «لمستوى» هو أدركت مستوى.

_ [ (1) ] لسان العرب 3/ 1914. [ (2) ] اللسان 5/ 3550. [ (3) ] يقال: فلان واسع العطن: واسع الصبر والحيلة عند الشدائد، سخي كثير المال. وضده: ضيّق العطن. انظر المعجم الوسيط 2/ 615.

«صريف الأقلام» بفتح الصاد المهملة وكسر الراء وبالفاء وهو صوت حركتها وجريانها على المكتوب فيه من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ وما شاء الله تعالى الذي يعلم بكيفيتها. «العرش» : السرير الذي للملك كما قال الله تعالى: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: 23] ، وثبت في الشّرع أنه له قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق الجنة والجنة فوق السموات، وفي الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، وهو كالقبّة على العالم وهو سقف المخلوقات، وقد بسطت الكلام عليه في «الجواهر النفائس في تحبير كتاب العرائس» . «لسانه رطب من ذكر الله» : أي لم يجف. «قلبه معلّق بالمساجد» كأنه ربط بها أو حبّا من العلاقة وهي المحبة. «لم يستسبّ لوالديه» أي لم يعرّضهما للسّبّ وهو الشّتم ولا جرّهما إليه بأن يسبّ أبا غيره فيسبّ [هذا] أباه مجازاة له. وقد جاء مفسّرا في الحديث الآخر: «أن من أكبر الكبائر أن يسبّ الرجل والديه» . قيل: وكيف يسبّ والديه؟ قال: «يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه وأمّه» . «لبّيك» : هو من التلبية وهي إجابة المنادي أي إجابتي لك يا رب وهو مأخوذ من لبّ بالمكان وألبّ إذا أقام به، وألبّ على كذا إذا لم يفارقه، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة، وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت: ألبّ إلباباً بعد إلباب. «يحفظون الكتاب المجيد» : يتلونه حفظا. «أنا جيلهم» : الأناجيل جمع إنجيل وهو اسم كتاب الله تعالى المنزّل على عيسى عليه الصلاة والسلام. «سبعا من المثاني» : هي كل سورة دون الطوال ودون المائتين. «الرّعب» الفزع وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص. «فواتح الكلم» وفي رواية مفاتيحه ومفاتحه وهما جمع مفتاح ومفتح وهما في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها، فأخبر أنه أوتي مفاتيح الكلم، وهو ما يسّر الله له من البلاغة والفصاحة والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره وتعذّرت. «خواتمه» به فصل الخطاب. «جوامعه» : أي من الكلمات القليلة الألفاظ، الكثيرة المعاني.

«المخيط» : بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح التحتية وبالطاء المهملة ما خيط به الثوب. «الملك القائد» : بقاف فألف فهمزة فدال مهملة: المقدّم. «الغرّ [ (1) ] » : بالغين المعجمة: جمع أغرّ، وهو هنا الأبيض الوجه من نور الوضوء. «المحجّلين [ (2) ] » : البيض الوجوه والرّجلين من نور الوضوء. «المقحمات» : بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء المهملة: الذنوب العظام الكبار التي تهلك أصحابها وتقودهم إلى النار، والتّقحّم الوقوع في المهالك. قال النووي: والمراد بغفرانها ألّا يخلد في النار بخلاف المشركين، وليس المراد، ألّا يعذّب أيضا فقد علم من نصوص الشرع وإجماع أهل السنّة إثبات عذاب العصاة من الموحّدين» . «فسله» : أصله فاسأله لأنه أمرّ من السؤال، فنقلت حركة الهمزة إلى السين فحذفت واستغني عن همزة الوصل فحذفت. «خبرت [ (3) ] الناس وبلوت بني إسرائيل» : بمعنى جرّبتهم ومارستهم وعالجتهم من المعالجة مثل المزاولة، ولقيت الشّدّة فيما رأيت منهم من نبذ الطاعة. «أن نعم» : بفتح الهمزة في «أن» والتخفيف وهي المفسّرة، فهي من معناه مثل «أي» ، وهي بالتخفيف. «فلم يزل يرجع بين موسى وبين ربّه» : أي بينه وبين مناجاة ربه. «ومن هم بحسنة» : أي أراد فعلها مصمّما بقلبه. «كتبت له حسنة» : أي كتبت له الحسنة التي همّ بها ولم يعملها كتابة واحدة لأن الهمّ بسببها أو بسبب الخير خير، فوضع حسنة موضع المصدر، وكذا إن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة. «لبّيك» : تقدم. «وسعديك» : أي إسعادا لك بعد إسعاد أو مساعدة بعد مساعدة، والأصل في الإسعاد والمساعدة متابعة العبد أمر ربّه ورضاه. «ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئا» : أي إذا لم يصمّم على الفعل كما هو مذكور في محله.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 5/ 3234 والمعجم الوسيط 2/ 648. [ (2) ] لسان العرب 2/ 788، 789. [ (3) ] المعجم الوسيط 1/ 214.

«ولكن أرضى وأسلّم» : قال الطيبي: فإن قلت: وقوع هذا بين كلامين متغايرين معنى فما وجهه ها هنا؟ قلت: تقدير الكلام: حتى استحييت فلا أرجع، فإني إذا رجعت كنت غير راض ولا مسلم، ولكني أرضى. «برهج» : بفتح الهاء وهو الغبار وفي قوله: «ثم ركب منصرفا» ، دليل على أنه حالة العروج لم يكن راكبا. «العير» : بكسر العين المهملة- الإبل بأحمالها.. «الغرارتان [ (1) ] » : تثنية غرارة وهي الجوالق بجيم مضمومة فواو فألف فلام فقاف: الخرج. «فظع [ (2) ] » بفاء فظاء معجمة مشالة أي اشتدّ عليه وهابه. «بين ظهرانينا» : بفتح النون أي: بيننا. المطعم بن عدي» : بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين مخفّفا، هلك كافرا. «مصعدا شهرا» : بميم مضمومة فصاد ساكنة فعين مكسورة فدال مهملات. «منحدرا شهرا» : بميم مضمومة فنون ساكنة فحاء فدال مكسورة مهملتين فراء «جبهته» : بفتح الجيم والموحّدة والهاء والفوقية أي استقبلته بالمكروه، وأصله من إصابة الجبهة يقال جبهته إذا أصبت جبهته. «كرب كربا» : وفي رواية: فكربت كربة- بضم الكاف وسكون الراء- ما كربت مثله قط والضمير في مثله يعود على معنى الكربة وهو الكرب أو الغمّ أو الهمّ أو الشيء. «الرّوحاء [ (3) ] » : براء مفتوحة فواو ساكنة فحاء مهملة فألف ممدودة: بلد من عمل الفرع [ (4) ] على نحو أربعين ميلا من المدينة ويقال على ستة وثلاثين ميلا، ويقال على ثلاثين ميلا. التنعيم [ (5) ] » : من الحلّ بينه وبين سرف على فرسخين من مكة نحو المدينة.

_ [ (1) ] لسان العرب 5/ 3236. [ (2) ] المعجم الوسيط 2/ 695. [ (3) ] الروحاء من الفرع، على نحو أربعين ميلا من المدينة. وفي كتاب مسلم بن الحجاج: على ستة وثلاثين ميلا. وفي كتاب ابن أبي شيبة: على ثلاثين ميلا وهو الموضع الذي نزل به تبّع حين رجع من قتال أهل المدينة يريد مكة، فأقام بها وأراح فسمّاها الروحاء. [ (4) ] الفرع بالضم، ثم السكون، وآخره عين مهملة. وقيل: بضمتين: قرية من نواحي الربذة، عن يسار السّقيا، بينها وبين المدينة ثمانية برد، على طريق مكة. وقيل: أربع ليال: قرية. [ (5) ] التنعيم: موضع بمكة خارج الحرم، هو أدنى الحلّ إليها، على طريق المدينة، منه يحرم المكيّون بالعمرة، به مساجد مبنيّة بين سرف ومكة. قال: على فرسخين من مكة. وقيل: أربعة. قلت: لا خلاف بين الناس أنه على ثلاثة أميال من مكة.

«يقدمها» : بضم الدال في المضارع وبفتحها في الماضي، يقال: قدم يقدم قدما، بضمّ القاف في المصدر، أي تقدم. قال تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [هود: 98] . «جمل أورق [ (1) ] » : أي في لونه بياض إلى سواد، قاله الأصمعي. وقال أبو زيد: يضرب لونه إلى الخضرة. «أهريقت [ (2) ] » : انكبّت. «في غدوة» : بضم الغين المعجمة: ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. «الرّوحة [ (3) ] : اسم للوقت من الزوال إلى الليل. هذا ما يسرّ الله تعالى من الكلام على بعض فوائد القصة وشرح مشكلها، وقد جمعت جزءا في بيان تخريج أحاديثها سمّيته: «الإفراج في تخريج أحاديث قصة المعراج» ، فمن توقّف في ورد لفظ فليراجع ذلك الجزء يظفر بمعرفة من رواه من الأئمة، والله سبحانه وتعالى الموفّق للصواب.

_ [ (1) ] اللسان 6/ 4816، 4817. [ (2) ] انظر لسان العرب 6/ 4654. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 380، 381.

الباب العاشر في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وكيف فرضت الصلاة

الباب العاشر في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وكيف فرضت الصلاة روى الإمامان الشافعي وأحمد، وأبو داود والترمذي وحسّنه، والطحاوي [ (1) ] والبيهقي عن ابن عباس، والإمام أحمد والنسائي والدارقطني والحاكم وصححه واقره الذهبي عن جابر بن عبد الله، والدارقطني والحاكم والإسماعيلي في معجمه، وابن السّكن في صحيحه عن أنس، والدارقطني بإسناد جيد عن ابن عمر، والنسائي والحاكم وصححه واقره الذهبي عن أبي هريرة وإسحاق بن راهويه عن أبي مسعود الأنصاري، وعبد الرّزّاق وإسحاق عن أبي سعيد الخدريّ، وإسحاق عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جدّه عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنهم. قال الحافظ في المطالب: إسناده حسن، إلا إن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنّه، فإن كان الضمير في جدّه يعود على أبي بكر توقّف على سماع أبي بكر من عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمّنى جبريل عند البيت» - ولفظ الشافعي والطحاوي والبيهقي: «عند باب البيت» - «مرّتين فصلّى بي الظّهر حين زالت الشمس، وكانت قدر الشّراك، وصلّى بي العصر حين صار ظلّ كل شي مثله، وصلّى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلّى بي العشاء حين غاب الشّفق، وصلّى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلّى بي الظّهر حين كان ظلّه مثله» - وفي لفظ: «كوقت العصر بالأمس» - «وصلّى بي العصر حين كان ظلّه مثليه، وصلّى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلّى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول، وصلّى بي الفجر فأسفر» ، ثم التفت فقال: «يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين [ (2) ] » . هذا ما وقفت عليه في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بالصلوات الخمس، وأما عدد ركعاتها حين فرضت فمن الناس من ذهب إلى أنها فرضت أول ما فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا إلا المغرب وأقلّت صلاة السّفر ركعتين. وروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها الشعبي وميمون بن مهران ومحمد بن إسحاق. ومنهم من ذهب إلى أنها

_ [ (1) ] منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي: وإليه انتهت رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر. أخذ العلم عن أبي جعفر بن أبي عمران وعن أبي خازم وغيرهما. وكان شافعيا يقرأ على أبي إبراهيم المزني فقال له يوما: والله لا جاء منك شيء، فغضب أبو جعفر من ذلك وانتقل إلى أبي جعفر بن أبي عمران، فلما صنف مختصره قال: رحم الله أبا إبراهيم لو كان حيا لكفّر عن يمينه وصنف «اختلاف العلماء» و «الشروط» و «أحكام القرآن» و «معاني الآثار» . ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين ومات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. طبقات الفقهاء للشيرازي 142. [ (2) ] أخرجه الشافعي في الأم 1/ 71 وأحمد في المسند 1/ 333 وأبو داود 1/ 274 (393) والترمذي 1/ 278 (149) وابن خزيمة في صحيحه 1/ 168 (325) والدارقطني 1/ 258 (6- 9) .

تنبيهات

فرضت أول ما فرضت أربعا إلا المغرب ففرضت ثلاثا والصبح ركعتين، وبه قال الحسن ونافع بن جبير بن مطعم وابن جرير. ومنهم من ذهب إلى أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السّفر ركعتين، يروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر أدلّة هذه الأقوال والكلام عليها مذكور في المطولات. وروى الشيخان وابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما افترضت ركعتين ركعتين كل صلاة ثم إن الله أتمّها في الحضر أربعا وأقرّها في السفر على فرضها الأول ركعتين» . تنبيهات الأول: ذكر بعضهم أن المعروف في رواية المواقيت عند البيت- وروي عند باب البيت- وقد علمت أنها رواية الشافعي والطحاوي والبيهقي. الثاني: المشهور في الأحاديث السابقة الابتداء بالظّهر. روى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أحمد بن محمد، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبي إسحاق عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما فرضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فصلّى به الصبح حين طلع الفجر» ، وذكر الحديث. وكذا وقع في رواية الدارقطني وابن حبان في الضعفاء من طريق محبوب بن جهم، وهو ضعيف، وفي رواية أبي هريرة عند النسائي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل جاءكم يعلّمكم دينكم» ، فصلّى الصبح حين طلع الفجر. الثالث: قال أبو عمر: لم أجد قوله «هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك» ، إلا في هذا الحديث، يعني رواية ابن عباس، قلت: قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات مشروعة لمن قبله من الأنبياء، وليس كذلك، إنما معناه: هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسّع المحدود بطرفين: الأول والآخر، ووقت الأنبياء قبلك، يعني مثله وقت الأنبياء قبلك أي صلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين مثل هذا. وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصّة وإن كان غيرهم قد يشاركهم في بعضها. وقد روى أبو داود في حديث العشاء: «أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم وكذا قال أبو الفتح: «يريد بها التوسعة عليهم في أن للوقت أولا وآخرا إلا أن الأوقات هي أوقاتهم بعينها» .

الرابع: استشكل بعضهم لفظ «عند البيت» بأنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل بيت المقدس قبل الهجرة. قلت: ولا إشكال في ذلك لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلّم جعل البيت بينه وبين بيت المقدس، وكذلك رواية: «عند الباب» لا إشكال فيها، إذ لا يلزم في كون الصلاة عند الباب أن تكون الصلاة إليه. الخامس: قال ابن المنير: «لما أمر الله سبحانه وتعالى جبريل أن يعلّم النبي صلى الله عليه وسلّم الصلاة، كانت هذه فرضا عليه لأنه أمر بذلك، فكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة مفترض خلف مفترض» . السادس: قال الحربي: «أول ما فرضت الصلاة عليه: ركعتين أول النهار وركعتين آخره بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها في الحضر» . قال أبو عمر: «ليس في حديث عائشة دليل على صحة ما ذهب إليه الحربي، ولا يوجد هذا في أثر صحيح، بل فيه دليل على أن الصلاة التي فرضت ركعتين ركعتين هي الصلوات الخمس لأن الإشارة بالألف واللام في «الصلاة» إشارة إلى المعهود» . قال الحافظ: «الذي يظهر وبه تجمع الأدلّة أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت عقب الهجرة إلا الصبح كما روى ابن خزيمة وابن حبّان والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: «فرضت صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن، زيد في صلاة الحضر ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر» . انتهى. ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفّف منها في السفر عند نزول الآية وهي قوله تعالى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً [النساء: 101] قال ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح مسند الشافعي: إن قصر الصلاة كان في ربيع الأول من السنة الثانية، وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها. وقيل قصر الصلاة كان في ربيع الأول من السنة الأولى ذكره الدولابي وأورده السّهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو بنحوه، وقيل بعد الهجرة بأربعين يوما. فعلى هذا فالمراد بقول عائشة: فأقرت صلاة السفر باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لأنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة. السابع: قال السهيلي: هل هذه الزيادة في الصلاة نسخ أم لا؟ فيقال: أما زيادة ركعتين أو ركعة إلى ما قبلها من الركوع حتى تكون صلاة واحدة فنسخ، لأن النسخ رفع الحكم، وقد

ارتفع حكم الإجزاء [ (1) ] من الركعتين وصار من سلّم فيها عامدا مفسدا لها، وإن أراد أن يتمّ صلاته بعد ما سلّم عامدا لم يجزه إلا أن يستأنف الصلاة من أوّلها، فقد ارتفع حكم الإجزاء بالنّسخ، وأما الزيادة في عدد الصلوات حتى المكث خمسا بعد ما كانت اثنتين فسمّيت نسخا عند أبي حنيفة، قال الزيادة عنده نسخ، وجمهور المتكلمين على أنه ليس بنسخ، ولاحتجاج الفريقين موضع غير هذا. الثامن: في بيان غريب ما سبق: «زوال الشمس» : عبارة عن ميلها من جانب الشّمال إلى جانب اليمين إذا استقبلت القبلة. «الشّراك» [ (2) ] : أحد سيور النّعل التي على وجهها وقدره هنا ليس على معنى التحديد.

_ [ (1) ] يقال: أجزأني الشيء. أي كفاني، ويروى بالياء، انظر النهاية لابن الأثير 1/ 266. [ (2) ] انظر لسان العرب 4/ 2250.

جماع أبواب بدء إسلام الأنصار

جماع أبواب بدء إسلام الأنصار الباب الأول في نسبهم قال السهيلي رحمه الله تعالى: «الأنصار جمع ناصر على غير قياس في جمع فاعل، ولكن على تقدير حذف الألف من ناصر لأنها زائدة، فالاسم على تقدير حذفها ثلاثي، والثلاثي يجمع على أفعال، وقد قالوا في نحوه صاحب وأصحاب وشاهد وأشهاد» . وفي الصحاح النصير الناصر، والجمع أنصار مثل شريف وأشراف، وجمع الناصر نصر مثل صاحب وصحب» . انتهى. ولم يكن «الأنصار» اسما لهم في الجاهلية بل سمّاهم الله تعالى به في كتابه كما سيأتي في الباب بعده. والأنصار حزبان: الأول: بنو الأوس، قال السهيلي: وهو لغة العطية أو العوض. زاد في الزهر: وأوس زجر للغنم والبقر، ودخول الألف واللام فيه على حدّ دخولها في التّيم جمع تيميّ، وهو من باب روميّ وروم، ومثل هذا إذا كان علما لا تدخله الألف واللام. والثاني: بنو الخزرج، قال السهيلي: وهو في اللغة الريح الباردة، وقال بعضهم: هي الجنوب خاصة، وقال بعضهم في الزهر: الريح الشديدة. والأوس والخزرج ابنا حارثة- بحاء مهملة وثاء مثلثة- ابن ثعلبة العنقاء- بعين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فقاف فهمزة ممدودة، لقّب به لطول عنقه- ابن عمرو مزيقياء- بميم مضمومة فزاي مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة، فقاف مكسورة فمثناة تحتية فهمزة ممدودة، لقّب عمرو بذلك لأنه كان من ملوك اليمن، وكان يلبس كل يوم حلّتين فيمزّقهما بالعشيّ ويكره أن يعود فيهما، ويأنف أن يلبسهما أحد غيره، قاله في النور والروض يمزّق كل يوم حلّة بالإفراد- ابن عامر ماء السماء- لأن قومه كانوا إذا قحطوا بثّ فيهم ماله، فكان يقوم لهم مقام ماء السماء- ابن حارثة- بحاء مهملة ومثلّثة، ويلقّب بالغطريف- بغين معجمة مكسورة فطاء مهملة ساكنة فراء مكسورة وفي آخره فاء، وهو في اللغة السّيّد وفرخ البازي- ابن امرئ القيس- ويلقّب: البطريق بباء موحدة فطاء مهملة ساكنة وفي آخره قاف- وهو القائد من قوّاد الروم وهو معرّب، والجمع بطارقة، وهو في اللغة السّمين من الطّير وغيره، وأيضا المختال في مشيه- ابن ثعلبة- ويلقّب بالبهلول بباء موحدة مضمومة

وهاء ساكنة وهو في اللغة السّيّد- ابن مازن- ويلقّب: زاد السّفر- ابن الأزد- اسم الأزد «درا» بدال مكسورة فراء مهملتين فألف ممدودة- ابن الغوث- بغين معجمة مفتوحة فواو ساكنة فمثلثة ابن مالك بن زيد بن كهلان- بكاف مفتوحة فهاء ساكنة وآخره نون- ابن سبا- يمدّ فمثلثة ابن مالك بن زيد بن كهلان- بكاف مفتوحة فهاء ساكنة وآخره نون- ابن سبا- يمدّ ويقصر، ويصرف ولا يصرف واسمه عامر وقيل عبد شمس- ابن يشجب- بمثناة تحتية مفتوحة فشين معجمة ساكنة فجيم مضمومة فموحّدة، وزان ينصر، ولا ينصرف للعلمية- ابن يعرب- بعين مهملة وزان يشجب- ابن قحطان- بقاف مفتوحة فحاء ساكنة مهملتين فنون، والنسبة إليهما قحطاني على القياس، ولقبه يقطن- بمثناة تحتية فقاف فطاء مهملة وزان يعرب وسمّي بقحطان لأنه كان أول من قحط أموال الناس من ملوك العرب واسمه مهزم، ويقال إن قحطان كان أول من تكلم بالعربية وهو والد العرب المتعربة وأما إسماعيل فهو والد العرب المستعربة، وقيل قحطان أوّل من قيل له: أبيت اللعن، وعم صباحا، وذهب الزبير بن بكار إلى أن قحطان من ذرية إسماعيل عليه السلام وأنه قحطان بن الهميسع وتقدم ضبطه في النسب النبوي: ابن إسماعيل وهو ظاهر قول أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم في قصة هاجر حيث قال وهو يخاطب الأنصار: «تلك أمّكم يا بني ماء السماء» . قال الحافظ: «وهذا هو الراجح في نقدي» . وبسط الكلام على ذلك.

الباب الثاني في فضلهم وحبهم والوصية بهم والتجاوز عن مسيئهم والنهي عن بغضهم

الباب الثاني في فضلهم وحبهم والوصية بهم والتجاوز عن مُسيئهم والنهي عن بغضهم قال الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 74] وقال الله عز وجل: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] وقال تقدّس اسمه: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ [الأنعام: 89] . وعن غيلان بن جرير قال: «قلت لأنس: أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمّون به أم سمّاكم الله؟ قال: بل سمّانا الله عز وجل» ، رواه البخاري والنسائي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه: «إن الله أمدّني بأشد الناس ألسنا وأذرعا، بابني قيلة: الأوس والخزرج» ، رواه الطبراني في الكبير. وعن أبي واقد الليثي قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه آت فالتقم أذنه فتغيّر وجهه وسار الدّم في أساريره، ثم قال: «هذا رسول عامر بن الطفيل يتهدّدني فكفانيه الله بالبيتين من ولد إسماعيل با بني قيلة» ، يعني الأنصار، رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النّساء والصبيان مقبلين قال: حسبت أنه قال: من عرس فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا، فقال: «اللهم أنتم من أحب الناس إلى» ، قالها ثلاث مرات. رواه البخاري [ (1) ] . وعنه أيضاً قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعها صبي لها فكلّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلى» ، مرّتين، رواه الشيخان والنسائي [ (2) ] . وعن البراء بن عازب رضي الله عنه يرفعه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبّهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله» [ (3) ] ، رواه الستة خلا أبو داود. وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: «آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار» [ (4) ] . رواه الشيخان والنسائي. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ببعض سكك المدينة فإذا بجوار يضربن بدفّين ويتغنّين ويقلن: نحن جوار من بني النجار يا حبّذا محمد من جار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم تعلم أني لأحبّكنّ» ، حديث صحيح رواه ابن ماجة، وعن سعد بن عبادة يرفعه: «إن هذا الحي من الأنصار محنة: حبّهم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 111 (3785) . [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 40 (دار الفكر) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (175) . [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 113 (3783) ومسلم 1/ 85 (129- 75) . [ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 113 ومسلم 1/ 85 (128- 74) .

إيمان وبغضهم نفاق» [ (1) ] ، رواه الإمام أحمد. وعن أبي سعيد الخدري يرفعه: «حبّ الأنصار إيمان وبغضهم نفاق» [ (2) ] ، رواه الإمام أحمد. وعنه، «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر» [ (3) ] ، رواه الإمام أحمد. وعنه أيضا يرفعه: «من أحبّني أحبّ الأنصار، ومن أبغضني فقد أبغض الأنصار، لا يحبّهم منافق ولا يبغضهم مؤمن، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله، الناس دثار والأنصار شعار، ولو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار» رواه الإمام أحمد [ (4) ] . وعن جدة رباح بن عبد الرحمن بن حويطب يرفعه: «لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار» ، رواه الترمذي وابن ماجة دون ذكر الأنصار فيه، وقال الترمذي عن البخاري إنه قال: هذا أحسن حديث في هذا الباب. وعن على بن سبرة عن أبيه عن جدّه يرفعه: «أيها الناس لا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولم يؤمن بالله من لم يؤمن بي ولم يؤمن بي من لم يعرف حقّ الأنصار» ، رواه البغوي في معجمه والطبراني في الأوسط. وعن الحارث بن زياد يرفعه: «من أحبّ الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله» رواه الإمام أحمد [ (5) ] . وعنه أيضا يرفعه: «والذي نفسي بيده لا يحب رجل الأنصار حتى يلقى الله إلّا لقي الله وهو يحبه، ولا يبغض رجل الأنصار حتى يلقى الله إلا لقي الله وهو يبغضه» ، رواه الإمام أحمد والطبراني وسنده صحيح [ (6) ] . وعن أنس رضي الله عنه قال: افتخر الحيان من الأنصار: الأوس والخزرج، فقالت الأوس: «منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الراهب، ومنا من اهتز له عرش الرحمن، سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدّبر، عاصم بن ثابت [ (7) ] بن أبي

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 285 والطبراني في الكبير 6/ 24 وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 28 والمتقي الهندي في الكنز (33743) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 70 وابن عدي في الكامل 2/ 730. [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 86 (77- 130) والترمذي (6- 39) وأحمد في المسند 1/ 309- 2/ 419 والطبراني في الكبير 12/ 17. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 32 وعزاه للبزار بإسنادين وفيهما كلاهما عطية وحديثه يكتب على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (163) وأحمد في المسند 2/ 501 والطبراني في الكبير 3/ 299 وابن أبي شيبة في المصنف 12/ 158. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 41 وعزاه لأحمد والطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير محمد بن عمرو وهو حسن الحديث. [ (7) ] عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن بدر بن مالك بن عمرو بن عوف الأنصاري جد عاصم بن عمرو بن الخطاب لأمه من السابقين الأولين من الأنصار.. الإصابة 4/ 3.

الأقلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين، خزيمة بن ثابت. فقال الخزرجيون: منا أربعة نفر جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل» ، حديث رواه أبو يعلى والبزار، والطبراني في الكبير، وفي الصحيح منه الذين جمعوا القرآن. وعن معاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة يرفعانه: «من أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله [ (1) ] » ، رواه أبو يعلى، وهو حديث حسن صحيح رواه البزار عن أبي هريرة والطبراني عن معاوية، وله طريق آخر عند الطبراني عن معاوية يرفعه: «من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم [ (2) ] » ، حديث صحيح. وعن أنس رضي الله عنه قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة وأعطى قريشا: «والله إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش وغنائمنا تردّ عليهم» . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار، قال: فقال: «ما الذي بلغني عنكم؟» وكانوا لا يكذبون، فقالوا: «هو الذي بلغك» . قال: «أو لا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم، لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم [ (3) ] » . رواه الشيخان والنسائي، وهو عند البخاري أيضاً من حديث أبي هريرة، وفي آخره: «ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» . وعند النسائي بعد الشّعب: «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار [ (4) ] » ، فبكى الأنصار حتى اخضلّت لحاهم، وقالوا: «رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا» ، حديث صحيح رواه الإمام أحمد. وعن أبي هريرة يرفعه: «لولا الهجرة لكنت امرأ أنصاريا [ (5) ] » ، رواه الترمذي وحسنه. وعن أبي قتادة يرفعه: «ألا إن الناس دثار والأنصار شعار، ولو سلك الناس وسلك الأنصار شعبا لاتّبعت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، فمن ولى من أمر الأنصار شيئا فليحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم، من أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هذين [ (6) ] » ، وأشار إلى نفسه، حديث صحيح رواه الإمام أحمد والطبراني، وزاد في آخره: يعني قلبه. وعن

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى في المسند 13/ 356 (14- 7367) وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 42 وعزاه لأبي يعلى وقال: إسناده جيد. ورواه البزار وفيه محمد بن عمرو وهو حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 341 وذكره الهيثمي 10/ 42 وعزاه للطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن حاتم وهو ثقة. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 38 (دار الفكر) ومسلم في كتاب الزكاة (134) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 77 والبيهقي في الدلائل 5/ 178 وابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 111. [ (5) ] أخرجه البخاري 13/ 238 (7244) ومسلم في كتاب الزكاة (139) . [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 35 وعزاه للطبراني في الأوسط عن شيخه مقدام بن داود وهو ضعيف. وقال ابن دقيق العيد: إنه وثق، وبقية رجاله ثقات.

السائب بن يزيد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله تعالى بحنين من غنائم هوازن، فأحسن، فذكر الحديث وفيه: ثم قال: «يا معشر الأنصار ألم يمنّ الله عليكم بالإيمان وخصّكم بالكرامة وسمّاكم بأحسن الأسماء: أنصار الله وأنصار رسوله؟ ولولا الهجرة لكنت امرأ أنصاريا ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم، أو لا ترضون أن يذهب الناس بالشّاء والنّعم وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم» ؟ قالوا: قد رضينا. قال: «أجيبوني فيما قلت» . قالت الأنصار: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأيّدنا الله بك، ووجدتنا ضلّالا فهدانا الله بك، فرضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فاصنع يا رسول الله ما شئت فأوسع الحل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم، لو قلتم: ألم تأتنا طريدا فآويناك، ومكذّبا فصدّقناك، ومخذولا فنصرناك، وقبلنا ما ردّ الناس عليك؟ لو قلتم هذا لصدقتم» . فقالت الأنصار: «بل الله ذو الفضل علينا وعلى غيرنا» . ثم بكوا فكثر بكاؤهم وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم. رواه الطبراني في الكبير [ (1) ] . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه ملحفة متعطّفا بما على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقلّ الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام. فمن ولي منك أمرا يضرّ فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم» . رواه البخاري [ (2) ] . وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: «الأنصار كرشي وعيبتي والناس سيكثرون ويقلّون فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» ، رواه البخاري [ (3) ] . وعن أنس أيضا، مرّ أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا، ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلّم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك. قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم [ (4) ] » ، رواه الشيخان والنسائي والترمذي. وعن أسيد بن حضير يرفعه: «الأنصار كرشي وعيبتي وإن الناس يكثرون وهم يقلون،

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 180 وذكره السيوطي في الدر 3/ 270 وعزاه للطبراني. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 628 (3628) . [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 151 (3801) . [ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 120 (3799) .

فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم [ (1) ] » ، حديث صحيح رواه الطبراني في الكبير. وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، يرفعه: «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» ، يعني الأنصار، رواه البزّار والطبراني وهو حديث حسن. وعن أبي سعيد يرفعه: «ألا إن عيبتي التي آوى إليها أهل بيتي وإن كرشي الأنصار فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم [ (2) ] » ، حديث صحيح حسن رواه الترمذي. وعن كعب بن مالك عن رجل من الصحابة قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه واستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد ثم قال: «إنكم يا معشر المهاجرين تزيدون وإن الأنصار لا يزيدون، وإن الأنصار عيبتي التي آوى إليها، أكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم، وإنهم قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم» ، رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن زيد بن عاصم في ذكر قسم غنائم هوازن في المؤلّفة قلوبهم، وفي آخره: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض [ (3) ] » ، رواه الشيخان. وعن أبي طلحة يرفعه: «أقرئ قومك السلام فإنهم ما علمت أعفّة صبر» ، حديث حسن صحيح، رواه الترمذي والبزّار. وعن عائشة رضي الله عنها ترفعه: «ما يضرّ امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار أو نزلت بين أبويها» ، رواه الإمام أحمد، والبزّار. وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: «أسلمت الملائكة طوعا، وأسلمت الأنصار طوعا وأسلمت عبد القيس طوعا» حديث حسن رواه الطبراني في الأوسط [ (4) ] . وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: «ألا إن لكل نبي تركة وضيعة، وإن تركتي وضيعتي الأنصار فاحفظوني فيهم» [ (5) ] ، رواه الطبراني في الأوسط. وعنه يرفعه: «الأنصار أحبّائي، وفي الدين إخواني وعلى الأعداء أعواني [ (6) ] » ، غريب رواه الديلمي في مسند الفردوس. تنبيه في غريب ما سبق «ألسنا» جمع لسان. «قيلة» بفتح القاف وسكون المثناة التحتية، أم الأوس والخزرج.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 40 وعزاه للطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه الترمذي (3904) وابن أبي شيبة في المصنف 12/ 159 وذكره السيوطي في الدر 3/ 270. [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 146 (3792) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 31 وعزاه للطبراني في الأوسط عن شيخه علي بن سعيد بن بشير وفيه لين، وبقية رجاله ثقات. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 35 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: إسناده جيد. [ (6) ] أخرجه ابن الجوزي في العلل 1/ 284 وابن حجر في اللسان 2/ 858 والذهبي في اللسان (1810) وذكره المتقي الهندي في الكنز (33746) .

«التقم أذنه» أي سارّه بشيء. «الأسارير» : خطوط الجبهة واحدها سرّ أو سرر والجمع أسرار، وأسارير جمع الجمع، وفي تكملة الصغاني عن بعض أهل اللغة هي الخدّان والوجنتان ومحاسن الوجه. وفي تكلمة الصغاني عن بعض أهل اللغة هي الخدّان والوجنتان ومحاسن الوجه. «إزائي» بالزاي أي حذائي أي بالقرب مني. «السّكك [ (1) ] » جمع سكّة بالكسر الزقاق. «الدّثار [ (2) ] » بالكسر والمثلثة ما يتدثّر به الإنسان، وهو ما يلقيه عليه من كساء وغيره فوق الشّعار. «الشّعار» : ما ولي الجسد، سمي بذلك لأنه يلي الشّعر، المعنى أنهم الخاصة والبطانة. «الشّعب» : بالكسر الطريق في الجبل. «الدّبر» : بفتح الدال المهملة وسكون الموحّدة يقال لجماعة النحل والزنابير أيضا قيل وهو المراد هنا. «الأقلح» : بالقاف والمهملة. «قسما» : بكسر القاف أي نصيبا. «طريدا» : أي مخرجا من بلده. «الملحفة» : بكسر الميم الملاءة التي يلتحف بها. «متعطّفا بها» : أي ثانيا طرفي الملحفة على كتفيه. «دسماء» : أي سوداء. «الكرش» : ككتف ويخفّف، والمراد هنا ما يحفظ فيه نفيس المتاع. «العيبة [ (3) ] » من الرجل موضع سره وأمانته. «أثرة» : بفتح الهمزة والمثلثة الاسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى أراد أن يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء. «أعفّة» جمع عفيف وهو من يكفّ عما لا يحل ولا يجمل. «صبر [ (4) ] » : بضم أوله وثانيه جمع صبير وهو هنا مقدّم القوم. «التركة» : الشيء المتروك أي الذي تركه الميت لوارثه. «الضّيعة» : بالفتح العقار.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 3/ 2051. [ (2) ] انظر لسان العرب 2/ 1327. [ (3) ] انظر اللسان 4/ 3184. [ (4) ] انظر لسان العرب 4/ 2393.

الباب الثالث في بدء إسلامهم رضي الله عنهم

الباب الثالث في بدء إسلامهم رضي الله عنهم قال ابن إسحق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له ناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله تعالى وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاءهم به من الله تعالى من الهدى والرحمة، ولا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدّى له ودعاه إلى الله تعالى وعرض عليه ما عنده. وروى ابن إسحق بسند جيد عن محمود بن لبيد قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع [مكة]- فيما ذكره ابن إسحق، وبشر فيما ذكره الزبير بن بكار- في فتية من قومه بني عبد الأشهل يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم: هل لكم في خير مما جئتم له؟» . فقالوا له: وما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وأنزل عليّ الكتاب» ، ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ، وكان غلاما حدثا: «أي قوم هذا والله خير مما جئتم له» . فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا. فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة. وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي عند موته إنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبّره ويسبّحه حتى مات، فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع. وروى أبو زرعة الرازي في دلائل النبوة له بسند حسن، والحاكم وصححه عن معاذ بن رفاعة بن رافع [ (1) ] عن أبيه عن جده أنه خرج هو وابن خالته معاذ بن عفراء [ (2) ] حتى قدما مكة [ (3) ] ،

_ [ (1) ] معاذ بن رفاعة الأنصاري الزرقي.. ذكره الواقدي وقال: شهد غزوة بني قريظة مع النبي صلى الله عليه وسلم على فرس، قلت: وفي التابعين معاذ بن رفاعة آخر يروي عن أبيه وجابر وخولة روى عنه عبد الله بن محمد بن عقيل. الإصابة 6/ 108. [ (2) ] معاذ بن الحرث بن رفاعة بن الحرث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك النجاري الأنصاري الخزرجي المعروف بابن عفرا وقيل: بحذف الحرث الثاني في نسبه وعفراء أمه عرف بها.. شهد العقبة الأولى مع الستة الذين هم أول من لقي النبي صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج وشهد بدرا وشرك في قتل أبي جهل وعاش بعد ذلك وقيل: بل جرح ببدر فمات من جراحته. الإصابة 6/ 107، 108. [ (3) ] مكة بيت الله الحرام: بلدة فيها الكعبة القبلة التي يتوجّه المسلمون إليها في صلاتهم من سائر الآفاق، سمّيت مكة، لأنها تمك أعناق الجبابرة، أي تذهب نخوتهم وتذلّهم. وقيل: لتمكّك الناس بها، وهو ازدحامهم. وتسمّى بكة أيضا- بالباء- لتبكّك الناس بها، وهو ازدحامهم. وقيل: مكة اسم المدينة، وبكّة اسم للبيت. مراصد الاطلاع 3/ 1303.

بيان غريب ما سبق

فلما هبطا من الثّنيّة [ (1) ] ، رأى رجلا تحت شجرة. قال: وهذا قبل خروج الستة من الأنصار، فلما رأيناه قلنا نأتي هذا الرجل لنستودعه راحلتنا حتى نطوف بالبيت، فجئنا فسلّمنا عليه تسليم أهل الجاهلية، فردّ علينا تسليم أهل الإسلام، وقد سمعت بالنبي، فأنكرنا فقلنا: من أنت؟ قال: «انزلوا» فنزلنا فقلنا: أين هذا الرجل الذي يدّعي ما يدّعي ويقول ما يقول؟ قال: «أنا هو» . قلنا: أعرض علينا الإسلام، فعرض، وقال: من خلق السموات والأرض والجبال؟» قلنا: خلقهنّ الله عز وجل. قال: «فمن خلقكم؟» قلنا: الله عز وجل. قال: «فمن عمل هذه الأصنام التي تعبدون؟» قلنا: نحن. قال: «الخالق أحق بالعبادة أو المخلوق؟» قلنا: قال: «فأنتم أحق أن تعبدوا ربكم وأنتم عملتموهنّ والله أحق أن تعبدوه من شيء عملتموه وأنا أدعوكم إلى عبادة الله عز وجل وشهادة ألّا إله إلا الله، وأني رسول الله، وصلة الرّحم وترك العدوان وإن غضب الناس» . فقالا: لو كان هذا الذي تدعو إليه باطلا لما كان من معالي الأمور ومحاسن الأخلاق، فأمسك راحلتنا حتى نأتي البيت. فجلس عنده معاذ بن عفراء. قال رافع: فجئت البيت فطفت وأخرجت سبعة أقداح وجعلت له بينها قدحا، فاستقبلت البيت وقلت: اللهم إن كان ما يدعو إليه محمد حقا فأخرج قدحه سبع مرات، فضربت بها سبع مرات، فصحت: «أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» . فاجتمع الناس عليّ وقالوا: مجنون رجل صبأ، فقلت: بل رجل مؤمن، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فلما رآني معاذ بن عفراء قال: لقد جئت بوجه ما ذهبت به يا رافع، لقد جئت وآمنت. وعلّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يوسف، وسورة العلق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. ثم خرجنا راجعين إلى المدينة. بيان غريب ما سبق « [ (2) ] الحلف» - بكسر الحاء وسكون اللام: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والاتفاق. «أبو الحيسر» : بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها سين مهملة ثم راء، ذكره ابن مندة في الصحابة، وذكره الحافظ في الإصابة في الأسماء وفي الكنى في القسم الرابع فيمن ذكر في الصحابة غلطا. «إياس بن معاذ» : ذكره ابن السّكن وابن حبان في الصحابة، وذكره البخاري في تاريخه الأوسط فيمن مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين والأنصار.

_ [ (1) ] ثنيّة أمّ قردان الثنيّة في الأصل كل عقبة في جبل مسلوكة. وقردان بالكسر جمع قراد، وهي بمكة عند بئر الأسود بن سفيان المخزومي. [ (2) ] المعجم الوسيط 1/ 192.

«الثّنيّة [ (1) ] » : كل عقبة مسلوكة. «الأقداح» : جمع قدح- بكسر القاف- وهو عود السهم إذا قوّم وإلى أن يراش فإذا ركّب فيه النّصل وريش فهو سهم، والمراد هنا السهم الذي يستقسمون به.

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 1/ 516.

الباب الرابع في ذكر يوم بعاث

الباب الرابع في ذكر يوم بُعَاث قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يوم بعاث يوما قدّمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرّحوا، فقدّمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام» . رواه البخاري [ (1) ] . بيان غريبه «بعاث» : بضم الموحّدة، وحكى القزّاز في الجامع فتحها وبتخفيف العين المهملة وآخره المثلثة- قال الجمهور- وقال ابن دريد: وذكر عن الخليل إعجامها ولم يسمع من غيره وإنما هو بالعين المهملة. وذكر الأزهري أن الذي صحّفه اللّيث عن الخليل. وذكر القاضي أن الأصيلي [ (2) ] أحد رواة الصحيح رواه بالوجهين أي بالغين المعجمة والعين المهملة، وأن وجها واحدا هو الذي وقع في رواية أبي ذرّ بالغين المعجمة. ويقال أن أبا عبيدة ذكره بالمعجمة أيضا. وبعاث: مكان ويقال حصن، وقيل مزرعة عند بني قريظة على ميلين من المدينة كانت به وقعة بين الأوس والخزرج قتل فيه كثير منهم، وكان رئيس الأوس فيه. حضير- بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية بعدها راء- والد أسيد بن حضير، وكان يقال له: حضير الكتائب، وبه قتل، وكان رئيس الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي فقتل بها أيضا. وكان النصر فيها أولا للخزرج ثم هزم حضير فرجعوا وانتصرت الأوس وجرح حضير يومئذ فمات منهزما، وذلك قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربعين سنة وقيل بأكثر. قال الحافظ: «الأول أصحّ» . وذكر أبو الفرج الأمويّ أن سبب ذلك كان من قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف، فقتل رجل من الأوس حليفا للخزرج، فأرادوا أن يقيدوه، فامتنعوا، فوقعت بينهما الحرب لأجل ذلك، فقتل فيها من أكابرهم من كان لا يؤمن أن يتكبّر، ويأنف أن يدخل في الإسلام حتى لا يكون تحت حكم غيره، وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبد الله بن أبيّ بن سلول كما سيأتي بيان ذلك.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 131 (3846) . [ (2) ] عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر، أبو محمد، الأموي المعروف بالأصيلي: عالم بالحديث وافقه. من أهل أصيلة (في المغرب) أصله من كورة «شدونة» ولد فيها ورحل به أبوه إلى «آصيلا» من بلاد العدوة فنشأ فيها. ويقال: ولد في آصيلا. رحل في طلب العلم، فطاف في الأندلس والمشرق. ودخل بغداد سنة 351 هـ-، وعاد إلى الأندلس في آخر أيام المستنصر، فمات بقرطبة. له كتاب «الدلائل على أمهات المسائل» في اختلاف مالك والشافعي وأبي حنيفة. الأعلام 4/ 63.

«سرواتهم [ (1) ] » : بفتح المهملة والراء المخففة والواو، أي خيارهم، والسّروات جمع السّراة- بفتح المهملة وتخفيف الراء- والسّراة جمع السّريّ، وهو الشريف. «جرحوا» للأكثر بضم الجيم والراء المكسورة مثقلا ومخفّفا فحاء مهملة، وعند الأصيلي بجيمين جرجوا أي اضطرب قولهم، من قول العرب جرج الخاتم إذا جال في الإصبع، وعند ابن أبي صفرة بحاء مهملة مفتوحة من الحرج: أي ضيق الصدر، وعند المستملي وعبدوس والقابسي: «وخرجوا» بفتح الخاء المعجمة والراء من الخروج، وصوّب ابن الأثير الأول وقال صاحب التقريب إنه المشهور، وصوب غيره الثالث.

_ [ (1) ] لسان العرب 3/ 2002.

الباب الخامس في بيعة العقبة الأولى

الباب الخامس في بيعة العقبة الأولى وكانت في رجب. وقال الزهري وابن عقبة وابن إسحق: «فلما أراد الله سبحانه وتعالى إظهار دينه وإعزاز رسوله وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم. فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا. فقال لهم: «من أنتم» ؟ قالوا: نفر من الخزرج. قال: «أمن موالي يهود؟» قالوا: نعم. قال: «أفلا تجلسون أكلّمكم؟» قالوا: بلى، من أنت؟ فانتسب لهم وأخبرهم خبره. فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن. وكان مما صنع الله لهم به من الإسلام أن يهود، كانوا معهم في ببلادهم، فكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا [هم] أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد عزّوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: أن نبيّاً مبعوث الآن قد أظل زمانه، نتبعه فنقتلكم قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله أيقنوا به واطمأنت قلوبهم إلى ما سمعوا منه وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من صفته، فقال بعضهم لبعض: يا قوم تعلّموا والله إنه للنّبيّ الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنّكم إليه [فأجابوه إلى ما دعاهم إليه] بأن صدّقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام. ثم قالوا: قد علمت الذي بيننا من الاختلاف وسفك الدماء، ونحن حراص على ما أرسلك الله به، مجتهدون لك بالنصيحة، وإنا لنشير عليك برأينا، فامكث على رسلك باسم الله حتى نرجع إلى قومنا، فنذكر لهم شأنك، وندعوهم إلى الله ورسوله، فلعل الله يصلح ذات بينهم ويجمع لهم أمرهم، فإنا اليوم متباغضون متباعدون، ولكنا نواعدك الموسم من العام المقبل. فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدّقوا. وهم فيما ذكر ابن إسحاق في رواية ستة نفر من الخزرج: 1- من بني النجار: أبو أمامة أسعد بن زرارة- بضم الزاي- ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة ابن غنم بن مالك بن النجار. 2- عوف بن الحارث ابن رفاعة- بكسر الراء وبالفاء- ابن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجّار وهو ابن عفراء. 3- ومن بني زريق- بتقديم الزاي على الراء- ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن

مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان. قال ابن الكلبي: وهو أول من أسلم من الأنصار. 4- ومن بني سلمة- بلام مكسورة-[ابن سعد بن علي بن أسد] : قطبة- بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة- ابن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة. 5- ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عقبة- بضم العين المهملة وسكون القاف- ابن عامر بن نابي- بنون فألف فباء موحدة فمثناة تحتية- ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة. 6- ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة: جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد ... وفي رواية جرير بن أبي حازم عن ابن إسحاق بدل عقبة بن عامر، معاذ بن عفراء، وعند موسى بن عقبة عن الزهري عن عروة أنهم ثمانية. وهم: معاذ بن عفراء، وذكوان- بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف- ابن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق، وعبادة- بضم العين المهملة فباء موحّدة- ابن الصامت بن قيس بن الأصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن الخزرج بن حارثة، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمّارة من بني غصينة ثم من بليّ حليف لهم. وأبو الهيثم بن التيهان [ (1) ] بن جشم بن الحارث، وعويم- بضم العين المهملة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية- ابن ساعدة من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة. بيان ما سبق «العقبة الأولى» : قال المحب الطبري: «الظاهر أنها العقبة التي تضاف إليها الجمرة إذ ليس أظهر منها وعن يسار الطريق لقاصد منى من مكة شعب قريب منها، فيه مسجد مشهور عند أهل مكة أنه مسجد البيعة، وهو على نشز من الأرض، ويجوز أن يكون المراد من العقبة ذلك النّشز، وعلى الأول يكون قد نسب إليها لقربه منها» قال في النور: «وجزم غيره بأن البيعة التي وقعت عندها البيعة هي العقبة التي تضاف إليها الجمرة» .

_ [ (1) ] أبو الهيثم بن التيهان بن مالك بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعور الأنصاري الأوسي. انظر الإصابة 7/ 209.

«موالي يهود» : أي حلفاؤهم، وهم سمّوا حلفاء لأنهم تحالفوا على التناصر والتعاضد. «الرّهط» : بسكون الهاء وتفتح دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى أربعين. «يهود» : لا ينصرف للعلمية والتأنيث. «أظلّ زمانه» : بفتح الظاء المعجمة وتشديد اللام أي قرب ودنا. «قتل عاد وإرم» : أي نستأصلكم. «تعلّموا» : بفتح اللام المشدّدة ومعناه اعلموا.

الباب السادس في بيعة العقبة الثانية

الباب السادس في بيعة العقبة الثانية قال ابن إسحاق: فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض عليهم الحرب، وهم: أسعد بن زرارة، وذكوان بن عبد قيس الزرقي، وعبادة بن الصامت، والعباس بن عبادة بن نضلة- بالنون والضاد المعجمة- وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وعوف بن الحارث- بالفاء- ابن رفاعة، وعويم بن ساعدة، ومالك بن التيهان- بمثناة تحتية مخفّفة عند أهل الحجاز وعند غيرهم بتشديدها- ومعوّذ- بميم مضمومة فعين مهملة مفتوحة فواو مكسورة مشدّدة فذال معجمة- ابن الحارث، أخو عوف السابق، ويزيد بن ثعلبة أبو عبد الرحمن البلوي حليف لهم. فبايع هؤلاء على بيعة النساء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الشيخان والبيهقي، واللفظ له عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض علينا الحرب، على ألّا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف. قال: «فمن وفى ذلك منكم فأجره على الله» . وفي لفظ: «فله الجنة» ، «ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفّارة وطهور، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذّب وإن شاء غفر» . فبايعناه على ذلك. قال ابن إسحاق: «فلما انصرف القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ» . وذكر ابن إسحاق في رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مصعبا حين كتبوا إليه ببعثه إليهم، وهو الذي ذكره [موسى] بن عقبة إلا أنه جعل المرّة الثانية هي الأولى. قال البيهقي: «وسياق ابن إسحاق أتمّ» . قال ابن إسحاق: «وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرئهم القرآن ويعلّمهم الإسلام ويفقّههم في الدين، فكان يسمى في المدينة المقرئ والقارئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة [بن عدس أبي أمامة] ، وذلك أن الأوس كره بعضهم أن يؤمّه بعض. وقوله «على بيعة النساء» يعني على وفق ما نزلت عليه بيعة النساء بعد ذلك عام الحديبية، وكان هذا مما نزل على وفق ما بايع عليه أصحابه ليلة العقبة، وليس هذا بعجيب فإن القرآن نزل بموافقات عمر بن الخطاب. «تنبيه» : ذكروا هنا أن أسعد بن زرارة أول من جمع بالصحابة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص أن شاء الله تعالى.

الباب السابع في إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله تعالى عنهما

الباب السابع في إسلام سعد بن معاذ وأُسيد بن حضير رضي الله تعالى عنهما روى ابن أبي الدنيا والخرائطي والبيهقي عن عبد المجيد بن أبي عيسى عن أبيه عن جده، وابن عساكر عن البخاري في تاريخه الأوسط عن شيخه أبي محمد الكوفي قالا: سمعت قريش قائلا يقول في الليل على أبي قبيس: فإن يسلم السّعدان يصبح محمّد ... بمكّة لا يخشى خلاف المخالف فلما أصبحوا قال أبو سفيان- وفي لفظ قريش- من السّعدان؟» «أسعد بن بكر أم سعد بن هذيم؟» فلما كانت الليلة الثانية سمعوا قائلا يقول: فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجيّين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى وتمنّيا ... على الله في الفردوس زلفة عارف فإنّ ثواب الله للطّالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات زخارف فقالت قريش: هذا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة: قال ابن إسحاق: وحدّثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار بني عبد الأسهل ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا فيه، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم، وسعد بن معاذ، وأُسيد بن حضير يومئذ سيّدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفّها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منّي حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما. قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهما. فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيّد قومه فاصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلّمه. قال: فوقف عليهما متشتّما، قال: ما جاء بكما إلينا تسفّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كفّ عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت. ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن. فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلّي. فقام فاغتسل

وطهّر ثوبيه وتشهّد بشهادة الحق، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتّبعكما لم يتخلّف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن: سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه، وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدّثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك. قال: فقام سعد مغضبا مبادرا تخوّفا للذي ذكر له من أمر بني حارثة. فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً. ثم خرج إليهما، فلما رآهما مطمئنّين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما. فوقف عليهما متشتّما، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا منّي، أتغشانا في دارنا بما نكره؟ وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب: جاءك والله سيّد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلّف عنك منهم اثنان. قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره. قال سعد: أنصفت. ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن. قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين. ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلما رآه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيّدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة. قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله. قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة، حاشا الأصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد ولم يسجد لله سجدة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة. قال ابن إسحاق: ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف، وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنه كان فيهم أبو

قيس بن الأسلت واسمه صيفيّ. وكان شاعرا لهم قائدا يسمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام، فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق. قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي [ (1) ] : كان أبو قيس هذا قد ترهّب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة، وتطهّر من الحائض من النساء، وهمّ بالنّصرانية ثم أمسك عنها ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا لا يدخل عليه فيه حائض ولا جنب، وقال: أعبد إله إبراهيم حين فارق الأوثان وكرهها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه وهو شيخ كبير، وكان قوّالا بالحق معظّما لله في الجاهلية وله في ذلك أشعار حسان. بيان غريب ما سبق «الحائط» : البستان. «لا أبالك» : هذا أكثر ما يستعمل في المدح أي، لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذّمّ كما يقال: لا أمّ لك، وقد يذكر في معرض التّعجّب ودفعا للعين كقولهم: لله درّك، وقد تكون بمعنى «جدّ في أمرك وشمّر» ، لأن من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام فيقال: «لا أباك» . «دارينا» : هو تثنية دار، والدار هي القبيلة والعشيرة المجتمعة في المحلّة فتسمى المحلّة دارا. «النّادي» : متحدّث القوم. «ليخفروك» [ (2) ] : بضم أوله وكسر الفاء رباعيا أي لينقضوا عهدك، يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه. «الغطارف» [ (3) ] : جمع غطريف بكسر الغين المعجمة: السّيّد. «متشتّما» : من الشّتم وهو السّبّ.

_ [ (1) ] سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، أبو عثمان الأموي. سمع أباه، وعمه عبد الله بن سعيد، وعبد الله بن المبارك، وعيسى بن يونس، وأبا القاسم بن أبي الزناد، وأبا بكر بن عياش، وعبد الرحيم بن سليمان، ومروان بن معاوية، وشجاع بن الوليد مات في سنة تسع وأربعين ومائتين. انظر تاريخ بغداد 9/ 90. [ (2) ] انظر لسان العرب 2/ 1209. [ (3) ] انظر لسان العرب 5/ 3270.

الباب الثامن في بيعة العقبة الثالثة

الباب الثامن في بيعة العقبة الثالثة قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم مجنّة وعكاظ وفي المواسم بمنى يقول: «من يؤويني؟ ومن ينصرني؟ حتى أبلّغ رسالات ربي وله الجنة» ، فلا يجد أبدا أحدا يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن، فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمضي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بأصابعهم، حتى بعثنا الله إليه من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم تبق دار من دور يثرب إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام. ثم بعثنا الله تعالى فأتمرنا واجتمعنا فقلنا: متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» . «فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين رجلا إلا أنا فقال: رويدا يا أهل يثرب. فإنا لم نضرب إليه أكباد المطيّ إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة وقتل خياركم وأن تعضّكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عضّ السيوف إذا مسّتكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافّة، فخذوه، وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو أعذر لكم عند الله. فقلنا: ابسط يدك يا أسعد بن زرارة، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا، يأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة» ، رواه الإمام أحمد والبيهقي. وروى ابن إسحاق عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: «خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين وقد صلّينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور سيّدنا وكبيرنا- زاد الحاكم- وكنا خمسمائة، حتى إذا كنا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا، وو الله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا. فقلنا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت ألّا أدع هذه البنيّة منّي بظهر- يعني الكعبة- وأن أصلّي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إني لمصلّ إليها. فقلنا له: لكنّا لا نفعل. قال فكنّا إذا حضرت الصلاة صلّينا

إلى الشام وصلّى هو إلى الكعبة حتى قدمنا مكة وقد كنّا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك فلما قدمنا مكة قال لي: يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أسأله عما صنعت. في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا لا نعرفه لم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا. قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمّه؟ قلنا: نعم. وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا. قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. قال: فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه. فسلّمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: «هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟» قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشاعر؟» قال: نعم. فقال البراء بن معرور: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا وقد هداني الله تعالى للإسلام فرأيت ألاّ أجعل هذه البنيّة منّي بظهر فصلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: «قد كنت على قبلة لو صبرت عليها» . قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلّى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم. قال ابن هشام: وقال عون بن أيوب الأنصاري: ومنّا المصلّي أوّل النّاس مقبلا ... على كعبة الرّحمن بين المشاعر [ (1) ] يعني البراء بن معرور [ (2) ] . قال كعب: ثم خرجنا إلى الحجّ وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق- زاد ابن سعد- «ليلة النّفر الأول [إذا هدأت الرّجل] أن يوافوه في الشّعب الأيمن إذا انحدروا من منى بأسفل العقبة حيث المسجد الحرام اليوم، وأمرهم ألا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا» . [قال] : فلما فرغنا من الحجّ وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيّد من ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا فكلّمناه وقلنا له: يا أبا جابر إنك سيّد من سادتنا وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم

_ [ (1) ] البيت في الروض الأنف 2/ 189. [ (2) ] البراء بن معرور بن صخر بن سابق بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عليّ بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي السلمي.. أبو بشر قال موسى بن عقبة عن الزهري: كان من النفر الذين بايعوا البيعة الأولى بالعقبة وهو أول من بايع في قول ابن إسحاق وأول من استقبل القبلة وأول من أوصى بثلث ماله وهو أحد النقباء. الإصابة 1/ 149.

دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّانا العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا العقبة [وكان نقيبا] . [قال] : فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلّل تسلّل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة [ (1) ] بنت كعب، أمّ عمارة، إحدى نساء بني مازن بن النّجّار، وأسماء بنت عمرو [ (2) ] بن عديّ [بن نابي، إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع] . فاجتمعنا في الشّعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم- وذكر ابن سعد وأبو معشر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقهم وانتظرهم- حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثّق له. فلما جلس كان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال: «يا معشر الخزرج، - قال: وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها- إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزّ من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممّن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزّ ومنعة من قومه وبلده. وروى الإمام أحمد عن الشعبي عن أبي مسعود البدري [ (3) ] رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمّه العباس إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة فقال: «ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم» . فقلنا «قد سمعنا ما قلت فتكلّم يا رسول الله وخذ لنفسك ولربك ما أحببت» . قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام، ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» . قال: فأخذ البراء بن معرور

_ [ (1) ] نسيبة بفتح النون أيضا بنت كعب بن عمرو بن عوف بن عمرو بن مبدول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارية أم عمارة مشهورة بكنيتها واسمها معا. الإصابة 8/ 198. [ (2) ] أسماء بنت عمرو بن عدي بن ياسر بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصارية السلمية أم معاذ بن جبل وكنيتها أم منيع.. ذكر ابن إسحاق بسند صحيح عن كعب بن مالك أنها كانت مع من شهد العقبة مع السبعين هي نسيبة بنت كعب وقال في التجريد وقيل: هي أسماء بنت عدي بن عمرو. الإصابة 8/ 8. [ (3) ] عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة: - بفتح الهمزة وكسر المهملة- ابن عطية بن جدارة بجيم- ابن عوف بن الخزرج الأنصاري البدري أبو مسعود. عدّه فيمن شهد بدرا البخاري تبعا لابن شهاب والحكم بن عتيبة وابن إسحاق. وقال سعيد بن إبراهيم: لم يشهدها. له مائة وحديثان، اتفقا على تسعة، وانفرد (خ) بحديث، و (م) بسبعة. وعنه ابن بشير وأبو وائل وقيس بن أبي حازم. قال الهيثم: مات سنة أربعين. وقيل: بعد سنة ثلاثين بسنة أو سنتين.

بيده، ثم قال: «نعم فوالله الذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر» . قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الهيثم بن التيهان، فقال: «يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها- يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟» قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «بل الدّم الدّم والهدم الهدم» أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم- «أنا منكم وأنتم منّي أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» . قال كعب: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم» . فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس: فمن الخزرج: أبو أمامة أسعد بن زرارة نقيب بني النّجّار. ورافع بن مالك بن العجلان نقيب بني زريق، وسعد بن الرّبيع، بفتح الراء، وعبد الله بن رواحة نقيب بني الحارث بن الخزرج وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو نقيب بني ساعدة والبراء بن معرور- بالعين المهملة وعبد الله بن عمرو بن حرام وعبادة بن الصامت. ومن الأوس: أسيد بن حضير- بالحاء المهملة والضاد المعجمة- نقيب بني عبد الأشهل ورفاعة بن عبد المنذر وسعد بن خيثمة نقيبا بني عمرو بن عوف. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنّقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي» - يعني المسلمين. قالوا: نعم. قال ابن هشام: وأهل العلم يعدّون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولا يعدون رفاعة. وروى البيهقي عن الإمام مالك رضي الله عنه قال: حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من يجعله نقيبا ليلة العقبة. قال مالك: وكنت أعجب كيف جاء هذا؟ رجلان من قبيلة ورجل من أخرى، حتى حدّثت بهذا الحديث: أن جبريل هو الذي ولّاهم وأنه أشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وروى أبو نعيم عن ابن عمر قال: «لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النقباء قال: لا يجد امرؤ في نفسه شيئا إنما أخذ من أشار إليه جبريل» وروى أنه صلى الله عليه وسلم نقب على النقباء أسعد بن زرارة فلما توفي أسعد والمسجد يبنى اجتمع بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجعل منهم شخصا نقيبا عليهم، فقال: «أنتم أخوالي وأنا نقيبكم» [ (1) ] وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصّ بها بعضهم دون بعض قال السهيلي: «وإنما

_ [ (1) ] ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 229.

جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر نقيبا اقتداء بقول الله تعالى في قوم موسى وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: 12] . وقال كعب بن مالك يذكرهم فيما رواه ابن هشام عن أبي زيد [الأنصاري] : فأبلغ أبيّا أنّه فال [ (1) ] رأيه ... وحان غداة الشّعب والحين واقع أبى الله ما منّتك نفسك إنّه ... بمرصاد أمر النّاس راء وسامع وأبلغ أبا سفيان إن قد بدا لنا ... بأحمد نور من هدى الله ساطع فلا ترعين في حشد أمر تريده ... وألّب وجمّع كلّ ما أنت جامع ودونك فاعلم أنّ نقض عهودنا ... أباه عليك الرّهط حين تبايعوا أباه البراء وابن عمرو كلاهما ... وأسعد يأباه عليك ورافع وسعد أباه السّاعديّ ومنذر ... لأنفك إن حاولت ذلك جادع [ (2) ] وما ابن ربيع إن تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثمّ طامع وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة ... وإخفاره من دونه السّمّ ناقع وفاء به والقوقلي ابن صامت ... بمندوحة عمّا تحاول يافع أبو هيثم أيضا وفي بمثلها ... وفاء بما أعطى من العهد خانع وما ابن حضير إن أردت بمطمع ... فهل أنت عن أحموقة الغيّ نازع وسعد أخو عمرو بن عوف فإنّه ... ضروح لما حاولت ملأمر مانع أولاك نجوم لا يغبّك منهم ... عليك بنحس في دجى اللّيل طالع فذكر كعب فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولم يذكر رفاعة. قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: «يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟» قالوا: نعم. قال: «إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم تريدون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم تريدون أنكم وافون له بما عاهدتموه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة» . قالوا: «فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله» ؟ قال: «الجنة» . قالوا: ابسط يدك. فبسط يده، فبايعوه. فأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال: «والله ما قال ذلك العباس إلا ليشدّ العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] فال رأيه: وفيولا: أخطأ وضعف. انظر المعجم الوسيط 2/ 715. [ (2) ] انظر الروض الأنف 2/ 190، 191.

في أعناقهم» . وأما عبد الله بن أبي بكر فقال: «ما قال ذلك العباس إلا ليؤخّر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبيّ بن سلول فيكون أقوى لأمر القوم» ، فالله أعلم أي ذلك كان، قال ابن إسحاق: «وبنو النّجّار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو عبد الأشهل يقولون: «بل أبو الهيثم بن التيهان» . وفي حديث كعب بن مالك قال: «كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، البراء بن معرور، ثم بايع بعد القوم، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قطّ: يا أهل الجباجب: هل لكم في مذمّم والصّبّاء معه قد اجتمعوا على حربكم؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أزيب، استمع أي عدوّ الله، أما والله لأفرغنّ لك» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفضوا إلى رحالكم» . فقال هل العباس بن عبادة ابن نضلة، «والله الّذي بعثك بالحق إن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم» . فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها [حتى أصبحنا] . وذكر سليمان بن طرخان التّيميّ في كتاب السّير له أن إبليس لعنه الله، لمّا أسلم من أسلم من الأنصار صاح ببنيه بين الحجّاج: «إن كان لكم بمحمد حاجة فأتوه بمكان كذا وكذا فقد حالفه الذين يسكنون يثرب» . قال: «ونزل جبريل فلم يبصره من القوم أحد، واجتمع الملأ من قريش عند صرخة إبليس، فعظم الأمر بين المشركين والأنصار حتى كاد أن يكون بينهم قتال: ثم إن أبا جهل كره القتال في تلك الأيام فقال: يا معشر الأوس والخزرج أنتم إخواننا وقد أتيتم أمرا عظيما، تريدون أن تغلبونا على صاحبنا، فقال له حارثة بن النعمان: نعم وأنفك راغم، والله لو نعلم أنه من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجك أيضا لأخرجناك. فقال أبو جهل: نعرض عليكم أن نلحق بكم من أصحاب محمد من شاء بعد ثلاثة أشهر، ونعطيكم ميثاقا ترضون به أنتم ومحمد لا نحبسه بعد ذلك. فقالت الأنصار: «نعم إذا رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، فذكر الحديث. وقال كعب في حديثه: فقالوا: «يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا لتخرجوه من بين أظهرنا وتبايعوه على حربنا، وإنه والله ما من حيّ من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم» . قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه. وقد صدقوا لم يعلموه. قال: وبعضنا ينظر إلى بعض. قال: ثم قام القوم وفيهم الحرث بن هشام بن المغيرة المخزومي- وأسلم بعد ذلك- وعليه نعلان جديدان. قال: فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيّد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ قال: فسمعها

الحرث فخلعهما من رجليه، ثم رمى بهما إليّ، فقال: والله لتنتعلنّهما. قال: يقول أبو جابر: [مه] أحفظت والله الفتى فاردد عليه نعليه. قال: قلت: لا والله لا أردهما، فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنّه» . قال ابن إسحاق: «وحدثني عبد الله بن أبي بكر: أنهم أتوا عبد الله بن أبيّ بن سلول فقالوا له مثل ما ذكر كعب من القول، فقال لهم: والله إن هذا لأمر جسيم ما كان قومي ليتفوتوا عليّ بمثل هذا وما علمته. قال: فانصرفوا عنه. قال: ونفر الناس من منى، فتنطّس القوم الخبر، فوجدوه قد كان. وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر، والمنذر بن عمرو، وكلاهما كان نقيبا. فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمّته وكان ذا جمّة وشعر كثير. قال سعد: فو الله إني لفي أيديهم إذ طلع عليّ نفر من قريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال. قال: قلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا. قال: فلما دنا منّي رفع يده فلطمني لطمة شديدة- قال ابن هشام: هو سهيل بن عمرو، قلت: وأسلم بعد ذلك- قال: فقلت في نفسي: لا والله ما عندهم بعد هذا خير. قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذا أوى إلى رجل ممن كان معهم- قال ابن هشام: هو أبو البختريّ بن هشام، قلت: ومات كافرا- فقال: ويحك: أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟ قال: قلت: بلى والله ولقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عديّ تجارة، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحرث بن حرب بن أمية. قال: ويحك، فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت وخرج ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما: إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ليهتف بكما ويذكر أن بينه وبينكما جوارا. قالا: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة. قالا: صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ويمنعهم أن يظلموا ببلده. قال: فجاء فخلّصا سعدا من أيديهم، فانطلق. قال ابن إسحاق: وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر- قلت: وأسلم بعد ذلك. تداركت سعدا عنوة فأخذته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا ولو نلته طلّت هناك جراحه ... وكان حرّيا أن يهان ويهدرا [ (1) ] قال ابن هشام: ويروى: «وكان حقيقا أن يهان ويهدرا» ، قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال:

_ [ (1) ] انظر ديوان حسان 116.

تنبيهات

فلست إلى عمرو ولا المرء منذر ... إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمّرا أتفخر بالكتّان لمّا لبسته ... وقد يلبس الأنباط ريطا مقصّرا فلولا أبو وهب لمرّت قصائد ... على شرف البرقاء يهوين حسّرا فلاتك كالوسنان يحلم أنّه ... بقرية كسرى أو بقرية قيصرا ولا تك كالثّكلى وكانت بمعزل ... عن الثّكل لو كان الفؤاد تفكّرا ولا تك كالشّاة التي كان حتفها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا ولا تك كالغاوي فأقبل نحره ... ولم يخشه سهما من النّبل مضمرا فإنّا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا [ (1) ] تنبيهات الأول: لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور بإعادة الصلاة التي صلاها إلى الكعبة حيث كان الفرض عليهم إلى بيت المقدس لأن البراء أسلم لما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأمره بإعادة تلك الصلاة من أجل ذلك كذا قيل، والذي يقتضيه سياق القصة أن البراء كان مسلما قبل هجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون صلاة البراء إلى الكعبة اتّباعا لمّا علم به من علماء اليهود إن هذا النبي المبعوث في عصرهم هو على دين إبراهيم ودينهم وقبلته الكعبة مستصحبا لأصل الحكم في ذلك، ورجّحه على ما وجد فيه من التردد وضده في ثبوته والاختلاف في صحته، وهو وجه من وجوه الترجيح. وقال السهيلي: إنما لم يأمره صلى الله عليه وسلم بإعادة ما قد صلّى لأنه كان متأوّلا. الثاني: في بيان غريب ما سبق: «مجنّة» : بميم فجيم مفتوحتين، وكسر بعضهم الميم، سويق بأسفل مكة على بريد منها. «عكاظ» بالضم: سوق بقرب مكة وراء قرن المنازل. «مضر» بضم الميم وفتح الضاد المعجمة. «يؤويني» : يضمّني إليه ويحوطني. «فقهنا» بكسر القاف: فهمنا. «واعدنا» رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجوز بسكون الدال، فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منصوبا على أنه مفعول، ويجوز فتح الدال، فرسول مرفوع فاعل. «ائتمرنا» : شاور بعضنا بعضا في ذلك وعزم عليه.

_ [ (1) ] القصيدة في ديوان حسان 117.

«نذر» : نترك. «الشّعب» بكسر الشين المعجمة: انفراج بين جبلين. «القطا» : [ (1) ] بالقصر وفتح القاف: نوع من الحمام [واحدتها قطاة] . «توافينا» : من توافى القوم: تتامّوا. «النشاط» : طيب النفس. «الكسل» كالتعب: الفتور، فيتخلّف العبد عن أسباب الخير والفلاح، وإن كان لعدم قدرته فهو العجز، وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل. «نضرب أكباد الإبل» : أي نركب ونسير. «اللّوم» : عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم. «المطيّ» جمع مطيّة فعلية بمعنى مفعولة: البعير سمي بذلك لأنه يركب مطاه أي ظهره. «مسّتكم» : أي أصابتكم. «تعضكم السيوف» : أي تجرحكم. «فذروه» : فاتركوه. «أمط» [ (2) ] نحّ وأبعد. «البيداء» : المفازة. «أدع» : أترك. «البنية» : بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد المثناة التحتية المفتوحة ثم تاء تأنيث، وهي الكعبة. «الرّحال» بالحاء المهملة: جمع رحل وهو في الأصل مأوى الشخص في الحضر ثم أطلق على أمتعة المسافر لأنها هناك مأواه. «منعة» [ (3) ] بفتح النون باختلاف المعنى وتقدم بيان ذلك. «الانحياز إليكم» : الاختلاط بكم. «أزرنا» [جمع إزار] قال أبو ذر: يعني نساءنا والمرأة قد يكنى عنها بالإزار.

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 510. [ (2) ] انظر اللسان 6/ 4308، 4309. [ (3) ] انظر اللسان 6/ 4276.

شرح أبيات كعب بن مالك [الأنصاري]

«الحلقة» بسكون [اللام] : السلاح. «كابرا عن كابر» : أي كبيرا عن كبير في العزّ والشرف. «حبالا» : بكسر الحاء المهملة وبالموحدة جمع حبل وهو العهد والميثاق. «عسيت» : بكسر السين وفتحها لغتان. «الدم الدم الهدم الهدم» : قال في النهاية: يروى الهدم بسكون الدال وفتحها فالهدم بالتحريك القبر يعني: أني أقبر حيث تقبرون، وقيل: هو المنزل أي منزلكم منزلي، كحديثه الآخر: المحيا محياكم والممات مماتكم أي لا أفارقكم، والهدم بالسكون وبالفتح أيضا هو إهدار دم القتيل، يقال: دماؤهم بينهم هدم أي مهدرة والمعنى أنّ من طلب دمكم فقد طلب دمي وأن من أهدر دمكم فقد أهدر دمي، لاستحكام الألفة بيننا، وهو قول معروف للعرب يقولونه عند المعاهدة والنّصرة وفي تهذيب الأزهري أن ابن الأعرابي رواه بالفتح: دمي دمك وهدمي هدمك. «النقيب» : [ (1) ] قال في التقريب: يقال: نقب الرجل ونقّب بالتخفيف والتشديد استخراج الأسرار والنقيب الأمين والكفيل والعريف أو هو فوق العريف، وشاهد القوم نقب عليهم كقتل نقابة بالكشر فعل ذلك. ونقب بالضّمّ نقابة بالفتح إذا لم يكن فصار نقيبا، ونقباء الأنصار الذين تقدموا لأخذ البيعة لنصره النبي صلى الله عليه وسلم سموا بذلك لضمانهم إسلام قومهم. شرح أبيات كعب بن مالك [الأنصاري] «فال رأيه» بفاء ولام: أي بطل. «فلا ترعين» ، بضم المثناة الفوقية وسكون الراء وكسر العين المهملة وفتح المثناة التحتية ونون التوكيد: أي لا تبقين. يقال: ما أرعى عليه أي ما أبقى عليه. «ألب» وجمع بمعنى «جادع» [ (2) ] بالجيم أي قاطع. «إخفاره» بالخاء المعجمة: نقض عهده. «ناقع» بالقاف: ثابت. القوقليّ» بقاف مفتوحة فواو ساكنة فقاف مفتوحة ولام. [نسبة لأبي بطن] من الخزرج: قوقل، وهو غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، كذا لابن الكلبي، وقال ابن

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 620. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 110.

شرح ما جاء في بيعة العقبة

إسحاق: قيل لهم القوافل لأنهم كانوا إذا أجاروا أحدا أعطوه سهما وقالوا له: قوقل به حيث شئت، أي سر به حيث أردت. «بمندوحة» [ (1) ] أي بمتّسع. «يافع» بالمثناة التحتية والفاء المكسورة: أي موضع مرتفع فاليفاع ما ارتفع من الأرض ومن رواه باقع بالباء الموحّدة والقاف فمعناه بعيد وهو مأخوذ من بقع الأرض. «خانع» [ (2) ] بالخاء المعجمة والنون: أي مقرّ متذلّل. «الأحموقة» أفعولة من الحمق وحقيقته وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه. «نازع» بالزاي والعين المهملة: أي ذاهب. «ضروح» [ (3) ] بفتح الضاد المعجمة وضم الراء وبالحاء المهملة أي مانع ودافع عن نفسه من قولهم: ضرحت الدّابّة برجلها ضربت بها. «أولاك» بترك الهمزة أي أولئك. «يغبّك» بضم المثناة التحتية وكسر الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة من أغبّ القوم إذا جاءهم يوما وتركهم يوما. «دجى الليل» بضم الدال المهملة: أي ظلمة الليل. شرح ما جاء في بيعة العقبة «كفلاء» جمع كفيل: وهو الضّمين. «علام» : ما استفهامية اتصلت بعلى. «الأحمر» : العجم «والأسود» : العرب. «نهكت» بضم النون وكسر الهاء وفتح الكاف فتاء تأنيث: نقصت. «أنفذ صوت» بالذال المعجمة: أبعد. «الجباجب» بجيمين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبعد كل جيم موحّدة، قال في القاموس: جبال بمكة أو أسواقها أو منحر منى كان يلقى به الكروش. «المذمّم» بذال معجمة: المذموم جدا، وأرادت قريش عكس اسم النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا

_ [ (1) ] انظر لسان العرب 6/ 4381. [ (2) ] اللسان 3/ 1279. [ (3) ] انظر اللسان 4/ 2572.

يقولون عوض محمد: مذمّم بوزنه وعكس معناه، وكذبوا بل محمد من كثرة خصاله المحمودة وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو اسم صادق على مسمّاه. «الصبّاء» [ (1) ] بضم الصاد المهملة والباء المشدّدة جمع صابئ: وهو الخارج من دين إلى دين. «إزب» بهمزة مكسورة فزاي ساكنة فباء موحدة. وفيما ذكر ابن هشام بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الياء [أزيب] . «ارفضّوا] [ (2) ] : تفرّقوا. «أحفظت» الفتى بالحاء المهملة والفاء والظاء المعجمة: أي أغضبته والحفيظة الغضب. «أمر جسيم» : عظيم. «ليتفوّتوا عليّ» ، من الفوت، يقال: تفوّت فلان على فلان في كذا وافتات عليه إذا انفرد برأيه دونه في التصرف ولما ضمّن معنى التغلب عدّي بعلى. «تنطّس» بمثناة فوقية فنون فطاء فسين مهملتين، قال ابن هشام: المبالغة في التفتيش. «أذاخر» بذال وخاء مكسورة معجمتين: اسم موضع. «بنسع رحله» [ (3) ] : بنون مكسورة فسين فعين مهملتين: السير المضفور من الأديم على هيئة أعنّة البغال.. «الجمّة» : بالضّمّ: الشّعر إلى شحمة الأذن. «وضيء» : جميل. «لكمه» : ضربه بجمع كفه. «أوى» : أي أشفق ورحم. «شعشاع» [ (4) ] : طويل. «جوار» : بضمّ الجيم وكسرها: العهد والأمان. «تجار» : بكسر التاء يخفّف ويشدّد: جمع تاجر. «فاهتف» : صح وادع.

_ [ (1) ] انظر اللسان 4/ 2385، [ (2) ] يرفّض: تفرق وتبدد وزال وسال وترش وارفض بمعنى ترفض. الوسيط 1/ 360. [ (3) ] النسع: سير يضفر على هيئة أعنّة النعال تشد به الرّحال: والجمع أنساع ونسوع ونسع والقطعة فيه نسعة قال عبد يغوث: أقول وقد شدوا لساني بنسعة اللسان 6/ 4410. [ (4) ] انظر لسان العرب 3/ 2279.

شرح أبيات ضرار بن الخطاب وحسان بن ثابت

شرح أبيات ضرار بن الخطاب وحسان بن ثابت «عنوة» [ (1) ] : بفتح العين: أي قهرا. «طلّت» بضم الطاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة ثم تاء التأنيث: أي أهدرت. «حريّا» : بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد المثناة التحتية: أي حقيقا وجديرا. «ضمّرا» : بضم الضاد المعجمة: جمع ضامر. «شرف» : المكان العالي يشرف على ما حوله. «تداركت وأخذت» : كلاهما بتاء الخطاب. «البرقاء» [ (2) ] : كل موضع فيه حجارة مختلفة الألوان. «الكتّان» : بفتح الكاف. «الأنباط» : قوم من العجم. «الرّيط» [ (3) ] : الملاحف البيض واحدتها ريطة. «مقصّرا» : بميم مضمومة فقاف مفتوحة فصاد مهملة مشدّدة: أي قصّرت بالمقصرة كمكنسة خشبة القصّار. «حسّرا» : مغيية. «الوسنان» [ (4) ] : النائم. الثّكلى: المرأة الفاقدة ولدها. «حتفها» : هلاكها. «محفر» بفتح الفاء: مصدر «ومحفر» بكسر الفاء: مكان. الثالث: في معرفة أسماء الذين بايعوا ليلة العقبة الثالثة: وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين. قال في العيون: هذا هو العدد المعروف، وإن زاد في التفصيل فليس ذلك بزيادة في الجملة وإنما هو لمحلّ الخلاف فيمن شهد. فبعض الرّواة يثبته وبعضهم يثبت غيره بدله. قلت: ورتّب ابن إسحاق أسماءهم على القبائل والبطون ورتبهم على حروف المعجم ليسهل الكشف عنهم. واعلم أن كل اسم يأتي فيهم بلفظ: «عبد

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 434. [ (2) ] البرقاء: أرض غليظة فيها حجارة ورمل وطين مختلطة وجمعها (براقي) الوسيط 1/ 51. [ (3) ] الرّيطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين وقيل: الريطة كل ملاءة غير ذات لفقين كلها نسيج واحد وقيل: هو كل ثوب لين رقيق، والجمع ريط ورياط. اللسان 3/ 1792. [ (4) ] الوسن الناس قال ابن القطاع: والاستيقاظ. ورجل وسنان وامرأة وسنى. المصباح المنير ص 660.

الأشهل» فإنه بشين معجمة، أو بلفظ «بهثه» فإنه بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وبالثاء المثلثة، أو بلفظ «يزيد» فإنه بالمثناة التحتية إلا «تزيد بن جشم» فإنه بالمثناة الفوقية والزاي بعدها تحتية. أو بلفظ «جشم» فإنه بجيم مضمومة فشين معجمة مفتوحة، وهو غير منصرف للعلمية والعدل من جاشم، أو بلفظ «حارثة» فإنه بالحاء المهملة والمثلثة، أو بلفظ «حرام» فإنه بالحاء والراء المهملتين، أو بلفظ «خنساء» فإنه بخاء معجمة فنون فسين فألف تأنيث. أو بلفظ «زريق» فإنه بزاي مضمومة فراء مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فقاف. أو بلفظ «زعوراء» فإنه بزاي مفتوحة فعين مهملة مضمومة فواو ساكنة فراء فهمزة ممدودة، أو بلفظ «ساردة» بكسر الراء فإنه بمهملات، أو بلفظ «سرح» بسكون الراء فإنه بمهملات، أو بلفظ «سلمة» بكسر اللام، أو بلفظ «السّلم» فإنه بفتحتين. أو بلفظ «سنان» فإنه بسين مكسورة ونونين بينهما ألف أو بلفظ «سواد» فإنه بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وآخره دال مهملة. أو بلفظ «غنم» فإنه بغين معجمة فنون ساكنة أو بلفظ «لوذان» فإنه بفتح اللام والذال المعجمة. أو بلفظ «مبذول» فإنه بالموحدة والمعجمة بلفظ اسم المفعول. أو بلفظ «نابي» فإنه بالنون والباء الموحدة. أو بلفظ «النّجّار» أو «النّجّاري» فإنه بالنون والجيم. باب الهمزة: أبي- بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية- ابن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجّار، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن عمرو بن حبيب- بفتح المهملة وكسر الموحدة- ابن حارثة بن غضب بفتح الغين وسكون الضاد المعجمتين. أسعد بن زرارة- بضم الزاي- ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النّجّار الخزرجي النّجّاري أبو أمامة. أسيد- بضم أوله وسكون التحتية- ابن حضير- بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة مفتوحة فراء- ابن سماك- بكسر السين المهملة وآخره كاف- ابن عتيك- ككريم- ابن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأشهلي يكنى أبا يحيى وقيل كنيته أبو عتيك. أوس بن ثابت- بالمثلثة- ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة- بفتح الميم- ابن عدي بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أخو حسان بن ثابت رضي الله عنه. أوس بن زيد بن أصرم، ذكره ابن عقبة فيهم. الباء الموحّدة: البراء- بفتح الموحدة فالراء ممدودا مخفّفا- ابن معرور- بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فراء مضمومة فواو فراء أخرى- ابن صخر- بصاد مهملة مفتوحة فخاء معجمة- ابن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عليّ بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وهو أول من بايع ليلتئذ في قول ابن

إسحاق، وأول من أوصى بثلث ماله. بشر بن البراء بن معرور. بشير- بفتح أوله وكسر المعجمة بعدها مثناة- ابن سعد بن ثعلبة بن جلاس- بضم الجيم مخففا وضبطه الدارقطني بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام- ابن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. بهيز- بضم أوله وفتح الهاء وسكون التحتية، قال في النور: وآخره زاي، وضبطه الحافظ في الإصابة بالراء: وقيل: أوله نون بدل الموحّدة- ابن الهيثم بن عامر، وقيل ابن نابي بن مجدعة- بفتح الميم وسكون الجيم، وبالعين المهملة- ابن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأوسي الحارثي. الثاء المثلثة: ثابت بن الجذع- واسم الجذع ثعلبة، والجذع بكسر الجيم وبالذال المعجمة كذا قال في النور، وفي نسخة صحيحة من العيون بضم الجيم وفتح الذال وفي نسخة صحيحة من سيرة ابن هشام بفتحها- ابن زيد بن الحارث بن حرام بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج الخزرجي السّلمي. ثعلبة بن عبيد بن عديّ: قال الذهبي في التجريد: «ذكره ابن الجوزي في التلقيح» . قال الحافظ: «أخشي أن يكون وقع في اسم أبيه تصحيف وهو ثعلبة بن عنمة- بعين مهملة ونون فميم مفتوحات- ابن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة السّلمي الخزرجي» . الجيم: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب ابن سلمد بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج الخزرجي السلمي. جبّار- بجيم مفتوحة فباء موحدة مشدّدة فراء- ابن صخر بن أمية بن خنساء- ويقال خنيس- ابن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي ثم السلمي أبو عبد الله. الحاء المهملة: الحارث بن قيس بن خلدة- بفتح الخاء المعجمة واللام ويقال خالد ابن مخلّد- بضم الميم فخاء معجمة فلام مشددة مفتوحتين- ابن عامر بن زريق [بن عامر بن زريق] بن عبد حارثة بن مالك بن غضب- بغين مفتوحة فضاد ساكنة معجمتين- ابن جشم ابن الخزرج الخزرجي ثم الزرقي، أبو خالد. الخاء المعجمة: خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث الخزرجي. خالد بن زيد بن كليب- بضم الكاف- ابن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار [واسمه] تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج [الأكبر] أبو أيوب الخزرجي النّجّاري. خالد بن عمرو بن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة [الخزرجي] السّلمي. خالد بن قيس بن مالك بن

العجلان بن مالك بن عامر بن بياضة [ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج الأكبر الخزرجي البياضي. خديج بن سلامة- وقيل بن سالم بن أوس بن عمرو بن القراقر- بقافين وراءين مهملتين- ابن الضّحيان البلوي نسبا الأنصاري حلفا، حليف لبني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة من الأنصار. خلّاد- بفتح أوله وتشديد اللام وآخره دال مهملة- ابن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأكبر الأنصاري الخزرجي الحارثي [من بلحارث بن الخزرج] . الذال المعجمة: ذكوان بن عبد قيس بن خلدة- أخو الحارث السابق- ابن مخلّد بن عامر بن زريق أبو السبع- بسين مهملة فباء موحدة، كان خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فهو مهاجري أنصاري. الراء: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عامر بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج الخزرجي الزرقي. رفاعة- بكسر الراء وتخفيف الفاء وفتح العين المهملة- ابن رافع بن مالك بن العجلان الخزرجي الزرقي. رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر- بزاي مفتوحة فنون ساكنة فموحّدة مفتوحة- ابن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس أبو لبابة الأوسي. رفاعة بن عمرو بن زيد- وقيل ابن نوفل وقيل ابن عمرو وقيل ابن قيس- ابن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الخزرجي أبو الوليد. الزاي: زياد بن لبيد- بفتح اللام وكسر الموحدة وسكون التحتية وآخره دال مهملة- ابن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عديّ بن أمية بن بياضة- بالمعجمة- ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج الخزرجي البياضي. زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النّجّار الخزرجي النّجّاري أبو طلحة [وهو مشهور بكنيته وهو زوج أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك] . السين المهملة: سعد بن خيثمة- بخاء مفتوحة فمثناة تحتية فمثلثة فميم فهاء تأنيث ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النّحّاط- بنون فحاء وطاء مهملتين بينهما ألف- ابن كعب بن حارثة بن غنم بن السّلم- بسين مهملة مشددة فلام ساكنة- ابن امرئ القيس بن مالك بن الأوس الأوسي أبو خيثمة. سعد بن الربيع- بفتح الراء- ابن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج. سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل الأوسي الأشهلي. سعد بن عبادة- بعين مهملة

مضمومة فباء موحدة مخفّفة- ابن دليم- بدال مهملة مضمومة فلام مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة- ابن حارثة بن أبي حزيمة- بحاء مهملة مفتوحة فزاي مكسورة فمثناة تحتية، قال في الإملاء: هذا هو الصواب وكذا قيّده الدارقطني ويروى بخاء مضمومة وزاي مفتوحة- ابن ثعلبة بن طريف- بالطاء المهملة المفتوحة وبالفاء- ابن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج، يكنى أبا ثابت [وقيل] أبا قيس، سيد الخزرج. سلمة- بفتح أوله وثانية- ابن سلامة بن وقش- بفتح الواو وإسكان القاف وتفتح- ابن زغبة- بزاي مضمومة فغين معجمة ساكنة، فموحدة مفتوحة فتاء تأنيث- ابن زعوراء بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن مالك بن الأوس الأوسي الأشهلي. سليم بن عمرو- أو عامر- ابن حديدة- بفتح الحاء المهملة- ابن عمرو بن غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، السّلمي. سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي السلمي. سهل بن عتيك- ككريم- ابن النعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول بالذال المعجمة اسم مفعول- وهو عامر بن مالك بن النّجّار الخزرجي. الشين المعجمة: شمر بن سعد بن ثعلبة، كذا في التلقيح ولم أره في غيره. الصاد المهملة: صيفي بن سواد بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة السلمي. الضاد المعجمة: الضّحّاك بن زيد بن الطفيل، كذا في التلقيح ولم أره في غيره. الضّحّاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي ثم السّلمي. الطاء المهملة: الطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب السلمي. الظاء المعجمة: ظهير- بالتصغير- ابن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو- وهو النبيت- ابن مالك بن الأوس الأوسي. العين المهملة: عامر بن نابي- بالنون وبالموحدة- ابن زيد بن حرام. عبادة- بضم أوله وتخفيف الموحّدة- ابن الصامت- بكسر الميم- ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الخزرجي أبو الوليد. عبّاد- بفتح أوله وتشديد الموحدة- ابن قيس- بالمثناة التحتية- ابن عامر بن خالد بن مخلّد- كمحمد- ابن عامر بن زريق الزرقي. العباس بن عبادة بن نضلة- بنون مفتوحة فضاد معجمة ساكنة- ابن مالك بن العجلان الخزرجي. عبد الله بن أنيس- بضم أوله مصغّرا- ابن أسعد بن حرام بن حبيب بن

مالك بن غنم بن كعب بن ناشز- بالنون والشين المعجمة والزاي- ابن يربوع- بمثناة مفتوحة فراء ساكنة فموحّدة مضمومة فعين مهملة- ابن البرك- بموحدة مضمومة فراء ساكنة فكاف- ابن وبرة- بفتح الواو فالموحدة والراء، وعند ابن عمر: تيم بن نفاثة- بنون مضمومة ففاء ومثلثة- ابن إياس بن يربوع، دخل البرك في جهينة حليفا لهم. عبد الله بن جبير- بضم الجيم وفتح الموحدة- ابن النعمان بن أمية بن امرئ القيس- وهو البرك- بضم الموحدة وفتح الراء وبالكاف- ابن ثعلبة بن عمرو [بن عوف بن مالك بن الأوس الأوسي [ثم من بني ثعلبة بن عمرو. عبد الله بن الربيع بن قيس بن عمرو بن عباد بن الأبجر- بفتح الهمزة فموحدة ساكنة فجيم مفتوحة فراء، والأبحر هو خدرة- بضم الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة- ابن عوف بن الحارث بن الخزرج الخزرجي. عبد الله بن رواحة- بالفتح ومهملة مخفّفا- ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغرّ بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الخزرجي. عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد من بني جشم بن الحارث بن الخزرج، الخزرجي الحارثي ويكنى أبا محمد وهو الذي أري الأذان في النوم. عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الخزرجي السلمي، يكنى أبا جابر والد جابر بن عبد الله. عبس- بفتح أوله وسكون الباء وبالسين المهملة- ابن عامر بن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن تميم بن كعب بن سلمة السّلمي. عبيد- بضم أوله بغير إضافة- ابن التّيّهان، أخو أبي الهيثم. عقبة- بضم أوله- ابن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة- بضم الهمزة وفتح المهملة- ابن عسيرة، واختلفوا في تقييد عسيرة فمنهم من يفتح العين ويكسر السين المهملتين ومنهم من يضم العين ويفتح السين- ابن عطية بن خدارة- بالخاء المعجمة المضمومة، وبعضهم يقول بجيم مضمومة ومكسورة- ابن عوف بن الحارث بن الخزرج أبو مسعود البدري. عقبة بن وهب بن كلدة- بفتح الكاف واللام والدال المهملة- ابن الجعد- بفتح الجيم وسكون العين وبالدال المهملتين- ابن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف- بالفاء- ابن بهثة بن عبد الله بن غطفان- بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء- ابن قيس بن عيلان الغطفاني، حليف لبني سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج. قال ابن إسحاق: «كان أول من أسلم من الأنصار ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلم يزل معه حتى هاجر فكان يقال له مهاجري أنصاري» . عمارة- بضم أوله والتخفيف- ابن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النّجّار، الخزرجي النّجّاري. عمرو بن الجموح- بفتح الجيم وضم الميم وبالحاء المهملة- ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة السّلمي من بني جشم بن الخزرج.

عمرو بن الحارث بن كندة بن عمرو بن ثعلبة من القواقل شهد العقبة الثانية قاله ابن إسحاق. عمرو بن عنمة- بمهملة فنون فميم مفتوحات- ابن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة السلمي. عمرو بن غزيّة- بغين معجمة مفتوحة فزاي مكسورة فمثناة تحتية مشدّدة- ابن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن- بالزاي- ابن النجّار الخزرجي ثم المازني، يقال إنه شهد العقبة، وقال ابن هشام: عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة وهو عطية بن خنساء. عمير- وقيل عمرو- ابن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام بن كعب ابن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد الخزرجي كذا نسبه ابن إسحاق وزاد موسى بن عقبة بين الحارث وثعلبة: لبدة- بكسر اللام وإسكان الموحدة وبالمهملة. عمير بن عامر بن نابي بن يزيد بن حرام الخزرجي، قال ابن الكلبي: شهد المشاهد كلها، وأقرّه الرشاطي والحافظ، وقال الحافظ الدمياطي: لم أر من ذكره في الصحابة غيره. عوف بن الحارث بن رفاعة- بكسر الراء- ابن الحارث بن سواد [بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الخزرجي] النّجّاري يعرف بأمه عفراء، ويقال بحذف الحارث الثاني. عويم- بضم أوله وفتح الواو وسكون التحتية بعدها ميم وليس بعدها راء- ابن ساعدة بن عايش- بمثناة تحتية فشين معجمة- ابن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأوسيّ. الفاء: فروة- بفتح الفاء وسكون الراء- ابن عمرو بن ودفة- بفتح الواو وإسكان الدال، قال ابن إسحاق: وهي معجمة وقال ابن هشام: مهملة ورجّحه السهيلي وفسّرة بالروضة- ابن عبيد بن عامر بن بياضة البياضي. القاف: قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر بن الخزرج [بن عمرو بن مالك بن الأوس] الأوسي ثم الظفري، ذكروه فيهم إلا ابن إسحاق. قطبة- بضم أوله وسكون الطاء المهملة- ابن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي السّلمي يكنى أبا زيد. قيس بن أبي صعصعة- واسم أبي صعصعة عمرو- ابن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النّجّار الخزرجي المازني. الكاف: كعب بن عمرو بن عبّاد- بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة- ابن عمرو بن سواد بن غنم [بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج] الخزرجي السّلمي أبو اليسر- بفتح المثناة التحتية والمهملة. كعب بن مالك بن أبي كعب عمرو بن القين- بفتح القاف وسكون المثناة التحتية- ابن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عليّ- بضم العين المهملة وفتح اللام- ابن أسد بن ساردة أبو عبد الله الخزرجي السّلمي- بفتحتين ويقال أبو بشير، ويقال أبو عبد الرحمن.

الميم: مالك بن التّيّهان- بمثناة فوقية مفتوحة فمثناة تحتية مكسورة مشدّدة ويجوز تخفيفها فألف فنون- ابن مالك بن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعوراء بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النّبيت- بفتح النون وكسر الباء الموحدة فمثناة تحتية ساكنة فمثناة فوقية- ابن مالك بن الأوس، أبو الهيثم الأوسي. مالك بن الدخشم- بدال مهملة مضمومة فخاء ساكنة فشين مضمومة معجمتين فميم ويقال بالنون بدل الميم ويقال كذلك بالتصغير. - ابن مالك بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف، وقيل في نسبه غير هذا. قال أبو عمر: لا يصح منه النّفاق فقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه بذلك. مالك بن رفاعة بن عمرو بن زيد، ذكره الأموي، كذا في العيون ولم أره في التلقيح لابن الجوزي ولا في العجالة للبرهان النووي ولا في الإصابة للحافظ. مسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء- ويقال سنان- ابن عبيد بن عدي بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة السّلميّ.. معاذ-- بضم أوله وبالذال المعجمة- ابن جبل- بفتح الجيم والموحدة- ابن عمرو بن أوس بن عايذ- بالمثناة التحتية والذال المعجمة- ابن عدي بن كعب بن عمرو بن أديّ- بضم الهمزة وفتح الدال المهملة وتشديد المثناة التحتية- ابن سعد بن عليّ- بضم العين المهملة وفتح اللام- ابن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، أبو عبد الرحمن الخزرجي الجشمي، الإمام المقدّم في علم الحلال والحرام رضي الله تعالى عنه. معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النّجّار الخزرجي، يعرف بأمّه عفراء. معاذ بن عمرو بن الجموح- بجيم مفتوحة فميم فواو- ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي السّلمي. معقل- بميم مفتوحة فعين ساكنة مهملة فقاف مكسورة فلام- ابن المنذر بن سرح- بسين فراء فحاء مهملات- ابن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم السلمي، معن بن عدي بن الجد- بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة- ابن العجلان بن ضبيعة- بضم الضاد وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالعين- ابن حارثة بن ضبيعة بن حرام بن جعل- بضم الجيم وسكون العين المهملة- ابن عمرو بن جشم بن ردم بن ذبيان بن هميم- بضم الهاء مصغّرا- ابن ذهل- بضم الذال المعجمة- ابن هني بن بليّ البلوي، حليف بني عمرو بن عوف. معوّذ- بالذال المعجمة بلفظ اسم الفاعل- ابن الحارث بن رفاعة، ويعرف بأمّه عفراء. المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الخزرجي الساعدي. النون: النعمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النّجّار. نهير بن بهير- بالموحدة- وهو نهير بن الهيثم- من بني نابي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأوسي.

الهاء: هانئ- بهمزة آخره- ابن نيار- بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وآخره راء- ابن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان- بدال مهملة مضمومة فهاء ساكنة- بن غنم بن ذبيان- بذال معجمة مكسورة ويجوز ضمها فموحدة ساكنة فمثناة تحتية وآخره نون- ابن هميم- بهاء مضمومة فميم مفتوحة فمثناة تحتية فميم أخرى- ابن كاهل- بكسر الهاء- ابن ذهل- بضم الذال المعجمة وسكون الهاء- ابن هنيّ- بفتح الهاء وكسر النون وتشديد التحتية- ابن بليّ- بالموحدة واللام وزان عليّ- ابن عمرو بن الحاف- بالحاء المهملة والفاء ومنهم من يكسر همزته ويقطعها ومنهم من يجعل الألف واللام فيه للتعريف منزلة اسم الفاعل من حفي يحفى- ابن قضاعة- بضم القاف وبالضاد المعجمة حليف لبني حارثة من الأنصار. المثنّاة التحتية: يزيد بن ثعلبة بن خزمة- بفتح المعجمتين قاله الدارقطني، وقال ابن إسحاق وابن الكلبي بسكون الزاي- ابن أصرم بن عمرو بن عمّارة- بفتح أوله والتشديد- ابن مالك البلوي أبو عبد الرحمن حليف بني سالم بن عوف بن الخزرج. يزيد بن خذام- بخاء مكسورة وذال معجمتين، ويقال حرام بالحاء والراء المهملتين- ابن سبيع- بموحدة مصغّرا- ابن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي السلمي. يزيد بن عامر بن حديدة- بالحاء المهملة- ابن غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة أبو المنذر الخزرجي السلمي. يزيد بن المنذر بن سرح- بمهملات- ابن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الخزرجي السلمي. الكنى: أبو سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة. النساء: أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، أم منيع السلمية. نسيبة بفتح النون وكسر السين المهملة- بنت كعب بن عمرو بن عوف بن عمرو بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن، أم عمارة.

الباب التاسع في إسلام عمرو بن الجموح بفتح الجيم وبالحاء المهملة رضي الله تعالى عنه

الباب التاسع في إسلام عمرو بن الجموح بفتح الجيم وبالحاء المهملة رضي الله تعالى عنه قال ابن إسحاق وغيره: لما قدم النّفر الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أظهروا الإسلام بالمدينة، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشّرك، منهم عمرو بن الجموح [بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة السّلمي من بني جشم بن الخزرج] ، وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. وكان عمرو [بن الجموح] سيّدا من سادات بني سلمة [وشريفا من أشرافهم] ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب يعظّمه يقال له: مناة [كما كانت الأشراف يصنعون تتخذ إلها تعظّمه وتظهره] . فلما أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل ومعاذ بن عمرو في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة، وكانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه ويطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس، منكّسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويحكم! من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ قال: ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهّره وطيّبه، ثم قال: أما والله لو أعلم من فعل بك هذا لأخزينّه. فإذا أمسى ونام عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك، [فيغدوا فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى فيغسله ويطهّره ويطيّبه ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مثل ذلك] فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما فغسله وطهّره وطيّبه، ثم جاء بسيفه فعلّقه عليه ثم قال له: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما أرى، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس. وغدا عمرو بن الجموح يلتمسه فلم يجده في مكانه، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكّسا مقرونا بكلب ميّت. فلما رآه أبصر شأنه، وكلّمه من أسلم من قومه، فأسلم رحمه الله وحسن إسلامه. فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف [وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة] : والله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن أفّ لملقاك إلها مستدن ... الآن فتّشناك عن سوء الغبن الحمد لله العليّ ذي المنن ... الواهب الرّزّاق ديّان الدّين هو الّذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن بأحمد المهدي النّبيّ المؤتمن [ (1) ]

_ [ (1) ] انظر الروض الأنف 2/ 205.

تنبيهان

تنبيهان الأول: في الزهر قول عمرو: «لو كنت إلها لم تكن» فيه عيب يسمى: سناد الإشباع وهو تغيير حركة الدخيل فالضمة مع الكسرة غير معيب والفتحة مع واحد منهما معيب والمذكور في الرّجز معيب بغير شك لأنه جمع بين الفتح والضم في قوله: في قرن. الثاني: في بيان غريب ما سبق: «مناة» [ (1) ] وزنه فعلة من منيت الدّم وغيره إذا صببته لأن الدماء كانت تمنى عنده أي تصبّ تقرّبا إليه. «العذر» بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة: جمع عذرة الخروء. «القرن» [ (2) ] بفتحتين: الحبل. «مستدن» بفتح المثناة الفوقية والدال المهملة معناه: ذليل مستعبد ذكره في الإملاء قال في الروض: هو من السّدانة وهي خدمة البيت وتعظيمه. «الغبن» [ (3) ] بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة يقال: غبن رأيه كما يقال سفه نفسه، فنصبوا لأن المعنى خسر نفسه وأوبقها وأفسد رأيه ونحو هذا. «الدّين» . بكسر الدال المهملة: جمع دينة وهي العادة ويقال لها دين أيضا، ويجوز أن يكون أراد بالدّين الأديان أي هو ديّان أهل الأديان، ولكن جمعها على الدّين لأنها ملل ونحل والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وإلى الله ترجع الأمور.

_ [ (1) ] اللسان 6/ 4285. [ (2) ] انظر المصباح المنير 501. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 644.

جماع أبواب الهجرة إلى المدينة الشريفة

جماع أبواب الهجرة إلى المدينة الشريفة الباب الأول في إذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في الهجرة إلى المدينة روى ابن سعد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قال: لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه وقد جعل الله له منعة وقوما أهل حرب [وعدّة] ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج فضيّقوا على أصحابه وتعبّثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشّتم والأذى، فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة، فقال: «قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين» - وهما الحرّتان- «ولو كانت السّراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي» . ثم مكث أياما ثم خرج إلى أصحابه مسرورا فقال: «قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها» . فجعل القوم يتجهّزون ويترافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك. فكان أول من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سلمة بن عبد الأسد- بسين ودال مهملتين [ (1) ] . قال ابن إسحاق: «هاجر إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة. وحبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بمكة نحو سنة ثم أذن لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها فانطلقت وحدها مهاجرة حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة [بن أبي طلحة] أخا بني عبد الدار وكان يومئذ مشركا وأسلم بعد ذلك، فشيّعها حتى إذا أوفى على قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال لها: هذا زوجك في هذه القرية. ثم انصرف راجعا إلى مكة، فكانت تقول: ما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عنّي حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحطّ عنه ثم قيّده في الشجرة، ثم أتى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرّواح قام إلى بعيري فقدّمه فرحله، ثم استأخر عنّي وقال: اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني، [فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 128 وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 152 وابن خزيمة في صحيحه (265) والبيهقي في الدلائل 2/ 459.

وقيل: أول المهاجرين مصعب بن عمير. روى البخاري في صحيحه، والحاكم في الإكليل عن البراء بن عازب قال: «أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير» . وروى ابن إسحاق وابن سعد: «ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة [حليف بني عدي بن كعب] ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة [ (1) ]- بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الثاء المثلثة- قالا: «وهي أول ظعينة قدمت المدينة» . قال ابن إسحاق: «ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وبأخيه أبي أحمد عبد بن جحش- بإضافة عبد إلى ابن جحش- وكان أبو أحمد رجلاً ضرير البصر، وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد، وكان شاعرا، وكانت عنده الفارعة ابنة أبي سفيان بن حرب، وهاجر جميع بني جحش بنسائهم فعدا أبو سفيان على دارهم فتملّكها، قال بعضهم: إنه باعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي، فذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارا في الجنة خيراً منها؟» قال: بلى. قال: «فذلك لك» . ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة كلّمه أبو أحمد في دارهم، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الناس لأبي أحمد: يا أبا أحمد إن رسول الله يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله. فأمسك الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام، قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم: [عبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش، وعكاشة بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب وأربد بن حمير] . وروى ابن السمان في «الموافقة» عن علي رضي الله عنه قال: ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلّد سيفه وتنكّب قوسه وانتضى في يده أسهما واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها فطاف بالبيت سبعاً [متمكنا] ، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يثكل أمّه أو يؤتم ولده أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي رضي الله عنه: فلم يتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علّمهم ما أرشدهم إليه ثم مضى لوجهه. وروى ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

_ [ (1) ] ليلى بنت أبي حثمة بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن كعب بن لؤي القرشية العدوية أخت سليمان وكانت زوج عامر بن ربيعة العنبري فولدت له عبيد الله ... وقال ابن سعد: أسلمت قديما وبايعت كانت من المهاجرات الأول هاجرت الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة يقال: إنها أول ظعينة دخلت المدينة في الهجرة ويقال أم سلمة. انظر الإصابة 8/ 180.

اتّعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعيّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص [بن وائل] السّهميّ التّناضب من أضاة بني غفار فوق سرف، وقلنا: أيّنا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعيّاش بن أبي ربيعة عند التناضب وفطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة وفتن فافتتن. ثم إن أبا جهل والحارث بن هشام- وأسلم بعد ذلك- خرجا حتى قدما المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالا لعيّاش بن أبي ربيعة وكان ابن عمّهما وأخاهما لأمهما: إن أمّك قد نذرت ألّا يمسّ رأسها مشط حتى تراك ولا تستظلّ من شمس حتى تراك، فرقّ لها. فقلت له: يا عيّاش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمّك القمل لامتشطت، ولو قد اشتدّ عليها حرّ مكة لاستظلّت. فقال: أبرّ قسم أمي ولي هنالك مال فآخذه. فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريشا مالا فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. فأبى علي إلا أن يخرج معهما. فلما أبي إلا ذلك قلت: أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟. قال: بلى. قال: فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه رباطا وفتناه فافتتن ودخلا به مكة نهارا موثقا، ثم قالا: يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا. قال عمر: فكنا نقول: ما الله تعالى بقابل ممّن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم. قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم. فلما قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر: 53، 54، 55] . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي. قال: فقال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعّد بها فيه وأصوّب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهّمنيها قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا. قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا ما ذكره ابن إسحاق في شأن هشام. قال ابن هشام: فحدثني من أثق به إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة: «من لي بعيّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصي؟» فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما.

فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا، فلقي امرأة تحمل طعاما فقال لها: أين تريدين يا أمة الله؟ قالت: أريد هذين المحبوسين. تعنيهما، فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له، فلما أمسى تسوّر عليهما ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما، فكان يقال لسيفه: ذو المروة، لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت إصبعه فقال: هل أنت إلا أصبع دميت؟ ... وفي سبيل الله ما لقيت ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تتابع المهاجرون أرسالا فنزل طلحة بن عبيد الله وصهيب بن سنان على خبيب- بضم الخاء المعجمة وفتح الوحدة- ابن إساف- بكسر الهمزة- بالسّنح ويقال: بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة. وروى ابن سعد عن سعيد بن المسيّب أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفّار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك والله لا يكون ذلك. فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم. قال: فإني جعلت لكم مالي. قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ربح صهيب ربح صهيب» [ (1) ] . قال ابن سعد: لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا فنزلوا في الأنصار في دورهم وآووهم ونصروهم وآسوهم، وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤمّ المهاجرين بقباء قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة، ولم يتخلّف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما. وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا» . فيطمع أبو بكر أن يكونه. قال ابن سعد: وكان نفر من الأنصار بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الآخرة، ثم رجعوا إلى المدينة، فلما قدم أول من هاجر إلى قباء خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، حتى قدموا مع أصحابه في الهجرة، فهم مهاجرون أنصاريون وهم: ذكوان بن عبد قيس [بن خلدة الزّرقي] ، وعقبة بن وهب بن كلدة والعبّاس [ابن عبادة] بن نضلة وزياد بن لبيد [بن ثعلبة الخزرجي البياضي] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 62 وذكره ابن حجر في المطالب (4063) .

تنبيهات

تنبيهات الأول: ذكر ابن إسحاق وابن سعد إن أول من هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد. وروى ابن أبي شيبة والبخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير. قال الحافظ: «فيجمع بينهما بحمل الأوّليّة في أحدها على صفة خاصة. فقد جزم ابن عقبة بأن أول من قدم من المهاجرين مطلقا أبو سلمة بن عبد الأسد، وكان رجع من الحبشة إلى مكة، فأوذي بمكة، فبلغه ما وقع للاثني عشر من الأنصار في العقبة الأولى، فتوجه إلى المدينة في أثناء السنة، فيجمع بين ذلك وبين ما وقع في حديث البراء بأن أبا سلمة خرج لا لقصد الإقامة بالمدينة بل فرارا من المشركين، بخلاف مصعب بن عمير فكان على نية الإقامة بالمدينة» . الثاني: جزم أبو عمر بأن ليلى بنت أبي حثمة بن غانم أول ظعينة دخلت المدينة من المهاجرات، وقال موسى بن عقبة: بل أم سلمة فالله أعلم. الثالث: ذكر ابن إسحاق في مهاجرات بني [غنم بن] دودان بن أسد: بنات جحش وذكر فيهنّ أم حبيبة- بالهاء- وقال السهيلي: أم حبيب- بغير هاء- وقال أبو عمر: هو قول الأكثر، قال الحافظ: كذا قال. قلت لأن قصتها في الاستحاضة رواها الزّهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها. وقال عمرو بن الحارث، ومحمد بن إسحاق وابن أبي ذئب كلهم عن الزهري: أم حبيبة بالهاء وقال معمر عنه: أم حبيب بغير هاء، وقال يحيى بن أبي كثير عن أم سلمة عن أم حبيبة بالهاء. وقال ابن عيينة عن الزهري: أم حبيبة أو حبيب على الشك. فظهر من هذا أن أكثر الرواة قالوا: أم حبيبة بالهاء خلافا لما قاله أبو عمر. قال في العيون: «وأما ابن عساكر فعنده أم حبيبة واسمها حمنة فهما أي بنات جحش ثنتان على هذا» . انتهى. قلت: كان مستند الحافظ ابن عساكر في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عن عمران بن طلحة عن عبيد الله عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض فذكر الحديث. فلما رأى الحافظ ابن عساكر حديث الاستحاضة تارة يروى عن حمنة بنت جحش وتارة يروى عن أم حبيبة ظنّ أن اسم أم حبيبة حمنة، وليس كذلك فإن حمنة غير أم حبيبة وكل منهما استحيض. وقد ذكر ابن إسحاق وابن سعد وغيرهما بنات جحش وسمّوهنّ وذكروا أزواجهن، ولهذا مزيد بيان في كتابي: «عين الإصابة في معرفة الصحابة» ، أعان الله على إكماله. الرابع: ذكر ابن إسحاق من نساء بني جحش: جذامة بنت جندل. قال السهيلي: «وأحسبها جذامة بنت وهب وأما جذامة بنت جندل فلا تعرف في آل جحش الأسديين ولا في غيرهم ولعله وهم وقع في الكتاب وأنها بنت وهب بن محصن بنت أخي عكاشة بن محصن.

قال في الزهر: وهذا غير لأن محمد بن جرير ذكر جذامة في المهاجرات، قال: والمحدّثون قالوا فيها: جذامة بنت وهب، والمختار أنها بنت جندل أخت عكاشة بن محصن المشهور، وتكون أخته من أمّه. وفي كتاب الصحابة لابن حبّان: جذامة بنت جندل من بني غنم من المهاجرات، وجذامة بنت وهب من بني هلال. وفي الطبقات لابن سعد: جذامة بنت جندل الأسدية أسلمت قديما وبايعت وهاجرت إلى المدينة. ويزيد ذلك وضوحا ما ذكره أبو الحسن الخزرجي في كتاب تقريب المدارك في الكلام على موطّأ مالك: أن جذامة بنت وهب أسلمت عام الفتح، ودال جدامة روي إعجامها وإهمالها وصحّح. الخامس: في بيان غريب ما سبق: «اللّحاق» [ (1) ] : بفتح اللام مصدر لحقه ولحق به. «أرسالا» [ (2) ] : بفتح الهمزة أي: أفواجا وفرقا. «التنعيم» : على لفظ المصدر محل بين مكة وسرف على مرحلتين من مكة. «منعة» : بفتحتين أي في قوم يمنعونه ويحمونه جمع مانع ككاتب وكتبة وتقدم مبسوطا غير مرة. «السّبخة» : بكسر الموحدة وتسكّن: الأرض المالحة. «بين لابتين» : تثنية لابة بالموحدة وهي الحرّة وتأتي. «الحرّتان» : تثنية حرّة وهي أرض ذات أحجار سود نخرة كأنّها أحرقت بالنار. «السّراة» : بفتح السين المهملة: أعظم جبال بلاد العرب «الظعينة» : بفتح الظاء المعجمة المشالة: المرأة وأصله الهودج الذي تكون فيه المرأة. «عدا» : بالعين المهملة: من العدوان. «فأبطأ» : بهمزة مفتوحة في أوّله وأخرى في آخره. «أصيب منكم» بالبناء للمفعول. «أوعبوا» : قال ابن السّكّيت: أوعب بنو فلان جلاء: لم يبق بدارهم منهم أحد. «تنكّب قوسه» : ألقاها على منكبه.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 819. [ (2) ] انظر اللسان 3/ 1643.

«انتضى [ (1) ] في يده أسهما» : أي سلّها من كنانته وتركها معدّة في يده وكذلك انتضى سيفه ونضاه سلّه. «اختصر العنزة» [ (2) ] العنزة بالتحريك: أطول من العصا وأقصر من الرّمح وفيه زجّ كزجّ الرّمح، واختصرها: حملها مضمومة إلى خاصرته. «المعاطس» [ (3) ] جمع معطس بزنة مجلس وهو الأنف. «وإرغامها» : إلصاقها بالرغام وهو التراب كنّى بذلك عن الإهانة والذّلّ. «التّناضب» : بمثناة فوقية مفتوحة فنون فألف فضاد معجمة مضمومة: هو اسم موضع ويروى بكسر الضاد جمع تنضب وهو شجر واحدته تنضبة. «الأضاة» : بفتح الهمزة والضاد المعجمة بوزن حصاة ومناة الغدير يجتمع من ماء المطر يمد ويقصر. «غفار» بكسر الغين المعجمة وبالفاء وبالراء. «سرف» بفتح السين والراء المهملتين وبالفاء: موضع بين مكة والمدينة. «تسوّر الحائط» : تسلّقه. «المروة» [ (4) ] : الحجر الصلب. «فعثر» بفتح المثلثة صدم رجله شيء. «ذو طوى» [ (5) ] بتثليث الطاء: بمكة قال النووي: يصرف ولا يصرف.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 2/ 929. [ (2) ] انظر اللسان 4/ 3128. [ (3) ] المعطس: بزنة المجلس والمعطش بفتح الطاء. الأنف لأن العطاس منه يخرج، قال الأزهري: المعطس بكسر الطاء لا غير وهذا يدل على أن اللغة الجيدة يعطس بالكسر. اللسان 4/ 2995. [ (4) ] انظر اللسان 6/ 4188. [ (5) ] انظر اللسان 4/ 2730.

الباب الثاني في سبب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وكفاية الله تعالى رسوله مكر المشركين حين أرادوا ما أرادوا

الباب الثاني في سبب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وكفاية الله تعالى رسوله مكر المشركين حين أرادوا ما أرادوا روى ابن إسحاق وعبد الرزاق والإمام أحمد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس، وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة، والبيهقي عن ابن إسحاق أن قريشا لما رأت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا جوارا ومنعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار النّدوة- وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها- يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين خافوه. فاجتمعوا لذلك واتّعدوا، وكان ذلك اليوم يسمّى يوم الزّحمة فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بتّ له، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفا على بابها قالوا: من الشّيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ألا تعدموا منه رأيا ولا نصحا. قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش: من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب- وأسلم بعد ذلك-[ومن بني نوفل بن عبد مناف] : طعيمة بن عديّ، وجبير بن مطعم- وأسلم بعد ذلك- والحرث بن عامر بن نوفل. ومن بني عبد الدار بن قصيّ] : النّضر بن الحرث بن كلدة [ومن بني أسد بن عبد العزّى] : أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود- وأسلم بعد ذلك- وحكيم بن حزام- وأسلم بعد ذلك، [ومن بني مخزوم] : أبو جهل بن هشام، [ومن بني سهم] : نبيه ومنبّه ابنا الحجّاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم، وغيرهم ممّن لا يعدّ من قريش. فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، وإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا. قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم- نقل السهيلي عن ابن سلّام أنه أبو البختريّ بن هشام- احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله: زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم. فقال الشيخ النجدي- لعنه الله-: لا والله ما هذا لكم برأي، والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجنّ أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره. فتشاوروا ثم قال قائل منهم- ذكر السهيلي أنه أبو الأسود ربيعة بن عمرو أحد [ (1) ] بني

_ [ (1) ] في أ: أخو.

عامر بن لؤي- نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا [كما كانت] فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحلّ على حيّ من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم، فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبّروا فيه رأيا غير هذا. فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد. قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شابّا جلدا نسيبا وسيطا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إن فعلوا ذلك تفرّق دمه في القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم. فقال الشيخ النجدي أخزاه الله: القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا أرى غيره. وذكر ابن الكلبي أن إبليس لما حمد رأي أبي جهل لعنه الله قال: الرّأي رأيان: رأي ليس يعرفه ... هاد ورأي كنصل السّيف معروف يكون أوّله عزّ ومكرمة ... يوما وآخره جدّ وتشريف وتفرّق القوم على ذلك وهم مجمعون له. فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، وأخبره بمكر القوم وإذن الله تعالى له بالخروج. فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: «نم على فراشي وتسجّ ببردي هذا الحضرميّ الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام. فلما اجتمعوا قال أبو جهل بن هشام: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن وإن أنتم لم تفعلوا كان فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: «نعم أنا أقول ذلك وأنت أحدهم» . وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذري ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ إلى قوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس: 1- 9] فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.

فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: «ما تنتظرون ههنا» ؟ قالوا: «محمدا» . قال: «خيّبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم» ؟ قال: «فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب» ، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجّيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما عليه برده. فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا. فقام علي رضي الله عنه من الفراش. فقالوا: «والله لقد صدقنا الذي كان حدّثناه» . وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور. وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه» . وكان المشركون يرجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يرمون عليّا ويرونه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل عليّ يتوضأ فإذا هو علي، فقالوا: إنك للئيم، إنك لتتضوّر [ (1) ] وكان صاحبك لا يتضوّر وقد استنكرناه منك. وروى الحاكم عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله عليّ، وقال في ذلك شعراً: وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر رسول إله خاف أن يمكروا به ... فنجّاه ذو الطّول الإله من المكر وبات رسول الله في الغار آمنا ... موقّى وفي حفظ الإله وفي ستر وبتّ أراعيهم وما يتّهمونني ... وقد وطّنت نفسي على القتل والأسر قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ بالوثاق والحبس والإثخان بالجرح (أو يقتلوك) بسيوفهم (أو يخرجوك) - من مكة- (ويمكرون) - يحتالون في أمرك- (ويمكر الله) - يجازيهم جزاء مكرهم فسمّى الجزاء مكرا لأنه في مقابلته، والمعنى أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى منعه منهم وأظهره وقوّاه ونصره فضاع فعلهم وظهر فعل الله عز وجل- وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الأنفال: 30]- لأن مكره حقّ، وإتيان هذا مما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقه ابتداء لما فيه من إيهام الذّمّ، وهذه السورة مدنية، وهذه الواقعة كانت بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة. وقد ذكر الله تعالى النبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم نعمته عليه. قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى في ذلك فَذَكِّرْ- أي دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنهم لقولهم لك كاهن مجنون فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ- جزما- وَلا مَجْنُونٍ معطوف عليه- أَمْ- بل- يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ- أي حوادث

_ [ (1) ] قال ابن الأثير: أي تتلوى وتضيع وتتقلّب ظهرا لبطن. انظر النهاية 3/ 105.

تنبيهات

الدّهر فيهلك كغيره من الشعراء- قُلْ- لهم- تَرَبَّصُوا- هلاكي- فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور: 29، 31]- لهلاككم، فعذّبوا بالسيف يوم بدر، والتّربّص الانتظار. تنبيهات الأول: روى ابن جرير وابن المنذر عن عبيد بن عمير، وابن جرير من طريق آخر عن المطلب بن أبي وداعة قال: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني. قال: من حدّثك بهذا؟ قال: ربّي. قال: نعم الرب ربك إلى آخره. قال في البداية: ذكر أبي طالب فيه غريب بل منكر لأن القصة قبل الهجرة وذلك بعد موت أبي طالب بثلاث سنين. الثاني: قال السّهيلي: إنما قال لهم إبليس أنه من أهل نجد لأنهم قالوا: لا يدخلنّ معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة لأن هواهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك تمثّل لهم في صورة شيخ نجدي وقد تقدم في بنيان قريش الكعبة أنه تمثل في صورة شيخ نجدي حين حكّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الركن من يرفعه، فصاح الشيخ النجدي: يا معشر قريش، أقد رضيتم أن يليه هذا الغلام دون أشرافكم وذوي أسنانكم، فإن صح هذا الخبر فلمعنى آخر تمثل نجديا وذلك أن نجدا يطلع منها قرن الشيطان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قيل له: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: هنالك الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان. الثالث: المانع لهم من التّقحّم تلك الليلة على عليّ وهم يظنونه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم لم يزالوا قياما حتى أصبحوا أن بعض أهل السير ذكروا السبب المانع من ذلك مع قصر الجدار وأنهم إنما جاءوا لقتله، فذكر في الخبر أنهم همّوا بالولوج عليه فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: والله إنها للسّبّة في العرب أن يتحدّث عنّا أنّا تسوّرنا الحيطان على بنات العمّ وهتكنا ستر حرمتنا [فهذا هو الذي أقامهم بالباب حتى أصبحوا ينتظرون خروجه ثم طمست أبصارهم عنه حين خرج] وقال بعضهم: «الحكمة في كون الموضوع على رأسهم ترابا دون غيره الإشارة لهم بأنهم الأرذلون الأصغرون الذين أرغموا وألصقوا بالرغام وهو التراب، وأنه سيلصقهم بالتراب بعد هذا» . الرابع: روى ابن مندة وغيره عن مارية خادم النبي صلى الله عليه وسلم إنها طأطأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين، وما سبق في القصة من أنه طلع على المشركين من الباب أقوى سندا منه، وحديث مارية فيه مجاهيل. الخامس: في قراءته صلى الله عليه وسلم الآيات من سورة يس من الفقه التذكرة بقراءة الخائفين لها اقتداء به صلى الله عليه وسلم، وورد في بعض الآثار: ما قرأها خائف إلا أمن. السادس: في بيان غريب ما سبق: «منعة» : سبق بيانها.

«شيخ جليل» : يقال جلّ الرجل وجلّت المرأة إذا أسنّا. «عليه بتّ» : البتّ بفتح الموحدة وتشديد المثناة الفوقية: الكساء الغليظ المربّع وقيل الطيلسان من خزّ. «أجل» : بفتح الهمزة والجيم وإسكان اللام مخفّفة بمعنى نعم. «أجمعوا فيه رأيا» بفتح الهمزة وكسر الميم: يقال أجمعت الأمر وعلى الأمر إذا عزمت عليه. «أوشكوا» [ (1) ] : بفتح الهمزة والشين المعجمة: أي أسرعوا. «أظهرنا» : بيّنّا. «ألفتنا» بضم الهمزة. «أن يحلّ» : بفتح أوله وضمّ الحاء المهملة أي ينزل. «جلدا» : بفتح الجيم وكسر اللام: أي قويا. «وسطا» : بفتح الواو وكسر السين والطاء المهملتين: أي حسيبا في قومه. «صارما» : قاطعا. «نعمد» بكسر الميم في المستقبل وفتحها في الماضي. «العقل» كعقل الإنسان: الدّية. «عتمة اللّيل» : بفتح العين والمثناة الفوقية وقت صلاة العشاء، وقيل ثلث الليل الأول من الليل بعد غيبوبة الشّفق، وعتمة الليل ظلامه. «الحضرمي» : منسوب إلى حضر موت. «تابعتموه» : بمثناة فوقية وموحدة من المتابعة. «بعثتم» بالبناء للمفعول. «الجنان» جمع جنّة: البستان. «الأردن» : بهمزة مضمومة فراء ساكنة فدال مهملة فنون مشدّدة: الكورة المعروفة من أرض الشام بقرب بيت المقدس. «حفنة» [ (2) ] : بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء هي ملء الكف والشيء المحصول حفنة بالضم ويجوز الفتح، والمرّة بالفتح ليس غير. «صدقنا» : بفتح الدال المخفّفة: أي حدّثنا حديث صدق.

_ [ (1) ] وشك بضم الشين يوشك وشكا ووشاكة ووشكانا أسرع وأوشك هو بمعنى وشك ويستعمل فعل مقاربة ويكون بمعنى: يقرب ويدنو أيضا. الوسيط 2/ 1035. [ (2) ] الحفن بفتح الحاء: أجزلوا الشيء براحة كفك والأصابع مضمومة وفي حديث الشفاعة: إنما نجد حفنة من حفنات الله. اللسان 2/ 934.

الباب الثالث في قدر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ورؤياه الأرض التي يهاجر إليها

الباب الثالث في قدر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ورؤياه الأرض التي يهاجر إليها روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة، والرواية عن ابن عباس في ذلك مختلفة، وسيأتي تحريرها في الوفاة النبوية إن شاء الله تعالى وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب» ، رواه الشيخان [ (1) ] وعن صهيب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرّتين فإما أن تكون هجرا أو يثرب» ، رواه الترمذي والحاكم والطبراني [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء [ (3) ] رضي الله عنه، والإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة، قال الحافظ: وذكره وهم وإنما هو عبد الله بن عدي، والحاكم وابن جميع عن ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الحزورة فقال: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك» [ (4) ] . تنبيهات الأول: قال ابن التين: أري النبي صلى الله عليه وسلّم أولا دار هجرته بصفة تجمع المدينة وغيرها، ثم أري الصفة المختصة بالمدينة فتعيّنت. الثاني: حديث أبي هريرة مرفوعا: «اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إليّ فأسكنّي في أحبّ البقاع إليك» [ (5) ] ، رواه الحاكم، وقال الذهبي: إنه موضوع، وقال ابن عبد البرّ: لا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 247 ومسلم في كتاب الرؤيا (20) وابن ماجة (3921) . [ (2) ] أخرجه الحاكم 3/ 400 والطبراني في الكبير 8/ 37 والبيهقي في الدلائل 2/ 522. [ (3) ] عبد الله بن عدي بن الحمراء القرشي الزهري ويقال إنّه عقبي حالف بني زهرة. قال البخاري: له صحبة يكنى أبا عمر وأبا عمرو وكان ينزل قديدا وهو من مسلمة الفتح روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة روى عنه أبو سلمة ومحمد بن جبير بن مطعم وقال البغوي: سكن المدينة. الإصابة 4/ 105. [ (4) ] أخرجه الترمذي (3925) وابن ماجة (3108) والحاكم 3/ 7 وأحمد في المسند 4/ 305 والدارمي 2/ 239 وابن عبد البر في التمهيد 2/ 288. [ (5) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 213 وعزاه للحاكم في المستدرك وابن سعد في شرف المصطفى عن أبي هريرة مرفوعاً، قال: قال الحاكم: ومسنده مدنيون في بيت أبي سعيد المقبري انتهى، وفي سنده عبد الله بن أبي سعيد المقبري ضعيف جدا، قال ابن عبد البر: لا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه، وقال ابن حزم: هو حديث لا يسند، وإنما هو مرسل من جهة محمد بن الحسن بن زبالة وهو هالك.

يختلف أهل العلم أنه منكر موضوع. الثالث: في بيان غريب ما سبق: «وهلي» : بفتح أوله وثانية: أي ظنّي، يقال: وهل يهل وهلا بالسكون إذا ظنّ شيئا فتبينّ الأمر خلافه. «اليمامة» : مدينة على يومين من الطائف وأربعة من مكة. «هجر» : بفتح أوله وثانية وهي هنا مدينة باليمن، وهي قاعدة البحرين وهي من مساكن عبد القيس، وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام، يذكّر ويؤنّث، قال الجوهري: مذكّر مصروف. «أرض سبخة» : بفتح السين المهملة وكسر الموحدة وتسكّن وتفتح، أي مالحة. «ظهراني حرّتين» : أي بينهما والحرّتان: تثنية حرّة وهي أرض ذات حجارة سود. «الحزورة» : بحاء مفتوحة فزاي ساكنة فواو فراء، سوق كانت بمكة أدخلت في المسجد.

الباب الرابع في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الآيات

الباب الرابع في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الآيات قال الله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء 80] . روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم والضياء وصحّحوه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة من مكة وأنزل عليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء 80] الهجرة إلى المدينة وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً: كتاب الله عز وجل، وفرائضه وحدوده. وروى الحاكم وصححه عن قتادة في الآية قال: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ يعني المدينة وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني مكة. وروى الزبير بن بكّار عن زيد بن أسلم في الآية قال: جعل الله تعالى مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة، وسلطانا نصيرا الأنصار. قال ابن سعد: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما خرج من بيته أتى بيت أبي بكر بمكة فكان فيه إلى الليل، ثم خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه» . وروى موسى بن عقبة وابن إسحاق والإمام أحمد والبخاري وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها، وابن إسحاق والطبراني عن أختها أسماء رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي» . فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي وأمي أنت؟ قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر [ (1) ] ، وهو الخبط [ (2) ] أربعة أشهر. [قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير إن عائشة رضي الله عنها قالت:] «لم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيّة» . قالت: «فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة [ (3) ] قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها» . فقال أبو بكر: «فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر» . قالت: «فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل، فتأخّر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم» . فقال أبو بكر: «يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] السّمر: هو ضرب من شجر الطّلح الواحدة سمرة، انتظر النهاية لابن الأثير 2/ 399. [ (2) ] الخبط، ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خبط بالتحريك، فعل بمعنى مفعول، وهو من علف الإبل. انظر النهاية لابن الأثير 2/ 7. [ (3) ] نحر الظهيرة: هو حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع، كأنها وصلت إلى النحر، وهو أعلى الصدر. انظر النهاية لابن الأثير 5/ 27.

لأبي بكر: «أخرج من عندك» . فقال أبو بكر: لا عين عليك إنما هما ابنتاي، وفي لفظ: أهلك. قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة» . فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله» . قال: «نعم» . قالت عائشة: «فو الله ما أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ» . قال أبو بكر: «يا رسول الله خذ إحدى راحلتيّ هاتين» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بالثّمن، لا أركب بعيرا ليس هو لي» . قال: فهو لك. قال: «لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به» . قال «أخذتها بكذا وكذا» . قال «أخذتها بذلك» . قال: هي لك. وعند البخاري في غزوة الرجيع أنها الجدعاء، وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة. واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الدّيل وهو من بني عبد بن عديّ هاديا خرّيتا- والخرّيت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفّار قريش- وأسلم بعد ذلك- فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث. قالت عائشة: فجهّزنا هما أحثّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب. وأفاد الواقدي أنه كان في السّفرة شاة مطبوخة. قالت عائشة: فشقّت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها- وفي لفظ قطعت نطاقها قطعتين فأوكت بقطعة منه الجراب وشدّت فم القربة بالباقي فسمّيت ذات النطاق وفي لفظ النّطاقين. وعند البلاذري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لها نطاقين في الجنّة» [ (1) ] فسميت ذات النطاقين. قال ابن إسحاق: وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته» . قالت عائشة: «ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل ثور» . وفي حديث عمر عند البيهقي أنهما خرجا ليلا. وذكر ابن إسحاق والواقدي أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر. وروى أبو نعيم عن عائشة بنت قدامة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقيني أبو جهل فأعمى الله عز وجل بصره عنّي وعن أبي بكر حتى مضينا» . قالت أسماء: «وخرج أبو بكر بماله خمسة آلاف درهم» . قال البلاذري: «وكان مال أبي بكر يوم أسلم أربعين ألف درهم، فخرج إلى المدينة للهجرة وماله خمسة آلاف أو أربعة، فبعث ابنة عبد الله فحملها إلى الغار» . قالت: «فدخل علينا جدّي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه» . قالت: «قلت: كلّا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا» . قالت: «فأخذت أحجارا فوضعتها في كوّة في البيت، كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 150 (2979) .

فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه. فقال: لا بأس إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكّن الشيخ بذلك» . وفي حديث عند البيهقي إن أبا بكر رضي الله عنه لما خرج هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار، جعل أبو بكر يمشي مرّة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «يا رسول الله أذكر الرّصد فأكون أمامك وأذكر الطّلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لآمن عليك، فلما انتهينا إلى فم الغار قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك» . فدخله فجعل يلتمس بيده، فجعل كلما دخل جحرا قام إلى ثوبه فشقّه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع: فبقي جحر» فوضع عقبيه عليه، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت الحيّات يلسعن أبا بكر رضي الله عنه وجعلت دموعه تنحدر. وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي بكر أنهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فألقمه أبو بكر رجليه. قال: «يا رسول الله إن كان لدغة أو لسعة كانت بي» . وروى ابن مردويه عن جندب بن سفيان قال: «لما انطلق أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال أبو بكر: يا رسول الله لا تدخل الغار حتى أستبرئه. فدخل أبو بكر الغار فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم عن إصبعه ويقول هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت وفي حديث أنس عند أبي نعيم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح قال لأبي بكر «أين ثوبك» ؟ فأخبره بالذي صنع فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: «اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنة» . فأوحى الله إليه: «قد استجاب الله تعالى لك» [ (1) ] . وروى ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي وابن عساكر عن أبي مصعب المكي قال: «أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة يتحدثون إن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر شجرة- وفي رواية عند قاسم بن ثابت: أنبت الله شجرة الرّاءة، فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسترته، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار، وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيّهم وهراويهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعا، جعل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين بفم الغار، فرجع إلى أصحابه، فقالوا له: ما لك؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 33 وذكره السيوطي في الجامع الكبير (9338) .

أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فبارك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وفرض جزاءهن وانحدرتا في الحرم فأفرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم. وروى الإمام أحمد بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن المشركين قصّوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمرّوا بالغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فمكث فيه ثلاثة أيام. وروى الحافظ أبو بكر أحمد بن سعيد [ (1) ] القاضي شيخ النسائي في مسند الصديق عن الحسن البصري قال: «جاءت قريش يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا: لم يدخله أحد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي وأبو بكر يرتقب. فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء قومك يطلبونك، أما والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تخف إن الله معنا» وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لأبصرنا تحت قدميه» فقال: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الحلية عن عطاء بن ميسرة قال: «نسجت العنكبوت مرّتين مرة على داود حين كان طالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار» . وذكر البلاذري في تاريخه وأبو سعيد في الشرف أن المشركين استأجروا رجلا يقال له علقمة بن كرز بن هلال الخزاعي- وأسلم عام الفتح- فقفا لهم الأثر حتى انتهى إلي غار ثور [ (3) ] وهو بأسفل مكة فقال: ههنا انقطع أثره ولا أدري أخذ يمينا أم شمالا أم صعد الجبل. فلما انتهوا إلى فم الغار قال أمية بن خلف: ما أربكم في الغار؟ إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد. ثم جاء فبال. وروى البيهقي عن عروة أن المشركين لما فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في كل وجه يطلبونه وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم به ويجعلون لهم الجعل العظيم وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أصواتهم، فأشفق أبو بكر وبكى وأقبل عليه الهمّ والحزن والخوف، فعند ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة- 40] ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت السكينة من الله

_ [ (1) ] أحمد بن سعد بن الحكم بن محمد بن سالم الجمحي أبو جعفر بن أبي مريم المصري الحافظ عن أبيه وأبي اليمان وحبيب كاتب مالك وسأل ابن معين عن الرجال. وعنه وقال: لا بأس به. قال ابن يونس: توفي يوم عرفة سنة ثلاث وخمسين ومائتين. الخلاصة 1/ 14. [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 4 ومسلم في فضائل الصحابة (1) وأحمد في المسند 1/ 4. [ (3) ] انظر. مراصد الاطلاع 1/ 302.

تعالى. وروى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس في قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ، قال: على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه [ (1) ] [التوبة- 40] . وروى أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أبا بكر رأى رجلا مواجها الغار فقال: «يا رسول الله إنه يرانا» . «قال: كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها» . فلم ينشب أن قعد يبول مستقبلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا» . ويرحم الله الشرف البوصيري حيث قال: ويح قوم جفوا نبيّا بأرض ... ألفته ضبابها والظّباء وسلوه وحنّ جذع إليه ... وقلوه وردّه الغرباء أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحمامة الحصداء وحيث قال: أقسمت بالقمر المنشقّ أنّ له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكلّ طرف من الكفّار عنه عم فالصّدق في الغار والصّدّيق لم يردا ... وهم يقولون ما بالغار من أرم ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدّروع وعن عال من الأطم لطيفة: سئل بعضهم عن الحكمة في اختفائه صلى الله عليه وسلم في غار ثور دون غيره فأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن، وقد قيل إن الأرض مستقرة على قرن الثّور فناسب استقراره صلى الله عليه وسلم في غار ثور تفاؤلا بالطمأنينة والاستقرار فيما يقصده هو ورفيقه. وروى ابن عدي وابن عساكر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسّان: «هل قلت في أبي بكر شيئا» ؟ قال: نعم. قال: «قل وأنا أسمع» ، فقال: والثّاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدوّ به إذ صعّد الجبلا وكان حب رسول الله قد علموا ... من البريّة لم يعدل به رجلا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: «صدقت يا حسّان هو كما قلت [ (2) ] .

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (46281) . [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 77 وابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 123 والطبراني 8/ 156.

قالت عائشة رضي الله عنها: «فكمنا في الغار ثلاث ليال وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما، وهو غلام ثقف [ (1) ] لقن، فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش [بمكة كبائت] ، فلا يسمع بأمر يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. وعند ابن إسحاق أن أسماء بنت أبي بكر كانت تأتيهما إذا أمست بما يصلحهما من الطعام. وكان عامر بن فهيرة يرعى غنما لأبي بكر في رعيان أهل مكة فإذا أمسى يريحهما عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما [ (2) ] [حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس] ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. فلما مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه فركبا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الدّيلي. وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه ليخدمهما في الطريق- وعند البخاري في غزوة الرّجيع كان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطّفيل بن سخبرة أخو عائشة لأمها- وأخذ بهما الدليل طريق الساحل أسفل من عسفان [ (3) ] ثم أجاز بهما حتى عادا من الطريق على أمج. وروى أبو نعيم من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: «بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجرا قال: «الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا، اللهم أعني على هول الدنيا وبوائق الدهر ومصائب الليالي والأيام، اللهم اصحبني في سفري واخلفني في أهلي وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذلّلني، وعلى صالح خلقي فقوّمني، وإلى ربّي فحبّبني، وإلى الناس فلا تكلني، أنت ربّ المستضعفين وأنت ربّي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السموات والأرض فكشفت به الظلمات وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن يحلّ بي غضبك أو ينزل عليّ سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحوّل عاقبتك وجميع سخطك، لك العتبى خير ما استطعت، ولا حول ولا قوّة إلا بك» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان ويعقوب بن سفيان عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن أباه قال لأبي بكر رضي الله عنه: كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: خرجنا

_ [ (1) ] ثقف: أي ذو فطنة وذكاء. ورجل ثقف، وثقف، وثقف والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه. انظر النهاية 1/ 216. [ (2) ] الرضيف: اللبن المرضوف، وهو الذي طرح فيه الحجارة المحماة ليذهب وخمه. انظر النهاية 2/ 231. [ (3) ] عسفان بضم أوله، وسكون ثانيه، ثم فاء، وآخره نون. قيل: منهلة من مناهل الطريق. بين الجحفة ومكة. وقيل: عسفان بين المسجدين، وهي من مكة على مرحلتين. وقيل: هو قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلا من مكة، وهي حد تهامة. وبين عسفان إلى ملل موضع يقال له الساحل. مراصد الاطلاع 2/ 940. [ (4) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9234) وذكره المتقي الهندي في الكنز (17615) وابن كثير في البداية والنهاية 3/ 178.

قصة أم معبد رضي الله عنها

فأدلجنا فأحيينا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل أرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها فإذا بقيّة ظلّها فسوّيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة ثم قلت: اضطجع يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك، ثم خرجت هل أرى أحدا من الطّلب فإذا براع مقبل بغنمه يريد من الصخرة ما أردنا: فلقيته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل مكة، فسمّاه فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة منها. فقلت: انفض الضرع من التراب والقذي، فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن ومعه إداوة أرتوى فيها للنبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضّأ، على فمها خرقة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكرهت أن أوقظه من نومه، فوقفت حتى استيقظ، فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله، فقلت: يا رسول الله اشرب من هذا اللبن. فشرب حتى رضيت. ثم قال: «ألم يأن الرحيل؟» قلت: بلى. قال: فارتحلنا بعد ما زالت الشمس [ (1) ] . قصة أم معبد رضي الله عنها روى الطبراني والحاكم وصححه، وأبو نعيم وأبو بكر الشافعي عن حبيش بن خالد الأشعر الخزاعي القديدي [ (2) ] ، أخي أم معبد رضي الله عنهما، وأبو بكر الشافعي عن أبي سليط- بفتح السين المهملة وكسر اللام فمثناة تحتية فطاء مهملة- واسمه أسيرة- بضم أوله وفتح ثانيه وسكون المثناة التحتية- ابن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وابن سعد والبيهقي عن أبي معبد، وابن السّكن عن أم معبد رضي الله عنها، والبزّار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على خيمة أم معبد الخزاعية، وهي لا تعرفه، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبّة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وإذا القوم مرملون مسنتون. فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة- وفي لفظ في كفاء البيت- فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد» ؟ قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم. قال: «هل بها من لبن» ؟ قالت: هي أجهد من ذلك. قال: «أتأذنين لي أن أحلبها» ؟ قالت: بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها حلبا فاحلبها فوالله ما ضربها فحل قط

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 245 ومسلم في كتاب الزهد (75) . [ (2) ] حبيش بن خالد بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن حبيش بن حزام بن حبشية بن كعب بن عمرو: وقيل: حبيش بن خالد بن حليف بن منقذ بن ربيعة. وقيل: حبيش بن خالد بن ربيعة لا يذكرون منقذا، الخزاعي الكعبي، أبو صخر، وأبوه خالد يقال له: الأشعر. وقال ابن الكلبي: حبيش هو الأشعر، وزاد في نسبه، فقال: حبيش بن خالد بن حليف بن منقذ بن أصرم، ووافقه ابن ماكولا إلا أنه جعل الأشعر خالدا. وقال إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق: خنيس، بالخاء المعجمة والنون، والأول أصح، يكنى أبا صخر، وهو أخو أم معبد، وصاحب حديثها. أسد الغابة 1/ 451.

فشأنك بها. فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وظهرها وسمّى الله عز وجل ودعا لها في شاتها فتفاجّت عليه ودرّت واجترّت، ودعا بإناء يربض الرّهط [ (1) ] فحلب فيه ثجاّ حتى علاه البهاء- وفي لفظ الثّمال- ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب صلى الله عليه وسلم آخرهم، وقال: «ساقي القوم آخرهم شربا» [ (2) ] . ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها. فبايعها وارتحلوا عنها. وروى ابن سعد وأبو نعيم عن أم معبد قالت: «بقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا كثير» . وقال هشام بن حبيش: «أنا رأيت الشاة وإنها لتأدم أمّ معبد وجميع صرمتها» ، أي أهل ذلك الماء. فقلّ ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيالا [ (3) ] عجافا يتساوكن هزالا مخهن قليل. فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب ولا حلوب في البيت؟ قالت: «لا والله إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا» . قال: «فيه لي يا أم معبد» . قالت: «رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج وفي أسفاره وطف وفي صوته صحل- أو قالت صهل- وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدّرن، ربعة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود [ (4) ] محشود لا عابس ولا مفنّد» . فقال أبو معبد: «هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره بمكة ما ذكر ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا» . قالت أسماء رضي الله عنها: «لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش

_ [ (1) ] يربض الرهط: أي يرويهم ويثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض. من ربض في المكان يربض إذا لصق به وأقام ملازما له. انظر النهاية 2/ 184. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3725) والترمذي (1894) وابن ماجة (3434) وأحمد في المسند 4/ 354 والدارمي 2/ 122 والبيهقي في السنن 7/ 28. [ (3) ] قال ابن الأثير: أي غير حوامل، حالت تحول حيالا وهي شاء حيال، وإبل حيال. والواحدة حائل، وجمعها حول أيضا بالضم. انظر النهاية 1/ 463. [ (4) ] المحفود: الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته. انظر النهاية 1/ 406.

فيهم أبو جهل بن هشام فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟» فقلت «والله لا أدري أين أبي» . فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدّي لطمة خرج منها قرطي، ثم انصرفوا، فمكثنا ثلاثة أيام ما ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى رجل من الجن من أسفل مكة يتغنّى بأبيات من شعر غناء العرب وتبعه الناس يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول: جزى الله ربّ النّاس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد هما نزلا بالبرّ وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمّد فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسودد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنّكم إن تسألوا الشّاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلّبت ... له بصريح ضرّة الشّاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردّدها في مصدر ثمّ مورد [ (1) ] فلما سمع ذلك حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال يجاوب الهاتف: لقد خاب قوم غاب عنهم نبيّهم ... وقدّس من يسري إليه ويغتدي ترحّل عن قوم فضلّت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد هداهم به بعد الضلالة ربّهم ... وأرشدهم من يتبع الحقّ يرشد وهل يستوي ضلّال قوم تسفّهوا ... عمّى وهداة يهتدون بمهتد لقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلّت عليهم بأسعد نبيّ يرى ما لا يرى النّاس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مسجد وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ليهن أبا بكر سعادة جدّه ... بصحبته من يسعد الله يسعد [ (2) ] وروى البيهقي بسند حسّنه والحافظ ابن كثير عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فانتهينا إلى حيّ من أحياء العرب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبدي الله إنما أنا امرأة وليس معي أحد فعليكما بعظيم الحيّ إن أردتم القرى. قال: فلم نجبها، وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها. فقالت له: يا بني انطلق بهذه العنزة والشفرة إلى هذين الرجلين

_ [ (1) ] الأبيات في الروض الأنف 2/ 234 وديوان حسان ص 59. [ (2) ] القصيدة في الروض الأنف 2/ 235 وانظر ديوان حسان ص 59، 60.

فقل لهما: تقول لكم أمّي: اذبحا هذه وأطعمانا. فلما جاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «انطلق بالشفرة وجئني بالقدح» . قال: إنها عازب وليس لها لبن. قال: «انطلق» . فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها ثم حلب ملء القدح ثم قال: انطلق به إلى أمّك. فشربت ثم رويت ثم جاء به. فقال: انطلق بهذه وجئني بأخرى ففعل بها كذلك. ثم سقى أبا بكر، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم. «فلبثنا ليلتين ثم انطلقنا، وكانت تسميه المبارك، وكثرت غنمها حتى جلبت حلبا إلى المدينة فمر أبو بكر رضي الله عنه فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: وما تدرين؟ قالت: لا. قال: هو نبي الله صلّى الله عليه وسلم. قالت: فأدخلني عليه. قال: فأدخلها فأطعمها وأعطاها. وفي رواية: فأهدت إليه شيئا من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها» ، قال- ولا أعلمه إلا قال: «أسلمت» [ (1) ] . قال البيهقي في الدلائل: «وهذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة أم معبد وتزيد في بعضها، في قريبة منها ويشبه أن تكونا واحدة، وقد ذكر ابن إسحاق في قصة أم معبد شيئا يدل على أنها وهذه القصة واحدة. ثم روى البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: «فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيمة أم معبد وهي التي تمرّد بها الجنّ بأعلا مكة. واسم أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم [الخزاعية] ، فأراد القرى فقالت: والله ما عندنا طعام ولا لنا منحة ولا لنا شاة إلا حائل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض غنمها فمسح ضرعها بيده فدعا الله تعالى فحلب في العسّ حتى رغّى، وقال: «اشربي يا أم معبد» . قالت: اشرب أنت به أحق. فردّه عليها فشربت. ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك، فسقى دليله ثم دعا بحائل ففعل بها مثل ذلك فسقى عامر بن فهيرة، ثم استراح. وطلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد فسألوها عنه فقالوا: «أرأيت محمدا من حليته كذا وكذا» ؟ فوصفوه لها، فقالت: «ما أدري ما تقولون فقد ضافني حالب الحائل» ؟ قالت قريش: «فذلك الذي أردنا» . قاله البيهقي: فيحتمل أولا أنه رأى التي في كسر الخيمة، كما روينا في حديث أم معبد، ثم رجع ابنها بأعنز كما روينا ثم لما أتى زوجها وصفته له، والله أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 222 وذكره المتقي الهندي في الكنز (46287) وابن كثير في البداية والنهاية 3/ 191.

قصة سراقة رضي الله عنه

قصّة سراقة رضي الله عنه روى الإمام أحمد ويعقوب بن سفيان والشيخان عن سراقة بن مالك رضي الله عنه، والإمام أحمد والشيخان ويعقوب عن أبي بكر رضي الله عنه قال سراقة بن جعشم: جاءنا رسل كفّار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما مائة ناقة من الإبل لمن قتله أو أسره، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا [ونحن جلوس] فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل- وفي لفظ: ركبة ثلاثة- أراها محمدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فأومأت إليه بعيني أن اسكت، فسكت، ثم قلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا يبتغون ضالّة لهم. ثم لبثت في المجلس ثم قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجّه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرّب بي حتى رأيت أسودتهما، فلما دنوت منهم عثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرّهم، أم لا أضرّهم، فخرج الذي أكره: أني لا أضرّهم، وكنت أرجو أن أردّه فآخذ المائة ناقة، فركبت فرسي وعصيت الأزلام فرفعتها تقرّب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الرّكبتين فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدّخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره- ألا أضرّهم- قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني وأنه ظاهر، فناديتهم بالأمان وقلت: أنظروني فوالله لا آذيتكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «قل له وما تبتغي منا» ؟ فقلت: إن قومك قد جعلوا فيكما الدّية وأخبرتهما أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني شيئا ولم يسألاني إلا أن قال: «أخف عنا» فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، قال: «اكتب له يا أبا بكر» - وفي رواية: فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ثم رجعت] فسكتّ فلم أذكر شيئاً مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف خرجت لألقاه ومعي الكتاب الذي كتب لي [فلقيته بالجعرانة] . قال: «فبينا أنا عامد له دخلت بين ظهري كتيبة من كتائب الأنصار، فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك حتى إذا دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته،

والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه [ (1) ] كأنها جمّارة [ (2) ] . قال: فرفعت يدي بالكتاب. ثم قلت: يا رسول الله هذا كتابك لي وأنا سراقة بن مالك قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم وفاء وبرّ أدنه» ، فدنوت منه فأسلمت، ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: يا رسول الله الضّالة من الإبل تغشى حياضي وقد ملأتها لإبلي هل لي من أجر [في أن أسقيها] ؟ قال: «نعم في كل ذات كبد حرّى أجر» قال: ثم رجعت إلى قومي فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي [ (3) ] . وقال أبو بكر رضي الله عنه: «وتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض فقلت: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا. قال: «لا تحزن إن الله معنا» . فلما دنا منّا وكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت: هذا الطلب قد لحقنا وبكيت. [قال صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك» ؟] قلت: «أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك» . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «اللهم اكفناه بما شئت» . قال: فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها، ثم قال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمرّ على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حاجة لنا في إبلك وغنمك» ، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق راجعا إلى أصحابه لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتم ما ههنا، ولا يلقى أحدا إلا ردّه، ووفى لنا. وعند ابن سعد أن سراقة لما رجع قال لقريش: قد عرفتم بصري بالطريق وقد استبرأت لكم فلم أر شيئاً، فرجعوا. وقال ابن سعد والبلاذري: عارضهم سراقة بقديد يوم الثلاثاء. وروى ابن عساكر عن ابن إسحاق قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه- فيما يذكرون والله أعلم في دخوله الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسيرهم وفي طلب سراقة إياهم: قال النّبيّ ولم يجزع يوقّرني ... ونحن في شدّة من ظلمة الغار لا تخش شيئا فإنّ الله ثالثنا ... وقد توكّل لي منه بإظهار وإنّما كيد من تخشى بوادره ... كيد الشّياطين كادته لكفّار والله مهلكهم طرّا بما كسبوا ... وجاعل المنتهي منها إلى النّار

_ [ (1) ] الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب وقيل: هو الكور مطلقا، مثل الركاب للسرج. انظر النهاية 3/ 359. [ (2) ] الجمارة: قلب النخلة وشحمتها، شبه ساقه ببياضها. انظر النهاية 1/ 294 (جمر) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 158 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 185.

وأنت مرتحل عنهم وتاركهم ... إمّا عدوّا وإمّا مدلج ساري وهاجر رضمهم حتّى يكون لنا ... قوم عليهم ذوو عزّ وأنصار حتّى إذا اللّيل وارتنا جوانبه ... وسدّ من دون من تخشى بأستار سار الأريقط يهدينا وأينقه [ (1) ] ... ينعبن بالقوم نعبا تحت أكوار يعسفن عرض الثّنايا بعد أطولها ... وكلّ سهب رقاق التّرب موّار [ (2) ] حتّى إذا قلت قد أنجدن عارضها ... من مدلج فارس في منصب واري يردي به مشرف الأقطار معتزم ... كالسيّد ذي اللّبدة المستأسد الضّاري فقال: كرّوا فقلنا: إنّ كرّتنا ... من دونها لك نصر الخالق الباري أن يخسف الأرض بالأحوى وفارسه ... فانظر إلى أربع في الأرض غوّار فهيل لما رأى أرساغ مهرته ... قد سخن في الأرض لم تحفر بمحفار فقال: هل لكم أن تطلقوا فرسي ... وتأخذوا موثقا في نصح أسرار وأصرف الحيّ عنكم أن لقيتهم ... وأن أعوّر منهم عين عوّار فادع الذي هو عنكم كفّ عورتنا ... يطلق جوادي وأنتم خير أبرار فقال قولا رسول الله مبتهلا ... يا رب إن كان منه غير إخفار فنجّه سالما من شرّ دعوتنا ... ومهره مطلقا من كلم آثار فأظهر الله إذ يدعو حوافره ... وفاز فارسه من هول أخطار [ (3) ] وروى البخاري عن عروة والحاكم عنه عن أبيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجّارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم ثيابا بيضا. وروى البيهقي عن موسى بن عقبة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دنا من المدينة هو وأبو بكر وقدم طلحة بن عبيد الله من الشام خرج عامدا إلى مكة لما ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، خرج إما متلقّيا لهما وإما عامدا عمرة بمكة ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام، فلما لقيه أعطاه الثياب، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأبو بكر. وروى أبو نعيم عن أنس بن مالك عن ... الأوسي الأسلمي عن أبيه قال: «لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مرّوا بإبل لنا بالجحفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمن هذه الإبل» ؟

_ [ (1) ] الأينق: جمع قلّة لناقة، وأصله أنوق، فقلب وأبدل واوه ياء. وقيل: هو على حذف العين وزيادة الياء عوضا عنها، فوزنه على الأول: أعفل لأنه قدم العين، وعلى الثاني: أيفل، لأنه حذف العين. انظر النهاية 5/ 129. [ (2) ] يقال: مار التراب إذا ثار.. ورياح موّارة: مثيرة للتراب. انظر المعجم الوسيط 2/ 898. [ (3) ] انظر الروض الأنف 2/ 234.

فقالوا: لرجل من أسلم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: «سلمنا إن شاء الله» . فأتاه أبي وحمله على فحل من إبله وبعث معه غلامه مسعود» . وروى أبو يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن قيس بن النعمان قال: «لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفين مرّوا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب، غير أن ههنا عناقا حملت أوّل الشتاء وقد أخدجت وما بقي لها من لبن فقال: «ادع بها» ، فدعا بها، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها حتى أنزلت. ودعا أبو بكر بمجن، فحلب وسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال الراعي: من أنت؟ فوالله ما رأيت مثلك قط. قال: «أو تراك تكتم علي حتى أخبرك؟ قال: نعم. قال: «فإني محمد رسول الله» . قال: أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ؟ قال: «إنهم ليقولون ذلك» . قال: فأشهد أنك نبيّ الله وأشهد أن ما جئت به حقّ، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبيّ» . وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر مدخله المدينة: «أله عنّي الناس فإنه لا ينبغي لنبي أن يكذب» . فكان أبو بكر إذا سئل: من أنت؟ قال: باغ، وإذا قيل: من الذي معك؟ قال: هاد يهديني» . وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: «أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ، والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: هذا الذي يهديني السبيل فيحسب الحاسب إنما يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير» . وروى الزبير بن بكار في الموفقيات، وأبو نعيم عن طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس عن سعد بن عبادة قال: «لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة، خرجت إلى حضرموت لبعض الحاجة فقضيت حاجتي ثم رجعت حتى إذا كنت ببعض الأرض نمت ففزعت من الليل فإذا بصائح يقول: أبا عمرو تأوّبني السّهود ... وراح النّوم وانقطع الهجود ثم صاح آخر: «يا خرعب، ذهب بك اللّعب، إن أعجب العجب بين مكّة ويثرب» . قال: وما ذاك يا شاهب؟ قال: «نبيّ السلام، بعث بخير الكلام، إلى جميع الأنام، فأخرج من البلد الحرام، إلى نخيل وآطام» ثم طلع الفجر فذهبت أتفكر فإذا عظاية [ (1) ] وثعبان ميتان، فما علمت إن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلا بهذا الحديث» . ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عبد الله بريدة بن الحصيب الأسلمي في

_ [ (1) ] العظاية السام الأبرص. انظر النهاية 3/ 260.

تنبيهات

سبعين من قومه من بني سهم، فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلم: «من أنت» ؟ قال: بريدة، فقال لأبي بكر: «برد أمرنا وصلح» . ثم قال: «ممّن» ؟ قال: من أسلم. فقال لأبي بكر: «سلمنا» . ثم قال: «من بني من» ؟ قال: من بني سهم. قال: «خرج سهمك [يا أبا بكر] » . فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: «أنا محمد بن عبد الله رسول الله» . فقال بريدة: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا. قال بريدة: الحمد لله الذي أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين، فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء» . فحلّ عمامته ثم شدّها في رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال الحافظ: كان بين ابتداء هجرة الصحابة وبين العقبة الأولى والثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهران وبعض شهر على التحرير. الثاني: قول عائشة رضي الله عنها: «ما كنت أرى أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي من الفرح» . قال في الروض: «قالت ذلك لصغر سنّها وأنها لم تكن علمت بذلك» وقد تطرقت الشعراء لهذا المعنى فأخذته استحسانا له فقال الطائي يصف السحاب: دهم إذا وكفت في روضة طفقت ... عيون أزهارها تبكي من الفرح وذكر لأبي الطيب وزاد على هذا المعنى: فلا تنكرنّ لها صرعة ... فمن فرح النّفس ما يقتل وقال بعض المحدثين: ورد الكتاب من الحبيب بأنّه ... سيزورني فاستعبرت أجفاني غلب السّرور عليّ حتّى أنّه ... من فرط ما قد سرّني أبكاني يا عين صار الدّمع عندك عادة ... تبكين في فرح وفي أحزان قال في الزهر: «وفيه من عدم التّثبّت ما ترى، أيجوز أن يحتجّ على عائشة بقول محدث؟ إنما كان يحتجّ عليها لو كانت العرب قالته، أما إذا لم تقله العرب فلا حجّة عليها والله أعلم. قلت: السهيلي لم يحتج بذلك على عائشة رضي الله عنها، وإنما ذكره استطرادا للفائدة. الثالث: نقل في الروض عن بعض شيوخ أهل المغرب أنه سئل عن امتناعه من أخذ الراحلة مع أن أبا بكر أنفق عليه ماله، فقال: أحبّ ألّا تكون هجرته إلا من مال نفسه.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 221.

الرابع: كانت هجرته صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من النبوة وذلك يوم الاثنين. روى الإمام أحمد عن ابن عباس أنه قال: «ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وخرج من مكة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين» . قال الحاكم: «تواترت الأخبار أن خروجه كان يوم الاثنين ودخوله المدينة كان يوم الاثنين، إلا إن محمد بن موسى الخوارزمي قال: أنه خرج من مكة يوم الخميس» . قال الحافظ «يجمع بينهما بأن خروجه من مكة كان يوم الخميس وخروجه من الغار كان ليلة الاثنين لأنه أقام فيه ثلاث ليال: هي ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وخرج في أثناء ليلة الاثنين» . الخامس: ذكر بعض أهل السير أن أبا بكر لما رأى المشركين وهو في الغار، ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو جاءونا من ههنا خرجنا من ههنا» . فنظر أبو بكر إلى الغار وقد انفرج من الجانب الآخر، وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة إلى جانبه» . قال الحافظ ابن كثير: وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة ولكن لم يرد ذلك بإسناد قوي ولا ضعيف، ولسنا نثبت شيئا من تلقاء أنفسنا ولكن ما صحّ أو حسن قلنا به والله أعلم. السادس: السّرّ في اتخاذ رافضة العجم اللّبد المقصّصة على رؤوسهم التعظيم للحيّات للدغهنّ أبا بكر ليلة الغار. السابع: روى الإمام أحمد والحاكم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد لبثت مع صاحبي- يعني أبا بكر- ليلة الغار بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا البرير» قال الحاكم «معناه: مكثنا مختفين من المشركين في الغار وفي الطريق بضعة عشر يوما» . قال الحافظ: «لم يقع في رواية أحمد ذكر الغار، وهي زيادة في الخبر من بعض رواته، ولا يصحّ حمله على حالة الهجرة لما في الصحيح من أن عامر بن فهيرة كان يروح عليهما في الغار باللبن، ولما وقع لهما في الطريق من لقاء الراعي ومن النزول بخيمة أم معبد وغير ذلك، ويظهر أنها قصة أخرى» . الثامن: قال السهيلي: «انتبه أيها العبد المأمور بتدبّر كتاب الله تعالى لقوله: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة 40] الآية، كيف كان معهما بالمعنى وباللفظ؟ أما المعنى: فكان معهما بالنصر والإرفاد، والهداية والإرشاد. وأما اللفظ: فإن اسم الله تبارك وتعالى كان يذكر إذا ذكر رسوله وإذا دعي فقيل يا رسول الله أو فعل رسول الله. ثم كان لصاحبه كذلك، يقال: يا خليفة رسول الله، وفعل خليفة رسول الله، فكان يذكر معهما بالرسالة والخلافة ثم ارتفع ذلك فلم يكن لأحد من الخلفاء ولا يكون» .

التاسع: قال المهلب بن أبي صفرة [ (1) ] رحمه الله: «أنما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن الغنم لأنه حينئذ كان في زمن المكارمة ولا يعارضه: «لا يحلبنّ أحد شاة إلا بإذنه» [ (2) ] لأن ذلك وقع في زمن التّشاحّ، أو الثاني محمول على التّسوّر، والأول لم يقع فيه ذلك، بل قدّم أبو بكر سؤال الرّاعي: هل أنت حالب؟ فقال: نعم، كأنه سأله: هل أذن صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليه؟ فقال: نعم، أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك والإذن في الحلب للمارّ وابن السبيل، فكان كلّ راع مأذونا له في ذلك» . وقال الداودي: «إنما شرب من ذلك على أنه ابن سبيل، وله شرب ذلك إذا احتاج ولا سيما النبي صلى الله عليه وسلم، وأبعد من قال: «إنما استجازه لأنه مال حربي لأن القتال لم يكن فرض بعد ولا أبيحت الغنائم» وقال الحافظ: «قول أبي بكر: أفي غنمك لبن؟ الظاهر أن مراده بهذا الاستفهام: أمعك إذن في الحلب لمن يمرّ بك على سبيل الضّيافة؟ ويحتمل أن أبا بكر لما عرف مالك الغنم عرف رضاءه بذلك لصداقته له أو إذنه العام بذلك» . العاشر: ذكر أبو نعيم هنا قصة إسلام ابن مسعود، لما وقع في بعض طرقه، قال: «كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وقد فراّ من المشركين، فقالا: «يا غلام هل معك من لبن» ؟ فذكر الحديث، ويأتي بتمامه في المعجزات. قال في البداية والفتح: «قوله في هذا السياق: «وقد فرّا من المشركين» ، ليس المراد به وقت الهجرة، وإنما ذلك في بعض الأحوال قبل الهجرة، لأن ابن مسعود كان ممن أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة كما تقدم ذلك، وقصته ثابتة في الصحاح. الحادي عشر: ذكر في «العيون» قصة سراقة قبل قصة أم معبد والتزم في أولها أنه يرتّب الوقائع. وذكر في «الإشارة» قصتها قبل قصة سراقة، وتبعته في ذلك وهو الصحيح الذي صرّح جماعة. الثاني عشر: ذكر رزين أن قريشا أقامت أياما لا يدرون أين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعوا صوتا على أبي قبيس وهو يقول:

_ [ (1) ] المهلب بن أبي صفرة ظالم بن سراق الأزدي العتكي، أبو سعيد أمير بطاش، جواد، قال فيه عبد الله بن الزبير: هذا سيد أهل العراق، وقدم المدينة مع أبيه في أيام عمر. وولي إمارة البصرة لمصعب بن الزبير. وفقئت عينه بسمرقند وانتدب لقتال الأزارقة، وكانوا قد غلبوا على البلاد، وشرط له أن كل بلد يجليهم عنه يكون له التصرف في خراجه تلك السنة فأقام يحاربهم تسعة عشر عاما لقي فيها منهم الأهوال. وأخيرا تمّ له الظفر بهم، فقتل كثيرين وشرد بقيتهم في البلاد. ثم ولاه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان، فقدمها سنة 79 هـ- ومات فيها سنة 83 هـ-. كان شعاره في الحرب: «حم لا ينصرون» وهو أول من اتخذ الركب من الحديد، وكانت قبل ذلك تعمل من الخشب. الأعلام 7/ 315. [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 165 ومسلم في كتاب اللقطة (13) .

فإن يسلم السّعدان يصبح محمّد ... بمكّة لا يخشى خلاف المخالف كما سمعوا أيضا البيتين السابقين في إسلام سعد بن معاذ وسعد بن عبادة: فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجيّين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى وتمنّيا ... على الله في الفردوس منية عارف قال السيد: والأقرب ما تقدم من إنشاد هذه الأبيات قبل ذلك لأن السّعدين كانا قد أسلما قبل ذلك. الثالث عشر: في بيان غريب ما سبق: «قبل المدينة» ، بكسر القاف وفتح الموحدة: أي جهتها. «على رسلك» [ (1) ] بكسر أوله: أي على مهلك والرّسل السير الرقيق. «بأبي أنت» : أنت مبتدأ وخبره: بأبي أي: مفيدا بأبي، ويحتمل أن يكون أنت تأكيدا للفاعل يرجو وبأبي قسم. «حبس نفسه» : منعها من الهجرة. «السّمر» : بسين مهملة مفتوحة وضم الميم: وهو الخبط بفتح المعجمة والموحدة وبالطاء المهملة، هذا المدرج في تفسير الزهري. ويقال: السّمرة اسم شجرة أم غيلان، وقيل ورق الطّلح، والخبط ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر. «نحر الظهيرة» : أي أول الزوال وهو أشد ما يكون من حرارة النهار، والغالب في الحرّ القيلولة. «متقنّعا» [ (2) ] : أي متطيلسا وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في أبواب لباسه صلى الله عليه وسلم. «فدى» : بكسر الفاء والقصر وفي رواية فداء بالمدّ.

_ [ (1) ] والرسل الرّسلة: الرفق والتؤدة قال صخر: ويئس من أصحابه أن يلحقوا به وأحدق به أعداؤه. وأيقن بالقتل فقال: لو أن حولي من قريم رجلا ... لمنعوني نجدة أو رسلا اللسان 3/ 1643. [ (2) ] القناع والمقنعة: ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها وقال الليث: المقنعة ما تقنع به المرأة رأسها. وفي الحديث: أتاه رجل مقنع بالحديد هو المتغطي بالسلاح وقيل: هو الذي على رأسه بيضة وهي الخوذة لأن الرأس موضع القناع. انظر اللسان 5/ 3755.

«الصحابة» : بالنّصب أي أريد أو أسألك المصحابة ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. «أمنّاه» : بكسر الميم. «أحثّ» : بحاء مهملة فمثلثة أفعل تفضيل من الحثّ وهو الإسراع وفي رواية: أحبّ بالموحدة والأول أصحّ. «الجهاز» [ (1) ] : بفتح الجيم أفصح من كسرها، وهو ما يحتاج إليه المسافر. «ذات النّطاق» : وفي رواية: ذات النّطاقين- بكسر النون- وهو ما يشد به الوسط، وقيل هو ثوب تلبسه المرأة، ثم تشدّ وسطها بحبل، ثم ترسل الأعلى على الأسفل. والمحفوظ في هذا الحديث أن أسماء شقّت نطاقها نصفين فشدّت بأحدهما الزاد واقتصرت على الآخر، ثم قيل لها: ذات النطاق وذات النطاقين، فالتثنية والإفراد بهذين الاعتبارين. وعند ابن سعد أنها شقّت نطاقها فأوكت بقطعة منه الجراب وشدّت فم القربة بالباقي فسميت ذات النطاقين. «الخوخة» [ (2) ] : بخاءين معجمتين مفتوحتين بينهما واو ساكنة: باب صغير. «ثور» : بالمثلثة. «الرّصد» : بفتحتين جمع راصد كخادم وخدم. «استبرأه» : يقال: استبرأت الشيء طلبت آخره لقطع الشبهة عني. «ألقمه الجحر» : الجحر بجيم فحاء مهملة: أي أدخله فيه. «العقب» [ (3) ] : بعين مهملة مفتوحة فقاف مكسورة فموحدة: مؤخّر الرّجل. «لدغه» : بالدال المهملة والغين المعجمة: عضّه. «الرّاءة» : وهي شجرة معروفة قال أبو حنيفة الدينوري: هي من أعلاث الشّجر- بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وتعجم- وتكون مثل قامة الإنسان ولها خيطان وزهر أبيض تحشى به المخاد فيكون كالرّيش. لخفته ولينه لأنه كالقطن. قال في النور: وغالب ظني أن هذه الشجرة التي وصف أبو حنيفة أنها العشر كذا رأيتها بأرض بركة الحاج خارج القاهرة وهي تنفتق عن مثل قطن يشبه الريش في الخفّة ورأيت من يجعله في اللحف في القاهرة.

_ [ (1) ] يفتح ويكسر قال الليث: وسمعت أهل الحجاز يخطئون الجهاز بالكسر. قال الأزهري: والقراء كلهم على فتح الجيم في قوله تعالى وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قال: وجهاز بالكسر لغة رديئة. انظر اللسان 1/ 712. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 260. [ (3) ] انظر المصباح المنير 419.

«فتيان» : جمع كثرة لفتى وهو الشابّ الحدث. «الهراوى» بفتح الهاء: جمع هراوة بكسرها. «ذرأ» [ (1) ] : بمعجمة فمهملة فهمزة: أي دفع. «أثر» : محرّكة والأثر بقية الشيء أو الخبر، وخرج في أثره بعده. «الأرب» بالفتح: الحاجة. «ينشب» : يلبث. «حوّ» بالحاء المهملة والواو: جمع. «الغار» : نقب في الجبل. «الطّرف» : بفتح الطاء [المهملة] وسكون الراء. «فالصّدق» : أي ذو الصّدق وهو النبي صلى الله عليه وسلم. «لم يرما» بفتح أوله وكسر ثانيه: أي لم يبرحا. «من أرم» : أي أحد. «ظنّوا» : حسبوا. «الحمام» : اسم جنس جمعى واحده حمامة يقع على الذّكر والأنثى. «البريّة» : بتخفيف الراء: الخلق. «النّسج» : بالجيم الحياكة. «الحوم» [ (2) ] : الطّواف. «الوقاية» : بكسر الواو: الحفظ. «أغنت» : أجزأت. «الدروع المضاعفة» : المنسوجة حلقتين حلقتين تلبس للحفظ من العدوّ. «الأطم» بضمتين: الحصون. «المنيف» : العالي.

_ [ (1) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 309، 310. [ (2) ] من حام حول الشيء وعليه حوما وحومانا: أي دار وفي الحديث «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» المعجم الوسيط 1/ 210.

«حب» [ (1) ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي محبوبه. نواجذه» [ (2) ] : بفتح النون وكسر الجيم وضمّ الذال المعجمة: جمع ناجذ وهو السّنّ من الأضراس ويأتي الكلام على ذلك في باب ضحكه وتبسّمه. «كمنا» : بفتح الكاف والميم ويجوز كسرها أي اختفيا فيه. «ثقف» : بثاء مثلّثة مفتوحة فقاف مكسورة ويجوز إسكانها وضمّها ففاء: أي فطن يدرك حاجته بسرعة. «لقف» [ (3) ] : بفتح اللام وكسر القاف ويجوز سكونها: أي سريع الفهم. «يدّلج» بتشديد الدال المهملة بعدها جيم: أي يخرج بسحر. «يكادان» : وفي رواية يكتادان: أي يطلب لهما فيه المكروه وهو الكيد. «منحة» : بكسر الميم وسكون النون فحاء مهملة. «رسل» بكسر الراء بعدها مهملة ساكنة: اللّبن. «الرّضيف» : براء فضاد معجمة ففاء وزن رغيف: اللّبن المرضوف الذي رضفت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته، وهو بالرفع ويجوز الجرّ. «ينعق» : بكسر العين المهملة أي يصيح بغنمه، والنّعق هو صوت الراعي إذا زجر الغنم، وفي رواية: ينعق بهما بالتثنية أي يسمعهما صوته إذا زجر غنمه. «الدّيل» : بكسر الدال المهملة وسكون التحتية. «الخرّيت» : بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء فمثناة تحتية ساكنة فمثناة فوقية، وهو الماهر بهداية الطريق. «العتبى» : بضم العين المهملة الرّضا. «بوائق الدّهر» [ (4) ] : غوائله وشروره واحدها بائقة وهي الداهية.

_ [ (1) ] الحب: هو الحبيب مثل حزن وحزين. قال ابن بري رحمه الله: الحبيب يجيء تارة بمعنى المحب كقول المخبل: أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب أي محبها، ويجيء تارة بمعنى المحبوب كقول ابن الرهينة: وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إليّ وإن لم أره لحبيب اللسان 2/ 743. [ (2) ] وقيل: الناجذ: آخر الأضراس وهو ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال الفعل وقيل: الأضراس كلها (نواجذ) قال في البارع: وتكون النواجذ للإنسان والحافر وهي من ذوات الخف الأنياب. المصباح المنير ص 593. [ (3) ] لقف الشيء لقفا ولقفانا: تناوله بسرعة، وأخذه بفمه فابتلعه. واللقف: يقال: رجل ثقف لقف سريع الأخذ لما يرمي إليه باليد وسريع الفهم لما يرجى إليه من كلام باللسان. الوسيط 2/ 835. [ (4) ] المفرد بائقة: أي داهية، ويقال: داهية بؤوق أي شديدة، قال الكسائي: باقتهم الباقة تبوقهم بوقا أصابتهم. اللسان 1/ 388.

«قائم الظّهيرة» [ (1) ] : أي نصف النهار، سمّي قائما لأن الظلّ لا يظهر حينئذ فكأنه واقف. «رفعت لنا صخرة» : أي ظهرت. «الفروة» معروفة ويقال فيها فرو بحذف الهاء وهو الأشهر في اللغة ولا يتجه أن يكون المراد بها الفروة من الحشيش لقوله: كانت معي. «وأنا أنفض لك ما حولك» أنفض بفتح الهمزة وسكون النون وضمّ الفاء بعدها ضاد معجمة، أي أتحسّسه وأتعرّف ما فيه ممّن تخافه- قاله في التقريب وفي النهاية- أي أحرسك وأطوف هل أرى طلبا. «لرجل من المدينة أو مكة» : شك في ذلك أحمد بن يزيد، ورواه مسلم من طريق الحسن بن محمد بن أعين عن زهير فقال فيه: «لرجل من أهل المدينة» ، ولم يشكّ. ووقع في رواية ابن جريج: «فسمّى رجلا من أهل مكة» ، ولم يشكّ. قال الحافظ: «والمراد بالمدينة مكة، ولم يرد المدينة النبوية لأنها حينئذ لم تكن تسمى المدينة، وإنما كان يقال لها يثرب. وأيضا لم تجر العادة للرّعاة أن يبعدوا في الرعي هذه المسافة البعيدة. ووقع في رواية إسرائيل فقال: «لرجل من قريش سمّاه فعرفته» ، وهذا يؤيد ما قررته لأن قريشا لم يكونوا يسكنون المدينة النبوية» . «أفي غنمك لبن» ؟ بفتح اللام والموحدة، وحكى القاضي أن في رواية لبّن، بضم اللام وتشديد الموحدة جمع «لابن» [ (2) ] أي ذات لبن. «العناق» [ (3) ] : بفتح العين المهملة: الأنثى من المعز: «فأخذت قدحا فحلبت» : وفي رواية: «أمرت الراعي فحلب» ، ويجمع بأنه يجوز في قوله «فحلبت» : مراده أمرت بالحلب. «كثبة» [ (4) ] : بضم الكاف وسكون المثلثة وفتح الموحدة: أي قدر قدح، وقيل: حلبة خفيفة. «برد أسفله» : بفتح الراء على المشهور وقال الجوهري بضمها.

_ [ (1) ] الوسيط 2/ 578. [ (2) ] يقال: شاة لبون ولبنة وملبنة وملبن: صارت ذات لبن وإذا كانت ذات لبن في كل أحايينها فهي لبون وولدها في تلك الحال ابن لبون واللبن جمع اللبون لسان العرب 5/ 3990. [ (3) ] الأنثى من أولاد المعيز والغنم من حين الولادة إلى تمام حول جمعها أعنق وعنق وعنوق. الوسيط 2/ 632. [ (4) ] كل قليل مجتمع من طعام أو لبن أو غير ذلك جمعها كثب. الوسيط 2/ 777.

شرح قصة أم معبد رضي الله عنها

شرح قصة أم معبد رضي الله عنها «الخزاعية» : بضم الخاء المعجمة فزاي فعين مهملة. «برزة» : يقال امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشوابّ وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدّثهم، من البروز وهو الظهور. «جلدة» : إما قوية وإما عاسية. «الفناء» سعة أمام البيت، وقيل: ما امتد من جوانبه. «تسقي» : تناولهم السّقي ليشربوا منه. «مرملون» : بضم الميم وسكون الراء، نفذ زادهم وأصله من الرّمل كأنهم لصقوا بالرّمل كما قيل للفقير الترب بفتح التاء وكسر الراء. «مسنتون» : بكسر النون والمثناة الفوقية، أي أجدبوا أي أصابتهم سنة وهي القحط يقال: أسنت فهو مسنت إذا أجدب. «أعوزناكم» : أحوجناكم. «كسر الخيمة» [ (1) ] : بفتح الكاف وكسرها وسكون المهملة، أي جانبها، ولكل بيت كسران عن يمين وشمال. «كفاء البيت» : قال في القاموس: الكفاء ككتاب سترة من أعلى البيت إلى أسفله من مؤخّره أو الشّقّة في مؤخّر الخباء أو كساء يلقى على الخباء حتى يبلغ الأرض وقد أكفأت البيت. «الجهد» : بالفتح ويضمّ: الطّاقة، وقيل: بالفتح المشقة وبالضم الطاقة والمراد هنا الهزال. «ضربها فحل» : ألقحها.. «شأنك» : منصوب، أي أصلح شأنك، أو نحو هذا، فهو مفعول بفعل مقدّر. «ففاجّت» : بالمد وتشديد الجيم: فتحت ما بين رجليها للحلب. «يربض» : بضم المثناة التحتية فراء ساكنة فموحدة مكسورة فضاد معجمة. قال في النهاية: أي يرويهم ويثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض، من ربض في المكان يربض إذا لصق به وأقام ملازما له، يقال: أربضت الشمس إذا اشتدّ حرّها حتى تريض الوحش في كناسها، أي تجعلها تربض فيه ويروى بمثناة تحتية بعد الراء: يريض [ (2) ] الرّهط أي يرويهم من

_ [ (1) ] الكسر بفتح الكاف وكسرها: الشقة السفلى من الخباء، والكسر أسفل الشقة التي تلي الأرض من الخباء، وكسر أكل كل شيء ناحيتاه حتى يقال لنا حيتي الصحراء كسرها لسان العرب 5/ 3873. [ (2) ] من أراض الوادي واستراض أي استنقع فيه الماء، وكذلك أراض الحوض. ومنه قولهم: شربوا حتى أراضوا أي رووا فنقعوا بالري اللسان 3/ 1775.

أراض الحوض إذا صبّ فيه من الماء ما يواري أرضه. والرّوض نحو من نصف قربة. «الرّهط» : بسكون الهاء وفتحها: ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى الأربعين. «ثجّا» : أي لبنا سائلا كثيرا. «علاه البهاء» : أي علا الإناء بهاء اللبن وهو بريق رغوته، وفي رواية: الثّمال بضم المثلثة الرّغوة. «العلل» : بفتح العين المهملة ولامين الأولى مفتوحة: الشّرب الثاني. «النّهل» [ (1) ] بفتح النون والهاء وتسكّن وباللام: الشّرب الأول. «غادره» : بالغين المعجمة: تركه. «الصّبوح» . بفتح المهملة وبالموحدة: ما يشرب بالغداة فما دون القائلة. «والغبوق» : بفتح الغين المعجمة: الشرب بالعشيّ. «الحيال» [ (2) ] : جمع حائل وهي التي لم تحمل. «عجافا» : بكسر العين المهملة: جمع عجفاء وهي المهزولة من الغنم وغيرها. «الشّاء» جمع شاة. «عازب» [ (3) ] : بعين مهملة فزاي فموحدة: أي بعيدة المرعى لا تأوي إلى المنزل في الليل. «لا حلوب في البيت» : أي لا شاة تحلب. «الوضاءة» : بفتح الواو وبالضاد المعجمة والهمزة: الحسن والبهجة. «أبلج الوجه» : بالموحدة وبجيم: أي مشرقه مسفره، ومنه تبلّج الصبح وانبلج. فأما الأبلج فهو الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا، والاسم البلج بفتح اللام، ولم ترد هذا أم معبد لأنها قد وصفته في حديثها بالقرن. «الأشفار» : جمع شفر بضم الشين المعجمة وقد تفتح: وهو طرف جفن العين الذي ينبت عليه الشّعر، والمراد هنا الشّعر النابت.

_ [ (1) ] الوسيط 2/ 959. [ (2) ] من حالت الناقة تحيل حيالا: لم تحمل والواو في ذلك أعرق قال الشاعر: من سراة الهجان صلّبها العض- ض ... ورعي الحمى وطول الحيال اللسان 2/ 1073. [ (3) ] العازب: البعيد المطلب وأنشد وعازب نور في خلائه اللسان 4/ 2923.

«الوطف» [ (1) ] : بفتح الواو والطاء المهملة وبالفاء: الطول، فمعنى الكلام أن في شعر أجفانه طولا، قال في الإملاء: يروى الغطف والعطف بالغين المعجمة والعين المهملة، فمعناه بالمعجمة مثل معنى الوطف، وأما بالمهملة فلا معنى لها، وقد فسّره بعضهم فقال: هو أن تطول أشفار العين حتى تنعطف. «الدّعج» : بفتح الدال والعين المهملتين وبالجيم والدّعجة بإسكان العين: السواد في العين يريد- والله أعلم- أن سواد عينه شديد السواد. الصّحل» [ (2) ] : بفتح الصاد والحاء المهملتين وباللام: وهو كالبحّة وألا يكون حادّ الصوت، يقال منه صحل الرّجل بالكسر يصحل بالفتح صحلا بفتحتين إذا صار أبحّ فهو صحل وأصحل. «ولا يشنؤه» : بالشين المعجمة والنون وقبل هاء الضمير همزة مضمومة: أي لا يبغضه لفرط طوله- ويروى لا يتشنّى من طول، أبدل الهمزة ياء، يقال شنئته أشنؤه شنا وشنآنا. «ولا تقتحمه عين من قصر» : أي لا تتجاوزه إلى غيره احتقارا له، وكل شيء ازدريته فقد اقتحمته. «لم تعبه ثجلة» [ (3) ] : الثّجلة: بضم الثاء المثلثة ثم جيم ساكنة ثم لام مفتوحة: هي عظم البطن وسعته، ويروى بالحاء المهملة والنون أي نحول ودقّة. «لم تزر به» : أي لم تقصّر. «صعلة» : بفتح الصاد وإسكان العين المهملتين، والصّعلة [ (4) ] صغر الرأس وهي أيضا الدّقّة والنحول في البدن. وفي رواية: لم تزر صقلة بالقاف أي دقّة ونحول وقيل: أرادت أنه لم يكن منتفخ الخاصرة جدا ولا ناحلا جدّا، ويروى بالسين على الإبدال من الصاد. قال أبو ذر الخشني: الصّقلة جلدة الخاصرة تريد أنه ناعم الجسم ضامر الخاصرة وهو من الأوصاف الحسنة. «الهاتف» : الصائح. «أبو قبيس» : بضم القاف وفتح الموحدة فمثناة تحتية ساكنة: جبل بمكة معروف سمّي

_ [ (1) ] كثرة شعر الحاجبين والعينين والأشفار مع استرخاء وطول، وقد يكون ذلك في الأذن، رجل أوطف بين الوطف وامرأة وطفاء إذا كانا كثيري شعر أهداب العين. لسان العرب 6/ 4868. [ (2) ] انظر اللسان 4/ 2405. [ (3) ] من ثجل ثجلا عظم بطنه واسترخى فهو أثجل وهي ثجلاء جمعها ثجل. انظر المعجم الوسيط 1/ 94. [ (4) ] الصعل والأصعل: الدقيق الرأس، والعنق، والأنثى صعلة وصعلاء. انظر اللسان 4/ 2451.

شرح شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه

باسم رجل من مذحج حدّاد لأنه أول من بنى فيه. وكان أبو قبيس الجبل هذا يسمى الأمين لأن الركن أي الحجر الأسود كان مستودعا فيه. «قالا» : من القيلولة وهي نصف النهار. الهدي» : بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة: والهدي الطريق، ولا يصح ضمها للوزن، ويعني بالطريق الطريق الموصلة إلى الجنة. «قصيّ» : بضم القاف وفتح الصاد المهملة وتشديد التحتية: تقدم الكلام عليه في النسب. «ما زوى» [ (1) ] : بفتح الزاي والواو: أي جمع وقبض. «من فعال» : الظاهر أنه بفتح الفاء وتخفيف العين وهو الكرم، ويجوز أن يكون بكسر الفاء جمعا. «لا يجارى» : بالراء وفي رواية: يجازى بالزاي. «السودد» : بضم السين وإسكان الواو، يقال ساد قومه سيادة وسوددا وهو مصدر. «الصريح» : بالصاد والحاء المهملتين: وهو اللّبن الخالص الذي لم يمذق. «الضّرّة» [ (2) ] : بفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء والمثناة الفوقية: أصل الضّرع. «مزبد» : بضم الميم وإسكان الزاي فموحدة مكسورة فدال مهملة: أي علاه الزّبد. «غادرها» : بالغين المعجمة والدال المهملة: تركها.. «في مصدر ثم مورد» : أي يحلبها مرة ثم أخرى. شرح شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه «قدّس» : بضم القاف وكسر الدال المهملة المشددة وبالسين المهملة مبني للمفعول أي طهّر. «يرشد» : بضم الشين المعجمة وبفتحها كنصر ينصر وفرح يفرح، والمصدر رشدا ورشدا ورشادا: أي يهتدي. «بأسعد» : بضم العين، جمع سعد جمع قلّة.

_ [ (1) ] زواه: قبضه قال الأعشى: يزيد بغضّ الطرف عندي كأنما ... زوى بين عينيه على المحاجم اللسان 3/ 1894. [ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 538.

شرح قصة سراقة بن مالك رضي الله عنه

«سعادة» : بالرفع: فاعل يهنأ، وأبو بكر مفعوله. «جدّه» [ (1) ] : بفتح الجيم وهو حظه. «من يسعد الله يسعد» : يجوز أن يكون مبنيا للفاعل وللمفعول أيضا. «عظم الحيّ» : بضم أوله وسكون ثانيه أي أكثره. «القرى» : بكسر القاف. «متنحّيا» : منفردا. «الشّفرة» : بفتح الشين المعجمة وسكون الفاء وفتح الراء: المدية وهي السّكّين العريض والجمع شفار مثل كلبة وكلاب وشفرات مثل سجدة وسجدات. «الجلب» [ (2) ] : بفتح الجيم واللام: ما يجلب من بلد إلى بلد. «الأقط» : ككتف ويسكّن مثلّث الهمزة: شيء يتخذ من اللبن المخيض، قال ابن الأعرابي: من ألبان الغنم خاصّة. شرح قصة سراقة بن مالك رضي الله عنه «مدلج» : بضم الميم. «أسودة» : جمع سواد وهو الشخص. «ركبة» : بفتح الراء والكاف: أقلّ من الرّكب وهو عشرة فما فوقها وهم أصحاب الإبل، والأركوب أكثر من الرّكب والرّكبان الجماعة منهم. «أراها» : بضم الهمزة: أي أظنّها. الأكمة: بفتح الهمزة والكاف والميم: الرّابية. «فخططت به» بالخاء المعجمة وفي رواية: بالحاء المهملة أي أمسكت بأعلاه وجعلت أسفله في [الأرض] . الزّج [ (3) ] : بضم الزاي بعدها جيم: الحديدة التي في أسفل الرّمح. «خفضت عاليه» : أي أمسكه بيده وجرّ رمحه لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه، لأنه كره أن يتبعه منهم أحد فيشركه في الجعالة.

_ [ (1) ] الجد: البخت والحظوة، والحظ والرزق. اللسان 1/ 560. [ (2) ] من جلب الشيء جلبا أي اجتمع، وجلب الشيء ساقه من موضع إلى آخر فهو جالب وجلاب وفي المثل: رب أمنية جلبت منية. الوسيط 1/ 128. [ (3) ] زججت الرمح زجا من باب قتل جعلت له زجا وزججت الرجل زجا طعنته بالزج. المصباح المنير ص 251.

«دفعتها» : بتخفيف الفاء يقال: دفع الفرس في السّير إذا بالغ ودفعه يتعدّى ولا يتعدّى. «تقرّب بي» : التقريب السّير دون العدو وفوق العادة وقيل أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا. «أهويت» بيدي: بسطتها للأخذ. الكنانة» : بكسر الكاف: الخريطة المستطيلة التي يجعل فيها السهام. الأزلام» : واحدها زلم بفتحتين وبفتحة فضمّة وهو القدح واحد القداح بكسر القاف وهو عيدان السهام قبل أن تراش ويركب فيها النّصال، فإذا فعل ذلك فهي سهام. وكان أهل الجاهلية يستقسمون بها مكتوب عليها الأمر والنهي أي: إفعل: لا تفعل، فما خرج منها عملوا به. والاستقسام بها هو الضّرب بها لإخراج ما قسم الله لهم من أمر وغيره بزعمهم. قال الحافظ أبو العباس تقي الدين الحرّاني: «إن القرعة التي مع الطرقية التي فيها اب ج د من الأزلام، ونقل ذلك عن أبي جعفر النّحّاس. «ساخت» [ (1) ] : بسين مهملة فألف فخاء معجمة: أي غاصت. «ارتطمت به» : أي ساخت قوائمها في الأرض. «عثان» : بضم العين المهملة والثاء المثلثة المخففة: شبه الدّخان. «أن سيظهر» : مرفوع، و «أن» قبله مخفّفة من الثقيلة وتقديره: سيظهر. «فلم يرزآني» : براء فزاي: لم ينقصاني مما شيئا. «أخف عنّا» [ (2) ] : بفتح الهمزة. «قديد» : بضم القاف وفتح الدال المهملة ثم مثناة تحتية ساكنة فدال مهملة أخرى، موضع بين مكة والمدينة. «بمجن» [ (3) ] : بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون: التّرس سمّي مجنّا لأنه يواري حامله أي يستره.

_ [ (1) ] انظر المصباح المنير 294. [ (2) ] أخف عنّا: أي استر الخبر لمن سألك عنّا. انظر النهاية 2/ 57. [ (3) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 137، 141.

الباب الخامس في تلقي أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزوله بقباء وتأسيس مسجد قباء

الباب الخامس في تلقّي أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزوله بقباء وتأسيس مسجد قباء روى البخاري عن عائشة، وابن سعد عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن جماعة من الصحابة أن المسلمين بالمدينة لما سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكّفوا قدومه كانوا يخرجون إذا صلّوا الصبح إلى ظاهر الحرّة ينتظرونه حتى تغلبهم الشمس على الظلال، ويؤذيهم حرّ الظهيرة. فإذا لم يجدوا ظلّا دخلوا، وذلك في أيّام حارّة حتى كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلوا البيوت فأوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيّضين، يلوح بهم السّراب، فلم يملك اليهودي نفسه فصرخ بأعلى صوته: «يا بني قيلة» ، وفي لفظ: يا معشر العرب، «هذا جدّكم» ، وفي لفظ: هذا صاحبكم الذي تنتظرون، «قد جاء» . فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرّة وذلك يوم الاثنين لشهر ربيع الأول، فخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظلّ نخلة ومعه أبو بكر في مثل سنّه. وقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيّي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلّل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله عند ذلك. وفي رواية: «فلما رأوا أبا بكر ينحاز له عن الظلّ عرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعدل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين حتى نزل بهم علوّ المدينة بقباء في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم بكسر الهاء وسكون الدال المهملة، قيل: «وكان يومئذ مشركا، وبه جزم محمد بن الحسن بن زبالة» ، وقيل: «إنما نزل على سعد بن خيثمة» . قال رزين: «والأول أصح» وقال الحاكم إنه الأرجح، [قال] : «وقد قاله ابن شهاب وهو أعرف بذلك من غيره» وقال الدمياطي: «إنه أثبت» . وقال بعضهم «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل على كلثوم بن الهدم وكان يخرج للناس من منزله فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة لأنه كان عزبا لا أهل له هناك وكان منزل العزّاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين فمن هنالك يقال: نزل على سعد بن خيثمة. ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف [ (1) ] أحد بني الحارث بالسّنح- بسين مهملة مضمومة فنون ساكنة فحاء مهملة. ويقال: على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج» .

_ [ (1) ] خبيب بن إساف، وقيل: يساف، ابن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن ثعلبة، الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا وأحدا والخندق، وكان نازلا بالمدينة وتأخر إسلامه حتى سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلحق النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق فأسلم أسد الغابة 2/ 118.

وروى الزبير بن بكار عن عبد الله بن حارثة قال: «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم، فصاح كلثوم بغلام له فقال: يا نجيح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنجحت يا أبا بكر» وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة بعد مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما- قال بعضهم: ثلاثة- حتى أدّى للنّاس ودائعهم التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه ليردّها، ثم خرج فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم. وقال عليّ فيما رواه ابن إسحاق ورزين: «كنت نزلت بقباء وكانت امرأة مسلمة لا زوج لها، فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه فاستربت شأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كلّ ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف، قد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها. فقال: احتطبي بها، فكان عليّ يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق. وكان لكثوم بن الهدم مربد، والمربد الموضع الذي يبسط فيه التّمر ليجفّ، فأخذه منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسّسه وبناه مسجدا. وفي الصحيح عن عروة: «فلبث في بني عمرو بن عوف وأسّس المسجد الذي أسس على التقوى» . وفي رواية عبد الرزاق عنه قال: «الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى» هم بنو عمرو بن عوف وكذا عند ابن عائذ ولفظه: «ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتّخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى» . وروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة- بضم العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية وبالموحّدة- قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر: «ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدّ من أن يجعل له مكانا يستظلّ به إذا استيقظ ويصلّي فيه» . فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول من بنى مسجدا- روى الحافظ والسيد- يعني لعامّة المسلمين أو للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو في التحقيق أوّل مسجد صلى فيه بأصحابه جماعة ظاهرا، وإن كان قد بني غيره من المساجد، فقد روى ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه قال: لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا النبي صلى الله عليه وسلم سنتين نعمر المساجد ونقيم الصلاة، ولذا قيل: كان المتقدّمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار بقباء قد بنوا مسجدا يصلّون فيه، يعني هذا المسجد، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد قباء صلّى بهم فيه إلى بيت المقدس، ولم يحدث فيه شيئا أي في أول الأمر لأن ابن شبّة- بالشين المعجمة

والموحّدة المشدّدة المفتوحتين- روى ذلك، ثم روى إن النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجد قباء، وقدّم القبلة إلى موضعها اليوم وقال: «جبريل يؤمّ بي البيت» [ (1) ] . وروى الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: لما سأل أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم إن يبني لهم مسجدا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليقم بعضكم فيركب الناقة، فقام أبو بكر رضي الله عنه فركبها فحرّكها فلم تنبعث فرجع فقعد فقام عمر رضي الله عنه فركبها فلم تنبعث فرجع فقعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ليقم بعضكم فيركب الناقة» ، فقام علي رضي الله عنه، فلما وضع رجله في غرز الرّكاب وثبت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أرخ زمامها وابنوا على مدارها فإنها مأمورة» . وروى الطبراني بسند رجاله ثقات عن الشّموس- بفتح الشين المعجمة- بنت النعمان رضي الله عنها قالت: «نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم ونزل وأسّس هذا المسجد: مسجد قباء، فرأيته يأخذ الحجر أو الصّخرة حتى يهصره الحجر، وأنظر إلى بياض التراب على بطنه أو سرّته فيأتي الرجل من أصحابه ويقول: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اعطني أكفك، فيقول: «لا خذ مثله» ، حتى أسّسه، ويقول: «إن جبريل عليه السلام هو يؤمّ الكعبة» قالت: فكان يقال: إنه أقوم مسجد قبلة. قال السيد: «قد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل بيت المقدس حتى نسخ ذلك وجاء نقباؤهم في صلاة الصبح فأخبرهم وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة، فيحتمل إن جبريل عليه السلام كان يؤمّ [به] البيت ليستدلّ به على جهة بيت المقدس لتقابل الجهتين ويعلمه بما يؤول إليه الأمر من استقبال الكعبة. أو أنه صلى الله عليه وسلم كان مخيّرا في ابتداء الهجرة في التّوجّه إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة، كما قاله الربيع، فأم به جبريل البيت لذلك، واختياره الصلاة لبيت المقدس أولا لاستمالة اليهود أو أن استقبال الكعبة كان مشروعا في ذلك الوقت ثم نسخ ببيت المقدس ثم نسخ بالكعبة كما قاله القاضي أبو بكر بن العربي وغيره من أن القبلة نسخت مرتين، أو أن ذلك تأسيس آخر غير التأسيس الأول. ويدل علي هذا ما قدمناه من رواية ابن شبّة» . وروى ابن شبّة أيضا إن عبد الله بن رواحة كان يقول وهو يبنون في مسجد قباء: «أفلح من يعمر المساجدا» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المساجدا» ، فقال عبد الله: «ويقرأ القرآن قائما وقاعدا» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وقاعدا» فقال عبد الله: «ولا يبيت اللّيل عنه راقدا» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «راقدا» .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 5.

تنبيهات

تنبيهات الأول: اختلف في قدر إقامته في بني عمرو بن عوف، ففي الصحيح عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أنه صلى الله عليه وسلّم لبث فيهم بضع عشرة ليلة. وفيه عن أنس أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة، وقدمه في الإشارة، وقيل: خمس ليال قاله ابن إسحاق. وقال ابن حبان: أقام بها الثلاثاء والأربعاء والخميس، يعني وخرج يوم الجمعة فلم يعتدّ بيوم الخروج. وقال ابن عباس وابن عقبة: ثلاث ليل، فكأنهما لم يعتدّا بيومي الخروج ولا الدخول. وعن قوم من بني عمرو بن عوف أنه أقام فيهم اثنين وعشرين يوما. الثاني: المعتمد أنه صلى الله عليه وسلم دخل قباء يوم الاثنين كما في الصحيح، قال ابن عقبة: لهلال ربيع الأول أي أول يوم منه، وفي رواية جرير بن حازم عن ابن إسحاق قدمها لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، وفي رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق: قدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وعند أبي سعيد في شرف المصطفى من طريق أبي بكر بن حزم قال: قدم المدينة لثلاث عشرة من ربيع الأول، وهذا يجمع بينه وبين الذي قبله بالحمل على الاختلاف في رؤية الهلال. الثالث: قال الحافظ: الأكثر أنه قدم نهارا، ووقع في رواية مسلم ليلا ويجمع بأن القدوم كان آخر الليل فدخل نهارا. الرابع: في بيان غريب ما سبق: «توكّفوا» : انتظروا. «الظهيرة» : بفتح الظاء المعجمة وكسر الهاء بعدها مثناة تحتية: وهي نصف النهار. «أوفى» : طلع إلى مكان عال. الأطم» [ (1) ] : بضم أوله وثانيه وهو الحصن، ويقال: بناء من حجارة كالقصر. «مبيّضين» : أي عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها الزّبير أو طلحة. «يزول بهم» : أي يرفعهم ويظهرهم. «السّراب» : الذي يكون نصف النهار لاطئا بالأرض كأنه ماء. «قيلة» : بفتح القاف وسكون التحتية: الجدّة الكبرى للأنصار.

_ [ (1) ] الأطم: حصن مبني بحجارة، وقيل: هو كل بيت مربع مسطح والجمع القليل آطام قال الأعشى: فإما أتت آطام جوّ وأهله ... أنيخت فألقت رحلها بفنائكا والكثير أطوم: وهي حصون لأهل المدينة. اللسان 1/ 93.

«جدّكم» : بفتح الجيم: أي حظّكم وصاحب دولتكم الذي تتوقّعونه. «طفق» : بكسر الفاء وفتحها: أي جعل. «انحاز» ، بالحاء المهملة والزاي: مال. «جوف اللّيل» : وسطه. «استربت شأنه» : أي شككت فيه. «يأثر ذلك» : أي يحدّث به. «يهصره» [ (1) ] : يميله. «يؤمّ» : بفتح المثناة التحتية بعدها همزة مضمومة: أي يقصد. «الغرز» : بغين معجمة مفتوحة فراء ساكنة فزاي: أي ركاب الإبل.

_ [ (1) ] اللسان 6/ 4670.

الباب السادس في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وما آلت إليه وفرح أهل المدينة برسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في قدومه صلى الله عليه وسلّم باطن المدينة وما آلت إليه وفرح أهل المدينة برسول الله صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد والشيخان عن أبي بكر، وسعيد بن منصور عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم والبيهقي عن موسى بن عقبة، وابن إسحاق عن عويم بن ساعدة، ويحيى بن الحسن عن عمارة بن خزيمة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدخل المدينة أرسل إلى بني النّجّار، وكانوا أخواله لأن أم عبد المطلب منهم كما تقدم في باب النّسب. فجاؤوا متقلدين السيوف، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه: «اركبوا آمنين مطاعين» . وكان اليوم يوم الجمعة فلما ارتفع النهار دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم براحلته وحشد المسلمون ولبسوا السلاح، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته القصواء والناس معه عن يمينه وعن شماله وخلفه منهم الماشي والراكب فاجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا: يا رسول الله أخرجت ملالا لنا أم تريد دارا خيرا من دارنا؟ قال: «إني أمرت بقرية تأكل القرى فخلّوها- أي ناقته- فإنها مأمورة» ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قباء يريد المدينة فتلقّاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الأباعر وصار الخدم والصبيان يقولون: «الله أكبر، جاءنا رسول الله جاء محمد» قال أنس فيما رواه البيهقي: «إني لأسعى مع الغلمان إذ قالوا: محمد جاء فننطلق فلا نرى شيئا، حتى أقبل وصاحبه أبو بكر فكمنا في بعض جدر المدينة وبعثا رجلا من أهل البادية ليؤذن بهما الأنصار فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار، حتى انتهوا إليهما فقالت الأنصار: انطلقا آمنين مطاعين. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم، فخرج أهل المدينة حتى أن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيّهم هو؟ أيّهم هو؟ فما رأينا منظرا شبيها به يومئذ. روى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابها فرحا بقدومه» . وروى البيهقي ورزين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع وجب الشّكر علينا ... ما دعا لله داع [ (1) ] زاد رزين: أيّها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 3/ 197.

وروى البخاري عن البراء رضي الله عنه أنه قال: «ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء» . وروى ابن أبي خيثمة رضي الله عنه قال: «شهدت يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم أر يوما أحسن منه ولا أضوأ» . فلم يمرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار إلا قالوا: «هلمّ يا رسول الله إلى العزّ والمنعة والثروة» . فيقول لهم خيرا ويدعوا أو يقول: «إنها مأمورة خلّوا سبيلها» ، فمرّ ببني سالم فقام إليه عتبان- بكسر العين المهملة- ابن مالك، ونوفل بن عبد الله بن مالك بن العجلان، وهو آخذ بزمام راحلته، فقال: «يا رسول الله انزل فينا فإن فينا العدد والعشيرة والحلقة، ونحن أصحاب الفضاء والحدائق والدّرك، يا رسول الله قد كان الرجل من العرب يدخل هذه البحرة خائفا فيلجأ إلينا فنقول له: «قوقل حيث شئت» . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسّم ويقول: «خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» [ (1) ] ، فقام إليه عبادة بن الصامت، وعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان، فجعلا يقولان: «يا رسول الله انزل فينا» ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بارك الله عليكم إنها مأمورة» . فلما أتى مسجد بني سالم وهو المسجد الذي في الوادي: وادي رانوناء، أدركته الجمعة هناك فصلّاها فيه وكانت أول جمعة صلاها في المدينة، وقيل أنه كان يصلي الجمعة بمسجد قباء، وعند ابن سعد أنه صلى معه الجمعة مائة نفس، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمين الطريق [حتى جاء بنو الحبلى] ، فأراد أن ينزل على عبد الله بن أبيّ [بن سلول] ، وهو يومئذ سيّد الخزرج في أنفسها فقال: اذهب إلى الذين دعوك فانزل عليهم. فقال سعد بن عبادة: «لا تجد يا رسول الله في نفسك من قوله، فقد قدمت علينا والخزرج تريد أن تملّكه عليها، فلما ردّ الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك ولكن هذه داري، ذكره موسى بن عقبة ورزين. قال السيد: «الذي في الصحيح ذكر سعد بن عبادة لذلك في قصة عيادته صلّى الله عليه وسلم له من مرض بعد سكناه بالمدينة» . قلت: ويحتمل أن سعدا قال ذلك مرّتين، والله أعلم. فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني ساعدة فقال له سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وأبو دجانة: «هلمّ يا رسول الله إلى العزّ والثروة والقوة والجلد» ، وسعد يقول: «يا رسول الله ليس من قومي رجل أكثر عذقا ولا فم بئر مني مع الثروة والجلد والعدد فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ثابت خلّ سبيلها فإنها مأمورة» . فمضى واعترضه سعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة، وبشير بن سعد، فقالوا: «يا رسول الله لا تجاوزنا فإنا أهل عدد وثروة وحلقة» ، قال: «بارك الله

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 160.

فيكم، خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» ، واعترضه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، من بني بياضة، فقالا: «يا رسول الله هلمّ إلى المواساة والعزّ والثروة والعدد والقوة، نحن أهل الدرك يا رسول الله» ، فقال رسول الله: «خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» . وفي حديث البراء فقال: «إني أنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك» . ثم مرّ ببني عدي بن النجار وهم أخواله فقام أبو سليط وصرمة بن أبي أنس في قومهما فقالا: «يا رسول الله نحن أخوالك هلمّ إلى العدد والمنعة والقوة مع القرابة، لا تجاوزنا إلى غيرنا يا رسول الله، ليس أحد من قومنا أولى بك منا لقرابتنا بك» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» . فسار حتى إذا أتت دار بني عدي بن النّجّار قامت إليه وجوههم، ثم مضى حتى انتهى إلي باب المسجد، فبركت راحلته على باب مسجده صلّى الله عليه وسلم وذكر الأقشهري في روضته عن ابن نافع صاحب مالك في أثناء كلام نقله عن مالك أن «ناقته صلى الله عليه وسلم لما أتت موضع مسجده بركت وهو عليها وأخذه الذي كان يأخذه عند الوحي» . ثم وثبت فسارت غير بعيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه ثم تلحلحت وأرزمت، ووضعت جرانها. وجعل جبّار بن صخر ينخسها رجاء أن تقوم فتنزل في دار بني سلمة فلم تفعل. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال: «هنا المنزل إن شاء الله» وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [المؤمنون 29] وجاء أبو أيوب فكلّموه في النزول عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي بيوت أهلنا أقرب» ؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري وهذا بابي وقد حططنا رحلك فيها. قال: «فانطلق فهيّئ لنا مقيلا» [ (1) ] ، فذهب فهيّأ لهما مقيلا. وروى الطبراني عن عبد الله بن الزبير أنه كان هناك عريش يرشّونه ويعمرونه ويبتردون فيه حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فأوى إلى الظّلّ فنزل فيه فأتاه أبو أيوب الأنصاري فقال: يا رسول الله منزلي أقرب المنازل إليه فانقل رحلك. قال: «نعم» ، فذهب برحله إلى المنزل، فأتاه آخر فقال: يا رسول الله أنزل على، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء مع رحله حيث كان» ، فمضت مثلا فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل أبي أيوب وقرّ قراره واطمأنّت داره ونزل معه زيد بن حارثة [ (2) ] . وذكر ابن سعد أن أسعد بن زرارة أخذ بزمام النّاقة فكانت عنده. وعند عائذ وسعيد بن منصور أن ناقته استناخت به أولا فجاءه ناس فقالوا: المنزل يا رسول الله، فقال: «دعوها» ، فانبعثت حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تلحلحت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 80 والبيهقي في الدلائل 2/ 249 وأبو نعيم في الدلائل (114) . [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 160.

فقال: منزلي أقرب المنازل فائذن لي أن أنقل رحلك. قال: «نعم» ، فنقل رحله وأناخ الناقة في منزله. وروى الحاكم وأبو سعيد النيسابوري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل على أبي أيوب خرج جوار من بني النجار يضربن بالدفوف ويقلن: نحن جوار من بني النجار ... يا حبّذا محمّد من جار [ (1) ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحببنني» ؟ قلن: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا والله أحبّكنّ» ، قالها ثلاثا. وذكر ابن إسحاق في المبتدأ وابن هشام في التيجان أن بيت أبي أيوب الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة بناه تبّع الأول واسمه تبان- بضم المثناة الفوقية وتخفيف الموحّدة- أسعد، وكان معه أربعمائة حبر، فتعاقدوا على ألّا يخرجوا منها. فسألهم تبّع عن سرّ ذلك، فقالوا: إنا نجد في كتبنا أن نبيّا اسمه محمد هذه دار هجرته، فنحن نقيم لعلنا نلقاه. فأراد تبّع الإقامة معهم، ثم بنى لكل واحد من أولئك دارا واشترى له جارية وزوّجها منه وأعطاه مالا جزيلا وكتب كتابا فيه إسلامه ومنه: شهدت على أحمد أنّه ... رسول من الله باري النّسم فلو مدّ عمري إلى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم [وجاهدت بالسّيف أعداءه ... وفرّجت عن صدره كلّ هم] وختمه بالذهب ودفعه إلى كبيرهم وسأله أن يدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن أدركه وإلا فمن أدركه من ولده أو ولد ولده، وبني للنبي صلى الله عليه وسلم دارا ينزلها إذا قدم المدينة، فتداول الدّار الملّاك إلى أن صارت لأبي أيوب، وهو من ولد ذلك العالم، وأهل المدينة الذين نصروه كلّهم من أولاد أولئك العلماء. ويقال إن الكتاب الذي فيه الشّعر كان عبد أبي أيوب حتى دفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غريب. فما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته. وروى الترمذي وصحّحه، ويحيى بن الحسن العلوي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فجئت لأنظر إليه، فلما تبيّنت وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذّاب، فكان أول شيء سمعته يتكلم به أن قال: «أيها الناس أفشوا السّلام وأطعموا الطّعام وصلوا الأرحام، وصلّوا والنّاس نيام تدخلون الجنّة بسلام [ (2) ] . وروى ابن إسحاق ومسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: «لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السّفل وأنا وأمّ أيوب في العلو: فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 3/ 200. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 451 والدارمي 1/ 340 والترمذي 4/ 652 (2485) وابن ماجة 1/ 423 (1334) .

وأمّي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فأظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السّفل، فقال: «إنّ أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت» . قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنّا فوقه في المسكن، فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء، فقمت أنا وأمّ أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشّف بها الماء [تخوّفا أن يقطر على رسول الله- صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه. وذكر أن أبا أيوب لم يزل يتضرّع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلو وأبو أيوب في السّفل. قال أبو أيوب: وكنّا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه، فإذا ردّ علينا فضله تيمّمت أنا وأمّ أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلا أو ثوما، فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر ليده فيه أثرا. قال: فجئته فزعا فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي رددت عشاءك، ولم أر فيه موضع يدك وكنت إذا رددته علينا تيمّمت أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغي بذلك البركة. قال: «إني وجدت فيه ريح هذه الشّجرة وأنا رجل أناجي، فأما أنتم فكلوه» . قال: فأكلناه ولم نضع له تلك الشجرة بعد. وفي كتاب أخبار المدينة ليحيى بن الحسن، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب لم يدخل منزل رسول الله هدية وأول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرودة خبز برّ وسمنا ولبنا، فأضعها بين يديه، فقلت: «يا رسول الله أرسلت بهذه القصعة أمّي» ، فقال: «بارك الله فيها» ، ودعا أصحابه فأكلوا فلم أرم الباب حتى جاءته قصعة سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة فأقف على باب أبي أيوب فأكشف غطاءها لأنظر فرأيت ثريدا عليه عراق [ (1) ] ، فدخل بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم» . قال زيد: «فلقد كنّا في بني مالك بن النّجّار ما من ليلة إلا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلّم منا الثلاثة والأربعة يحملون الطعام ويتناوبون بينهم حتى تحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت أبي أيوب وكان مقامه فيه سبعه أشهر وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة» . وفيه أنه قيل لأم أيوب: «أي الطعام كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكم عرفتم ذلك لمقامه عندكم؟ فقالت: ما رأيته أمر بطعام فصنع له بعينه، ولا رأيناه أتي بطعام فعابه. وقد أخبرني أبو أيوب أنه تعشّى عنده ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة طفيشل. قال أبو أيوب. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهل تلك القدر ما لم أره ينهل غيرها، فكنا نعملها له، وكنا نعمل له الهريس وكانت تعجبه. وكان يحضر عشاءه خمسة إلى ستة عشر كما يكون الطعام في الكثرة والقلّة» .

_ [ (1) ] العرق: بالسكون: العظم إذا أخذ عنه معظم اللّحم، وجمعه: عراق، وهو جمع نادر، يقال: عرقت العظم، واعترقته، وتعرّقته إذا أخذت عنه اللّحم بأسنانك. انظر النهاية 3/ 220.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق

قال ابن إسحاق: «وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجته وحمل زيد بن حارثة امرأته أمّ أيمن مع ابنها أسامة بن زيد، وخرج عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر فيهم عائشة وأختها أسماء زوج الزبير وأم رومان [أم عائشة] فلما قدموا المدينة أنزلوا في بيت حارثة بن النعمان. وذكر رزين أن أبا بكر أرسل عبد الله بن أريقط مع زيد ليأتيه بأهله. قال ابن إسحاق: «وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق بمكة منهم أحد إلا مفتون أو محبوس. ولما اطمأنت برسول الله صلى الله عليه وسلم داره، وأظهر الله بها دينه، وسرّه بما جمع إليه من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته، قال أبو قيس صرمة بن أبي أنس، أخو بني عدي بن النّجّار، يذكر ما أكرمهم الله به من الإسلام وما خصّهم به من نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم: ثوى في قريش بضع عشرة حجّة ... يذكّر لو يلقى صديقا مواتيا ويعرض في أهل المواسم نفسه ... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا فلمّا أتانا أظهر الله دينه ... فأصبح مسرورا بطيبة راضيا وألفى صديقا واطمأنّت به النّوى ... وكان لنا عونا من الله باديا يقصّ لنا ما قال نوح لقومه ... وما قال موسى إذ أجاب المناديا فأصبح لا يخشى من النّاس واحدا ... قريبا ولا يخشى من النّاس نائيا بذلنا له الأموال من جلّ مالنا ... وأنفسنا عند الوغى والتّآسيا ونعلم إن الله لا شيء غيره ... ونعلم أنّ الله أفضل هاديا نعادي الّذي عادى من النّاس كلّهم ... جميعا وإن كان الحبيب المصافيا أقول إذا أدعوك في كلّ بيعة ... تباركت قد أكثرت لاسمك داعيا أقول إذا جاوزت أرضا مخوفة ... حنانيك لا تظهر عليّ الأعاديا فطأ معرضا إنّ الحتوف كثيرة ... وإنّك لا تبقي لنفسك باقيا فوالله ما يدري الفتى كيف يتّقي ... إذا هو لم يجعل له الله واقيا ولا تحفل النّخل المعيمة ربّها ... إذا أصبحت ريّا وأصبح ثاويا [ (1) ] تنبيه: في بيان غريب ما سبق «حشد» المسلمون بالدال المهملة: اجتمعوا.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 3/ 204.

«متقلّدين» السيوف: جعلوا سيورها في أعناقهم إلى جنبهم الأيسر، عادة العرب الآن لا كفعل الأتراك وغيرهم بجعلها في أوساطهم. «ملالا» : سآمة. «الدّار» : هنا القبيلة وكل قبيلة اجتمعت في محلّة سمّيت تلك المحلّة دارا، وسمّي ساكنوها بها مجازا، أي أهل الدّار. «تأكل القرى» : يأتي بيانه في بيان أسماء المدينة. «كمنّا» [ (1) ] : بفتح الكاف وكسر الميم بعدها نون مشدّدة، أي استترنا. «زهاء» : بضم الزاي وبالمدّ: أي قدر. «العواتق» : جمع عاتق وهي الشابّة أول ما تدرك، وقيل: هي التي لم تبن من والدتها ولم تزوّج وقد أدركت وشبّت. «الولائد» : جمع وليدة وهي الأنثى، والوليد الطفل جمعه ولدان. «الثّنيّات» : جمع ثنيّة وثنيّة الوداع بفتح الواو. قال المجد اللغوي: «هي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة، وقيل: من يريد الشام واختلف في تسميتها بذلك فقيل لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع بعض من خلّفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه، وقيل: الوداع اسم واد بمكة، والصحيح أنه اسم جاهلي قديم سمّي به لتوديع المسافرين، هكذا قال أهل السير والتاريخ وأصحاب المسالك إنها من جهة مكة، وأهل المدينة [اليوم] يظنونها من جهة الشام، وكأنهم اعتمدوا قول ابن قيّم الجوزية في هديه، [فإنه قال] : «من جهة الشام ثنيّات الوداع ولا يطؤها القادم من مكة البتة» . ووجه الجمع أن كلتا الثّنيّتين تسمّى بثنية الوداع» . انتهى كلام المجد. قلت: وقال ياقوت [ (2) ] في المشترك: «ثنية الوداع مشهورة قرب المدينة وسمّيت بذلك لأن الناس كانوا يودعون المسافرين إلى مكة عندها» . فاقتضى كلامه أنه يطؤها قاصد مكة، وتبعه على ذلك في التقريب وسبقهما إليه القاضي، وأيّد السّيّد كلام صاحب الهدي فقال: الروايات متظاهرة علي إن هذه الثّنيّة هي المعروفة بذلك، اليوم: شاميّ المدينة بين مسجد الرّاية الذي على ذباب ومشهد النفس الزكية، يمرّ فيها المارّ بين صدّين مرتفعين قرب سلع،

_ [ (1) ] كمن كمونا: اختفى، وكمن له يكمن كمونا وكمن: استخفى اللسان 5/ 3933. [ (2) ] ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، أبو عبد الله، شهاب الدين: مؤرخ ثقة، من أئمة الجغرافيين، ومن العلماء باللغة والأدب. أصله من الروم. أسر من بلاده صغيرا. من كتبه «معجم البلدان» و «إرشاد الأريب» ويعرف بمعجم الأدباء. توفي سنة 626 هـ-. الأعلام 8/ 131.

ومن تأمّل كلام ابن شبّة في المنازل وغيرها لم يرتب في ذلك، ويوضحه ما رواه ابن إسحاق في غزوة الغابة قلت: وسيأتي سياقه فيها. ثم قال السّيّد: «وكونها شاميّ المدينة لا يمنع كون هذه الأبيات أنشدت عند الهجرة لأنه صلى الله عليه وسلم ركب ناقته وأرخى لها زمامها وقال: «دعوها فإنها مأمورة» ، ومرّ بدور الأنصار كما سبق حتى مرّ ببني ساعدة، ودارهم شاميّ المدينة قرب ثنيّة الوداع، فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية حتى أتى منزله بها. وقد عرج النبي صلى الله عليه وسلم في رجوعه من بدر إلى ثنيّة الوداع، كما ذكره ابن عقبة: [أنه صلى الله عليه وسلم سلك حين خرج إلى بدر حتى ثقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع] قلت: فتحصّل من كلامه أن ثنيّة الوداع ليست من جهة مكة وإنما هي شاميّ المدينة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهتها في دخوله باطن المدينة، ولا حجّة لمن قال إنها من جهة مكة إلا ما سبق من قول الولائد: «طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع» ، وقد علمت ما فيه. وروى البخاري عن السائب بن يزيد قال: «أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقّى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع مقدمه من تبوك» . قال الحافظ في فتح الباري: «أنكر الداودي هذا، وتبعه ابن القيّم وقال: ثنيّة الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك بل هي في مقابلها كالمشرق من المغرب إلا أن يكون هناك ثنيّة أخرى في تلك الجهة» . قال ابن حجر: «ولا يمنع كونها من جهة مكة أن يكون الخروج إلى الشام من جهتها. وهذا أوضح كما في دخول مكة من ثنية والخروج منها من أخرى، وينتهين كلهن إلى طريق واحدة» . قلت: وقد راجعت الهدي في غزوة تبوك فرأيته ذكر أن ثنية الوداع شاميّ المدينة كما نقله عنه صاحب القاموس والسّيّد لا كما نقله عنه الحافظ ولم يذكر في الهدي في الكلام على الهجرة شيئاً من ذلك. «أضوأ» : أنور. «المنعة» : بفتح النون يقال: فلان في منعة أي في عزّ من قومه فلا يقدر عليه من يريده. «الثروة» : بفتح الثاء المثلثة: كثرة المال. «البحيرة» : يأتي الكلام عليها في باب أسماء المدينة. «قوقل» : بقاف مفتوحة فواو ساكنة فقاف مكسورة: أي سر حيث شئت فإنك آمن. «رانوناء» : [وهو واد في المدينة صلى فيه النبي الجمعة] . «على فترة من الرّسل» : أي على انقطاع بعثهم ودروس أعلام دينهم.

«ولو بشق تمرة» : بكسر الشين المعجمة: أي نصف تمرة، يريد: لا يستقلون [ (1) ] من الصّدقة شيئا. «مزاحم» : بضم الميم فزاي وكسر الحاء المهملة: أطم كان بين ظهراني بني الحبلى. «بنو الحبلى» . الحبلى لقب سالم بن غنم بن عوف لقّب به لعظم بطنه ومن ولده بنو الحبلى بطن من الأنصار. «محتبيا» : أي جمع ظهره وساقيه بثوب أو غيره، وقد يحتبي بيده والاسم الحبوة بالكسر. «شرق لذلك» : بشين معجمة مفتوحة فراء فقاف، أي ضاق صدره كمن غصّ. «تجلجلت» بجيمين: تحركّت. «الأقشهري» : هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أمين الأقشهري عمل كتابا سماه الروضة فيه أسماء من دفن بالبقيع. «أرزمت» : براء فزاي: صوّتت. «الجران» [ (2) ] : بكسر الجيم: مقدّم عنق البعير من مذبحه إلى منحره، فإذا برك البعير ومدّ عنقه على الأرض قيل ألقى جرانه بالأرض. «انجفل الناس» : أسرعوا. «الحبّ» : بضم الحاء المهملة: الخابية ويقال لها الزير. «تيمّمت» : قصدت. «القطيفة» : دثار له خمل. طفيشل: بفتح الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون المثناة التحتية وفتح الشين المعجمة وباللام: نوع من المرق. ثوى: أقام. «البضع» : بالكسر ويفتح: من الثلاث إلى التسع.

_ [ (1) ] قال ابن الأثير: تقلّل الشيء، واستقلّه، وتقالّه: إذا رآه قليلا. انظر النهاية 4/ 103. [ (2) ] الجران: باطن العنق، وقيل: مقدم العنق من مذبح البعير إلى منحره وقيل: الجران هي جلدة تضطرب على باطن العنق من ثغرة النحر إلى منتهى العنق في الرأس قال الشاعر: فقدّ سراتها والبرك منها ... فخرت لليدين وللجران اللسان 1/ 608.

«الحجّة» [ (1) ] : بالكسر هنا: السّنة. «مواتيا» : موافقا. «ألفى» : وجد. «النّوى» : بلفظ نوى التّمر: البعد. «باديا» : ظاهرا. «نائيا» : بعيدا. «من جلّ مالنا» : معظمه. «الوغى» : بفتح الواو والغين المعجمة: الحرب. «التّأسّي» : التعاون. «البيعة» : المسجد. «حنانيك» [ (2) ] : أي تحنّنا بعد تحنّن والتّحنّن الرأفة والرحمة. «فطأ معرضا» : بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر الراء والضاد المعجمة: أي متّسعا. «الحتوف» جمع حتف وهو الموت، والحتوف هنا أسباب الموت وأنواعه. «ولا تحفل» : بحاء مهملة ففاء: أي لا تبالي، يقال حفلت بكذا: باليت به. «النّخل» بالخاء المعجمة: اسم جنس جمعى واحده نخلة. «المعيمة» [ (3) ] بضم الميم وكسر العين المهملة: أي العاطشة من العيمة بفتح العين المهملة وهو العطش، وأكثر ما يقال في اللّبن. «ربّها» : صاحبها. «ريّا» : أي مرتوية من الماء. «ثاويا» [ (4) ] : بالمثلثة وآخره مثنّاة تحتية، ويروى «تاويا» بالمثناة الفوقية من التّوى وهو الهلاك.

_ [ (1) ] والجمع حجج مثل سورة وسور ص 121. [ (2) ] انظر اللسان 2/ 1030. [ (3) ] انظر اللسان 4/ 3195. [ (4) ] ثوي ثواء، وثويا: أقام واستقرّ. انظر المعجم الوسيط 1/ 103.

جماع أبواب بعض فضائل المدينة الشريفة

جماع أبواب بعض فضائل المدينة الشريفة الباب الأول في بدء شأنها عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مكّة بلد عظّمه الله، وعظّم حرمته، خلق مكة وحفّها بالملائكة قبل أن يخلق شيئاً من الأرض بألف عام، ووصلها بالمدينة، ووصل المدينة ببيت المقدس، ثم خلق الأرض كلّها بعد ألف عام خلقا واحدا» . وعن علي رضي الله عنه: قال: «كانت الأرض ماء فبعث الله ريحا فمسحت الأرض مسحا فظهرت على الأرض زبدة فقسمها أربع قطع، خلق من قطعة مكة والثانية المدينة والثالثة بيت المقدس والرابعة الكوفة» . رواهما الحافظ أبو بكر بن أحمد بن محمد الواسطي الخطيب في كتابه فضائل بيت المقدس بسند لا بأس به خلافا لقول السيد إنهما واهيان، فإني لم أجد في سندهما من تكلم فيه سوى ابن لهيعة وهو صدوق اختلط بأخرة والترمذي يحسّن له. وروى الطبراني عن ذي مخبر، وهو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة وقيل بدلها ميم، وهو ابن أخي النجاشي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن الله عز وجل اطّلع إلى أهل المدينة وهي بطحاء قبل أن تعمر، ليس فيها مدرة ولا وبرة، فقال: «يا أهل يثرب إني مشترط عليكم ثلاثا، وسائق إليكم من كل الثّمرات: لا تعصي ولا تعلي ولا تكبري، فإن فعلت شيئاً من ذلك تركتك كالجزور لا يمنع من أكله» [ (1) ] . وقيل: أول من عمر بها الدّور والآطام، وزرع وغرس، العماليق بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح، وأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز إلى الشام ومصر، ومنهم الجبابرة والفراعنة. وقال أبو المنذر الشّرقي بن القطامي: سمعت حديث تأسيس المدينة من سليمان بن عبد الله بن حنظلة الغسيل، وسمعت أيضا بعض ذلك من رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عمار بن ياسر، فجمعت حديثهما لكثرة اتفاقه وقلة اختلافه، قالا: «بلغنا أنه لمّا حجّ موسى صلوات الله عليه حجّ معه أناس من بني إسرائيل، فلما كان في انصرافهم أتوا على

_ [ (1) ] ذكر الهيثمي في المجمع 3/ 302 وعزاه للطبراني في الكبير وقال: وفيه سعيد بن سنان والشامي وهو ضعيف وذكره المتقي الهندي في الكنز (34901) .

المدينة فرأوا موضعها صفة بلد نبيّ يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النّبيّين، فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلّفوا به، فنزلوا في موضع سوق بني قينقاع، ثم تألّفت إليهم أناس من العرب فرجعوا إلى دينهم، فكانوا أوّل من سكن موضع المدينة. ويذكر أن قوما من العمالقة سكنوه قبلهم. وروى أبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بلغني أن بني إسرائيل لمّا أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصّر عليهم وفرقتهم وذلّتهم تفرّقوا، وكانوا يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم منعوتا في كتابهم، وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية في قرية ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام كانوا يعبرون كلّ قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب فينزل بها طائفة منهم يرجون أن يلقوا محمداً فيتبعونه حتى نزل طائفة من بني هارون ممن حمل التوراة إلى يثرب، فمات أولئك الآباء وهم يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحثّون أبناءهم على اتّباعه، فأدركه من أدركه من أبنائهم، فكفروا به وهم يعرفونه لحسدهم الأنصار حيث سبقوهم إليه. وروى الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي وغيره من أهل المدينة قالوا: «كان بالمدينة في سالف الزمان قوم يقال لهم: صعل وفالج، فغزاهم داود النبي عليه الصلاة والسلام وأخذ منهم مائة ألف عذراء، قالوا: وسلّط الله عليهم الدود في أعناقهم فهلكوا. ولم تزل اليهود ظاهرين على المدينة حتى كان سيل العرم. قال المفسّرون: كانت أرض سبأ المعنيّة بقوله تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ 15] أخصب بلاد الله لم تكن سبخة وقيل: لم يكن فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب. ولا حيّة، ويمر الغريب بواديهم وفي ثيابه القمل فيموت، وتخرج المرأة وعلى رأسها مكتلها فتعمل بمغزلها وتسير بين ذلك الشّجر فيمتلئ مما يتساقط من الثّمر، وكان طول بلدهم أكثر من شهرين للراكب المجدّ وكذلك عرضها، وأهلها في غاية الكثرة مع اجتماع الكلمة والقوة. وكانوا كما قص الله تعالى من خبرهم بقوله: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً [سبأ 18] أي يرى بعضها من بعض لتقاربها فكانوا آمنين في بلادهم، تخرج المرأة لا تتزود شيئا تبيت في قرية وتقيل في أخرى حتى تأتي الشام. فبطروا النعمة فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [سبأ: 19] ، أي بمفاوز بينهم وبين الشام يركبون فيها الرّواحل، فعجّل الله لهم الإجابة كما قال تعالى فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ [سبأ 19] . «وكانوا يقتتلون على ماء واديهم فأمرت بلقيس بواديهم فسدّ بالعرم وهو المسنّاة بلغة حمير، فسدّت ما بين الجبلين بالصّخر والقار، وجعلت له أبوابا ثلاثة بعضها فوق بعض، وبنت من

دونه بركة ضخمة، وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهار يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا سدّوها، فإذا جاء ماء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السّيل من وراء السّدّ، فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه في البركة، فكانوا يستقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث فلا ينفد الماء حتى يرجع الماء من السنة المقبلة، فكان السيل يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يستقر في واديهم فيجتمع الماء من تلك السيول والجبال في ذلك الوادي. وكان السّد فرسخا في فرسخ بناه لقمان الأكبر العاديّ وقيل سبأ بن يشجب، ومات قبل إكماله فأكمله ملوك حمير. «وكان أولاد حمير بن سبأ وأولاد كهلان بن سبأ سادة اليمن في ذلك الزمان وكان كبيرهم عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء، وكانت زوجة عمرو يقال لها طريفة، من حمير وكانت كاهنة، فولدت له ثلاثة عشر ولدا: ثعلبة أبو الأوس والخزرج، وحارثة والد خزاعة، وجفنة والدغسّان- وقيل فيهم غير ذلك- وولدت له وداعة وأبا حارثة والحارث وعوفا وكعبا ومالكا وعمرانا هؤلاء أعقبوا كلّهم والثلاثة الباقون لم يعقبوا. وكان لعمرو مزيقياء من القصور والأموال ما لم يكن لأحد فرأى أخوه عمران وكان كاهنا أن قومه سيمزّقون وتخرب بلادهم فذكره لعمرو. ثم أن طريفة الكاهنة سجعت له بما يدل على ذلك فقال: وما علامته؟ قالت: إذا رأيت جرذا يكثر في السّدّ الحفر، ويقلب منه بيديه الصّخر [فاعلم أن قد وقع الأمر] . «فلما غضب الله تعالى عليهم وأذن في هلاكهم دخل عمرو بن عامر فرأى جرذا تنقل أولادها من بطن الوادي إلى أعلى الجبل فقال: ما نقلت هذه أولادها من ههنا إلا وقد حضر أهل هذه البلاد عذاب فخرقت ذلك العرم فنقبت نقبا، فسال الماء من ذلك النّقب إلى جنبه فأمر بذلك النّقب فسدّ، فأصبح وقد انفجر بأعظم مما كان، فأمر به أيضا فسدّ، ثم انفجر بأعظم مما كان فلم يترك فرجة بين حجرين إلا أمر بربط هرّة عندها فما زاد الأمر إلا شدّة، وكان الجرذ يقلب بيديه ورجليه الصّخرة ما يقلبها خمسون رجلا. فلما رأى ذلك دعا ابن أخيه فقال: إذا جلست العشيّة في نادي قومي فائتني فقل: علام تجلس على مالي؟ فإني سأقول لك: ليس لك عندي مال ولا ترك أبوك شيئا وإنك كاذب. فإن كذّبتك فكذّبني واردد على مثل ما قلت لك، فإذا فعلت ذلك فإني سأشتمك إذا أنت شتمتني وإن أنا لطمتك فالطمني. قال: ما كنت لأستقبلك بذلك يا عم. قال: بلى فافعل فإني أريد بذلك صلاحك وصلاح أهل بيتك. فقال الفتى: نعم، حيث عرف رأي عمرو. فجاء، فقال ما أمره به حتى لطمه فتناول الفتى عمّه فلطمه. فقال الشيخ: «يا معشر بني فلان أألطم فيكم؟ لا سكنت في بلد لطمني فيه فلان أبدا، من يبتاع مني؟» فلما عرف القوم منه الجدّ أعطوه، فنظر إلى أفضلهم عطيّة فأوجب له البيع،

فدعا بالمال، فنقده،. وتحمّل هو وبنوه من ليلته، وفي رواية: إن الثّمن لما صار في يده قال: أي قوم إن العذاب قد أظلّكم، وزوال أمركم قد دنا فمن أراد منكم منزلا جديدا وجملا شديدا وسفرا بعيدا فليلحق بعمان، ومن أراد منكم الخمر والخمير والديباج والحرير، والأمر والتأمير فليلحق ببصرى وسدير ومن أراد منكم الرّاسخات في الوحل المطعمات في المحل، المقيمات في الضّحل فليلحق بيثرب ذات النّخل، فخرج أهل عمان إلى عمان، وخرجت غسّان إلى بصرى، وخرجت الأوس والخزرج وبنو كعب بن عمرو إلى يثرب، فلما كانوا ببطن مرّ قال بنو كعب: هذا مكان صالح لا نبغي به بدلا، فلذلك سمّوا خزاعة لأنهم انخزعوا عن أصحابهم، وأقبلت الأوس والخزرج حتى نزلوا بيثرب» . «ولما أراد الله ما أراد من تفريق من بقي وخراب بلادهم أقبلت فأرة حمراء إلى هرّة من تلك الهرر فساورتها حتى استأخرت عنها الهرّة، فدخلت الفأرة في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت بالسّدّ فحفرت فيه حتى وهّنته للسّيل وهم لا يدرون، فلما جاء السّيل وجد خلاء فدخل فيه حتى قلع السّدّ وفاض من الماء على الأموال فاحتملها، فلم يبق منها إلا ما ذكر الله تعالى» . «ولما قدمت الأوس والخزرج المدينة تفرّقوا في عاليتها وسافلتها ومنهم من نزل مع بني إسرائيل في قراهم ومنهم من نزل وحده لا مع بني إسرائيل ولا مع العرب الذين تألّفوا إلى بني إسرائيل، وكانت الثروة في بني إسرائيل، ولهم قرى عمروا بها الآطام. فمكثت الأوس والخزرج ما شاء الله، ثم سألوا اليهود في أن يعقدوا بينهم جوارا وحلفا يأمن به بعضهم من بعض، ويمتنعون به ممّن سواهم، فتحالفوا وتعاقدوا واشتركوا وتعاملوا فلم يزالوا على ذلك زمانا طويلا، وأمرت الأوس والخزرج، وصار لهم مال وعدد، فخافت قريظة والنّضير أن يغلبوهم على دورهم وأموالهم، فتنمّروا لهم حتى قطعوا الحلف الذي كان بينهم فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم خائفين أن يجليهم يهود، حتى نجم منهم مالك بن العجلان، أخو بني سالم بن عوف بن الخزرج وسوّده الحيّان الأوس والخزرج» . «وكان ملك اليهود الفطيون شرط ألا تهدى عروس إلى زوجها حتى تدخل عليه، فلما سكن الأوس والخزرج المدينة أراد أن يسير فيهم بتلك السيرة. فتزوّجت أخت مالك بن العجلان رجلا من بني سالم، فأرسل الفطيون رسولا في ذلك، وكان مالك غائبا، فخرجت أخته في طلبه، فمرّت به في قوم، فنادته، فقال: لقد جئت بسبّة، تناديني ولا تستحي. فقالت: إن الذي يراد بي أكبر، فأخبرته. فقال لها: أكفيك ذلك. فقالت: وكيف؟ فقال: أتزيّي بزيّ النساء وأدخل معك عليه بالسيف، فأقتله. ففعل. ثم خرج حتى قدم الشام على أبي جبيلة،

تنبيه: في بيان غريب ما سبق

وكان نزلها حين نزلوا هم بالمدينة فجيّش جيشا عظيما وأقبل كأنه يريد اليمن، واختفى معهم مالك بن العجلان، فجاء فنزل بذي حرض، وأرسل إلى أهل المدينة من الأوس والخزرج فأتوا إليه فوصلهم ثم أرسل إلى بني إسرائيل وقال: من أراد الحباء من الملك فليخرج إليه مخافة أن يتحصنوا في الحصون فلا يقدر عليهم فخرج إليه أشرافهم، فأمر لهم بطعام حتى اجتمعوا فقتلهم فصار الأوس والخزرج أعزّ أهل المدينة» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق «حفّها» : أحدق بها. «الزّبدة» [ (1) ] : بفتحتين: الرّغوة. «البطحاء» : الأرض المتسعة. «مدرة» : جمعها مدر، مثل قصبة وقصب قال الأزهري: المدر قطع الطين. «المكتل» [ (2) ] : بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة الفوقية: الزّنبيل. «صعل» : بصاد فعين مهملتين فلام. «فالج» : بالجيم. «المسنّاة» : حائط يبني في وجه الماء ويسمى السّدّ. «العرم» : جمع عرمة. «السّكر» : بفتح السين المهملة وسكون الكاف: أي السّدّ الذي يحبس الماء، قال ابن الأعرابي: السّيل الذي لا يطاق وقيل العرم الوادي وأصله من العرامة وهي الشدة والقوة. «الضّحل» [ (3) ] : بالضاد المعجمة والحاء المهملة الساكنة: القليل من الماء وقيل الماء القريب: «الفطيون» : [بكسر الفاء وإسكان الطاء المهملة ثم مثناة تحتية مفتوحة وواو ساكنة فنون. والفطيون هو الذي تملّك بيثرب] .

_ [ (1) ] انظر المفردات في غريب القرآن 211. [ (2) ] انظر اللسان 5/ 3822. [ (3) ] انظر اللسان 4/ 2559.

الباب الثاني في أسماء المدينة مرتبة على حروف المعجم

الباب الثاني في أسماء المدينة مرتبة على حروف المعجم الأول فالأول مستقصاة لأن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمّى، فما ذكره، الزركشي في الإعلام، وصاحب القاموس في غيره، والسيد في تاريخه بلغ بها خمسة وتسعين اسما وهي: - «أثرب» : بالفتح وإسكان المثلثة وكسر الراء فموحدة، لغة في يثرب، اسم من سكنها أولا، سمّيت به أرض المدينة كلها عند أبي عبيدة أو هي فقط عند ابن عباس أو ناحية منها. وعلى الثالث فإطلاقه على المدينة مع ذلك صحيح ثابت إما وضعا لها أو من إطلاق اسم البعض على الكل أو المشتهر من باب عكسه، وورد النهي عن تسميتها بذلك كما سيأتي. - «أرض الله» : لقوله تعالى أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النساء 97] قال جماعة: المراد المدينة، وفي هذه الإضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى. «أَرْضُ الهِجْرَة» : لحديث فيه [المدينة قبّة الإسلام] . - «أكّالة البُلْدَان» : لتسلطها على جميع الأمصار وارتفاعها على سائر بلدان الأقطار وافتتاحها منها على أيدي أهلها فغنموها وأكلوها. - «أكّالة القرى» : لحديث «أمرت بقرية تأكل القرى» [ (1) ] . «الإيمان» : لقوله تعالى في الأنصار. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الحشر 9] قال عثمان بن عبد الرحمن وعبد الله بن جعفر: «سمّى الله تعالى المدينة الدّار والإيمان» ، رواه محمد بن الحسن المخزومي عنهما. وابن شبّة عن الثاني. وقال البيضاوي: «سمّى الله المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره» . وعن أنس بن مالك [أن ملك] الإيمان قال: «أنا أسكن المدينة» ، فقال [ملك] الحياء: «وأنا معك» ، رواه الدينوري في كتابه المجالسة. - «البارّة» : بتشديد الراء. - «البرّة» : بالتشديد أيضا لكثرة برّها لأهلها خصوصا ولجميع العالم عموما، لأنها منبع الفيض والبركات. - البحرة» : بالفتح وسكون المهملة. - «البحيرة» : تصغير ما قبله.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (1871) ومسلم في كتاب الحج (488) وأحمد في المسند 2/ 237 ومالك في الموطأ (887) .

- «البحيرة» : بالفتح والكسر: نقل الزركشي الثلاثة في الإعلام عن منتخب كراع، ونقل غيره الأوّلين عن معجم ياقوت، والاستبحار السعة لأنها بمتّسع من الأرض ولقول سعد بن عبادة: ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة- بالتصغير- على أن يعصبوه بالعصابة فلما ردّ الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك، ويقال «البحر» أيضا بغير تاء، ساكن الحاء وأصله القرى وكل قرية بحرة. - «البلاط» : بفتح الموحدة، نقل عن [كتاب: ليس] لابن خالويه وهو لغة الحجارة المفروشة [التي تفرش على الأرض، والأرض المفروش بها، والمستوية الملساء فكأنها] سمّيت به لكثرته فيها أو لاشتمالها على موضع تعرف به. - «البلد» : قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد 1] : قيل: المدينة وقيل: مكة ورجّحه القاضي، لكن السورة مكية والبلد لغة صدر القرى. قال الواسطي فيما نقله عن القاضي: «أي يحلف لك ربّك بهذا البلد الذي شرّفته بمكانك فيه حيّا وببركتك ميتا» ، يعني المدينة. - «بلد رسول الله» صلى الله عليه وسلم: روى البزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشياطين قد يئست، أن تعبد ببلدي» ، هذا يعني المدينة وجزيرة العرب، «ولكن في التحريش بينهم» [ (1) ] . - «بيت رسول الله» صلى الله عليه وسلم: قال تعالى كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ: أي من المدينة لاختصاصها به اختصاص البيت بساكنه، أو المراد: بيته بها. - «تندد» : بمثناة فوقية فنون وإهمال الدّالين، كجعفر. - «تندر» : براء بدل الدال الأخيرة مما قبله كما سيأتي في «يندر» بالتحتية. - «الجابرة» : ذكر في حديث للمدينة عشرة أسماء، سميت بها لأنها تجبر الكسير وتغني الفقير وتجبر على الإذعان لمطالعة بركاتها وشهود آياتها ولأنها جبرت البلاد على الإسلام. - «جبار» كحذام رواه ابن شبّة بدل الجابرة في حديثه المذكور. - «الجبّارة» : نقل عن التوراة. - «جزيرة العرب» : لقول بعضهم إنها المرادة من الحديث: «أخرجوا المشركين من

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 302 وعزاه للبزار وقال: فيه السكن بن هارون الباهلي ولم أجد من ترجمه.

جزيرة العرب» ، وفي حديث ابن عباس: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة فالتفت إليها وقال: «إن الله برأ هذه الجزيرة من الشّرك» ، رواه أبو يعلى والبزار والطبراني. - «الجنّة الحصينة» : بضم الجيم وهي الوقاية، أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد: «أنا في جنّة حصينة» [ (1) ]- يعني المدينة-[ «دعوهم يدخلون نقاتلهم» ] . - «الحبيبة» : لحبه صلى الله عليه وسلم لها ودعائه لها. - «الحرم» : بالفتح [بمعنى الحرام لتحريمها، وفي الحديث: «المدينة حرم» [ (2) ] ، وفي رواية أنها: «حرم آمن» . - «حرم رسول الله» : صلى الله عليه وسلم لأنه الذي حرّمها، وفي الحديث: «من أخاف أهل حرمي أخافه الله» ، وفي حديث آخر: حرم إبراهيم مكة وحرمي المدينة» ، رواه الطبراني. - «حسنة» : بلفظ مقابل السيئة، وقال تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً [النحل 41] أي مباءة حسنة وهي المدينة، وقيل: هو اسمها لاشتمالها على الحسن الحسّي والمعنوي، نقله الإمام فخر الدين الرّازي. - «الخيّرة» : بالتشديد. - «الخيرة» : بالتخفيف تقول: امرأة خيّرة وخيرة بمعنى كثيرة الخير، وإذا أردت التفضيل قلت: فلان خير الناس، وفي الحديث: «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» . - «الدّار» : لقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ على ما سبق في الإيمان سميت به لأمنها والاستقرار بها وجمعها البناء والعرصة. - «دار الأبرار» . - «دار المختار» : لأنها دار المصطفى المختار والمهاجرين والأنصار، ولأنها تنفي شرارها، ومن أقام بها منهم فليست في الحقيقة له بدار، وربما نقل منها بعد الإقبار. «دار الإيمان» : روى الطبراني بسند لا بأس به عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة قبّة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومبوأ الحلال والحرام» ، وروى الشيخان عن أبي هريرة، والبزار عن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها» ، تأرز بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الراء- وقد تضمّ-

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 94 وعزّاه لعبد بن حميد وابن جرير. [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 49 (1867) .

بعدها زاي، أي أنها كما تخرج في طلب ما تعيش به فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها كذلك الإيمان انتشر في المدينة، فكل مؤمن، له من نفسه شائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم. - «دار السّنّة» . - «دار السلامة» . - «دار الفتح» : ففي الصحيح قول عبد الرحمن بن عوف لعمر رضي الله عنهما: «حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة» - وفي رواية الكشميهني أحد رواة البخاري- «والسلامة، وقد فتحت منها مكة وسائر الأمصار وإليها هجرة المختار ومنها انتشرت السّنّة في الأقطار. - «الدّرْع الحصينة» : لحديث أحمد برجال الصحيح: «رأيت كأني في درع حصينة، فأوّلت الدّرع الحصينة المدينة» . - «ذات الحجر» : بضم الحاء المهملة وفتح الجيم لاشتمالها عليها. - «ذات الحرار» : بكسر الحاء وراءين مهملات، جمع حرّة بفتح الحاء وهي الحجارة السّود لكثرتها بها. - «ذات النّخل» : لوصفها بذلك/ ولما قبله في خبر خنافر مع رئيّه، وفي سجع عمران بن عامر: فليلحق بيثرب ذات النّخل، وفي الحديث: «أريت دار هجرتي ذات نخل وحرّة» . - «السّلقة» [ (1) ] : ذكره أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أمين الأقشهري في أسمائها المنقولة عن التوراة، وهو محتمل، والسلقة بفتح اللام وكسرها إذا السّلق بالتحريك القاع الصفصف والسلاق البليغ، وربما قيل للمرأة السليطة سلقة بالكسر، وسلقت البيض سلقا أغليته بالنار. فسميت المدينة به لاتساعها وتباعد جبالها أو لتسلّطها على البلاد فتحا أو للأوائها وشدّة حرّها وما كان بها من الحمّى. - «الشّافية» : لحديث: «ترابها شفاء من كل داء» ، ولما صحّ في غبارها. وذكر ابن مسدي: الاستشفاء من الحمّى بكتابة أسمائها وتعليقها على المحموم، وسيأتي أنها تنفي الذنوب فتشفي من دائها.

_ [ (1) ] السّلق: الواسع من الطرق والقاع المطمئن من الأرض المستوي لا نبات فيه والجمع أسلاق وسلقان. انظر المعجم الوسيط 1/ 447.

- «طابة» : كشامة، روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى سمّى المدينة طابة» [ (1) ] . - «طيبة» : بسكون المثناة التحتية كهيبة وعيبة. - «طيّبة» : بتشديد المثناة التحتية. - «طائب» : ككاتب، وهذه الأربعة مع اسمها المطيّبة أخوات لفظا ومعنى، مختلفات صيغة ومبنى. وفي الحديث: «للمدينة عشرة أسماء هي المدينة وطيبة وطابة» ، وعن وهب بن منبه: «إن اسمها في كتاب الله- يعني التوراة- طيبة وطابة» . ونقل عن التوراة أيضا تسميتها بالطّيّبة وكذلك المطيّبة. وتسميتها بهذه الأسماء إما من الطّيّب بتشديد المثناة وهو الطاهر لطهارتها من أدناس الشّرك، أو لحلول الطّيّب بها صلى الله عليه وسلم، أو لكونها كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها. قال الإشبيلي: «لتربة المدينة نفحة ليس طيبها كما عهد من الطّيب بل هو أعجب من الأعاجيب» . قال بعض أهل العلم: «وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحّة هذه التسمية، لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها» . - «طبابا» : ذكره ياقوت وهو بكسر المهملة يعني القطعة المستطيلة من الأرض أو بفتح المعجمة ظبابا من ظبّ، وظبظب إذا حمّ لما كان بها من الحمّى. «العاصمة» : لعصمتها للمهاجرين من المشركين ولأنها الدّرع الحصينة، أو هي بمعنى المعصومة فلا يدخلها الدجال ولا الطاعون ومن أرادها بسوء أذابه الله. - «العذراء» : بالمهملة فالمعجمة، نقل عن التوراة لصعوبتها وامتناعها على الأعداء حتى تسلمها مالكها الحقيقي سيد الأنام صلى الله عليه وسلم. - «العراء» : بإهمال أوله وثانيه، قال ائمة اللغة: العراء الجارية العذراء كأنها شبّهت بالناقة العراء التي لا سنام لها أو صغر سنامها كصغر نهد العذراء فيجوز أن تكون تسمية المدينة بذلك لعدم ارتفاع أبنيتها في السماء. - «العروض» : بعين مهملة فراء فواو فضاد معجمة كصبور وقيل: هو اسم لها ولما حولها لانخفاض مواضع منها ومسايل أودية فيها، أو لأنها من نجد على خط مستقيم طولا، والمدينة معترضة عنها ناحية. - «الغرّاء» : بالغين المعجمة تأنيث الأغرّ ذي الغرّة والبياض في مقدّم الوجه والغرّة أيضا خيار كل شيء وغرّة الإنسان وجهه والأغرّ الأبيض من كل شيء، والذي أخذت اللحية جميع

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الحج (491) وأحمد في المسند 5/ 94 وابن أبي شيبة في المصنف 12/ 179.

وجهه إلا القليل، والرجل الكريم، واليوم الشّديد الحرّ. والغرّاء نبت طيّب الرائحة، والسيدة الكبيرة. فسميت المدينة بذلك لأنها سادت على القرى، وطاب ريحها في الورى، وأكرم أهلها وكثر غرسها وابيضّ نورها وسطع ضياؤها. - «غلبة» : محركّة بمعنى الغلب لظهورها على البلاد، وكانت في الجاهلية تدعى «غلبة» : نزلت يهود بها على العماليق فغلبتهم عليها، ونزلت الأوس والخزرج على يهود فغلبوهم عليها، ونزل المهاجرون على الأوس والخزرج فغلبوهم عليها، ونزل الأعاجم على المهاجرين فغلبوهم عليها. - «الفاضحة» : بالفاء وضاد معجمة وحاء مهملة، نقل عن كراع: إذ لا يضمر بها أحد عقيدة فاسدة أو يبطن أمرا إلا ظهر عليه وافتضح به، وهو معنى كونها تنفي خبثها. - «القاصمة» : بقاف وصاد مهملة. نقل عن التوراة لقصمها كلّ جبّار عناها وكسر كل متمرّد أتاها، ومن أرادها بسوء أذابه الله. - «قبّة الإسلام» : لحديث «المدينة قبّة الإسلام» . - «قرية الأنصار» : وتقدم الكلام على الأنصار. - «قرية رسول الله» صلى الله عليه وسلم، لحديث الطبراني برجال ثقات: «ثم يسير- يعني الدّجّال- حتى يأتي المدينة ولا يؤذن له فيها فيقول: هذه قرية ذاك الرجل» ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. - «قلب الإيمان» : أورده ابن الجوزي في حديث: «المدينة قبّة الإسلام» . - «المؤمنة» : لتصديقها بالله تعالى حقيقة لخلقه قابلية ذلك فيها كما في تسبيح الحصى، أو مجازا لا تصاف أهلها بالإيمان وانتشاره منها واشتمالها على أوصاف المؤمن أو لإدخالها أهلها في الأمن من الأعداء والطاعون والدّجّال. وقد روى في حديث: «والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة» ، وروي في آخر: «إنها لمكتوبة في التوراة مؤمنة» . - «المباركة» : لأن الله تعالى بارك فيها بدعائه صلى الله عليه وسلم وحلوله بها. - «مبوأ الحلال والحرام: رواه الطبراني في حديث: «المدينة قبّة الإسلام» [ (1) ] ، والتّبوّء التّمكّن والاستقرار، سمّيت به لأنها محلّ تمكن هذين الحكمين واستقرارهما. - «مبيّن الحلال والحرام» : رواه ابن الجوزي وغيره بدل الذي قبله في الحديث المتقدم لأنها محل بيانهما.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 301 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: فيه عيسى بن مينا قالون وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات وذكره المتقي الهندي في الكنز (2. 348) .

- «المجبورة» : ذكر في الحديث: «للمدينة عشرة أسماء» ، ونقل عن الكتب المتقدمة، سمّيت به لجبرها بخلاصة الوجود حيّا وميّتا لحثّه على سكناها، بعد نقل حماها وتكرر دعائه لها. - «المحبّة» : بضم الميم وبالحاء المهملة وتشديد الموحّدة، نقل عن الكتب المتقدمة. - «المحبّبة» : بزيادة موحّدة على ما قبله. - «المحبوبة» : نقل عن الكتب المتقدمة أيضا، وهذه ثلاثة مع ما تقدم من اسمها الحبيبة من مادة واحدة، وحبّه صلى الله عليه وسلم لها ودعاؤه به معلوم، وحبّه تابع لحبّ ربّه. - «المحبورة» : من الحبر وهو السرور أو من الحبرة بمعنى النعمة أو المبالغة فيما وصف بجميل، والمحبار من الأرض السريعة النّبات الكثيرة الخيرات. - «المحرّمة» : لتحريمها. - «المحروسة» : لحديث: «المدينة مشتبكة بالملائكة على كل نقب منها ملك يحرسها» ، رواه الجندي. - «المحفوفة» : لأنها حفّت بالبركات وملائكة السموات، وفي خبر: «تأتي مكة والمدينة محفوفتان بالملائكة» [ (1) ] . - «المحفوظة» : لحفظها من الطاعون والدّجّال وغيرهما، وفي خبر: «القرى المحفوظة أربع» ، وذكر المدينة منها. - «المختارة» : لأن الله تعالى اختارها للمختار من خلقه في حياته ومماته. - «مدخل صدق» : قال الله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء 80] فمدخل صدق المدينة كما تقدم. - «المدينة» : لتكرره في القرآن ونقل عن التوراة، والمدينة من مدن بالمكان أقام به، أو من دان إذا أطاع، إذ يطاع السلطان بالمدينة لسكناه بها، وهي أبيات كثيرة تجاوز حدّ القرى ولم تبلغ حدّ الأمصار، وقيل: يقال لكل مصر، وتطلق على أماكن كثيرة، ومع ذلك فهو علم للمدينة النبوية، بحيث إذا أطلق لا يتبادر الفهم إلى غيرها، ولا يستعمل فيها إلا المعرفة، أما

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 312 بلفظ «المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة وعزاه لأحمد وقال: رجاله ثقات. والحديث أخرجه أحمد 2/ 483 والبخاري في التاريخ 6/ 180.

النّكرة فاسم لكل مدينة، ونسبوا للكل مدينيّ، وللمدينة النبوية مدنيّ للفرق. - «مدينة رسول الله» : صلى الله عليه وسلم، لقوله في حديث الطبراني: «من أحدث في مدينتي هذه حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» [ (1) ] ، فأضافها إليه لسكناه بها، وله ولخلفائه دانت الأمم. - «المرحومة» : نقل عن التوراة، سمّيت به لأنها دار المبعوث رحمة للعالمين وبها تنزل الرحمات. - «المرزوقة» : لأن الله تعالى رزقها أفضل الخلق فسكنها أو المرزوق أهلها، ففي الحديث: «لا يخرج أحد منها إلا أبدلها الله خيرا منه» . - «مسجد الأقصى» : نقله ابن الملقن في الإشارات عن صاحب المطالع. - «المسكينة» : نقل عن التوراة، وذكر في حديث: «للمدينة عشرة أسماء» ، وروى الزبير بن بكار عن كعب الأحبار قال: «نجد في كتاب الله تعالى الذي أنزل على موسى إن الله قال للمدينة: يا طَيْبَة يا طابة يا مسكينة لا تقبلي الكنوز أرفع أجاجيرك على أجاجير القُرَى، والأجاجير السطوح، والمسكنة الخضوع، والخشوع خلقه الله فيها، أو هي مسكن الخاشعين والخاضعين. - «المسلمة» : كالمؤمنة لخلق الله تعالى فيها الانقياد والانقطاع له أو لانقياد أهلها وفتح بلدهم بالقرآن. - «مضجع رسول الله» : صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: «المدينة مهاجري ومضجعي في الأرض» . - «المطيّبة» : بضم أوله وفتح ثانية تقدم في طيبة. - «المقدّسة» : لتنزهها عن الشّرك وكونها تنفي الذنوب. - «المقرّ» : بالقاف كالممرّ من القرار، نقله السيد من بعض كتب اللغة، وفي دعائه صلى الله عليه وسلم لها قوله: «اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا حسنا» . - «المكّتان» : قال سعد بن أبي السّرح في حصار عثمان رضي الله عنه: «وأنصارنا بالمكتين قليل» . وقال نصر بن حجّاج بعد نفيه من المدينة: فأصبحت منفيا على غير ريبة ... وقد كان لي بالمكّتين مقام

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 310 عن أبي أمامة بن ثعلبة وقال: له في الصحيح حديث في اليمين غير هذا رواه الطبراني في الأوسط.

قال السيد: «والظاهر أن المراد المدينة لأن قصة عثمان ونصر بن حجّاج كانتا بها وأطلق ذلك عليها لانتقال أهل مكة أو غالبهم إليها وانضمامهم إلى أهلها» . أو أنه من قبيل التغليب والمراد مكة والمدينة. - «المكينة» : لتمكّنها في المكانة والمنزلة عند الله تعالى. - «مهاجر رسول الله» : صلى الله عليه وسلم لقوله «المدينة مهاجري» . - «الموفية» : بتشديد الفاء وتخفيفها لتوفيتها الوافدين حسّا ومعنى وأهلها الموفون بما عاهدوا الله عليه. - «النّاجية» : بالجيم لنجاتها من العتاة والطاعون والدّجّال أو لإسراعها في الخيرات فحازت أشرف المخلوقات ولارتفاع شأنها. - «نبلاء» : نقل من كراع، قال السيد: وأظنه بفتح النون وسكون الموحدة مأخوذ من النّبل بالضم والسكون وهو الفضل والنّجابة. - «النّحر» : بفتح النون وسكون الحاء المهملة، سميت به إما لشدة حرّها كما يقال نحر الظهيرة وإما لإطلاق النّحر على الأصل وهما أساس بلاد الإسلام. - «الهذراء» : ذكره ابن النّجّار بدل العذراء نقلا عن التوراة، روي بالذال المعجمة وذلك لشدة حرّها، يقال: يوم هاذر شديد الحرّ، أو لكثرة مياهها وأصوات سوانيها، ويقال هذر في كلامه إذا أكثر، ويحتمل أن يكون بالمهملة من هدر الحمام إذا صوّت، والماء انصبّ وانهمر والعشب طال، وأرض هادرة: كثيرة النبات. - «يثرب» : لغة في أثرب وقد تقدم الكلام عليه فيه، وستأتي أحاديث النهي عن تسميتها بذلك. - «يندد» : بدالين مهملتين ذكره كراع وهو إما من النّدّ وهو الطّيب المعروف أو النّدّ التّلّ المرتفع أو من النّادّ وهو الرّزق. - «يندر» : كحيدر براء بدل الدال الثانية مما قبله، كذا في حديث: «للمدينة عشرة أسماء» في بعض الكتب، وفي بعضها الآخر بمثناة فوقية ودالين تندد، وفي بعضها كذلك بفوقية ودال وراء تندر، وصوّب المجد اللغوي «يندد» فقط بالتحتية ودالين، وفيه نظر. والحديث رواه ابن زبالة إلا أنه سردها تسعة، ورواه ابن شبّة وسردها ثمانية فحذف منه الدار، ثم روي من طريقه أيضاً عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب تسميتها بالدار والإيمان ثم قال: « [وجاء في الحديث الأول ثمانية أسماء وجاء في هذا الحديث اسمان] فالله أعلم أهما تمام

العشرة أم لا» . ورواه ابن زبالة كذلك إلّا أنه سرد تسعة فزاد اسم «الدار» وأسقط العاشر، ونقل ابن زبالة أن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: بلغني أن للمدينة في التوراة أربعين اسما، انتهى ما ذكره السيد رحمه الله مع زيادات فيه. وروى الزبير بن بكّار عن القاسم بن محمد قال: بلغني أن للمدينة أربعين اسما. وروى أيضا عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للمدينة عشرة أسماء هي: المدينة وطيبة وطابة ومسكينة وجابرة ومجبورة ويندد ويثرب والدار» . وروى أيضا عن إبراهيم بن الحسن قال: «للمدينة في التوراة أحد عشر اسما: المدينة وطيبة وطابة والمسكينة والجابرة والمجبورة والمرحومة والعذراء والمحبوبة والقاصمة.

الباب الثالث في النهي عن تسميتها يثرب

الباب الثالث في النهي عن تسميتها يثرب روى الإمام أحمد ومالك والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند جيد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمّى المدينة بيثرب فليستغفر الله: هي طابة هي طابة هي طابة» [ (2) ] . وروى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدعوها يثرب فإنها طيبة» [ (3) ] ، يعني المدينة، «ومن قال يثرب فليستغفر الله ثلاث مرات، هي طيبة هي طيبة هي طيبة» . وقال الإمام عيسى بن دينار [ (4) ] أحد أئمة المالكية: «من سمّى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة، وبذلك جزم الإمام العلامة الشيخ كمال الدّميري [ (5) ] في منظومته في كتاب الحج حيث قال: ومن دعاها يثربا يستغفر ... فقوله خطيئة لتنظر وسبب الكراهة إما لكون ذلك مأخوذا من الثّرب بالتحريك وهو الفساد، أو من التثريب وهو المؤاخذة بالذّنب. وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، ولهذا أسماها طابة وطيبة كما تقدم. وأما تسميتها في القرآن يثرب فذلك حكاية عن قول المنافقين، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «فذهب وهلي إلى اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب» ، وقوله في حديث آخر: «لا أراها إلا يثرب» ، فذلك قبل النهي عن تسميتها بذلك.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 50 (1871) ومسلم في كتاب الحج (488) وأحمد في المسند 2/ 237. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 285 وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 303 وعزاه لأحمد وأبي يعلى وقال: ورجاله ثقات وذكره السيوطي في الدر 5/ 188 وعزاه لأحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه. [ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 5/ 188 وعزاه لابن مردويه. [ (4) ] عيسى بن دينار بن واقد الغافقي، أبو عبد الله: فقيه الأندلس في عصره، وأحد علمائها المشهورين. أصله من طليطلة. سكن قرطبة، وقام برحلة في طلب الحديث. وعاد، فكانت الفتيا تدور عليه بالأندلس لا يتقدمه أحد. وكان ورعا عابدا. توفي 212 هـ- الأعلام 5/ 102. [ (5) ] 3/ 94 محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري، أبو البقاء، كمال الدين: باحث، أديب، من فقهاء الشافعية. من أهل دميرة (بمصر) ولد ونشأ وتوفي سنة 808 هـ- بالقاهرة. وكانت له في الأزهر حلقة خاصة، وأقام مدة بمكة والمدينة. من كتبه «حياة الحيوان، و «حاوي الحسان من حياة الحيوان» و «الديباجة» في شرح كتاب ابن ماجة، في الحديث، و «النجم الوهاج» الأعلام 7/ 118.

الباب الرابع في محبته صلى الله عليه وسلم لها ودعائه لها ولأهلها ورفع الوباء عنها بدعائه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في محبته صلى الله عليه وسلم لها ودعائه لها ولأهلها ورفع الوباء عنها بدعائه صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدر المدينة، وفي لفظ: دوحاتها، وفي لفظ: درجاتها طرح رداءه عن منكبيه وقال: «هذه أرواح طيبة» ، وأوضع راحلته، وإن كان على دابة حرّكها من حبّه، وفي لفظ: «تباشرا بالمدينة» وقال: «اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا حسنا» [ (1) ] . رواه الشيخان والمحاملي ومحمد بن الحسن المخزومي. وروى الإمام أحمد والشيخان وابن إسحاق واللفظ له عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمّى، وكان واديها يجري نجلا- يعني ماء آجنا- فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرف الله ذلك عن نبيه» . قالت: «فكان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال موليا أبي بكر في بيت واحد، فأصابتهم الحمّى، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم، فأذن، فدخلت إليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك، فدنوت من أبي بكر فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ فقال: كلّ امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله [ (2) ] قالت: فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول، ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال: لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إنّ الجبان حتفه من فوقه كلّ امرئ مجاهد بطوقه ... كالثّور يحمي جلده بروقه [ (3) ] قالت: فقلت: والله ما يدري عامر ما يقول. قالت: وكان بلال إذا أقلع عنه الحمّى اضطجع بفناء البيت ثم يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل [ (4) ] قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سمعته منهم. قلت. إنهم ليهذون وما

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (38157) . [ (2) ] انظر البداية والنهاية 3/ 221. [ (3) ] انظر البداية والنهاية 3/ 222. [ (4) ] انظر البداية والنهاية 3/ 221.

يعقلون من شدة الحمى، فنظر إلى السماء وقال: «اللهمّ حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة» - وفي لفظ للجندي ورزين «وأشدّ» ، بالواو بدلا من «أو» - «وصحّحها وبارك لنا في صاعها ومدّها، ثم انقل وباءها إلى مهيعة [ (1) ]- وهي الجحفة» ، وإنه ليتقي شرب الماء من عينها التي يقال لها عين خمّ. وروى البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة ومحمد بن الحسن المخزومي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة، فأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة. وروى الزبير بن بكّار عن عروة بن الزبير مرسلا قال: «أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فجاء إنسان قدم من ناحية طريق مكة، فقال له: «هل لقيت أحدا» ؟ قال: لا يا رسول الله إلا امرأة سوداء عريانة ثائرة الشّعر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الحمّى ولن تعود بعد اليوم أبدا» . وروى أيضا عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أصحابه، وقدم رجل فتزوج امرأة كانت مهاجرة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: يا أيها الناس «إنما الأعمال بالنيات» - ثلاثا- «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يطلبها أو امرأة يخطبها فإنما هجرته إلى ما هاجر إليه» [ (2) ] ، ثم رفع يديه وقال: «اللهم انقل عنا الوباء» - ثلاثا- فلما أصبح قال: أتيت الليلة بالحمّى فإذا عجوز سوداء ملبّبة في يدي الذي جاء بها فقال: هذه الحمّى فما ترى فيها؟ فقلت: «اجعلوها بخمّ» . وروى البيهقي عن هشام بن عروة قال: كان وباء المدينة معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان الوادي وبيئا فأشرف عليه إنسان فقيل له: انهق نهيق الحمار، فإذا فعل ذلك لم يضرّه، قال الشاعر: لعمري لئن عشرت من خشية الردى ... نهيق الحمار إنّني لجزوع قال هشام: وكان المولود إذا ولد بالجحفة لم يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمّى. وقال ابن إسحاق: وذكر ابن شهاب الزهري عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمّى المدينة حتى جهدوا مرضا، وصرف الله ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم حتى ما كانوا يصلون إلا وهم قعود، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلّون كذلك فقال لهم: «اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» [ (3) ] ، فتجشّم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم التماسا للفضل.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 308 (3926) . [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 9 (1) ومسلم 3/ 1515 (155- 1907) . [ (3) ] أخرجه البخاري بنحوه 2/ 680 (1115) وانظر البداية والنهاية 3/ 224.

تنبيهات

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة» [ (1) ] ، رواه الشيخان. وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ودعوت لها في مدّها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة» ، - حديث متّفق عليه- وعن عبد الله بن الفضل بن العباس رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدعوك لأهل المدينة بمثل مكة» ، قال عبد الله: إنا لنتعرف ذلك، إنا ليجزئ المدّ عندنا والصاع بمثلي ما يجزئ بمكة، رواه البخاري في تاريخه. وروى الزبير بن بكار عن إسماعيل بن النعمان قال: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لغنم كانت ترعى بالمدينة فقال: «اللهم اجعل نصف أكراشها مثل ميلها بغيرها من البلاد» . وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعا لأهل مكة بالبركة وأنا محمد عبدك ورسولك وأنا أدعو لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدّهم مثلما باركت لأهل مكة واجعل مع البركة بركتين» [ (2) ] ، رواه الترمذي وصححه والطبراني برجال الصحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كأن الناس إذا رأوا أول الثّمر جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله- زاد الطبراني: وضعه على عينيه- قال: «اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدّنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيّك وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه» . قال ثم يدعو أصغر وليد فيعطيه ذلك الثّمر [ (3) ] . رواه مسلم والترمذي والطبراني. تنبيهات الأول: اقتضى هذا الحديث تكرير الدعاء بتكرير ظهور الثمرة والإتيان بأولها. الثاني: تكرير دعائه صلى الله عليه وسلم بتحبيبه المدينة، والظاهر أن الإجابة حصلت بالأول والتكرير لطلب المزيد. الثالث: الوباء عموم الأمراض، وهو أعم من الطاعون، ولا يعارض قدومهم المدينة- وهي وبيئة- نهيه صلّى الله عليه وسلم عن القدوم على الطاعون، لأن ذلك كان قبل النهي، أو أن النّهي يختصّ بالطاعون ونحوه من الموت الذّريع، لا المرض ولو عمّ. الرابع: هذه البركة المذكورة في الحديث في أمر الدين والدنيا، لأنها النّماء والزيادة،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 29 (دار الفكر) ومسلم (994) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 308 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: ورجاله رجال الصحيح. [ (3) ] أخرجه مسلم 2/ 1000 (473- 1373) وأخرجه الترمذي 5/ 472 (3454) .

فالبركة حاصلة لها في نفس الكيل، بحيث يكفي المدّ بها من لا يكفيه بغيرها، وهذا أمر محسوس لمن سكنها. الخامس: تحويل الوباء عن المدينة من أعظم المعجزات إذ لا يقدر عليه جميع الأطباء، قال النووي: وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فإن الجحفة من يومئذ وبيئة ولا يشرب أحد من مائها إلا حمّ، وقال الخطّابي: كان أهل الجحفة إذ ذاك يهودا. السادس: في بيان غريب ما سبق: «الجدر» : جمع جدار ككتاب وكتب، والجدار الحائط. «الدّوحات» [ (1) ] : بالدال والحاء المهملتين: جمع دوحة مثل تمرة وتمرات، والدّوحة الشجرة العظيمة. «الدّرجات» : جمع درجة وهي هنا الطّرق. «الأرواح» : جمع ريح بمعنى رائحة وهي عرض يدرك بحاسة الشّمّ. «أوضع راحلته» [ (2) ] : أوضع بالضاد المعجمة والعين المهملة، أي حثّها على السرعة. «القرار» : بالقاف: المستقرّ من الأرض. «بطحان» : بضم الموحّدة فسكون الطاء المهملة وقيل بفتح أوله وكسر ثانيه: واد من أودية المدينة. روى ابن شبّة والبزّار عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً أن بطحان على ترعة من ترع الجنّة. «نجلا» [ (3) ] : بفتح النون وسكون الجيم أي أن واديها كان نزّا. قال: النّجل: الماء حين يسيل، وفسّره البخاري ماء آجنا. قال القاضي: «وهو خطأ» ، وقال الحافظ: «وليس كما قال فإن عائشة قالت ذلك في مقام التعليل لكون المدينة كانت وبيئة، ولا شك أن النّجل إذا فسّر بكونه الماء الحاصل من النّزّ، فهو بصدد أن يتغيّر، وإذا تغيّر كان استعماله مما يحدث الوباء في العادة» . «وعك» : الوعك بفتح الواو وسكون العين المهملة الحمّى.

_ [ (1) ] الدّوح: البيت الضخم الكبير من الشجر، والدوحة: الشجرة العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدة من شجرها الوسيط 1/ 302. [ (2) ] أوضع بين القوم: أمسد، وأوضع في الشرأ سرع فيه، وأوضع الراكب الدّابة: حملها على السير السريع. الوسيط 2/ 1039. [ (3) ] النجل: الماء السائل، والنجل: الماء استنقع والولد والنز والجمع الكثير من الناس والمحجة والواضحة، ويقال: استنجل الموضع: أي كثر به النجل وهو الماء يظهر من الأرض. انظر اللسان 6/ 4356.

«كيف تجدك» : أي تجد نفسك أو جسدك «مصبّح» : بميم مضمومة وصاد مهملة فموحّدة، وزن محمّد، أي مصاب بالموت صباحا، وقيل: المراد يقال صبّحك الله بالخير، وقد يفجأه الموت في بقية النهار وهو مقيم بأهله، ويروى بالخاء المعجمة وهو أيضا مكان بمكة. «شراك النّعل» : بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء: السير الذي يكون في وجه النّعل، والمعنى أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله برجله. «بطوقه» [ (1) ] : الطّوق هنا الطاقة والعدّة. «الرّوق» بالراء والقاف: القرن. «عقيرته» : أي صوته، قال الأصمعي: إن رجلا عقرت رجله فرفعها على الأخرى وجعل يصيح فصار كل من رفع صوته يقال رفع عقيرته وإن لم يرفع رجله، قال ثعلب: وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها. «بواد» : أي بوادي مكة. «الإذخر» [ (2) ] : بكسر الهمزة والخاء المعجمة بينهما ذال معجمة: نبت طيّب الرائحة. «جليل» : بالجيم واللام: والثّمام بضم الثاء المثلثة: نبت ضعيف له خوص أو ما يشبهه. «مجنّة» : بكسر الميم وفتحها: سوق بأسفل مكة. «يبدون» : أي يظهرن. «شامة» : بالشين المعجمة «وطفيل» بطاء مهملة مفتوحة وفاء مكسورة فمثناة تحتية: جبلان. قال البكري: جبلان مشرفان على مجنّة على بريد من مكة. «يهذون» : بالذال المعجمة: يخلطون ويتكلمون بما لا ينبغي. «مهيعة» [ (3) ] : بفتح الميم وسكون الهاء وفتح المثنّاة التحتية والعين المهملة. «الجحفة» : بجيم مضمومة فحاء مهملة ساكنة ففاء مفتوحة: قرية جامعة لأن السيول اجتحفتها.

_ [ (1) ] يقال: هو في طوقي أي في وسعي قال الليث: الطوق مصدر من الطاقة وأنشد كل امرئ مجاهد بطوقه ... والثور يحمي أنفه بروقه اللسان 4/ 2725. [ (2) ] انظر اللسان 2/ 1490. [ (3) ] انظر الوسيط 2/ 1003.

«ثائرة الرأس» : بالمثلثة: منتشرة شعر الرأس. «ملبّبة» [ (1) ] : بضم الميم وفتح اللام والموحدة الأولى المشددة وتخفيف الثانية، يقال: لبّبته بالتشديد إذا جمعت ثيابه عند نحره ثم جررته. «خمّ» : بخاء معجمة مضمومة فميم مشدّدة: غدير على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق. «جهدوا» : بالضم مبني للمفعول: أي حصل لهم الجهد وهو بالفتح المشقّة فتجشّم المسلمون القيام أي تكلّفوه. «التماس الفضل» : أي طلبه. «الأكراش» [ (2) ] : جمع كرش بكسر الكاف يذكّر ويؤنّث وهو لذي الخفّ والظّلف كالمعدة للإنسان.

_ [ (1) ] انظر اللسان 5/ 3982. [ (2) ] انظر المصباح المنير 530، 531.

الباب الخامس في عصمتها من الدجال والطاعون ببركته صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في عصمتها من الدجال والطاعون ببركته صلّى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على أنقاب المدينة ملائكة يحرسونها، لا يدخلها الطاعون ولا الدّجّال» [ (1) ] رواه الشيخان. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس من نقب من أنقابها إلا عليه ملائكة صافين يحرسونها فينزل السبخة، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق» [ (2) ] ، حديث متّفق عليه. وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان» [ (3) ] ، رواه البخاري. وعن تميم الداري رضي الله عنه في حديثه الطويل في رؤية الدّجّال في اليقظة أن الدّجّال قال: يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، هما محرّمتان عليّ، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا، يصدني عنها، وأن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: «هذه طيبة، هذه طيبة» [ (4) ] ، رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدينة يأتيها الدّجّال فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله تعالى» ، قوله: إن شاء الله تعالى للتبرك وللجزم به في بقية الأحاديث. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: «يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل أنقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه» [ (5) ] ، رواه البخاري. تنبيهات الأول: صح في أحاديث كثيرة أن الطاعون شهادة. قيل: وإذا كان كذلك فيكف قرن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 53 (1880- 7133) ومسلم في كتاب الحج (485) . [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 28 ومسلم في كتاب الفتن (123) . [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 53 (1879) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه البخاري 13/ 109 (7132) .

بالدّجّال، وكيف مدحت المدينة الشريفة بأنه لا يدخلها؟ والجواب أنه كونه شهادة ورحمة ليس المراد بوصف ذلك ذاته، وإنما المراد أن ذلك يترتّب عليه وينشأ عنه، وأنه سببه، فإذا تقرر ذلك واستحضر ما ورد في الأحاديث من أن طعن الجنّ ظهر به مدح المدينة بأنه لا يدخلها إشارة إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة الشريفة، ومن اتفق دخوله إليها منهم لا يتمكن من آحاد أهلها بالطعن حماية من الله تعالى لهم منهم. فإن قيل: طعن الجنّ لا يختص بوقوعه من كفّارهم في مؤمني الإنس، بل يقع من مؤمني الجنّ في كفّار الإنس، فإذا سلم منع الجنّ الكفار من المدينة لم يمنع من آمن منهم من دخولها فالجواب: إن دخول كفار الإنس المدينة غير مباح، فإنه إذا لم يسكن المدينة إلا من أظهر الإسلام، جرت عليه أحكام المسلمين، وصار من لم يكن خالص الإسلام تبعا للخالص، فحصل الأمن من دخول الجنّ إليهم، فلذلك لا يدخلها الطاعون أصلا. قال الحافظ في بدل الطاعون في أخبار المدينة: وهذا الجواب أحسن من جواب القرطبي في المفهم حيث قال: «المعنى لا يدخلها من الطاعون مثل الذي في غيرها كطاعون عمواس [ (1) ] والجارف» . وهو جواب صالح على تقدير التّنزّل أن لو وقع شيء من ذلك بها. وقال غيره: سبب الرحمة لم ينحصر في الطاعون وقد قال صلى الله عليه وسلم: «غير أن عافيتك أوسع لي» ، فإن ذلك من خصائص المدينة الشريفة، ولوازم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها بالصحة. وأجاب المنبجي بأجوبة منها أنها صغيرة، فلو وقع بها الطاعون أفنى أهلها، ومنها أنه عوّضهم عن الطاعون بالحمّى لأن الطاعون يأتي بعد مدة والحمى تتكرر في كل مدة فتعادلا. قال الحافظ: «ويظهر لي جواب أخص من هذه الأجوبة بعد استحضار حديث أبي عسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام» ، الحديث، وهو أن الحكمة في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددا ومددا من زاد وغيره، وكانت المدينة وبيئة كما سبق، فناسب الحال الدعاء بتصحيح المدينة لتصحّ أجساد المقيمين بها ليقووا على جهاد الكفار، وخيّر النبي صلى الله عليه وسلم في أمرين، يحصل لمن أصاب كلّا منهما عظيم الثواب، وهما الحمّى والطاعون، فاختار الحمّى بالمدينة لأن أمرها أخف من أمر الطاعون لسرعة الموت به غالبا. فلما أذن له في القتال كانت قضية استمرار الحمّى ضعف الأجساد التي تحتاج إلى القوة في الجهاد، فدعا حينئذ بنقل الحمى إلى الجحفة فأجيب دعاؤه، وصارت المدينة من أصحّ بلاد الله، فإذا شاء الله موت أحد منهم، حصل له التي كانت من الطاعون بالقتل في

_ [ (1) ] عمواس رواه الزمخشري بكسر أوله، وكسر ثانيه. وغيره بفتح أوله وثانية وسين مهملة آخره: كورة من فلسطين قرب بيت المقدس وكانت عمواس قصبتها قديما، وهي ضيعة جليلة على ستة أميال من بيت المقدس منها كان ابتداء الطاعون المنسوب إليها في زمن عمر، قيل مات فيه خمسة وعشرون ألفا. من مراصد الاطلاع 2/ 962، 963.

سبيل الله الذي هو أعلى درجة، ومن فاته ذلك منهم مات بالحمّى التي هي حظ المؤمن من النار، كلّ يوم منها يكفّر سنة. واستمر ذلك بالمدينة بعده صلّى الله عليه وسلم تحقيقا لإجابة دعائه صلى الله عليه وسلم. نعم شاركتها في ذلك مكة المشرّفة فلم يدخلها الطاعون فيما مضى من الزمان كما يرويه ابن قتيبة في المعارف، ونقله جماعة من العلماء عنه وأقروه إلى زمان الإمام النووي رحمه الله. ذكر ذلك في كتاب الأذكار وغيره، لكن قد قيل إنه دخلها بعد ذلك في الطاعون العام الذي وقع في سنة تسع وسبعين وسبعمائة، صرّح بذلك غير واحد من أهل ذلك الزمان. الثاني: منع الطاعون عن المدينة معجزة عظيمة لأن الأطباء من أولهم إلى آخرهم عجزوا أن يدفعوا الطاعون عن بلد من البلاد بل عن قرية من القرى وقد امتنع الطاعون، عن المدينة بدعائه صلى الله عليه وسلم هذه المدة الطويلة. الثالث: ظاهر الأحاديث أن الدّجّال يدخل جميع البلاد، وبذلك قال الجمهور، وشذّ ابن حزم فقال: «المراد أن يدخله بغتة هو وجنوده. وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدّته، وغفل عمّا ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر السّنة. الرابع: في بيان غريب ما سبق: «الأنقاب» : بالقاف جمع نقب بفتح النون والقاف بعدها موحدة، والنّقاب بالكسر جمع نقب بالسكون وهما بمعنى والمراد الطريق في الجبل وغيره. «السّبخة» : بفتح السين المهملة والباء الموحدة والخاء المعجمة: موضع بالمدينة بين موضع الخندق وبين جبل سلع. «ترجف المدينة» : أي يحصل بها زلزلة بعد أخرى ثم ثالثة حتى يخرج منها من ليس مخلصا في إيمانه، ويبقى بها الدين الخالص فلا يسلّط عليها الدّجّال، ولا يعارض هذا ما في حديث أبي بكر: «لا يدخل المدينة رعب الدّجّال» لأن المراد بالرّعب ما يحدث من الفزع من ذكره، والخوف من عتوّه، لا الرّجفة التي تقع بالزلزلة لإخراج من ليس بمخلص. «صلتا» : أي مجرّدا من غمده. «المخصرة» : بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة، وهي العصا أو نحوها، يأخذها الرجل بيده. «يوشك» : أي يقرب.

الباب السادس في الحث على الإقامة والموت بها والصبر على لأوائها ونفيها الخبث والذنوب واتخاذ الأصول بها والنهي عن هدم بنيانها

الباب السادس في الحث على الإقامة والموت بها والصبر على لأوائها ونفيها الخبث والذنوب واتخاذ الأصول بها والنهي عن هدم بنيانها عن الصّميتة- بصاد مهملة فميم مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فهاء تأنيث- اللّيثيّة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من استطاع منكم ألّا يموت إلا بالمدينة فليمت بها، فإن من يمت بها يشفع أو يشهد له» [ (1) ] . رواه ابن حبان والبيهقي. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها» [ (2) ] . رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه ابن حبان. وعن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يفتح اليمن فيخرج قوم من المدينة بأهليهم ومن أطاعهم يبسّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ويفتح العراق، فيخرج قوم بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» [ (3) ] . رواه الشيخان. وروى الإمام أحمد والبزار برجال الصحيح عن جابر بن عبد الله، ومسلم عن أبي هريرة، والطبراني برجال ثقات عن أبي أيوب وزيد بن ثابت، والطبراني برجال ثقات عن أبي أسيد الساعدي [ (4) ] رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيأتي على الناس زمان يفتح فيه فتحات الأرض فيخرج إليها دجّال- وفي لفظ: فيخرج الناس إلى الأرياف يلتمسون الرّخاء، فيجدون رخاء، وفي لفظ: مطعما وملبسا ومركبا، فيقال لهم: هلم إلينا فإنكم بأرض حجاز جدوبة والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وفي لفظ: فيكتبون إلى أهليهم هلموا إلينا، فإنكم بأرض حجاز جدوبة، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وفي لفظ: فيمرون على إخوان لهم حجّاجا أو عمّارا، فيقولون: ما يقيمكم في لأواء العيش وشدة الجوع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذاهب وقاعد، حتى قالها مرارا والمدينة خير لهم، لا يثبت فيها أحد فيثبت للأوائها وشدتها حتى يموت إلا كنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا، والذي نفسي بيده لا يخرج أحد رغبة

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3917) وابن حبان (1031) وابن حجر في المطالب (1247) . [ (2) ] ذكره العراقي في تخريجه على الإحياء 1/ 244 وعزاه للترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر وقال الترمذي: حسن صحيح. [ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 107 (1875) ومسلم 2/ 1009 (497- 1388) . [ (4) ] مالك بن ربيعة بن البدن، بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون، أبو أسيد الساعدي، مشهور بكنيته، شهد بدرا، وغيرها، ومات سنة ثلاثين، وقيل: بعد ذلك، حتى قال المدائني: مات سنة ستين، قال: هو آخر من مات من البدريين. التقريب 2/ 225.

عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد» [ (1) ] . وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة» ، رواه مسلم [ (2) ] . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: «اللهم ارزقني قتالا في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك» ، رواه البخاري [ (3) ] . وعن يحيى بن سعيد مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما على الأرض بقعة أحب إلي أن يكون قبري بها منها» ، ثلاث مرات، يعني المدينة، رواه الإمام مالك في الموطأ. وعن أبي سعيد مولى المهري- بالراء- أنه جاء إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرّة فاستشاره في الجلاء عن المدينة وشكا إليه أشعارها وكثرة عياله، وأخبره ألّا صبر له على جهد المدينة ولأوائها. فقال له: ويحك لا آمرك بذلك، الزم المدينة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما» [ (4) ] . وفي حديث أخرجه مسلم: «لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء» [ (5) ] . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» [ (6) ] . رواه مسلم. وعن أبي هريرة بنحوه، رواه الترمذي. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له بالمدينة أصل فليتمسّك به، ومن لم يكن له بها أصل فليجعل له بها أصلا، فليأتينّ على الناس زمان يكون الذي ليس له بها أصل كالخارج منها المجتاز إلى غيرها» [ (7) ] ، وفي رواية: «فليجعل له بها أصلا ولو قصرة» ، رواه الطبراني وابن شبّة بسند لا بأس به. وروى ابن شبّة عن الزهري مرسلا: «لا تتخذوا الأموال بمكة واتخذوها بدار هجرتكم، فإن المرء مع ماله» . وعن أبي هريرة رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1005 (487- 1381) . [ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 1004 (481- 1377) . [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 57 (1890) . [ (4) ] انظر تخريجه بأسانيد مختلفة في صحيح مسلم 2/ 1004 كتاب الحج باب الترغيب في سكن المدينة. [ (5) ] أخرجه مسلم 2/ 992 (460- 1363) . [ (6) ] تقدم انظر مسلم الموضع السابق. [ (7) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 304 وعزاه للطبراني في الكبير وقال: ورجاله ذكرهم ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهم جرحا.

تنبيهات

عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد» . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصاب الأعرابيّ وعك فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أقلني بيعتي. فأبى. ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي. فأبى. فخرج الأعرابي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها» [ (1) ] رواه الشيخان. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنها طيبة- يعني المدينة- وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الفضّة» [ (2) ] ، رواه مسلم. والمراد هنا الإقالة من الإسلام وقيل من الهجرة [كأنه كان قد بايع على هجرة الإقامة] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن آطام المدينة أن تهدم. وروى البزار بسند حسن عن عمر رضي الله عنه قال: غلا السعر بالمدينة فاشتد الجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصبروا وأبشروا فإني قد باركت على صاعكم ومدّكم، وكلوا ولا تنفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة، وإن البركة في الجماعة، فمن صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة، ومن خرج رغبة عنها أبدل الله به من هو خير منه فيها، ومن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» [ (3) ] . وروى البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها أي المدينة طيبة تنفي الذنوب كما ينفي الكير خبث الفضة» [ (4) ] . تنبيهات الأول: قال القاضي رحمه الله» . «سئلت قديما عن معنى قوله صلّى الله عليه وسلم: «كنت شهيدا أو شفيعا» ، ولم خص ساكن المدينة بالشفاعة هنا مع عموم شفاعته وادّخاره إياها لأمته؟ وأجيب بأن «أو» ليست هنا للشك، خلافا لمن ذهب إليه، إذ قد رواه جابر، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وصفية بنت أبي عبيد، وأسماء بنت عميس رضي الله عنهم بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق الكل واتفاق رواياتهم على الشك، ووقوعه بصيغة واحدة، بل الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال كذلك هكذا، فإما أن يكون هو أعلم بهذه الجملة هكذا، وإما أن تكون «أو» للتقسيم، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم شفيعا لبعض أهل المدينة وشهيدا لبعضهم الآخر، إما شهيدا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 98 ومسلم في كتاب الحج (489) والترمذي (3920) والنسائي 7/ 151. [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الحج (490) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 308 وعزاه للبزار، وقال: ورجاله رجال الصحيح وذكره المتقي الهندي في الكنز (38123) . [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 93 (4589) .

للطائعين وشفيعا للعاصين، أو شهيدا لمن مات في حياته، شفيعا لمن مات بعده، أو غير ذلك مما الله أعلم به، وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة لكافة المذنبين، وعلى الشهادة لكافة الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: «أنا شهيد على هؤلاء» ، فيكون في تخصيصهم زيادة منزلة، وقد تكون «أو» بمعنى الواو، فيكون لأهل المدينة شهيدا وشفيعا بالشفاعة العامة. وإن جعلنا «أو» للشك كما ذهب إليه بعضهم، فإن كانت اللفظة الصحيحة فلا إشكال، إذ هي زائدة على الشفاعة المدّخرة، وإن كانت الصحيحة شفيعا فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء في عمومها وادخاره لجميع الأمة أن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار وإخراج بعضهم منها بشفاعته صلى الله عليه وسلّم يوم القيامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة زيادة في الدرجات أو تخفيف الحساب بما شاء الله من إكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة. الثاني: قوله صلّى الله عليه وسلم: «تنفي الناس» ، وفي لفظ «الرجال» ، قال القاضي: «كان هذا يختص بزمنه لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه» . وقال النووي: «ليس هذا بظاهر لأن عند مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد، وهذا والله أعلم زمن الدّجّال» . قال الحافظ: «ويحتمل أن يكون المراد كلّا من الزمانين، وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم السبب المذكور، ويؤيّده قصّة الأعرابي الذي استقاله فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معلّلا به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة من البيعة، ثم يكون ذلك أيضا آخر الزمان، عند ما ينزل الدّجّال فترجف الأرض بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه» . وقال السيد: «وقد أبعد الله عنها أرباب الخبث الكامل وهم الكفّار، وأما غيرهم فقد يكون إبعاده إن مات بها بنقل الملائكة له كما أشار إليه الأقشهري أو المراد إبعاد أهل الخبث الكامل فقط وهم أهل الشقاء والكفر لا أهل السعادة والإسلام لأن القسم الأول ليس قابلا للشفاعة ولا للمغفرة، أو المراد فيما عدا قصّة الأعرابي والدّجّال أنها تخلّص النفوس من شرّها وظلمات ذنوبها، بما فيها من اللأواء والمشقات ومضاعفة المثوبات وتوالي الرحمات، وقد قال تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود 114] ، ويحتمل أن يكون بمعنى أنه لا يخفى حال من انطوى فيها على خبث بل تظهر طويته كما هو مشاهد بها، ولم أر إلى الآن من نصّ على هذا الاحتمال وهو في حفظي قديما ويؤيده ما في غزوة أحد في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد رجع ناس من أصحابه أي وهم المنافقون فقال صلى الله عليه وسلم: «المدينة كالكير» (الحديث) ، والذي ظهر لي من مجموع الأحاديث واستقراء أحوال هذه البلدة الشريفة أنها تنفي خبثها بالمعاني الأربعة» .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو كانوا يعلمون» أي بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي أو ثواب الإقامة فيها وغير ذلك. ويحتمل أن «لو» بمعنى «ليت» ولا يحتاج إلى تقدير، وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها. قالوا: والمراد به الخارجون من المدينة رغبة عنها كارهين لها. وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث. قال الطيب: «الذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل أولئك الذين «لا يعلمون» منزلة اللازم لتنتفي عنهم المعرفة بالكلية، ولو ذهبوا مع ذلك التّمنّي لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله، أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا» . قال البيضاوي: «المعنى أنه يفتح اليمن، فيعجب قوما بلادها، وعيش أهلها، فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم وأهليهم حتى يخرجوا من المدينة، والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم لأنها حرم النبي صلى الله عليه وسلم وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها» . وقوّاه الطيبي لتنكير قومه ووصفهم بكونهم يبسون، ثم توكيده بقوله: لو كانوا يعلمون، لأنه يشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني، وأعرض عن الإقامة في جوار النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كرّر قوما» ووصفهم في كل مرتبة بقوله يبسّون بسبب اتخاذهم لتلك الهيئة القبيحة. الثالث: في بيان غريب ما سبق: «يبسّون» [ (1) ] : بمثناة تحتية فموحدة مضمومة وتكسر، قال أبو عبيدة: معناه يسوقون دوابّهم والبسّ سوق الإبل بقول بس بس عند السّوق وإرادة السرعة. «الأرياف» : جمع ريف بكسر الراء، موضع الخصب- بكسر الخاء المعجمة- والسعة في المطعم. «الّلأواء» : بالفتح والمد: الشدة وضيق المعيشة. «تنفي الخبث» : أي بإظهاره وإخراجه. «الكير» : بكسر الكاف وسكون التحتية وهو المعروف بين الناس أنه الزّقّ الذي ينفخ فيه، لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير كانون الحدّاد والصائغ، وقيل: الكير هو الزّقّ والكانون هو الكور.

_ [ (1) ] انظر اللسان 1/ 281.

«خبث الحديد» : بضم الخاء المعجمة والموحدة فمثلثة: وسخه الذي تخرجه النار، والمراد هنا: لا يترك فيها من في قلبه دغل وغشّ ونفاق يميّزه عن القلوب الصادقة ويخرجه منها كما يميز الحدّاد ردىء الحديد من جيّده، وينسب التمييز للكير لكونه السبب الأكيد في اشتعال النار التي يقع التمييز بها. «تنصع» : بمثناة فوقية فنون ساكنة فصاد فعين مهملتين: من النصوع وهو الخلوص، والمعنى أنها إذا نفت الخبث تميّز الطّيب، واستقر بها طيبها. رواه الأكثر بالنصب على المفعولية أي تنصع طيبها وذكر بعض رواة الصحيح ينصع طيبها على الفاعلية. «الآطام» : بالمدّ جمع أطم بضمتين وهي الحصون التي تبنى بالحجارة، وقيل: هو كل بيت مربع مسطّح.

الباب السابع في وعيد من أحدث بها حدثا أو آوى محدثا أو أرادها وأهلها بسوء أو أخافهم والوصية بهم

الباب السابع في وعيد من أحدث بها حدثا أو آوى محدثاً أو أرادها وأهلها بسوء أو أخافهم والوصية بهم روى الطبراني برجال الصحيح عن أبي أمامة، وعن علي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في مدينتي هذه حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» . وعن السائب بن خلّاد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله عز وجل، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا» [ (1) ] ، رواه الإمام أحمد. وعن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أرادها- يعني المدينة- بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» [ (2) ] ، رواه الإمام أحمد والشيخان. وعن معقل بن يسار [ (3) ] رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة مهاجري وفيها مضجعي ومنها مبعثي، حقيق على أمّتي حفظ جيراني ما اجتنبوا الكبائر، ومن حفظهم كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة، ومن لم يحفظهم سقي من طينة الخبال» ، قيل لمعقل: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار [ (4) ] ، رواه أبو عمرو بن السّمّاك، وابن الجوزي في «مثير الغرام السّاكن» . وروى الجندي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما جبّار أراد المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» [ (5) ] . وروى البزار بسند حسن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اكفهم من دهمهم ببأس- يعني المدينة- ولا يريدها أحد بسوء إلاّ أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» [ (6) ] . وروى محمد بن الحسن المخزومي عن سعيد بن المسيب مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم من أرادني وأهل بلدي بسوء فعجّل بهلاكه» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله» [ (7) ] ، رواه ابن حبّان. وعن عبادة بن الصامت

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 55. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 184- 2/ 331. والبخاري 4/ 112 (1877) ومسلم 2/ 993 (460- 1363) . [ (3) ] معقل بن يسار المزني أبو علي بايع تحت الشجرة. له أربعة وثلاثون حديثاً، اتفقا على حديث وانفرد (خ) بآخر، و (م) بحديثين. وعنه عمران بن حصين. مات في خلافة معاوية. الخلاصة 3/ 45. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 313 وعزاه للطبراني في الكبير وقال: وفيه عبد السلام بن أبي الحبوب وهو متروك. [ (5) ] أخرجه الحميدي في المسند (1167) . [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 310 وعزاه للبزار بإسناد حسن وقال: وفي الصحيح طرف من آخره. [ (7) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 393 والطبراني في الكبير 7/ 169 وابن حبان (1039) والبخاري في التاريخ 1/ 117 وأبو نعيم في الحلية 1/ 372.

تنبيهات

رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا [ (1) ] ، رواه الطبراني بإسناد حسن. وفي المدارك للقاضي قال محمد بن مسلمة: سمعت مالكا يقول: دخلت على المهدي فقال: أوصني، فقلت: أوصيك بتقوى الله وحده والعطف على أهل بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيرانه، فإنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المدينة مهاجري ومنها مبعثي وبها قبري وأهلها جيراني، وحقيق على أمتي حفظ جيراني، فمن حفظهم فيّ كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة، ومن لم يحفظ وصيّتي في جيراني سقاه الله من طينة الخبال» . وقال مصعب: «لما قدم المهدي المدينة استقبله مالك وغيره من أشرافها على أميال، فلما بصر بمالك انحرف المهدي إليه فعانقه وسلّم عليه وسايره فالتفت إليه مالك فقال: يا أمير المؤمنين إنك تدخل الآن المدينة، فتمر بقوم عن يمينك ويسارك، وهم أولاد المهاجرين والأنصار، فسلّم عليهم، فإن ما على وجه الأرض قوم خير من أهل المدينة، ولا خير من المدينة قال: ومن أين قلت ذلك يا أبا عبد الله؟ فقال: لأنه لا يعرف قبر نبيّ اليوم على وجه الأرض غير قبر محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان قبر محمد صلى الله عليه وسلّم عندهم فينبغي أن يعرف فضلهم على غيرهم. ففعل المهدي ما أمره به، وفيه إشارة إلى التفضيل بمجاورة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» ، ولم يخصّ جارا دون جار. ومن تأمّل هذا الفضل لم يرتب في تفضيل سكنى المديند على مكة، مع التسليم بمزيد المضاعفة لمكة، [إذ جهة الفضل غير منحصرة في ذلك] فتلك لها مزيد العدد، وهذه تضاعف البركة والمدد ولتلك جوار بيت الله، ولهذه جوار حبيب الله وأكرم الخلق على الله. تنبيهات الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه» . قال القاضي: اختلفوا فيه فقيل: هو مختصّ بمدة حياته صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: هو عامّ أبدا، وهذا أصح. وقال المحب الطبري: أنه الأظهر لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «سيأتي على الناس زمان يفتح فيه فتحات الأرض فيخرج الناس إلى الأرياف يلتمسون الرخاء» . . إلى آخر ما تقدّم. الثاني: قوله صلّى الله عليه وسلم في حديث: «ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ... » إلى آخر الحديث، قال القاضي عياض: قوله: «في النار» يدفع إشكال الأحاديث التي

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 309 وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير وقال: ورجاله رجال الصحيح.

لم تذكر فيها هذه الزيادة، ويبين أن هذا حكمه في الآخرة. وقال: قد يكون المراد به أن من أرادها في حياته صلى الله عليه وسلم، كفي المسلمون شرّه واضمحلّ كيده كما يضمحل الرصاص في النار، قال: «ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالا وطلبا لغرّتها فلا يتم له أمر بخلاف من أتى ذلك جهارا» . قال: «وقد يكون في اللفظ تقديم وتأخير أي أذابه الله كذوب الرصاص في النار ويكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله ولا يمكّن له سلطانا، بل يهلكه عن قرب، كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة فأهلك في منصرفه عنها، ثم هلك يزيد بن معاوية الذي أرسله على إثر ذلك وغيرهما ممن صنع صنيعهما. الثالث: في بيان غريب ما سبق: «الحدث» بالتحريك: الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعروف في السّنّة. «المحدث» : بكسر الدال اسم فاعل: أي من نصر جانيا وأواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتصّ منه، وبفتحها الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء الرّضا، فإنه إذا رضي به وأقرّ فاعله من غير إنكار فقد آواه. والمراد بلعنة الملائكة والناس المبالغة في الإبعاد من رحمة الله تعالى، والمراد باللّعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر، وليس هو كلعن الكافر. «الصّرف والعدل» : بفتح أولهما: اختلف في تفسيرهما فيعدّ الجمهور الصّرف الفريضة، والعدل النافلة. وعن الأصمعي الصّرف: التوبة، والعدل: الفدية، وقيل غير ذلك. «انماع» [ (1) ] : ذاب وسال.

_ [ (1) ] انظر اللسان 6/ 4309.

الباب الثامن في تفضيلها على البلاد لحوله صلى الله عليه وسلم فيها

الباب الثامن في تفضيلها على البلاد لحوله صلى الله عليه وسلم فيها نقل أبو الوليد الباجي والقاضي عياض وغيرهما الإجماع على تفضيل ما ضمّ الأعضاء الشريفة حتى على الكعبة كما قاله أبو اليمن بن عساكر في تحفته، وجزم بذلك أبو محمد عبد الله بن أبي عمر البسكري [ (1) ]- بموحدة مكسورة وقيل بفتحها وسين مهملة ساكنة فكاف مفتوحة وكسرها فراء، - رحمه الله. جزم الجميع بأنّ خير الأرض ما ... قد حاط ذات المصطفى وحواها ونعم لقد صدقوا بساكنها علت ... كالنّفس حين زكت زكا مأواها بل نقل القاضي تاج الدين السبكي [ (2) ] عن ابن عقيل [ (3) ] الحنبلي أنها أفضل من العرش، وجزم بذلك أبو عبد الله محمد بن رزين البحيري الشافعي أحد السادة العلماء الأولياء فقال في قصيدته في الوفاة النبوية: ولا شك أن القبر أشرف موضع ... من الأرض والسّبع السّموات طرّة وأشرف من عرش المليك وليس في ... مقالي خلاف عند أهل الحقيقة وصرّح التاج الفاكهي بتفضيلها على السموات، قال: بل الظاهر المتعيّن تفضيل جميع الأرض على السماء لحلوله صلى الله عليه وسلم بها، وحكاه الشيخ تاج الدين إمام الفاضلية عن الأكثرين

_ [ (1) ] البشكري: بكسر الباء المنقوطة بواحدة وسكون السين المهملة وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى بسكرة، وهي بلدة من بلاد المغرب، وقدم علينا فقيه فاضل سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة من هذه البلدة مرو عندنا وتوفي في هذه السنة وكان يذكر نسبته البسكري. الأنساب 1/ 354. [ (2) ] عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام، العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن، الأنصاري، الخزرجي، السبكي. مولده بالقاهرة سنة سبع- بتقديم السين- وعشرين وسبعمائة، وقيل: سنة ثمان، وقرأ على الحافظ المزي، ولازم الذهبي وتخرج به، وطلب بنفسه، ودأب. قال الحافظ شهاب الدين بن حجي: أخبرني أن الشيخ شمس الدين بن النقيب أجازه بالإفتاء والتدريس، ولما مات ابن النقيب كان عمر القاضي تاج الدين ثماني عشرة سنة، وأفتى، ودرس وحدث وصنف، وأشغل، وناب عن أبيه بعد وفاة أخيه القاضي الحسين، ثم استقل بالقضاء بسؤال والده في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين، ثم عزل مدة لطيفة، ثم أعيد، ثم عزل بأخيه بهاء الدين، ومن تصانيفه «شرح مختصر ابن الحاجب» «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» . توفي شهيدا بالطاعون في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 3/ 105، 106، والبداية والنهاية 14/ 316، والدرر الكامنة 2/ 425 والنجوم الزاهرة 11/ 108، والبدر الطالع 1/ 410 وشذرات الذهب 6/ 221، والأعلام 4/ 335. [ (3) ] علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري، أبو الوفاء، ويعرف بابن عقيل: عالم العراق وشيخ الحنابلة ببغداد في وقته. كان قويّ الحجة، اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته. وكان يعظم الحلاج، فأراد الحنابلة قتله، فاستجار بباب المراتب عدة سنين. ثم أظهر التوبة حتى تمكن من الظهور. له تصانيف أعظمها «كتاب الفنون» قال الذهبي في تاريخه: كتاب الفنون لم يصنف في الدنيا أكبر منه. وله «الواضح في الأصول و «الفرق» و «الفصول» في فقه الحنابلة، عشرة مجلدات، الأعلام 4/ 313.

لخلق الأنبياء منها ودفنهم بها. وقال النووي: «المختار الذي عليه الجمهور أن السموات أفضل من الأرض، أي ما عدا ما ضمّ الأعضاء الشريفة. وأجمعوا بعد على تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد، واختلفوا فيهما، فذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعض الصحابة وأكثر المدنيين، كما قال القاضي إلى تفضيل المدينة، وهو مذهب الإمام مالك، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، والخلاف في غير الكعبة الشريفة فهي أفضل من بقية المدينة اتفاقا. وإيراد حجج الفريقين ممّا يطول به الكتاب. ويدل لما ذكر من أن النفس تخلق من تربة الدّفن ما رواه الحاكم وصححه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبر، فقال: «قبر من هذا» ؟ فقالوا: قبر فلان الحبشيّ يا رسول الله. فقال: «لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التّربة التي منها خلق» . وتقدم في أول باب من هذا الكتاب أثر كعب: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من القبضة التي أخذت من قبره الشريف» . وروى [يزيد الجريري قال: سمعت ابن سيرين يقول: «لو حلفت لحلفت صادقا باراّ غير شاكّ ولا مستثن أن الله تعالى ما خلق نبيه صلى الله عليه وسلم ولا أبا بكر ولا عمر إلا من طينة واحدة، ثم ردّهم إلى تلك الطينة» . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه، والطبراني والحاكم عن مطر بن عكامس- بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وكسر الميم فسين مهملة- والترمذي وصححه عن أبي عزّة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة» [ (1) ] . قال الحكيم الترمذي: «إنما صار أجله هناك لأنه خلق من تلك البقعة وقد قال الله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [طه 55] قال: فإنما يعاد المرء من حيث بدئ منه» . وروى ابن الجوزي في الوفا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم وسلّم اختلفوا في دفنه» فقال علي رضي الله عنه: «أنه ليس في الأرض بقعة أكرم على الله من بقعة قبض فيها نفس نبيه صلى الله عليه وسلم» . وروى أبو يعلى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه» [ (2) ] . قال السيد: «وأحبّها إليه أحبّها إلى ربّه لأن حبّه تابع لحبّ ربّه. وما كان أحب إلى الله ورسوله كيف لا يكون أفضل؟ قال: ولهذا سلكت هذا المسلك في تفضيل المدينة فقد صحّ

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2146) وذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 97 وزاد نسبته لعبد الله بن الإمام أحمد. [ (2) ] انظر البداية والنهاية 5/ 266.

قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشدّ، أي «بل أشدّ» أو «وأشدّ» ، كما روي به. وأجيبت دعوته حتى كان يحرّك دابّته إذا رآها من حبّها» . تنبيه: قال سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام: «معنى التفضيل بين مكة والمدينة أن ثواب العمل في إحداهما أكثر من ثواب العمل في الأخرى، فيشكل قول القاضي: «أجمعت الأمة على أن موضع القبر الشريف أفضل» ، إذ لا يمكن لأحد أن يعبد الله فيه. وأجاب غيره بأن التفضيل في ذلك للمجاورة ولذا حرّم على المحدث مسّ جلد المصحف لا لكثرة الثواب وإلا فلا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف أفضل من غيره لتعذر العمل فيه. وقال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي: قد يكون التفضيل بكثرة الثواب وقد يكون لأمر آخر، وإن لم يكن عملا، فإن القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة وله عند الله من المحبة ولساكنه ما تقصر العقول عن إدراكه وليس ذلك لمكان غيره فكيف لا يكون أفضل الأماكن؟ وليس محلّ عمل لنا فهذا معنى غير تضعيف الأعمال فيه، وأيضا فباعتبار ما قيل: أن كل أحد يدفن في الموضع الذي خلق منه، [وأيضا فقد تكون الأعمال مضاعفة فيها باعتبار إن النبي صلى الله عليه وسلم حيّ وأن أعماله مضاعفة] أكثر من كل أحد فلا يختصّ التضعيف بأعمالنا نحن. قال السيد: « [وهذا من النفاسة بمكان على أني أقول] الرحمات والبركات النازلة بذلك المحلّ يعمّ فيضها الأمة وهي غير متناهية لدوام ترقياته صلى الله عليه وسلم [وما تناله الأمة بسبب نبيها هو الغاية في الفضل ولذا كانت خير أمة بسبب كون نبيها خير الأنبياء، فكيف لا يكون القبر الشريف أفضل البقاع مع كونه] منبع فيض الخيرات، [ألا ترى أن الكعبة على رأي من] منع الصلاة فيها ليست محل عملنا أفيقول عاقل بتفضيل المسجد حولها عليها لأنه محل العمل مع أن الكعبة هي السبب في إنالة تلك الخيرات؟ ... وسيأتي أن المجيء المذكور في قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ [النساء 64] الآية، حاصل بالمجيء إلى قبره الشريف، وكذا زيارته صلّى الله عليه وسلّم وسؤال الشفاعة منه والتوسّل به إلى الله والمجاورة عنده من أفضل القربات، وعنده تجاب الدعوات أيضا، فكيف لا تكون أفضل وهو السبب في هذه الخيرات؟ وأيضا فهو روضة من رياض الجنة بل أفضل رياضها، وفي الحديث: «لقاب قوس أحدكم [في الجنة] خير من الدنيا وما فيها» .

الباب التاسع في تحريمها

الباب التاسع في تحريمها عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني حرّمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يقتل صيدها» [ (1) ] ، رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني حرمت ما بين لابتي المدينة، وفي رواية: ما بين مأزميها، ألّا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف» [ (2) ] وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المدينة: «لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمن أشادها ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ولا يصلح أن يقطع منها شجر إلا أن يعلف رجل بعيره» [ (3) ] رواه الإمام أحمد وأبو داود. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة حرام ما بين عير إلى ثور» [ (4) ] ، رواه الخمسة. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال: «هذا جبل يحبّنا ونحبّه، اللهم أن إبراهيم حرم مكة وإني أحرّم ما بين لابتيها» [ (5) ] ، يعني المدينة، رواه الشيخان. تنبيهات الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «إني حرّمت المدينة» ، حجّة في أنها حرم، وبه قال الجمهور، ونقله عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة من الصحابة خلافا لمن قال بخلاف ذلك. وذكر دليل وروده مما يطول به الباب. الثاني: في بيان غريب ما سبق: «لابتي المدينة» [ (6) ] : تثنية لابة وهي الحرّة: أرض ذات حجارة سود، وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما، ويقال: لابة ولوبة ونوبة بالنون ثلاث لغات، وجمع اللّابة في القلّة لابات وفي الكثرة لاب ولوب.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1001 (475- 1374) وقد تقدم. [ (2) ] انظر مسلم الموضع السابق. [ (3) ] أخرجه أبو داود (2035) وأحمد في المسند 1/ 253 وعبد الرزاق في المصنف (9193) . [ (4) ] أخرجه البخاري 4/ 97 (1870) والترمذي (2127) وأبو داود (2034) والبيهقي في السنن 5/ 196. [ (5) ] أخرجه البخاري 5/ 229 (4083) ومسلم 2/ 1011 (504- 1393) . [ (6) ] اللابة واللوبة: الحرة: والجمع لاب ولوب، ولابات، وهو الحرار، فأما سيبويه فجعل اللوب جمع لابة، كقارة وقور وقد فسر ابن منظور اللابية في الحديث بأنها حرتان تكتفانها قال الأصمعي: هي الأرض التي قد ألبستها حجارة سود، وجمعها لابات ما بين الثلاث إلى العشر فإذا كثر فهي اللاب واللوب اللسان 5/ 4092.

«العضاه» : بالقصر وكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة: كلّ شجر فيه شوك، واحدتها عضاهة وعضيهة. «المأزمان» : بهمزة بعد الميم وبكسر الزاي تثنية مأزم: الطريق بين جبلين، أي حرم ما بين جبلي المدينة. «يهراق» : يصبّ. «يخبط» : يضرب. «العلف» بسكون اللام مصدر علفت وأما العلف بالفتح فهو اسم للحشيش والتّبن ونحوهما. «يختلى» : يجزّ ويقطع. «الخلا» : بالقصر: الرّطب من الحشيش الواحدة خلاه. «لا ينفّر» : بمثناة تحتية فنون ففاء: أي لا يزجر ويمنع من الرّعي. «أشاد» : بشين معجمة ودال مهملة: أي أشاعها والإشادة رفع الصوت والمراد به تعريف اللّقّطة. وإنشادها. «عير» [ (1) ] : بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبالراء: الحمار، ويقال عير جبل يسمى باسمه، ويمين الأوّل بالوارد والثاني بالصادر. «ثور» : بالمثلثة: مرادف فحل البقر، جبل صغير خلف أحد، قال المطري بعد أن ردّ على من أنكر كون ثور بالمدينة وقال إنه خلف أحد من شماليّه مدوّر صغير يعرفه أهل المدينة خلف عن سلف. وقال القطب الحلبي: «حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولا إلى العراق فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل أي من عرب المدينة، فكان يذكر له الأماكن والجبال» . قال: «فلما وصلنا إلى أحد إذا بقربه جبل صغير، فسألته عنه فقال: هذا يسمّى ثورا، فعلمت صحّة الرواية» . وقال المحب الطبري: «أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد، عن يساره، جانحا إلى ورائه جبلا صغيرا يقال له ثور، وأخبرني أنه تكرر عنه سؤاله لطوائف من الأعراب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، وتواردوا على ذلك» ،: «فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح وأن عدم علم أكابر العلماء به [هو] لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه» ، قال: «وهذه فائدة جليلة» .

_ [ (1) ] انظر اللسان 4/ 3189.

الباب العاشر في ذكر بعض خصائصها

الباب العاشر في ذكر بعض خصائصها وهي تزيد على المائة فقد امتازت بتحريمها على لسان أشرف الأنبياء بدعوته صلى الله عليه وسلم. وكون المتعرّض لصيدها وشجرها يسلب كقتيل الكفار، وهو أبلغ في الزّجر مما في مكة، وعلى القول بعدمه هو أدلّ على عظيم حرمتها حيث لم يشرع له جزاء. ويجوز نقل ترابها للتداوي، واشتمالها على أشرف البقاع وهو محل القبر الشريف، ودفن أفضل الخلق بها وأفضل هذه الأمة وكذا أكثر الصحابة والسلف الذين هم خير القرون، وخلقهم من تربتها، وبعث أشراف هذه الأمة يوم القيامة منها على ما نقله [عياض] في المدارك عن الإمام مالك، قال: «وهو لا يقول من عند نفسه» . وكونها محفوفة بالشهداء كما قاله الإمام مالك أيضا، وبها أفضل الشهداء الذين بذلوا أنفسهم في ذات الله بين يدي نبيهم صلّى الله عليه وسلم، فكان شهيدا عليهم، واختيار الله تعالى إياها لأفضل خلقه وأحبّهم إليه، واختيار أهلها للنّصرة والإيواء، وافتتاحها بالقرآن وسائر البلاد بالسيف والسّنان، وافتتاح سائر بلاد الإسلام منها، وجعلها مظهر الدين، ووجوب الهجرة إليها قبل فتح مكة والسكنى بها لنصرته صلى الله عليه وسلم ومواساته بالأنفس على ما قاله القاضي عياض أنه متفق عليه، قال: «ومن هاجر قبل الفتح فالجمهور على منعه من الإقامة [بمكة] بعد الفتح، ورخّص له ثلاثة أيام بعد قضاء نسكه، والحث على سكنى المدينة وعلى اتخاذ الأصل بها وعلى الموت بها، والوعد على ذلك بالشفاعة أو الشهادة أو هما، واستحباب الدعاء بالموت بها، وتحريضه صلى الله عليه وسلم على الموت بها وشفاعته أو شهادته لمن صبر على لأوائها وشدّتها، وطلبه لزيادة البركة بها على مكة ودعاؤه بحبها وأن يجعل الله لديها قرارا ورزقا حسنا، وطرح الرداء عن منكبيه إذا قاربها، وتسميته لها طيبة» وغيرها مما سبق. «وطيب ريحها، وللعطر بها رائحة لا توجد في غيرها» قاله ياقوت. وطيب العيش بها وكثرة أسمائها، وكتابتها في التوراة مؤمنة وتسميتها فيها بالمحبوبة والمرحومة وإضافتها إلى الله تعالى في قوله تعالى أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النساء 97] ، وإلى النبي بلفظ البيت في قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ [الأنفال 5] وإقسام الله تعالى في قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد 1] والبداءة بها في قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء 80] ، مع أن المخرج مقدّم على المدخل. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لها خصوصا بالبركة، ولثمارها ومكيالها وأسواقها وأهلها. ولقوله إنها تنفي الذنوب وتنفي خبثها، وأنه لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها خيرا منه ومن أرادها وأهلها بسوء أذابه الله، الحديث، فرتّب الوعيد فيها على الإرادة، كما قال

تعالى في حرم مكة. وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الحج 25] والوعيد الشديد لمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا. والحدث يشمل الصغيرة فهي بها كبيرة، أي يعظم جزاؤها لدلالتها على جرأة مرتكبها بحرم سيّد المرسلين وحضرته الشريفة. والوعيد الشديد لمن ظلم أهلها أو أخافهم، ووعيد من لم يكرم أهلها وأن إكرامهم وتعظيمهم حقّ على الأمة، وأنه صلّى الله عليه وسلم شفيع أو شهيد لمن حفظهم فيه، وقوله: «من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبيّ» . واختصاصها بملك الإيمان والحياء، ويكون الإيمان يأرز إليها، واشتباكها بالملائكة وحراستهم لها، وإنها دار الإسلام أبدا لحديث: «إن الشياطين قد أيست أن تعبد ببلدي هذا» [ (1) ] ، وأنها «آخر قرى الإسلام خرابا» ، رواه الترمذي، وحسنه، ويأتي بسطه في المعجزات إن شاء الله تعالى، وعصمتها، من الدّجال وخروج الرجل الذي هو خير الناس أو من خير الناس منها للدّجّال ليكذّبه، ونقل وبائها وحمّاها والاستشفاء بترابها وبتمرها كما سيأتي في الخصائص. وقوله في حديث للطبراني: «وحقّ على كل مسلم أن يأتيها» ، وسماعه صلى الله عليه وسلم لمن صلّى عليه بها عند قبره الشريف، ووجوب شفاعته لمن زاره بها، وغير ذلك مما سيأتي في باب فضل زيارته. وكونها أوّل مسجد اتخذه بها لعامة المسلمين في هذه الأمة، وتأسيس مسجدها على يده صلى الله عليه وسلم، وعمل فيه بنفسه، ومعه خير الأمة، وأن الله سبحانه وتعالى أنزل في شأنه لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة 108] وكونه آخر مساجد الأنبياء، والمساجد التي تشدّ إليها الرّحال، وكونه أحقّ المساجد أن يزار وما يذخر لزائره من الثواب المضاعف كما سيأتي وأن من صلّى فيه أربعين صلاة كتب له براءة من النار وبراءة من العذاب، وأنه بريء من النفاق، وأن من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة فيه كان بمنزلة حجّة، وما ثبت من أنّ إتيان مسجد قباء والصلاة فيه تعدل عمرة وغير ذلك مما ثبت في فضلها. وأن بين بيته وقبره روضة من رياض الجنة، مع ذهاب بعضهم إلى أن ذلك يعمّ مسجده صلّى الله عليه وسلم، وأنه المسجد الذي لا تعرف بقعة في الأرض من الجنة غيره، وأنه على حوضه صلّى الله عليه وسلم، وما جاء في أن «ما بين منبره الشريف والمصلّى روضة من رياض الجنة» [ (2) ] وسيأتي ما يقتضي أن المراد مصلّى العيد وهو جانب كبير من هذه البلدة. وقوله في أحد [هذا جبل] يحبّنا ونحبّه، وأنه على ترعة من ترع الجنة. وفي وادي

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 302 وعزاه للبزار وقال: فيه السكن بن هارون الباهلي ولم أجد من ترجمه. [ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 1010 (500- 1390) .

بطحان أنه على ترعة من ترع الجنّة. ووصفه لواديها العقيق بالوادي المبارك، وأنه يحبّنا ونحبّه. وقوله في ثمارها: «إن العجوة من الجنة» . وسيأتي في بئر غرس أنه صلى الله عليه وسلم رأى أنه أصبح على بئر من آبار الجنّة فأصبح عليها. ورؤيا الأنبياء حق. واختصاص مسجدها بمزيد الأدب. ويكتب لمن صلّى بمسجدها صلاة براءة من النار وبراءة من العذاب وأنه بريء من النّفاق، رواه الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات. وخفض الصّوت في تأكيد التّعلّم والتعليم به. والحديث: أنه «لا يسمع النّداء في مسجدي، ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق» [ (1) ] واختصاصه عند بعضهم بمنع آكل الثّوم من دخوله لاختصاصه بملائكة الوحي والوعيد الشديد لمن حلف يمينا فاجرة عند منبرها ومضاعفة سائر الأعمال بها كما صرح به الإمام الغزالي. وأن صلاة الجمعة بها كألف جمعة فيما سواها إلا المسجد الحرام. وأن صيام شهر رمضان بها كصيام ألف شهر في غيرها، كما رواه البيهقي عن جابر بن عبد الله، والطبراني في الكبير عن بلال بن الحارث، وابن الجوزي عن ابن عمر رضي الله عنهما. وكون أهلها أول من يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم، واختصاصهم بمزيد الشفاعة والإكرام. وجاء بعث الميّت بها من الآمنين، وأنه يبعث من بقيعها سبعون ألفا على صورة القمر يدخلون الجنة بغير حساب، وتوكل الملائكة بمقبرة بقيعها كلما امتلأت أخذوا بأطرافها فكفئوها بالجنّة وبعثه صلى الله عليه وسلم منها وبعث أهلها من قبورهم قبل سائر الناس واستحباب الدعاء بها في الأماكن التي دعا بها صلى الله عليه وسلم وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى ويقال إنه يستجاب بها عند الأسطوانة المخلّقة، وعند المنبر وفي زاوية دار عقيل بالبقيع وبمسجد الفتح. [واختصاصها] بكثرة المساجد والمشاهد بها، واستخباث من عاب تربتها، وأفتى الإمام مالك إنه من قال: تربتها رديئة أن يضرب ثلاثون درة، وأمر بحبسه وكان له قدر، وقال: ما أحوجه إلى ضرب عنقه، تربة دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعم أنها غير طيبة. واستحباب الدخول لها من طريق والرجوع من أخرى، والاغتسال لدخولها، واختصاص أهلها بأبعد المواقيت، وذهب بعض السلف إلى تفضيل البداءة بها قبل مكة، وأن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يبدءون بالمدينة إذا حجّوا ويقولون: نبدأ من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن علقمة، والأسود، وعمرو بن ميمون أنهم بدءوا بالمدينة وعن العبدي من المالكية أن المشي لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة. وسيأتي أن من نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه الوفاء قولا واحدا. وفي وجوب الوفاء في زيارة قبر غيره وجهان [قاله ابن كجّ

_ [ (1) ] ذكره المنذري في الترغيب والترهيب 1/ 189.

وأقره عليه الرافعي والنووي وغيرهما] والاكتفاء بزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن نذر إتيان مسجد المدينة كما قال الشيخ أبو علي تفريعا على القول بلزوم إتيانه كما قاله الشافعي والبويطي، على أنه لا بد من [ضمّ] قربة إلى الإتيان كما هو الأصحّ [تفريعا على اللزوم وعلّله الشيخ أبو علي بأن زيارته صلّى الله عليه وسلم من أعظم القربات، وتوقف في ذلك الإمام من جهة أنها لا تتعلق بالمسجد وتعظيمه، قال: وقياسه أنه لو تصدّق في المسجد أو صام يوما كفاه، وفيه نظر، على أن الصحيح ما نص عليه في المختصر من] عدم لزوم الإتيان. وجاء في سوقها أن الجالب إليه كالمجاهد في سبيل الله، وأن المحتكر كالملحد في كتاب الله تعالى. واختصّت بظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها ومن انطفائها عند حرمها كما سيأتي في المعجزات، لما تضمّنه حديث الحاكم وغيره. [وفي حديث النسائي والبزار والحاكم واللفظ له:] «يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة» . وكان سفيان بن عيينة يقول: نرى هذا العالم مالك بن أنس. وقيل غير ذلك. وما نقل عن مالك من أن إجماع أهلها يقدّم على خبر الواحد، لسكناهم مهبط الوحي ومعرفتهم بالناسخ والمنسوخ. واختصاص أهلها في قيام رمضان بست وثلاثين ركعة على المشهور عند الشافعية. قال الإمام الشافعي: رأيت أهل المدينة يقومون بتسع وثلاثين ركعة منها ثلاث للوتر. ونقل الروياني وغيره عن الشافعي أن سببه إرادة أهل المدينة مساواة أهل مكة فيما كانوا يأتون به من الطواف وركعتين بين الترويحات فجعلوا مكان كل أسبوع [ (1) ] ترويحة. قال الإمام الشافعي: «لا يجوز لغير أهل المدينة أن يباروا أهل مكة ولا ينافسوهم لأن الله فضّلهم على سائر العباد» . وشاركتها مكة في تحريم قطع الرطب من شجرها وحشيشها وصيدها واصطياده وتنفيره، وحمل السلاح للقتال بها، ولا تحل لقطتها إلا لمن أشاد بها، ونقل ترابها ونحوه منها أو إليها، ونبش الكافر إذا دفن بها. وأن كلا من مسجد الرسول والمسجد الحرام يقوم مقام المسجد الأقصى لمن نذر الصلاة أو الاعتكاف فيه، ولو نذرهما بمسجد المدينة لم يجزه الأقصى وأجزاه المسجد الحرام بناء على زيادة المضاعفة، وإذا نذر المشي إلى بيت المقدس يخيّر بين المشي إليه أو إلى أحدهما، والذي رجّحوه ما اقتضاه كلام البغوي من عدم لزوم المشي في غير المسجد الحرام. وإذا نذر تطييب مسجد المدينة والأقصى ففيه تردد لإمام الحرمين، واقتضى كلام الغزالي اختصاصه بالمسجدين لأنا إن نظرنا إلى التعظيم ألحقناهما بالكعبة أو إلى امتياز الكعبة

_ [ (1) ] التنطع: هو كل تعمّق قولا وفعلا. انظر النهاية 5/ 74.

بالفضل فلا. قال السيد: فينبغي الجزم في نذر تطييب القبر الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام. ورحم الله الإمام مالك أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي المالكي الأعمى حيث قال: هنا وكم يا أهل طيبة قد خفى ... فبالقرب من خير الورى خرتم السّبقا فلا يتحرّك ساكن ثوى بربوعها ... إلى سواها وإنّ جار الزّمان ولو شقّا فكم ملك رام الوصول لمثل ما ... وصلتم فلم يقدر ولو ملك الخلقا فبشراكم نلتم عناية ربّكم ... فها أنتم في بحر عنايته غرقى ترون رسول الله في كلّ ساعة ... ومن يره فهو السّعيد به حقّا متى جئتم لا يغلق الباب دونكم ... وباب ذوي الإحسان لا يقبل الغلقا فيسمع شكواكم ويكشف ضرّكم ... ولا يمنع الإحسان ضرّ ولا رقّا بطيبة مثواكم وأكرم مرسل ... يلاحظكم فالدّهر يحري لكم وفقا وكم نعمة لله فيها عليكم ... فشكرا ونعم الله بالشّكر تستبقى أمنتم من الدّجّال فيها فحولها ... ملائكة يحمون من دونها الطّرقا كذاك من الطّاعون أنتم بمأمن ... فوجه التّلالي لا يزال لكم طلقا فلا تنظروا إلّا لوجه حبيبكم ... وإن حادت الدّنيا ومرّت فلا فرقا حياة وموتا تحت رحماه أنتم ... وحشرا فستر الجاه فوقكم ملقى فيا راحلا عنها لدنيا تريدها ... أتطلب ما يفنى وتترك ما يبقى؟ أتخرج عن حوز النّبيّ وحرزه ... إلى غيره تسفيه غيرك قد حقّا لئن سرت من فيض المكارم عنده ... فأكرم من خير البريّة ما تلقى هو الرّزق مقسوم فليس بزائد ... ولو سرت حتّى كدت تخترق الأفقا فكم قاعد قد وسّع الله رزقه ... ومرتحل قد ضاق بين الورى رزقا فعش في حمى خير الأنام ومت به ... إذا كنت في الدّارين تطلب أن ترقى إذا قمت فيما بين قبر ومنبر ... بطيبة فاعرف أين خير لك الأرقى لقد أسعد الرّحمن جار محمّد ... ومن حال في ترحاله فهو الأشقى ومن أعظم ما نظم في ذلك وأعجبه قصيدة الإمام الولي العارف بالله أبي محمد عبد الله بن أبي عمر البشكريّ. قال العلامة بدر الدين فرحون أحد أصحاب ناظمها: إن بعض الصالحين رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، قال البدر: «وأشك هل كان الشيخ أو غيره؟ وأنشد هذه القصيدة، فلما بلغ آخرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضيناها رضيناها» . وخمّسها الإمام أبو عبد الله التونسي رحمه الله. وقد رأيت إيراد ذلك هنا:

أعلام طيبة لا تهم بسواها ... فحبيب ربّ العالمين ثواها واعمر فؤادك دائما بهواها ... دار الحبيب أحق أن تهواها وتحنّ من طرب إلى ذكراها ... لا تخل خدّ ترابها من قبلة وبكلّ عام قم إليه برحلة ... لا تقنّعن من المزار بمرّة وعلى الجفون متى هممت بزورة ... يا ابن الكرام عليك أن تغشاها اقطع زمانك إن سعدت ببلدة ... حوت الرّسول فتلك أطيب تربة جاوره تأمن أن تصاب بشدة ... فلأنت أنت إذا حللت بطيبة وظللت ترتع في ظلال رباها ... هي جنّتي ممّا أخاف وجنّتي وبجاه من فيها تخلّص مهجتي ... وإذا نظرت لها فذلك بغيتي معنى الجمال منى الخواطر والّتي ... سلبت عقول العاشقين حلاها تلك المنازل لا نعيم كتربها ... تلك المياه لنا الشّفاء بشربها يا طيب نفحتها وحسن مهبّها ... لا تحسب المسك الذّكيّ كتربها هيهات أين المسك من ريّاها ... لم لا تطيب ثنا ونكرم منبتا والمصطفى حيّا حوته وميّتا ... فنسيمها يحكي العبير إذا أتى طابت فإن تبغ التّطيّب يا فتى ... فأدم على السّاعات لثم ثراها لو لم تكن أزكى البلاد وأطهرا ... ما اختارها لرسوله لمّا سرى فبطيبها أيقن وخلّ من افترى ... وابشر ففي الخبر الصّحيح مقرّرا أنّ الإله بطابة سمّاها ... دار الحبيب لنا فلذ برحيبها فالنّفس مولعة بدار حبيبها ... الله شرفها به لنصيبها واختصّها بالطّيّبين لطيبها ... واختارها ودعا إلى سكناها مدّت بها رحمي الإله ظلالها ... من أجل من منع النّفوس ضلالها جل في البلاد فلن تصيب مثالها ... لا كالمدينة منزل وكفى لها شرفا حلول محمّد بفناها

من لي بأن ألقى الحبيب وأظفرا ... وأشمّ من مثواه مسكا أذفرا وأرى التي شغفت بها مهج الورى ... خصّت بهجرة خير من وطئ الثّرى وأجلّهم قدرا فكيف تراها؟ ... كلفي بها طبع بغير تكلّف صفت القلوب لها لأجل من اصطفي ... وجلال تلك الأرض ما هو بالخفي كلّ البلاد إذا ذكرت كأحرف ... في اسم المدينة لا خلا معناها هي للقلوب الصّافيات حبيبة ... ولأهلها والنّازلين رحيبة فاقت جميع الأرض فهي غريبة ... حاشا مسمّى القدس فهي قريبة منها ومكّة إنّها إياها ... فاجعل مزارك للثّلاث وظيفة وأمن بمكّة والمدينة خيفة ... فكلاهما تدع القلوب نظيفة لا فرق إلّا أنّ ثمّ لطيفة ... مهما بدت يجلو الظّلام سناها فافهم وأرجو أن تفيق وتفهما ... أمر الّذي هو قد سما فوق السّما إنّ الفضيلة حيث أصبح منهما ... جزم الجميع بأنّ خير الأرض ما قد حاط ذات المصطفى وحواها ... فمن العجائب مهجتي عنها سلت وهي الّتي بضريح أحمد فضّلت ... مثل العقود بقدر جوهرها غلت ونعم لقد صدقوا بساكنها علت ... كالنّفس حين زكت زكا مأواها إنّي أقول فلا تكن ذا غيبة ... قف عند حجرته بموقف هيبة فاسأل فإنّك لن ترى ذا خيبة ... وبهذه ظهرت مزيّة طيبة فغدت وكلّ الفضل في معناها ... منها بدا للخلق واضح سنّة فعلى البلاد لها عظيمة منّة ... ولها خصائص فضلها ذو مكنة حتّى لقد خصّت بروضة جنّة ... الله شرّفها بها وحباها هي غير خافية لقلب مبصر ... فاغسل من الأهواء قلبك وانظر وابسط هناك الخدّ منك وعفّر ... ما بين قبر للنبيّ ومنبر حيّا الإله رسوله وسقاها

محروسة من كلّ رجز طارق ... ودخول دجّال وطعن لاحق فالمرء فيها ذو فؤاد واثق ... هذي محاسنها فهل من عاشق كلف شحيح باخل بنواها ... ربّي أدمني في حماية صونها ومتى هممت بغيبة عن عينها ... فاجعل مماتي قبل ساعة كونها إنّي لأرهب من توقّع بينها ... فيظلّ قلبي موجعا أوّاها يا خير مسئول وأكرم من دعي ... لا تقص عنها رحلتي وتودّعي فمن الخسار فراق ذاك الموضع ... ولقلّما أبصرت حال مودع إلّا رثت نفسي له وشجاها ... لا تجعلوا عنها الرّحيل صناعة إنّي أرى ذاك الرّحيل إضاعة ... وإذا أقمتم كان ذلك طاعة فلكم أراكم قافلين جماعة ... في إثر أخرى طالبين ثواها فيم التّرحّل في المدينة صونكم ... وبجاه خير الخلق يحصل عونكم فالخير مكثكم هناك وكونكم ... قسما لقد أذكى فؤادي بينكم جزعا وفجّر مقلتي ميّاها ... ضيّعتم والله كلّ جميلة عودوا فما خيراتها بقليلة ... ما لي إذا لم يقبلوا من حيلة إن كان يزعجكم طلاب فضيلة ... فالخير أجمعه لدى مثواها أو كان يدعوكم إلى أن ترحلوا ... جاه ينال فجاء أحمد أكمل أو نالكم ظلما فهذا المنهل ... أو خفتم ضرّا بها فتأمّلوا بركات بلغتها فما أزكاها ... فإذا امرؤ لكم يرتحل من شدّة فيها وعاش بها بأيسر بلغة ... فاقنع هناك ولو بأدنى لقمة أف لمن يبغي الكثير لشهوة ... لرفاهة لم يدر ما عقباها لا ترحلنّ لشهوة وتلذّذ ... وانظر إلى ذاك الحمى وتلذّذ وبما يقيم النّفس فاقنع واغتذ ... فالعيش ما يكفي وليس هو الذي يطغي النّفوس ولا خسيس مناها

لله من لم يكترث بمجاعة ... فيها وعاش بها ملازم طاعة ورأى المقام بها سنين كساعة ... يا ربّ أسأل منك فضل قناعة بيسيرها وتحصّنا بحماها ... هي نعمة فأفض عليّ نعيمها وتولّ زائرها وأرض مقيمها ... وأنا السّعيد إذا رزقت قدومها ورضاك عنّي دائما ولزومها ... حتّى توافي مهجتي أخراها سهّلت يا ربّي عليّ وصولها ... وحثثت نفسي أن تنال دخولها والنّفس تسأل يا كريم قبولها ... فأنا الّذي أعطيت نفسي سؤلها وقبلت دعوتها فيا بشراها ... إن كنت ذا صدق وصاحب همّة فاخدم حماه فليس ضائع خدمة ... وأقم فإنك لا تزال بنعمة بجوار أوفى العالمين بذمّة ... وأعزّ من بالقرب منه يباهى مع كلّ ركب أمّ طيبة فانفذ ... وبملء كفّ إن تيسّر فاغتذ وبكلّ عام في زيارته خذ ... من جاء بالآيات والنّور الّذي داوى القلوب من العمى فشفاها ... وله من الإسراء أشرف رتبة وهو الشّفيع لنا الكريم المنية ... وهو المكرّم باختصاص الرّؤية أولى الأنام بخطّة الشّرف الّتي ... تدعى الوسيلة خير من يعطاها كلّ المكارم هنّ طيّ بروده ... ولقد أضاء الكون عند وروده والبحر يقصر عن مواهب جوده ... إنسان عين الكون سرّ وجوده ياسين إكسير الحياة طاها ... كانت حمام الغار بعض حماته والذّئب في البيداء بعض دعاته ... ماذا أعدّد من جلالة ذاته حسبي فلست أفي ببعض صفاته ... ولو أن لي عدد الحصى أفواها حكم الشّفاعة في يديه وأمرها ... وغزالة نادته أذهب ضرّها والرّوح حين أتته شرّف قدرها ... كثرت محاسنه فأعجز حصرها فغدت وما نلقى لها أشباه ا

الله أرسله بكلّ هداية ... وحباه في الدّارين كلّ عناية فلقد حوى في المجد أبعد غاية ... إنّي اهتديت من الكتاب بآية فعلمت أنّ علاه ليس يضاهي ... فشهدت أنّ الله خصّ محمّدا فغدا بأملاك السّماء مؤيّدا ... وعلى لسان الأنبياء ممجّدا ورأيت فضل العالمين محدّدا ... وفضائل المختار لا تتناهى أمداحه تبقى على مرّ الزّمن ... كم آية فينا له مدح حسن أعيت مدائحه الحسان ذوي اللّسن ... كيف السّبيل إلى تقصّي مدح من قال الإله له وحسبك جاها ... ما ضلّ صاحبكم فخصّ وكرّما وبقول ما كذب الفؤاد لقد سما ... وكفاه ما قد قاله ربّ السّما إن الذين يبايعونك إنّما ... فيما يقول يبايعون الله شهدت جميع الأنبياء بفضله ... فلأجل ختمهم أتوا من قبله وله لواء الحمد خصّ بحمله ... هذا الفخار فهل سمعت بمثله واها لنشأته الكريمة واها ... يا أمّة الهادي ومن كمثالكم فجلال أحمد شاهد بكمالكم ... هو ستركم هو ذخركم لمآلكم صلوا عليه وسلموا فبذلكم ... تهدى النّفوس لرشدها وغناها ما في عباد الله مثل محمّد ... فمقامه المحمود يعرف في غد ولحوضه المورود أكرم مورد ... صلى عليه الله غير مقيّد وعليه من بركاته أنماها ... أن الصلاة عليه تنجينا غدا فإذا همو ذكروا لديك محمّدا ... غظ بالصّلاة عليه أكباد العدا وعلى الأكابر آله سرج الهدى ... أكرم بعترته ومن والاها أعزز بآل محمّد فلديهم ... يعطى المنى فالجود ملك يديهم وإليه صرف ثنائنا وإليهم ... وكذا السّلام عليه ثمّ عليهم وعلى عصابته الّتي زكّاها

كانوا إذا التمس السّماح سحابه ... ولقد أتوا عند الحوائج بابه ملكوا من المجد الأثيل لبابه ... أعني الكرام أولي النّهى أصحابه فئة التّقى ومن اهتدى بهداها ... مدحي لأحمد لا حمى كملاذه فإن ارتضاه وجاد لي بنفاذه ... فلنعم ما أنا عائذ بمعاذه والحمد لله الكريم وهذه ... نجزت وظنّي أنّه يرضاها زاد مخمّسها الشيخ أبو عبد الله محمد، عفا الله تعالى عنه بمنّه ولطفه وكرمه آمين: منحت قصيد البشكريّ قبولا ... وسئلت في تخميسها لتطولا فأردت في باب الثّواب دخولا ... وأطلت في نسج الكلام ذيولا قيل الرّياض نمت فزاد شذاها ... غفر الإله له ولي ولمن قرا وأعدّ في دار النّعيم لنا القرى ... وحباه أجر المخلصين لنا القرى فعلى قصيدته سنا صدق يرى ... وكفته رؤيا في المنام رآها قال الرّسول له رضيت فيا لها ... بشرى بنيّته الجميلة نالها فإن ارتضيت بأن أنال مثالها ... فهي السّعادة قد منحت نوالها وهناك تظفر مهجتي بمناها ... يا ربّ بالمختار يسّر أمرنا واغفر خطايانا وأذهب ضرّنا ... واجزل عطايانا وأجمل سترنا واجعل بطيبة في حماه مقرّنا ... وأجب سؤال نفوسنا ودعاها يا ربّ صلّ على النبي محمّدٍ ... والآل والصحب الكرام المحتد القائمين الرّاكعين السّجّد ... بحماة دينك باللّسان وباليد والمال حبّا للرّسول وجاها تنبيه: سيأتي في المعجزات وفي الخصائص أشياء تتعلق بالمدينة الشريفة الكريمة إن شاء الله تعالى.

جماع أبواب بعض حوادث من السنة الأولى والثانية من الهجرة

جماع أبواب بعض حوادث من السنة الأولى والثانية من الهجرة الباب الأول في صلاته صلى الله عليه وسلم الجمعة ببني سالم بن عوف وهي أول جمعة صلّاها وأوّل خطبة في الإسلام كما جزم به [ أبو سلمة بن عبد الرحمن] في العيون [نقلا عن] ابن إسحاق، والبيهقي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: «كان أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: « [أما بعد] : أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله [ليصعقن] أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربّه، وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئاً، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام [عليكم] وعلى رسول الله ورحمة الله وبركاته» . ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال: «إن الحمد لله أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، أنه أحسن الحديث وأبلغه، أحبّوا من أحبّه الله، أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي قد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً واتّقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، إن الله يغضب أن ينكث عهده. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» . وروى ابن جرير عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عوف: «الحمد لله أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له،

تنبيهات

وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، [وانقطاع من الزمان] ، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا. أوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله عز وجل، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ولا أفضل من ذلك ذكرا، وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربّه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح [الذي] بينه وبين الله تعالى من [أمره في] السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره [وذخرا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم. وما كان مما سوى ذلك يودّ لو أنّ بينه وبينه أمدا بعيدا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [آل عمران: 30] هو الذي صدق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول عز وجل ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق 29] فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنّه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق 5] ومن يتّق الله فقد فاز فوزا عظيما. وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه وإن تقوى الله تبيّض الوجوه، وترضي الرب، وترفع الدّرجة. فخذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علّمكم كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين. فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال 42] ولا حول ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله تعالى واعملوا لما بعد الموت، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه. الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال في الروض: قوله صلّى الله عليه وسلم: «أحبوا الله من كل قلوبكم» ، يريد أن تستغرق محبة الله تعالى جميع أجزاء القلب، فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصا لله. وتقدم الكلام على محبّته لعبده، ومحبة العبد لربه في اسمه صلى الله عليه وسلّم: «حبيب الله» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تملوا كلام الله وذكره. فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفى» قال السهيلي: الهاء في قوله: (فإنه) لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله تعالى، ولكنها

_ [ (1) ] أخرجه ابن جرير في التاريخ 2/ 255.

ضمير الأمر والحديث، فكأنه قال: إن الحديث من كل ما يخلق الله يختار، فالأعمال إذا كلها من خلق الله، قد اختار منها ما شاء، قال سبحانه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ. وقوله: «قد سماه الله خيرته من الأعمال» ، يعني الذكر وتلاوة القرآن [لقوله سبحانه: «ويختار» فقد اختاره من الأعمال] . وقوله: «والمصطفى من عباده» : أي سمّى المصطفى من عباده بقوله تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج 75] ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم، فلا تكون «من» على هذا للتبعيض، إنما تكون لابتداء الغاية، لأنه عمل استخرجه منهم لتوفيقه إياهم، والتأويل الأول أقرب مأخذا. والله أعلم بما أراد رسوله» . وقوله في أول الخطبة: «إن الحمد الله أحمده» ، هكذا برفع الدال [من قوله: الحمد لله] وجدته مقيدا مصححا عليه، وإعرابه ليس على الحكاية، ولكن على إضمار الأمر، كأنه قال: «إن الأمر الذي أذكره» ، حذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم شيئاً في اللفظ من الأسماء على قوله: «الحمد لله» . وليس تقديم «إن» في اللفظ من باب تقديم الأسماء لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به والله أعلم. الثاني: اختلف في تسمية اليوم بذلك، مع أنه كان اتفاقا يسمى في الجاهلية: «العروبة» - بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة- قلت: قال أبو جعفر النّحّاس في كتابه: «صناعة الكتابة» : لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا، ومعناه اليوم المبيّن المعظم من أعرب إذا بين. فقيل: سمي بذلك لأن الخلائق جمعت فيه، ذكره أبو حذيفة البخاري في المبتدأ عن ابن عباس، وإسناده ضعيف. وقيل: لأن خلق آدم جمع فيه. وروى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن أبي حاتم عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أتدري ما يوم الجمعة؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قالها ثلاث مرات. قال في الثالثة: «هو اليوم الذي جمع فيه أبوكم آدم» . الحديث، وله شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه، رواه ابن أبي حاتم بإسناد قوي، والإمام أحمد مرفوعاً بإسناد ضعيف. قال الحافظ: «وهذا أصحّ. ويليه ما رواه عبد الرزاق عن ابن سيرين بسند صحيح إليه، في قصة تجميع الأنصار، مع أسعد بن زرارة. وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، صلّى بهم فيه وذكّرهم فسمّوه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه» . وقيل: «سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه» . وبهذا جزم ابن حزم فقال: إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يسمى العروبة. وفيه نظر، فقد قال أهل اللغة: إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية، وقالوا: الجمعة هو يوم العروبة. والظاهر أنهم غيّروا الأيام السبعة بعد أن كانت: أوّل وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار.

وقال الجوهري: وكانت العرب تسمي يوم الاثنين «أهون» في أسمائهم القديمة. فهذا يشعر بأن لها أسماء وهي هذه المتعارفة إلى آخرها الآن. وقيل: إن أول من سمى العروبة «الجمعة» كعب بن لؤي، فيحتاج من قال إنهم غيّروها إلى الجمعة، فأبقوها على تسمية العروبة إلى نقل خاص. الثالث: تقدم أن صلاة الجمعة صلتها الصحابة بالمدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فقيل ذلك بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لما رواه الدارقطني عن ابن عباس، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يجمع بمكة ولا [يبدي] لهم، فكتب إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه: «أما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين» . قال: فأول من جمع مصعب بن عمير حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجمّع عند الزوال من الظهر، وأظهر ذلك. وفي سنده أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، وهو متهم بالوضع. قال في الزهر: «والمعروف في هذا المتن الإرسال، رويناه في كتاب الأوائل لأبي عروبة الحراني» قال: «حدّثنا هاشم بن القاسم حدثنا ابن وهب حدثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مصعب به» . وقيل باجتهاد الصحابة، روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يوما يجمّعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك فهلمّوا فلنجعل يوما تجمّع فيه فنذكر الله ونصلي ونشكر. فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة 9] قال الحافظ: وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن، رواه أبو داود وابن ماجة، وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال: «كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة» ، الحديث وقد تقدّم، فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة باجتهاد، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم علمه بالوحي وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها كما في حديث ابن عباس والمرسل بعده، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بخبر نبيّ البيان والتوفيق. وقيل: الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة، فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه، وكان الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها، فناسب أن يشكر الله على ذلك بالعبادة فيه، ولهذا تتمة تأتي في الخصائص أن شاء الله تعالى.

الباب الثاني في بناء مسجده الأعظم وبعض ما وقع في ذلك من الآيات

الباب الثاني في بناء مسجده الأعظم وبعض ما وقع في ذلك من الآيات تقدّم أن ناقته صلى الله عليه وسلم بركت عند باب مسجده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا المنزل إن شاء الله» ، ثم أخذ في النزول، فقال: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [المؤمنون 29] . وكان مربدا ليتيمين هما: سهل وسهيل، قال يحيى بن الحسن، والبلاذري وغيرهما: «ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وبذلك صرح ابن حزم، وأبو عمر ورجّحه، وكانا في حجر أسعد بن زرارة كما في صحيح البخاري عند أكثر رواته. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى بني النجار بسبب موضع المسجد، فقال: «يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا» [ (1) ] ، فقالوا: «والله لا نطلب ثمنه إلا من الله» وفي رواية: فدعا بالغلامين وساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا. فقالا. بل نهبه لك يا رسول الله. فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا. وكان أسعد بنى المربد مسجدا قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. وروى يحيى بن الحسن عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم، يصلي بالناس الصلوات الخمس، ويجمّع بهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل، ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ قالت: «كأني أنظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قدم صلى بهم في ذلك المسجد، وبناه فهو مسجده» ، وذكر البلاذري نحوه. وروى الشيخان والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كان المسجد جدارا ليس له سقف، وقبلته إلى القدس، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالنخل بالغرقد أن يقطع، وكان فيه قبور جاهلية، فأمر بها فنبشت وأمر بالعظام أن تغيّب، وكان في المربد ماء فسيّره حتى ذهب، وكان فيه خرب فأمر بها فسويت، فصفوا النخل قبلة له، أي جعلت سواري له في جهة القبلة فسقّف عليها وجعلوا عضادتيه حجارة. وروى ابن عائذ إن النبي صلى الله عليه وسلم- صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم سقف، وروى محمد بن الحسن المخزومي، ويحيى بن الحسن عن شهر بن حوشب قال: «لما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يبني المسجد قال: «ابنوا لي عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك» . قيل: وما ظلة موسى؟ قال: «كان إذا قام أصاب رأسه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 117 ومسلم في كتاب المساجد (9) وأبو داود (453) وابن ماجة (86) .

السّقف. وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في بناء المسجد، بنفسه الكريمة، كما في الصحيح أنه طفق ينقل معهم اللبن ترغيبا لهم في العمل» ويقول: اللهمّ إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجره [ (1) ] ويذكر أن هذا البيت لعبد الله بن رواحة، وعن الزهري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم لا خير إلا خير الآخره فارحم المهاجرين والأنصار. وكان لا يقيم الشّعر. وروى محمد بن الحسن المخزومي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: «بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فقرّب اللّبن وما يحتاجون إليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رداءه، فلما رأى ذلك المهاجرون الأولون والأنصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون: لئن قعدنا والنبي يعمل ... ذاك إذا للعمل المضلّل [ (2) ] وروى البيهقي عن الحسن قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسجد أعانه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبرّ صدره. وكان عثمان بن مظعون رجلا متنطّعا وكان يحمل اللبنة فيجا في بها ثوبه، فإذا وضعها نفض كمه ونظر إلى ثوبه، فإن أصابه شيء من التراب نفضه، فنظر إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنشد يقول: لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن الغبار حائدا فسمعها عمار بن ياسر، فجعل يرتجز بها وهو لا يدرى من يعني بها. فمرّ بعثمان فقال: يا بن سميّة، ما أعرفني بمن تعرّض، ومعه جريدة، فقال: لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك. فسمعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فغضب ثم قال: «إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عينيّ وأنفي فإذا بلغ ذلك من المرء فقد أبلغ» . ووضع يده بين عينيه. فكفّ الناس عن عمّار، ثم قالوا لعمّار: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد غضب فيك، ونخاف أن ينزل فينا قرآن. فقال: أنا أرضيه كما غضب. فقال: يا رسول الله ما لي ولأصحابك؟ قال: «ما لك ولهم» ؟ قال: يريدون قتلي، يحملون لبنة لبنة ويحملون عليّ لبنتين لبنتين. فأخذ بيده وطاف به في المسجد، وجعل يمسح وفرته بيديه من التراب ويقول: «يا بن سميّة، ليسوا بالذين يقتلونك، تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنّة ويدعونك إلى النار» ، ويقول عمّار: أعوذ بالله من الفتن.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 3/ 215. [ (2) ] انظر البداية والنهاية 3/ 216.

وروى عبد الرزاق بسند على شرط الشيخين عن أم سلمة، والبخاري والبيهقي [ (1) ] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد، جعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل كل رجل منهم لبنة لبنة، وعمّار يحمل لبنتين: لبنة عنه ولبنة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره وقال: «يا بن سميّة للناس أجر ولك أجران، وآخر زادك شربة من لبن، وتقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنّة ويدعونك إلى النار» ، وعمّار يقول: «أعوذ بالله من الفتن» . وروى أبو يعلى برجال الصحيح إلا أن التابعي لم يسمع عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لما أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه، وجاء عمر بحجر فوضعه، وجاء عثمان بحجر فوضعه، قالت: فسئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: «هذا أمر الخلافة من بعدي» [ (2) ] . وروى البيهقي بسند قوي جيّد عن سفينة [ (3) ] رضي الله عنه نحوه، وفيه قال: «هؤلاء ولاة الأمر من بعدي» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا يحملون اللّبن إلى بناء المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فاستقبلت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو عارض لبنة على بطنه فظننت أنها شقّت عليه، فقلت: «يا رسول الله ناولنيها» . فقال: «خذ غيرها، لا عيش إلا عيش الآخرة» . وهذا كان في بنائه المرّة الثانية، لأن أبا هريرة لم يسلم في الأولى. وروى يحيى بن الحسن عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن أبيه، قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه حجر، فلقيه أسيد بن حضير، فقال: يا رسول الله أعطنيه. فقال: «اذهب فاحتمل غيره فإنك لست بأفقر إلى الله مني» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد ويحيى بن الحسن عن طلق بن علي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يبني المسجد، والمسلمون يعملون فيه معه، وكنت صاحب علاج وخلط طين، فأخذت المشحاة أخلط الطين والنبي- صلى الله عليه وسلم- ينظر إليّ ويقول: «إن هذا الحنفيّ لصاحب طين» . وكان يقول: «قرّبوا اليماميّ من الطين فإنه أحسنكم له مسكا وأشدّكم منكبا» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 269. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في المسند 8/ 295 (4884) وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 176 وعزاه لأبي يعلى وقال: ورجاله رجال الصحيح، غير التابعي فإنه لم يسم، وذكره ابن حجر في المطالب (3841) . [ (3) ] سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قيل: كان اسمه مهران وقيل: طهمان وقيل: مروان وقيل: نجران وقيل: رومان وقيل: ذكوان وقيل: كيسان وقيل: سليمان وقيل غير ذلك الإصابة 3/ 109. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 381. [ (5) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 5/ 402.

وروى يحيى بن الحسن من طريق عبد العزيز بن عمر، عن يزيد بن السائب، عن خارجة بن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: «بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسجده سبعين في ستين ذراعا أو يزيد، ولبن لبنة من بقيع الخبخبة وجعله جدارا وجعل سواريه خشبا شقّة شقّة، وجعل وسطه رحبة، وبنى بيتين لزوجتيه» . وروى يحيى أيضاً عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان بناء مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسميط لبنة على لبنة، ثم بالسعيد لبنة ونصف أخرى، ثم كثر الناس فقالوا: «يا رسول الله لو زيد فيه» ففعل، فبنى بالذّكر والأنثى وهي لبنتان مختلفتان، وكانوا رفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة، وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخّره مائة ذراع، وكذا في العرض، وكان مربّعا. وفي رواية جعفر: ولم يسطّح فشكوا الحرّ، فجعلوا خشبة وسواريه جذوعا وظلّلوه بالجريد ثم بالخصف، فلما وكف عليهم طيّنوه بالطين، وجعلوا وسطه رحبة، وكان جداره قبل أن يسقّف قامة وشيئا. وروى يحيى عن [أسامة بن] زيد بن حارثة عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعل قبلته إلى بيت المقدس وجعل له ثلاثة أبواب في مؤخّره: باب أبي بكر وهو في جهة القبلة اليوم، وباب عاتكة الذي يدعى باب عاتكة ويقال له باب الرحمة، والباب الذي كان يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو باب آل عثمان اليوم، وهذان البابان لم يغيّرا بعد أن صرفت القبلة، ولما صرفت القبلة سدّ النبي صلى الله عليه وسلم الباب الذي كان خلفه، وفتح هذا الباب، وحذاه هذا الباب أي ومحاذيه هذا الباب الذي سدّ. وروى ابن زبالة عن جعفر بن محمد إن النبي- صلى الله عليه وسلم- بنى مسجده مرتين: بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح الله عليه خيبر بناه وزاد عليه مثله في الدور. وروى الزبير بن بكّار عن أنس رضي الله عنه أنه قال: بنى رسول- الله- صلى الله عليه وسلم- مسجده أول ما بناه بالجريد، وإنما بناه باللّبن بعد الهجرة بأربع سنين. وروى الطبراني عن أبي المليح أنه قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لصاحب البقعة التي زيدت في مسجد المدينة، وكان صاحبها من الأنصار، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لك بها بيت في الجنة» . قال: فجاء عثمان، فقال له: لك بها عشرة آلاف درهم، فاشتراها منه، ثم جاء عثمان إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله اشتر مني البقعة التي اشتريتها من الأنصاري، فاشتراها منه ببيت في الجنة. فقال عثمان: إني اشتريتها بعشرة آلاف درهم، فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لبنة، ثم دعا أبا بكر فوضع لبنة، ثم دعا عمر فوضع لبنة، ثم دعا

عثمان فوضع لبنة، ثم قال للناس: «ضعوا» ، فوضعوا [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه في حديث قصّة إشراف عثمان يوم الدار، عن ثمامة بن حزن القشيري، والإمام أحمد والدارقطني عن الأحنف بن قيس، إن عثمان رضي الله عنه، أشرف على الناس فقال: «أهاهنا علي» ؟ قالوا: نعم. قال: «أهاهنا طلحة» ؟ قالوا: نعم. قال: «أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من يبتاع بقعة بني فلان فليزيدها في المسجد بخير منها في الجنة» ؟ وفي رواية: «غفر الله له» . فاشتريتها من صلب مالي بعشرين ألفا فأتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت: قد ابتعتها. فقال: «اجعلها في مسجدنا ولك أجرها» . قالوا: «اللهم نعم» [ (2) ] . وروى الزبير بن بكّار عن نافع بن جبير، وداود بن قيس، وابن شهاب وإسماعيل بن عبد الله الأزدي عن رجل من الأنصار، والطبراني بسند رجاله ثقات، عن الشّموس بنت النعمان رضي الله عنها، ويحيى بن الحسن عن الخليل بن عبد الله الأسدي عن رجل من الأنصار، عن ابن عجلان والغرافي- بالغين المعجمة والفاء في ذيله- عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن ابن عمر إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أقام رهطا على زوايا المسجد ليعدّل القبلة، فأتاه جبريل، فقال: «يا رسول الله ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة» ، ثم قال بيده هكذا فانماط كلّ جبل بينه وبينها فوضع تربيع المسجد، وهو ينظر إلى الكعبة لا يحول دون نظره شيء. فلما فرغ قال جبريل بيده فأعاد الجبال والشجر والأشياء على حالها وصارت قبلته إلى الميزاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما وضعت قبلة مسجدي هذا حتى رفعت لي الكعبة فوضعتها أمامها» [ (3) ] . وقال الإمام مالك رحمه الله كما في العتبيّة: «سمعت أن جبريل هو الذي أقام لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبلة مسجد المدينة» . وروى البخاري وأبو داود عن نافع، وأبو داود عن طريق ابن عطية، كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانت سواريه على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من جذوع النّخل وأعلاه مظلّل بجريد النّخل، ثم أنها نخرت في خلافة أبي بكر فبناه بجذوع النخل وبجريد النخل، ولم يزد فيه، وزاد فيه عمر، وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللّبن والجريد وأعاد عمده خشبا، ثم أنها نخرت في خلافة عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة، وجعل عمده من حجارة

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 1/ 163 وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 76. [ (2) ] أخرجه النسائي 6/ 234. [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (34834) .

منقوشة وسقّفه بالسّاج. زاد في العيون: ونقل إليه الحصباء من العقيق. وأول من اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم بناها بحجارة منقوشة [وجعل لها كوى] ، ثم لم يحدث فيه شيئا إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة يأمره بهدم المسجد وبنائه، وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر، فبناه وزاد فيه، وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان وذلك في سنة سبع وثمانين ويقال: من سنة ثمان وثمانين. ولم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا حتى استخلف المهدي. قال محمد بن عمر: بعث المهدي عبد الملك بن شبيب الغسّائي ورجلا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه، وعليها يومئذ جعفر بن سليمان بن علي، فمكثا في عمله سنة، وزاد في مؤخّره مائة ذراع فصار طوله ثلاثمائة ذراع وعرضه مائتي ذراع. وقال علي بن محمد المدائني: «ولّى المهدي جعفر بن سليمان مكة والمدينة واليمامة فزاد في مكة ومسجد المدينة، وتمّ بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين وستين ومائة. وكان المهدي أتى إلى المدينة في سنة ستين ومائة قبل الحج فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد، ويقال إن المأمون عمره أيضا وزاد فيه. والله أعلم. ثم لم يزد فيه شيئا أحد من الخلفاء بعد المأمون، ولم يعمّروا إلا مواضع يسيرة، إلى أن حصل الحريق [في المسجد النبوي] في أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أول الليل لدخول أبي بكر بن أوحد الفرّاش الحاصل الذي في الزاوية الغريبة لاستخراج قناديل لمنائر المسجد. وترك الضوء الذي كان في يده على قفص من أقفاص القناديل وفيه مشاق فاشتعلت النار فيه وأعجزه إطفاؤها وعلقت ببسط وغيرها مما في الحاصل وتزايد الالتهاب حتى اتصلت بالسقف بسرعة [ثم دبّت في السقوف] آخذة قبلة فأعجلت الناس عن إطفائها بعد أن نزل أمير المدينة واجتمع معه غالب أهلها، فلم يقدروا على قطعها، وما كان إلا أقل من القليل حتى استولى الحريق على جميع سقف المسجد الشريف وما احتوى من المنبر النبوي والأبواب والخزائن والمقاصير والصناديق ولم تبق خشبة واحدة، وكذا الكتب، وكسوة الحجرة الشريفة. قال القطب القسطلاني: وكان عليها حينئذ إحدى عشرة ستارة، وأزالت النار تلك الزخارف التي لا ترضي، وشوهد من هذه النار صفة القهر والعظمة الإلهية مستولية على الشريف والمشروف. وكان هذا الحريق عقب ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرض المدينة، وحماية أهلها منها لما التجأوا إلى مسجدها، فانطفأت عند وصولها لحرمها. قلت: وسيأتي بيان ذلك في المعجزات إن شاء الله تعالى.

وربما خطر ببال العوام أن حبسها عنهم ببركة الجوار موجب لحبسها عنهم في الآخرة، مع اقتراف الأوزار، فاقتضى الحال البيان بلسان الحال الذي هو أفصح من لسان المقال. والنار مطهّرة لأدناس الذنوب وقد كان [ذلك] لاستيلاء الروافض حينئذ [على المسجد النبوي والمدينة] وكان القاضي والخطيب منهم، وأساءوا الأدب كما بسط ذلك ابن جبير في رحلته، ولذا وجد عقب الحريق على جدران المسجد: لم يحترق حرم النّبيّ لريبة ... يخشى عليه وما به من عار لكنّها أيدي الرّوافض لامست ... تلك الرّسوم فطهّرت بالنّار ووجد أيضا: قل للرّوافض بالمدينة ما بكم ... لقيادكم للذّمّ كلّ سفيه ما أصبح الحرم الشّريف محرّقا ... إلّا لسبّكم الصّحابة فيه ولم يسلم من الحريق سوى القبّة التي أحدثها الناصر لدين الله لحفظ ذخائر الحرم. قال المؤرخون: وبقيت سواري المسجد قائمة كأنها جذوع النّخل إذا هبّت الرياح تتمايل، وذاب الرصاص من بعض الأساطين فسقطت ووقع السّقف الذي كان على أعلى الحجرة الشريفة على سقف بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقعا جميعا في الحجرة الشريفة وعلى القبور المقدسة. وفي صبيحة الجمعة عزلوا موضعا للصلاة وكتبوا بذلك للخليفة المستعصم بالله [أبي أحمد عبد الله] بن المستنصر بالله [في شهر رمضان] ، فوصلت الآلات صحبة الصّنّاع مع ركب العراق في الموسم وابتدئ بالعمارة أول سنة خمس وخمسين وستمائة، وقصدوا إزالة ما وقع من السقوف على القبور الشريفة، فلم يجسروا على ذلك. واتفق رأي [صاحب المدينة يومئذ وهو] الأمير منيف بن شيحه [بن هاشم بن قاسم بن مهنئ الحسيني] مع رأي أكابر الحرم الشريف أن يطالع الإمام المستعصم بالله بذلك فيفعل ما يصل إليه أمره. فأرسلوا بذلك فلم يصل جوابه لاشتغاله وأهل دولته بإزعاج التتار لهم واستيلائهم على أعمال بغداد في تلك السنة. فتركوا الرّدم على حاله ولم ينزل أحد هناك. زاد المجد اللغوي: ولم يجسر أحد على التّعرّض لهذه العظيمة التي دون مرامها تزلّ الأقدام ولا يتأتى من كل أحد بادئ بدئه الدخول فيه والإقدام. ووصلت الآلات من صاحب اليمن [يومئذ وهو الملك] المظفّر شمس الدين يوسف بن المنصور عمر بن رسول. ثم عزل صاحب مصر، وتولى مكانه مملوك أبيه المظفر سيف الدين قطز المعزّي واسمه الحقيقي محمود بن ممدود، وأمه أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه، وأبوه ابن عمّه، أسر عند غلبة التتار، فبيع بدمشق، ثم [انتقل بالبيع إلى] مصر،

وتملّك في ثامن عشر ذي القعدة من سنة سبع [وخمسين وستمائة] . وفي شهر رمضان من سنة ثمان أعز الله تعالى الإسلام على يده بوقعه عين جالوت. ثم قتل بعد الموقعة بشهر وهو داخل إلى القاهرة. وكان العمل بالمسجد الشريف في تلك السنة من باب السّلام إلى باب الرحمة [المعروف قديما بباب عاتكة] ومن باب جبريل إلى باب النساء. وتولى مصر آخر تلك السنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي البندقداري، فحصل منه اهتمام بأمر المسجد فجهّز الأخشاب والحديد والرصاص، ومن الصّنّاع ثلاثة وخمسين صانعا، وما يمونهم، وأنفق عليهم قبل سفرهم وأرسل معهم الأمير جمال الدين محسن الصالحي وغيره، ثم صار يمدّهم بما يحتاجون إليه من الآلات والنفقات. فعمل في أيامه باقي سقف المسجد كما كان قبل الحريق سقفا فوق سقف إلا السقف الشمالي فإنه جعل سقفا واحدا. ولم يزل المسجد على ذلك حتى جدّد السّقف الشرقي والسّقف الغربي اللذان عن يمين صحن المسجد وشماله وذلك في سنتي خمس وست وسبعمائة في أوائل دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، فجعلا سقفا واحدا شبه السقف الشّمالي [أي سقف الدّكاك] . ثم في سنة تسع وعشرين وسبعمائة أمر الملك الناصر محمد المذكور بزيادة رواقين [في المسقّف القبلي] متصلين بمؤخّره فاتسع مسقّفه بهما وعمّ نفعهما. ثم حصل في هذين الرواقين خلل فجدّدهما الملك الأشرف برسباي سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة من مال جوالي قبرص. وجدّد الأشرف أيضا شيئا من السقف الشامي [مما يلي المنارة السنجارية] . ثم حصل خلل في سقف الروضة الشريفة وغيرها من سقف المسجد في دولة الظاهر جقمق، فجدّد ذلك في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. ثم جدّد السلطان الملك الأشرف قايتباي كثيرا من سقف المسجد، ثم احترق المسجد النبوي ثانيا في الثلث الأخير من ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، سنة ست وثمانين وثمانمائة، وذلك أن رئيس المؤذّنين وصدر المدرسين شمس الدين محمد بن الخطيب قام يهلّل حينئذ بالمنارة الشرقية اليمانية المعروفة بالرّيّسيّة، وصعد المؤذّنون بقيّة المنائر وقد تراكم الغيم وحصل رعد قاصف، فسقطت صاعقة أصاب بعضها هلال المنارة المذكورة فسقط شرقيّ المسجد لهب كالنار وانشقّ رأس المئذنة، وتوفي الرّيّس لحينه صعقا. وأصاب ما نزل من الصاعقة سقف المسجد الأعلى بين المنارة الرئسية وقبة الحجرة النبوية فثقبه ثقبا كالترس فعلقت النار فيه وفي السقف الأشفل، ففتحت أبواب المسجد ونودي بأن الحريق في المسجد. فاجتمع أمير المدينة قسطل بن زهير الجمّازي وأهلها بالمسجد الشريف، وصعد أهل

تنبيهات

النّجدة منهم بالمياه لإطفاء النار وقد التهبت سريعا في السّقفين، وأخذت في جهة الشمال والغرب، فعجزوا عن إطفائها وكادت أن تدركهم فهربوا. وسقط بعضهم فهلك، ونجا بعضهم مع من حالت النار بينه وبين الأبواب إلى صحن المسجد. وجملة من مات بسبب ذلك بضع عشرة نفسا. وعظمت النار جدا حتى صارت كبحر لجّيّ من نار، ولها زفير وشهيق وألسن تصعد في الجو، وصارت ترمي بشرر كالقصر ويسقط بالبيوت المجاورة ومع ذلك فلا تؤثر فيها. وحمل بعض خزائن الكتب والربعات والمصاحف غير ما بادروا بإخراجه، وذلك كله في نحو عشرة أدراج فأصابها الشرر فأحرقها. وأخبر أمير المدينة قسطل الجمّازي أن شخصا من العرب الصادقين رأى في المنام قبل ذلك بليلة أن السماء فيها جراد منتشر ثم أعقبته نار عظيمة، فأخذ النبي- صلّى الله عليه وسلم- النار وقال: «أمسكها عن أمتي» . قال السيد: وأخبرني جماعة أنهم شاهدوا أشكال طيور بيض تحوم حول النار كالذي يكفها عن بيوت الجيران، مع هرب كثير منهم لما رأوا تساقط الشّرر. وخرج بعضهم من باب المدينة لعظم ما شاهدوه من الهول وظنوا أنهم قد أحيط بهم، ثم خمدت النار ثاني يوم وأرسلوا للسلطان قايتباي يعلمونه بذلك فاهتم بذلك رحمه الله تعالى الذي أهّله لهذا الأمر وعمر المسجد الشريف والحجرة الشريفة العمارة المحكمة الموجودة في زماننا. تنبيهات الأول: اختلف في اسم أبي اليتيمين اللذين كان المسجد لهما فقال [موسى بن عقبة: هما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو] ، وقال الزهري وابن إسحاق هما ابنا عمرو. قال في العيون: إنه الأشهر. وحاول السهيلي التوفيق بين القولين فقال: «هما ابنا رافع بن عمرو» ، فعلى هذا نسبا إلى جدّهما. قال الحافظ: «والأرجح هو قول الزهري وابن إسحاق» . الثاني: ذكر ابن إسحاق أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء، وقال أبو ذر الهروي أحد رواة الصحيح: أسعد بن زرارة بإثبات الألف في أسعد. قال الحافظ والسيد: «وهو الوجه» . وقال ابن زبالة ويحيى أنهما كانا في حجر أبى أيوب وقد يجمع باشتراك من ذكر في كونهما في حجورهم، وبانتقال ذلك بعد أسعد بن زرارة إلى من ذكر واحدا بعد واحد، سيما وقد روى محمد بن الحسن المخزومي عن ابن أبي فديك قال: «سمعت بعض أهل العلم يقولون إن أسعد توفي قبل أن يبني رسول الله المسجد، فباعه رسول الله من سهل وسهيل» . الثالث: في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى ملأ بني النّجّار بسب موضع المسجد، فقال: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» ، فقالوا: «والله لا نطلب ثمنه إلا من الله» . وفي رواية: «فدعا بالغلامين فساومهما بالمربد يتخذه مسجدا» . ووقع في رواية ابن

عيينة: «فكلم عمهما، أي الذي كانا في حجره، أن يبتاعه منهما» ، فقال: «ما تصنع به» ؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما، فأخبرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراده، فقالا: «نحن نعطيه» ، فأعطياه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبناه. أخرجه الجندي. وذكر ابن زبالة، ويحيى، أن أبا أيوب قال: يا رسول الله أنا أرضيهما. وذكر ابن عقبة أن أسعد عوضهما عنه نخلا، قال: وقيل: ابتاعه منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وطريق الجمع بين ذلك كما أشار إليه الحافظ أنهم لما قالوا: «لا نطلب ثمنه إلا من الله» سأل عمن يختص بملكه منهم، فعيّنوا الغلامين، فابتاعه منهما أو من وليهما إن كانا غير بالغين، وحينئذ فيحتمل أن الذين قالوا: «لا نطلب ثمنه إلا من الله تحملوا عنه للغلامين بالثمن. فقد نقل ابن عقبة أن أسعد بن زرارة عوّض الغلامين عنه نخلا له في بياضة. وتقدم أن أبا أيوب قال: أنا أرضيهما، فأرضاهما، وكذلك معاذ بن عفراء، فيكون بعد الشراء. ويحتمل أن كلا من أسعد، وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشيء فنسب ذلك لكل منهم. وقد روى أن اليتيمين امتنعا من قبول عوض، فيحتمل ذلك على بدء الأمر، ولكن قال الواقدي: أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من بني عفراء بعشرة دنانير ذهبا دفعها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلعله رغب في الخير، فدفع العشرة مع أولئك، أو أنه صلى الله عليه وسلم أخذ أولا بعض المربد في بنائه الأول سنة قدومه، ثم أخذ بعضا آخر لما سبق أنه بناه مرتين وزاد فيه فكان الثمن من مال أبي بكر في إحداهما ومن الآخرين في الأخرى. الرابع: ذكر السيد أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمّار: «تقتلك الفئة الباغية» . كان في البناء الثاني، لأن البيهقي روى في الدلائل عن أبي عبد الرحمن السّلمي أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول لأبيه عمرو: «قد قتلنا هذا الرجل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما قال» . قال: «أي رجل» ؟ قال: «عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وكنا نحمل لبنة لبنة، وعمّار يحمل لبنتين لبنتين،؟ فمرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال «تحمل لبنتين لبنتين وأنت ترحض؟ أما إنك ستقتلك الفئة الباغية، وأنت من أهل الجنة» . فدخل عمرو بن العاص على معاوية: فقال: «قتلنا هذا الرجل، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال» فقال معاوية: «اسكت فوالله ما تزال تدحض [ (1) ] في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا. قال السمهودي] : «وهو يقتضي أن هذا القول لعمّار كان في البناء الثاني للمسجد، لأن إسلام عمرو بن العاص كان في السنة الخامسة للهجرة» .

_ [ (1) ] تدحض: أي تزلق. ويروى بالصاد: أي تبحث فيها برجلك. انظر النهاية 2/ 105.

الخامس: في بيان غريب ما سبق: «المربد» [ (1) ]- بكسر الميم- الموضع الذي يجعل فيه التّمر. «الملأ» - بفتح الميم واللام-: أشراف الناس ورؤساؤهم ومقّدموهم الذين يرجع إلى قولهم. «النّجّار» : بالنون والجيم. «ثامنوني» : أي بايعوني وقاولوني. «الحائط» هنا: البستان، وتقدّم أنه كان مربدا فلعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا، ويؤيده قوله: ليتّخذ مسجدا. «النّوّار» : بفتح النون وتشديد الواو بعد الألف راء. «عايذ» : بالمثناة التحتية والذال المعجمة. «الجدار» ككتاب: الحائط. «الغرقد» [ (2) ] بالغين المعجمة والراء والقاف والدال المهملة: ضرب من شجر العضاه، واحده غرقدة. «خرب» بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء وبالموحّدة [جمع خربة وهي الموضع الخراب] ، وفي لفظ بالحاء المهملة وسكون الراء والمثلثة: [حرث] . «العريش» : السّقف وما يستظلّ به، وهو المراد هنا. «ثمامات» [ (3) ] : جمع ثمام بضم المثلثة: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، وربما حشي به أو سدّ به خصاص [ (4) ] البيوت الواحدة ثمامة. «العضادتان» : تثنية عضادة- بكسر العين المهملة والضاد المعجمة وبعد الألف دال مهملة-: جانب الباب. «طفق» : جعل. «الحمال» : بكسر الحاء المهملة من الحمل، والذي يحمل من خيبر: التّمر. أي أن هذا

_ [ (1) ] انظر اللسان 3/ 1556. [ (2) ] انظر اللسان 5/ 3246. [ (3) ] انظر الوسيط 1/ 101. [ (4) ] الخصّ: بيت يعمل من الخشب والقصب، وجمعه خصاص، وأخصاص، سمي به لما فيه من الخصاص وهي الفرج والأنقاب. انظر النهاية 2/ 37.

في الآخرة أفضل من ذاك وأحمد عاقبة، كأنه جمع حمل أو حمل ويجوز أن يكون مصدر حمل أو حامل. «خيبر» : يأتي الكلام عليها في غزوتها. «أرديتهم» : جمع رداء. «متنطّعا» [ (1) ]- بميم مضمومة فمثناة فوقية فنون مفتوحتين فطاء مهملة مكسورة فعين مهملة: من تنطّع إذا تعمّق وتغالى وتأنّق. «الوفرة» : بواو مفتوحة ففاء فراء: الشّعر المجتمع على الرأس، أو ما مال على الأذنين منه أو ما جاوز شحمة الأذنين ثم الجمة ثم اللّمّة. «ويح» : كلمة ترحّم وتوجّع، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر. «الحبحبة» [ (2) ] : بحاءين مهملتين بعد كل موحّدة وهي في الأصل جري الماء قليلا قليلا كالحبحب والحبحبة الضعف وسوق الإبل ومن النّار اتقادها والبطيخ الشامي الذي يسميه أهل العراق الرّقّي والفرس تسمّيه الهندي. «بالسّميط» : أي على لبنة واحدة، والسّميط من النّعل: الطّاق الواحد لا رقعة فيها. «السّواري» : جمع سارية وهي الاسطوانة. «السّعد» : ثلث اللّبنة والسّعيد كزبير ربعها. «وكف» : سال ماؤه. «الخّصف» بخاء معجمة فصاد مهملة مفتوحتين: المنسوج من الخوص. «الشّموس» - بفتح الشين المعجمة وضم الميم وبالواو والسين: [بنت النعمان بن عامر بن مجمع] من الأنصار. «الرّحبة» - بالراء والحاء المهملة والموحدة المفتوحات، قال في الصحاح: رحبة المسجد بالتحريك ساحته والجمع رحب ورحبات ورحاب. «الزوايا» جمع زاوية: الناحية.

_ [ (1) ] التنطع في الكلام: التعمق فيه مأخوذ منه وفي الحديث «هلك المتنطعون» وتنطع في الكلام وتنطس إذا تأنق فيه وتعمق وتنطح في شهواته: تأنق. اللسان 6/ 4461. [ (2) ] الحجبة: الضعف، والحجاب: الصغير الجسم المتداخل العظام. اللسان 2/ 747.

«أنماط» [ (1) ] : بالنون والميم والطاء المهملة بعد الألف: أي تنحّى. «نخرت» [ (2) ]- بالنون المفتوحة والخاء المعجمة المكسورة والراء: يبست وتفتّتت. «المنقوشة» - بميم مفتوحة فنون فقاف فواو فشين معجمة: الملّونة بلونين أو ألوان. «السّاج» - بسين مهملة وجيم مخففة: نوع من الشجر. «القصّة» - بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة المفتوحة فتاء تأنيث: [الحجارة من الجص] . «الفسيفساء» [ (3) ] قال في النور: بضم الفاء الأولى وفتح السين المهملة فتحتية ساكنة ففاء مكسورة ثم سين مهملة أخرى ممدودة، هكذا سمع الناس ينطقون به وكذا رأيته محرّرا بخط كمال الدين بن العديم في تاريخه في غير موضع، وكذا رأيته مضبوطا بالقلم في مطالع ابن فرفود، وهو فصوص صغار من ألوان الزجاج تلصق بالحائط وتطلى بماء الذهب، وهي كثيرة بجامع دمشق وبيت المقدس [وهي غاية] في الحسن والبهجة.

_ [ (1) ] من ماط ميطا: من باب تباعد ويتعدى بالهمزة والحرف فيقال أماطه غيره إماطة ومنه: إماطة الأذى عن الطريق وهي التنحية لأنها إبعاد. المصباح المنير ص 587. [ (2) ] انظر المفردات للراغب 486. [ (3) ] انظر اللسان 5/ 3413.

الباب الثالث في بنائه صلى الله عليه وسلم حجر نسائه رضي الله عنهن

الباب الثالث في بنائه صلى الله عليه وسلم حجر نسائه رضي الله عنهن قال في الروض: «كانت بيوته صلّى الله عليه وسلم تسعة: بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها من جريد، وبعضها من حجارة مرضومة بعضها فوق بعض، وسقفها من جريد أيضا» . قال الحافظ الذهبي في «بلبل الروض» : «لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم بني له تسعة أبيات حتى بنى المسجد ولا أحسبه فعل ذلك، إنما كان يريد بيتا واحدا لسودة أم المؤمنين رضي الله عنها. ولم يحتج إلى بيت آخر حتى بنى لعائشة رضي الله عنها في شوال سنة اثنتين، وكان صلى الله عليه وسلّم بناها في أوقات مختلفة» . انتهى. وتقدم في الباب الثاني أنه صلى الله عليه وسلم بني لزوجيه: سودة وعائشة رضي الله عنهما، على نعت بناء المسجد، لأن عائشة كانت زوجه حينئذ، وإن تأخّر الدخول بها، ثم بنى بقيّة الحجر عند الحاجة إليها. قال محمد بن عمر الأسلمي: «كانت لحارثة بن النعمان رضي الله عنه منازل قرب المسجد وحوله، وكلما أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلا نزل له حارثة عن منزل، أي محل حجرة حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه» . «قال محمد بن عمر: «حدثنا عبد الله بن يزيد الهذلي قال: رأيت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم حين هدمها عمر بن عبد العزيز بأمر الوليد بن عبد الملك، كانت بيوتا من اللّبن، ولها حجر من جريد مطرورة بالطين، عددت تسعة أبيات بحجرها، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلّم إلى منزل أسماء بنت حسن اليوم. قال: ورأيت بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحجرتها من اللّبن، فسألت ابن ابنها فقال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم نظر إلى اللّبن ودخل عليها أول نسائه فقال: «ما هذا البناء» ؟ فقالت: «أردت يا رسول الله أن أكف أبصار الناس» . فقال: «يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان» [ (1) ] . قال محمد بن عمر: فحدثت بهذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري فقال: «سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمران بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر الشريف والمنبر المنيف: أدركت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم [من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ، يأمرنا بهدم حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم] ، فما رأيت يوما كان أكثر باكيا من ذلك اليوم. قال عطاء: «فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ:

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (41521) .

تنبيهان

«والله لوددت أنهم تركوها على حالها، ينشأ ناشئ من أهل المدينة ويقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التفاخر والتكاثر» قال معاذ: «فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمران بن أبي أنس: كان فيها أربعة أبيات بلبن، لها حجر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر، ذرعت الساتر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع وعظم الذراع أو أدنى من العظم. فأما ما ذكر من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في المسجد وفيه نفر من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد بن ثابت [ (1) ] ، وإنهم ليبكون حتى أخضلوا لحاهم من الدمع. وقال يومئذ أبو أمامة: «ليتها تركت فلم تهدم حتى يفصل الناس عن البناء ويروا ما رضي الله لنبيه صلّى الله عليه وسلم، ومفاتيح خزائن الدنيا بيده» وروى ابن سعد، والبخاري في الأدب، وابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن الحسن البصري قال: «كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدي» وروى البخاري في الأدب، وابن أبي الدنيا، والبيهقي عن داود بن قيس قال: «رأيت الحجر من جريد النخل تغشّى من خارج بمسوح من الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ستّ أو سبع أذرع، وأحرز البيت من الداخل عشر أذرع، وأظنّ سمكه بين الثّمان والسّبع» . وروى محمد بن الحسن المخزومي عن محمد بن هلال قال: «أدركت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من جريد مستورة بمسوح الشعر، مستطيرة في القبلة وفي المشرق وفي الشام، ليس في غربي المسجد منها شيء، وكان باب عائشة يواجه الشام وكان بمصراع واحد من عرعر أو ساج» . وروى ابن منده عن بشر بن صحار العبدي قال: «كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم فأنال سقفها» . وروى ابن سعد عن عمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي مرثد قالا: «لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على بيته من حائط، فكان أول من بنى عليه جدارا عمر بن الخطاب رضي الله عنه» . قال عبيد الله: «كان جداره قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير» . تنبيهان الأول: روى البخاري في تاريخه وفي الأدب عن أنس رضي الله عنه، والبيهقي في المدخل عن المغيرة بن شعبة قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير تأدبا

_ [ (1) ] خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو زيد أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ثقة. عن أبيه وأسامة بن زيد وأمّ العلاء. وعنه الزّهري وأبو الزّناد. قال ابن المديني: مات سنة مائة، وقيل: قبلها بسنة، قاله الفلّاس، ولما بلغ عمر بن عبد العزيز موته قال: ثلمة والله في الإسلام. الخلاصة 1/ 273.

وإجلالا، وقيل إن بابه لم يكن له حلق يطرق بها. قال السهيلي: الأول أولى. الثاني: في غريب ما سبق: «الرّضم» [ (1) ]- بفتح الراء والضاد المعجمة وتسكّن-: حجارة مجتمعة بعضها فوق بعض، الواحدة رضمة. «بنى» بفلانة: دخل عليها، وقال ابن السّكيت زفّت إليه، وأصله أن الرجل إذا تزوج بنى للعروس بيتا وجهزه بما يحتاج إليه، أو بني له تكريما، ثم كثر حتى كفي به عن الجماع. «الحجر» : غرف البيوت. «المسوح» : جمع مسح وهو البلاس. «مستطيرة» في القبلة: أي منتشرة. «المصراع» من الباب: الشطر، وهما مصراعان. «العرعر» بفتح العينين وبالرّائين المهملتين- قال في الصحاح: شجر السّرو. «السّاج» بالسين المهملة والجيم: ضرب من الخشب، عظيم من الشجر، يجلب من الهند، وجمعها ساجات. قال الزمخشري: الساج خشب أسود رزين يجلب من الهند ولا تكاد الأرض تبليه، والجمع سيجان مثل نار ونيران. «مطرورة» [ (2) ] بالطين- بالطاء المهملة المشالة- أي مطينة به. «دومة الجندل» دومة- بضم الدال المهملة، والجندل بالجيم والنون والدال المهملة [حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيّء على سبع مراحل من دمشق] . «الأفق» بضمتين: الناحية. «ينشأ» : يحدث ويتجدّد. «اخضل» لحيته، بخاء فضاد معجمتين: بلّها. «مراهق» : مقارب الاحتلام. «أنال» : أدرك وأبلغ. «المغشى» : المغطى المستور.

_ [ (1) ] انظر اللسان 3/ 1663. [ (2) ] انظر اللسان 4/ 2654.

الباب الرابع في بدء الأذان وبعض ما وقع فيه من الآيات

الباب الرابع في بدء الأذان وبعض ما وقع فيه من الآيات روى الشيخان والترمذي والنسائي عن ابن عمر، وابن إسحاق، وإسحاق بن راهويه، وأبو داود بسند صحيح صحّحه النووي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه، عن أبيه، وأبو داود بسند صحيح عن ابن عمر عن أنس بن مالك عن عمومة له من الأنصار رضي الله عنهم، وإسحاق بن راهويه عن الشعبي مرسلا بسند حسن، وعبد الرّزّاق وأبو داود عن عبيد ابن عمير أحد كبار التابعين، وابن أبي شيبة، وأبو داود، وابن خزيمة، وأبو الشيخ، والدارقطني، والبيهقي، والطحاوي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «حدّثنا أصحابنا- ولفظ ابن أبي شيبة وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي: حدثنا، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة إنما كان يجمع للصلاة حين مواقيتها بغير دعوة، فلما كثر الناس اهتم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يجمع الناس للصلاة؟ فاستشار الناس، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة إذا رأوها أعلم بعضهم بعضا، وذكر له القنع [ (1) ] يعني شبّور [ (2) ] اليهود، وفي لفظ: البوق، وفي لفظ: القرن الذي يدعون به لصلاتهم، فلم يعجبه ذلك وقال: «هو من أمر اليهود» ، فذكر له الناقوس فقال: «هو من أمر النصارى» ، فقالوا: لو رفعنا نارا، فقال: «ذلك للمجوس» [ (3) ] . وفي حديث عمر عند الشيخين وغيرهما: فقال عمر: «أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة» ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال قم فناد بالصلاة» . فانصرف عبد الله بن زيد، وهو مهتمّ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه. قال: طاف بي وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده، فقلت له: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى. فقال:

_ [ (1) ] قال ابن الأثير في النهاية في حديث الأذان «أنه اهتم للصلاة، كيف يجمع لها الناس، فذكر له القنع فلم يعجبه ذلك» فسر في الحديث أنه الشبور، وهو البوق هذه اللفظة قد اختلف في ضبطها، فرويت بالباء والتاء، والثاء والنون، وأشهرها وأكثرها النون. قال الخطابي: سألت عنه غير واحد من أهل اللغة فلم يثبتوه لي على شيء واحد، فإن كانت الرواية بالنون صحيحة فلا أراه سمّي إلا لإقناع الصوت به، وهو رفعه. يقال: أقنع الرجل صوته ورأسه إذا رفعه. ومن يريد أن ينفخ في البوق يرفع رأسه وصوته.. قال الزمخشري: «أو لأن أطرافه أقنعت إلى داخله: أي عطفت» وقال الخطابي: وأما «القبع» بالباء المفتوحة فلا أحسبه سمي به إلا لأنه يقبع فم صاحبه: أي يستره، أو من قبعت الجوالق والجراب: إذا ثنيت أطرافه إلى داخل. قال الهروي: وحكاه بعض أهل العلم عن أبي عمر الزاهد: «الفتح» بالثاء قال: وهو البوق فعرضته على الأزهري فقال: هذا باطل. وقال الخطابي: سمعت أبا عمر الزاهد يقوله بالثاء المثلثة، ولم أسمعه من غيره. ويجوز أن يكون من: فتح في الأرض فتوحا إذا ذهب، فسمي به لذهاب الصوت منه. قال الخطابي: وقد روى «القتع» بتاء بنقطتين من فوق، وهو دود يكون في الخشب الواحدة: قتعة. قال: مداد هذا الحرف على هيثم، وكان كثير اللحن والتحريف، على جلاله محلة في الحديث. النهاية 4/ 115، 116. [ (2) ] الشّبّور: هو البوق. وقال ابن الأثير: اللفظة عبدانيّة. انظر النهاية 2/ 440. [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (23153) .

تقول: «الله أكبر، الله أكبر- وفي لفظ الشعبي: ايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمره أن يقول: - الله أكبر، الله أكبر- أشهد ألّا إله إلا الله، أشهد ألّا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله» - وفي رواية إسحاق بن راهويه: فقام على جذم حائط [ (1) ] ، وفي رواية: فقام على المسجد فأذّن- قال: ثم استأخر عنّي غير بعيد ثم قال: تقول إذا أقيمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله» . وفي رواية: «فأذّن ثم قعد قعدة، ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، ولولا أن يقول الناس، لقلت إني كنت يقظانا غير نائم» . وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه عند ابن ماجة إن عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا. وفي حديثه أيضا عند ابن سعد «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يجعل شيئا يجمع به الناس للصلاة فذكر عنده البوق وأهله فكرهه، وذكر الناقوس، وأهله فكرهه، حتى أري رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد الأذان، وأريه عمر بن الخطاب تلك الليلة فأما عمر رضي الله عنه فقال: إذا أصبحت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الأنصاري فطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى» [ (2) ] . وفي رواية: «لقد أراك الله خيرا، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت» . وفي رواية «فمر بلالا فليؤذّن فإنه أندى منك صوتا» فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذّن به. فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج يجرّ رداءه وهو يقول: «والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى» . وفي حديث أبي عمير بن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان رآه فكتمه عشرين يوما. وفي حديث عبيد بن عمير: «فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام: «لا تجعلوا الناقوس بل أذّنوا» ، فذهب عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي رأى، وقد جاء الوحي فما راع عمر إلا بلال يؤذّن. قال عبد الله بن زيد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: «ما منعك أن تخبرني» ؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلله الحمد فذلك ثبت» [ (3) ] . قال الزهري، ونافع بن جبير، وابن المسيّب: وبقي

_ [ (1) ] جذم حائط: أي بقيّة حائط أو قطعة من حائط. انظر النهاية 1/ 252. [ (2) ] أخرجه أبو داود (499) وأحمد في المسند 4/ 43 والبيهقي في السنن 1/ 399 وابن حبان (287) والدارمي 1/ 269 وابن ماجة (706) . [ (3) ] أخرجه أبو داود (498) وذكره المتقي الهندي في الكنز (23145) .

تنبيهات

ينادي في الناس: «الصلاة جامعة» . للأمر يحدث فيحضرون له يخبرون به وإن كان في غير وقت صلاة. وروى ابن ماجة عن شيخه أبي عبيد محمد بن عبيد، بن ميمون المدني قال: أخبرني أبو بكر الحكمي إن عبد الله بن زيد قال في ذلك شعراً أحمد الله ذا الجلال والإ ... كرام حمدا على الأذان كثيرا إذ أتاني به البشير من الل ... هـ فأكرم به لديّ بشيرا في ليال والى بهنّ ثلاث ... كلّما جاء زادني توقيرا قال الحافظ ابن كثير: «وهذا الشّعر غريب، وهو يقتضي أنه رأى ذلك ثلاث ليال حتى أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم» . قلت: سنده منقطع وأبو بكر الحكمي مجهول. وروى البيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان رجل من اليهود تاجرا إذا سمع المنادي ينادي بالأذان قال: «أحرق الله الكاذب» . فبينما هو كذلك إذ دخلت جارية بشعلة من نار فطارت شرارة منها في البيت فأحرقته. وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السّدّي قال: «كان رجل من النصارى إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدا رسول الله قال: أحرق الله الكاذب: فدخلت خادمة ذات ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام فأحرقت البيت واحترق هو وأهله» . وروى مسلم عن سهيل بن أبي صالح قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا [أو صاحب لنا] فناداه مناد من حائط باسمه، فأشرف [الذي معي] على الحائط، فلم ير شيئاً، فذكرت ذلك لأبي، فقال: [لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ولكن] إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة، فإنّي سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولّى وله حصاص» [ (1) ] . وروى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إذا تغوّلت لأحدكم الغيلان فليؤذّن فإن ذلك لا يضرّه» . وروى البيهقي عن الحسن أن عمر بعث رجلا إلى سعد بن أبي وقّاص، فلما كان ببعض الطريق عرضت له الغول، فأخبر سعدا فقال: «إنا كنّا نؤمر إذا تغوّلت لنا الغول أن ننادي بالأذان» . فلما رجع إلى عمر عرض له أن يسير معه، فنادى بالأذان، فذهب عنه، فإذا سكت عرض له، فإذا أذّن ذهب عنه. تنبيهات الأول: الأذان لغة: الإعلام، قال الله تعالى: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة 3]

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (16) وأحمد في المسند 2/ 483 والبيهقي في الدلائل 7/ 103 والحاكم 4/ 119 وابن خزيمة (393) .

واشتقاقه من الأذن بفتحتين وهو الاستماع، وشرعا: الإعلام بوقت الصلاة المفروضة بألفاظ مخصوصة. الثاني: في بعض أسرار الأذان وبدائعه، قال القاضي: «الأذان كلمة جامعة لعقيدة الإيمان مشتملة على نوعيه من العقليات والسمعيات، فأوّله إثبات الذات، وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها، وذلك بقوله: «الله أكبر» ، وهذه اللفظة مع اختصارها دالة على ما ذكرناه، ثم صرّح بإثبات الوحدانية ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدّمة على كل وظائف الدين ثم صرّح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية، وموضعها بعد التوحيد لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدمات من باب الواجبات. وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى. ثم دعاهم إلى ما دعاهم الله إليه من العبادات، فدعاهم إلى الصلاة، وعقّبها بعد إثبات النبوّة لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لا من جهة العقل. ثم دعا إلى الفلاح، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام. ثم كرّر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمّن لتأكيد الإيمان، وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، وليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة بإيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه» . انتهى كلام القاضي. قال النووي: «وهو من النفائس الجليلة» وبالله التوفيق. قلت: قد ألّف الإمام الحافظ برهان الدين البقاعي [ (1) ] رحمه الله جزءا لطيفا في أسرار الأذان سمّاه «الإيذان بفتح أسرار التشهّد والأذان» . وأنا مورد هنا ما ذكره في الأذان ليستفاد فإنه نفيس جداً. قال رحمه الله بعد أن أورد أحاديث بعض الأذان والتشهد: «مقصوده- أي الأذان- الإعلام بأوقات الصلاة تنبيها على أن الدين قد ظهر، وانتشر علم لوائه في الخافقين واشتهر، وسار في الآفاق على الرؤوس فبهر، وأذلّ الجبابرة وقهر وأعلم أنه لما كان الدين المحمدي دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا غيره، قد علا على كل دين، فظهر كلّ مخالف،

_ [ (1) ] إبراهيم بن عمر بن حسن الرّباط بن علي بن أبي بكر البقاعي، أبو الحسن برهان الدين: مؤرخ أديب. أصله من البقاع في سورية، وسكن دمشق ورحل إلى بيت المقدس والقاهرة، وتوفي بدمشق. له «عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران» ، و «عنوان العنوان» مختصر عنوان الزمان، و «أسواق الأشواق» اختصر به مصارع العشاق، و «الباحة في علمي الحساب والمساحة» و «أخبار الجلاد في فتح البلاد» و «نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» و «بذل النصح والشفقة للتعريف بصحبة ورقة» وله ديوان شعر سماه «إشعار الواعي بأشعار البقاعي» . توفي 885 هـ. الأعلام 1/ 56.

وخفقت راياته بعد أن كانت خفيّة، وانتشرت أعلام ألويته بعد أن كانت ملويّة، وبعتاة أهل الأباطيل مطويّة. وقد كان الشّرك منذ أزمان في غاية الظهور، والباطل هو المعمول به والمشهور، فناسب أن يصرّح بأذانه، ويشدى به على غاية إعلانه، ولما كانوا يشركون به سبحانه، ويتعبّدون بسواه، كان نسب الأمور البدائه بالتنبيه على تفرّده بالكبرياء، وتوحّده بالعلاء، فقال بادئا بالاسم الأعظم، الدّالّ على الذّات، المستجمع لجميع الكمالات: «الله» أي الملك الذي لا كفء له ولا سمّي، ولا ضدّ ولا نظير، وأتى بالخبر نكرة ليدلّ على إسناده إليه على الإطلاق، وأنه لا خفاء في انفراده بذلك، فقال: «أكبر» ، ولم يذكر متعلّقا، ذهابا بالتعميم إلى أعلى الغايات وأنهى النهايات ولما كان قد طال ما قرّر الشّرك في الأذهان، وصال به أهل الطّغيان، اقتضى الحال تأكيد ذلك، ولأجل هذا ثنّى التكبير في الإقامة مع أنها فرادى. «ولما كان المراد من جميع كلمات الأذان مجرّد الإعلام بالوقت وبهذه المقاصد المراد بها نسخ ما عداه، قال مؤكّدا من غير عطف لشيء من الجمل: «الله أكبر» . ولما كان الحال من جميع الأكوان شديد الاقتضاء، لم يذكر التأكيد لتطاول أزمان الشّرك قال ملذّذا لأسماع الموجودات، ومرويا لعطاش أكباد الكائنات: «الله أكبر» . ولما تمّ تقرير ذلك في الأذهان، وعلم علما تاما أن التوحيد قد علا، وقهر جميع الأديان، ارتقب كلّ سامع ما يقال بعده، فقال مبتدئا دورا جديدا من هذا الإعلام لمزيد التقرير عند جميع الأنام: «الله أكبر» . «فلما علم أن ذلك إلى غير نهاية، ولا حدّ تقف عنده كلّ غاية، قال مترجما لما أنتجه، ملقّنا لكل سامع ما وجب عليه من الجواب، مسرّا بذلك بعض الأسرار، إعلاما بما كان من حال هذا الدّين في أول الأمر، برهانا على حسن هذا التأكيد: «أشهد» أي أعلم علما قطعيّا أنّي في مريد بصري كالناظر إلى محسوس هو في غاية الجلاء: «ألّا إله إلا الله» . ولما كان المقام كما مضى شديد الاقتضاء للتأكيد قال ثانيا: «أشهد ألّا إله إلا الله» . «فلما أخذ المقام حظّه من التأكيد، ولم يحتج إلى مزيد، فتلقّى ذلك بالقبول العبيد، فثبتت رسالة الذي أتى بهذا الدّين، وجاهد به الجاحدين، حتى قهرهم وحده صاغرين أجمعين، قال على طريق النتائج المسلّمة: «أشهد أن محمدا» - ذاكرا أشهر أسمائه وأطيبها وأظهرها- «رسول الله» ، مخصّصا وصف الرّسالة الذي هو بين الحقّ والخلق، لأن المقام داع إليه، ومقصور عليه، ثم أتبع ذلك ما اقتضاه الحال من تأكيده في تعظيمه وتمجيده فقال: «أشهد أن محمدا رسول الله» . فلما أخذ المقام حظّه من التأكيد للإعلام، بما كان فيه للإسلام من الشدائد والآلام، أتبعه ما اقتضاه الحال، من رفع الصّوت بهذا المقال مشيرا مع ذلك إلى أن باطن الدّين وظاهره سواء. ليس فيه حقيقة تخالف شريعة، وخاصة أن المتشرّع به يجب

عليه أن يكون مثل الشّرع، ظاهره وباطنه سواء، لا نفاق فيه بوجه أصلا، فقال: «أشهد ألا إله إلا الله» . «فلما استقرّ في الأذهان سرّ هذا الإعلان، أتبعه ما اقتضى الحال من الشهادة للآتي بهذا الدّين من صدق المقال، في دعوى الإرسال، فقال: «أشهد أن محمدا رسول الله» ، ثم أكدّه كما مضى فقال: «أشهد أن محمدا رسول الله» . ولما ثبت ذلك، وانجلت دياجير تلك الأمور الحوالك، فتيسّر السّلوك لكل سالك، في أشرف المسالك، قال ذاكرا لما آثرته الرسالة من الخلاص من أشراك الضلالة، والرّدّ على طرقها الميّالة، وأوديتها المغتالة: «حيّ على» - أي هلمّوا أقبلوا جهارا غير خائفين من أحد- إلى «الصلاة» ، بادئا بما هو نهاية الدّين، الجامع لشمله، المميّز لأهله. «ولما كان الناظر لذلك الحال، يستدعي عجبا من الوصول إلى هذا المآل، قال مؤكّدا: «حي على الصلاة» . فلما تقرّر ذلك كان كأنه قيل: هل من عمل غيرها؟ فقال: «حي على الفلاح» ، فكان ذلك، مع أنه دعاء إلى كل عمل يوجب الفوز والظّفر بكل مراد مؤكدا للدّعاء إلى الصلاة على أبلغ وجه. «ولا شك أنه أحسن مما ورد في بعض الآثار الموقوفة في الموطّأ، رواية محمد بن الحسن، وجاء مع عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما، وصرّح الحفّاظ بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «حيّ على خير العمل» ، لأنه مع كونه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد صار شعار الرّوافض لا يشمل جميع الأعمال الصالحة، وكان الوارد في الصحيح أبلغ من وجهين: من جهة أنه شامل لكل خير، ومن جهة التعبير عن ذلك باللازم الذي هو الغاية المترتبة على العمل تحبيبا فيه، وتشويقا إليه، مع أنه كان يقوله بعد: حي على الفلاح» . «ولما كان تطاول الصّولة بالإذلال والقهر، موجبا لاستبعاد الإقبال على كل عمل من أعمال الشّرع على سبيل القهر، أكّد هذا الكلام الدّاعي إلى كل خير لهذا وللإشارة إلى أنه لحسنه جدير «بالتأكيد، وأهل لأن يعرف بمقدار لجلالة آثاره، فقال: «حي على الفلاح» ، وفيه إشارة إلى أن الأمر خطير، والطريق صعب، فلا بد من التّأهّب له بأعظم الزّاد، لتحصل الراحة في المآل والمعاد. «ولما كان المدعو قد يكون نائما، وكان النوم قد يكون خيرا، إما بأن يكون القصد به راحة البدن للتّقوي على الطاعة، أو أن يكون للتّخلّي عن المعصية، وكان أكثر ما يكون ذلك في آخر الليل، كان التثويب خاصّا بأذان الصبح، فقال فيه: «الصلاة» - التي هي أعظم الفلاح، ومن أعظم مقاصد هذا الأذان الإعلام بوقتها والدّعاء إليها- «خير من النوم» . ولما كان من يغلبه

النوم محتاجا إلى الإزعاج، أكّد ذلك بالتكرير، فقال: «الصلاة خير من النوم» . ولما كان للصبح أذانان كان التثويب ربما كان في الأول، فكان دعاء إلى قيام الليل الذي شرّع له ذلك الأذان، كما بيّن سرّه في بعض الروايات في قوله: «ليرجع قائمكم وينبّه نائمكم» . وربما كان في الثاني، فكان دعاء إلى فرض الصبح، وهو بالأول أنسب، لأن الفرض له حاث يحثّ عليه، وداع ملحّ يدعو إليه، وهو الوجوب الذي من أخلّ به عوقب، ومن جاوز حدّه ليم وعذّب. «ولما تمّ الدّين بجملته، وكمل أصلا وفرعا، قولا ونية وعملا، برمّته، علّل الدّعاء إليه مرغّبا مرهّبا، بقوله، مذكّرا بما بدأ الأمر به، لاستحضار عظمته التي أظهر بها الدّين، وأذلّ بها المعتدين، بعد أن كانوا على ثقة من أنه لا غالب لهم، «الله أكبر» ، ثم أكّد بمسيس الحاجة إلى ذلك في الترغيب والترهيب، فقال: «الله أكبر» . فلما تمّ الأمر، وجلا التشويق والزّجر، لم تدع حاجة إلى تربيع التكبير هنا كما كان في الأول، فختم بما بدأ به من التوحيد إعلاما بأنه لا يقبل شيء من الدّين إلا به مقارنا له من ابتدائه إلى انتهائه، فقال: «لا إله إلا الله» . «ولما كان قد وصل إلى حد لا مزيد عليه، لم يحتج إلى تأكيد، حتى ولا بلفظ الشهادة إعلاما بأنه ليس وراء هذا إلا السيف لو توقّف عنه، أو ما عاند فيه. ولما كان من أجل ما يراد بالأذان- كما مضى- الإعلام بظهور الإسلام على جميع الأديان، وأنه قد أورق عوده، وزكا وجوده، وثبت عموده، وعزّ أنصاره وجنوده، جاء على سبيل التعديد، والتقرير والتأكيد، من غير عاطف ولا لافت عن هذا المراد ولا صارف تنبيها على أن كلّ جملة منه ركن برأسه، مستقل بذلك بنفسه، معرّب عما هو المراد من الإظهار بالتّعداد. «هذا ما شرحه الله تعالى لعباده من الأذان في حال النوم واليقظة، في الليل والنهار، على وفاء لا مزيد عليه، كما صرح به في قوله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم رب هذه الدعوة التامّة، فمن زاد حرفا فما فوقه فقد أساء وتعدّى وظلم» . ومن الواضح البيّن أن المعنى في إجابة السامع لألفاظه بها الإيذان باعتقاده، والإذعان لمراده، وأنه تخصيص الجواب في الدعاء إلى الصلاة والفلاح، بالحوقلة، والمراد بها سؤال المعونة على تلك الأفعال الكرام بالتّبرّؤ من القدرة على شيء بغير تقدير الله، ردّا للأمر إلى أهله، وأخذا له من معدنه وأصله، والإقامة فرادى، لأنه لما ثبت بالأذان أمر الوحدانية والرسالة، وعلم المدعوّ ما نسب إليه، صار الأمر غنيّا عن التأكيد، فلم يحتج إلى غير الإعلام بالقيام إلى ما قد دعي إليه، وأعلم بوقته، وأكّد التكبير بما ذكر في الأذان نوع تأكيد لما تقدم من مزيد الاهتمام والإقامة لإسراع من عنده بعض غفلة أو توان» . انتهى. الثالث: اختلف في السنة التي فيها شرع [الأذان] . قال الحافظ: «والرّاجح أنه كان في السنة الأولى، وقيل: بل في الثانية» . الرابع: قول ابن عمر: فقال عمر: «أو لا تبعثون رجلا منكم ينادي بالصلاة» . فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال قم فناد بالصلاة» . قال النووي: هذا الدعاء دعاء إلى الصلاة غير الأذان وكان قد شرّع قبل الأذان. قال الحافظ: والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كان عقب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك. وكان اللفظ الذي ينادي به بلال هو «الصلاة جامعة» ، كما رواه ابن سعد، وسعيد بن منصور عن سعيد بن المسيّب مرسلا. وقد وقع للقاضي أبي بكر العربي هنا كلام غير محرّر طعن فيه في صحة حديث ابن عمر الثابت في الصحيح» وقد بسط الحافظ الكلام على ردّه. الخامس: روى الطبراني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه رأى الأذان، وسنده واه، ووقع في الوسيط للغزالي أنه رآه بضعة عشر رجلا. وعبارة الجيلي في شرح التنبيه: أربعة عشر رجلا وأنكره ابن الصلاح [ (1) ] [فقال: لم أجد هذا بعد إمعان البحث] ثم النووي [في تنقيحه فقال: هذا ليس بثابت ولا معروف وإنما الثابت خروج عمر يجرّ رداءه] ، ونقل مغلطاي عن بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة عشر رجلا من الأنصار. قال الحافظ: «الحق أنه لا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد، وقصة عمر جاءت في بعض الطرق» . وروى الحافظ ابن أبي أسامة عن كثير بن مرة [ (2) ] إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول من أذّن بالصلاة جبريل في السماء فسمعه عمر وبلال، فسبق عمر بلالا، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم جاء بلال، فقال: «سبقك بها عمر» [ (3) ] . وسنده/ واه جدا، في سنده سعيد بن سنان [ (4) ] ، قال الذهبي في المغني: «متروك متّهم» . السادس: وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى إليه:

_ [ (1) ] عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر، الإمام العلامة مفتي الإسلام، تقي الدين، أبو عمرو بن الإمام البارع صلاح الدين أبي القاسم، النصري- نسبة إلى جده أبي نصر- الكردي، الشهرزوري الأصل، الموصلي المربا، الدمشقي الدار والوفاة. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بشهرزور، وتفقه على والده، قال ابن خلكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه. وقال ابن الحاجب: إمام ورع، وافر العقل، حسن السمت، متبحر في الأصول والفروع. ويحكى عنه أنه قال: ما فعلت صغيرة في عمري. ومن تصانيفه: مشكل الوسيط في مجلد كبير وكتاب الفتاوى كثير الفائدة، وعلوم الحديث، وكتاب أدب المفتي والمستفتي. توفي بدمشق في حصار الخوارزمية في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة. الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 113، 114، 115، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 137، ووفيات الأعيان 2/ 408 والطبقات لابن هداية الله ص 84 والبداية والنهاية 13/ 168. [ (2) ] كثير بن مرة الحضرمي أبو القاسم الرّهاوي ثم الحمصي تابعي. عن عمر ومعاذ وعنه خالد بن معذان ويزيد بن أبي حبيب. وثقة العجلي. قال أبو مشهر: مات في خلافة عبد الملك. [ (3) ] انظر فتح الباري 2/ 78. [ (4) ] سعيد بن سنان البرجي الشّيباني أبو سنان الكوفي الأصغر نزيل قزوين. عن طاووس والضحاك. وعنه الثوري. وثقة ابن معين وأبو حاتم. قيل: مات قبل الستين ومائة. الخلاصة 1/ 318.

بالأذان، فنزل به، فعلّمه بلالا، وفي سنده، طلحة بن زيد الرّقّي هالك. قال الحافظ أبو الفرج بن رجب: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد بغير شك، قلت: وبغيره أيضا. ولابن شاهين عن علي بن أبي طالب: «علم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الأذان ليلة أسرى به وفرضت عليه الصلاة» ، وفي سنده حصين بن مخارق، وهو وضاع. وللدار قطني في الإفراد، وعن أنس رضي الله عنه «أن جبريل أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالأذان حين فرضت الصلاة» ، وسنده ضعيف. ولابن مردويه من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «لما أسري بي أذّن جبريل، فظنّت الملائكة أنه يصلّي بهم، فقدّمني فصلّيت» ، وفي سنده من لا يعرف. وقال الذهبي في مختصر الإمام، أصل الإلمام لابن دقيق العيد [ (1) ] : «هذا حديث منكر بل موضوع» . وللبزّار وغيره من حديث قال: «لما أراد الله عز وجل أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها [حتى أتى الحجاب الذي يلي الرحمن، فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب، فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا وأن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه فقال الملك: الله أكبر، الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب، صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر] ، فذكر بقية الأذان، وفي آخره: «ثم أخذ الملك بيده فأمّ أهل السماء..» وفي إسناده زياد بن المنذر [ (2) ] وهو متروك أيضاً. وقال ابن معين [ (3) ] : عدو الله كذّاب. وقال الذهبي: «هذا من وضعه» . وقال ابن كثير: «هذا الحديث الذي زعم السهيلي أنه صحيح هو منكر، تفرّد به زياد بن المنذر الذي تنسب إليه الفرقة الجارودية من الرافضة وهو

_ [ (1) ] محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح بن الشيخ القدوة العالم مجد الدين المنفلوطي المصري ابن دقيق العيد. ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة. وكان والده مالكي المذهب ثم تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فحقق المذهبين وقال ابن كثير في طبقاته: أحد علماء وقته، بل أجلهم، وأكثرهم علما ودينا، وورعا وتقشفا، ومداومة على العلم في ليلة ونهاره، مع كبر السن والشغل بالحكم. وله التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة، برع في علوم كثيرة لا سيّما في علم الحديث، فاق فيه على أقرانه، وبرز على أهل زمانه، رحلت إليه الطلبة من الآفاق ووقع على علمه وورعه وزهده الاتفاق، ومن تصانيفه الإلمام في الحديث، وتوفي ولم يبيضه، وكتاب الإمام- بهمزة مكسورة بعدها ميم- شرح الإلمام، الكتاب الكبير العظيم الشأن. توفي في صفر سنة اثنتين وسبعمائة، ودقيق العيد لقب لجده وهب. الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 229، 230، 231، والطبقات للإسنوي ص 336، والطبقات للسبكي 6/ 2، وفوات الوفيات 2/ 244. [ (2) ] زياد بن المنذر الهمداني. وقيل: الثقفي. ويقال: النهدي، أبو الجارود الكوفي الأعمى. عن أبي بردة، والحسن. وعنه مروان بن معاوية، ومحمد بن سنان العوقي. وعدّة. قال ابن معين: كذاب. وقال النسائي وغيره: متروك. وقال ابن حبان: كان رافضيّا يضع الحديث في الفضائل والمثالب. وقال الدارقطني: إنما هو منذر بن زياد. متروك. وقال غيره: إليه ينسب الجاروديّة ويقولون: إن عليا أفضل الصحابة وتبرؤوا من أبي بكر وعمر، وزعموا أن الإمامة مقصورة على ولد فاطمة. وبعضهم يرى الرجعة ويبيح المتعة. ميزان الاعتدال 2/ 93. [ (3) ] يحيى بن معين بن عون الغطفاني أبو زكريا البغدادي الحافظ الإمام العلم. قال أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث. قال ابن أبي خيثمة: مات بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وحمل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم ونودي بين يديه هذا الذي يذبّ الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله. الخلاصة 3/ 161.

من المتهمين، ولو كان النبي- صلى الله عليه وسلم- سمعه ليلة الإسراء لأمر به بعد الهجرة» . ولابن شاهين من طريق زياد المذكور، قال: «قلت لابن الحنفية: كنا نتحدث أن الأذان كان رؤيا، فقال: هذا والله الباطل، لكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما عرج به بعث إليه ملك علّمه الأذان» . قال [الحافظ ابن حجر] : «هذا باطل ويمكن على تقدير صحته أن يحمل على تعدّد الإسراء، فيكون ذلك وقع بالمدينة، وأما قول القرطبي لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء إن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله: «لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان» ، وكذا قول المحب الطبري، يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام، [وهذا] فيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه» . ولابن شاهين من طريق زياد أيضا عن الباقر عن أبيه عن أبي رافع عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا علي إن الله علّمني الصلاة والأذان، أتاني جبريل بالبراق» ، وزياد [راويه] كذّاب. ولأبي الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نزل الأذان على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع فرض الصلاة» ، وفي سنده عبد العزيز بن مروان [ (1) ] ، وهو تالف. قال الحافظ: «والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث، وقد جزم ابن المنذر «أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يصلّي بغير أذان، منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما جاء في حديث عبد الله بن عمر ثم في حديث عبد الله بن زيد» - انتهى كلام ابن المنذر. وقد حاول السهيلي الجمع بينهما فتكلف وتعسّف والأخذ بما صحّ أولى، فقال بانيا على صحته الحكم في مجيء الأذان على لسان الصحابي في المنام فقصّه فوافق ما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- سمعه فقال: «إنها لرؤيا حقّ» ، وعلم حينئذ أن مراد الله بما أريه في السماء أن يكون سنّة في الأرض، وقوّى ذلك عنده موافقته رؤيا عمر للأنصاري لأن السكينة تنطق على لسان عمر» .. انتهى. ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف إليه عمر للتقوية التي ذكرها. ولكن قد يقال: فلم اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة. وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى، لكنها مؤوّلة، فإن لفظها: «سبقك بها عمر» ، يحمل المراد بالسّبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد. السابع: قال السهيلي: «اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي

_ [ (1) ] عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو الأصبغ: أمير مصر. ولد في المدينة، وولي مصر لأبيه استقلالا، سنة 65 هـ-، فسكن حلوان. وأعجبته، فبنى فيها الدور والمساجد، وغرس بها كرما ونخيلا. وتوفي فيها. وهو والد الخليفة عمر بن العزيز. توفي سنة 85 هـ-. الأعلام 4/ 28.

- صلى الله عليه وسلم- من المؤمنين لما فيه من التنويه من الله تعالى بعبده والرفع لذكره، فلأن يكون ذلك على لسان غيره أنوه به وأفخم لشأنه، وهذا معنى بيّن، فإن الله تعالى يقول: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [سورة الشرح، الآية: 4] ، فمن رفع ذكره أن أشار به على لسان غيره» . انتهى كلام السهيلي- وهذا حسن بديع. الثامن: من أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن مروان- وهو تالف- عن عبد الله بن الزبير قال: «أخذ الأذان من أذان إبراهيم عليه السلام وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [سورة الحج، الآية: 27] الآية، قال: «فأذّن النبي- صلى الله عليه وسلم-» ، وما رواه أبو نعيم بسند فيه مجاهيل عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: «أن جبريل نادى بالأذان لآدم عليه السلام حين أهبط من الجنة» . التاسع: ذكر بعضهم مناسبة اختصاص بلال بالأذان دون غيره، كونه لما عذّب ليرجع عن الإسلام كان يقول: أحد أحد، فجوزي بولاية الأذان المشتمل على التوحيد من ابتدائه إلى انتهائه. العاشر: استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، ورؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي. وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك بأنه- صلى الله عليه وسلم- أمر بمقتضاها لينظر أيقرّ على ذلك أم لا، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه، ويؤيد الأول حديث عبيد بن عمير، أحد كبار التابعين: «أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي- صلى الله عليه وسلم-: فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال» . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «سبقك بذلك الوحي» [ (1) ] . وهذا أصحّ كما حكاه الداودي عن ابن إسحاق «أن جبريل أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد بثمانية أيام» . الحادي عشر: قيل أن الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان إعلام للغائبين متكرّر ليكون أوصل إليهم، بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين، ومن ثمّ استحبّ أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة. الثاني عشر: في بيان غريب ما سبق: «بدء» الأذان، بفتح الموحدة وسكون الدال [المهملة] وبالهمزة، أي ابتداؤه. «الحين» : الزمان قل أو كثر.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في المراسيل (81) حديث (20) وذكره السيوطي في الجامع الكبير من حديث الشعبي مرسلا وعزاه للضياء في المختارة.

«يتحيّنون» الصلاة: أي يطلبون حينها. «المواقيت» جمع ميقات: وهو الوقت المضروب للفعل. «الدّعوة» : بالفتح: الأذان. «القنع» [ (1) ] : بضم القاف وسكون النون هو البوق- بضم الموحدة- شيء مجوف ينفخ فيه. «الشّبّور» [ (2) ] : بشين معجمة مفتوحة فموحدة مضمومة مشدّدة وهو البوق. «النّاقوس» : آلة من النحاس يضرب فيصوّت. «حي» على الصلاة: أقبلوا. «الفلاح» : أي الفوز، أي هلمّوا إلى طريق النجاة والفوز. «أندى [ (3) ] » صوتا منك، أي أمدّ وأبعد وأرفع غاية، وقيل: أحسن وأعذب. «ألقه» عليه: أي علّمه إياه. فما «راع» عمر: أي ما شعر عمر أي ما أعلمه. «لديّ» : بفتح اللام وتشديد التحتية: أي عندي، وإليّ بذلك تابع. «التوقير» : التعظيم. «الحصاص» [ (4) ] بحاء مضمومة فصادين مهملتين: الضراط، وقيل شدة العدو، ويفعل ذلك الشيطان لئلا يسمع الأذان فيضطر إلى الشهادة يوم القيامة. «الغيلان» : واحدها غول، والغيلان جنس من الجن كانت العرب تزعم أنها تتراءى للناس في الفلاة فتتمثّل في صور شتّى فتغولهم أي تضلّهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا غول [ولا صفر] » [وقيل قوله: لا غول] ، ليس نفيا [لعين الغول] ووجوده وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلوّنه بالصور المختلفة واغتياله، فيكون المعنى بقوله: لا غول أنّها لا تستطيع أن تضلّ أحدا. ومنه الحديث: «إذا تغوّلت الغيلان فبادروا بالأذان» ، أي ادفعوا شرّها بذكر الله، وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها.

_ [ (1) ] وهو بالكسر: الطبق من عسب النخل يوضع فيه الطعام وقال ابن الأثير: يقال له: القع والقنع بالكسر والضم اللسان 5/ 3756. [ (2) ] انظر اللسان 4/ 2184، 2185. [ (3) ] المصباح المنير ص 599. [ (4) ] انظر اللسان 2/ 898.

الباب الخامس في مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم

الباب الخامس في مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم قال أبو عمر، وأقرّه في العيون، والفتح، ونقله في كتاب الصيام عن أصحاب المغازي: «كانت المؤاخاة مرّتين: الأولى: بين المهاجرين بعضهم بعضا قبل الهجرة على الحق والمواساة فآخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة. وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن صالح الأسدي وهو ثقة عن زيد بن حارثة أنه قال: «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آخى بيني وبين حمزة بن عبد المطلب، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير بن العوام وابن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعد بن أبي زيد [بن عمرو بن نفيل] وطلحة بن عبيد الله، وبين علي بن أبي طالب ونفسه صلى الله عليه وسلّم. وروى الحاكم والخلعي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «آخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وفلانا، حتى بقي علي رضي الله عنه تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أما ترضى أن أكون أخاك» ؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت. قال: «فأنت أخي في الدنيا والآخرة» . الثانية: قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «حالف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار في دارنا» رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود. وروى الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبخاري، وأبو داود [السجستاني] وأبو الشيخ، والطبراني عن ابن عباس مختصرا، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق عنه مطوّلا، وابن سعد والحاكم وصححه عن الزبير بن العوّام، وابن سعد عن الزهري، وإبراهيم التيمي، وضمرة بن سعيد، قالوا: لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمواساة، ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «فآخى بينهم على الحق والمواساة، ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «فآخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة، وبين أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد بن الحارث، وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك، وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش- ويقال: بينه وبين عبد الله بن مسعود، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وقال لسائر أصحابه: «تواخوا وهذا أخي» - يعني علي بن أبي طالب.

قام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال، وكان مما شدّ الله عقد نبيه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال 72: 74] فأحكم الله بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، يتوارث الذين آخوا دون من كان مقيما بمكة من ذوي الأرحام والقرابات. فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله. فلما كان بعد بدر أنزل الله تعالى الآية الأخرى فنسخت ما كان قبلها، فقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال 75] وانقطعت المؤاخاة في الميراث ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه. وروى الخرائطي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قال المهاجرون: «يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا من كثير، لقد كفونا المؤونة، وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كلّه» . قال: «لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم [الله] لهم» [ (1) ] . وروى مسلم والنسائي والخرائطي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لقد رأيتنا وما الرجل المسلم بأحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم» . قال الزهري، وإبراهيم التيمي، وحمزة بن سعيد، كما رواه ابن سعد عنهم: «كانوا تسعين رجلا: خمسة وأربعون رجلاً من المهاجرين وخمسة وأربعون من الأنصار» . ويقال: «كانوا مائة: خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار» . قال ابن إسحاق، وسنيد بن داود، وأبو عمر، وأبو الفرج: «آخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين نفسه- صلى الله عليه وسلم-» ، قال أبو عمر: «وقال له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة» . وروى أبو بكر الشافعي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس آخى بينه وبين عليّ، وبين حمزة بن عبد المطلب وأسيد- بضم الهمزة وفتح السين- ابن

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 200 وابن أبي شيبة 9/ 68 وانظر البداية والنهاية 3/ 228.

حضير- بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة- وبين جعفر بن أبي طالب وهو بأرض الحبشة ومعاذ بن جبل» . واستشكل ذلك ويأتي جوابه في ثالث التنبيهات إن شاء الله، «وبين أبي بكر وخارجة- بالخاء والجيم المعجمة- ابن زيد، وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك- بعين مهملة مكسورة ففوقية ساكنة فموحدة وقد تضمّ العين- وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر أخي حسان بن ثابت، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك» ، وذكر أبو الفرج بدل كعب بن مالك، أبي بن كعب، وقيل أبي بن كعب وسعيد بن زيد، وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش- بفتح الواو وسكون القاف وبالشين المعجمة- كما ذكروا في حديث الزبير السابق أنه واخى بين سعد بن أبي وقّاص ومحمد بن مسلمة، وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع» . وروى البخاري في أوائل كتاب البيوع بسند وعلّقه في باب: كيف آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، والإمام أحمد والشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فعرض سعد على عبد الرحمن أن يناصفه أهله وماله. قال سعد: أنا أكثر أهل المدينة مالا فأقسم لك نصف مالي وانظر أيّ زوجتيّ هويت، نزلت لك عنها، فإذا حلّت تزوّجتها. فقال عبد الرحمن: بارك الله عز وجل لك في أهلك ومالك دلّوني على السوق، فاشترى وباع [ (1) ] ، وسيأتي الحديث في المعجزات إن شاء الله تعالى. وواخى بين أبي عبيدة بن الجراح وأبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري النجاري، فهذا أصحّ مما ذكره ابن إسحاق وأبو عمر إلا أن يكون آخى بين أبي عبيدة وسعد بن معاذ. وذكر سنيد أنه واخى بين سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة بن خالد بن عدي الأوسي وبين سعد بن زيد وأبي بن كعب، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب، وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وقيل: بين عمّار وثابت بن قيس بن الشّمّاس لأن حذيفة إنما أسلم زمان أحد، وبين أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعبّاد- بموحدة ودال مهملة- ابن بشر- بكسر الموحدة وبالشين المعجمة- ابن وقش، وبين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمر المعنق ليموت. وأنكر ذلك محمد بن عمر الأسلمي لأن أبا ذرّ إنما قدم المدينة بعد بدر وأحد، وعنده طليب- بالتصغير- ابن عمير والمنذر بن عمرو، وسيأتي الجواب عن ذلك في ثالث التنبيهات إن شاء الله تعالى. وواخى بين عبد الله بن مسعود وسهل بن حنيف، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء عويمر بن ثعلبة كما في صحيح البخاري عن أبي جحيفة [وهب بن عبد الله]

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 337 (2049) .

رضي الله عنه، وأنكر ذلك محمد بن عمر لأن سلمان إنما أسلم بعد وقعة أحد، وأول مشاهده الخندق، ويأتي الجواب عن ذلك. [وواخى] بين بلال [بن رباح مولى أبي بكر] وأبي رويحة- بضم الراء وفتح الواو وبعدها تحتية ساكنة فحاء مهملة- واسمه عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي، وبين حاطب بن أبي بلتعة- بموحدة فلام ساكنة ففوقية فعين مهملة- وعويم- بلفظ تصغير عام- ابن ساعدة، وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح- بفتح الهمزة وسكون القاف فلام فحاء مهملة، وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وعمير بن الحمام- بضم الحاء المهملة-، وبين الطفيل بن الحارث أخي عبيدة، وسفيان بن نسر- بفتح النون وسكون المهملة- كما ضبطه الأمير، وقيل بالتصغير- ابن زيد بن الحارث الخزرجي، وبين الحصين بن الحارث أخي عبيدة وعبد الله بن جبير- بلفظ تصغير جبر- « [ابن النعمان الأوسي] ، وبين عثمان بن مظعون- بالظاء المعجمة المشالة-[ابن حبيب بن وهب القرشي الجمحيّ] والعباس بن [عبادة بن] نضلة- بالنون والضاد المعجمة، وذكر سنيد بدل العباس أبا الهيثم بن التيهان- بفتح الفوقية وكسر التحتية المشددة، وبين عتبة بن غزوان- بغين مفتوحة فزاي ساكنة معجمتين- ومعاذ بن ماعص- بعين فصاد مهملتين ويقال فيه ناعص-[ابن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق] ، وبين صفوان [بن وهب بن ربيعة القرشي الفهري وهو المعروف] بابن بيضاء ورافع بن المعلّى- بلفظ اسم المفعول من العلوّ بالعين المهملة-[ابن لوذان بن حارثة] ، وبين المقداد بن عمرو وعبد الله بن رواحة، وبين ذي الشمالين [بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان] ويزيد بن الحارث وبين أبي سلمة بن عبد الأسد- بالمهملة- وسعد بن خيثمة- بخاء معجمة فتحتية فثاء مثلثة، وبين عامر بن أبي وقاص وخبيب- بخاء معجمة مضمومة فموحدة مفتوحة- ابن عديّ، وبين عبد الله بن مظعون وقطبة- بلفظ تأنيث قطب- ابن عامر، وبين شمّاس- بشين معجمة مفتوحة فميم مشددة فألف فسين مهملة- ابن عثمان وحنظلة بن أبي عامر [ (1) ] ، وبين الأرقم بن أبي الأرقم وطلحة بن زيد الأنصاري، وبين زيد بن الخطاب ومعن بن عدي، وبين عمرو بن سراقة وسعد بن زيد الأشهلي، وبين عاقل

_ [ (1) ] حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة. وكان أبوه في الجاهلية يعرف بالرّاهب واسمه عمرو ويقال: عبد عمرو وكان يذكر البعث ودين الحنيفة فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عانده وحسده وخرج عن المدينة وشهد مع قريش وقعة أحد ثم رجع مع قريش إلى مكة ثم خرج إلى الروم فمات بها سنة تسع، ويقال: سنة عشر، وأعطى هرقل ميراثه لكنانة بن عبد ياليل الثقفي وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه واستشهد بأحد لا يختلف أصحاب المغازي في ذلك. الإصابة 2/ 44، 45.

تنبيهات

- بعين مهملة وبعد الآلف قاف- ابن البكير- بموحدة تصغير بكر- ومبشّر بن عبد المنذر، وبين عبد الله بن مخرمة وفروة بن عمرو البياضي، وبين خنيس- بخاء معجمة مضمومة ونون مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة- ابن حذافة، والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة- بمهملتين- تصغير أحّة، وبين أبي سبرة- بسين مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة- ابن أبي رهم- وهو بضم الراء وسكون الهاء، وعبادة بن الخشخاش- بخاءين الأولى مفتوحة وشينين الأولى ساكنة معجمات، كما ذكره الأمير، وبين مسطح- بميم مكسورة فسين مهملة فطاء مفتوحة وحاء مهملتين- ابن أثاثة- بالضم ومثلثتين مخفّفة- وزيد بن المزين- ضبطه الدارقطني والأمير بضم الميم وفتح الزاي وآخره نون مصغّر، وشدّد أبو عمر بخطّه التحتية- والله أعلم، وبين أبي مرثد- بفتح الميم وسكون الراء فثاء مثلثة- الغنوي- بالغين المعجمة المفتوحة والنون- وعبادة بن الصامت، وبين عكّاشة بعين مهملة مضمومة فكاف تشديدها أفصح من تخفيفها- ابن محصن- بكسر الميم، - والمجذّر- بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الذال المعجمة المفتوحة ثم راء- ابن ذياد- بكسر الذال المعجمة وتخفيف التحتية في آخره دال مهملة، وقيل إنه بفتح أوله وتشديد ثانيه-، وبين عامر بن فهيرة- بالتصغير- والحارث بن الصّمّة- بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم، - وبين مهجع- بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الجيم- مولى عمر، وسراقة بن عمرو بن عطية. تنبيهات الأول: قال في الروض: «آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حين نزلوا المدينة لتذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزر بعضهم ببعض، فلما عزّ الإسلام واجتمع الشّمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال 75] أعني في الميراث، ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة يعني في التواد وشمول الدعوة» . الثاني: اختلف في ابتدائها فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل بتسعة، وقيل وهو يبني المسجد، وقيل قبل بنائه، وقيل بسنة، وقيل بثلاثة أشهر وقيل بدر، وتقدم عن أنس بن مالك أن ذلك كان في داره، وذكر أبو سعد النيسابوري في الشرف أن ذلك كان في المسجد. فالله أعلم. الثالث: أنكر الواقدي مؤاخاة سلمان لأبي الدرداء لأن سلمان إنما أسلم بعد وقعة أحد، وأول مشاهده الخندق. وأجاب الحافظ بأن التاريخ المذكور [هو] للأخوة الثانية وهو ابتداء الأخوة، واستمر صلى الله عليه وسلم يجدّدها بحسب من يدخل في الإسلام ويحضر إلى المدينة،

وليس باللازم أن تكون المؤاخاة وقعت وقعة واحدة حتى يرد هذا التعقيب. وبما أجاب به الحافظ يجاب به عن مؤاخاة أبي ذرّ والمنذر بن عمرو، وعن مؤاخاة حذيفة وعمّار، وعن مؤاخاة جعفر ومعاذ بن جبل، ويقال بأن معاذ أرصد لمؤاخاة جعفر حتى يقدم. الرابع: نقل محمد بن عمر، عن الزهري أنه أنكر كلّ مؤاخاة وقعت بعد بدر، ويقول: قطعت بدر المواريث. قال الحافظ رحمه الله تعالى: وهذا لا يدفع المؤاخاة من أصلها، وإنما يدفع المؤاخاة المخصوصة التي كانت عقدت بينهم ليتوارثوا بها. الخامس: أنكر الحافظ أبو العباس بن تيمية المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه. قال: لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضا ولتتألّف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاته لأحد ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري. قال الحافظ: «وهذا ردّ للنّصّ بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوة، فواخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى، وبهذا تظهر حكمة مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه، لأنه هو الذي كان يقوم بعليّ من عهد الصّبا قبل البعثة واستمرّ، وكذلك مؤاخاة حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم، فقد ثبتت إخوتهما وهما من المهاجرين، وفي الصحيح في عمرة القضاء أن زيدا قال: «إن ابنة حمزة ابنة أخي» . وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء [ (1) ] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود، وهما من المهاجرين، وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة، وابن تيمية يصرّح بأن أحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك، قلت: يأتي الكلام مبسوطا على أخوة النبي صلى الله عليه وسلم في ترجمة علي رضي الله عنه عند ذكر تراجم العشرة إن شاء الله تعالى. السادس: روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان عن شعبة بن التوأم- بفتح الفوقية والهمزة- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حلف في الإسلام» [ (2) ] ، زاد شعبة بن التوأم: «ولكن تمسّكوا بحلف الجاهلية» . انتهى. «وأيما- وفي لفظ: كل- حلف كان في

_ [ (1) ] جابر بن زيد الأزدي أبو الشّعثاء الجوفي بفتح الجيم البصري الفقيه، أحد الأئمة، عن ابن عباس فأكثر ومعاوية وابن عمر. وعنه قتادة وعمرو بن دينار وأيوب وخلق. قال ابن عباس: هو من العلماء. قال أحمد: مات سنة ثلاث وتسعين. وقال ابن سعد: سنة ثلاث ومائة. الخلاصة 1/ 156. [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة 4/ 1961. (206- 2530) وأبو داود (2925) وأحمد في المسند 1/ 190 والبيهقي في السنن 6/ 262 وعبد الرزاق (10437) والطبراني في الكبير 11/ 282 والحاكم 2/ 220 والدارمي 2/ 243.

الجاهلية لم يزده الإسلام إلا حدّة وشدّة، وما يسرني أن لي حمر النعم وأني نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة» . وروى البخاري في الكفالة وفي الاعتصام، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الفرائض عن عاصم بن سليمان الأحول قال: «قلت لأنس بن مالك: أبلغك إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام؟ قال: قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري» [ (1) ] . قال الطبراني: ما استدلّ به أنس على إثبات الحلف لا ينافي الأحاديث السابقة في نفيه، فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة، وكانوا يتوارثون به، ثم نسخ من ذلك الميراث، وبقي ما لم يبطله القرآن وهو التعاون على الحق والنصر والأخذ على يد الظالم، كما قال ابن عباس: «إلا النصر والنصيحة» ، ويوصي به فقد ذهب الميراث. وقال الخطّابي: قال ابن عيينة: حالف بينهم: أي آخى بينهم، يريد أن معنى الحلف في الجاهلية معنى الحلف في الإسلام جار على أحكام الدين وحدوده، وحلف الجاهلية جار على ما كانوا يتواضعونه بينهم، فبطل منه ما خالف حكم الإسلام وبقي ما عدا ذلك على حاله. والحلف- بكسر الحاء المهملة وسكون اللام بعدها فاء، قال في النهاية: أصله المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام» . وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيّبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «وأيّما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدّة» ، يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق [وبذلك يجتمع الحديثان وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام] والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 517 (6083) ومسلم في الموضع السابق (205- 2528) .

الباب السادس في قصة تحويل القبلة

الباب السادس في قصة تحويل القبلة روى ابن إسحاق وابن سعد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والستة، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والدارقطني، والبيهقي عن البراء بن عازب، وابن إسحاق وابن أبي شيبة، وأبو داود والنحاس في ناسخهما، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو داود في ناسخه عن أبي العالية مرسلا، ويحيى بن الحسن العلوي في أخبار المدينة عن رافع بن خديج رضي الله عنه، والإمام مالك، وعبد بن حميد والشيخان، وأبو داود في ناسخه، والنسائي، ويحيى بن الحسن، عن عثمان بن محمد بن الأخنس، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة، والزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن، وابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش، وابن جرير عن مجاهد، يزيد بعضهم على بعض: «أن أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه» . وقال ابن جريج، كما عند ابن جرير: «صلّى النبي صلى الله عليه وسلم أول من صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلّى ثلاث حجج ثم هاجر» . ولما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله سبحانه وتعالى أن يستقبل صخرة بيت المقدس، فعرّض اليهود بذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس. وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، لأن اليهود قالوا: «خالفنا محمد ويتبع قبلتنا» . وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: «وددت أن الله عز وجل صرفني عن قبلة يهود إلى غيرها» ، فقال جبريل عليه السلام: «إنما أنا عبد مثلك لا أملك لك شيئاً إلا ما أمرت به، فادع الله تعالى» . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله تعالى، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم زائرا أم بشر بن البراء بن معرور، في بني سلمة- بكسر اللام- فصنعت له طعاما، وحانت صلاة الظهر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مسجد هناك الظهر، فلما صلى ركعتين نزل جبريل فأشار إليه أن صل إلى البيت، وصلى جبريل إلى البيت فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، واستقبل الميزاب. فتحوّل النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فهي القبلة التي قال الله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة 144] فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين. وكان الظهر يومئذ أربعا: اثنتان إلى بيت المقدس واثنتان إلى الكعبة، فخرج عباد بن بشر رضي الله عنه، وكان صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على قوم من الأنصار ببني حارثة- بالحاء المهملة والثاء المثلثة- وهم راكعون في صلاة العصر، فقال: «أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البيت» . فاستداروا.

قال رافع بن خديج: «وأتانا آت ونحن نصلي في بني عبد الأشهل فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يوجه إلى الكعبة، فأدارنا إمامنا إلى الكعبة ودرنا معه» . قال ابن عمر: «وبينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت- قال ابن طاهر المقدسي: هو عباد بن بشر أيضا- فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة» . وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. وقال المنافقون: «خرّ محمد إلى أرضه» . وقال المشركون: «أراد محمد أن يجعلنا قبلة له ووسيلة، وعرف أن ديننا أهدى من دينه، ويوشك أن يكون على ديننا» . وقال اليهود للمؤمنين: ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب وقبلة الأنبياء؟ والله إن أنتم إلا قوم تفتنون. وقال المؤمنون: لقد ذهب منّا قوم ماتوا وما ندري أكنّا نحن وهم على قبلة أو لا. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس، وكردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ورافع بن أبي رافع، والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف، والربيع وكنانة ابنا الربيع بن أبي الحقيق- بلفظ تصغير حق- فقالوا: «يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك» . وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه، فأنزل الله عز وجل: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ- الجهّال واليهود والمشركون والمنافقون ما وَلَّاهُمْ- أي صرفهم- عَنْ قِبْلَتِهِمُ- التي كانوا على استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس، والإتيان بالسين الدّالّة على الاستقبال من الإخبار بالغيب- الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ- أي الجهات كلها، فيأمر بالتوجه إلى أية جهة شاء لا اعتراض عليه- يَهْدِي مَنْ يَشاءُ- هدايته- إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة 142]- دين الإسلام، أي ومنهم أنتم، دل على هذا وَكَذلِكَ أي كما هديناكم إليه جَعَلْناكُمْ يا أمة محمد أُمَّةً وَسَطاً خيارا عدولا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً أنه بلّغكم وَما جَعَلْنَا صيّرنا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها أولا وهي جهة بيت المقدس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي إليها تألّفا لليهود فصلّى إليها ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حوّل إِلَّا لِنَعْلَمَ علم ظهور مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ فيصدّقه مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ أي يرجع إلى الكفر شكّا في الدين وظنّا أن النبيّ في حيرة من أمره، وقد ارتدّ لذلك جماعة وَإِنْ مخفّفة من الثقيلة واسمها محذوف، أي وإنّها كانَتْ التولية إليها- لَكَبِيرَةً شاقّة على الناس إِلَّا

تنبيهات

عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ منهم وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليها لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ المؤمنين لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [البقرة 143] في عدم إضاعة أعمالهم، والرأفة شدة الرحمة وقدّم الأبلغ للفاصلة. قَدْ للتحقيق نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ أي تصرّف وجهك في جهة السماء تطلّعا إلى الوحي، وتشوّقا للأمر باستقبال الكعبة وكان يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم ولأنه أدعى إلى إسلام العرب فَلَنُوَلِّيَنَّكَ نحوّلنّك قِبْلَةً تَرْضاها تحبّها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ استقبل في الصلاة ناحية المسجد الحرام أي الكعبة وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ خطابا للأمة فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ في الصلاة شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ أي التّولي إلى الكعبة الْحَقُّ الثابت مِنْ رَبِّهِمْ لما في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتحوّل إليها وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة 144] [قرئت] بالتاء أي أيها المؤمنون من امتثال أمره، وبالياء أي اليهود من إنكار القبلة. وَلَئِنْ لام قسم أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ على صدقك في أمر القبلة ما تَبِعُوا أي لم يتبعوا قِبْلَتَكَ عنادا وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ قطع لطمعه في إسلامهم وطمعهم في عوده إليها وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ أي اليهود قبلة النصارى وبالعكس وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ التي يدعونك إليها مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الوحي إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة 145] أي إن اتّبعتهم فرضا. تنبيهات الأول: تصوير ما ذكر من تحويل الرجال مكان النساء وتحويل النساء مكان الرجال أن الإمام يتحول من مكانه في مقدّم المسجد إلى مؤخّره، لأن من استقبل الكعبة بالمدينة فقد استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، فلما تحوّل الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال. وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة. ويحتمل أن ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير، كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور لأجل المصلحة المذكورة، أو لم يتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت متفرقة. الثاني: اختلف في تاريخ تحويل القبلة، فقال البراء بن عازب كما عند البخاري: كان على رأس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً. وقال ابن عباس كما عند ابن إسحاق، وأبي داود في ناسخه سبعة عشر شهرا. وكذا قال عمرو بن عوف كما عند البزار والطبراني. وقال ابن عباس

أيضا كما عند ابن أبي شيبة وأبي داود في ناسخه، والطبراني والزهري كما عند البيهقي، وسعيد بن المسيب كما عند الإمام مالك وأبي داود فيه، وابن جرير وقتادة كما عند عبد بن حميد، وابن المنذر «على رأس ستة عشر شهراً» . وقال أنس بن مالك كما عند البزار، وابن جرير تسعة عشر شهراً. قال الحافظ: «فطريق الجمع بين رواية ستة عشر وسبعة عشر شهرا، ورواية الشك في ذلك: أن من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل وشهرا وألغى الأيام الزائدة، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف وكان التحويل بعد الزوال في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس. وقول ابن حبّان: سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام مبني على أن القدوم كان في ثاني ربيع الأول، وأسانيد رواية ثلاثة عشر وثمانية عشر وتسعة عشر شهرا، وعشرة أشهر، ورواية شهرين، ورواية سنتين هي أسانيد ضعيفة، والاعتماد على الثلاثة الأول. الثالث: اختلف في أي شهر كان تحويل القبلة. فقال محمد بن حبيب: في نصف شعبان، وهو الذي ذكره النووي في الروضة وأقرّه، مع كونه رجّح في شرحه على صحيح مسلم رواية ستة عشر شهراً لكونها مجزوما بها عند مسلم. ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان إلا بإلغاء شهري القدوم والتحويل. وجزم موسى بن عقبة بأن التحويل كان في جمادى الآخرة. الرابع: اختلف في أي صلاة كان التحويل، ففي الصحيح عن البراء بن عازب أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي صلاة العصر، والأكثر على أنها صلاة الظهر. قال الحافظ: والتحقيق أن أول صلاة صلاها في بني سلمة- بكسر اللام- الظهر، وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر، وأما الصبح فهو لأهل قباء. الخامس: اختلف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وهو بمكة، فروى ابن ماجة عن طريق أبي بكر بن عياش عن البراء أنه قال: «صلّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة بشهرين» . وظاهره أنه كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس محضا. وحكى الزهري خلافا في أنه جعل الكعبة خلف ظهره أو أنه جعلها بينه وبين بيت المقدس، وعلى الأول فكان يجعل الميزاب خلفه، وعلى الثاني كان يصلي بين الرّكنين اليمانيّين. وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة بمكة، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس، ثم نسخ. قال الحافظ: «وهذا ضعيف ويلزم منه دعوى النّسخ مرّتين، والأول أصحّ لأنه يجمع بين القولين. وقد صحّحه الحاكم وغيره. وحمل أبو عمر هذا

القول على الثاني ويؤيده في حمله على ظاهره إمامة جبريل، ففي بعض طرقه أن ذلك كان عند البيت. وروى ابن جرير وغيره بسند جيد قوي عن ابن عباس قال: «لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس» إلى آخره، وظاهره أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة، لكن روى الإمام أحمد من وجه آخر عن ابن عباس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه» [ (1) ] . ورواه ابن سعد أيضا وسنده جيّد قويّ والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر لما هاجر أن يستمر على الصلاة إلى بيت المقدس. وقوله في حديث ابن عباس الأول: «أمره الله» يردّ قول من قال: «أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس باجتهاد» ، كما رواه ابن جرير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف. وعن أبي العالية أنه صلّى إلى بيت المقدس يتألّف بذلك أهل الكتاب، وهذا لا ينبغي إلا بتوقيف. السادس: الذين ماتوا قبل فرض الصلاة وقبل تحويل القبلة من المسلمين عشر أنفس: بمكة من قريش 1 عبد الله بن شهاب 2 والمطلب بن أزهر، الزّهريّان، 3 والسكران بن عمرو العامري. وبأرض الحبشة منهم: 4 حطّاب بن الحارث الجمحيّ- حطّاب بالحاء المهملة- 5 وعمرو بن أمية الأسدي، 6 وعبد الله بن الحارث السهمي. 7 وعروة بن عبد العزى، 8 وعديّ بن نضلة- بالنون والضاد المعجمة- العدويّان- ومن الأنصار بالمدينة: 9 البراء بن معرور- بمهملات، 10 وأسعد بن زرارة. فهؤلاء العشرة متّفق عليهم، ومات في المدة أيضا إياس بن معاد الأشهلي لكنه مختلف في إسلامه. السابع: وقع في رواية زهير بن معاوية في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في صحيح البخاري وغيره: أنه مات على القبلة- أي قبلة بيت المقدس من قبل أن تحوّل [قبل البيت]- رجال قتلوا [فلم ندر ما نقول فيهم] . قال الحافظ: «ذكر القتل لم أره إلا في رواية الزهري وباقي الروايات إنما فيها ذكر الموت فقط، ولم أجد في شيء من الأخبار أن أحدا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة، لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فتحمل على أن بعض المسلمين ممّن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يضبط لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك» . قال: «ثم وجدت في التاريخ ذكر رجل

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 325 وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 15 وزاد نسبته للطبراني في الكبير والبزار وقال: ورجاله رجال الصحيح.

اختلف في إسلامه وهو سويد بن الصامت» [ (1) ] فذكر ما تقدم في بدء إسلام الأنصار. ثم قال الحافظ: «فيحتمل أن يكون هو المراد» قال: وذكر لي بعض الفضلاء أنه يجوز أن يراد من قتل بمكة من المستضعفين كأبوي عمّار فقلت: يحتاج إلى ثبوت أن قتلهما بعد الإسراء. الثامن: في بيان غريب ما سبق: «حجج» ، بكسر الحاء المهملة وفتح الجيم الأولى وكسر الثانية [أي سنين] . «قبل» البيت- بكسر القاف وفتح الموحدة-: أي جهته. «معرور» [ (2) ] بعين مهملة. «حانت» الصلاة: دنا وقتها.

_ [ (1) ] سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسى. ذكره ابن شاهين وقال: شك في إسلامه وقال أبو عمر: أنا أشك فيه كما فيه غيري. الإصابة 3/ 189. [ (2) ] انظر اللسان 4/ 2876.

جماع أبواب بعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود والمنافقين ونزول صدر من سورة البقرة وغيره من القرآن في ذلك

جماع أبواب بعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود والمنافقين ونزول صدر من سورة البقرة وغيره من القرآن في ذلك الباب الأول في أخذ الله سبحانه وتعالى العهد عليهم في كتبهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، إذا جاءهم، واعتراف جماعة منهم بنبوته، ثم كفر كثير منهم بغيا وعنادا فذكرت أحاديث كثيرة في أول الكتاب وأذكر ما لم أذكر هناك. قال الله سبحانه وتعالى يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة 40] روى ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه في الآية، قال الله تعالى للأحبار من يهود: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي من بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي الذي أخذت في أعناقكم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم أُوفِ بِعَهْدِكُمْ يقول: أرض عنكم وأدخلكم الجنة. وروى ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال: يقول: يا معشر أهل الكتاب، آمنوا بما أنزلت على محمد مصدّقاً لما معكم لأنهم يجدونه عندهم مكتوبا في التوراة والإنجيل، ولا تكونوا أوّل كافر به، وبمحمد صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ [البقرة 42] أي لا تخلطوا الصّدق بالكذب وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة 42] أي لا تكتموا الحقّ وأنتم قد علمتم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله. وروى عبد بن حميد عن قتادة قال: «لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وأنتم تعلمون أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله تعالى: وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنه رسول الله يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ [الأعراف 157] وروى ابن جرير عن السدي في قوله «وتكتموا الحقّ» قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم. وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وصف الله محمداً في التوراة، أكحل العين، ربعة، جعد الشعر، حسن الوجه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده أحبار يهود، فغيّروا صفته في كتابهم وقالوا: لا نجد نعته عندنا، وقالوا: نجد النبيّ الأمّيّ طويلا أزرق سبط الشعر، وقالوا للسّفلة: «ليس هذا نعت النبي الذي يحرّم كذا

وكذا» كما كتبوه، وغيّروا نعت هذا كما وصف، فلبّسوا بذلك على الناس. وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم إياها السّفلة لقيامهم على التوراة، فخافوا أن يؤمن السّفلة فتقطع تلك المأكلة. وروى البيهقي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة رضي الله عنهم قالوا: «كانت العرب تمرّ باليهود فيؤذونهم، وكانوا يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم في التوراة فيسألون الله تعالى أن يبعثه فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل» . وروى ابن إسحاق وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو نعيم عنه من طرق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم عن قتادة: أن يهود أهل المدينة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة يستفتحون يدعون الله على الذين كفروا ويقولون: «اللهمّ إنا نستنصر بحق محمد النبي الأمي إلا نصرتنا عليهم» ، فينصرون. وكانوا يقولون: «اللهمّ ابعث النبي الأمي الذي نجده في التوراة الذي وعدتنا أنك باعثه في آخر الزمان» . فلمّا جاءهم ما عرفوا، كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء أخو بني سلمة: يا معشر يهود اتّقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته. وروى ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج عن بعض من أسلم من أهل الكتاب، قال: «والله لنحن أعرف برسول الله منا بأبنائنا من أجل الصفة والنّعت الذي نجده في كتابنا، أما أبناؤنا فلا ندري ما أحدث النساء» وروى ابن إسحاق، والبيهقي، وأبو نعيم عن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها أنها قالت: «لم يكن أحد من ولد أبي وعمّي أبي ياسر أحبّ إليهما منّي، لم ألقهما قطّ مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قباء قرية بني عمرو بن عوف غدا إليه أبي، حيي بن اخطب وعمّي أبو ياسر بن أخطب مغلّسين، فو الله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا بأمر أبي كبشة [كالّين كسلانين] ساقطين يمشيان الهوينى فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إلى واحد منهما، فسمعت عمّي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن اخطب: أهو هو؟ قال: نعم. قال: أتعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت» . وذكر ابن عقبة عن الزهري قال: «إن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة ذهب إليه فسمع منه وحادثه ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم اطيعوني فإن الله تعالى قد جاءكم بالذي تنتظرونه فاتّبعوه ولا تخالفوه. فانطلق أخوه حيي بن اخطب، وهو يومئذ سيّد

يهود، وهما من بني النضير، فجلس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسمع منه، ثم رجع إلى قومه، وكان فيهم مطاعا. فقال: أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا. فقال له أخوه أبو ياسر: يا ابن أم أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعد لأمهلك. فقال: والله لا أطيعك. فاستحوذ عليه الشيطان، وتبعه قومه على رأيه» . وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أنه قد جاء جرمقانيّ [ (1) ] إلى أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- فقال: أين صاحبكم هذا الذي يزعم أنه نبيّ، لئن سألته لأعلمني نبيّ هو أو غير نبي. ثم قال الجرمقانيّ: «هذا والله الذي جاء به موسى» ، الجرمقانيّ بجيم مفتوحة فراء ساكنة فميم مفتوحة فقاف فألف فنون، منسوب إلى الجرامقة. قال في الصحاح: قوم بالموصل أصلهم من العجم، وقال غيره: وجرامقة الشام أنباطها. وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن حبرا من أحبار اليهود دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فواقفه يقرأ سورة يوسف فقال: «يا محمد من علّمكها» ؟ قال: «الله عز وجل علّمنيها» ، فعجب الحبر لما سمع منه. فرجع إلى اليهود فقال: «إن محمدا ليقرأ القرآن، كما أنزل في التوراة» . فانطلق جماعة منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة، ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فجعلوا يستمعون إلى قراءته لسورة يوسف، فتعجبوا منه وأسلموا عند ذلك [ (2) ] . وذكر محمد بن عمر الأسلمي أن النّعمان السّبئيّ وكان من أحبار يهود اليمن فلما سمعوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدم عليه فسأله عن أشياء، ثم قال له: «إن أبي كان يختم على سفر ويقول: «لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبيّ قد خرج بيثرب، فإذا سمعت به فافتحه» . قال النعمان: «فلما سمعت به فتحت السّفر فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة، وإذا فيه ما تحلّ وما تحرّم، وإذا فيه أنك آخر الأنبياء، وأمّتك آخر الأمم، واسمك أحمد، وأمّتك قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، لا يحضرون قتالا إلا وجبريل معهم، ويتحنّن الله تعالى عليهم كتحنّن الطّير على أفراخه، ثم قال لي: إذا سمعت به فاخرج إليه وصدّقه» . وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحبّ أن يسمع أصحابه حديثه. فأتاه يوما فقال: «يا نعمان حدّثنا» ، فابتدأ الحديث من أوّله، فرأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبتسم، ثم قال: «أشهد أني رسول الله» . ويقال إن النعمان هذا هو الذي قتله الأسود العنسيّ الكذّاب وقطّعه عضوا عضوا، والنعمان يقول: «أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأنك كذّاب مفتر على الله عز وجل» . ثم حرّقه بالنار، والآثار في هذا كثيرة لا تحصى.

_ [ (1) ] ذكرت هذه الكلمة بضم الجيم والميم وهو على خلاف ضبط المصنف. انظر اللسان 1/ 607. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 4/ 2 وعزاه للبيهقي في الدلائل.

الباب الثاني في إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث أبي يوسف

الباب الثاني في إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث أبي يوسف وهو من ذرية سيدنا يوسف الصّدّيق عليه السلام حليف القواقل من الخزرج، الإسرائيلي ثم الأنصاري رضي الله عنه. كان اسمه الحصين فغيره النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان عالم أهل الكتاب، وكان إسلامه في اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أبي أيوب أول ما قدم، كما في رواية عبد العزيز بن صهيب عند البيهقي. وروى ابن إسحاق عن رجل من آل عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نزل بقباء في بني عمرو بن عوف. فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه..» الحديث. وفيه: «فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأسلمت ورجعت إلى أهل بيتي. قال الحافظ عماد الدين بن كثير: «فلعلّه رآه أول ما رآه بقباء واجتمع به بعد ما صار إلى دار بني النّجّار والله أعلم» . وروى البخاري والبيهقي عن أنس، وابن إسحاق عن رجل من آل عبد الله بن سلام، والإمام أحمد، ويعقوب بن سفيان عن عبد الله بن سلام، والبيهقي عن موسى بن عقبة وعن ابن شهاب، قال: لما سمعت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كنا نتوكّف له [ (1) ] ، فكنت مسرّا بذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة، فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمّتي حين سمعت تكبيري: «لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت» . كبّرت. فقالت عمّتي حين سمعت تكبيري: «لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت» . قلت لها: «أي عمّة وهو، الله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، بعث بما بعث به» . فقالت له: «يا ابن أخي، أهو النبي الذي كنّا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة» ؟ [ (2) ] قلت لها: «نعم» . قالت: «فذاك إذا» . قال: «فخرجت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما تبيّنت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذّاب، فكان أول شيء سمعته يقول: «أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» [ (3) ] . وعند البيهقي عن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم النبي- صلى الله عليه وسلم- فأتى

_ [ (1) ] توكف الخبر: إذا انتظر. انظر النهاية 5/ 221. [ (2) ] بعثت في نفس الساعة: أي بعثت وقد حان قيامها وقرب، ألا إن الله أخرّها قليلا، فبعثني في ذلك النّفس، فأطلق النّفس على القرب. انظر النهاية 5/ 94. [ (3) ] أخرجه الترمذي 4/ 286 (1854) وقال: حسن صحيح غريب.

النبي فقال: «إني سائلك عن خلال لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ وما هذا السواد الذي في القمر؟» قال: «أخبرني بهنّ جبريل آنفا. قال: «جبريل» ؟ قال: «نعم» . قال «عدو اليهود من الملائكة» . «ثم قرأ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة 97] قال: «أما أول أشراط الساعة: فنار تخرج علي الناس من المشرق [تسوقهم] إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد حوت، وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، وأما السواد الذي في القمر: فإنهما كانا شمسين. قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء 12] فالسواد الذي رأيت هو المحو» . فقال: «أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله» . ثم رجع إلى أهل بيته فأمرهم فأسلموا وكتم إسلامه. ثم خرج إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله، إن اليهود قد علمت أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، وأنهم قوم بهت، وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني، وقالوا فيّ ما ليس في، فأحب أن تدخلني بعض بيوتك» . فأدخله رسول الله بعض بيوته، وأرسل إلى اليهود فدخلوا عليه فقال: «يا معشر يهود يا ويلكم اتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون إني رسول الله قد جئتكم بالحق فأسلموا» . فقالوا: ما نعلمه. فقال: «أي رجل فيكم الحصين بن سلام» ؟ قالوا: «خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا» . فقال: «أرأيتم إن أسلم» قالوا: «أعاذه الله من ذلك» . فقال: «يا بن سلام اخرج إليهم» فخرج عبد الله فقال: «أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله حقا، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة: اسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله وأومن به وأصدقه وأعرفه. قالوا: «كذبت أنت شرنا وابن شرّنا» ، وانتقصوه. قال: «هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور» ؟ قال: «وأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمّتي خالدة بنت الحارث وحسن إسلامها» . بيان غريب ما سبق: «نفس الساعة» بفتح النون والفاء، أي بعثت وقد حان وقت قيامها وقرب، ألا إن الله أخّرها قليلا، فبعثني في ذلك النّفس، فأطلق النّفس على القرب. وقيل معناه: أنه جعل للساعة

نفسا كنفس الإنسان أراد: إني بعثت في وقت قريب منها أحسّ فيه بنفسها كما يحسّ بنفس الإنسان إذا قرب [المرء] منه. يعني بعثت في وقت بانت أشراطها فيه وظهرت علاماتها. «نزع» [ (1) ] إلى أبيه في الشّبه: أي ذهب. «بهت» : [ (2) ] جمع بهوت من بناء المبالغة في البهت مثل صبور وصبر، ثم سكّن تخفيفا، والبهت [ (3) ] الكذب [والافتراء] .

_ [ (1) ] انظر اللسان 6/ 4395. [ (2) ] انظر اللسان 1/ 368. [ (3) ] قال في القاموس: البهت: الباطل الذي يتحير من بطلانه. انظر الترتيب 1/ 330.

الباب الثالث في موادعته صلى الله عليه وسلم اليهود، وكتبه بينه وبينهم كتابا بذلك، ونصبهم العداوة له ولأصحابه حسدا وعدوانا، ونقضهم للعهد

الباب الثالث في موادعته صلى الله عليه وسلم اليهود، وكتبه بينه وبينهم كتاباً بذلك، ونصبهم العداوة له ولأصحابه حسداً وعدواناً، ونقضهم للعهد قال ابن إسحاق: «وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم» . أي لمّا امتنعوا من إتباعه، وذلك قبل الإذن بالقتال وأخذ الجزية ممن أبى الإسلام، وذكر ابن إسحاق نسخة الكتاب وهو نحو ورقتين بغير إسناد، ورواه أبو عبيد في كتاب الأموال [ (1) ] بسند جيد عن الزّهري، ولعليّ أذكره في أبواب مكاتباته- صلى الله عليه وسلم-.

_ [ (1) ] قال أبو عبيد في الأموال: حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بهذا الكتاب: «هذا الكتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين قريش وأهل يثرب ومن تبعهم. فلحق بهم، فحل معهم وجاهد معهم. أنهم أمة واحدة دون الناس. والمهاجرون من قريش- قال ابن بكير: ربعاتهم. قال أبو عبيد: والمحفوظ عندنا رباعتهم- يتعاقلون بينهم معاقلهم الأولى وقال عبد الله بن صالح: ربعاتهم، وهو يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين والمسلمين، وبنو عوف على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الحرث بن الخزرج على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو جشم على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالقسط والمعروف بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النبيت على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الأوس على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وان المؤمنين لا يتركون مفرحا منهم أن يعينوه بالمعروف في فداء أو عقل، وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى وابتغى منهم دسيعة ظلم أو اثم، أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعه. ولو كان ولد أحدهم. لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر. ولا ينصر كافرا على مؤمن، والمؤمنون بعضهم موالي بعض دون الناس: وأنه من تبعنا من اليهود فإن له المعروف والأسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم، وأن سلم المؤمنين واحد، ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم وأن كل غازية غزت يعقب بعضهم بعضا، وأن المؤمنين المتقين على أحسن هذا وأقومه. وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا يعينها على مؤمن، وأنه من اعتبط مؤمنا قتلا فإنه قود، إلا أن يرضي ولي المقتول بالعقل. وأن المؤمنين عليها كافة. وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة أو آمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا أو يؤويه. فمن نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه إلى يوم القيامة، لا يقبل منه صرف ولا عدل وأنكم ما اختلفتم فيه من شيء فإن حكمه إلى الله تبارك وتعالى وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وأن يهود بني عوف ومواليهم وأنفسهم أمة من المؤمنين، لليهود دينهم، وللمؤمنين دينهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يرتغ إلا نفسه وأهل بيته، وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود الأوس مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وأنه لا يخرج أحد منهم إلا باذن محمد صلى الله عليه وسلم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصيحة والنصر للمظلوم. وأن المدينة جوفها حرم لأهل هذه الصحيفة، وأنه ما كان

وروى ابن عائذ عن عروة بن الزبير: إن أول من أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من اليهود أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن اخطب، فسمع منه، فلما رجع قال لقومه: «أطيعوني فإن هذا هو النبي الذي كنّا ننتظره» فعصاه أخوه، وكان مطاعا فيهم، فاستحوذ عليهم الشيطان فأطاعوه. وروى أبو سعيد النيسابوري في الشرف عن سعيد بن جبير قال: «جاء ميمون بن يامين، وكان رأس يهود، إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله ابعث إليهم واجعلني حكما بينهم فإنهم يرجعون لي» فأدخله داخلا، ثم أرسل إليهم، فأتوه، فخاطبوه، فقال: «اختاروا رجلا يكون حكما بيني وبينكم» . قالوا: «قد رضينا ميمون بن يامين» . فلما خرج إليهم قال: «أشهد أنه رسول الله» . فأبوا أن يصدّقوه. وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لو آمن بي عشرة من أحبار يهود لآمن بي كل يهودي على وجه الأرض» [ (1) ] . وروى ابن أبي حاتم وأبو سعيد النيسابوري وزاد في آخره قال: «وقال كعب: اثني عشر» ، وتصديق ذلك في [سورة المائدة] : وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة 12] قال الحافظ: فعلى هذا فالمراد عشرة مختصة، وإلّا فقد آمن به صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة، وقيل

_ [ () ] بين أهل هذه الصحيفة من حدث يخيف فساده فان أمره إلى الله وإلى محمد النبي، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب وأنهم إذا دعوا اليهود إلى صلح حليف لهم فإنهم يصالحونه، وإن دعونا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب الدين، وعلى كل أناس حصتهم من النفقة. وأن يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة، وأن بني الشطبة بطن من جفنة، وأن البر دون الإثم فلا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. لا يحول الكتاب دون ظالم ولا آثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن، إلا من ظلم وأثم، ولى أولاهم بهذه الصحيفة البر المحسن. قال أبو عبيد: قوله «بنو فلان على رباعتهم» الرباعة هي المعاقل. وقد يقال: فلان رباعة قومه، إذا كان المتقلد لأمورهم، والوافد على الأمراء فيما ينوبهم. وقوله: «إن المؤمنين لا يتركون مفرحا في فداء» المفرح: المثقل بالدين، يقول: فعليهم أن يعينوه، إن كان أسيرا فك من إساره، وإن كان جنى جناية خطأ عقلوا عنه وقوله: «ولا يجير مشرك مالا لقريش» يعني اليهود الذين كان وادعهم، يقول: فليس من موادعتهم أن يجيروا أموال أعدائه، ولا يعينوهم عليه. وقوله: «ومن اعتبط مؤمنا قتلا فهو قود» الاعتباط: أن يقتله بريا محرم الدم. وأصل الاعتباط في الإبل: أن تنحر بلا داء يكون بها. وقوله: «إلا أن يرضي أولياء المقتول بالعقل» فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار في القود أو الدية إلى أولياء القتيل. وهذا مثل حديثه الآخر «ومن قتل له قتيل فهو بأحد النظرين إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية» وهذا يرد قول من يقول ليس للولي في العمد أن يأخذ الدية إلا بطيب نفس من العاقل ومصالحة منه له عليها. وقوله: «ولا يحل لمؤمن أن ينصر محدثا أو يؤويه» المحدث: كل من أتى حدا من حدود الله عز وجل، فليس لأحد منعه من إقامة الحد عليه. وهذا شبيه بقوله الآخر: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره» وقوله: «لا يقبل منه صرف ولا عدل» . حدثنا هشيم عن رجل قد سماه عن مكحول قال: «الصرف التوبة والعدل: الفدية» . قال أبو عبيد: وهذا أحب إلي من قول من يقول الفريضة والتطوع لقول الله تبارك وتعالى. (ولا يؤخذ منها عدل) فكل شيء فدي به شيء فهو عدله وقوله «وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين» فهذه النفقة في الحرب خاصة، شرط عليهم المعاونة له على عدوه. ونرى أنه أنما كان يسهم لليهود إذا غزوا مع المسلمين بهذا الشرط الذي شرطه عليهم من النفقة. ولولا هذا لم يكن لهم في غنائم المسلمين سهم. الأموال 193، 194، 195، 196، 197. [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 346 وابن عدي في الكامل 6/ 2221 وذكره المتقي الهندي في الكنز (1347) .

المعنى: «لو آمن في الزمان الماضي كالزمن الذي قبل قدوم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة أو حال قدومه» . قال الحافظ: «والذي يظهر أنهم وهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في يهود، ومن عداهم كان تبعا لهم، فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام، وكان من المشهورين بالرياسة في يهود بني قينقاع عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني النّضير: أبو ياسر- بتحتية وسين فراء مهملتين- ابن أخطب- بخاء معجمة فطاء مهملة فموحّدة- وأخوه حيي بن اخطب، وكعب بن الأشرف وأبو رافع سلام بن الربيع بن أبي الحقيق- بقافين مصغّر. ومن بني قينقاع: سعد بن حنيف، وفنحاص- بفاء مكسورة فنون ساكنة فحاء مهملة فألف فصاد مهملة- ورفاعة بن زيد [ابن التابوت] . ومن بني قريظة: الزبير- بفتح الزاي- ابن باطى بن وهب، وكعب بن أسد وهو صاحب عقد بني قريظة الذي نقض عام الأحزاب وشمويل بن زيد، فهؤلاء لم يثبت أحد منهم، وكان كل منهم رئيسا في اليهود، لو أسلم لتبعه جماعة، فيحتمل أن يكونوا المراد. وروى أبو نعيم في الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «لو آمن بي الزّبير بن باطى وذووه من رؤساء لأسلموا كلهم» [ (1) ] . وأغرب السهيلي فقال: لم يسلم من أحبار اليهود إلّا اثنان: عبد الله بن سلام، وعبد الله بن صوري. قال الحافظ: كذا قال، ولم أر لعبد الله بن صوري إسلاما من طريق صحيحة، فإنما نسبه السهيلي في موضع آخر لتفسير النّقّاش. قال ابن إسحاق: «ونصبت بعد ذلك أحبار يهود لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله تعالى به العرب من اصطفاء رسوله منهم. وكانت أحبار يهود، هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنّتونه ويأتونه باللّبس ليلبسوا الحقّ بالباطل، وكان القرآن ينزل فيهم وفيما يسألون عنه، إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها» . وذكر ابن إسحاق وغيره أسماء اليهود، ولا حاجة بي هنا إلى ذكرهم، بل من جاء ذكره في كتابي تكلمت عليه، وكانوا ثلاث قبائل: قينقاع- بفتح القاف وتثليث النون وبالعين المهملة، ويجوز صرفه على إرادة الحيّ وترك صرفه على إرادة القبيلة أو الطائفة- وهم الوسط من يهود المدينة. وإذا قلت: بنو قينقاع فالوجه الصّرف، وقريظة- بقاف مضمومة فظاء معجمة مشالة، وهو أخو النضير والوسط من يهود المدينة، والنّضير- بضاد معجمة ساقطة وزن كريم. وحاربته الثلاثة، ونقضوا العهد الذي بينه وبينهم، فمنّ على بني قينقاع، وأجلى بني النضير، وقتل بني قريظة، وسبى ذريتهم، ونزلت سورة الحشر في بني النضير، وسورة الأحزاب في بني قريظة، وسيأتي بيان ذلك مفصّلا في المغازي إن شاء الله تعالى.

_ [ (1) ] انظر فتح الباري 7/ 275.

الباب الرابع في سؤال اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح

الباب الرابع في سؤال اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح روى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «كنت أمشي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حرث المدينة- وفي لفظ: حرث الأنصار وفي لفظ: في نخل- وهو متوكّئ على عسيب- وفي لفظ: ومعه جريدة- إذ مرّ اليهود- وفي لفظ: إذ مرّ بنفر من اليهود- فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يسمعكم ما تكرهون- وفي لفظ: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه- فقال بعضهم لبعض: لنسألنّه، فقام إليه رجل- وفي لفظ: فقاموا إليه فقالوا: «يا محمد» - وفي لفظ: «يا أبا القاسم ما الروح» ؟ - وفي لفظ: «فأخبرنا عن الروح، كيف تعذّب الروح الذي في الجسد؟ وإنما الروح من الله عز وجلّ» فسكت- وفي لفظ: فما زال متّكئا على العسيب، فعلمت أنه يوحى إليه، فتأخرت فلما نزل الوحي قال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (1) ] . [الإسراء: 85] وفي رواية عند ابن جرير بسند رجاله ثقات عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه: فقالوا: «هكذا نجده في كتابنا» . فقال بعضهم لبعض: «وقد قلنا لكم: لا تسألوه» . تنبيهات الأول: دلّ حديث ابن مسعود على أن نزول هذه الآية كان بالمدينة وروى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه، والنسائي وابن حبان عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح. فنزلت: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. قالوا: «أوتينا علما كثيرا. أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا» . فأنزل الله عز وجل قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف 109] سند رجاله رجال صحيح مسلم، ورواه ابن إسحاق من وجه آخر نحوه، وسبق في باب امتحان المشركين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأشياء لا يعرفها إلا نبي. وروى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، فلما هاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة أتاه أحبار يهود فقالوا: يا محمد، بلغنا أنك تقول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أفعنيتنا أم عنيت قومك؟ قال: «لا بل

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 253 (4721) .

عنيتكم» . فقالوا: «إنك تتلو أنّا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء» . فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم» ، وأنزل الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. [لقمان 27، 28] ودلّ حديث ابن مسعود، وأثر عطاء إن الآية نزلت بمكة، وجمع بينهما وبين حديث ابن مسعود رضي الله عنه بتعدد النزول، ويحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك إن ساغ ذلك، وإلا فما في الصحيح أصحّ. وقال الشيخ رحمه الله تعالى في الإتقان: «إذا استوى الإسنادان في الصحة فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات» ، ثم ذكر [مثالا له] حديث ابن مسعود وحديث ابن عباس المذكورين. ثم قال: «فهذا- أي حديث ابن عباس- يقتضي إن الآية نزلت بمكة، والحديث الأول خلافه» . وقد رجح أن ما رواه البخاري أصح من غيره، وبأن ابن مسعود كان حاضر القصة. الثاني: قال أبو نعيم: «قيل من علامات نبوة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- في الكتب المنزّلة أنه إذا سئل عن الروح فوّض العلم بحقيقتها إلى منشئها وبارئها، وأمسك عما خاضت فيه الفلاسفة وأهل المنطق القائلون بالحدس والتخمين، فامتحنه اليهود بالسؤال عنها ليقفوا منه على نعته المثبت عندهم في كتابهم، فوافق كتابه ما ثبت في كتبهم» . الثالث: قال ابن التين: «اختلف في الروح المسؤول عنها في هذا الخبر على أقوال: الأول: روح الإنسان، الثاني: روح الحيوان. الثالث: جبريل. الرابع: عيسى. الخامس: القرآن. السادس: الوحي. السابع: ملك يقوم وحده صفا يوم القيامة. الثامن: ملك له سبعون ألف وجه لكل وجه منها سبعون ألف لسان لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى [بتلك اللغات كلها] ويخلق الله سبحانه وتعالى من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة، وقيل: ملك رجلاه في الأرض السفلى ورأسه عند قائمة العرش. التاسع: خلق كخلق بني آدم يأكلون ويشربون، لا ينزل ملك من السماء إلا نزل معه ملك منهم. وقيل: هو صنف من الملائكة يأكلون ويشربون» . قال الحافظ: «وهذا إنما يجمع من كلام أهل التفسير في معنى لفظ «الروح» الوارد في القرآن لا خصوص هذه الآية، فمن الذي في القرآن: 1 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء 193] ، 2 وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا- إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى 52] ، 3 يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ [غافر: 15] ، 4 وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة 22] ، 5 يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [النبأ 38] ، 6 يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [النحل 2] ؟ فالأول: جبريل، والثاني: القرآن، والثالث: الوحي، والرابع: القوة، والخامس والسادس: محتمل لجبريل أو غيره، ووقع إطلاق الروح على عيسى.

وروى إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس قال: «الروح من الله، وخلق من خلق الله، وصور كبني آدم، لا ينزل ملك إلا ومعه أحد من الروح» . وقال الخطّابي: «حكوا في المراد بالروح في الآية أقوالا، وقال الأكثرون: سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد. وقال أهل النظر: «سألوه عن مسلك الروح وامتزاجها بالجسد، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه. وقال القرطبي: «الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان: لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله، ولا نجهل أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح» . وقال الإمام فخر الدين: «المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة، وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه، وبيانه: أن السؤال عن الروح يحتمل أن يكون عن ماهيّتها، وهل هي متحيّزة أم لا، وهل هي حالّة في متحيّز أم لا، وهل هي قديمة أو حادثة، وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى، وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من تعلّقاتها» ؟ قال: «وليس في السؤال ما يخصّص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهيّة، وهل الروح قديمة أو حادثة؟ والجواب يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها، فهي جوهر بسيط مجرّد لا يحدث إلا بمحدث، وهو قوله تعالى: «كن فكان» . قال: هي موجودة محدثة بأمر الله عز وجل، وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيها. الرابع: تنطّع قوم «فتباينت أقوالهم في الروح، فقيل: هي النّفس الداخل الخارج، وقيل الحياة، وقيل: جسم لطيف يحل في جميع البدن، وقيل: هي الدم، وقيل: هي عرض، حتى قيل: إن الأقوال بلغت المائة، ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين إن لكل نبي خمس أرواح، وأن لكل مؤمن ثلاثا، ولكل حيّ واحدة. الخامس: قال القاضي أبو بكر بن العربي: «اختلفوا في الروح والنفس، فقيل متغايران وهو الحق، وقيل: هما شيء واحد، وقد يعبّر بالروح عن النفس وبالعكس، كما يعبّر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس، وقد يعبّر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجهّال مجازا. قال تلميذه السّهيلي: يعني على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: 29] ، وقوله تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] فإنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر، ولولا التغاير لساغ ذلك. السادس: في قوله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال الإمام فخر الدين الرازي: «يحتمل أن يكون المراد بالأمر هنا الفعل كقوله تعالى: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود 97]

أي فعله فيكون الجواب: الروح من فعل ربّي، إن كان السؤال: هل هي قديمة أو حادثة؟ فيكون الجواب: أنها حادثة» .. إلى أن قال: «ولهذا سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتّعمّق فيها» . وقال الإسماعيلي: «يحتمل أن يكون جوابا وأن الروح من جملة أمر الله وأن يكون المراد: اختص الله عز وجل بعلمه ولا سؤال لأحد عنه» . وقال السهيلي بعد أن حكى ما المراد في الآية: «وقالت طائفة: الروح الذي سألت عنه اليهود هو روح الإنسان. ثم اختلف أصحاب هذا القول، فمنهم من قال: لم يجبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على سؤالهم، لأنهم سألوه تعنّتا واستهزاء، فقال الله عز وجل: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، ولم يأمره أن يبيّنه لهم. وقالت طائفة: بل أخبرهم وأجابهم بما سألوه، لأنه قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل الرّوح من أمر ربّي) ، وأمر الرّبّ هو الشرع والكتاب الذي جاء به، فمن دخل في الشّرع وتفقّه في الكتاب والسنة عرف الروح، فكان معنى الكلام: ادخلوا في الدين تعرفوا ما سألتم عنه، فإنه من أمر ربّي أي من الأمر الذي جئت به مبلّغا عن الرّب، وذلك أن الروح لا سبيل إلى معرفتها من جهة الطبيعة ولا من جهة الفلسفة ولا من جهة الرأي والمعرفة، وإنما تعرف من جهة الشّرع. فإذا نظرت إلى ما في الكتاب والسنة من ذكرها نحو قوله تعالى: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السجدة 9] أي من روح الحياة، والحياة من صفات الله سبحانه وتعالى، وإلى ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن «الأرواح جنود مجنّدة» ، وأنها تتعارف وتتشامّ في الهواء، وأنها تقبض من الأجساد بعد الموت، وأنها تسأل في القبر فتفهم السؤال وتسمع وترى، وتنعم وتعذّب، وتلتذ وتتألم، وهذه كلها من صفات الأجسام، فإنك تعرف أنّها أجسام بهذه الدلائل، لكنها ليست كالأجسام في كثافتها وثقلها وإظلامها، إذ الأجسام خلقت من طين وحمأ مسنون، فهو أصلها، والأرواح خلقت من ماء كما قال الله سبحانه وتعالى، ويكون النّفخ المتقدم المضاف إلى الملك، والملائكة خلقت من النور كما جاء في الصحيح وإن كان قد أضاف النّفخ إلى نفسه سبحانه وتعالى وكذلك أضاف قبض الأرواح إلى نفسه فقال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر 42] ، وأضاف ذلك إلى الملك أيضا فقال: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة 11] ، والفعل مضاف إلى الملك مجازا وإلى الرّبّ حقيقة. فالروح إذا جسم ولكنه من جنس الريح، ولذلك سمّي روحا من لفظ الريح، ونفخة الملك في معنى الرّيح، غير أنه ضمّ أوله لأنه نوراني، والريح هواء متحرّك. وإذا كان الشّرع قد عرّفنا من معاني الروح وصفاتها هذا القدر، فقد عرّف من جهة أمرها كما قال سبحانه وتعالى: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء 85] ، وقوله: «من أمر ربّي» ، أيضا، ولم يقل من

أمر الله، ولا من أمر ربكم، يدل على خصوص، وعلى ما قدّمنا من أنه لا يعلمه إلا من أخذ معناه من قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد الإيمان بالله ورسوله واليقين الصادق والفقه في الدين، فإن كان لم يخبر اليهود حين سألوا عنها، فقد أحالهم على موضع العلم بها. السابع: قال ابن القيم: ليس المراد بالأمر هنا الطلب اتفاقا، وإنما المراد به المأمور، والأمر يطلق على المأمور، كالخلق على المخلوق، ومنه لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [هود 101] الآية. الثامن: قال ابن بطال: «معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله عز وجل بعلمه بدليل هذا الخبر» ، قال: «والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرّفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى ردّ العلم إليه» . وقال القرطبي: «الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء، لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحقّ من باب أولى» . التاسع: ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يفسّر الروح أي لا يعيّن المراد بها في الآية. وممن رأى الإمساك عن الكلام في الروح أستاذ الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى، كما في عوارف المعارف عنه بعد أن نقل كلام الناس في الروح، وكان الأولى الإمساك عن ذلك، والتّأدّب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم. ثم نقل عن الجنيد أنه قال: «الروح شيء استأثر الله عز وجل بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود» . وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير، وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليظ لكونه يطلق على أشياء، فأضمروا بأنه بأي شيء أجاب؟ قالوا: ليس هذا المراد، فردّ الله كيدهم وأجابهم جوابا مجملا مطابقا لسؤالهم المجمل. وقال في العوارف: «ويجوز أن يكون كلامهم في ذلك بمثابة التأويل لكلام الله تعالى والآيات المنزّلة حيث حرّم تفسيره وجوّز تأويله، إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلا، وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل وهو ذكر ما تتحمل الآية (من المعنى من غير القطع بأنه المراد) . وإذا كان الأمر كذلك فللقول فيه وجه ومحمل. قال: وظاهر الآية المنع من القول فيها، فختم الآية بقوله: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أي اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه فلا تسألوا عنه فإنه من الأسرار. العاشر: نقل ابن منده في كتاب الروح له عن الإمام الحافظ المطلع على اختلاف الأحكام من عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار محمد بن نصر المروزيّ أنه نقل الإجماع على أن الروح مخلوقة، وإنما نقل القول بقدمها عن بعض غلاة الرافضة والمتصوّفة.

الحادي عشر: اختلف هل تفنى عند فناء العالم قبل البعث أو تستمر باقية؟ على قولين أرجحهما الثاني عند الجمهور. الثاني عشر: ذكر بعض المفسرين أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح أن عندهم في التّوراة أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله عز وجل، فقالوا: نسأله فإن فسرّها فهو نبي، وهو معنى قولهم: لا يجيء بشيء تكرهونه. الثالث عشر: جنح ابن القيم في كتاب الروح إلى ترجيح أن المراد بالروح المسؤول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [النبأ: 38] وأما أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن إلا نفسا. قال الحافظ: «كذا قال ولا دلالة في ذلك لما رجّحه، بل الراجح الأوّل: فقد روى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه القصة أنهم قالوا: أخبرنا عن الروح، وكيف يعذّب الروح الذي في الجسد؟ إلى آخره [ما قالوا وقد] تقدم بتمامه. الرابع عشر: قال بعضهم: ليس في الآية دلالة علي إن الله سبحانه وتعالى لم يطلع نبيّه على حقيقة الروح، بل يحتمل أن يكون أطلعه، ولم يأمره أن يطلعهم، وقد قال في علم الساعة نحو هذا كما سيأتي مبسوطا في الخصائص أن شاء الله تعالى. الخامس عشر: وقع في الصحيح في العلم والاعتصام والتوحيد، وكذا عند مسلم: إذ مرّ بنفر، عند ابن حجر من وجه آخر: إذ مررنا على يهود، ووقع في التفسير: إذ مرّ اليهود، بالرفع على الفاعلية، ويحتمل هذا الاختلاف على أن الفريقين تلاقوا فيصدق أن كلّا مرّ بالآخر. السادس عشر: في بيان غريب ما سبق: «حرث» : بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة، ووقع عند البخاري في كتاب العلم خرب [ (1) ] بخاء معجمة مفتوحة فراء مكسورة. «يتوكّأ» : يعتمد. «عسيب» : بعين فسين مهملتين وآخره موحدة بوزن عظيم وهو جريدة [النخل] التي لا خوص عليها. قال ابن فارس: العسبان من النخل كالقضبان من غيرها. «يهود» : هذا اللفظ معرفة تدخله الألف واللام تارة وتارة يتجرّد، وحذفوا منه ياء النّسبة تفرقة بينه وبين مفرده، كما قالوا: زنج وزنجيّ.

_ [ (1) ] انظر اللسان 2/ 1122.

الباب الخامس في تحيرهم في مدة مكث هذه الأمة لما سمعوا الحروف المقطعة في أوائل السور

الباب الخامس في تحيّرهم في مدة مكث هذه الأمة لمّا سمعوا الحروف المقطعة في أوائل السور قال ابن إسحاق- فيما ذكر لي عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله بن رئاب- «أن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلو فاتحة البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة 1، 2] ، فأتى أخاه حيي بن اخطب في رجال من يهود، فقال: تعلّموا، والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه: الم ذلِكَ الْكِتابُ فقالوا: أنت سمعته؟ قال: نعم. فمشى حيي بن اخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: «يا محمد، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل عليك الم ذلِكَ الْكِتابُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى» . قالوا: «أجاءك بها جبريل من عند الله؟ قال: «نعم» . قالوا: «لقد بعث الله قبلك أنبياء أنبياء ما نعلمه بيّن لنبيّ منهم ما مدّة ملكه وما أجل أمّته غيرك» . فقام حيي بن اخطب، وأقبل على من معه فقال لهم: «الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين [نبيّ] إنما مدة ملكه وأجل أمّته إحدى وسبعون سنة» ؟ ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد هل مع هذا غيره» ؟ قال: «نعم» قال: ماذا؟ قال: المص [الأعراف 1] قال: هذا أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وستون ومائة سنة، هل مع هذا يا محمد غيره» ؟ قال: «نعم» . [قال: وما ذاك؟] قال: الر [يوسف: 1] قال: «هذه أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة فهل مع هذا غيره يا محمد» ؟ قال: «نعم» المر [الرعد 1] . قال: «هذه والله أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة» . ثم قال: «لقد لبّس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا» . ثم قاموا عنه، فقال أبو ياسر لأخيه ولمن معه من الأحبار: «ما يدريكم لعلّه قد جمع هذا كله لمحمد: إحدى وسبعون [وإحدى وستون ومائة] ، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون» . فقالوا: لقد تشابه علينا أمره. فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [آل عمران 7] . [قال ابن إسحاق] : «وقد سمعت من لا أتهم من أهل العلم يذكر أن هؤلاء الآيات أنزلت في أهل نجران حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن عيسى بن مريم. وقد حدثني

تنبيهات

محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في نفر من يهود ولم يفسّر ذلك لي، فالله أعلم أي ذلك كان» . تنبيهات الأول: روى البخاري في تاريخه وابن جرير من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله فذكر الحديث السابق، فبان سند ابن إسحاق بذلك. ورواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، عن أبي سعيد. ورواه ابن المنذر من وجه آخر عن ابن جرير مفصّلا. الثاني: قال السهيلي: «وهذا القول من أخبار يهود، وما تأوّلوه من معاني هذه الحروف محتمل حتى الآن أن يكون من بعض ما دلت عليه هذه الحروف المقطّعة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذّبهم، فيما قالوا من ذلك ولا صدّقهم. وقال في حديث آخر: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنّا بالله وبرسوله» [ (1) ] . وإذا كان في حدّ الاحتمال وجب أي يفحص عنه في الشريعة، هل يشير إلى كتاب أو سنّة؟ فوجدنا في التنزيل وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج 47] ووجدنا في حديث زمل الخزاعي حين قصّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا قال فيها: «رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع درجات، وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تبعثها» . ففسّر له النبي صلى الله عليه وسلم الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها وقال في المنبر ودرجاته: «الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها ألفا» [ (2) ] والحديث وإن كان ضعيف الاسناد فقد روي موقوفا عن ابن عباس من طرق صحاح أنه قال: «الدنيا سبعة أيام كل يوم منها ألف سنة» [ (3) ] ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم منها، وقد مضت [منه] سنون أو قال مئون: [قال السهيلي] : ولكن إذا قلنا: أنه عليه الصلاة والسلام بعث في الألف الأخيرة بعد ما مضت منه سنون، ونظرنا بعد إلى الحروف المقطعة في أوائل السور وجدناها أربعة عشر حرفا يجمعها قولك: «ألم يسطع نصّ حق كره» ، ثم نأخذ العدد على حساب أبي جاد، فنجد «ق» مائة و «ر» مائتين و «س» ثلاثمائة فهذه ستمائة و «ع» سبعين، و «ص» ستين، فهذه سبعمائة وثلاثون، و «ن» خمسين و «ك» عشرين، فهذه ثمانمائة و «م» أربعين و «ل» ثلاثين، فهذه ثمانمائة وسبعون، و «ي» عشرة و «ط» تسعة و «ا» واحد، فهذه ثمانمائة وتسعون، و «ح» ثمانية و «هـ-» خمسة، فهذه تسعمائة وثلاثة. ولم يسمّ الله عز وجل في أوائل السور إلا هذه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 237 والبيهقي في السنن 10/ 163. [ (2) ] انظر فتح الباري 11/ 351. [ (3) ] أخرجه الفتني في تذكرة الموضوعات (224) .

الحروف، فليس يبعد أن يكون من بعض مقتضياتها وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين لما قدمناه في حديث الألف السابع الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. غير أن الحساب يحتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته، وكلّ قريب بعضه من بعض، فقد جاءت أشراط الساعة ولكن لا تأتيكم إلا بغتة. وقد روى أن المتوكل العباسي سأل جعفر بن عبد الواحد القاضي، وهو عباسي أيضا، عمّا بقي من الدنيا فحدّثه بحديث رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة، وإن أساءت فنصف يوم» ، ففي هذا الحديث تتميم للحديث المتقدّم وبيان له، إذ قد انقضت الخمسمائة والأمة باقية والحمد لله» . هذا آخر كلام السهيلي، وفيه مناقشات من الزهر والفتح مع زيادتها من غيرها. الأولى: قوله: وجدنا في حديث زمل الخزاعي إلخ صوابه: ابن زمل، وسمّاه بعضهم: عبد الله، وبعضهم: الضّحّاك، وبعضهم: عبد الرحمن، وصوّب الحافظ في الإصابة الأول، وقوله الخزاعي صوابه الجهني كما ذكره في الزهر. الثانية: قوله: وإن كان إسناد هذا الحديث ضعيفا. إلخ، اقتصر على ضعفه، قال [ابن حجر] في الفتح: إسناده ضعيف جدا، وقال في الإصابة: «تفرّد برواية [حديثه] سليمان بن عطاء القرشي الحرّاني عن مسلم بن عبد الله الجهنيّ» . انتهى. قلت: وسليمان بن عطاء. قال الذهبي في المغني: «هالك اتّهم بالوضع» . وقال الحافظ في التقريب: «منكر الحديث» . وأورده ابن الجوزي في الأحاديث الواهية، ووصف بعض رجاله بوضع الحديث. وقال ابن الأثير: «ألفاظه مصنوعة ملفّقة» . وروى ابن عدي عن أنس مرفوعاً: «عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة» . وفي سنده «العلاء بن زيدل» وهو المتهم به. ورواه ابن عساكر من طريق أبي علي الحسين بن داود البلخي، قال الخطيب: «ليس بثقة، حديثه موضوع» . وقال الحاكم: «روى عن جماعة لا يحتمل سنّة السماع منهم، وله عندهم العجائب يستدل بها على حاله» . وفي سنده أيضا أبو هاشم الأيلي. ورواه الحاكم، والترمذي الحكيم في نوادره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي سنده صالح ابن محمد، عن يعلى بن هلال، عن ليث بن مجاهد. الثالثة: قوله: «فقد روي موقوفا عن ابن عباس من طرق صحاح» ، قلت: لم أقف له إلا من طريق واحد غير صحيح، رواه ابن جرير في مقدمة تاريخه، ومنه أخذ السهيلي من طريق يحيى بن يعقوب وهو أبو طالب القاصّ الأنصاري، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: محلّه الصدق. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ.

الرابعة: ما ذكره في عدد الحروف مبني على طريقة المغاربة: السين بثلاثمائة، والصاد بستين، وعند المشارقة: السين ستّون والصاد تسعون. فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعون، وقد مضت وزيادة عليها فإنه في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة فالجملة على ذلك من هذه الحيثية باطلة. الخامسة: ثبت عن ابن عباس الزّجر عن عدد أبي جاد، والإشارة إلى أن ذلك من جملة السّحر. قال الحافظ: «وليس ببعيد فإنه لا أصل له في الشريعة» . السادسة: قال القاضي أبو بكر بن العربي شيخ السهيلي في قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» ، وأشار بالسّبّابة والوسطى. قيل: الوسطى تزيد على السّبّابة بنصف سبع إصبع، وكذلك الباقي من البعثة إلى قيام الساعة» . قال «وهذا بعيد، ولا يعلم مقدار الدنيا، فكيف يتحصّل لنا نصف سبع أمد مجهول؟ فالصواب الإعراض عن ذلك» . وقال القاضي في الإكمال: «حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى، وأن جملتها سبعة آلاف سنة، واستند إلى أخبار لا تصحّ، وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخّر هذه الأمة نصف يوم وفسّره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك نصف سبع، وهو قريب مما يلي السّبابة، والوسطى في الطول» . قال: «وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه» . انتهى. وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد القاضي إلى هذا الحين نحو الأربعمائة سنة. وقال ابن العربي أيضا في فوائد رحلته: «ومن الباطل علم الحروف المقطعة في أوائل السّور، وقد تحصّل لي فيها عشرون قولا وأزيد، ولا أعرف أحدا يحكم عليها بعلم ولا يصل فيها إلى فهم» إلى آخر ما ذكره. وقد ذكرته مع فوائد أخرى في الكلام على هذه الحروف في كتابي. «القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز» . لا توجد مجموعة في غيره. السابعة: قال الحافظ: «وأما عدد الحروف فإنما جاء عن بعض اليهود، وعلى تقدير أن يكون ما ذكر في عدد الحروف فليحمل على جميع الحروف الواردة ولا يحذف المكرّر فإنه ما من حرف إلا وله سرّ يخصّه، أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السّور ولو تكررت الحروف فيها، فإن السور التي ابتدئت بذلك تسع وعشرون سورة، وعدد حروف الجميع ثمان وستون حرفا وهي: الم: ستة، وحم: سبعة، والر: خمسة، وطسم: اثنتان والمص وكهيعص وطه وطس ويس وص وق ون. فإذا حذف ما كرّر من السّور وهي خمس من الم وست من حم، وأربع من الر وواحدة من طسم، بقي أربع عشرة سورة عدد حروفها ثمان وثلاثون حرفا.

فإذا حسبت عددها بالجمّل المغربي بلغت ألفين وستمائة وأربعة وعشرين، وأما بالجمّل المشرقي فتبلغ ألفا وسبعمائة وأربعة وخمسين. قال الحافظ: «ولم أذكر ليعتمد عليه وإنما ليتبيّن أن الذي جنح إليه السهيلي لا ينبغي الاعتماد عليه لشدة التخالف فيه» . الثامنة: في جامع معمر عن مجاهد وعكرمة في قوله تعالى: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج 4] لا يدري كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل. التاسعة: ما نقله عن جعفر بن عبد الواحد، فهو شيء موضوع لا أصل له، ولا يعرف إلا من جهته، وهو مشهور بوضع الحديث عند الأئمة، مع أنه لم يسبق له سند بذلك، والعجب من السهيلي كيف سكت عليه مع علمه بحاله.

الباب السادس في سبب نزول سورة الإخلاص

الباب السادس في سبب نزول سورة الإخلاص روى أبو الشيخ في العظمة عن أنس بن مالك، وابن أبي حاتم، وابن عدي، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس والطبراني في السنة عن الضّحّاك، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة، أن رهطا من اليهود منهم كعب بن الأشرف وحييّ بن أخطب، جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: «يا محمد، هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله» ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه، ثم ساورهم غضبا لربّه، فجاء جبريل فسكّنه وقال: «خفّض عليك يا محمد» ، وجاءه من الله عز وجل بجواب ما سألوه [عنه] فانزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص 1] [ (1) ] ، أصل أحد هنا واحد، لأنه بمعنى الواحد، قلبت الواو همزة، وهو دالّ على جميع صفات الجلال، كما دلّ الله على جميع صفات الكمال، إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزّه الذات عن اتحاد التركيب والتعدّد، وما يستلزمه أحدهما كالجسمية والتّحيّز (الله الصّمد) : المقصود في الحوائج على الدوام، أو هو الذي قد انتهى في سؤدده، فيصمد الناس إليه في حوائجهم، والخلائق يفتقرون إلى رحمته، أو هو من لا جوف له، أو هو الكامل في جميع صفاته، أو الذي لا يطعم ولا يخرج منه شيء، أو الباقي بعد فناء خلقه، والله تعالى هو الموصوف بهذا على الإطلاق، فإنه مستغن عن غيره مطلقا، وكل ما عداه يحتاج إليه في جميع جهاته، وتعريفه بصمديته بخلاف أحديته. وتكرر الاسم الكريم للإشعار بأنه من لم يتصف به

_ [ (1) ] قال الرازي: في سبب نزولها وفيه وجوه: الأول: أنها نزلت بسبب سؤال المشركين، قال الضحاك: إن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: شققت عصانا وسببت آلهتنا، وخالفت دين آبائك، فإن كنت فقيرا أغنيناك، وإن كنت مجنونا داويناك، وإن هويت امرأة زوجناكها، فقال عليه الصلاة والسلام: «لست بفقير، ولا مجنون، ولا هويت امرأة، أنا رسول الله أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته» ، فأرسلوه ثانية وقالوا: قل له بين لنا جنس معبودك، أمن ذهب أو فضة، فأنزل الله هذه السورة، فقالوا له: ثلاثمائة وستون صنما لا تقوم بحوائجنا، فكيف يقوم الواحد بحوائج الخلق؟ فنزلت: وَالصَّافَّاتِ [الصافات: 1] إلى قول: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الصافات: 4] فأرسلوه أخرى، وقالوا بين لنا أفعاله فنزل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [يونس: 3] . الثاني: أنها نزلت بسبب سؤال اليهود، روى عكرمة عن ابن عباس أن اليهود جاءوا إلى رسول الله ومعهم كعب بن الأشرف، فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فغضب نبي الله عليه السلام فنزل جبريل فسكنه، وقال: اخفض جناحك يا محمد، فنزل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فلما تلاه عليهم قالوا: صف لنا ربك كيف عضده، وكيف ذراعه؟ فغضب أشد من غضبه الأول، فأتاه جبريل بقوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: 91] . الثالث أنها نزلت بسبب سؤال النصارى، روى عطاء عن ابن عباس، قال: قدم وفد نجران، فقالوا: صف لنا ربك أمن زبرجد أو ياقوت، أو ذهب، أو فضة؟ فقال: إن ربي ليس من شيء لأنه خالق الأشياء فنزلت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قالوا: هو واحد، وأنت واحد، فقال: ليس كمثله شيء، قالوا: زدنا من الصفة، فقال: اللَّهُ الصَّمَدُ فقالوا: وما الصمد؟ فقال: الذي يصمد إليه الخلق في الحوائج، فقالوا: زدنا فنزل: لَمْ يَلِدْ كما ولدت مريم وَلَمْ يُولَدْ كما ولد عيسى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ يريد نظيرا من خلقه] . تفسير الرازي 32/ 161.

لم يستحق الألوهية، وإخلاء الجملة من العاطف، لأنها كالنتيجة للأولى أو الدليل عليها. (لم يلد) : المفعول محذوف أي لم يلد أحدا، والأصل يولد، حذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة ولام مكسورة فصار مثل «يعد» . (ولم يولد) : النائب عن الفاعل محذوف أي لم يلده أحد، وثبتت الواو في يولد لأنها لم تقع بين ياء مفتوحة وكسرة. ولما كان الرّبّ سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته قديما، موجودا قبل وجود الأشياء، وكان كل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية، ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد، انتفت عنه الوالدية، ومن هذا قوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ [الأنعام 101] ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ: أي لم يكن له أحد يكافئه أي يماثله من صاحبة وغيرها «وله» متعلق ب- «كفوا» وقدّم عليه لأنه محطّ القصد، وأخّر «أحد» وهو اسم «يكن» عن خبرها رعاية للفاصلة. ولاشتمال هذه السورة مع قصرها على جميع المعارف الإلهية والرّدّ على من الحد فيها، جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن فإن مقاصده محصورة في بيان الأحكام والقصص، ومن عدلها اعتبر المقصود بالذات [ (1) ] . قال ابن إسحاق: «فلما تلاها عليهم، قالوا: «فصف لنا يا محمد ربّك كيف خلقه، كيف ذرعه، كيف عضده» ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول، وساورهم غضبا لربّه. فأتاه جبريل، فقال له مثل مقالته وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه عنه. وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر 67] ، أي ما عرفوه حقّ معرفته وما عظّموه حق عظمته حين أشركوا به وشبّهوه بخلقه. وَالْأَرْضُ جَمِيعاً، جميعا: حال، أي السّبع، قَبْضَتُهُ أي مقبوضة له أي في ملكه وتصرّفه يوم القيامة، وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ أي مجموعات، «بيمينه» أي بقدرته سبحانه وتعالى عما يشركون معه. تنبيه: كذا ذكر ابن إسحاق سبب نزول هذه الآية. وروى الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه في سبب نزولها غير ذلك والله أعلم.

_ [ (1) ] قال الرازي: اشتهر في الأحاديث أن قراءة هذه السورة تعدل قراءة ثلث القرآن، ولعل الغرض منه أن المقصود الأشرف من جميع الشرائع والعبادات، معرفة ذات الله ومعرفة صفاته ومعرفة أفعاله، وهذه السورة مشتملة على معرفة الذات، فكانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن، وأما سورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون: 1] فهي معادلة لربع القرآن، لأن المقصود من القرآن إما الفعل وإما الترك وكل واحد منهما فهو إما في أفعال القلوب وإما في أفعال الجوارح فالأقسام أربعة، وسورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لبيان ما ينبغي تركه من أفعال القلوب، فكانت في الحقيقة مشتملة على ربع القرآن، ومن هذا السبب اشتركت السورتان أعني قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في بعض الأسامي فهما المقشقشتان والمبرئتان، من حيث أن كل واحدة منهما تفيد براءة القلب عما سوى الله تعالى، إلا أن قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ يفيد بلفظه البراءة عما سوى الله وملازمة الاشتغال بالله وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يفيد بلفظه الاشتغال بالله وملازمة الإعراض عن غير الله أو من حيث أن قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ تفيد براءة القلب عن سائر المعبودين سوى الله، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تفيد براءة المعبود عن كل ما يليق به. اه- تفسير الرازي 32/ 192.

الباب السابع في إرادة شأس بن قيس إيقاع الفتنة بين الأوس والخزرج لما رأى كلمتهم مجتمعة

الباب السابع في إرادة شأس بن قيس إيقاع الفتنة بين الأوس والخزرج لما رأى كلمتهم مجتمعة روى ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن زيد بن أسلم مطوّلا، والفريابي وابن جرير وغيرهما عن ابن عباس مختصرا، وابن المنذر عن عكرمة، وابن جرير وابن أبي حاتم عن السّدّي كذلك واللفظ للأول، قال: كان شأس بن قيس شيخا قد عسا، عظيم الكفر، شديد الضّغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمرّ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية. فلما أن جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم. فقال: «لقد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار» . فأمر فتى شابّا من يهود كان معه فقال: «اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. ففعل، فأنشدهم بعض ما قاله أحد الحيّين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك [شيء] فقال الحيّ الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا [فقال الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا. فتكلّم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيّين: أوس بن قيظي [أحد بني حارثة بن الحارث] من الأوس، وجبّار بن صخر [أحد بني سلمة] من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: «ان شئتم رددناها الآن جذعة» . فغضب الفريقان جميعا، وقالوا: «قد فعلنا، موعدكم الظاهرة- والظاهرة الحرّة- السّلاح السّلاح» . فخرجوا إليها. [فانضمّت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية] . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: «يا معشر المسلمين: الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألّف به بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفّارا» ؟ [ (1) ] فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوّهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوّهم: عدوّ الله شأس بن

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 57 وعزاه لابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

قيس، فانزل الله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [آل عمران 98، 99] . وأنزل الله في أوس بن قيظي، وجبّار بن صخر، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ما أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران 100، 101] تنبيه: في بيان غريب ما سبق: «شأس» [ (1) ] : بشين معجمة فهمزة ساكنة فسين مهملة. «عسا» بعين فسين مهملتين: أي كبر وأسنّ. «الضّغن» بكسر الضاد المعجمة: الحقد. «قيلة» - بفتح القاف وسكون التحتية: أم الأوس والخزرج. «بعاث» بعين مهملة ومثلثة- وتقدم الكلام عليها مبسوطا في أبواب بدء إسلام الأنصار. «جبّار» : بالجيم وتشديد الموحّدة. «جذعة» بفتح الجيم والذال المعجمة: أي أحدثنا الحرب. «الحرّة» بفتح الحاء المهملة والراء المشدّدة: [وهي الأرض ذات الحجارة السّود] . والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] انظر اللسان 4/ 2176.

الباب الثامن في سبب نزول قوله تعالى: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء 3: 181 [آل عمران 181] وقوله تعالى: إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء 6: 91 [الأنعام 91]

الباب الثامن في سبب نزول قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [آل عمران 181] وقوله تعالى: إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام 91] روى ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وابن جرير عن السّدّيّ، وابن جرير عن عكرمة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل بيت المدارس بعد نزول قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة 245] فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص [بن عازوراء] وكان من علمائهم وأحبارهم. فقال أبو بكر: ويلك يا فنحاص: «اتّق الله عز وجل وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاء كم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة» . فقال فنحاص لعنه الله: «والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرّع إليه كما يتضرّع إلينا، وإنّا عنه لأغنياء [وما هو عنّا بغنيّ] ولو كان عنّا غنيّا ما استقرض منا أموالنا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الرّبا ويعطيناه ولو كان عنّا غنيّا ما أعطانا الرّبا» . فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: «والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك أي عدوّ الله» . فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، انظر ما فعل بي صاحبك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «ما حملك على ما صنعت» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله [إن عدو الله] قال قولا عظيما إنه زعم أن الله عز وجل فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله ممّا قال فضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص، وقال: ما قلت ذلك. فانزل الله تعالى فيما قال فنحاص [ردّا عليه] وتصديقا لأبي بكر رضي الله عنه: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ [آل عمران 181] ونزل في أبي بكر الصديق، وما بلغه في ذلك في الغضب: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران 186] [ (1) ] . وروى ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السدي في قوله تعالى: إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى [الأنعام 91] . قال فنحاص اليهودي: ما أنزل الله علي محمد بن شيء. قال السّدّي: والمشهور أنها نزلت في مالك بن

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 105 وعزاه لابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

الضّيف. وروى ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال: نزلت في مالك بن الضّيف. وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وابن جرير عن محمد بن كعب القرظيّ قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الضّيف، ومعه جماعة فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: فقالوا: يا أبا القاسم، ألا تأتنا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحا. فأنزل الله عز وجل: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً [النساء 153] . فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: «أنشدك بالّذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السّمين» ؟ وكان حبرا سمينا. فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه الذين معه: ويحك! ولا على موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله عز وجلّ [نقضا لقولهم وردّا عليهم] : وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام 91] .

الباب التاسع في سؤالهم عن أشياء لا يعرفها إلا نبي وجوابه لهم وتصديقهم إياه بأنه أصاب وتمردهم عن الإيمان به

الباب التاسع في سؤالهم عن أشياء لا يعرفها إلا نبي وجوابه لهم وتصديقهم إياه بأنه أصاب وتمرّدهم عن الإيمان به روى ابن إسحاق والطيالسي والفريابي والإمام أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، والبيهقي، وأبو نعيم عن غيرهم بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق آخر عنه مختصرا، قال: «حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم حدّثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبيّ. قال: «سلوني عمّا شئتم ولكن اجعلوا لي ذمّة الله عز وجل، وما أخذ يعقوب على نبيه لئن حدثتكم شيئا لتبايعنّي» . قالوا: فذلك لك. قالوا: أربع خلال نسألك عنها: أخبرنا أيّ طعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة، وكيف الأنثى منه والذكر؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمّيّ في النوم ومن يليه من الملائكة؟ وأخبرنا ما هذا الرّعد؟ فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه: «لئن أخبرتكم لتبايعنّي» . فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. قال: فأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى: هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا طال سقمه فنذر لئن عافاه الله عز وجل ليحرّمنّ أحبّ الطعام والشراب، وكان أحبّ الطعام إليه لحمان الإبل وأحبّ الشراب إليه ألبانها» ، وفي رواية: كان يسكن البادية فاشتكى عرق النسا، فلم يجد شيئا يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها. فقالوا: اللهم نعم، اللهم اشهد. وقال: «أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان الولد والشّبه بإذن الله عز وجل: إن علا ماء الرجل كان ذكرا بإذن الله تعالى، وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله تعالى» . قالوا: اللهم نعم اللهم اشهد. قال: «فأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن النبيّ الأمّيّ تنام عينه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم اللهم اشهد. قالوا: أنت الآن حدّثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك قال: «ولييّ جبريل، ولم يبعث الله عز وجل نبيا قط إلا وهو وليّه» . قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليّك سواه من الملائكة لاتّبعناك وصدّقناك. قال: «فما يمنعكم أن تصدّقوني» ؟ قالوا: هذا عدوّنا من الملائكة. فأنزل الله عز وجل: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة 97] . ونزلت: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ [ (1) ] [البقرة 90] . وفي رواية فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن خمسة أشياء. وذكر نحو ما تقدم. وزاد: قالوا: أخبرنا عن هذا الرّعد. قال:

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 278.

«ملك من ملائكة الله عز وجل، موكّل بالحساب، بيده- أو قال: في يده- مخراق [ (1) ] من نار يزجر به السحاب فيسوقه حيث أمره الله» . قالوا: فما هذا الصوت؟ قال: «صوته» . قالوا: صدقت. وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أن يهوديا قال: يا محمد ممّ يخلق الإنسان؟ قال: «يا يهودي، يخلق من كل من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة، أما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللّحم والدّم» [ (2) ] . فقال اليهودي: هكذا كان يقول من كان قبلك. وروى الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم وصححه، والبيهقي، وأبو نعيم عن صفوان بن عسّال- بعين فسين مشددة مفتوحتين مهملتين- قال: «قال يهودي لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله. فقال له صاحبه: لا تقل نبيّ فإنه لو سمعك تقول نبي كان له أربعة أعين، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ [الإسراء 101] فقال: «لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النّفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفرّوا من الزّحف وعليكم يا معشر اليهود خاصّة ألّا تعدوا في السبت» . فقبّلا يديه ورجليه وقالا: «نشهد أنك نبي» . قال: «فما يمنعكما أن تسلما» ؟ فقالا: «إن داود دعا الله ألّا يزال في ذرّيته نبيّ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا يهود» [ (3) ] . وروى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من اليهود فقال: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في ظلمة دون الجسر» . قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: «فقراء المهاجرين» . فقال: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: «زيادة كبد نون» . قال: «فما غذاؤهم على أثره» ؟ قال: «ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها» . قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «من عين فيها تسمى سلسبيلا» . قال: صدقت. قال: وجئت أسأل عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان،

_ [ (1) ] انظر النهاية 2/ 26. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 244 وعزاه لأحمد والطبراني والبزار بإسنادين وقال: وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات. وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب وقد اختلط. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 240 والطبراني في الكبير 7/ 43 والحاكم في المستدرك 4/ 351 وأبو نعيم في الحلية 5/ 98 والبيهقي في الدلائل 6/ 268.

جئت أسأل عن الولد. قال: «ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيّ الرجل مني المرأة فذكر بإذن الله عز وجل، وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرجل فأنثى بإذن الله عز وجل» . قال اليهودي: صدقت وإنك لنبي. ثم انصرف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سألني عن هذا الذي سألني عنه، وما أعلم شيئاً منه حتى أنبأني الله عز وجل» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد، والنسائي في الكبرى، والطبراني بسند صحيح عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: جاء رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث فقال: يا أبا القاسم أتزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ وقال اليهودي لأصحابه: إن أقرّ بها خصمته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بشجر المشك» ؟ قال: نعم. قال: «وتجدها في كتابكم» ؟ قال: نعم. قال: «والذي نفسي بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل إلى المطعم والمشرب والجماع» . فقال اليهودي: الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك، فتضمر بطونهم» . وروى سعيد بن منصور وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبزار، والحاكم، والبيهقي، وابن جرير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم يهودي فقال: يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف عليه السلام ساجدة له ما أسماؤها؟ فلم يجبه بشيء. فنزل عليه جبريل فأخبره [بأسمائها] . فبعث إلى اليهودي وقال له: «أتسلم إن أخبرتك بأسمائها» ؟ قال: نعم فقال: « [هي] : حرثان وطارق والذّيّال وذو الكنفات وذو الفرغ ووثّاب وعمودان وقابس والضّروج والمصبّح والفليق والضياء والنور. رآها يوسف عليه السلام في أفق السماء ساجدة له» . فقال اليهودي: هذه والله أسماؤها. قال الحكم بن ظهير [ (2) ] أحد رواته: الضّياء هو الشمس وهو أبوه، والنور هو القمر وهي أمه. قال الحافظ في حاشية كتبها على مجمع الزوائد: رأيت في نسخة مصحّحة أنه من ضعفاء العقيلي. بيان غريب ما سبق: «حرثان» بمهملة مفتوحة ثم مثلثة. «الذّيّال» : بمعجمة ثم تحتية ثقيلة.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 252 (314- 315) والبيهقي 1/ 169 والطبراني في الكبير 5/ 88 وأبو نعيم 1/ 351. [ (2) ] الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي. وكان أبو إسحاق الفزاري إذا روي عنه قال: الحكم بن أبي ليلى. روى عن عاصم بن بهدلة، والسدّي. وعنه جماعة آخرهم عبد بن يعقوب الأسدي، والحسن بن عرفة. قال ابن معين: ليس بثقة. وقال- مرة: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال- مرة: تركوه. عاش إلى سنة ثمانين ومائة. ميزان الاعتدال 1/ 571.

«الكنفات» بنون ففاء وآخره مثنّاة. «الفرغ» [بفاء وراء ثم غين معجمة] . «عمودان» [بلفظ تثنية عمود] . «قابس» : بقاف وموحّدة ثم مهملة. «الضّروج» : بفتح الضاد المعجمة وآخره جيم. «المصبّح» : بضم الميم ثم فتح المهملة ثم موحّدة مثقلة ثم مهملة. «الفليق» : [بالفاء واللام والمثناة التحتية فقاف] [ (1) ] .

_ [ (1) ] قال السيوطي في الدر: وأخرج سعيد بن منصور، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي في الضعفاء، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي معا، في الدلائل عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «جاء بستاني اليهودي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف- عليه السلام- ساجدة له، ما أسماؤها، فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم-، فلم يجبه بشيء، فنزل جبريل- عليه السلام- فأخبره بأسمائها، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى البستاني اليهودي، فقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم: قال: حرثان، والطارق، والذيال، وذو الكفتان، وقابس، ودنان، وهودان، والفيلق، والمصبح، والضروح، والفريخ، والضياء، والنور، رآها في أفق السماء ساجدة له، فلما قص يوسف على يعقوب، قال: هذا أمر مشتت يجمعه الله من بعد» ، فقال اليهودي: إي والله إنها لأسماؤها الاسرائيليات ص 306.

الباب العاشر في رجوعهم إليه صلى الله عليه وسلم في عقوبة الزاني وما ظهر في ذلك من كتمانهم ما انزل الله عز وجل في التوراة من حكمه وصفة نبيه صلى الله عليه وسلم

الباب العاشر في رجوعهم إليه صلى الله عليه وسلم في عقوبة الزاني وما ظهر في ذلك من كتمانهم ما أنزل الله عز وجل في التوراة من حكمه وصفة نبيه صلى الله عليه وسلم روى ابن إسحاق وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعبد الرّزّاق، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبو داود، وابن جرير، والبيهقي في الدلائل من وجه آخر عنه، وأحمد، ومسلم، وأبو داود، والنحاس في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب، والشيخان عن ابن عمر، وابن جرير، والطبراني عن ابن عباس، وعبد بن حميد في مسنده، وأبو داود، وابن ماجه وابن المنذر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدارس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد زنى رجل بعد إحصان بامرأة من يهود قد أحصنت- قال جابر: من أهل فدك، كتب أهلها إلى أناس من يهود المدينة «أن سلوا محمدا عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرّجم فلا تأخذوه عنه» . انتهى. قال أبو هريرة: فلما اجتمعوا في بيت المدارس قال: ابعثوا بهذا الرجل وبهذه المرأة إلى محمد، وفي لفظ: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرّجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا فتيا نبيّ من أنبيائك. وفي رواية: فقالوا: ولّوه الحكم فيهما فإن عمل فيهما بعملكم من التّجبية- وهي الجلد بحبل من ليف مطليّ بقار ثم تسوّد وجوههما، ثم يحملان على حمارين وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين- فاتّبعوه فإنما هو ملك سيّد قوم، وإن هو حكم فيهما بالرّجم فإنه نبيّ فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: «يا أبا القاسم هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت فاحكم فيهما فقد ولّيناك الحكم فيهما» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تجدون في التوراة؟» قالوا: نفضحهما ويجلدان. وفي رواية قالوا: دعنا من التوراة وقل ما عندك. فأفتاهم بالرّجم، فأنكروه. فلم يكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: «يا معشر يهود أخرجوا إليّ علماءكم» . فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا وأبا ياسر بن أخطب، ووهب بن يهوذا، فقالوا: إن هؤلاء علماؤنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشدكم الله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة

على من زنى بعد إحصان؟ قالوا: يحمّم ويجبّب. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرّجم. فأتوه بالتوراة فنشروها فوضع [أحدهم] يده على آية الرّجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفعها فإذا آية الرّجم تلوح. قال: صدق محمد. وفي رواية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقسم عليهم بالله عز وجل سكت شابّ منهم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت ألظّ به المسألة، فقال: إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرّجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فما أوّل ما رخصتم أمر الله عز وجل؟» قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخّر عنه الرّجم. ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأرادوا رجمه فحال قومه دونه وقالوا: والله لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم. وفي رواية إن الزّنى كثر في أشرافنا، فكنّا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ، فقلنا: تعالوا حتى نجعل شيئا ونقيمه على الشريف والوضيع. فأجمعنا على التحميم والجلد، أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون إنك نبي مرسل ولكنهم يحسدونك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه قديما بالشهوة» [ (1) ] . فجاؤوا بأربعة شهود فشهدوا بأنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما فرجما عند باب مسجده، وفي رواية: بالبلاط. قال ابن عمر: فرأيت الرجل يجنى على المرأة ليقيها الحجارة، وفي لفظ: فكنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها الحجارة بنفسه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: «بيت المدارس» [ (2) ] : بكسر الميم وهو البيت الذي يقرأ فيه أهل الكتاب كتبهم. «التّجبيه» [ (3) ] : بفتح الفوقية وسكون الجيم وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة ثم هاء، فسّر الحديث بالجلد والتحميم والمخالفة في الركوب قال ثابت بن قاسم: وقد يكون معناه التعيير والإغلاظ من جبهت الرجل أن قابلته بما يكره، وضبطها بعضهم بمثناة في آخره وقبلها حركة، وأصله البروك وهو بعيد هنا. «صوريا» : بصاد مهملة مضمومة وآخره ياء وألف. «ياسر» : بتحتية وسين مهملة.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1327) وأبو داود (4446) وابن ماجة (2555- 2558) وأحمد في المسند 4/ 286 والطبراني في الكبير 6/ 150. [ (2) ] انظر اللسان 2/ 1360. [ (3) ] انظر اللسان 1/ 542.

«أخطب» : بوزن أفعل التفضيل من الخطبة. «أنشدكم بالله» : أذكّركم أو سألتكم به مقسما عليكم. «تلوح» : تبدو. «ألظّ» به: لازمه. «النّشدة» : بكسر النون من المناشدة. «الأسرة» [ (1) ] : القوّة. «البلاط» [ (2) ]- بفتح الموحدة: الحجارة المفروشة، وموضع بالمدينة وهو المراد هنا. «يجنئ عليها» : يكبّ ويميل عليها.

_ [ (1) ] انظر اللسان 1/ 78. [ (2) ] انظر اللسان 1/ 344.

الباب الحادي عشر في سؤاله لهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين في دعاوى ادعوها

الباب الحادي عشر في سؤاله لهم أن يتمنّوا الموت إن كانوا صادقين في دعاوى ادّعوها قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سورة البقرة، آية: 94] روى ابن جرير عن أبي العالية أنه قال: «قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وقالوا: نحن أبناء الله وأحبّاؤه» . فانزل الله تعالى الآية الأولى فلم يفعلوا. وروى البيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية الأولى لما نزلت قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا اللهم أمتنا فو الذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غصّ بريقه فمات مكانه» ، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [سورة البقرة، آية: 95] يعني عملته أيديهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية: «والله لن يتمنّوه أبدا» . وروى ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق آخر عنه، قال: «لو تمنّى اليهود الموت لشرق أحدهم بريقه» . وروى الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن مردويه، وأبو نعيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أن اليهود تمنّوا الموت، لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار» .

الباب الثاني عشر في سحرهم إياه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني عشر في سحرهم إيّاه صلى الله عليه وسلم روى الشيخان والإسماعيلي، وابن مردويه، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها، والإمام أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي عن زيد بن أرقم، وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وابن سعد، والبيهقي، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن سعد عن عمر بن الحكم مرسلا، قال عمر بن الحكم: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم سنة سبع جاءت رؤساء يهود [الذين بقوا في المدينة ممّن يظهر الإسلام وهو منافق] إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفا في بني زريق وكان ساحرا [قد علمت ذلك يهود أنه أعلمهم بالسّحر وبالسموم] فقالوا له: يا أبا الأعصم أنت أسحرنا، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا وأنت ترى أثره فينا، وخلافه ديننا، ومن قتل منا وأجلى ونحن نجعل لك على ذلك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه فجعلوا له ثلاثة دنانير على أن يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت عائشة رضي الله عنها في رواية عبد الله بن عمير: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق. وفي رواية ابن عيينة: رجل من بني زريق حليف يهود وكان منافقا [ (1) ] . وفي حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند ابن سعد: إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد وكنّ أسحر من لبيد وأخبث وكان لبيد هو الذي ذهب به فأدخله تحت راعوفة البئر [ (2) ] ، فلما عقدوا تلك العقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة بصره، ودس بنات أعصم إحداهن فدخلت على عائشة رضي الله عنها [فخبّرتها عائشة أو سمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره] ثم خرجت إلى أخواتها [وإلى لبيد] فأخبرتهم بذلك. فقالت إحداهن: «إن يكن نبيا فسيخبر وإن يك غير ذلك فسوف يدلهه هذا السحر حتى يذهب عقله» . وفي رواية في الصحيح [عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر] حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهنّ» [ (3) ] . قال سفيان: وهذا شرّ ما يكون إذا كان كذا. وفي مرسل يحيى بن يعمر عن عبد الرزاق: حتى أنكر بصره، فدخل عليه أصحابه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 232 (5763) . [ (2) ] راعوفة البئر: هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت تكون ناتئة هناك، فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقّي عليها. وقيل: هي حجر يكون على رأس البئر يقوم المستقي عليه. ويروى بالثاء المثلّثة. انظر النهاية 2/ 235. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 243 (5765) .

يعودونه فخرجوا من عنده وهم يرون أنه لما به [مطبوب] . وفي رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي: فكان يذوب وما يدري وما وجعه فاشتكى لذلك أياما. وفي رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي: مكث أربعين ليلة. وفي رواية وهيب عند الإمام أحمد: ستة أشهر، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله عز وجل ثم دعا ثم قال: «يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟» قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «أتاني رجلان [ (1) ]- وفي حديث ابن عباس: جبريل وميكائيل- فقعد أحدهما عند رأسي- قال الدمياطي: هو جبريل- والآخر عند رجلي. ثم قال أحدهما لصاحبه- وفي حديث ابن عباس: فقال ميكائيل: يا جبريل إن صاحبك شاك. قال: أجل. قال: وما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي. قال: فبماذا؟ قال: «في مشط ومشاطة- وفي لفظ: مشط ومشاقة وجفّ طلع نخلة ذكر» . وفي حديث عائشة من طريق ابن عيينة، «فقال الذين عند رأسي» . قال الحافظ: «وكأنها أصوب» . وفي حديث ابن عباس عند البيهقي قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان- وفي لفظ: بئر ذروان- وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه: وهو بئر ميمون في كدية [ (2) ] تحت صخرة في الماء. قال: فما دواء ذلك؟ قال: تنزح البئر ثم تقلب الصخرة فتؤخذ الكدية فيها مثال إحدى عشرة عقدة فتحرق فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا وعمّارا. وفي حديث آخر: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها، وعليها نخل، فدخل رجل فاستخرج جفّ طلعة [ذكر] من تحت الراعوفة، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر، فنزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين: سورة الفلق وسورة الناس [وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد وأمر أن يتعوذّ بهما] فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ويجد بعدها راحة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال. قالت عائشة: فلما رجع قال: «لكأنّ ماءها نقاعة الحنّاء وكأنّ رؤوس نخلها الذي يشرب ماءها قد التوى سعفه كأنّه رؤوس الشياطين» . قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: «لا» - وفي رواية من حديث عائشة في الصحيح وغيره: فقلت يا رسول الله: أفلا- قال سفيان: أي تنشّرت- فقال: «أما والله» - وفي رواية: «أمّا أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثوّر- وفي رواية أثير- على الناس منه شرّا» . وأمر بها فدفنت. فقيل: يا رسول الله لو قتلته فقال: «ما وراءه من عذاب أشدّ» . وفي رواية: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه ولم يقتله.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 177 (دار الفكر) وابن ماجة (261) . [ (2) ] الكدية: قطعة غليظة صلبة لا تعمل فيها الفأس. وأكدى الحافر: إذا بلغها. انظر النهاية 4/ 156.

تنبيهات

تنبيهات الأول: السّحر يطلق ويراد به الآلة التي يسحر بها، ويطلق ويراد به فعل الساحر، وتكون الآلة تارة معنى من المعاني فقط كالرّقى والنّفث في العقد، وتارة تكون بالمحسوسات. وتارة تجمع الأمرين الحسي والمعنوي وهو أبلغ. الثاني: اختلف في السحر، فقيل: هو تخييل فقط ولا حقيقة له، وهو اختيار أبي جعفر الأستراباذي من الشافعية، وأبي بكر الدارمي من الحنفية، وابن حزم الظاهري وطائفة. قال النووي: «والصحيح أن للسحر حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة» انتهى. ولكن محل النزاع: هل يقع بالسحر انقلاب عين أو لا؟ فمن قال إنه تخييل فقط، منع. وقيل إن له حقيقة. واختلفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا من الأمراض، وينتهي إلى حالة بحيث يصير الجماد حيوانا مثلا وعكسه؟ فالذي عليه الجمهور، الأول. وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني. فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلّم به، وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف، فإن كثيرا ممن يدّعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه. وذكروا قوما أنكروا السحر مطلقا وكأنهم عنوا القائلين بأنه تخييل وإلا فهذه مكابرة. قال المازري: جمهور العلماء على إثبات السحر وأن له حقيقة، ونفى بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة، وهو مردود لورود النقل بإثبات السحر، ولأن العقل لا ينكر أن الله تعالى قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو بمزج بين قوى على ترتيب مخصوص، ونظير ذلك ما يقع من حذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالتركيب نافعا. وقيل: لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله: يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [سورة البقرة، آية 102] لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره. قال المازري: «والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك، والآية ليست نصا في منع الزيادة ولو قلنا إنها ظاهرة في ذلك» . ثم ذكر الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة، وقد ذكرته في أبواب المعجزات. الثالث: قال النووي: «عمل السحر حرام وهو من الكبائر بإجماع، وقد عدّه النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر كالتّعبّد للشياطين أو الكواكب. وأما تعليمه وتعلّمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر استتيب منه [متعاطيه] ولا يقتل. فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزّر. وعن الإمام مالك: الساحر كافر يقتل ولا يستتاب. بل يتحتّم

قتله كالزّنديق. قال القاضي: «وبقول مالك قال أحمد، وجماعة من الصحابة والتابعين» . انتهى. وإلى ذلك جنح البخاري. الرابع: قال الحافظ: «أجاز بعض العلماء تعلّم السّحر لأحد أمرين: إما لتميّز ما فيه من كفر من غيره، وإما لإزالته عمّن وقع/ فيه. فأما الأوّل فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء معرفة مجردة لا تستلزم منعا، كمن يعرف عبادة أهل الأوثان، لأن كيفية ما يعرفه السّاحر إنما هي حكاية قول وفعل، بخلاف تعاطيه والعمل به. وأما الثاني فإن كان لا يتمّ كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلا، وإلا جاز للمعنى المذكور، ولهذا مزيد بسط يأتي إن شاء الله في أبواب عصمته صلى الله عليه وسلم. الخامس: لبيد- بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة ثم مهملة- ابن الأعصم بوزن أحمر بمهملتين- وصف في رواية بأنه من يهود بني زريق. وفي رواية [أخرى] بأنه رجل من بني زريق حليف يهود، وكان منافقا. ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر، ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره. قال أبو الفرج: وهذا يدل على أنه أسلم نفاقا وهو واضح. السادس: في مدة مكثه صلى الله عليه وسلم مسحورا: وقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم مكث أربعين ليلة. وفي رواية وهيب عن هشام عند الإمام أحمد ستة أشهر. ويمكن الجمع بينهما بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغيّر مزاجه والأربعين يوما من استحكامه. قال السهيلي: لم أقف على شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث صلى الله عليه وسلم فيها من السحر، حتى ظفرت به في جامع معمر [بن راشد] عن الزهري قال: «سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة [يخيل إليه أنه يفعل الفعل ولا يفعله] . وقد وجدناه موصولا بإسناد صحيح فهو المعتمد. السابع: قوله: «فدعا الله عز وجل ثم دعا الله عز وجل» : قال الإمام النووي: «فيه استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله تعالى في رفع ذلك» . قال الحافظ: «سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القضية مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب، ففي أول الأمر فوّض وسلّم لأمر ربّه، واحتسب الأجر في صبره على بلائه. ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعف عن عبادته جنح إلى التداوي ثم إلى الدعاء. وكل من المقامين غاية «في الكمال» . الثامن: وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليا وعمّارا لاستخراج السحر. وفي رواية عائشة في الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم توجّه إلى البئر مع جماعة. وعند

ابن سعد عن عمر بن الحكم مرسلا: «فدعا جبير بن إياس الزّرقي فدلّه على موضعه في بئر ذروان تحت أرعوفة البئر فخرج جبير حتى استخرجه. قال ابن سعد: ويقال: إن الذي استخرج السّحر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن محصن الزّرقي. ويجمع بأنه أعان جبيرا على ذلك وباشره بنفسه فنسب إليه التاسع: في بيان غريب ما سبق: «الحديبية» : يأتي الكلام عليها في غزوتها. «الحليف» [ (1) ] : المعاهد. «بنو زريق» : بتقديم الزاي تصغير أزرق. «أشعرت؟» : أعلمت؟. «مطبوب» : مسحور. يقال: طبّ الرجل- بالضّمّ- إذا سحر وكنوا بالطّبّ عن السّحر تفاؤلا بالبرء كما كنوا بالسّليم عن اللّديغ. وقال القرطبي في المفهم: «إنما قالوا للسحر طبّ، لأنّ أصل الطّبّ الحذق بالشيء والتّفطّن له، فلما كان كل من عالج المرض والسّحر إنما يأتي عن فطنة وحذق، أطلق على كل منهما هذا الاسم. «مشط» : معروف وتقدم الكلام عليه في شرح غريب قصة المعراج. «مشاطة» . ما مشط من الرأس. «مشاقة» قيل: مشاقة الكتّان. وقيل المشاقة هي المشاطة بعينها، والقاف تبدل من الطّاء لقرب المخرج وهما بمعنى واحد. «جفّ» : بالجيم والفاء: وهو الغشاء الذي يكون على الطّلع. «الظّلع» [ (2) ] : يطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيّده بالذّكر، وفي رواية في الصحيح بتنوين طلعة ذكر فهو صفة ألحقت إلى ذكر. «بئر ذروان» : بالذال المعجمة وزن مروان. وفي رواية «ذي أروان» وهي الأصل فسهلّت الهمزة لكثرة الاستعمال فصارت ذروان. وفي رواية السهيلي: ذي روان بإسقاط همزته [وهو] غلط. «الرّاعوفة» : كذا لأكثر رواة الصحيح بزيادة ألف خلافا لابن التّين حيث زعم أن رعوفة

_ [ (1) ] انظر اللسان 2/ 964. [ (2) ] انظر اللسان 4/ 2691.

للأصيلي فقط وهو المشهور في اللغة. وفي لغة أرعوفة. وفي رواية عند أحمد «رعوثة» ، بثاء مثلثة بدل الفاء وهي لغة أخرى معروفة. وفيها لغة أخرى «زعوبة» بالزاي والموحدة، وهما بمعنى واحد. والراعوفة [ (1) ] حجر يوضع عند رأس البئر لا يستطاع قلعه، يقوم عليه المستقي، وقد يكون في أسفل البئر إذا احتفرت، يجلس عليها الذي ينظّف البئر، وهو حجر يوجد صلبا لا يستطاع قلعه. «أفتاني فيما استفتيته فيه» : أجابني فيما دعوته، فأطلق على الدعاء استفتاء لأن الداعي طالب، والمجيب مستفتى، والمعنى: أجابني عما سألته عنه، لأن دعاءه كان الله أطلعه على حقيقة ما هو فيه لما اشتد عليه الأمر. «أنشط من عقال» [ (2) ] : بضم الهمزة. وفي رواية إسقاط الألف، أي حلّ كما قال في النهاية، وكثيرا ما يجيء في الرواية «كأنما نشط من عقال» وليس بصحيح، يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها، وأنشطتها وانتشطتها إذا حللتها. انتهى. قال في البارع تقول العرب: «كأنما أنشط من عقال» ، بضم الهمزة. ويقال في المثل للمريض: يسرع برؤه، والمغشيّ عليه تسرع إفاقته في أمر شرع فيه عزيمته: «كأنما أنشط من عقال» ، ويقال نشط، انتهى. فأثبت ما في الرواية لغة، وهو أعرف باللغة من صاحب النهاية. «تنشّرت» : ظاهر صحيح البخاري أنه من النّشرة، ويحتمل أنه من النّشر بمعنى الإخراج فيوافق رواية من رواه بلفظ «أفأخرجته؟» ورواية «أفلا» وحذف المفعول للعلم به ويكون المراد بالمخرج ما حواه الجفّ لا الجفّ نفسه، ليتأكد الجمع المتقدم ذكره. والنّشرة ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرا أو مسّا. قيل للنّشرة ذلك لأنه يكشف بها عنه ما خالطه من الداء. والله أعلم.

_ [ (1) ] انظر اللسان 3/ 1673. [ (2) ] انظر اللسان 6/ 4428.

الباب الثالث عشر في معرفة بعض طغاة المنافقين الذين انضافوا إلى اليهود وبعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم

الباب الثالث عشر في معرفة بعض طغاة المنافقين الذين انضافوا إلى اليهود وبعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم سرد ابن إسحاق وجماعة أسماء المنافقين، وأنا ذاكر هنا بعض من نزل القرآن الكريم بكشف حاله، وأقدّم قبل ذلك معنى النّفاق. النفاق: اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو فعل المنافق الذي يستر كفره ويظهر إيمانه كما يتستّر الرجل بالنّفق الذي هو السّرب [ (1) ] ، فقيل هو اشتقاقه من هذا. وقيل من قولهم نافق اليربوع إذا دخل في قاصعائه وخرج من نافقائه وبالعكس. وذلك أن اليربوع له جحرة أربعة: النافقاء والقاصعاء والرّاهطاء والدّامّاء، فهو يرقّق أقصى النافقاء ويكتمها ويظهر غيرها. فإذا قصد من غيرها من الجحر ضرب النافقاء برأسه فانتفق منها أي خرج. وقيل: إنها نافذة بعضها إلى بعض، فمن أيّها قصد خرج من الأخرى. فكذلك المنافق يدخل في الإيمان من جهة ويخرج من جهة أخرى فاشتقاقه من فعل اليربوع. وقيل: اشتقاقه من صورة النافقاء لا من فعل اليربوع، وذلك أن النافقاء ظاهره مدخل وباطنه مخرج ومهرب، فكذا المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر، ومحل النفاق القلب. ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم بشر كثير ممّن أراد الله عز وجل هدايته. وانضاف إلى اليهود أناس من الأوس والخزرج ممن كان عسا في الجاهلية، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشّرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره، واجتماع قومهم عليه، فتظاهروا بالإسلام واتخذوه جنّة من القتل ونافقوا في السّرّ، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وجحودهم الإسلام. وقد ذكر الله أخبارهم في سورة براءة وغيرها. فمن المنافقين: الجلاس- بجيم مضمومة فلام مخفّفة فألف فسين مهملة- ابن سويد بن الصامت. قال ابن إسحاق: وكان ممّن تخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. وروى ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وعبد الرزاق، وابن سعد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عروة قالوا: لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس: «والله لئن كان هذا الرجل صادقا [على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا] لنحن شر من الحمير» . فسمعها عمير بن سعد رضي الله عنه، وكان في حجر جلاس خلف على أمه بعد أبيه. فقال له عمير: «والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنه عندي يدا وأعزّه عليّ أن يصيبه شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة

_ [ (1) ] السّرب: المسلك في خفية. انظر النهاية 2/ 356.

تنبيهات

لئن رفعتها عليك- لأفضحنّك ولئن صمت ليهلكنّ ديني ولإحداهما أيسر عليّ من الأخرى» . فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ما قال له جلاس. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كذب عليّ عمير وما قلت ما قال عمير. فقال عمير: «بل والله قلته فتب إلى الله تعالى، ولولا أن ينزل قرآن فيجعلني معك ما قلته» . فجاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكتوا لا يتحرك أحد. وكذلك كانوا يفعلون لا يتحركون إذا نزل الوحي، فرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [التوبة 74] فقال [جلاس] : «قد قلته وقد عرض الله عليّ التوبة فأنا أتوب» . فقبل ذلك منه، وكان همّ أن يلحق بالمشركين. [وقال ابن سيرين لما نزلت هذه الآية: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير وقال] : «يا غلام وفت أذنك وصدّقك- ربّك» . تنبيهات الأول: ذكر في سبب نزول هذه الآية شيء آخر: وهو قول عبد الله بن أبيّ في غزوة المر يسيع: «والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ» . فسعى بها زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأرسل خلف ابن أبيّ فحلف بالله ما قاله، فانزل الله تعالى الآية. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة. وسيأتي بيان ذلك في غزوة المريسيع إن شاء الله تعالى. الثاني: روى محمد بن عمر عن عبد الحميد بن جعفر، أن الجلاس تاب وحسنت توبته، ولم ينزع عن خير كان يصنعه إلى عمير، وكان ذلك مما عرفت به توبته. ومن المنافقين: نبتل- بنون مفتوحة فموحدة ساكنة ففوقية مفتوحة فلام- ابن الحارث، وكان رجلا جسيما، أدلم، ثائر شعر الرأس أحمر العينين، أسفع الخدّين، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث» . وروى ابن إسحاق عن بعض بني العجلان أنه حدّث أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «إنه يجلس إليك رجل أدلم ثائر شعر الرأس أسفع الخدّين أحمر العينين كأنهما قدران من صفر، كبده أغلظ من كبد الحمار، ينقل حديثك إلى المنافقين فأحذره» . وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين. وهو الذي قال لهم: «إنما محمد أذن، من حدّثه بشيء صدّقه» . فانزل الله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ

وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التوبة 61] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: «الأدلم» [ (1) ] بدال مهملة: الأسود الطويل. «ثائر شعر الرأس» : منتشر الشعر. «أسفع الخدّين» [ (2) ] : السّفعة- بالضّمّ: سواد مشرب بحمرة أو زرقة. «الصّفر» بضم الصاد المهملة وبالفاء: النّحاس. ومنهم: مربع- بميم مكسورة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة فعين مهملة- ابن قيظيّ بقاف فتحتية فظاء معجمة مشالة- وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد: «لا أحل لك يا محمد إن كنت نبيا أن تمرّ في حائطي» . وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال: «والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به» . فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر» [ (3) ] . ومنهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، وسلول هي أم أبيّ وهو أبيّ بن مالك العوفي أحد بني الحبلى. وكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون، وهو الذي قال: «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ» في غزوة بني المصطلق. وفي قوله ذلك نزلت سورة المنافقين بأسرها. وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعبد الله بن أبيّ سعيد أهلها لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان، لم يجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره حتى جاء الإسلام. وكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوّجوه ثم يملّكوه عليهم، فجاءهم الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا. فلما أن رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرّا على نفاق وضغن. وروى ابن إسحاق، والإمام أحمد، والشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما. قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا عليه إكاف فوقه قطيفة فدكيّة مختطمة بحبل من ليف. قال: وأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر،

_ [ (1) ] انظر اللسان 2/ 1415. [ (2) ] انظر اللسان 3/ 2027. [ (3) ] انظر البداية والنهاية 3/ 239.

فمر بعبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم وهو في ظلّ أطم وفي مجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود في مجلس عبد الله بن رواحة. فلما غشيت المجلس عجاجة الدّابّة خمّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه وقال: لا تغبّروا علينا. فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف فنزل فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن وحذّر وبشّر وأنذر فقال له عبد الله بن أبي: «يا أيها المرء إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقّا فلا تؤذونا به في مجلسنا، وارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه» . قال: فقال ابن رواحة: «بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فهو والله مما نحبّ» . فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفّضهم حتى سكتوا. فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل إلى سعد بن عبادة، فقال له: «أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب» ؟ يريد عبد الله بن أبيّ. فقال سعد: «يا رسول الله اعف عنه واصفح فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل البحيرة على أن يتوّجوه فيعصبوه، فلما ردّ ذلك بالحق الذي أعطاك شرق، فذلك الذي فعل به ما رأيت» [ (1) ] . وعن أنس رضي الله عنه قال: قلت: يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبيّ؟ فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فركب حمارا، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة. فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إليك عنّي فوالله لقد أذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد- وفي لفظ بالحديد- والأيدي والنّعال، فبلغنا أنه أنزل فيهم وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [الحجرات 9] . رواه الشيخان. قال ابن إسحاق: وقال عبد الله بن أبيّ حين رأى من خلاف قومه ما رأى: متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل ... تذلّ ويصرعك الّذين تصارع وهل ينهض البازي بغير جناحه ... وإن جذّ يوما ريشه فهو واقع ومنهم أبو عامر الفاسق واسمه: عبد عمرو بن صيفي بن النعمان الأوسي أحد بني ضبيعة بن زيد، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة. وكان أبو عامر قد ترهّب في الجاهلية ولبس المسوح، فكان يقال له الراهب. وكان شريفا مطاعا في قومه فشقي بشرفه وضرّه. ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو عامر قبل أن يخرج إلى مكة فقال: يا محمد ما

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 154 ومسلم في كتاب الجهاد (116) وأحمد في المسند 5/ 203 وعبد الرزاق (9784) والطبراني في الكبير 6/ 67.

هذا الدين الذي جئت به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جئت بالحنيفيّة دين إبراهيم» . قال: فإني عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست عليها [لأنك أدخلت فيها ما ليس منها] . قال: بل أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها. قال: «ما فعلت بل جئت بها بيضاء نقيّة» . فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب [منا] طريدا وحيدا. وإنما قال ذلك يعرّض برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خرج من مكة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم أمات الله الكاذب منا كذلك» . فكان ذلك هو عدوّ الله فخرج إلى مكة. فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، خرج إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها طريدا غريبا وحيدا [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 19 وذكره القرطبي في التفسير 7/ 320.

المجلد الرابع

[المجلد الرابع] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم جماع أبواب المغازي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنفسه الكريمة الباب الأول في الإذن بالقتال ونسخ العفو عن المشركين وأهل الكتاب قال العلماء رضي الله عنهم: أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول نبوّته، فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر 1، 2] فبدأه بقوله: «اقرأ» . وأرسله بيا أيها المدثر، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم إنذار قومه، ثم إنذار من حولهم من العرب قاطبة، ثم إنذار من بلغته الدعوة من الجن والإنس إلى آخر الدهر، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية، ويؤمر بالكفّ والصّبر والصّفح، ثم أذن له في الهجرة، فلما استقرّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وأيّده الله تعالى بنصره وبعباده المؤمنين، وألّف بين قلوبهم بعد العداوة والإحن التي كانت بينهم، فمنعته أنصار الله وكتيبة الإسلام: الأوس والخزرج، من الأسود، والأحمر، وبذلوا أنفسهم دونه، وقدّموا محبّته على محبّة الآباء والأبناء والأزواج، وكان أولى بهم من أنفسهم. عادتهم العرب واليهود. روى البيهقيّ وغيره عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمّروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، وصاحوا بهم من كل جانب حتى كان المسلمون لا يبيتون إلا في السّلاح ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: ترى نعيش حتى نبيت مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل، فأنزل الله تبارك وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور 55] .

قال البيهقىّ: وفي مثل هذا المعنى قوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل 41، 42] ذكر بعض أهل التّفسير أنها نزلت في المعذّبين بمكة حين هاجروا إلى المدينة بعد ما ظلموا، فوعدهم الله تعالى في الدّنيا حسنة، يعني بها الرزق الواسع، فأعطاهم ذلك. فيروى، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان إذا أعطى الرجل عطاءه من المهاجرين يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله تبارك وتعالى في الدنيا، وما ادّخر لك في الآخرة أفضل. انتهى. وكانت اليهود والمشركون من أهل المدينة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأمرهم الله تبارك وتعالى بالصّبر والعفو والصّفح، فقال تبارك وتعالى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران 186] أي قطعه قطع إيجاب وإلزام، وهو من التّسمية بالمصدر، أي من معزومات الأمور. وقال عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة 109] أي أن محمدا رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التَّوراة والإنجيل، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، أي الإذن بقتالهم وضرب الجزية عليهم. وروى أبو داود وابن المنذر والبيهقي عن كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: «كان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، فأمرهم الله تعالى بالصبر على ذلك والعفو عنهم. وروى الشيخان وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب» [ (1) ] ، يتأوّل في العفو ما أمره الله تعالى به حتى أذن الله تعالى فيهم، فقتل من قتل من صناديد قريش. قال العلماء: فلمّا قويت الشوكة واشتدّ الجناح أذن لهم حينئذ في القتال ولم يفرضه عليهم، فقال تبارك وتعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً. وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج 39، 40] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 84 (6207) .

أذن: رخّص وفي قراءة بالبناء للفاعل وهو الله. للذين يقاتلون المشركين وهم المؤمنون، والمأذون فيه محذوف، لدلالته عليه. وفي قراءة بفتح التاء، أي للذين يقاتلهم المشركون. بأنهم ظلموا: بسبب أنهم ظلموا أي بظلم الكافرين إيّاهم. وإنّ الله على نصرهم لقدير: وعدهم بالنّصر كما وعد بدفع أذى الكفّار عنهم. الّذين أخرجوا من ديارهم- يعني مكّة- بغير حقّ في الإخراج، ما أخرجوا إلّا أن يقولوا ربّنا الله وحده. وهذه القول حقّ في الإخراج بغير حق. ولولا دفع- وفي قراءة: دفاع- الله النّاس بعضهم- بدل بعض من النّاس- ببعض، بتسليط المؤمنين، على الكافرين. لهدمت- بالتّشديد للتكثير، وبالتّخفيف- صوامع للرّهبان وبيع للنّصارى وصلوات كنائس لليهود، وهي بالعبرانية «صلواتا» وقيل فيه حذف مضاف تقديره: مواضع صلوات، وقيل: المراد بتهديم الصّلوات تعطيلها. ومساجد للمسلمين يذكر فيها، أي في المواضع، اسم الله كثيرا وتنقطع العبادات بخرابها وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج: 40] أي دينه. إنَّ الله لقويّ على خلقه، عزيز: منيع في سلطانه وقدرته. قال العلماء: ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم. قال تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة 190] يعني في قتالهم فتقاتلوا غير الذين يقاتلونكم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة حتى يكون الدين كله لله. وقال الله عز وجل: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة 36] أي جميعا كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً . وقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة 216] وكان محرّما، ثم صار مأذونا فيه، ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورا به لجميع المشركين، إمّا فرض عين على أحد القولين، أو فرض كفاية على المشهور. روى الإمام أحمد والترمذي، وحسنه، والنسائي وابن ماجة وابن حبان، عن ابن عباس وابن أبي شيبة: وعبد بن حميد، والبيهقي، عن مجاهد وابن عائذ وعبد الرزاق وابن المنذر عن الزهريّ، والبيهقيّ عن السدّيّ أن أول آية نزلت في القتال قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج 39] . وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطنيّ وتمّام عن أنس والأئمة عن أبي هريرة، وأبو داود الطيالسي والنسائي، وابن ماجة، والضياء عن أوس بن أوس الثّقفيّ، عن أبيه- قال الحافظ في الإصابة: والصواب أنه غير الذي قبله- والطبرانيّ عن جابر والنّسائيّ والبزار والطبراني عن النعمان بن بشير، وعن ابن عباس، وعن ابن مالك الأشجعيّ، عن أبيه، وعن أبي بكرة وعن سمرة، والإمام أحمد والخمسة عن عمر، والشيخان عن ابن

عمر، ومسلم والنسائي وابن حبان عن أبي هريرة، وابن ماجة عن معاذ، رضي الله عنهم أجمعين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن يستقبلوا قبلتنا، ويؤتوا الزّكاة، ويأكلوا ذبيحتنا، ويصلّوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وحسابهم على الله، قيل: وما حقها؟ قال: زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إسلام، أو قتل نفس فيقتل بها» [ (1) ] . ثم كان الكفار معه صلّى الله عليه وسلم بعد الهجرة ثلاثة أقسام: قسم صالحهم، ووادعهم على ألا يحاربوه ولا يظاهروا عليه عدوّه، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم وأموالهم، وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة، وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه. ثم من هولاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن، ومنه من كان يحب ظهور عدوّه عليه وانتصارهم، ومنهم من دخل معه في الظّاهر وهو مع عدوه في الباطن، ليأمن على نفسه من الفريقين، وهؤلاء هم المنافقون، فعامل صلى الله عليه وسلم كلّ طائفة من هذه الطوائف بما أمره ربه تبارك وتعالى، فصالح يهود المدينة وكتب بينه وبينهم كتاب أمن، وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة: بني قينقاع وبني النّضير وبني قريظة، فنقض العهد الجميع، وكان من أمرهم ما سيأتي في الغزوات، وأمره الله سبحانه وتعالى أن يقيم لأهل العقد والصلح بعدهم، وأن يوفّي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنبذ العهد، وأمره أن يقاتل من نقض عهده. ولمّا نزلت سورة «براءة» نزلت ببيان هذه الأقسام كلّها، فأمره الله تعالى أن يقاتل عدوّه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في دين الإسلام، وأمره بجهاد الكفّار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسّنان، والمنافقين بالحجة واللسان، وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار ونبذ عهودهم، وجعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام: قسم أمره بقتالهم، وهم الذين نقضوا عهده ولم يستقيموا له، فحاربهم وظهر عليهم، وقسم لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدّتهم، وقسم لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، وكان لهم عهد مطلق، فأمره أن يؤجّلهم أربعة أشهر، فإذا انسلخت الأربعة قاتلهم، وهي الأشهر الأربعة المذكورة في قوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 75 (25) ومسلم 1/ 53 (36- 22) والترمذي (260- 2606) وابن ماجة (71) والنسائي 7/ 75 وأحمد في المسند 2/ 345 والدارمي 2/ 218 والبيهقي في السنن 1/ 84 والحاكم 1/ 386 والطبراني في التفسير 15/ 58 وعبد الرزاق (6916) والطبراني في الكبير 2/ 347 والدارقطني 2/ 89.

[التوبة 5] فالحرم هنا هي أشهر التّسيير، أولها يوم الأذان وهو العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر الذي وقع فيه التأذين بذلك، وآخرها العاشر من ربيع الآخر وليست هي الأربعة المذكورة في قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة 36] فإِنَّ تلك واحد فرد وثلاثة سرد: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. ولم يسيّر المشركين في هذه الأربعة، فإن هذا لا يمكن، لأنها غير متوالية وإنما هو أجّلهم أربعة أشهر. ثم أمره بعد انسلاخها أن يقاتلهم، فقاتل الناقض لعهده، وأجّل من لا عهد له- أو له عهد مطلق- أربعة أشهر، وأمره أن يتمّ للموفي بعهده عهده إلى مدته، فأسلم هؤلاء كلّهم ولم يقيموا على كفرهم إلى مدتهم. وضرب على أهل الذّمة الجزية، فاستقرّ أمر الكفّار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام: محاربين له، وأهل عهد، وأهل ذمّة، ثم آلت حال أهل العهد والصّلح إلى الإسلام، فصار الكفار قسمين: أهل ذمّة آمنون وأهل حرب وهم خائفون منه، وصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمن به، ومسالم له آمن، وخائف محارب. وأمر في المنافقين أن يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله تبارك وتعالى، وأن يجاهدوهم بالعلم والحجّة، وأمره أن يعرض عنهم، ويغلظ عليهم، وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم، ونهي أن يصلّي عليهم وأن يقوم على قبورهم، وأخبر أنه إن استغفر لهم أو لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم. تنبيه: قال بعض الملحدين: إنما بعث صلى الله عليه وسلم بالسّيف والقتل، والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم بعث أولا بالبراهين والمعجزات، فأقام يدعو الناس أكثر من عشر سنين فلم يقبلوا ذلك، وأصروا على الكفر والتكذيب، فأمر بالقتال وهو عوض العذاب الذي عذّب الله تعالى به الأمم السابقة لمّا كذّبت رسلهم.

الباب الثاني اختلاف الناس في عدد المغازي الذي غزا فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة، وفي كم قاتل فيها

الباب الثاني اختلاف الناس في عدد المغازي الذي غزا فيها النبي صلى الله عليه وسلّم بنفسه الكريمة، وفي كم قاتل فيها روى ابن سعد عن ابن إسحاق وابن عقبة وأبي معشر وعن شيخه محمد بن عمر الأسلمي عن جماعة سمّاهم قالوا: كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزا فيها بنفسه سبعا وعشرين، وقيل: تسع وعشرون، وقيل: ستّ وعشرون، ومن قال بذلك جعل غزوة خيبر ووادي القرى غزوة واحدة. وقيل: خمس وعشرون، وزعم الحافظ عبد الغني المقدسيّ أنه المشهور، وعزاه لابن إسحاق وابن عقبة وأبي معشر، والذي رواه عنهم ابن سعد ما سبق، وهو الصواب الذي جزم به أبو الفرج في «التّلقيح» والدّمياطيّ والعراقيّ وغيرهم. قال في المورد: وهذا الذي نقله المؤلف، أي الحافظ عبد الغني عن هؤلاء الأئمة الثلاثة لم يقع لي من نقله عنهم غير المؤلف، سرد أسماء الغزوات، وهي غزوة الأبواء ويقال لها: ودّان، ثم غزوة بواط، ثم غزوة سفوان، وهي بدر الأولى لطلب كرز بن جابر، ثم غزوة العشيرة، ثم غزوة بدر الكبرى، ثم غزوة بني سليم بالكدر، ويقال لها: قرقرة الكدر، ثم غزوة السّويق، ثم غزوة غطفان، وهي غزوة ذي أمرّ ثم غزوة الفرع، من بحران بالحجاز، ثم غزوة بني قيقاع، ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة بني النّضير، ثم غزوة بدر الأخيرة وهي غزوة بدر الموعد، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة بني المصطلق وهي المريسيع، ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان، ثم غزوة الحديبية، ثم غزوة ذي قرد، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني ثعلبة ثم غزوة عمرة القضاء، ثم غزوة فتح مكة، ثم غزوة حنين، ثم غزوة الطّائف، ثم غزوة تبوك، وفي بعض ذلك تقديم وتأخير عند بعض المحدثين، وسيأتي بيان ذلك مفصّلا مع ضبطه. قال ابن إسحاق، وابن سعد وابن حزم، وابن الأثير رحمهم الله: قاتل النبي صلى الله عليه وسلم في تسع غزوات: بدر، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق وهي المريسيع وخيبر والفتح وحنين والطّائف، ويقال: أنه صلى الله عليه وسلم قاتل أيضا في بني النّضير ووادي القرى، والغابة. وقال ابن عقبة: قاتل في ثماني مواطن وأهمل عدّ قريظة، لأنه ضمهّا إلى الخندق لكونها كانت في إثرها، وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب، وكذا وقع لغيره، عدّ الطائف وحنينا واحدة لكونها كانت في إثرها.

وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب [ (1) ] رضي الله تعالى عنه قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمان غزوات قال النّوويّ: لعل بريدة أسقط غزوة الفتح ويكون مذهبه أنها فتحت صلحا- كما قال الشافعيّ وموافقوه- قلت: والتوجيه السابق أقعد. قال الحافظ أبو العباس الحراني رحمه الله في الرد على ابن المطهر الرافض: لا يفهم من قولهم أنه صلى الله عليه وسلم قاتل في كذا وكذا أنه قاتل بنفسه كما فهمه بعض الطلبة ممن لا اطلاع له على أحواله صلى الله عليه وسلم، ولا يعلم أنه قاتل بنفسه في غزوة إلا في أحد فقط. قال: ولا يعلم أنه ضرب أحدا بيده إلا أبي بن خلف، ضربه بحربة في يده. انتهى. قلت: وعلى ما ذكره يكون المراد بقولهم: قاتل في كذا وكذا أنه صلى الله عليه وسلم وقع بينه وبين عدوّه في هذه الغزوات قتال قاتلت فيها جيوشه بحضرته صلى الله عليه وسلم، بخلاف بقيّة الغزوات، فإنه لم يقع فيها قتال أصلا، لكن نقل الحافظ في الفتح عن ابن عقبة أنه قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان غزوات، وراجعت نسخة صحيحة في مغازي ابن عقبة ونصّه: ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها، قاتل في بدر إلى آخر ما ذكره ثم قال: وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة لم يكن فيها قتال. انتهى. ولم يذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم قاتل بنفسه، فكأنها في بعض النسخ. وسيأتي في غزوة أحد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بقوسه حتى صارت شظايا، وأنه أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها يوم أحد سيفه فقال: اغسلي دمه عنه، وفي حديث.... كنا إذا التقينا، كتيبة أو جيشا، أول من يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه ... والغزوات الكبار الأمهّات سبع: بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، والفتح، وحنين، وتبوك. وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن، ففي بدر كثير من سورة الأنفال، وفي أحد آخر آل عمران من قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمران 121] إلى قبيل آخرها بيسير. وفي قصة الخندق وقريظة صدر سورة الأحزاب، وفي بني النّضير سورة الحشر. وفي قصة الحديبية وخيبر سورة الفتح، وأشير فيها إلى الفتح، وذكر الفتح في سورة النّصر، وتبوك في سورة براءة. وجرح منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فقط، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين وأحد على خلاف في الثالثة يأتي تحقيقه في غزوتها. ونزلت الملائكة يوم الخندق فزلزلوا المشركين وهزموهم. ورمى بالحصباء في وجوه المشركين

_ [ (1) ] بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، له كنى وسكن المدينة ثم البصرة ثم مرو، له مائة وأربعة وستون حديثاً. اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديثين و (م) بأحد عشر، روى عنه ابنه عبد الله وأبو المليح عامر. مات بمرو سنة اثنتين أو ثلاث وستين. وهو آخر من مات بخراسان من الصحابة. [الخلاصة 1/ 121] .

تنبيهات

فهربوا، فكان الفتح في غزوتين: بدر وحنين. وقاتل بالمنجنيق في غزوة واحدة وهي الطّائف. وتحصّن بالخندق في واحدة وهي الأحزاب، أشار به عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه. تنبيهات الأول: روى الخطيب البغداديّ في الجامع وابن عساكر في تاريخه عن زين العابدين علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، قال: كنا نعلّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلّم السّورة من القرآن. ورويا عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزّهري المدنيّ قال: كان أبي يعلّمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدّها علينا وسراياه، ويقول: يا بني هذه شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها. ورويا أيضاً عن الزهري قال: في علم المغازي خير الدنيا والآخرة. الثاني: روى ابن إسحاق والإمام أحمد والشيخان عن عبد الله بن بريدة- بضم الموحدة وسكون التحتية- قال: قلت لزيد بن أرقم: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة، قلت: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة غزاة، قال الحافظ: تسع عشرة، والمراد الغزوات التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنفسه الكريمة سواء قاتل أو لم يقاتل، لكن روى أبو يعلى بسند صحيح عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عدد الغزوات إحدى وعشرون. وأصله في مسلم. فعلى هذا فات زيد بن أرقم ثنتان منها، ولعلهما الأبواء وبواط. وكان ذلك خفي عليه لصغره، ويؤيّد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات العشيرة أو العسيرة اهـ. والعسيرة: الغزوة الثالثة. وأما قول ابن كثير: يحمل قول زيد على أنّ العشيرة أول ما غزاه هو، أي زيد بن أرقم، والتقدير: فقلت: ما أول غزاة غزاها وأنت معه؟ قال: العشيرة، فهو يحتمل أيضا، ويكون، قد خفي عليه ثنتان مما بعد ذلك، أو عدّ الغزوتين واحدة كما سبق لموسى بن عقبة، وكذا وقع لغيره، عدّ الطائف وحنينا واحدة لتقاربهما، فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر: وتوسع ابن سعد فبلغ عدد المغازي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين، وتبع في ذلك شيخه محمد بن عمر، وهو مطابق لما عدّه ابن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر، أشار إلى ذلك السّهيليّ. وكأنّ الستة الزائدة من هذا القبيل، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح، عن سعيد بن المسيب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين، ورواه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب، عن عبد الرزاق فزاد فيه أن سعيدا قال أولا: ثماني عشرة، ثم قال: أربعا وعشرين. قال الزهري: فلا أدري أوهم الشيخ أو كان شيئا سمعه. قال الحافظ رحمه الله: وحمله على ما ذكر يرفع الوهم ويجمع الأقوال.

الثالث: أول من صنّف في المغازي عروة بن الزبير أحد أئمة التّابعين، ثم تلاه تلميذاه: موسى بن عقبة، ومحمد بن شهاب الزهري. قال الإمام مالك رحمه الله: مغازي موسى بن عقبة أصحّ المغازي. وقول السهيليّ: إن مغازي الزّهريّ أول ما صنّف في الإسلام ليس كذلك. وأجمع الثلاثة، وأشهرها مغازي أبي بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطّلبيّ مولاهم المدني نزل العراق رحمه الله تعالى، وقد تكلم فيه جماعة وأثنى عليه آخرون. والمعتمد أنه صدوق يدلّس، وإذا صرح بالتحديث فهو حسن الحديث. قال الإمام الشافعي رحمه الله: من أراد أن يتبحّر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق، وقد اعتمد عليه في هذا الباب أئمة لا يحصون، ورواها عن جمع، ويقع عند بعضهم ما ليس عند بعض، وقد اعتمد أبو محمد عبد الملك بن هشام رحمه الله على رواية أبي محمد زياد بن عبد الله بن الطفيل العامريّ البكّائيّ، بفتح الموحدة وتشديد الكاف- وهو صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، فرواها ابن هشام عنه وهذّبها ونقحها، وزاد فيها زيادات كثيرة، واعترض أشياء سلم له كثير منها، بحيث نسبت السيرة إليه. وقد اعتنى بكتاب ابن هشام أئمة من العلماء، فشرح الإمام الحافظ أبو ذر الخشنيّ رحمه الله غريب لغاته، وهو على اختصاره مفيد جدّا، وشرح الإمام أبو القاسم السّهيلي كثيرا من مشكلها، واختصره الحافظ الذهبيّ وسماه بلبل الرّوض، وأجحف في اختصاره الشمس محمد بن أحمد بن موسى الكفيريّ الدّمشقيّ والتّقيّ يحيى بن شيخ الإسلام الشّمس الكرمانيّ، وسماه كل منهما زهر الروض، والعلامة الشيخ عز الدين بن جماعة، وسماه «نور الرّوض» والعلامة جمال الدين محمد بن مكرّم صاحب «لسان العرب» ، ورأيت لبعض المحققين من السادة الحنفيّة حواشي مفيدة على هوامش نسخة من الروض نكّت عليه فيها كثيرا، وعلّق الحافظ علاء الدّين مغلطاي رحمه الله تعالى على الروض والسيرة كتابا في مجلدين رأيته بخطه تعقّب فيه السهيليّ كثيرا في النّقل، وذكر شرح كثير من غريب السيرة الذي أخلّ به، وهو شيء كثير، واختصره العلامة المرجانيّ وسماه روائح الزهر. ولأبي أحمد محمد بن عايذ- بالتحتية، والذال المعجمة- القرشيّ الدمشقيّ الكاتب كتاب كبير في ثلاثة مجلدات، فيه فوائد ليست في كتاب ابن هشام. ولأبي عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي البغدادي كتاب جليل جمع فيه غالب الروايات عن ابن إسحاق مع زوائد كثيرة، ولأبي عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلميّ الواقدي رحمه الله تعالى كتاب كبير في المغازي أجاد فيه، وهو وإن وثّقه جماعة وتكلم فيه آخرون، فالمعتمد أنه متروك، ولا خلاف

أنه كان من بحور العلم ومن سعة الحفظ بمكان، وقد نقل عنه في هذا الباب أئمة من العلماء، منهم الحافظان: أبو نعيم الأصفهانيّ وأبو بكر البيهقي رحمهما الله تعالى في دلائلهما. ومن المتأخرين الحافظ ابن كثير رحمه الله في السيرة النبوية من تاريخه، والحافظ رحمه الله في الفتح وغيره، وشيخنا رحمه الله في الخصائص الكبرى، فاقتديت به، ونقلت عنه ما لم أجده عند غيره. ثم رأيته ذكر في غزوة الحديبية عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه شيئا، والمشهور أنّ المقداد قاله في غزوة بدر، ولم أر أحدا من أصحاب المغازي التي وقفت عليها ذكره في غزوة الحديبية فأعرضت عن النقل عنه، ثم بعد ذلك رأيت أبا بكر بن أبي شيبة رواه في المصنّف من غير طريق الواقديّ، عن عروة بن الزبير، فاستخرت الله تعالى في النقل عنه، وذكر بعض فوائده فإنه كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب: ممّن انتهى إليه العلم بالمغازي في زمانه، وليس في ذلك شيء يتعلق بالحلال والحرام، بل أخبار عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرايا أصحابه ترتاح لها قلوب المحبين، وألّف العلماء في هذا الباب كتبا لا يحصيها إلا الله تعالى سأذكر النقل ممّا وقفت عليه النقل منها. الرابع: قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: الغالب على سيرة أبي الحسن البكريّ البطلان والكذب، ولا تجوز قراءتها. انتهى. قلت: والبكريّ هذا اسمه أحمد بن عبد الله بن محمد. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه الميزان، والحافظ ابن حجر في اللسان: إنه كذّاب دجّال، واضع القصص التي لم تكن قطّ، فما أجهله وما أقلّ حياءه، وما روى حرفا من العلم بسند، ويكرى له في سوق الكتبيّين كتاب انتقال الأنوار، ورأس الغول، وسرّ الدّهر، وكتاب كلندجه، وحصن الدّولاب، وكتاب الحصون السبعة وصاحبها هضام بن الحجاف وحروف الإمام عليّ معه. ومن مشاهير كتبه: الذّروة في السيرة النبوية، ما ساق غزوة منها على وجهها، بل كل ما يذكره لا يخلو من بطلان، إما أصلا، وإما زيادة. انتهى. وقال الذهبي في «المغني» : البكريّ هذا لا يوثق بنقله وهو مجهول الحال، والقلب يشهد بأنه كذاب، لإتيانه بتلك البلايا الواضحة التي لا تروج على صغار الطلبة. الخامس: المغازي جمع مغزى، والمغزى يصلح أن يكون مصدرا، فقول: غزا يغزو غزوا ومغزى، ومغزاة، ويصلح أن يكون موضع الغزو. وكونه مصدرا متعيّن. هنا. والغزوة مرّة من الغزو وتجمع على غزوات. وقال ابن سيده رحمه الله تعالى في المحكم: غزا الشيء غزوا إذا أراده وطلبه. والغزو: السّير إلى القتال مع العدو. عن ثعلب رحمه الله: الغزوة المرّة، والغزاة: عمل سنة وقال الجوهري رحمه الله: غزوت العدوّ غزوا والاسم الغزاة، ورجل غاز والجمع غزاة، مثل قاض

وقضاة، وغزّى مثل سابق وسبّق. وغزيّ مثل حاجّ وحجيج، وقاطن وقطين وغزّاء مثل فاسق وفسّاق، وأغزيت فلانا: جهّزته للغزو، وأصل الغزو القصد، ومغزى الكلام: مقصده. اهـ. والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي صلّى الله عليه وسلم بنفسه، أو بجيش من قبله، وقصدهم أعمّ من أن يكون إلى بلادهم، أو إلى الأماكن التي حلّوها، حتى دخل، مثل أحد والخندق.

الباب الثالث في غزوة الأبواء وهي ودان

الباب الثالث في غزوة الأبواء وهي ودان قال أبو عمرو: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة باقي ربيع الأول، الشهر الذي قدم فيه، وباقي العام كله إلى صفر، من سنة اثنتين من الهجرة، ثم خرج غازيا في صفر، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان لواء أبيض، واستعمل على المدينة فيما قال أبو سعد وأبو عمر: سعد بن عبادة، وخرج بالمهاجرين ليس منهم أنصاريّ يعترض عيرا لقريش فلم يلق كيدا، ووادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة وعقد ذلك معه سيدهم. قال ابن إسحاق وابن سعد وأبو عمرو: جمع محشي بن عمرو الضّمري، وقال ابن الكلبي: عمارة بن محشيّ بن خويلد بن عبد فهم بن يعمر بن عوف بن جديّ بن ضمرة، كذا ذكر الأمير أبو نصر في جديّ- بضم الجيم وفتح الدال- وكذ قال ابن حزم في الجمهرة إنه عمارة بن محشيّ، فالله أعلم- ووادعهم على ألا يغزوا بني ضمرة ولا يغزوه، ولا يكثروا عليه جمعا ولا يعينوا عليه عدوّا، وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النّصرة على من رامهم إلّا أن يحاربوا في دين الله ما بل بحر صوفة. وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لنصره أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله، ولهم النصر على من برّ منهم واتّقى» . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة وهي أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة. تنبيه في بيان غريب ما سبق: الأبواء- بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمدّ- قرية بين مكة والمدينة، قيل سميت بذلك لما فيها من الوباء ولو كان كما ذكر لكانت الأوباء، أو يكون مقلوبا منه، والصحيح أنها سميت بذلك لتبوئ السيول بها، قاله ثابت بن قاسم. ودّان- بفتح الواو وتشديد الدال المهملة في آخره نون- وهي قرية جامعة من عمل الفرع. وادعته: صالحته. مخشيّ- بفتح الميم وإسكان الحاء وكسر الشين المعجمتين ثم ياء مشددة كياء النسّب- لم أر من ذكر له إسلاما. لم يلق كيدا: أي حربا. ما بل بحر صوفة، أي ما دام في البحر ما يبلّ الصّوفة. ذمّة الله- بكسر الذال المعجمة- أمانة.

الباب الرابع في غزوة بواط

الباب الرابع في غزوة بواط خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره- قاله ابن سعد وغيره، وقال أبو عمرو وابن حزم: في ربيع الآخر- في مائتين من المهاجرين، وحمل لواءه- وكان أبيض- سعد بن أبي وقاص، واستخلف على المدينة- قال ابن سعد- سعد بن معاذ وقال ابن هشام، وأبو عمرو: السّائب بن عثمان بن مظعون، وتابعهما على ذلك في العيون والإشارة والمورد، يعترض عيرا لقريش وكان فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ بواطا، ولم يلق كيدا، فرجع إلى المدينة. بواط- بضم الموحدة وفتحها وتخفيف الواو وبالطاء المهملة-: جبل من جبال جهينة من ناحية رضوى- بفتح الراء وسكون الصاد المعجمة- جبل بينبع، بينه وبين المدينة أربعة برد. تنبيه: قال في الروض: ذكر ابن هشام استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة السائب بن مظعون، وهو أخو عثمان بن مظعون بن حبيب، ثم قال: وأما السائب بن عثمان وهو ابن أخي هذا فشهد بدرا ... إلخ. فاقتضى كلامه أن المستخلف السّائب بن مظعون لا السائب بن عثمان بن مظعون، وفيه نظر، لأن الموجود في نسخة السّيرة: السائب بن عثمان بن مظعون.

الباب الخامس في غزوة سفوان ... وهي بدر الأولى

الباب الخامس في غزوة سفوان ... وهي بدر الأولى قال ابن إسحاق: لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشرة. وقال ابن حزم: بعدها بعشرة أيام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا ... من مهاجره، في إثر كرز بن جابر الفهري، لإغارته على سرح المدينة، وكان يرعى بالجماء ونواحيها، وحمل لواءه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان أبيض، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، فطلب صلى الله عليه وسلم كرزا حتى بلغ سفوان من ناحية بدر، فلم يدركه، فرجع ولم يلق كيدا. تنبيهان الأول: ذكر ابن سعد وزرّ بن حبيش وغيرهما هذه الغزوة قبل العشيرة، وذكرها ابن إسحاق بعدها. الثاني: كرز- بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي- كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم، ثم أسلم بعد ذلك واستشهد في غزوة الفتح. الفهريّ بكسر الفاء. سفوان- بفتح السين المهملة والفاء وفي آخره نون-: واد معروف. السّرح- بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات-: الإبل والمواشي التي تسرح للرّعي بالغداة. الجمّاء- بجيم مفتوحة فميم مشدّدة فألف تأنيث-: موضع بالمدينة.

الباب السادس في بيان غزوة العشيرة

الباب السادس في بيان غزوة العشيرة خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ابن سعد في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره. وقال ابن إسحاق وابن حزم وغيرهما: في جمادى الأولى، وحمل لواءه- وكان أبيض- حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وخرج في مائة وخمسين، ويقال في مائتين، ممّن انتدب، ولم يكره أحدا على الخروج. وخرجوا في ثلاثين بعيرا يعتقبونها، يعترض عيرا لقريش، وكان قد جاءه الخبر بفصول العير من مكة تريد الشّام، وقد جمعت قريش أموالها في تلك العير فبلغ العشيرة ببطن ينبع، فوجد العير قد مضت قبل ذلك بأيام، وهي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام، وكان سببها وقعة بدر الكبرى. قال أبو عمرو: أخذ صلى الله عليه وسلم على طريق ملل إلى العشيرة، فأقام هناك بقيّة جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم، من بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، قالوا: وفيها كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا أبا تراب، ويأتي الكلام على ذلك مبسوطا في الحوادث. العشيرة: بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة وسكون التحتية وبالهاء ويقال العسيرة بإهمال السين، وذات العشيرة والعشير، وهو موضع ببطن ينبع، وهو منزل الحاج المصريّ.

الباب السابع في بيان غزوة بدر الكبرى

الباب السابع في بيان غزوة بدر الكبرى ويقال لها: العظمى، وبدر القتال، ويوم الفرقان، كما رواه ابن جرير وابن المنذر، وصحّحه والحاكم عن ابن عباس، قال: لأن الله تعالى فرّق فيه بين الحق والباطل. وهي الوقعة العظيمة التي أعزّ الله تبارك وتعالى بها الإسلام، ودفع الكفر وأهله، وجمعت الآيات الكثيرة والبراهين الشهيرة، وليحقق الله تعالى ما وعدهم من إحدى الطائفتين، وما أخبرهم به من ميلهم إلى العير دون الجيش، ومجيء المطر عند الالتقاء، وكان للمسلمين نعمة وقوة، وعلى الكفار بلاء ونقمة. وإمداد الله تعالى المؤمنين بجند من السماء حتى سمعوا أصواتهم حين قالوا: أقدم حيزوم، ورأوا الرؤوس تتساقط من الكواهل من غير قطع ولا ضرب، وأثر السّياط في أبي جهل وغيره، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين بالحصا والتّراب حتى عمّت رميته الجميع، وتقليل المشركين في أعين المسلمين، ليزيل عنهم الخوف، ويشجعهم على القتال، وإشارة المصطفى صلّى الله عليه وسلم إلى مصارع المشركين بقوله: هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان، فرأى المسلمون ذلك على ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم وذكره، وقوله لعقبة بن أبي معيط: إن وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا، فحقق الله تعالى ذلك، وإخبار عمه العباس بما استودع أم الفضل من الذهب، فزالت شبهة العباس في صدقه وحقيقة نبوته، فازداد بصيرة ويقينا في أمره، وتحقيق الله تبارك وتعالى وعده للمؤمنين، إذ يقول: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [الأنفال 70] فأعطى العبّاس بدل عشرين أوقية عشرين غلاما يتّجرون له بماله. واطلاع الله تعالى رسوله على ائتمار عمير بن وهب وصفوان بن أمية بمكة على قتله صلى الله عليه وسلم، فعصمه الله تعالى من ذلك وجعله سببا لإسلام عمير بن وهب، وعاد إلى مكة داعيا إلى الإسلام. إلى غير ذلك من الآيات والمعجزات التي أعطاها الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراها من معه من المؤمنين فزادتهم بصيرة ويقينا. وردّ عين قتادة بعد ما سالت عن خدّه، والصحيح أن ذلك كان في أحد. وكانت غزوة بدر الكبرى أكرم المشاهد. والسبب في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليها أنه سمع إن أبا سفيان بن حرب مقبل من الشام في ألف بعير لقريش، فيها أموال عظام، ولم يبق بمكة قرشيّ ولا قرشيّة له مثقال فصاعدا إلا بعث به في العير، فيقال: إن فيها خمسين ألف دينار، ويقال أقلّ. وفيها سبعون رجلا كما ذكر ابن عقبة وابن عائذ. وقال ابن إسحاق: ثلاثون أو أربعون، منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، وأسلما بعد ذلك، وهي التي خرج لها حتى بلغ العشيرة فوجدها قد مضت. وندب المسلمين

ذكر منام عاتكة بنت عبد المطلب

للخروج معه وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا، لعل الله تعالى أن يغنمكموها، فانتدب الناس، فخفّ بعض، وثقل بعض، وتخلف عنه بشر كثير، وكان من تخلف لم يلم، وذلك أنهم لم يظنّوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، ولم يحتفل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفالا بليغا، فقال: من كان ظهره حاضرا فليركب معنا. فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علوّ المدينة، قال: لا، ألا من كان ظهره حاضرا، وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه على عشرين جملا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من المدينة بعشر ليال طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام، يتحسّسان خبر العير، فبلغا أرض الخوار، بضم الخاء المعجمة وفتح الواو المخففة وبالراء- فنزلا على كثيّر بن مالك الجهني رضي الله عنه فأجارهما، وأنزلهما وكتم عليهما حتى مرّت العير، ثم خرجا، وخرج معهما كثيّر خفيرا، حتى أوردهما ذا المروة، فقدما ليخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداه قد خرج. ولما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبع أقطعها لكثيّر، فقال: يا رسول الله، إنّي كبير ولكن اقطعها لابن أخي، فأقطعه إياها، فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. رواه عمر بن شبة. وأدرك أبا سفيان رجل من جذّام بالزّرقاء من ناحية معان، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان عرض لعيره في بدايته، وأنه تركه مقيما ينتظر رجوع العير، وقد خالف عليهم أهل الطريق ووادعهم، فخرج أبو سفيان ومن معه خائفين للرّصد. ولما دنا أبو سفيان من الحجاز جعل يتحسّس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان: إن محمدا قد استنفر لك ولعيرك، فحذر عند ذلك واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ بعشرين مثقالا، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يجدع بعيره، ويحول رحله، ويشقّ قميصه من قبله ومن دبره إذا دخل مكة، ويأتي قريشا، ويستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة، وفعل ما أمره به أبو سفيان. ذكر منام عاتكة بنت عبد المطلب روى ابن إسحاق والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة، عن ابن عباس وموسى بن عقبة، وابن إسحاق عن عروة، والبيهقي، عن ابن شهاب، قالوا: رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم- قبل مقدم ضمضم على قريش بثلاث ليال- رؤيا. فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي، لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، ليدخلنّ على قومك منها شرّ وبلاء! فقال: وما هي؟ قالت: لن أحدّثك حتى تعاهدني أنك لا تذكرها، فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا ما لا نحبّ، فعاهدها العبّاس، فقالت: رأيت أن رجلا أقبل على بعير فوق الأبطح، فصاح بأعلى صوته: انفروا يا آل غدر، لمصارعكم في ثلاث، وصاح ثلاث صيحات فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم إن بعيره دخل به المسجد،

واجتمع إليه الناس، ثم مثل به بعيره فإذا هو علي رأس الكعبة، فصاح ثلاث صيحات فقال: انفروا يا آل غدر، لمصارعكم في ثلاث، ثم أرى بعيره مثل به على رأس أبي قبيس فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم أخذ صخرة عظيمة، فنزعها من أصلها فأرسلها من رأس الجبل، فأقبلت الصخرة تهوي لها حسّ شديد، حتى إذا كانت في أسفل الجبل ارتضّت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه فلقة، فقال العبّاس: والله إن هذه لرؤيا فاكتميها. قالت: وأنت فاكتمها، لئن بلغت هذه قريشا ليؤذوننا، فخرج العباس من عندها فلقي الوليد بن عتبة فتحدث بها، وفشا الحديث بمكّة، حتى تحدثت به قريش في أنديتها. قال العبّاس: فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل في رهط من قريش قعود يتحدثون لرؤيا عاتكة، فلما رآني قال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب: متى حدّثت فيكم هذه النّبيّة؟ قلت: وما ذاك؟ قال: رؤيا عاتكة. قلت: وما رأت؟ قال: ما رضيتم يا بني عبد المطلب أن يتنبّأ رجالكم حتى تتنبّأ نساؤكم. ولفظ ابن عقبة: أما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء، إنا كنا وإياكم كفرسي رهان، فاستبقنا المجد منذ حين، فلما تحاكت الرّكب قلتم: منا نبيّ، فما بقي إلا أن تقولوا: منا نبيّة، فما أعلم في قريش أهل بيت أكذب امرأة ولا رجلا منكم- وآذاه أشدّ الأذى- قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث، فسنتربّص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقا ما تقول فسيكون، وإن تمض الثّلاث ولم يكن من ذلك شيء كتبنا عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب. قال العبّاس: فو الله ما كان منّي إليه كبير شيء، إلا أنّي جحدت ذلك، وأنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئا. وعند ابن عقبة في هذا الخبر أنّ العبّاس قال لأبي جهل: هل أنت منته؟ فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك، فقال من حضرها: ما كنت جهولا يا أبا الفضل ولا خرقا، وكذلك قال ابن عائذ، وزاد: فقال العباس: مهلا يا مصفّر استه. ولقي العباس من عاتكة أذّى شديدا حين أفشى حديثها لهذا الفاسق. قال العباس: فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب ألا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول نساءكم وأنت تستمع، ثم لم يكن عندك كبير شيء مما سمعت، قلت: قد والله فعلت، ما كان منّي إليه كبير شيء، وأيم الله لأتعرّضنّ له، فإن عاد لأكفيكنّه قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب، أرى أنّي قد فاتني من عدو الله أمر أحبّ أن أدركه منه، قال: فدخلت المسجد فرأيته، فو الله إني لأمشي نحوه أتعرّضه ليعود لبعض ما قال فأقع به، وكان رجلا خفيفا، حديد الوجه

حديد اللسان حديد النّظر، قال: إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ قال: فقلت في نفسي: ما له لعنه الله أكلّ هذا فرق من أن أشاتمه: قال: وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت، ضمضم بن عمرو الغفاريّ وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدّع بعيره، وحوّل رحله، وشقّ قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش يا آل لؤي بن غالب، اللّطيمة اللّطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث، والله ما أرى أن تدركوها، ففزعت قريش أشدّ الفزع، وأشفقوا من رؤيا عاتكة، فشغله ذلك عني، وشغلني عنه ما جاء من الأمر. وقالت عاتكة: ألم تكن الرؤيا بحقّ وجاءكم ... بتصديقها فلّ من القوم هارب فقلتم- ولم أكذب-: كذبت وإنّما ... يكذّبنا بالصّدق من هو كاذب فتجهز الناس سراعا وقالوا: أيظنّ محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرميّ- أي الآتي في السّرايا- كلّا والله ليعلمنّ غير ذلك، فكانوا بين رجلين، إما خارج وإما باعث مكانه رجلا، وكان جهازهم في ثلاثة أيام، ويقال: في يومين، وأعان قويّهم ضعيفهم وقال سهيل بن عمرو، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عديّ، وحنظلة بن أبي سفيان يحضّون الناس على الخروج. وقال سهيل: يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصّباة معه من شبّانكم، وأهل يثرب يأخذون عيرانكم وأموالكم، من أراد مالا فهذا مالي ومن أراد قوة فهذه قوّتي، فمدحه أمية بن أبي الصّلت بأبيات، ومشى نوفل بن معاوية إلى أهل القوة من قريش، فكلمّهم في بذل النفقة والحملان لمن خرج، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: هذه خمسمائة دينار فضعها حيث رأيت، وأخذ من حويطب بن عبد العزّى مائتي دينار، ويقال: ثلاثمائة دينار، وقوي بها في السلاح والظهر، وحمل طعيمة بن عديّ على عشرين بعيرا، وقوّاهم وخلفهم في أهلهم بمعونة، ولم يتركوا كارها للخروج يظنون أنه في صفّ محمد وأصحابه، ولا مسلما يعلمون إسلامه، ولا أحدا من بني هاشم، إلا من لا يتّهمون، إلا أشخصوه معهم، وكان ممن أشخصوا العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وطالب بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب في آخرين. وكان لا يتخلف أحد من قريش إلا بعث مكانه بعيثا، ومشوا إلى أبي لهب فأبى أن يخرج أو يبعث أحدا. ويقال: إنه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة- وأسلم بعد ذلك- وكان قد ليط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره، على أن يجزي عنه بعثه، فخرج عنه وتخلف أبو لهب، منعه من الخروج رؤيا عاتكة فإنه كان يقول: رؤيا عاتكة كأخذ باليد، واستقسم أمية بن خلف، وعتبة، وشيبة، وزمعة بن الأسود، وعمير بن وهب، وحكيم بن حزام، وغيرهم، عند هبل بالآمر والنّاهي من الأزلام فخرج القدح النّاهي عن الخروج، فأجمعوا المقام حتى أزعجهم أبو جهل بن هشام. ولما أجمع أمية بن خلف القعود وكان شيخا جليلا

ذكر تبدي إبليس لقريش في صورة سراقة بن مالك

جسيما ثقيلا- أتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه، بمجمرة فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال: يا أبا عليّ استجمر: فإنما أنت من النّساء، فقال: قبّحك الله وقبّح ما جئت به، ثم تجهّز وخرج مع الناس، وسبب تثبّطه ما سيأتي عند ذكر مقتله. ذكر تبدي إبليس لقريش في صورة سراقة بن مالك قال ابن إسحاق وغيره: ولمّا فرغوا من جهازهم، وأجمعوا المسير، وخرجوا على الصّعب والذّلول، معهم القيان والدّفوف، ذكروا ما كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الدّماء، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا، وكان ذلك يثنيهم فتبدّى لهم عدو الله إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني، وكان من أشراف بني كنانة فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فخرجوا سراعا في خمسين وتسعمائة مقاتل، وقيل: في ألف، ولم يتخلّف عنهم من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلّف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عديّ، فلم يخرج معهم منهم أحد، خرجوا من ديارهم كما قال الله تبارك وتعالى: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال 47] . قال ابن عقبة وابن عائذ: وأقبل المشركون، ومعهم إبليس يعدهم أنّ بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم، وأنّه لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ [الأنفال 48] ، فلم يزل حتى أوردهم، ثم سلّمهم. وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه من أبيات: سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا دلّاهم بغرور ثمّ أسلمهم ... إنّ الخبيث لمن والاه غرّار وقال: إنّي لكم جار فأوردهم ... شرّ الموارد فيه الخزي والعار ثمّ التقينا فولّوا عن سراتهم ... من منجدين ومنهم فرقة غاروا قال في الإمتاع: فلما نزلوا بمرّ الظّهران نحر أبو جهل جزورا فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها، ورأى ضمضم بن عمرو إن وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه، وكان مع المشركين مائتا فرس يقودونها وست مائة درع، ومعهم القيان يضربن بالدّفوف، ونحر لهم أول يوم خرجوا من مكة أبو جهل عشر جزائر، ثم نحر لهم أمية بن خلف بعسفان تسعا، ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشرا- وأسلم بعد ذلك- ومالوا من قديد إلى مياه نحو البحر، فظلوا فيها وأقاموا بها، فنحر لهم يومئذ عتبة بن ربيعة عشرا، ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم منبّه ونبيه ابنا الحجّاج عشرا، ثم أكلوا من أزوادهم فلما وصلوا إلى الجحفة عشاء نزلوا هناك.

ذكر رؤيا جهيم بن الصلت

ذكر رؤيا جهيم بن الصلت روى البيهقي عن ابن شهاب وابن عقبة وعروة بن الزبير قالوا: لما نزلت قريش بالجحفة [ (1) ] كان فيهم رجل من بني المطلب بن عبد مناف يقال: جهيم بن الصلت بن مخرمة- وأسلم بعد ذلك في حنين- فوضع جهيم رأسه فأغفى، ثم فزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف عليّ آنفا؟ قالوا: لا، إنك مجنون قال: قد وقف عليّ فارس آنفا، فقال: قتل أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وزمعة، وأبو البختري وأمية بن خلف، وعدّد رجالا ممّن قتل يوم بدر من أشراف قريش، ثم رأيته ضرب في لبّة بعيره، ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمه، فقال له أصحابه: إنما لعب بك الشيطان، ورفع الحديث إلى أبي جهل فقال: قد جئتم بكذب المطّلب مع كذب بني هاشم. ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المدينة في رمضان. قال ابن سعد: يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت، وقال ابن هشام: لثمان ليال خلون من شهر رمضان، وضرب عسكره ببئر أبي عنبة- بكسر العين وفتح النون بلفظ اسم المأكول- وهي على ميل من المدينة. فعرض أصحابه، وردّ من استصغر منهم، فردّ عبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، ورافع بن خديج، والبراء بن عازب، وأسيد بن حضير، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وعمير بن أبي وقاص، فقال: ارجع، فبكى فأجازه، فقتل ببدر هو ابن ست عشرة سنة، وأمر أصحابه أن يستقوا من بئر السّقيا، وشرب من مائها، وصلّى عند بيوت السّقيا، ودعا يومئذ للمدينة فقال: اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيّك دعاك لأهل مكة، وإنّي محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة، أن تبارك لهم في صاعهم ومدّهم وثمارهم، اللهم حبّب إلينا المدينة، واجعل ما بها من الوباء بخمّ، اللهم إني حرمت ما بين لا لابتيها كما حرّم إبراهيم خليلك مكة. وكان خبيب بن إساف ذا بأس ونجدة ولم يكن أسلم، ولكنه خرج منجدا لقومه من الخزرج طالبا للغنيمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصحبنا ألا من كان على ديننا فأسلم وأبلى بلاء حسنا، وراح عشيّة الأحد من بيوت السّقيا. وقال صلى الله عليه وسلم حين فصل منها: اللهم إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعالة فأغنهم من فضلك.

_ [ (1) ] الجحفة بالضم، ثم السكون، والفاء: كانت قرية كبيرة، ذات منبر، على طريق مكة على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام، إن لم يمرّوا على المدينة، وكان اسمها مهيعة، وسمّيت الجحفة لأن السيل جحفها [مراصد الاطلاع 1/ 315] .

قال ابن إسحاق: ودفع الّلواء إلى مصعب بن عمير، وكان أبيض، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان: إحداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها: العقاب، وكان سنّه إذ ذاك عشرين سنة، وكانت الأخرى مع بعض الأنصار. وقال ابن سعد: كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب ابن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ، وجزم بذلك في الهدى. قال أبو الفتح: والمعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وأن لواء المهاجرين كان بيد عليّ. قلت: العريش كان ببدر، والذي ذكره ابن سعد: كان في الطريق. واستخلف ابن أم مكتوم على الصلاة، وردّ أبا لبابة من الرّوحاء واستخلفه على المدينة، وكان عليه صلى الله عليه وسلم درعه ذات الفضول، وتوشّح بسيف أهداه له سعد بن عبادة يقال له: العضب، وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وزيد بن حارثة- ويقال مرثد بن أبي مرثد- يعتقبون بعيرا، وقيل: وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة مولى النبي صلى الله عليه وسلم على بعير، وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا، ورفاعة وخلاد ابنا رافع بن مالك بن العجلان وعبيد بن يزيد بن عامر بن العجلان الأنصاريّون يعتقبون بعيرا، حتى إذا كانوا بالرّوحاء برك بعيرهم وأعيا، فهمّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله برك علينا بكرنا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتمضمض وتوضّأ في إناء، ثم قال: «افتحا فاه» ففعلا فصبّه في فيه، ثم على رأسه وعنقه، ثم على حاركه وسنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه ثم قال: «اركبا» ، ومضى فلحقاه، وإن بكرهم لينفر بهم حتى إذا كانوا بالمصلّى في المدينة، وهم راجعون من بدر، برك عليهم فنحره خلّاد فقسم لحمه، وتصدّق به. رواه البزّار والطبراني. وروى الإمام أحمد وابن سعد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا يوم بدر كلّ ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعليّ زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا كانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك، فيقول: «ما أنتما بأقوى مني على المشي، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما» قال في البداية والعيون: وهذا قبل أن يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة من الرّوحاء. ثم كان زميلاه عليّا وزيدا. وقال ابن عقبة وابن إسحاق والذهبيّ وابن القيّم: كان زميلاه مرثد بن أبي مرثد الغنويّ، وعليّا وجعلوا زيدا مع حمزة كما تقدم، وكان معهم فرسان: فرس للمقداد بن الأسود يقال له: سبحة- بفتح السين المهملة وإسكان الموحدة وبالحاء المهملة ثم تاء تأنيث- وقيل: يقال له بعرجة- بموحدة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فراء فجيم مفتوحتين فتاء تأنيث- والبعرجة: شدّة

جري الفرس، وفرس الزبير بن العوام يسمى: السّيل ويقال: اليعسوب- بفتح المثناة التحتية فعين ساكنة مهملة فسين مضمومة مهملة كذلك فواو ساكنة فموحدة- ولابن سعد في رواية عن يزيد بن رومان قال: كان معهم ثلاثة، وزاد فرسا لمرثد بن أبي مرثد الغنويّ، يقال له: السّيل، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشاة- وهم في الساقة- قيس بن أبي صعصعة- واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول- وأمره حين فصل من بيوت السّقيا أن يعدّ المسلمين فوقف بهم عند بئر أبي عنبة فعدّهم، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، ففرح بذلك وقال: عدة أصحاب طالوت. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص وهم بتربان: يا سعد انظر إلى الظبي ففوّق له بسهم، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ذقنه بين منكبي سعد وأذنيه، ثم قال: ارم، اللهم سدد رميته، فما أخطأ سهم سعد عن نحر الظبي، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج سعد يعدو فأخذه وبه رمق، فذكّاه وحمله، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسّم بين أصحابه، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بعرق الظّبية لقوا رجلا من الأعراب فسألوه عن الناس، فلم يجدوا عنده خبرا، فقالوا له: سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أوفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم، فسلّم عليه، ثم قال: إن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني عمّا في بطن ناقتي هذه، فقال سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليّ فأنا أخبرك عن ذلك، قد نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه، أفحشت على الرجل» ، ثم أعرض عن سلمة. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم سجسج وهي بئر الرّوحاء، ثم ارتحل منها حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار، وسلك ذات اليمين على النّازية، يريد بدرا، فسلك في ناحية فيها حتى إذا جزع واديا يقال له: الرّحقان بين النّازية وبين مضيق الصّفراء، ثم على المضيق، ثم انصبّ منه حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنيّ حليف بني ساعدة، وعديّ بن أبي الزغباء حليف بني النجار، إلى بدر يتحسّسان له الأخبار عن أبي سفيان. ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما أو يومين، ثم نادى مناديه: يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا، وذلك أنه قد كان قال لهم قبل ذلك: أفطروا، فلم يفعلوا. ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قدمهم، فلما استقبل الصّفراء- وهي قرية بين جبلين- سأل عن جبليها: ما اسماهما؟ فقالوا: يقال لأحدهما: مسلح، وقالوا للآخر: مخرئ، وسأل عن أهلها فقيل: بنو النّار وبنو حراق، بطنان من بني غفار، فكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرور بينهما، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما، فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفراء بيسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له: ذفران، وجزع فيه ثم نزل، وأتاه الخبر بمسير قريش، ليمنعوا عيرهم، فاستشار

الناس، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم، وفي رواية: فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله، فنحن معك، والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة 24] ولكن اذهب أنت ربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، عن يمينك وشمالك، وبين يديك وخلفك، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له خيرا ودعا له. وذكر موسى بن عقبة وابن عائذ: أن عمر قال: يا رسول الله: إنها قريش وعزّها، والله ما ذلّت منذ عزّت ولا أمنت منذ كفرت، والله لتقابلنّك، فأهّب لذلك أهبته، وأعدّ لذلك عدّته. انتهى. ثم استشارهم ثالثا ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، وذلك أنهم عدد الناس، فقام سعد بن معاذ، رضي الله عنه وجزاه خيرا، فقال: يا رسول الله، كأنك تعرّض بنا. قال: أجل، وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم، فاستشارهم ليعلم ما عندهم، فقال سعد: يا رسول الله قد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السّمع والطاعة، فامض لما أردت، ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها ألّا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منّا كان أحبّ إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان- وفي رواية: برك الغماد من ذي يمن- لنسيرنّ معك، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقي عدوّنا غدا، إنّا لصبر في الحرب، صدق في اللّقاء، لعلّ الله يريك منّا ما تقرّبه عينك، ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره، فسر بنا على بركة الله، فنحن عن يمينك وشمالك، وبين يديك وخلفك، ولا نكوننّ كالذين قالوا لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا معكما متّبعون فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرّ بقول سعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيروا على بركة الله، وأبشروا، فإن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» ، وكره جماعة لقاء العدو [ (1) ] . وروى ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كان الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين، وكان أن يلقوا العير أحبّ إليهم وأيسر شوكة. وأحصى نفرا، فلما سبقت العير وفاتت

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 110 وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 166.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، يريد القوم، فكره القوم، مسيرهم لشوكتهم. وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أيوب قال: لمّا سرنا يوما أو يومين قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم» ؟ فقلنا: والله ما لنا طاقة بقتال القوم، ولكن أردنا العير، ثم قال: ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك، وذكر الحديث فانزل الله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ [الأنفال 5] ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران فسلك ثنايا يقال لها: الأصافر، ثم انحطّ منها إلى بلد يقال له: الدّبّة، وترك الحنّان بيمين، وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم، ثم نزل قريبا من بدر، فركب هو وأبو بكر الصديق حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أخبرتنا أخبرناك» قال: أذاك بذاك؟ قال: «نعم» ، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بكذا وكذا، للمكان الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي فيه قريش، فلما فرغ من خبره قال: ممّن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء» ، ثم انصرفا عنه، والشيخ يقول: ما من ماء، أمن ماء العراق؟ قال ابن هشام: ويقال ذلك الشيخ سفيان الضّمريّ. قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء ببدر، يلتمسون الخبر له، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم، غلام بني الحجاج، وعريض- بفتح العين المهملة وكسر الراء ثم مثناة تحتية ساكنة ثم ضاد معجمة- كذا في النور، أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد فأتوا بهما، فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي، فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان (وأصحاب العير) فضربوهما. فلمّا أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان (ونحن في العير) فتركوهما. وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلّم وقال: «إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا، والله إنّهما لقريش، أخبراني عن قريش» ؟ قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى- والكثيب: العقنقل- فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم القوم؟» قالا: كثير- قال: ما عدّتهم؟ قالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كلّ يوم؟ قالا: يوما تسعا ويوما عشرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين التّسعمائة والألف، ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن فيهم من أشراف قريش؟» قالا:

ذكر وصول أبي سفيان إلى قرب المدينة وحذره من رسول الله صلى الله عليه وسلم

عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختريّ بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنّضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبّه ابنا الحجّاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها. قال ابن عائذ: وكان مسيرهم وإقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال. وكان بسبس بن عمرو، وعديّ بن أبي الزّغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا، فأناخا إلى [تلّ] قريب من الماء، ثم أخذا شنّا لهما يستقيان فيه، ومجديّ بن عمرو الجهنيّ على الماء، فسمع عديّ وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما يتلازمان على الماء، والملزومة تقول لصاحبتها: إنّما تأتي العير غداً أو بعد غد، فأعمل لهم، ثم أقضيك الذي لك. قال مجديّ: صدقت، ثم خلّص بينهما. وسمع ذلك عديّ وبسبس فجلسا على بعيريهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه بما سمعا. ذكر وصول أبي سفيان إلى قرب المدينة وحذره من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق وغيره: وأقبل أبو سفيان بالعير وقد خاف خوفا شديدا، حتى دنوا من المدينة، واستبطأ ضمضم بن عمرو النّفير حتى ورد بدرا وهو خائف، فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء بدر جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء بدر، وكانوا باتوا من وراء بدر، آخر ليلتهم، وهم على أن يصبحوا بدرا، إن لم يعترض لهم، فما انقادت العير لهم حتى ضربوها بالعقل وهي ترجّع الحنين، فتواردا إلى ماء بدر وما بها إلى الماء من حاجة، لقد شربت بالأمس، وجعل أهل العير يقولون: هذا شيء ما صنعته معنا منذ خرجنا، وعشيتهم ظلمة تلك الليلة حتى ما يبصر أحد منهم شيئا. وتقدّم أبو سفيان أمام العير حذرا حتى ورد الماء فرأى مجديّ- بفتح الميم وإسكان الجيم فدال مهملة فياء ممدودة كياء النسب- ابن عمرو الجهنيّ فقال له: هل أحسست أحدا؟ قال: ما رأيت أحدا أنكره غير إني قد رأيت راكبين- يعني بسبسا وعديّا- قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شنّ لهما، ثم انطلقا، فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما، ففتتّه فإذا فيه النّوى، فقال: هذه والله علائف يثرب. فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق، فساحل بها، وترك بدرا بيسار، وانطلق حتى أسرع فسار ليلا ونهارا فرقا من الطلب. ولمّا رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش قيس بن امرئ القيس: إنكم إنما

خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجّاها الله، فارجعوا، فأتاهم الخبر وهم بالجحفة، فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرا- وكان بدر موسما من مواسم العرب، يجتمع لهم به سوق كل عام- فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزر، ونطعم الطّعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها. وكره أهل الرأي المسير، ومشي بعضهم إلى بعض، وكان ممّن أبطأ بهم عن ذلك الحارث بن عامر، وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وحكيم بن حزام، وأبو البختريّ، وعليّ بن أمية بن خلف، والعاص بن منبّه، حتى بكّتهم أبو جهل بالجبن، وأعانه عقبة بن أبي معيط، والنّضر بن الحارث بن كلدة. وأجمعوا المسير. وقال الأخنس بن شريق- وكان حليف بني زهرة-: يا بني زهرة قد نجّى الله أموالكم، وخلّص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جبنها وارجعوا، فإنه لا حاجة لكم أن تخرجوا في غير ضيعة، لا ما يقول هؤلاء، فرجعوا، وكانوا نحو المائة، ويقال: ثلاثمائة، فما شهدها زهريّ إلا رجلين هما عمّا مسلم بن شهاب الزهري، وقتلا كافرين. قال ابن سعد: ولحق قيس بن امرئ القيس أبا سفيان فأخبره مجيء قريش، فقال: وا قوماه! هذا عمل عمرو بن هاشم، يعني أبا جهل، واغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس، فلم يزل فيهم مطاعا معظّما، وأرادت بنو هاشم الرّجوع فاشتدّ عليهم أبو جهل وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع. قال ابن سعد: وكانت بنو عدي بن كعب مع النّفير، فلما بلغوا ثنيّة لفت عدلوا في السّحر إلى الساحل منصرفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان بن حرب فقال: يا بني عديّ، كيف رجعتم، لا في العير ولا في النفير؟ قالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع ويقال: بل لقيهم بمر الظّهران، ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بينهم وبين الماء رحلة، وغلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمىء المسلمون، وأصابهم ضيق شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ، فوسوس إليهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسول الله وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلّون مخبتين، فانزل الله تعالى تلك الليلة مطرا كثيرا فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلّا طهّرهم الله به، وأذهب عنهم رجز الشيطان، ووطأ به الأرض، وصلّب الرمل، وثبّت الأقدام، ومهّد به المنزل،

وربط به على قلوبهم، ولم يمنعهم من السير، وسال الوادي فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الرّكاب، واغتسلوا من الجنابة، كما قال تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ [الأنفال 11] . وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا، حتى إن أحدهم ذقنه بين يديه وما يشعر حتى يقع على جنبه. وروى أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي تحت شجرة حتى أصبح. وروى عبد بن حميد عن قتادة قال: كان النعاس أمنة من الله، وكان النعاس نعاسين: نعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد، وكانت ليلة الجمعة، وبين الفريقين قوز من الرمل. وبعث صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، فأطافا بالقوم، ثم رجعا فأخبراه أنّ القوم مذعورون، وأن السماء تسحّ عليهم وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء، يبادرهم الماء فسبقهم إليه، ومنعهم من السّبق إليه المطر، أرسله الله تعالى عليهم حتى جاء أدنى ماء من بدر، فنزل، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح فيما رواه ابن إسحاق: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل [أمنزلا] أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخرّ عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال: يا رسول الله، ليس هذا المنزل فانهض بالنّاس، حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغوّر ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء [ثم نقاتل القوم] فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرت بالرّأي» . وذكر ابن سعد أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرأي ما أشار به الحباب، فنهض صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه نصف الليل، ثم أمر بالقلب فغوّرت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملأه ماء، ثم قذفوا فيه الآنية. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدوّنا، فإن أعزّنا الله تعالى وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فلقد تخلّف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشدّ حبّا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش على تلّ مشرف على المعركة، فكان فيه هو وأبو بكر وليس معهما غيرهما، وقام سعد بن معاذ رضي الله عنه على بابه متوشّحا بالسّيف، ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة، وجعل

يشير بيده: «هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، إن شاء الله، فما تعدّى منهم أحد موضع إشارته» . رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما [ (1) ] . وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، وارتحلت قريش حين أصبحت، فأقبلت بحدّها وحديدها تحادّ الله عز وجل، وتحادّ رسوله، وجاءوا على حرد قادرين، وعلى حميّة وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرميّ وأصحابه والعير التي كانت معه، فجمعهم الله تعالى علي غير ميعاد، كما قال تعالى: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا [الأنفال 42] فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوّب من العقنقل- وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي- فكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوّأ للقوم منزلا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك، اللهمّ فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة» . وقال صلى الله عليه وسلم لما رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر: «إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب هذا الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا، يا عليّ ناد حمزة- وكان أقربهم من المشركين- من صاحب الجمل الأحمر؟» فقال: هو عتبة وهو ينهى عن القتال، ويأمر بالرجوع ويقول: يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة، وأبو جهل يأبى. وبعث خفاف- بضم الخاء المعجمة وفاءين- ابن إيماء- بهمزة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة وميم ممدودة- ابن رحضة- بفتح الراء والحاء المهملتين والضاد المعجمة- أو أبوه [إيماء بن رحضة الغفاريّ]- وأسلم الثلاثة بعد ذلك- إلى قريش بجزائر أهداها لهم مع ابنه وقال: إن أحببتم أن نمدّكم بسلاح ورجال فعلنا، فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنّا إنما نقاتل النّاس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله- كما يزعم محمد- فما لأحد بالله من طاقة. فلما نزل النّاس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم حكيم بن حزام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم، فما شرب منهم أحد إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل» ، وأسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجّاني يوم بدر. فلما اطمأنّ القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحيّ- وأسلم بعد ذلك- فقالوا له: احزر لنا أصحاب محمد، فجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2203 (77- 2874) .

أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر: أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً، فرجع إليهم فقال: ما رأيت شيئا، ولكن رأيت- يا معشر قريش- البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون، يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما في العيش خير بعد ذلك فروا رأيكم. فبعثوا أبا سلمة الجشميّ فأطاف بالمسلمين على فرسه، ثم رجع فقال: والله ما رأيت جلدا ولا عدادا ولا حلقة ولا كراعا، ولكن رأيت قوما لا يريدون أن يؤوبوا إلى أهليهم، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، زرق العيون كأنّها الحصا تحت الحجف، فروا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فكلّمه ليرجع بالناس، وقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى أمر لا تزال تذكر فيه بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالنّاس، وتحتمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلت، أنت عليّ بذلك، إنما هو حليفي، فعليّ عقله وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظليّة فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره، يعني أبا جهل بن هشام، ثم قام عتبة خطيبا في الناس فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النّظر إليه، قتل ابن عمّه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلّوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرّضوا منه ما تريدون، إنى أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم، وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة، وأنتم تعلمون أني لست بأجبنكم. قال حكيم: فانطلقت حتى أتيت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيّئها- وعند ابن هشام يهنئها- فقلت له: يا أبا الحكم إن عتبة قد أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال، فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أنّ محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه، فقد تخوّفكم عليه، ثم بعث إلي عامر بن الحضرميّ فقال: هذا حليفك عتبة يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك، فقام عامر بن الحضرميّ فكشف عن استه، ثم صاح: وا عمراه وا عمراه؟ فحميت الحرب، وحقب أمر النّاس، واستوسقوا علي ما هم عليه من الشّر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة.

ذكر ابتداء الحرب وتهييج القتال يوم بدر

ولمّا بلغ عتبة قول أبي جهل: «انتفخ والله سحره» ، قال: سيعلم مصفّر استه من انتفخ سحره: أنا أم هو؟. ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه، فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته، فلما رأى ذلك اعتجر ببرد له على رأسه. وسلّ أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال له إيماء بن رحضة: بئس الفأل هذا؟. وذكر محمد بن عمر الأسلميّ والبلاذريّ وصاحب الإمتاع: أن قريشا لما نزلت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليهم، يقول لهم: ارجعوا فإنه أن يلي هذا الأمر منّي غيركم أحب إلي من أن تلوه منيّ، وأن أليه من غيركم أحب إلي من أن أليه منكم فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصحا فاقبلوه، فو الله لا تنتصرون عليه بعد ما عرض من النّصح، فقال أبو جهل: والله لا نرجع بعد أن مكّننا الله منهم. قال ابن عائذ: وقال رجال من المشركين لمّا رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: غرّ هؤلاء دينهم، منهم أبو البختريّ بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وذكر غيرهم لما تقالّوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنّوا أن الغلبة إنما هي بالكثرة، فانزل الله تعالى: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال 49] لا يغالب، ينصر من يستحق النصر وإن كان ضعيفا، فعزّته وحكمته أوجبت نصر الفئة المتوكلة عليه، أخبر تعالى أن النصر بالتوكّل عليه لا بالكثرة. وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر: خذوهم أخذا فاربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ [القلم 17] يقول في قدرتهم عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة. ذكر ابتداء الحرب وتهييج القتال يوم بدر ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صفّ أصحابه قبل أن تنزل قريش، وطلعت قريش ورسوله الله صلى الله عليه وسلم يصفّ أصحابه ويعدّلهم، كأنما يقوّم بهم القدح ومعه يومئذ قدح، يشير إلى هذا: تقدّم، وإلى هذا: تأخّر، حتى استووا، ودفع رايته إلى مصعب بن عمير، فتقدم حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضعها، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الصفوف فاستقبل المغرب، وجعل الشمس خلفه، وأقبل المشركون فاستقبلوا الشمس، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدوة الشاميّة، ونزلوا بالعدوة اليمانية، فجاء رجل فقال: يا رسول الله: إني أرى أن نعلو الوادي، فإني أرى ريحا قد هاجت من أعلى الوادي، وإني أراها بعثت بنصرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد صففت صفوفي ووضعت رايتي، فلا أغيّر ذلك» ، ولما عدل

رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف تقدّم سواد بن غزيّة أمام الصف فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه وقال: «استو يا سواد» ، قال: يا رسول الله أوجعتني والذي بعثك بالحق، أقدني. فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد فاعتنقه وقبله» فقال: ما حملك على ما صنعت، فقال: حضر من أمر الله ما قد ترى، وخشيت أن أقتل فأردت أن أكون آخر عهدي بك، وأن أعتنقك. وخطب صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فإني أحثّكم على ما حثّكم الله عز وجل عليه وأنهاكم عمّا نهاكم الله عز وجل عنه، فإن الله عز وجل عظيم شأنه، يأمر بالحقّ، ويحبّ الصّدق، ويعطي على الخير أهله على منازلهم عنده، به يذكرون، وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل من منازل الحق، لا يقبل الله فيه من أحد إلا ما ابتغي به وجهه وإن الصّبر في مواطن البأس ممّا يفرّج الله عز وجل به الهمّ، وينجّي به من الغمّ، وتدركون به النجاة في الآخرة، فيكم نبيّ الله يحذّركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطّلع الله عز وجل على شيءٍ من أمركم يمقتكم عليه، فإن الله عز وجلّ يقول: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [غافر 10] انظروا إلى الذي أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته وأعزّكم بعد الذّلّة، فاستمسكوا به يرض به ربّكم عنكم، وأبلوا ربّكم في هذه المواطن أمرا، تستوجبوا الّذي وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإنّ وعده حقّ، وقوله صدق، وعقابه شديد، وإنما أنا وأنتم بالله الحيّ القيّوم، إليه ألجأنا ظهورنا وبه اعتصمنا، وعليه توكّلنا، وإليه المصير، يغفر الله لنا وللمسلمين» . وتعبّت قريش للقتال، والشّيطان لا يفارقهم. قال ابن سعد: وكان معهم ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز بن عمير، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة، وكلهم من عبد الدار، وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزوميّ، وكان رجلا شرسا سيّء الخلق فقال: أعاهد الله لأشربنّ من حوضكم أو لأهدمنّه أو لأموتنّ دونه، فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض يريد بزعمه أن تبرّ يمينه- وفي لفظ: في جوف الحوض- فاتّبعه حمزة حتى قتله دون الحوض، حتى وقع فيه فهدمه برجله الصحيحة، وشرب منه. قال ابن سعد: وجاء عمير بن وهب فناوش المسلمين فثبت المسلمون على حقهم، ولم يزولوا، وشدّ عليهم عامر بن الحضرميّ، ونشبت الحرب، فكان أول من خرج من المسلمين مهجع- بكسر الميم وإسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة- ابن عائش بن عريف مولى عمر بن الخطاب، فقتله عامر بن الحضرميّ. وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة، ويقال: قتله حبّان بن عرقة- بفتح

العين وكسر الراء، ويقال: بفتحها، فقاف مفتوحة- ويقال: عمير بن الحمام- بضم الحاء المهملة- قتله خالد بن الأعلم العقيلي- بضمّ العين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم فارموهم بالنّبل، ولا تسلّوا السيوف حتى يغشوكم واستبقوا نبلكم» . فقال أبو بكر: يا رسول الله قد دنا القوم وقد نالوا منّا، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراه الله تعالى إيّاهم في منامه قليلا، فأخبر بذلك أصحابه، وكان ذلك تثبيتا لهم. وروى ابن إسحاق وابن المنذر عن حبّان بن واسع عن أشياخ من قومه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر، ورجع إلى العريش ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النّقع» . وخرج عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فضل من الصفّ دعوا إلى المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار وهم: عوف ومعاذ ابنا الحارث- وأمهما عفراء- وعبد الله بن رواحة. قال ابن عقبة وابن سعد وابن عائذ: ولما طلب القوم المبارزة وقام إليهم الثلاثة استحى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، لأنه أول قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد معهم، فأحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون الشوكة لبني عمه وقومه فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: أكفاء كرام، ما لنا بكم من حاجة، ثم نادوا، يا محمد أرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجعوا إلى مصافّكم وليقم إليهم بنو عمّهم» . قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا عليّ- وكان عليّ معلما بصوفة بيضاء- فقاتلوا بحقكم الذي بعث به نبيّكم إذ جاءوا ببطالهم ليطفئوا نور الله» ، فلما قاموا ودنوا معهم قالوا: من أنتم؟ تكلّموا، فقال عبيدة: أنا عبيدة، وقال حمزة: أنا حمزة، وقال علي: أنا عليّ. قالوا: نعم، أكفاء كرام، فبارز عبيدة- وكان أسنّ القوم- عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز عليّ الوليد بن عتبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما عليّ فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة، بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه. وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها، وكرّ حمزة وعليّ بأسيافهما على عتبة فذفّفا عليه واحتملا صاحبهما، فحازاه إلى أصحابه، ولما جاءوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعوه إلى جانب موقف النبي صلى الله عليه وسلم، فأفرشه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه الشريفة، وقال عبيدة: يا رسول الله لو أن أبا طالب حيّ لعلم أني أحق بقوله: كذبتم وبيت الله نبزى ... محمّدا ولمّا نطاعن حوله ونناضل

ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ونزول الملائكة لنصره

ونسلمه حتّى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أنك شهيد» . رواه الإمام الشافعي [ (1) ] وعن قيس بن عباد- بضم العين وتخفيف الموحدة- فقال: سمعت أبا ذرّ يقسم قسما: أن هذه الآية هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج 19] نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعليّ، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، رواه الشيخان. وعن علي رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. قال عليّ: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عز وجل يوم القيامة. وروى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: فينا نزلت هذه الآية هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [ (2) ] . قال أبو العالية: ولما قتل هؤلاء ورجع هؤلاء قال أبو جهل وأصحابه: لنا العزّى ولا عزّى لكم، نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله مولانا ولا مولى لكم، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار» . رواه ابن أبي حاتم، وقلّل الله تعالى المشركين في أعين المسلمين، وقلّل المسلمين في أعين المشركين، حتى قال أبو جهل: إن محمدا وأصحابه أكلة جزور. قال ابن عتبة: وعجّ المسلمون إلى الله تعالى بالدعاء حين رأوا القتال قد نشب. ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ونزول الملائكة لنصره قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العريش، ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليس معه غيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربّه ما وعده من النصر، يقول فيما يقول: «اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض» [ (3) ] وأبو بكر رضي الله عنه يقول: «يا رسول الله بعض مناشدتك ربّك، فإن الله منجز لك ما وعدك» . وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن عبد الله بن رواحة قال: «يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من أن يشار عليه، وإن الله تبارك وتعالى أجلّ وأعظم من أن ينشد وعده» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بن

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 3/ 113. [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (3967) . [ (3) ] أخرجه مسلم (1383- 1384) وأحمد في المسند 1/ 32.

رواحة لأنشدنّ الله وعده، إن الله لا يخلف الميعاد» [ (1) ] . وروى ابن سعد وابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال، ثم جئت مسرعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر ما فعل، فإذا هو ساجد يقول: «يا حي يا قيّوم» ، لا يزيد عليهما، ثم رجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، ثم ذهبت إلى القتال. ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك [ففتح الله عليه] [ (2) ] . وروى البيهقي بسند حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما سمعت مناشدا ينشد مقالة أشدّ مناشدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لربّه يوم بدر، جعل يقول: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد» ، ثم التفت كأنّ وجهه شقّه قمر، فقال: «كأنما أنظر إلى مصارع القوم العشية» [ (3) ] . وروى البيهقي، عن ابن عباس وحكيم بن حزام، وإبراهيم التيميّ قالوا: لما حضر القتال رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يسأل الله النصر وما وعده، ويقول: «اللهمّ إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشّرك، وما يقوم لك دين» . وأبو بكر يقول له: «والله لينصرنّك الله وليبيّضنّ وجهك» . وخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش، ثم انتبه فأنزل الله عز وجل ألفا من الملائكة مردفين عند أكناف العدوّ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشر يا أبابكر، هذا جبريل متعمّم بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض، فلما نزل إلى الأرض تغيّب عني ساعة، ثم طلع على ثناياه النقع يقول: «أتاك نصر الله إذ دعوته» . [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان في يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلّى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدّ يديه، فجعل يهتف، بربّه يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» ، فما زال يهتف بربّه مادّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه وألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ردائه، فقال: يا نبي الله كفاك تناشد ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك» فانزل الله تعالى:

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 210 وذكره السيوطي في الدر 3/ 263 وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل. [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 222 وقال: هنا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وليس في إسناده مذكور بجرح، وأخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 49 والذهبي في الميزان (5378) . [ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 116 (2915) . [ (4) ] ذكره السيوطي في الدر 3/ 172 وعزاه للبيهقي في الدلائل وأخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 336، 3/ 54.

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال 9] فأمدّه الله تعالى بالملائكة [ (1) ] . وروى سعيد بن منصور عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلّهم، فركع ركعتين، وقام أبو بكر عن يمينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته: «اللهم لا تودّع مني، اللهم لا تخذلني، اللهم أنشدك ما وعدتني» [ (2) ] . وروى البخاري والنسائي وابن المنذر عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم» ، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، لقد ألححت على ربّك [ (3) ] . فخرج وهو يثب في الدّرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [القمر 45، 46] وأنزل الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال 9] أي متتابعين يتبع بعضهم بعضا، وأنزل الله عز وجل: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران 124] إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ، وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [الأنفال 12] ، قال ابن الأنباري: وكانت الملائكة لا تعلم كيف تقتل الآدميّين فعلّمهم الله تعالى بقوله: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ أي الرّؤوس وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ أي مفصل. وروى أبو يعلى والحاكم والبيهقي عن علي رضي الله قال: بينما أنا أمتح من قليب بدر جاءت ريح شديدة ما رأيت مثلها قطّ، ثم ذهبت، ثم جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قطّ إلا التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح شديدة، قال: فكانت الريح الأولى جبريل صلى الله عليه وسلم، نزل في ألف من الملائكة، وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر عن يمينه، وكانت الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في الميسرة، فلما هزم الله تعالى أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فجمزت بي، فلما جمزت خررت على عنقها فدعوت ربّي فأمسكني، فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى خضبت هذا، وأشار إلى إبطه.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1384) والطبري 9/ 127 وأحمد في المسند 1/ 30 وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 170. [ (2) ] أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2872) . [ (3) ] تقدم.

وروى البخاري والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم بدر: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه وعليه أداة الحرب» [ (1) ] . وروى ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس عن رجل من بني غفار قال: حضرت أنا وابن عمّ لي بدرا ونحن على شركنا فإنا لفي جبل ننظر الوقعة على من تكون الدّبرة فننتهب، فأقبلت سحابة، فلما دنت من الجبل سمعنا فيها حمحمة وسمعنا فيها فارسا يقول: أقدم حيزوم، فأما صاحبي فانكشف قناع عليه، فمات، وأما أنا فكدت أهلك، ثم انتعشت بعد ذلك. وروى محمد بن عمر الأسلمي، عن أبي رهم الغفاريّ [ (2) ] ، عن ابن عم له قال: بينا أنا وابن عمّ على ماء ببدر فلما رأينا قلّة من مع محمد وكثرة قريش قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد وأصحابه فانطلقنا نحو المجنّبة اليسرى من أصحابه، ونحن نقول: هؤلاء ربع قريش، فبينا نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا إليها، فسمعنا أصوات الرجال والسلاح، وسمعنا رجلا يقول لفرسه: أقدم حيزوم، وسمعناهم يقولون: رويدا تتامّ أمراكم. فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت أخرى مثل ذلك، فكانت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا هم على الضّعف من قريش، فمات ابن عمّي، وأما أنا فتماسكت، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلمت. وروى مسلم وابن مردويه، عن ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتدّ في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسّوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، إذ نظر إلى المشرك أمامه مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه، كضربة السوط فاخضرّ ذلك الموضع أجمع، فجاء الأنصاريّ فحدّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقت، ذلك مدد من السماء الثالثة» [ (3) ] . وروى ابن إسحاق وإسحاق بن راهويه، عن ابن أسيد الساعديّ أنه قال بعد ما عمي: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشّعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشكّ فيه ولا أتمارى.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 363 (3995) والبيهقي في الدلائل 3/ 54 والطبراني في الكبير 11/ 343. [ (2) ] (أبو رهم) الغفاري اسمه كلثوم بن حصين بن خالد بن العسعس بن زيد بن العميس بن أحمس بن الغفار وقيل ابن حصين بن عبيد بن خلف بن حماس بن غفار الغفاري مشهور باسمه وكنيته ... كان ممن بايع تحت الشجرة واستخلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة في غزوة الفتح. [الإصابة 7/ 68] . [ (3) ] جزء من حديث أخرجه مسلم 3/ 1384 (58- 1763) والبيهقي في الدلائل 3/ 52.

وروى الإمام أحمد والبزّار والحاكم برجال الصحيح، عن علي قال: قيل لي ولأبي بكر يوم بدر، قيل لأحدنا: معك جبريل، وقيل للآخر: معك ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل يكون في الصف. روى إبراهيم الحربيّ، عن أبي سفيان بن الحارث قال: لقينا يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض وروى الحاكم وصححه البيهقي وأبو نعيم، عن سهيل بن حنيف قال: لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك، فيقع رأسه قبل أن يصل إليه. وروى البيهقي عن الرّبيع بن أنس قال: كان الناس يعرفون قتلى الملائكة ممّن قتلوه بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق. وروى البيهقي وابن عساكر عن سهيل بن عمرو رضي الله عنه قال: لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، معلمين، يقتلون ويأسرون. وروى البيهقي عن خارجة بن إبراهيم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: من القائل يوم بدر من الملائكة: أقدم حيزوم؟ فقال جبريل: ما كل أهل السماء أعرف. وروى البيهقي عن حكيم بن حزام قال: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلص بجاد من السّماء قد سد الأفق، فإذا الوادي يسيل نملا فوقع في نفسي إن هذا شيء أيّد به محمد صلى الله عليه وسلم، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة. وروى محمد بن عمر الأسلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: «هذا جبريل يسوق الريح كأنّه دحية الكلبيّ، إنّي نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدّبور» . وروى محمد بن عمر الأسلمي وابن عساكر، عن عبد الرحمن بن عوف قال: رأيت يوم بدر رجلين: عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشدّ القتال، ثم ثلّثهما ثالث من خلفه، ثم ربّعهما رابع أمامه. وروى ابن سعد عن حويطب بن عبد العزّى، قال: لقد شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عبرا، رأيت الملائكة تقتتل وتأسر بين السماء والأرض. وروى البيهقي عن السّائب بن أبي حبيش رضي الله عنه إنه كان يقول: والله ما أسرني أحد من الناس، فيقال: فمن؟ فيقول: لمّا انهزمت قريش انهزمت معها فيدركني رجل أبيض طويل على فرس أبلق بين السماء والأرض، فأوثقني رباطا، وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا، فنادى في العسكر: من أسر هذا؟ فليس أحد يزعم أنه أسرني، حتى انتهى بي

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بن أبي حبيش من أسرك؟» فقلت: لا أعرفه، وكرهت أن أخبره بالذي رأيت، فقال: «أسرك ملك من الملائكة» . وروى محمد بن عمر الأسلمي والبيهقي، عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بثلاثة رؤوس فقلت له: يا رسول الله، أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث فإني رأيت رجلاً أبيض طويلاً ضربه فأخذت رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك فلان من الملائكة» [ (1) ] . وروى البيهقي، عن ابن عباس قال: كان الملك يتصوّر في صورة من يعرفون من الناس يثبّتونهم، فيقول: إني قد دنوت منهم وسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيء، إلى غير ذلك من القول. وروى ابن راهويه وأبو نعيم والبيهقي بسند حسن عن ابن جبير بن مطعم قال: رأيت قبل هزيمة القوم، والناس يقتتلون، مثل البجاد الأسود مبثوث، حتى امتلأ الوادي، فلم أشكّ أنها الملائكة، فلم يكن إلا هزيمة القوم. وروى الإمام أحمد وابن سعد وابن جرير عن ابن عباس، والبيهقي عن علي رضي الله عنهما، قال: كان الذي أسر العبّاس أبو اليسر [ (2) ]- بالمثناة التحتية والسين المهملة- وكان رجلا مجموعا وكان العبّاس رجلا جسيما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا اليسر كيف أسرت العبّاس؟» قال: يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أعانك عليه ملك كريم» . وروى ابن سعد وأبو الشيخ عن عطية بن قيس قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال بدر جاء جبريل على فرس أنثى أحمر، عليه درعه، ومعه رمحه، فقال: يا محمد، إن الله بعثني إليك وأمرني ألّا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت؟ قال: «نعم، رضيت، فانصرف» [ (3) ] . وروى أبو يعلى عن جابر قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر إذ تبسّم في صلاته، فلما قضى صلاته قلنا يا: رسول الله رأيناك تبسمت، قال: «مر بي ميكائيل وعلى جناحه أثر الغبار، وهو راجع من طلب القوم، فضحك إليّ فتبسّمت إليه» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 58 وانظر البداية والنهاية 3/ 281. [ (2) ] (أبو اليسر) بفتحتين الأنصاري اسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة وقيل كعب بن عمرو بن غنم بن كعب بن سلمة وقيل كعب بن عمرو بن غنم بن شداد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي بفتحتين مشهور باسمه وكنيته شهد العقبة وبدرا [الإصابة 7/ 218] . [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 20. [ (4) ] أخرجه أبو يعلى في مسنده 4/ 49 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 283 وعزاه لأبي يعلى وقال: وفيه الوازع بن نافع وهو متروك.

وروى البخاري عن رفاعة بن رافع الزّرقيّ قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما تعدّون أهل بدر فيكم؟» قلنا: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها. قال جبريل: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة [ (1) ] . وروى ابن سعد عن عكرمة قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدرى من ضربه. وروى ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله تعالى: مُرْدِفِينَ وقال: وراء كل ملك ملك. وروى عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: متتابعين، أمدّهم الله تعالى بألف ثم بثلاثة، ثم أكملهم خمسة آلاف. وروى ابن إسحاق والبيهقي عن أبي واقد الليثيّ قال: إني لأتبع يوم بدر رجلا من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن غيري قتله. وروى البيهقي عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال: ما أدري كم يد مقطوعة أو ضربة جائفة لم يدم كلمها يوم بدر، وقد رأيتها. وروى أبو نعيم عن أبي دارة قال: حدثني رجل من قومي من بني سعد بن بكر قال: إني لمنهزم يوم بدر إذ أبصرت رجلا بين يديّ منهزما، فقلت: ألحقه. فأستأنس به، فتدلّى من جرف ولحقته، فإذا رأسه قد زايله ساقطا، وما رأيت قربه أحدا. وروى الطبراني عن رفاعة بن رافع، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، عن ابن عباس قال: أمدّ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف، فكان جبريل في خمسمائة مجنّبة، وميكائيل في خمسمائة مجنّبة، وجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإنّي جار لكم، وأقبل جبريل إلى إبليس فلما رآه- وكانت يده في يد رجل من المشركين- انتزع إبليس يده. ثم ولّى مدبرا وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة، ألست تزعم أنك جار لنا، فقال: إني أرى ما لا ترون، إنّي أخاف الله، والله شديد العقاب، فذلك حين رأى الملائكة، فتشبّث به الحارث بن هشام، وأسلم بعد ذلك، وهو يرى أنه سراقة لما سمع كلامه، فضرب الشيطان في صدر الحارث فسقط الحارث، وانطلق إبليس لا يلوي، حتى سقط في البحر، ورفع يديه وقال: يا ربّ، موعدك الذي وعدتني، اللهم إني أسألك نظرتك

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 362 (3992) .

ذكر سيماء الملائكة يوم بدر

إيّاي. وخاف أن يخلص إليه القتل، فقال أبو جهل: يا معشر النّاس لا يهمّنّكم خذلان سراقة، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهمنكم قتل عتبة وشيبة، فإنهم قد عجلوا. فو الّلات والعزّى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه بالحبال، ولا ألفينّ رجلا منكم قتل رجلا منهم، ولكن خذوهم أخذا حتى نعرفهم سوء صنيعهم. ويروى أنهم رأوا سراقة بمكة بعد ذلك فقالوا له: يا سراقة أخرمت الصفّ، وأوقعت فينا الهزيمة، فقال: والله ما علمت بشيء من أمركم حتى كانت هزيمتكم، وما شهدت وما علمت، فما صدّقوه حتى أسلموا وسمعوا ما أنزل الله تعالى فيه. فعلموا أنه كان إبليس تمثّل لهم. وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمدّ المشركين فشقّ ذلك عليهم، فانزل الله تعالى: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران 124، 125] فبلغ كرز الهزيمة فرجع ولم يأتهم فلم يمددهم الله بالخمسة آلاف، وكانوا قد أمدّوا بألف من الملائكة. وروى عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله مُرْدِفِينَ قال: متتابعين، أمدّهم الله تعالى بألف، ثم بثلاثة، ثم أكملهم بخمسة آلاف. ذكر سيماء الملائكة يوم بدر وروى ابن سعد عن عباد بن حمزة بن الزبير قال: نزلت الملائكة يوم بدر عليهم عمائم صفر، وكان على الزبير يوم بدر ريطة صفراء قد اعتجر بها. وروى البيهقي عن ابن عباس قال: كان سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها على ظهورهم، ويوم خيبر عمائم حمرا. وروى الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعاً في قوله تعالى: مُسَوِّمِينَ قال: معلّمين، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود، ويوم أحد عمائم حمر. وروى ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر. وروى الطبراني بسند صحيح، عن عروة قال: نزل جبريل يوم بدر على سيما الزبير، وهو معتجر بعمامة صفراء. وروى ابن إسحاق: حدثني من لا أتّهم عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء.

ذكر شعار المسلمين يومئذ

وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر، عن عباد بن عبد الله بن الزبير إنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر وهم طير بيض عليهم عمائم صفر، وكان على رأس الزبير يومئذ عمامة صفراء من بين الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نزلت الملائكة على سيما أبي عبد الله، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة صفراء [ (1) ] . قال ابن سعد: وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور، والصّوف من نواصي خيلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إن الملائكة قد سوّمت فسوّموا، فأعلموا بالصّوف في مغافرهم وقلانسهم وكانت الملائكة على خيل بلق» .. وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن إسحاق قال: إن أول ما كان الصّوف ليوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسوّموا فإن الملائكة قد تسوّمت، فهو أول يوم وضع الصوف» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن علي رضي الله عنه قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنّا بها [ (3) ] . وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله: مُسَوِّمِينَ قال: بالعهن الأحمر. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أتوا- أي الملائكة- مسوّمين فسوّم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف. وروى عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن سيماهم- أي الملائكة- يومئذ الصوف بنواصي خيلهم، وأذنّا بها، وأنهم على خيل بلق. ذكر شعار المسلمين يومئذ روى البيهقي عن عروة قال: كان شعار المهاجرين يومئذ: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وسمّى خيله خيل الله، وكذا قال ابن سعد، ويقال: كان شعار الجميع يومئذ: يا منصور أمت. وروى الحارث بن أبي أسامة، عن زيد بن علي، قال: كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم: «يا منصور أمت» ، ويقال: أحد أحد، ولما تنزّلت الملائكة للنصر، ورآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أغفى إغفاءة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش في الدّرع، فجعل يحرّض الناس على القتال،

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 70 وعزاه لأبي نعيم وابن عساكر. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 70 وعزاه لابن أبي شيبة وابن حزم. [ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 70 وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر.

ذكر التحام القتال ومقتل عمير بن الحمام رضي الله عنه

ويبشّر الناس بالجنة، ويشجّعهم بنزول الملائكة- والناس بعد على مصافّهم لم يحملوا على عدوّهم- حصل لهم السكينة والطّمأنينة، وقد حصل النّعاس الذي هو دليل على الطّمأنينة والثبات والإيمان، كما قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [الأنفال 11] . ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: النّعاس في المصافّ من الإيمان، والنّعاس في الصلاة من النّفاق. ذكر التحام القتال ومقتل عمير بن الحمام رضي الله عنه قال ابن إسحاق وغيره: ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرّضهم فقال: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة» . فقال- كما في صحيح مسلم [ (1) ] وغيره- عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهنّ: بخ بخ يا رسول الله، عرضها السموات والأرض؟! قال: «نعم» . قال: أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ وفي رواية قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم قذف التّمرات من يده، وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. وذكر ابن جرير أن عميرا قاتل وهو يقول: ركضا إلى الله بغير زاد ... إلّا التّقى وعمل المعاد والصّبر في الله على الجهاد ... وكلّ زاد عرضة النّفاد غير التّقى والبرّ والرّشاد قال ابن عقبة: فكان أول قتيل قتل من المسلمين، وقال ابن سعد: مهجع مولى عمر بن الخطاب. مقتل عوف بن الحارث قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال: يا رسول الله: ممّ يضحك الربّ من عبده؟ قال: «غمسه يده في العدوّ حاسرا؟» فنزع درعا كانت عليه فألقاها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه. وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بنفسه قتالا شديدا، وكذلك أبو بكر رضي الله عنه، كما كانا في العريش يجاهدان بالدّعاء والتّضرع، ثم نزلا فحرّضا وحثّا على القتال، وقاتلا بأبدانهما، جمعا بين المقامين. روى ابن سعد، والفريابيّ، عن علي رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر وحضر البأس أمّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واتّقينا به، وكان أشدّ الناس بأسا يومئذ. وما كان أحد أقرب إلى المشركين

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الإمارة (145) وأحمد في المسند 3/ 136 والبيهقي في السنن 9/ 43.

ذكر دعاء أبي جهل على نفسه

منه. وروى الإمام أحمد بلفظ: «لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم» . والنسائي بلفظ: «كنّا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم» . ذكر دعاء أبي جهل على نفسه روى ابن إسحاق والإمام أحمد، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير- بالمهملتين مصغّرا- العذريّ وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل: «اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحن الغداة، اللهم من كان أحبّ إليك وأرضى عندك فانصره اليوم» . فكان هو المستفتح على نفسه، فانزل الله تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [الأنفال 19] . ذكر مقتل عدو الله أمية بن خلف روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه عن سعد بن معاذ أنه كان صديقا لأمية بن خلف، وكان أمية إذا نزل بالمدينة مرّ على سعد، وكان سعد إذا مرّ بمكة نزل على أمية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد معتمرا، فنزل على أميّة بمكة فقال لأمية: انظر لي ساعة خلوة لعلّي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال: يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال: هذا سعد، فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنا، وقد آويتم الصّباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما والله لولا أنّك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما، فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنّك ما هو أشد عليك منه، طريقك إلى المدينة، فقال له أميّة: لا ترفع صوتك على أبي الحكم سيّد أهل الوادي، فقال سعد: دعنا عنك يا أميّة: فو الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه قاتلك» وفي لفظ: إنهم قاتلوك. قال: إيّاي؟! قال: نعم. قال: بمكة؟ قال: لا أدري، ففزع لذلك أمية فزعا شديدا وقال: والله ما يكذب محمد إذا حدّث. فلما رجع أمية إلى أهله قال: يا أم صفوان، ألم ترى ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدا أخبرهم أنّهم قاتليّ. فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدري، فقال أمية: والله لا أخرج من مكة. فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال: أدركوا عيركم، فكره أميّة أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى يراك النّاس قد تخلّفت- وأنت سيّد أهل الوادي- تخلّفوا معك، فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذ غلبتني لأشترينّ أجود بعير بمكة. وعن ابن إسحاق أن عقبة بن أبي معيط أتى أمية بن خلف لمّا أجمع القعود، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها، فيها نار وبخور، حتى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا عليّ استجمر فإنما أنت من النساء، قال: قبّحك الله وقبّح ما جئت به، ثم

ذكر رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار بالحصباء

قال أمية: يا أمّ صفوان جهّزيني، قالت: يا أبا صفوان، أنسيت ما قال لك أخوك اليثربيّ؟ قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا. فلما خرج أخذ لا يترك منزلا إلا عقل بعيره، فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر. وروى البخاري وابن إسحاق واللفظ له عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة، وكان اسمي عبد عمرو، فتسمّيت حين أسلمت عبد الرحمن، فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سمّاك به أبوك؟ فأقول: نعم، فيقول: إني لا أعرف الرحمن فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به، أمّا أنت فلا تجيبني باسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: وكان إذا دعاني عبد عمرو لم أجبه. قال: فقلت له: يا أبا عليّ اجعل بيني وبينك ما شئت، قال: فأنت عبد الإله، قلت: نعم، قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله فأجيبه، فأتحدث معه، فلما هاجرت إلى المدينة كاتبته ليحفظني في ضائقتي، وأحفظه في ضائقته بالمدينة، فلما كان يوم بدر خرجت لأحرزه من القتل، فوجدته مع ابنه عليّ بن أمية، أخذ بيده، ومعي أدراع [قد استلبتها فأنا أحملها] ، فلما رآني قال: يا عبد عمرو فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله، فقلت: نعم. قال: هل لك في، فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك؟ قلت: نعم بالله إذا، فطرحت الأدراع من يدي فأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول: ما رأيت كاليوم قطّ، أما لكم حاجة في اللّبن، ثم خرجت أمشي بهما، فقال لي ابنه: يا عبد الإله، من الرجل منكم المعلّم بريشة نعامة في صدره، قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل، قال عبد الرحمن: فو الله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي. وكان هو الذي يعذّب بلالا بمكة حتى يترك الإسلام فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا، ثم نادى: يا معشر الأنصار، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا أطلقت لهم ابنه لأشغلهم به، وكان أمية رجلا ثقيلا، فقلت: ابرك، فبرك، فألقيت نفسي عليه لأمنعه، فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل الدّسكرة- وفي لفظ المسكة- وأنا أذبّ عنه، فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت: انج بنفسك ولا نجاء بك، فو الله ما أغني عنك شيئا، قال: فهبروه بأسيافهم وأصاب أحدهم ظهر رجلي بسيفه، فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالا، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيريّ. ذكر رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار بالحصباء قال الله سبحانه وتعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال 17] قال محمد بن عمر الأسلميّ: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ من الحصباء كفّا، فرمى به المشركين،

وقال: «شاهت الوجوه، اللهمّ أرعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم» ، فانهزم أعداء الله لا يلوون على شيء، وألقوا دروعهم، والمسلمون يقتلونهم. وروى ابن أبي حاتم، عن ابن زيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ثلاث حصيات، فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وحصاة في ميسرة القوم، وحصاة بين أظهرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شاهت الوجوه» ، فانهزم القوم. وروى الطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم بسند حسن، عن حكيم بن حزام، قال: لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء إلى الأرض، كأنه صوت حصاة وقعت في طست، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحصاة وقال: «شاهت الوجوه» فانهزمنا. وروى أبو الشيخ وأبو نعيم وابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست، فلما اصطفّ الناس أخذهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن وجوه المشركين فانهزموا. وروى الطبراني وأبو الشيخ برجال الصحيح، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: «ناولني قبضة من حصباء» ، فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه الكفار، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء [ (1) ] . وروى ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس والأمويّ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا ربّ إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا» . فقال له جبريل: خذ قبضة من تراب فارم بها في وجوههم، فما بقي من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولّوا مدبرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «احملوا» ، فلم تكن إلا الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديدهم وأسر من أسر، وأنزل الله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال 17] قال ابن عقبة وابن عائذ: فكانت تلك الحصباء عظيما شأنها، لم تترك من المشركين رجلا إلا ملأت عينيه، وجعل المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم. وبادر كل رجل منهم منكبّا على وجهه لا يدري أين يتوجّه، يعالج التراب ينزعه من عينيه [ (2) ] . قال ابن إسحاق: فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أشرافهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العريش متوشّحا بالسيف، في نفر من الأنصار يحرسونه

_ [ (1) ] انظر الترغيب والترهيب 3/ 175. [ (2) ] تقدم.

يخافون كرّة العدوّ، وسعد بن معاذ رضي الله عنه قائم على باب العريش متوشّح بالسيف. وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي عن الزهريّ: «اللهم اكفني نوفل بن خويلد» [ (1) ] ، فأسره جبّار بن صخر، ولقيه عليّ فقتله، وقتل عليّ أيضا العاص بن سعيد، ثم قال: من له علم بنوفل؟ فقال علي: أنا قتلته، فقال: «الحمد الله الذي أجاب دعوتي منه» . وقال النبي صلّى الله عليه وسلم يومئذ- فيما ذكر ابن إسحاق- لبعض أصحابه: «إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا. فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختريّ فلا يقتله» - وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله لأنه كان أكفّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممّن قام في نقض الصحيفة- «ومن لقي منكم العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنما خرج مكرها» ، فقال أبو حذيفة رضي الله عنه: «أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العبّاس، والله لئن لقيته لألجمنّه السيف» ، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب: «يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف؟!» . فقال عمر: «يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف- يعني أبا حذيفة رضي الله عنه- فو الله لقد نافق» . فكان أبو حذيفة يقول: «ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلتها يومئذ ولا أزال خائفا منها، إلّا أن تكفّرها عني الشهادة» . فقتل يوم اليمامة شهيدا، قال عمر: «والله إنه لأوّل يوم كنّاني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص» [ (2) ] . ولقي المجذر بن زياد البلويّ أبا البختريّ. فقال له: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك» ، ومع أبي البختريّ زميل له خرج معه من مكّة وهو جنادة بن مليحة، وقال: وزميلي؟ فقال له المجذّر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك، ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك، قال: لا والله إذا لأموتنّ أنا وهو جميعا، لا تحدّث عنّي نساء مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة، فقال أبو البختريّ حين نازله المجذّر وأبي إلّا القتال: لن يسلم ابن حرّة زميله ... حتّى يموت أو يرى سبيله فاقتتلا فقتله المجذر، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني فقتلته. قال ابن عقبة: ويزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختريّ، ويأتي عظم الناس إلا أن المجذّر هو الذي قتله، بل الذي قتله غير شك أبو داود المازنيّ وسلبه سيفه وكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض ولد أبي البختري.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 367. [ (2) ] انظر البداية والنهاية 3/ 284 وأخرجه البيهقي في الدلائل بنحوه 3/ 140.

ذكر مقتل فرعون هذه الأمة أبي جهل بن هشام وغيره

ذكر مقتل فرعون هذه الأمة أبي جهل بن هشام وغيره روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: إني لواقف في الصفّ يوم بدر فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما فتمنّيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما سرّا من صاحبه فقال: أي عمّ، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، فما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: وغمرني الآخر سرّا من صاحبه فقال مثلها، فعجبت لذلك. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس وهو يرتجز: ما تنقم الحرب العوان منّي ... بازل عامين حديث سنّي لمثل هذا ولدتني أمّي فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى برد، وانصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. قال: «مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السّيفين فقال: «كلاكما قتله» ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان: معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوّذ بن عفراء [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه وابن إسحاق عن معاذ بن عمرو، والبيهقي عن ابن عقبة، والبيهقي عن ابن إسحاق. قال معاذ: سمعت القوم وأبا جهل في مثل الحرجة وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أظنّت قدمه بنصف ساقه، فو الله ما شبهتها حين طاحت إلّا بالنّواة تطيح من تحت مرضخة النّوى، حين يضرب بها، قال: وضربني ابنه عكرمة- وأسلم بعد ذلك- على عاتقي فطرح يدي بجلده من جنبي وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامّة يومي هذا، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت قدمي عليها، ثم تمطّيت بها عليها حتى طرحتها. قال ابن إسحاق: وعاش بعد ذلك إلى زمن عثمان. قال القاضي: زاد ابن وهب في روايته: «فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلصقت» . كذا نقله عن القاضي في العيون.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 283 (3141) ومسلم 3/ 1372 (42- 1752) .

والذي في الشفاء: وقطع أبو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألصقها فلصقت، رواه ابن وهب. انتهى. قال ابن إسحاق: ثم مرّ بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته وبه رمق، وقاتل معوّذ حتى قتل، ثم مرّ عبد الله بن مسعود بأبي جهل فذكر ما سيأتي. قال ابن إسحاق: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى، فالتمس أبا جهل فلم يجده، حتى عرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللهم لا يعجزني فرعون هذه الأمة» [ (1) ] . وقال صلى الله عليه وسلم: «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟ وإن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته، فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان، ونحن غلامان، وكنت أشفّ منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في إحداهما جحشا لم يزل أثره به» . قال عبد الله بن مسعود: فأتيته فوجدته بآخر رمق فعرفته، وكان مقنّعا بالحديد، واضعا سيفه على فخذيه، ليس به جرح، ولا يستطيع أن يحرّك منه عضوا وهو منكبّ ينظر إلى الأرض، فلما رآه ابن مسعود طاف حوله ليقتله، فأراد أن يضربه بسيفه، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا، فأتاه من ورائه، قال: ومعي سيف رثّ ومعه سيف جيّد، فجعلت أنقف رأسه بسيفي، وأذكر نتفا كان برأسي حتى ضعفت يده، فأخذت سيفه، فرفع رأسه فقال: على من كانت الدّبرة وفي رواية: لمن الدّائرة؟ قلت: لله ورسوله، فأخذت بلحيته وقلت: الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله، وفي لفظ: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: بماذا أخزاني؟ قال: هل أعمد، وفي لفظ: هل عدا رجل قتلتموه. أو غير أكّار قتلني، فرفعت سابغة البيضة عن قفاه، فضربته فوقع رأسه بين يديه، ثم سلبته. قال ابن عقبة: فلما نظر عبد الله إلى أبي جهل إذا هو ليس به جراح، وأبصر في عنقه خدرا وفي يديه وكفّيه كهيئة آثار السياط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال: «ذلك ضرب الملائكة» . قال ابن مسعود: ثم حززت رأسه، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا رأس عدوّ الله أبي جهل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله الذي لا إله إلا هو؟» وفي لفظ: الذي لا إله غيره، فاستحلفني ثلاث مرات فألقيت رأسه بين يديه، فقال: «الحمد لله الذي أعزّ الإسلام وأهله» ، ثلاث مرات، وخرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا. وفي رواية: صلى ركعتين. قال القاضي: إن ابن مسعود إنما جعل رجله على عنق أبي جهل ليصدّق رؤياه، فإن ابن قتيبة ذكر أن أبا جهل قال لابن مسعود: لأقتلنّك، فقال: والله لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك بنعلي، ولئن صدقت لأطأنّ رقبتك، ولأذبحنّك ذبح الشاة.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 388.

مقتل أبي ذات الكرش

وروى ابن عائذ عن قتادة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل، قتله الله شرّ قتلة، قتله ابنا عفراء، وقتلته الملائكة، وتدافّه ابن مسعود» ، يعني أجهز عليه. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب «من عاش بعد الموت» : عن الشعبي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني مررت ببدر فرأيت رجلاّ يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة معه، حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك. ففعل ذلك مرارا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك أبو جهل بن هشام، يعذّب إلى يوم القيامة كذلك» [ (1) ] . وروى الطبراني وابن أبي الدنيا في كتاب القبور، واللالكائي في السنة، وابن منده، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينما أنا سائر بجنبات بدر إذ خرج رجل من حفرة في عنقه سلسلة فناداني: يا عبد الله اسقني فلا أدري عرف اسمي أو دعاني بدعاية العرب، وخرج رجل من تلك الحفرة في يده سوط فناداني: يا عبد الله: لا تسقه فإنه كافر، ثم ضربه بالسوط فعاد إلى حفرته، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلّم مسرعا فأخبرته فقال لي: «قد رأيته؟» قلت: نعم، قال: «ذاك عدوّ الله أبو جهل، وذاك عذابه إلى يوم القيامة» [ (2) ] . مقتل أبي ذات الكرش روى البخاري عن الزبير بن العوام قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجّج لا يرى منه إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات. قال هشام بن عروة: فأخبرت الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت، فكان الجهد أن نزعتها وقد انثني طرفها. قال عروة: فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إيّاها، فلما قبض أبو بكر أخذها، ثم سألها عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قتل وقعت عند آل عليّ، وطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل [ (3) ] . ذكر انقلاب العرجون سيفا روى ابن سعد عن زيد بن أسلم ويزيد بن رومان، وغيرهما، والبيهقي وابن إسحاق: أن عكاشة بن محصن رضي الله عنه قاتل يوم بدر بسيفه حتى انقطع، فأتى

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 90 وابن أبي شيبة في المصنف 11/ 59. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 83 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: فيه من لم أعرفه. [ (3) ] أخرجه البخاري في المغازي (3997) .

ذكر بركة أثر ريقه ويده صلى الله عليه وسلم

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب وقال: «قاتل بهذا يا عكّاشة» . فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزّه فعاد سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في أيام الرّدّة، قتله طلحة بن خويلد الأسديّ. وروى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن الحريش- بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبالشين المعجمة- يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين نخل ابن طاب فقال: اضرب به، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيدة [ (1) ] . ذكر بركة أثر ريقه ويده صلى الله عليه وسلّم روى البيهقي عن ابن إسحاق قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن قال: ضرب خبيب- يعني بن عديّ- يوم بدر، فمال شقّه، فتفل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمه وردّه فانطبق. وروى البيهقي عن قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا» ، فدعا به فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. وروى أيضا عن رفاعة بن رافع بن مالك قال: لما كان يوم بدر رميت بسهم ففقئت عيني، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي، فما آذاني منها شيء. قال ابن إسحاق: ووضع المسلمون أيديهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش في نفر من الأنصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرّة العدوّ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهة لما يصنع الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لكأنيّ بك يا سعد تكره ما يصنع القوم» . قال: أجل يا رسول الله، كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشّرك، فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال. ذكر انهزام المشركين قال ابن سعد: ورجعت قريش إلى مكة منهزمين، ورئي رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثرهم مصلتا بالسيف، يتلو هذه الآية سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر 45] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 370.

ذكر سحب كفار قريش إلى بدر وما وقع في ذلك من الآيات

وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن عكرمة- زاد ابن جرير في رواية عنه: عن ابن عباس، وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنهم: أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة قبل يوم بدر سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. قال عمر بن الخطاب: قلت: يا رسول الله، أيّ جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، مصلتا بالسيف وهو يثب ويقول: «سَيُهزم الجمع ويولّون الدّبر» فعرفت تأويلها، وكان انهزام القوم حين زالت الشمس من يوم الجمعة. وروى الفريابيّ وابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وحسّنه ابن سعيد عن عكرمة قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم لما فرغ من أهل بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس وهو أسير في وثاقه: إنه لا يصلح ذاك لك، قال: «لمه؟» قال: لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين، فقد أعطاك ما وعدك، قال: «صدقت» . وذكر الأمويّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف هو وأبو بكر بالقتلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نفلّق هاما ... فيقول أبو بكر: ... من رجال أعزّة ... علينا، وهم كانوا أعقّ وأظلما وروى البخاري عن جبير بن مطعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيّا، ثم كلّمني في هؤلاء النّتني لتركتهم له» ، أى تركتهم أحياء، ولما قتلتهم من غير فداء، إكراما له وقبولا لشفاعته، فإنه كان ممنّ قام في نقض الصّحيفة [ (1) ] . ذكر سحب كفار قريش إلى بدر وما وقع في ذلك من الآيات روى مسلم والنسائي عن عمر بن الخطاب، والشيخان عن أبي طلحة، وابن إسحاق، والإمام أحمد، ومسلم عن أنس، والشيخان من طريق عروة، عن ابن عمر، والطبراني برجال الصحيح، عن ابن مسعود، والإمام أحمد برجال ثقات، عن عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريهم مصارع أهل بدر بالأمس، يقول: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله- ووضع يده بالأرض- وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله. قال عمر: فو الذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلوا يصرعون عليها فجعلوا في طويّ من أطواء بدر، خبيث مخبث بعضهم على بعض.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الخمس (3139) .

قال أبو طلحة: وكانوا بضعة- وفي رواية أربعة- وعشرين. قالت عائشة: إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليحرّكوه فتزايل، فأقرّوه وألقوا عليه ما غيّبه من التراب والحجارة. وقال أبو طلحة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أظهره الله على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. وقال أنس: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلى بدر ثلاثا، ثم أتاهم. قال أبو طلحة: فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم براحلته فشدّ عليها رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفا البئر، وفي لفظ على شفير الرّكيّ. وفي بعض الروايات عن أنس: أن ذلك كان ليلا، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، وفي رواية: «يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقّا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقّا، بئس عشيرة النّبيّ كنتم لنبيّكم، كذّبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فجزاكم الله عني من عصابة شرّا، خوّنتموني أمينا، وكذّبتموني صادقا» . فقال عمر: يا رسول الله، أتناديهم بعد ثلاث، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ وفي لفظ: كيف يسمعون أو أني يجيبون وقد جيّفوا؟ فقال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، إنهم الآن يسمعون ما أقول لهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا علينا شيئا» [ (1) ] . قال قتادة: أحياهم الله تعالى حتى أسمعهم قوله، توبيخا لهم، وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة. قال عروة: فبلغ عائشة قول ابن عمر، فقالت: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال: «إنهم ليعلمون الآن الذي كنت أقول لهم حقّا، إنهم تبوّؤوا مقاعدهم من جهنم» [ (2) ] أن الله تعالى يقول: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى [النمل 80] وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر 22، 23] وفي رواية عند الإمام أحمد من طريقين رجالهما ثقات، عن عائشة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنتم بأفهم لقولي منهم» ، أو «لهم أفهم لقولي منكم» [ (3) ] . وروى البزار والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما جيء بأبي جهل يجرّ إلى القليب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان أبو طالب حيّا لعلم أنّ أسيافنا قد التبست

_ [ (1) ] الجزء الأخير أخرجه البخاري 2/ 122 ومسلم 4/ 2203 (76- 2873) . [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 274 (1371) ومسلم في كتاب الجنائز (26) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 170 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 90.

بالأنامل» [ (1) ] ، ولفظ الطبرانيّ وغيره. ولذلك يقول أبو طالب: كذبتم وبيت الله نخلي محمّدا ... ولمّا نطاعن حوله ونناضل ونسلمه حتّى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض قوم في الحديد إليكم ... نهوض الرّوايا تحت ذات الصّلاصل وحتّى يرى ذا الضّغن يركب درعه ... من الطعن فعل الأنكب المتحامل وإنّا لعمر الله إن جدّ ما أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت: عرفت ديار زينب بالكثيب ... كخطّ الوحي في الورق القشيب تداولها الرّياح وكلّ جون ... من الوسميّ منهمر سكوب فأمسى رسمها خلقا وأمست ... يبابا بعد ساكنها الحبيب فدع عنك التّذكّر كلّ يوم ... وردّ حرارة الصّدر الكئيب وخبّر بالّذي لا عيب فيه ... بصدق غير إخبار الكذوب بما صنع المليك غداة بدر ... لنا في المشركين من النّصيب غداة كأنّ جمعهم حراء ... بدت أركانه جنح الغروب فلاقيناهم منّا بجمع ... كأسد الغاب مردان وشيب أمام محمّد قد وازروه ... على الأعداء في لفح الحروب بأيديهم صوارم مرهفات ... وكلّ مجرّب خاظي الكعوب بنو الأوس الغطارف وازرتها ... بنو النّجّار في الدّين الصّليب فغادرنا أبا جهل صريعا ... وعتبة قد تركنا بالجبوب وشيبة قد تركنا في رجال ... ذوي حسب إذا نسبوا حسيب يناديهم رسول الله لمّا ... قذفناهم كباكب في القليب ألم تجدوا كلامي كان حقّا ... وأمر الله يأخذ بالقلوب فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا ... صدقت وكنت ذا رأي مصيب قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم أن يلقوا في القليب أخد عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني- في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغيّر فقال: «يا أبا حذيفة، لعلك قد داخلك من شأن أبيك شيء» - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- لا، والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكن كنت

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 83 وعزاه للبزار وقال: فيه حيان بن علي وهو ضعيف.

ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بشيرين لأهل المدينة بوقعة بدر: الأول لأهل السافلة والثاني لأهل العالية

أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرا. ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بشيرين لأهل المدينة بوقعة بدر: الأول لأهل السافلة والثاني لأهل العالية روى الحاكم عن أسامة بن زيد، والبيهقي عن محمد بن عمر الأسلمي، والبيهقيّ أيضاً، عن ابن إسحاق: قال أسامة بن زيد رضي الله عنه: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان وأسامة بن زيد على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيام بدر، وقالوا: وقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من الأثيل فجاءا يوم الأحد حين اشتد الضحى، وفارق عبد الله بن رواحة زيد بن حارثة بالعقيق، فجعل عبد الله ينادي على راحلته: يا معشر الأنصار أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم، قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجّاج، وأبو جهل، وزمعة بن الأسود، وأميّة بن خلف. وأسر سهيل بن عمرو. قال عاصم بن عدي: فقمت إليه فنحوته، فقلت: أحقّا ما تقول يا ابن رواحة؟ فقال: إى والله، وغدا يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسرى مقرّنين، ثم اتّبع دور الأنصار بالعالية يبشّرهم دارا دارا والصبيان يشتدّون معه ويقولون: قتل أبو جهل الفاسق، حتى انتهى إلي بني أمية بن زيد. وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء- قال الواقديّ: وقال أسامة: العضباء- يبشّر أهل السافلة، فلما أن جاء المصلّى صاح على راحلته: قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وقتل أبو جهل، وأبو البختري، وزمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثير، فجعل [بعض] الناس لا يصدّقون زيد بن حارثة ويقولون: ما جاء زيد إلّا فلّا، حتى غاظ ذلك المسلمين وخافوا. قال أسامة: فسمعت الهيعة، فخرجت فإذا زيد على العضباء جاء بالبشارة، فو الله ما صدّقته حتى رأيت الأسارى، وقدم زيد حين سوّوا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم التراب بالبقيع، فقال رجل من المنافقين لأبي لبابة بن عبد المنذر: قد تفرّق أصحابكم تفرّقا لا يجتمعون بعده أبدا، وقد قتل علية أصحابه، وقتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرّعب، وجاء فلّا. قال أبو لبابة: يكذّب الله تعالى قولك. وقالت اليهود: ما جاء إلا فلّا. قال أسامة بن زيد: فجئت حتى خلوت بأبي، فقلت: يا أبه، أحق ما تقول؟ قال: إي والله حقّا ما أقول يا بنيّ، فقويت في نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت: أنت المرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين، لنقدّمنّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم فليضربنّ

ذكر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الفيء

عنقك، فقال: يا أبا محمد إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه. قال: فجيء بالأسرى وعليهم شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم. ذكر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الفيء روى سعيد بن منصور والإمام أحمد وابن المنذر وابن حبان والحاكم والبيهقي في السنن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدوّ فانطلقت طائفة في آثارهم يأسرون ويقتلون، وأكبّت طائفة على الفيء يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يصيب العدوّ غرّة، حتى إذا كان الليل وافي الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ: لستم بأحقّ بها منا، نحن نفينا عنها العدوّ وهزمناهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منّا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرّة، فاشتغلنا به. فنزلت: يَسْئَلُونَكَ يا محمد عَنِ الْأَنْفالِ: الغنائم، لمن هي؟ قُلِ لهم: الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ يجعلانها حيث شاءا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي حقيقة ما بينكم بالمودّة وترك النزاع وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال 1] حقّا [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن حبان وعبد الرزاق في المصنّف، وعبد بن حميد، وابن عائذ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن ابن عساكر، ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا» . ولفظ ابن عائذ: «من قتل قتيلا فله سلبه. ومن أسر أسيرا فله سلبه» . فأمّا المشيخة فثبتوا تحت الرّايات. وأما الشّبّان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقال المشيخة للشبان: أشركونا معكم، فإنّا كنّا لكم رداء ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا. فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أبو اليسر بأسيرين فقال: يا رسول الله، إنك قد وعدتنا، فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الآخرة، ولا جبن عن العدوّ، ولا ضنّ بالحياة، أن نصنع ما صنع إخواننا، وكلّنا رأيناك قد أفردت فكرهنا أن تكون بمضيعة، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك. فتشاجروا فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآية، فنزعه الله تعالى من أيديهم، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه صلى الله عليه وسلم بين المسلمين، كما سيأتي على بواء أي سواء، فكان ذلك تقوى لله تعالى وطاعته، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإصلاح ذات البين.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (2738) والطبراني 12/ 129 وعبد الرزاق في المصنف (9483) وأبو نعيم في الحلية 7/ 102.

وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وعبد بن حميد، وابن مردويه، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكنيفة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم به فقلت: يا رسول الله قد شفاني الله تعالى اليوم من المشركين فنفّلني هذا السيف، فأنا من قد علمت، قال: «إن هذا السيف لا لك ولا لي، ضعه» ، فوضعته، ثم رجعت فقلت: عسى أن يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلي بلائي فرجعت به فقال: «اذهب فاطرحه في القبض» ، فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي، حتى إذا أردت أن ألقيه لامتني نفسي فرجعت إليه، فقلت: أعطنيه، فشدّني صوته فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فخذ سيفك» [ (1) ] . وروى النحاس في تاريخه عن سعيد بن جبير أن سعدا ورجلا من الأنصار خرجا يتنفّلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه جميعا، فقال سعد: هو لي، وقال الأنصاري: هو لي لا أسلمه، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتياه فقصّا عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس لك يا سعد ولا للأنصاريّ ولكنه لي» ، فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآية، ثم نسخت هذه الآية فقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [ (2) ] [الأنفال 45] . وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال: الأنفال: المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء، ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة وسلكا فهو غلول، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها شيئا، فانزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قال: الأنفال لي، جعلتها لرسلي، وليس لكم منه شيء، فاتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم، إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثم أنزل الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الآية، ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والمهاجرين وفي سبيل الله، وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء: للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم. واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الغنائم عبد الله بن كعب رضي الله عنه [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود بنحوه (2740) وأحمد في المسند 1/ 178 والحاكم في المستدرك 2/ 132 وذكره السيوطي في الدر 3/ 158. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 3/ 160 وعزاه للنحاس في ناسخه. [ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 3/ 160 وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه.

ذكر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيما يفعل بالأسرى

ذكر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيما يفعل بالأسرى روى الإمام أحمد عن أنس، وابن مردويه عن أبي هريرة، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والترمذي وحسنه، وابن المنذر، والطبراني، وغيرهم، عن ابن مسعود. وابن مردويه، عن ابن عباس. وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وأبو نعيم، عن ابن عمر: أنه لما كان يوم بدر جيء بالأسرى وفيهم العباس، أسره رجل من الأنصار: وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم أنم الليلة من أجل عمّي العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه» ، فقال له عمر: أفآتيهم؟ قال: «نعم» ، فأتى عمر الأنصار فقال لهم: أرسلوا العباس، فقالوا: لا والله لا نرسله، فقال لهم عمر: فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي، قالوا: فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي فخذه، فأخذه عمر، فلما صار في يده، قال له: يا عباس أسلم، فو الله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطّاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك. فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس. فقال: ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ أن الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس. فقال أبو بكر: يا رسول الله أهلك وقومك، قد أعطاك الله الظّفر ونصرك عليهم، هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان استبقهم، وإني أرى أن تأخذ الفداء منهم، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفّار، وعسى الله أن يهديهم بك، فيكونوا لك عضدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تقول يا بن الخطاب؟» . قال: يا رسول الله قد كذّبوك وأخرجوك وقاتلوك، ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكّنني من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه وتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان- أخيه- حتى يضرب عنقه، حتى ليعلم الله تعالى إنه ليست في قلوبنا مودة للمشركين، هؤلاء صناديد قريش وأئمتهم وقادتهم فاضرب أعناقهم، ما أرى أن يكون لك أسرى، فإنما نحن راعون مؤلّفون. وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا. فقال العبّاس وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك. قال أبو أيوب: فقلنا- يعني الأنصار- إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، فقال أناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ بقول عمر، وقال أناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، ثم خرج فقال: «إن الله تعالى ليليّن

قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللّبن، وأن الله تعالى ليشدّ قلوب أقوام فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة، مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم 36] ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى ابن مريم إذ قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة 118] ، ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله تعالى، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح 26] ومثلك في الأنبياء مثل موسى، إذ قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يونس 88] لو اتّفقتما ما خالفتكما، أنتم عالة فلا يفلتن منكم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق» ، فقال عبد الله بن مسعود: يا رسول الله إلّا سهيل ابن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله: فما رأيتني في يوم أخاف أن تقع عليّ الحجارة من السماء منّي في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلّا سهيل ابن بيضاء» فلما كان من الغد غدا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما يبكيان، فقال: يا رسول الله ما يبكيكما؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإلّا تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كاد ليمسّنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب، لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة» - لشجرة قريبة منه- وأنزل الله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ بالتاء والياء- لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ يبالغ في قتل الكفار تُرِيدُونَ أيها المؤمنون عَرَضَ الدُّنْيا حُطامها بأخذ الفداء وَاللَّهُ يُرِيدُ لكم الْآخِرَةَ أي ثوابها بقتلهم وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال 67] ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد 4] لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ بإحلال الغنائم والأسارى لكم لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ من الفداء عَذابٌ عَظِيمٌ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال 68، 69] . واستعمل صلى الله عليه وسلم على الأسرى شقران غلامه، فأحذوه من كل أسير ما لو كان حرّا ما أصابه في المقسم. وروى ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن سعد، وابن جرير، وابن حبان، والبيهقي، عن علي رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أن الله تعالى قد كره ما صنع قومك في أخذهم فداء الأسرى، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أمرين: إما أن يقدّموا فتضرب أعناقهم وإما أن يأخذوا منهم الفداء، على أن يقتل منهم عدّتهم، فدعا

ذكر رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقسمة الغنائم وقتل جماعة من الأسرى

رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر لهم ذلك، فقالوا: يا رسول الله عشائرنا وإخواننا تأخذ منهم الفداء، فتتقوّى به على قتال عدوّنا، ويستشهد منا عدّتهم فليس في ذلك ما يكره، وأقام صلى الله عليه وسلم بالعرصة ثلاثا. ذكر رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقسمة الغنائم وقتل جماعة من الأسرى وارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة وهو مؤيّد منصور، قرير العين بنصر الله تعالى، ومعه الأسارى من المشركين، فيهم عقبة بن أبي معيط، والنّضر بن الحارث، ومعه النّفل الذي أصيب، فلما خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له: سير- إلى سرحة به، فقسّم هناك النّفل الذي أفاءه الله على المسلمين من المشركين [على السواء] ، وقيل: بل استعمل عليها خبّاب بن الأرتّ، وكان فيها مائة وخمسون من الإبل ومتاع وأنطاع وثياب وأدم كثير، حمله المشركون للتجارة، فغنمه المسلمون، وكانت الخيل التي غنمها عشرة أفراس، وأصابوا سلاحا كثيرا، وجمل أبي جهل، فصار للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل عنده يضرب في إبله ويغزو عليه، حتى ساقه في هدي الحديبية. ولمّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقسّم الغنائم على السّواء قال سعد بن معاذ: يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمّك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟!» ونادى مناديه صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه ومن أسر أسيرا فهو له» . وكان يعطي من قتل قتيلا سلبه، وأمر بما وجد في العسكر وما أخذوا بغير قتال فقسمه بينهم. وكانت السّهمان على ثلاثمائة وسبعة عشر سهما، والرجال ثلاثمائة وثلاثة عشر، والخيل فرسان لهما أربعة أسهم. وثمانية نفر لم يحضروا القتال، ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم، ثلاثة من المهاجرين، وهم عثمان بن عفان- خلّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته رقيّة فماتت يوم قدوم زيد بن حارثة، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسّسان خبر العير، ومن الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر، خلّفه على المدينة، وعاصم بن عديّ خلّفه على أهل قباء وأهل العالية، والحارث بن حاطب أمره بأمر في بني عمرو بن عوف، وخوّات بن جبير كسر بالرّوحاء، والحارث بن الصّمّة كسر بالرّوحاء أيضا. وروي أنه ضرب لسعد بن عبادة وسعد بن مالك السّاعديّ، ورجلين آخرين من الأنصار بسهامهم وأجورهم. وروى الحارث بن أسامة، والحاكم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ممّن ضرب له بسهمه وأجره، وضرب لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر، وأحذى مماليك حضروا بدرا ولم يقسم لهم.

روى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا من الموالي، وتنفّل صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار، وقال لنبيه بن الحجّاج وكان من صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخذ سهمه مع المسلمين، وفيه جمل أبي جهل وكان مهريا. وبالصفراء توفي عبيدة بن الحارث رضي الله عنه من مصاب رجله، فقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب ترثيه: لقد ضمّن الصّفراء مجدا وسؤددا ... وحلما أصيلا وافر اللّبّ والعقل عبيدة فابكيه لأضياف غربة ... وأرملة تهوي لأشعث كالجذل وبكّيه للإبرام في كلّ شنوة ... إذا احمرّ آفاق السّماء من المحل وبكّيه للأيتام والرّيح زفزف ... وتشبيب قدر طالما أزبدت تغلي فإن تصبح النّيران قد مات ضوؤها ... فقد كان يذكيهنّ بالحطب الجزل لطارق ليل أو لملتمس القرى ... ومستنبح أضحى لديه على رسل وبها قتل النضر بن الحارث بن كلدة، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه صبرا بالسيف بالأثيل. وقالت قتيلة بنت الحارث- كذا قيل، والصواب أنها بنت النّضر لا أخته- ترثيه. وأسلمت بعد ذلك. نقله أبو عمر وأبو الفتح في منهج المدح، ولم يستحضر ذلك الحافظ فقال في الإصابة: لم أر التصريح بإسلامها، لكن إن كانت عاشت إلى الفتح فهي من جملة الصحابيات: يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة ... من صبح خامسة وأنت موفّق أبلغ بها ميتا بأنّ تحيّة ... ما إن تزال بها الرّكائب تخفق منّي إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق هل يسمعنّي النّضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميّت لا ينطق أمحمّد يا خير ضنء كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلينفقن ... بأعزّ ما يغلو به ما ينفق فالنّضر أقرب من وصلت قرابة ... وأحقّهم إن كان عتق يعتق ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقّق صبرا يقاد إلى المنيّة متعبا ... رسف المقيّد وهو عان موثق فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى اخضلّت لحيته، وقال: «لو بلغني شعرها قبل أن أقتله ما قتلته» .

قال أبو عمر: هذا لفظ عبد الله بن إدريس، وفي رواية الزبير بن بكار: فرّق لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دمعت عيناه، وقال لأبي بكر: «لو سمعت شعرها لم أقتل أباها» . قال الزبير بن بكّار: سمعت بعض أهل العلم يغمز هذه الأبيات ويقول إنها مصنوعة، وذكر الجاحظ في آخر كتاب البيان أن اسمها ليلى، وأنها جذبت رداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف، وأنشدته الأبيات المذكورة. ولمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرق الظّبية أمر بقتل عقبة بن أبي معيط، فقال: يا محمد من للصّبية. قال: «النار» . فقال: أأقتل من بين قريش صبرا؟! فقال عمر: حنّ قدح ليس منها، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّ في قول ابن إسحاق، وقال ابن هشام: قتله علي بن أبي طالب. فالله أعلم. والذي أسره عبد الله بن سلمة- بكسر اللام- وصدق الله تعالى ورسوله في قوله لعقبة: إن وجدتك خارج مكة ضربت عنقك صبرا. وروى الطبراني عن ابن عباس قال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلاثة صبرا: قتل النضر بن الحارث، وطعيمة بن عديّ، وعقبة بن أبي معيط. ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالرّوحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله تعالى عليه ومن معه من المسلمين، فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش: ما الذي تهنّئوننا به؟ فو الله إن لقينا به إلا عجائز صلعا كالبدن المعقّلة فنحرناها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «أي ابن أخي؟ أولئك الملأ، لو رأيتهم لهبتهم، ولو أمروك لأطعتهم، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته، وبئس القوم كانوا لنبيّهم» . قال ابن هشام: الملأ: الأشراف والرؤساء. قال محمد بن عمر الأسلميّ: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المدينة قبل الأسارى بيوم مؤيّدا منصورا قد خافه كلّ عدوّ له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد الله بن أبيّ بن سلول في الإسلام ظاهرا، وقالت اليهود: تيقّنّا أنه النبيّ الذي نجد نعته في التّوراة. ودخل صلى الله عليه وسلم من ثنية الوداع. قال في الإمتاع: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة رجوعه من بدر يوم الأربعاء الثاني والعشرين من رمضان، وتلقّاه الولائد بالدّفوف وهن يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع وجب الشّكر علينا ... ما دعا لله داع ويرحم الله الإمام العلامة ابن جابر حيث قال: بدا يوم بدر وهو كالبدر حوله ... كواكب في أفق المواكب تنجلي

ذكر وصول الأسارى إلى المدينة

وجبريل في جند الملائك دونه ... فلم تغن أعداد العدوّ المخذّل رمى بالحصى في أوجه القوم رمية ... فشرّدهم مثل النّعام المجفّل وجاد لهم بالمشرفيّ فسلّموا ... فجاد له بالنّفس كلّ مجندل عبيدة سل عنهم وحمزة واستمع ... حديثهم في ذلك اليوم من علي هم غيّبوا بالسّيف عتبة إذ غدا ... فذاق الوليد الموت ليس له ولي وشيبة لمّا شاب خوفا تبادرت ... إليه العوالي بالخضاب المعجّل وجار أبو جهل فحقّق جهله ... غداة تردّى بالرّدى عن تذلّل فأضحى قليبا في القليب وقومه ... يؤمّونه فيها إلى شرّ منهل وجاءهم خير الأنام موبّخا ... ففتّح من أسماعهم كلّ مقفل وأخبر ما أنتم بأسمع منهم ... ولكنّهم لا يهتدون لمقول سلا عنهم يوم السّلا إذ تضاحكوا ... فعاد بكاء عاجلا لعم يؤجّل ألم يعلموا علم اليقين بصدقه ... ولكنّهم لا يرجعون لمعقل فيا خير خلق الله جاهك ملجئي ... وحبّك ذخري في الحساب وموئلي عليك صلاة يشمل الآل عرفها ... وأصحابك الأخيار أهل التّفضّل ذكر وصول الأسارى إلى المدينة قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: قدم بالأسارى حين قدم بهم، وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوّذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يضرب عليهنّ الحجاب، قال: تقول سودة: والله إنّي لعندهم إذ أتينا، فقيل: هؤلاء الأسارى قد أتي بهم، قالت: فرجعت إلى بيتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قالت: فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: أي أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، ألا متّم كراما، فو الله ما نبّهني إلّا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت: يا سودة أعلى الله ورسوله تحرّضين؟ وقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت، فاستغفر لي يا رسول الله، فقال: «يغفر الله لك» [ (1) ] . وقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما فيما ذكره البلاذريّ: لما رأى سهيلا فقال: يا رسول الله، هذا الذي كان يطعم الناس السّريد؟ يعني الثّريد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أبو

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن 9/ 89 والحاكم في المستدرك 3/ 22 وانظر البداية والنهاية 3/ 307.

ذكر وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهليهم ومهلك أبي لهب

يزيد الذي كان يطعم الطّعام، ولكنه سعى في إطفاء نور الله فأمكن الله منه» . ولمّا دخل بالأسارى إلى المدينة فرّقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وقال: استوصوا بالأسارى خيرا، وكان أبو عزيز بن عمير بن هشام أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى، قال أبو عزيز: مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال: شدّ يديك به فإنّ أمّه ذات متاع لعلها تفديه منك، فقلت: يا أخي هذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك، فسألت أمّه عن أعلى ما فدي به أسير، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها، قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غذاءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز وأكلوا التّمر، لوصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، قال: فأستحيي فأردّها على أحدهم فيردّها عليّ ما يمسّها. ذكر وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهليهم ومهلك أبي لهب روى قاسم بن ثابت في دلائله، عن سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن أبيه قال: كانت خوالف قريش تخرج إلى الأبطح وذي طوى، حين خرجت قريش تمنع عيرها، يتحسّسون الأخبار، فسمعوا هاتفا بأعلى مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون، وهو ينشد بأنفذ صوته ولا يرى شخصه: أزار الحنيفيّون بدرا وقيعة ... سينقضّ منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤيّ وأبرزت ... خرائد يضربن التّرائب حسّرا فيا ويح من أمسى عدوّ محمّد ... لقد جار عن قصد الهدى وتحيّرا وقال قائلهم: من الحنيفيّون؟ فقالوا: هو محمد وأصحابه يزعمون أنّهم على دين إبراهيم الحنيف، فحسبوا فوجدوا الليلة التي أوقع فيها المسلمون أهل بدر في صبيحتها. وكان أول من قدم [مكة] . بمصابهم الحيسمان- وهو بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وضم المهملة- ابن إياس الخزاعيّ- وأسلم بعد ذلك- فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأميّة بن خلف، وزمعة بن الأسود، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج، وأبو البختريّ بن هشام، فلما جعل يعدّد أشراف قريش، قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا، لقد طار قلبه، فسلوه عني، فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية؟ قال: ها هو ذاك قاعدا في الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا. وروى ابن إسحاق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاما للعبّاس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت أمّ الفضل، وكان

ذكر نوح أهل مكة على قتلاهم ثم منعهم من ذلك

العباس يهاب قومه ويكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه، وكان أبو لهب قد تخلّف عن بدر، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله تعالى وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّة، وكنت أعمل الأقداح في حجرة زمزم، فو الله إني جالس فيها أنحت أقداحي وعندي أمّ الفضل جالسة، وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه بشرّ حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال أبو لهب: هلمّ إليّ يا بن أخي فعندك لعمري الخبر، فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا بن أخي أخبرني كيف كان أمر النّاس، فقال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئا، ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال: وثاورته فاحتملني وضرب بي الأرض، ثم برك عليّ يضربني، وكنت رجلا ضعيفا، فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة فلعت في رأسه شجّة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيّده، فقام مولّيا ذليلا. فو الله ما عاش إلى سبع ليال حتى رماه الله تعالى بالعدسة فقتلته. قال ابن جرير: والعدسة: قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشدّ العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثا لا تقرب جثّته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السّبّة في تركهم له دفعوه بعصيّ في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه. وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير: إنهم لم يحفروا له، ولكن أسندوه إلى حائط، وقذفوا عليه بالحجارة من خلف الحائط حتى واروه. وروى أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا مرّت بموضعه غطّت وجهها. ذكر نوح أهل مكة على قتلاهم ثم منعهم من ذلك روى ابن إسحاق، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: ناحت قريش على قتلاها بمكة- زاد ابن عقبة وصاحب الإمتاع: شهرا- وجزّ النساء شعورهنّ، وكان يؤتي براحلة الرجل منهم أو بفرسه وتوقف بين أظهر النساء، ويسترنها بالسّتور حولها [وينحن حولها] ويخرجن إلى الأزقة. انتهى. ثم قالوا: لا تفعلوا ذلك فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء، فكان الأسود بن المطلب قد

ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر

أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة بن الأسود، وعقيل بن الأسود، والحارث بن زمعة، وكان يحب أن يبكي على بنيه، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له، وقد ذهب بصره: انظر هل أحد انتحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعليّ أبكي على أبي حكيمة- بضم الحاء المهملة وفتح الكاف- يعني زمعة فإنّ جوفي قد احترق، فلمّا رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلّته. قال عبّاد: فذاك حين يقول الأسود: تبكّي أن يضلّ لها بعير ... ويمنعها من النّوم السّهود فلا تبكي على بكر ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود على بدر شراة بني هصيص ... ومخزوم ورهط أبي الوليد وبكّي إن بكيت على عقيل ... وبكّي حارثا أسد الأسود وبكّيهم ولا تسمي جميعا ... وما لأبي حكيمة من نديد ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم يسودوا قال الزبير بن بكّار: يريد أبا سفيان بن حرب، كان رأس قريش في سيرهم إلى أحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على الأسود هذا بأن يعمي الله تعالى بصره، ويثكل ولده، فاستجاب الله تعالى سبق العمى إلى البصر أولا، ثم أصيب يوم بدر بمن نفاه من ولده، فتمّت إجابة الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فيه. ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر روى البيهقي عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر، عن عبد الرحمن- رجل من أهل صنعاء- قال: أرسل النجاشي ذات يوم إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فدخلوا عليه، وهو في بيت عليه خلقان، جالس على التراب. قال جعفر بن أبي طالب: أشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحالة، فلما أن رأى ما في وجوهنا. قال: إني أبشّركم بما يسرّكم، إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين لي، فأخبرني أن الله تعالى قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه فلان وفلان التقوا بواد يقال له: بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى به لسيدي- رجل من بني ضمرة- إبله، فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاق؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلم إن حقّا على عباد الله تعالى أن يحدثوا لله عز وجل تواضعا، عند ما يحدث لهم نعمة، فلما أحدث الله تعالى نصر نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت له هذا التواضع. ذكر إرسال قريش في فداء الأسارى روى ابن سعد عن الشعبي قال:

كان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة، يعلّمهم فإذا حذقوا فهم فداؤه، وكان زيد بن ثابت ممن علّم. وروى أبو داود، عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة، وادّعى العبّاس أنه لا مال عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، وقلت لها: إن أصبت في سفري هذا لبنيّ: الفضل، وعبد الله، وقثم؟» فقال: والله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا الشي ما علمه إلّا أنا وأمّ الفضل. وروى البيهقي، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السّدّي، قال: كان فداء العبّاس، وعقيل ابن أخيه، ونوفل، كل رجل أربعمائة دينار. قال ابن إسحاق: وكان أكثر الأسارى فداء يوم بدر فداء العبّاس، فدى نفسه بمائة أوقية من ذهب. روى ابن سعد من طريق إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه قال: لما أسر نوفل يوم بدر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «افد نفسك برماحك التي بجدة» ، فقال: والله ما علم أحد أنّ لي بجدّة بعد الله غيري، أشهد أنك رسول الله، ففدى نفسه بها، وكانت ألف رمح [ (1) ] . روى البخاري والبيهقي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، قال: «لا والله لا تذرون منه درهما» ، قال: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء الرجل أربعة آلاف إلى ألفين إلى ألف ومنهم من منّ عليه لأنه لا مال له [ (2) ] . قال ابن إسحاق: وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السّهميّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ له بمكة ابنا كيّسا تاجرا ذا مال، وكأنكم به قد جاءكم في طلب فداء أبيه» ، فلما قالت قريش: لا تعجلوا بفداء أسراكم، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه. قال المطّلب بن أبي وداعة- وأسلم يوم الفتح-: نعم، صدقتم لا تعجلوا، وانسلّ من الليل فقدم المدينة، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم فانطلق به فكان أول أسير فدي، ثم بعثت قريش في فداء أسراها، فقدم جبير بن مطعم- وأسلم بعد ذلك- في فداء الأسرى، وقدم مكرز- بكسر الميم ويجوز الفتح أيضا وبسكون الكاف وفتح الراء- ابن حفص في فداء سهيل بن عمرو، وكان

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 1/ 31. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 373 (4018) .

الذي أسره مالك بن الدخشم أحد [بني نبهان] بن عوف فقال: مالك: أسرت سهيلا فلم أبتغ ب ... هـ غيره من جميع الأمم وخندف تعلم أنّ الفتى ... سهيلا فتاها إذا يظلم ضربت بذي الشّفر حتّى انثنى ... وأكرهت نفسي على ذي العلم وكان سهيل أعلم من شفته السّفلى، فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضاهم قالوا: هات الذي لنا، قال: اجعلوا رجلي مكان رجله وخلّوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائكم، فخلّوا سبيل سهيل، وحبسوا مكرزا، وكان سهيل قد قام في قريش خطيبا عند ما استنفرهم أبو سفيان للعير كما تقدم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني أنزع ثنيّتي سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيّا، وإنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمّه» . وكان عمرو بن أبي سفيان بن حرب أسيرا في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسرى بدر، أسره علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقيل لأبي سفيان: افد عمرا ابنك، قال: أيجمع عليّ دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرا، دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم. فبينا هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج سعد بن النعمان بن أكّال أخو بني عمرو بن عوف، ثم أحد بني معاوية معتمرا ومعه مريّة له، وكان شيخا مسلما في غنم له بالنّقيع، فخرج من هناك معتمرا ولا يخشى الذي صنع به، لم يظن أنه يحبس بمكة، إنما جاء معتمرا، وقد كان عهد أن قريشا لا يعرضون لأحد جاء حاجا أو معتمرا إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة، فحبسه بابنه عمرو، ثم قال أبو سفيان: أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السّيّد الكهلا فإنّ بني عمرو لئام أذلّة ... لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا فأجابه حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: لو كان سعد يوم مكّة مطلقا ... لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا بعضب حسام أو بصفراء نبعة ... تحنّ إذا ما أنبضت تحفز النّبلا ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروا خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان، فيفكّوا به صاحبهم، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلّى سبيل سعد. وكان في الأسارى أبو العاص بن الربيع ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته زينب، أسره

خراش بن الصّمّة، فلما بعثت قريش فداء الأسرى بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص وأخيه عمرو بن الرّبيع بمال، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقّة شديدة، وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها مالها فافعلوا» ، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردّوا عليها الذي لها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أن يخلّي سبيل زينب إليه، وكان فيما شرط عليه في إطلاقه، ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم ما هو، إلا أنه لما خرج بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، مكانه، فقال: «كونا ببطن يأجح حتى تمرّ بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها» ، فخرجا مكانهما، وذلك بعد بدر بشهر أو شيعه، فلما قدم أبو العاص مكّة أمرها باللّحوق بأبيها، فخرجت تجهّز، فكان ما سيأتي في الحوادث. وقال جماعة من الأسارى لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم العبّاس: إنا كنا مسلمين، وإنما خرجنا كرها فعلام يؤخذ منا الفداء؟ فانزل الله تعالى فيما قالوا: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ من الأُسارى وفي قراءة: الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً، إيمانا وإخلاصا يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ومن الفداء بأن يضعّفه لكم في الدّنيا ويثيبكم في الآخرة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ يُرِيدُوا أي الأسارى خِيانَتَكَ بما أظهروا من القول فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ قبل بدر بالكفر فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ببدر قتلا وأسرا فليوقّعوا مثل ذلك إن عادوا وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه حَكِيمٌ [الأنفال 70، 71] في صنعه. وروى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وأبو نعيم في الدّلائل، وإسحاق بن راهويه في سنده، وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وأبو الشيخ عن طرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن إسحاق، وأبو نعيم، عن جابر بن عبد الله بن رئاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر يوم بدر سبعين من قريش، منهم العبّاس وعقيل، فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب. قال سعيد بن جبير: وجعل على العباس مائة أوقية، وقالوا أربعين، وعلى عقيل ثمانين أوقية، فقال العباس: لقد تركتني فقير قريش ما بقيت، فانزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى [الأنفال: 70] الآية. قال العباس حين أنزلت: لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها فأتاني الله خيراً منها أربعين عبدا، كلّ في يده ماله يضرب به، وإني أرجو من الله المغفرة. وروى البخاري وابن سعد عن أنس: «إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمال من البحرين فقال: «انثروه في المسجد» ، فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله

أعطني، إني فأديت نفسي وفأديت عقيلا، فقال: «خذ» . فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقلّه فلم يستطع، فقال: مر بعضهم يرفعه إليّ، قال: «لا» ، قال: فارفعه أنت عليّ، قال: «لا» ، فنثر منه، ثم ذهب يقلّه فلم يستطع، فقال: مر بعضهم يرفعه إليّ. قال: «لا» ، قال: فارفعه أنت عليّ، قال: «لا» ، فنثر منه، ثم احتمله على كاهله، ثم انطلق وهو يقول: إنما آخذ ما وعد الله، فقد أنجز، فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجبا من حرصه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثمّ منها درهم [ (1) ] . ومنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الأسارى يوم بدر من قريش بغير فداء. منهم: أبو عزّة عمرو بن عبد الله الجمحيّ، وكان محتاجا ذا عيال، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد عرفت مالي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن عليّ، فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه ألّا يظاهر عليه أحدا، فقال أبو عزّة في ذلك يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر فضله في قومه: من مبلغ عنّي الرّسول محمّدا ... بأنّك حقّ والمليك حميد وأنت امرؤ تدعو إلى الحقّ والهدى ... عليك من الله العظيم شهيد وأنت امرؤ بوّئت فينا مباءة ... لها درجات سهلة وصعود فإنّك من قاربته لمحارب ... شقيّ ومن سالمته لسعيد ولكن إذا ذكّرت بدرا وأهله ... تأوب ما بي حسرة وقعود وذكر ابن عقبة أنّ المسلمين جهدوا على أبي عزّة هذا أن يسلم عند ما أسر ببدر، فقال: لا حتى أضرب في الخزرجيّة يوما إلى الليل. قال أبو الربيع: وما وقع في شعره ومحاورته رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعلم له مخرجا إن صحّ، إلا أن يكون ذلك من جملة ما قصد به أبو عزة أن يخدع به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاد على عدوّ الله ما قصد، ولم يخدع إلا نفسه وما شعر، وسيأتي بيان ذلك في غزوة حمراء الأسد، بعد أحد. ومنهم: وهب بن عمير بن وهب الجمحيّ، قدم أبوه عمير في فدائه، وحاول الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، لاتفاقه مع صفوان بن أمية على ذلك فأظهر الله تعالى رسوله عليه فأعلمه به، فكان ذلك سبب إسلامه، كما سيأتي ذلك في المعجزات، إن شاء الله تعالى.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (421- 3165) .

ذكر إرسال قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي ليدفع إليهما من عنده من المسلمين

ذكر إرسال قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي ليدفع إليهما من عنده من المسلمين قال أبو عمر، وتبعه أبو الخطاب بن دحية: لمّا أوقع الله تعالى بالمشركين يوم بدر فاستأصل وجوههم، قالوا: إنّ ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد، فنقتلهم بمن قتل هنا ببدر، فأرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وأرسلوا معهما هدايا وتحفا للنجاشي، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية الضّمري- ولم يكن أسلم بعد فيما قيل- إلى النجاشي يوصيه بالمسلمين، ولما وصل عمرو وعبد الله إلى النجاشي ردّهما خائبين. وروى أبو داود عن ابن شهاب قال: بلغني أن مخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية من المدينة إلى النجاشي بكتاب. ذكر عدد المسلمين والمشركين الذين شهدوا بدرا روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كنّا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث: أن عدّة أصحاب بدر على عدّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النّهر- ولم يجاوزه معه إلا مؤمن- بضعة عشر وثلاثمائة [ (1) ] . وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي، والطبراني، عن أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه- إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم وهم بالمدينة: «هل لكم أن نخرج فنلقى هذه العير لعل الله تعالى يغنمناها؟» قلنا: نعم، فخرجنا، فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعادّ، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر، فأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدّتنا فسرّ بذلك، وحمد الله تعالى وقال: «عدّة أصحاب طالوت» [ (2) ] . روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والتّرمذيّ، وأبو عوانة، وابن حبّان، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، ولفظ مسلم: تسعة عشر رجلا، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة ... الحديث. وروى البزّاز بسند حسن، عن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، قال: كانت عدّة أهل بدر عدّة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلاثمائة وسبعة عشر، كذا في النسخة التي وقفت

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (3958) . [ (2) ] أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 48.

عليها من مجمع الزوائد للهيثميّ: سبعة عشر، وأورده في الفتح بلفظ «ثلاثة عشر» فيحرّر. وروى البخاريّ، وإسحاق بن راهويه، عن البراء، رضي الله عنه، قال: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر فكان المهاجرون يوم بدر نيّفا على الستّين، والأنصار نيّفا وأربعين ومائتين. ووقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء أن المهاجرين كانوا نيّفا وثمانين، قال الحافظ: وهذا خطأ في هذه الرواية، لإطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاريّ. ووقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلمانيّ أن الأنصار كانوا مائتين وسبعين، وليس ذلك بثابت. وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزنّي، والطبراني، والبيهقي من وجه آخر عنه، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لأصحابه: «تعادّوا فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا» ثم قال لهم: «تعادّوا» فتعادوا مرتين، فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادّون، فتمّت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر [ (1) ] . وروى أبو داود، والبيهقي، بإسناد حسن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر، وهذه الرواية لا تنافي رواية ثلاثة عشر، لاحتمال أن تكون الأولى لم يعدّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الرجل الذي أتى آخرا. وأما الرواية التي فيها: «تسعة عشر» فتحمل على أنه ضمّ إليه من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ، كالبراء وابن عمر وكذلك أنس، فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل: هل شهدت بدرا؟ فقال: وأين أغيب عن بدر؟! وكأنه كان حينئذ في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه أنه خدمه عشر سنين، وذلك يقتضي أنه ابتدأ خدمته له حين قدم المدينة، فكأنه خرج معه إلى بدر، أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة. وفي الصحيح عن موسى بن عقبة عن الزهري قال: فجميع من شهد بدرا من قريش ممّن ضرب له بسهمه أحد وثمانون. قال الحافظ: والجمع بين هذا وبين قول البراء أنّ حديث البراء ورد فيمن شهدها حسّا. وقول الزّهريّ فيمن شهدها بالعدد حسّا وحكما ممّن ضرب له بسهم وأجره، أو المراد بالعدد الأول الأحرار، وبالثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم. قال الحافظ: وإذا تحرر هذا الجمع فيعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال، وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستّة. روى ابن جرير، عن ابن عباس قال: إن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستّة رجال، وقد بيّن ذلك ابن سعد فقال: إنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة، فكأنه لم يعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيّن وجه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (3955) .

ذكر من استشهد من المسلمين ببدر

الجمع بأنه ثمانية أنفس عدّوا في أهل بدر ولم يشهدوها، وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم، لكونهم تخلّفوا لضرورات لهم، وتقدم بيانهم، وحكى السّهيليّ أنّه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجنّ. وكان المشركون ألفا، وقيل: تسعمائة وخمسين، وقيل: وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس. ذكر من استشهد من المسلمين ببدر استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين يوم بدر: عبيدة بن الحارث وعمير بن أبي وقاص وكانت سنّه ستة عشر أو سبعة عشر عاما، وعمير بن الحمام من بني سلمة، وسعد بن خيثمة من بني عمرو بن عوف من الأوس، وذو الشّمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف بني زهرة، ومبشر بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف، وعاقل بن البكير الليثيّ، ومهجع مولى عمر حليف بني عديّ، وصفوان ابن بيضاء الفهريّ، ويزيد بن الحارث من بني الحارث بن الخزرج، ورافع بن المعلّى، وحارثة بن سراقة وهو ابن عمة أنس بن مالك خرج نظّارا، وهو غلام، فأصابه سهم فقتله، وعوف ومعوّذ ابنا عفراء سنّهما أربع عشرة سنة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار ستة من الخزرج واثنان من الأوس. روى الطبراني بسند رجاله ثقات، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الثمانية عشر الذين قتلوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل الله أرواحهم في الجنة في جوف طير خضر تسرح في الجنّة، فبينما هم كذلك إذ اطّلع عليهم ربّهم اطّلاعة فقال: يا عبادي، ماذا تشتهون؟ فقالوا: يا ربنا هل فوق هذا من شيء؟ قال: فيقول: يا عبادي، ماذا تشتهون؟ فيقولون في الرابعة: تردّ أرواحنا في أجسادنا فنقتل كما قتلنا. ذكر عدة من قتل من المشركين يوم بدر ومن أسر منهم ذكر ابن إسحاق أن جميع من أحصي له من قتلى قريش من المشركين يوم بدر خمسون رجلا. قال ابن هشام: حدّثني أبو عبيدة عن أبي عمرو أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلا والأسرى كذلك، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيّب، وفي كتاب الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها [آل عمران 165] يقوله لأصحاب أحد، وكان ممّن استشهد منهم يوم أحد سبعين قتيلا، وسبعين أسيرا. وأنشدني أبو زيد الأنصاريّ لكعب بن مالك في قصيدة له يعني قتلى بدر: فأقام بالعطن المطعّن منهم ... سبعون، عتبة منهم والأسود

وقال في البداية: المشهور أن الأسارى يوم بدر كانوا سبعين، والقتلى من المشركين كذلك، كما ورد في غير ما حديث. وروى البخاري والبيهقي عن البراء قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير- بالجيم تصغير جبر- وكانوا خمسين رجلا، فأصابوا منّا سبعين رجلا يعني يوم أحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا وسبعين قتيلا. قال الحافظ: هذا هو الحق في عدد القتلى وقد وافق البراء على ذلك ابن عباس وآخرون، وأخرج ذلك مسلم من حديث ابن عباس. وقال الله سبحانه وتعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها فاتّفق أهل العلم بالسّير على أن المخاطبين بذلك أهل أحد وأن المراد بإصابتهم مثليها يوم بدر، وعلى أن عدّة من استشهد من المسلمين بأحد سبعون نفسا، وأطبق أهل السّير على أن من قتل من الكفار ببدر خمسون، يزيدون قليلا أو ينقصون. فسرد ابن إسحاق أسماءهم فبلغوا خمسين، وزاد الواقديّ ثلاثة أو أربعة، وأطلق كثير من أهل المغازي أنهم بضعة وأربعون، لكن لا يلزم من معرفة أسماء من قتل منهم على التعيين أن يكونوا جميع من قتل. انتهى. وروى البيهقي عن الزهري قال: قتل من المشركين يوم بدر زيادة على السبعين، وأسر منهم مثل ذلك، ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، قال البيهقيّ: وهو أصح ما رويناه في عدد من قتل من المشركين ومن أسر منهم، وحديث البراء شاهد له، قلت: وبالغ الواقديّ فحكى الإجماع على ما في حديث البراء. قال أبو عمر: ومن مشاهير القتلى: حنظلة بن أبي سفيان بن حرب، قتله زيد بن حارثة، وعبيدة بن سعيد بن العاص، قتله الزبير بن العوام، وأخوه العاص بن سعيد قتله عليّ وقيل غيره، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قتلهم حمزة، وعبيدة وعليّ كما تقدم، وعقبة بن أبي معيط، قتله عاصم بن ثابت صبرا [بالسيف] وقيل: بل عليّ بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك، والحارث بن عامر بن نوفل، قتله عليّ، وطعيمة بن عديّ، قتله حمزة، وقيل: بل قتل صبرا، والأول أشهر، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، وابنه الحارث بن زمعة، وأخوه عقيل بن الأسود، وأبو البختريّ وهو العاص بن هشام، وتقدم الخلاف في قاتله من هو، ونوفل بن خويلد بن أسد، قتله علي، وقيل الزبير، والنّضر بن الحارث قتل صبرا بالصّفراء، وعمير بن عثمان عمّ طلحة، قتله علي بن أبي طالب، ومسعود بن أبي أمية المخزوميّ أخو أم المؤمنين أم سلمة قتله علي بن أبي طالب، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد، قتله عليّ عليه السلام، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، قتله حمزة بن عبد المطلب، والسائب بن أبي السائب

المخزوميّ، قتله الزبير بن العوام. جزم ابن إسحاق وغيره بأنه قتل ببدر كافرا، وعلى ذلك جرى الزبير بن بكار، وخالفهم ابن هشام وغيره وعدّوه من جملة الصحابة، وقال أبو عمر: إنه من المؤلفة قلوبهم، وممّن حسن إسلامه منهم، فالله أعلم. قال الحافظ: فيحتمل أن يكون السائب بن صيفيّ شريك النبي صلى الله عليه وسلم عند الزبير بن بكار غير السائب بن أبي السائب. وروى الإمام أحمد عن السائب بن صيفيّ قال: جيء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، جاء بي عثمان بن عفان وزهير فجعلوا يثنون عليّ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعلموني به فقد كان صاحبي في الجاهلية» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الصّاحب كنت» ، وذكر الحديث في هذا دليل على أنه عاش إلى زمن الفتح وعاش بعد ذلك إلى زمن معاوية، قال ابن الأثير: وكان من المعمّرين [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وكانت الفتية الذين قتلوا ببدر فنزل فيهم القرآن كما ذكر لنا إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا: فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قالُوا: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً [النساء 97] فتية مسمّين، وهم الحارث بن زمعة، وأبو قيس بن الفاكه، وأبو قيس بن الوليد، وعليّ بن أميّة، والعاص بن منبّه، وذلك أنهم كانوا أسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكّة وفتنوهم فافتتنوا، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعا. وكان ممّن أسر يومئذ من بني هاشم العباس بن عبد المطلب. روى أبو نعيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قلت لأبي: يا أبت، كيف أسرك أبو اليسر ولو شئت لجعلته في كفّك؟ فقال: يا بني لا تقل ذلك، لقيني وهو في عيني أعظم من الخندمة وهي- بفتح الخاء المعجمة وسكون النون فدال مهملة مفتوحة فميم- اسم جبل بمكة، وعقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. ومن بني المطلب بن عبد مناف: السائب بن عبيد [ (2) ] ، والنعمان بن عمرو. ومن بني نوفل: عديّ بن الخيار [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 425 وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 193 وقال: رواه أبو داود باختصار وأحمد ورجاله رجال الصحيح. [ (2) ] (السائب) بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي جد الإمام الشافعي [انظر الإصابة 3/ 60] . [ (3) ] (عدي) بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي والد عبيد الله وإخوته [الإصابة 4/ 230] .

ذكر من أسلم من أسرى بدر بعد ذلك

ومن بني عبد الدار: أبو عزيز بن عمير. ومن بني تيم بن مرة: مالك بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله. ومن بني مخزوم، ومن خلفائهم: أربعة وعشرون. ومن بني عبد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلا، منهم: عمرو بن أبي سفيان بن حرب، والحارث بن أبي وجزة، وأبو العاص بن الربيع ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن سائر قريش: السائب بن أبي السائب [ (1) ] ، وتقدم ما في ذلك. والحارث بن عامر، وخالد بن هشام: أخو أبي جهل بن هشام، وصيفيّ بن أبي رفاعة، وأخوه المنذر بن أبي رفاعة، والمطلب بن حنطب، وخالد بن الأعلم، وهو القائل: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدّم فما صدق في ذلك، بل هو أول من فرّ يوم بدر فأدرك وأسر. وعثمان بن عبد شمس بن جابر المازنيّ حليف لهم، وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد، كذا ذكره في العيون تبعا لأبي عمر مع ذكرهما له فيمن قتل من مشركي أهل بدر وأحد المكانين غلط، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأبو عطاء عبد الله بن السائب بن عائذ المخزوميّ، وأبو وداعة بن ضبيرة السّهميّ، وهو أول أسير فدي منهم. وعبد الله بن أبي بن خلف الجمحيّ، وأخوه عمرو، وأبو عزة الجمحيّ، وسهيل بن عمرو العامري، وعبد الله بن زمعة بن قيس العامريّ، وعبد الله بن حميد بن زهير الأسديّ، هذا ما ذكره أبو عمر من المشاهير من القتلى والأسرى. ذكر من أسلم من أسرى بدر بعد ذلك العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وأبو العاص بن الربيع، وأبو عزيز- بفتح العين المهملة وكسر الزاي وفي آخر زاي أخرى بينهما مثناة تحتية ساكنة- واسمه زرارة بن عمير العبدريّ، والسائب بن أبي حبيش- بحاء مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فشين معجمة- وخالد بن هشام المخزومي، وعبد الله بن أبي السائب، والمطّلب بن حنطب، وأبو وداعة السّهميّ، وعبد الله بن أبي بن خلف الجمحيّ، ووهب بن عمير الجمحيّ، وسهيل بن عمرو العامري، وعبد الله بن زمعة أخو سودة، وقيس بن السائب. ونسطاس- بالنون- مولى أمية بن خلف.

_ [ (1) ] (السائب) بن أبي السائب واسمه صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم والد عبد الله بن السائب. [الإصابة 3/ 60] .

تنبيهات

هذا ما ذكره أبو الفتح وفاته جماعة، منهم: السائب بن عبيد، أسلم يوم بدر بعد أن فدى نفسه كما نقله الأئمة، عن القاضي أبي الطّيّب الطبريّ، وعديّ بن الخيار، وهو من مسلمة الفتح، والوليد بن المغيرة، افتكّه أخواه هشام وخالد، فما افتدي أسلم، وعاتبوه في ذلك فقال: كرهت أن يظنّ بي أنّي جزعت من الأسر. ولما أسلم حبسه أخواله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت، ثم أفلت ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضيّة. تنبيهات الأول: بدر: قرية مشهورة على نحو أربع مراحل من المدينة الشريفة، قيل: نسبت إلى بدر بن مخلّة بن النضر بن كنانة، وقيل: إلى بدر بن الحارث، وقيل: إلى بدر بن كلدة. وقيل: بدر: اسم البئر التي بها سميت بذلك لاستدارتها أو لصفائها فكان البدر يرى فيها، وأنكر ذلك غير واحد من شيوخ بني غفار وقالوا: هي ماؤنا، ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر، وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد. قال الإمام البغويّ: وهذا قول الأكثر. الثاني: كانت الوقعة في شهر رمضان لسبع عشرة خلت منه، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن بدر، والأسارى في شوال. الثالث: ذكر في القصة أنه صلى الله عليه وسلم مر بجبلين فسأل عن اسمهما فقيل له: أحدهما يقال له: مسلح- بضم أوله وسكون ثانيه وكسر اللام بعدها حاء مهملة- والآخر مخرئ- بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء- فعدل صلى الله عليه وسلم عن طريقهما. قال أبو القاسم الخثعميّ رحمه الله تعالى: ليس هذا من باب الطّيرة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ولكنها من باب كراهية الاسم القبيح، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى أمرائه: «إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوه وابعثوه حسن الوجه حسن الاسم» [ (1) ] قلت: رواه البزار من حديث بريدة، ورواه أيضا وكذا العقيلي والطبراني عن أبي هريرة بلفظ: «إذا بعثتم إليّ رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم» ، وأحدهما يقويّ الآخر. انتهى. وقد قال صلى الله عليه وسلم في لقحة: «من يحلب هذه؟» فقام رجل فقال: أنا، فقال: «ما اسمك؟» قال: مرّة، قال: «اقعد، فقام آخر قال: «ما اسمك؟» قال: جمرة، قال: «اقعد» ، ثم قام آخر فقال: «ما اسمك؟» قال: يعيش، قال: «احلب» .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 50 وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط وقال: وفي إسناد الطبراني عمر بن راشد وثقه العجلي، وضعفه جمهور الأئمة، وبقية رجاله ثقات، وطرق البزار ضعيفة وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 12/ 349.

قلت: رواه ابن سعد وابن قانع. انتهى. وفي رواية ابن وهب: فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، كنت نهيتنا عن التّطيّر، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما تطيّرت، ولكن آثرت الاسم الحسن» ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . الرابع: وقع في صحيح مسلم عن أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة رضي الله عنهم فقال: إيّانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا، وذكر الحديث. قال في العيون: وهذا القول إنما يعرف عن سعد بن معاذ، كذلك رواه ابن عقبة وابن إسحاق وابن سعد وابن عائذ وغيرهم، والصحيح أن سعد بن عبادة لم يشهد بدرا، فإن سعدا كان متهيّئا للخروج فنهش قبل أن يخرج فأقام. وذكر الحافظ في الفتح نحوه، ثم قال: ويمكن الجمع بأن النبي صلّى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين: الأولى: وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بيّن في رواية مسلم، والثانية: بعد أن خرج كما في حديث ابن مسعود في الصحيح، وحينئذ قال سعد بن معاذ ما قال. ووقع عند الطبرانيّ أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية وهذا أولى بالصواب، ولهذا مزيد بيان يأتي. الخامس: قال السّهيليّ: معنى يضحك الرّبّ أي يرضيه غاية الرّضا، وحقيقته أنه رضا معه تبشير وإظهار كرامة، وذلك أن الضّحك مضادّ للغضب، وقد يغضب السّيّد ولكنه يعفو ويبقى العتب، فإذا رضي فذلك أكثر من العفو، فإذا ضحك فذلك غاية الرّضا، إذ قد يرضى ولا يظهر ما في نفسه من الرّضا، فيعبّر عن الرّضا وإظهاره بالضّحك في حق الرب تبارك وتعالى مجازا وبلاغة وتضمينا في هذه المعاني في لفظ وجيز، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في طلحة بن البراء: «اللهم الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه» . فمعنى هذه: القه لقاء متحابّين مظهرين لما في أنفسهما من رضا ومحبّة، فإذا قيل: ضحك الربّ إلى فلان فهي كلمة وجيزة، تتضمنّ رضا مع محبة وإظهار بشر وكرامة لا مزيد عليها، فهي من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلّم. وقال في المطالع: هذا وأمثاله من الأحاديث، طريقها الإيمان بها من غير كيف ولا تأويل

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي مختصرا 8/ 50 وعزاه للطبراني بإسناد حسن.

وتسليمها إلى عالمها وقائلها. السادس: قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى ما حاصله: لا يجوز أن يتوهّم أحد أنّ أبابكر رضي الله عنه كان أوثق بربّه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم، لأنه كان أول مشهد شهده، فبالغ في التوجّه والدعاء والابتهال، لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة، فلما قال له أبو بكر ما قال كفّ عن ذلك، وعلم أنه استجيب له، لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة، فلهذا عقّبه بقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ [القمر 45] . وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: كان النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف، وصاحبه في مقام الرّجاء، وكلا المقامين سواء في الفضل. قال تلميذه السّهيليّ: لا يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم والصّديق سواء، ولكن الرجاء والخوف مقامان لا بد للإيمان منهما، فأبو بكر كان في تلك الساعة في مقام الرجاء لله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام الخوف من الله تعالى، لأن الله تعالى يفعل ما يشاء فخاف ألّا يعبد الله تعالى في الأرض بعدها. وقال قاسم بن ثابت في دلائله: إنما قال الصّدّيق للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال معاونة ورقّة عليه، لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرّع حتى سقط الرّداء عن منكبيه، فقال له: بعض هذا يا رسول الله، أي لم تتعب نفسك هذا التعب والله تعالى قد وعدك بالنصر؟! وكان رقيق القلب شديد الإشفاق على النبي صلى الله عليه وسلم، وزلّ من لا علم عنده ممّن ينسب إلى التصوف في هذا الموضع زللا شديدا، فلا يلتفت إليه، ولعل الخطّابيّ أشار إليه. السابع: قال في الروض: سبب شدة اجتهاده ونصبه في الدعاء أنه رأى الملائكة تنصب في القتال وجبريل على ثناياه الغبار، وأنصار الله تعالى يخوضون غمرات الموت. والجهاد على ضربين: جهاد بالسيف، وجهاد بالدعاء، ومن سنّة الإمام أن يكون من وراء الجند لا يقاتل معهم، فكأن الكل في جهاد وجدّ، ولم يكن ليريح نفسه من أحد الجدّين والجهادين وأنصار الله وملائكته يجتهدون ولا يؤثر الدّعة، وحزب الله تعالى مع أعدائه يجتلدون. الثامن: لا تعارض بين قوله تعالى: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا [الأنفال 44] وبين قوله تعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ [آل عمران 13] فإن المعنى في ذلك أصحّ الأقوال أن الفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثل عدد الكافرة على الصّحيح أيضا، وذلك عند التحام الحرب والمسابقة، فأوقع الله تعالى الوهن والرّغب في قلوب الذين كفروا، فاستدرجهم أولا بأن أراهم

إيّاهم عند المواجهة قليلا، ثم أيّد المؤمنين بنصره، فجعلهم في أعين الكافرين على الضّعف منهم، حتى وهنوا وضعفوا، وغلبوا، ولهذا قال: وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ. وروى ابن سعد وإسحاق بن راهويه وابن منيع، والبيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلا منهم. فقلنا: كم أنتم؟ قال: ألف. التاسع: قال شيخ الإسلام أبو الحسن السبكي رحمه الله تعالى: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم ببدر، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناح، فأجبت: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتكون الملائكة مددا، على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها، التي أجزاها الله تعالى في عباده. والله تعالى فاعل الأشياء. وقال في الكشّاف في تفسير سورة يس في قوله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ [يس 28] فإن قلت: فلم أنزل الجنود من السّماء يوم بدر والخندق؟ فقال: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب 9] وقال: بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال 9] بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [أل عمران 124] بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [أل عمران 125] قلت: إنما كان يكفي ملك واحد فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة، ولكن الله تعالى فضّل محمدا صلى الله عليه وسلم بكل شيء على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل فضلا على حبيبه النجار. وأولاه من أسباب الكرامة ما لم يؤته أحدا، فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من السماء، وكأنه أشار بقوله: وَما أَنْزَلْنا ... وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهّل لها إلا مثلك، وما كنا نفعله لغيرك. العاشر: اختلف المفسرون في قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران 124، 125] الآيات، هل كان هذا الوعد يوم بدر أو يوم أحد؟ فقال ابن عباس والحسن، وقتادة، وعامر الشعبيّ، والربيع بن أنس، وغيرهم، وعليه جرى الإمام البخاري في صحيحه واختاره ابن جرير. وقال الحافظ: إنه قول الأكثر. وإن قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ

هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ يتعلق بقوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران 123] لأن السّياق يدل على ذلك، فإنه سبحانه وتعالى قال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ إلى أن قال: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ أي هذا الإمداد إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ [آل عمران 126] قالوا: فلمّا استغاثوا أَمدَّهم بألف، ثم أمدّهم بتمام خمسة آلاف لمّا صبروا واتّقوا، وكان هذا التّدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعا، وأقوى لنفوسهم وأسرّ لها من أن تأتي دفعة، وهو بمنزلة متابعة الوحي ونزوله مرةً بعد مرة، فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصة بدر: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال 9] إلى آخر الآية؟ فالجواب: أن التّنصيص على الألف هنا لا ينافي الثلاثة آلاف فما فوقها، لقوله: مردفين، يعني بردفهم غيرهم، ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، وهذا السّياق شبيه بالسيّاق في سورة آل عمران، فالظاهر أنَّ ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أنّ قتال الملائكة إنما كان يوم بدر، وقالت شرذمة: هذا الوعد بالإمداد بالثلاثة وبالخمسة كان يوم أحد، وكان إمدادا معلّقا على شرط، وهو التّقوى ومصابرة عدوّهم فلم يصبروا، بل فرّوا، فلما فات شرطه فات الإمداد فلم يمدّوا بملك واحد، والقصة في سياق أحد، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضا في آيتها فإنه قال: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران 121، 122] ثم قال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فذكّر هم نعمته عليهم لمّا نصرهم ببدر وهم أذلّة، ثم عاد إلي قصة أحد وأخبر عن قول رسوله أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ثم وعدهم إن صبروا واتّقوا أن يمدّهم بخمسة آلاف، فهذا من قول رسوله، والإمداد الذي ببدر من قوله تعالى هذا: بِخَمْسَةِ آلافٍ وإمداد بدر بألف، وهذا معلّق على شرط وذاك مطلق، والقصة في سورة آل عمران هي قصّة أحد مستوفاة مطوّلة، وبدر ذكرت فيها اعتراضا، والقصّة في سورة الأنفال توضّح هذا. قال الحافظ: ويؤيّد ما ذهب إليه الجمهور ما رواه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم بسند صحيح عن الشّعبيّ أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي مدّ المشركين فشق ذلك على المسلمين، فانزل الله تعالى: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ الآية، فبلغت كرزا الهزيمة فلم يمدّ كرز المشركين ولم يمدّ المسلمون. وقال في موضع آخر: هذا- أي القول الأول- هو المعتمد.

الحادي عشر: في الكلام على قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال 17] . قال في زاد المعاد: اعتقد جماعة أن المراد بالآية سلب فغل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإضافته إلى الرب تبارك وتعالى حقيقة، وجعلوا ذلك أصلا للجبر وإبطال نسبة الأفعال ونسبتها إلى الرب تبارك وتعالى وحده، وهذا غلط منهم في فهم القرآن، فلو صحّ ذلك لوجب طرده فيقال: ما صلّيت إذ صلّيت، ولا صمت إذ صمت، ولا فعلت كلّ ذلك إذ فعلت، ولكن الله فعل ذلك، فإن طردوا ذلك لزمهم في أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم، إذ لا فرق، وإن خصّوه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله جميعها أو رمية واحدة ناقضوا، فهؤلاء لم يوفّقهم الله تعالى لفهم ما أريد بالآية، ومعلوم أن تلك الرّمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ، فكان منه صلى الله عليه وسلم هذا الرّمي، وهو الحذف، ومن الربّ سبحانه وتعالى نهايته وهو الإيصال، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته، ونظير هذه الآية نفسها قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال 17] ثم قال: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى فأخبر أنه سبحانه وتعالى وحده هو الذي تفرّد بإيصال الحصا إلى أعينهم، ولم يكن برسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن وجه الإشارة بالآية أنه سبحانه وتعالى أقام أسبابا تظهر للناس، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنّصرة مضافا إليه وبه، وهو خير الناصرين. الثاني عشر: قال السّدّيّ الكبير، وعروة، وقتادة، ومجاهد، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس، وابن زيد، وغيرهم، أن هذه الآية نزلت في بدر وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين. الثالث عشر: في حديث أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بمصارع القوم قبل الوقعة بيوم أو أكثر. وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك يوم الوقعة. قال في البداية: ولا مانع من الجمع بين ذلك بأن يخبر به قبل بيوم أو أكثر، وفي حديث آخر أن يخبر به قبل ذلك بساعة يوم الوقعة. الرابع عشر: اتّفق عمر وأبو طلحة، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له المسلمون: يا رسول الله كيف تخاطب أمواتا؟ فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» ، والثلاثة الأول شاهدوا القصة، وسمعوا هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله يحتمل أن يكون سمعه من أبيه أو من النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظ ابن مسعود قال: «يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون» ، رواه الطبراني بإسناد صحيح، وأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها لمّا بلغها ذلك عن ابن عمر، وقالت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حقا، واستدلّت على ذلك بقوله تعالى: وَما أَنْتَ

بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر 22] وهذا مصير منها إلى ردّ رواية ابن عمر المذكورة، وقد خالفها الجمهور في ذلك وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه. وأما استدلالها عليه بالآية فقالوا: معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم ولا تسمعهم إلا أن يشاء الله، وقال الإسماعيليّ: كان عند عائشة رضي الله عنها من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، ولكن لا سبيل إلى رد كلام الثقة إلا بنصّ يدلّ على نسخه، أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن؟ لأن قوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: «أنهم الآن يسمعون» لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم. وأما جوابه بأنه إنما قال: «إنهم ليعلمون» ، فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون، بل يؤيّدها. وقال البيهقيّ: العلم لا يمنع من السماع، والجواب عن الآية لا يسمعهم وهم موتى، ولكن الله تعالى أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة. وقال السّهيليّ ما محصّله: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له: أتخاطب أقواما قد جيّفوا فأجابهم، وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين، وذلك بآذان رؤوسهم على قول الأكثر، أو بآذان قلوبهم، واحتجاج عائشة رضي الله عنها بقوله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ وهذه الآية لقوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ [الزخرف 40] أي أن الله تعالى هو الذي يهدي ويوفّق ويوصّل الموعظة إلى آذان القلوب لا أنت، وجعل الكفار أمواتا وصمّا على جهة التشبيه بالأموات وبالصّمّ، والله تعالى هو الذي يسمعهم على الحقيقة إذا شاء لا نبيه ولا أحد، فإذا لا تعلّق بالآية من وجهين: أحدهما: أنها نزلت في دعاء الكفار إلى الإيمان، الثاني: أنه إنما نفى عن نبيّه إن يكون هو المسمع لهم، وصدق الله تعالى فإنه لا يسمعهم إذا شاء إلا هو، ويفعل ما يشاء، وهو على كل شيء قدير. الخامس عشر: من الغرائب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة، وفيه: «ما أنت بأسمع لما أقول منهم» ، ورواه الإمام أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظا فكأن عائشة رضي الله عنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة، لكونها لم تشهد القصة. السادس عشر: قال في الروض: فإن قيل: ما معنى إلقائهم في القليب وما فيه من الفقه؟ قلنا: كان من سنته صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مرّ بجيفة إنسان أمر بدفنه لا يسأل عنه، مؤمنا كان أو كافرا، هكذا رواه الدارقطنيّ في سننه. وإلقاؤهم في القليب من هذا الباب غير أنه كره أن

يشقّ على أصحابه بكثرة جيف الكفار أن يأمر بدفنهم فكان جرّهم إلى القليب أيسر عليهم، ووافق أن القليب حفره رجل من بني النار اسمه بدر، فكان فألا مقدما لهم كما أفاد ذلك الواقديّ. السابع عشر: قال العلامة ابن مرزوق في شرح البردة: ومن الآيات ببدر الباقية ما كنت أسمعه من غير واحد من الحجّاج أنهم إذا اجتازوا بذلك الموضع يسمعون كهيئة طبل ملوك الوقت، ويرون أن ذلك لنصر أهل الإيمان، قال: وربما أنكرت ذلك، وربما تأوّلته بأن الموضع لعلّه صلب فيستجيب فيه حوافر الدواب، وكان يقال لي إنه وعس رمل غير صلب، وغالب ما يسير هناك الإبل، وأخفافها لا تصوّت في الأرض الصّلبة فكيف بالرّمال. قال: ثم لما من الله تعالى بالوصول إلى ذلك الموضع المشرف نزلت عن الرّاحلة أمشي، وبيدي عود طويل من شجر السّعدان المسمى بأمّ غيلان، وقد نسيت ذلك الخبر الذي كنت أسمعه، فما راعني وأنا أسير في الهاجرة إلا واحد من عبيد الأعراب الجمّالين يقول: أتسمعون الطّبل؟ فأخذني لمّا سمعت كلامه قشعريرة بيّنة، وتذكّرت ما كنت أخبرت به، وكان في الجوّ بعض ريح فسمعت صوت الطبل، وأنا دهش مما أصابني من الفرح أو الهيبة، أو ما الله أعلم به، فشككت وقلت: لعل الريح سكنت في هذا الذي في يدي، وحدث مثل هذا الصوت، وأنا حريص على طلب التحقق بهذه الآية العظيمة، فألقيت العود من يدي، وجلست إلى الأرض أو وثبت قائما، أو فعلت جميع ذلك، فسمعت صوت الطبل سماعا محقّقا أو صوتا لا أشكّ أنه صوت طبل، وذلك من ناحية ونحن سائرون إلى مكة المشرّفة، ثم نزلنا ببدر فظللت أسمع ذلك الصوت يومي أجمع المرّة بعد المرة، قال: ولقد أخبرت أنّ ذلك الصوت لا يسمعه جميع الناس. انتهى. وقال الإمام المرجاني رحمه الله: وضربت طبلخانة النصر ببدر، فهي تضرب إلى يوم القيامة، ونقله السيد في تاريخه الكبير والصغير وأقرّه. الثامن عشر: وقع في صحيح البخاري في كتاب فرض الخمس في حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أبي جهل، وكان اللذان قتلاه: معاذ ابن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، ووقع في المغازي، هما ابنا عفراء: معاذ ومعوّذ، قال الحافظ: عفراء: والدة معاذ واسم أبيه الحارث. وأما معاذ بن عمرو بن الجموح ليس اسم أمه عفراء، وإنما أطلق عليه تغليبا، ويحتمل أن تكون أم معوّذ أيضا تسمى عفراء، وأنه كان لمعوّذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل، ظنه الرّاوي أخاه. التاسع عشر: اختلف في قاتل أبي جهل، ففي صحيح البخاري في كتاب الخمس،

عن عبد الرحمن بن عوف أن معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ ابن عفراء قتلا أبا جهل، وفيه أيضاً عن أنس إن ابن مسعود انطلق لينظر أبا جهل فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد- بفتح الموحدة والراء المهملة- أي مات، أو صار في حال من مات، ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح، وابنا عفراء هما معاذ ومعوّذ، بتشديد الواو. وعند ابن إسحاق عن ابن عباس عن عمرو بن الجموح أنه ضرب أبا جهل ضربة أطنّت قدمه، ثم مرّ به معوّذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق، ثم مرّ بأبي جهل عبد الله بن مسعود وبه رمق فذكر ما سبق في القصة، واحتزّ رأسه. قال في الفتح بعد ذكر حديث ابن عوف: عفراء: والدة معوّذ واسم أبيه الحارث وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء، وإنما أطلق عليه تغليبا، ويحتمل أن تكون أمّ معاذ أيضا تسمى عفراء، أو أنه كان لمعوّذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنّه الراوي أخاه، وما رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث، لكنه يخالف حديث ابن عوف أنه رأى معاذ ابن عفراء ومعاذ بن عمرو شدّا عليه جميعا حتى طرحاه، وابن إسحاق يقول: إنّ ابن عفراء هو معوّذ، والذي في الصحيح معاذ وهما أخوان، فيحتمل أن يكون معاذ ابن عفراء شدّ عليه فتجتمع الأقوال كلّها، وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود أنه وجده وبه رمق، وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إيّاه بسيفيهما منزلة المقتول، حتى لم يبق إلا مثل حركة المذبوح، وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه. وأما ما ذكره ابن عتبة وأبو الأسود عن عروة: إن ابن مسعود أنه وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير، متقنّعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه، إلى آخر ما ذكر في القصة، فيحمل على أن ذلك وقع بعد أن خاطبه كما تقدم. العشرون: أول رأس حمل في الإسلام رأس عدوّ الله أبي جهل، وحمل إليه رأس سفيان بن خالد الهذليّ، حمله عبد الله بن أنس كما سيأتي، وحمل إليه أيضا رأس كعب بن الأشرف كما سيأتي، ورأس أبي عزّة، ومرحب اليهوديّ كما رواه الإمام أحمد، ورأس العنسي الكذّاب كما ذكره بعضهم، وعصماء بنت مروان، ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة، وأول مسلم حمل رأسه عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه. وأما ما رواه أبو داود في مراسيله عن الزهري قال: لم يحمل. الحادي والعشرون: قوله صلى الله عليه وسلم لما سمع شعر قتيلة بنت النضر: لو بلغني شعرها قبل أن أقتله ما قتلته. قال أبو عمر: ليس معنى هذا الندم، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقول ولا يفعل إلا حقّا، ولكن معناه لو شفعت عندي بهذا القول لقبلت شفاعتها.

الثاني والعشرون: قول أبي الفتح: المشهور إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل قتيلا فله سلبه» [ (1) ] ، إنما كان يوم حنين ... إلخ فيه نظر من وجوه: الأول: في صحيح مسلم حديث عوف بن مالك، وفيه: فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسّلب للقاتل ... الحديث، وفيه أن ذلك كان في غزوة مؤتة، وهي قبل حنين. الثالث والعشرون: وقع في تفسير البغويّ أن سعد بن أبي وقّاص قتل يوم بدر سعيد بن العاص بن أميّة، والصواب العاص بن سعيد بن العاص، وليس في قتلى بدر من المشركين من يقال له سعيد بن العاص، وسعيد بن العاص صحابيّ أدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وولد عام الهجرة، وقتل عليّ أباه يوم بدر، وكان سعيد من أشراف بني أمية وفصائحهم وأجوادهم، وأحد من كتب المصاحف لعثمان، وولّاه على الكوفة، وغزا جرجان [ (2) ] ، وطبرستان [ (3) ] ، وافتتحهما ولزم بيته في الفتنة. الرابع والعشرون: في فضل من شهد بدرا من المسلمين. روى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه، وكان من أهل بدر، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها» ، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. وروى الإمام أحمد بسند على شرط مسلم، عن جابر رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن جبريل أو ملكا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدّون من شهد بدرا فيكم؟ قال: خيارنا. قال: كذلك هم عندنا من الملائكة. قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في جامع المسانيد: هكذا وقع في مسند أحمد، والظاهر أنه غلط من بعض الرواة، وإنما هو حديث رافع بن رفاعة الزرقي وليس برافع بن خديج، ويحتمل أن يكون ابن خديج سمعه أيضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 34 (4321) ومسلم 3/ 1370 (41- 1751) . [ (2) ] (جرجان) بالضم، وآخره نون: مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان وهي قطعتان: إحداهما المدينة والأخرى بكرآباد، وبينهما نهر كبير يحتمل جري السفن فيه، وبها الزيتون والنخل والجوز والرمّان وقصب السكر والأترج مراصد الاطلاع 1/ 323. [ (3) ] (طبرستان) بفتح أوله، وثانية، وكسر الراء: بلاد واسعة ومدن كثيرة، يشملها هذا الاسم يغلب عليها الجبال، وهي تسمى بمازندران، وهي مجاورة لجيلان وديلمان، وهي من الرّيّ وقومس. [مراصد الاطلاع 2/ 878] . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 396 وذكره المتقي الهندي في الكنز (33894) وابن كثير في البداية والنهاية 3/ 329. [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 385.

وروى أبو داود وابن ماجة والطبراني بسند جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطلع الله تعالى علي أهل بدر فقال: «اعملوا ما شتم فقد غفرت لكم» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن حفصة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأرجو ألاّ يدخل النار- إن شاء الله- أحد شهد بدرا والحديبية» قالت: قلت: أليس الله تعالى يقول: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها؟ [مريم 71] قالت: فسمعته يقول: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [ (2) ] [مريم 72] وروى مسلم والترمذي، عن جابر رضي الله عنه أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا إليه، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال: «كذبت، لا يدخلها، فإنه قد شهد بدرا والحديبية» [ (3) ] وفي الصحيح عن علي رضي الله عنه في قصة كتاب حاطب: وأن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، دعني أضرب عنقه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أليس من أهل بدر؟ ولعل الله أطلعه على أهل بدر» فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» أو قال: «فقد وجبت لكم الجنّة» ، وسيأتي الحديث في غزوة الفتح [ (4) ] . روى الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم بدر: «والذي نفسي بيده لو أن مولودا ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدّين يعمل بطاعة الله تعالى كلها، ويجتنب معاصي الله تعالى كلها، إلى أن يردّ إلى أرذل العمر أو يردّ إلى ألّا يعلم بعد علم شيئا، لم يبلغ أحدكم هذه الليلة» رجاله ثقات إلا جعفر بن مقلاص فإنه غير معروف [ (5) ] . وروى البخاري [ (6) ] عن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة بن زيد ببدر، فجاءت أمّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة منّي، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب. وإن تكن الأخرى فترى ما أصنع؟ فقال: «ويحك، أو هبلت أو جنّة واحدة هي؟! إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس» ، وجاء في رواية البخاري عن أنس أن حارثة كان في النّظّارة، وفيه: أنّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى. وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا لم يكن في بحبحة القتال ولا في حومة الوغى، بل كان من النّظّارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف جنة الفردوس التي هي

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (4655) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1431 (4281) وأحمد في المسند 6/ 285 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 107 وابن كثير في البداية والنهاية 3/ 329. [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1942 (162- 2195) والترمذي (3864) . [ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 99 (دار الفكر) والبيهقي في الدلائل 3/ 152. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 339. [ (6) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (3982) .

ذكر أسماء من شهدوا بدرا

أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنها تفجّر أنهار الجنة التي أمر الشارع صلى الله عليه وسلم أمته- إذا سألوا الله تعالى الجنة- أن يسألوه إيّاها، فإذا كان هذا حال هذا فما ظنّك بمن كان في نحر العدوّ، وهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا!! الخامس والعشرون: استشكل قوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ [فصلت 40] فإن ظاهره أنه للإباحة، وهو خلاف عقد الشرع، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أن كلّ عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيّده إنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي، ولهذا لقال: فسأغفره لكم، وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب، لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب بذلك عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين، فدل على أن المراد ما سيأتي. وأورده بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه، وقيل: إن صيغة الأمر في قوله: اعْمَلُوا للتشريف والتكريم، فالمراد عدم المؤاخذة بما يصدر عنهم، وأنهم خصّوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السالفة، وتأهّلوا لأن يغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت، أي كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور، وقيل: إن المراد أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة، وقيل: هي شهادة بعدم وقوع الذنوب منهم، وفيه نظر ظاهر، لما في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر متأوّلا وحده، فهاجر بسبب ذلك، فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته، وكان قدامة بدريّا والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني، وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السّلميّ التابعيّ الكبير، واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة، لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها. السادس والعشرون: قول الأنصار: «ائذن لنا فلنترك لابن أختنا» - بالفوقية- المراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب، فإن أمّ العباس هي نتيلة- بالنون والتاء المثناة الفوقية مصغّرة- بنت جناب- بالجيم والنون- وليست من الأنصار، وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم، لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيحة- بمهملتين مصغّرا- وهي من بني النجار، وإنما قالوا: ابن أختنا لتكون المنّة عليهم في إطلاقه، بخلاف ما لو قالوا: عمّك لكانت المنّة عليه صلى الله عليه وسلم، وهذا من قوة الذكاء وحسن الأدب في الخطاب، وإنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من إجابتهم لئلّا يكون في الدين نوع محاباة. [ذكر أسماء من شهدوا بدرا] السابع والعشرون: في معرفة من شهد بدرا من المسلمين، جملة من ذكر من المهاجرين أربعة وتسعون، وروى البخاري عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: جميع من

حرف الألف

شهد بدرا من قريش ممن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره واحد وثمانون [ (1) ] ، وكان عروة بن الزبير يقول: قسّمت سهامهم فكانوا مائة. قال الدّاوديّ: كانوا على التحرير أربعة وثمانين، وكان معهم ثلاثة أفراس، فأسهم لها بسهمين، وضرب لرجال كان أرسلهم في بعض أمره بسهامهم، فيصحّ أنها كانت مائة بهذا الاعتبار. قال الحافظ: هذا لا بأس به وظهر لي أن إطلاق المائة إنما هو باعتبار الخمس، وذلك أنه عزل خمس الغنيمة، ثم قسم ما عداه على الغانمين على ثمانين سهما، عدد من شهدها ومن لحق بهم، فلما أضيف إليه الخمس كان ذلك من حساب مائة سهم. انتهى. وجملة من ذكر من الخزرج مائة وخمسة وتسعون، ومن الأوس أربعة وتسعون، وإنما كان عدد الأوس أقلّ من عدد الخزرج، وقد كانوا أشدّ منهم وأصبر عند اللقاء، لأن منازلهم في علو المدينة وجاء النفير بغتة. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يتبعنا ألا من كان ظهره حاضرا» ، فاستأذنه رجال ظهورهم في علو المدينة إلى أن يستأني بهم حتى يذهبوا إلى ظهورهم، فأبى، ولم يكن عزمهم اللقاء ولا أعدّوا له عدة، ولكن جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد، فجملة من ذكر ثلاثمائة وثلاثة وسبعون، وهذا العدد أكثر من عدد أهل بدر، وإنما جاء ذلك من جهة الخلاف في بعض من ذكر، وقد تقدم نظير ذلك في أهل العقبة، ورتبت أسماؤهم على حروف المعجم، لأنه أسهل في الكشف. ونبدأ بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. حرف الألف أبيّ- بضم أوله مصغّرا- ابن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد الأنصاري الخزرجيّ النّجّاريّ، أبو المنذر وأبو الطّفيل، سيّد القرّاء. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ليهنك العلم أبا المنذر» ، وقال: إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك، وكان عمر يسميه سيّد المسلمين. وعدّه مسروق في السّتة من أصحاب الفتيان وقال محمد بن عمر الأسلميّ: هو أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأول من كتب في آخر الكتاب: من فلان بن فلان، روي عنه من الصحابة عمر بن الخطاب، وكان يسأله عن النّوازل ويتحاكم إليه في المعضلات. وأبو أيوب، وعبادة بن الصامت، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وغيرهم. أبيّ بن ثابت الأنصاري أخو حسّان. قال ابن السّكن والواقدي وابن حبان وغيرهم: هو أبو شيخ، وحالفهم ابن إسحاق فقال: إن أبي بن ثابت مات في الجاهلية وإن الذي شهد بدرا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4026) .

وأحدا أبو شيخ بن أبيّ بن ثابت، وكذا قال ابن عقبة فيمن شهد بدرا: أبو الشيخ بن أبيّ بن ثابت. فالله أعلم. أبيّ بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاريّ والنّجّاريّ. قال الواقديّ: شهد بدرا. الأخنس بن حبيب، وقيل: ابن حباب السّلمي، والد يزيد وجدّ معن، شهد الثلاثة بدرا. أربد بن جبير- بالجيم- وقيل: ابن حمزة- بالمهملة والزاي- وقيل: ابن حمير- تصغير حمار- وبهذا جزم الأمير. أرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد الله القرشي المخزوميّ. أسعد بن يزيد بن الفاكه بن يزيد الأنصاري الخزرجيّ، كذا قال غير ابن إسحاق وقال: هو سعد بن زيد. أسود بن زيد بن ثعلبة بن عبيد الأنصاريّ الخزرجيّ، كذا قال ابن عقبة. وقال الأمويّ: سواد بن رزام بن ثعلبة. وقال سلمة بن الفضل، وابن إسحاق: سواد بن زريق. وقال ابن عائذ: سواد بن زيد. أسيد- بضم أوله- ابن ثعلبة الأنصاريّ، ذكره أبو عمر. أسيد بن الحضير- بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة- ابن سماك- بكسر السين المهملة وتخفيف الميم- الأنصاريّ الأوسيّ، ذكره ابن الكلبيّ فيهم، وفيه نظر. أسير- بالراء- ابن عمرو بن قيس أبو سليط الأنصاريّ وقيل اسمه سبرة. أميّة بن لوذان بن سالم الخزرجيّ، وقيل: اسمه ثابت بن هزّال. أنس بن قتادة الأنصاريّ الأوسيّ، وقيل اسمه أنيس. أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حينئذ في سن من يقاتل. أنس بن أبي أنس، ويقال: ابن عمر وأبو سليط السابق. أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاريّ النّجاريّ، يقال اسمه أنيس بالتصغير. أنسة- بفتح الهمزة والنون والسين وتاء تأنيث- مولى النبي صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا مسروح، وقيل: مسروح. أنيس- بالتصغير- ابن قتادة بن ربيعة الأنصاريّ الأوسيّ. أنيف- تصغير أنف- ابن جشم بن عوذ الله القضاعيّ حليف الأنصار. أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام أخو حسّان. أوس بن خولي- بخاء معجمة مفتوحة فواو ساكنة فلام مكسورة فياء نسب- ابن

حرف الباء

عبد الله بن الحارث الخزرجيّ أبو ليلى، ويقال: أوس بن عبد الله بن الحارث بن خوليّ. أوس بن الصامت بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. إياس بن أوس بن عتيك- بالمثناة الفوقية والكاف- الأنصاريّ الأوسيّ. إياس بن البكير- بضم الموحدة وفتح الكاف مصغّرا- وروى ابن أبي البكير بن عبد ياليل- بمثناتين تحتيتين وكسر اللام الأولى- اللّيثيّ حليف بني عديّ. حرف الباء البراء بن معرور- بمهملات- الأنصاريّ الخزرجيّ. بجير- بجيم فتحتية فراء مصغّرا- ابن أبي بجير العبسيّ- بموحدة- الجهنيّ، ويقال: البلويّ، حليف الخزرج. بحّاث- بفتح الباء وتشديد الحاء المهملة وآخره مثلثة- ابن ثعلبة البلويّ حليف الخزرج، وسمّاه ابن إسحاق نجّاب- بنون أوله وموحدة آخره. بسبسة- بموحدتين مفتوحتين بينهما سين مهملة ساكنة ثم أخرى آخره مفتوحة- قال ابن الأثير: كذا جاء في مسلم، قال: وقال الدارقطنيّ وأبو عمر وابن ماكولا: بسبس- بغير هاء- بفتح الباء في الموحدتين وسكون السين الأولى. وقال النّوويّ: هو في جميع النسخ بسيسة- بباء موحدة مضمومة، فسين مهملة مفتوحة، فمثناة تحتية ساكنة، فسين أخرى كذلك- ورواه أبو داود، والمعروف في كتب السّير بموحدتين بينهما سين ساكنة- ابن عمرو الجنيّ الذّبيانيّ، وذبيان: بطن من جهينة. بشر بن البراء بن معرور الأنصاريّ الخزرجيّ. بشير- بوزن عظيم- ابن سعد بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. بشير بن عبد المنذر، أبو لبابة ويقال: اسمه رفاعة، ردّه النبي صلى الله عليه وسلم من الرّوحاء، واستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره. بلال بن رباح المؤذّن، هو بلال ابن حمامة وهي أمه. حرف التاء تميم بن عبد عمرو بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو حزن المازنيّ، ذكره أبو عمر وتعقَّبه. تميم بن يعار- بمثناة تحتية مضمومة فعين مهملة وآخره راء- ابن قيس بن عديّ

حرف الثاء المثلثة

الأنصاري الخزرجي. تميم مولى بني غنم بن السّلم- بكسر السين- ابن مالك بن أوس الأنصاريّ. قال ابن هشام: كان مولى سعد بن خيثمة. وكان سعد من بني غنم. حرف الثاء المثلثة ثابت بن أقرم- فتح الهمزة فقاف ساكنة فراء- ابن ثعلبة البلويّ حليف الأوس. ثابت بن ثعلبة الجذع بن زيد بن الحارث الأنصاري الخزرجي. ثابت بن الحارث الأنصاري. ثابت بن حسان بن عمرو الأنصاري النجاري، ويقال في اسمه خنساء. ثابت بن خالد بن النعمان الأنصاريّ الخزرجيّ. ثابت بن خنساء تقدم. ثابت بن ربيعة الأنصاريّ. ثابت بن عامر بن زيد الأنصاريّ، ذكره بن أبي حاتم عن أبيه، وتبعه أبو عمر فقيل: إنه وهم، والصواب: ثابت بن عمرو بن زيد الأنصاريّ الخزرجيّ. ثابت بن عبيد الأنصاريّ. ثابت بن هزّال- بفتح الهاء والزاي المشددة- ابن عمرو الأنصاريّ الخزرجيّ. ثابت مولى الأخنس بن شريق، ذكر عبدان إنه شهد بدرا. ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ذكروه في البدريّين. وقال ابن الكلبي: قتل بأحد، وأورد جماعة في ترجمته قصة تمنّيه مالا ومنعه الزكاة، وأورد ذلك الحافظ في الإصابة في ترجمة ثعلبة بن حاطب، أو ابن أبي حاطب الأنصاريّ، ذكره ابن إسحاق فيمن بنى مسجد الضّرار. قال الحافظ: وفي كون صاحب القصة إن صح الخبر- ولا أظنه يصح- أنه هو البدريّ المذكور قبل نظر، وقد تأكّدت المغايرة بينهما بقول ابن الكلبيّ: إن البدريّ استشهد بأحد، ويقوّي ذلك أيضا ابن مردويه روى في تفسيره من طريق عطية عن ابن عباس في الآية المذكورة أي وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ أتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [التوبة 75] فقال: وذلك رجل يقال له: ثعلبة بن حاطب من الأنصار، أتى مجلسا فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله لأصدقنّ ... فذكر القصة مطوّلة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية» ، وحكى عن

حرف الجيم

ربه تبارك وتعالى أنه قال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه وينزل فيه ما نزل؟! والظاهر أنه غيره. ثعلبة بن الجذع بن زيد بن الحارث الأنصاري الخزرجي. ثعلبة بن عنمة- بفتح العين المهملة والنون- ابن عديّ الأنصاريّ الخزرجيّ. ثعلبة بن قيظيّ- بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة- ابن صخر بن سلمة الأنصاريّ. ثقف- بثاء مثلثة مفتوحة فقاف مكسورة ففاء- ابن عمرو. وقال الواقديّ: ثقاف. ثمامة بن عديّ القرشيّ، ذكر الطبري أنه شهد بدرا. حرف الجيم جابر بن خالد الأنصاري الخزرجيّ. جابر بن عبد الله بن رئاب- بكسر الراء وبالمثناة التحتية وبالهمزة وبالموحدة- ابن النعمان الأنصاريّ. جابر بن عبد الله بن حرام بن كعب. روى البخاري في تاريخه بإسناد صحيح عن أبي سفيان رضي الله عنه قال: «كنت أمنح أصحابي الماء يوم بدر» ، وأنكر الواقديّ رواية أبي سفيان عن جابر المذكورة، وروى مسلم عن أبي الزبير- رضي الله عنه- قال: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي، فلما قتل [عبد الله يوم أحد] لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قطّ، وبهذا جزم جماعة. جابر- وقيل: جبر- ابن عتيك بن قيس بن الحارث بن هيشة- بهاء مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فشين معجمة- ابن الحارث الأنصاريّ الأوسيّ. جابر بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف، ذكر ابن القدّاح إنه شهد بدرا. جارية بن حميل- بمهملة مصغّرا- وقيل حميلة بن نشبة- بنون مضمومة فشين معجمة ساكنة فموحدة- الأشجعيّ، ذكر ابن الكلبي إنه شهد بدرا. جبّار- بالتشديد- ابن صخر بن أميّة الأنصاريّ الخزرجيّ. جبر- بفتح الجيم وإسكان الموحدة ثم راء- ابن أنس بن سعد الغفاريّ. نقل الطبرانيّ إنه شهد بدرا، ولم يذكره أصحاب المغازي في البدريّين إنما ذكروا جبير بن إياس. جبلة بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ البياضيّ، ذكره ابن حبان وعبيد الله بن أبي رافع في البدريّين، قال ابن الأثير: صوابه رخيلة.

حرف الحاء

جبير- بضم الجيم وفتح الموحدة- ابن إياس بن خلدة بن مخلّد- بتشديد اللام- ابن عامر الأنصاريّ الخزرجيّ. ويقال اسمه: جبر، وتقدم. جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب لم يشهد بدرا، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها. حرف الحاء الحارث بن أنس، وقيل: أنيس، وقيل: أوس بن رافع الأنصاريّ الأوسيّ، أخو أبي الجسر. الحارث بن أنس بن مالك بن عبيد الأنصاريّ الأوسيّ من بني النّبيت- بفتح النون وكسر الموحدة بعدها مثناة تحتية ساكنة ثم مثناة فوقية- والصواب أنه غير الذي قبله. الحارث بن أوس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاريّ الأوسيّ الأشهليّ. الحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان الأنصاريّ الأوسيّ ابن أخي سعد بن معاذ. الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد الأنصاريّ الأوسيّ العمريّ- بفتح العين وسكون الميم- أخو ثعلبة، ردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرّوحاء، وضرب له بسهمه وأجره. الحارث بن خزمة- بفتح الخاء المعجمة والزاي- ابن عدي بن أبي- بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية- الأنصاريّ الخزرجيّ حليف بني عبد الأشهل بن الأوس. الحارث بن خزمة. قال في النّبراس- بفتح الخاء وبالزاي الساكنة- ابن أميّة بن البرك- بضم الموحدة وفتح الراء- الأنصاريّ الأوسيّ. الحارث بن زياد الأنصاريّ الساعديّ. الحارث بن سراقة بن الحارث الأنصاري الخزرجيّ. ذكره أبو الأسود عن عروة فيمن استشهد ببدر، وقيل الصواب: حارثة بن سراقة الآتي، ويحتمل أن يكون له أخ اسمه الحارث. الحارث بن سليم بن ثعلبة بن كعب بن حارثة الأنصاري، ذكره العدويّ ... الحارث بن سواد الأنصاري، ذكره أبو الأسود عن عروة. الحارث بن الصّمّة- بكسر المهملة وتشديد الميم- ابن عمرو الخزرجيّ، كسر بالرّوحاء، فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب له بسهمه وأجره. الحارث بن ظالم أبو الأعور الأنصاريّ.

الحارث بن عرفجة بن الحارث الأنصاري الأوسيّ. الحارث بن قيس بن خلدة أبو خالد الأنصاريّ الخزرجيّ الزّرقيّ. الحارث بن قيس بن هيشة، انفرد بذكره ابن عمارة. الحارث بن معاذ بن النعمان الأنصاريّ الأشهليّ، أخو سعد. الحارث بن النعمان بن إساف- بكسر الهمزة- الأنصاريّ النجاري، ذكره العدويّ فيهم. قال الحافظ: والصحيح أن الذي شهد بدرا الحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس الأنصاري الأوسيّ، ذكروه إلا ابن إسحاق. حارثة بن زيد بن أبي زهير بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجيّ. ذكره المسيّبيّ، عن محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، وخالفه إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح فقال: خارجة، بالمعجمة والجيم. حارثة بن سراقة بن الحارث بن عديّ الأنصاري النّجّاريّ. استشهد يوم بدر. حارثة بن النعمان بن نقع- بنون مفتوحة فقاف ساكنة فعين مهملة، كذا بخط ابن الأمين في الاستيعاب، وكتب تجاهه بالفاء قيّده طاهر بن العزيز. انتهى- ابن زيد بن عبيد الأنصاري الخزرجيّ، وسمّى ابن إسحاق جدّه رافعا. حاطب بن أبي بلتعة- بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها مثناة فوقية مفتوحة ثم مهملة- اللّخميّ حليف بني أسد بن عبد العزّى. حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود القرشيّ العامريّ، أخو سهيل. حاطب بن عمرو بن عتيك بن أمية الأنصاريّ الأوسيّ، انفرد أبو عمر بذكره فيهم. الحباب- بضم الحاء وتخفيف الموحدة الأولى- ابن قيظي بن عمرو سهل الأنصاريّ. قال الأمير: ذكره بعضهم عن ابن إسحاق بالجيم المفتوحة ثم النون، والمحفوظ بالمهملة. الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاريّ الخزرجيّ. حبيب- بفتح الحاء- ابن أسلم الأنصاريّ، قال ابن أبي حاتم: بدويّ. حبيب بن الأسود مولى الخزرج. حبيب بن خراش- بإعجام أوله وآخره- ابن حرث بن الصّامت التميميّ الحنظليّ، ذكره ابن الكلبيّ.

حرف الخاء

حبيب بن سعد مولى الأنصار، ذكره ابن عقبة فيهم، قال أبو عمر: وقال غيره: ابن أسود، وقيل: حبيب بن أسلم مولى جشم بن الجزرج، فلا أدري أهما واحد أو اثنان. حرام- بمهملتين- ابن ملحان- بكسر الميم- واسمه مالك بن خالد الأنصاري الخزرجيّ. قاله أنس بن مالك. حريث- بضم الحاء ومثلثة- ابن زيد بن ثعلبة بن عبد ربّه الأنصاريّ الخزرجيّ، أخو عبد الله بن زيد، رأى الأذان. حصين- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- ابن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي المطّلبيّ. حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشيّ، أبو عمارة، أسد الله، وسيد الشهداء. حمزة بن الحميّرة- بالتصغير والتثقيل والحاء المهملة- الأشجعيّ حليف الخزرج. كذا قال الواقديّ. وقال ابن إسحاق: خارجة وقال ابن عقبة: حارثة وعن أبي معشر روايتان: جرية وجزية بالراء والزاي. حرف الخاء خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك الأنصاريّ الخزرجيّ. خالد بن البكير- تصغير بكر- ابن عبد يا ليل- بتحتيّتين وكسر اللام الأولى- اللّيثيّ، حليف بني عديّ. خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، أبو أيوب الأنصاري. خالد بن عمرو بن عدي بن نابي- بنون وموحدة مكسورة- الأنصاريّ. قال ابن الكلبي: شهد بدرا. خالد بن قيس بن مالك الأنصاري الخزرجي. خبّاب- بفتح الخاء وتشديد الموحدة- ابن الأرت- بتشديد المثناة- ابن جندلة بن سعد التميميّ ويقال الخزاعي. خبّاب مولى عتبة بن غزوان- بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي- يكنى أبا يحيى. خبيب- بالتصغير- ابن إساف- بهمزة مكسورة وقد تبدل تحتانية- ابن عتبة- بلفظ واحدة المأكول- ابن عمرو الأنصاريّ الخزرجيّ. خبيب بن عدي بن مالك بن عامر الأنصاريّ.

حرف الذال

خداش- بالدال المهملة- ابن قتادة بن ربيعة الأنصاريّ الأوسيّ. قال ابن الكلبي وأبو عبيد: شهدها. خراش- بكسر الخاء وبالراء والشين المعجمة- ابن الصّمّة- بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم- ابن عمرو بن الجموح الأنصاريّ الخزرجيّ. خريم- بضم الخاء وفتح الراء- ابن فاتك- بفاء فمثنّاة فوقيّة وكاف- ويقال: خريم بن الأخرم- بفتح الهمزة وإسكان الخاء- ابن شدّاد الأسديّ. خريمة بن أوس بن يزيد الأنصاريّ النّجّاريّ. خزيمة بن ثابت بن الفاكه- بالفاء وكسر الكاف- ابن ثعلبة بن ساعدة الأنصاريّ الأوسيّ. وقيل: أول مشاهده أحد. خلّاد- بتشديد اللام- ابن رافع بن مالك الأنصاري الخزرجيّ. خلاد بن سويد بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. خلّاد بن عمرو بن الجموح الأنصاريّ الخزرجيّ، ووقع في العيون بعد أن ذكر عمرو ابن الجموح ما نصّه: «وإخوته معوّذ، وخلّاد، ومعاذ» . انتهى، وصوابه: وأولاده. خلّاد بن قيس بن النعمان الأنصاريّ الخزرجيّ، انفرد بذكره ابن عمارة. خليد أو خليدة- بالتّصغير- ابن قيس بن النّعمان الأنصاريّ الخزرجيّ. خليفة، ويقال: عليفة- بالعين المهملة بدل الخاء المعجمة- ابن عدي بن مالك الأنصاري الخزرجي. خنيس- بضم الخاء وفتح النون وسكون المثناة التحتية وإهمال السين- ابن حذافة بن قيس بن عديّ السّهميّ. خوّات- بفتح الخاء وتشديد الواو- ابن جبير- بضم الجيم مصغّرا- ابن النعمان، أصابه حجر فردّ من الصّفراء، ضرب له بسهمه وأجره. خوليّ بن أبي خوليّ بن عمرو بن زهير الجعفيّ، ويقال: العجليّ. حرف الذال ذكوان بن عبد قيس بن خالد الأنصاري الخزرجيّ. ذكوان بن عبيد بن ربيعة بن خالد بن معاوية، ذكر الأمويّ عن ابن إسحاق إنه شهد بدرا. ذو الشّمالين بن عبد عمرو بن نضلة- بالنون والمعجمة- الغبشانيّ الخزاعيّ، حليف

حرف الراء

بني زهرة يقال اسمه عمير، ويقال عمرو، ويقال عبد عمرو، وهل هو ذو اليدين أو لا؟ فيه قولان. حرف الراء راشد بن المعلّى بن لوذان الأنصاريّ الخزرجيّ أخو رافع، انفرد بذكره ابن الكلبيّ. رافع بن جعدبة- بجيم مضمومة فعين ساكنة فدال مضمومة مهملتين- الأنصاريّ الخزرجيّ. رافع بن الحارث بن سواد الخزرجيّ. رافع بن زيد، وقيل ابن يزيد، وقيل ابن سهل الأنصاريّ. رافع بن سهل بن رافع بن عديّ الأنصاريّ، حليف القواقل، وقيل: شهد بدرا. رافع ابن عنجدة- بضم العين المهملة والجيم بينهما نون ساكنة وآخره دال مهملة- الأنصاريّ الأوسيّ. قال ابن هشام: عنجدة أمّه، واسم أبيه الحارث، وقيل رافع بن عنجرة- براء بدل الدال- وهو تصحيف، وقيل رافع بن عنيزة، وهو تحريف. رافع بن مالك بن العجلان الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره ابن عقبة وابن إسحاق في رواية يونس ولم يوافقاه. رافع بن المعّلى بن لوذان بن حارثة الأنصاريّ الخزرجيّ حلفا. رافع بن يزيد بن كرز الأنصاريّ الأوسيّ. ربعيّ بن أبي ربعيّ بن رافع بن الحارث بن زيد حليف الأوس. ربعيّ بن عمر الأنصاريّ. الرّبيع بن إياس بن عمرو بن عثمان الأنصاريّ الخزرجيّ. ربيعة بن أكثم- بمثلثة- ابن سخبرة- بسين مهملة فخاء معجمة فموحّدة- ابن عمرو الأسديّ. رحيلة بن ثعلبة بن خالد الأنصاري الخزرجي. قال ابن هشام: قاله ابن إسحاق بالجيم، والصواب بالحاء، كذا أطلق، وقيّده الدارقطنيّ وغيره بالخاء المعجمة. رفاعة بن الحارث بن رفاعة الأنصاريّ الخزرجيّ، وهو رفاعة ابن عفراء، ذكره ابن إسحاق فيهم، وأنكر ذلك الواقديّ وغيره. رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان الأنصاري الخزرجي، أبو معاذ.

حرف الزاي

رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر- بزاي مفتوحة فنون ساكنة فموحدة فراء- الأنصاريّ الأوسيّ أخو أبي لبابة. رفاعة بن عبد المنذر، أحد ما قيل في اسم أبي لبابة. رفاعة بن عمرو بن زيد بن ثعلبة الخزرجيّ السالميّ. رفاعة بن عمرو الجهنيّ، ذكره أبو معشر في البدريّين. قال أبو عمر: والصّواب وديعة بن عمرو بن نوفل بن عبد الله الأنصاريّ، وقيل: ابن عمر وابن يزيد. رياب بن حنيف بن رياب بن الحارث الأنصاري الأوسيّ. وذكره العدويّ فيهم. حرف الزاي زاهر بن حرام الأشجعيّ. قال أبو عمر: شهد بدرا، ولم يوافق على ذلك، وقيل تصحّف عليه لأنه وصف بكونه بدويّا بالواو. الزبير بن العوام بن خويلد القرشيّ الأسدي. زياد، وقيل: زيادة بن الأحرش- بحاء مهملة وشين معجمة، وقيل بالعكس- واسمه نسر بن عمرو الجهنيّ حليف الخزرج. زياد بن السكن بن رافع الأنصاريّ الأوسيّ، ذكره ابن الكلبيّ. زياد بن كعب بن عمرو الجهنيّ حليف الخزرج. زياد بن لبيد بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ البياضيّ. زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عديّ حليف الأوس. زيد بن الحارث الأنصاري. كذا قال عروة. وقال ابن إسحاق: يزيد. زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. زيد بن الخطاب أخو عمر أمير المؤمنين رضي الله عنهما. زيد بن سهل أبو طلحة الأنصاري الخزرجيّ. زيد بن المزين- بضم الميم وزاي وآخره نون مصغّرا- ابن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. زيد بن المعلّى الأنصاريّ، ذكره أبو عبيد. زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ.

حرف السين

حرف السين سالم بن عمير- ويقال: ابن عمرو. ويقال: ابن عبد الله- ابن ثابت بن النعمان الأنصاريّ الأوسيّ. سالم بن عوف حليف الأنصار، ذكره الأمويّ عن ابن إسحاق. سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة. السائب بن خلّاد بن سويد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو سلمة، ذكره أبو عبيد. السائب بن عثمان بن مظعون الجمحيّ. السائب بن العوام القرشيّ الأسديّ، أخو الزبير، ذكره ابن حبيب. سبرة بن فاتك أخو خريم. صحّح البخاريّ شهوده بدرا. سبيع بن قيس ابن عائشة بن أميّة الأنصاريّ الخزرجيّ، نقل ابن الكلبي إنه شهد بدرا وأحدا. سراقة بن عمرو بن عطية الأنصاريّ الخزرجيّ. سراقة بن كعب بن عمرو بن عبد العزّى الأنصاريّ الخزرجيّ. سعد بن إياس الأنصاريّ. سعد بن خولة القرشي العامريّ. سعد بن خوليّ الكلبيّ، مولى حاطب بن أبي بلتعة. سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك الأنصاريّ الأوسيّ. سعد بن الربيع بن عمرو الأنصاري الخزرجيّ. سعد بن زيد بن مالك الأنصاري الأوسيّ، وقيل: سعيد بن سهل، وقيل: سهل بن مالك الأنصاري الخزرجيّ. سعد بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ، تجهّز لبدر فمات، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. سعد بن عبادة- بضم المهملة- سيّد الخزرج، اختلف في شهوده بدرا، فأثبته البخاريّ وابن الكلبيّ والواقديّ والمدائنيّ، ووقع التصريح في صحيح مسلم. سعد بن عبيد- ويقال: عمير- ابن النعمان بن قيس الأنصاريّ الأوسيّ، أبو زيد القاريّ. سعد بن عثمان بن خلدة- بإسكان اللام- ابن مخلّد الأنصاريّ الخزرجيّ. سعد بن عمير، ويقال: عبيد، تقدّم.

سعد بن الفاكه بن زيد الأنصاري. سعد بن مالك بن أهيب- ويقال وهيب- القرشيّ الزّهريّ، أبو إسحاق بن أبي وقّاص، أحد العشرة. سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الساعديّ، والد سهل، تجهّز ليخرج إلى بدر فمرض فمات، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. سعد بن معاذ بن النّعمان الأنصاريّ سيّد الأوس. سعد بن النعمان بن قيس الظّفري، ذكره عروة. سعد- ويقال: سعيد- ابن سهل بن مالك بن كعب الأنصاريّ الخزرجيّ. سعد بن عتبة بن غزوان، ذكره أبو عمر إنه شهد بدرا. سعيد- بكسر العين بعدها مثناة تحتية- ابن زيد بن عمرو بن نفيل القرشيّ العدويّ، قدم من الشام بعد ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه هو وطلحة يتجسّسان الأخبار من جهة الشام، فوقع القتال قبل أن يرجعا، فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما. سعيد بن قيس بن صخر الأنصاريّ. سفيان بن بشر- بكسر الموحدة وسكون المعجمة- ويقال نسر- بالنون المفتوحة والسين الساكنة والراء المهملتين- وصوّبه الأمير الأنصاريّ الخزرجيّ. سلمة بن أسلم بن حريس- بالحاء والسين المهملتين- الأنصاري الأوسي. سلمة بن ثابت بن وقش- بفتح الواو وسكون القاف وبالشين المعجمة- الأنصاريّ الأوسيّ. سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاريّ الأوسيّ. سليط- بفتح السين المهملة وكسر اللام- ابن قيس بن عمرو بن عبد الله الأنصاريّ الخزرجيّ. سليم- بضم أوله وفتح اللام وسكون المثناة التحتية- ابن الحارث بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي. سليم بن عقرب، ذكره ابن أبي حاتم. سليم بن قيس بن قهد- بالقاف- الأنصاريّ الخزرجيّ. سليم بن ملحان الأنصاريّ الخزرجيّ.

سليم أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. سماك- بكسر أوله وتخفيف الميم- ابن خرشة- بفتح الخاء المعجمة والراء بالشين المعجمة- أبو دجانة- بدال مهملة مضمومة فجيم خفيفة فألف فنون فهاء- الأنصاريّ الخزرجيّ. سماك بن سعد بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. سنان بن صيفيّ بن حجر الأنصاريّ الخزرجيّ. ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه بدريّ. والذي عند ابن إسحاق: أبو سنان بن صيفيّ، فإن لم يكن أخا هذا فأحد القولين وهم. سنان بن أبي سنان وهب بن محصن الأسديّ ابن أخي عكّاشة. سهل بن حنيف- بضم الحاء المهملة وفتح النون- ابن واهب بن العكيم، بضم العين المهملة وفتح الكاف. سهل بن رافع الأنصاريّ الخزرجيّ، أخو سهيل. سهل بن عتيك- بكاف وزن عتيق- ابن النعمان الأنصاريّ. سهل بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. سهل بن عديّ الأنصاريّ الخزرجيّ. سهيل- بالتصغير- ابن بيضاء وهي أمّه، واسمها دعد، واسم أبيه وهب بن ربيعة القرشيّ. سهيل بن رافع الأنصاريّ الخزرجيّ. سهيل بن قيس، ذكره ابن الكلبي. قال الحافظ: تقدّم ذكر سهل، فما أدري أهما واحد أم اثنان؟ سواد بن رزين بن الأنصاريّ الخزرجيّ، كذا قال الواقدي وابن عمارة. وقال ابن عقبة: هو سواد بن رزين. وقال ابن إسحاق، وأبو معشر: سواد بن زريق قال ابن الجوزي في التلقيح: وهو تصحيف من رواتهما. سواد بن غزيّة- بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية- البلويّ حليف الخزرج. سويبط بن حرملة- ويقال: ابن سعد بن حرملة- ابن مالك القرشيّ العبدريّ. سويد بن مخشيّ- بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الشين المعجمة فتحتية- الطائيّ، ذكره أبو معشر، ويقال فيه: أربد.

حرف الشين المعجمة

حرف الشين المعجمة شجاع بن وهب- ويقال ابن أبي وهب- ابن ربيعة الأسديّ. شريك بن أنس بن رافع الأنصاريّ الأوسيّ. شقران- بضم أوله وبالقاف- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. شمّاس- بشين معجمة فميم مشددة وآخره سين مهملة- ابن عثمان بن الشّريد بالشين المعجمة- القرشيّ المخزوميّ. حرف الصاد المهملة صالح بن عدي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو شقران. صامت مولى حبيب بن خراش حليف الأنصار، زعم ابن الكلبي إنه شهد بدرا هو ومولاه. صبيح- بفتح الصاد وكسر الموحدة- مولى العاص بن أمية، وقيل: رجع لمرض أصابه. صخر بن أمية بن خنساء الأنصاريّ، ذكره يحيى بن سعد الأمويّ، عن ابن إسحاق. صفوان بن عمرو، ذكر ابن الكلبي إنه شهد بدرا. صفوان بن وهيب- ويقال: أهيب. ويقال: سهيل- ابن ربيعة، وهو ابن بيضاء أخو سهل، وسهيل، استشهد ببدر. صهيب بن سنان بن مالك، ويقال: خالد النّمريّ. صيفيّ بن سواد بن عبادة بن عمرو الأنصاري الخزرجيّ. حرف الضاد المعجمة الضّحّاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. الضّحّاك بن عبد عمرو [بن مسعود] الأنصاريّ الخزرجيّ. الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب الفهريّ، وقع في الكنى لمسلم بن الحجّاج إنه شهد بدرا، ووهمه في ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر. ضمرة بن عمرو بن كعب. وقيل: ضمرة الجهنيّ، حليف بني طريف بن الخزرج من الأنصار. ضمرة بن كعب بن عمرو بن عدي الجهنيّ، حليف بني ساعدة.

حرف الطاء المهملة

حرف الطاء المهملة طارق بن عبيد بن مسعود الأنصاريّ، ذكره ابن مندة. الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطّلبيّ. الطّفيل بن مالك بن خنساء الأنصاريّ الخزرجيّ. طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشيّ التّيميّ، أبو محمد أحد العشرة، كان عند وقعة بدر في جهة الشام، أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم يكشف له خبر العير، فأتى بعد الوقعة، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. طلحة بن عمرو بن أكبر بن ربيعة الحضرميّ، حكى الرّشاطيّ عن الهمدانيّ إنه شهد بدرا. طليب- بالتصغير- ابن عمير- أو عمرو- ابن وهب، ذكره الواقديّ. حرف الظاء المعجمة ظهير- بالتصغير- ابن رافع بن عدي بن زيد الأنصاريّ، عمّ رافع بن خديج، روى البخاري في الصحيح أنه شهدها هو وأخوه مظهّر- بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وتشديد الهاء المكسورة- وأنكر ذلك الحافظ الدمياطيّ، ومن أثبت شهودهما أثبت ممّن نفاه، ومعه زيادة علم. حرف العين المهملة عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة الأنصاريّ الأوسيّ، والأقلح، بالقاف واللام والحاء المهملة. عاصم بن عدي بن الجدّ بن العجلان البلوي حليف الأوس، خرج إلى بدر فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرّوحاء، واستخلفه على أهل العالية لشيء بلغه عنه، وضرب له بسهمه وأجره. عاصم بن العكير- بصيغة التصغير- المزنيّ حليف الخزرج، ذكره ابن عقبة وجماعة منهم الطبريّ. والله تعالى أعلم. عاقل بن قيس بن ثابت الأنصاريّ الأوسيّ. عاقل- بالقاف- ابن البكير- بضم الباء وفتح الكاف- الليثي، حليف بنى عديّ. عامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس- بمهملات- الأنصاريّ الخزرجيّ. عامر بن البكير الليثيّ أخو عاقل.

عامر بن ثابت بن أبي الأقلح أخو عاصم. عامر بن زهير الفهريّ، وسماه ابن عقبة والبكائيّ، عن ابن إسحاق: عقبة بن عمرو بن الحارث. عامر بن ربيعة بن كعب العنزيّ- بنون مفتوحة فزاي- حليف بني عديّ. عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف الأنصاريّ الخزرجيّ. عامر بن سلمة بن عامر البلويّ حليف الخزرج، ويقال: اسمه عمرو. عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال القرشيّ الفهريّ أبو عبيدة، أحد العشرة رضي الله عنهم. عامر بن عبد الله البدريّ. عامر بن عبد عمرو، وقيل: ابن عمر، ويقال: هو اسم أبي حية البدري. عامر بن العكير الأنصاريّ. قال المستغفريّ: شهد بدرا، والمعروف عاصم بن العكير فلعلّه أخوه. عامر بن عوف بن حارثة الأنصاريّ. عامر بن فهيرة- بضم الفاء وفتح الهاء وسكون التحتية- مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. عامر بن مخلّد- بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحة- ابن الحارث الأنصاري الخزرجي. عامر بن السكن بن رافع الأنصاري الأوسيّ. عايذ- بالمثناة التحتية والذال المعجمة- ابن ماعص- بعين فصاد مهملتين- ابن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. عبّاد- بتشديد الموحدة- ابن بشر بن وقش- بفتح الواو وسكون القاف وآخره شين معجمة- الأنصاريّ الأوسيّ. عبّاد بن عبيد بن التّيّهان- بفتح المثناة الفوقية وكسر المثناة التحتية وتفتح وتشديدها- نقل أبو عمر عن الطبريّ إنه شهد بدرا. عبّاد بن قيس بن عامر الأنصاريّ الخزرجيّ. عبّاد بن قيس بن عبسة- بعين مهملة فموحدة مفتوحة- الأنصاريّ الخزرجيّ.

عبادة- بالضمّ والتّخفيف وزيادة هاء- ابن الخشخاش- بمعجمات- ابن عمرو البلويّ حليف الخزرج، يقال اسمه عبدة. عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. عبادة بن قيس، تقدم في عبّاد. عبد الله بن أنيس الجهنيّ حليف الأنصار. عبد الله بن أوس بن وقش، وقيل: عبد الله بن حقّ- بكسر الحاء المهملة وتشديد القاف- الأنصاريّ الأوسيّ. عبد الله بن جحش بن رياب- براء مكسورة فتحتانية وآخره موحدة- الأسديّ. عبد الله بن الجدّ- بكسر الجيم- ابن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، لغيبته بالحبشة. عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ السّهميّ، اختلف في شهوده بدرا. عبد الله بن الحميّر- بالتّصغير والحاء المهملة- الأشجعيّ حليف الخزرج. عبد الله بن حقّ- بحاء مهملة فقاف- ابن أوس، قيل: هو عبد الله بن أوس، تقدّم. عبد الله بن أبي خوليّ. عبد الله بن أبي خيثمة بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن الربيع بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاريّ أبو محمد، اختلف في شهوده بدرا. عبد الله بن سراقة بن المعتمر، ذكره ابن إسحاق وابن بكار فيهم. عبد الله بن سعد بن خيثمة الأنصاريّ الأوسيّ، اختلف في شهوده بدرا. عبد الله بن سلمة- بكسر اللام- ابن مالك بن الحارث البلويّ حليف الأوس. عبد الله بن سهل بن رافع الأنصاريّ. عبد الله بن سهل بن زيد الأنصاري الأوسيّ. عبد الله بن سهل بن عمرو العامريّ. أسلم قبل الهجرة إلى الحبشة وعذّب فأظهر أنه ارتدّ، فلما خرج المشركون إلى بدر فرّ إلى المسلمين فشهد بدرا معهم مسلما.

عبد الله بن شريك بن أنس بن رافع الأنصاريّ الأوسيّ. عبد الله بن طارق بن عمرو البلويّ حليف بني ظفر. عبد الله بن عامر البلويّ حليف الخزرج، ذكره أبو عمر، وقال الحافظ: لعلّه عبد الله بن طارق السابق. عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن عبد مناف بن النعمان الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن عبس- بسكون الموحدة- الأنصاريّ الخزرجيّ. ويقال في اسمه عبيس بالتصغير. عبد الله عتيك بن قيس. قال أبو عمر: أظنه شهد بدرا. عبد الله بن عثمان بن عامر القرشيّ التّيميّ أبو بكر الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. عبد الله بن عرفجة الأوسيّ. عبد الله بن عرفطة الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن عمير بن حارثة الأنصاري الخزرجيّ. عبد الله بن قيس بن خالد الأنصاري الخزرجيّ. عبد الله بن قيس بن صخر الأنصاريّ. عبد الله بن كعب بن عمرو الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد الله بن كعب بن زيد الأنصاري. عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى القرشيّ العامريّ. عبد الله بن المزين أخو زيد، ذكره ابن عقبة. عبد الله بن مسعود بن غافل- بغين معجمة وفاء- الهذليّ. عبد الله بن مظعون- بالظاء المعجمة المشالة- الجمحيّ. عبد الله بن نضلة- بالنون- ابن مالك الأنصاري الخزرجي، ذكره ابن الكلبيّ. عبد الله بن النعمان بن بلذمة- بفتح الموحدة والذال المعجمة بينهما لام ساكنة، وقيل: بضمتين ومهملة- ابن خناس- بخاء معجمة مضمومة وتخفيف النون آخره سين

مهملة- الأنصاريّ الخزرجيّ، اختلف في شهوده بدرا. عبد الله بن هيشة- بهاء مفتوحة فتحتية ساكنة فشين معجمة- ابن النّعمان الأنصاريّ، ذكره الأموي، عن ابن إسحاق. عبد الرحمن بن جبر- بجيم مفتوحة فموحدة ساكنة- ابن عمرو بن زيد الأنصاريّ الأوسيّ. عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة الأنصاريّ أبو عقيل، بفتح العين. عبد الرحمن بن عوف الزّهريّ- أحد العشرة- عبد ربّ، ويقال بزيادة هاء، - ابن حقّ- بكسر الحاء وتشديد القاف، كما في نسخة صحيحة من العيون ونسخة من الاستيعاب بخط ابن الأمير- ابن أوس بن عامر الأنصاريّ الخزرجيّ. عبد- بغير إضافة- ابن عامر الأنصاريّ. عبدة، ويقال: عبادة بن الحسحاس- بإهمال السين والحاء وبإعجامهما- البلويّ، حليف الخزرج. عبس- بالموحدة- ابن عامر بن عديّ الأنصاريّ الخزرجيّ. عبيد- بالتصغير- ابن أوس بن مالك الأنصاري الأوسيّ الظّفريّ. عبيد- وقيل: عتيك- ابن التّيّهان. عبيد بن ثعلبة الأنصاريّ. عبيد بن زيد بن عامر بن العجلان الأنصاريّ الخزرجيّ. عبيد بن أبي عبيد الأوسيّ. عبيد بن السّكن، ذكره الواقديّ فيهم. عبيدة- بضم أوله وفتح الموحدة- ابن الحارث بن المطلب القرشيّ. عبيدة- بفتح أوله- ابن ربيعة بن جبير- بالتصغير البهرانيّ- بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء والنون- حليف الأنصار. عتبان- بكسر أوله- ابن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاريّ الخزرجيّ. عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية البهرانيّ، حليف الخزرج. عتبة بن عبد الله بن صخر الأنصاريّ الخزرجيّ. عتبة بن غزوان- بفتح المعجمة وسكون الزاي- ابن جابر المازنيّ، حليف قريش.

عتيك بن التّيّهان، سبق في عبيد. عثمان بن حنيف- بالمهملة والنون مصغّرا- الأنصاريّ. قال التّرمذي وحده: شهد بدرا. عثمان بن عفان أمير المؤمنين، خلّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة على زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمرضها وضرب له بسهمه وأجره. عثمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاريّ. عثمان بن عمر الأنصاريّ. عثمان بن مظعون- بالظاء المعجمة المشالة- ابن حبيب الجمحيّ. العجلان بن النعمان بن عامر الأنصاريّ الخزرجيّ الزّرقيّ. عديّ بن خليفة البياضيّ، ذكره أبو عبيد بن سلّام فيمن شهد بدرا. عديّ بن أبي الزّغباء- بفتح الزاي وسكون الغين المعجمة فموحدة فألف ممدودة- واسم أبي الزغباء سنان بن سبيع بن ثعلبة الجهني، حليف الخزرج. عصمة بن الحصين بن وبرة [بن خالد بن العجلان] الأنصاريّ الخزرجيّ. عصمة- ويقال عصيمة بالتصغير- الأسديّ، حليف بني مازن بن الخزرج. عصمة- ويقال عصيمة بالتّصغير- الأشجعيّ، حليف بني مالك بن النّجار بن الخزرج. عطية بن نويرة بن عامر الأنصاريّ الخزرجيّ الزّرقيّ، ذكره ابن الكلبيّ. عقبة بن حليس- بمهملتين مصغّرا- ابن دهمان الأشجعيّ، ذكره ابن الكلبيّ. عقبة بن ربيعة حليف بني عوف من الخزرج، ذكره ابن عقبة. عقبة بن عامر بن نابي- بنون وموحدة وزن قاضي- ابن زيد الأنصاريّ الخزرجيّ. عقبة بن عثمان بن خلدة- بالخاء المعجمة- ابن مخلّد الأنصاريّ الخزرجيّ. عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو مسعود البدريّ، قال الأكثر: نزل بدرا فنسب إليها، وجزم البخاريّ بأنه شهدها، واستدل بأحاديث رواها في صحيحه في بعضها التّصريح بأنه شهدها، منها حديث عروة بن الزبير عن بشير بن أبي مسعود قال: أخّر المغيرة العصر فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو جدّ زيد بن حسن، وكان قد شهد بدرا. وقال أبو عبيد بن سلام ومسلم في الكنى: شهد بدرا. وقال ابن البرقي: لم يذكره ابن إسحاق فيهم،

وورد في عدة أحاديث أنه شهدها. والقاعدة أن المثبت مقدم على النّافي. عقبة بن وهب- ويقال ابن أبي وهب- ابن ربيعة الأسديّ. عقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد ويقال: كلدة بن وهب الغطفاني حليف بني سالم من الأنصار. عكّاشة- بضم أوله وتشديد الكاف وتخفّف، قال النوويّ: والأول هو الأكثر- ابن محصن- بكسر الميم وفتح الصاد- ابن حرثان- بضم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة- ابن قيس الأسديّ، حليف بني عبد شمس. علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشيّ الهاشميّ أمير المؤمنين أبو الحسن رضي الله عنه. عمار بن ياسر بن مالك العنسيّ- بالنون- أبو اليقظان، حليف بني مخزوم. عمارة بن حزم بن زيد الأنصاري الخزرجيّ. عمارة بن أبي حسن الأنصاريّ. قال ابن حبان وابن السّكن: شهد بدرا واستدل لذلك بما رواه ابن قانع وابن السّكن من طريق حسين بن عبد الله الهاشميّ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن حسن عن أبيه، عن جدّه، وكان عقيبا بدريا، ووقع عند البغويّ عن أبيه عن جدّه أبي حسن، فعلى هذا فالضمير في قوله: عن جدّه يعود على يحيى لا على عمرو، فيكون الحديث لأبي حسن، ولا خلاف في شهوده بدرا. عمارة بن زياد بن السّكن الأنصاريّ الأوسيّ، قال ابن الكلبي: قتل يوم بدر وتعقّب بأنه استشهد بأحد. عمر بن الخطاب بن نفيل أمير المؤمنين أبو حفص القرشيّ العدويّ رضوان الله عليه. عمرو- بفتح العين وسكون الميم- ابن أنس الخزرجيّ، ذكره الباروديّ فيهم. عمرو بن إياس بن تزيد- بالمثناة الفوقية والزاي- حليف الأنصار. عمرو بن ثعلبة بن وهب الأنصاريّ الخزرجيّ. عمرو بن الجلاس بن عوف الأنصاريّ الخزرجيّ. عمرو بن الجموح الأنصاريّ الخزرجيّ. عمرو- وقيل عمير- ابن الحارث الأنصاري الخزرجي. عمرو بن الحارث بن زهير ذكره ابن عقبة. عمرو بن خارجة بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ.

عمرو بن أبي زهير بن مالك الأنصاريّ، ذكره ابن عقبة. عمرو بن سراقة- بضم السين المهملة- ابن العنبر بن أنس القرشيّ العدويّ، ذكره ابن عقبة. عمرو بن أبي سرح- بمهملات والراء ساكنة- ابن ربيعة بن هلال القرشيّ الفهريّ. عمرو بن طلق بن زيد بن أميّة الأنصاريّ الخزرجيّ. عمرو بن عبد عمرو بن نضلة ذو الشّمالين، استشهد يوم بدر. عمرو- ويقال عمير- ابن عقبة الأنصاري، ذكره المستغفري. عمرو بن عمير بن عدي بن نابي- بالنون- الأنصاريّ. عمرو بن عمرو بن ضبّة، ذكره الواقديّ وأبو معشر. عمرو- ويقال: عمير- مولى سهيل بن عمرو. عمرو بن عنمة- بمهملة ونون مفتوحتين- ابن عديّ الأنصاريّ. عمرو بن غزيّة- بغين معجمة مفتوحة فزاي مكسورة فمثناة تحتية مثقّلة- ابن عمرو بن ثعلبة الأنصاريّ. عمرو بن قيس بن حزن بن عديّ الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره يونس عن ابن إسحاق. عمرو بن قيس بن خارجة الأنصاري، ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنّى. عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك الأنصاري الخزرجيّ، ذكره الواقديّ وأبو معشر. عمرو بن مازن الأنصاريّ من بني الخنساء بن مبذول، ذكره يونس عن ابن إسحاق. عمرو- ويقال عمير- ابن معبد بن الأزعر بن زيد الأنصاري الأوسيّ. عمرو بن معاذ بن النّعمان الأنصاريّ الأوسيّ أخو سعد. عمير- بالتصغير- ابن الحارث بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. عمير بن حرام- براء- ابن عمرو الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره الواقدي وابن عمارة. عمير بن الحمام- بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم- ابن الجموح الأنصاريّ الخزرجيّ. عمير بن عامر بن مالك أبو داود- بتقديم الألف على الواو- المازنيّ. عمير بن عامر بن نابي أخو عقبة، انفرد بذكره ابن الكلبيّ. عمير بن عبد عمرو بن نضلة- بالنون والمهملة- الخزاعيّ، كان يعمل بيديه جميعا فقيل له: ذو اليدين. استشهد ببدر.

حرف الغين المعجمة

عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو. عمير بن أبي وقاص القرشيّ الزّهريّ، أخو سعد. عنترة بن عمرو مولى سليم بن حديدة. عوف بن أثاثة- بضم الهمزة وثاءين مثلثتين- ابن عباد بن عبد المطلب القرشيّ لقبه مسطح. عوف بن الحارث الأنصاريّ الخزرجيّ وهو ابن عفراء. عويم- بصيغة التصغير وليس في آخره راء- ابن ساعدة بن عايش- بالتحتية بلا هاء- الأنصاريّ الأوسيّ. عويمر- آخره راء- ابن أشقر بن عديّ الأنصاريّ، وقع في بعض طرق حديثة أنه بدريّ. عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة، ذكر العسكريّ إنه شهد بدرا وغلّطوه. عياض بن زهير القرشيّ الفهريّ. حرف الغين المعجمة غنّام- بتشديد النون- ابن أوس الأنصاريّ الخزرجيّ. حرف الفاء الفاكه بن بشر- بكسر الموحدة وإسكان الشين المعجمة، ويقال فيه نسر، بفتح النون وبالسين المهملة، وقيل فيه غير ذلك- ابن الفاكه بن زيد الأنصاري. فروة بن عمرو بن ودقة- قاله ابن إسحاق بإعجام الذال، وابن هشام بإهمالها، ورجّحه في الروض وفسّر الودقة بالروضة الناعمة- ابن عبيد الأنصاريّ الخزرجيّ. حرف القاف قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد- بتخفيف الواو وبالدال المهملة- الأنصاريّ الأوسيّ. قدامة بن مظعون القرشيّ الجمحيّ. قطبة بن عامر بن حديدة- بالحاء المهملة- الأنصاريّ الخزرجيّ. قيس بن البكير- بضم الباء وفتح الكاف- ابن عبد ياليل الليثي، ذكره ابن الكلبيّ. قيس بن خالد الفزاريّ، ذكره في التجريد. قيس بن الربيع الأنصاريّ، ذكر المبرّد في الكامل إنه شهد بدرا.

حرف الكاف

قيس بن السكن بن عوف الأنصاريّ. قيس بن عباية- بفتح العين وتخفيف الموحدة وبالمثناة التحتية- ابن عبيد بن الحارث الخولانيّ، ذكره عبد الجبار بن محمد بن مهني فيمن شهد بدرا. قيس بن عمرو بن قيس بن زيد الأنصاري الخزرجي، قال أبو عمر: اختلف في شهوده بدرا. قيس بن أبي بن كعب بن القين الأنصاريّ عمّ كعب بن مالك، ذكره ابن الكلبيّ. قيس بن محصن- بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الصاد المهملة- ابن خلدة الأنصاريّ الخزرجيّ. قيس بن مخلّد- بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام- ابن ثعلبة بن صخر الأنصاريّ الخزرجيّ. حرف الكاف كثير بن عمرو السّلميّ، روى أبو العباس السراج، عن محمد بن الحسن التّل- بالمثناة الفوقية وباللام- عن ابن إسحاق أنه ذكره فيمن شهد بدرا. كعب بن جمّاز- بجيم فميم مشدّدة فزاي، ويقال: حمان بحاء مهملة مكسورة ونون ويقال: حمار بلفظ الحيوان- ابن ثعلبة الجهنيّ، ويقال: الغسّاني. كعب بن زيد بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. كعب بن عامر الساعديّ، ذكره الباورديّ فيهم. كعب بن عمرو الأنصاري الخزرجي أبو اليسر، بفتح التحتانية والمهملة. كنّاز- بفتح الكاف وتشديد النون وبالزّاي- ابن الحصين الغنويّ- بفتح الغين المعجمة والنون- أبو مرثد، بمثلثة وزن جعفر. حرف اللام لبدة بن قيس بن النعمان بن حسّان الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره ابن الكلبيّ. حرف الميم مالك بن أمية بن عمرو السّلميّ. مالك بن التّيّهان الأنصاريّ الأوسيّ أبو الهيثم. مالك بن ثابت المزنيّ، يعرف بابن نملة أو نميلة وهي أمّه، حليف بني معاوية.

مالك بن الدّخشم- بضم الدال المهملة والشين المعجمة بينهما خاء كذلك، ويقال بالنون بدل الميم، ويقال كذلك بالتصغير- الأنصاريّ الخزرجيّ. مالك بن رافع الأنصاريّ الزّرقيّ. مالك بن ربيعة بن البدن- بالدال المهملة والنون- ابن عامر الأنصاري الخزرجي أبو أسيد- بضم أوله- الساعديّ. مالك بن رفاعة بن عمر الأنصاريّ الخزرجيّ. مالك بن عمرو بن ثابت أبو حبّة- بالحاء المهملة المفتوحة والموحدة المشددة- الأنصاريّ. مالك بن عمرو بن سميط أخو ثقف. مالك بن عمرو السّلميّ ويقال: العدويّ حليف بني أسد. مالك بن عميلة بن السّيّاق بن عبد الدار، كذا نقله أبو عمر، عن ابن عقبة، ونازعه في ذلك الحافظ بأنه لم يجد ذلك في مغازيه، ولا ذكر له في مغازي ابن إسحاق والواقدي، وذكره الزبير بن بكار في أنساب بني عبد الدار، ولم يصفه بإسلام فضلا عن شهوده بدرا. مالك بن قدامة الأنصاريّ الأوسيّ. مالك بن مسعود بن البدن الأنصاريّ الساعديّ. مالك بن نميلة، تقدّم في مالك بن ثابت. مالك بن عبد المنذر بن زنبر- بزاي فنون فموحّدة وزن جعفر- الأنصاريّ أخو أبي لبابة استشهد ببدر. مبشّر بن عبد المنذر أخو مالك السابق المجذّر- بميم مضمومة فجيم مفتوحة فذال معجمة مشددة فراء- ابن دثار- بدال مهملة فمثلثة- ابن عمرو البلويّ حليف الخزرج. محرز- بضم الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي، وقيل بمهملتين، وزن محمد- ابن عامر بن مالك الأنصاري الخزرجي. محرز- براء فزاي- ابن نضلة- بنون فضاد معجمة- ابن عبد الله بن الأسديّ يعرف بالأخرم. محمد بن سلمة بن خالد الأنصاري الأوسيّ. محمية- بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم وفتح المثناة التحتية- ابن

جزء- بفتح الجيم وسكون الزاي ثم همزة- ابن عبد يغوث الزّبيديّ- بضم أوله- حليف بني سهم، كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأخماس، انفرد ابن الكلبيّ بذكره فيهم. مدلاج: ويقال: مدلج بن عمرو الأسلمي أخو ثقف ومالك. مرارة بن الربيع الأنصاري الأوسيّ، ذكره فيهم الزّهريّ، ونسب إلى الوهم، وربّما في الصحيح عن كعب بن مالك في قصّة توبته، وذكروا مرارة بن الرّبيع العمريّ وهلال بن أمية الواقفيّ رجلين صالحين شهدا بدرا. قال الحافظ: وكان البخاريّ عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال بن أمية شهدا بدرا، ويثبت الوهم إلى الزّهريّ فردّ ذلك لنسبته إلى كعب بن مالك، وهو ظاهر السّياق، فإنّ الحديث عنه قد أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا. ممّن لم يشهدها ممّن جاء بعده، والأصل عدم الأخذ عند الإخراج فلا يثبت إلا بدليل. ويؤيّد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أنّ كعبا ساقه في مقام التّأسّي بهما، فوصفهما بالصّلاح، وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد، فلما وقع لهما نظير ما وقع له من القعود عن غزوة تبوك، ومن الأمر بهجرهما، كما وقع له تأسّى بهما. وأما قول بعض المتأخّرين كالدّمياطيّ: لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه، فقد جزم البخاريّ هنا وتبعه جماعة، وقد ذكر هشام بن الكلبي أنّ مرارة وهلالا شهدا بدرا، واحتج ابن القيّم بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما، بل كانا يسامحان بذلك كما سومح حاطب بن أبي بلتعة. قال الحافظ: وهو قياس مع وجود النصّ، ويمكن الفرق وبالله التوفيق. وقال في الإصابة: شهدا بدرا على الصحيح. مرثد- بفتح الميم المثلثة- ابن أبي مرثد بن كنّاز- بكاف مكسورة فنون مشددة وزاي- ابن الحصين الغنوي البدريّ. مرّة بن الحباب بن عدي بن الجدّ بن العجلان البلويّ حليف آل عمرو بن عوف، انفرد بذكره ابن الكلبيّ. مسطح- بكسر الميم وبالسين وفتح الطاء وبالحاء المهملات- ابن أثاثة- بضم الهمزة وتخفيف المثلثة- ابن عباد بن عبد المطلب القرشيّ المطّلبيّ، اسمه عوف، وتقدّم. مسعود بن أوس بن أحرم بن زيد الأنصاري الخزرجيّ. مسعود بن الرّبيع، ويقال: ابن ربيعة. مسعود بن زيد بن سبيع الأنصاري الخزرجي أبو محمد. مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر الأنصاريّ الخزرجيّ.

مسعود بن سعد، ويقال: ابن عبد سعد، ويقال: ابن عبد مسعود بن عامر بن عديّ بن جشم الأنصاريّ الأوسيّ. مصعب بن عمير بن هاشم القرشيّ العبدريّ. مضطجع بن أثاثة أخو مسطح. معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاريّ الخزرجيّ الإمام المقدّم في علم الحلال والحرام، رضي الله عنه. معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث الأنصاري الخزرجيّ المعروف بابن عفراء. معاذ بن عمرو بن الجموح بن زيد الأنصاري الخزرجيّ. معاذ بن ماعص، ويقال: معاص، ويقال: ناعص- بالنون والعين والصاد المهملتين- الأنصاريّ الزّرقيّ. معبد بن عباد بن قشعر- بفتح القاف وسكون الشين المعجمة- ويقال: قشير بن الفدم- بالفاء وإسكان الدال المهملة وبالميم- الأنصاريّ الخزرجيّ، ووقع في العيون: عبادة بالهاء، وتعقّب. معبد بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. معبد بن وهب العصريّ. معتّب- بضم أوله وبفتح العين المهملة وكسر المثناة الفوقية المشددة بعدها موحدة- ابن عبيد- ويقال عبد- ابن إلياس البلويّ حليف بني ظفر من الأوس. معتّب بن عوف السّلوليّ المعروف بابن الحمراء الخزاعيّ. معتّب بن قشير- بقاف ومعجمة مصغّرا- الأنصاريّ الأوسيّ. معقل- بعين مهملة وقاف- ابن المنذر الأنصاريّ السّلميّ. معمر- بفتح الميمين- ابن الحارث بن معمر القرشيّ الجمحيّ أخو حاطب. معمر بن حبيب. معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال، ذكره الواقديّ وأبو معشر. معن بن عدي بن الجدّ- بكسر الجيم- ابن العجلان البلويّ حليف الأوس. معن بن يزيد، يقال: إنه شهد بدرا. معوذ- بضم الميم وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة- ابن الحارث الأنصاري

حرف النون

الخزرجيّ، وهو ابن عفراء. معوّذ بن عمرو بن الجموح بن زيد الأنصاري الخزرجيّ، ذكره ابن عقبة وأبو معشر والواقدي. معيقيب- بقاف وآخره موحدة مصغّرا- ابن أبي فاطمة الدّوسيّ حليف بني عبد شمس، ذكره ابن حبان فيهم، وتبعه المزنيّ والذهبيّ وأبو الفتح. المقداد بن الأسود الكنديّ هو ابن عمرو بن ثعلبة الأنصاريّ. مليل- بلامين مصغّرا- ابن وبره- بفتح الموحّدة- الأنصاريّ الخزرجيّ. المنذر بن عمرو بن خنيس الأنصاريّ الخزرجيّ. المنذر بن قدامة بن عرفجة الأنصاريّ الأوسيّ. المنذر بن محمد بن عقبة الأنصاريّ الأوسيّ. مهجع- بكسر الميم وإسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة- ابن صالح الكلبيّ مولى عمر بن الخطاب. حرف النون نضر- بالضاد المعجمة ويقال بالمهملة- ابن الحارث بن عبيد بن رزاح- بفتح الراء- الأنصاريّ، ذكروه. النّعمان بن الأعرج بن مالك بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ. النعمان بن ثابت بن النعمان أبو الصّباح الأنصاريّ الأوسيّ. النعمان بن خزيمة- بالخاء المعجمة، ويقال بالمهملة- الأنصاريّ الأوسيّ. النعمان بن سنان مولى بني غنم بن عدي بن الخزرج. النعمان بن عبد عمرو الأنصاريّ الخزرجيّ. النعمان- في الأصحّ، ويقال: لقيط- ابن عصر- بالتحريك، وقيل بكسر العين، وقيل بفتحها وسكون الصاد فيهما وقيل غير ذلك- البلويّ حليف الأوس. النعمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاريّ. النعمان بن قوقل- بقافين مفتوحتين- ابن أحرم الأنصاريّ. النعمان بن مالك بن ثعلبة بن عدي بن فهر بن ثعلبة بن غنم الأنصاريّ الخزرجيّ.

حرف الهاء

نعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري. نعيمان بن عمرو، أخّر ذكره ابن دريد في الاشتقاق وقال: إنه شهد بدرا واستشهد بأحد قال الحافظ: وهو غير الذي قبله، لأن ذلك له قصة مع مخرمة في زمن عثمان، وجزم ابن سعد بأنه بقي إلى زمن معاوية، ولعله النعمان بن عمرو، بغير تصغير، وقد مضى ذكره. نهيك بن التّيّهان- بمثناة مفتوحة فتحتية مشددة مكسورة- الأنصاريّ أخو أبي الهيثم، نقل الأمويّ عن ابن إسحاق إنه شهد بدرا. نوفل بن ثعلبة بن عبد الله بن ثعلبة بن نضلة بن مالك الأنصاري الخزرجيّ. نوفل بن عبد الله بن نضلة، ذكره ابن الأثير: قال الحافظ: وأظنّ ابن الأثير صحّف جدّه، وإنما هو ثعلبة وتقدّم، قلت: قد سبق ابن الأثير إلى ذكره ابن الجوزي في التّلقيح، فلعلّه آخر. حرف الهاء هانئ بن نيار- بكسر النون وتخفيف التحتية وبالراء- ابن عمرو البلويّ أبو بردة حليف الأنصار. هبيل- بضم أوله وفتح الموحّدة وسكون المثناة التحتية ثم لام- ابن وبرة الأنصاريّ الخزرجيّ. هران- بنون بدل اللام- ابن عمرو بن قربوس الأنصاريّ. هشام بن عتبة بن ربيعة، يقال هو اسم أبي حذيفة. هلال بن أمية بن عامر الأنصاريّ، تقدم في ترجمة مرارة بن الربيع. هلال بن أبي خوليّ بن عمرو الجعفيّ ذكره ابن عقبة وابن الكلبيّ. هلال بن المعلّى بن لوذان الأنصاريّ الخزرجيّ حلفا. همّام بن الحارث بن حمزة، ذكره أبو عمر. حرف الواو واقد بن عبد الله بن عبد مناف التميميّ اليربوعيّ حليف بني عدي بن كعب. ودقة بن إياس بن عمرو الأنصاري الخزرجيّ، اختلف في ضبطه فقيل بالفاء. وقيل: بالقاف، والأكثر أنه بالدال المهملة، وقيل بالمعجمة، وذكره ابن هشام بالرّاء، وكذا هو في

حرف الياء

بعض النسخ من كتاب ابن عقبة. وديعة بن عمرو الجهنيّ حليف الخزرج. وهب بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب القرشيّ العامريّ، نقله أبو عمر عن مغازي ابن عقبة وتعقّب في ذلك. وهب بن سعد بن أبي سرح بن ربيعة هلال القرشيّ الفهريّ. وهب بن كلدة من بني عبد الله بن غطفان. وهب بن محصن هو ابن عبد الله. وهب بن محصن، هو أبو سنان أخو عكّاشة، وهو غير أبي سنان بن محصن الآتي في الكنى. حرف الياء يزيد بن الأخنس السّلميّ. يزيد بن ثابت بن الضّحّاك الأنصّاري، ذكر خليفة إنه شهد بدرا، وأنكر ذلك غيره. يزيد بن الحارث بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ. يزيد بن حرام- بحاء مهملة فراء- بن سبيع- بموحّدة مصغّرا- الأنصاريّ الخزرجيّ، واختلفت نسخ مغازي موسى بن عقبة، ففي بعضها كذلك وفي بعضها حزام، وفي بعضها حدارة. يزيد بن رقيش بن رياب- بكسر الراء فمثناة تحتيّة- الأسديّ. يزيد بن السكن بن رافع الأنصاريّ الأوسيّ. يزيد بن عامر بن حديدة الأنصاري الخزرجي أبو المنذر. يزيد بن المنذر بن سرح- بمهملات- ابن خناس- بضم الخاء المعجمة وتخفيف النون- الأنصاريّ الخزرجيّ. الكنى حرف الألف أبو الأعور الحارث بن ظالم بن عيسى بن حرام الأنصاريّ الخزرجيّ، سمّاه ابن إسحاق كعب بن الحارث. وقال العدويّ: اسمه الحارث بن ظالم. وقال ابن عقبة: أبو الأعور ابن الحارث.

حرف الباء الموحدة

أبو أيوب خالد بن زيد. حرف الباء الموحدة أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، رضوان الله عليه. حرف الحاء المهملة أبو الحارث بن قيس بن خالد بن مخلّد الأنصاريّ. أبو حبّة- بالباء الموحدة- البدريّ. قال أبو حاتم: اسمه عامر بن عبد عمرو. أبو حبّة بن ثابت بن النعمان الأنصاري الخزرجي. أبو حنّة- بالنون- ابن مالك بن عمرو بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة الأنصاريّ. أبو حبيب- بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة- ابن زيد بن الحباب الأنصاري الخزرجي. أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشيّ، تقدم الكلام على اسمه في السابقين إلى الإسلام. أبو الحسن الأنصاريّ المازنيّ قيل: اسمه تيم بن عبد عمرو بن قيس بن محرّث- بحاء وراء مهملتين ومثلثة- وزن محمد- وقيل: تميم بن عمرو، وقيل: غير ذلك. أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة، ويقال: مولى الحارث بن عفراء. حرف الخاء المعجمة أبو خارجة عمرو بن قيس، تقدّم في الأسماء. أبو خالد بن الحارث بن قيس، تقدّم. أبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم أخو معوّذ الأنصاريّ الخزرجيّ. حرف الدال المهملة أبو داود- بتقديم الألف على الواو على المشهور- الأنصاريّ، قيل: اسمه عمرو، وقيل: عمير بن عامر. أبو دجانة اسمه سماك بن خرشة. حرف الزاي أبو زعنة- بفتح الزاي والنون بينهما عين مهملة- الشاعر، مختلف في اسمه، قيل عامر بن كعب بن عمرو، وقيل غير ذلك. نقل أبو عمر عن الطبريّ إنه شهد بدرا.

حرف السين المهملة

حرف السين المهملة أبو سبرة بن أبي رهم القرشيّ العامريّ. أبو السّبع بن عبد القيس الأنصاريّ، اسمه ذكوان، تقدّم. أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد الأنصاريّ الأوسيّ، ذكره ابن الكلبيّ. أبو سفيان بن وهب بن ربيعة الأسديّ، ذكره ابن حبان فيهم. أبو سلمة بن عبد الأسد، اسمه عبد الله بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ. أبو سليط الأنصاريّ، يقال: اسمه أسير- بالراء- وقيل: بزيادة هاء آخره، ويقال: أسيد، ويقال: أنيس مصغّرا، ويقال: سبرة الأنصاري الخزرجي. أبو سنان بن وهب اسمه عبد الله، ويقال: وهب بن عبد الله الأسديّ. أبو سنان بن صيفيّ بن صخر الأنصاريّ. حرف الشين المعجمة أبو شراك الفهريّ، ذكره الواقديّ وأبو معشر في أهل بدر، وأن اسمه عمرو بن أبي عمرو، وجوّز ابن سعد أنه عمرو بن الحارث السابق. أبو شيخ اسمه أبي- بضم الهمزة- الأنصاريّ الخزرجيّ أخو حسّان. حرف الصاد المهملة أبو صرمة، بكسر أوله وسكون الراء. حرف الضاد المعجمة أبو ضيّاح- بفتح الضاد المعجمة فمثناة تحتية مشددة وقيل بتخفيفها- اسمه النعمان بن ثابت، تقدّم. حرف الطاء المهملة أبو طلحة، اسمه زيد بن سهل. حرف العين أبو عبيدة- بضم أوله- ابن الجرّاح، اسمه عامر بن عبد الله، أحد العشرة، رضي الله عنهم. أبو عقيل- بفتح العين وكسر القاف- البلويّ، حليف الأوس. قيل: اسمه عبد الله بن

حرف الفاء

عبد الرحمن- وقيل بالعكس- ابن ثعلبة. أبو عمرو الأنصاريّ. حرف الفاء أبو فضالة الأنصاريّ. حرف القاف أبو قيس بن المعلّى بن لوذان الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره ابن الكلبيّ. حرف الكاف أبو كبشة- بفتح الكاف وإسكان الموحدة فشين معجمة- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: اسمه سليم، وقيل: أوس، وقيل: سلمة. حرف اللام أبو لبابة بن عبد المنذر، قال ابن عقبة: اسمه بشير- بمعجمة على وزن عظيم- وقيل بالمهملة، أوّله تحتانية. وقال ابن إسحاق: اسمه رفاعة، ردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرّوحاء، واستخلفه على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره. حرف الميم أبو مخشيّ الطائيّ، حليف بني أسد. أبو مرثد- بالثاء المثلثة- الغنويّ، اسمه كنّاز، تقدّم. أبو مسعود البدري رضي الله عنه اسمه عقبة بن عمرو. أبو مليل- بلامين- ابن الأزعر بن زيد الأنصاري الأوسيّ. حرف النون أبو نملة الأنصاريّ. حرف الهاء أبو الهيثم بن التيهان، قيل: اسمه مالك. حرف الياء أبو يحيى عبد الله بن كعب الأنصاريّ. أبو اليسر- بفتحتين- الأنصاريّ اسمه كعب بن عمرو.

ذكر بعض ما قاله الصحابة من الشعر في غزوة بدر

ذكر بعض ما قاله الصحابة من الشعر في غزوة بدر قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. قال ابن هشام وأكثر أهل العلم ينكرها ألم تر أمرا كان من عجب الدّهر ... وللحين أسباب مبيّنة الأمر وما ذاك إلا أنّ قوما أفادهم ... فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر عشية راحوا نحو بدر بجمعهم ... فكانوا رهونا للرّكيّة من بدر وكنّا طلبنا العير لم نبغ غيرها ... فثاروا إلينا فالتقينا على قدر فلمّا التقينا لم تكن مثنويّة ... لنا غير طعن بالمثقّفة السّمر وضرب ببيض يختلي الهام حدّها ... مشهّرة الألوان بيّنة الأثر ونحن تركنا عتبة الغيّ ثاويا ... وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر وعمرو ثوى فيمن ثوى من مماتهم ... فشقّت جيوب النّائحات على عمرو جيوب نساء من لؤي بن غالب ... كرام تفرّعن الذّوائب من فهر أولئك قوم قتّلوا في ضلالهم ... وخلّوا لواء غير محتضر النّصر لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم، إنّ الخبيث إلى غدر وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم ما بي اليوم من صبر فإنّي أرى ما لا ترون وإنّني ... أخاف عقاب الله والله ذو قسر فقدّمهم للحين حتّى تورّطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا ... ثلاث مئين كالمسدّمة الزّهر وفينا جنود الله حين يمدّنا ... بهم في مقام ثمّ مستوضح الذّكر فشدّ بهم جبريل تحت لوائنا ... لدى مأزق فيه إياهم تجري وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ابن هشام: ولم أر أحدا من أهل العلم يعرفها لعليّ: ألم تر أن الله أبلى رسوله ... بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل بما أنزل الكفّار دار مذلّة ... فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل فأمسى رسول الله قد عزّ نصره ... وكان رسول الله أرسل بالعدل فجاء بفرقان من الله منزل ... مبيّنة آياته لذوي العقل فآمن أقوام بذاك وأيقنوا ... فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشّمل وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم ... فزادهم ذو العرش خبلا على خبل وأمكن منهم يوم بدر رسوله ... وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل بأيديهم بيض خفاف عصوا بها ... وقد حادثوها بالجلاء وبالصّقل

فكم تركوا من ناشئ ذي حميّة ... صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل تبيت عيون النّائحات عليهم ... تجود بإسبال الرّشاش وبالوبل نوائح تنعى عتبة الغيّ وابنه ... وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل وذا الرّجل تنعى وابن جدعان فيهم ... مسلّبة حرّى مبيّنة الثّكل ترى منهم في بئر بدر عصابة ... ذوي نجدات في الحروب وفي المحل دعا الغيّ منهم من دعا فأجابه ... وللغيّ أسباب مرمّقة الوصل فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشّغب والعدوان في أشغل الشّغل وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: عجبت لأمر الله والله قادر ... على ما أراد، ليس لله قاهر قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا ... بغوا وسبيل البغي بالنّاس جائر وقد حشدوا واستنفروا من يليهم ... من الناس حتى جمعهم متكاثر وسارت إلينا لا تحاول غيرنا ... بأجمعها كعب جميعا وعامر وفينا رسول الله والأوس حوله ... له معقل منهم عزيز وناصر وجمع بني النّجّار تحت لوائه ... يمشّون في الماذيّ والنّقع ثائر فلمّا لقيناهم وكلّ مجاهد ... لأصحابه مستبسل النّفس صابر شهدنا بأنّ الله لا رب غيره ... وأن رسول الله بالحقّ ظاهر وقد عرّيت بيض خفاف كأنّها ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر بهنّ أبدنا جمعهم فتبدّدوا ... وكان يلاقي الحين من هو فاجر فكبّ أبو جهل صريعا لوجهه ... وعتبة قد غادرنه وهو عاثر وشيبة والتّيميّ غادرن في الوغى ... وما منهما إلا لذي العرش كافر فأمسوا وقود النّار في مستقرّها ... وكلّ كفور في جهنّم صائر تلظّى عليهم وهي قد شبّ حميها ... بزبر الحديد والحجارة ساجر وكان رسول الله قد قال: أقبلوا ... فولّوا وقالوا: إنّما أنت ساحر لأمر أراد الله أن يهلكوا به ... وليس لأمر حمّه الله زاجر وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقي الضّجيع ببارد بسّام كالمسك تخلطه بماء سحابة ... أو عاتق كدم الذّبيح مدام نفج الحقيبة بوصها متنضّد ... بلهاء غير وشيكة الأقسام

بنيت على قطن أجمّ كأنّه ... فضلا إذا قعدت مداك رخام وتكاد تكسل أن تجيء فراشها ... في جسم خرعبة وحسن قوام أمّا النّهار فلا أفتّر ذكرها ... واللّيل توزعني بها أحلامي أقسمت أنساها وأترك ذكرها ... حتّى تغيّب في الضّريح عظامي يا من لعاذلة تلوم سفاهة ... ولقد عصيت على الهوى لوّامي بكرت عليّ بسحرة بعد الكرى ... وتقارب من حادث الأيّام زعمت بأنّ المرء يكرب عمره ... عدم لمعتكر من الأصرام إن كنت كاذبة الّذي حدّثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام تذر العناجيج الجياد بقفرة ... مرّ الدّموك بمحصد ورجام ملأت به الفرجين فارمدّت به ... وثوى أحبّته بشرّ مقام وبنو أبيه ورهطه في معرك ... نضر الإله به ذوي الإسلام طحنتهم والله ينفذ أمره ... حرب يشبّ سعيرها بضرام لولا الإله وجريها لتركنه ... جزر السّباع ودسنه بحوامي من بين مأسور يشدّ وثاقه ... صقر إذا لاقى الأسنّة حامي ومجدّل لا يستجيب لدعوة ... حتّى تزول شوامخ الأعلام بالعار والذّلّ المبينّ إذ رأى ... بيض السيّوف تسوق كلّ همام بيدي أغرّ إذا انتمى لم يخزه ... نسب القصار سميدع مقدام بيض إذا لاقت حديدا صمّمت ... كالبرق تحت ظلال كلّ غمام فأجابه الحارث بن هشام- وأسلم بعد ذلك- فقال: القوم أعلم ما تركت قتالهم ... حتّى حبوا مهري بأشقر مزبد وعرفت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا ينكل عدوّي مشهدي فصددتّ عنهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد وكان الأصمعي يقول: هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار. وكان خلف الأحمر يقول: أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ: لعمرك ما ولّيت ظهري محمّدا ... وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل ولكنّني قلّبت أمري فلم أجد ... لسيفي مساغا إن ضربت ولا نبلي وقفت فلمّا خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود كالهزبر أبي الشّبل

وإن تقاربا لفظا ومعنى فليس ببعيد من أن يكون الثاني أجود من الأول، لأنه أكثر انتفاء من الجبن ومن خوف القتل، وإنما علّل فراره بعدم إفادة وقوفه فقط، وذلك في الأول جزء علّته، والجزء الآخر قوله: أقتل، وقوله: رموا مهري بأشقر مزبد، يعني الدّم، ويحتمل أن يكون ذلك مقيّدا بكون مشهده لا يضرّ عدوّه، ومع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى وأصرح لفظا ومعنى. وقال حسّان أيضا: قومي الّذين هم آووا نبيّهم ... وصدّقوه وأهل الأرض كفّار إلّا خصائص أقوام هم سلف ... للصّالحين مع الأنصار أنصار مستبشرين بقسم الله قولهم ... لمّا أتاهم كريم الأصل مختار أهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة ... نعم النّبيّ ونعم القسم والجار فأنزلوه بدار لا يخاف بها ... من كان جارهم دارا هي الدّار وقاسموهم بها الأموال إذ قدموا ... مهاجرين وقسم الجاحد النّار سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا دلّاهم بغرور ثمّ أسلمهم ... إنّ الخبيث لمن والاه غدّار وقال: إنيّ لكم جار، فأوردهم ... شرّ الموارد فيه الخزي والعار ثمّ التقينا فولّوا عن سراتهم ... من منجدين ومنهم فرقة غاروا وقالت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن مصعب بن عبد الله وغيره من قريش، ورواه الأمويّ عن سعيد بن قطن: ألمّا تكن رؤياي حقّا ويأتكم ... بتأويلها فلّ من القوم هارب رأى فأتاكم باليقين الّذي رأى ... بعينيه ما تفري السّيوف القواضب فقلتم- ولم أكذب- كذبت، وإنما ... يكذبني بالصّدق من هو كاذب وما فرّ إلّا رهبة الموت هاربا ... حكيم وقد أعيت عليه المذاهب أقرّ صياح القوم عزم قلوبهم ... فهنّ هواء والحلوم عوازب أقامت سيوف الهند دون رؤوسكم ... وخطّيّة فيها الشّبا والثّعالب كأنّ حريق النّار لمع ظباتها ... إذا ما تعاطتها اللّيوث المشاغب ألا بأبي يوم اللّقاء محمّدا ... إذا عضّ من عون الحروب الغوارب مروا بالسّيوف المرهفات نفوسكم ... كفاحا كما تمري السّحاب الجنائب فكم بردت أسيافهم من مليكة ... وزعزع ورد بعد ذلك صالب

شرح غريب القصة

فما بال قتلى في القليب ومثلهم ... لدى ابن أخي أسرى له ما يضارب أكانوا نساء أم أتى لنفوسهم ... من الله حين ساق والحين جالب فكيف رأى عند اللّقاء محمّدا ... بنو عمّه والحرب فيها التّجارب ألم يغشكم ضربا يجار لوقعه ال ... جبان وتبدوا بالنّهار الكواكب حلفت لئن عدتم ليصطلمنّكم ... بحارا تردّى حافتيها المقانب كأنّ ضياء الشّمس لمع ظباتها ... لها من شعاع النّور قرن وحاجب وقالت عاتكة أيضاً فيما نقله الأموي: هلّا صبرتم للنّبيّ محمّد ... ببدر ومن يغشى الوغى حقّ صابر ولم ترجعوا عن مرهفات كأنها ... حريق بأيدي المؤمنين بواتر ولم تصبروا للبيض حتّى أخذتم ... قليلا بأيدي المؤمنين المشاعر وولّيتم نفرا وما البطل الّذي ... يقاتل من وقع السّلاح بنافر أتاكم بما جاء النّبيّون قبله ... وما ابن أخي البرّ الصّدوق بشاعر سيكفي الّذي ضيّعتم من نبيّكم ... وينصره الحيّان: عمرو، وعامر شرح غريب القصة ندب الناس: دعاهم فانتدبوا: أجابوه. المثقال وزنه درهم وثلاثة أسباع درهم، وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم. العسيراء: تقدم الكلام عليها في غزوتها. العير بالكسر: الإبل تحمل الميرة ثم غلبت على كل قافلة. لم يلم- بضمّ التحتية- لم يعذل. لم يحتفل لها: لم يهتمّ بها فلم يجمع النّاس. الظّهر- بالفتح-: الإبل التي يحمل عليها ويركب. يقال: عند فلان ظهر: أي إبل. التّحسّس- بحاء وسينين مهملات- قال في النهاية: التجسّس، بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر، فالجاسوس صاحب سر الشر. والناموس: صاحب سر الخير. وقيل: التّجسّس بالجيم: أن يطلبه لغيره، وبالحاء أن يطلبه لنفسه، وقيل: بالجيم: البحث عن العورات، وبالحاء: الاستماع، وقيل: معناهما واحد في معرفة تطلّب الأخبار، قلت: وجزم في الروض بالثاني. الحوّار- بحاء مهملة مضمومة فواو مشددة فألف فراء-: موضع بالشام.

شرح غريب رؤيا عاتكة

ذو المروة: قرى واسعة من أعمال المدينة، بينها وبين المدينة ثمانية برد. ينبع- بمثناة تحتية مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مضمومة فعين مهملة-: قرية جامعة بين مكة والمدينة. الزّرقاء: تأنيث الأزرق: موضع في بادية الشام ناحية معان. معان- بميم مضمومة فعين مهملة-: حصن كبير على خمسة أيام من دمشق على طريق مكة. الرّصد يقال للرّاصد الواحد والجماعة الراصدين، يقال: رصدته رصدا من باب قتل: قعدت على الطريق. الرّكب: أصحاب الإبل في السفر دون الدّواب، وهم عشرة فما فوقها، والرّكبان: الجماعة منهم. استنفر الناس: حثّهم على الخروج بسرعة. حذر (بكسر الذال المعجمة) . ضمضم- بضادين معجمتين- والظاهر أنه مات على شركه. الغفاريّ (بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء) . الجدع- بجيم فدال مهملة-: قطع الأنف، وقطع الأذن أيضا، وقطع اليد والشّفّة وهو بالأنف أخصّ. شرح غريب رؤيا عاتكة الرؤيا (بغير تنوين) أعظمتها: استكبرت أمرها. أفظعتني- بفاء فظاء معجمة مشالة فعين مهملة- أي اشتدّت عليّ، يقال: فظع الأمر- بالضم- فظاعة فهو فظيع، أي شديد شنيع يجاوز المقدار، وكذلك أفظع الأمر فهو مفظع وأفظع الرجل بالبناء للمفعول لم يسمّ فاعله. الأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى، وهو ما بين المحصّب ومكة، وليس الصّفا منه. انفروا: أسرعوا. يال (بفتح اللام) .

غدر- بغين معجمة مضمومة- قال في النهاية: معدول عن غادر للمبالغة. يقال للذّكر غدر، وللأنثى غدار- بفتح أوله- وهما مختصّان بالنداء في الشّتم، وقال السّهيليّ: غدر جمع غدور ولا تصح رواية من رواه بفتح الدّال مع كسر الرّاء ولا فتحها، لأنه لا ينادي واحدا، ولأنّ لام الاستغاثة لا تدخل على مثل هذا البناء في النداء وإنما يقول: يال غدر، انفروا- تحريضا لهم- إن تخلّفتم غدر لقومكم. والغدر: ترك الوفاء. المصارع: جمع مصرع- بفتح الميم والراء-: الموضع والمصدر. في ثلاث، أي بعد ثلاثة أيام يكون نفرهم إلى مصارعهم، وكان كذلك. مثل به بعيره- بالميم والثاء المثلثة المفتوحتين واللام-: انتصب قائما. أبو قبيس: جبل مشهور بمكة. نزعها: جذبها. تهوي- بفتح أوله وكسر ثالثه-: تسقط وتنزل. الفلقة- بكسر الفاء وإسكان اللام: - القطعة. استكتمه إيّاها: أمره بكتمانها. أقبل إلينا (بفتح الهمزة وكسر الموحدة) . فرسي رهان، أي يتسابقان إلى غاية. المجد: الشّرف. تحاكّت الرّكب، تقدم في باب اعتراف أبي جهل بصدقه صلى الله عليه وسلم. كبير (بالموحدة) . ولا خرقا- بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء وبالقاف- من الخرق وهو الحمق. مهلا: رفقا وتؤدة. يا مصفّر استه: رماه بالأبنة- بضم الهمزة وسكون الموحدة- وهي التهمة بالفاحشة وأنه كان يزعفر استه، وقيل: هي كلمة تقال للمتنعّم المترفّه الذي لم تحنّكه التجارب والشدائد، وقيل: أراد يا مضرّط نفسه، من الصّفير وهو الصّوت بالفم، كأنه قال يا ضرّاط، نسبه إلى الجبن والخور. وقال ابن هشام: هذا مما يؤنّب الرّجل به وليس من الحبق. قلت: والحبق- بفتح الحاء المهملة والموحدة وبالقاف- وهو الضّرّاط. وقال في الإملاء: العرب تقول هذا للرّجل الجبان ولا تريد به التّأنيب، وهذا القول من العباس في أبي جهل يردّ ما ذكره السهيلي في قول عتبة هذا القول لأبي جهل، كما سيأتي.

أفشى: أظهر. غير- بكسر الغين المعجمة فمثناة تحتية مفتوحة فراء- وهو اسم من قولك: غيّرت الشيء فتغيّر. وايم الله، أي يمين الله. وفيها اثنتا عشرة لغة. لأكفيكنّه- بضم الكاف الثانية وفتح النون المشدودة- وهو خطاب لجماعة النّسوة. حديد (بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين) . مغضب- بفتح الضاد المعجمة- اسم مفعول من الغضب. خفيفا: سريعا. حديد الوجه: قويّه. يشتدّ: يعدو. الفرق- بفتح الفاء والراء وبالقاف-: الخوف. اللّطيمة اللّطيمة- بلامين الثانية مشدّدة وطاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فميم فتاء تأنيث-: الجمال التي تحمل العطر. ولطائم المسك: أوعيته، وهما منصوبان بفعل مقدّر، أي أدركوا. الغوث الغوث، بنصبهما. يقال: غوّث الرجل إذا صاح: وا غوثاه، والاسم الغوث والغواث والغواث. أشفقوا: خافوا. الفلّ- بفتح الفاء وتشديد اللّام-: القوم المنهزمون. جهاز المسافر- بفتح الجيم وكسرها-: أهبته وما يحتاج إليه في قطع المسافة. ليعلمن- بضم الميم إن كان مسندا للواو المحذوفة لالتقاء الساكنين، وبفتحها إن كان مسندا لمحمد صلى الله عليه وسلم. الصّباة: يأتي في شرح قتل أمية بن خلف. العيرات: جمع عير، وتقدم بيانه. الحملان- بالضم- مصدر حمل. أشخصوه معهم: أخرجوه. المقنب- بكسر الميم فقاف ساكنة فنون مفتوحة فموحدة وزن منبر-: الجماعة من

شرح غريب خروج قريش

الخيل مقدار ثلاثمائة أو نحوها. لاط له بأربعة آلاف درهم. قال في النهاية: اللّياط: الرّبا لأن كلّ شيء ألصق بشيء وأضيف إليه فقد أليط به، والرّبا ملصق برأس المال. يقال: لاط حبّه بقلبي يليط ويلوط ليطا ولوطا ولياطا، وهو أليط وألوط. وقال أبو عبيد: سمّي الرّبا لياطا لأنه ملصق بالبيع وليس ببيع. هبل- بضم الهاء وفتح الموحدة-: اسم صنم. استقسم بالأزلام: ضرب بها لإخراج ما قسم الله له من أمر وتمييزه بزعمهم. الآمر والناهي: القدح الذي فيه افعل، والقدح الذي فيه لا تفعل. الأزلام: القداح واحدها زلم، بفتحتين ويضم الأول. القدح- بكسر القاف وسكون الدال المهملة-: السّهم بلا ريش. أجمعوا المقام، يقال: أجمعت المسير والأمر، وأجمعت عليه، يتعدى بنفسه وبالحرف: عزمت عليه. أزعجهم: أزالهم عن رأيهم. جليلا- بالجيم-: عظيما. جسيما: عظيما. بين ظهراني قومه- بفتح النون- أي بينهم. المجمرة- بكسر الميم- وهي المبخرة والمدخنة. قال بعضهم: والمجمر كمنبر أيضا: ما يتبخّر به من عود وغيره، وهي لغة في المجمرة. استجمر به، فعل أمر، أي تبخّر به. تثبّطه- بفتح المثناة الفوقية والثاء المثلثة وضمّ الموحدّة- شغله عن التخلّف عن السّفر. شرح غريب خروج قريش الصّعب والذّلول، أي من الإبل الصّعب: الذي لا ينقاد. والذّلول- بفتح الذال المعجمة، من الذّل، بكسر الذّال: ضدّ الصّعب. القيان- بفتح القاف وتخفيف المثناة التحتية- والقينات- بفتح القاف-: جمع قينة- بفتح القاف- وهي الأمة غنّت أم لم تغنّ، والماشطة. وكثيرا ما تطلق على المغنّية من الإماء، وهو المراد هنا.

الدّفوف- بضم الدال المهملة جمع دفّ- بضمّ الدال وبفتحها- وهو معروف. مناة- بفتح أوله- اسم صنم. يثنيهم: يصرفهم عن السّفر. تبدّى: ظهر. سراقة (بضم أوله والتخفيف) . جعشم- بضم الجيم والشين المعجمة وسكون العين المهملة بينهما، ويقال بفتح الجيم- حكاه في الصّحاح والمشهور ضمّها. أنا جار لكم: الجار، الخفير، والذي يجير غيره أي يؤمّنه ممّا يخاف. حشدوا: اجتمعوا. البطر كالتّعب كالأشر والطّغيان في النّعمة. وغمطها، أي كفرها. يصدّون عن سبيل الله: يعرضون عن الصراط المستقيم، وهو اتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. أوردهم: أحضرهم وأوقعهم. الحين- بفتح المهملة-: الهلاك. دلّاهم: أحفرهم. الغرور: الخداع. أسلمهم، يقال: أسلم فلانٌ فلاناً، إذا ألقاه في الهلكة ولم يحمه من عدوّه، وهو عامّ في كل من أسلمته إلى شيء، لكن دخله التّخصيص وغلب عليه الإلقاء في الهلكة. السّراة- بفتح المهملة- جمع سريّ، وهو الذي جمع السّخاء والمروءة، وجمع السّراة سروات. منجدين: قاصدين نجدا، وهو المرتفع من الأرض. غاروا- بالغين المعجمة-: قصدوا الغور، وهو ما انخفض من الأرض. مرّ- بفتح الميم والرّاء المشددة- مضاف إلى الظّهران- فتح الظاء المعجمة المشالة- ويقال: الظّهران من غير إضافة «مرّ» : مكان على بريد من مكّة، وقيل على ستة عشر ميلا. الجزائر- بالجيم والزاي- جمع جزور، وهو البعير إذا كان ذكرا أو أنثى، إلا أنّ لفظه مؤنث، تقول: هذه جزور، وإن أردت ذكرا. الخباء- بخاء معجمة فموحدة وبالمدّ- واحد الأخبية، وهو من وبر أو صوف، ولا

شرح غريب رؤيا جهيم بن الصلت

يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. عسفان- بعين مضمومة فسين ساكنة مهملتين-: قرية جامعة على نحو أربعة برد من مكة، وتسمى الآن: مدرج عثمان. قديد- بضم القاف على لفظ التصغير-: قرية جامعة بقرب مكّة. مياه: جمع ماء. الأبواء- بفتح الهمزة وبالمدّ-: قرية جامعة بينها وبين المدينة ثماني مراحل. الجحفة: قرية جامعة على طريق المدينة من مكة، وهي مهيعة، وسميت الجحفة، لأنّ السّيل أجحفها وحمل أهلها، وهي بقرب رابغ. شرح غريب رؤيا جهيم بن الصلت جهيم (بالجيم مصغّرا) . الصّلت (بصاد مهملة ومثناة فوقية) . أغفى- بغين معجمة- نام، وفيه لغة رديئة غفى. فزع هنا: هب من نومه. آنفا بالمدّ ويقصر، أي قريبا. اللبة- بفتح اللام وتشديد الموحّدة-: المنحر. شرح غريب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم السّقيا- بسين فقاف كحبلى-: قرية جامعة من عمل الفرع على طريق مكة، بينها وبين المدينة أربع مراحل. خمّ- بخاء معجمة مضمومة فميم مشددة- على ثلاثة أميال من الجحفة. لابتيها- تثنية لابة، وهي الحرّة، بفتح الحاء- وهي أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار، والجمع ككلاب. منجدا لقومه: ناصرا لهم. أبلى بلاء حسنا: عمل عملا جيّدا في قتال الكفّار. العالة جمع عائل؛ يقال: عال يعيل عيلة فهو عائل، إذا افتقر. اللّواء، ككتاب جمعه ألوية: علم الجيش وهو دون الرّاية، قال في الإملاء: مستطيل.

الرّاية: علم الجيش. قال أبو ذر: وهي مربّعة. الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة والمدّ-: قرية جامعة على ليلتين من المدينة. ذات الفضول- بضم الفاء والضاد المعجمة- قيل سمّيت بذلك لفضلة كانت فيها. توشّح- بالشين المعجمة-: جعل علاقته على كتفه الأيمن، وجعل السيف تحت إبط يده اليسرى. العضب- بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة-: السّيف القاطع. اعتقبوها: تناوبوها في الركوب واحدا بعد واحد. أعيا: عجز. البكر- بفتح الموحّدة-: الفتيّ من الإبل. الحارك: فروع الكتفين، وهو أيضا الكاهل. ينقز: يثب. الزّميل- بفتح الزاي وكسر الميم-: العديل الذي حمله مع جملك على البعير، وقد زاملني، أي عادلني، وهو الرّديف أيضا، وهو المراد هنا. السّاقة: جمع سائق، وهم الذين يسقون الجيش ويكونون من ورائه يحفظونه. تربان- بضم المثناة الفوقية وسكون الرّاء فموحّدة-: واد به مياه كثيرة على ثمانية عشر ميلا من المدينة على طريق مكة. فوّق- بتشديد الواو- له بسهم: وضع السّهم في الوتر ليرمي به. سدّد رميّته: جعلها صائبة. الرّمق- بفتحتين: بقية الرّوح. عرق الظّبية، بعين مهملة مكسورة فراء ساكنة فقاف، والظّبية: تأنيث ظبي، كذا قال أبو عبيد البكري في معجمه، ثم قال: قال ابن هشام: وغير ابن إسحاق يقوله بضمّ الظاء- وهو على ثلاثة أميال من الرّوحاء. قال في الروض: الظّبية: شجرة شبه القتاة يستظلّ بها، وجمعها ظبيان على غير قياس. نزوت: كناية عن الوقاع. يقال: نزا الفحل الأنثى نزوا- من باب قتل- ونزوانا: وثب، والاسم النّزوّ، ومثل كتاب وغراب، يقال ذلك في ذي الحافر والظّلف والسّباع.

السّخلة: الصّغير من ولد الغنم، استعارها لولد النّاقة. سجسج- بفتح السين المهملة وسكون الجيم بعدها مثلهما-: بئر بالرّوحاء. قال في الروض: سمّيت سجسجا لأنها بين جبلين، وكل شيء بين شيئين فهو سجسج. المنصرف- بميم مضمومة فنون ساكنة فصاد مفتوحة فراء ففاء- موضع بين الحرمين الشريفين. النّازية- بنون وزاي على لفظ فاعلة، من نزا ينزو-: اسم موضع به عين. قال في الروض: وهي رحبة واسعة فيها عضاة ومروج. رحقان- براء- قال أبو عبيد البكريّ مفتوحة، وقال السّيّد-: مضمومة فحاء مهملة ساكنة فقاف فألف فنون-: واد قرب المدينة. الصّفراء على لفظ تأنيث أصفر: قرية فوق ينبع. جزع واديا- بجيم فزاي-: قطعه عرضا. ذفران- بذال معجمة ففاء مكسورة-: اسم واد بقرب المدينة. عدد النّاس- بعين ودالين الأولى مفتوحة مهملات-: المعدود. تعرّض (بتشديد الراء) . مسلح [بميم فسين مهملة فلام فحاء مهملة] . مخرئ [بميم فخاء معجمة فراء فمثناة تحتية مهموزة] . حراق: بضم الحاء المهملة وتخفيف الرّاء. غفار: بغين معجمة مكسورة ففاء. أجل كنعم، وزنا ومعنى. اظعن- بظاء معجمة مشالة- سافر. الأسود: العرب، لغلبة السواد. والأحمر: العجم. أو الأحمر: الإنس، والأسود: الجنّ. البرك- بفتح الموحدة والراء- قال في المطالع: فتح الباء أكثر الرّواة وبعضهم كسرها. وقال النّوويّ: ذكره جماعة من أهل اللّغة بالكسر لا غير، قال الزّمخشريّ: هو من وراء مكة بخمس ليال بناحية السّاحل ممّا يلي البحر. غمدان- بغين معجمة مضمومة فميم ساكنة فدال مهملة: قصبة صنعاء. وفي رواية: برك الغماد- بضم الغين المعجمة وبالدال المهملة- وتقدم الكلام عليه

مبسوطا في باب إرادة الصّدّيق الهجرة: «لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه» ، أي لو أتيت جانبه عرضا لتخوضه خضناه معك. المجالدة: المضاربة بالسيوف. لصبر (بفتح اللام وضم الصاد المهملة والموحدة) . صدق (بضم الصّاد والدال المهملتين) . أشرق وجهه. أضاء وتلألأ حسنا. الطائفتان: العير المقبلة مع أبي سفيان وأصحابه، والنّفر من مكة، لاستنقاذه. الشّوكة: هنا شدّة البأس والنّكاية في العدوّ. الطاقة: القوّة. الثنايا: جمع ثنية، وهي كلّ عقبة مسلوكة. الأصافر- بصاد مهملة جمع أصفر-: جبال قريبة من الجحفة عن يمين الطّريق من المدينة إلى مكة. الدّبّة- بفتح الدال المهملة وتشديد الموحّدة-: موضع قبل بدر. الحنّان- بحاء مهملة فنون مشددة، وقد تخفف، قاله البكريّ، وفي القاموس: بالضم فألف فنون-: كثيب. وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ماء» قال في النور: ظهر لي أنه أراد من ماء دافق، والشيخ المشار إليه حمله على المنهل. وقال أبو جعفر الغرناطيّ في شرح بديعته «رفيقة ابن جابر» : إنه تورية، وإنّه ماء قبيلة. العراق: الإقليم المشهور، يسمى بذلك لأنه على شاطئ دجلة والفرات، والعراق في كلام العرب الشاطئ على طوله. وقال آخرون: العراق: فناء الدار، فهو متوسّط بين الدار والطريق. وكذلك العراق متوسّط بين الرّيف والبرّيّة. الراوية: الإبل التي يستقى عليها الماء. أذلقوهما- بذال معجمة فقاف-: بالغوا في ضربهما. الكثيب: التّلّ من الرمل. العدوة- بضم العين المهملة وكسرها-: الجانب المرتفع من الوادي. القصوى- بضم القاف-: البعدى.

شرح غريب ذكر وصول أبي سفيان إلى قريب المدينة

العقنقل- بفتح العين المهملة والقاف الأولى وسكون النون وفتح القاف الثانية وباللام-: الكثيب المتداخل الرّمل، والجمع عقاقل. ألقت: رمت. الأفلاذ: جمع فلذ- بكسر الفاء وسكون اللام وذال معجمة- والفلذ: جمع فلذة، وهي القطعة المقطوعة طولا. والكبد معروف، وهو هنا استعارة، أراد صلى الله عليه وسلم صميم قريش ولبابها وأشرافها، كما يقال: فلان قلب عشيرته، لأن الكبد من أشرف الأعضاء. والمعنى أنّ مكة أخرجت رجالها المشهورين العظماء منها، شبّه ما يخرج منها بأكباد ذوات الكبد التي هي مستورة في أجوافها، ولرفعة ذلك ونفاسته شبّهه بأفلاذ الكبد، وهو أفضل ما يشوى من البعير عند العرب وأمراه. أناخا البعير: برّكاه. الشّنّ- بفتح الشين المعجمة وتشديد النون-: القربة البالية. مجديّ: بفتح الميم وإسكان الجيم فدال مهملة فياء مشددة كياء النّسب. الحاضر: القوم النّزول على ما يقيمون عليه ولا يرحلون عنه. ويقال للمناهل المحاضر للاجتماع والحضور عليها. قال الخطّابيّ: وربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور، فهو فاعل بمعنى مفعول. يتلازمان: يتماسكان للخصومة. جلسا على بعيرهما: ركباهما. شرح غريب ذكر وصول أبي سفيان إلى قريب المدينة النّفير: القوم النّافرون لحرب أو غيرها، تسمية بالمصدر. ورد بدرا: حضرها. العقل- بضم العين المهملة والقاف-: جمع عقال، وهو معروف. ترجّع: تكرّر. الحنين- بفتح الحاء المهملة-: الشّوق، يقال: حنّت النّاقة حنينا: مدّت صوتها على ولدها. تواردا [إلى المساء: ورداه معا] . مناخها- بضم الميم-: موضع الإناخة. يقال أناخ الجمل إناخة. قالوا: ولا يقال في المطاوع: فناخ، بل تبرّك وتنوّخ. وقد يقال: استناخ.

ساحل: سلك طريق ساحل البحر. تعزف: تلعب بالمعازف، وهي آلات يضرب بها، واحدها عزف مثل فلس على غير قياس. قال الأزهري: وهو نقل عن العرب، وإذا قيل: المعزف- بكسر الميم- فهو نوع من الطنابير يتّخذه أهل اليمن. وقال الجوهري: المعازف: الملاهي. بكّتهم: غيّرهم وقبّح فعلهم. الجبن- بضم الجيم وسكون الموحدة-: ضعف القلب. الضّيعة بمعنى الضّياع. رجز الشيطان: وساوسه. اغتبط بكذا: سرّ به. الطّلّ- بفتح الطاء المهملة-: المطر الخفيف، ويقال: أضعف المطر. وطّأ به الأرض: مهّدها. ربط الله على القلب: قوّاه. القوز- بفتح القاف وسكون الواو وبالزاي-: العالي من الرمل كأنه جبل. أدنى ماء: أقربه. نغوّر ما وراءه: من رواه بالغين المعجمة فمعناه نذهبه وندفنه، ومن رواه بالمهملة فمعناه نفسده. الآنية: جمع إناء وهو معروف. القلب- بضمتين-: قليب البئر، وهو مذكور، قال الأزهريّ: القليب عند العرب البئر العاديّة القديمة مطويّة كانت أو غير مطويّة. العريش: شبه الخيمة يستظلّ به. وقال في الرّوض: كلّ ما أظلّك وعلاك من فوقك، فإن علوته أنت فهو عرش لك لا عريش. قال في الزهر: وفيه نظر في موضعين: الأول تفرقته بين العرش والعريش لم أره عند لغويّ، والذي رأيت ما ذكره في الموعب عن صاحب العين: أن العرش والعريش ما يستظلّ به، وبسط الكلام على ذلك. نعدّ (بضمّ النون وكسر العين وتشديد الدال المهملتين) . الرّكائب- براء فكاف مفتوحتين فألف فهمزة فباء-: جمع الرّكاب، وهي الإبل، واحدتها راحلة. المعركة- بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الراء-: موضع القتال. تعدّى- بفتحات والدال مشددة-: تجاوز.

حدّها- بفتح الحاء والدال المهملة المشددة-: غضبها. تحادّ الله: تعاديه وتخالف أمره. الحرد- بفتح الحاء والراء المهملتين وقد تسكّن الراء-: الغضب. الحنق: الغيظ. تصوّب: تقصد. استجال بفرسه- بالجيم-: طاف به غير مستقرّ. يتبوّأ منزلا: يتّخذه. الخيلاء- بضم الخاء المعجمة وكسرها- التكبّر والإعجاب. فنصرك- بالنّصب بفعل مقدّر- أي أنجز لي نصرك، أو أعطني، أو أنزل، أو نحو ذلك. أحنهم- بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وسكون النون- أي أهلكهم، من الحين والهلاك. يرشدوا- بفتح أوله وثالثه وبضمّ- أي يهتدوا. اعصبوها اليوم برأسي، أي اجعلوا عارها متعلّقا بي. يأبى: يمتنع. العمر- بفتح العين- الحياة. الطاقة: القوة. أمهلوني- بقطع الهمزة-: اتركوني. الكمين: المستخفي في الحرب حيلة. ضرب في الوادي: سار فيه. البلايا: جمع بليّة، وهي الناقة أو الدّابّة التي تحفر بيدها حفرة ويشدّ رأسها، وتبلى، أي تترك على قبر الميّت، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت، وكان بعض العرب ممّن يقرّ بالبعث، يزعم أنّ صاحبها يحشر عليها راكبا، وإذا لم يفعل بها ذلك يحشر ماشيا. النّواضح جمع ناضح- بضاد معجمة فحاء مهملة-: الإبل التي يستقى عليها الماء. النّاقع: - بنون وقاف مكسورة فعين مهملة-: البالغ، ويقال: الثابت. المنعة- بفتح النون وإسكانها- فبالفتح جمع مانع ككاتب وكتبة، وبالسكون على معنى منعة واحدة.

الملجأ- بالهمز- ما يعتصم به. يتلمّظون: التلمّظ: إدارة اللسان في الفم وتحريكه، يتتبّع أثر ما كان فيه. جلدا- بالتحريك-: شدّة وقوة. الحلقة: السّلاح. الكراع- بضم الكاف- جماعة الخيل. أن يؤوبوا: يرجعوا. الحجف، جمع حجفة، بالتّحريك: التّرس. مستميتين: مستقتلين، وهم الذين يقبلون على الموت. العقل- بفتح العين والقاف- الدّية. ألفاكم: وجدكم. نثل درعه- بنون فمثلثة فلام مفتوحات- استخرجها من جرابها. ويقال للدّرع الواسعة النّثيلة، بفتح النون وكسر المثلثة وسكون التحتية. الجراب- بكسر الجيم وتفتح- في لغيّة حكاها النّوويّ، وصاحب القاموس مع كثرة اطّلاعه لم يحكها إلا عنه. يهنئها- بفتح التحتية وسكون الهاء بعدها نون فهمزة- أي يطليها ويتفقّدها. انتفخ (بالفاء والخاء المعجمة) . سحره: كلمة تقال للجبان. وفيها ثلاث لغات، وزان فلس وسبب وقفل، وجمع الأولى سحور كفلوس، وجمع الثانية والثالثة أسحار وهو الرئة، وقيل: ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن، وقيل: هو سواد القلب. وما بعتبة؟ أي ابن ربيعة. وفي نسخة من السيرة الهاشمية ما بغيته؟ بموحدة فغين معجمة ساكنة فمثناة تحتية مفتوحة ففوقية- وهي الحاجة. أكلة- بفتح الهمزة والكاف واللام- جمع آكل، أي هم قليل يشبعهم جزور واحد. ثأرك (بثاء مثلثة فهمزة ساكنة وتسهّل) . انشد خفرتك، أي اطلب من قريش الوفاء بخفرتهم لك، لأنه كان حليفا لهم. قال في الإملاء: وهي- بضم الخاء المعجمة وفتحها- العهد. واقتصر في الصّحاح على الضّمّ.

شرح غريب ذكر ابتداء الحرب

مصفّرا استه. قال في الروض: سادة العرب لا تستعمل الخلوق والطّيب إلا في الدّعة والخفض، وتعيبه في الحرب أشدّ العيب، وأحسب أن أبا جهل لمّا سلمت العير وأراد أن ينحر الجزور، ويشرب الخمر ببدر استعمل الطيب، أو همّ به، فلذلك قال له عتبة هذه المقالة، ألا ترى قول الشاعر في بني مخزوم: ومن جهل أبو جهل أخوكم* غزا بدرا بمجمرة وتور وقوله: مصفّرا استه إنما أراد مصفّرا بدنه، ولكنه قصد المبالغة في الذّمّ فخصّ منه بالذّكر ما يسوؤه أن يذكر. وهذا الذي قاله مع مخالفته لظاهر اللّفظ سبق ردّه. الاست همزته وصل ولامه محذوفة، والأصل سته بالتّحريك، وهو العجز، ويراد به حلقة الدّبر. حميت الحرب: اشتدّت. حقب الأمر: اشتدّ وضاقت فيه المسالك، وهو مستعار من حقب البعير، إذا اشتدّ عليه الحقب- وهو الحزام الأسفل- وراغ حتى بلغ وعاء قضيبه، فضاق عليه مسلك البول. استوسقوا- بسينين مهملتين وقاف-: اجتمعوا واستقرّ رأيهم على ذلك. البيضة: الخوذة. الهامة- بتخفيف الميم- الرأس، والجمع هام. الاعتجار- بالجيم والراء-: التّعمّم من غير أن يجعل تحت لحيته من العمامة شيء. متن الفرس: ظهره. النّصف- بفتح النون والصاد المهملة-: العدل والقسط. شرح غريب ذكر ابتداء الحرب القدح- بكسر القاف وسكون الدال وبالحاء المهملتين-: عود السهم إذا قوم واستوى قبل أن ينصل ويراش، فإذا ركّب فيه النّصل والرّيش فهو السّهم، وقيل: عود السّهم نفسه. سواد (بتخفيف الواو) . غزيّة (بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية) . مستنتل- بمثنّاتين فوقيتين: الأولى مفتوحة والثانية مكسورة بينهما نون ساكنة- أي يتقدّم أمام الصّفّ. يقال: استنتلت، إذا تقدّمت. أقدني- بهمزة مفتوحة- أي اقتصّ لي من نفسك.

استقد: اقتصّ. البأس: الحرب. المقت: أشدّ البغض. ابلوا ربّكم: اختبروه. شرسا- بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبالسين المهملة-: سيّء الخلق. أطنّ قدمه: أسرع قطعها فطارت، أي طنّت. يقال: أطننتها، أي قطعتها، استعارة من الطّنين وهو صوت القطع. تشخب- بضم الخاء المعجمة-: تتفجّر. حبا: زحف. المناوشة في القتال: تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا. نشبت الحرب: اشتبكت الرّجال بعضها مع بعض. سلمت (بكسر اللام) . أوذنكم: أعلمكم. كثبوكم- بمثلّثة فموحّدة- قربوا منكم. استبقوا- بسكون الموحدة- فعل أمر من الاستبقاء، أي طلب الإبقاء. العنان- بكسر العين المهملة-: اللّجام، وسمي بذلك لأنه يعنّ، أي يعترض في الفم فلا يلجمه. النّقع- بنون مفتوحة فقاف ساكنة فعين مهملة-: الغبار. الشّوكة- بشين معجمة مفتوحة فواو ساكنة-: وهي هنا شدّة القتال وحدّته. أخرج (بقطع الهمزة) . أكفاء: جمع كفو، وهو النظير. أثبت صاحبه: أصاب مقاتله. كرّ عليه: عطف. دفّفا عليه- بالدال المهملة وبالذال المعجمة- يقال: دففت على الأسير وداففته ودففت عليه، أي أجهزت عليه وحررت قتله. حازاه- بالحاء المهملة والزاي-: ضمّاه.

شرح غريب ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.

نبزى- بضم النون وسكون الموحدة وفتح الزاي- معناه لا يسلب ونغلب عليه. نناضل: نرامي بالسّهام. نذهل: نغفل. الحلائل: - بالحاء المهملة-: الزّوجات. برزوا: ظهروا. أول من يجثو- بالجيم والمثلثة- أي يقعد على ركبتيه مخاصما، والمراد بهذه الأوّليّة تقييده بالمجاهدين من هذه الأمة، لأن المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الإسلام، كذا قيل، وفيه نظر. شرح غريب ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. يناشد ربّه: يسأله ويرغب إليه. تهلك (بفتح الفوقية وكسر اللام) . العصابة، بالرّفع، فاعل تهلك، وهي الجماعة من الناس. المناشدة: المسألة. شقّة قمر: تقدم بيان ذلك في أبواب صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم. الأكناف- جمع كنف، وهي الجوانب. ألححت: ألحفت بالمسألة. يهتف بربّه: يناديه ويدعوه. كذاك مناشدتك لرّبك كذاك- بذال معجمة- يعني كفاك. قال قاسم بن ثابت: كذاك يراد بها الإغراء، والأمر بالكفّ عن الفعل، وهو المراد هنا. وأنشد لجرير: كذاك القول إنّ عليك عينا أي حسبك من القول فدعه. وفي البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأنجشة: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير، وأورده مرة أخرى فقال: كذاك سوقك بالقوارير، وإنّما دخله النّصب كما دخل في عليك زيدا وفي دونك، لأنّك إذا قلت: دونك زيدا وهو يطالبه فقد أعلمته بمكانه، فكأنك قلت: خذه. ومسألة «كذاك» من هذا الباب، لأنك إذا قلت: كذاك القول أو السير فكأنك قلت: كذاك أمرت فاكفف ودع.

خفق- بخاء معجمة فقاف-: حرّك رأسه وهو ناعس. أبشر (بقطع الهمزة) . أداة الحرب- بفتح الهمزة وبالدال المهملة-: آلتها. الدّبرة- بفتحتين وتسكّن- وهي النّصرة والظّفر على العدوّ، والدّبرة أيضا الهزيمة. الحمحمة- بحاءين مهملتين-: صوت الفرس دون الصّهيل. أقدم- بضمّ الدال والهمزة، وبفتح الهمزة وكسر الدال، وعكسه، ورجّح النّوويّ وصاحب النهاية الثاني، وهو من التقدّم في الحرب. والإقدام: الشجاعة، واقتصر في البارع على الثالث، وقال في الإملاء: أقدم: كلمة تزجر بها الخيل. حيزوم- بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فزاي مضمومة فواو فميم- وهو فيعول من الحزم. والحيزوم أيضا يطلق على الصّدر، فيجوز أيضا أن يكون سمي به لأنه صدر خيل الملائكة ومتقدّم عليها، وروي بالنّون عوض الميم، أي أقدم يا حيزوم- وقول من قال: إنه اسم فرس جبريل يردّه ما رواه البيهقي عن خارجة بن إبراهيم، عن أبيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: من القائل يوم بدر من الملائكة: أقدم حيزوم؟ فقال جبريل: ما كل أهل السماء أعرف. قناع القلب- بكسر القاف وتخفيف النون وبالعين المهملة-: غشاؤه. يشتدّ: يعدو. إثر (بكسر الهمزة وإسكان الثاء المثلثة ويجوز فتحها وحكي تثليث الهمزة) . انتعشت: ارتفعت وقمت. رويدا: اسم فعل أمر، ويكون صفة، نحو ساروا سيرا رويدا، وحالا نحو: ساروا رويدا. البنان: الأصابع، وقيل: أطرافها. مجنّبة الجيش: هي التي تكون في الميمنة والمسيرة، وهي مجنّبتان- والنون مكسورة- وقيل: هي الكتيبة التي تأخذ ناحية الطريق. قال في النهاية: والأول أصحّ. الماتح- بالفوقية-: المستقي من البئر بالدّلو من أعلى البئر، وبالتحتية الذي يملأ الدّلو، والأول المراد هنا. رأيتنا (بضمّ التاء) .

شرح غريب سيما الملائكة

المدد: المعين. البجاد- بكسر الموحّدة-: الكساء الأسود، أراد الملائكة الذين أمدّهم الله بهم. مبثوث: متفرّق. الأفق- بضمتين-: الناحية من الأرض ومن السماء. الصّبا كالحصى: الرّيح الشّرقيّة. الدّبور- بفتح الدال-: الرّيح التي تقابل الصّبا من جهة المغرب. ويقال: تقبل من جهة الجنوب ذاهبة نحو المشرق. خطم بالبناء للمفعول، وأنفه نائب الفاعل. والخطم: الكسر. يندر- بفتح التحتية وسكون النون وضم الدال المهمة- أي يسقط. الكلم- بفتح الكاف- الجرح. الجرف- بضمتين وبالسكون تخفيفا-: ما جرفته السيول وأكلته من الأرض. زايله: فارقه. تشبّث: تعلّق. لا يلوي: لا يلتفت. أسألك نظرتك، أشار إلى قوله تعالى: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر 37، 38] ألفى: وجد. الخذلان- بكسر الخاء: ضدّ النّصر. نقرن- بنون فقاف فراء-: نجمع. شرح غريب سيما الملائكة السّيما- بالقصر ويجوز المدّ-: العلامة. الرّيطة- بفتح الراء وسكون التحتية-: كلّ ملاءة ليست لفقتين، أي قطعتين. سوّمت: علّمت. نواصي الخيل: الشّعر المسترسل على الجبهة. العهن: الصّوف. .

شرح غريب ذكر شعار المسلمين

شرح غريب ذكر شعار المسلمين الشّعار- بكسر الشين المعجمة وتخفيف العين المهملة-: العلامة التي يتعارفون بها للقتال. يا منصور أمت: أمر بالموت، المراد به التّفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة، مع حصول الغرض للشّعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لأجل ظلمة الليل. شرح غريب ذكر التحام القتال بخ بخ: كلمة تقال عند المدح والرّضا بالشيء وتكرّر للمبالغة، وهي مبنية على السكون، فإن وصلت جرّدت ونونت فيقال بخ بخ، وربما شدّدت. وبخبخت الرجل، إذا قلت له ذلك، ومعناهما تعظيم الأمر وتفخيمه وقال في المطالع: يقال بالإسكان وبالكسر مع التنوين وبالضم دون تنوين. وبخ بخ- بضم الخاء والتنوين والتخفيف- فمن سكّن شبّهها بهل وبل، ومن كسر ونوّنها أجراها مجرى مه وصه، وشبهها بالأصوات. قال الخطابي: والاختيار إذا كرّرت تنوين الأولى وتسكين الثانية. وقال في القاموس: بخ، أي عظم الأمر وفخم. تقال وحدها وتكرّر، ويقال: بخ الأوّل ينوّن والثاني يسكّن، وقل في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة، وبخ منوّنة مضمومة. ويقال: بخ بخ مسكنين، وبخّ بخّ مشدّدين: كلمة تقال عند الرضا والإعجاب بالشّيء، أو الفخر والمدح. شرح غريب مقتل عوف بن الحارث الحاسر: بحاء وسين مهملتين- الذي لا درع له، زاد بعضهم ولا مغفر. غمس يده في دم العدوّ، أي أدخلها فيهم بالضّرب. شرح غريب: وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّضا- بحاء مهملة فراء مشددة فألف اثنين- بمعنى حثّا، بفتح الحاء المهملة والمثلّثة المشدّدة. أمّنا- بفتح الهمزة والميم المشددة- أي تقدّمنا للعدوّ. حمي البأس: اشتدّت الحرب. نلوذ- بذال معجمة-: نلتجي. شرح غريب ذكر دعاء أبي جهل على نفسه أحنه- بهمزة مفتوحة فحاء مهملة مكسورة فنون فهاء ضمير-: أهلكه، من الحين وهو الهلاك.

شرح غريب مقتل عدو الله أمية بن خلف

المستفتح: الحاكم على نفسه. شرح غريب مقتل عدو الله أمية بن خلف ألا أراك- بتخفيف اللام- للاستفتاح. آويتم بالمدّ والقصر. الصّباة- بضمّ المهملة وتخفيف الموحّدة- جمع صابي- بكسر الموحدة فتحتانية خفيفة بغير همز- وهو الذي ينتقل من دين إلى دين. طريقك، بالنصب والرّفع. قال الحافظ: النصب أصحّ لأن عامله لأمنعنّك فهو بدل من قوله: ما هو أشد وأما الرّفع فيحتاج إلى تقدير. استنفر الناس: استحثّهم على الخروج. أجمع القعود: وعزم عليه. ظهراني قومه: وسطهم. أما لكم في اللّبن من حاجة؟ تقدم الكلام على أما، والمعنى من أسرني ولم يقتلني افتديت منه بإبل كثيرة اللّبن. المعلّم- بضم الميم وفتح العين واللام المفتوحة المشددة- كما في نسخة صحيحة من العيون. وقال في النور: بسكون العين وكسر اللام. رأس الكفر، يجوز في رأس الرفع والنصب، وكذا في أمية. ابرك فبرك (بالموحّدة والكاف) . الدّسكرة: بناء يشبه القصر حوله بيوت. المسكة- بفتح الميم والكاف-: السّوار من الذّبل. شرح غريب ذكر رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار بالحصباء الحصباء بالمدّ: الحصا الصّغار. شاهت الوجوه: قبحت. لا يلوون: لا يلتفتون. يأسرون بكسر السين. الطّست: تقدم الكلام عليه في باب شق صدره الشّريف.

شرح غريب ذكر مقتل أبي جهل

الصّناديد: جمع صنديد، وهو السيّد الشريف الشجاع، أو الحليم الجواد، أو الشريف. كرّة العدوّ: رجوعه. لألجمنّه بالسيف- يروى بالجيم والحاء المهملة وهو فيهما رباعي، فمن رواه بالجيم فمعناه لأضربنّ به في وجهه، ومن رواه بالحاء فمعناه: لأقطعنّ لحمه بالسّيف ولأخالطنّه. جنادة بضم الجيم والتخفيف. مليحة: بميم مضمومة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فحاء مهملة. يستأسر بكسر السين الثانية. عظم الناس- بضم العين المهملة وإسكان الظاء المعجمة المشالة- أي أكثرهم. شرح غريب ذكر مقتل أبي جهل بين أضلع منهما- بضاد معجمة ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة- أي أقوى وأشدّ، وفي لفظ عند البخاريّ: أصلح. قال في المطالع: والأول أوجه. غمزني: الغمز: الكبس باليد. السّواد: هنا الشّخص. لم أنشب- بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الشين المعجمة فموحّدة- أي لم ألبث. الحرب العوان: التي قوتل فيها مرةً بعد مرة. البازل- بالزاي واللام- من الإبل: الذي خرج نابه وهو في ذلك السّنّ به قوّته، ويقال: هذا الرّجز ليس لأبي جهل وإنما تمثّل به. الحرجة- بفتح الحاء المهملة والراء والجيم- وهي مجتمع شجر ملتفّ كالغيضة، والجمع حراج وحرج. وقال في الإملاء: الحرجة: الشّجرة الكثيرة الأغصان. لا يخلص (بالبناء للمفعول) . عمدت: قصدت. طاح الشيء يطوح ويطيح، إذا سقط وهلك. مرضخة النّوى، بالحاء المهملة والمعجمة. وقيل: الرّضح- بالحاء المهملة: كسر اليابس، وبالمعجمة كسر الرّطب. قال في الإملاء: المرضخة: الحجر الذي يكسر به النّوى. أجهضني- بالجيم والضاد المعجمة بعد الهاء-: شغلني. تمطّيت: مددت بين يديّ.

برد- بموحّدة وراء مفتوحتين- أي مات، هكذا فسّروه. ووقع في رواية السّمرقنديّ في مسلم حتى برك- بكاف بدل الدال- أي سقط، وكذا رواه الإمام أحمد، قال القاضي: وهذه الرواية أولى لأنه قد كلّم ابن مسعود، فلو كان مات كيف كان يكلّمه؟! قال الحافظ: ويحتمل أن المراد بقوله برد أي صار في حاله من يموت ولم يبق فيه شيء سوى حركة المذبوح فأطلق عليه باعتبار ما سيئول إليه، ومنه قيل للسيوف: بوارد، أي قواتل، وقيل لمن قتل بالسيف: أصابه مسّ الحديد، لأن طبع الحديد البرودة. وقيل: معنى برّد: فتر، جدّ في الأمر حتى برد، أي فتر، وبرد النّبيذ: سكن غليانه. بصق- بالصاد والزاي أيضا-: أخرج ريقه ورمى به. عقير: قتيل. أثبته: أصاب مقاتله. الرّمق- بفتحتين-: بقية الحياة. المأدبة- بضم الدال وفتحها- الطّعام. جدعان (بجيم مضمومة فدال مهملة ساكنة فعين مهملة) . جحش- بجيم فحاء مهملة فشين معجمة مبني للمفعول-: خدش. مقنّعا (بميم مضمومة فقاف فنون مشددة مفتوحتين) . أنقف رأسه: أهشمه. أعمد- بالعين والدال المهملتين- أي هل زاد على رجل قتله قومه، وهل كان إلا هذا، أي أنّه ليس بعار: وقيل: أعمد بمعنى أعجب، أي أعجب من رجل قتله قومه، يقال: أنا أعمد من كذا أي أعجب منه، وقيل: أعمد بمعنى أغضب، من قولهم: عمد عليه، إذا غضب. وقيل: معناه أتوجّع وأشتكي، من قولهم: عمدني الأمر فعمدت، أي أوجعني فوجعت، والمراد بذلك كله أن يهوّن على نفسه ما حلّ به من الهلاك، وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه. الأكّار- بتشديد الكاف-: الزّرّاع، يعني بذلك أن الأنصار أصحاب زرع، فأشار إلى تنقيص من قتله منهم بذلك. ووقع في مسلم: لو غيرك كان قتلني. قال الحافظ: وهو تصحيف. الدّبرة: نقيض الدّولة، والظّفر والنّصرة (وتفتح الباء وتسكّن) . الدائرة، الهزيمة. سابغة البيضة: ما يوصل به إليها من حلق الدّرع فيستر العنق.

شرح غريب ذكر انقلاب العرجون سيفا وغريب بركة أثر ريقه

أجهز عليه: أسرع قتله. الله الذي لا إله إلا هو، قال في الروض: الاسم الجليل بالخفض عند سيبويه وغيره، لأن الاستفهام عوض عن الخافض عنده، وإذا كنت مخبرا قلت: الله بالنصب، لا يجيز المبرّد غيره، وأجاز سيبويه الخفض أيضا لأنه قسم، وقد عرف أن المقسم به مخفوض بالباء وبالواو، ولا يجوز إضمار حروف الجرّ إلا في هذا الموضع، أو ما كثر استعماله جدا، كما روى أن رؤبة كان يقول إذا قيل له: كيف أصبحت؟: خير عافاك الله. الخدر، قال في النور الظاهر أنه بخاء معجمة فدال مهملة فراء. يقال: خدر الرجل يخدر خدورا: ورم من الضرب، والمعنى أن السياط قد بضعت جلده وادمته، وفي نسخة من العيون بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة، والخدر معروف ولا يناسب ذلك. قتلة بكسر القاف. حدجة حنظل- بفتح الحاء والدال المهملتين فجيم فتاء تأنيث-: الحنظلة الفجّة الصّلبة، وجمعها حدج. المقمعة- بكسر الميم الأولى- سوط يعمل من حديد رأسها معوج. شرح غريب ذكر انقلاب العرجون سيفا وغريب بركة أثر ريقه العرجون- بضم العين المهملة-: أصل العذق الذي يعوجّ وينعطف ويقطع منه الشّماريخ فيبقى على النّخلة يابسا. جذلا من حطب- بكسر الجيم وفتحها وإسكان الذال المعجمة-: واحد الأجذال، وهي أصل الحطب، والمراد هنا العرجون. المتن: الظّهر. يسمّى العون (بفتح العين المهملة وإسكان الواو وبالنون) . الأعزل- بفتح الهمزة وسكون العين المهملة-: الذي لا سلاح معه. من نخل ابن طاب- بطاء مهملة فألف فموحدة-: نوع من أنواع تمر المدينة منسوب إلى ابن طاب: رجل من أهلها. جسر أبي عبيد بالجيم المكسورة. لأمه بالهمز وزن جذبه، وفي لغة بالمدّ على وزن آذنه، أي جمعه وضمّ بعضه إلى بعض.

شرح غريب ذكر انهزام المشركين

الحدقة- بالتحريك-: سواد العين. أجل: كنعم وزنا ومعنى. كرّة العدوّ- بالتشديد-: رجوعه. الوجنة- بالجيم مثلثة الواو، وبفتحتين، وكنبقة- والأجنة بالضم: ما نتأ من لحم الخدّ، وهما وجنتان. ومشرف الوجنتين: عالي عظام الخدّين. الإثخان- بالثاء المثلثة والخاء المعجمة-: المبالغة في الشيء، والمراد هنا المبالغة في قتل الكفار. شرح غريب ذكر انهزام المشركين رئي بالبناء للمفعول. مصلتا بالسيف: بارزا بالسيف من غمده. الدّبر- بضم الدال المهملة والموحّدة- خلاف القبل. يثب: يقفز. لمه: استفهامية حذفت ألفها، لدخول حرف الجرّ والهاء للسّكت. نفلّق: نشقّ. الهام: جمع هامة: الرأس. شرح غريب ذكر سحب الكفار إلى قليب بدر الطّويّ- بفتح الطاء المهملة وكسر الواو وتشديد التحتية-: البئر المطويّة، فعيل بمعنى مفعول، وطيّها بناؤها بالحجارة. فتزايل- بفاء فوقية فزاي فألف فتحتية فلام- أي تفرقت أعضاؤه. العرصة- بإسكان الراء-: البقعة التي ليس فيها بناء. شفا البئر- بفتح الشين المعجمة والفاء مقصورا-: حرفه. الشّفير- بالشين المعجمة والفاء- من كل شيء: حرفه وجانبه. الرّكيّ- بالراء المفتوحة- والرّكيّة- البئر. يا عتبة بن ربيعة، يجوز في عتبة ضم التاء ونصب نون ابن، ونصبهما جميعا، وعلى الأول يكتب ابن بألف وعلى الثاني تحذف، لأنه جعل الابن مع ما قبله اسما واحدا، وإذا قلت: يا أبا جهل ابن هشام، إن نوّنت اللام كتبت ابن بالألف، وإن لم تنون حذفتها.

شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه

أجيفوا: صاروا جيفا. الأماثل: الأخيار. شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه الكثيب-: بالمثلثة- التّلّ من الرّمل. القشيب- بقاف مفتوحة فشين معجمة مكسورة فمثناة تحتية فموحدة-: الجديد. والقشيب: الخلق- بكسر اللام- كما ذكره في المحكم والمنتهى، وهو المراد هنا، لأنهم إذا وصفوا الرسوم أو شبّهوها بالكتاب في الورق القشيب، فإنما يصفون الخطّ حينئذ بالدّروس والانمحاء، فإن ذلك أدلّ على إعفاء الدّيار وطموس الآثار. الجون- بفتح الجيم هنا-: السّحاب الأسود. الوسميّ- بفتح الواو-: مطر الخريف. المنهمر: الذي ينصبّ بشدّة. سكوب- بفتح السين المهملة- أي كثير السّيلان. يبابا- بمثنّاة تحتيّة وموحّدتين- أي خرابا مقفرا. الكئيب- بفتح الكاف وكسر الهمزة-: الحزين. كأنّ: حرف تشبيه. حراء: اسم جبل بمكة. جنح الغروب: - بكسر الجيم وضمها وسكون النون وفتح الحاء المهملة- أي حين تميل الشمس للغروب. الغاب- بالغين المعجمة- جمع غابة، وهو الشجر الملتفّ يكون فيه الأسود. مردان جمع أمرد، وهو الذي أبطأ نبات وجهه. الشّيب- بكسر الشين المعجمة- جمع أشيب، وهو الذي دخل في حدّ الشّيب. وازروه: أعانوه. اللّفح، يروى بالفاء، والمراد الحرّ، يقال: لفحته النّار، إذا أصابه حرّها وبالقاف، ومعناه الزّيادة والنّماء. يقال: لقحت الحرب، إذا زاد أمرها. الصّوارم: السيوف. المرهفات- بالفاء-: القاطعات.

شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة

الخاظي- بخاء وظاء مشالة معجمتين- الغليظ الممتلئ. الكعوب: عقد القناة. الغطاريف- بغين معجمة-: السادة، واحدهم غطريف، وحذف الياء في النظم للوزن. في الدّين الصّليب: الشّديد. الجبوب- بفتح الجيم وضم الموحدة- قال في الإملاء: وجه الأرض. وقال في الرّوض: الجبوب: اسم للأرض، لأنها تجبّ أي تحفر، أو تجبّ من يدفن فيها، أي تقطعه، وهذا أولى. انتهى. وقال بعض اللغويّين: الجبوب: المدر، واحدته جبوبة. قذفناهم: رميناهم. الكباكب: الجماعات. فسحب (بالبناء للمفعول) . شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة الأثيل- بضم أوله مصغّرا على وزن حميد-: موضع بالصّفراء. العقيق: الوادي الذي شقّه السيل قديما وهو في بلاد العرب عدة مواضع، منها العقيق الأعلى عند مدينة النبي صلى الله عليه وسلم. العالية: كل ما كان من جهة نجد من المدينة وقراها وعمائرها. وما دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة. يشتدّون: يعدون. الفلّ- بفتح الفاء- القوم المنهزمون، من الفلّ، وهو الكسر. الهيعة- بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح العين المهملة- كلّ ما أفزع من صوت أو فاحشة تشاع. وقال أبو عبيد: هي صيحة الفزع. البقيع: المكان المتّسع، ويقال: الموضع الذي فيه شجر، والمراد هنا بقيع الغرقد بالمدينة الشّريفة، كان ذا شجر وبقي الاسم. علية أصحابه- بكسر العين وسكون اللام-: أشرافهم. المرجف: الخائض في الأخبار الكاذبة والفتن، ليضطرب أمر الناس.

شرح غريب ذكر اختلاف الصحابة في الفيء وفيما يفعل بالأسرى

شرح غريب ذكر اختلاف الصحابة في الفيء وفيما يفعل بالأسرى الفيء بالهمزة: الخراج والغنيمة. يحوزونه- بالحاء المهملة والزاي-: يضمّونه ويجمعونه. أحدقت: أحاطت. الغرّة بالكسر: الغفلة. المشيخة: اسم جمع للشّيخ، وجمعها مشايخ. الشّبّان: جمع شاب، وهو غير المكتهل. الرّدء وزن حمل: المعين. يبلي بلائي: يفعل فعلي. الضّنّ- بكسر المعجمة وتشديد النون-: البخل. أفردت (بضم الهمزة وكسر الراء مبني للمفعول والتاء للمخاطب) . المضيعة- بكسر الضاد المعجمة- مفعلة من الضّياع والاطّراح، كأنه قال فيه: ضائع، فلما كان عين الكلمة ياء وهي مكسورة نقلت حركتها إلى العين فسكّنت الياء فصار وزن معيشة. القبض- بفتح القاف وبالموحّدة والضاد المعجمة- بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من مال الغنيمة قبل أن يقسّم. إصلاح ذات البين: إصلاح الفساد بين القوم، والمراد إسكان الثائرة. العشيرة: القبيلة، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها عشائر وعشيرات. أدنى من هذه الشجرة: أقرب منها. الظّفر: الفوز والفلاح. العضد- بعين مهملة فضاد معجمة-: النّاصر والمعين. أضرمه عليهم: أحرقه. شرح غريب ذكر رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا: راجعا. قرير العين: مسرورا، يقال: قرّت عينه أي سرّ وفرح، وحقيقته: أبرد الله دمعة عينه، لأن دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل: معنى أقرّ الله عينك: بلّغك أمنيتك حتى ترضى لنفسك، وتسكّن عينيك، فلا تستشرف إلى غيره.

النّازية- بالزاي وتخفيف المثناة التحتية-: موضع واسع بين مسجد المنصرف بآخر الرّوحاء وبين المستعجلة. سير- بسين مهملة فتحتية مفتوحتين-: كثيب بين النازية والصفراء، كانت به قسمة غنائم بدر، وقيل: بالموحّدة المشدّدة المكسورة، وقيل: بشين معجمة مفتوحة وتحتية مشددة مكسورة. السّرحة: الشجرة العظيمة. يضرب في إبله: يلقحها. ثكلته: فقدته. السّلب- بفتح اللام-: ما يسلب، أي يؤخذ، والجمع أسلاب. قال في البارع: وكلّ شيء على الإنسان من لباس فهو سلب. أحذى مماليك- بالذال المعجمة- أعطى. السّهمان- بضم السّين- والأسهم وهو النّصيب. الصّفيّ والصّفيّة: ما يصطفيه الرئيس من المغنم قبل القسمة. ولهذا مزيد بيان في الخصائص. مهريا- بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الراء- قيل نسبته إلى مهرة وزن ثمرة: حيّ في قضاعة، وقيل إلى مهرة: بلدة من عمان. المجد: الشرف. السّؤدد: السيادة. حلما أصيلا: ثابتا. اللّبّ: العقل. الأشعث: المتغيّر. الجذل- بالجيم والذال المعجمة-: أصل كل شجرة ذهب رأسها، قال في التقريب: وزاد أهل الغريب الفتح. ولم أره في كتاب لغة. الأبرام: جمع برم، وهو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر لبخله. المحل: القحط. الزّفزف- بزاءين معجمتين وفائين- الرّيح الشديدة السريعة المرور.

التّشبيب: إيقاد النار تحت القدر ونحوها. أزبدت: ألقت زبدها وهو رغوة غليانها. يذكي بالذال المعجمة: يوقد. الجزل- بفتح الجيم وكسرها وسكون الزّاي المعجمة-: الغليظ. المستنبح: - بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح الفوقية وسكون النون وكسر الموحدة وبالحاء المهملة- الرجل الذي يضلّ بالليل فينبح لتسمعه الكلاب، فيعلم بذلك موضع العمران فيقصده. الرّسل- بكسر الراء-: اللّبن. يا راكبا: نكرة غير مقصودة. الأثيل: تقدّم. مظنّة- بفتح أوله وكسر الظاء المعجمة المشالة وفتح النون المشددة المفتوحة-: موضع إيقاع الظّنّ به. ما إن تزال: إن زائدة. تخفق- بفتح المثناة الفوقية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء وآخره قاف- أي تسرع. العبرة- بفتح العين المهملة-: الدّمعة. مسفوحة: جارية. الواكف: السائل. تخنق (بخاء معجمة ساكنة فنون مضمومة) . أمحمد: الهمزة للنّداء ونوّنت للوزن، وفي لفظ أمحمدا، أرادت يا محمداه، على النّدبة. الضّنء- بفتح الضاد المعجمة فنون ساكنة فهمزة- وهو الأصل، يقال: هو كريم الضّنء، أي الأصل. والضّنء: الولد. يقال: ضنئت المرأة وأضنأت تضنأ، إذا ولدت. الفحل: الذّكر. المعرق- بضم أوله وبسكون المهملة وكسر الراء وفتحها-: الكريم. مننت: أنعمت، المنّة: النّعمة. ومن رواه: صفحت فمعناه عفوت، والصّفح: العفو. المغيظ- بفتح الميم وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة- وهو بمعنى المحنق: الشّديد الغيظ.

النّضر أقرب من أسرت: أرادت أقرب منّي، لأن الأسارى كان فيهم العبّاس ونوفل وعقيل وهم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النّضر. يعتق- بضم أوله وفتح ثالثه وروي بكسر ثالثه- ومعناه إن كان شرف ونجابة وكرم نفس وأصل يعتق صاحبه فهو أحقّ به. تنوشه- بمثناة فوقية مفتوحة فنون مضمومة فواو فشين معجمة- أي تتناوله. تشقّق- بضم الفوقية وفتح الشين المعجمة وتشديد القاف الأولى- أي تقطّع. الصّبر هنا القتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ، ويروى: قسرا- بسين مهملة- أي قهرا. متعبا: اسم مفعول من التّعب. الرّسف- بفتح الراء وسكون السين المهملة وفتح الفاء-: المشي الثّقيل كمشي المقيّد ونحوه. يقال: هو يرسف في قيوده، إذا مشى فيها. العاني- بالمهملة والنون-: الأسير. اخضلّت: ابتلّت من الدموع. رقّ لها: رحمها. يغمز فيها: يتكلّم في صحّتها. الصّبية والصّبيان: جمع صبيّ. وقول عمر: حنّ قدح- بكسر القاف وسكون الدال المهملة- ليس منها، أي من قريش يعرّض بنسب عقبه، وذلك أن اسم أبي معيط أبان بن ذكوان بن أمية، وكان أمية قد ساغ أمة أو بغت له أمة فحملت بذكوان، فاستلحقه بحكم الجاهلية. وقداح الميسر ربما جعل معها قدح مستعار سمّي المنيح، فإذا حرّك في الرّبابة مع القدح تميّز صوته، لمخالفة جوهره جوهر القداح فيقال حينئذ: قدح ليس منها. الرّوحاء: تقدّمت. عجائز: جمع عجوز. قال ابن سيده: العجوز والعجوزة من النساء: الهرمة، الأخيرة قليلة، والجمع عجز وعجائز. صلعا: جمع صلعاء- بفتح الصاد- والرجل أصلع. والصّلع- بالتحريك: - انحسار الشّعر عن مقدّم الرأس. والمعنى: ما قتلنا إلا مشايخ عجزة عن الحرب.

شرح غريب أبيات أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر رحمه الله

الملأ: الأشراف. ثنيّات الوداع: تقدم الكلام عليها في دخوله صلّى الله عليه وسلم المدينة. شرح غريب أبيات أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر رحمه الله بدا: ظهر. المواكب: جمع موكب، وهو جماعة ركّاب يسيرون برفق، وهم أيضا القوم الركوب للزينة والتنزّه. شرّدهم: طردهم. المشرفيّ: قال في الصحاح: المشرفيّة: السّيوف نسبت لمشارف، أي بالفاء، وهي قرية من أرض العرب تدنو من الرّيف. يقال: سيف مشرفيّ، ولا يقال: مشارفيّ، لأن الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن. المجندل: المطعون والملقى على الجدالة، وهي الأرض. العوالي: جمع عالية، وهي السّنان من القناة. سلا عنهم: فعل أمر مسند لاثنين، من السؤال. يوم السّلا: كالحصى الذي يكون فيه الولد، ويأتي الكلام على ذلك مبسوطا في جماع أبواب إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم. شرح غريب ذكر وصول الأسارى إلى المدينة الشريفة الحجرة: واحدة الحجر، وهي البيوت. السّريد- بسين مهملة- تعني به الثّريد، كذا ذكره البلاذريّ وغيره، وفيه نظر، لأن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان من فصحاء العرب، ونشأ بينهم، فكيف يأتي بالثاء المثلثة سينا؟ وكيف يقرّ على ذلك في حالة الصّغر؟ شرح غريب ذكر وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهليهم الخوالف: المخلّفون عن المرتحلين، وهو جمع خالفة لا جمع خالف، لأن فاعلا لا يجمع على فواعل إلا ما شذّ، والخالفة: تأنيث الخالف، وهو الذي قعد بعد خروج غيره. الأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصا، وهو هنا ما بين المحصّب ومكة. ذو طوى- بتثليث الطاء-: واد بمكة يصرف ولا يصرف.

شرح غريب نوح أهل مكة على قتلاهم

وقيعة- بفتح الواو وكسر القاف فتحتية ساكنة فعين مهملة مفتوحة فتاء تأنيث-: القتال، والجمع الوقائع، وهذا مجاز. بأنفذ صوته: أبعده وأعلاه. أبادت: أهلكت. الخرائد جمع خريدة: اللؤلؤة التي لم تثقب، والمراد العذراء. التّرائب: جمع تربية: عظام الصدر ما بين التّرقوة إلى الثّندوة. ويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة. جار- بالجيم والراء- وفي بعض النّسخ من العيون: حاد- بالمهملتين- أي مال. كبته الله: أذلّه وأخزاه. الطّنب- بضم الطاء المهملة والنون وبالموحدة- حبل الخباء، وطرف الحجرة. منحناهم أكتافنا: أعطيناهم إيّاها. ما تليق- بمثناة فوقية مضمومة فلام مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فقاف- أي ما تبقي شيئا. وايم الله- بهمزة وصل، وفي لغة بالقطع، وفتح همزتها وتكسر- أي يمين الله قسمي. يأسرون (بكسر السين) . لقينا القوم- بإسكان المثناة التحتية- والقوم منصوب، ويجوز فتح الياء والقوم بالرفع، والأول أولى لقوله: منحناهم أكتافنا، ليتّسق الكلام. ثاورته- بثاء مثلثة-: نهضت إليه. العدسة- بفتح العين والدال والسين المهملات فتاء تأنيث-: بثرة تشبه العدسة تخرج في موضع من الجسد، تقتل صاحبها غالبا. السّبّة- بسين مضمومة مهملة فموحّدة مشددة- أي فعل السّبّة. تقول: هذا رجل سبّة، أي يسبّه الناس. شرح غريب نوح أهل مكة على قتلاهم تستأنوا- بمثنّاة مفتوحة فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية فألف فنون- أي تؤخّرون فداهم. لا يأرب عليكم في الفداء- بمثناة تحتية مفتوحة فهمزة ساكنة فموحدة- أي يشدّد.

شرح غريب ذكر فرح النجاشي

السّهود- بضم السين المهملة-: عدم النّوم. البكر- بفتح الموحدة وسكون الكاف-: الفتيّ من الإبل. تقاصرت الجدود- بضم الجيم- جمع جدّ بفتحها، وهو هنا البخت والسّعد. شرح غريب ذكر فرح النجاشي الأخلاق: جمع خلق بفتحتين، يقال: خلق الثوب بالضّم، إذا بلي، وخلق، بفتحتين، وأخلق الثوب، لغة. شرح غريب ذكر إرسال قريش في فداء الأسارى حذقوا- بحاء مهملة فذال معجمة- مهروا وعرفوا. خندف: اسم قبيلة، وتقدم في الباب الأول الكلام عليه. أحلّ (بالبناء للمفعول) . النّحب- بفتح النون وإسكان المهملة- نائب الفاعل، وهو أشدّ البكاء. يظّلم: يطلب ظلمه، ومن رواه يطّلم- بالمهملة- فهو كذلك، إلا أنه غلّب الطّاء المهملة على الظاء المعجمة حين أدغمها. ذو الشّفر كلّ شيء: حدّه، ووقع في الرواية هنا بضمّ الشّين وفتحها. الأعلم: المشقوق الشّفة العليا فلهذا قيّده. والأفلح: المشقوق الشّفة السّفلى. يدلع لسانه- بفتح المثناة التحتية فدال مهملة ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة ساكنة- لأنه جواب شرط مقدر، أي يخرج. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ما بدا لهم: ما ظهر لهم. شرح غريب بيتي أبي سفيان وبيتي حسان الكبل- بكاف مفتوحة فموحدة ساكنة-: القيد. العضب- بعين مهملة فضاد معجمة-: السّيف. الحسام: السّيف القاطع أيضا. صفراء، يعني قوسا. النّبع: شجر ينبت بالجبال، واحده نبعة، وهو شجر تصنع منه القسيّ. تحنّ- بمثناة فوقية فحاء مهملة فنون- أي يصوّت وترها.

شرح غريب أبيات أبي عزة الجمحي

أنبضت- بضمّ وسكون النون وكسر الموحدة وفتح الضاد المعجمة- أي مدّ وترها. والإنباض: أن يحرّك وتر القوس ويمدّ. يأجج- بفتح المثناة التحتية وسكون الهمزة بعدها جيمين الأولى مثلّثة-: اسم واد بقرب مكة. لا يظاهر عليه أحدا، أي لا يعين عليه أحدا. الختن- بخاء معجمة فمثناة فوقية فنون- وهو عند العرب: كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ. وختن الرجل عند العامة: زوج ابنته. وقال الأزهريّ: الختن: أبو المرأة، والختنة: أمّها. قلادة- بقاف مكسورة ثم دال مهملة-: ما جعل في العنق. وتقلّد: لبسها. بنى بها: دخل عليها، وتقدم الكلام عليه مبسوطا. شرح غريب أبيات أبي عزة الجمحي بؤّئت: نزلت فينا منزلة. قال تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً [العنكبوت 58] . يؤوب: يرجع. والأوب: الرّجوع. شرح غريب ذكر عدد المسلمين النّهر هنا نهر الأردنّ، وهو معروف ببلاد الشام. النّيّف- بفتح النون وتشديد التّحتيّة، وقد تخفّف-: هو ما بين العقدين. شرح غريب التنبيه الرابع والعشرين حارثة- بالمهملة والمثلثة- وأمّه هي الرّبيّع- بالتّشديد- بنت النّضر، عمّة أنس. أهبلت- بضم الهمزة بعدها هاء فموحّدة مكسورة- أي أثكلت، وهو بوزنه. وقد تفتح الهاء، فيقال: هبلته أمّه تهبل- بتحريك الباء-: ثكلته. شرح غريب أبيات حمزة رضي الله عنه الحين: الهلاك. أفادهم: من رواه بالفاء فمعناه أهلكهم، يقال: فاد الرّجل وفاظ وفطس، إذا مات، ومن رواه بالقاف فهو معلوم.

فحانوا- بالحاء المهملة والنون-: هلكوا. الرّهون: جمع رهن. الرّكيّة- بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية-: البئر التي لم تطو. لم نبغ: لم نطلب. ثاروا- بالمثلثة-: نهضوا. القدر- بفتح القاف وسكون الدال وبفتحها-: ما يقدّره الله من القضاء. مثنويّة- بميم مفتوحة فمثلثة ساكنة- أي رجوع وانصراف. المثقّفة: الرّماح المقوّمة. والثّقاف- بالثاء المثلثة-: الخشبة التي تقوّم بها الرّماح. بيض- بكسر الموحّدة وبالضّاد المعجمة- جمع، أبيض وهو السّيف. يختلي- بالخاء المعجمة-: يقطع. الهام: الرؤوس، جمع هامة. الأثر- بضمّ الهمزة وسكون الثاء المثلثة- هو وشي السّيف وهو فرنده، أي ربده. ثاويا: مقيما. تجرجم- بضم المثناة الفوقية وفتح الجيمين بينهما راء ساكنة- أي تصرع. يقال فمعناه سقط. الجفر: يروى بجيم مفتوحة وبالحاء المهملة وبالفاء معهما، والفاء في رواية الجيم مفتوحة وسكنت للضرورة، فمن رواه بالجيم أراد البئر المتّسعة، ومن رواه بالحاء فكذلك. تفرّعن- بفوقية ففاء فراء مشددة-: علون. الذّوائب- بالذال المعجمة- الأعالي هنا. الحماة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم- جمع حام وهو النّاصر. فشقّت (بالبناء للمفعول) . جيوب- بكسر الجيم وضمّها- جمع جيب. وجيوب الثاني مرفوع بدل من الأول. قتّلوا (بالبناء للمفعول) . محتضر- بفتح الضاد المعجمة- أي لم يحضره النّصر. لواء ضلال (بالنّصب بدل من لواء الأول) .

شرح غريب أبيات علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قاد: (بالقاف) . خاس- بالخاء المعجمة والسين المهملة-: غدر. يقال: خاس بالعهد يخيس، إذا غدر به. القسر- بفتح القاف وإسكان المهملة-: القهر والغلبة. خبر (بضم الخاء المعجمة وإسكان الموحدة) . تورّطوا: وقعوا في هلكة. المسدّمة- بضم الميم الأولى وفتح السين والدال المشددة المهملتين-: الفحول من الإبل الهائجة التي سدّت أفواهها من شدّة هيجانها، شبّه جمعهم بالإبل الهائجة لاجتهادهم على الحرب وهيجانهم عليه رضي الله عنهم. ثمّ- بفتح المثلثة-: هناك. الزّهر- بضم الزاي والهاء-: البيض. المأزق- بالزاي والقاف-: الموضع الضّيّق في الحرب. شرح غريب أبيات علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبلى رسوله: منّ عليه وأنعم وصنع له صنيعا حسنا. الإسار: الأسر. راعت قلوبهم: مالت عن الحقّ. الخبل- بفتح الخاء المعجمة وسكون الموحدة-: الفساد، وهو قطع بعض الأعضاء. بيض خفاف- بخاء معجمة وفاءين- يعني السيوف. عصوا- بعين فصاد مهملة-: ضربوا. يقال: عصيت بالسيف، إذا ضربت به. وقد يقال فيه: عصوت أيضا. وإذا أخبرت عن جماعة قلت: عصوا- بضم الصاد- كما يقال عموا، ومن العصا تقول: عصوا، كما تقول: غزوا. حادثوها- بحاء فدال مهملتين فثاء مثلثة-: تعهّدوها. الناشئ- بالشين المعجمة-: الصغير. الحفيظة: الغضب. الإسبال: الإرسال، يقال: أسبل دمعه، إذا أرسله. الرّشاش: المطر الضعيف.

شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه

الويل- بفتح الواو وسكون الموحّدة-: المطر الشديد، فاستعارهما هنا للدمع. النّوائح: جمع نائحة. ذا الرّجل- بكسر الجيم-: الأسود بن عبد الأسد، قطع حمزة رضي الله عنه رجله على الحوض. ابن جدعان (بضم الجيم وإسكان الدال المهملة) . المسلّبة- بميم مضمومة فسين مهملة فلام مشددة فموحّدة مفتوحات- وهي المرأة التي تلبس الحداد، وهي الثياب السّود التي تلبسها الثّكلى. حرّى- بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين-: محترقة الجوف من الحزن. الثّكل- بضمّ المثلثة: - فقد الحبيب. مرمّقة- بضم الميم وفتح الراء والميم الثانية المشددة والقاف-: الضّعيفة، من الرّمق وهو الشيء اليسير الضعيف. الشّغب (بفتح الشين وسكون الغين المعجمتين) . شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه المعقل- بميم مفتوحة فعين ساكنة فقاف مكسورة فلام-: الموضع الممتنع. يمشّون (بمثناة تحتية مضمومة فميم فشين معجمة مشددة مفتوحتين) . الماذيّ- بذال معجمة فتحتية مشددة-: الدّروع البيض اللّيّنة. النّقع: الغبار. ثائر: مرتفع. مستبسل- بميم مضمومة فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فموحّدة ساكنة فسين أخرى فلام-: موطّن نفسه على الموت. عرّيت (بضم العين المهملة وكسر الراء المشددة وفتح المثناة التحتية) . خفاف (بخاء معجمة وفاءين) . المقابيس: جمع مقباس، وهي القطعة من النّار. يزهلها: يستخفّها ويحرّكها، ومن رواه يزهيها فهو كذلك أيضا. أبدنا: أهلكنا. الحين- بفتح الحاء-: الهلاك.

شرح غريب أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه

عاثر- بمهملة وثاء مثلثة-: ساقط، ومن عافر- بالفاء- فهو الذي لصق بالعفر، وهو التّراب. التّيميّ: عبد الله بن جدعان. الوغى- بالغين المعجمة والقصر-: الجلبة والأصوات في الحرب. تلظّى: تلتهب. شبّ: أوقد. الزّبر (بفتح الباء إلا أنه سكّنها ضرورة) . ساجر- بالجيم-: موقد، يقال: سجرت التّنور، إذا أوقدته. حمّه الله- بفتح الحاء المهملة والميم المشددة- أي قدّره. شرح غريب أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه تبلت- بمثناة فوقية فموحدة فلام مفتوحات فتاء تأنيث-: أسقمت وأفسدت. في المنام: يجوز أن يكون أراد بالمنام النّوم، وموضع النّوم، ووقت النّوم، لأن مفعلا يصلح في هذا كله في ذوات الواو، وقد تسمّى العين مناما لأنها موضع النّوم. الخريدة- بالخاء المعجمة-: الجارية الحييّة الناعمة، واللؤلؤة التي لم تثقب. العاتق بالقاف- الخمر القديمة. ويقال: التي لم يفضّ ختامها، ومن رواه بالكاف فهي أيضا الخمر القديمة التي احمرّت. والقوس إن قدمت واحمرّت قيل لها: عاتكة. المدام: من أسماء الخمر. نفج- بضم النون والفاء- فمن رواه بالجيم فمعناه مرتفعة، ومن رواه بالخاء المهملة فمعناه متّسعة الحقيبة، والأول أحسن. الحقيبة- بفتح الحاء المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الموحدة-: ما يجعله الراكب وراءه، فاستعاره هنا لردف المرأة. البوص- بموحدة وصاد مهملة-: الرّدف. متنضّد: علا بعضه بعضا، من قولك: نضدت المتاع، إذا جعلت بعضه فوق بعض. بلهاء: - بفتح الموحدة وسكون اللام-: غافلة. وشيكة: سريعة. الأقسام: جمع قسم وهو اليمين، ومن رواه بكسر الهمزة أراد المصدر.

القطن- بفتح القاف والطاء المهملة-: ما بين الوركين إلى ما بعد الظّهر. أجمّ- بفتح الهمزة والجيم والميم المشددة-: ممتلئ باللّحم غائب العظام. فضلا- بضم الفاء والضاد المعجمة- نصب على الحال، أي كأن قطنها إذا كانت فضلا، فهو حال من الهاء في كأنّه، وإن كان الفضل من صفة المرأة لا من صفة القطن، ولكن لما كان القطن بعضها صار كأنّه حال منها، ولا يجوز أن يكون حالا من المصدر في قعدت، لاحتمال أن يعمل ما بعد إذا فيما قبلها. والفضل من الرجال والنساء: المتوشّح في ثوب واحد. المداك- بفتح الميم والدال المهملة والتخفيف-: الحجر الذي يسحق عليه الطّيب، قاله في الإملاء. وقال في الروض: صلاءة الطّيب. الرّخام: نوع من الحجر الصّلب. الخرعبة- بخاء معجمة مفتوحة فراء ساكنة فعين مهملة فموحدة مفتوحتين-: اللّيّنة الحسنة القوام. وأصل الخرعبة الغصن النّاعم. توزعني- بمثناة مضمومة فواو ساكنة فزاي مكسورة فعين مهملة مضمومة-: تغويني وتولعني. أقسمت أنساها، أي لا أنساها. الضّريح: شقّ القبر. يقال: ضرح الأرض إذا شقّها. الكرى: النّعاس. يكرب: يحزن من الكرب، وهو الحزن. عمره: مدّة حياته، ومن رواه بالغين المعجمة فالغمر: الكثير. المعتكر- بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية وكسر الكاف-: الإبل التي يرجع بعضها على بعض فلا يمكن عدّها لكثرتها. الأصرام- بصاد مهملة-: جمع صرم وهي القطعة من الإبل. الطّمرّة- بكسر الطاء المهملة والميم وفتح الراء المشددة-: الفرس الكثيرة الجري. تذر: تترك. العناجيج جمع عنجوج، وهو الطّويل السّريع. الدّموك- بالدال المهملة-: البكرة بآلتها. وقال في الرّوض: دمكه دمكا، إذا طحنه طحنا سريعا، وبكرة دموك، أي سريعة المرّ، وكذلك رحى دموك.

المحصد- بميم مضمومة فحاء ساكنة فصاد مفتوحة فدال مهملات-: الحبل المحكم الفتل. الرّجام- بكسر الراء- قال في الإملاء: حجر يربط في الدّلو ليكون أسرع لها عند إرسالها في البئر. وقال في الروض: الرّجام واحد الرّجامين، وهما الخشبتان اللتان تلقى عليهما البكرة. الفرجان هنا: ما بين يديها وبين رجليها، يعني أنها ملأتهما جريا. ارمدّت- بتشديد الدال المهملة- وفي الرواية: فارقدّت- بالقاف- والمعنى واحد. قال بعض اللغويين: الإرقاد: السرعة بعد نفور. ثوى- بالثاء المثلثة-: أقام. المعرك والمعركة: موضع الحرب. يشبّ: يوقد. السّعير: النّار الملتهبة. الضّرام- بكسر الضاد المعجمة-: ما توقد به النّار. دسنه- بضم الدّال- من الدّوس. وطيّنه ودرسنه. الحوامي: جمع حامية وهي جانب الحافر. يشدّ (بضم أوله) . الصّقر- بصاد مهملة فقاف- وهو من سباع الطّير واحد الجوارح، سمّي به الشّجاع لما اشتهر عن الصقر من الشهامة والإقدام على الصّيد، ولأنه إذا تشبّث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه. مجدّل- بضم الميم وفتح الجيم والدال المشددة-: صريع بالأرض. واسم الأرض الجدالة. الشّوامخ: الأعالي. الأعلام: جمع علم، وهو الجبل العالي. الهمام: السّيّد الذي إذا همّ بأمر فعله. القصار هنا: الذين قصر سعيهم عن طلب المكارم، ولم يرد به قصار القدود.

شرح غريب أبيات الحارث بن هشام رضي الله عنه

السّميدع- بفتح السين وفتح الميم وسكون التحتية وفتح الدال وبالعين المهملتين-: السّيّد. شرح غريب أبيات الحارث بن هشام رضي الله عنه حبوا (بحاء مهملة فموحّدة مفتوحتين فواو ساكنة) . بأشقر، يعني الدم. مزبد- بضم الميم وإسكان الزاي وكسر الموحدة-: علاه الزّبد. الأحبّة فيهم، يعني من قتل أو أسر من رهطه وإخوته. شرح غريب أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه آووه: ضمّوه إليهم ونصروه. خصائص يأتي الكلام عليها في أبوابها. السّلف: الجماعة المتقدّمون. بقسم الله- بفتح القاف-: المصدر، وبكسرها: الحظّ والنّصيب. أهلا، أي أتيت قوما أهلا. سهلا: واسعا فابسط نفسك ولا تستوحش، وتقدّم شرح بقيتها. شرح غريب أبيات عاتكة بنت عبد المطلب تفري: تقطع. القواضب: جمع قاضب، وهو السّيف القاطع. حكيم، أي ابن حزام. الخطّيّة: جمع خطّيّ وهو الرّمح المنسوب إلى الخطّ- بفتح الخاء المعجمة- وهو سيف البحر- بكسر السين- عند عمان والبحرين، لأنها تحمل إليه وتثقّف به. الثّعالب- بالمثلثة-: جمع ثعلب، وهو بلفظ اسم الحيوان: طرف الرّمح الدّاخل في جبّة السّنان (بضم الجيم وتشديد الموحّدة) . لمع ظباتها جمع ظبة- بضم الظاء المعجمة المشالة وفتح الموحدة-: حدّ السيّوف. اللّيوث جمع ليث، الأسد. المشاغب جمع مشغب، وهو الكثير الشّغب.

رعن الحروب: جمع أرعن، وهو المضطرب. قال في الصحاح: يشبّه به الجيش فيقال: جيش أرعن، ثم قال: ويقال: الجيش الأرعن: المضطرب لكثرته. الغوارب: جمع غارب وهو أعلى كلّ شيء. المرهفات: جمع مرهف، وهو السيف الذي رقّت حواشيه. كفاحا: مواجهة ليس بينهما حجاب. تمري: تستدرّ. بردت، تقدّم في شرح غريب القصة. الجنائب: جمع جنيبة وهي الفرس تقاد ولا تركب.

الباب الثامن في غزوة بني سليم بالكدر، ويقال لها: قرقرة الكدر

الباب الثامن في غزوة بني سليم بالكدر، ويقال لها: قرقرة الكدر قال ابن إسحاق، وأبو عمر، وابن حزم، وغيرهم: بلغه أنّ بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ أو ابن أم مكتوم، وحمل لواءه علي بن أبي طالب، وكان أبيض، فسار إليهم، فبلغ مأمن مياههم، يقال له: الكدر، فلم يجد في المحالّ أحدا، وأرسل نفرا من أصحابه في أعلى الوادي واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن الوادي: فوجد رعاء فيهم غلام يقال له: يسار، فسأله عن الناس، فقال: لا علم لي بهم، إنما أورد لخمس، وهذا يوم ربعيّ والناس قد ارتفعوا إلى المياه، ونحن عزّاب في النّعم، فأقام صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال وقد ظفر بالنّعم، فانحدر إلى المدينة فاقتسموا غنائمهم بصرار، على ثلاثة أميال من المدينة، وكانت النّعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسه وقسّم أربعة أخماسه على المسلمين، فأصاب كل رجل منهم بكران، وكانوا مائتي رجل، وصار يسار في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، لأنه رآه يصلّي، وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، وأقام بالمدينة شوالا وذا القعدة، وأفدى في إقامته تلك جلّ الأسارى من قريش. تنبيهان الأول: فرّق في العيون بين هذه الغزوة وغزوة قرقرة الكدر، فذكر قبل غزوة أحد ستّ غزوات، على ذلك في المورد. والذي ذكره ابن إسحاق وتبعه أبو عمر، والبيهقيّ، وابن كثير، وابن القيّم، وغيرهم: خمسة، وكذلك ذكر ابن سعد، إلا أنه خالف في الترتيب، فعند ابن إسحاق: غزوة بني سليم بالكدر، فغزوة السويق، فغزوة ذي أمرّ، وهي غزوة غطفان، فغزوة الفرع من بحران، فغزوة بني قينقاع. وعند ابن سعد: غزوة بني قينقاع يوم السبت للنّصف من شوال بعد بدر. وقال ابن إسحاق: فغزوة السّويق يوم الأحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا. وقال ابن سعد: فغزوة قرقرة الكدر في المحرم للنصف منه، على رأس ثلاثة وعشرين شهرا. وقال ابن إسحاق: في شوال سنة اثنتين. وقال ابن سعد: فغزوة غطفان في الثاني عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا. وقال ابن إسحاق وهي ذو أمرّ. قال ابن سعد: في يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا. وقال ابن إسحاق: في شهر المحرم سنة ثلاث. قال ابن سعد: فغزوة بني سليم في السادس من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهراً. الثاني: في بيان غريب ما سبق: سليم (بضم السين المهملة وفتح اللام) .

غطفان- (بغين معجمة مفتوحة فطاء مهملة) . قرقرة بفتح القاف وسكون الراء بعدها مثلها، ويقال: قرارة الكدر. والقرقرة: أرض ملساء. والكدر، (بضم الكاف وسكون الدال المهملة) . والكدر: طير في ألوانها كدرة وعرف بها ذلك الموضع، يعني أنها مستقرّ هذه الطّيور. سباع (بسين مهملة مكسورة فموحدة فألف فعين مهملة) . عرفطة (بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة فطاء مهملة) . المحالّ- بفتح الميم وتشديد اللام- جمع محلّة وهي منزل القوم. الرّعاء- بكسر الراء- جمع راع. يسار (الياء التحتية والسّين المهملة) . الخمس- بكسر الخاء المعجمة- من أظماء الإبل: أن ترد الماء وترعى ثلاثة أيام وترد في اليوم الخامس. الرّبع- بكسر الراء- في أوراد الإبل، هو أن ترد يوما وتترك يومين لا تسقى، ثم ترد اليوم الرابع. المياه- بالهاء- خلاف لمن غلط فقاله بالتاء. صرار- بكسر الصاد المهملة ورائين بينهما ألف-: بئر قديمة. وقيل: موضع على ثلاثة أميال من المدينة، على طريق العراق، ووقع لبعض رواة الصحيح بالضاد المعجمة.

الباب التاسع في غزوة السويق

الباب التاسع في غزوة السويق وسببها أن فلّ المشركين لمّا رجعوا إلى مكة موتورين محزونين حرّم أبو سفيان على نفسه الدّهن، ونذر ألّا يمسّ رأسه ماء من جنابة، حتى يثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمن أصيب من المشركين يوم بدر، فخرج في مائتي راكب من قريش ليبرّ يمينه، فسلك النّجديّة حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: يتيب بالمدينة، على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النّضير تحت الليل، فأتى حيي بن اخطب فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له وخافه، فانصرف عنه إلى سلّام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه، فأذن له، فقرأه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجلاً من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها: العريض، فحرّقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما. قال في الإمتاع: وهذا الأنصاريّ هو معبد بن عمرو. ورأى أبو سفيان أن يمينه قد حلّت وقيل: إن أبا سفيان فعل ذلك لمّا رجع في ليلته من عند سلّام بن مشكم، وانصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم يوم الأحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا. في مائتين من المهاجرين والأنصار. وفي الإشارة ثمانين، وجمع بأن الرّكبان ثمانون وعامة الجيش مائتان، واستعمل على المدينة بشير- وهو بفتح الموحدة- ابن عبد المنذر حتى بلغ قرقرة الكدر وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخفّفون للهرب فيلقون جرب السّويق وهي عامة أزوادهم، فيأخذها المسلمون، فسمّيت غزوة السّويق ولم يلحقوهم، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، وكان غاب خمسة أيام، وقال المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع بهم: يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة؟ قال: نعم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: السّويق- بالسين والصاد لغة-: قمح أو شعير يقلى ثم يطحن فيتزوّد ويستفّ تارة بما يثرى به أو بسمن أو بعسل وسمن. الفلّ- بفاء مفتوحة فلام مشددة-: القوم المنهزمون. موتورين- بالمثناة الفوقية بين الواوين- بنقص عددهم. يثأر: يطلب ثأره، أي يطلب بدم من قتل من المشركين يوم بدر. يمينه بالنصب مفعوله.

النّجديّة: منسوبة إلى نجد، وهو ما ارتفع من الأرض. قناة- بفتح القاف وتخفيف النون وفي آخره تاء تأنيث- وهو واد من أودية المدينة. يتيب (بفتح التحتية فكسر المثناة الفوقية بعدها تحتية) . بني النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة-: حيّ من يهود، دخلوا العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبي الله صلّى الله عليه وسلم. حييّ- (بحاء مهملة مضمومة وتكسر وبمثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية مشددة) . أخطب (بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فموحدة) . سلّام، الأشهر فيه تشديد اللّام. مشكم (بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة فكاف مفتوحة) . صاحب كنزهم، يعني بالكنز هنا المال الذي كانوا يجمعونه لنوائبهم، وما يعرض لهم. فقرأه- بلا همز- أي أضافه. بطن له من خبر الناس- بموحدة فطاء مهملة فنون- أي علم له من سرّهم، ومنه: بطانة الرّجل، وهم خاصّته، وأصحاب سرّه. عقب ليلته- بضم العين وإسكان القاف ويجوز ضمها مثل عسر وعسر، ويجوز أن يقال: عقب بفتح العين وكسر القاف- يقال: جئت في عقب رمضان وفي عقباته، إذا جئت بعد ما مضى كله. وجئت في عقبه- بكسر القاف- إذا جئت وقد بقي منه بقية. العريض- بضم العين المهملة وفتح الراء وبالضاد المعجمة الساقطة مصغّرا- وهو واد بالمدينة به أموال لأهلها. الأصوار- بهمزة مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فواو فألف فراء-: جمع صور، بفتح الصاد المهملة وبسكون الواو: النّخل المجتمع الصّغار. نذر بهم الناس- بفتح النون وكسر الذال المعجمة وبالراء-: علموا واستعدّوا لهم. قرقرة الكدر: تقدّم.

الباب العاشر في غزوة غطفان إلى نجد

الباب العاشر في غزوة غطفان إلى نجد وهي ذو أمرّ، وسببها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا من بني ثعلبة بن سعيد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وبني محارب بن خصفة بن قيس بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمعهم رجل منهم يقال له: دعثور بن الحارث بن محارب، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين، معهم عدة أفراس، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فأصابوا بالمدينة رجلا منهم بذي القصّة يقال له: جبّار من بني ثعلبة، فقال له المسلمون: أين تريد؟ فقال: أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم، قال: قال لن يلاقوك ولو سمعوا بسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأسلم، وضمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال، فأخذ به جبّار طريقا، وهبط به عليهم، وسمع القوم بميسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهربوا في رءوس الجبال، فبلغ ماء يقال له: ذو أمر، فعسكر به، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطر كثير، فابتلّت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ونشر ثيابه لتجفّ، واضطجع، وذلك بمرأى من المشركين، واشتغل المسلمون في شؤونهم، فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له: دعثور بن الحارث، وكان سيدها وأشجعها، ومعه سيف متقلّد به، فبادر دعثور وأقبل مشتملا على السيف، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله» . ودفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: «من يمنعك مني؟» فقال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه، ثم أتى قومه فقالوا: مالك؟ ويلك! فقال: نظرت إلى رجل طويل، فدفع في صدري، فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك، وشهدت بأنّ محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعا. وجعل يدعو قومه إلى الإسلام. وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة 11] . وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وقال أبو عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجد صفر كلّه. تنبيهان الأول: قال البيهقيّ: سيأتي في غزوة ذات الرّقاع قصة تشبه قصة دعثور، فلعلّهما

قصّتان. قال في البداية: إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا، لأن ذلك الرجل اسمه غورث [ابن الحارث] أيضا ولم يسلم، بل استمرّ على دينه، لكن عاهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يقاتله. الثاني: في بيان غريب ما سبق. أمرّ (بفتح الهمزة والميم وتشديد الراء) . القصّة- بفتح القاف وتشديد الصاد المفتوحة بعدها تاء تأنيث-: واد على أربعة وعشرين ميلا من المدينة. جبّار (بالجيم وتشديد الموحدة وبعد الألف راء) . دعثور (بضم الدال وإسكان العين المهملتين وضم الثاء المثلثة) .

الباب الحادي عشر في غزوة الفروع من بحران

الباب الحادي عشر في غزوة الفروع من بحران وسببها أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا من بني سليم بن منصور. فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ولم يظهر وجها للسير، حتى إذا كان دون نجران بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبرهم أنّ القوم افترقوا فحبسه مع رجل، وسار حتى ورد نجران وليس به أحد، فأقام أيّام. قال الواقديّ: عشرة. وقال ابن إسحاق: أقام شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم رجع ولم يلق كيدا وأرسل الرجل. ثم انصرف راجعا إلى المدينة. تنبيه في بيان غريب ما سبق الفرع: قال السّهيلي: بضمّتين، وعليه جرى القاضي في المشارق، وقال في التنبيهات: كذا قيّده الناس وكذا رويناه، وحكى عبد الحقّ عن الأحول أنه بإسكان الرّاء، ولم يذكره غيره، ونقل في الزهر أن الحازميّ وافقه. ووقع في العيون نقلا عن السّهيلي أنّه بفتح الفاء والراء، والسّهيلي إنّما نقل ذلك بعد أن ذكر أن الفرع الذي وقعت عنده الغزوة بضمتين، ثم قال: والفرع- بفتحتين- موضع بين البصرة والكوفة، والظاهر أن نسخة أبي الفتح من الرّوض سقط منها شيء، أو انتقل نظره من الفرع السابق إلى الفرع الثاني. بحران (بموحدة مضمومة، وقيل بفتحها، وسكون الحاء المهملة ثم راء مهملة) .

الباب الثاني عشر في غزوة بني قينقاع

الباب الثاني عشر في غزوة بني قينقاع [وهم قوم عبد الله بن سلّام، وكانت يوم السبت للنصف من شوّال على رأس عشرين شهراً من مهاجره صلى الله عليه وسلم، وكانوا حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول وعبادة بن الصامت، وغيرهما من قومهما، وكانوا أشجع يهود، وهم صاغة، وكانت الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام: قسم وادعهم على ألّا يحاربوه ولا يوالوا عليه عدوّه، وهم طوائف اليهود الثلاثة: [قريظة والنّضير وبني قينقاع] وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة، وهم قريش، وقسم تاركوه وانتظروا ما يؤول إليه أمره كطوائف من العرب، فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر، ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوّه وهم المنافقون. ولمّا قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وادعته يهود كلّها، وكتب بينه وبينهم كتابا، وألحق كلّ قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا، وشرط عليهم شروطا: منها: ألّا يظاهروا عليه عدوّا، فلما كان يوم بدر كان بنو قينقاع أول يهود نقضوا العهد، وأظهروا البغي والحسد، وقطعوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد، فجمعهم بسوق بني قينقاع وقال: «يا معشر يهود أسلموا، فو الله إنكم لتعلمون إني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النّقمة فأسلموا، فإنكم قد عرفتم أنّي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» قالوا: يا محمد إنك ترى أنّا مثل قومك، لا يغرّنّك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربتنا لتعلمنّ أنّا نحن النّاس. قال ابن عباس فيما رواه ابن إسحاق: ما أنزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران 12، 13] أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ فبينما هم على ما هم عليه من إظهار العداوة ونبذ العهد قدمت امرأة من العرب بجلب لها فباعت بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها لحلي، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها من ورائها فحلّه بشوكة وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديّا. وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه، ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، وغضب المسلمون فوقع الشرّ بينهم وبين بني قينقاع. وأنزل الله سبحانه وتعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [الأنفال 58] فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف من بني قينقاع» ، فسار إليهم

رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الآية، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان يومئذ أبيض. قال ابن سعد: ولم تكن الرّايات يومئذ. واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، فتحصّنوا في حصنهم فحاصرهم أشدّ الحصار، فأقاموا على ذلك خمس عشرة ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرّعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم، وأنّ لهم النّساء والذّرّيّة، فأمر بهم فكتّفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السّلمي، بفتح السين المهملة واللام. ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي ابن سلول، فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرّأ إلى الله تعالى ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله: أتولّى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الرّجال، فقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في مواليّ، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أحسن في مواليّ فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه، وكان يقال لها: ذات الفضول، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك أرسلني» ، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: ويحك أرسلني، قال: والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إنى والله امرؤ أخشى الدّوائر، فقال صلى الله عليه وسلم: «خلّوهم لعنهم الله ولعنه معهم» . وتركهم من القتل، وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، فخرجوا بعد ثلاث، وولّي إخراجهم منها عبادة بن الصامت، وقيل: محمد بن مسلمة، فلحقوا بأذرعات، فما كان أقلّ بقاءهم بها، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسيّ: قوسا يدعى الكتوم كسرت بأحد، وقوسا يدعى الرّوحاء، وقوسا يدعى البيضاء، وأخذ درعين: درعا يقال له: الصّغديّة وأخرى فضة، وثلاثة أرماح، وثلاثة أسياف، سيف قلعيّ، وسيف يقال له: بتّار، وآخر لم يسمّ. ووجد في منازلهم سلاحا كثيرا وآلة للصّياغة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيّه والخمس، وفضّ أربعة أخماسه على أصحابه فكان أول خمس بعد بدر، وكان الذي قبض أموالهم محمد بن مسلمة، فانزل الله تعالى في شأن عبد الله بن أبيّ وفي شأن عبادة بن الصامت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة 51، 52] أي عبد الله بن أبيّ وقوله: إنّي أخشى الدّوائر يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ إلى قوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ [المائدة 55] وذلك لتولّي عبادة بن الصامت

تنبيهات

من الله تعالى ورسوله والذين آمنوا، وتبرّئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [المائدة 56] . تنبيهات الأول: ذكر البيهقيّ وقبله البخاريّ خبر بني النّضير قبل وقعة أحد. قال في البداية: والصواب إيرادها بعدها كما ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أئمة المغازي، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير، وفي الصحيح أنه اصطبح الخمر جماعة ممّن قتل يوم أحد شهيدا، فدل على أن الخمر إذ ذاك كانت حلالا، وإنما حرّمت بعد ذلك، فتبيّن ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد. الثاني: أعرب الحاكم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كانا في زمن واحد، ولم يوافق على ذلك، لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة، كما علقه البخاريّ عنه، ووصله عبد الرزاق، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق، فإنّه ذكر أنها كانت بعد وقعة بئر معونة سنة أربع. وقصة بني قينقاع كانت في نصف شوال سنة اثنتين، كما تقدّم. الثالث: في بيان غريب ما سبق قينقاع (بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون مثلثة والضم أشهر، فقاف، فألف فعين مهملة) . الجلب: كل ما يجلب للأسواق ليباع فيها من إبل وغنم وغيرها. استصرخ: استغاث. الظّلل جمع ظلّة وهي السحابة في الأصل، واستعارها هنا لتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى السواد، حين اشتدّ غضبه، ويروى: ظلالا أيضا. قال في الروض: هذا في نسخة الشيخ، مصحّحا عليه، ومعنى الروايتين واحد. والظّلّة: ما حجبت عنك ضوء الشمس، وضوء صحو السّماء، وكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرقا بسّاما، فإذا غضب يكون ألوانا، فكانت تلك الألوان حائلة دون الإشراق والطّلاقة والضّياء المنتشر عند تبسّمه، وقد روى أنه كان يسطع على الجدر نور من ثغره إذا تبسم، وقال: تكلم كما في الشمائل للتّرمذيّ. الحاسر- بالحاء- والسين المهملتين-: الذي لا درع له هنا. والدّراع: الذي عليه درع. كتّفوا (بالبناء للمفعول) . يجلوا- بالجيم والبناء للمفعول- أي يخرجوا. أذرعات- بفتح الهمزة وإسكان الذال المعجمة وكسر الراء بعدها عين مهملة-: بلد بالشام.

الباب الثالث عشر في غزوة أحد

الباب الثالث عشر في غزوة أحد والسبب في ذلك أنه لما قتل الله تعالى من قتل من كفار قريش يوم بدر، ورجع فلّهم إلى مكّة، ورجع أبو سفيان بعيرهم فأوقفها بدار النّدوة، وكذلك كانوا يصنعون، فلم يحرّكها ولا فرّقها، فطابت أنفس أشرافهم أن يجهّزوا منها جيشا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أميّة- وأسلموا بعد ذلك- في رجال ممّن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك. قال البلاذريّ: ويقال: بل مشى أبو سفيان إلى هؤلاء الذين سمّوا، فباعوها، وكانت ألف بعير، وخمسين ألف دينار، فسلّموا إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون في تجاراتهم لكلّ دينار دينارا، فأخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار لأجل مسيرهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال 36]- فأجمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثوا عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزّبعرى- وهو بكسر الزّاي والموحّدة وسكون المهملة فراء فألف مقصورة- وأسلما بعد ذلك- وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع- بسين مهملة- ابن عبد مناف، وأبا عزّة- عمرو بن عبد الله الجمحيّ الذي منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر- إلى العرب يستنفرونها لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألّبوا العرب وجمعوها. ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب، لذهاب أكابرهم- وأسلم بعد ذلك- فأخذ يؤلّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجمع الجموع، فجمع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس. وكتب العباس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك مع رجل من بني غفار، فقدم عليه وهو بقباء، فقرأه عليه أبي بن كعب، واستكتم أبيّا، ونزل صلى الله عليه وسلم على سعد بن الرّبيع فأخبره بكتاب العباس، فقال: والله إني لأرجو أن يكون خيرا، فاستكتمه إياه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سعد أتته امرأته، فقالت: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنت وذاك، لا أم لك، قالت: قد كنت أسمع عليكم، وأخبرت سعدا بما سمعت، فاسترجع وقال: أراك كنت تسمعين علينا، وانطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه فأخبره خبرها، وقال: يا رسول الله إن خفت أن يفشو

ذكر خروج قريش من مكة

الخبر فترى أنّي المفشي له، وقد استكتمتني إيّاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلّ عنها. ذكر خروج قريش من مكة خرجوا منها لخمس من شوال، وخرجوا معهم بالظّعن التماس الحفيظة، لئلا يفرّوا، وخرج أبو سفيان بزوجته هند بنت عتبة، وكذلك أشراف قريش وكبراؤهم خرجوا معهم بنسائهم، ومعهنّ الدّفوف يبكين قتلى بدر، ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيّا يقال له وحشيّ- وأسلما بعد ذلك- يقذف بحربة له قذف الحبشة قلّ ما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعميّ طعيمة فأنت حرّ. وكانت هند بنت عتبة كلما مرّت بوحشيّ أو مرّ بها تقول: «ويها أبا دسمة، اشف واستشف» كان وحشيّ يكنى أبا دسمة. وكان أبو عامر الفاسق [عبد] عمرو بن صيفيّ قد خرج في خمسين رجلاً من المنافقين إلى مكة، وحرّض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار معها وهو يعدها أن قومه يؤازرونهم، وهمّت قريش وهي بالأبواء بنبش قبر آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفّهم الله تعالى عن ذلك. روى أبو الوليد الأزرقي عن هشام بن عاصم الأسلميّ، قال: لما خرجت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فنزلوا بالأبواء قالت هند بنت عتبة لأبي سفيان: أو بحثتم قبر أمّ محمد فإنها بالأبواء، فإن أسر أحدا منكم فديتم كلّ إنسان بارب من آرابها، فذكر ذلك لقريش وقال: هذا الرأي، فقالت قريش: لا تفتح هذا الباب لئلا تفتح بنو بكر موتانا. وشاع خبر قريش ومسيرهم في الناس، وأرجفت اليهود والمنافقون، وقدم عمرو بن سالم الخزاعيّ في نفر قد فارقوا قريشا من ذي طوّى، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم الخبر وانصرفوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنسا ومؤنسا ابني فضالة الظّفريّين- ليلة الخميس ليال مضت من شوال- عينين، فاعترضا لقريش بالعقيق، وعادا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بخبرهم، وأنهم قد خلّوا إبلهم وخيلهم في الزّرع الذي بالعريض، حتى تركوه ليس به خضر، وترك المشركون ظاهر المدينة بعينين: جبل ببطن السّبحة من قناة على شفير الوادي، مقابل المدينة- يوم الأربعاء، فرعت إبلهم آثار الحرث والزرع يوم الخميس ويوم الجمعة، لم يتركوا خضراء، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب- بضم المهملة وتخفيف الموحدة- ابن المنذر بن الجموح إليهم أيضا، فنظر إليهم وعاد وقد حزر عددهم وما معهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذكر من شأنهم حرفا، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهمّ بك أجول وبك أصول» . وباتت وجوه الأوس

ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم

والخزرج ليلة الجمعة عليها السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خوفا من بيات المشركين، وحرست المدينة حتى أصبحوا. ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن إسحاق والشيخان والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت- وفي لفظ أريت- أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنّها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة: يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا- وفي لفظ سيفي ذا الفقار- فانقطع صدره- وفي لفظ: رأيت في ذباب سيفي ثلما- فإذا هو ما أصيب به المؤمنون يوم أحد، قال عروة: وكان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه. وقال ابن هشام: وأما الثّلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع كلمة المؤمنين، ورأيت فيها والله خيرا، رأيت بقرا تذبح والله خير، فإذا هو النّفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: تنفّل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، قال ابن عباس: وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، قال: وكان مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قبل أن يلبس الأداة، إني رأيت أنّي في درع حصينة، فأوّلتها المدينة، وأنّي مردف كبشا فأولته كبش الكتبية، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فلّ فأولته فلّا فيكم، ورأيت بقرا تذبح فبقر، والله خير، فبقر والله خير. وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا، وكأن ظبة سيفي انكسرت، فأوّلت إرداف الكبش أنّنا نقتل كبش القوم، وأولت كسر ظبة سيفي قتل رجل من عترتي، فقتل حمزة، وقتل طلحة بن أبي طلحة وكان صاحب اللواء [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والنّسائيّ والدّارميّ والضياء المقدسيّ بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت أني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر. فأولت الدّرع الحصينة المدينة، وأن البقر بقر، والله خير» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب التعبير (7035) ومسلم 4/ 1779 (20- 2272) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 267 وابن أبي شيبة في المصنف 11/ 69 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 12 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 110. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 271 وذكره الهيثمي في المجمع 110 وقال: ورجاله رجال الصحيح.

وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزل أبو سفيان وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إنّي رأيت في المنام سيفي ذا الفقار انكسر، وهي مصيبة، ورأيت بقرا تذبح، وهي مصيبة، ورأيت عليّ درعا وهي مدينتكم لا يصلون إليها، إن شاء الله تعالى [ (1) ] . وروى البيهقي عن ابن شهاب قال: يقول رجال: كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه. قال ابن عتبة وابن إسحاق وابن سعد وغيرهم: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الرّؤيا ليلة الجمعة، فلما أصبح جاء أصحابه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم ذكر الرؤيا لهم وقال: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة ونجعل النساء والذّرّيّة في الآطام، فإن أقاموا أقاموا بشرّ مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم في الأزقّة فنحن أعلم بها منهم، ورموا من فوق الصّياصي والآطام، وكانوا قد شبّكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن، وكان هذا الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي الأكابر من المهاجرين والأنصار، وكان عبد الله بن أبيّ يرى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جماعة من المسلمين غالبهم أحداث لم يشهدوا بدرا، وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدوّ، وأكرمهم الله تعالى بالشهادة يوم أحد: يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنّا جبنّا عنهم، فقال عبد الله بن أبي: يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج، فو الله ما خرجنا منها إلى عدوّ لنا قطّ إلا أصاب منّا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا بشرّ مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم الصّبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا. فقال حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك في طائفة من الأنصار: أنا نخشى يا رسول الله أن يظنّ عدّونا أنّا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل، فظفّرك الله تعالى عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله تعالى به، فساقه الله تعالى إلينا في ساحتنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السّلاح. وقال إياس بن أوس بن عتيك، نحن بنو عبد الأشهل، إنا لنرجو أن نكون البقر المذبّح. وقال غيره: هي إحدى الحسنيين: الظّفر أو الشهادة، والله لا تطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا. وقال حمزة: والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 394 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 110 وقال: فيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو متروك.

ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد

خارج المدينة. وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما. وقال النعمان بن مالك: يا رسول الله لا تحرمنا الجنّة، فو الذي نفسي بيده لأدخلنّها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمه؟» قال: لأني أحب الله تعالى ورسوله- وفي لفظ: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله- ولا أفرّ يوم الزّحف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت» . فاستشهد يومئذ، وحثّ مالك بن سنان الخدري وإياس بن عتيك وجماعة على الخروج للقتال فلما أبوا إلّا ذلك صلّى- صلى الله عليه وسلم- الجمعة بالناس فوعظهم، وأمرهم بالجدّ والاجتهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بالشّخوص إلى عدوّهم، وكره ذلك المخرج بشر كثير. ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالناس وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي، ورفعوا النّساء في الآطام. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فعممّاه وألبساه، وقد صفّ الناس له بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء سعيد بن معاذ وأُسيد- بضم الهمزة وفتح السين المهملة- ابن حضير- بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة- فقالا للناس: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلتم له ما قلتم، والوحي ينزل عليه من السّماء، فردّوا الأمر إليه، فما أمركم به فافعلوه، وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه. فبينما هم على ذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس الدّرع فأظهرها، وحزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أدم، واعتمّ، وتقلّد السيف، وندم الناس على إكراهه، فقالوا: يا رسول الله استكرهناك، ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذ لبس لأمته أن يضعها، حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه- وفي رواية: حتى يقاتل- انظروا ما أمركم به فاتّبعوه، امضوا على اسم الله تعالى، فلكم النصر ما صبرتم. ووجد مالك بن عمرو النّجّاريّ- ويقال: بل هو محرّر بمهملات، قال الأمير: وزن محمّد، وقال الدارقطنيّ: آخره زاي معجمة وزن مقبل بن عامر النجاريّ- قد مات، ووضعوه عند موضع الجنائز، فصلى عليه، ثم دعا بثلاثة رماح فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم على الصّلاة بمن بقي في المدينة. ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه السّكب، وتقلّد القوس، وأخذ قناة بيده، والمسلمون عليهم السلاح، منهم مائة دارع، وخرج السّعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، كلّ منهما دارع، والناس عن يمينه وشماله، حتى إذا انتهى إلى رأس الثّنيّة رأى كتيبة خشناء لها زجل فقال: ما هذا؟ قالوا: هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبيّ من يهود، فقال: أسلموا؟ فقيل: لا، فقال: إنا لا نستنصر بأهل الشّرك على أهل الشّرك.

وسار صلى الله عليه وسلم فعسكر بالشّيخين، وهما أطمان، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره، فاستصغر غلمانا فردّهم. قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيما نقله الشيخ نجم الدين القموليّ- بفتح القاف وضم الميم- في بحره: أنه صلى الله عليه وسلم رد سبعة عشر شابّا عرضوا عليه، وهم أبناء أربع عشرة سنة، لأنه لم يرهم بلغوا، وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة، فأجازهم. انتهى. وهم: عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، والنعمان بن بشير- وفي ذكره نظر، لأنه ولد في السنة الثانية قبل أحد بسنة- وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب- وروى السّراج عنه أنه شهدها- ورافع بن خديج، وأسيد بن ظهير- بضمّ الهمزة، وأبوه ظهير بضم الظاء المعجمة- وعرابة بن أوس بن قيظيّ- بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة، وأوس هذا كان منافقا- وأبو سعيد الخدري- بالخاء المعجمة والدال المهملة- وأوس بن ثابت الأنصاري، كذا رواه ابن فتحون عن ابن عمر بن الخطاب، وسعد بن بحير- بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة، قاله الدارقطنيّ. وقال ابن سعيد: بضم الموحدة وكسر الجيم- ابن معاوية البجليّ حليف الأنصار، وسعيد ابن حبتة بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقية مفتوحة فتاء تأنيث- وهي أمّه، ولما كان يوم الخندق رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل قتالا شديدا، فدعاه ومسح على رأسه ودعا له بالبركة في نسله وولده، فكان عمّا لأربعين، وأخا لأربعين، وأبا لعشرين، ومن ولده أبو يوسف القاضي الإمام، وسعد بن عقيب- بعين مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فموحدة وزن زبير- وزيد بن جارية- بالجيم والمثناة التحتية- ابن عمرو بن عوف، وهو أخو مجمع بن جارية، وجابر بن عبد الله، وليس بالذي يروى عنه الحديث. وسمرة بن جندب، ثم أجاز رافع بن خديج لما قيل له: إنه رام، فقال سمرة بن جندب لزوج أمّه مريّ- بالتصغير- ابن سنان: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردّني وأنا أصرعه، فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تصارعا» ، فصرع سمرة رافعا فأجازه، ونزل عبد الله بن أبي ابن سلول ناحية، فلما فرغ العرض وغابت الشمس أذّن بلال بالمغرب، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، ثم أذّن بالعشاء فصلّى بهم، وبات بالشّيخين، واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر. وقال صلى الله عليه وسلم: «من يحفظنا الليلة؟» فقام ذكوان بن عبد قيس فلبس درعه، وأخذ درقته، فكان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقه، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان السّحر، فصلّى الصّبح، ثم قال: «أين الأدلّاء؟ من رجل يخرج بنا من كثب لا يمرّ بنا عليهم؟» فقام أبو خيثمة الحارثيّ- كذا عند ابن إسحاق بخاء معجمة فتحتية فثاء مثلثة، وعند ابن سعد وغيره: حتمه، بفتح الحاء المهملة والمثناة الفوقية بعدها ميم فتاء تأنيث، وصوّبه أبو الفتح،

ذكر انخزال عدو الله ابن أبي بثلث العسكر

قال الحافظ في الإصابة: ولم يأت على ذلك بدليل إلا قول أبي عمر: ليس في الصحابة أبي خيثمة سوى الجعفيّ والسّالميّ، وفي هذا الحصر نظر- فقال أبو خيثمة: أنا يا رسول الله، فسلك به في حرّة بني حارثة وبين أموالهم، حتى سلك في ماء مربع- بكسر الميم وفتح الموحدة- ابن قيظّي- بفتح القاف فمثناة تحتية فظاء معجمة مشالة- وكان منافقا ضرير البصر، فلما سمع حسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب في وجوههم، ويقول: إن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أحلّ لك أن تدخل حائطي، وذكر أنّه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب غيرك فضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر» . وقد بدر إليه سعد بن زيد الأشهليّ قبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه بالقوس فشجّه، فغضب له ناس من بني حارثة وهم قومه، وكانوا على مثل رأيه، فهمّ بهم أسيد بن حضير حتى أومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفّ. وذبّ فرس أبي بردة بن نيار- بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وآخره راء- بذنبه، فأصاب كلّاب سيفه فاستلّه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحب الفأل الحسن ولا يعتاف: «يا صاحب السيف، شم سيفك، إني أخال السّيوف ستسلّ اليوم فيكثر سلّها» . ذكر انخزال عدو الله ابن أبيّ بثلث العسكر لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشّوط انخزل عبد الله بن أبيّ بثلث النّاس كافّة كأنه هيق، فقال: «أطاع الولدان ومن لا رأى له وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا أيها الناس هاهنا؟» فرجع بمن اتّبعه من أهل النّفاق والرّيب، وتبعهم عبد الله بن حرام- بالراء- يقول: يا قوم أذكّركم الله ألّا تخذلوا قومكم ونبيّكم عند ما حضر عدوّهم، يا قوم تعالوا فقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، فقالوا: لو نعلم قتالا ما أسلمناكم، لا نرى أن يكون قتال، ولئن أطعتنا لترجعنّ معنا. فلما استعصوا عليه وأبوا إلّا الانصراف قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله تعالى نبيه عنكم. وأنزل الله تعالى: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران 179] قال مجاهد: «ميّزهم يوم أحد» وهم المرادون بقوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا، وَقِيلَ لَهُمْ: تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا، قالُوا: لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ، هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ [آل عمران 167] . وذكر عروة وموسى بن عقبة: أن بني سلمة- بكسر اللام- وبني حارثة لمّا رجع عبد الله بن أبيّ سقط في أيديهما، وهمّا أن يقتتلا فثبّتهما الله تعالى، ولهذا قال تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما [آل عمران 122] .

ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم وتهيئته للقتال

وروى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والشيخان، والبيهقي، عن جابر بن عبد الله، قال: فينا نزلت، في بني حارثة وبني سلمة: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وما يسرّني أنها لم تنزل لقول الله تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما [ (1) ] . وروى ابن جرير عن السدي في الآية قال: هم بنو سلمة وبنو حارثة همّوا بالرّجوع، حين رجع عبد الله بن أبيّ فعصمهم الله. وروى الشيخان عن زيد بن ثابت، وابن إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قالا: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد خرج معه بأناس، فرجعوا، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، فقالت فرقة: نقتلهم، وقالت فرقة: لا نقتلهم، فانزل الله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [النساء 88] ردّهم إلى كفرهم بما كسبوا بأعمالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّها طيبة وإنّها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضّة» . وذكر الزّهريّ أن الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع ابن أبيّ في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حاجة لنا بهم» . قال الجمهور: بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وفرسه، وفرس لأبي بردة. وقال ابن عقبة: لم يكن مع المسلمين فرس. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشّعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، واستقبل المدينة، وجعل عينين- الجبل- عن يمينه، وصفّ المسلمون بأصل أحد، وحانت الصّلاة يوم السبت والمسلمون يرون المشركين، فأذّن بلال، وأقام، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الصّبح صفوفا. ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم وتهيئته للقتال قال محمد بن عمر الأسلميّ: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: «أيّها النّاس أوصيكم بما أوصاني الله تعالى به في كتابه، من العمل بطاعته، والتّناهي عن محارمه، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه، ثم وطّن نفسه له على الصّبر واليقين، والجدّ والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه، قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله تعالى رشده، فإن الله تعالى مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله تعالى [وعليكم] بالذي أمركم به، فإني حريص على رشدكم،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في التفسير (4558) .

وإن الاختلاف والتّنازع والتّثبيط من أمر العجز، والضعف، ممّا لا يحبّ الله تعالى، ولا يعطي عليه النّصر ولا الظّفر يا أيها الناس [جدّد في صدري أنّ] من كان على حرام فرّق الله تعالى بينه وبينه، ومن رغب له عنه غفر الله له ذنبه، ومن صلى علي صلاة صلى الله عليه وملائكته عشرا، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله، في عاجل دنياه وآجل آخرته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا صبيّا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه، والله غنيّ حميد، ما أعلم من عمل يقرّبكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقرّبكم إلى النّار إلا وقد نهيتكم عنه، وأنه قد نفث في روعي الرّوح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله ربّكم، وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله تعالى، فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته، قد بيّن لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر، لم يعلمها كثير من الناس إلّا من عصم الله تعالى فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها كان كالرّاعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه، وليس ملك إلّا وله حمى، ألا وإنّ حمى الله تعالى محارمه، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر جسده، والسلام عليكم» . وتعبّى رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال، وقال: «لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال» . وقد سرّحت قريش الظّهر والكراع في زروع المسلمين، كانت بالصّمغة- بالصاد المهملة والغين المعجمة بينهما ميم- فقال رجل من الأنصار: أترعى زروع بني قيلة ولمّا تحارب وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرّماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض، والرّماة خمسون رجلا، فقال: «انضحوا الخيل عنّا، لا يأتون من ورائنا، إن كانت لنا، اثبتوا مكانكم لا نؤتينّ من قبلكم، الزموا مكانكم لا تبرحوا عنه، وإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا تخطّفنا الطير فلا تبرحوا، حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعنونا ولا تدفعوا عنّا، وارشقوهم بالنّبل فإن الخيل لا تقدم على النبل، إنّا لن نزال غالبين ما ثبتّم مكانكم. اللهم إني أشهدك عليهم» . وجعل على إحدى المجنّبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمر الغنويّ وقال صلى الله عليه وسلم: «من يحمل لواء المشركين؟» قيل: طلحة بن أبي طلحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالوفاء منهم» . فأخذه من عليّ ودفعه إلى مصعب بن عمير. وروى أبو يعلى بسند رجال ثقات، عن معاذ- رجل من تيم- والحارث والبزار بسند حسن، كما قال الحافظ في زوائد البزار، عن سعد بن أبي وقاص، وأبو يعلى، عن طلحة بن

ذكر تهيئ المشركين للقتال

عبيد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يومئذ بين درعين، وكان شعار المسلمين يومئذ: «أمت أمت» . ذكر تهيئ المشركين للقتال وصفّ المشركون بالسّبخة، وتعبّئوا للحرب، وهم ثلاثة آلاف، معهم مائتا فرس قد جنّبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، ويقال: عمرو بن العاص، وعلى الرّماة عبد الله بن أبي ربيعة- وأسلموا كلهم- ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصيّ. وقال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرّضهم بذلك: يا بني عبد الدار، إنكم قد وليتم لواءنا ببدر فأصابنا ما قد رأيتم، فإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإمّا أن تكفون لواءنا، وإما أن تخلّوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهمّوا به وتواعدوه وقالوا: أنحن نسلم إليكم لواءنا؟ ستعلم إذا التقينا كيف نصنع وذلك الذي أراد أبو سفيان. ذكر ابتداء الحرب واشتداد القتال أول من أنشب الحرب أبو عامر عبد عمرو بن صيفيّ الفاسق، طلع في خمسين من قومه ويقال: خمسة عشر، الذين ذهبوا معه إلى مكة، والأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر، فقالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، بذلك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى في الجاهلية الراهب، فلما سمع ردّهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرّ، ثم قاتلهم قتالاً شديداً، ثم راضخهم بالحجارة. ولمّا التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها، فقالت هند فيما تقول: ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأدبار ضربا بكلّ بتّار وتقول أيضا: نحن بنات طارق ... نمشي على النّمارق الدّرّ في المخانق ... والمسك في المفارق إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق فراق غير وامق [ (1) ]

_ [ (1) ] انظر مجمع الزوائد 6/ 112.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سمع، ذلك يقول: «اللهم بك أجول، وبك أصول، وفيك أقاتل، حسبي الله ونعم الوكيل» . [ (1) ] وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس والطبراني عن عبادة بن النّعمان، وإسحاق بن راهويه والبزّار، عن الزبير بن العوّام قالوا: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه- وفي لفظ: فبسطوا أيديهم- كلّ إنسان يقول: أنا، فقال: «من يأخذه بحقّه؟» فأحجم القوم، فقام رجال فأمسكه عنهم [ (2) ] . وعند ابن عتبة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا عرضه طلبه منه عمر، فأعرض عنه، ثم طلبه الزّبير فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما من ذلك. وعند إسحاق بن راهويه عن عمرو بن يحيى المازني أن الزبير طلبه ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند الطّبرانيّ عن قتادة بن النعمان: أن عليّا قام فطلبه فقال له: اجّلس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يأخذه بحقّه؟» فقام إليه أبو دجانة- بضم الدال المهملة وبالجيم والنون- فقال: يا رسول الله، وما حقه؟ قال: «أن تضرب به في العدوّ حتى ينحني» . قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقّه. قال: «لعّلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيّول» فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان له غصابة حمراء يعلم بها عند الحرب، يعتصب بها، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت. وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصّفّين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين رآه يتبختر: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» . قال الزّبير: ولمّا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف لأبي دجانة وجدت في نفسي حين سألته فمنعني وأعطاه إيّاه، وقلت: أنا ابن صفيّة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قمت إليه وسألته إيّاه قبله، فأعطاه إياه وتركني، والله لأنظرنّ ما يصنع به، فاتّبعته، فخرج وهو يقول: أنا الّذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسّفح لدى النّخيل ألّا أقوم الدّهر في الكيّول ... أضرب بسيف الله والرّسول قال: فجعل لا يمرّ بشيء إلا أفراه وفتكه، وفلق به هام المشركين، وكان إذا كلّ شحذه بالحجارة، ثم يضرب به العدو كأنه منجل، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 133 وعزاه لأحمد والبزار وقال: ورجالهما ثقات. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1917 (128- 2470) وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 398 وابن سعد في الطبقات 3/ 2/ 101.

ذفّف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله تعالى أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتّقاه بدرقته فعضّت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله. قال ابن عقبة: قال كعب بن مالك: وخرج رجل من المشركين نحو المسلمين وهو يقول: استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم، وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره وعليه لأمته، فمضيت ًحتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدّر المسلم والكافر بنظري، فإذا الكافر أفضلهما عدّة وهيئة، قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف، فبلغت ووركيه وانفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا كعب؟ أنا أبو دجانة. قال الزّبير: ثم رأيته حمل على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت له: كلّ سعيك رأيته فأعجبني غير أنك لم تقتل المرأة، قال: إنها نادت: يا لصخر! فلم يجبها أحد، وفي لفظ: رأيت إنسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت إليه، فلما حملت عليه السيف ولول. فإذا امرأة فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها، فقلت: الله ورسوله أعلم. وذكر ابن إسحاق في رواية يونس والزبير بن بكار إن رجلا من المشركين خرج فدعا إلى البراز، فأحجم عنه الناس، حتى دعا ثلاثا وهو على جمل له، فقام إليه الزبير بن العوام فوثب حتى استوى معه على بعيره، فعانقه، فاقتتلا فوق البعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يلي حضيض الأرض مقتول، فوقع المشرك» . ووقع عليه الزبير فذبحه، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «إن لكل نبيّ حواريّا، وإنّ حواريّ الزّبير» وقال: «لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه» [ (1) ] ، لما رأى من إحجام الناس عنه. واقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا، وحميت الحرب، وأبلى أبو دجانة الأنصاريّ، وطلحة بن عبيد الله، وأسد الله، وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن النّضر، وسعد بن الربيع، بلاء شديدا. وأنزل الله تبارك وتعالى نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسّوا المشركين بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر، ونهكوهم قتلا، وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كلّ ذلك تنضح بالنّبل فترجع مفلولة، وكانت الرماة تحمي ظهور المسلمين، ويرشقون خيل المشركين بالنّبل، فلا يقع إلا في فرس أو رجل، فتولّي هوارب، وقال عمر بن الخطاب يوم أحد لأخيه زيد بن الخطاب: يا أخي، خذ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2997) .

درعي هذه، فقال له: إني أريد من الشهادة مثل ما تريد، فتركاها جميعا، رواه أبو نعيم. ولما اشتدّ القتال يومئذ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي بن أبي طالب أن قدّم الراية، فتقدم عليّ وقال: أنا أبو القصم، وصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز؟ فلم يبرز إليه أحد، فقال: يا أصحاب محمد، زعمتم أن قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار، كذبتم، واللات لو تعلمون إن ذلك حقّ لخرج إلي بعضكم، فبرز إليه علي بن أبي طالب فالتقيا بين الصّفين فبدره عليّ فصرعه، ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ فقال: إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرّحم، وعرفت أن الله تعالى قد قتله، وكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأنّي مردف كبشا» ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر التّكبير وكبّر المسلمون، وشدّوا على المشركين يضربونهم حتى اختلّت صفوفهم. قال أبو عبيدة والزبير بن بكار: وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط- بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وآخره طاء مهملة- السّلميّ. الله أيّ مذبّب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا جادت يداك لهم بعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجدّلا وشددت شدّة باسل فكشفتهم ... بالجرّ إذ يهوون أخول أخولا وعللت سيفك بالدّماء ولم تكن ... لتردّه حرّان حتّى ينهلا وصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتائب متفرقة فحاسوا العدوّ ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، فحمل لواءهم أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة، فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب [فضربه بالسيف على كاهله] فقطع يده ورجله حتى انتهى إلي مؤتزره وبدا سحره فقتله، فحمله أبو سعد بن أبي طلحة، فرماه سعد بن أبي وقاص، فأصاب حنجرته، فدلع لسانه، فقتله، فحمله مسافع بن طلحة [بن أبي طلحة] فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح- بالقاف- فقلته، فحمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله، كلاهما يشعره سهما فيأتي أمّه سلافة فيضع رأسه في حجرها، فتقول: يا بنيّ: من أصابك؟ فيقول: سمعت رجلا رماني يقول: خذها وأنا ابن الأقلح، فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر، وجعلت لمن جاء به مائة من الإبل، فحمل اللواء كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام، وقيل: قزمان، فحمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة- وهو بضم الجيم وتخفيف اللّام وفي آخره سين- فقتله طلحة بن عبيد الله، فحمله أرطاة بن شرحبيل، فقتله علي بن أبي طالب، فحمله شريح بن قارظ- وهو بضم الشين المعجمة وفتح الراء فمثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة، وأبوه بقاف فألف فراء مكسورة فظاء معجمة مشالة- فليس يدري من

ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك

قتله، فحمله أبو زيد بن عمير بن عبد مناف بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان، فحمله قاسط بن شرحبيل بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا فحمله صؤاب- غلام لهم حبشي- فقالوا: لا نؤتينّ من قبلك فقطعت يمينه، فأخذ اللواء بشماله فقطعت، فالتزم القناة بصدره وعنقه وقال: اللهم هل أعززت؟ فقالوا: نعم، فرماه قزمان فقتله، وهو أثبت الأقاويل، فتفرّق المشركون، فأخذت اللواء عمرة بنت علقمة الحارثيّة فأقامته فثابوا عليه، وفي لفظ: لأثوابه. ولما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين، لا يلوون على شيء، ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يقتلونهم حيث شاءوا، حتى أجهضوهم عن العسكر. قال الزبير بن العوام، والبراء بن عازب: لقد رأيتنا ننظر إلى خدم هند بنت عتبة، وصواحبها مشمرات هوارب يرفعن عن سوقهنّ، حتى بدت خلاخلهنّ، وانهزم القوم ما دون أخذهن قليل ولا كثير، وكانت الهزيمة لا شك فيها، ودخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوه. ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك لما رأى أصحاب عبد الله بن جبير وهم الرّماة ما حصل للمشركين قالوا: أي قوم، الغنيمة الغنيمة، لم تقيمون هاهنا في غير شيء، قد هزم الله تعالى العدوّ، وهؤلاء إخوانكم قد ظهروا، وهم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم، فقال عبد الله بن جبير ومن وافقه: ألم تعلموا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم: «احموا ظهورنا ولا تبرحوا من مكانكم، وإذا رأيتمونا نقتل، فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا؟!» فقال الآخرون: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا. وانطلقوا فلم يبق مع أميرهم عبد الله بن جبير إلا دون العشرة، وذهب الباقون إلى عسكر المشركين ينتهبون، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، ونظر خالد بن الوليد إلى الجبل وقلّة أهله، فكّرّ بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل- وأسلما بعد ذلك- فحملوا على من بقي من الرّماة فقتلوهم، وثبت أميرهم عبد الله، فقاتل حتى قتل، فجرّدوه ومثّلوا به أقبح مثله، وكانت الرماح قد شرعت في بطنه، حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته، وخرجت حشوته، وأحاطوا بالمسلمين. فبينما المسلمون قد شغلوا بالنّهب والغنائم إذ دخلت الخيول تنادى فرسانها بشعارهم: يا للعزّى، يا لهبل، ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون وكلّ في يديه أو حضنه شيء قد انتهبه. ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة رجعوا فشدّوا على المسلمين فهزموهم، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرّق المسلمون

ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم

في كل وجه، وتركوا ما انتهبوا، وخلّوا من أسروا، وانتقضت صفوف المسلمين، واستدارت رحاهم، وكانت الرّيح أول النهار صبا فصارت دبورا، وكرّ الناس منهزمين يحطم بعضهم بعضا، فصاروا ثلاثا: ثلثا جريحا، وثلثا منهزما، وثلثا مقتولا، وصرخ الشيطان- لعنه الله-: أي عباد الله، إخوانكم. فرجعت أولاهم، فاجتدلت هي وأخراهم، وهم يظنون أنهم من العدوّ. وكان غرض إبليس بذلك أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وكان أول النهار للمسلمين على الكفار، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران 152] . فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين. وصرخ الشيطان عند جبل عينين وقد تصوّر في صورة جعال بن سراقة رضي الله عنه: «إن محمدا قد قتل» ثلاث صرخات، ولم يشكّ فيه أنه حق وكان جعال إلى جنب أبي بردة يقاتل أشدّ القتال، فقال جماعة من المسلمين لما سمعوا ذلك: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم، وعلى ما كان عليه نبيّكم، حتى تلقوا الله تعالى شهداء؟! وقال جماعة: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبيّ لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، واختلط المسلمون، فصاروا يقتلون على غير شعار، ويضرب بعضهم، بعضا، من العجلة والدّهش وما يدري. وتفرّق المسلمون في كل وجه، وانهزمت طائفة منهم حتى دخلت المدينة، فلقيتهم أمّ أيمن فجعلت تحثو في وجوههم التراب وتقول لبعضهم: «هاك المغزل فاغزل به، وهلمّ سيفك» . ولمّا انكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا نفر يسير لم يبق للمسلمين لواء قائم ولا فئة، وإن كانت خيل المشركين لتجوسهم مقبلة مدبرة في الوادي، يلتقون ولا يفترقون، ما يرون أحدا من الناس يردّهم، حتى رجعوا إلى معسكرهم، وأصعد بعض المسلمين في الجبل، واستشهد منهم من أكرمه الله تعالى بالشّهادة، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صرخ به الشّيطان قال: هذا إزب العقبة. ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم روى البيهقي عن المقداد بن عمرو رضي الله عنه فذكر حديثا في يوم أحد وقال: فأوجعوا والله قتلا ذريعا، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نالوا، ألا والذي بعثه بالحق إن زال رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا واحدا، وإنه لفي وجه العدوّ ويفيء إليه طائفة من أصحابه مرّة، وتفترق

مرّة عنه، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه، ويرمي بالحجر حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة ثبتت معه. وقال محمد بن عمر: ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه ما يزول قدما واحدا، بل وقف في وجه العدو، وما يزال يرمي عن قوسه حتى تقطّع وتره، وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له، فقال: يا رسول الله لا يبلغ الوتر، فقال: «مدّه فيبلغ» ، قال عكّاشة: فو الذي بعثه بالحقّ لمددته حتى بلغ، وطويت منه ليّتين أو ثلاثا على سية القوس، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسه، فما زال يرمي به وأبو طلحة يستره متترّسا عنه حتى تحطّمت القوس، وصارت شظايا، وفنيت نبله، فأخذ القوس قتادة بن النعمان، فلم تزل عنده، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وكان أقرب الناس إلى العدوّ، وثبت معه صلّى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا: ثمانية من المهاجرين: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح. وسبعة من الأنصار: الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصّمّة، وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ- وقيل: سعد بن عبادة- ومحمد بن مسلمة. ويقال: ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلّهم يقول: وجهي دون وجهك، ونفسي دون نفسك، وعليك السلام غير مودّع! وروى الطبراني عن ابن عباس: أن ابن مسعود ثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا انكشف الناس عنه إلى الجبل لا يلوون يدعوهم في أخراهم يقول: «إليّ يا فلان، أنا رسول الله» ، فما يعرّج عليه أحد، وهذا النّبل يأتيه صلى الله عليه وسلم من كل ناحية، والله تعالى يصرف ذلك عنه. وروي محمد بن عمر الأسلميّ عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلاً من المهاجرين يقول: شهدت أحدا فنظرت إلى النّبل من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهريّ يقول يومئذ: دلّوني على محمد، لا نجوت إن نجا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد، ثم جاوزه فعاتبه صفوان بن أمية في ذلك، فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله إنّه منّا ممنوع، أما والله خرجنا أربعة فتعاهدنا، وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إليه. قال ابن سعد: قال أبو النّمر الكنانيّ وهو جدّ شريك بن عبد الله بن أبي نمر: شهدت أحدا مع المشركين، ورميت يومئذ بخمس مرماة، فأصبت منها بأسهم، وإني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه لمحدقون به، وإنّ النّبل لتمر عن يمينه وعن شماله، [وتقصر] بين يديه، وتخرج من ورائه، ثم هداني الله للإسلام.

ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله معه المشركون

وروى عبد الرزاق بسند مرسل قويّ عن الزهري قال: ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سبعين ضربة بالسيف، وقاه الله شرّها كلّها. قال الحافظ: ويحتمل أنه أراد بالسبعين حقيقتها، أو المبالغة في الكثرة. انتهى. وبايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين، وهم: عليّ، والزبير، وطلحة. وخمسة من الأنصار: أبو دجانة، والحارث بن الصّمّة، والحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، فلم يقتل منهم أحد. وروى أبو يعلى بسند حسن، عن علي رضي الله عنه قال: لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت في القتلى، فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: والله ما كان ليفرّ وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بما صنعنا، فرفع نبيه صلى الله عليه وسلّم، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، أي يقاتلهم صلى الله عليه وسلم. ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله معه المشركون تكاثر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله. رمى عتبة بن أبي وقاص- لعنه الله- رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أحجار فكسر حجر منها رباعيته اليمنى السّفلى وجرح شفته السّفلى. قال الحافظ: والمراد بكسر الرّباعية- وهي السّنّ التي بين الثّنيّة والتّاب- أنها كسرت فذهب منها فلقة، ولم تقلع من أصلها. وروى عبد الرزاق في تفسيره عن مقسم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ورمى وجهه، فقال: اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت- كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عباس [ (1) ] . وروى الحاكم عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: أنه لما رأى ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من فعل بك؟ قال: «عتبة بن أبي وقّاص» . قلت: أين توجه؟ فأشار إلى حيث توجّه، فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه، فأخذت رأسه وفرسه، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلم] ذلك إليّ، ودعا لي فقال: «رضي الله عنك» ، مرتين [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 30. [ (2) ] أخرجه البيهقي في السنن 6/ 308 والحاكم في المستدرك 3/ 300.

وروى الخطيب في تاريخ بغداد عن الحافظ محمد بن يوسف الفريابيّ قال: بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبيّ، فنبتت له رباعية. قال السّهيليّ: ولم يولد من نسل عتبة ولد يبلغ الحلم إلّا وهو أهتم أبخر، يعرف ذلك في عقبه. وشجّه عبد الله بن شهاب الزّهريّ- وأسلم بعد ذلك- في وجهه، وسال الدم من الشّجّة حتى أخضل الدم لحيته الشريفة. نفسي له الفداء. ورواه عبد الله بن قمئة- بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة- فشجّ وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته. وعلاه بالسيف. وكان عليه درعان، فوقع صلى الله عليه وسلم في حفرة أمامه على جنبه، وهي من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأغمي عليه صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابن جرير عن قتادة، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، ورفعه طلحة حتى استوى قائما فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف ابن قمئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف، ومكث يجد وهن الضّربة على عاتقه شهرا، أو أكثر من شهر. ورمته جماعة كثيرة بالحجارة حتى وقع لشقّه. وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن ابن قمئة لمّا رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقمأك الله» ، فسلّط الله تعالى عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطّعه قطعة قطعة [ (1) ] . وروى أبو نعيم عن نافع بن عاصم قال: الذي أدمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قمئة رجل من هذيل، فسلّط الله تعالى عليه تيسا، فنطحه حتى قتله. وروى أبو داود الطيالسي وابن حبان عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كلّه لطلحة، ثم أنشأ يحدّث قال: كنت ممن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه- قال: وأراه قال يحميه- قال: قلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ، وبيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف خطفا لا أخطفه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كسرت رباعيته، وشجّ وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكما صاحبكما، يريد طلحة، وقد نزف الدّم فتركناه، وذهبت لأنزل ذلك من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقّي لما تركتني، فتركته، وكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزم

_ [ (1) ] انظر الشفاء للقاضي عياض 2/ 480 فتح الباري 7/ 373.

عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيّته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، ففعل كما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفر، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه [ (1) ] . وذكر محمد بن عمر أن طلحة أصيب يومئذ في رأسه، فنزف الدم حتى غشي عليه، فنضح أبو بكر الماء في وجهه حتى أفاق فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: خيرا، هو أرسلني إليك، قال: الحمد لله، كلّ مصيبة بعده جلل. وفي حديث أبي سعيد الخدري عن محمد بن عمر: أنّ الحلقتين لمّا نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشّنّ، فجعل مالك بن سنان يأخذ الدم بفيه ويمجّه منه ويزدرد منه، فقال له: «أتشرب الدّم؟» قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مسّ دمه دمي لم تصبه النّار» . وترّس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النّبل في ظهره وهو ينحني عليه، حتى كثر عليه النبل وهو لا يتحرك. وقاتل عبد الرحمن بن عوف قتالا شديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصيب فوه فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، وجرح في رجله، وكان يعرج منها. وروى ذلك الحاكم عن إبراهيم بن سعد. وقاتل سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا. روى الحاكم عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال: لما جال النّاس يوم أحد تلك الجولة تنحّيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمّا أنجو وإما أن أستشهد، فإذا رجل محمرّ وجهه قد كاد المشركون أن يركبوه، فملأ يده من الحصا فرماهم به، وإذا بيني وبينه المقداد، فأردت أن أسأله عن الرّجل، فقال لي: «يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك» فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى، فأتيته فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول: «اللهم سهمك فارم به عدوّك» ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم استجب لسعد، اللهم سدّد لسعد رميته، إيها سعد، فداك أبي وأمي» ، فما من سهم أرمي به إلّا قال رسول الله: «اللهم سدد رميته، وأجب دعوته» ، حتى إذا فرغت من كنانيّ نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهما نضيّا قال وهو الذي قد ريش وكان أسدّ من غيره [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 363 وأبو نعيم في الحلية 1/ 87 وذكره ابن حجر في المطالب (4327) والمتقي الهندي في الكنز (30025) . [ (2) ] أخرجه الترمذي (3751) والحاكم في المستدرك 3/ 499 والطبراني في الكبير 1/ 105.

قال الزّهريّ: «السّهام التي رمي بها سعد يومئذ كانت ألف سهم» . وروى ابن عائذ عن يحيى بن حمزة مرسلا، عن سعد بن أبي وقاص قال: رميت بسهم فردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه، حتى واليت بين ثمانية أو تسعة، كل ذلك يردّه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت هذا السهم في كنانتي لا يفارقني. وروى البخاري والحسن بن عرفة، عن سعد قال: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال: «ارم فداك أبي وأمّي» . روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، سمعته يقول يوم أحد: «يا سعد ارم فداك أبي وأمّي» . وروى أيضا عن سعد قال: «لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بين أبويه كليهما، يريد حين قال: «فداك أبي وأمي، وهو يقاتل» [ (1) ] . قال محمد بن عمر رحمه الله: كان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرّمي منهم حبان بن العرقة، وأبو أسامة الجشميّ. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد: «ارم فداك أبي وأميّ» ورمى حبّان بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وكانت تسقي الجرحى، فانكشف عنها فاستغرب عدوّ الله في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد [بن أبي وقّاص سهما] لا نصل له، فقال: «ارم به» ، فوقع السهم في ثغرة نحر حبّان، فوقع مستلقيا وبدت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «استقاد لها سعد أجاب الله دعوتك وسدّد رميتك» . وكان مالك بن زهير أخو أبي أسامة الجشميّ وهو وحبّان بن العرقة قد أكثرا في المسلمين القتل بالنّبل، فرمى سعد مالكا بسهم أصاب عينه، حتى خرج من قفاه وقتله. وقاتلت أمّ عمارة نسيبة- وهي بمهملة وموحدة مصغر على المشهور، وعن ابن معين والفربري ككريمة- بنت كعب المازنيّة يومئذ، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباشرت القتال، وجعلت تذبّ عنه بالسيف، وترمي عن القوس. ولما قصد ابن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترضت له ومصعب بن عمير، وضربت ابن قمئة ضربات، ولكن عدوّ الله كان عليه درعان، وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا عظيما، صار له فيما بعد غور. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان» وقال: «ما التفتّ يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني» . وقال لابنها عبد الله بن زيد بن عاصم: «بارك الله

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 124 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 27.

تعالى عليكم أهل بيت، مقام أمّكم خير من مقام فلان وفلان، ومقام زوج أمك غزيّة بن عمرو خير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل بيت» . قالت أمّ عمارة: «ادع الله تعالى أن نرافقك في الجنة» ، قال: «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة» . قالت: «ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا» . قال البلاذريّ: شهدت نسيبة يوم أحد وزوجها وابناها، وخرجت معها بشنّ لها تسقي الجرحى، فقاتلت وجرحت اثني عشر رجلا بسيف ورمي، وكانت أول النهار تسقي المسلمين، والدّولة لهم، ثم قاتلت حين كرّ المشركون، وقاتلت يوم اليمامة فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة الكذاب لتقتله. قالت: «ما كانت لي ناهية حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه، فقلت: أقتلته؟ قال: نعم، فسجدت لله شكرا» . وروى ابن سعد عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب بمروط وفيها مرط جيّد واسع، فقال بعضهم: لو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد. فقال: «ابعثوا به إلى من هو أحق به منها، إلى أمّ عمارة نسيبة بنت كعب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفتّ يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني» [ (1) ] . وانحاز صلى الله عليه وسلم إلى الجبل لينظر أمر الناس، وليعرفه أصحابه، فيقصدوه، فأدركه المشركون يريدون ما الله تعالى حائل بينه وبينهم، فدثّه جماعة بالحجارة حتى وقع لشقّه. وروى النسائي والبيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله، وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون، فقال: «ألا أحد لهؤلاء؟» فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كما أنت يا طلحة» ، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله. فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه من أصحابه، ثم قتل الأنصاريّ، فلحقوه فقال: «ألا رجل لهؤلاء؟» فقال طلحة مثل قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل وأصحابه يصعدون في الجبل، ثم قتل الأنصاريّ، فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الأول، ويقول طلحة: أنا يا رسول الله فيحبسه، ويستأذنه رجل من الأنصار للقتال، فيأذن له، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة، فغشوهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لهؤلاء يا طلحة؟» فقال: أنا، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله، وأصيبت أنامله، فقال: حسّ، فقال: لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جوّ السماء.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 303 وذكره المتقي الهندي في الكنز (37589) .

وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن المشركين لما أرهقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار ورجل من قريش قال: من يردّهم عنّا وهو رفيقي في الجنة؟ فجاء رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا، فقال: من يردّهم عنّا وله الجنة؟ - أو هو رفيقي الجنة؟ - فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل، حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنصفنا أصحابنا» [ (1) ] . وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلّاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. وروى الدّارقطنيّ في الإفراد، والطبراني عن طلحة. والنسائيّ، والطبراني، والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أنّ طلحة أصابه سهم في أنامله فقال: حسّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت بسم الله لطارت بك الملائكة والناس ينظرون حتى تلج بك في جوّ السماء، ولرأيت بناءك الذي بنى الله لك في الجنّة وأنت في الدنيا» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن النساء يوم أحد كنّ خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ لرجوت أن أبرّ أنه ليس أحد منّا يريد الدنيا، حتى أنزل الله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران 152] فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة: سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، وهو عاشرهم، فلما رهقوه قال: رحم الله ردّهم عنّا فذكر نحو الحديث الذي قبله. وقال ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم قال: «من رجل يشري لنا نفسه؟» فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار- وبعض الناس يقول: إنما هو عمارة بن يزيد بن السّكن-، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدنوه منّي» ، فأدنوه منه فوسّده قدمه، فمات وخدّه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه أربع عشرة جراحة. وقاتل علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية، وأبو دجانة من ناحية، وسعد بن أبي وقاص من ناحية، وانفرد علي بن أبي طالب بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل،

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في الجهاد (100) وأحمد في المسند 1/ 463 والبيهقي في السنن 9/ 44 وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 399 والبيهقي في الدلائل 3/ 235. [ (2) ] ذكره ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 77.

ذكر إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

فدخل وسطهم بالسّيف يضرب به وقد اشتملوا عليه، حتى أفضى إلى آخرهم، ثم كرّهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء. وكان الحباب بن المنذر يجوس المشركين كما تجاس الغنم، ثم اشتملوا عليه حتى قيل قد قتل، ثم برز والسّيف في يده، وافترقوا عنه. وأبلى أبو طلحة يومئذ بلاء شديدا [ (1) ] . وروى الشيخان ومحمد بن عمر الأسلمي، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفته- وفي لفظ: يجوب عليه بحجفته- وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد الرّمي- وفي لفظ: النّزع- فنثر كنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرمي بها، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمرّ بالجعبة من النّبل، فيقول صلى الله عليه وسلم: «انثرها لأبي طلحة» ، ويشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك! [ (2) ] ذكر إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد والبخاريّ والحاكم عن أبي طلحة والبخاري عن أنس عن أبي طلحة، قال أبو طلحة: كنت فيمن يغشاه النّعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا من النّعاس، الذي ألقاه الله تعالى عليهم أمنة منه، يسقط وآخذه، وجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو يميد تحت حجفته من النّعاس. وروى الطبراني في الأوسط عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: ألقي علينا النّوم يوم أحد. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آمنهم الله تعالى يومئذ بنعاس غشّاهم، وإنما ينعس من يأمن. وروى ابن جرير، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: النّعاس عند القتال أمنة من الله، والنّعاس في الصلاة من الشّيطان. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن أبي اليسر- بفتح التحتية والسين المهملة- واسمه كعب بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر رجلا من قومي

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 235. [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 125 (دار الفكر) .

ذكر ما جاء في حضور الملائكة وقتالهم يوم أحد

إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابنا النعاس أمنةً منه، ما منهم أحد إلا يغطّ غطيطا، حتى أن الحجف لتتناطح، ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده، وما يشعر، حتى أخذه بعد ما تثلّم، وأن المشركين لتحتنا. وروى الإمام إسحاق بن راهويه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: والله إنّ النّعاس ليغشاني. وفي رواية: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتدّ علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره، فو الله إني لأسمع كالحلم قول معتّب بن قشير: «لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا» فحفظتها، فانزل الله تعالى في ذلك: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً إلى قوله: ما قُتِلْنا هاهُنا [آل عمران 154] كقول معتّب بن قشير. قال محمد بن إسحاق: أنزل الله تعالى النعاس أمنةً منه لأهل اليقين، فهم نيام لا يخافون، والذين أهّمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والذّعر. ذكر ما جاء في حضور الملائكة وقتالهم يوم أحد روى أبو داود الطّيالسيّ والشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشدّ القتال، وما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل. ورواه البيهقي. ثم روى مجاهد، قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر قال البيهقيّ: مراده لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصبروا على ما أمرهم به. روى محمد بن عمر عن شيوخه في قوله تعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا الآية لم يصبروا وانكشفوا فلم يمدّوا. وروي أيضا عنهم قالوا: قتل مصعب بن عمير فأخذ اللّواء ملك في صورة مصعب، وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل. وروى الطبراني وابن منده وابن عساكر من طريق محمود بن لبيد، قال الحارث بن الصّمّة: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الشعب عن عبد الرحمن بن عوف، فقلت: رأيته إلى جنب الجبل، فقال: «إن الملائكة تقاتل معه» . قال الحارث: فرجعت إلي عبد الرحمن فوجدت بين يديه سبعة صرعى، فقلت: ظفرت يمينك، أكلّ هؤلاء قتلت؟ قال: «أما هذا وهذا فأنا قتلتهما، وأمّا هؤلاء فقتلهم من لم أره» . فقلت: صدق الله ورسوله. وروى ابن سعد عن عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن

ذكر رجوع بعض المسلمين بعد توليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

عبد المطلب، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مصعب بن عمير اللّواء فقتل مصعب، فأخذه ملك في صورة مصعب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقدّم يا مصعب» . فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيّد به. وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدّثنا زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة: حدثني محمد بن ثابت إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم أحد: أقدم يا مصعب، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ألم يقتل مصعب؟ قال: «بلى، ولكن ملك قام مكانه، وتسمّى باسمه» [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أحد فيردّه عليّ رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد فظننت أنّه ملك. وروى ابن إسحاق والبيهقي وابن عساكر عن عبد الله بن عون عن عمير بن إسحاق قال: لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول الله وسعد يرمي بين يديه، وفتى ينبّل له، كلما ذهب نبله أتاه بها، قال: ارم أبا إسحاق، فلما فرغوا نظروا من الشّابّ فلم يروه، ولم يعرف. وروى البيهقي عن عروة في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [آل عمران 152] قال: كان الله تعالى وعدهم على الصّبر والتّقوى أن يمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مصافّهم، وتركت الرّماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألّا يبرحوا من منازلهم، وأرادوا الدّنيا، رفع عنهم مدد الملائكة، وأنزل الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ فصدق الله وعده وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء. ذكر رجوع بعض المسلمين بعد توليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن المنذر عن كليب بن شهاب قال: خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول: إنها أحديّة فلما انتهى إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران 155] قال: لما كان يوم أحد هزمنا ونفرت، حتى صعدت في الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروي، فسمعت يهوديّا يقول: قتل محمد، فقلت: لا أسمع أحدا يقول: قتل محمد إلّا ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه. قال ابن إسحاق: وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التّولية قيس بن محرّث، ويقال: قيس بن الحارث بن عديّ بن جشم مع طائفة من الأنصار، فصادفوا المشركين فدخلوا

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 397.

حومتهم، فما أفلت منهم رجل حتى قتل، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا، فما قتلوه إلا بالرّماح، نظموه، ووجد به أربع عشرة طعنة، قد جافته، وعشر ضربات في بدنه. ونادى الحباب بن المنذر: يا آل سلمة، فأقبلوا عليه عنقا واحدا: لبيك داعي الله. وكان عباس بن عبادة بن نضلة- بالنون والضاد المعجمة- وخارجة بن زيد، وأوس ابن أرقم، يرفعون أصواتهم، فيقول عباس: يا معشر المسلمين: الله ونبيّكم، هذا الذي أصابكم بمعصية نبيّكم، فوعدكم النصر ما صبرتم، ثم نزع مغفره وخلع درعه، وقال لخارجة بن زيد: هل لك فيها؟ قال: لا، أنا أريد الذي تريد، فخالطوا القوم جميعا، وعبّاس يقول: ما عذرنا عند ربّنا إن أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنّا عين تطرف؟ فيقول خارجة: لا عذر لنا عند ربّنا ولا حجّة. فقتل سفيان بن عبد شمس عبّاسا، وأخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا، وأجهز عليه صفوان بن أمية- وأسلم صفوان بعد ذلك- وقتل أوس بن أرقم رضي الله عنه. ومر مالك بن الدخشم على خارجة بن زيد [بن أبي زهير] وهو قاعد في حشوته وبه ثلاثة عشر جرحا كلها خلصت إلى مقتل، فقال: أما علمت أن محمدا قد قتل؟ فقال خارجة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربّه، فقاتل عن دينك!. ومرّ على سعد بن الرّبيع وبه اثنتا عشرة جراحة كلّها قد خلص إلى مقتل، فقال: أعلمت إن محمدا قد قتل؟ فقال سعد: أشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلّغ رسالة ربه، فقاتل عن دينك، فإن الله تعالى حي لا يموت! قالوا: وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انهزم المسلمون وقول النّاس: قتل رسول الله- كما ذكر الزّهريّ- كعب بن مالك، قال: رأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي أن اسكت، ودعا بلأمة كعب، وكانت صفراء أو بعضها، فلبسها ونزع لأمته فلبسها كعب، وقاتل كعب حتى جرح سبع عشرة جراحة، لشدة قتاله. وروى الطبراني بسند رجاله ثقات، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشّعب كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي بيده أن اسكت، ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة- أو قال: بضع وعشرين جراحة- كلّ من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه. ولما رأوه سالما

ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف عدو الله تعالى

كأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه، وفرحوا بذلك فرحا شديدا، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشّعب ومعه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصّمّة، ورهط من المسلمين. ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف عدو الله تعالى روى البيهقي عن سعيد بن المسيب، وأبو نعيم عن عروة: أن أبي بن خلف قال حين افتدى من الأسر ببدر: والله إن عندي العود- فرسا- أعلفها كلّ يوم فرقا من ذرة، ولأقتلنّ عليها محمدا، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «بل أنا أقتله إن شاء الله» . انتهى. وقيل: إنه كان يقول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، فلما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إني أخشى أن يأتي أبي بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذنوني به» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت في القتال وراءه، فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشّعب أدركه، وهو مقنّع في الحديد يركض على فرسه، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا. فاستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقتل مصعبا، فقال القوم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت صانعا حين يغشاك أبيّ فقد جاءك، فإن شئت يعطف عليه رجل منّا، وفي رواية: فاعترض له رجال من المؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه وخلّوا طريقه» ، فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يا كذاب، أين تفرّ؟» فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصّمّة، ويقال: من الزبير بن العوام، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض بها انتفاضة تطاير عنه أصحابه تطاير الشّعراء من ظهر البعير إذا انتفض بها، ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدّ الجدّ، ثم استقبله بها فطعنه في عنقه- وفي لفظ: في ترقوته من فرجة سابغة البيضة والدّرع- طعنة تدأدأ منها مرارا عن فرسه، وجعل يخور كما يخور الثّور، وفي لفظ: فخدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم، وفي لفظ: أنه كسر ضلعا من أضلاعه فرجع إلى قومه، فقال: قتلني والله محمد! فقالوا: ذهب والله فؤادك، والله إن بك بأس، وما أجزعك، إنما هو خدش، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضرّه. فيقول: لا واللّات والعزّى، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز- وفي لفظ: بربيعة ومضر- لماتوا أجمعون، أنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك، فو الله لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدوّ الله بسرف وهم قافلون. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: «اشتد غضب الله عز وجل على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسحقا لأصحاب السّعير» . وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مات أبي بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير بعد هويّ

ذكر مقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي

من الليل إذا نار تأجّج لي فهبتها فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في ذلك: لقد ورث الضّلالة عن أبيه ... أبيّ يوم بارزه الرّسول أتيت إليه تحمل رمّ عظم ... وتوعده وأنت به جهول وقد قتلت بنو النّجّار منكم ... أميّة إذ يغوّث: يا عقيل وتبّ ابنا ربيعة إذ أطاعا ... أبا جهل، لأمّهما الهبول وأفلت حارث لمّا شغلنا ... بأسر القوم، أسرته قليل وقال حسان أيضا في ذلك: إلا من مبلغ عنّي أبيّا ... لقد ألقيت في حقّ السّعير تمنّي بالضّلالة من بعيد ... وتقسم أن قدرت مع النّذور تمنّيك الأماني من بعيد ... وقول الكفر يرجع في غرور فقد لاقتك طعنة ذي حفاظ ... كريم البيت ليس بذي فجور له فضلٌ على الأحياء طرّا ... إذا نابت ملمّات الأمور ذكر مقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي قال محمد بن عمر: أقبل عثمان بن عبد الله [بن المغيرة المخزومي] على فرس أبلق وعليه، لأمة كاملة، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجّه إلى الشّعب وهو يصيح: لا نجوت إن نجوت. فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر، فوقع وخرج الفرس عائرا، فأخذه المسلمون، ومشى الحارث بن الصّمّة إليه فاصطدما ساعة بسيفيهما، ثم ضربه الحارث على رجله [وكانت الدّرع مشمّرة] فبرك وذفّف عليه، وأخذ الحارث يومئذ درعه ومغفره، ولم يسمع بأحد سلب يومئذ غيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أحانه. وكان عبد الله بن جحش رضي الله عنه أسره ببطن نخلة، فافتدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاد إلى مكة حتى قدم، فقتله الله تعالى بأحد. وأقبل عبيد بن حاجز العامريّ يعدو كأنه سبع فضرب الحارث بن الصّمّة فجرحه على عاتقه، فاحتمله أصحابه، ووثب أبو دجانة إلى عبيد فناوشه ساعة، ثم ذبحه بالسّيف ذبحا ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر انتهائه صلى الله عليه وسلم إلى الشعب وما داوى به جرحه ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشّعب خرج علي بن أبي طالب حتّى ملأ درقته

ذكر إرادته صلى الله عليه وسلم صعود صخرة في الشعب لينظر حال الناس

من المهراس، فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- ليشرب منه، فوجد له ريحا، فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدّم، وصبّ على رأسه وهو يقول: «اشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم» . وخرج محمد بن مسلمة يطلب من النّساء ماء فلم يجد عندهنّ ماء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عطش عطشا شديدا، فذهب محمد إلى قناة حتى استقى، فأتى بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له بخير. وروى الشيخان والبيهقي والطبرانيّ واللفظ له عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح يوم أحد، وكسرت رباعيته، وهشّمت البيضة على رأسه، وانصرف المشركون، فخرج النساء إلى الصحابة، فكانت فاطمة فيمن خرج، فلما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنقته، وجعلت تغسل جراحته وعلي يسكب الماء بالمجنّ فتزايد الدّم، فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير، فأحرقته بالنّار حتى صار رمادا، فأخذت ذلك الرّماد وكمّدته حتى لصق بالجرح، فاستمسك الدّم [ (1) ] . وروى أبو سليمان الجوزجاني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم داوى جرحه يوم أحد بعظم بال، قال في البداية: هذا حديث غريب. ذكر إرادته صلّى الله عليه وسلم صعود صخرة في الشعب لينظر حال الناس روى ابن إسحاق والإمام أحمد والترمذي، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب لينهض إلى الصّخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع» [ (2) ] . ذكر استنصاره صلى الله عليه وسلّم ربه تبارك وتعالى قال ابن إسحاق وابن جريج فيما رواه ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو في الشعب مع أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالية من المشركين: خالد بن الوليد ونفر معه الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا قوّة لنا إلا بك، وليس أحد يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النّفر فلا تهلكهم، اللهمّ إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 113 (2911) ومسلم 3/ 1416 (101- 1790) . [ (2) ] أخرجه الترمذي (3738) وأحمد في المسند 1/ 165 والبيهقي في السنن 6/ 370 والحاكم في المستدرك 3/ 25 وابن حبان (2212) .

ذكر مقتل حسيل

وثاب نفر من المهاجرين رماة، منهم عمر بن الخطاب فرموا خيل المشركين حتى هزموهم، وعلا المسلمون الجبل» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يوم أحد: «اللهم إن تشأ لا تعبد في الأرض» [ (2) ] . وذكر الأمويّ في مغازيه: أن المشركين صعدوا على الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: «ارددهم» ، قال: كيف أردّهم وحدي؟ فقال ذلك ثلاثا، فأخذ سعد سهما من كنانته فرمى به رجلا فقتله قال: ثم أخذت سهمي أعرفه فرميت به آخر فقتلته، ثم أخذته أعرفه فرميت به آخر، فقتلته، فهبطوا من مكانهم. وقال ابن جريج: وأنزل الله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران 139] . وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظّهر يومئذ قاعدا من الجراحة التي أصابته، وصلّى المسلمون خلفه قعودا. ذكر مقتل حسيل وهو بضم الحاء وفتح السّين المهملتين ويقال مكبّرا، وهو اليمان والد حذيفة، ومقتل ثابت بن وقش- بفتح الواو وإسكان القاف، وبالشين المعجمة- رضي الله عنهما قالوا لمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه- وهما شيخان كبيران- لا أبا لك، ما تنتظر، فو الله ما بقي لواحد منا من عمرة إلا ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غدا، أفلا نأخذ أسيافنا، ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله تعالى يرزقنا الشّهادة، فأخذا أسيافهما، ثم خرجا حتى دخلا في الناس من جهة المشركين، ولم يعلم المسلمون بهما. فأما ثابت فقتله المشركون، وأما حسيل فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه، وقيل: إن الذي قتله عقبة بن مسعود رضي الله عنه، فقال حذيفة: أبي! فقالوا: ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة يغفر الله تعالى لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدّق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا. قال عروة: فو الله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقي الله تعالى.

_ [ (1) ] أخرجه الطبري في التفسير 4/ 67. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 252 ومسلم (1363) والدارقطني 3/ 394.

ذكر مقتل مخيريق النضري الاسرائيلي

ذكر مقتل مخيريق النضري الاسرائيلي من بني النضير- وهو بميم مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فتحتية فقاف- ذكر محمد بن عمر الأسلميّ أنه أسلم، ويقال أنه من بني قينقاع ويقال من بني ثعلبة بن الفطيون وكان عالما من أحبار يهود، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه، فلما كان يوم السبت قال: والله يا معشر يهود، إنكم لتعلمون أنّ نصر محمد عليكم لحقّ، قالوا: اليوم يوم السبت قال: لا سبت لكم، ثم عهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم فأموالي إلى محمد يصنع فيها ما أراد، ثم أخذ سلاحه، فخرج، فلما اقتتل النّاس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مخيريق خير يهود» . وروى الزبير بن بكّار عن ابن شهاب مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة» ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، وهي سبع خرائط، يأتي ذكرها في ذكر صدقاته صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . ذكر مقتل الأصيرم عمرو بن ثابت بن وقش ويقال: أقيش. روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنهما: أن الأصيرم كان يأبى الإسلام على قومه، زاد الحاكم كان له رئي في الجاهلية، فكان يمنع ذلك الرّئيّ من الإسلام حتى يأخذه، فجاء ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد فقال: أين سعد بن معاذ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأحد، فسأل عن قومه فقيل: بأحد، فبدا له في الإسلام فأسلم، وأخذ سيفه ورمحه وأخذ لأمته وركب فرسه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: أني قد آمنت. فقاتل حتى أثبتته الجراحة، فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: والله إن هذا للأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه منكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلم، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن متّ فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء- ولفظ أبي هريرة فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخيه: سله: حميّة لقومه أو غضبا لله ورسوله؟ فقال: بل غضبا لله ورسوله، انتهى. ثم لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنه من أهل الجنة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 183 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 18 بلفظ «خبر يهود» .

ذكر مقتل حنظلة رضي الله عنه

وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: حدّثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصلّ قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول: هو أصيرم بني عبد الأشهل. قال في الإصابة: فجمع بين الروايتين بأنّ الذين قالوا له أولا: «إليك عنا» قوم من المسلمين من غير قومه بني عبد الأشهل. وبأنّهم لمّا وجدوه في المعركة حملوا إلى بعض أهله. ذكر مقتل حنظلة رضي الله عنه روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد، وابن سعد عن عروة وأبو نعيم، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده قالوا: لمّا انكشف المشركون ضرب حنظلة فرس أبي سفيان بن حرب فوقع على الأرض، فصاح وحنظلة يريد ذبحه، فأدركه الأسود بن شدّاد- ويقال له: ابن شعوب- بفتح الشين المعجمة وضم العين المهملة وآخره موحدة- ووقع في بعض نسخ العيون شداد بن الأسود وليس بصواب- فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، ومشى إليه حنظلة في الرمح وقد أثبته، ثم ضرب الثانية فقتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني رأيت الملائكة تغسّله بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضّة» [ (1) ] . قال أبو أسيد الساعديّ- وهو بضم الهمزة- فذهبنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاسألوا أهله ما شأنه؟» فسألوا صاحبته عنه، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلذلك غسّلته الملائكة» . قال محمد بن عمر: وصاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت أبي ابن سلول، دخلت عليه في تلك الليلة التي في صبيحتها أحد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأذن له، فلما صلّى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته جميلة، فعاد فكان معها فأجنب منها، وقد أرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدتهم على الدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع، فقيل لها: لم أشهدت؟ فقالت: رأيت كأنّ السّماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشّهادة. وعلقت بعبد الله بن حنظلة، رضي الله عنهما. ذكر مقتل عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام رضي الله عنهما كان عمرو أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وهم خلّاد ومعوّذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (33257) .

وقالوا: أن الله قد عذرك. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد عذرك الله تعالى، فلا جهاد عليك» ، وقال لبنيه: ما عليكم ألّا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشّهادة، فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردّني إلى أهلي خائبا، فقتل شهيدا! وروى الإمام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعي الأنصاريّ قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة- وكانت رجله عرجاء- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» ، فقتلوه يوم أحد وهو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنّة» ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا في قبر واحد. انتهى. [ (1) ] . واستشهد ابنه خلّاد بن عمرو، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام زوجة عمرو بن الجموح على بعير لها تريد بهم المدينة، فلقتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما- وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر، ولم يضرب الحجاب يومئذ، فقالت لها: هل عندك خبر؟ ما وراءك؟ قالت: أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكلّ مصيبة بعده جلل. واتّخذ الله من المؤمنين شهداء وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب 25] قالت عائشة: من هؤلاء؟ قالت: أخي وابني خلّاد، وزوجي عمرو بن الجموح. قالت: وأين تذهبين بهم؟ قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها، ثم قالت: حل حل، تزجر بعيرها، فبرك، فقالت لها عائشة: لما عليه؟ قالت: ما ذاك به لربّما حمل ما يحمل بعيران، ولكن أراه لغير ذلك، وزجرته فقام وبرك، فوجّهته راجعة إلى أحد، فأسرع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال: إنّ الجمل مأمور، هل قال عمرو شيئا؟ قالت: إن عمرا لمّا توجّه إلى أحد قال: اللهم لا تردّني إلى أهلي خائبا وارزقني الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلذلك الجمل لا يمضي، إنّ منكم- معشر الأنصار- من لو أقسم على الله لأبره. منهم عمرو بن الجموح، ولقد رأيته [يطأ] بعرجته في الجنّة، يا هند، ما زالت الملائكة مظلّة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينتظرون أين يدفن» ، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبرهم، ثم قال: «يا هند، قد ترافقوا في الجنة» قالت: يا رسول الله، ادع الله عسى أن يجعلني معهم.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 299.

ذكر مقتل قزمان

قال جابر بن عبد الله: كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين، قتله سفيان بن عبد شمس وهو والد أبي الأعور السّلميّ. وروى محمد بن عمر عن شيوخه قالوا: قال عبد الله بن عمرو بن حرام- بالراء- رأيت في النوم قبل أحد مبشّر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت؟ قال: في الجنة، أسرح فيها كيف أشاء، قلت: ألم تقتل يوم بدر؟ قال: بلى، ثم أحييت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه الشهادة يا أبا جابر» . ذكر مقتل قزمان وهو بضمّ القاف وسكون الزاي وآخره نون، كان أتيّا لا يدري ممّن هو، وكان يعرف بالشجاعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول إذا ذكر له: أنه من أهل النّار، فتأخّر يوم أحد فعيّرته نساء بني ظفر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسوّي الصّفوف حتى انتهى إلي الصفّ الأول، فكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلا كأنّها الرّماح ويكتّ كتيت الجمل ثم فعل بالسّيف الأفاعيل حتى قتل سبعة أو تسعة وأصابته جراحة، فوقع، فناداه قتادة بن النعمان: يا أبا الغيداق هنيئا لك الشهادة، وجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا أبشر؟! فو الله ما قاتلت إلّا على أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. ثم تحامل على سيفه- وفي لفظ: آخذ سهما من كنانته- فقتل نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنه من أهل النار، أن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ! ذكر مقتل أنس بن النضر رضي الله عنه وهو بالنون والضاد المعجمة. روى الطيالسي وابن أبي شيبة وابن سعد والشيخان والتّرمذي والبغويّ الكبير وغيرهم عن أنس بن مالك رضي الله عنه وابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن أن أنس بن النّضر عمّ أنس بن مالك رضي الله عنه وبه سمّي أنسا، غاب عن بدر فشقّ عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أشهدني الله تعالى قتال المشركين ليرينّ الله تعالى ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعني أصحابه- وأبرأ إليك ممّا فعل هؤلاء- يعني المشركين- فانتهى إلى رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فلقيه سعد بن معاذ دون أحد، فقال سعد: أنا معك. قال سعد: فاستقبل أنس القوم فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فقال: يا سعد بن معاذ- وفي لفظ يا أبا عمرو- واها لريح الجنّة، وربّ

ذكر مقتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء رضي الله عنه

النضر إنّي لأجد ريحها من دون أحد. ثم تقدّم فقاتل حتى قتل، فوجدوا في جسده بضعا وثمانين ضربة من بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم: قال أنس: ووجدناه قد مثّل به المشركون فما عرفه أحد منّا إلّا أخته بشامة أو ببنانه، فكنّا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب 23] الآية. ذكر مقتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء رضي الله عنه روى ابن أبي عاصم عن عبد الله بن السائب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم أحد آخر أصحابه، ولم يكن بينه وبين العدوّ غير حمزة يقاتل العدوّ، فرصده وحشيّ فقتله، وقد قتل الله تعالى بيد حمزة من الكفّار أحدا وثلاثين، وكان يدعى: «أسد الله» . قال ابن إسحاق: وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم، وكان أحد النّفر الذين يحملون اللواء، وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول: إن على أهل الّلواء حقّا ... أن يخضبوا الصّعدة أو تندقّا فحمل عليه حمزة فقتله. قال: وحشيّ كما رواه ابن إسحاق والطيالسيّ والبخاريّ وابن عائد عنه، وابن أبي شيبة عن عمر وابن إسحاق قال وحشيّ: أن حمزة قتل طعيمة بن عديّ ببدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي مولاي جبير بن مطعم- وأسلم بعد ذلك-: إن أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعميّ فأنت حرّ، فلما خرج الناس عام عينين- وعينين: جبل بجبال أحد بينه وبينه واد- فخرجت مع الناس إلى القتال، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلّ أن أخطئ بها شيئا، فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدّ الناس بسيفه هدّا، ما يقوم له شيء- وفي لفظ: ما يليق شيئا، وفي لفظ: ما وقع له أحد إلا قمعه بالسيف، وفي لفظ: رأيت رجلا لا يرجع حتى يهزمنا- فقلت: من هذا؟ قالوا: حمزة. قلت: هذا صاحبي، فو الله إني لأتهيأ له أريد منه ما أريد وأتستّر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني إذ تقدّمني إليه سباع- بكسر المهملة وتخفيف الموحدة- ابن عبد العزى الغبشاني- بضم الغين وإسكان الموحدة وبالشين المعجمة- فلما رآه حمزة قال: هلّم إليّ يا بن مقطّعة البظور- وكانت أمّه ختّانة بمكة- أتحادّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم؟! ثم شدّ عليه فكان كأمس الذاهب- وفي لفظ: فضربه ضربة فكأنّما أخطأ رأسه- وأكبّ عليه ليأخذ درعه، وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلمّا دنا مني- قال عمير بن إسحاق: فعثر حمزة فانكشف الدرع عن بطنه، فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة. انتهى. قال وحشيّ- كما عند الطيالسيّ-: جعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي، حتى إذا

استمكنت منه هززت حربتي حتّى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنّته- وفي لفظ: في ثندوته- حتى خرجت من بين رجليه، وجعل ينوء نحوي فغلب فوقع فتركته وإيّاها، حتى إذا مات أتيته فأخذت حربتي، ورجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكّة عتقت. ثم أقمت حتى إذا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة هربت إلى الطّائف فكنت بها، فلما خرج وفد أهل الطّائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعيّت عليّ المذاهب، فقلت: ألحق بالشام أو اليمن أو ببعض البلاد، فو الله إني لفي ذلك من همّي إذ قال لي رجل: ويحك، والله إنّه ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه. فلما قال ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. قال ابن إسحاق وفي رواية يونس: لمّا قدم وحشيّ المدينة قال الناس: يا رسول الله هذا وحشيّ، فقال: «دعوه، فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف رجل كافر» . قال وحشيّ: فلم يرعه إلّا بي قائما على رأسه أشهد شهادة الحقّ، فلما رآني قال: «أوحشيّ؟» قلت: نعم، يا رسول الله، قال: «أقعد فحدّثني كيف قتلت حمزة؟» قال: فحدثته، فلما فرغت من حديثي، قال: «ويحك! غيّب وجهك عني فلا أراك!» . وروى الطبراني بسند لا بأس به، وتمّام الرازيّ عن وحشيّ قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات، ثم قال: «لا ترني وجهك!» . وروى الطبراني بسند حسن عن وحشيّ: قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا وحشيّ» ، قلت: نعم، قال: «قتلت حمزة؟» فقلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهنّي بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟! فقلت: يا رسول الله استغفر لي، فتفل في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال: «يا وحشيّ، اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصدّ عن سبيل الله» [ (1) ] . قلت: وكونه صلى الله عليه وسلم تفل في الأرض أصحّ من كونه تفل في وجهه، لما علم من حيائه صلى الله عليه وسلم ومحاسن أخلاقه. قال وحشيّ: فكنت أتنكّب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما في يده السيف وما أعرفه، فتهيّأت له وتهيّأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه، وشدّ عليه الأنصاريّ فضربه بالسّيف، فربّك أعلم أيّنا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شرّ النّاس.

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (33663) .

قال محمد بن عمر في كتاب الرّدّة: والأنصاريّ المبهم عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيّ، وبه جزم إسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل: هو عديّ بن سهل، وجزم به سيف في الرّدّة، وقيل: أبو دجانة، وقيل: زيد بن الخطاب، قال الحافظ: والأول أشهر، ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته، وأما الآخران فحملا عليه في الجملة، وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أنّ الذي ضرب مسيلمة اسمه شنّ- بفتح المعجمة وتشديد النون- ابن عبد الله. وأغرب من ذلك ما حكاه أبو عمر أنّ الذي قتل مسيلمة هو الجلاس بن بشير بن الأصمّ، كذا في خطّ الحافظ: الجلاس بن بشير بن الأصمّ، ولم أر له ذكرا في التجريد، ولا في العجالة للبرهان النووي، ولا في الإصابة للحافظ، فالله أعلم. وروى البخاري وابن إسحاق عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما- وكان قد شهد اليمامة- قال: سمعت صارخا يقول: وا أميراه قتله العبد الأسود. وذكر محمد بن عمر، وتبعه في الإمتاع أن وحشيّا لما قتل حمزة شقّ بطنه وأخرج كبده، فجاء بها إلى هند بنت عتبة، فقال: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها، ونزعت ثيابها وحليتها، فأعطته لوحشيّ، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة، فقطعت من كبده وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين، حتى قدمت بذلك مكة. ومرّ الحليس- وهو بالحاء المهملة مصغّرا- ابن زبّان- بزاي فموحدة مشددة- وهو يومئذ سيد الأحابيش، بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة رضي الله عنه بزج الرّمح، وهو يقول: ذق عقق، فقال الحليس: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمّه ما ترون لحما، فقال: ويحك، اكتمها عليّ، فإنّها كانت زلّة. وعلت هند صخرة مشرفة وصرخت بأعلى صوتها فقالت: نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمّه وبكري شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشيّ غليل صدري فشكر وحشيّ عليّ عمري ... حتّى ترمّ أعظمي في قبري فأجابتها هند بنت أثاثة- بضم الهمزة وبثائين مثلثتين- ابن عبّاد بن المطلب فقالت: خزيت في بدر وبعد بدر ... يا بنت وقّاع عظيم الكفر صبّحك الله غداة الفجر ... م الهاشميّين الطّوال الزّهر بكلّ قطّاع حسام يفري ... حمزة ليثي وعليّ صقري

ذكر مقتل عبد الله بن جحش رضي الله عنه

إذ رام شيب وأبوك غدري ... فخضّبا منه ضواحي النّحر ذكر مقتل عبد الله بن جحش رضي الله عنه روى محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه وابن وهب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله تعالى في ناحية، فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك قلت: يا عبدي، فيم جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فيقول الله تعالى: صدقت، قال سعد: كانت والله دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي، ولقد رأيته آخر النهار وإنّ أذنيه، وأنفه معلّقات في خيط. قال محمد بن عمر: وتولّى تركته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشترى لابنه مالا بخيبر، ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد. ذكر مقتل أبي سعد خيثمة بن أبي خيثمة رضي الله عنه وهو بخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فثاء مثلثة. ذكر محمد بن عمر أنّ خيثمة قال يوم أحد: يا رسول الله لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت والله حريصا عليها، حتى ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشّهادة، وقد رأيته البارحة في النّوم في أحسن صورة، يسرح في ثمار الجنّة وأنهارها، ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقّا، وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة، فادع الله تعالى أن يرزقني الشّهادة، ومرافقته في الجنة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل في أحد. ذكر مقتل مصعب بن عمير رضي الله عنه روى ابن سعد، عن محمد بن شرحبيل العبدريّ قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران 144] الآية ... ، ثم قطعت يده اليسرى فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ الآية ... ثم قتل فسقط اللواء، قال محمد بن شرحبيل: وما نزلت هذه الآية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ يومئذ حتى نزلت بعد.

ذكر تمثيل نساء المشركين: هند بنت عتبة ومن معها بقتلى المسلمين

وكانت عائشة وأم سليم رضي الله عنهما تسقيان النّاس، كما في الصحيح عن أنس قال: لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنّهما لمشمّرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وفي لفظ تنقلان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتحلّانها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم. وروى البخاري عن ثعلبة بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيّد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك- يريد أم كلثوم بنت عليّ- فقال عمر: أمّ سليط أحقّ به، وأم سليط من نساء الأنصار ممّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنّها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. انتهى. وأمّ سليط هذه والدة أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ذكر تمثيل نساء المشركين: هند بنت عتبة ومن معها بقتلى المسلمين قال ابن إسحاق: حدّثني صالح بن كيسان قال: وقفت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدعن الأذن والأنف، حتى اتّخذت هند من آذان الرجال وأنافيهم خدما وقلائد. ذكر رجوع المشركين إلى مكة قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما: لمّا تحاجز الفريقان أراد أبو سفيان الانصراف، فأقبل على فرس حتى أشرف على المسلمين في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته: أفي القوم محمد؟ ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» ، ولم يسأل عن هذه الثلاثة إلا لعلمه وعلم قومه أنّ قيام الإسلام بهم، فقال أبو سفيان بعد أن رجع إلى أصحابه: إن هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه! وفي حديث ابن عباس وعند الإمام أحمد والطبراني والحاكم: أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، ألا أجيبه؟ قال: «بلى» . قال في الفتح: كأنه نهى عن إجابته في الأول وأذن فيها في الثّالثة، فقال عمر: كذبت يا عدو الله، قد أبقى الله لك ما يخزيك، إنّ الذين عددت لأحياء كلّهم، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: «قم يا عمر فأجبه» ، فقال: الله أعلى وأجلّ، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك، فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ألا إنّ الأيّام دول، وإن الحرب سجال، وفي لفظ: سمال. فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسرّ

ذكر طلب المسلمين قتلاهم

وحنظلة بحنظلة، وفلان بفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: «قل: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النّار» ، فقال أبو سفيان: إنكم لتقولون ذلك، لقد خبنا إذن وخسرنا، لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال رسول الله لعمر، قل: «الله مولانا ولا مولى لكم» ، فقال أبو سفيان: إنها قد أنعمت فعال عنها، هلمّ يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: «ائته فانظر ما شأنه» ، فجاءه، فقال أبو سفيان: أنشدك بالله يا عمر، أقتلنا محمدا؟ قال: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق من ابن قمئة وأبرّ- لقول ابن قمئة لهم: إني قتلت محمدا- ثم قال أبو سفيان: ورفع صوته: إنكم واجدون في قتلاكم مثلا، والله ما رضيت ولا نهيت ولا أمرت، إلّا أنّ موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: «نعم بيننا وبينكم موعد» . وانصرف أبو سفيان إلى أصحابه وأخذ في الرّحيل، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من أن يغير المشركون على المدينة، فتهلك الذّراريّ والنساء. قال ابن إسحاق: فبعث عليّا- وقال عروة. ومحمد بن عمر، وابن عائذ: سعد بن أبي وقّاص- لينظر، فقال: إن ركبوا الإبل وجنّبوا الخيل فهو الظّعن وإن ركبوا الخيل وجنّبوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، فهي الغارة، والذي نفسي بيده لئن ساروا إليها لأسيرنّ إليهم، ثم لأناجزنّهم. فسار عليّ أو سعد وراءهم إلى العقيق فإذا هم قد ركبوا الإبل وجنّبوا الخيل بعد ما تشاوروا في نهب المدينة، فقال صفوان بن أمية- وأسلم بعد ذلك-: لا تفعلوا، لا تدرون ما يغشاكم، فعاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقدم أبو سفيان مكة، فلم يصل إلى بيته حتى أتى هبل فقال: أنعمت ونصرتني، وشفيت نفسي من محمد ومن أصحابه، وحلق رأسه. ذكر طلب المسلمين قتلاهم روى البيهقي عن عروة قال: لما رحل المشركون انتشر المسلمون يطلبون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلّا وقد مثّل به المشركون، إلّا حنظلة بن أبي عامر فإن أباه كان معهم فتركوه له. وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: لمّا انصرف المشركون أقبل المسلمون على موتاهم يطلبونهم. وروى الحاكم والبيهقي، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وابن إسحاق عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو أم في الأموات، فإني رأيت اثني عشر رمحا شرعى إليه، فقال رجل من الأنصار- قال محمد بن عمر: هو محمد بن مسلمة، وقال أبو عمر: هو أبي بن كعب- فنظر في القتلى، فناداه ثلاثا فلم يجبه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إلى خبرك، فأجابه بصوت ضعيف. وفي

حديث زيد: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، لطلب سعد بن الربيع، وقال: إن رأيته فأقره مني السلام، وقل له: كيف تجدك؟ قال: فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنّي السلام، وقل له: أن سعد بن الرّبيع يقول: جزاك الله تعالى عنّا خير ما جزى نبيّا عن أمّته، وقل له: أني أجد ريح الجنّة، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: أن سعد بن الرّبيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف، ثم لم يبرح أن مات، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبره [ (1) ] . قال ابن هشام: وحدّثني أبو بكر الزّبيريّ: أنّ رجلا دخل على أبي بكر الصّدّيق، وبنتّ لسعد بن الربيع: جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبّلها، فقال له الرجل: من هذه؟ قال له: بنت رجل خير منّي: سعد بن الربيع، كان من النّقباء يوم العقبة. وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد. قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني- يلتمس حمزة بن عبد المطلب. قال محمد بن عمر وغيره: وجعل يقول: «ما فعل عمّي؟» ويكرر ذلك. فخرج الحارث بن الصّمّة يلتمسه فأبطأ، فخرج عليّ فوجد حمزة ببطن الوادي مقتولا، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم، فخرج يمشي حتى وقف عليه، فوجده قد بقر بطنه عن كبده، ومثّل به، فجدع أنفه وأذناه، فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قطّ كان أوجع لقلبه منه، ونظره قد مثّل به. وفي حديث كعب بن مالك عن ابن أبي شيبة في سنده إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قيل له: إن حمزة مثّل به، كره أن ينظر إليه. انتهى. فقال: «أحتسبك عند الله!» وروى البزار بسند لا بأس به، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل حمزة بكى، فلما نظر إليه شهق. وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال، فقال رجل: رأيته عند تلك الصّخرات وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله، اللهمّ أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعني أبا سفيان أصحابه- وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، فلما رأى جثّته بكى. ولمّا رأى ما مثّل به

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 201.

شهق ثم قال: «ألا كفن؟» فقام رجل من الأنصار فرمى بثوبه عليه، ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه، فقال: «يا جابر هذا الثوب لأبيك وهذا لعمّي» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «رحمة الله عليك، فإنك كنت كما علمتك، فعولا للخيرات، وصولا للرّحم، لولا أن تحزن صفيّة- وفي لفظ: نساؤنا، وفي لفظ: لولا حزن من بعدي عليك، وتكون سبّة من بعدي- لتركته، حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير» ، ثم قال: «أبشروا، جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله» . وقال: «لئن ظفّرني الله تعالى علي قريش في موطن من المواطن لأمثّلنّ بسبعين منهم مكانك» ، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيظه على من فعل بعمّه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفّرنا الله تعالى بهم يوما من الدهر لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب، قال أبو هريرة، كما رواه ابن سعد والبزار وابن المنذر والبيهقي: فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النّحل وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل 126] فكفّر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد وصبر [ (1) ] . وروى ابن المنذر والطبرانيّ والبيهقيّ نحوه عن ابن عباس. وروى الترمذي وحسنه، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والنّسائيّ، وابن المنذر، وابن خزيمة في فرائده، وابن حبان والضياء في صحيحهما عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا. ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثّلوا به، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم، فلما كان فتح مكة أنزل الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصبر ولا نعاقب، كفّوا عن القوم إلا أربعة» [ (2) ] . وروى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلّها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حيث قتل حمزة ومثل به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن ظهرنا عليهم لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد قطّ، فانزل الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ إلى آخر السورة [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 199 وذكره السيوطي في الدر 2/ 97. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 135 وذكره المتقي الهندي في الكنز (4476) وذكره السيوطي في الدر 4/ 135 وعزاه للترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل. [ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 4/ 135 وعزاه لابن إسحاق وابن جرير.

وروى ابن إسحاق عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قطّ ففارقه، حتى أمر بالصدقة ونهى عن المثلة. قال ابن إسحاق وغيره: وأقبلت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها لتنظر إلى حمزة، وكان أخاها لأمها وأبيها، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تراه، فقال: «المرأة المرأة» . فقال الزبير بن العوام: فتوسّمت أنها أمّي صفية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألقها فأرجعها لا ترى ما بأخيها» ، فخرج يسعى فأدركها قبل أن تنتهي إلى القتلى، فردّها فلكمت صدره، وكانت امرأة جلدة، وقالت: إليك عني، لا أرضى لك. فقال: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أنت ترجعي. قالت: ولم وقد بلغني أنه قد مثّل بأخي؟ وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، فلأصبرنّ وأحتسبنّ إن شاء الله. فجاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «خلّ سبيلها» ، فأتته فنظرت إليه، فصلّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له. وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف على عقل صفية بنت عبد المطلب، فوضع يده على صدرها فاسترجعت، وبكت. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار عن الزبير والطبرانيّ بسند رجاله ثقات، عن ابن عباس: إن صفية رضي الله عنها أتت بثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفّنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنلفّه فيهما فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار، فعل به مثل ما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفّن حمزة في ثوبين، والأنصاريّ لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاريّ ثوب، فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنّا كلّا منهما في الثوب الذي طاوله، وجعل أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه يريد أن ينال من قريش، لما رأى من غمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل حمزة ما مثّل به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه أن اجلس وكان قائما، ثم قال: «يا أبا قتادة. إن قريشاً أهل أمانة، من بغاهم العواثر أكبّه الله تعالى لفيه، وعسى إن طالت بك حياة أن تحقر عملك مع أعمالهم، وفعالك مع فعالهم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى» . فقال أبو قتادة: يا رسول الله، ما غضبت إلا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حين نالوا من حمزة ما نالوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت، بئس القوم كانوا لنبيّهم» . وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل حمزة جنبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غسّلته الملائكة» ، وعند ابن سعد عن الحسن مرسلا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لقد رأيت الملائكة تغسّل حمزة» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 175 وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 105.

ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بدفن من استشهد يوم أحد

وروى ابن أبي شيبة في سنده والطبراني برجال ثقات، عن أبي أسيد الساعديّ وابن أبي شيبة والحاكم عن أنس قالا: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة في نمرة، فمدّت النّمرة على رأسه وانكشف رجلاه، فمدّت على رجليه فانكشف رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مدّوها على رأسه واجعلوا على رجليه شيئا من الحرمل، وفي لفظ: من الإذخر» [ (1) ] . ذكر أمره صلى الله عليه وسلّم بدفن من استشهد يوم أحد روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالشّهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وقال: «ادفنوهم بدمائهم وثيابهم» [ (2) ] . وروى أبو داود عن هشام بن عامر الأنصاريّ قال: جاءت الأنصار يوم أحد فقالوا: يا رسول الله لقد أصابنا قرح وجهد، فكيف تأمرنا؟ فقال: «احفروا واعمقوا ووسعوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر الواحد» ، قيل: يا رسول الله فأيّهم يقدّم؟ قال: «أكثرهم قرآنا» [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة في سنده والطبراني برجال الصحيح، عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف يوم أحد بين ظهراني القتلى فقال: «أنا شهيد على هؤلاء، كفّنوهم بدمائهم، فإنه ليس جريح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمى، لونه لون الدّم، وريحه ريح المسك، قدّموا أكثرهم قرآنا فاجعلوه في اللّحد» [ (4) ] . وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه فيا للّحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء» ، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلهم [ (5) ] . قال جابر: وكفّن أبي وعمّي في نمرة واحدة. وروى ابن إسحاق عن أشياخ من بني سليم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى: «انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد» .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 392 وابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 5 وذكره ابن حجر في المطالب (4322) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 247. [ (3) ] أخرجه أبو داود (3215) والبيهقي في السنن 4/ 34. [ (4) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 7 وانظر البداية والنهاية 4/ 41. [ (5) ] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1343) .

قال ابن إسحاق: وقد احتمل الناس قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «ردّوهم وادفنوهم حيث صرعوا» . قال محمد بن عمر فلم يردّ أحد إلا رجل واحد أدركه المنادي قبل أن يدفن، وهو شمّاس بن عثمان المخزوميّ. وروى الإمام أحمد والأربعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن قتلى أحد حملوا من أماكنهم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ردّوا القتلى إلى مضاجعهم [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عنه قال: استشهد أبي بأحد فأرسلني أخواتي إليه بناضح لهنّ فقلن: اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل، فادفنه في مقبرة بني سلمة. قال: فجئته وأعوان لي، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وهو جالس بأحد، فدعاني فقال: «والذي نفسي بيده لا يدفن إلّا أصحابه [بأحد] » [ (2) ] . وروى أبو داود والنّسائيّ عنه أيضاً قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ليقاتلهم، وقال لي أبي عبد الله: يا جابر، لا عليك أن تكون في النّظّارة من أهل المدينة، حتى تعلم ما يصير أمرنا، والله لولا أنّي أترك بنات بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي. قال: فبينا أنا في النّظّارة إذ جاءت عمّتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة، إذ لحق رجل ينادي: إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مضاجعها، حيث قتلوا. وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن مردويه عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بمصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه، فدعا له ثم قرأ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب 23] الآية. ثم قال: لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرقّ حلّة ولا أحسن لمّة منك. وروى البخاري: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير، وهو خير من كفّن في برده، إن غطّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطّي رجلاه بدا رأسه. وروى الخمسة عن خبّاب رضي الله عنه قال: هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي رحمة الله، فوجب أجرنا على الله، فمنّا من قضى أو ذهب ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة، وكنّا إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 297. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 396.

ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم، بعد الوقعة يوم أحد

غطّينا بها رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غطّوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» [ (1) ] . ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم، بعد الوقعة يوم أحد روى الإمام أحمد والنّسائيّ، في كتاب عمل اليوم والليلة، والحاكم، وقال على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبيّ ومحمد بن عمر الأسلمي، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من دفن أصحابه ركب فرسه، وخرج المسلمون حوله، عامتهم جرحى، ولا مثل لبني سلمة وبني عبد الأشهل، ومعه أربع عشرة امرأة. فلما كانوا بأصل أحد قال: «اصطفّوا حتى أثني على ربي عز وجل» ، فاصطف الرجال خلفه صفوفا، خلفهم النساء، فقال: «اللهم لك الحمد كلّه، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضلّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت، وما مانع لما أعطيت ولا مقرّب لما باعدت، ولا مباعد لما قرّبت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إنا نسألك النّعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك النعيم يوم العيلة، اللهم إنا نسألك الأمن يوم الخوف [والغنى يوم الفاقة] ، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، ومن شر ما منعتنا، اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهمّ توفّنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين. اللهمّ قاتل الكفرة الذين يكذّبون رسلك، ويصدّون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهمّ قاتل الكفرة الّذين أوتوا الكتاب، إله الحقّ. آمين» . ذكر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن أصحابه، رضي الله عنهم، ركب فرسه وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حمنة: احتسبي» ، قالت: من يا رسول الله؟ قال: «خالك حمزة بن عبد المطلب» . قالت: إن لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: «احتسبي» ، قالت: من يا رسول الله؟ قال: «أخوك عبد الله بن جحش» ، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: «احتسبي» ، قالت: من يا رسول الله؟ قال: «زوجك مصعب بن عمير» ، قالت: وا حزناه، وفي لفظ: وا عقراه، وصاحت وولولت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن زوج المرأة

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 122 وأبو داود (2876) والترمذي (3853) وأحمد في المسند 5/ 112 والطبراني في الكبير 4/ 79.

منها لبمكان، لما رأى من تثبّتها على أخيها وخالها، وصياحها على زوجها» ، ثم قال لها: «لم قلت هذا؟» قالت: يا رسول الله، ذكرت يتم بنيه فراعني، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم من الخلف. وروى ابن ماجة عن إبراهيم بن أحمد بن عبيد الله بن جحش عن أبيه عن حمنة بنت جحش: أنّه قيل لها: قتل أخوك، فقالت: رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا: قتل زوجك، فقالت: وا حزناه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للزّوج من المرأة لشغفة ما هي لشيء!» [ (1) ] . وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى طلع على بني عبد الأشهل وهم يبكون على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لكنّ حمزة لا بواكي له! فخرج النساء ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أمّ عامر الأشهلية: كل مصيبة بعدك جلل!. ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بامرأة من بني دينار قد أصيب أبوها وزوجها وأخوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأحد، فلمّا نعوا إليها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أمّ فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه فأشير بها إليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل! وروى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة، وقالوا: قتل محمد، حتى كثر الصراخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار محزمة، فاستقبلت بأبيها ابنها وزوجها وأخيها، لا أدري أيّهم استقبلت به أولا، فلما مرّت على آخرهم قالوا: أبوك، زوجك، أخوك، ابنك، فتقول: ما فعل رسول الله؟ يقولون: أمامك، حتى دفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب! وروى ابن أبي حاتم، عن عكرمة مرسلا قال: لما أبطأ الخبر على النساء خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقتولان على دابة أو بعير، فقالت امرأة من الأنصار: من هذان؟ قالوا: فلان وفلان: أخوها وزوجها أو زوجها وابنها. فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: حيّ، قالت: فلا أبالي، يتّخذ الله من عباده شهداء، وأنزل الله تعالى على ما قالت: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ [آل عمران 140]

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1950) والبيهقي في السنن 4/ 66 والحاكم في المستدرك 4/ 61 وابن كثير في البداية والنهاية 4/ 47.

وجاءت أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت رافع تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله! أمّي!، فقال: «مرحبا بها» ، فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: أما إذ رأيتك سالما فقد أشوت المصيبة، فعزّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: «يا أمّ سعد، أبشري وبشّري أهليهم: أنّ قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفّعوا في أهليهم» قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلّفوا فقال: «اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلّفوا» ، ثم قال: «خلّ يا أبا عمرو- يعني سعد بن معاذ- الدّابّة» ، فخلّى سعد الفرس، فتبعه النّاس، فقال: «أبا عمرو إنّ الجراح في أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان، اللّون لون الدّم، والرّيح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقرّ في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزيمة منّي» . فنادى فيهم سعد: عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم جريح من بني عبد الأشهل، فتخلّف كلّ مجروح، فباتوا يوقدون النّيران، ويداوون الجرحى، ومضى سعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء بيته، فما نزل نبي الله صلّى الله عليه وسلم، عن فرسه إلا حملا، واتّكأ على سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: «اغسلي عن هذا دمه، فو الله لقد صدقني اليوم» ، وناولها علي بن أبي طالب سيفه، فقال: «وهذا، فاغسلي عنه دمه، فو الله لقد صدقني اليوم» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة» . وروى الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء علي بسيفه يوم أحد وقد انحنى، فقال لفاطمة: هاك السيف حميدا، فإنه قد شفاني اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن أجدت الضّرب بسيفك لقد أجاد سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصّمّة» . قال ابن هشام: وحدّثني بعض أهل العلم أنّ ابن أبي نجيح قال: نادى مناد يوم أحد: لا سيف إلّا ذو الفقا ... ر ولا فتّى إلّا عليّ يعني بذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غنمه يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. ولما أذّن بلال بصلاة المغرب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على تلك الحال، يتوكّأ على السّعدين، فصلّى بهم، ثم عاد إلي بيته. ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه ونساء قومه، فساقهنّ حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبكين حمزة بين المغرب

ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة والسرور بما حصل للمسلمين

والعشاء، والنّاس في المسجد يوقدون النيران، يتكمّدون بها من الجراح. وأذّن بلال العشاء حتى غاب الشّفق الأحمر، فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه: الصّلاة يا رسول الله، فهبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وخرج، فإذا هو أخفّ في مشيته منه حين دخل، وسمع البكاء، فقال: «ما هذا؟» فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة، فقال: «رضي الله عنكنّ وعن أولادكنّ» ، وأمر أن تردّ النّساء إلى منازلهنّ. وذكر ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم خرج عليهنّ، وهنّ على باب المسجد يبكين على حمزة فقال: «ارجعن رحمكنّ الله، ولقد واسيتنّ، رحم الله الأنصار، فإن المواساة فيهم ما علمت قديمة» ، فرجعن بليل مع رجالهنّ. وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عمر، وعن أنس، والإمام أحمد، وابن ماجة بسند صحيح، عن ابن عمر، والطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رجع من أحد سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهنّ فقال: لكن حمزة لا بواكي له، فبلغ النساء، ذلك، فجئن فبكين على حمزة، فانتبه من الليل فسمعهنّ وهن يبكين، فقال: ويحهنّ ما زلن يبكين منذ الليلة. مروهنّ ليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم» [ (1) ] . وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم رجع إلى بيته وقد صفّ له الرّجال ما بين بيته إلى مصلّاه يمشي وحده حتى دخل، وباتت وجوه الأوس والخزرج على بابه في المسجد يحرسونه، فرقا من قريش أن تكرّ. ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة والسرور بما حصل للمسلمين ولما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما حصل جعل عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقون يشمتون ويسرّون بما أصاب المسلمين، ويظهرون أقبح القول، فيقول ابن أبيّ لابنة عبد الله وهو جريح قد بات يكوي الجراحة بالنار: ما كان خروجك معه إلى هذا الوجه برأي، عصاني محمد وأطاع الولدان، والله لكأني كنت أنظر إلى هذا. فقال ابنه: الذي صنع الله تعالى لرسوله وللمسلمين خير. وأظهر اليهود القول السّيّئ، فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبيّ قطّ، أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه. وجعل المنافقون يخذّلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ويأمرونهم بالتفرّق عنه ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل. وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستأذنه

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1591) وأحمد في المسند 2/ 40- 84 والبيهقي في السنن 4/ 70 والحاكم 1/ 381 والطبراني في الكبير 3/ 159 وابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 31 وابن أبي شيبة 3/ 394 وعبد الرزاق في المصنف (6694) .

ذكر قيام عبد الله بن أبي وإرادته الخطبة ومنع المسلمين له من ذلك

في قتل من سمع ذلك منه، من اليهود والمنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عمر، أن الله تعالى مظهر دينه، ومعزّ نبيّه، ولليهود ذمّة فلا أقتلهم» ، قال: فهؤلاء المنافقون؟ قال: «أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قال: بلى يا رسول الله، وإنما يفعلون ذلك تعوّذا من السيف، فقد بان لنا أمرهم، وأبدى الله تعالى أضغانهم عند هذه النّكبة، فقال: «إني نهيت عن قتل من قال: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يا بن الخطاب إنّ قريشا لن ينالوا منّا مثل هذا اليوم، حتّى نستلم الرّكن» . ذكر قيام عبد الله بن أبي وإرادته الخطبة ومنع المسلمين له من ذلك قال ابن شهاب الزهري: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة كان عبد الله بن أبي ابن سلول يقوم كل جمعة، لا ينكر شيئا قاله في نفسه ولا في قومه، وكان شريفا في قومه، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام عبد الله فقال: أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله تعالى، وأعزّكم به، فانصروه وعزّزوه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع بالنّاس قام يفعل ذلك كما كان يفعل، فأخذ المسلمون بثوبه من نواحيه وقالوا له: اجلس أي عدوّ الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطّى رقاب الناس ويقول: والله لكأنما قلت بجرا أن قمت لأشدّ أمره. فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: مالك؟ ويلك! قال: قمت أشدّ أمره فوثب رجال من أصحابه يجذبونني ويعنّفونني، لكأنني قلت بجرا أن قمت أشدّ أمره، قال: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي. ذكر ما نزل من القرآن في شأن أحد قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله تعالى في يوم أحد من القرآن ستون آية من آل عمران، فيها صفة ما كان في يومهم ذلك. وروى أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة قال: قلت: لعبد الرحمن بن عوف: يا خال، أخبرني عن قصتكم يوم أحد، قال: اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصّتنا، أي من قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمران 121] . ذكر بعض ما قاله المسلمون من الشعر في غزوة أحد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب هبيرة بن أبي وهب عن كلمة قالها:

سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم ... إلى الرّسول فجند الله مخزيها أوردتموها حياض الموت ضاحية ... فالنّار موعدها والقتل لاقيها جمعتموهم أحابيشا بلا حسب ... أئمّة الكفر غرّتكم طواغيها ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت ... أهل القليب ومن ألقينه فيها؟! كم من أسير فككناه بلا ثمن ... وجزّ ناصية كنّا مواليها وقال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيبه أيضا: ألا هل أتى غسّان عنّا ودونهم ... من الأرض خرق سيره متنعنع صحار وأعلام كأنّ قتامها ... من البعد نقع هامد متقطّع تظلّ به البزل العراميس رزّحا ... ويخلو به غيث السّنين فيمرع به جيف الحسرى يلوح صليبها ... كما لاح كتّان التّجار الموضّع به العين والأرآم يمشين خلفة ... وبيض نعام قيضه يتقلّع مجالدنا عن ديننا كلّ فخمة ... مدرّبة فيها القوانس تلمع وكلّ صموت في الصّوان كأنّها ... إذا لبست نهي من الماء مترع ولكن ببدر سائلوا من لقيتمو ... من النّاس والأنباء بالغيب تنفع وإنّا بأرض الخوف لو كان أهلها ... سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا إذا جاء منّا راكب كان قوله ... أعدّوا لما يزجي ابن حرب ويجمع فمهما يهمّ النّاس ممّا يكيدنا ... فنحن له من سائر النّاس أوسع فلو غيرنا كانت جميعا تكيده ال ... بريّة قد أعطوا يدا وتورّعوا نجالد لا تبقى علينا قبيلة ... من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا ولمّا ابتنوا بالعرض قال سراتنا: ... علام إذا لم تمنع العرض نزرع؟! وفينا رسول الله نتبع أمره ... إذا قال فينا القول لا نتطلّع تدلّى عليه الرّوح من عند ربّه ... ينزل من جو السّماء ويرفع نشاوره فيما نريد وقصدنا ... إذا ما اشتهى أنّا نطيع ونسمع وقال رسول الله لمّا بدوا لنا: ... ذروا عنكم هول المنيّات واطمعوا وكونوا كمن يشري الحياة تقرّبا ... إلى ملك يحيا لديه ويرجع ولكن خذوا أسيافكم وتوكّلوا ... على الله أن الأمر لله أجمع فسرنا إليهم جهرة في رحالهم ... ضحيّا علينا البيض لا نتخشّع بملمومة فيها السّنوّر والقنا ... إذا ضربوا أقدامها لا تورّع فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع

ثلاثة آلاف ونحن نصيّة ... ثلاث مئين إن كثرنا وأربع نعاورهم تجري المنيّات بيننا ... نشارعهم حوض المنايا ونشرع تهادى قسيّ النّبع فينا وفيهم ... وما هو إلّا اليثربيّ المقطّع ومنجوفة حرميّة صاعديّة ... يذرّ عليها السّمّ ساعة تصنع تصوب بأبدان الرّجال وتارة ... تمرّ بأعراض البصار تقعقع وخيل تراها بالفضاء كأنّها ... جراد صبا في قرّة يتريّع فلمّا تلاقينا ودارت بنا الرّحى ... وليس لأمر حمّه الله مدفع ضربناهم حتّى تركنا سراتهم ... كأنّهم بالقاع خشب مصرّع لدن غدوة حتّى استفقنا عشيّة ... كأنّ ذكانا حرّ نار تلفّع وراحوا سراعا موجفين كأنّهم ... جهام هراقت ماءه الرّيح مقلع ورحنا وأخرانا بطاء كأنّنا ... أسود على لحم ببيشة ظلّع فنلنا ونال القوم منّا وربّما ... فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع ودارت رحانا واستدارت رحاهم ... وقد جعلوا كلّ من الشّرّ يشبع ونحن أناس لا نرى القتل سبّة ... على كل من يحمي الذّمار ويمنع جلاد على ريب الحوادث لا نرى ... على هالك عينا لنا الدّهر تدمع بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله ... ولا نحن ممّا جرّت الحرب نجزع بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحّش ... ولا نحن من أظفارها نتوجّع وكنّا شهابا يتّقي النّاس شرّه ... ويفرج عنه من يليه ويسفع فخرت عليّ ابن الزّبعرى وقد سرى ... لكم طلب من آخر اللّيل متبع فسل عنك في عليا معدّ وغيرها ... من الناس من أخزى مقاما وأشنع ومن هو لم تترك له الحرب مفخرا ... ومن خدّه يوم الكريهة أضرع شددنا بحول الله، والنّصر شدّة ... عليكم وأطراف الأسنّة شرّع نكرّ القنا فيكم كأنّ فروغها ... عزالى مزاد ماؤها يتهزّع عمدنا إلى أهل اللّواء ومن يطر ... بذكر اللّواء فهو في الجذم أسرع فخانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا ... أبى الله إلا أمره وهو أصنع قال ابن هشام: وقد كان كعب بن مالك قد قال: «مجالدنا عن جذمنا كلّ فخمة» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيصلح أن نقول: مجالدنا عن ديننا؟» فقال كعب بن مالك: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهو أحسن» ، فهو أحسن، فقال كعب: «مجالدنا عن ديننا» .

وقال رضي الله عنه أيضا: أبلغ قريشا وخير القول أصدقه ... والصّدق عند ذوي الألباب مقبول أن قد قتلنا بقتلانا سراتكم ... أهل اللّواء ففيما يكثر القيل؟! ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النّصر ميكال وجبريل إن تقتلونا فدين الحقّ فطرتنا ... والقتل في الحقّ عند الله تفضيل وإن تروا أمرنا في رأيكم سفها ... فرأي من خالف الإسلام تضليل فلا تمنّوا لقاح الحرب واقتعدوا ... إنّ أخا الحرب أصدى اللّون مشغول إنّ لكم عندنا ضربا يراح بكم ... عرج الضّباع له خذم رعابيل إنّا بنو الحرب نمريها وننتجها ... وعندنا لذوي الأضغان تنكيل إن ينج ابن حرب بعد ما بلغت ... منه التّراقي وأمر الله مفعول فقد أفادت له حلما وموعظة ... لمن يكون له لبّ ومعقول ولو هبطتم ببطن السّيل كافحكم ... ضرب بشاكلة البطحاء ترعيل تلقاكم عصب حول النّبيّ لهم ... ممّا يعدّون للهيجا سرابيل من جذم غسّان مسترخ حمائلهم ... لا جبناء ولا ميل معازيل يمشون نحو عمايات القتال كما ... تمشي المصاعبة الأذم المراسيل أو مثل مشي أسود الطّلّ ألثقها ... يوم رذاذ من الجوزاء مشمول في كلّ سابغة كالنّهي محكمة ... قيامها فلج كالسّيف بهلول تردّ حدّ قران النّبل خاسئة ... ويرجع السّيف منها وهو مفلول ولو قذفتم بسلع عن ظهوركم ... وللحياة ودفع الموت تأجيل ما زال في القوم وتر منكم أبدا ... تعفو السّلام عليه وهو مطلول عبد وحرّ كريم موبق قنصا ... شطر المدينة مأسور ومقتول كنّا نؤمّل أخراكم فأعجلكم ... منّا فوارس لا عزل ولا ميل إذا جنى فيهم الجاني فقد علموا ... حقّا بأنّ الّذي قد جرّ محمول ما يجن لا يجن من إثم مجاهرة ... ولا ملوم ولا في الغرم مخذول وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب ابن الزّبعرى: ذهبت بابن الزّبعرى وقعة ... كان منّا الفضل فيها لو عدل ولقد نلتم ونلنا منكم ... وكذاك الحرب أحيانا دول نضع الأسياف في أكتافكم ... حيث نهوى عللا بعد نهل نخرج الأصبح من أستاهكم ... كسلاح النّيب يأكلن العصل

إذ تولّون على أعقابكم ... هرّبا في الشّعب أشباه الرّسل إذ شددنا شدّة صادقة ... فأجأناكم إلى سفح الجبل بخناطيل كأمذاق الملا ... من يلاقوه من النّاس يهل ضاق عنّا الشّعب إذ نفرعه ... وملأنا الفرط منه والرّجل برجال لستم أمثالهم ... أيّدوا جبريل نصرا فنزل وعلونا يوم بدر بالتّقى ... طاعة الله وتصديق الرّسل وقتلنا كلّ رأس منهم ... وقتلنا كلّ جحجاح رفل وتركنا في قريش عورة ... يوم بدر وأحاديث المثل ورسول الله حقّا شاهد ... يوم بدر والتّنابيل الهبل في قريش من جموع جمّعوا ... مثل ما يجمع في الخصب الهمل نحن لا أمثالكم ولد استها ... نحضر النّاس إذا البأس نزل وقال حسان بن ثابت يبكي حمزة بن عبد المطلب ومن أصيب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، رضي الله عنهم: يا ميّ قومي فاندبي بسحيرة شجو النّوائح ... كالحاملات الوقر بالثّقل الملحّات الدّوالح المعولات الخامشات وجوه حرّات صحائح ... وكأنّ سيل دموعها الأنصاب تخضب بالذّبائح ينقضن أشعارا لهنّ هناك بادية المسايح ... وكأنّها أذناب خيل بالضّحى شمس روامح من بين مشذور ومجزور يذعذع بالبوارح ... يبكين شجو مسلّبات كدّحتهنّ الكوادح ولقد أصاب قلوبها مجل له جلب قوارح ... إذ أقصد الحدثان من كنّا نرجّى إذ نشايح أصحاب أحد غالهم دهر ألمّ له بوارح ... من كان فارسنا وحامينا إذا بعث المسالح يا حمز لا والله لا أنساك ما صرّ اللّقائح

لمناخ أيتام وأضياف وأرملة تلامح ... ولما ينوب الدّهر في حرب لحرب وهي لاقح يا فارسا يا مدرها يا حمز قد كنت المصامح ... عنّا شديدات الأمور إذا ينوب لهنّ فادح ذكّرتنى أسد الرّسول وذاك مدرهنا المنافح ... عنّا وكان يعدّ إذ عدّ الشّريفون الجحاجح يعلو القماقم جهرة سبط اليدين أغرّ واضح ... لا طائش رعش ولا ذو علّة بالحمل آنح بحر فليس يغبّ جارا منه سيب أو منادح ... أودى الشّباب أولوا الحفائظ والثّقيلون المراجح المطعمون إذا المشاتي ما يصفّقهنّ ناضح ... لحم الجلاد وفوقه من شحمه شرائح ليدافعوا عن جارهم ما رام ذو الضّغن المكاشح ... لهفي لشّبّان رزئناهم كأنّهم المصابح شمّ بطارقة خضارمة مسامح ... المشترون الحمد بالأموال إنّ الحمد رابح والجامزون بلجمهم يوما إذا ما صاح صائح ... من كان يرمى بالنّواقر من زمان غير صالح ما إن تزال ركابه يرسمن في غبر صحاصح ... راحت تبارى وهو في ركب صدورهم رواشح حتّى تؤوب له المعالي ليس من فوز السّفائح ... يا حمز قد أوحدتني شذّبه الكوافح أشكو إليك وفوقك التّرب المكوّر والصّفائح ... من جندل نلقيه فوقك إذ أجاد الضّرح ضارح في واسع يحشونه بالتّرب سوّته المماسح

فغزاؤنا أنّا نقول وقولنا برح بوارح ... من كان أمسى وهو عمّا أوقع الحدثان جانح فليأتنا فلتبك عيناه لهلكانا النّوافح ... القائلين الفاعلين ذوي السّماحة والممادح من لا يزال ندى يديه له طوالع الدّهر مائح وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: سائل قريشا غداة السّفح من أحد ... ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب كنّا الأسود وكانوا النّمر إذ زحفوا ... ما إن نراقب من إلّ ولا نسب فكم تركنا بها من سيّد بطل ... حامي الذّمار كريم الجدّ والحسب فينا الرسول شهابٌ ثم يتبعه ... نورٌ مضيءٌ له فضلٌ على الشّهب الحقّ منطقه والعدل سيرته ... فمن يجبه إليه ينج من تبب نجد المقدّم ماضي الهمّ معتزم ... حين القلوب على رجف من الرّعب نمضي ويذمرنا عن غير معصية ... كأنّه البدر لم يطبع على الكذب بدا لنا فاتّبعناه نصدّقه ... وكذّبوه فكنّا أسعد العرب جالوا وجلنا فما فاءوا وما رجعوا ... ونحن نثفنهم لم نأل في الطّلب لسنا سواء وشتّى بين أمرهما ... حزب الإله وأهل الشّرك والنّصب وقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة رضي الله عنه: بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل على أسد الإله غداة قالوا ... أحمزة ذاكم الرّجل القتيل أصيب المسلمون به جميعا ... هناك وقد أصيب به الرّسول أبا يعلى لك الأركان هدّت ... وأنت الماجد البرّ الوصول عليك سلام ربّك في جنان ... مخلطها نعيم لا يزول ألا يا هاشم الأخيار صبرا ... فكلّ فعالكم حسن جميل رسول الله مصطبر كريم ... بأمر الله ينطق إذ يقول ألا من مبلغ عنّي لؤيّا ... فبعد اليوم دائلة تدول وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا ... وقائعنا بها يشفى الغليل نسيتم ضربنا بقليب بدر ... غداة أتاكم الموت العجيل غداة ثوى أبو جهل صريعا ... عليه الطّير حائمة تجول

وعتبة وابنه خرّا جميعا ... وشيبة عضّه السّيف الصّقيل ومتركنا أميّة مجلعبّا ... وفي حيزومه لدن نبيل وهام بني ربيعة سائلوها ... ففي أسيافنا منها فلول ألا يا هند لا تبدي شماتا ... بحمزة إنّ عزّكم ذليل ألا يا هند فابكي لات تملّى ... فأنت الواله العبرى الهبول وقال حسان بن ثابت يبكيه: أتعرف الدّار عفا رسمها ... بعدك صوب المسبل الهاطل بين السّراديح فأدمانة ... فمدفع الرّوحاء في حائل ساءلتها عن ذاك فاستعجمت ... لم تدر ما مرجوعة السّائل دع عنك دارا قد عفا رسمها ... وابك على حمزة ذي النّائل المالئ الشّيزى إذا أعصفت ... غبراء في ذي الشّبم الماحل والتّارك القرن لدى لبدة ... يعثر في ذي الخرص الذّابل واللّابس الخيل إذا أحجمت ... كاللّيث في غابته الباسل أبيض في الذّروة من هاشم ... لم يمر دون الحقّ بالباطل مال شهيدا بين أسيافكم ... شلّت يدا وحشيّ من قاتل أيّ امرئ غادر في ألّة ... مطرورة مارنة العامل أظلمت الأرض لفقدانه ... واسودّ نور القمر النّاصل صلى عليه الله في جنّة ... عالية مكرمة الدّاخل كنّا نرى حمزة حرزا لنا ... من كل أمر نابنا نازل وكان في الإسلام ذا تدرإ ... يكفيك فقد القاعد الخاذل لا تفرحي يا هند واستحلبي ... دمعا وأذري عبرة الثّاكل وابكي على عتبة إذ قطّه ... بالسّيف تحت الرّهج الجائل إذ خرّ في مشيخة منكم ... من كلّ عات قلبه جاهل أرداهم حمزة في أسرة ... يمشون تحت الحلق الفاضل غداة جبريل وزير له ... نعم وزير الفارس الحامل وقال كعب بن مالك يبكيه: طرقت همومك فالرّقاد مسهّد ... وجزعت أن سلب الشّباب الأغيد ودعت فؤادك للهوى ضمريّة ... فهواك غوريّ وصحبك منجد

فدع التّمادي في الغواية سادرا ... قد كنت في طلب الغواية تفند ولقد أنى لك أن تناهى طائعا ... أو تستفيق إذا نهاك المرشد ولقد هددتّ لفقد حمزة هدّة ... ظلّت بنات الجوف منها ترعد ولو أنّه فجعت حراء بمثله ... لرأيت راسي صخرها يتبدّد قرم تمكّن في ذؤابة هاشم ... حيث النّبوّة والنّدى والسّؤدد والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت ... ريح يكاد الماء منها يجمد والتّارك القرن الكميّ مجدّلا ... يوم الكريهة والقنا يتقصّد وتراه يرفل في الحديد كأنّه ... ذو لبدة شثن البراثن أربد عمّ النّبيّ محمّد وصفيّه ... ورد الحمام فطاب ذاك المورد وأتى المنيّة معلما في أسرة ... نصروا النّبيّ ومنهم المستشهد ولقد إخال بذاك هندا بشّرت ... لتميت داخل غصّة لا تبرد ممّا صبحنا بالعقنقل قومها ... يوما تغيّب فيه عنها الأسعد حتّى رأيت لدى النّبيّ سراتهم ... قسمين نقتل من نشاء ونطرد وببئر بدر إذ يردّ وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمّد فأقام بالعطن المعطّن منهم ... سبعون عتبة منهم والأسود وابن المغيرة قد ضربنا ضربة ... فوق الوريد لها رشاش مزبد وأميّة الجمحيّ قوّم ميله ... عضب بأيدي المؤمنين مهنّد فأتاك فلّ المشركين كأنّهم ... والخيل تثفنهم نعام شرّد شتّان من هو في جهنّم ثاويا ... أبدا ومن هو في الجنان مخلّد وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة: أسائلة أصحاب أحد مخافة ... بنات أبي من أعجم وخبير فقال خبير: إنّ حمزة قد ثوى ... وزير رسول الله خير وزير دعاه إله الخلق ذو العرش دعوة ... إلى جنّة يحيا بها وسرور فذلك ما كنّا نرجّي ونرتجي ... لحمزة يوم الحشر خير مصير فو الله لا أنساك ما هبّت الصّبا ... بكاء وحزنا محضري ومسيري على أسد الله الّذي كان مدرها ... يذود عن الإسلام كلّ كفور فيا ليت شلوي عند ذاك وأعظمي ... لدى أضبع تعتادني ونسور أقول وقد أعلى النّعيّ عشيرتي: ... جزى الله خيراً من أخ ونصير

تنبيهات

تنبيهات الأول: وقع في غزوة أحد آيات: منها: ردّ عين قتادة بن النعمان، روى أبو يعلى وأبو نعيم من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه عن جدّه: أنه أصيبت عينه يوم أحد فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا قطعها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا» ، فدعا به فغمز عينه براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت، وله طرق تأتي في المعجزات. ومنها إخباره عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار قتل نفسه. وتقدم بيان ذلك. ومنها: انقلاب العسيب سيفا، قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشيّ: أخبرنا أشياخنا إن عبد الله بن جحش جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، وقد ذهب سيفه فأعطاه النبي صلّى الله عليه وسلم عسيبا من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفا. قال الزبير بن بكار في «الموفقيات» : إنّ قائمة منه، وكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناقل حتى بيع من بغاء التركي بمائتي دينار. ومنها: إجابة قسم عبد الله بن جحش. ومنها: إخباره صلّى الله عليه وسلّم بأن الملائكة تقاتل مع عبد الرحمن بن عوف، وتقدم بيان ذلك. ومنها: ردّ بصر أبي ذر رضي الله، روى أبو يعلى عن طريق عبد الرحمن بن الحارث ابن عبيدة عن جده قال: أصيبت عين أبي ذر يوم أحد، فبزق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أصح عينيه. كذا في هذه الرواية والصحيح أن أبا ذر لم يشهد أحدا. ومنها: وقاية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، من جماعة رموه بالسهام، وصرف عبد الله بن شهاب عنه حين أراد قتله، وتقدم بيان ذلك. ومنها إخباره بأن الحارث بن سويد قتل مجذّر- بذال معجمة مشددة مفتوحة- ابن ذيّاد، بفتح الذال المعجمة في أوله وتشديد التحتية، وقيل بكسر الذال وهو أشهر. روى ابن سعد عن الواقدي عن شيوخه قالوا: كان سويد بن الصامت قد قتل ذيّادا أبا المجذّر في وقعة التقوا فيها، فظفر المجذّر بسويد فقتله، وذلك قبل الإسلام، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم الحارث بن سويد، ومجذّر بن ذيّاد، وشهدا بدرا. وذكر ابن إسحاق أن الحارث كان منافقا. اهـ. فجعل الحارث يطلب مجذّرا يقتله بأبيه فلا يقدر عليه، فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمراء الأسد أتاه جبريل، فأخبره أن الحارث بن سويد قتل مجذّر بن ذيّاد

غيلة وأمره أن يقتله، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في ذلك اليوم، في يوم حارّ، فدخل مسجد قباء، فصلّى فيه، وسمعت به الأنصار فجاءت تسلّم عليه، وأنكروا إتيانه في تلك الساعة. وفي ذلك اليوم، حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورّسة- وقال ابن هشام في ثوبين مضرّجين وفي لفظ: مصرّين- فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا عويم ابن ساعدة فقال: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذّر بن ذيّاد، فإنه قتله غيلة، فقال الحارث: قد والله قتلته، وما كان قتلي إيّاه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه، ولكنه حميّة من الشيطان، وأمر وكلت فيه إلى نفسي، وإن أتوب إلى الله ورسوله مما عملت، وأخرج ديته، وأصوم شهرين متابعين، وأعتق رقبة. قال: قدّمه يا عويم فاضرب عنقه، فقدّمه فضرب عنقه، فقال حسان بن ثابت: يا حار في سنة من نوم أوّلكم ... أم كنت ويحك مغترّا بجبريل؟! أم كنت بابن ذياد حين تقتله ... بغرّة في فضاء الأرض مجهول؟! قلت: وذكر ابن هشام: أن عثمان بن عفان هو الذي ضرب عنقه، ثم قال: ويقال بعض الأنصار. وذكر ابن إسحاق في قصة قتله ما يخالف بعض ما ذكر، وجزم العدويّ، وابن الكلبيّ، والقاسم بن سلّام، بأن القصة وقعت لأخيه جلاس بضم الجيم، والمشهور أن صاحب القصّة الحارث. ومنها: قوله في مالك، وهو والد أبي سعيد الخدري: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فاستشهد. رواه البيهقي عن عمر بن السّائب بلاغا. ومنها: إجابة دعائه في موت عتبة بن أبي وقّاص ألّا يحول عليه الحول كذلك، كما تقدم. ومنها: أنه لم يولد لعتبة ولد، كما تقدم. ومنها: إجابة دعائه في تثبيت عمّته صفيّة، كما تقدم في القصّة. ومنها: عدم استطاعة هند أكل شيء من كبد حمزة. قال ابن سعد: أخبرنا هوذة بن خليفة، حدثنا عوف بن محمد قال: بلغني أن هندا بنت عتبة بن ربيعة جاءت يوم أحد، وكانت نذرت لئن قدرت على حمزة لتأكلنّ من كبده، فجاءوا بجزّة من كبد حمزة أخذتها تمضغها لتأكلها، فلم تستطع أن تبتلعها فلفظتها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: إن الله تعالى حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا. ومنها: أن رجلا قال: اللهم إن كان محمد على الحق فاخسف به، يعني نفسه، فخسف به، كما رواه البزار بسند حسن، عن بريدة.

ومنها: طول الوتر القصير الذي بقوسه لمّا انقطع ولفّ عليه منه لفّات، كما تقدم. ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم دعا الله تعالى إلا يفلت أبا عزّة الجمحيّ. روى البيهقي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال: كان من الممنون عليهم بلا فدية يوم بدر أبو عزّة الجمحيّ، تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته، وأخذ عليه عهدا ألّا يقاتله، فأخفره وقاتله يوم أحد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يفلت، فما أسر من المشركين رجل غيره، فقال: يا محمد امنن عليّ ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا ألّا أعود إلى قتالك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسح على عارضيك بمكة وتقول: قد خدعت محمدا مرّتين، فأمر به فضربت عنقه. ومنها: وجدان أنس بن النّضر وسعد بن الرّبيع رائحة الجنة، كما تقدم في القصّة. ومنها: تغسيل الملائكة لحمزة وحنظلة، كما تقدّم. ومنها: برء جرح كلثوم بن الحصين بريقه صلى الله عليه وسلم. قال ابن سعد: رمي أبو رهم الغفاريّ يوم أحد كلثوم بن الحصين بسهم فوقع في نحره، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ، [وكان أبو رهم يسمى المنحور] . ومنها: تظليل الملائكة لعبد الله والد جابر، كما رواه الشيخان. ومنها: إخباره بأنّ المشركين لن يصيبوا منّا مثلها أبدا. روى ابن سعد عن محمد بن عمر عن شيوخه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لن ينالوا منّا مثل هذا اليوم حتى نستلم الرّكن» [ (1) ] . الثاني: كانت هذه الوقعة في شوال سنة ثلاث باتّفاق الجمهور. قال ابن إسحاق كما رواه الطبراني بسند رجال ثقات: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الجمعة، فأصبح بالشّعب من أحد، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوّال، وفي الفتح عنه أنّ الوقعة كانت لإحدى عشرة ليلة خلت منه، وقيل: لتسع ليال، وقيل: لثمان، وقيل: لسبع. قال الإمام مالك: أوّل النهار، وشذّ من قال سنة أربع. الثالث: أحد- بضم الهمزة والحاء وبالدال المهملتين- قال ياقوت في معجمه وغيره: هو جبل أحمر ليس بذي شناخيب، بينه وبين المدينة أقلّ من فرسخ، وهو في شماليّها. روى الشيخان عن أنس بن مالك وابن أبي شيبة، والطبراني بسند جيد عن سويد بن عامر الأنصاريّ، والبخاري عن أبي حميد الساعديّ، والبخاريّ عن سهل بن سعد، والطبراني عن ابن عباس، والطبراني عن أبي هريرة، وعمر بن شبه، بسند جيد عن أبي قلابة، رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 31.

عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد لمّا بدا له: «هذا جبل يحبّنا ونحبّه» . وتكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا القول مرّات. وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المعجزات، إن شاء الله تعالى. وروى الطبراني بسند ضعيف، عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أحد ركن من أركان الجنة» . وروى عمر بن شبة عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحد على باب من أبواب الجنّة، فإذا مررتم به، فكلوا من شجره ولو من عضاهه» . وروى عبد الرزاق عن أبي ليلى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحد على ترعة من ترع الجنة» [ (1) ] . قال ياقوت: وهو اسم مرتجل لهذا الجبل. وقال السّهيليّ: سمّي أحدا لتوحّده وانقطاعه عن جبال أخر هناك، أو لما وقع من أهله من نصرة التوحيد، ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية، وقد سمّى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم تقدمة لما أراده سبحانه وتعالى من مشاكلة اسمه لمعناه، إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التّوحيد، عنده استقّرّ حيّا وميّتا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبّه في شأنه إشعارا للأحدية، فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه صلى الله عليه وسلم، ومقاصده في الأسماء، فقد بدّل كثيرا من الأسماء، استقباحا لها من أسماء البقاء وأسماء الناس، فاسم هذا الجبل من أوفق الأسماء له، ومع أنه مشتق من الأحدية، فحركات حروفه الرّفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوّه، فتعلّق الحبّ من النبي صلى الله عليه وسلم اسما ومسمّى، فخصّ من بين الجبال أن يكون معه في الجنّة. الرابع: قال في الرّوض: البقر في الرّؤيا عبارة عن رجال مسلمين يتناطحون، وقد رأت عائشة رضي الله عنها مثل هذا، فكان تأويله قتل من قتل معها يوم الجمل. قال في الفتح: وفيه نظر، فقد رأى الملك بمصر البقر، وأوّلها يوسف صلى الله عليه وسلم بالسّنين. ووقع في حديث ابن عباس ومرسل عروة عند أبي الأسود في المغازي: «وتأوّلت البقر ببقر يكون فينا» . قال: وكان ذلك من أصيب من المسلمين. وقوله: بقرا- بسكون القاف- وهو شقّ البطن. وهذا أحد وجوه التفسير: أن يشتقّ من الاسم معنى مناسبا، ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل، وهو التصحيف، فإن لفظ بقر مثل نفر بالنون والفاء خطأ. وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث:

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (17171) .

«ورأيت نفرا منحّرة» ، وقال فيه: إن الدّرع المدينة، والنّفر نفر، هكذا بنون وفاء، وهو يؤيّد الاحتمال المذكور. الخامس: لما ذبّ فرس بذنبه فأصاب كلّاب سيفه فسلّه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يعتاف. قال أبو القاسم الخثعميّ: وظاهر الكلام أن العيافة في المكروه خاصة، والفأل في المحبوب وقد يكون في المكروه والطّيرة تكون في المكروه والمحبوب. وفي الحديث: أنّه نهى عن الطّيرة وقال: «خيرها الفأل» فدلّ على أنها تكون على وجوه، والفأل خيرها. ولفظها يعطى أنها تكون في الخير والشرّ، لأنها من الطّير، تقول العرب: جرى له طائر بخير، وجرى له بشرّ. وفي التنزيل وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء 13] وقوله في هذا الحديث: «إني أرى السيوف اليوم ستسلّ» يقوّي ما قدمناه من التّوسّم والزجر المصيب، وأنّه غير المكروه، ولكنه غير مقطوع به إلا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. السادس: دلّ مروره صلى الله عليه وسلم في أرض ذلك المنافق أنه يجوز للإمام السّلوك في بعض أملاك رعيّته، إذا صادف ذلك طريقه، وإن لم يرض المالك. السابع: مظاهرته صلى الله عليه وسلم بين درعين وقع مرّتين في أحد، وفي حنين، لا غير فيما أعلم، وفي ذلك إشارة إلى الأخذ بالحزم والاحتياط، وأنّ ذلك لا ينافي التّوكّل. الثامن: ليس تمنّي عبد الله بن جحش أن يقتل في سبيل الله من تمنّي الموت المنهيّ عنه. التاسع: اختلف أهل العلم في الشّهيد إذا قتل جنبا: هل يغسّل كما غسّلت الملائكة حمزة وحنظلة رضي الله عنهما. العاشر: قول أبي دجانة: «أنا الذي عاهدني خليلي» وكذا قول أبي هريرة: «حدثني خليلي» لا يدفع بقوله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر» [ (1) ] ، لأن أبا دجانة وأبا هريرة يريدان به معنى الحبيب، وإنّما فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقولها لأحد من أصحابه، ولا خصّ بها أحدا، دون أن يمنع أحدا من أصحابه أن يقولها، وما كان في قلوبهم من المحبة يقتضي هذا أو أكثر منه، ما لم يكن الغلوّ والقول المكروه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح، وإنما أنا عبد الله ورسوله» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 463 وعبد الرزاق (19049) وأبو نعيم في الحلية 3/ 343 والخطيب في التاريخ 3/ 134 وابن عدي في الكامل 7/ 2619. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 204 ومسلم في كتاب القدر (34) .

الحادي عشر: قول علي رضي الله عنه: «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد: فداك أبي وأمي إلا لسعد يوم أحد» . رواه البخاري [ (1) ] وغيره، وروي أيضا عنه: «ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه لأحد إلا لسعد» [ (2) ] . قال في الروض: والرواية الأولى أصحّ، والله أعلم، لأنه أخبر أنه لم يسمع، وقد قال الزبير بن العوام: أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أيضا أبويه، كما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب. قال السّهيليّ: وفقه هذا الحديث أن هذا الكلام جائز لمن كان أبواه غير مؤمنين، وأمّا إذا كانا مؤمنين فلا، لأنّه كالعقوق لهما، كذلك سمعت شيخنا أبابكر بن العربيّ يقول في هذه المسألة. قلت: قال الإمام النووي في كتابه «حلية الأبرار» : المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره: فداك أبي وأمي، أو جعلني الله فداك. وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما، وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين، وكره ذلك بعض العلماء إذا كان مسلمين. قال النحاس: وكره مالك بن أنس: «جعلني الله فداك» ، وأجازه بعضهم. قال القاضي عياض رحمه الله: ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك، سواء كان المفدّى به مسلما أو كافرا. قال النّوويّ: قد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى. وقد نبّهت على جمل منها في شرح صحيح مسلم، والمراد بالتفدية التعظيم والإجلال، لأن الإنسان لا يفدّي إلا من يعظّمه، وكان مراده بذلك نفسي، أو من يعزّ عليّ في مرضاتك وطاعتك. الثاني عشر: يأتي الكلام على شرب أبي سعيد الخدري دم النبي صلى الله عليه وسلم في الخصائص. الثالث عشر: اختلف في سبب نزول قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران 128] فروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والشيخان عن أنس رضي الله عنه، وابن جرير، عن قتادة، وعبد الله بن حميد عن الحسن، وابن جرير عن الربيع: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشجّ وجهه حتى سال الدّم على وجهه، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم فقال: «كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيّهم، وهو يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى الشّيطان، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضّلالة، ويدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار» فهمّ أن يدعو عليهم، فنزلت، فكفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الأدب (6184) . [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4059) . [ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي معلقا 5/ 223 ومسلم 3/ 1417 (104- 1791) .

وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد: «اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية» ، فنزلت فتيب عليهم كلهم [ (1) ] . وروى الشيخان وابن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع: «اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعيّاش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف» ، يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: «اللهم العن فلانا» ، لأحياء من العرب، حتى أنزل الله تعالى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [ (2) ] الآية. وفي لفظ: «اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان وعصيّة، عصت الله ورسوله» ، ثم بلغنا أنّه ترك ذلك لما نزلت هذه الآية [ (3) ] . وروى ابن إسحاق والنحاس في ناسخه، عن سالم بن عبد الله، قال: جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنك تنهى عن السّبّ، ثم تحوّل فحوّل قفاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكشف عن استه، فلعنه ودعا عليه، فنزلت ثم أسلم الرجل، فحسن إسلامه. قال الحافظ: حديث أنس وحديث ابن عمر سيّان لنزول الآية، ويحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا، فإنهما كان في وقعة واحدة، والرواية الثانية عن أبي هريرة أن كانت محفوظة احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن وقعة أحد، لأنّ قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد، والصّواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم. بسبب قصة أحد، والله أعلم. ويؤيد ذلك قوله في صدر الآية: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ [آل عمران 127] أي يخزيهم ثم قال: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أي فيسلموا أَوْ يُعَذِّبَهُمْ أي إن ماتوا كفّارا. الرابع عشر: في مداواته صلى الله عليه وسلم جرحه إشارة إلى جواز التّداوي، وأنّ الأنبياء صلى الله عليه وسلم قد يصابون ببعض العوارض الدّنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، ليعظم لهم بذلك الأجر، وتزداد درجاتهم، وليتأسّى بهم أتباعهم في الصّبر على المكاره، والعاقبة للمتقين. الخامس عشر: قال العلماء: النّعاس في القتال أمنة، وفي الصلاة من الشيطان، وذلك لأنه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ من الدنيا، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله تعالى، ثم ذلك النّعاس كان فيه فوائد، لأنّ السّهر يوجب الضعف والكلال، والنّوم يفيد عود القوة والنشاط، ولأنّ المشركين كانوا في غاية الحرص على قتلهم،

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3004) والطبري في التفسير 4/ 58 والطبراني في الكبير 4/ 255. [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 203 ومسلم 1/ 466 (294- 675) . [ (3) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق.

فبقاؤهم في النّوم مع السلامة في تلك المعركة من أدلّ الدلائل على حفظ الله تعالى لهم، ذلك مما يزيل الخوف من قلوبهم، ويورثهم الأمن، ولأنهم لو شاهدوا قتل إخوانهم الذين أراد الله تعالى إكرامهم بالشهادة لاشتد خوفهم. السادس عشر: قوله: ونهى عن المثلة، قيل: فقد مثّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيّين فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم بالحرّة، وأجيب عن ذلك بأمرين: أحدهما: أنه فعل ذلك بهم قصاصا، لأنهم قطعوا أيدي الرّعاء وأرجلهم، وسملوا أعينهم، كما ذكر أنس، كما سيأتي ذلك في أبواب أحكامه صلى الله عليه وسلم في الحدود. ثانيهما: أن ذلك كان قبل تحريم المثلة. السابع عشر: وقع في رواية أبي الوقت والأصيليّ من رواه البخاري في باب غزوة احد من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه [عليه أداة الحرب] » . قال الحافظ: وهو وهم من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث تقدّم سنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا، ولهذا لم يذكره هنا أبو ذرّ ولا غيره من متقني رواة البخاريّ، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم. الثاني: أن المعروف في هذا المتن يوم بدر لا يوم أحد. الثامن عشر: قول عبد الرحمن بن عوف: قتل مصعب بن عمير هو خير مني. لعلّه قاله تواضعا، ويحتمل أن يكون ما استقرّ عليه الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم، بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وقع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه نظير ذلك، كما تقدم في قتل سعد بن الربيع. التاسع عشر: قول أنس بن النّضر: إنّي لأجد ريح الجنّة دون أحد، يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شمّ رائحة طيّبة زائدة على ما يعهده، فعرف أنها الجنّة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين، حتى كأنّ الغائب عنه صار محسوسا عنده، والمعنى أنّ الموضع الذي قاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة. العشرون: روى ابن إسحاق عمّن لا يتّهم عن مقسم عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجّي ببردة، ثم صلّى عليه فكبّر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلّى عليهم وعليه معهم ثنتين وسبعين صلاة. قال السهيلي: هذا حديث ضعيف لضعف الحسن بن عمارة الذي أبهمه ابن إسحاق، وإن كان غيره فهو مجهول، ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية، في غزوة أحد، وكذلك لم يصل أحد من الأئمة بعده. وروى الإمام أحمد من طريق عطاء بن السائب، عن الشعبيّ، عن ابن مسعود، نحو رواية ابن عباس، قال في البداية: سنده ضعيف من جهة عطاء بن السائب، ويرده ما رواه الستة: إلا مسلما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين

من قتلى أحد، ثم يقول: «أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلوا» ولا يخالف هذا ما رواه الشيخان، وأبو داود والنّسائيّ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت كالمودع للأحياء والأموات [ (1) ] . لأن المراد بالصلاة هنا الدّعاء، وقوله: صلاته على الميت المراد به كدعائه للميّت من غير نية ولا تكبير. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وكبّر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصحّ، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه، قال: وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، يعني والمخالف يقول: لا يصلي علي القبر إذا طالت المدة، قال: وكان صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم، حين علم قرب أجله توديعا لهم بذلك، ولا يدلّ ذلك على نسخ هذا الحكم الثابت. الحادي والعشرون: اختلف في عدّة من ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فروى البخاريّ وأبو نعيم، والإسماعيليّ واللفظ له، عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال: سمعت أبا عثمان يعني النّهديّ يقول: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام- وفي رواية: التي يقاتل فيهنّ- غير طلحة وسعد، قال سليمان: فقلت لأبي عثمان: وما علمك بذلك؟ قال: عن حديثهما، يعني أنّ سعدا وطلحة أخبرا أبا عثمان بذلك. قال الحافظ: وهذا قد يعكّر عليه ما ورد أنّ المقداد كان ممّن بقي معه، كما تقدم في القصّة في حديث سعد، لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد الجولة، ويحتمل أن يكون انفرادهما معه في بعض المقامات، وقد روى مسلم من طريق ثابت، عن أنس قال: أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة ورجلين من قريش، وكان المراد بالرجلين طلحة وسعد، وكان المراد بالحصر المذكور تخصيصه بالمهاجرين، كأنه قال: لم يبق معه من المهاجرين غير هذين، ويتعيّن حمله على ما أوّلته، وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال، وأنهم تفرقوا في القتال، فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان: «قتل محمد» ، اشتغل كلّ واحد بهمّه والذّبّ على نفسه، كما في حديث سعد، ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأوّلا، ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 404 (4042) ومسلم في كتاب الفضائل (31) .

وفي حديث الزّبير عن ابن إسحاق بإسناد حسن قال: مال الرّماة يوم أحد يريدون النّهب، فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ: «ألا إن محمدا قد قتل» ، فانكفأنا راجعين. وروى ابن عائذ عن المطلب بن عبد الله بن خطب مرسلا: أن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي في اثني عشر رجلا من الأنصار. وللنّسائيّ والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: تفرّق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة. وإسناده جيّد وهو كحديث أنس إلا أن فيه زيادة أربعة، فلعلّهم جاءوا بعد ذلك. وعند محمد بن سعد: أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا: سبعة من المهاجرين، منهم أبو بكر. ويجمع بينه وبين حديث أبي عثمان بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما حديثه في القصة، وأن المذكورين من الأنصار استشهدوا، كما في حديث أنس عند مسلم: فلم يبق غير سعد وطلحة. ثم جاء من بعدهم. وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمرّ مستقلّا بالقتال. وذكر الواقديّ أن جماعة غير من ذكر ثبتوا كما ذكرته في القصة، فإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا فيمن حضر عنده في الجملة، وما تقدّم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلّم، أولا فأولا. وقال الحافظ في موضع آخر: صار الصحابة عند ترك الرّماة مواقعهم وقول الشيطان: «قتل محمد» ثلاث فرق: فرقة استمرّوا في الهزيمة إلى قرب المدينة، فما رجعوا حتى فرغ القتال، وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران 155] وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا ذلك، فصارت غاية الواحد منهم أن يذبّ عن نفسه، أو يستمرّ على بصيرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثر الصحابة، وفرقة ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لمّا عرفوا أنه حيّ، وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار في عدّة من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثاني والعشرون: وقع في الهدى أن الفرسان من المسلمين يوم أحد كانوا خمسين رجلا، وهو سبق قلم، وإنما هذا عدد الرماة، وقد جزم موسى بن عقبة بأن المسلمين لم يكن معهم شيء من الخيل. وذكر الواقديّ أنه كان معهم فرسان: فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بردة. الثالث والعشرون: اختلف في عدد المسلمين يومئذ، فقال الجمهور: منهم ابن شهاب في رواية: كان المشركون ثلاثة آلاف والمسلمون بعد انخذال ابن أبيّ سبعمائة. وروى البيهقي عن ابن شهاب في رواية أخرى قال: كان المسلمون قريبا من أربعمائة رجل. قال البيهقيّ: وقول ابن شهاب الأول أشبه بما رواه موسى بن عقبة، وأشهر عند أهل المغازي.

الرابع والعشرون: قال العلماء رضي الله عنهم: كان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربّانيّة أشياء عظيمة، منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النّهي، لما وقع من ترك الرّماة موقعهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يبرحوا منه. ومنها: أنّ عادة الرّسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة، كما سيأتي في قصة هر قل مع أبي سفيان، وقوله له: هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال يدال علينا المرّة وندال عليه الأخرى. قال هرقل: كذلك الرّسل، تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميّز الصادق من غيره، فإن المسلمين لمّا أظهرهم الله على عدوّهم يوم بدر، وطار لهم الصّيت دخل معهم ظاهرا في الإسلام من ليس معهم فيه باطنا، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من بعثة الرسل، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميّز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق جماعة ممّن يدّعي الإيمان كان مخفيّا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة، وأظهر أهل النّفاق ما أظهروا من الفعل والقول، عاد التّلويح تصريحا، وعرف المسلمون أنّ لهم عدوّا في دورهم فاستعدّوا لهم وتحرّزوا منهم. ومنها: أنّ في تأخير النّصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا، وجزع المنافقون. ومنها: أن الله تعالى هيّأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيّض لهم أسباب الابتلاء والمحن، ليصلوا إليها. ومنها: أنّ الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها الله تعالى إليهم. ومنها: أنه تعالى إذا أراد إهلاك أعدائه قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك، من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحّص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق به الكافرين. ومنها: أنّ الأنبياء صلى الله عليهم وسلم إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، تعظيما لأجرهم، تأسّى بهم أتباعهم في الصّبر على المكاره، والعاقبة للمتقين. الخامس والعشرون: في فضل شهداء أحد: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: لمّا أصيب أبي يوم أحد جيء به مسجّى وقد مثّل به، وفي رواية: جيء به مجزّعا فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينهاني، وجعلت فاطمة بنت عمرة تبكيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا

تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع» [ (1) ] . رواه البخاريّ. وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لجابر: «ألا أبشّرك بما لقي الله تعالى به أباك» ، قلت: بلى، قال: «ما كلّم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأنه أحيى أباك فكلّمه كفاحا» [ (2) ] وقال: «عبدي تمنّ عليّ أعطك» ، قال: يا رب تحييني فأقاتل فيك ثانية. قال الرّبّ سبحانه وتعالى: (قد سَبَق مِنِّي أَنهم لا يَرْجعون) . قال: «أي ربّ فأبلغ من ورائي» ، فنزلت وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً [آل عمران 169] الآية [ (3) ] ، رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: «ألا أبشّرك؟» قال: بلى، قال: «شعرت أن الله تبارك وتعالى أحيى أباك فأقعده بين يديه، وقال: تمنّ على ما شئت أعطك، قال: يا رب ما عبدتك حقّ عبادتك، أتمنّى أن تردّني إلى الدنيا، فأقتل بين يدي نبيّك مرّة أخرى. قال: سبق منّي أنّك إليها لا ترجع» [ (4) ] . وروى ابن المنذر من طريق طلحة بن نافع عن أنس قال: لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا: يا ليت لنا مخبرا يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من كرامة الله تعالى لنا، فأوحى إليهم ربهم تبارك وتعالى: إنا رسولكم إلى إخوانكم، فأنزل الله عز وجلّ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً إلى قوله: لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظلّ العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا، وفي لفظ: قالوا: من يبلّغ إخواننا أنّا أحياء في الجنة نرزق، لئلّا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا على الحرب. فقال الله عز وجل: أنا أبلّغهم عنكم، فانزل الله تعالى هؤلاء الآيات: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً إلى آخر الآيات» [ (5) ] ، رواه مسلم وأبو داود. وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في المصنف والإمام أحمد ومسلم وابن المنذر عن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 131 والنسائي 4/ 13 وانظر البداية والنهاية 4/ 33. [ (2) ] كفاحا: أي مواجهة [انظر لسان العرب (كفح) ] . [ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 95 وعزاه للترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي عاصم في السنة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل. [ (4) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11164) . [ (5) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 95 وعزاه لأحمد وهناد وعبد بن حميد وأبي داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.

مسروق قال: سألنا عبد الله، يعني ابن مسعود، عن هذه الآيات فقال: إنّا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أرواحهم في جوف طير خضر» ، وفي لفظ عبد الرزاق: «أرواح الشهداء عند الله كطير خضر، لها قناديل من ذهب، معلّقة بالعرض تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطّلع إليهم ربّهم اطّلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا ربنا، نريد أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل في سبيلك مرّة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» . وروى عبد الرزاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله: أنه قال الثالثة حين قال لهم: «ما تشتهون من شيء؟ قالوا: تقري نبيّنا السّلام، وتبلّغه إنا قد رضينا وارض عنّا» . وروى هذا ابن السّريّ وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترعى في رياض الجنة، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش» [ (1) ] ، فذكر نحو ما سبق. وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن ابن عباس قال: «أرواح الشهداء تجول في أجواف طير تعلّق في ثمر الجنة» . وروى ابن جرير نحوه عن السّدّيّ. وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: بَلْ أَحْياءٌ قال: في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاءوا. وروى عمر بن شبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء فإذا أتى فرضة الشّعب يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار، ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وكذا عمر وعثمان [ (2) ] . وروى البيهقي من طرق، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وابن سعد والبيهقي من طريق آخر عنه، ومحمد بن عمر عن شيوخه: قال جابر: استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين، فأتيناهم فأخرجناهم رطابا تتثنّى أطرافهم. قال شيوخ محمد بن عمر: وجدوا والد جابر ويده على جرحه، فأميطت يده عن جرحه، فانبعث الدم فردّت إلى مكانها فسكن الدّم، قال جابر: فرأيت أبي في حفرته كأنه نائم، والنّمرة التي كفّن فيها كما هي، والحرض على رجليه على هيئته، وبين ذلك ستّ وأربعون سنة، وأصابت المسحاة رجلا

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (1641) وأحمد في المسند 6/ 386 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11107) . [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 4/ 58 وعزاه لابن جرير.

منهم. قال الشيوخ: وهو حمزة، فانبعث الدّم، فقال أبو سعيد الخدري: لا ينكر بعد هذا منكر، ولقد كانوا يحفرون التراب، فكلما حفروا نقرة من تراب فاح عليهم ريح المسك. وروى الحارث بن أبي أسامة في سنده، عن سعد بن أبي وقاص، والحاكم عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أصحاب أحد يقول: «أما والله لوددت أنّي غودرت مع أصحابي بفحص الجبل» ، يعني شهداء أحد [ (1) ] . وروى الحاكم عن عبد الله بن أبي فروة مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقال: «اللهم إني عبدك ونبيّك، وأشهد أنّ هؤلاء شهداء، وأنّه من زارهم وسلّم عليهم إلى يوم القيامة ردّوا عليه» . وروى البيهقي عن هاشم بن محمد العمريّ من ولد عمر بن علي بن أبي طالب قال: أخذني أبي بالمدينة إلى زيارة قبور الشّهداء، في يوم جمعة بين الفجر والشمس، فلما انتهى إلى المقابر رفع صوته فقال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، فأجيب: وعليك السلام يا عبد الله، فالتفت أبي إليّ فقال: أنت المجيب، فقلت: لا، فجعلني عن يمينه، ثم أعاد السلام، فجعل كلّما سلّم يردّ عليه ثلاث مرات، فخرّ ساجدا شاكرا لله تعالى. وروى ابن مندة، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله بن حرام، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «ذاك عبد الله ألم تعلم أن الله تعالى قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علّقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك، حتى إذا طلع الفجر ردّت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه!» . وروى الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن العطاف بن خالد قال: حدثتني خالتي أنها زارت قبور الشّهداء، قالت: وليس معي إلا غلامان يحفظان الدّابة، فسلمت عليهم، فسمعت ردّ السلام، قالوا: والله إنّا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضا، قالت: فاقشعرّ جلدي فقلت: يا غلام أدن البغلة فركبت. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن حبان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء على بارق- نهر بباب الجنة- في قبّة خضراء يخرج إليهم

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 375 والبيهقي في الدلائل 3/ 304 والحاكم في المستدرك 3/ 28.

رزقهم من الجنة غدوة وعشيّة» [ (1) ] . والأحاديث والآثار في فضل شهداء أحد كثيرة، وفيما ذكر كفاية. السادس والعشرون: قوله صلى الله عليه وسلّم: «جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر» . قال الحافظ أبو القاسم الخثعميّ رحمه الله تعالى: أنكر قوم هذه الرواية، وقالوا: لا تكون روحان في جسد واحد، وأن ذلك محال. قال: وهذا جهل بالحقائق، فإنّ معنى الكلام بيّن، فإنّ روح الشهيد الذي كان في جوف جسده في الدنيا يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر، فيكون في هذا الجسد الآخر كما كان في الأول، إلى أن يعيده الله تعالى يوم القيامة كما خلقه. وهذه الرّواية لا تعارض ما رووه من قوله: في صور طير خضر، والشهداء طير خضر، وجميع الروايات كلها متفقة المعنى، وإنّما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد، فيجيء الجوهر بهما جميعا، وأمّا روحان في جسد فليس بمحال إذا لم نقل بتداخل الأجسام، فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها، وقد اشتمل عليهما جسد واحد، وهذا لو قيل: إن الطائر له روح غير روح الشهيد، وهما في جسد واحد، فكيف؟ وإنما قال في أجواف طير خضر، أو في صورة طير، كما تقول: رأيت ملكا في صورة إنسان، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان، عن كعب بن مالك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة» . تأوّله بعضهم مخصوصا بالشهيد. وقال بعضهم: إنما الشهيد في الجنة يأكل حيث شاء، ثم يأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في العرش، وغير الشهيد من المؤمنين، ولكن الرّوح نفسه طائر يعلق بشجر الجنة، ويعلق- بضم اللام- أي يتشبث بها ويرى مقعده منها، ومن رواه يعلق- بفتح اللام- فمعناه يصيب منها العلقة، أي ينال منها ما هو دون نيل الشهيد، فضرب العلقة مثلا، لأن من أصاب العلقة من الطعام فقد أصاب دون ما أصاب غيره ممّن أدرك الرّغد، فهو مثل مضروب يفهم منه هذا المعنى، وإن أراد ب «يعلق» الأكل نفسه فهو مخصوص بالشّهيد، فتكون رواية الضم للشهداء، ورواية الفتح لمن دونهم، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما تأوي إلى تلك القناديل ليلا وتسرح نهارا، فيعلم بذلك الليل والنهار، وبعد دخولهم الجنة لا تأوي إلى تلك القناديل. والله أعلم. وإنما ذلك مدة البرزخ. هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث. قال مجاهد: الشهداء يأكلون من ثمر الجنّة، وليسوا فيها. وأنكر أبو عمر قول مجاهد

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 266 والحاكم في المستدرك 2/ 74 والطبراني في الكبير 10/ 405 وابن أبي شيبة في المصنف 5/ 290 وابن حبان (1611) والطبري في التفسير 2/ 34.

وردّه، وليس بمنكر عندي، وقال الشيخ رحمه الله في شرح سنن أبي داود: إذا فسّرنا الحديث بأنّ الروح تتشكّل طائرا، فالأشبه أنّ المقصود بذلك القدرة على الطيران فقط، لا في صورة الخلقة، لأن شكل الآدميّ أفضل الأشكال، قلت: وصرّح بذلك ابن برجان في الإرشاد. ويؤيّده كلام السّهيلي الآتي في غزوة مؤتة، ويشهد له حديث ابن عباس، أي الذي ذكرته آخر التنبيه الذي قبل هذا. انتهى كلام أبي القاسم رحمه الله تعالى. وقال ابن كثير: كان الشهداء أقساما، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر، أي بارق بباب الجنة، كما سبق في حديث ابن عباس، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر- أي بارق- فيجتمعون هناك ويغدى عليهم برزقهم ويراح. وقال القاضي ناصر الدين البيضاوي رحمه الله تعالى في شرح المصابيح: قوله: أرواحهم في أجواف طير خضر، أي يخلق الله تعالى لأرواحهم، بعد ما فارقت أجسادها، هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم، فيتوسّلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللّذّات الحسّيّة. واطّلاع الله تعالى عليهم، واستفهامه عمّا يشتهون مرة بعد أخرى مجاز عن تلطفه بهم، وتضاعف تفضّله وإنّما قال: «اطّلاعه» ، ليدل على أنه ليس من جنس اطّلاعنا على الأشياء، وعدّاه بإلى، وحقه أن يعدّى بعلى، لتضمّنه معنى الانتهاء، والمراد بقوله: «فلما رأوا أنهم لن يتركوا ... إلخ» أنه لا يبقى لهم متمنّى ولا مطلوب أصلا، غير أن يرجعوا إلى الدنيا فيستشهدوا ثانيا، لما رأوا بسببه من الشرف والكرامة. وأوّل بعضهم رواية في جوف طير خضر بأن جعل «في» بمعنى «على» ، والمعنى أرواحهم على جوف خضر كقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه 71] أي على جذوع النخل، وجائز أن يسمى الطير جوفا، إذ هو محيط به ومشتمل عليه. قاله عبد الحق. قال القرطبي: وهو حسن جدا. وقال غيره: لا مانع من أن تكون في الأجواف حقيقة، ويوسعها الله تعالى حتى تكون أوسع من الفضاء. وقال القاضي عياض رحمه الله: ليس للأقيسة والعقول في هذا حكم، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يجعل الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو جوف طير، أو حيث شاء كان ذلك وقع ولم يبعد، لا سيّما القول بأنّ الأرواح أجسام، فغير مستحيل أن يتصوّر جزء من الإنسان طائرا، أو يجعل في جوف طير في قناديل تحت العرش، وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلين بالتناسخ، وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرهفة، وتعذيبها في الصور القبيحة. وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب، وهذا باطل مردود، لإبطاله ما جاءت به الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار، ولهذا قال في حديث آخر: «فيرجعه الله تعالى إلى جسده يوم بعثه الأجساد» .

السابع والعشرون: في عدد الشهداء: روى الإمام أحمد. والشيخان والنسائي عن البراء رضي الله عنه، قال: أصابوا- أي المشركون- منّا يوم أحد سبعين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعة وسبعين قتيلا. وروى سعيد بن منصور عن أبي الضحى مرسلا قال: قتل يوم أحد سبعون: أربعة من المهاجرين: حمزة، ومصعب، وعبد الله بن جحش، وشماس بن عثمان، وسائرهم من الأنصار. وروى ابن حبان والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أصيب يوم أحد من الأنصار أربعة وستّون ومن المهاجرين ستّة. قال الحافظ: وكان الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة، والسادس ثقف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس. وروى البخاري [ (1) ] عن قتادة قال: ما نعلم حيّا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعزّ يوم القيامة من الأنصار وقال قتادة: وحدثنا أنس بن مالك قال: «قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون» . ونقل الحافظ محب الدين الطبريّ عن الإمام مالك رحمه الله: أن شهداء أحد خمسة وسبعون من الأنصار، أو أحد وسبعون. وعن الإمام الشافعي رحمه الله أنهم اثنان وسبعون، سيرد في العيون أسماء الذين استشهدوا بأحد، فبلغوا ستة وتسعين- بتقديم الفوقية على المهملة- منهم من المهاجرين ومن ذكر معهم أحد عشر، ومن الأنصار خمسة وثمانون: من الأوس ثمانية وثلاثون، ومن الخزرج سبعة وأربعون، ونقل في العيون عن أبي عمرو عن الدمياطيّ أربعة أو خمسة، قال: فزادوا عن المائة، قال: ومن الناس من يقول التّسعين من الأنصار خاصة، وبذلك جزم ابن سعد، لكنهم في تراجم الطّبقات له زادوا. الثامن والعشرون: في شرح غريب القصّة: فلّهم- بفتح الفاء وتشديد اللّام- أي منهزمهم. دار النّدوة- بفتح النون وإسكان الدال المهملة فتاء تأنيث- وهي دار قصيّ أدخلت في المسجد الحرام، وتقدّم ذكرها في ترجمة قصيّ من النسب النبويّ. وتركم- بفتح الواو والفوقية- قال أبو ذر: ظلمكم، والموتور: الذي قتل له قتيل فلم يدرك دمه.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4078) .

شرح غريب خروج قريش من مكة

الثّأر- بثاء مثلثة فهمزة ويجوز تسهيلها- وهو الذّحل- بفتح الذال المعجمة والحاء المهملة وتسكّن: الحقد. يقال: ثأرت القتيل وثأرت به، إذا قتلت قاتله. أجمعت قريش: عزمت. يستنفرونها- بتحتية فسين مهملة ففوقية فنون ففاء فراء-: يستعجلونها. ألّبوا: جمعوا. والألب- بالفتح والكسر- القوم يجتمعون على عداوة إنسان. الحلفاء- بالحاء المهملة- جمع حليف وهو المعاهد. الأحابيش: الذين حالفوا قريشا، وهم بنو المصطلق: سعد بن عمرو، وبنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناف، اجتمعوا بذنبة حبشيّ- وهو بحاء مهملة مضمومة فموحدة ساكنة فشين معجمة مكسورة فتحتية مشددة كما في معجم البلدان لياقوت- وهو جبل بأسفل مكة، فتحالفوا: إنّا يد على غيرنا ما سجا ليل ووضح نهار، وما رئي حبشيّ مكانه، فسمّوا الأحابيش، باسم الجبل. وقيل: بل هو واد بمكة، وقيل: سموا أحابيش لاجتماعهم. والتجمع في كلام العرب هو التحبّش. والحباشة- بالضم- الجماعة ليسوا من قبيلة واحدة، وكذلك الأحبوش والأحابيش. دارع: لابس درع. لا أم لك يأتي الكلام عليه في لا أبا لك. خلّ عنها: فعل أمر، أي اتركها. شرح غريب خروج قريش من مكة الظّعن- بضم الظاء المعجمة المشالة، والعين المهملة وتسكن-: النّساء، واحدتها ظعينة، وأصل الظعينة الراحلة التي ترحل ويظعن عليها، وقيل للمرأة: ظعينة، لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل: الظعينة: المرأة في الهودج، ثم للهودج قيل بلا امرأة وللمرأة بلا هودج: ظعينة، ويجمع على ظعائن وأظعان. الالتماس: الطلب. الحفيظة- بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة- وهي الأنفة والغضب للحرم، ويقال الحفيظة: الغضب في الحرب خاصة. يخطئ (بضم أوّله وبالهمز) . ويها: كلمة معناها الإغراء والتحضيض.

شرح غريب منام رسول الله صلى الله عليه وسلم

حرّض على الشيء: حثّ عليه بكثرة التّزيين، وتسهيل الخطب فيه. الأبواء- بفتح الهمزة وسكون الموحدة-: قرية من عمل الفرع. يؤازرونهم: يعينونهم ويقوّونهم. بحثتم- بحاء مهملة فمثلثة ففوقية-: حفرتم. الإرب- بكسر الهمزة- يستعمل في الحاجة، وفي العضو، وهو المراد هنا، والجمع آراب مثل حمل وأحمال. الإرجاف: الإكثار من نقل الأخبار السّيّئة، واختلاق الأقوال الكاذبة التي يضطرب الناس منها. ذي طوّى- بتثليث الطاء، والفتح أشهر من الضّمّ، وهو أشهر من الكسر، وهو مقصور منوّن-: واد بمكة على فرسخ منها، يعرف الآن بالزّاهر، في طريق التّنعيم. ويجوز صرفه ومنعه. عينين- بلفظ تثنية عين- وهو هنا الجاسوس الذي يتجسّس الأخبار. العقيق- بفتح العين المهملة وكسر القاف- وهو في الأصل الوادي الذي يشقّه السّيل قديما، والمراد به هنا العقيق الذي بقرب المدينة الشّريفة. العريض- بعين مهملة فراء فتحتيّة فضاد معجمة كزبير- واد بالمدينة. قناة- بفتح القاف وبالنون-: واد كذلك. شفير الوادي- بفتح الشين المعجمة ففاء مكسورة فتحتية فراء-: حرفه. شرح غريب منام رسول الله صلى الله عليه وسلم أريت (بضم الهمزة) . الوهل- بفتح الواو والهاء وباللام-: الوهم، والاعتقاد. ذكره النووي. قال في التقريب: وفيه نظر، والمناسب لتفسيره السّكون، كما اقتضاه ظاهر النهاية. اليمامة- بفتح التحتية-: مدينة على يومين من الطائف، وعلى أربعة من مكة. هجر- بفتح الهاء والجيم-: مدينة باليمن وهي قاعدة البحرين. قال الجوهريّ: مذكّر مصروف. وقال الزّجّاجيّ والبكريّ: يذكّر ويؤنّث، وهو فارسيّ معرّب، أصله أكر، وقيل: هكر. هززت (بفتح الهاء والزاي الأولى) . ذو الفقار: يأتي الكلام عليه في أبواب سلاحه صلى الله عليه وسلم. ذباب السّيف- بذال معجمة فموحّدتين- وهو طرفه الذي يضرب به.

الثّلم- بثاء مثلثة مفتوحة فلام ساكنة-: الكسر. والله خير: مبتدأ وخبر، وفيه حذف تقديره: وضع الله خير، قال السهيلي: معناه رأيت بقرا تنحر والله عنده خير. فهو رجل من أهل بيتي وهو حمزة رضي الله عنه. النّفر- بفتح النون والفاء-: جماعة الرّجال من ثلاثة إلى عشرة، وقيل إلى سبعة، ولا يقال فيما زاد على العشرة. الأداة: الآلة، وأصلها الواو، والجمع أدوات، ويقال للكامل السّلاح مؤذ. الدّرع- بدال مهملة مكسورة- وهي مؤنثة في الأكثر ولهذا قال: حصينة. مردف اسم فاعل من أردف، والرّديف: الذي تجعله خلفك على ظهر الدّابّة. كبش القوم: سيّدهم. الكتيبة- بمثنّاة فوقية فتحتية فموحّدة-: الجماعة من الجيش. فلّ- بضمّ الفاء وتشديد اللّام-: كسر. فلّا- بفتح الفاء واللام المشددة- أي كسرا. فبقر والله خير فبقر والله خير (بالتكرير) . الظّبة- بظاء معجمة مضمومة مشالة فموحّدة مخفّفة: حدّ السّيف، والجمع ظبات وظبون. العترة- بعين مهملة مكسورة فمثنّاة فوقية ساكنة- وهي هنا رهط الرّجل الأدنون ويقال: أقرباؤه. وإن البقر بقر- بفتح الموحدة والقاف من الأول، وسكون القاف من الثاني- وهو الشّقّ. الآطام- بالمدّ والمهملة- جمع أطم- بضم أوله- وهو بناء مرتفع. الأزقّة- بالزاي والقاف- جمع زقاق- بضم أوله- دون السّكة نافذة كانت أو غير نافذة، وأهل الحجاز يؤنّثونه وتميم تذكّره. الصّياصي جمع صيصية- بكسر الصّادين المهملتين بعد كلّ من التحتية الأولى ساكنة والثانية مفتوحة- وهو كلّ شيء امتنع به وتحصّن به. جبنا- بفتح الجيم وضم الموحدة وتشديد النون- والجبن، بضم الجيم وسكون النون. والجبانة بالفتح: ضعف القلب عن الحرب. الجرأة وزن غرفة: الإسراع والهجوم على الشيء.

الظّفر- بظاء معجمة مشالة- الفوز بالمطلوب. ساحة الدّار: الموضع المتسع أمامها والجمع ساحات وساح وسوح. الإلحاح من ألحّ على الشيء، إذا لزمه وأصرّ عليه. إحدى الحسنيين- بضم الحاء- أي الظّفر أو الشّهادة، وأنّث على معنى الخصلتين، أو القصّتين. أجالدهم: أضاربهم بالسّيف. لمه: اللّام للتّعليل ومه أصله ما، حذفت ألفها، وعوض عنها الهاء. فرّ- بفتح الفاء والراء المشددة-: هرب. يوم الزّحف، أي الجهاد ولقاء العدو. والزّحف: الجيش، يزحفون إلى العدو، أي يمشون. حثّ على الشيء- بفتح الحاء المهملة والثاء المثلثة المشددة-: طلبه بسرعة. أبوا: امتنعوا. وعظهم: أمرهم بالطّاعة ووصّاهم بها. بالجدّ- بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة- نقيض الهزل. الشّخوص: الخروج من موضع إلى آخر. حشدوا، بفتح الشين المعجمة في الماضي وكسرها في المستقبل، أي اجتمعوا. العوالي- بفتح العين المهملة-: القرى التي حول المدينة على أربعة أميال، وقيل: ثلاثة وذلك أدناها، وأبعدها ثمانية. الحجرة: البيت، والجمع حجر وحجرات. استكرهتم: أكرهتم. الّلأمة- مهموز: - الدّرع، وقيل: السّلاح، ولأمة الحرب أداته، وقد يترك الهمز تخفيفا. المنطقة- بكسر الميم-: اسم لما تسمّيه الناس بالحياصة. حمائل السيف- بفتح الحاء المهملة- جمع حمالة بكسرها: علاقته. الأدم- بفتحتين وبضمتين- جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ. تقلّد السيف: جعل علاقته على كتفه الأيمن، وهو تحت إبطه الأيسر. ما ينبغي أن يكون لنا كذا، ما يحسن ويستقيم.

شرح غريب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد

شرح غريب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد القناة- بفتح القاف-: الرّمح، والجمع قنى، مثل حصاة وحصى. يعدوان أمامه. يقال: عدا في مشيته عدوا، من باب قال: قارب الهرولة، وهو دون الجري. الثّنيّة- بثاء مثلثة مفتوحة فنون فتحتية-: كل عقبة مسلوكة. خشناء- بخاء فشين ساكنة معجمتين فنون فألف تأنيث- أي كثيرة السلاح. الزّجل- بفتح الزاي والجيم-: الصّوت العالي. الشّيخين بلفظ تثنية شيخ: أطمان، سمّيا بشيخ وشيخة كانا هناك على الطريق الشرقية إلى أحد مع الحرّة. الدّرقة- بفتح الدال المهملة والراء-: الحجفة، والجمع درق. الأدلّاء- بالدال المهملة- جمع دليل، وهو المرشد. الكثب- بفتح الكاف والثاء المثلثة: القرب. الحرّة- بفتح الحاء المهملة والراء المشددة-: أرض تركبها حجارة سود. بنو حارثة (بالحاء المهملة والثاء المثلثة) . يحثو- بالمثلثة- يرمي بيده. الحائط: البستان، وجمعه حوائط. الحفنة- بفتح الحاء المهملة وضمّها وسكون الفاء-: ملء الكفّ، وقيل: ملء الكفّين. ابتدره: أسرع إليه. همّ به: أراد قتله. كفّ- بفتح الكاف والفاء المشددة-: امتنع. ذبّ فرسي بذنبه- بفتح الذال المعجمة وتشديد الموحّدة-: حرّك ذيله ليطير الذّباب عنه. كلّاب- بضم الكاف وتشديد اللام- وهو الحلقة أو المسمار الذي يكون في قائم السيف يكون فيه غلافه، وقال في الرّوض: هو الحديدة العقفاء، وهي التي تلي الغمد. استلّه: أخرجه من غمده.

شرح غريب انخزال عبد الله بن أبي بثلث العسكر

الفأل- بسكون الهمزة ويجوز تخفيفها- وهو أن تسمع كلاما حسنا فتتيمّن به، وإن كان قبيحا فهو الطّيرة. وجعل أبو زيد الفأل في سماع الآدميين. لا يعتاف، أي لا يتطيّر، يقال: عفت الطير، إذا تطيرت بها، والعيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأسواقها وممرّها، وهو من عادة العرب كثير. يقال: عاف يعيف عيفاً، إذا زجر وحدس. شم سيفك: أغمده، وسلّه (ضدّ) ، والأول هو المراد هنا. إخال- بكسر الهمزة على غير قياس- وهو أكثر استعمالا، وبنو أسد يفتحون على القياس، أي أظن. شرح غريب انخزال عبد الله بن أبيّ بثلث العسكر الشّوط- بشين معجمة فراء ساكنة فطاء مهملة-: اسم حائط بالمدينة. انخزل- بخاء معجمة فزاي- أي انقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخلّف عنه. الهيق- بفتح الهاء وسكون التحتية وبالقاف- وهو ذكر النّعام، يريد في سرعة ذهابه. الولدان جمع وليد، يطلق على المولود والعبد والصّبيّ. الرّيب: جمع ريبة مثل سدرة وسدر، وهي الشّكّ. تخذلوا قومكم- بضم الذال المعجمة- أي تتركوا نصرتهم وإعانتهم. أبعدكم الله تعالى: أهلككم. أعداء الله- يجوز بفتح الهمزة على أنه منادى مضاف، ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم. لا نرى- بضم النون- أي لا نظنّ. سقط في أيديهما- بضم السين وكسر القاف- أي ندما. الفشل- بفتح الفاء والشين المعجمة-: الجبن وضعف القلب على الحرب. عدوة الوادي- بضم العين وكسرها- جانبه وحافّته. شرح غريب خطبة النبي صلى الله عليه وسلم النّشاط- بالنون والمعجمة-: الإسراع. التّثبيط: الأمر بالقعود عن الشيء والفشل عنه.

نفث- بالنون والفاء والثاء المثلثة-: أوحى وألقى، من النّفث- بالضم- وهو شبيه بالنّفخ. الرّوع- بضم الراء-: النّفس والخلد. الحمى- بكسر الحاء وفتح الميم المخففة-: الممنوع الذي لا يقرب. أجملوا في الطّلب- بقطع الهمزة- أي أحسنوا فيه، بأن تأتوه من وجهه. أوشك: قرب. سرّحت الإبل- بفتح الرّاء وتشديدها مبالغة-: تركتها ترعى. الظهر- بالظاء المعجمة-: الإبل الي تحمل ويركب عليها. الصّمغة- بفتح الصاد المهملة وإسكان الميم والغين المعجمة-: مزرعة بقناة. الكراع- بضم الكاف وتخفيف الراء وبالعين المهملة- يقال لجماعة الخيل خاصّة. قيلة- بفتح القاف وإسكان التحتية-: أم الأوس والخزرج. أمّر على الرّماة- بتشديد الميم- من التأمير. انضحوا- بهمزة وصل وضاد معجمة ساقطة مكسورة وقد تفتح- أي ادفعوا عنّا. لا تبرحوا-: لا تفارقوا. الاختطاف: الأخذ بسرعة، وهذا تمثيل لشدة ما يتوقع أن يلقى، أي لو رأيتمونا أخذتنا الطّير وأعدمتنا من الأرض فلا تفارقوا مكانكم. الرّشق: الرّمي. النّبل: السّهام العربية، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها، بل الواحد سهم، فهو مفرد اللفظ مجموع المعنى. لا نؤتينّ (بضم النون وفتح الفوقية مبنيّا للمفعول) . قبلكم (بكسر القاف وفتح الموحدة وكسر اللام) . المجنّبتين: يمين الجيش ويساره. معلم- بكسر اللام- أي جعل لنفسه علامة الشجعان. الغنويّ (بفتح الغين المعجمة والنون وكسر الواو) . ظاهر بين درعين- بالظاء المشالة- أي لبس درعا فوق درع. الشّعار- بكسر الشين المعجمة والعين المهملة-: علامة ينادون بها في الحرب، ليعرف بعضهم بعضا.

شرح غريب ذكر تهيئ المشركين للقتال

أمت أمت: أمر بالموت، المراد به التّفاؤل بالنّصر، يعني الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشّعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة اللّيل. شرح غريب ذكر تهيئ المشركين للقتال جنّبوها: قادوها والجنيب: الفرس الذي يقاد. وليتم لواءنا (بفتح الواو وكسر اللام وسكون التحتية) . تواعدوه وتوعّدوه: هدّدوه، من الوعد، وهو التّهديد. شرح غريب ذكر ابتداء الحرب (واشتداد القتال) أول من أنشب الحرب- بنون ساكنة فشين معجمة مفتوحة فموحدة- أي تعلق به ودخل فيه. عبدان: جمع عبد، وقد بسطت الكلام على ذلك في أبواب المعراج. راضخهم- بالضاد والخاء المعجمتين: راماهم، من الرّضخ وهو الشرخ. قال أبو ذر: وأصل المراضخة: الرّمي بالسّهام، فاستعاره هنا للحجارة، وروي بالحاء المهملة، والمعنى واحد، إلّا أنّه بالمعجمة أشهر. ويها: سبق شرحها. حماة الأدبار: الذين يحمون أعقاب الناس. البتّار: السيف القاطع. وقول هند بنت عتبة: «نحن بنات طارق» إلى آخر الشعر ليس لها، وإنما هو لهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الإياديّ، قالته حين لقيت إياد جيش الفرس بجزيرة الموصل، وكان رئيس إياد بياضة بن طارق، ووقع في شعر أبي دواد، وهو بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة. وذكر أبو رياش، وهو براء مكسورة فتحتية مخففة فألف فشين معجمة وغيره: أن بكر بن وائل لمّا لقيت تغلب- بمثناة فوقية، فغين معجمة- يوم قصّة- بفتح القاف وتشديد الصاد- وأقبل الفند الزّمّانيّ- وهو بفاء مكسورة فنون ساكنة فدال مهملة وهو في الأصل الجبل العظيم أو القطعة منه- لقّب بذلك لعظم خلقته. والزّمّانيّ- بكسر الزاي وتشديد الميم وبعد الألف نون فياء نسب- ومعه ابنتاه، فكانت إحداهما تقول: نحن بنات طارق، فطارق على رواية من رواه لهند بنت عتبة، أو لبنت الزّمّانيّ تمثيل واستعارة لا حقيقة، شبّهت أباها بالنّجم الطّارق في شرفه، وعلوّه أي نحن شريفات رفيعات كالنجوم، وعلى رواية من رواه لهند بنت بياضة حقيقة لا استعارة، لأنه اسم جدّها.

وقال البطليوسيّ- وهو بفتح الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وضم التحتية وبعد الواو سين مهملة-: الأظهر أنه لبنت بياضة، وإنما قاله غيرها متمثّلا. وقال أبو القاسم الخثعميّ على قول من قال: أراد النجم لعلوّه: هذا التأويل عندي بعيد، لأن طارقا وصف للنجم لطروقه فلو أرادته لقالت: نحن بنات الطارق، فعلى تقدير الاستعارة تكون بنات مرفوعة، وعلى تقدير أن يكون الشعر لابنة بياضة بن طارق يكون منصوبا على المدح والاختصاص. النّمارق- بنون مفتوحة جمع نمرقة- بضم النون والراء وكسرهما- ويقال بضم النون وفتح الراء كما وجد بخط بعض المتقنين، والمراد هنا الوسادة الصغيرة. الدّرّ- بضم الدال المهملة- جمع درّة. المفارق جمع مفرق- بفتح الميم وسكون الفاء وكسر الراء- حيث يفرق منه الشّعر. المخانق جمع مخنقة- بكسر الميم-: القلادة، سميت بذلك لأنها تطيف بالعنق، وهو موضع الخنق. وامق: اسم فاعل من المقة وهي المحبة، والهاء عوض من الواو: يقال: ومقه يمقه بالكسر فيهما، أي أحبّه فهو وامق، والمفعول موموق، والمعنى فراق غير محبّ. المعانقة: الضّمّ والالتزام. أجول: أتحرّك أو أحتال أو أدفع وأمنع، من حال بين الشيئين، إذا منع أحدهما عن الآخر. أصول: أسطو وأقهر، والصولة: الحملة، والوثبة. بسطوا أيديهم: مدّوها. أحجم القوم: نكصوا وتأخّروا وتهيّبوا أخذه. يختال: يتكبّر. عصب رأسه (يخفف ويشدّد) . يتبختر: يعجب في مشيته تكبّرا. الدّهر بالنصب: ظرف. ألّا أقوم الدّهر في الكيّول- بكاف مفتوحة فمثناة تحتية مضمومة مشددة وتخفف فواو ساكنة فلام- آخر القوم، أو آخر الصفوف في الحرب، وهو فيعول، من كال الزّند يكيل كيلا، إذا كبا، وكبوه: سواده ودخان يخرج منه بعد القدح ولا نار فيه» ، وذلك شيء لا نفع فيه، أي لم يخرج نارا، فشّبّه مؤخّر الصفوف به، لأن من كان فيه لا يقاتل. وقيل: الكيّول: الجبان. وقيل: هو ما أشرف من الأرض، يريد تقوم فوقه فتنظر ما يصنع غيرك.

أضرب- بضم الموحدة وسكنّه. كما في الصّحاح بكثرة الحركات. السّفح: جانب الجبل عند أصله. لدى- بفتح اللام والمهملة-: ظرف بمعنى عند. النّخيل: اسم جنس نخلة، الشجرة المعروفة. أفراه: قطعه. وهتكه كذلك. فلق: شقّ. هام: جمع هامة، وهي الرأس. شحذه- بشين معجمة فحاء مهملة فذال معجمة مفتوحات- أحدّه وسنّه. المنجل بالكسر: آلة معروفة. ذفّف- بذال معجمة وتهمل ففاءين الأولى مشددة مفتوحات- أي أسرع إلى قتله. استوسقوا: اجتمعوا. حبل العاتق: وصلة ما بين العاتق، وهو موضع الرداء من العنق، وقيل: ما بين العنق والمنكب. السّعي في الأصل: التّصرّف في كل عمل. يحمس النّاس- بحاء مهملة، ويروى بسين مهملة وبشين معجمة- فبالمهملة معناه يشجعهم من الحماسة، وهي الشجاعة. وبالمعجمة معناه يسوقهم بغضب. وقال أبو ذر: يحضّهم ويهيّج غضبهم. صمدت إليه: قصدت، والمعروف صمدته أصمده، إذا قصدته، فكأنه- والله أعلم- لما كان صمد بمعنى قصد، وقصد يتعدّى بنفسه وباللّام وبإلى، ضمّنه. ولول: يقال: ولولت المرأة: قالت: يا ويلي، هذا قول أكثر اللغويين. وقال ابن دريد: الولولة: رفع المرأة صوتها في فرح أو حزن. الحضيض- بفتح الحاء المهملة-: قرار الأرض، وأسفل الجبل. الحواريّ- بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية-: الذي أخلص في تصديقه ونصره. حميت الحرب: اشتدّ أمرها. أبلى أبو دجانة: قاتل قتالا شديدا. نهكوهم: أثّروا فيهم ونالوا منهم، وأضعفوهم.

مفلولة- بميم مفتوحة ففاء ساكنة-: منهزمة. أبو القصم أي أبو الدّواهي العظيمة. والقصم- بالقاف-: كسر ببينونة. وبالفاء: كسر بغير بينونة. من يبارز: من يظهر للقتال. بدره: أسرع إلى ضربه. جهزت على الجريح من باب نفع، وأجهزت إجهازا، إذا أتممت عليه وأسرعت إلى قتله. وجهّزت بالتشديد مبالغة. الحنجرة- بحاء مهملة مفتوحة فنون ساكنة فجيم فراء مفتوحة- والحنجور بضم الحاء وإسكان النون-: الحلقوم. اختلّت صفوفهم: حصل فيها الخلل والتفريق. وأبوه [علاط] : بعين مكسورة وطاء مهملتين واللام مخففة. قوله: «لله أيّ مذبّب» ، يجوز فتح أيّ على المدح، كأنه قال: لله أنت، لأنه لا ينصب على المدح إلا بعد جملة تامة، ويجوز ضمّها صفة لما قبلها، لله درّه أيّ مذبّب عن حرمه هو، ذكره السّهيليّ. المذبّب- بذال معجمة فموحّدتين- الدّافع عن الشيء. يقال: ذبّ عن حرمه، إذا دافع عنها. ابن فاطمة، يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أمّه. المعمّ: الكريم الأعمام. المخول: الكريم الأخوال. المجدّل: اللاصق بالأرض. الباسل- بالموحدة والسين المهملة-: الشّجاع. يهوون: يسقطون. أخول أخول- بالخاء المعجمة- أي واحدا بعد واحد. العلل- بفتح العين المهملة-: الشّرب بعد الشّرب. حاسوا- بالحاء والسين المهملتين-: قتلوا. أجهضوهم- بالجيم والضاد المعجمة-: نحّوهم وأزالوهم عن مكانهم. مؤتزره: أي وسطه. بدا- بلا همز-: ظهر.

شرح غريب ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك

سحره- بفتح السين وضمها وإسكان الحاء المهملة وبالواو- تقدم مبسوطا في غزوة بدر. يشعر سهما: يرميه به حتى يدخل النّصل فيه. سلافة- بضم السين المهملة والتخفيف وبالفاء- اسم امرأة مشركة. فثابوا- بالثاء المثلثة-: رجعوا. لا ثوابه- بمثلثة فواو وموحدة-: اجتمعوا حوله والتقوا. أعززت- بعين مهملة فزاءين معجمتين. أي أعذرت، كانت في لسانه عجمة فغيّر الذال إلى الزاي. انكشفوا: انهزموا. لا يلوون: لا يلتفتون ولا يعطف بعضهم على بعض. ويل: كلمة تقال لمن وقع في بليّة أو هلكة لا يترحّم عليه. الخلاخيل: جمع خلخال وهو معروف. السوق: جمع ساق الإنسان. خدم هند- بخاء معجمة فدال مهملة- جمع خدمة وهي الخلخال، يعني أنهن شمّرن ثيابهنّ حتى بدت خلاخيلهنّ. شرح غريب ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك صرفت وجوههم، كنى بصرف الوجوه عن الهزيمة، فإن المنهزم يلوي وجهه عن الجهة التي كان يطلبها وراءه. كرّ بالخيل: رجع على العسكر. جرّدوه: أزالوا عنه ما عليه. مثّلوا به: جدعوه. شرعت: أميلت. السّرّة: الموضع الذي قطع منه السّرّ بالضم. والسّرر- بفتح السين- والسّرار بالفتح لغات، وهو ما تقطعه القابلة من السّرّة.

شرح غريب ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم

الخاصرة- بخاء معجمة فألف فصاد مهملة مكسورة فراء-: الشاكلة، وما بين الحرقفة والقصيرى. العانة: قيل: منبت الشّعر فوق قبل الرّجل، وقيل: الشّعر النابت فوقها. العزّى (بضم العين وفتح الزاي المشددة) . وهبل- بضم الهاء وفتح الموحدة-: اسما صنمين. الحضن: - بكسر الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة- ما دون الإبط إلى الكشح. الذّريع- بذال معجمة مفتوحة فراء ساكنة-: السريع الكثير. استدارت رحاهم. يقال: دارت رحى الحرب، إذا قامت على ساقها، وأصل الرّحى التي يطحن بها. الصّبا- بفتح الصاد المهملة وبالموحدة-: الرّيح الشرقية. الدّبور (بفتح الدال المهملة وضم الموحدة المخففة) . يحطم بعضهم بعضا: يضرب، وأصل الحطم الكسر. الدّهش- بفتح الدال المهملة والهاء بالشين المعجمة-: الحيرة. الفئة: الجماعة. لتجوسهم- بالجيم والسين المهملة-: تطوف فيهم: هل بقي أحد فيقتلونه؟! المعسكر- بلفظ اسم المفعول-: اسم لموضع اجتماع العسكر. أصعدوا: طلعوا الجبل خوفا من القتل. إزب العقبة. قال السّهيليّ: قيّد في هذا الموضع بكسر الهمزة وسكون الزاي، وتقدم في بيعة العقبة الثالثة أنه ضبط هناك بفتح الهمزة، وفي حديث ابن الزبير ما يشهد للأول حين رأى رجلا طوله شبران على بردعة رحله، فقال: ما أنت؟ قال: أزبّ، قال: ما أزبّ؟ قال: رجل من الجن، فضربه على رأسه بعود السّوط حتى باص أي هرب. وقال ابن السّكّيت في [تهذيب] الألفاظ: الإزب: القصير، فالله أعلم أي الضبطين أصح. شرح غريب ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم نالوا منه: بلغوا مقصودهم منه. إن زال نافية. تفيء إليه: ترجع.

شرح غريب ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم

تحاجزوا: تمانعوا. العصابة- بكسر العين- الجماعة من الناس. سية القوس- بسين مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث- وهي ما عطف من طرفيها وحكى فيها الهمز. شظايا- بشين فظاء مشالة معجمتين- جمع شظيّة، وهي الفلقة. يقال: شظا الشيء إذا تطاير شظايا. لا يلوون: تقدّم معناه. بايعه على الموت [عاهده عليه] . انجلى الناس: تفرقوا. جفن السيف- بفتح الجيم وسكون الفاء- غلافه. شرح غريب ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرّباعية- بتخفيف الراء وزن ثمانية- وهي السّنّ. النّاب من الإنسان يذكر ما دام له هذا الاسم، وهو الذي يلي الرّباعيات، قال ابن سينا: ولا يجتمع في حيوان ناب وقرن معا. الفلقة: القطعة وزنا ومعنى. الشّجّة: الجراحة، وإنما تسمّى بذلك إذا كانت في الوجه أو الرأس، والجمع شجاج، مثل كلبة وكلاب وشجّات. اخضل لحيته- بخاء وضاد معجمة- بلّها. المغفر بالكسر: ما يلبس تحت البيضة شبيه بحلق الدّرع يجعل في الرأس، يتّقى به في الحرب. الوجنة من الإنسان: ما ارتفع من لحم خدّه، والأشهر فتح الواو، وحكي التثليث، والجمع وجنات. أقمأه- بهمزة مفتوحة في أوله فقاف فميم فهمزة-: صغّره وحقره. جحش كعني: خدش. وهن الضّربة: الضعف الذي حصل منها. تيس الجبل: الذّكر من الظباء.

فاء- بالمد-: رجع. نزف الدم: خرج بكثرة حتى ضعف الخارج منه. أزم على الشيء أزما من باب ضرب وأزوما: عضّ عليه. الثّنيّة من الإنسان جمعها ثنايا وثنيات، وفي الفم أربع: ثنتان من فوق، وثنتان من أسفل. الهتم: كسر الثنايا من أصلها. النّضح- بالنون والضّاد المعجمة-: الرّشّ. الجلل- بفتح الجيم واللام الأولى- من الأضداد، يكون للصّغير والعظيم، والمراد هنا الأول. سرب الدّم- بفتح السين المهملة والراء-: جرى. الشّنّ- بفتح الشين المعجمة وتشديد النون- الجلد البالي. مجّ الشيء: رمى به. ازدرده: بلعه. فوه: فمه. جال النّاس جولة: هزموا، والمراد كثير منهم، فقد ثبتت طائفة. تنحّيت: اعتزلت. أذود- بذال معجمة وأخرى مهملة-: أمنع. فداك أبي وأمي- بكسر الفاء وتفتح- أي لو كان إلى الفداء سبيل لفديتك بأبويّ اللذين هما عزيزان عندي، والمراد من التّفدية لازمها وهو الرّضى، أي ارم مرضيّا. سدّد لسعد رميته، أي اجعلها صائبة. أذلقوهم بالرّمي: أصابوهم حتى قلقوا. استغرب في الضحك: بالغ فيه. النّحر: موضع القلادة من الصّدر. النّواجذ- بالجيم والذال المعجمة- جمع ناجذ: السّنّ من الأضراس والنّاب. قال ثعلب: المراد الناب. انحاز: مال إلى جماعة لا يقصد الفرار. الغور: - بالفتح- من كل شيء: قعره. كرّ: رجع. ما كانت لي ناهية، أي مانعة.

شرح غريب إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين وشرح غريب حضور الملائكة

المروط جمع مرط- بكسر الميم وسكون الراي-: كساء من الصوف أو خزّ يؤتزر به ويتلفّع به. الأنامل جمع أنملة. وهي بتثليث الهمزة والميم، قيل: هي عقدة الإصبع، وقيل: رأسها. حسّ- بكسر الحاء وتشديد السين المهملتين- كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما أمضّه وأحرقه غفلة. تلج بك: تدخلك. الجوّ- بفتح الجيم وتشديد الواو-: ما اتّسع بين السماء والأرض. أرهقوه: أدركوه. أجهز عليه، وجهزتم عليه: أسرع إلى قتله، والتشديد مبالغة. يشرى نفسه: يبيعها بالجنّة، أي يبذلها في الجهاد. أثبتته: أصابت مقاتله. وسدّه قدمه: جعلها له وسادة. يجوب عنه: - بفتح التحتية وبالجيم والموحدة-: يكشف ويمنع الناس عنه. الحجفة- بحاء مهملة فجيم ففاء مفتوحات- التّرس الصغير يطارق بين جلدين. الجعبة-: بضم الجيم-: التي يكون فيها السهام تتّخذ من الجلود. النّزع- بفتح النون وسكون الزاي بعدها عين مهملة- وهو مدّ القوس وشدّته عن استيفاء السّهم جميعه. الكنانة- بكسر الكاف: الجعبة. الإشراف: الاطّلاع على الشي. شرح غريب إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين وشرح غريب حضور الملائكة الأمنة والأمان واحد. يميد- بالدال-: يتحرّك من جانب إلى جانب. غطّ النائم يغطّ غطيطا: يردّد نفسه صاعدا إلى حلقه حتى يسمعه من حوله. انثلم السيف: انكسر جانبه. الذّعر- بضم الذال المعجمة وبالعين المهملة-: الفزع.

شرح غريب رجوع المسلمين بعد توليهم

انكشفوا: انهزموا. الشّعب- بالكسر-: الطريق في الجبل. ظفرت يمينك- بظاء معجمة مشالة ففاء-: فازت وفلحت. رأيتني، أي رأيت نفسي. ينبّل له- بتحتية فنون فموحدة مشددة- أي يناوله النّبل ليرمي به، وذلك أنبلته. وروي: ينبله، بفتح التحتية وسكون النون وضم الموحدة، قال أبو عمر الزاهد وهو صحيح. يقال: نبلته وأنبلته ونبّلته. تحسّونهم: تقتلونهم. شرح غريب رجوع المسلمين بعد توليهم أحديّة- بضم الهمزة- نسبة إلى أحد، أي نزل كثير منها في شأن أحد. هزمنا- بضم الهاء- من الهزيمة وهي الفرار. أنزو: أثب. الأروى- بفتح الهمزة-: تيس الجبل البرّيّ، وهو منصرف، لأنه اسم غير صفة. حومة القتال- بحاء مهملة فواو-: معظمه. جافته تجوفه، إذا وصلت الجوف، فلو وصلت إلى جوف عظم الفخذ لم تكن جائفة، لأن العظم لا يعد مجوفا. عنقا واحدا: جماعة واحدة. عين تطرف: تتحرك. حشوته- بضم الحاء وكسرها- والحشاء: الأمعاء. تزهران ويروى بالبناء للمفعول. شرح غريب ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف العود (بضم العين المهملة، وسكون الواو وبالدال المهملة) . الفرق، - بفتح الفاء والراء ويجوز إسكان الراء- قال في النهاية: مكيال يسع ستّة عشر رطلا وهو اثنا عشر مدّا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز، فأما الفرق- بالسكون- فمائة وعشرون رطلا. الذّرة- بضم الذّال وفتح الراء المخففة-: حبّ معروف.

آذنوني: أعلموني. أسند في الجبل: صعد فيه. مقنّع بالحديد: متغطّ به، وقيل: هو الذي على رأسه بيضة، لأن الرأس موضع القناع. يركض- بالضم- يسوق فرسه. يغشاك: يأتيك. الشّعراء- بشين معجمة فعين مهملة ساكنة فراء فألف تأنيث- وهو ذباب صغير له لذع يقع على ظهر البعير، فإذا انتفض طار عنه. الجدّ في الأمر: الاجتهاد. التّرقوة- بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو- وقال في الصحاح: ولا تقل: ترقوة، أي بضم الفوقية- وهي العظم الذي بين نقرة النّحر والعاتق من الجانبين والجمع التّراقي. الفرجة في المحسوسات- بضم الفاء-: المفتوح بين شيئين. وفي المعاني: بتثليث الفاء. سابغة البيضة: شيء من حلق الدّروع والزّرد يتعلق بالخودة، دائر معها، ليستر الرّقبة وجيب الدّرع. الضّلع (بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وتسكن) . تدأدأ- بمثناة فوقية ودالين مهملتين وبالهمز-: مال. يخور: يصوّت كما يخور الثور. إن بك- بكسر الهمزة وسكون النون- حرف نفي، وبك جار ومجرور. ذو المجاز، ضد الحقيقة: سوق كان عند عرفة. سرف- بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء-: على ستة أميال من مكة أو سبعة أو تسعة أو اثني عشر، وناسبت هلاكه بها أنّه يسرف. قافلون: راجعون. سحقه الله تعالى سحقا وسحوقا، وأسحقه: أبعده، وأيضا أهلكه. رابغ- بكسر الموحدة وبالغين المعجمة-: بطن واد عند الجحفة.

شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه

الهويّ من الليل- بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية-: الحين الطويل من الزمان وقيل: هو مختصّ باللّيل. أجّت النار تؤجّ بالضم أجيجا: توقّدت. يجتذبها- بالذال المعجمة-: يسحبها. شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه بارزه: ظهر لقتاله. الرّمّ- بكسر الراء وتشديد الميم- والرّميم: العظم البالي. توعده: تهدّده. يغوّث. (بضم التحتية وفتح الغين المعجمة وكسر الواو المشددة) . تبّ: خسر وهلك. الهبول: المفقود: يقال: هبلته أمّه، إذا فقدته. الأسرة- بضم الهمزة-: العشيرة والقرابة. قليل: ويروى بالفاء أي مفلولون، أي منهزمون، وبالقاف، أراد ضد الكثرة. شرح غريب مقتل عثمان بن المغيرة وذكر انتهائه صلى الله عليه وسلم إلى الشعب وإرادته صعود الصّخرة عثر- بفتحتات ومثلثة-: سقط. عائر- بعين مهملة فألف فهمزة فراء من عار، إذا أفلت وذهب على وجهه. ذفّف عليه- بذال معجمة ففاءين: أسرع إلى قتله. بطن نخلة: موضع بينه وبين مكة ليلة. العاتق يذكر ويؤنث، وهو ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء. ناوشه: طاعنه بالرّمح. الدّرقة- بالدال المهملة-: الجحفة. ملأ (بهمزة مفتوحة) . المهراس- بكسر الميم وسكون الهاء وآخره سين مهملة-: صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء، وقد يعمل منه حياض للماء. وقيل: المهراس هنا اسم ماء بأحد، قاله الهرويّ، وتبعه في النهاية، وجزم به أبو عبيد البكري.

عافه: كرهه. قناة: واد من أودية المدينة. الهشم: كسر اليابس والأجوف. البيضة: الخوذة. المجنّ- بكسر الميم- التّرس، سمي بذلك لأن صاحبه يستتر به. يقال: جنّه وأجن عليه: ستره. كمّدته: التّكميد أن تسخّن خرقة وتوضع على العضو الوجع، ويتابع ذلك مرة بعد أخرى ليسكن. البالي: الذي أبلته الأرض. ينهض: يرتفع. بدن، بفتح الدال المهملة. قال أبو عبيد: هكذا روي في الحديث- يعني بتخفيف الدال- وإنما هو بالتشديد أي كبر وأسنّ، والتخفيف، من البدانة وهي كثرة اللحم، ولم يكن صلى الله عليه وسلم، سمينا. قال في النهاية: قد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم، في حديث هند بنت أبي هالة: بادن متماسك، والبادن: الضخم، فلما قال: «بادن» أردفه بمتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضا، فهو معتدل الخلق. وقال أبو ذر: معناه أسنّ، وبدن، إذا عظم بدنه من كثرة اللحم. بينما: أصله بين فأشبعت الفتحة فصارت ألفا فيقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة. ثاب- بثاء مثلثة وموحدة-: رجع. الكنانة- بالكسر-: الجعبة. لا أبا لك: أكثر ما يستعمل هذا اللفظ في المدح، أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذمّ كما يقال: لا أمّ لك، وقد يذكر في معرض التّعجّب ودفعا للعين كقولهم: لله درّك، وقد يكون بمعنى جدّ في أمرك وشمّر، لأن من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام فيقال لا أباك. إن بقي: إن حرف نفي. الظّمء- بكسر الظاء المعجمة المشالة وإسكان الميم فهمزة- وهو مقدار ما يكون بين الشربين، وأضافه للحمار لأنه أقصر الدوابّ ظمأ، وأطولها الإبل. إنما نحن هامة اليوم أو غدا: يريد الموت. كانت العرب تقول: إن روح الميت تصير

شرح غريب مقتل حنظلة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام وقزمان وأنس بن النضر

هامة وهو طائر، وتزعم العرب أنه يتكون من عظام الميت في قبره، وبعضهم يقول: هو طائر يخرج من رأس القتيل إذا قبل فلا يزال يصيح: اسقوني اسقوني حتى يأخذوا بثأره، فضربه مثلا للموت. يديه: يعطى ديته. الحوائط- بالحاء والطاء المهملتين- جمع حائط وهو هنا البستان. بدا له- بلا همز-: ظهر له. إليك: اسم فعل أمر بمعنى تنحّ. أثبتته الجراحة: أصابت مقاتله. يلتمسون: يطلبون. عدا، يروى بالعين المهملة من العدو وهو الجري، وبالمعجمة، يقال: غدا غدوّا من باب قعد: ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشّمس، هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الذّهاب والانطلاق في أي وقت كان. عرض الناس- بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فضاد معجمة- أي جانبهم وناحيتهم، وقيل: عرض كل شيء: وسطه، وقيل عرض الشيء: ذاته ونفسه. وأما العرض- بفتح العين- فخلاف الطول. أحدب- بهمزة استفهام فحاء فدال مهملتين وبالموحدة- أي تعطّف عليهم. يلبث: يمكث. شرح غريب مقتل حنظلة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام وقزمان وأنس بن النضر انكشفوا: انهزموا. أنفذه سهما- بالذال المعجمة- أصابه به. المزن- بضم الميم- أي السحاب والواحدة مزنة. الهاتفة- بالفوقية والفاء- أي الصائحة ويروى الهائعة- بالعين المهملة- من الهياع وهو الصّياح. أمّا أنت (بفتح الهمزة وتشديد الميم) . عذرك أي بقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ [النور 61] .

شرح غريب ذكر مقتل حمزة رضي الله عنه

جلل: صغير قليل. زجرته: ساقته وصاحت به. حل حل- بفتح الحاء المهملة فيهما وكسرها وسكون اللام وتكسر بالتنوين وبعدمه- كلمة تزجر بها الإبل. عيرته بكذا وعيّر به: قبّحته عليه ونسبته إليه. يكتّ (بتحتية مفتوحة فكاف ففوقية) . كتّ- بفتح الكاف والفوقية المشددة-: هدر. الأحساب جمع حسب وهو الشّرف بالآباء، وما يعدّه الإنسان من مفاخرهم، أي إنما قاتلت لأجل شرفنا ومفاخرنا، لا لأجل الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى. الحفاظ: تقدم في الحفيظة أول الشرح. أبليت: فعلت فعلا حسنا. أعتذر إليك: أطلب قبول معذرتي. ألقوا بأيديهم: استسلموا للعدو. واهّا لريح الجنة: كلمة تعجب. البنان: أطراف الأصابع. شرح غريب ذكر مقتل حمزة رضي الله عنه يخضبوا الصّعدة: يصبغوها بالدّماء، والصّعدة- بفتح الصاد وسكون العين وبالدال المهملات: - القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف. تندقّ: تنكسر. أقذف- بالذال المعجمة-: أرمي. الأورق: الأسمر. يهدّ الناس- بتحتية فدال- روي إعجامها أي يسرع، وإهمالها أي يهدمهم ويهلكهم. ما يليق شيئا: - بتحتية مضمومة فلام فتحتية أخرى فقاف- أي ما يبقى شيئا. شدّ عليه: حمل وعدا إليه. قمعه- بقاف فميم فعين- كمنعه: ضربه بالمقمعة كمكنسة: العمود من حديد- أو كالمحجن يضرب به رأس الفيل، أو خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه. هلمّ: كلمة بمعنى الدعاء إلى شيء، كما يقال: تعال، وتقدم الكلام عليه مبسوطا.

البظور جمع بظر، مثل فلوس وفلس، وهي لحمة بين شفري المرأة، وهو القلفة التي تقطع في الختان. المحادّة- بحاء فدال مشددة مهملتين-: المخالفة ومنع الواجب. أخطأ رأسه يقال: أخطأ الشيء، إذا لم يتعمده، أي كان في إلقائه رأسه كأنه لم يعمد إليه ولا قصده. كمنت كمونا من باب قعد، إذا توارى واستخفى. دنا: قرب. لاذ بكذا- بذال معجمة يلوذ لواذا- بكسر اللام وحكي التثليث: التجأ. الثّنّة- بثاء مثلثة فنون مشددة-: ما بين السّرّة والعانة. الثّندوة- ويفتح أوّله: لحم الثّدي أو أصله. ينوء: يذهب. المذاهب: طرق الجبل. لم يرعه إلا كذا أو بكذا، أي لم يشعر إلا به، وإن لم يكن من لفظه، كأنه فجأه بغتة من غير موعد ولا معرفة. أتنكّبه: أعدل عن طريقه وموضعه. لفظتها: طرحتها. جدعت أنفه- بالجيم- قطعته، وأكثر ما يقال فيه. المسك- بفتحتين- أسورة من ذيل وعاج، هذا أصله. المعضد- بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الضاد المعجمة-: الدّملج. الشّدق: جانب الفم، بالفتح والكسر، وجمع المفتوح شدوق مثل فلس وفلوس، وجمع المكسور أشداق مثل حمل وأحمال. الزّجّ- بضم الزاي وبالجيم المشددة-: الحديدة التي في أسفل الرمح. ذق: فعل أمر. عقق- بضم العين المهملة وفتح القاف الأولى- معدول عن عاقّ للمبالغة، كفسق من فاسق، أي ذق القتل يا عاقّ قومه، كما قتلت يوم بدر من قومك، يعني كفّار قريش.

شرح غريب أبيات الهنديين

شرح غريب أبيات الهنديين ذات سعر- بضم السين والعين المهملتين وسكّنت العين تخفيفا- أي ذات التهاب. بكري- بكسر الباء- أي أول أولادي. شفا الله تعالى المريض يشفيه من باب رمي شفاء، واشتفيت بالعدو وتشفّيت به من ذلك، لأنّ الغضب الكامن كالدّاء إذا زال بما يطلبه الإنسان من عدوّه، فكأنه بريء من دائه. الغليل- بالغين المعجمة-: العطش، وهو أيضا حرارة الجوف. ترمّ أعظمي- بفوقية مفتوحة فراء مكسورة فميم مشددة- تبلى وتتفتّت. خزيت- بخاء معجمة فزاي مبنيّ للمفعول- والخزي: الذّلّة والإهانة. الوقّاع- بتشديد القاف-: الكثير الوقوع في الدّنايا. م الهاشميّين- بميم مكسورة، وأصله من الهاشميين فحذفت نون من لالتقاء الساكنين، ولا يجوز ذلك إلا في «من» ، وحدها لكثرة استعمالها، كما خصّت نونها بالفتح إذا التقت مع لام التعريف. الزّهر- بضم الزاي المشددة- أي البيض، واحدها أزهر. الحسام- بضم الحاء المهملة-: السيف القاطع. يفري- بالتحتية المفتوحة والفاء الساكنة- أي يقطع. رام: طلب. شيب، أرادت شيبة فرحمته في غير النداء، وهو فاعل رام. فخضّبا- بخاء فضاد معجمتين فألف- من الخضاب. ضواحي النّحر- بضاد معجمة وحاء مهملة- ما ظهر منه. شرح غريب مقتل عبد الله بن جحش ومصعب رضي الله عنهما حرده- بحاء مفتوحة فراء فدال مهملات-: غضبه. التّركة- بفتح الفوقية وكسر الراء، وبكسر الفوقية وسكون الراء، مثل كلمة وكلمة- وهي ما خلّفه الميّت. حنا عليه: أكبّ. السّوق جمع ساق الإنسان. وهو محمول على نظر الفجاءة، أو كان إذ ذاك صغيرا. متن- بفتح الميم وسكون الفوقية وبالنون-: الظّهر.

شرح غريب تمثيل المشركين بالقتلى وغريب رجوعهم

المروط: تقدّم بيانها. زفر القربة- بالزاي فالفاء فالراء المفتوحات- يزفرها، بالكسر: حملها. شرح غريب تمثيل المشركين بالقتلى وغريب رجوعهم التمثيل بالقتيل: تشويه خلقته بجدع، أو قطع من أعضائه. الجدع- بجيم مفتوحة فدال مهملة ساكنة-: قطع الأنف والأذن. القلائد جمع قلادة بكسر القاف. تحاجز الفريقان: كفّ بعضهم عن بعض. أشرف عليه: وقف على مكان عال. عرض الجبل- بضم العين-: ناحيته. يخزيه: يذلّه ويهينه. اعل: أمر بالعلوّ. ألا: حرف تنبيه واستفتاح. الأيام دول جمع دولة بفتحها، وهي في الحرب أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى. سجال- بكسر السين المهملة وتخفيف الجيم- جمع سجل، أي مرّة لنا ومرّة علينا، وأصله من سجال المستقي بالدّلو، وهو السّجل يكون لهذا دلوه ولهذا دلوه. المولى هنا النّاصر. الشأن- بالهمز-: الحال والأمر. أنعمت: قال في الروض: قالوا أي الأزلام، وكان استقسم بها حين خروجه إلى أحد فخرج الذي يحبّ، وقال في الإملاء: «أنعمت» يخاطب نفسه. ومن رواه «أنعمت» يعني الحرب أو الوقعة. فعال- بفاء فعين مهملة- قال في العيون: اسم للفعل الحسن. وقال في الروض: فعال: أمر، أي عال عنها وأقصر عن لومها. تقول العرب: اعل عنّي وعال عنّي بمعنى أي ارتفع عنّي. ودعني. وقال في الإملاء: عال من تعالى. وعال، أي ارتفع. وقد يجوز أن تكون الفاء من نفس الكلمة ويكون معدولا عن الفعل، كما عدلوا فجار عن الفجرة، أي بالغت هذه الفعلة، ويعني بها الوقعة. أنشدك الله- بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين- أي أسألك به.

شرح غريب ذكر طلب المسلمين قتلاهم رضي الله عنهم والأمر بدفنهم

لا سواء. قال في الروض: أي لا نحن سواء، ولا يجوز دخول لا على اسم معرفة إلّا مع التكرار، نحو: لا زيد قائم ولا عمرو خارج، ولكنه جاز في هذا الموضع، لأن القصد فيه نفي الفعل، أي لا نستوي. مثل جمع مثلة. بدر الصفراء، بالإضافة: بدر تقدمت، والصفراء- بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء تأنيث الأصفر-: قرية فوق ينبع كثيرة النخل والمزارع. الحول: السنة. أشفق: حذر وخاف. الذراريّ- بالذال المعجمة- جمع ذرّيّة- بضم الذال وبكسرها وبفتحها مع تخفيف الرّاء. جنّبوا الخيل- بفتح الجيم والنون المخففة وبالموحدة- أي قادوها. الغارة الاسم من الإغارة، وهي وقع الخيل. الظّعن- بفتح الظاء المعجمة وبالعين المهملة-: الارتحال. المناجزة في الحرب: المبارزة. شرح غريب ذكر طلب المسلمين قتلاهم رضي الله عنهم والأمر بدفنهم شرعى إليه: أنفذت فيه. كيف تجدك، أي كيف تجد نفسك. الرّمق- بفتحتين-: بقيّة الرّوح. يخلص إليه- بضم أوله وفتح ثالثه- مبني للمجهول. عين تطرف: تطبق إحدى جفنيها على الآخر، والمراد وفيكم حياة. لم يبرح: لم يزل عن مكانه. يرشفها، بالفاء: يمصّ ريقها. بقر بطنة- بالبناء للمفعول- أي شقّ. فاء- بالمد-: رجع. الجثّة- بضم الجيم وفتح الثاء المثلثة المشددة- للإنسان شخصه إذا كان قاعدا أو نائما، فإن كان منتصبا فهو طلل.

شهق: ردّد نفسه. فعول للخيرات: مكثر لفعلها. يرشفها: بالفاء: يمصّ ريقها. السّبّة- بضم السين المهملة وفتح الموحدة المشددة-: العار. عاقبتم: جازيتم. لنربينّ عليهم- بنون فراء فموحدة فتحتية فنون تأكيد- أي لنزيدنّ. المرأة المرأة، بالنصب بفعل محذوف. توسّمت: تفرّست. لكمه: ضربه بكفّه. جلدة- بفتح الجيم وسكون اللام وفتح الدال- أي قويّة صلبة. العواثر: جمع عاثر، وهو حباله الصّائد. أو جمع عاثرة وهي الحادثة التي تعثر بصاحبها، من قولهم: عثر بهم الزمان إذا أخنى عليهم. أكبّه الله: ألقاه لوجهه. النّمرة- بفتح النون وكسر الميم-: كساء فيه خطوط بيض وسود تلبسه الأعراب. الحرمل- بحاء مفتوحة- من نبات البادية له حبّ أسود، وقيل: حبّ كالسّمسم. الإذخر- بكسر الهمزة-: حشيشة طيّبة الرائحة تسقف بها البيوت. ظهراني القوم: وسطهم، زيدت الألف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد والمبالغة، وكان معنى التثنية أن ظهرا منهم قدام، وآخر وراءه فهو مكتوف من جانبيه. هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا وإن لم يكن مكتوفا. الناضح- بنون وضاد معجمة فحاء مهملة-: البعير الذي يستقى عليه الماء، تم استعمل في كل بعير. النّظّارة- بتشديد الظاء المعجمة المشالة-: الذين ينظرون إلى العسكر. الحلّة- بضم الحاء المهملة وفتح اللام المشددة- لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد. اللّمّة- بالكسر-: الشّعر يلمّ بالمنكب، أي يقرب، والجمع لمام. أينعت ثمرته- بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون بعدها عين مهملة-: أدركت ونضجت. يهدبها- بفتح التحتية وسكون الهاء وضم الدال المهملة وكسرها، بعدها موحدة- أي يجتنيها ويقطفها.

شرح غريب ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم بعد الوقعة ورحيله

شرح غريب ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم بعد الوقعة ورحيله جرحى جمع جريح. لا يحول: لا يتحوّل. العيلة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية-: الفقر. الخزايا: المذلّون المهانون. احتسبي: ادّخري أجرك عند الله تعالى. هنيئا له. يقال: هنأ الشيء- بالضم مع الهمزة- هناءة بالفتح والمد: تيسّر بلا مشقّة. وا عقراه، أي أصابه بها ما يعقرها. ولولت: قالت: يا ويلها. راعني: أفزعني. الشّغفة- بفتح الشين والغين المعجمتين والفاء-: المحبة. ذرفت العين ذروفا من باب ضرب: دمعت. البواكي: جمع باكية. جلل- بفتح الجيم واللام-: قليل صغير. نعوا لها- بضم النون والعين مبني للمفعول- أخبرت بقتلهم. أشوت المصيبة، أي لم تبلغ المقتل. لا أبالي: لا أهتمّ ولا أكترث. عطب- بكسر الطاء-: هلك. عنان الفرس- بكسر العين-: مقوده. فاشية: ظاهرة كثيرة. أغزر ما كان: أكثر. يقرّ في داره: يقيم فيها. عزيمة منّي: أمر أوجبته. ذو الفقار- بفتح الفاء- اسم سيف النبي صلى الله عليه وسلم. هبّ- بفتح الهاء والموحدة المشددة-: استيقظ. ويح: كلمة ترحّم وتوجّع، تقال لمن وقع في هلكة. فرقا- بفتح الفاء والراء-: خوفا.

شرح غريب ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة وإرادة ابن أبي الخطبة

شرح غريب ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة وإرادة ابن أبيّ الخطبة صنع الله لرسوله: هيأ ولطف. تعوّذا من السيف: خوفا منه. بان لنا أمرهم: ظهر. الأضغان- بالضاد والغين المعجمتين- جمع ضغن بفتحتين، وهو الحقد. النّكبة- بالفتح- المصيبة. عزّروه: عظّموه. البجر- بموحدة مضمومة فجيم ساكنة فراء-: الأمر العظيم والداهية أيضا وروي أيضا هجرا، وهو الكلام القبيح. اشدّ أمره: أصوّبه وأقوّمه. عنّفه- بالفاء-: لم يرفق به. شرح غريب قصيدة حسان رضي الله عنه كنانة- بكسر الكاف- اسم قبيلة. الحياض جمع حوض. الضاحية- بالضاد المعجمة-: البارز للشّمس. الطّواغي جمع طاغية وهي المتكبّر المتمرّد، وأراد بأهل القليب هنا من قتل ببدر من المشركين. ألقيته: رميته. النّاصية: قصاص الشّعر. كنّا مواليها، يعني أهل النّعمة عليها. شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه غسّان- بغين معجمة مفتوحة فسين مهملة مشددة- ذكرهم لأنهم بنو عمّ الأنصار، والأنصار بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، والذين نزلوا الشام بنو جفنة- بفتح الجيم- ابن عمرو بن عامر، والكلّ غسان، لأن غسان ما شربوا منه حين ارتحالهم فسموا به. خرق (بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وآخره قاف) . متنعنع- بميم مضمومة فمثناة فوقية فنون فعينين مهملتين بينهما نون أخرى ويروى

بثلاث تاءات فوقيات- فمن رواه بالنون فمعناه المضطرب، ومن رواه بالتاءات فهو المتردد، يقال: تتعتع في كلامه، إذا تردد فيه. صحار: جمع صحراء وهي البرّيّة. الأعلام: الجبال المرتفعة. القتام هنا: ما مال لونه إلى السّواد. النّقع: الغبار. الهامد: المتلبّد الساكن. تظلّ: تصير. البزل- بضم الموحدة وسكون الزاي-: الإبل القوية، واحدها بازل. العراميس- بعين مهملة مفتوحة فراء فألف فميم فتحتية فسين مهملة وزان جواميس-: الناقة القوية على السّير. الرّزّخ- براء مضمومة فزاي مفتوحة مشددة فحاء مهملة- أي المعيبة. يمرع- بتحتية فراء مهملة- أي يخصب ويكثر فيه النبات. الحسرى- بفتح الحاء وسكون السين المهملتين فراء فألف تأنيث- وهي هنا المعيبة. الصّليب- وزن كريم-: الودك. الموضّع- بميم مضمومة فواو فضاد معجمة مشددة مفتوحتين فعين مهملة- أي المبسوط المنفرش. العين- بعين مهملة مكسورة فتحتية ساكنة فنون-: بقر الوحش. الأرأم- بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الهمزة الثانية وبالميم-: الظّباء البيض البطون، السّمر الظّهور. خلفة- بخاء معجمة مكسورة فلام ساكنة ففاء- أي يمشين قطعة خلف قطعة. القيض- بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فضاد معجمة-: قشر البيض الأعلى. يتقلّع- بتحتية ففوقية فقاف فلام فعين مهملة-: يتشقّق. فخمة- بفاء مفتوحة معجمة- يعني كتيبة عظيمة. مدرّبه، يروى بدال مهملة من الدّربة يعني أنهم دربوا للقتال، ويروى بالذال المعجمة، يعني محدّدة، والذّرب: الحادّ.

القوانس- بقاف فواو مفتوحتين فألف فنون مكسورة فسين مهملة- جمع قونس وهي بيضة السّلاح. وقال أبو ذر: رؤوس بيض السّلاح. تلمع: تضيء. كلّ صموت، يعني درعا أحكم نسجها، وتقارب حلقها، فلا تسمع لها صوت. الصّوان بكسر الصاد المهملة-: كل ما يصان فيه من الدروع والثياب وغيرها. النّهي- بنون مكسورة وتفتح فهاء فتحتية-: كل موضع يجتمع فيه الماء، وجمعه أنهاء ونهاء. وقال السّهيليّ: سمّي لأن ماءه قد منع من الجريان بارتفاع الأرض فغادر السّيل فسمّي غديرا، ونهته الأرض فسمّي نهيا. المترع- بميم مضمومة فمثناة فوقية ساكنة فراء مفتوحة فعين مهملة-: المملوء. الأنباء: الأخبار. فأقشعوا- بقاف فشين معجمة فعين مهملة فواو-: فرّوا وزالوا. يزجي- بتحتية مضمومة فزاي ساكنة فجيم مكسورة-: يسوق. تورّعوا- يروى براء بعد الواو أي ذلّوا، ويروى بالزّاي- يعني تقسّموا. يهابوا: يحذروا. ويفظع- بفاء فظاء معجمة فعين-: الشيء الفظيع وهو الهائل المنظر. وابتنوا: ضربوا أبنيتهم، وهي القباب والأخبية. العرض- بكسر العين المهملة-: موضع خارج المدينة. سراة القوم- بفتح السين المهملة والراء-: أخبارهم. نتطلّع- بنون ففوقية فطاء- روي إهمالها، أي لا ننظر إليه إجلالا وهيبة له، ويروى بالظاء المعجمة المشالة، أي لا نتكاسل عن أمره ولا نتوانى فيه، ويروى بالضاد المعجمة الساقطة، أي لا نميل عنه. تدلّى عليه: نزل. الروح هنا جبريل صلى الله عليه وسلم. ينزل (بضم أوله وفتح ثانيه وثالثه وتشديده) . الجوّ: ما بين السماء والأرض. يرفع (بضم أوله) .

قصرنا- بقاف مفتوحة فصاد مهملة فراء- أي غايتنا. يشري الحياة: يبيعها. جهرة: معاينة. الرّحال- بكسر الراء وبالحاء المهملة- جمع رحل وهو المنزل. ضحيّا- بضم الضاد المعجمة وكسر الحاء المهملة وتشديد التحتية- تصغير الضّحى. وهو أول النهار. البيض: السيوف- جمع بيضة وهي السلاح. لا تتخشّع: لا تخضع ولا تذلّ. بملمومة: أي كتيبة مجتمعة. السّنوّر- بسين مهملة مشددة فنون فواو مشددة مفتوحات فراء-: السّلاح. القنا: الرّماح. أقدامها: جمع قدم. لا تورّع- بمثناة فوقية فواو فراء مهملة وروي إعجامها مشددة مفتوحات فعين مهملة- فعل الإهمال معناه لا تكف، وعلى الإعجام معناه لا تفترق. الحاسر- بحاء وسين مهملتين- وهو هنا الذي لا درع عليه. المقنّع الذي على رأسه المغفر. النصية- بنون مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة مشددة-: الخيار من القوم. نعاورهم، يقال: تعاور القوم إذا تناوبوا. نشارعهم: نشاربهم. نشرع: نشرب. تهادى- بفتح الفوقية والدال المهملة-: تمايل بين رجلين معتمدا عليهما، من ضعفه وتمايله. النّبع- بنون مفتوحة فموحدة-: شجر تصنع منه القسيّ. اليثربيّ: الأوتار تنسب إلى يثرب. المقطّع- بضم الميم وفتح القاف وتشديد الطاء المهملة-: المقطوع.

منجوفة- بميم مفتوحة فنون ساكنة فجيم فواو ففاء- أي مقشورة منحوتة. حرميّة: منسوبة إلى أهل الحرم، يقال: رجل حرميّ، إذا كان من أهل الحرم. صاعدية: منسوبة إلى صانع اسمه صاعد. تصوب: تقع. الأعراض: الجوانب. البصار- بكسر الموحدة-: حجارة تشبه الكدان. تقعقع، بحذف التاء، أي تصوّت. الفضاء- بالفاء- أي متّسع من الأرض. الصّبا- بفتح الصاد المهملة- الرّيح الشرقية. القرّة- بفتح القاف والراء المشددة-: البرد. يتريّع- بتحتية ففوقية فراء فتحتية مشددة مفتوحات فعين مهملة- أي يجيء ويذهب. الرّحى: معظم موضع القتال فيها. حمّه الله- بفتح الحاء المهملة والميم المشددة-: قدّره. سراتهم- بفتح السين المهملة- خيارهم. القاع: المنخفض من الأرض. خشب- بضم الخاء وسكون الشين المعجمتين-: جمع خشبة. لدن: ظرف مكان بمعنى عند. غدوة: ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. الذّكا- بالذل المعجمة المفتوحة-: الالتهاب في الحرب. تلفّع- بتشديد الفاء- أي يشتمل حرّها على من دنا منها. موجفين- بفتح الجيم وكسر الفاء- أي مسرعين. الجهام- بفتح الجيم والهاء-: السحاب الرقيق الذي ليس فيه ماء. هراقت: أراقت، أي صبّت. مقلع (بضم الميم) . بيشة- بموحدة مكسورة فتحتية فشين معجمة-: واد من أودية تهامة تنسب إليه الأسود.

الذّمار- بذال معجمة مكسورة-: ما يجب على الرجل أن يحميه. جلاد- بكسر الجيم- وهو هنا جمع جليد وهو الصّبور. ريب الحوادث: صروفها. لا نعيا بشيء نقوله: لا نقول خلاف البيان. بفحّش (بضم الفاء وفتح الحاء المهملة المشددة) . أظفار الحرب: [أي ويلاتها] . الشّهاب: القطعة من النار. فخرت عليّ (بتشديد الياء) . ابن الزّبعرى (بفتح نون ابن وكسر الزاى) . يسفع- بتحتية مفتوحة فسين ساكنة فعين مهملتين-: يحرق ويغيّر يقال: سفعته النار إذا غيّرت لونه. متبع (بضم الميم وسكون الفوقية المخففة وكسر الموحدة) . سل عنك: سل عن نفسك. عليا معدّ: أشرافها، ومعدّ: اسم قبيلة. أشنع: أقبح. خدّه- بفتح الخاء المعجمة- المراد هنا شخصه. أضرع- بضاد معجمة فراء فعين مهملة-: ذليل. يقال: أضرعته الحاجة، إذا أذلّته. حول الله: قوته وعونه. شرّع- بضم الشين المعجمة وفتح الراء المشددة-: مائلة المطعن، يقال: أشرعت الرمح قبله، إذا أملته إليه. نكرّ (بفتح النون وضم الكاف والراء المشددة) . الفروغ- بفاء فراء مضمومة فواو ساكنة فعين معجمة- هي هنا الطعن المتّسع. العزالي- بفتح اللام وكسرها- جمع عزلاء وهو فم المزادة أو السّقاء. يتهزّع- بتحتية ففوقية فهاء فزاي، ويروى بالراء، مفتوحات فعين مهملة. فبالزاء معناه يتقطع، وبالراء معناه يتفرّغ ويسرع سيلانه. الجذم- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة-: الأصل.

شرح غريب قصيدته اللامية رضي الله عنه

شرح غريب قصيدته اللامية رضي الله عنه الألباب: العقول واحدها لبّ. سراة القوم- بفتح أوله وثانية- خيارهم. القيل- بكسر القاف- والقول واحد، وقيل، القول المصدر، والقيل الاسم. لقاح الحرب: زيادتها ونموها. أصدى اللون بالهمزة وخفّفه هنا، والأصدأ: الذي لونه بين السواد والحمرة. مشغول- بميم فشين معجمة، فعين روي إعجامها وإهمالها، فالأول معلوم، والثاني معناه متّقد متلهّب. يراح- بمثناة تحتية مضمومة وبالراء والحاء المهملتين-: يفرح ويهتزّ. عرج: جمع أعرج. الضّباع: جمع ضبع: حيوان معروف يوصف بالعرج وليس به عرج. خذم- بخاء معجمة روي فتحها وضمها فذال معجمة- فعلى الفتح هو مصدر بمعنى القطع، وعلى الضم معناه قطع اللّحم. رعابيل- بفتح الراء والعين المهملة وكسر الموحدة-: متقطّعة. نمريها: نستدرّها. ننتجها من النّتاج. الأضغان: العداوات، واحدها ضغن. التّنكيل: الزّجر المؤلم. التّراقي: عظام الصّدر. ببطن السّيل، أي الوادي. كافحكم: واجهكم. شاكلة البطحاء: طرفها. والبطحاء: الأرض السهلة. التّرعيل- بمثناة فوقية فراء فعين مهملة فتحتية فلام-: الضّرب السّريع. العصب- بضم العين وفتح الصاد المهملتين- جمع عصبة، وهي من الناس، قال ابن فارس: نحو العشرة. وقال أبو زيد: العشرة إلى الأربعين. الهيجا: الحرب.

السّرابيل- بفتح السين- جمع سربال بكسرها: الدّرع هنا. الجذم (بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة) [تقدم شرحه] . غسّان: تقدم بيانه. الحمائل هنا حمائل السيوف. جبناء- بضم الجيم وفتح الموحدة وبالنون والمدّ جمع جبان، وهو الضعيف القلب. الميل- بكسر الميم وسكون التحتية- جمع أميل، وهو الذي لا ترس له، وقيل: الكسل الذي لا يحسن الركوب والفروسية. المعازيل- بميم مفتوحة فعين مهملة فزاي مكسورة فتحتية- وهم الذين لا رماح معهم. عمايات القتال-: ظلماته، وتروى غيابات، بغين معجمة وتكرير التحتية، أي سحابات. المصاعبة- بفتح الميم وفتح الصاد وكسر العين المهملتين وفتح الموحدة- جمع مصعب، وهو الفحل من الإبل. الأدم من الإبل: البيض. المراسيل: التي يمشي بعضها في إثر بعض. الطّلّ- بفتح الطاء المهملة وتشديد اللام-: المطر الضعيف هنا. ألثقها- بثاء مثلثة فقاف- أي بلّها. الرّذاذ- براء فذال فألف فذال معجمتين- وهو المطر الضعيف. الجوزاء: اسم لنجم معروف. مشمول- بالشّين المعجمة- اسم مفعول أي، هبّت فيه ريح الشّمال. السابغة- بسين مهملة وموحدة وغين معجمة-: الدّرع الكاملة هنا. النّهي- بنون مكسورة فهاء ساكنة فتحتية-: الغدير من الماء. قيامها: ملاك أمرها ومعظمها. فلج- بفتح الفاء واللام وبالجيم-: نهر. البهلول- بضم الموحدة-: الأبيض. قران النّبل- بكسر القاف جمع قرن بفتح القاف والراء-: الجعبة. خاسئة: ذليلة.

شرح غريب قصيدة حسان اللامية رضي الله عنه

مفلول- بالفاء-: مثلوم. قذفتم- رميتم. سلع- بفتح السين المهملة وسكون اللام- اسم جبل متصل بالمدينة. تأجيل: أجل. وتر منكم: قتل. تعفو: تدرس وتتغير. السّلام- بكسر السين المهملة-: الحجارة. مطلول- بالطاء المهملة- أي لم يؤخذ بثأره. موبق- بالموحدة بعد الواو-: مهلك. القنص- بالقاف والنون والصاد المهملة-: الصّيد. شطر المدينة- بالمعجمة والمهملة: - نحوها وقصدها. العزل- بضم العين المهملة وسكون الزاي-: الذين لا رماح لهم. شرح غريب قصيدة حسّان اللاميّة رضي الله عنه يجيب ابن الزّبعرى- بكسر الزاي وبفتح الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الراء وآخره ألف تأنيث- وأسلم بعد ذلك. العلل- بفتح العين المهملة واللام الأولى- الشّرب ثانيا. النّهل- بفتحتين-: الشّرب الأوّل حتى يروى. الأصبح: كذا في النسخ التي وقفت عليها من السّيرة، بصاد مهملة فموحدة فحاء مهملة. وفي نسخة أبي ذرّ «الأضياح» ، بضاد معجمة فتحتية: قال في الروض: يريد الضّيح وهو اللبن الممزوج بالماء وهو في معنى الأصبح، لأن الصّبحة بياض غير صالح فجعله وصفا للبّن الممزوج المخرج من بطونهم. الأستاه- بهمزة مفتوحة فسين مهملة ساكنة ففوقية فألف فهاء- جمع است وهو الدّبر. النّيب- بنون مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة- جمع ناب، وهي النّاقة المسنّة. العصل- بفتح العين والصاد المهملتين- نبات تأكله الإبل فتسلح إذا أكلته فيخرج منها أحمر. أشباه الرّسل- بكسر الراء وفتح السين المهملة- قال أبو ذر: الإبل الرّسل: التي بعضها في إثر بعض. وقال بعض اللغويين: الرّسل: الجماعة من كل شيء. وقال السّهيلي: الرّسل: الغنم إذا أرسلها الرّاعي، يقال لها حينئذ الرّسل.

فأجأناكم: ألجأناكم ومنه قوله تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ [مريم 23] أي ألجأها وفي رواية فأجأناهم. سفح الجبل: جانبه المقارب لأصله. الخناطيل- بخاء معجمة مفتوحة فنون فألف فطاء مهملة فتحتية فلام-: الجماعات. الأمذاق- بالذال المعجمة-: الأخلاط من الناس هنا، ومن رواه الأشداق- بالشين المعجمة- فهي الأشخاص، ومن رواه كجنّان يعني به الجنّ. الملا- بالقصر- المتّسع من الأرض. يهل: قال أبو ذر: أي يرتاع، من الهول وهو الفزع. وقال السهيلي: أراد فيهال ثم جزم للشّرط فانحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وهو من الهول، يقال: هالني الأمر يهولني هولا إذا أفزعك. نجزعه- بنون فجيم فزاي فعين مهملة فهاء ضمير الغائب: أي نقطعه، وفي رواية: نفرعه- بنون فراء. الفرط- بفتح الفاء وسكون الراء وبالطاء المهملة- وهو هنا: ما علا من الأرض. قاله أبو ذرّ. وفي الروض: الفرط- بتحريك الراء- وهي الأكمة وما ارتفع من الأرض. الرّجل- بكسر الراء المشددة وفتح الجيم هنا- جمع رجلة وهو المطمئن من الأرض. أيّدوا جبريل أراد أيّدوا بجبريل فحذف حرف الجرّ وعدّى الفعل. الجحجاح- بجيمين بينهما حاء مهملة- وهو السّيّد وجمعه جحاجحة وجحاجح. رفلّ- براء مكسورة ففاء مفتوحة- وهو الذي يجرّ ثوبه خيلاء. التّنابيل- بالفوقية والنون المفتوحين وبعد الألف موحدة فتحتية-: القصار، ومن رواه القنابيل- بالقاف بدل الفوقية- فهو جمع قنبلة وهي القطعة من الخيل. الهبل- يروى بضم الهاء والموحدة- أي الذين ثقلوا لكثرة اللحم عليهم، ومنه يقال: رجل مهبّل، إذا كثر لحمه. ويروى بفتحهما، وبضم الهاء وفتح الموحدة. الهمل- بفتح الهاء والميم-: الإبل المهملة، وهي الإبل التي ترسل في المرعى بلا راع. ولد- بضم الواو وسكون اللام- جمع ولد، كما يقال: أسد وأسد. ولد استها: كلمة تقولها العرب عند السّبّ، تقول: يا ابن استها.

شرح غريب قصيدة حسان الحائية رضي الله عنه

شرح غريب قصيدة حسّان الحائية رضي الله عنه الشّجو- بفتح الشين المعجمة-: الحزن. الحاملات الوقر- بكسر الواو-: الحاملات الحمل من الماء. الملحّات: الثابتات التي لا تبرح. يقال: لحّ الجمل. الدّوالح جمع دالحة: المثقلة. وقال أبو ذر: التي تحمل الثّقل. المعولات- بضم الميم وسكون العين المهملة-: الباكيات بصوت. الخامشات: الخادشات. الأنصاب: حجارة كانوا يذبحون لها ويطلونها بالدماء. بادية: ظاهرة. المسايح- بسين وتحتية وحاء مهملة- جمع مسيحة، وهي ما لم يمشّط من الشّعر يدهن ولا غيره. وقال أبو ذرّ: ذوائب الشعر. شمس- بشين معجمة مضمومة فميم ساكنة فسين مهملة- جمع شموس، أي نوافر. روامح، أي ترمح بأرجلها، أي تدفع عنها. مجزور: مذبوح. يذعذع- بذالين معجمتين وعين مهملة- أي يفرّق. البوارح: الرياح الشديدة. مسلّبات- بفتح اللام وكسرها وتشديدها- أي اللائي لبسن ثياب الحزن، وروي بتخفيف اللّام، والمعنى كذلك. الكوادح هنا نوائب الدهر. مجل- بالميم والجيم. قال في الإملاء: أي جرح فيه ماء. وقال السّهيلي: كالجرح: يقال: مجلت يدي من العمل. جلب- بجيم مضمومة فلام مفتوحة جمع جلبة، وهي قشرة الجرح التي تكون عند البرء. قوارح- بالقاف-: موجعة. أقصد: أصاب. الحدثان: حادث الدهر.

نشايح- بنون مضمومة فشين معجمة فألف فتحتية فحاء مهملة- أي نحذّر. غالهم- بغين معجمة-: أهلكهم. ألمّ- بتشديد الميم- نزل. المسالح- بسين وحاء مهملتين-: القوم الذين يقدمون طليعة للجيش واشتقاقه من لفظ السّلاح. صرّ- بصاد مهملة فراء مشددة- فعل ماض مبني للمفعول. اللقائح جمع لقحة، وهي الناقة التي لها لبن، والمعنى ما ربطت أخلافها ليجتمع فيها اللبن، وخوفا على الفصيل أن يرضعها. المناخ- المنزل. تلامح: تنظر بعينها نظرا سريعا ثم تغمضها. ينوب: ينزل. اللاقح من الحروب: التي ترايد شرّها. المدره- بميم مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء فهاء-: المدافع عن القوم بلسانه ويده المصامح، بميم فصاد مهملة فألف فميم ويروى بالفاء بدلها، فحاء مهملة، فعلى الأول معناه المدافع الشديد، وعلى الثاني معناه الرادّ للشيء. تقول: صفحته عن حاجته، أي رددته عنها. عنّا (بعين مهملة فنون مشددة) . الفادح- بفاء ودال فحاء مهملتين-: الأمر العظيم. الشريفون جمع شريف. الجحاجح: تقدم الكلام عليه. القماقم- بقافين-: السادة. سبط اليدين، يعني جوادا، ويقال في البخيل جعد اليدين. أغرّ- بغين معجمة فراء-: أبيض. واضح: مضيء مشرق. الطائش: الخفيف الذي ليس له وقار. رعش- بفتح الراء-: جبان.

الآنح- بكسر النون وبالحاء المهملة-: البعير الذي إذا حمل الشيء الثّقيل أخرج من صدره صوت المعتصر. السّيب- بفتح السين المهملة-: العطاء. المنادح- بفتح الميم وكسر الدال وبالحاء المهملتين-: الاتّساع. وقال السّهيلي: يجوز أن يكون جمع مندوحة وهي السعة، وقياسه مناديح بالياء وحذفها ضرورة، ويجوز أن يكون من النّدح فيكون مفاعلا بضم الميم، أي مكاثرا، ويكون بفتح الميم فيكون جمع مندوحة وهي السعة مفعلة من الكثرة والسعة. انتهى. ويروى: المنائح، وهي العطايا. أودى- بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الدال المهملة-: هلك. الحفائظ جمع حفيظة، وهي الغضب. المراجح: الذين يزيدون على غيرهم في الحلم. المشاتي: جمع مشتاة- بفتح الميم- بمعنى المشتى. ما يصفّقهنّ- بصاد مهملة ففاء مشددة مكسورة فقاف فهاء فنون مشددة- أي ما يحلبهنّ مرّة واحدة في اليوم، ويروى بضاد معجمة بدل المهملة أي ما يحلبهن بجميع الكف. وأراد ما يصفّق فيهن، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل. وحكى الفرّاء أن العرب تقول: أقمت ثلاثا لا أذوقهنّ طعاما، أراد لا أذوق فيهنّ. الناضح هنا: الذي يشرب دون الرّيّ. الجلاد- بكسر الجيم هنا- الإبل القوية. الشّطب- بضم الشين المعجمة وفتح الطاء المهملة-: الطّرائق في السيف. الضّغن- بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين-: العداوة. المكاشح: المعادي. لهفي: حزني. الشّبّان (بضم المعجمة وتشديد الموحدة) . الشّمّ: جمع الأشمّ، وهو الأعزّ. البطارقة- بكسر الموحدة-: الرؤساء. الغطارفة: السادة. الخضارمة جمع خضرم: الذين يكثرون العطاء.

المسامح: الأجواد. الجامزون- بالجيم والزاي- أي الواثبون. يقال: جمز. إذا وثب. اللّجم- بالجيم- جمع لجام. ما إن تزال: بزيادة «إن» . الرّكاب هنا: الإبل. يرسمن من الرّسيم، وهو ضرب من السّير. غبر «بضم الغين المعجمة وسكون الموحدة» . الصّحاصح جمع صحصح: الأرض المستوية. البواقر، يروى بالموحّدة قبل الواو، أي الداوهي، وبالنون بدلها، أي غوائل الدهر التي تنقر عن الإنسان، أي تبحث عنه. راحت: سارت. تبارى: أي تتبارى، حذفت تاؤه الأولى، أي تتعارض. رواشح: ترشح بالعرق. تؤوب: ترجع. الفوز- بفاء فواو فزاي- النجاة والظّفر بالخير، والهلاك، ضدّ يقال: فاز: مات، وبه ظفر، ومنه: نجا. السّفائح جمع سفيح وهو من قداح الميسر. وقال السّهيليّ: السفائح جمع سفيحة وهي كالجوالق ونحوه. شذّبه- بفتح الشين والذال المشددة المعجمتين- أي أزال أغصانه. الكوافح: الذين يتناولونه بالقطع. المكوّر- بالواو والراء-: الذي بعضه فوق بعض. الصّفائح: الحجارة العريضة. الجندل: الحجارة. الضّرح: الشّقّ، وأراد شقّ القبر، ومنه سمّي القبر ضريحا. المماسح: ما يمسح به التراب. البرح: الأمر الشّاقّ.

شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه

الجانح: المائل إلى جهة. النّوافح- بنون وفاء وحاء مهملة-: الذين كانوا ينفحون بالمعروف ويسمعون به. المائح-: الذي ينزل في البئر فيملأ الدّلو إذا كان ماؤها قليلا. والماتح- بالفوقية-: الذي يجذب الدلو إليه، ضربها مثلا للقاصدين له الذين ينتجعون معروفه. شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه السّفح: جانب الجبل ممّا يلي أصله. النّمر بفتح النون وكسر الميم، ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم، والجمع نمور وأنمار، وهو ضرب من السباع. ما إن- بكسر الهمزة وسكون النون- «ما» نافية و «إن» زائدة. الإلّ- بكسر الهمزة وتشديد اللام-: العهد هنا. حامي الذّمار- بكسر الذال المعجمة- أي حامي ما تجب حمايته، سمّي ذمارا لأنه يجب على أهله التّذمّر له. الجد (بفتح الجيم) . الحسب- بفتحتين-: ما يعدّ من المآثر. ثمّ- بضم الثاء- حرف عطف، ويجوز فتح الثّاء، أي هناك. التّبب والتّباب: الخسران. النّجد هنا الشّجاع. معتزم- بالزاي- والاعتزام: لزوم القصد في المشي. الرّجف- بالراء والجيم والفاء-: التحرك. الرّعب: الفزع، يقال: رعب، بضمّ الرّاء والعين، وبضم الراء وسكون العين. يذمرنا: يحضّنا. لم يطبع- بالبناء للمفعول-: لم يخلق. بدا لنا: ظهر وتبيّن. جالوا: تحركوا. فاءوا: رجعوا.

شرح غريب قصيدة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

نثفنهم: يأتي الكلام عليه في شرح قصيدة كعب الدالية. لم نأل: لم نقصّر. شتّى: متفرّقون. شرح غريب قصيدة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه العويل: البكاء مع الصوت. أبو يعلى كنية حمزة رضي الله عنه. الماجد: الشريف. البرّ- بفتح الموحدة-: الصادق، أو التّقيّ. الوصول (بفتح الواو والصاد المهملة) . مصطبر: أصله مصتبر فقلبت التاء طاء. لؤيّ- بضم اللام- تقّدم في النسب النبوي. دائلة تدول، أي دولة في الحرب بعد دولة. الغليل- بالغين المعجمة-: حرارة العطش والحزن. القليب: تقدّم في بدر. الصّريع (بصاد وعين مهملتين) . حائمة- بحاء مهملة فتحتية-: مستديرة، يقال: حام الطائر حول الماء، إذا استدار حوله. تجول- بالجيم-: تجيء وتذهب. خرّا- بفتح الخاء المعجمة والراء المشدّدة وضمير تثنية-: سقطا. متركنا: تركنا. مجلعبّا- بميم مضمومة فجيم ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة مكسورة فموحدة مشددة- أي ممتدّا مع الأرض. الحيزوم- بحاء مهملة مفتوحة فياء تحتية ساكنة فزاي فواو فميم-: أسفل الصدر. اللّدن- بلامين ودال مهملة-: الرّمح اللّيّن. نبيل: عظيم.

شرح غريب قصيدة حسان رضي الله عنه

الهام جمع هامة، وهي من الشخص رأسه. فلول: ثلوم. الواله: الفاقد العقل من الحزن. العبرى: الكثيرة الدّمعة. الهبول- بفتح الهاء-: الفاقد العقل من الحزن أيضا. شرح غريب قصيدة حسان رضي الله عنه عفا- بفتح العين المهملة والفاء-: درس. الرّسم- بفتح الراء وسكون السين المهملة-: الأثر، وهو هنا منصوب، مفعول عفا، والفاعل قوله: صوب- بفتح الصاد المهملة وإسكان الواو وبالموحدة-: المطر. المسبل- بضم الميم وإسكان السين المهملة وكسر الموحدة وآخره لام-: المطر السائل. الهاطل- بطاء مهملة-: الكثير السّيلان. السّراديح- بسين مهملة مفتوحة فراء فألف فدال مهملة فتحتية فحاء مهملة-: جمع سرادح، وهو الوادي، وقيل: المكان المتسع. أدمانة: اسم موضع. المدفع حيث يندفع السّيل. الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة: قرية جامعة، على ليلتين من المدينة. حائل- بحاء مهملة-: اسم جبل. استعجمت: لم تردّ جوابا. مرجوعة السائل، أي رجوع الجواب. النائل- بنون وتحتية بعد الألف-: العطاء. المالئ- بهمزة في آخره- اسم فاعل. الشّيزى- بشين معجمة مكسورة فتحتية ساكنة فزاي فألف مقصورة-: جفان من خشب وقيل: القطعة من خشب الجوز. أعصفت: اشتدّ هبوبها.

الغبراء- بفتح الغين المعجمة وإسكان الموحدة-: الرّيح التي تثير الغبار. الشّبم- بشين معجمة فموحدة مفتوحتين فميم-: البرد، وبكسر الموحدة- البارد. الماحل- بحاء مهملة مكسورة- من المحل، وهو القحط. القرن- بكسر القاف وإسكان الراء وبالنون- الكفء في الشجاعة، وفتحها ظاهر، ويجوز كسرها. اللبد- بلامين- وهو هنا لبد السّرج، ويروى لبدة، بزيادة تاء، وهو الغبار الملبّد. ذو الخرص (بخاء معجمة مضمومة، فراء ساكنة وتضم، فصاد مهملة) . قال في الصحاح: ما على الجبّة من السّنان، وربما سمّي الرّمح بذلك، والجبّة بضم الجيم والموحدة: ما دخل فيه الرمح من السّنان. وقال في العيون: الخرص: الرمح القصير، والجمع خرصان. وقال السّهيلي: الخرص: سنان الرمح. الذابل- بذال معجمة فألف فموحّدة فلام-: الرقيق الشديد، من قولهم: ذبل الفرس إذا ضمر. اللّابس الخيل (بكسر اللام وفتحها) . أجحمت: يروى بجيم فحاء مهملة، وبتقديم المهملة على الجيم، والمعنى فيها: تأخّرت وهابت. وبعضهم يقول بتقديم الجيم معناه: تأخرت وهابت، وبتقديم الحاء إذا تقدمت. قال أبو ذر: والأول هو المشهور ومدلولهما واحد. الليث- بلامين وتحتية وثاء مثلثة-: الأسد. الغابة: موضعه، وهو الشجر الملتف. الباسل: الكريه الشديد. الذّروة- بكسر الذال المعجمة وضمّها-: الأعلى. لم يمر- بفتح التحتية وسكون الميم وكسر الراء- مراه: جحده، كذا في الصحاح والعيون. وقال في الإملاء: من المراء وهو الجدال. شلّت (بشين معجمة فلام مشددة فتاء تأنيث) . وحشيّ (بترك التّنوين للضّرورة) . غادر: ترك. ألّة- (بفتح الهمزة واللام المشددة) . قال الخشنيّ: حربة لها سنان طويل. وقال في الصحاح: الحربة في نصلها عرض، والجمع الألّ بالفتح، وإلال مثل جفنة وجفان.

المطرورة. قال الخشنيّ: المحدّدة، وفي العيون: سنان طرير: ذو هيئة حسنة. مارنة: ليّنة. العامل- بالعين المهملة والميم المكسورة وباللام-: أعلى الرّمح. الفقدان: الفقد. النّاصل- بالنون والصاد المهملة المكسورة-: الخارج، وهو هنا الخارج من السحاب. يقال: نصل القمر من السّحاب، إذا خرج عنه. صلى عليه الله، الصحيح الذي عليه الأكثرون أنّ الصلاة على غير الأنبياء من الأل والأصحاب وغيرهم تجوز بطريق التّبع. قال في الشفاء: عامّة أهل العلم متفقون على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم. مكرمة (بفتح الرّاء) . نرى- بضم النون- نظنّ ونعتقد. حرزا: حافظا. ذا، بمعنى حافظ. تدرأ، أي مدافعة يقال: دارأه، إذا دافعه. العبرة: الدّمعة. الثاكل- بالمثلثة-: الفاقد. قطّه- بقاف مفتوحة فطاء مهملة مشددة فهاء ضمير غيبة- أي قطعه. الرّهج: الغبار. الجائل- بالجيم. ذاهبا وراجعا. خرّ: سقط. المشيخة- بفتح الميم والتحتية-: اسم جمع للشيخ، وجمعها مشايخ. العاتي: المتجبّر الذي خرج عن الطاعة. أرادهم: أهلكهم. الأسرة- بضم الهمزة: القرابة. الحلق: الدّروع. الفاضل: الذي يفضل منه وينجرّ على الأرض.

شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه

شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه المسهّد- بكسر الهاء المشددة- اسم فاعل: القليل النوم، وأراد هنا الرقاد. وقال السّهيليّ: مسهّد صاحبه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو الضمير المجرور فصار الضمير مفعولا لم يسمّ فاعله فاستتر في المسهّد. وقال الخشنيّ: أراد بالرقاد رقادا مسّهدا على وجه المجاز. سلخ- بضم السين المهملة- كذا في نسخة أبي ذرّ، وفي النسخ التي وقفت عليها من السيرة. سلب- بضم المهملة وكسر اللام وفتح الموحدة- والسّلب: الأخذ. الأغيد- بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة-: النّاعم. ضمريّة: منسوبة إلى ضمرة وهي قبيلة. غوريّ: منسوبة إلى الغور، وهو المنخفض من الأرض. منجد-: منسوب إلى نجد، وهو المرتفع من الأرض. السادر- بسين فألف فدال فراء مهملات-: المتحيّر الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع. تفند- بضم الفوقية وسكون الفاء وكسر النون-: تلوم وتكذّب. والفند أيضا: الكلام الذي لا يعقل. يقال: أفند الشيخ، إذا خرف وتكلم بما لا يعقل. أنى الشيء- بفتح الهمزة والنون وآخره ألف-: حان وقته. تناهى- بحذف إحدى التّاءين- أي تتناهى. هددت- بضم الهاء وكسر الدال- مبنيّ للمفعول والتاء للمتكلم. هدّة (بفتحات والدال مشددة) . ظلّت (بفتح الظاء المعجمة المشالة وسكون التاء) . بنات الجوف- بالجيم والواو والفاء-: القلب وما اتصل به من كبده وأمعائه، وسمّاها بنات الجوف، لأن الجوف يشتمل عليها. ترعد: (بفتح الفوقية وسكون الراء وفتح العين المهملة) . حراء: اسم جبل، وتقدم الكلام عليه في شرح حديث بدء الوحي. الرّاسي: الثابت. القرم- بفتح القاف وسكون الراء-: الفحل.

ذؤابة هاشم: عاليها. النّدى- بفتح النون- مقصورا-: الجود والسّخاء. السّؤدد: من ساد قومه يسودهم سيادة وسؤددا، فهو سيّدهم وهم سادة. العاقر الكوم: بضم الكاف ويجوز نصب الميم وجرها جمع كوماء، وهي العظيمة السّنام من الإبل. الجلاد- بجيم ولام ودال مهملة ككتاب- جمع جلدة، بفتح الجيم وسكون اللام، قال في العيون: أوسم الإبل لبنا. وقال الخشنيّ: الجلاد: القويّة. وقال في القاموس: الإبل الغزيرة اللبن كالمجاليد، وما لا لبن لها ولا نتاج. انتهى. والمراد هنا ما صدّر به أولا. يجمد- بضم الميم- ضد يذوب. القرن: تقدّم في التي قبل هذه. الكميّ- بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد التحتية- هو الشّجاع المتكمّي في سلاحه لأنه كمّى نفسه، أي سترها بالدّرع والبيضة، والجمع الكماة، كأنه جمع كام مثل قاض وقضاة، وهو صفة للقرن. مجدّلا: مطروحا على الجدالة، وهي الأرض. القنا- بقاف مفتوحة فنون- جمع قناة، وهي الرّمح. يتقصّد- بفتح القاف والصاد المهملة المشددة- أي يتكسّر. يرفل- بفتح أوله وضم الفاء- وفيه لغة أخرى تأتي، يقال: رفل- بفتح الفاء- في ثيابه، إذا أطالها وجرّها متبخترا. ذو لبدة- بكسر اللام وسكون الموحدة- يعني أسدا، وهي الشّعر المترسّل من كتفيه. شثن- بشين معجمة مفتوحة فثاء ساكنة فنون- أي خشن. البراثن- بموحدة مفتوحة فراء فألف فثاء مثلثة مكسورة فنون- جمع برثن، وهو من السّباع والطير بمنزلة الأصابع من الإنسان. أربد- بالراء الموحدة والدال-: أغبر يخالطه سواد. معلما- بضم الميم وسكون العين وكسر اللام- أي مشهرا نفسه بعلامة يعرف بها في الحرب. المستشهد- بفتح الهاء- اسم مفعول.

إخال بكسر الهمزة على الأفصح، وبنو أسد يفتحونها وهو القياس، أي أظن. هند: هي بنت عتبة. لتميت: مضارع أمات. الغصّة- بغين معجمة مضمومة فصاد مهملة-: ما يختنق به. صبحنا- بتخفيف الموحدة- أي جئناهم صباحا. العقنقل- بعين مهملة فقاف فنون فلام-: الكثيب من الرمل، وتقدم في غزوة بدر، وكعب أشار إليها. سراتهم- بفتح السين المهملة وتخفيف الراء-: الأشراف والسادة، جمع سري. والسرور: السخاء مع مروءة. العطن: مبرك الإبل حول الماء. المعطّن: الذي قد عوّد أن يتخذ عطنا. عتبة بن ربيعة: والد هند، قتل كافرا ببدر. الأسود، أي ابن عبد الأسد، قتله حمزة في بدر. ابن المغيرة هو أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة. الوريد: عرق، قيل: هو الودج وقيل: بجنبه. رشاش- بفتح الراء-: ما ترشّش من الدم. أميّة، أي ابن خلف الجمحي (بضم الجيم وفتح الميم وبالحاء المهملة) . عضب- بعين مهملة فضاد معجمة ساكنة فموحّدة- السيف، وعضبه، قطعه. مهنّد بوزن محمد، وهو السّيف المصنوع من حديد الهند. الفلّ- بفتح الفاء واللام المشددة-: المنهزم. ثفنهم- بثاء مثلثة ففاء فنون- قال ابن القوطيّة: ثفن الرّجل- أي بفتح الثاء والفاء- ثفنا: طرده. وثفن الكتيبة: طردها. وقال السّهيليّ: ثفنهم: تبع آثارهم، وأصله من ثفنات البعير، وهو ما حول الخفّ منه. شتّان، قال في القاموس: شتّان بينهما وينصب، وما هما، وما بينهما، وما عمرو وأخوه، أي بعد ما بينهما، وتكسر النون مصروفة عن شتت. اهـ. ومنع الأصمعيّ شتّان ما بين زيد وعمرو. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: والصحيح الجواز، لسماعه.

شرح غريب أبيات صفية رضي الله عنها

شرح غريب أبيات صفية رضي الله عنها الأعجم: الذي لا يفصح. الصّبا: الرّيح الشرقية. المدره- بكسر الميم وسكون الدال المهملة وفتح الراء-: الذي يدفع عن القوم. يذود: يدفع ويمنع. الشّلو- بكسر الشين المعجمة وسكون اللام-: البقيّة. أضبع: جمع ضبع: حيوان معروف. تعتادني: تتعاهدني. النّعيّ- بنون مفتوحة فعين مهملة مكسورة فتحتية مشددة، وروي ضمّها، وعليه فهو الذي يأتي بخبر الميت، وروي بفتحها، وعليه فهو النّوح والبكاء بصوت.

الباب الرابع عشر في غزوة حمراء الأسد

الباب الرابع عشر في غزوة حمراء الأسد اختلفوا في سببها، فقال ابن إسحاق ومتابعوه: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرهبا للعدوّ، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم، ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوّهم. وقال موسى بن عقبة، ومحمد بن عمر الأسلمي: السّبب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه إن أبا سفيان وأكثر من معه يريدون أن يرجعوا ليستأصلوا من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على الخروج في طلب العدوّ. ويؤيّد هذا ما رواه الفريابيّ والنّسائي والطبراني بسند صحيح، عن ابن عباس قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا. فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب المسلمين، فانتدبوا. وذكر الحديث. قال محمد بن عمر: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحد، يوم السبت، باتت وجوه الأوس والخزرج على بابه خوفا، من كرّة العدوّ، فلمّا طلع الفجر من يوم الأحد أذّن بلال، وجلس ينتظر خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى عبد الله بن عمرو بن عوف المزنيّ يطلب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج قام إليه وأخبره أنه أقبل من أهله، حتى إذا كان بملل [ (1) ] إذا قريش قد نزلوا، فسمع أبا سفيان وأصحابه يقولون: ما صنعتم شيئا، أصبتم شوكة القوم وحدّهم ثم تركتموهم ولم تبيدوهم، فقد بقي فيهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا نستأصل من بقي. وصفوان بن أمية يأبى ذلك عليهم، ويقول: يا قوم، لا تفعلوا فإن القوم قد حربوا وأخاف أن يجتمع عليكم من تخلّف من الخروج، فارجعوا والدولة لكم، فإنّي لا آمن أن رجعتم أن تكون الدولة عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرشدهم صفوان وما كان برشيد، والذي نفسي بيده لقد سوّمت لهم الحجارة ولو رجعوا لكان كأمس الذّاهب» . ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فذكر لهما ما أخبره به المزنيّ، فقالا: يا رسول الله، اطلب العدوّ، ولا يقحمون على الذّرّيّة. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبح ندب الناس، وأمر بلالا أن ينادي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوّكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس. وقال أسيد بن حضير- وبه تسع جراحات وهو يريد أن يداويها لمّا سمع النّداء-: سمعا وطاعة لله ورسوله، ولم يعرّج على دواء جرحه، وخرج من بني سلمة أربعون جريحا، بالطّفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا، وبخراش بن الصّمّة عشر

_ [ (1) ] ملل: موضع في طريق بمكة بين الحرمين [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1309] .

جراحات وبكعب بن مالك بضعة عشر جرحا، وبقطبة بن عامر تسع جراحات، ووثب المسلمون إلى سلاحهم، وما عرّجوا على دواء جراحاتهم. قال ابن عقبة: وأتى عبد الله بن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا راكب معك. فقال: «لا» . قال ابن إسحاق وابن عمر: وأتى جابر بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن مناديك نادى ألّا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس، وقد كنت حريصا على الحضور، ولكنّ أبي خلّفني على أخوات لي سبع- وفي لفظ: تسع، وهو الصحيح- وقال: يا بني لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة ولا رجل معهنّ، وأخاف عليهنّ وهن نسيّات ضعاف، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي، فتخلّف على إخوتك، وأنا خارج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله تعالى يرزقني الشهادة، وكنت رجوتها فتخلّفت عليهنّ، فاستأثر عليّ بالشهادة، فأذن لي يا رسول الله أسر معك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري. واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه، وهو معقود لم يحلّ من الأمس، فدفعه إلى علي بن أبي طالب، ويقال: دفعه إلى أبي بكر الصديق، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مجروح في وجهه إثر الحلقتين، وهو مشجوج في جبهته في أصول الشّعر ورباعيته قد شظيت، وشفته السفلى قد كلمت من باطنها، وهو متوهّن منكبه الأيمن، لضربة ابن قمئة- لعنه الله تعالى- وركبتاه مجحوشتان، فدخل صلى الله عليه وسلم المسجد، فركع فيه ركعتين والناس قد حشدوا، كما نزل أهل العوالي حيث جاءهم الخبر. ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرسه «السّكب» على باب المسجد، ولم يكن مع أصحابه صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد فرس إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقّاه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وقد سمع المنادي فخرج ينظر: متى يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الدّرع والمغفر، وما يرى منه إلا عيناه، فقال: «يا طلحة، أين سلاحك؟» قال: قريب يا رسول الله فخرج فأتى بسلاحه، وإذا به في صدره تسع جراحات، وقال: ولأنا أهمّ بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم منّي بجراحي، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلحة فقال: «أين ترى القوم الآن؟» ، قال: هم بالسّيّالة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الذي ظننت، أما إنّهم يا طلحة لن ينالوا منّا مثلها حتى يفتح الله تعالى مكة علينا» . وكان دليله صلى الله عليه وسلم، إلى حمراء الأسد ثابت بن ثعلبة الخزرجيّ.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم طليعة من آثار القوم: سليطا، ونعمان ابني سفيان بن طلق بن عوف بن دارم من بني سهم، ومعهما ثالث من بني عوير- بطن من أسلم- لم يسمّ لنا، فلحق اثنان منهم القوم، بحمراء الأسد، وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع، وصفوان بن أميّة ينهاهم عن ذلك، فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فقتلوهما ومضوا. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، حتى عسكر بحمراء الأسد، فدفن الرجلين في قبر واحد، وهما القرينان. وذكر ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، واللفظ له: إن عبد الله بن سهل ورافع بن سهل من بني عبد الأشهل رجعا من أحد، وبهما جراح كثيرة، وعبد الله أثقلهما من الجراح، فلما سمعا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره به، قال أحدهما لصاحبه، والله إنّ تركنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لغبن، والله ما عندنا دابة نركبها، وما ندري كيف نصنع؟ قال عبد الله: انطلق بنا، قال رافع: لا، والله ما بي مشي، قال أخوه: انطلق بنا نتجارّ ونقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجا يتزاحفان، فضعف رافع، فكان عبد الله يحمله على ظهره عقبة، ويمشي الآخر عقبة، ولا حركة به، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند العشاء، وهم يوقدون النيران، فأتي بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعلى حرسه تلك الليلة عباد بن بشر- فقال: «ما حبسكما؟» فأخبراه بعلّتهما، فدعا لهما بخير وقال: «إن طالت بكما مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وإبل، وليس ذلك بخير لكم» . ويقال: إن هذين أنس ومؤنس ابنا فضالة الظّفريّين، ولا مانع من أن يكون ذلك حصل للأولين والآخرين. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: وكان عامّة زادنا التمر، وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت حمراء الأسد، وساق جزرا، فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم في النهار بجمع الحطب فإذا أمسوا أمر أن توقد النّيران، فيوقد كلّ رجل نارا، فلقد أوقدوا خمسمائة نار حتى رئيت من مكان بعيد، وذهب ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم في كل وجه، وكان ذلك مما كبت الله به عدوّه، فأقام بحمراء الأسد الاثنين والثلاثاء والأربعاء. ولقي معبد بن أبي معبد الخزاعيّ وهو يومئذ مشرك. وجزم عمرو بن الجوزي في التلقيح بإسلامه، وكانت خزاعة- مسلمهم وكافرهم- عيبة نصح للنبي صلى الله عليه وسلم، بتهامة، صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها، فقال: يا محمد، والله

لقد عزّ علينا ما أصابك في نفسك وما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك، وأنّ المصيبة كانت بغيرك. ثم مضى معبد ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، حتى أتى أبا سفيان بن حرب ومن معه الرّوحاء، وقد أجمعوا الرّجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أصبنا خير أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرّنّ على بقيّتهم فلنفرغنّ منهم، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: هذا معبد وعنده الخبر: ما وراءك يا معبد؟ قال: تركت محمدا وأصحابه قد خرج يطلبكم في جمع لم أر مثله قطّ، يتحرّقون عليكم تحرّقا، وقد اجتمع معه من كان تخلّف عنه بالأمس، من الأوس والخزرج، وتعاهدوا ألّا يرجعوا حتى يلحقوكم، فيثأروا منكم، وغضبوا لقومهم غضبا شديدا، وندموا على ما فعلوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قطّ، قال: ويلك! ما تقول! قال: والله ما أرى أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: فو الله لقد أجمعنا الكّرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، وو الله لقد حملني على ما رأيت أن قلت فيهم أبياتا من شعر، قال: وما قلت؟ قال: قلت: كادت تهدّ من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردى بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللّقاء ولا ميل معازيل فظلت عدوا أظنّ الأرض مائلة ... لمّا سموا برئيس غير مخذول فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تغطمطت البطحاء بالجيل إنّي نذير لأهل البسل ضاحية ... لكلّ ذي إربة منهم ومعقول من جيش أحمد لا وخش تنابلة ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل فثنى ذلك، مع كلام صفوان، أبا سفيان ومن معه، وفتّ أكبادهم، فانصرفوا سراعا خائفين من الطّلب. ومرّ ركب من عبد القيس بأبي سفيان فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة. قال: ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلّغون عنّي محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم، قال: إذا وافيتم محمدا فأخبروه أنّا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيّتهم وأنّا في آثاركم. فانطلق أبو سفيان، وقدم الراكب برسول الله صلى الله عليه وسلم، بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران 173] . وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه ذلك قبل رجوعه إلى المدينة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية. وكان لجأ إلى عثمان بن عفان، فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمّنه على إن

وجد بعد ثلاث قتل، فأقام بعد ثلاث وتوارى، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقال: إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا، فوجداه فقتلاه. وأخذ أيضا أبا عزّة الجمحيّ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، ثم منّ عليه، فقال: يا رسول الله أقلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «والله لا تمسح عارضيك بمكة» وتقول: خدعت محمدا مرتين، أضرب عنقه يا زبير، فضرب عنقه. قال ابن هشام: وبلغني عن سعيد بن المسيّب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» اهـ. والحديث رواه البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وزاد الكشميهنيّ والسّرجينيّ من رواة الصحيح: «من جحر واحد» [ (1) ] . وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن أقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء. وقال البلاذريّ: غاب عن المدينة خمسا، وأنزل الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ. دعاءه بالخروج للقتال لمّا أراد أبو سفيان العود. وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم سوق بدر العام المقبل من يوم أحد. مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ بأحد. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا [آل عمران، 172] بطاعته. أَجْرٌ عَظِيمٌ هو الجنة. الَّذِينَ بدل من الذين قبله أو نعت. قالَ لَهُمُ النَّاسُ أي نعيم بن مسعود والأشجعيّ. إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الجموع ليستأصلوكم. فَاخْشَوْهُمْ ولا تأتوهم. فَزادَهُمْ ذلك القول إِيماناً تصديقا بالله تعالى ويقينا. وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ كافيا أمرهم. وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران 173] المفوّض إليه الأمر هو. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ بسلامة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 529 (6133) ومسلم 4/ 2295 (63- 2998) .

تنبيهات

لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ من قتل أو جرح. وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ بطاعته ورسوله في الخروج. وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران 174] على أهل طاعته. إِنَّما ذلِكُمُ أي القائل لكم: إن الناس إلخ. الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ الكفّار. فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ في ترك أمري. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران 175] حقّا. روى البخاريّ والنسائي وابن أبي حاتم في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (1) ] . تنبيهات الأول: حمراء الأسد بالمدّ، قال أبو عبيد البكريّ: تأنيث أحمر مضاف إلى الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، على يسار الطّريق، إذا أردت «ذو الحليفة» . الثاني: كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليها صبيحة يوم الأحد لستّ عشرة مضت من شوّال، وعند ابن سعد لثمان خلون منه والخلاف عندهم في أحد، كما سبق. الثالث: اختلفوا في سبب نزول هذه الآية السّابقة. فعن مجاهد وطائفة أنها نزلت في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر الموعد. وذهب غيرهم إلى أنها نزلت لمّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، واقتضاه صنيع البخاريّ ورجّحه ابن جرير، ورواه ابن مردويه والخطيب عن ابن عباس، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة وغيرهم. الرابع: روى سعيد بن منصور والحميديّ والشيخان وابن ماجة والحاكم والبيهقي، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت لعروة: لمّا أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصابهم يوم أحد، وانصرف المشركون، خاف أن يرجعوا فقال: من يذهب في آثارهم؟ فانتدب سبعون رجلا كان فيهم أبو بكر والزّبير. وعند الطبراني عن ابن عباس: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمار بن ياسر، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو حذيفة، وابن مسعود.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 77 (4563) .

قال في البداية: هذا سياق غريب جدا، فإنّ المشهور عند أصحاب المغازي أنّ الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد كلّ من شهد أحدا، وكانوا سبعمائة كما تقدم، قتل منهم سبعون وبقي الباقون. قلت: الظاهر- والله أعلم- أنه لا تخالف بين قول عائشة وما ذكره أصحاب المغازي، لأنّ معنى قولها: «فانتدب منهم سبعون» أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون، ولم ينبّه على ذلك الحافظ في الفتح. الخامس: في بيان غريب ما سبق: مرهبا- بكسر الهاء- اسم فاعل أي مخيفا. يوهنهم: يضعفهم. استأصله: قلعه بأصوله، ومنه قيل: استأصل الله الكفّار، أي أهلكهم جميعا. الكواعب: جمع كاعب وهي المرأة حين يبدو ثديها للنّهود. أردفه: جعله خلفه على الدّابّة. ندبه لكذا: دعاه إليه. ملل- بميم فلام مفتوحتين فلام أخرى-: موضع قريب من المدينة. شوكة القوم: شدّة بأسهم وقوّتهم. حدّهم- بحاء مهملة- غضبهم. باد: هلك. حربوا- بالحاء المهملة والموحدة-: غضبوا. سوّمت: علّمت أي جعلت لها علامة يعرف بها أنها من عند الله تعالى. كأمس الذاهب ... يقحمون: يدخلون. لم يعرّج على كذا- بالتشديد-: لم يقف عنده بل عدل عنه. مشجوج: مجروح. شظيت- بفتح الشين وكسر الظاء المشالة المعجمتين- أي ذهب منها فلقة. حشدوا: جمعوا. كلمت: جرحت.

المنكب: مجتمع رأس العضد والكتف. السّيّالة- بسين مهملة مفتوحة فتحتية مشددة-: قرية جامعة، بينها وبين المدينة تسعة وعشرون ميلا. الطليعة: الذي يتقدّم العسكر ليطّلع على أمر العدوّ. الزّجل- بفتح الزاي والجيم-: الصّوت الرّفيع العالي. يأتمرون: يأمر بعضهم بعضا. عقبة: من الاعتقاب في الرّكوب. عيبة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية فموحدة فتاء تأنيث- أي موضع سره وأمانته، كعيبة الثّياب التي يوضع فيها المتاع. تهامة- بكسر الفوقية- اسم لكلّ ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة. صفقتهم معه، أي اتّفاقهم. أعلى كعبك: شرّفك. الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة والمد-: قرية جامعة، وقد تقدم ذكرها. أجمعوا الرّجعة: عزموا عليها. يثأرون منكم: يقتلون. الحنق: شدّة الغيظ. كادت: قربت. تهدّ- بضم الفوقية وفتح الهاء- أي تسقط لهول ما رأيت من أصوات الجيش وكثرته. الجرد- بضم الجيم وسكون الراء وبالدال المهملة- جمع أجرد، وهو من الآدميّ من لا شعر عليه، ومن الخيل: ما رقّ شعره وقصر، وهو المراد هنا. الأبابيل: الجماعات، واحد إبّيل. تردي: تسرع. التّنابلة: القصار. الميل: جمع أميل، وهو الذي لا رمح معه: وقيل: هو الذي لا ترس معه، وقيل: هو الذي لا يثبت على السّرج.

المعازيل- بالعين المهملة والزاي-: الذين لا سلاح معهم. العدو: المشي السّريع. سموا: علوا وارتفعوا. ابن حرب هنا: أبو سفيان. تغطمطت- بفوقية فغين معجمة فطاءين مهملتين بينهما ميم- أي اهتزّت وارتجّت. البطحاء: السّهل من الأرض. الجيل- بالجيم والتحتية-: الصّنف من النّاس. البسل- بفتح الموحدة وسكون السين المهملة-: الحرام، وأراد بأهله قريشا لأنهم أهل مكّة، ومكة حرام. الضاحية- بالضاد المعجمة-: البارزة للشّمس. الإربة- بكسر الهمزة وبالموحدة-: هي هنا العقل. الوخش- بفتح الواو وسكون الخاء وبالشين المعجمتين- رذالة النّاس وأخساؤهم. التّنابلة تقدّم، ومن رواه قنابلة فهو جمع قنبلة، وقد تقدّم أيضا. القيل والقول واحد، وقال بعضهم: القول: المصدر، والقيل: الاسم. فثنى ذلك أبا سفيان- بثاء مثلثة فنون فألف مقصورة- أي صرفه وردّه. فتّ- بفتح الفاء وتشديد الفوقية- أي كسر. الميرة- بكسر الميم-: الطّعام. أوقر: حمل. الأباعر والأبعرة والبعران بالضّم: جمع بعير. عكاظ- بضم العين المهملة وفتح الكاف وبالظاء المعجمة المشالة-: سوق كانت في الجاهلية قرب عرفات. وافيتموها: أتيتموها. حسبنا الله: كافينا. لجأ إليه: اعتصم واستجار. عارضيك: تثنية عارض، وهو صفحة الخدّ. اللّدغ- بالدال المهملة والغين المعجمة-: ما يكون من ذوات السموم. الجحر- بضم الجيم وسكون الحاء المهملة- الثّقب، والمراد هنا ثقب الجبة.

الباب الخامس عشر في غزوة بني النضير

الباب الخامس عشر في غزوة بني النّضير اختلفوا في سببها، فروى عبد الرزاق وعبد بن حميد، وأبو داود، والبيهقي بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ كفّار قريش كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: «إنكم قد آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عددا، وإنّا نقسم بالله لنقاتلنّه، أو لتخرجنّه، أو لنستعدينّ عليكم العرب، ثم لنسيرنّ إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم، وأبناءكم» . فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من عبدة الأوثان تراسلوا، واجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما بلغه صلى الله عليه وسلم لقيهم في جماعة من أصحابه، فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم» [ (1) ] . فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرّقوا وعرفوا الحق. فبلغ ذلك كفّار قريش، فكتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود: «إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلنّ صاحبنا أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بين خدم نسائكم شيء» ، فلما بلغ كتابهم اليهود اجتمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبرا، حتى نلتقي على أمر بمكان نصف بيننا وبينك، فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك كلنا. فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رجلا من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبرا من يهود، حتى إذا برزوا في برازٍ من الأرض قال بعضهم لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه، كلّهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه: كيف نفهم ونحن ستّون رجلا اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا، فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ثلاثة من أصحابه وخرجت ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته خبر ما أراد بنو النّضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارّه بخبرهم قبل أن يصل إليهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فذكر الحديث.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 3/ 156 (3004) والبيهقي في الدلائل 3/ 179 وعبد الرزاق في المصنف (9733) .

وقال ابن إسحاق وابن عمر وابن سعد وابن عائذ وجلّ أهل المغازي: إن عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه أقبل من بئر معونة حتى إذا كان بقناة لقي رجلين من بني عامر بن صعصعة، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم وادعهما، فنسبهما فانتسبا، فقال معهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما، ثم خرج حتى ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدر حلب شاة، فأخبره خبرهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس ما صنعت- قد كان لهم منّا أمان [وعهد] » فقال: ما شعرت، كنت أراهما على شركهما، وكان قومهما قد نالوا منّا ما نالوا من الغدر بنا، وجاء بسلبهما، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبهما فعزل، حتى يبعث به مع ديتهما. وكان بين بني النّضير وبين بني عامر عقد وحلف، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت فصلّى في مسجد قباء، ومعه رهط من المهاجرين والأنصار، ثم جاء بني النّضير ومعه دون العشرة من أصحابه، فوجدهم في ناديهم، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيّين اللّذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت، قد إن لك أن تزورنا وأن تأتينا، اجلس حتى تطعم وترجع لحاجتك، ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مستند إلى بيت من بيوتهم، ثم خلا بعضهم ببعض فتناجوا، فقال حيي بن اخطب: يا معشر يهود قد جاءكم محمد في نفر من أصحابه لا يبلغون عشرة- ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزّبير، وطلحة، وسعد بن معاذ، وأُسيد بن الحضير، وسعد بن عبادة- فاطّرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الذي هو تحته فاقتلوه، ولن تجدوه أخلى منه الساعة، فإنه إن قتل تفرق عنه أصحابه، فلحق من كان معه [من قريش] بحرمهم، وبقي من كان هاهنا من الأوس والخزرج، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوما من الدهر فمن الآن، فقال عمرو بن جحّاش- بفتح الجيم وتشديد الحاء المهملة وآخره شين معجمة- النّضري: إذا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، قال سلّام بن مشكم: يا قوم أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر، والله لئن فعلتم ليخبرنّ بأنّا قد غدرنا به، وإن هذا نقض للعهد الذي بيننا وبينه، فلا تفعلوا، وهيّأ عمرو بن جحّاش الصّخرة ليرسلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدحرجها، فلما أشرف بها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما همّوا به، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، كأنه يريد حاجة، وتوجّه نحو المدينة، وجلس أصحابه يتحدّثون وهم يظنون أنه قام يقضي حاجة. وروى عبد بن حميد عن عكرمة، قال: فبينما اليهود على ذلك إذ جاء جاء من اليهود من المدينة فلما رأى أصحابه يأتمرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن نقتل محمدا ونأخذ أصحابه، فقال لهم: وأين محمد؟ قالوا: هذا محمد قريب، فقال لهم صاحبهم: والله لقد تركت محمدا داخل المدينة، فسقط في أيديهم. واستبطأ الصحابة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم النبي صلّى الله عليه وسلم، وراث عليهم خبره، فلما يئسوا من ذلك قال أبو بكر: ما

ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم واعترافهم برسالته

مقامنا هاهنا بشيء، لقد توجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر، فقاموا في طلبه، فقال حيي بن اخطب: لقد عجّل أبو القاسم، كنا نريد أن نقضي حاجته ونقريه، وندمت يهود على ما صنعوا. فقال لهم كنانة بن صويراء: «هل تدرون لم قام محمد؟» قالوا: لا والله ما ندري، وما تدري أنت! قال: بلى والتوراة إنّي لأدري، قد أخبر محمد بما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، والله أنه لرسول الله، وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به من الغدر، وإنه لآخر الأنبياء، وكنتم تطمعون أن يكون من بني هارون، فجعله الله حيث شاء. وإن كتبنا والذي درسنا في التوراة التي لم تغيّر، ولم تبدّل: أنّ مولده بمكّة، وأن دار هجرته يثرب، وصفته بعينها ما تخالف حرفا مما في كتابنا، وما يأتيكم به أولى في محاربته إيّاكم، ولكأني أنظر إليكم ظاعنين يتضاغى صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها» . قالوا: ما هما؟ قال: «تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم وأولادكم، وتكونون من علية أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجون من دياركم» ، قالوا: لا نفارق التوراة وعهد موسى. قال: «فإنه مرسل إليكم: اخرجوا من بلدي فقولوا: نعم، فإنه لا يستحلّ لكم دما ولا مالا، وتبقى أموالكم لكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم» ، قالوا: أمّا هذا فنعم. قال سلّام بن مشكم: «قد كنت لما صنعتم كارها، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقّب يا حييّ كلامه، وأنعم له بالخروج، واخرج من بلاده» . قال: افعل، أنا أخرج. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تبعه أصحابه، فلقوا رجلا خارجا من المدينة، فسألوه: هل لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، لقيته بالجسر داخلا. فلما انتهى إليه أصحابه وجدوه قد أرسل إلى محمد بن مسلمة يدعوه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، قمت ولم نشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «همّت يهود بالغدر بي، فأخبرني الله تعالى فقمت» . قال ابن عتبة: وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة 11] . ورواه عبد بن حميد عن عكرمة. ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم واعترافهم برسالته لمّا جاء محمد بن مسلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلدي» . فلما جاءهم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم برسالة، ولست أذكرها لكم حتى أعرّفكم بشيء تعرفونه في مجلسكم، فقالوا: ما هو؟ قال: أنشدكم بالتوراة، التي أنزل الله على موسى: هل تعلمون أني

ذكر إرسال عبد الله بن أبي إليهم بعد الخروج من أرضهم

جئتكم قبل أن يبعث محمد وبينكم التوراة فقلتم لي في مجلسكم هذا: يا بن مسلمة إن شئت أن نغدّيك غدّيناك، وإن شئت أن نهوّدك هوّدناك، فقلت لكم: بل غدّوني ولا تهوّدوني، فإني والله لا أتهوّد أبدا، فغدّيتموني في صحفة لكم، وقلتم لي: ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود، كأنك تريد الحنيفية التي سمعت بها، أما إنّ أبا عامر الراهب ليس بصاحبها، أتاكم صاحبها الضّحوك القتّال في عينيه حمرة، ويأتي من قبل اليمن، يركب البعير، ويلبس الشّملة، ويجتزئ بالكسرة، وسيفه على عاتقه، ينطق بالحكمة كأنه وشيجتكم هذه، والله ليكوننّ في قريتكم هذه سلب، وقتل، ومثل، قالوا: اللهم نعم، قد قلنا ذلك وليس به. قال: قد فرغت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يقول لكم: «إنكم قد نقضتم العهد الذي جعلت لكم، بما هممتم به من الغدر بي» . وأخبرهم بما كانوا همّوا به وظهور عمرو بن جحّاش على البيت ليطرح الصخرة، فأسكتوا، فلم يقولوا حرفا. ويقول: «اخرجوا من بلدي وقد أجّلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» ، قالوا: يا محمد، ما كنا نرى أن يأتي بهذا رجل من الأوس. قال محمد بن مسلمة: تغيّرت القلوب. فمكثوا على ذلك أيّاما يتجهّزون، وأرسلوا إلى ظهرهم بذي الجدر يجلب لهم، وتكاروا من ناس من أشجع [إبلا] وجدّوا في الجهاز. ذكر إرسال عبد الله بن أبيّ إليهم بعد الخروج من أرضهم فبينما هم على ذلك إذ جاءهم رسولا عبد الله بن أبي ابن سلول: سويد، وداعس، فقالا: يقول عبد الله بن أبيّ: لا تخرجوا من دياركم وأموالكم، وأقيموا في حصونكم، فإنّ معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم حصنكم، فيموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم، وتمدّكم قريظة، فإنهم لن يخذلوكم، ويمدّكم حلفاؤكم من غطفان. وأرسل ابن أبيّ إلى كعب بن أسد القرظيّ يكلمه أن يمدّ أصحابه، فقال: لا ينقض رجل واحد منا العهد. فيئس ابن أبيّ من بني قريظة، وأراد أن يلحم الأمر فيما بين بني النّضير ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرسل إلى حيي بن اخطب، فقال حييّ: أنا أرسل إلى محمد أعلمه أنّا لا نخرج من دارنا وأموالنا، فليصنع ما بدا له. وطمع حييّ فيما قال ابن أبيّ. فقال له سلّام بن مشكم: «منّتك نفسك والله- يا حييّ الباطل، ولولا أن يسفّه رأيك لاعتزلتك بمن أطاعني من يهود، فلا تفعل يا حييّ، فو الله إنك لتعلم- ونعلم معك- أنه لرسول الله، وأنّ صفته عندنا، وأنّا لم نتّبعه وحسدناه، حيث خرجت النبوة من بني هارون، فتعال فلنقبل ما أعطانا من الأمن ونخرج من بلاده، وقد عرفت أنّك خالفتني في الغدر به، فإذا كان أوان الثّمر، جئنا أو جاء أحد منّا إلى ثمره فباع أو صنع ما بدا له، ثم انصرف إلينا، فكأنّا لم

نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا بأيدينا إنّا إنّما شرفنا على قومنا بأموالنا وفعالنا، فإذا ذهبت أموالنا من أيدينا كنّا كغيرنا من اليهود في الذّلة والإعدام وإن محمدا إن سار إلينا فحاصرنا في هذه الصياصي يوماً واحداً، ثم عرضنا عليه ما أرسل به إلينا لم يقبله، وأبى علينا» . قال حيي بن اخطب: «إن محمدا لا يحصرنا إلّا إن أصاب منا نهزة، وإلا انصرف، وقد وعدني ابن أبيّ ما قد رأيت» . قال سلّام: «ليس قول ابن أبيّ بشيء، إنما يريد ابن أبيّ أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا، ثم يجلس في بيته ويتركك، قد أراد من كعب بن أسد النّصر وأبى كعب، وقال: لا ينقض هذا العهد رجل من بني قريظة وأنا حي، وإلا فابن أبيّ قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد، وحصروا أنفسهم في صياصيهم، وانتظروا نصر ابن أبيّ، فجلس في بيته، وسار إليهم محمد فحصرهم، حتى نزلوا على حكمه، فابن أبيّ لا ينصر حلفاءه، ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حروبهم كلها، إلى أن انقطعت حروبهم، وقدم محمد فحجز بينهم. وابن أبيّ لا هو على دين يهود، ولا هو على دين محمد، ولا هو على دين قومه، فكيف تقبل منه قوله؟ قال حييّ: «تأبى نفسي إلّا عداوة محمد وإلّا قتاله» . قال سلّام: «فهو والله جلاؤنا من أرضنا، وذهاب أموالنا وشرفنا، وسبي ذرارينا، مع قتل مقاتلتنا» فأبى حييّ إلّا محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له ساموك- بالكاف- ابن أبي الحقيق- بحاء مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فتحتية ساكنة ثم قاف أخرى- وكان ساموك ضعيفا عندهم في عقله، كانت به جنّة: «يا حييّ أنت رجل مشؤوم، تهلك بني النضير» ، فغضب حييّ وقال: كلّ بني النّضير قد كلّمني حتى هذا المجنون، فضربه إخوته، وقالوا لحييّ: أمرنا لأمرك تبع، لن نخالفك. فأرسل حييّ أخاه جديّ- بضم الجيم وفتح الدال المهملة وتشديد التحتية- ابن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: إنّا لا نبرح من ديارنا وأموالنا، فاصنع ما أنت صانع. وأمره أن يأتي ابن أبيّ فيخبره برسالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمره أن يتعجل ما وعد من النّصر. فذهب جديّ بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أرسله حييّ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه فأخبره، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، وكبّر المسلمون لتكبيره، وقال: حاربت يهود. وخرج جديّ حتى دخل على ابن أبيّ وهو جالس في بيته، ومعه نفر من حلفائه، وقد نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالمسير إلى بني النضير، فدخل عبد الله بن عبد الله بن

ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير

أبيّ على أبيه وعلى النّفر الذين معه، وعنده جديّ بن أخطب، فلبس درعه، وأخذ سيفه وخرج يعدو. قال جديّ: لمّا رأيت ابن أبيّ جالسا في ناحية البيت، وابنه عليه السّلاح، يئست منه ومن نصره، فخرجت أعدو إلى حييّ، فقال: ما وراءك؟ قال: فقلت الشرّ، ساعة أخبرت محمدا بما أرسلت به إليه أظهر التكبير وقال: حاربت يهود، قال: وجئت ابن أبيّ فأخبرته، ونادى منادي محمد بالمسير إلى بني النضير، فقال حييّ: وما ردّ عليك ابن أبيّ؟ قال جديّ: لم أر عنده خيرا، قال: أنا أرسل إلى حلفائي من غطفان. فيدخلون معكم. ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إلى بني النضير. واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وحملت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّة من خشب الغرب، عليها مسوح أرسل بها سعد بن عبادة رضي الله عنه، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بفضاء بني النّضير، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا على جدر حصونهم، معهم النّبل والحجارة، واعتزلتهم بنو قريظة، فلم يعينوهم بسلاح ولا رجال، ولم يقربوهم، فجعلت بنو النضير يرمون ذلك اليوم بالنّبل والحجارة. وقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، عليه الدّرع، وهو على فرس، واستعمل على العسكر علي بن أبي طالب، ويقال: أبو بكر، رضي الله عنهما، وبات المسلمون يحاصرونهم ويكبّرون حتى أصبحوا ثم أذّن بلال بالفجر، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين كانوا معه فصلّى بالناس في فضاء بني خطمة، وأمر بلالا فضرب القبّة في موضع المسجد الصغير الذي بفضاء بني خطمة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبّة. وكان رجل من يهود يقال له: عزوك، وكان أعسر راميا، فيرمي فتبلغ نبله قبّة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بقبّته فحوّلت إلى مسجد الفضيخ، فتباعدت من النّبل. وأمسوا فلم يقربهم ابن أبيّ، ولا أحد من حلفائه، وجلس في بيته، ويئست بنو النّضير من نصره، وجعل سلّام بن مشكم وكنانة بن صويراء يقولان لحييّ: أين نصر بن أبيّ الذي زعمت؟ قال حييّ: ما أصنع؟! هي ملحمة كتبت علينا. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم حصارهم، فلما كانت ليلة من الليالي فقد علي رضي الله عنه قرب العشاء، فقال الناس: يا رسول الله، ما نرى عليّا! قال: «دعوه، فإنه في بعض شأنكم!» فعن قليل جاء برأس عزوك، وقد كمن له حين خرج يطلب غرّة من المسلمين، وكان شجاعا راميا، فشدّ عليه فقتله، وفرّ من كان معه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عليّ أبا دجانة وسهل بن

ذكره أمره صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل

حنيف في عشرة من أصحابه فأدركوا اليهود الذين فرّوا من عليّ، فقتلوهم وطرحت رؤوسهم في بعض البئار. وكان سعد بن عبادة- رضي الله عنه- يحمل التّمر إلى المسلمين. ذكره أمره صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل بني النّضير، واستعمل على قطعها أبا ليلى المازنيّ، وعبد الله بن سلّام، وكان أبو ليلى يقطع العجوة. وكان عبد الله بن سلام يقطع اللّون فقيل لهما في ذلك، فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم، وقال عبد الله بن سلام: قد عرفت أن الله سيغنمه أموالهم. وكانت العجوة خيرا لهم، فلما قطعت العجوة شقّ النساء الجيوب، وضربن الخدود، ودعون بالويل، فجعل سلّام بن مشكم يقول: يا حييّ، العذق [خير] من العجوة، يغرس فلا يطعم ثلاثين سنة يقطع! فأرسل حييّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا محمد، إنك] كنت تنهى عن الفساد فلم تقطع النّخل؟ ووجد بعض المسلمين في أنفسهم من قولهم، وخشوا أن يكون فسادا، فقال بعضهم: لا تقطعوا، وقال بعضهم: بل نقطعه لنغيظهم بذلك. وأرسل حييّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن نعطيك الذي سألت ونخرج من بلادك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها، ولكم ما حملت الإبل إلّا الحلقة» . فقال سلّام بن مشكم: اقبل ويحك، من قبل أن تقبل شرّا من ذلك، فقال حييّ: ما يكون شرّا من هذا. قال سلّام بن مشكم: تسبى الذّرّيّة وتقتل المقاتلة مع الأموال. والأموال أهون علينا، فأبى حييّ أن يقبل يوما أو يومين، فلما رأى ذلك يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب قال أحدهما لصاحبه: والله إنك لتعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ننتظر أن نسلم فنأمن على دمائنا وأموالنا؟ فنزلا من الليل فأسلما وحرّزا أموالهما ودماءهما، ثم نزلت يهود على أن لهم ما حملت الإبل إلّا الحلقة. وجعل يامين لرجل من قيس عشرة دنانير، ويقال: خمسة أوسق من تمر، حتى قتل عمرو بن جحّاش غيلة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله. وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن عمر وابن سعد، والبلاذري، وأبو معشر، وابن حبّان: خمسة عشر يوما. وقال ابن إسحاق وأبو عمرو: ستّ ليال. وقال سليمان التيمي: قريباً من عشرين ليلة. وقال ابن الكلاع: ثلاث وعشرين ليلة.

ذكر خروج بني النضير من أرضهم

وعن عائشة: خمس وعشرين حتى أجلاهم. وولي إخراجهم محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- فقالوا: إنّ لنا ديونا على الناس إلى آجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعجّلوا وضعوا» . فكان لأبي رافع سلّام بن أبي الحقيق على أسيد بن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة، فصالحه على أخذ رأس ماله ثمانين دينارا، وأبطل ما فضل. وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم ممّا يليهم، وكان المسلمون يخربون بيوتهم ممّا يليهم، ويحرقون، حتى وقع الصّلح. ذكر خروج بني النضير من أرضهم لما خرجوا حموا النّساء والذّريّة، وما استقلّت به الإبل من الأمتعة، فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه، وأظهروا تجلّدا عظيما، فخرجوا على بلحارث بن الخزرج، ثم على الجبليّة، ثم على الجسر، حتى مرّوا بالمصلّى ثم شقّوا سوق المدينة، والنساء في الهوادج وعليهنّ الدّيباج والحرير وقطف الخزّ الخضر والحمر وحلّي الذهب والفضّة، والمعصفر. ونادى أبو رافع سلّام بن أبي الحقيق، ورفع مسك جمل وقال: هذا ممّا نعدّه لخفض الأرض ورفعها، فإن تكن النخل قد تركناها فإنا نقدم على نخل بخيبر. ومرّوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم تجلّدا، وصفّ لهم الناس فجعلوا يمرّون قطارا في أثر قطار، تحمّلوا على ستمائة بعير. وحزن المنافقون لخروجهم أشدّ الحزن. فنزل أكثرهم بخيبر، منهم حيي بن اخطب، وسلّام بن أبي الحقيق، وكنانة بن صويراء. فدان لهم أهلها، وذهبت طائفة منهم إلى الشّام. وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة فوجد خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا تخمّس ما أصبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أجعل شيئا جعله الله تعالى لي دون المؤمنين» بقوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى.. [الحشر 7] الآية، كهيئة ما وقع فيه السّهمان. وكانت بنو النّضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلها حبسا لنوائبه. وكان ينفق على أهله منها، كانت خالصة له فأعطى منها من أعطى وحبس ما حبس. وكان يزرع تحت النّخل، وكان يدّخر منها قوت أهله سنة من الشّعير والتّمر لأزواجه وبني عبد المطلب، وما فضل جعله في الكراع والسلاح.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا تحوّل من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحوّل المهاجرون، فتنافست فيهم الأنصار، فما إن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسّهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بسهم، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم. فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النّضير دعا ثابت بن قيس بن شمّاس، فقال: ادع لي قومك، قال ثابت: الخزرج يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنصار كلها!» فدعا له الأوس والخزرج، فتكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إيّاهم في منازلهم وإيثارهم على أنفسهم، ثم قال: «إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله تعالى على من بني النضير، وكان المهاجرون علي ما هم عليه من السّكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم» . فتكلّم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ- رضي الله عنهما- وجزاهما خيرا، فقالا: «يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا» ، ونادت الأنصار- رضي الله عنهم وجزاهم خيرا-: «رضينا وسلّمنا يا رسول الله» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار» . فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله تعالى عليه، وأعطى المهاجرين، ولم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف وأبا دجانة، وأعطى سعد بن معاذ رضي الله عنه سيف بن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر عندهم. وذكر البلاذريّ في كتاب فتوح البلدان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: «ليس لإخوانكم من المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمتم هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة» . قالوا: بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر 9] . قال أبو بكر رضي الله عنه: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا، فو الله ما مثلنا ومثلكم إلّا كما قال الغنويّ- وهو بالغين المعجمة والنّون-: جزى الله عنّا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلّت أبوا أن يملّونا ولو أمّنا ... تلاقي الّذي يلقون منّا لملّت قلت: وروى الآجريّ في كتاب الشريعة عن قيس بن أبي حازم: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فذكر نحو ما تقدم.

ذكر محاورة عمرو بن سعدى اليهودي في أمر النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر محاورة عمرو بن سعدى اليهودي في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى وطاف بمنازلهم فرأى خرابا، ففكّر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة لصلاتهم، فنفخ في بوقهم فاجتمعوا. فقال الزّبير- وهو بفتح الزاي وكسر الموحدة- ابن باطا القرظيّ: يا أبا سعيد، أين كنت منذ اليوم؟ لم أرك. وكان لا يفارق الكنيسة، وكان يتألّه في اليهودية. قال: «رأيت اليوم عبرا عبّرنا بها، رأيت دار إخواننا خالية بعد ذلك العزّ والجلد والشّرف الفاضل والعقل البارع قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذلّ، ولا والتّوراة ما سلط هذا على قوم قطّ، والله بهم حاجة، وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف بياتا في بيته آمنا، وأوقع بابن سنينة سيّد يهود، وأنجدهم وأجلدهم، وأوقع ببني قينقاع، فأجلاهم وهم أهل جدّ يهود، وكانوا أهل عدّة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج إنسان رأسه حتى سباهم، فكلّم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب، يا قوم، لقد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتّبع محمدا، فو الله إنكم لتعلمون أنه نبيّ وقد بشّرنا به علماؤنا، آخرهم ابن الهيّبان أبو عمير، وابن جوّاس وهما أعلم يهود، جاءانا من بيت المقدس يتوكّفان قدومه، ثم أمرانا باتباعه، وأن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما ودفنا بحرّتنا هذه» ، فأسكت القوم فلا يتكلم منهم متكلم، فأعاد الكلام أو نحوه، وخوّفهم بالحرب والسّباء والجلاء. فقال الزّبير بن باطا: «والتوراة قد قرأت صفته في التوراة، التي نزلت على موسى، ليس في المثاني التي أحدثنا» ، فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتّباعه؟ قال: أنت يا كعب، قال كعب: ولم؟ والتّوراة ما حلت بينك وبينه قطّ، قال الزّبير: بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا، فإن اتبعته اتّبعناه، وإن أبيت أبينا. فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال: أما والتوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سينا إنه للعزّ والشّرف في الدنيا، وأنه لعلى منهاج موسى، وينزل معه وأمته غدا في الجنة. قال كعب: نقيم على عهدنا وعقدنا فلا يخفر لنا محمد ذمّة، وننظر ما يصنع حييّ، فقد أخرج إخراج ذلّ وصغار، فلا أراه يقرّ حتى يغزو محمدا، فإن ظفر بمحمد فهو ما أردنا، وأقمنا على ديننا وإن ظفر بحييّ فما في العيش خير، وتحوّلنا من جواره. قال عمرو بن سعدى: ولم نؤخّر الأمر وهو مقبل؟ قال كعب: ما على هذا فوق، متى أردت هذا من محمد أجابني إليه. قال عمرو، والتوراة، إن عليه لغوثا، إذا سار إلينا محمد فتخبأنا في حصوننا هذه التي قد خدعتنا، فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه، فيضرب

أعناقنا. قال كعب بن أسد: ما عندي في أمره إلا ما قلت، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا لقول هذا الإسرائيليّ، ولا يعرف لي فضل النّبوّة ولا قدر الفعال. قال عمرو بن سعدى: بل لعمري ليعرفنّ ذلك. فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا بمقدّمة النبي صلى الله عليه وسلم قد حلّت بساحتهم، فقال: هذا الذي قلت لك. وذلك أنهم نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوه في وقعة الخندق، كما سيأتي بيان ذلك. وأنزل الله سبحانه وتعالى غالب سورة الحشر في شأنهم. وروى الشيخان عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال، قل: سورة النّضير، قال الله سبحانه وتعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي نزّهه، فاللّام مزيدة، وفي الإتيان ب «ما» تغليب للأكثر. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ في ملكه وصنعه. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ هم بنو النّضير من اليهود. مِنْ دِيارِهِمْ مساكنهم بالمدينة. لِأَوَّلِ الْحَشْرِ هو حشرهم إلى الشّام، وآخره أن أجلاهم عمر في خلافته إلى خيبر. ما ظَنَنْتُمْ أيها المؤمنون. أَنْ يَخْرُجُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ خبر أن حُصُونُهُمْ فاعله، به تمّ الخبر. مِنَ اللَّهِ من عذابه. فَأَتاهُمُ اللَّهُ أمره وعذابه. مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا لم يخطر ببالهم من جهة المؤمنين. وَقَذَفَ ألقى. فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ بسكون العين وضمّها: الخوف، فقتل سيّدهم كعب بن الأشرف. يُخْرِبُونَ بالتشديد والتخفيف من خرّب وأخرب بُيُوتَهُمْ لينقلوا ما استحسنوه منها من خشب وغيره. بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ. وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ قضى عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ الخروج من الوطن.

لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل والسّبي، كما فعل بقريظة من اليهود. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا خالفوا. اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ له. ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ نخلة. أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ أي خيّركم في ذلك. وَلِيُخْزِيَ بالإذن في القطع. الْفاسِقِينَ اليهود في اعتراضهم بأنّ قطع الشّجر المثمر فساد. وَما أَفاءَ رد اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ أسرعتم يا مسلمين عَلَيْهِ مِنْ زائدة خَيْلٍ وَلا رِكابٍ إبل، أي لم تقاسوا فيه مشقّة. وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فلا حقّ لكم فيه، ويختصّ به النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعل فيه ما يشاء، فأعطى منه المهاجرين وثلاثة من الأنصار لفقرهم. ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى كالصّفراء وادي القرى وينبع. فَلِلَّهِ يأمر فيه بما يشاء. وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي صاحب الْقُرْبى قرابة النبيّ من بني هاشم وبني المطلب. وَالْيَتامى أطفال المسلمين الذين هلكت آباؤهم وهم فقراء. وَالْمَساكِينِ ذوي الحاجة من المسلمين. وَابْنِ السَّبِيلِ المنقطع في سفره من المسلمين، أي يستحقه النبيّ والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أنّ لكل من الأربعة خمس الخمس وله الباقي. كَيْ لا كي بمعنى اللام، وأن مقدّرة بعدها. يَكُونَ دُولَةً متداولا. بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ أعطاكم. الرَّسُولُ من الفيء وغيره فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

لِلْفُقَراءِ متعلق بمحذوف أي اعجبوا الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في إيمانهم. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ أي المدينة وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ حاجة إلى ما يؤثرون به. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ حرصها على المال. فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا حقدا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. أَلَمْ تَرَ تنظر إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم بنو النّضير وإخوانهم في الكفر: لَئِنْ لام قسم في الأربعة أُخْرِجْتُمْ من المدينة لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ في خذلانكم أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ حذفت منه اللّام الموطّئة لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ أي جاءوا لنصرهم لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ واستغنى بجواب القسم المقدّر عن جواب الشرط في المواضع الخمسة ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ أي اليهود. لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً خوفا فِي صُدُورِهِمْ أي المنافقين مِنَ اللَّهِ لتأخير عذابه. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ. لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً أي اليهود مجتمعين إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَو مِنْ وَرَاءِ جِدار سور، وفي قراءة: جُدُرٍ. بَأْسُهُمْ حربهم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً مجتمعين. وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى متفرقة، خلاف الحسبان. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ. مثلهم في ترك الإيمان كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً بزمن قريب وهم أهل بدر من المشركين ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ عقوبته في الدنيا من القتل وغيره وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم مثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وتخلّفهم عنهم. كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ: اكْفُرْ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ كذبا منه ورياء فَكانَ عاقِبَتَهُما أي الغاوي والمغويّ، وقرئ بالرّفع أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر من 1: 17] .

ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الأشعار

ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الأشعار قال كعب بن مالك رضي الله عنه يذكر إجلاء بني النّضير وقتل ابن الأشرف: لقد خزيت بغدرتها الحبور ... كذاك الدّهر ذو صرف يدور وذلك أنّهم كفروا بربّ ... عزير أمره أمر كبير وقد أوتوا معا فهما وعلما ... وجاءهم من الله النّذير نذير صادق أدّى كتابا ... وآيات مبيّنة تنير فقالوا: ما أتيت بأمر صدق ... وأنت بمنكر منّا جدير فقال: بلى، لقد أدّيت حقّا ... يصدّقني به الفهم الخبير فمن يتبعه يهد لكلّ رشد ... ومن يكفر به يجز الكفور فلمّا أشربوا غدرا وكفرا ... وجدّ بهم عن الحقّ النّفور أرى الله النّبيّ برأي صدق ... وكان الله يحكم لا يجور فأيّده وسلّطه عليهم ... وكان نصيره نعم النّصير فغودر منهم كعب صريعا ... فزلّت بعد مصرعه النّضير على الكفّين ثمّ وقد علته ... بأيدينا مشهّرة ذكور بأمر محمّد إذ دسّ ليلا ... إلى كعب أخا كعب يسير فماكره فأنزله بمكر ... ومحمود أخو ثقة جسور فتلك بنو النّضير بدار سوء ... أبارهم بما اجترموا المبير غداة أتاهم في الزّحف رهوا ... رسول الله وهو بهم بصير وغسّان الحماة مؤازروه ... على الأعداء وهو لهم وزير وقال: السّلم ويحكم فصدّوا ... وحالف أمرهم كذب وزور فذاقوا غبّ أمرهم وبالا ... لكّلّ ثلاثة منهم بعير وأجلوا عامدين لقينقاع ... وغودر منهم نخل ودور تنبيهات الأول: النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة السّاقطة-: حيّ من يهود دخلوا في العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبيّ الله تعالى صلى الله عليه وسلم، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله تعالى قد كتب عليهم هذا الجلاء. الثاني: قال في الهدي: زعم محمد بن شهاب الزّهريّ أنّ غزوة بني النّضير كانت بعد بدر بسّتة أشهر، وهذا وهم منه وغلط، بل الذي لا شك فيه أنّها كانت بعد أحد، انتهى.

والزّهريّ إنما نقل ذلك عن عروة ورواه الحاكم وصححه، وأقرّه الذهبيّ والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها، لكن قال البيهقيّ: هكذا قال، أي أحد رواته عن الزهري، عن عروة عن عائشة وذكر عائشة غير محفوظ، وتقدّم كلام ابن كثير في ذلك، وفي آخر غزوة بني قينقاع فراجعه. الثالث: روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ [ (1) ] [الحشر 5] . وروي أيضا عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النّضير. قال ابن عمر: ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤيّ ... حريق بالبويرة مستطير قال: فأجابه أبو سفيان بن الحراث، أي قبل إسلامه: أدام الله ذلك من صنيع ... وحرّق في جوانبها السّعير ستعلم أيّنا منها بنزه ... وتعلم أيّ أرضينا تضير قال الحافظ: ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور كما في الصحيح. ونقل أبو الفتح عن أبي عمرو الشيبانيّ أن الذي قال «وهان على سراة بني لؤيّ» هو أبو سفيان بن الحارث، وإنما قال: «عزّ» بدل «هان» وأن الذي أجابه بقوله: «أدام الله ذلك من صنيع» البيتين هو حسان، قال: وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري. قال الحافظ ولم يذكر مستندا للترجيح: والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصحّ، وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كلّ من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعدونهم النصر والمساعدة، فلما وقع لبني النّضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة، توبيخا لقريش، وهم بنو لؤيّ كيف خذلوا أصحابهم. وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة، وإنما ذكر بني النّضير استطرادا، وستأتي الأبيات بكمالها في غزوة بني قريظة. وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله «وتعلم أيّ أرضينا تضير» ما يرجّح ما وقع في الصحيح، لأن أرض بني النضير تجاور أرض الأنصار، فإذا خربت أضرّت بما جاورها بخلاف أرض قريش، فإنّها بعيدة منها بعدا شديدا، فلا نبالي بخرابها، فكأنّ أبا سفيان يقول:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (3021) .

تخريب أرض بني النضير وتحريقها إنما يضرّ أرض من جاورها، وأرضكم التي تجاورها، فهي التي تتضرّر لا أرضنا، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلّف. وكان من أنكر استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله: أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفر وإن جمعهم لكنّ العداوة الدّينيّة كانت قائمة بينهم، لما بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان من التّباين، وأيضا فقوله: وحرّق في نواحيها السّعير يريد بنواحيها المدينة، فيرجع ذلك الدعاء على المسلمين أيضا. الرابع: في بيان غريب ما سبق: البراز- بفتح الموحدة وكسرها-: الفضاء الواسع الخالي من الشجر. الخناجر- بفتح الخاء المعجمة وبالجيم المكسورة- جمع خنجر، وهو السّكّين الكبير. فتك به فتكا من بابي ضرب وقتل، وبعضهم يقول: فتكا بتثليث الفاء، أي بطش به، أو قتله على غفلة، وهذا هو المراد هنا. معونة- بميم مفتوحة فعين مهملة مضمومة- اسم ماء لبني عامر بن صعصعة، وهو بفتح الصادين والعين الثانية المهملات وسكون العين الأولى. قناة- بفتح القاف وبالنون- تقدّم في أحد. وادعهما: صالحهما. قال معهما: من قال يقيل قيلا وقيلولة، أي نام نصف النهار. والقائلة: اسم القيلولة. شعرت: علمت. الحلف- بكسر الحاء المهملة وسكون اللام- المعاقدة والمعاهدة على التّعاضد والاتّفاق. تناجوا: تسارّوا الكلام. النادي: مجلس القوم ومتحدّثهم. النّضرى (بالنون والضاد المعجمة) .

ذكر غريب إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة

سلّام: المشهور ما قاله ابن الصّلاح فيه التشديد، مشكم (بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف) . ليخبرنّ (بفتح الموحدة مبني للمفعول) . صويراء (بضم الصاد المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وبألف التأنيث الممدودة) . راث- بالثاء المثلثة- من باب باع: أبطأ. كنانة (بكسر الكاف) . «ظاعنين- بالظاء المعجمة المشالة- أي راحلين. يتضاغى- بضاد وغين معجمتين-: يتباكى. خلوفا- بضم الخاء المعجمة- أي غيّبا لم يبق منهم أحد. علية أصحابه: أشرافهم. أنعم له: قال له نعم. الجسر- بكسر الجيم وفتحها وسكون السين المهملة-: القنطرة. ذكر غريب إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة أنشدكم بالله: أسألكم به. يجتزئ- بالجيم والزاي-: يكتفي. سيفه على عاتقه، أي يجعله بعلاقته عليه، لا كما يفعل التّرك وغيرهم. اسكتوا (بضم أوله) . نرى: نظنّ. الجدر (بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالراء) . تكاروا: اكتروا. شرح غريب إرسال عبد الله بن أبيّ إليهم ومسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ... وشرح غريب خروجهم يلحم الأمر- بالحاء-: يجعله يشتدّ. حييّ (بلفظ تصغير حيّ) . بدا له- بلا همز-: ظهر له.

شرح غريب محاورة عمرو بن سعد اليهودي

النّهزة- بضم النون وسكون الهاء وبالزاي-: الفرصة، وهي النّوبة. الورطة- بفتح الواو-: الهلاك والأمر الشاقّ. الجلاء-: ترك المنزل من خوف. الصّياصي: الحصون، الواحدة صيصية (بكسر المهملتين وفتح التحتية المخففة) . الغرب- بفتح الغين المعجمة والراء وبالموحدة-: ضرب من الشجر. خطمة (بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة) . مسجد الفضيخ (بفاء مفتوحة فضاد وخاء معجمتين بينهما تحتية) . الملحمة- بالفتح-: القتل. استقلّت به الإبل: رفعته وطاقت حمله. نجاف الباب- بكسر النون وبالجيم-: أسكفّته. الجبليّة- بالجيم فموحّدة مفتوحتين فلام مكسورة فتحتية مشددة- اسم مكان الهوادج، جمع هودج: من مراكب النساء. قطف- بضمتين- وقطائف جمع قطيفة: دثار له خمل. المسك- بالفتح وسكون السين المهملة-: الجلد، والجمع مسوك. الحلقة- بفتح الحاء وسكون اللام-: السّلاح كله. السّهمان- بالضّمّ- والأسهم والسّهام جمع سهم وهو النّصيب. الكراع- بضم الكاف وتخفيف الراء- اسم لجماعة الخيل. تنافست: يقال: نفست به- بكسر الفاء- مثل ضننت به وزنا ومعنى. أزلقت، قال في النور- بالزّاي والقاف- يقال: أزلقت الحامل، إذا رمت ولدها. انتهى. والذي في نسخه من العيون مقروءة على مصنّفها وغيره- بالفاء- أي دنت وقربت. شرح غريب محاورة عمرو بن سعد اليهودي البوق بالضمّ معروف. يتألّه: يتعبّد. العبر- بكسر العين المهملة وفتح الموحدة-: التّذكّر والاتّعاظ. عبّرنا بها (بضم العين المهملة وتشديد الموحدة المكسورة) .

شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه

الجلد- بفتح الجيم واللام-: القوة. أهل جدّ يهود: الجدّ: المكانة العظيمة والغنى. النّجدة: الشجاعة. الهيّبان (بفتح الهاء وتشديد التحتية بعدها موحّدة) . جوّاس (بفتح الجيم والواو المشددة وآخره سين مهملة) . يتوكّفان: ينتظران. يخفر- بالخاء المعجمة-: ينقض عهدهم. لم يرعهم: لم يفزعهم. شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه خزيت- بالخاء المفتوحة والزاي المكسورة المعجمتين-: ذلّت. الحبور جمع حبر، وهو العالم، ويقال في جمعه أحبار، وأراد بالحبور هنا علماء يهود المدينة. صرف: تغيّر. يدور: يتحوّل وينتقل. جدير: حقيق وخليق. جدّ بهم: مال بهم. مشهّرة- بالراء- من الشّهرة. ذكور- بذال معجمة- يعني السّيوف. أبارهم- بالراء-: أهلكهم. اجترموا: اكتسبوا. الرّهو- بالراء- مشي في سكون. السّلم- بفتح السين وكسرها-: الصّلح. حلف: صاحب، والحليف: الصاحب. غبّ أمرهم- بالغين المعجمة والموحدة- أي أبعد أمرهم. الوبال: النكال والقتل.

شرح غريب أبيات حسان بن ثابت وأبي سفيان بن الحارث

شرح غريب أبيات حسان بن ثابت وأبي سفيان بن الحارث السّراة: الأشراف. لؤيّ (بالهمزة وتركه) . البويرة- بموحدة مضمومة فواو مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فتاء تأنيث-: موضع من بلد بني النّضير قاله ابن قرقول. وقال غيره: البويرة: نخل قرب المدينة. مستطير: منتشر متفرّق كأنه طار في نواحيها. السّعير: النار الملتهبة. بنزه- بموحدة فنون مضمومة فزاي ساكنة وبالهاء- أي ببعد وزنا ومعنى، وقد تفتح النّون. أرضينا- بفتح الضاد، وروي بكسرها- الأول تثنية أرض والثاني جمعها. تضير- بفتح الفوقية وكسر الضاد من الضّير- أي تتضرّر بذلك، ومنهم من رواه بالصاد المهملة.

الباب السادس عشر في غزوة بدر الموعد

الباب السادس عشر في غزوة بدر الموعد وسببها إن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: موعد ما بيننا وبينكم بدر الصّفراء، رأس الحول، نلتقي فيها فنقتتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: قل: نعم إن شاء الله، فافترق الناس على ذلك، ورجعت قريش فخبّروا من قبلهم بالموعد. وكانت بدر الصفراء مجمعا للعرب، وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان ليال خلون منه، فإذا مضت ثمان ليال تفرق الناس إلى بلادهم. فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبّ ألا يوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم الموعد، وكان أبو سفيان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع، وتسير في العرب، فيهاب المسلمون ذلك. وقدم نعيم بن مسعود الأشجعيّ مكة- وأسلم بعد ذلك- فبصّر أبا سفيان وقريشا بتهيّؤ المسلمين لحربهم. وكان عام جدب، فأعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتلّ بجدب الأرض، وجعل لنعيم عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذّل المسلمين عن المسير لموعده، وحمله على بعير. فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى أرعب المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوبهم، ولم يبق لهم نيّة في الخروج، واستبشر المنافقون واليهود، وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خشي ألّا يخرج معه أحد، وجاءه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقد سمعا ما سمعا، وقالا: يا رسول الله أن الله تعالى مظهر دينه، ومعزّ نبيّه، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحبّ أن نتخلّف عنه، فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم قال: والذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد. فنصر الله تعالى المسلمين، وأذهب عنهم ما كان الشيطان رعّبهم. ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه استخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله ابن أبي ابن سلول فيما قاله ابن إسحاق. وقال محمد بن عمر: استخلف عبد الله بن رواحة. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ألف وخمسمائة، فيهم عدّة أفراس، فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بكر، وفرس لعمر بن الخطاب، وفرس لأبي قتادة، وفرس لسعيد بن زيد، وفرس للمقداد بن الأسود، وفرس للحباب بن المنذر، وفرس للزبير بن العوام، وفرس لعبّاد بن بشر.

وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وخرج المسلمون بتجارات لهم إلى بدر فربحت ربحا كثيرا. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ربحت للدّينار دينارا. فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقام السّوق صبيحة الهلال، فأقاموا ثمانية أيام، والسوق قائمة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده. فأتاه مخشيّ بن عمرو الضّمريّ، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الموسم، فقال: يا محمد، لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن شئت مع ذلك رددنا ما كان بيننا وبينك، فقال: لا والله ما لنا بذلك من حاجة، بل نكفّ أيدينا عنكم، ونتمسّك بحلفك. وقال أبو سفيان لقريش: قد بعثنا نعيم بن مسعود لأن يخذّل أصحاب محمد عن الخروج، وهو جاهد، ولكن نخرج نحن فنسير ليلة أو ليلتين ثم نرجع، فإن كان محمد لم يخرج بلغه أنّا خرجنا فرجعنا، لأنه لم يخرج، فيكون هذا لنا عليه، وإن كان خرج أظهرنا أن هذا عام جدب، ولا يصلحنا إلا عام عشب. قالوا: نعم ما رأيت. فخرج في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا، حتى انتهوا إلى مجنّة من ناحية الظّهران، ثم قال: ارجعوا لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق، نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، فسمّى أهل مكة ذلك الجيش «جيش السّويق» ، ويقولون: خرجوا يشربون السّويق. وانطلق معبد بن أبي معبد الخزاعيّ سريعا، بعد انقضاء الموسم إلى مكة، فأخبر بكثرة المسلمين، وأنهم أهل ذلك الموسم، وأنهم ألفان، وأخبر بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للضّمريّ، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم، وقد اجترأوا علينا، ورأوا أنّا قد أخلفناهم، وإنما خلّفنا الضّعف عنهم، وأخذوا في الكيد والنّفقة في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجلبوا من حولهم من العرب، وجمعوا الأموال وضربوا البعث على أهل مكة، فلم يترك أحد منهم إلا أن يأتي بمال، ولم يقبل من أحد منهم أقلّ من أوقيّة لغزو الخندق. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الأشعار

ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الأشعار قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد ... لميعاده صدقا وما كان وافيا فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... لأبت ذميما وافتقدت المواليا تركنا به أوصال عتبة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا عصيتم رسول الله أفّ لدينكم ... وأمركم السّيء الّذي كان غاويا فإنّي وإن عنّفتموني لقائل ... فدى لرسول الله أهلي وماليا أطعناه لم نعذله فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة اللّيل هاديا وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: دعوا فلجات الشّام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك بأيدي رجال هاجروا نحو ربّهم ... وأنصاره حقّا وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها: ليس الطّريق هنالك أقمنا على الرّسّ النّزوع ثمانيا ... بأرعن جرّار عريض المبارك بكلّ كميت جوزه نصف خلقه ... وقبّ طوال مشرفات الحوارك ترى العرفج العاميّ تذري أصوله ... مناسم أخفاف المطيّ الرّواتك فإن نلق في تطوافنا والتماسنا ... فرات بن حيان يكن رهن هالك وإن تلق قيس بن امرئ القيس بعده ... يزد في سواد لونه لون حالك فأبلغ أبا سفيان عنّي رسالة ... فإنّك من غرّ الرّجال الصّعالك تنبيهان الأول: قال في البداية: قال الواقديّ: خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مستهلّ ذي القعدة، يعني سنة أربع، والصحيح قول ابن إسحاق أن ذلك في شعبان من هذه السنة، ووافق موسى بن عقبة أنّها في شعبان لكن قال سنة ثلاث. وهذا وهم فإنّ هذه تواعدوا إليها من أحد، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث. الثاني: في بيان غريب ما سبق: كثيف: كثير. عام جدب: قحط. الفريضة هنا. البعير.

أرجف: خوّف. بصّر- بالموحدة والصاد المهملة المشددة-: أعلم. مجنّة- بميم فجيم فنون مشددة مفتوحات ويجوز كسر الميم والنون-: سوق بقرب مكة. الظّهران: تقدم الكلام عليه. غيداق: كثير النبات والأمطار. استجلبوا العرب- بالحاء المهملة-: جمعوهم وألّبوهم. افتقدت: فقدت. الموالي هنا. القرابة. الثّاوي: المقيم. أفّ: كلمة تقال عند تقذّر الشّيء. وأمركم السّيء: أراد السّيّئ فخفّف، كما يقال: هيّن وهين وميّت وميت، ويروى بالشين المعجمة. عنّفتموني: لمتموني. لم نعدله، أي لم نسوّه مع غيره. الفلجات: الأودية، واحدها فالج وفلج. وفلج أيضا: اسم نهر بعينه. المخاض: الحوامل من الإبل. الأوارك: التي ترعى الأراك، وهو شجر. الغور: المنخفض من الأرض. عالج: اسم مكان فيه رمل كثير. الرّس: البئر. النّزوع: التي يخرج ماؤها بالأيدي. الأرعن: الجيش الكثير الذي له أتباع وفضول. جرّار (بالجيم والراء) . عريض: متسع.

جوزه- بالجيم والزاي- يعني وسطه، وأراد به هنا بطنه. قبّ: جمع أقبّ وهو الضّامر. الحوارك جمع حارك وهو أعلى الكتفين من الفرس. العرفج- بعين مهملة فراء ففاء فجيم-: نبات. العاميّ: الذي أتى عليه عام. تذري أصوله- بفوقية فذال معجمة- أي تقلعه وتطرحه. مناسم: جمع منسم وهو طرف خفّ البعير، والخفّ للبعير بمنزلة الحافر للدّابّة. الرّواتك: المسرعة. والرّتك والرّتكان: ضرب من المشي فيه إسراع. الحالك- بالحاء المهملة-: الشّديد السّواد. الغرّ: البيض. الصّعالك: جمع صعلوك، حذفت الياء من الجمع هنا لإقامة وزن الشعر، وهو الفقير الذي لا مال له.

الباب السابع عشر في غزوة دومة الجندل

الباب السابع عشر في غزوة دومة الجندل وسببها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدنو إلى أدنى الشّام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشّام، فلو دنوت لها لكان ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بها جمعا كثيرا، وأنّهم يظلمون من مرّ بهم، ويريدون أن يدنوا من المدينة، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس. واستخلف على المدينة سباع- بمهملة مكسورة فموحّدة فألف فعين مهملة- ابن عرفطة بضم العين المهملة والفاء- الغفاريّ، بكسر الغين المعجمة. وخرج صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، فكان يسير اللّيل ويكمن النّهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له: «مذكور» رضي الله عنه، هاد خرّيت، وسار مغذّا للسّير، ونكّب عن طريقهم، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دومة الجندل قال له الدّليل: يا رسول الله، إن سوائمهم ترعى عندك فأقم لي حتّى أطّلع لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» ، فخرج العذريّ طليعة وحده حتى وجد آثار النّعم والشّاء وهم مغرّبون، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقد عرف مواضعهم، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وفرّ باقيهم فتفرق أهل دومة الجندل، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد بها أحدا، فأقام بها أيّاما، وبثّ السّرايا فعادت كلّ سريّة بإبل ولم تلق أحدا، إلّا إن محمد بن مسلمة أخذ رجلا منهم، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس لمّا سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أياما فأسلم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، في العشرين من ربيع الآخر، ووادع صلى الله عليه وسلم في طريقه عيينة بن حصن الفزاريّ أن يرعى بتغلمين وما والاها إلى المراض، وكانت بلاده قد أجدبت. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: دومة الجندل- بدال مهملة مضمومة، ويجوز فتحها فواو ساكنة-: بلد بينها وبين دمشق خمس ليال. أدنى الشام: أقربها إلى المدينة. هاد: دليل. الخرّيت: الماهر الذي يهتدي لأخرات المفازة، وهي طرقها الخفيّة ومضايقها. نكّب- بالنون- عدل. السّوائم جمع سائمة.

الطّليعة: القوم يبعثون أمام الجيش. مغرّبون (بغين معجمة مفتوحة فراء مكسورة مشددة) . الساحة: الموضع المتّسع أمام الدّار. وادع: صالح. تغلمين- بفوقية فغين معجمة ساكنة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فنون-: موضع في بني فزارة. المراض كسحاب: موضع، أو واد، على ستة وثلاثين ميلا من المدينة.

الباب الثامن عشر في غزوة بني المصطلق

الباب الثامن عشر في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، وسببها أن الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن مالك بن جذيمة بن كعب بن خزاعة سيّد بني المصطلق جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قدر عليه من قومه ومن العرب، فتهيّأوا للمسير إليه، وكانوا ينزلون ناحية الفرع، فبلغ خبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة- بضم الموحدة- ابن الحصيب- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- الأسلميّ يعلم ذلك، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول، فأذن له، فخرج حتى ورد عليهم ماءهم، فوجد قوما مغرورين قد تألّبوا وجمعوا الجموع، فقالوا: من الرّجل؟ قال: رجل منكم قدمت لمّا بلغني عن جمعكم لهذا الرّجل، فأسير في قومي ومن أطاعني، فنكون يدا واحدة حتى نستأصله. قال الحارث بن أبي ضرار: فنحن على ذلك فعجّل علينا، فقال بريدة: أركب الآن فآتيكم بجمع كثيف من قومي، فسرّوا بذلك منه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر القوم، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم خبر عدوّهم، فأسرع الناس الخروج. ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة، فيما قال محمد بن عمر، وابن سعيد. وقال ابن هشام: أبا ذرّ الغفاريّ، ويقال: نميلة بن عبد الله الليثيّ، وهو بضم النون تصغير نملة. وقاد المسلمون ثلاثين فرسا، للمهاجرين عشرة، منها فرسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لزاز- بلام فزاي فألف فزاي أخرى- والظّرب- بظاء معجمة مشددة مفتوحة فراء مكسورة فموحدة. وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قطّ مثلها، ليس بهم رغبة في الجهاد إلا أن يصيبوا من عرض الدنيا، ولقرب السّفر عليهم. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك على الخلائق فنزل بها، فأتي يومئذ برجل من عبد القيس فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أين أهلك؟ قال: بالرّوحاء، فقال: أين تريد؟ قال: إياك جئت لأؤمن بك، وأشهد أن ما جئت به حق، وأقاتل معك عدوّك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام، وسأل: أيّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة لأوّل وقتها. وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين، فسأله عنهم، فلم يذكر من شأنهم شيئا،

فعرض عليه الإسلام فأبى، فأمر عمر بن الخطاب فضرب عنقه. وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع، وقد بلغ القوم مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتله عينهم، فتفرّق عن الحارث من كان قد اجتمع عليه من أفناء العرب. وضرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبّة من أدم. وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وتهيّأ الحارث للحرب، فصفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر، ويقال: إلى عمار بن ياسر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ففعل عمر ذلك، فأبوا، فتراموا بالنّبل ساعة، فكان أول من رمى رجل منهم بسهم، فرمى المسلمون ساعة بالنّبل، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحملوا، فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت من المشركين إنسان، وقتل عشرة منهم، وأسر سائرهم، وسبا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرّجال والنّساء والذّرّيّة والنّعم والشاء. وفي الصحيحين أنه صلّى الله عليه وسلم هجم عليهم وهم غارّون وما قتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له: هشام بن صبابة- بصاد مهملة مضمومة فموحدة مخففة فألف فموحدة أخرى- أصابه رجل من الأنصار يقال له: أوس من رهط عبادة بن الصامت، يرى أنه من المشركين فقتله خطأ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ديته، فقبضها أخوه مقيس بن صبابة، وعدا على قاتل أخيه فقتله، فارتدّ ولحق بقريش فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فقتل يوم الفتح. قال أبو قتادة: حمل لواء المشركين يومئذ صفوان ذو الشّقرة، فلم تكن لي ناهية حتى شددت عليه، وكان الفتح. وكان شعار المسلمين يومئذ: «يا منصور أمت» . وروى محمد بن عمر عن جويرية رضي الله عنها قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: فكنت أرى من الناس والسّلاح والخيل ما لا أصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعلمت أنه رعب من الله تعالى يلقيه في قلوب المشركين. وكان رجل منهم قد أسلم وحسن إسلامه يقول: كنّا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولا بعد.

ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الأسارى وقسمة الغنيمة

ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الأسارى وقسمة الغنيمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتّفوا، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بما وجد في رحالهم من متاع وسلاح فجمع، وسيقت النّعم والشاء، واستعمل على ذلك شقران مولاه، وهو بضم الشين المعجمة وإسكان القاف. وجمع الذّرّيّة ناحية. واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية- بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر الميم وفتح التحتانية- ابن جزء، بفتح الجيم وسكون الزاي فهمزة- الزّبيديّ- بضم أوله- فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس من جميع المغنم، وكان يليه محمية بن جزء وكان يجمع إليه الأخماس، وكانت الصّدقات على حدتها وأهل الفيء بمعزل عن الصّدقة، وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء. وكان يعطي من الصدقة اليتيم والمسكين والضّعيف، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء وأخرج من الصدقة، ووجب عليه الجهاد، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصّدقة شيئا، وخلّى بينه وبين أن يكتسب لنفسه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع سائلا، فأتاه رجلان يسألانه من الخمس فقال: إن شئتما أعطيتكما منه، ولا حظّ فيه لغنيّ ولا لقويّ مكتسب. وفرّق السّبي فصار في أيدي الرّجال، وقسّم المتاع والنّعم والشّاء، وعدلت الجزور بعشر من الغنم. وبيعت رثّة المتاع فيمن يريد. وأسهم للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللرّاجل سهم. وكانت الإبل الفي بعير، والشاء خمسة آلاف شاة. وكان السّبي مائتي أهل بيت. وصارت جويرية بنت الحارث سيّد القوم في سهم ثابت بن قيس بن شمّاس وابن عمّ له، فكاتبها على تسع أواق من ذهب. ذكر تزوجه صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها وبركة ذلك قال أبو عمر رحمه الله: كان اسمها برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية. وروى محمد بن إسحاق والإمام أحمد وأبو داود ومحمد بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة، لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عندي ونحن على الماء إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت:

ذكر منام أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

يا رسول الله إني امرأة مسلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيّد قومه، أصابنا من الأمر ما قد علمت ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس- أو ابن عم له فتخلّصني من ابن عمّه بنخلات له بالمدينة- فكاتبني على ما لا طاقة لي به ولا يدان، وما أكرهني على ذلك إلا أنّي رجوتك صلى الله عليك فأعنّي في مكاتبتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو خير من ذلك؟ فقالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أؤدّي عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه، فقال ثابت: هي لك يا رسول الله بأبي وأمّي، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها، وأعتقها وتزوّجها، وخرج الخبر إلى الناس ورجال بني المصطلق قد اقتسموا وملكوا ووطئت نساؤهم، فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السّبي. قالت عائشة رضي الله عنها: فأعتق مائة أهل بيت بتزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاها، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها [ (1) ] . ذكر منام أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها روى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت جويرية: رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال كأنّ القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبرها أحدا من الناس، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سبينا رجوت الرؤيا، فلما أعتقني وتزوّجني والله ما كلمته في قومي، حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلا بجارية من بنات عمّي تخبرني الخبر، فحمدت الله تعالى. ذكر افتداء من بقي من السبي روى الشيخان وأبو داود والنّسائيّ ومحمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبايا، وبنا شهوة إلى النساء، واشتدت علينا العزوبة، وأحببنا الفداء، فقلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فسألناه عن ذلك، فقال: ما عليكم ألّا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 179 والبيهقي في السنن 9/ 75 والحاكم في المستدرك 4/ 26 وابن حبان (1547) وابن سعد في الطبقات 8/ 83 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (39708) . [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 194 وأبو داود (2172) وأحمد في المسند 3/ 68 وأبو نعيم في الحلية 5/ 146.

ذكر ما ظهر من ابن أبي في هذه الغزوة من النفاق

قال محمد بن عمر رحمه الله: فكان أبو سعيد يقول: فقدم علينا وفدهم فافتدوا الذّرّيّة والنّساء، ورجعوا بهم إلى بلادهم، وخيّر من خيّر منهنّ أن تقيم عند من صارت في سهمه فأبين إلا الرجوع. وافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وخرجت بجارية أبيعها في السوق، فقال لي يهودي: يا أبا سعيد، لعلك تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة، فقلت: كلا إني كنت أعزل عنها، قال: تلك الموءودة الصّغرى، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ذلك، فقال: كذبت يهود، كذبت يهود. ذكر ما ظهر من ابن أبي في هذه الغزوة من النفاق بينما المسلمون على ماء المريسيع وقد انقطع الحرب، وهو ماء ظنون إنما يخرج في الدّلو نصفه، أتى سنان بن وبر الجهنيّ وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار، فأدلى دلوه وأدلى جهجاه بن مسعود الغفاريّ أجير عمر بن الخطاب، فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه، وتنازعا فضرب جهجاه سنانا فسال الدم، فنادى سنان: يا للأنصار، ونادى جهجاه: يا للمهاجرين، وفي لفظ: يا لقريش، فأقبل جمع من الحيّين، وشهروا السلاح حتى كادت أن تكون فتنة عظيمة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟! فأخبر بالحال فقال: «دعوها فإنها منتنة، ولينصر الرجل أخاه ظالما كان أو مظلوما، فإن كان ظالما فلينهه، وإن كان مظلوما فلينصره» . وإن جماعة من المهاجرين كلموا عبادة بن الصامت، وجماعة من الأنصار كلموا سنانا فترك حقّه، وكان عبد الله بن أبيّ جالسا مع عشرة مع المنافقين: [منهم] مالك، وسويد، وداعس، وأوس بن قيظيّ، ومعتّب بن قشير، وزيد بن اللّصيت وعبد الله بن نبتل، وفي القوم زيد بن أرقم رضي الله عنه وهو غلام لم يبلغ الحلم أو قد بلغ، فبلغ ابن أبيّ صياح جهجاه: يا آل قريش، فغضب ابن أبيّ غضبا شديدا، وقال: والله ما رأيت كاليوم قطّ، والله إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكنّ قومي غلبوني، أو قد فعلوها؟ لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منّتنا، والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلّا كما قال القائل: «سمن كلبك يأكلك» ، والله لقد ظننت أنّي سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه، وأنا حاضر لا يكون لذلك منّي غير، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ. ثم أقبل علي من حضر من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم: أنزلتموهم بلادكم فنزلوا، وأسهمتموهم في أموالكم حتى استغنوا، أما والله لو أمسكتم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم، ثم لم يرضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا، فقتلتم دونه، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا. فقام زيد بن أرقم بهذا الحديث كلّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده نفرا من المهاجرين والأنصار، فأخبره الخبر، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وتغيّر وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا

ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم

غلام لعلك غضبت عليه! قال: لا والله يا رسول الله، فقد سمعته منه، قال: لعله أخطأ سمعك، قال: لا والله يا رسول الله، قال: فلعله شبّه عليك، قال: لا والله يا رسول الله. وشاع في العسكر ما قال ابن أبي، وليس للناس حديث إلا ما قال، وجعل الرّهط من الأنصار يؤنّبون الغلام ويلومونه، ويقولون: عمدت إلى سيّد قومك تقول عليه ما لم يقل، وقد ظلمت وقطعت الرّحم! فقال زيد: والله لقد سمعت ما قال، والله ما كان في الخزرج رجل واحد أحب إلي من عبد الله بن أبيّ، ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأرجو أن ينزل الله على نبيّه ما يصدّق حديثي. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، مر عباد بن بشر- ويقال: محمد بن مسلمة- فليأتك برأسه، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، وقال: لا يتحدّث الناس إن محمدا يقتل أصحابه، وقام النفر من الأنصار الذين سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلّم ورده على الغلام، فجاءوا إلى ابن أبيّ فأخبروه. وقال أوس بن خوليّ. يا أبا الحباب، إن كنت قلته فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم فليستغفر لك. ولا تجحده، فينزل فيك ما يكذّبك، وإن كنت لم تقله فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر له، واحلف له ما قلته. فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا. ثم مشى ابن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أبيّ إن كانت منك مقالة فتب، فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد، ولا تكلّمت به.! فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثة ولم يحفظ ما قال الرّجّل» ، حدبا علي ابن أبي ودفعا عنه، وكان شريفا في قومه عظيما، فظانّ يظن أنه قد صدق، وظانّ يظن به السوء. ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم روى محمد بن عمر عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: لما كان من أمر ابن أبيّ ما كان جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فيء شجرة عنده غلام أسود يغمز ظهره، فقلت: يا رسول الله كأنك تشتكي ظهرك! فقال: تقحّمت بي النّاقة الليلة، فقلت: يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبيّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو كنت فاعلا؟» قلت: نعم والذي بعثك بالحق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذن لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قلت: يا رسول الله فمر محمد بن مسلمة يقتله، قال: لا يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي، قلت: فمر الناس بالرّحيل، قال: نعم، قال: فأذّنت بالرّحيل في الناس، ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلع على ناقته القصواء، وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد، إلا أنّه لمّا جاءه خبر ابن أبيّ رحل في تلك الساعة، فكان أول من لقيه

سعد بن عبادة، ويقال: أسيد بن حضير، وبه جزم ابن إسحاق. وقال محمد بن عمر: إنه الثّبت، فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قال: يا رسول الله قد رحلت في ساعة منكرة لم تكن ترحل فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولم يبلغك ما قال صاحبكم؟» قال: أيّ صاحب يا رسول الله؟ قال: ابن أبي، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت، فهو الأذلّ وأنت الأعزّ، والعزّة لله ولك وللمؤمنين. ثم قال: يا رسول الله: ارفق به، فو الله لقد جاء الله تعالى بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز فما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهوديّ، قد أرب بهم فيها لمعرفته بحاجتهم إليها، فجاء الله تعالى بك على هذا الحديث، فلا يرى إلا أن قد سلبته ملكه. وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ [ (1) ] مقالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إن كنت تريد أن تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فو الله لأحملنّ إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالديه منّي، وما أكل طعاما منذ كذا وكذا من الدهر ولا شرب شرابا إلا بيدي، وإني لأخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس، فأقتله فأدخل النار. وعفوك أفضل، ومنّك أعظم» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله ما أردت قتله ولا أمرت به، ولنحسننّ له صحبته ما كان بين أظهرنا» فقال عبد الله: «يا رسول الله، إن أبي كانت أهل هذه البحيرة قد اتّسقوا عليه ليتوّجوه عليهم، فجاء الله تعالى بك، فوضعه الله ورفعنا بك، ومعه قوم يطوفون به يذكّرونه أمورا قد غلب الله تعالى عليها. ثم متن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشّمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض، فوقعوا نياما، ولم ينزل أحد عن رحلته إلا لحاجة أو لصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحثّ راحلته ويخلفها بالسّوط في مراقّها، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبد الله بن أبي. ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النّقيع- بالنون- ويقال نقعاء- بالنون المفتوحة والقاف الساكنة والمدّ.

_ [ (1) ] (عبد الله) بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحر بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ... وهو ابن أبي ابن سلول وكانت سلول امرأة من خزاعة وكان أبوه رأس المنافقين وكان اسم هذا الحباب بضم المهملة والموحدتين وبه يكنى أبوه فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله وشهد عبد الله هذا بدرا وأحدا والمشاهد قال ابن أبي حاتم صحبة وذكره ابن شهاب وعروة. [الإصابة 4/ 95، 96] .

ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بموت كبير من المنافقين وإخباره عن موضع ناقته حين فقدت وبما قاله بعض أهل النفاق

ذكر إخباره صلّى الله عليه وسلم بموت كبير من المنافقين وإخباره عن موضع ناقته حين فقدت وبما قاله بعض أهل النفاق روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد تدفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثت هذه الريح لموت منافق. فلما قدمنا المدينة أذّن: قد مات عظيم من عظماء المنافقين [ (1) ] . قال محمد بن عمر: لما سرّح الناس ظهرهم أخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها وقالوا: لم تهج هذه الرّيح إلا لأمر قد حدث، وإنما بالمدينة الذّراريّ والصّبيان، وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيينة بن حصن مدّة، وكان ذلك حين انقضائها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس عليكم فيها بأس، ما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها عدوّ حتى تأتوها، ولكن مات اليوم بالمدينة منافق عظيم النفاق، فلذلك عصفت هذه الريح، وكان موته للمنافقين غيظا شديدا، وهو زيد بن رفاعة بن التابوت، مات ذلك اليوم، كان كهفا للمنافقين» . وروى محمد بن عمر، عن جابر رضي الله عنه قال: كانت الريح [يومئذ] أشدّ ما كانت قطّ إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار، وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدوّ الله فسكنت الريح. وقال محمد بن عمر: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه: قال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبيّ: يا أبا الحباب، مات خليلك؟ قال: أيّ خليل؟ قال: من موته فتح للإسلام وأهله، قال: من؟ قال زيد بن رفاعة بن التابوت، قال: يا ويلاه، كان والله وكان! فقال عبادة: اعتصمت والله بالذّنب الأبتر، قال: من أخبرك يا أبا الوليد بموته؟ قال: قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه مات هذه الساعة. فسقط في يديه، وانصرف كئيبا حزينا. وروى ابن إسحاق والبيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة، وعروة وابن إسحاق عن محمد بن عمر عن ابن رومان وعاصم بن عمر بن قتادة واللفظ لابن عمر قالوا: فقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من بين الإبل، فجعل المسلمون يطلبونها في كل وجه، فقال زيد بن اللّصيت، وكان منافقا وهو في جماعة من الأنصار، منهم عباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن سلامة بن وقش، وأسيد بن حضير، فقال: أين يذهب هؤلاء في كل وجه؟ قالوا: يطلبون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضلّت، قال: أفلا يخبره الله بمكانها؟ فأنكر عليه القوم، فقالوا:

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2145 (15- 2782) .

قاتلك الله، يا عدو الله، نافقت. ثم أقبل عليه أسيد بن حضير فقال: والله لولا أني لا أدري ما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنفذت خصيتك بالرّمح يا عدو الله فلم خرجت معنا وهذا في نفسك؟ قال: خرجت لأطلب من عرض الدنيا، ولعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة، يخبرنا عن أمر السماء. ووقعوا به جميعا، وقالوا: والله لا يكون منك سبيل أبدا، ولا يظلّنا وإياك ظلّ أبدا، ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا [ساعة من نهار] فوثب هاربا منهم أن يقعوا به، ونبذوا متاعه، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوّذا به، وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما قال من السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق يسمع: «إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلّت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وقال: «ألا يخبره الله بمكانها؟، فلعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة» ، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وأن الله تعالى قد أخبرني بمكانها، وإنها في هذا الشّعب مقابلكم، قد تعلّق زمامها بشجرة، فاعمدوا نحوها (3) . فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر المنافق إليها سقط في يده، فقام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه، فإذا رحله منبوذ، وإذا هم جلوس لم يقم رجل منهم من مجلسه، فقالوا له حين دنا: لا تدن منّا! فقال: أكلّمكم، فدنا فقال: أنشدكم الله- وفي لفظ: أذكركم الله- هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره بالذي قلت؟ قالوا: لا، والله، ولا قمنا من مجلسنا، قال: فإني قد وجدت عند القوم ما تكلّمت به، وتكلّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أتي بناقته، وقال: إني قد كنت في شك من شأن محمد، فأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأني لم أسلم إلا اليوم. قالوا: فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفر له، واعترف بذنبه. قال ابن عمر: ويقال: إنه لم يزل فشلا حتى مات، وصنع مثل هذا في غزوة تبوك. ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي العقيق تقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، فجعل يتصفّح الرّكاب حتى مرّ أبوه، فأناخ به، ثم وطئ على يد راحلته فقال أبوه: ما تريد يا لكع؟ قال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتعلم أيهما الأعزّ من الأذلّ: أنت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فمن مرّ به من المسلمين يرفده عبد الله بن عبد الله ويمنع غير ذلك، فيقول: تصنع هذا بأبيك؟! حتى مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقيل: عبد الله بن عبد الله بن أبيّ يأبى أن يأذن لأبيه حتى تأذن له، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله واطئ على يد راحلة أبيه، وابن أبي يقول: لأنا أذلّ من الصّبيان، لأنا أذلّ من النّساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلّ عن أبيك» ، فخلّى عنه. ولمّا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنّقيع- وهو بالنون- منصرفه من المريسيع ورأى سعة وكلأ

ذكر مسابقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل والإبل

وغدرانا كثيرة، فسأل عن الماء، فقيل: يا رسول الله إذا صفنا قلّت المياه، وذهبت الغدر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنّقيع أن يحمى، واستعمل عليه يومئذ بلال بن الحارث المزني- بضم الميم وفتح الزاي وقبل ياء النسب نون- فقال بلال: يا رسول الله وكم أحمي منه؟ فقال: أقم رجلا صيّتا إذا طلع الفجر، ثم أقمه على هذا الجبل- يعني مقمّلا- فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، فقال بلال: يا رسول الله، أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: «لا يدخلها» ، قلت: يا رسول الله أرأيت المرأة والرجل الضعيف تكون له الماشية اليسيرة وهو يضعف عن التحوّل؟ قال: «دعه يرعى» . ذكر مسابقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل والإبل قال محمد بن عمر: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل والإبل، فسبقت القصواء الإبل، وسبق فرسه الخيل، وكان معه صلّى الله عليه وسلم فرسان: لزاز وآخر يقال له الظّرب، فسبق يومئذ على الظّرب، وكان الذي سبق عليه أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه، والذي سبق على ناقته بلال بن رباح. ذكر نهيه صلّى الله عليه وسلم عن طروق النساء وإخباره بعض أصحابه بما وقع له روى محمد بن عمر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت رفيق عبد الله بن رواحة في غزوة المريسيع، فأقبلنا حتى إذا انتهينا إلى وادي العقيق في وسط الليل، فإذا الناس يعرّسون فقلنا: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: تقدّم الناس وقد نام، فقال لي عبد الله بن رواحة: يا جابر، هل لك بنا في التقدّم والدخول على أهلنا؟ فقلت: يا أبا محمد، لا أحب أن أخالف الناس، لا أرى أحدا تقدّم. قال ابن رواحة: والله ما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التّقدّم. قال جابر: فقلت: أما أنا فلست ببارح. فودّعني وانطلق إلى المدينة، فأنظر إليه على ظهر الطريق ليس معه أحد، فطرق أهله بني الحارث بن الخزرج، فإذا مصباح في وسط بيته، وإذا مع امرأته إنسان طويل، فظنّ أنه رجل، وسقط في يديه، وندم على تقدّمه، وجعل يقول: الشيطان مع الغرّ، فاقتحم البيت رافعا سيفه وقد جرّده من غمده يريد أن يضربهما، ثم فكّر، فغمز امرأته برجله فاستيقظت فصاحت وهي توسن فقال: أنا عبد الله فمن هذا؟ قالت: رجيلة ماشطتي، سمعنا بقدومكم فباتت عندي، فبات، فلما أصبح خرج معترضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه ببئر أبي عنبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسير بين أبي بكر الصّدّيق وبشير- بوزن أمير- ابن سعد، فالتفت

ذكر قدوم الحارث بن أبي ضرار، وسبب إسلامه

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بشير فقال: «يا أبا النّعمان» ، قال: لبيك إن وجه عبد الله ليخبرك أنه قد كره طروق أهله. فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خبرك يا بن رواحة؟» فأخبره كيف تقدّم، وما كان من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطرقوا النساء ليلا» [ (1) ] . قال جابر: فكان ذلك أول ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مؤيّدا منصورا، [وكانت مدة غيبته شهرا إلّا ليلتين] . ذكر قدوم الحارث بن أبي ضرار، وسبب إسلامه قال الحافظ ابن عائذ: أخبرني محمد بن شعيب، عن عبد الله بن زياد قال: أفاء الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم عام المريسيع في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث فأقبل أبوها في فدائها، فلما كان بالعقيق نظر إلى إبله التي يفدي بها ابنته، فرغب في بعيرين منها كانا من أفضلها، فغيّبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسائر الإبل، فقال: يا محمد، أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين البعيران اللذان غيّبت بالعقيق بشعب كذا؟» فقال الحارث: أشهد أنك رسول الله، ولقد كان منّي في البعيرين، وما اطلع على ذلك إلا الله تعالى، فأسلم. ذكر ما نزل في ابن أبيّ في هذه الغزوة روى محمد بن عمر، عن رافع بن خديج قال: سمعت عبادة بن الصامت يقول يومئذ لابن أبيّ قبل أن ينزل فيه القرآن: ايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، قال: فرأيته يلوي رأسه معرضا، يقول عبادة: أما والله لينزلنّ الله تعالى في ليّ رأسك قرآنا يصلّى به. قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير من يومه ذلك، وزيد بن أرقم يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم براحلته يريد وجهه في المسير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستحثّ راحلته «حل حل» وهو مغذّ في السّير، إذ نزل عليه الوحي. قال زيد بن أرقم: فما هو إلا أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذه البرحاء ويعرق جبينه، وتثقل يدا راحلته حتى ما تكاد تنقلهما عرفت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، ورجوت أن ينزل الله تعالى تصديقي قال زيد: فسرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأذني وأنا على راحلتي حتى ارتفعت من مقعدي، ورفعها إلى السماء، وهو يقول: وفت أذنك يا غلام، وصدّق الله حديثك. ونزلت سورة المنافقين في ابن أبيّ من أولها إلى آخرها، وجعل بعد ذلك ابن أبيّ إذا أحدث حدثا كان قومه هم الذين يعاقبونه ويأخذونه ويعنّفونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن

_ [ (1) ] أخرجه الدارمي 1/ 118 والطبراني في الكبير 11/ 245 والحاكم في المستدرك 4/ 293 والبيهقي في الدلائل 4/ 271.

تنبيهات

الخطاب حين بلغه شأنهم: «كيف ترى يا عمر، إنّي والله لو قتلته يوم قلت لي: اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته» . قال عمر: قد والله علمت، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري! تنبيهات الأول: المصطلق- بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام بعدها قاف- مفتعل من الصّلق وهو رفع الصوت، وهو لقب، واسمه جذيمة- بجيم فذال معجمتين مفتوحة فتحتية ساكنة- ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة: بطن من بني خزاعة. والمريسيع- بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما سين مهملة مكسورة وآخره عين مهملة- وهو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم، مأخوذ من قولهم: رسعت عين الرجل، إذا دمعت من فساد. الثاني: اختلف في زمن هذه الغزوة، فقال ابن إسحاق: في شعبان سنة ست، وبه جزم خليفة بن خياط والطبريّ. وقال قتادة وعروة: كانت في شعبان سنة خمس. ووقع في صحيح البخاري نقلا عن ابن عقبة إنها كانت في سنة أربع. قال الحافظ: وكأنه سبق قلم، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع. والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم: سنة خمس. ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب: ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس. ويؤيده ما أخرجه البخاريّ في الجهاد عن ابن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق. وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق. قال الحافظ: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك، أي المذكور في الحوادث، فلو كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست، مع أن الإفك كان فيها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح، كما سيأتي تقريره، وإن كانت سنة أربع فهو أسدّ، فظهر أن غزوة بني المصطلق كانت سنة خمس في شعبان، فتكون وقعت قبل الخندق، لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع. ورمي بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته بعد أن حكم في بني قريظة.

ويأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على حديث الإفك في الحوادث، ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن ذلك كان بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فتكون المريسيع بعد ذلك، فيترجّح أنه سنة خمس. أما قول الواقديّ: إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس، فمردود. وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد أن الحجاب كان سنة ثلاث، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال: أشبههما سنة أربع. الثالث: روى الشيخان عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إليّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق، وهم غارّون وأنعامهم تسعى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريّهم، الحديث. وعنه حدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش. غارّون، بتشديد الراء، أي غافلون. وذكر جل أهل المغازي أنه حصل بين الفريقين قتال، وذكر جماعة منهم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يدعوهم إلى توحيد الله تعالى. قال في الفتح: فيحتمل أن يكونوا حين الإيقاع بهم تثبّتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتال انهزموا، بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافّوا، ووقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم. وأشار ابن سعد إلى حديث نافع ثم قال: والأول أثبت، وأقرّه في العيون، والحكم بكون الذي في السّير أثبت مما في الصحيح مردود، لا سيّما مع إمكان الجمع. الرابع: جهجاه، وقيل: اسم أبيه مسعود، وقيل: سعيد: قال الطبريّ: المحدّثون يزيدون فيه الهاء، والصواب جهجا، دون هاء. وسنان اختلف في اسم أبيه أيضا فقيل: وبر بسكون الموحّدة، وقيل: بفتحها- وقيل أبير- بوزن [زبير] ، وقيل: وبرة واحدة الوبر، وقيل: عمرو، وقيل: تيم. الخامس: قوله صلّى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها منتنة» . قال أبو القاسم الخثعميّ: يعني «يا لفلان» ، لأنها من دعوى الجاهلية. وقد جعل الله تعالى المؤمنين إخوة، وحزبا واحدا، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة: يا للمسلمين، فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية فيتوجّه فيها للفقهاء ثلاثة أقوال: أحدها: أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا، اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعديّ خمسين سوطا، حين سمع: يا لعامر! فأقبل يشتدّ بعصبة له.

القول الثاني: إن فيها الجلد دون العشرة، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط، إلا في حد. والقول الثالث: اجتهاد الإمام في ذلك حسب ما يراه من سدّ الذريعة، وإغلاق باب الشرّ بالوعيد، وإما بالسّجن، وإما بالضرب. فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها، قلنا: قد قال: دعوها فإنها منتنة، فقد أكّد النهي، فمن عاد إليها بعد هذا النهي، وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالإنتان، وجب أن يؤدّب حتى يشمّ نتنها، كما فعل أبو موسى بالجعديّ، ولا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها، والعقوبة عليها. السادس: في استئذان عبد الله بن عبد الله بن أبيّ في قتل أبيه المنافق، من أجل المقالة الخبيثة التي قالها. وفي هذا العلم العظيم والبرهان النّيّر من أعلام النبوة، فإن العرب كانت أشدّ خلق الله حميّة وتعصّبا، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده، تقرّبا إلى الله تعالى وتزلّفا إلى رسوله، مع إن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس [نسبا] منهم، أي الأنصار، وما تأخّر إسلام قومه وبني عمّه وسبق إلى الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة، إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الإيمان به لقيل: قوم أرادوا الفخر برجل منهم، وتعصّبوا له، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبّه من كان منهم، أو من غيرهم، علم أن ذلك عن بصيرة صادقة، ويقين قد تغلغل في قلوبهم، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت [سدكت] في نفوسهم من أخلاق الجاهلية، لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى، وهو القادر على ما يشاء. السابع: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف، وذلك لأنها كانت أمة مملوكة، ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها، لأنه لا يكره النظر إلى الإماء. وجائز أيضا أن يكون نظر إليها لأنه نوى نكاحها، أو أن ذلك قبل أن تنزل آية الحجاب. الثامن: وقع في هذه الغزوة حديث الإفك، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث في سنة خمس. قيل: وفيها نزلت آية التيمم، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث. التاسع: في بيان غريب ما سبق: الفرع- بالفاء والراء والعين المهملة وزن قفل- من أعمال المدينة. تألّبوا: تجمّعوا. استأصله: أهلكه. كثيف- بكاف فمثلثة فتحتية ففاء- اسم يوصف به العسكر والسحاب والماء وكثف: غلظ.

شرح غريب أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الأسارى

عرض الدنيا- بفتحتين- المتاع، وكل شيء فهو عرض سوى الدّراهم والدنانير فإنها عين. الخلائق- بالخاء والقاف جمع خليقة-: مكان به مزارع وآبار قرب المدينة. الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة وألف-: من عمل الفرع. العين هنا الجاسوس. الأدم (بفتحتين) . يرى- بضم التحتية وفتح الراء-: يظنّ. أفناء العرب: قال في النهاية: رجل من أفناء الناس، أي لم يعلم من هو، الواحد فنو. وقيل: هو من الفناء، وهو المتّسع أمام الدار. النّبل- بفتح النون وسكون الموحدة- السّهم العربيّ. أفلت (بضم أوله) . عدا عليه. من العدوان. ذو الشّقرة (بشين معجمة فقاف فراء) . «يا منصور أمت» : أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الإماتة مع حصول الغرض للشّعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لأجل ظلمة الليل. الرّعب- براء وعين مهملتين مضمومتين وبضم الراء وسكون العين-: الفزع. شرح غريب أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الأسارى سيقت (بكسر السين المهملة وبالبناء للمفعول) . سهمان- بالضّمّ- وأسهم وسهام: جمع سهم. رثّة بالمثلثة وزن هرّة: خلقة. شرح غريب تزوجه صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها ملّاحة قال في المصباح: ملح الشّيء بالضمّ ملاحة بالفتح: بهج وحسن منظره فهو مليح والأنثى مليحة، والجمع ملاح. لا طاقة بكذا ولا يدان، أي لا قوة لي ولا قدرة عليه. شرح غريب ذكر افتداء من بقي من السبي وما يذكر معه العزوبة- بضم العين المهملة والزاي-: عدم الزّوجة.

شرح غريب ما ظهر من ابن أبي من النفاق

العزل- بفتح العين المهملة وسكون الزاي-: ترك الإنزال في الفرج. النّسمة: النّفس والروح. السّخل- بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة-: الولد المحبّب إلى أبويه، وهو في الأصل ولد الغنم. الموؤدة: يقال: وأد ابنته وأدا من باب وعد: دفنها حيّة، فهي موؤودة. شرح غريب ما ظهر من ابن أبي من النفاق الماء الظّنون: الذي تتوهّمه ولست منه على ثقة، فعول بمعنى مفعول، وقيل: هي البئر التي يظنّ أن فيها ماء وليس فيها ماء، وقيل: البئر القليلة الماء، وهو المراد هنا. شهروا السلاح: أظهروه. يال فلان [......] دعوها- بدال فعين مهملتين فواو فألف-: اتركوها. منتنة- بميم مضمومة فنون ساكنة فمثناة فوقية فنون- أي مذمومة في الشّرع، مجتنبة مكروهة كما يجتنب الشّيء المنتن، يريد قولهم: يا لفلان. نافرونا- بنون فألف ففاء مفتوحة فراء فواو فنون فألف-: غلبونا. يقال: نافره إذا غلبه. منّتنا: نعمتنا. الجلابيب- بفتح الجيم-: لقب لكل من أسلم من المهاجرين، لقّبهم بذلك المشركون. والجلابيب في الأصل الأزر الغلاظ، كانوا يلتحفون بها فلقّبوهم بذلك. الغير- بكسر الغين المعجمة وفتح التحتية- الاسم من قولك: غيّرت الشيء فتغيّر. أسهمتموهم: أعطيتموهم نصيبا من أموالكم. الغرض- بالغين والضاد المعجمة بينهما راء-: الهدف الذي يرمى إليه. الرّهط: ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة، وسكون الهاء أفصح من فتحها. يؤنّبون: يبالغون في التّوبيخ والتّعنيف. عمدت: قصدت. سلف منك: صدر ووقع. حدبا علي ابن أبي- بفتح الحاء والدال المهملتين وبالموحّدة-: عطفا عليه.

شرح غريب ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم

شرح غريب ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم في فيء: الأولى حرف جر، والثانية من الفيء، وهو الظلّ. يغمز ظهره- بغين معجمة فزاي-: يعصره، وهو التّكبيس. تقحّمت بي الناقة: ألقتني. أرعدت: بضم الهمزة وكسر العين المهملة وبالبناء للمفعول. آنف- بفتح الهمزة- وآناف وأنوف جمع أنف: العضو المعروف. يشعر: يعلم. الرّواح. قال الأزهري وغيره: قد يتوهّم بعض الناس أن الرّواح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس كذلك، بل الرّواح والغدوّ عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار، وأما راحت الإبل فهي رائحة، فلا يكون إلا بالعشيّ، إذا أراحها راعيها على أهلها. يقال: سرحت بالغداة إلى المرعى وراحت بالعشيّ على أهلها، أي رجعت من المرعى إليهم. وقال ابن فارس: الرّواح: رواح العشيّ وهو من الزّوال إلى الليل. الخرز- بخاء مفتوحة معجمة فراء فزاي-: الذي ينضمّ، الواحدة خرزة. أرب بهم: اشتدّ عليهم في ثمنها. البحيرة: اسم للمدينة الشريفة، وتقدم في أسمائها. اتّسقوا عليه: اجتمعوا. يتوّجوه: يلبسوه التاج ويسوّده. والتاج: ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر. متن- بميم ففوقية مخففة فنون مفتوحات- فإذا بالغت شدّدت: سار حتّى أضعف الإبل. ليشغل الناس: بفتح التحتية وسكون الشين وفتح الغين المعجمتين. مسّ الأرض: أول ما ينال منها. الحجاز- بحاء مهملة فجيم فألف فزاي-: مكة والمدينة والطائف ومخاليفها، كأنها حجزت بين نجد وتهامة، أو بين نجد والسّراة، أو لأنها احتجزت بالحداء. النّقيع [ (1) ]- بفتح النون وكسر القاف وهو على أربعة برد من المدينة. نقعاء: بفتح النون وإسكان القاف وبالعين المهملة والمد.

_ [ (1) ] نقيع بالفتح، ثم الكسر وياء ساكنة، وعين مهملة.

شرح غريب ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بموت منافق وما يذكر معه

شرح غريب ذكر إخباره صلّى الله عليه وسلم بموت منافق وما يذكر معه هاجت: ثارت وتحركت. عصفت الريح: اشتدّت. كئيبا: حزن أشدّ الحزن. قاتله الله: لعنه الله وأهلكه. الحصن: بكسر الحاء المهملة وسكون الصاد المعجمة. نبذوه- بالذال المعجمة-: رموه. العمر- بفتح العين المهملة-: الحياة. الشّعب- بكسر الشين المعجمة-: الطريق في الجبل. عمد- بعين مفتوحة فميم مفتوحة فدال مهملتين-: قصد. شمت به: فرح بمصيبة نزلت به. الزّمام- بكسر الزاي-: المقود. سقط في يده (بضم السين المهملة وكسر القاف) . أنشدكم الله، أي أسألكم الله. قال في النهاية: وتعديته إلى مفعولين إمّا لأنه بمنزلة دعوت، حيث قالوا: نشدتك الله وبالله، كما قالوا: دعوت زيدا أو بزيد، أو لأنهم ضمّنوه معنى ذكرت. فأما أنشدتك بالله فخطأ. الفشل- بفتح الفاء وكسر الشين المعجمة-: الجبان الضعيف القلب. تصفّح وجوه الناس: نظر في صفحات وجوههم. الرّكاب- بالكسر- المطيّ، الواحدة: راحلة من غير لفظها. يا لكع- بضم اللام وفتح الكاف- وهو في الأصل العبد، ثم استعمل في الحمق والذّمّ. يرفده: يعينه. الكلأ- بفتحتين وبالهمز-: العشب رطبا كان أو يابسا، قاله ابن فارس وغيره. الغدران: جمع غدير وهو القطعة من الماء. مقمّل- بميم فقاف مفتوحة فميم مشددة-: جبل قرب المدينة.

شرح غريب ذكر نهيه صلى الله عليه وسلم عن طروق النساء

شرح غريب ذكر نهيه صلّى الله عليه وسلم عن طروق النساء طرق أهله يطرقهم بالضم طروقا: أتاهم ليلا. المعرّس- بميم مضمومة فعين مهملة فراء مشددة فسين مهملة-: النازل بمكان ليلا. ببارح- بموحدتين فألف فراء فحاء مهملة- بذاهب. الغمد (بكسر الغين المعجمة وسكون الميم) . توسن [بفتح المثناة فواو ساكنة- شدة النوم- أو أوله] . الماشطة: مسرّحة الشّعر. بئر أبي عنبة: بلفظ واحدة العنب. شرح غريب ذكر ما نزل في ابن أبي المنافق حل حل- بفتح الحاء المهملة وسكون اللام فيهما، ويقال بكسرها فيهما بالتنوين وبغير تنوين-: كلمة زجر للإبل. مغذ في السير: مجدّ. البرحاء (بضم الموحدة وفتح الراء) .

الباب التاسع عشر في غزوة الخندق

الباب التاسع عشر في غزوة الخندق وتسمّى غزوة الأحزاب، وهي الغزوة التي ابتلى الله فيها عباده المؤمنين، وبعث الإيمان في قلوب أوليائه المتقين، وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق، وفضحهم وفزّعهم، ثم أنزل الله تبارك وتعالى نصره ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وأعزّ جنده، وردّ الكفرة بغيظهم، ووقى المؤمنين شرّ كيدهم، وحرّم عليهم شرعا وقدرا أن يغزوا المؤمنين بعدها، بل جعلهم المغلوبين، وجعل حزبه هم الغالبين. وسببها إن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أجلى بني النّضير، وساروا إلى خيبر، وبها من يهود قوم أهل عدد وجلد، وليس لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير، فخرج حيي بن اخطب وكنانة بن أبي الحقيق وهوذة- بفتح الهاء وبالذال المعجمة- ابن قيس الوائليّ، وأبو عامر الفاسق، في جماعة سواهم، إلى مكة فدعوا قريشا وأتباعها إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين حزّبوا الأحزاب، فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمدا، جئنا لنحالفكم على عداوته وقتاله، ونشطت قريش لذلك، وتذكروا أحقادهم ببدر، فقال أبو سفيان: مرحبا وأهلا، أحبّ الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد. وأخرج خمسين رجلاً من بطون قريش كلّها، وتحالفوا وتعاقدوا وألصقوا أكبادهم بالكعبة، وهم بينها وبين أستارها، لا يخذل بعضهم بعضا، ولتكوننّ كلمتهم واحدة على محمد، ما بقي منهم رجل. وقال أبو سفيان: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب الأوّل والعلم، أخبرونا عمّا أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد: أديننا خير أم دينه؟ فنحن عمّار البيت، ننحر الكوم، ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام. فقالت يهود: اللهم أنتم أولى بالحقّ منه، إنكم لتعظّمون هذا البيت، وتقومون على السّقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان يعبد آباؤكم، فأنتم أولى بالحقّ منه. فأنزل الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً. أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً [سورة النساء من 51: 55] . فلما قالوا ذلك لقريش سرّهم، ونشطوا إلى ما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتّعدوا لذلك وقتا أقّتوه.

ذكر خروج قريش ومن ذكر معهم

ثم خرجت يهود إلى غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن عمر: وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، إن هم نصروهم، وأخبروهم أنّ قريشا قد تابعوهم على ذلك، واجتمعوا معهم فيه. ثم خرجت يهود إلى بني سليم فوعدوهم المسير معهم إذا خرجت قريش. ذكر خروج قريش ومن ذكر معهم ثم إن قريشا تجهّزت، وسيّرت تدعو العرب إلى نصرها وألّبوا أحابيشهم ومن تبعهم، وخرجوا في أربعة آلاف، وعقدوا اللّواء في دار النّدوة، وحمله عثمان بن طلحة- وأسلم بعد ذلك- وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير. ولاقتهم بنو سليم بمرّ الظّهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس وهو أبو أبي الأعور السّلميّ، الذي كان مع معاوية بصفّين. وخرجت بنو أسد بن خزيمة وقائدها طلحة بن خويلد الأسديّ، وأسلم بعد ذلك. وخرجت بنو فزارة [وأوعبت] وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن، وأسلم بعد ذلك. وخرجت أشجع، وقائدها مسعود بن رخيلة- بضمّ الرّاء وفتح الخاء المعجمة- وأسلم بعد ذلك- وهم أربعمائة. وخرجت بنو مرّة في أربعمائة، يقودهم الحارث بن عوف المرّيّ- بميم مضمومة فراء مشددة مكسورة، وأسلم بعد ذلك. قالوا: وكان القوم الذين وافوا الخندق من قريش وسليم وأسد وغطفان عشرة آلاف. وعناج الأمر إلى أبي سفيان بن حرب. هذا ما كان من أمر المشركين. وأما ما كان من أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ خزاعة عند ما تهيّأت قريش للخروج أتى ركبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع ليال حتى أخبروه، فندب الناس، وأخبرهم خبر عدوّهم، وشاورهم في أمرهم: أيبرز من المدينة أم يكون فيها، ويحاربهم عليها وفي طرقها؟ فأشار سلمان رضي الله عنه بالخندق، وقال: يا رسول الله إنا كنّا بأرض فارس إذا تخوّفنا الخيل خندقنا علينا، فأعجبهم ذلك، وأحبّوا الثّبات في المدينة، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجدّ، ووعدهم النّصر، إذا هم صبروا واتّقوا، وأمرهم بالطّاعة، ولم تكن العرب تخندق عليها. وروى البزار عن مالك بن وهب الخزاعيّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سليطا وسفيان بن عوف الأسلميّ طليعة يوم الأحزاب، فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء التفّت عليهما خيل لأبي

سفيان، فقاتلا حتى قتلا، فأتي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفنا في قبر واحد، فهما الشّهيدان القرينان. وركب فرسا له ومعه عدّة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فارتاد موضعا ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعا الجبل خلف ظهره، ويخندق من المذاد إلى ذباب إلى راتج، فعمل يومئذ في الخندق، وندب النّاس وخبّرهم بدنوّ عدوّهم وعسكرهم إلى سفح سلع وجعل المسلمون يعملون مستعجلين، يبادرون قدوم العدوّ عليهم، واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل للحفر. ووكّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلّ جانب من الخندق قوما يحفرونه، فكان المهاجرون يحفرون من ناحية راتج إلى ذباب، وكانت الأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل أبي عبيدة. وروى الطبراني بسند لا بأس به عن عمرو بن عوف المزنيّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّ الخندق من أجم الشّيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا. وتنافس المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسيّ، وكان رجلا قويّا، فقال المهاجرون: سلمان منّا! وقالت الأنصار: سلمان منّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلمان من أهل البيت» . وكان سلمان يعمل عمل عشرة رجال» ، حتّى عانه قيس بن أبي صعصعة فلبط به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروه فليتوضأ له، وليغتسل به سلمان، وليكفأ الإناء خلفه، ففعل فكأنما حل من عقال» . قال أنس بن مالك: وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل التّراب على ظهره، حتى أن الغبار علا ظهره وعكنة. وقالت أم سلمة رضي الله عنها: ما نسيت يوم الخندق، وهو يعاطيهم اللّبن، وقد اغبرّ شعره، تعني النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى. وروى محمد بن عمر عن البراء رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل التّراب على ظهره، حتى حال التّراب بيني وبينه، وإني لأنظر إلى بياض بطنه. وكان من فرغ من المسلمين من حصّته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق. ولم يتأخّر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التّراب في ثيابهما- إذ لم يجدا مكاتل- من العجلة، وكانا لا يفترقان في عمل، ولا مسير ولا منزل.

ذكر ما كان المسلمون يرتجزون به من الشعر في عمل الخندق

ذكر ما كان المسلمون يرتجزون به من الشعر في عمل الخندق قال ابن إسحاق وابن عمر: وارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له: جعيل- بضم الجيم- أو جعالة بن سراقة، وكان رجلا دميما صالحا، وكان يعمل في الخندق، فغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه يومئذ فسمّاه عمرا، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول: سمّاه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من ذلك، إلا إذا قالوا: عمرا، وإذا قالوا: ظهرا، قال: ظهرا. وروى الشيخان [ (1) ] وغيرهما عن سهل بن سعد والبخاري عن أنس رضي الله عنهما قالا: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر في الخندق، وننقل التّراب على أكتادنا وفي لفظ: أكتافنا، وفي لفظ عن متوننا. وفي رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون يحفرون في غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك، فلما رأى ما هم فيه من النّصب والجوع قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر» ، وفي لفظ: فأصلح، وفي لفظ: فأكرم المهاجرين والأنصار، وفي لفظ: فاغفر للأنصار والمهاجرة، فقالوا مجيبين له: نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا قال أنس: ويؤتونه بملء كفّي شعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة، توضع بين يدي القوم، وهم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن. وروى الشيخان وأبو يعلى وابن أبي أسامة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى وارى التراب بياض بطنه، وفي لفظ: حتى أغمر بطنه، أو قال اغبرّ بطنه، وفي لفظ: حتى وارى الغبار جلده، وكان كثيف الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات لابن رواحة: والله لولا ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ورفع بها صوته: أبينا أبينا، وفي رواية يمدّ صوته بآخرها، ولفظ أبي يعلى: «اللهم لولا أنت» ، وقد بدّل بتصدّقنا «صمنا» . وروى البيهقي عن سلمان رضي الله عنه، وابن أبي أسامة عن أبي عثمان النهدي رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخندق وقال:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 117 ومسلم في كتاب الطهارة (126- 127) .

ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصخرة في الخندق

باسم الإله وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا يا حبّذا ربّا وحبّ دينا قال محمد بن عمر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة اجتهاده في العمل يضرب مرّة بالمعول ومرّة يغرف بالمسحاة التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ منه التّعب يوما مبلغا فجلس، ثم اتّكأ على حجر على شقّه الأيسر فنام: فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على رأسه ينحّيان النّاس عنه، أن يمرّوا به، فينبّهوه، ثم استيقظ ووثب فقال: أفلا أفزعتموني! وأخذ الكرزن يضرب به ويقول: اللهمّ إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة الّلهمّ العن عضلا والقارة ... فهم كلّفوني أنقل الحجارة وعمل المسلمون في الخندق حتى أحكموه. قال محمد بن عمر، وابن سعد: في ستّة أيّام. وكان الخندق بسطة أو نحوها. وأعقب بين عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، فتكون عائشة عنده أياما، ثم تكون أمّ سلمة عنده أياما، ثم تكون زينب عنده أياما، فهؤلاء الثلاث اللّاتي يعقب بينهنّ في الخندق، وسائر نسائه في أطم بني حارثة، وكان حصينا، ويقال: كنّ في النّسر أطم في بني زريق، ويقال: كان بعضهنّ في فارع. ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصّخرة في الخندق روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والإمام أحمد بسند جيد عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن عوف، وأبو نعيم عن أنس، والحارث والطبراني عن ابن عمر، والطبراني بسند جيد، عن ابن عباس، والبيهقي وأبو نعيم من طريقين عن ابن شهاب، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن إسحاق عن شيوخه: أنّ المسلمين عرض لهم في بعض الخندق صخرة، وفي لفظ كدية عظيمة شديدة بيضاء مدوّرة، لا تأخذ فيها المعاول، فكسرت حديدهم، وشقّت عليهم، وفي حديث عمرو بن عوف: أنّها عرضت لسلمان. وذكر محمد بن عمر أنّها تعرّضت لعمر بن الخطاب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فقال: أنا نازل، ثم قام، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن

ذكر الآيات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في حفر الخندق

يدعو به، ثم نضح من ذلك الماء عليها، فيقول من حضرها: والذي بعثه بالحق إنها عادت كالكثيب المهيل ما تردّ فأسا ولا مسحاة، فأخذ المعول من سلمان، وقال: «بسم الله» ، وضرب ضربة فكسر ثلثها، وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأنّ مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أعطيت مفاتيح اليمن، إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني السّاعة، كأنّها أنياب الكلاب» ، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، وبرق منها برقة فخرج نور من قبل الرّوم فأضاء ما بين لابتي المدينة فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني الساعة» . ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابتي المدينة، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنّها أنياب الكلاب من مكاني هذا، وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها، فأبشروا بالنّصر» . فاستسرّ المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعد صادق، بأن وعدنا النصر بعد الحصر، وجعل يصف لسلمان، فقال سلمان: صدقت يا رسول الله، هذه صفته، أشهد أنك رسول الله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه فتوح يفتحها الله تعالى بعدي يا سلمان، لتفتحنّ الشّام، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد، وليفتحنّ هذا المشرق، ويقتل كسرى فلا يكون كسرى بعده» [ (1) ] . قال سلمان: فكلّ هذا قد رأيت. قال أبو هريرة- فيما رواه بن إسحاق- حين فتحت هذه الأمصار زمان عمر، وزمان عثمان ومن بعده: «افتحوا ما بدا لكم، فو الذي نفس أبي هريرة بيده ما فتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله تعالى محمدا مفاتيحها قبل ذلك» . فقال المنافقون: يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق، ولا تستطيعون أن تبرزوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب: 12] . ذكر الآيات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في حفر الخندق روى الشيخان، ومحمد بن عمر، والحاكم، والبيهقي عن جابر بن عبد الله، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهم:

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 303.

أن جابرا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عاصبا بطنه بحجر من الجوع وأنهم لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا. قال جابر: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنزل فأذن لي، فذهبت فقلت لامرأتي: أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي صاع من شعير وعناق، فأخرجت إناء فيه صاع من شعير، وذبحت العناق، وطحنت الشعير، وجعلنا اللّحم في البرمة، فلما انكسر العجين وكادت البرمة أن تنضج وأمسينا، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف- قال: وكنا نعمل نهارا، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا- قالت لي: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. فشبّك أصابعه في أصابعي وقال: كم هو؟ فذكرت له، فقال: كثير طيّب لا تنزلنّ برمتكم ولا تخبزنّ عجينكم حتى أجيء، وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سورا فحيّ، هلا بكم» ، وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، ولقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وقلت: جاء الخلق، والله إنها للفضيحة على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي فقلت: ويحك! جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، فقالت: بك وبك، وفي رواية: هل سألك؟ قلت: نعم. وفي رواية: قالت: أنت دعوتهم أو هو؟ قلت: بل هو دعاهم. قالت: دعهم، الله ورسوله أعلم، نحن قد أخبرناه بما عندنا. فكشفت عنّي. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «ادخلوا عشرة عشرة، ولا تضاغطوا» ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك، فقال لنا: «اخبزوا واغرفوا وغطّوا البرمة، ثم أخرجوا الخبز من التّنّور، وغطّوا الخبز» ، ففعلنا، فجعلنا نغرف ويغطّي البرمة، ثم يفتحها فما نراها نقصت شيئا، ويخرج الخبز من التّنّور، ثم يغطّيه فما نراه نقص شيئا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويقرّب إلى أصحابه ويقول لهم: «كلوا» . فإذا شبع قوم قاموا، ثم دعا غيرهم حتى أكلوا وهم ألف، وانحرفوا وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإنّ عجيننا ليخبز كما هو، فقال: «كلوا واهدوا، فإنّ الناس أصابتهم مجاعة شديدة» . فلم نزل نأكل ونهدي يومنا ذلك أجمع، فلّما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك [ (1) ] . وروى ابن إسحاق، وأبو نعيم عن أبنة لبشير- بفتح الموحدة- ابن سعد أخت النعمان ابن بشير رضي الله عنه، قالت: بعثتني أمّي بجفنة تمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي عبد الله بن رواحة، وهم يحفرون في الخندق، فناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخذ التّمر منّي في كفّه فما ملأها، وبسط ثوبا فنثره عليه فتساقط- وفي لفظ فتبدّد- في جوانبه، ثم قال

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 456 (4101) .

ذكر بركة يده صلى الله عليه وسلم

لإنسان عنده: اصرخ: يا أهل الخندق أن هلمّ إلى الغداء. فاجتمعوا وأكلوا منه، وجعل يزيد حتى صدروا عنه، وإنّه ليسقط من أطراف الثوب [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن عبيد الله بن أبي بردة قال: أرسلت أمّ عامر الأشهلية بقعبة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في قبّته عند أم سلمة، فأكلت أمّ سلمة حاجتها، ثم خرج بالقعبة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائه، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا منها، وهي كما هي. وروى أبو يعلى وابن عساكر، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه رضي الله عنه، قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال: «يا أبا رافع، ناولني الذّراع» ، فناولته، ثم قال: «ناولني الذراع» فناولته ثم قال: «ناولني الذراع» ، فناولته، ثم قال: «ناولني الذراع» ، فناولته، فقلت: يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان؟! قال: «لو سكتّ ساعة لناولتنيه ما سألتك» [ (2) ] . ذكر بركة يده صلى الله عليه وسلم روى الطبراني وأبو القاسم البغوي عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: لما أجرى أخي علي بن الحكم فرسه، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فقال: «بسم الله» . ومسح ساقه فما نزل عنها حتى برأ. ذكر تخلف جماعة من المنافقين عن مساعدة المسلمين قال ابن إسحاق: وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين، وجعلوا يورّون بالضّعيف من العمل، ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بدّ منها يذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه في اللّحوق بحاجته، فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله، رغبة في الخير، واحتسابا له. فانزل الله تعالى في أولئك المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة النور 62] .

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 6/ 133. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 8 وأبو نعيم في الدلائل (156) وانظر البداية والنهاية 6/ 139.

ذكر عرضه صلى الله عليه وسلم الغلمان

وأنزل الله سبحانه وتعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور 63، 64] . ذكر عرضه صلّى الله عليه وسلم الغلمان روى محمد بن عمر، عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز وردّ من ردّ، وكان الغلمان الذين لم يبلغوا يعملون معه ولم يجزهم، ولكن لمّا لحم الأمر أمر من لم يبلغ أن يرجع إلى أهله إلى الآطام مع الذراريّ والنساء. وممّن أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم: - عبد الله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت وأبا سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وهم أبناء خمس عشرة سنة. ذكر تهيؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرب المشركين ووصولهم إلى المدينة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل الخندق، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم- فيما قال ابن هشام- ونزل أمام سلع فجعله خلف ظهره، والخندق أمامه، وكان عسكره فيما هنالك، وضربت له قبّة من أدم كانت عند المسجد الأعلى الذي بأصل الجبل- جبل الأحزاب- وكان المسلمون فيما قالوا: ثلاثة آلاف، ووهم من قال: إنهم كانوا سبعمائة. وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة. وجعل النساء والذّراريّ بين الآطام، وشبّكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن. روى ابن سعد، عن المهلب بن أبي صفرة، قال: حدثني رجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق: إني لأرى القوم الليلة فإن شعاركم: هُمْ لا يُنْصَرُونَ. وكان حسان بن ثابت مع النّساء والذّراريّ في الآطام. فروى محمد بن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزّبير، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وأبو يعلى والبزار بسند حسن، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، والطبراني برجال الصحيح، عن عروة بن الزبير مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فجعل نساءه وعمّته صفيّة في أطم يقال له:

ذكر وصول المشركين بعد فراغ الخندق

فارع، وجعل معهم حسان بن ثابت. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فأقبل عشرة من يهود، فجعلوا ينقمعون ويرمون الحصن، ودنا أحدهم إلى باب الحصن، وقد حاربت قريظة. وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر العدوّ، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إذ أتانا آت، فقلت لحسّان: يا حسّان قم إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، ولو كان ذلك في لخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت صفيّة: فلما قال ذلك، ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت سيفا فربطته على ذراعي، ثم تقدّمت إليه حتى قتلته، وفي لفظ: فأخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود ضربة شدخت فيها رأسه، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسّان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنّه رجل، قال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب. فقلت له: خذ الرّأس وارم به على اليهود، قال: ما ذاك في، فأخذت هي الرّأس فرمت به على اليهود، فقالوا: قد علمنا إن محمدا لم يترك له خلوفا ليس معهم أحد، فتفرّقوا. زاد أبو يعلى: فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب لصفيّة بسهم كما يضرب للرّجال. ومرّ سعد بن معاذ على عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وهي في الحصن، وعليه درع مقلّصة قد خرجت منها أذرعه كلّها وفي يده حربته يرقدّ بها وهو يقول: لبّث قليلا يشهد الهيجا حمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل فقالت له أمه وكانت مع النساء في الحصن: الحق بنيّ فقد والله أخّرت، فقالت لها عائشة: يا أمّ سعد، والله لوددت أنّ درع سعد كانت أوسع ممّا هي عليه، قالت: وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فقالت أمّ سعد: يقضي الله ما هو قاض، فقضى الله أن أصيب يومئذ. ذكر وصول المشركين بعد فراغ الخندق وأقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة في أحابيشها، ومن ضوى إليها من بني كنانة وأهل تهامة. وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد، فسرّحت قريش ركابها في عضاه وادي العقيق، ولم تجد لخيلها هناك شيئاً إلا ما حملت من علفها من الذّرة. وسرّحت غطفان إبلها إلى الغابة في أثلها وطرفائها، وكان الناس قد حصدوا زرعهم قبل ذلك بشهر، وأدخلوا حصادهم وأتبانهم، وكادت خيل غطفان تهلك.

ذكر ما قاله المؤمنون لما رأوا الأحزاب

ذكر ما قاله المؤمنون لما رأوا الأحزاب روى ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس، والطيالسي وعبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن قتادة: أن الله تعالى قال لهم في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة 214] فلمّا مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب 22] للقضاء، رضي الله عنهم. ذكر نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل المشركون فيما ذكر، خرج عدوّ الله حيي بن اخطب النّضريّ حتى أتى كعب ابن أسد القرظيّ صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاهده على ذلك، فلما سمع كعب بحييّ أغلق دونه باب حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ: ويحك يا كعب! افتح، قال: ويحك يا حييّ! إنك امرؤ مشؤوم، وإنّي قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا صدقا ووفاء. قال: ويحك! افتح لي أكلّمك، قال: والله ما أنا بفاعل، قال: والله، إن أغلقت دوني إلا خوفا على جشيشتك أن آكل معك منها. فأحفظ الرّجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعزّ الدهر، وبحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاقدوني وعاهدوني على ألّا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال له كعب: جئتني والله بذلّ الدّهر وبجهام قد أهرق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، وليس فيه شيء، ويحك يا حييّ! خلّني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذّروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ ممّا كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووعظهم عمرو بن سعدى وخوّفهم سوء فعالهم، وذكّرهم ميثاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وقال لهم: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوّه، فأبوا. وخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة بنو سعنة: أسد وأسيد وثعلبة فكانوا معه، وأسلموا.

وأمر كعب بن أسد حيي بن اخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم. فبلغ عمر بن الخطاب خبر نقض بني قريظة العهد، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، فبعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة وهما سيّدا قومهما، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوّات بن جبير- زاد محمد بن عمر: وأسيد بن حضير- فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا، فإن كان حقّا فالحنوا إليّ لحنا أعرفه ولا تفتّوا في أعضاد النّاس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس. فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم قد نقضوا العهد، فناشدوهم الله والعهد الذي كان بينهم أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك، قبل أن يلتحم الأمر، ولا يطيعوا حيي بن اخطب، فقال كعب: لا نردّه أبدا، قد قطعته كما قطعت هذا القبال- لقبال نعله- وقال: من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ لا عهد بيننا وبينه. فشاتمهم سعد بن عبادة، كما قال ابن عقبة ومحمد بن عمر وابن عائذ وابن سعد- وقال ابن إسحاق: أنه سعد بن معاذ- وشاتموه وكان رجلا فيه حدّة، فقال له سعد بن معاذ- أو سعد بن عبادة إن كان الأول سعد بن معاذ-: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. وقال أسيد بن حضير لكعب: أتسبّ سيدك يا عدو الله ما أنت له بكفء يا بن اليهوديّة، ولتولّينّ قريش إن شاء الله منهزمين، وتتركك في عقر دارك فنسير إليك، فننزلك من جحرك هذا على حكمنا. ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد بن عبادة: عضل والقارة، يعني كغدر عضل والقارة بأصحاب الرّجيع. وسكت الباقون، ثم جلسوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا يا معشر المؤمنين بنصر الله تعالى وعونه، إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق وآخذ المفتاح، وليهلكنّ كسرى وقيصر ولتنفقنّ أموالهم في سبيل الله. يقول ذلك حين رأى ما بالمسلمين من الكرب. قال ابن عقبة: ثم تقنّع رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه حين جاءه الخبر عن بني قريظة، فاضطجع ومكث طويلا، وانتهى الخبر إلى المسلمين بنقض بني قريظة العهد، فاشتد الخوف وعظم البلاء، وخيف على الذراريّ والنساء، وكانوا كما قال الله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب 10] . ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قبالة عدوّهم، لا يستطيعون الزّوال عن مكانهم، يعتقبون خندقهم يحرسونه. ونجم النفاق من بعض المنافقين، فقال معتّب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر وأن أموالهما تنفق في سبيل الله، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب 12] وقال رجال ممّن معه: يا أَهْلَ

يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب 13] وهمّت بنو قريظة بالإغارة على المدينة ليلا، فبلغ ذلك المسلمين، فعظم الخطب، واشتدّ البلاء، ثم كفهّم الله تعالى عن ذلك لمّا بلغهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سلمة بن أسلم بن حريش الأشهليّ في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير، فإذا أصبحوا أمنوا. واجتمعت جماعة من بني حارثة فبعثوا أوس بن قيظيّ- بالتحتية والظاء المعجمة المشالة- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن بيوتنا عورة، وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردّهم عنّا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا، فنمنع ذرارينا ونساءنا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرحوا بذلك وتهيّئوا للانصراف. قال محمد بن عمر: فبلغ سعد بن معاذ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: لا تأذن لهم، إنا والله ما أصابنا وإيّاهم شدّة قطّ إلا صنعوا هكذا، ثم أقبل عليهم فقال: يا بني حارثة، هذا لنا منكم أبدا، ما أصابنا وإياكم شدة إلا صنعتم هكذا. فردّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان المسلمون يتناوبون حراسة نبيّهم، وكانوا في قرّ شديد وجوع، وكان ليلهم نهارا. روى محمد بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها، حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني، فإذا دفئ خرج إلى تلك الثّلمة، ويقول: «ما أخشى أن يؤتى الناس إلّا منها» فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حضني قد دفئ وهو يقول: ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثّلمة الليلة، فسمع صوت السّلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» فقال سعد بن أبي وقاص: سعد يا رسول الله، فقال: «عليك هذه الثّلمة فاحرسها» . قالت: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سمعت غطيطه. قال ابن سعد: وكان عباد بن بشر، والزبير بن العوام، على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وروى محمد بن عمر عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الخندق، وكنا في قرّ شديد، فإني لأنظر إليه ليلة قام فصلّى ما شاء الله أن يصلي في قبّته، ثم خرج فنظر ساعة فأسمعه يقول: «هذه خيل المشركين تطيق بالخندق» ، ثم نادى عباد بن بشر، فقال عبّاد: لبيك! قال: «أمعك أحد؟» قال: نعم، أنا في نفر من أصحابي حول قبّتك. قال: «انطلق في أصحابك فأطف بالخندق، فهذه خيل المشركين تطيف بكم، يطمعون أن يصيبوا منكم غرّة، اللهمّ فادفع عنّا شرّهم، وانصرنا عليهم، واغلبهم، فلا يغلبهم أحد غيرك» . فخرج عبّاد في أصحابه فإذا هو بأبي سفيان بن حرب في خيل المشركين يطوفون بمضيق من الخندق، وقد نذر بهم المسلمون فرموهم بالحجارة والنّبل، حتى أذلقهم المسلمون بالرّمي،

ذكر إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة غطفان

فانكشفوا منهزمين إلى منازلهم، قال عبّاد: ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته يصلي فأخبرته. قالت أم سلمة: يرحم الله عباد بن بشر، فإنه كان ألزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبّته يحرسها أبدا. فلما أصبح المشركون ورأوا الخندق قالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها، ولا تكيدها. وقال بعضهم: إنّ معه رجلا فارسيّا فهو الذي أشار عليه به. قالوا: فمن هناك إذا؟ ونادوا المسلمين، وكان بينهم الرميّ بالنّبل والحجارة، والخندق حاجز بين الفريقين. وكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهريّ يوما، فلا يزالون يجيلون خيلهم، ويتفرّقون مرة، ويجتمعون أخرى، ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدمون رماتهم. ذكر أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة غطفان لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم نقض بني قريظة العهد أرسل إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف، وهما قائدا غطفان- وأسلما بعد ذلك- فلما جاءا في عشرة من قومهما قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتما إن جعلت لكما ثلث تمر المدينة أترجعان بمن معكما، وتخذّلان بين الأعراب؟» فقالا: تعطينا نصف تمر المدينة، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك، فأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصّحيفة والدّواة، وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصّحيفة، وهو يريد أن يكتب الصلح بينهما، وعباد بن بشر قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقنّع في الحديد، فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الرّمح، ولا يدري بما كان من الكلام، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيينة بن حصن مادّ رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعلم ما يريدون قال: يا عين الهجرس اقبض رجليك، أتمدّهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنفذت خصيتيك بالرمح! ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن كان أمراً من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فو الله لا نعطيهم إلا السيف، متى طمعوا بهذا منّا؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فاستشارهما في ذلك وهو متكئ عليهما، والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخفيه، وأخبرهما الخبر. وقال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشارهما في ذلك فقالا: يا رسول الله إن كان الأمر من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فامض له سمعا وطاعة، وإن كان إنّما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف. وأخذ سعد بن معاذ الكتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب،

ذكر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ود العامري

فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر مّا» ، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشّرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله تعالى نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وهدانا له، وأعزّنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟! ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلّا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا. وروى البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو ذلك مختصرا قال: [جاء الحارث] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد ناصفنا تمر المدينة وإلا ملأتها عليك خيلا ورجالا، فقال حتى أستأمر السّعود: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وسعد بن الرّبيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود، فكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقالوا: لا، والله ما أعطينا الدّنيّة في أنفسنا في الجاهلية، فكيف وقد جاء الله تعالى بالإسلام، فرجع إلى الحارث فأخبره، فقال: غدرت يا محمد [ (1) ] . ذكر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ود العامري روى البيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أقام مرابطا والمشركون يحاصرونه. قال ابن إسحاق: بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال من الخندق، إلا الرّمي بالسهام والحجارة، ثم إن رؤساء المشركين وسادتهم أجمعوا على أن يغدوا جميعا لقتال المسلمين فغدا أبو سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطّاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص ونوفل بن معاوية الدّيلميّ- وأسلموا بعد ذلك- ونوفل بن عبد الله المخزومي، وعمرو بن عبد ود، في عدّة ومعهم رؤساء غطفان: عيينة بن حصن، والحارث بن عوف، ومسعود بن رخيل- بالخاء المعجمة والتصغير- وأسلم الثلاثة بعد ذلك. ومن بني أسد رؤوسهم، وتركوا الرجال خلوفا فجعلوا يطوفون بالخندق يطلبون مضيقا، يريدون أن يقحموا خيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتيمّموا مكانا من الخندق ضيّقا قد أغفله المسلمون، فجعلوا يكرهون خيلهم ويضربونها حتى اقتحمت، فعبر عكرمة، ونوفل بن عبد الله، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد ود، وأقام سائر المشركين من وراء الخندق، ولم يعبروا، فقيل لأبي سفيان: ألا تعبر قال: قد عبرتم، فإن احتجتم لنا عبرنا، فجالت بالذين دخلوا خيلهم في السّبخة بين

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 135 وعزاه للبزار والطبراني.

الخندق وسلع، وخرج نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثّغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ودّ قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، وارتثّ فلم يشهد أحدا، فحرّم الدّهن حتى يثأر من محمد وأصحابه، وهو يومئذ كبير. قال ابن سعد: إنه بلغ تسعين سنة، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم المسمّين، فلما كان يوم الخندق خرج ثائر الرأس معلما ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله دعا إلى البراز، فقام علي بن أبي طالب، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه سيفه وعمّمه، وقال: «اللهمّ أعنه عليه» ، فمشى إليه وهو يقول: لا تعجلنّ فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز ذو نيّة وبصيرة ... والصّدق من خير الغرائز إني لأرجو أن أقي ... م عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يب ... قى ذكرها عند الهزاهز ثم قال له: يا عمرو إنك كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها، قال: أجل، فقال على: فإني أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتسلم لرب العالمين، قال: يا بن أخي أخّر عنّي هذه، قال: وأخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذبا كان الذي تريد. قال: هذا ما لا تحدّث به نساء قريش أبدا، وقد نذرت ما نذرت، وحرّمت الدّهن، قال: فالثالثة؟ قال: البراز. فضحك عمرو وقال: إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها، فمن أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: يا بن أخي من أعمامك من هو أسنّ منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي رضي الله عنه: لكنّي والله لا أكره أن أهريق دمك. فغضب عمرو، فنزل عن فرسه وعقرها، وسلّ سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو عليّ مغضبا، واستقبله عليّ بدرقته، ودنا أحدهما من الآخر وثارت بينهما غبرة، فضربه عمرو فاتّقى عليّ الضّربة بالدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجّه. قال البلاذريّ: ويقال: إن عليّا لم يجرح قطّ وضربه عليّ على حبل عاتقه فسقط وثار العجاج، وقيل: طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقّه، فسقط. وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير فعرف أنّ عليّا قد قتله. فثمّ علي رضي الله عنه يقول: نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت ربّ محمّد بصوابي فصدرت حين تركته متجدّلا ... كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن أثوابه ولو أنّني ... كنت المقطّر بزّني أثوابي لا تحسبنّ الله خاذل دينه ... ونبيّه يا معشر الأحزاب قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشّعر يشكّ فيها لعلي رضي الله عنه. ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجهه يتهلّل، ولم يكن للعرب درع خير من درعه، ولم يستلبه لأنه اتّقاه بسوءته، فاستحياه، وخرجت خيولهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق. قال ابن هشام: وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو. فقال حسان بن ثابت في ذلك: فرّ وألقى لنا رمحه ... لعلّك عكرم لم تفعل وولّيت تعدو كعدو الظّليم ... ما إن تجور عن المعدل ولم تلق ظهرك مستأنسا ... كأنّ قفاك قفا فرعل ورجع المشركون هاربين، وخرج في آثارهم الزبير بن العوام وعمر بن الخطاب فناوشوهم ساعة، وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف حتى شقّه باثنين، وقطع أبدوج سرجه، حتى خلص إلى كاهل الفرس، فقيل: يا أبا عبد الله ما رأينا مثل سيفك، فقال: والله ما هو السيف، ولكنها الساعد. وحمل الزّبير أيضا على هبيرة بن أبي وهب فضرب ثفر فرسه، فقطع ثفره، وسقطت درع كان محقبها الفرس، فأخذها الزّبير، فلما رجعوا إلى أبي سفيان قالوا: هذا يوم لم يكن لنا فيه شيء فارجعوا. قال الحاكم: سمعت الأصمّ، قال: سمعت العطارديّ، وقال: سمعت الحافظ يحيى بن آدم يقول: ما شبّهت قتل عليّ عمرا إلا بقوله تعالى: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ [البقرة 251] . قال ابن إسحاق، كما رواه البيهقي عنه: وبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشترون جيفة عمرو بن عبد ودّ بعشرة آلاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو لكم لا نأكل ثمن الموتى» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والتّرمذيّ والبيهقي عن ابن عباس قال: قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا بجسده، ونعطيكم اثني عشر ألفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في جيفته ولا في ثمنه، ادفعوه إليهم فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدّية» ، فلم يقبل منهم شيئا.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 107.

ذكر اتفاق المشركين على محاصرة المسلمين من جميع جوانب الخندق

وروى أبو نعيم: إن رجلا من آل المغيرة قال: لأقتلنّ محمدا، فأوثب فرسه في الخندق، فوقع، فاندقّت عنقه، فقالوا: يا محمد ادفعه إلينا نواريه، وندفع إليك ديته، فقال: «خذوه فإنه خبيث الدّية» [ (1) ] . وذكر ابن عقبة: أنّ المشركين لمّا بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزوميّ حين قتل، وعرضوا عليه الدّية، فقال: إنه خبيث الدّية، فلعنه الله ولعن ديته، فلا أرب لنا في ديته، ولسنا نمنعكم أن تدفنوه. وذكر أبو جعفر بن جرير: أنّ نوفلا لما تورّط في الخندق رماه الناس بالحجارة، فجعل يقول: قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه عليّ فقتله، وطلب المشركون رمّته، فمكّنهم من أخذه. وهذا غريب. قال ابن سعد: ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعا حتى انصرفوا، إلا أنّهم لا يدعون الطلائع باللّيل يطمعون في الغارة. ذكر اتفاق المشركين على محاصرة المسلمين من جميع جوانب الخندق لما قتل الله عمرا، وانهزم من كان معه، اتّحد المشركون أن يغدوا جميعا، ولا يتخلف منهم أحد، فباتوا يعبّئون أصحابهم، ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، قبل طلوع الشمس، وعبّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وجمعهم على القتال ووعدهم النّصر إن ثبتوا. والمشركون قد جعلوا المسلمين في مثل الحصن من كتائبهم، فأحدقوا بكل وجه من الخندق ووجّهوا نحو خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة، فيها خالد بن الوليد فقاتلهم يومه ذلك إلى هوي من الليل، وما يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من مواضعهم، ولا قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء، فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله ما صلّينا، فيقول صلى الله عليه وسلم: «والله ما صلّيت حتى كشفهم الله تعالى» ، فرجعوا متفرّقين، ورجع كل فريق إلى منزله وأقام أسيد بن حضير على الخندق في مائتين [من المسلمين فهم] على شفير الخندق، فكرّت خيل المشركين، وعليها خالد بن الوليد يطلبون غرّة، فناوشهم ساعة، فزرق وحشي بن حرب الطّفيل بن النّعمان، وقيل: الطّفيل بن مالك بن النعمان الأنصاري بمزراقه فقتله، كما فعل بحمزة سيّد الشهداء بأحد. ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ رضي الله عنه روى ابن سعد، عن عاصم بن عمرو بن قتادة أن حبّان بن قيس بن العرقة رمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع أكحله، فلما أصابه، قال: خذها وأنا ابن العرقة. فقال له سعد- ويقال

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 423 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (30102) .

ذكر قضائه صلى الله عليه وسلم ما فاته من الصلوات

رسول الله صلى الله عليه وسلم-: عرّق الله وجهك في النّار. وقال سعد: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك، وأخرجوه، وكذّبوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. وقيل: إن الذي أصاب سعدا أبو أسامة الجشميّ، وقيل: خفاجة بن عاصم فالله أعلم. وسيأتي لهذا مزيد بيان في حوادث سنة خمس. وخرجت طليعتان للمسلمين فالتقتا، ولا يشعر بعضهم ببعض، ولا يظنون إلا أنهم العدوّ، فكانت بينهم جراحة وقتل، ثم نادوا بشعار المسلمين: «بحم لا ينصرون» ، فكفّ بعضهم عن بعض، وجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «جراحكم في سبيل الله، ومن قتل منكم فهو شهيد» ، فكانوا بعد ذلك إذا دنا المسلمون بعضهم من بعض نادوا بشعارهم. وكان رجال يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يطلعوا إلى أهلهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أخاف عليكم من بني قريظة» ، فإذا ألحّوا يقول: «من يذهب منكم فليأخذ بسلاحه» . وكان فتى حديث عهد بعرس، فأخذ سلاحه وذهب، فإذا امرأته قائمة بين البابين فهيّأ لها الرّمح ليطعنها فقالت: اكفف حتى ترى ما في بيتك فإذا بحيّة على فراشه، فركز فيها الرّمح فانتظمها فيه، ثم خرج به فنصبه في الدار، فاضطربت الحيّة في رأس الرّمح، وخرّ الفتى ميّتا، فما يدري أيهما كان أسرع موتا: الفتى أم الحية؟ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن بالمدينة جنّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان. ذكر قضائه صلى الله عليه وسلم ما فاته من الصلوات روى الخمسة عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم الخندق: «ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصّلاة الوسطى، حتى غابت الشمس» [ (1) ] . وروى الشيخان والترمذي والنسائي عن جابر بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، جعل يسبّ كفّار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلّي حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما صلّيتها» ، فنزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصلاة، وتوضّأنا لها، فصلّى العصر بعد ما غربت الشمس، وصلّى بعدها المغرب [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2931) ومسلم 1/ 436 (202- 627) وابن ماجه (684) وأحمد في المسند 1/ 79 وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 503. [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب الأذان (641) .

ذكر ما غنمه المسلمون من المشركين

وروى الإمام أحمد والنسائي عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد عن ابن مسعود، والبزار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، قال أبو سعيد: حبسنا. وقال جابر وابن مسعود: إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما ذهب هويّ من الليل أمر بلالا فأذّن وأقام، فصلّى الظّهر كما كان يصلّيها في وقتها، ثم أمره فأقام فصلّى العصر كذلك، ثم أمره، فأقام فصلّى المغرب كذلك، ثم أمره فأقام فصلّى العشاء كذلك، ثم قال: «ما على وجه الأرض قوم يذكرون الله تعالى في هذه الساعة غيركم» . قال أبو سعيد: وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة 239] . وروى ابن سعد من طريق ابن لهيعة عن أبي جمعة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلّى المغرب، فلما فرغ قال: «هل أحد منكم علم أنّي صلّيت العصر؟» قالوا: يا رسول الله ما صلّيت، فأمر المؤذّن فأقام الصّلاة فصلّى العصر، ثم أعاد المغرب [ (1) ] . ذكر ما غنمه المسلمون من المشركين قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عمر بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك عن أبيه عن جده أن أبا سفيان قال لحييّ بن أخطب: قد نفدت علافتنا فهل عندكم من علف؟ فقال حييّ: نعم، فكلّم كعب بن أسد، فقال: مالنا مالك فاصنع ما رأيت، مر القوم يأتوا بحمولة فيحملوا ما أرادوا، فأرسل إليهم حييّ أن ابعثوا بحمولتكم تحمل العلف، فأرسلوا عشرين بعيرا، فحمّلوها شعيرا وتمرا وتبنا، وخرجوا بها إلى قريش، حتى إذا كانوا بصفنة وهم يريدون أن يسلكوا العقيق جاءوا جمعا من بني عمرو بن عوف، وهم يريدون منازلهم بأنصاف النهار يطلبونهم، وهم عشرون رجلا، فيهم أبو لبابة بن عبد المنذر، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عديّ، خرجوا لميت لهم مات منهم في أطمهم ليدفنوه، فناهضوا الحمولة، وقاتلهم القريشيون ساعة، وكان فيهم ضرار بن الخطاب فمنع الحمولة، ثم جرح وجرح، ثم أسلموها، وكثرهم المسلمون، وانصرفوا بها يقودونها، حتى أتوا بني عمرو بن عوف، فدفنوا ميّتهم، ثم ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فكان أهل الخندق يأكلون منها، فتوسّعوا بذلك، وأكلوه حتى نفد، ونحروا من تلك الإبل أبعرة في الخندق، وبقي منها ما بقي حتى دخلوا به المدينة، فلما رجع ضرار بن الخطاب أخبرهم الخبر، فقال أبو سفيان: إن حييّا لمشئوم، ما أعلمه إلا قطع بنا، ما نجد ما نتحمّل عليه إذا رجعنا.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 7 وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط.

ذكر اشتداد الأمر على المسلمين ودعائه صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وكيف صرفهم الله تعالى وقدوم نعيم بن مسعود رضي الله عنه

ذكر اشتداد الأمر على المسلمين ودعائه صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وكيف صرفهم الله تعالى وقدوم نعيم بن مسعود رضي الله عنه أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشّدة، لتظاهر عدوّهم عليهم، وإتيانهم إيّاهم من فوقهم ومن أسفل منهم. روى الإمام أحمد وابن سعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مسجد الأحزاب يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر، فوضع رداءه، وقام فرفع يديه يدعو عليهم. قال جابر: فعرفنا البشر في وجهه. وروى البخاري وابن سعد وأبو نعيم عن عبد الله بن أبي بن أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي الأحزاب- زاد أبو نعيم: انتظر حتى زالت الشمس ثم قام في الناس- فقال: «يا أيها الناس لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله العافية، فإن لقيتم العدوّ فاصبروا، واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف» . اه. ثم قال: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم» [ (1) ] . وروى ابن سعد، عن سعيد بن المسيّب قال: حصر النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك. اللهم إن تشأ لا تعبد» . وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وعن أبيه قال: قلنا يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: «نعم، قولوا: اللهم استر عوراتنا وآمنا روعاتنا» ، قال: فصرف الله تعالى ذلك [ (2) ] . وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن عاصم الأشجعيّ، عن أبيه، وأبو نعيم عن عروة وابن شهاب: أن نعيم بن مسعود كان صديقا لبني قريظة، فلما سارت الأحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار مع قومه وهو على دينهم، فأقامت الأحزاب ما أقامت، حتى أجدب الجناب، وهلك الخفّ والكراع، فقذف الله تعالى في قلبه الإسلام وكتم قومه إسلامه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين المغرب والعشاء، فوجده يصلي، فلما رآه جلس، ثم قال: «ما جاء بك يا نعيم؟» قال: جئت أصدقك، وأشهد أنّ ما جئت به حقّ، فأسلم، وأخبره أن قريشا

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (2796) وأحمد في المسند 4/ 351. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 3 والطبري في التفسير 21/ 8 وانظر البداية والنهاية 4/ 111.

تحزّبوا عليه، وأنهم بعثوا إلى قريظة: أنه قد طال ثواؤنا وأجدب ما حولنا، وقد جئنا لنقاتل محمدا وأصحابه، فنستريح منه، فأرسلت إليهم قريظة: نعم ما رأيتم فإذا شئتم، فابعثوا بالرّهن، ثم لا يحبسكم إلّا أنفسكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنعيم: «فإنهم قد أرسلوا إليّ يدعونني إلى الصلح، وأردّ بني النّضير إلى ديارهم وأموالهم» ، فقال نعيم: يا رسول الله فمرني بما شئت، والله لا تأمرني بأمر إلا مضيت له، قال: وقومي لا يعلمون بإسلامي ولا غيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنّا الناس ما استطعت، فإنّ الحرب خدعة» . قال: أفعل، ولكن يا رسول الله إنّي أقول فأذن لي فأقول، قال: «قل ما بدا لك، فأنت في حلّ» . قال: فذهبت حتى جئت بني قريظة فلما رأوني رحّبوا بي وأكرموني، وعرضوا عليّ الطعام والشراب، فقلت: إني لم آت لطعام وشراب، إنما جئتكم نصبا بأمركم وتخوّفا عليكم، لأشير عليكم برأي، وقال: قد عرفتم ودّي إيّاكم وخاصة ما بيني وبينكم، فقالوا: قد عرفنا ولست عندنا بمتّهم، وأنت عندنا على ما نحبّ من الصّدق والبرّ، قال: فاكتموا عنّي. قالوا: نفعل. قال: إنّ أمر هذا الرجل بلاء- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- صنع ما رأيتم ببني قينقاع وبني النّضير، وأجلاهم عن بلادهم بعد قبض الأموال، وإنّ ابن أبي الحقيق قد سار فينا، فاجتمعنا معه لننصركم، وأرى الأمر قد تطاول كما ترون، وإنكم والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة، أما قريش وغطفان فإنهم قوم جاءوا سيّارة حتى نزلوا حيث رأيتم، فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الحرب فأصابهم ما يكرهون انشمروا إلى بلادهم، وأنتم لا تقدرون على ذلك، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وقد كبر عليهم جانب محمد، أجلبوا عليه بالأمس إلى الليل، فقتل رأسهم عمرو بن عبد ودّ، وهربوا منه مجروحين، لا غنى بهم عنكم، لما يعرفون عندكم، فلا تقاتلوا مع قريش ولا غطفان حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، تستوثقون به منهم ألا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا. قالوا: أشرت علينا بالرّأي والنّصح، ودعوا له وشكروه، وقالوا: نحن فاعلون. قال: ولكن اكتموا عليّ، قالوا: نفعل. ثم أتى نعيم أبا سفيان بن حرب في رجال من قريش. فقال: أبا سفيان جئتك بنصيحة، فاكتم عليّ. قال: أجل. قال: تعلم أنّ بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد، فأرادوا إصلاحه ومراجعته، أرسلوا إليه وأنا عندهم، إنّا سنأخذ من قريش وغطفان من أشرافهم سبعين رجلا، نسلمهم إليك تضرب أعناقهم، وتردّ جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم- يعنون بني النضّير- ونكون معك على قريش حتى نردّهم عنك. فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهنا فلا تدفعوا إليهم شيئا، واحذروهم على أشرافكم، ولكن اكتموا عليّ، ولا تذكروا من هذا حرفا، قالوا: لا نذكره.

ثم أتى إلى غطفان. فقال: يا معشر غطفان، قد عرفتم أني رجل منكم فاكتموا عليّ، واعلموا أن بني قريظة بعثوا إلى محمد- وقال لهم مثل ما قال لأبي سفيان- فاحذروا أن تدفعوا إليهم أحدا من رجالكم. فصدّقوه. وأرسلت يهود عزّال- وهو بعين مهملة فزاي مشددة- ابن سموأل إلى قريش: إنّ ثواءكم قد طال، ولم تصنعوا شيئا، فليس الذي تصنعون برأي، إنكم لو وعدتمونا يوما تزحفون فيه إلى محمد، فتأتون من وجه، وتأتي غطفان من وجه، ونخرج نحن من وجه آخر، لم يفلت محمد من بعضنا، ولكن لا نخرج معكم حتى ترسلوا إلينا برهان من أشرافكم، ليكونوا عندنا، فإننا نخاف إن مسّتكم الحرب أو أصابكم ما تكرهون أن تشمّروا إلى بلادكم، وتتركونا في عقر دارنا، وقد نابذنا محمدا بالعداوة. فلما جاء الرسول لم يرجع إليه أبو سفيان بشيء، وقال- بعد أن ذهب-: هذا ما قال نعيم. وخرج نعيم إلى بني قريظة، فقال: يا معشر بني قريظة بينا أنا عند أبي سفيان إذ جاء رسولكم إليهم يطلب منه الرّهان، فلم يرد عليه شيئا، فلما ولى قال: لو طلبوا منّي عناقا ما رهنتها، أنا أرهنهم سراة أصحابي يدفعونهم إلى محمد يقتلهم، فارتأوا رأيكم، ولا تقاتلوا مع أبي سفيان وأصحابه حتى تأخذوا الرّهن، فإنكم إن لم تقاتلوا محمدا، وانصرف أبو سفيان، تكونوا على مواعدتكم الأولى. قالوا: نرجو ذلك يا نعيم. وقال كعب بن أسد: أنا والله لا أقاتله، لقد كنت لهذا كارها، ولكن حييّا رجل مشؤوم. قال الزبير بن باطا: إن انكشفت قريش وغطفان عن محمد لم يقبل منا إلا السيف، لنخرجنّ إلى محمد ولا تطلبوا رهنا من قريش، فإنها لا تعطينا رهنا أبدا، وعلى أي وجه تعطينا قريش الرّهن وعددهم أكثر من عددنا، ومعهم الكراع ولا كراع معنا؟ وهم يقدرون على الهرب، ونحن لا نقدر عليه، وهذه غطفان تطلب إلى محمد أن يعطيها بعض ثمار المدينة فأبى أن يعطيهم إلا السيف، فهم ينصرفون من غير شيء. فلم يوافق الزّبير غيره من قومه على مساعدة قريش إلا برهن. فلما كان ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ونفرا من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخفّ والحافر، فأعدّوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ ممّا بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إنّ اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم، وإنّا لسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم، يكونون بأيدينا، ثقة لنا، حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى أن ضربتكم الحرب، واشتد عليكم القتال، أن تشمّروا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلادنا، فلا طاقة لنا بذلك منه.

ذكر انهزام المشركين وإرسال الله تعالى عليهم البرد والريح والملائكة تزلزلهم

فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: إن الذي ذكر نعيم لحقّ فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة لما سمعوا ذلك: إن الذي ذكر لكم نعيم لحقّ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلّوا بينكم وبين الرجل في بلدكم. وتكرّرت رسل قريش وغطفان إلى بني قريظة، وهم يردّون عليهم بما تقدّم، فيئس هؤلاء من نصر هؤلاء، فاختلف أمرهم، وخذّل الله تعالى بينهم على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه. ذكر انهزام المشركين وإرسال الله تعالى عليهم البرد والريح والملائكة تزلزلهم قال ابن إسحاق: وبعث الله الرّيح في ليلة باردة شاتية. فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح آنيتهم. وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير قال: لما كان يوم الخندق أتى جبريل ومعه الرّيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى جبريل: «ألا أبشروا!» ثلاثا، فأرسل الله تعالى عليهم الريح، فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرجال، وقطعت الأوتاد، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد، وأنزل الله تعالى: إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب 9] . وروى ابن أبي حاتم وأبو نعيم والبزار برجال الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كانت ليلة الأحزاب جاءت الشّمال إلى الجنوب فقالت: انطلقي فانصري الله ورسوله، فقالت الجنوب: إن الحرة لا تسري باللّيل، فغضب الله تعالى عليها فجعلها عقيما، وأرسل الصّبا، فأطفأت نيرانهم، وقطّعت أطنابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» . وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدّبور» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4105) .

ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبرهم

وروى البيهقي عن مجاهد في قوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً قال: يعني ريح الصّبا، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم. وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها قال: الملائكة. قال: ولم تقاتل يومئذ. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: بعث الله تعالى عليهم الرّيح والرّعب كلما بنوا قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابّة قطع الله رباطها، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا: أن سيّد كلّ حيّ يقول: يا بني فلان، هلمّ إلي حتى إذا اجتمعوا عنده قال: «النّجاة النجاة، أتيتم» ! لما بعث الله تعالى عليهم من الرّعب. قال البلاذريّ: ثم إن الله تعالى نصر المسلمين عليهم بالريح، وكانت ريحا صفراء فملأت عيونهم، فداخلهم الفشل والوهن وانهزم المشركون، وانصرفوا إلى معسكرهم، ودامت عليهم الرّيح، وغشيتهم الملائكة تطمس أبصارهم، فانصرفوا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب 25] . قال أبو الخطاب بن دحية: هذه الملائكة بعثها الله تعالى فنفثت في روعهم الرّعب والفشل، وفي قلوب المؤمنين القوّة والأمل، وقيل: إنّما بعث الله الملائكة تزجر خيل العدو وإبلهم، فقطعوا مدة ثلاثة أيام في يوم واحد. فارّين منهزمين. ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبرهم روى الحاكم وصححه ابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقيّ كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة ومسلم، وابن عساكر عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه، وابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظيّ، وأبو نعيم مختصرا عن ابن عمر: أن حذيفة رضي الله عنه ذكر مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جلساؤه: أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا- وفي لفظ: فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت- فقال حذيفة: لا تتمنّوا ذلك، لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافّون قعود، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منّا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قطّ أشدّ ظلمة، ولا أشدّ ريحا منها، وفي أصوات ريحها أمثال الصّواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ [الأحزاب 13] فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، فيتسلّلون، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك، فاستقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا، يقول: ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة- وفي لفظ: جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة- فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله. فقال

أبو بكر: يا رسول الله ابعث حذيفة، فقلت: دونك والله، فمرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليّ جنّة من العدو ولا من البرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي، قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال: «من هذا؟» فقلت: حذيفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حذيفة» . فقال حذيفة: فتقاصرت للأرض، فقلت: بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم، قال: «قم» ، فقمت، فقال: «إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم» . فقلت: والذي بعثك بالحق، ما قمت إلا حياء منك من البرد. قال: «لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إليّ» . قال: «وأنا من أشد الناس فزعا وأشدّهم قرّا» ، فقلت: والله ما بي أن أقتل، ولكن أخشى أن أوسر، فقال: «إنك لن تؤسر» ، قال: فخرجت، فقال: «اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته» . قال: فو الله ما خلق الله تعالى في جوفي فزعا ولا قرّا إلا خرج، فما أجد فيه شيئا، فمضيت كأنما أمشي في حمّام، فلما ولّيت، دعاني فقال: «يا حذيفة، لا تحدثنّ في القوم شيئا حتى تأتيني» . وفي رواية: فقلت: يا رسول الله مرني بما شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهب حتى تدخل بين ظهري القوم، فأت قريشا، فقل: يا معشر قريش، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قريش؟ أين قادة الناس؟ أين رؤوس الناس؟ فيقدّموكم، فتصلوا القتال فيكون القتل فيكم، ثم ائت بني كنانة فقل: يا معشر بني كنانة، إنما يريد الناس إذ كان غدا أن يقولوا: أين بني كنانة؟ أين رماة الحدق فيقدّموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم، ثم ائت قيسا فقل: يا معشر قيس، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ أين الفرسان؟ فيقدّموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم» . فقال حذيفة: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته، وحوله عصبة، قد تفرق عنه الأحزاب، وهو يقول: الرّحيل الرّحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الرّيش فوضعته في كبد القوس لأرميه في ضوء النار، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحدثن في القوم شيئا، حتى تأتيني» فأمسكت ورددت سهمي. فلما جلست فيهم أحسّ أبو سفيان أن قد دخل فيهم غيرهم، فقال: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه، وفي لفظ: فلينظر من جليسه. فضربت بيدي على يد الذي عن يميني فأخذت بيده، فقلت: من أنت؟ قال: معاوية بن أبي سفيان، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي فقلت: من أنت؟ قال: عمرو بن العاص، فعلت ذلك خشية أن يفطن بي فبدرتهم بالمسألة، ثم تلبّثت فيهم هنيهة. وأتيت بني كنانة وقيسا، وقلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخلت في العسكر، فإذا أدنى الناس منّي بنو عامر، ونادى عامر بن علقمة بن علاثة: يا بني عامر، إن الريح قاتلتي وأنا على ظهر، وأخذتهم ريح شديدة، وصاح

ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق بعد رحيل أعدائه وإخباره بأن قريشا لا تغزوه أبدا وأنه هو الذي يغزوهم

بأصحابه. فلما رأى ذلك أصحابه جعلوا يقولون: يا بني عامر، الرحيل الرحيل، لا مقام لكم. وإذا الريح في عسكر المشركين ما تجاوز عسكرهم شبرا، فو الله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم، وفرشهم والريح تضرب بها، فلما دنا الصبح نادوا: أين قريش؟ أين رؤوس الناس؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة. أين كنانة؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة، أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة. فلما رأى ذلك أبو سفيان أمرهم بأن تحمّلوا فتحمّلوا، وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم حتى رأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول، فجعل يستحثّه ولا يستطيع أن يقوم، حتى حلّ بعد. ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بعشرين فارسا أو نحو ذلك معتمّين، قالوا: - وفي لفظ: فارسين، فقالا-: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم بالجنود والرّيح، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلّي، فو الله ما عدا أن رجعت راجعني القرّ، وجعلت أقرقف، فأومأ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، [وهو يصلي] فدنوت منه، فسدل عليّ من فضل شملته- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ صلّى- فأخبرته خبر القوم، وأنّي تركتهم يرحلون. فلم أزل نائما حتى جاء الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا نومان» . وذكر ابن سعد إن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد أقاما في مائتي فارس ساقة للعسكر، وردءا لهم مخافة الطلب. ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق بعد رحيل أعدائه وإخباره بأن قريشا لا تغزوه أبدا وأنه هو الذي يغزوهم روى الإمام أحمد والبخاريّ عن سليمان بن صرد والبزار برجال ثقات وأبو نعيم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، والبيهقي عن قتادة رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى الله تعالى عنه الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم» . قال ابن إسحاق: فلم تعد قريش بعد ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم بعد ذلك حتى فتح مكة. وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعزّ جنده، ونصر عبده، وغلب- وفي لفظ: وهزم- الأحزاب وحده، فلا شيء بعده» [ (1) ] . قالوا: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وليس بحضرته أحد من عساكر المشركين، قد هربوا وانقشعوا إلى بلادهم، فأذن للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم، فخرجوا مبادرين

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 142 ومسلم في كتاب الذكر (77) والترمذي (3428) وأحمد في المسند 2/ 307.

ذكر كتاب أبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

مسرورين بذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعلم بنو قريظة حبّ رجعتهم إلى منازلهم، فأمر بردّهم، فبعث من ينادي في إثرهم، فما رجع منهم رجل واحد. روى الطبراني من طريقين رجالهما ثقات، ومحمد بن عمر، عن عبد الله بن عمر، ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بردّهم، قالا: فجعلنا نصيح في إثرهم في كل ناحية: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا» ، فما رجع منهم رجل واحد، من القرّ والجوع. قالا: وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعتهم، وكره أن يكون لقريش عيون. قال جابر: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيته في بني حرام منصرفا فأخبرته، فضحك صلى الله عليه وسلم. وكان المنافقون بناحية المدينة يتحدثون بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: ما هلكوا بعد، ولم يعلموا بذهاب الأحزاب، وسرّهم أن جاءهم الأحزاب وهم بادون في الأعراب، مخافة القتال. واستشهد من المسلمين ثمانية: سعد بن معاذ- وتأتي ترجمته في حوادث سنة خمس- وأنس بن أوس، وعبد الله بن سهل- رماه رجل من بني عوف أو عويف من بني كنانة- والطّفيل بن النعمان- قتله وحشيّ- وثعلبة بن عنمة- بعين مهملة ونون مفتوحتين- ابن عديّ- قتله هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ- وكعب بن زيد [النجاريّ] ، وكان قد ارتثّ يوم بئر معونة فصحّ حتى قتل يوم الخندق، قتله ضرار بن الخطّاب. هذا ما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر. وزاد الحافظ الدمياطي في الأنساب: قيس بن زيد بن عامر، وعبد الله بن أبي خالد، وأبو سنان بن صيفيّ بن صخر، ذكر الحافظ في الكنى إنه شهد بدرا، واستشهد في الخندق. وقتل من المشركين ثلاثة: عمرو بن عبد ودّ قتله علي بن أبي طالب. ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، قتله الزبير بن العوام، ويقال: علي بن أبي طالب. وعثمان بن منبه، مات بمكة من رمية رميها يوم الخندق. ذكر كتاب أبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم روى محمد بن عمر عن أبي وجزة السّعديّ- بفتح الواو وسكون الجيم وفتح الزّاي- واسمه يزيد بن عبيد، قال: لمّا ملّت قريش المقام، وأجدب الجناب وضاقوا بالخندق، وكان أبو سفيان على طمع أن يغيروا على بيضة المدينة كتب كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: باسمك اللهمّ فإنى احلف باللات والعزى: لقد سرت إليك في جمع، وأنا أريد ألّا أعود

ذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذه الغزوة من سورة الأحزاب

إليك أبدا حتى أستأصلكم. فرأيتك قد كرهت لقاءنا، واعتصمت بالخندق، ولك منّي يوم كيوم أحد، تبقر فيه النّساء. وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشميّ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما بعد، فقد أتاني كتابك، وقديما غرّك بالله الغرور، وأما ما ذكرت من أنك سرت إلينا [في جمعكم] ، وأنّك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله تعالى بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة، وليأتينّ عليك يوم أكسر فيه اللّات والعزّى وإساف ونائلة وهبل، حتى أذكّرك ذلك يا سفيه بني غالب!» ذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذه الغزوة من سورة الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ من الكفار فتحزّبوا أيّام حفر الخندق فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها ملائكة وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بالتاء من حفر الخندق وبالياء من تخريب المشركين بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ من أعلى الوادي ومن أسفله، من المشرق والمغرب وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ مالت عن كل شيء إلا عدوّها من كل جانب وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ جمع حنجرة، وهي منتهى الحلقوم من شدّة الخوف وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا المختلفة بالنّصر واليأس هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً من شدّة الفزع وَاذكر إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ضعف اعتقاد ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بالنصر إِلَّا غُرُوراً باطلا. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أي المنافقون يا أَهْلَ يَثْرِبَ هي المدينة ولم تنصرف للعلمية ووزن الفعل لا مُقامَ لَكُمْ بضم الميم وفتحها أي لا إقامة ولا مكانة فَارْجِعُوا إلى منازلكم من المدينة، وكانوا خرجوا مع النبي إلى سلع: جبل خارج المدينة، للقتال وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ في الرجوع يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ غير حصينة نخشى عليها. قال تعالى: وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ ما يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً من القتال وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ أي المدينة مِنْ أَقْطارِها نواحيها ثُمَّ سُئِلُوا أي سألهم الداخلون الْفِتْنَةَ الشّرك لَآتَوْها بالمدّ والقصر أي أعطوها وفعلوها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا عن الوفاء به قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً إن فررتم لا تُمَتَّعُونَ في الدنيا بعد فراركم إِلَّا قَلِيلًا بقية آجالكم قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ يجيركم مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً هلاكا وهزيمة أَوْ يصيبكم بسوء إن أَرادَ الله بِكُمْ رَحْمَةً خيرا

ذكر بعض ما قيل فيها من أشعار المسلمين

وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره وَلِيًّا ينفعهم وَلا نَصِيراً يدفع الضّرّ عنهم قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ المثبّطين مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ تعالوا إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ القتال إِلَّا قَلِيلًا رياء وسمعة أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ وبالمعاونة جمع شحيح وهو حال من ضير يأتون فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي كنظر أو كدوران الذي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي سكراته فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ وحيزت الغنائم سَلَقُوكُمْ آذوكم وضربوكم بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي الغنيمة يطلبونها أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا حقيقة فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ الإحباط عَلَى اللَّهِ يَسِيراً بإرادته يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ من الكفار لَمْ يَذْهَبُوا إلى مكة لخوفهم منهم وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كرّة أخرى يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي كائنون في الأعراب يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أخباركم مع الكفار وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ هذه الكرّة ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا رياء وخوفا عن التّعبير لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ بكسر الهمزة وضمها حَسَنَةٌ اقتداء به في القتال والثّبات في مواطنه لِمَنْ بدل من لكم كانَ يَرْجُوا اللَّهَ يخافه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً بخلاف من ليس كذلك وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ من الكفّار قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ من الابتلاء والنصر وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ في الوعد وَما زادَهُمْ ذلك إِلَّا إِيماناً تصديقا بوعد الله وَتَسْلِيماً لأمره. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ من الثّبات مع النبي فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ مات أو قتل في سبيل الله وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ذلك وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا في العهد وهم بخلاف حال المنافقين لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ بأن يميتهم على نفاقهم أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً لمن تاب رَحِيماً به وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي الأحزاب بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً مرادهم من الظّفر بالمؤمنين وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بالريح والملائكة وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا على إيجاد ما يريده عَزِيزاً [الأحزاب من 9: 25] غالبا على أمره. ذكر بعض ما قيل فيها من أشعار المسلمين قال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيب ضرار بن الخطاب عن قصيدة قالها: وسائلة تسائل ما لقينا ... ولو شهدت رأتنا صابرينا صبرنا لا نرى لله.. عدلا ... على ما نابنا.. متوكّلينا وكان لنا النّبيّ وزير صدق ... به نعلوا البريّة أجمعينا نقاتل معشرا ظلموا وعقّوا ... وكانوا بالعداوة مرصدينا

نعاجلهم إذا نهضوا إلينا ... بضرب يعجل المتسرّعينا ترانا في فضافض سابغات ... كغدران الملا متسربلينا وفي أيماننا بيض خفاف ... بها نشفي مراح الشّاغبينا بباب الخندقين كأنّ أسدا ... شوابكهنّ يحمين العرينا فوارسنا إذا بكروا وراحوا ... على الأعداء شوسا معلمينا ويعلم أهل مكّة حين ساروا ... وأحزاب أتوا متحزّبينا لننصر أحمد والله حتّى ... نكون عباد صدق مخلصينا بأنّ الله ليس له شريك ... وأنّ الله مولى المؤمنينا فإمّا تقتلوا سعدا سفاها ... فإنّ الله خير القادرينا سيدخله جنانا طيّبات ... تكون مقامة للصّالحينا كما قد ردّكم فلّا شريدا ... بغيظكم خزايا خائبينا خزايا لم تنالوا ثمّ خيرا ... وكدتم أن تكونوا دامرينا بريح عاصف هبّت عليكم ... وكنتم تحتها متكمّهينا وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب عبد الله بن الزّبعرى عن قصيدة قالها: هل رسم دارسة المقام يباب ... متكلّم لمحاور بجواب قفر عفا رهم السّحاب رسومه ... وهبوب كلّ مطلّة مرباب ولقد رأيت بها الحلول يزينهم ... بيض الوجوه ثواقب الأحساب فدع الدّيار وذكر كلّ خريدة ... بيضاء آنسة الحديث كعاب وأشك الهموم إلى الإله وما ترى ... من معشر ظلموا الرّسول غضاب ساروا بجمعهم إليه وألّبوا ... أهل القرى وبوادي الأعراب جيش عيينة وابن حرب فيهم ... متخمّطين بحلبة الأحزاب حتّى إذا وردوا المدينة وارتجوا ... قتل الرّسول ومغنم الأسلاب وغدوا علينا قادرين بأيدهم ... ردّوا بغيظهم على الأعقاب بهبوب معصفة نفرّق جمعهم ... وجنود ربّك سيّد الأرباب فكفى الإله المؤمنين قتالهم ... وأثابهم في الأجر خير ثواب من بعد ما قنطوا ففرّق جمعهم ... تنزيل نصر مليكنا الوهّاب وأقرّ عين محمّد وصحابه ... وأذلّ كلّ مكذّب مرتاب عاتي الفؤاد موقّع ذي ريبة ... في الكفر ليس بطاهر الأثواب علق الشّقاء بقلبه ففؤاده ... في الكفر آخر هذه الأحقاب

وقال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيبه أيضا: أبقى لنا حدث الحروب بقيّة ... من خير نحلة ربّنا الوهّاب بيضاء مشرقة الذّرى ومعاطنا ... حمّ الجذوع غزيرة الأحلاب كاللّوب يبذل جمّها وحفيلها ... للجار وابن العمّ والمنتاب ونزائعا مثل السّراح نما بها ... علف الشّعير وجزّة المقضاب عري الشّوى منها وأردف نحضها ... جرد المتون وسائر الآراب قودا تراح إلى الصّياح إذا غدت ... فعل الضّراء تراح للكلاب وتحوط سائمة الدّيار وتارة ... تردي العدا وتؤوب بالأسلاب حوش الوحوش مطارة عند الوغى ... عبس اللّقاء مبينة الإنجاب علفت على دعة فصارت بدّنا ... دخس البضيع خفيفة الأقصاب يغدون بالزّغف المضاعف شكّه ... وبمترصات في الثّقاف صياب وصوارم نزع الصّياقل غلبها ... وبكلّ أروع ماجد الأنساب يصل اليمين بمارن متقارب ... وكلت وقيعته إلى خبّاب وأغرّ أزرق في القناة كأنّه ... في طخية الظّلماء ضوء شهاب وكتيبة ينفي القران قتيرها ... وتردّ حدّ قواحز النّشّاب جأوى ململمة كأنّ رماحها ... في كل مجمعة ضريمة غاب يأوي إلى ظلّ اللّواء كأنّه ... في صعدة الخطّيّ فيء عقاب أعيت أبا كرب وأعيت تبّعا ... وأبت بسالتها على الأعراب ومواعظ من ربّنا نهدي بها ... بلسان أزهر طيّب الأثواب عرضت علينا فاشتهينا ذكرها ... من بعد ما عرضت على الأحزاب حكما يراها المشركون بزعمهم ... حرجا ويفهمها ذوو الألباب جاءت سخينة كي تغالب ربّها ... فليغلبنّ مغالب الغلّاب قال ابن هاشم: حدّثني من أثق به قال: حدثني عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لمّا قال كعب بن مالك: جاءت سخينة كي تغالب ربّها ... فليغلبنّ مغالب الغلّاب قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا» . وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: من سرّه ضرب يرعبل بعضه ... بعضا كمعمعة الأباء المحرق

فليأت مأسدة تسنّ سيوفها ... بين المذاد وبين جزع الخندق دربوا بضرب المعلمين فأسلموا ... مهجات أنفسهم لربّ المشرق في عصبة نصر الإله نبيّه ... بهم وكان بعبده ذا مرفق في كلّ سابغة تخطّ فضولها ... كالنّهي هبّت ريحه المترقرق بيضاء محكمة كأنّ قتيرها ... حدق الجنادب ذات شكّ موثق جدلاء يحفزها نجاد مهنّد ... صافي الحديدة صارم ذي رونق تلكم مع التّقوى تكون لبأسنا ... يوم الهياج وكلّ ساعة مصدق نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق فترى الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكفّ كأنّها لم تخلق نلقى العدوّ بفخمة ملمومة ... تنفي الجموع كفصد رأس المشرق ونعدّ للأعداء كلّ مقلّص ... ورد ومحجول القوائم أبلق تردي بفرسان كأنّ كماتهم ... عند الهياج أسود طلّ ملثق صدق يعاطون الكماة حتوفهم ... تحت العماية بالوشيح المزهق أمر الإله بربطها لعدوّه ... في الحرب إن الله خير موفّق لتكون غيظا للعدوّ وحيّطا ... للدّار إن دلفت خيول النّزّق ويعيننا الله العزيز بقوّة ... منه وصدق الصّبر ساعة نلتقي ونطيع أمر نبيّنا ونجيبه ... وإذا دعا لكريهة لم نسبق ومتى ينادي للشّدائد نأتها ... ومتى نرى الحومات فيها نعنق من يتّبع قول النّبيّ فإنّه ... فينا مطاع الأمر حقّ مصدّق فبذاك ينصرنا ويظهر عزّنا ... ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق إنّ الّذين يكذّبون محمّدا ... كفروا وضلّوا عن سبيل المتّقي وقال كعب بن مالك رضي الله عنه أيضا: ألا أبلغ قريشا أنّ سلعا ... وما بين العريض إلى الصّماد نواضح في الحروب مدرّبات ... وخوض ثقّبت من عهد عاد رواكد يزخر المرّار فيها ... فليست بالجمام ولا الثّماد كأنّ الغاب والبرديّ فيها ... أجش إذا تبقّع للحصاد ولم نجعل تجارتنا اشتراء ال ... حمير لأرض دوس أو مراد بلاد لم تثر إلّا لكيما ... نجالد إن نشطتم للجلاد

تنبيهات

أثرنا سكّة الأنباط فيها ... فلم تر مثلها جلهات واد قصرنا كلّ ذي حضر وطول ... على الغايات مقتدر جواد أجيبونا إلى ما نجتديكم ... من القول المبيّن والسّداد وإلّا فاصبروا لجلاد يوم ... لكم منّا إلى شطر المذاد نصبّحكم بكلّ أخي حروب ... وكلّ مطهّم سلس القياد وكلّ طمرّة خفق حشاها ... تدفّ دفيف صفراء الجراد وكلّ مقلّص الآراب نهد ... تميم الخلق من أخر وهادي خيول لا تضاع إذا أضيعت ... خيول النّاس في السّنة الجماد ينازعن الأعنّة مصغيات ... إذا نادى إلى الفزع المنادي إذا قالت لنا النّذر: استعدّوا ... توكّلنا على ربّ العباد وقلنا: لن يفرّج ما لقينا ... سوى ضرب القوانس والجهاد فلم نر عصبة فيمن لقينا ... من الأقوام من قار وباد أشدّ بسالة منّا إذا ما ... أردناه وألين في الوداد إذا ما نحن أشرجنا عليها ... جياد الجدل في الأزب الشّداد قذفنا في السّوابغ كلّ صفر ... كريم غير معتلث الزّناد أشمّ كأنّه أسد عبوس ... غداة ندى ببطن الجزع غادي يغشّي هامة البطل المذكّى ... صبيّ السّيف مسترخي النّجاد ليظهر دينك اللهمّ إنّا ... بكفّك فاهدنا سبل الرّشاد تنبيهات الأول: كانت غزوة الخندق- كما قال ابن إسحاق ومتابعوه- في شوال. وقال محمد بن عمر وابن سعد: في ذي القعدة. وقال الجمهور: سنة خمس. قال الذهبيّ: هو المقطوع به. وقال ابن القيم: إنه الأصح، وقال الحافظ: هو المعتمد. وروى ابن عقبة عن الزهري والإمام أحمد عن الإمام مالك: أنها كانت سنة أربع، وصححه النووي في الروضة. قالوا: وهو عجيب، لأنه صحّح أن قريظة كانت في الخامسة، وكانت عقب الخندق، ومال البخاريّ إلى قول الزهريّ، وقوّاه بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه، فيكون بينهما سنة واحدة. وكان سنة ثلاث، فيكون الخندق سنة أربع. قال.. الحافظ وغيره: ولا حجّة إذا ثبت أنها كانت سنة خمس، لاحتمال أن يكون ابن

عمر في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشرة. وبهذا أجاب البيهقيّ. ويؤيده قول ابن إسحاق: إن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد: موعدكم العام المقبل ببدر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر، وتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ. كما تقدم بيان ذلك. ووافق ابن إسحاق على ذلك غيره من أهل المغازي. وقد بيّن البيهقي رحمه الله تعالى سبب هذا الاختلاف، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدّون التاريخ من المحرّم الذي وقع بعد الهجرة، ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، وعلى ذلك جرى الحافظ يعقوب بن سفيان في تاريخه، فذكر أنّ غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى، وأنّ غزوة أحد كانت في الثانية، وأن الخندق كانت في الرابعة، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التأريخ من المحرم سنة الهجرة، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية، وأحد في الثالثة، والخندق في الخامسة وهو المعتمد. الثاني: اختلف في مدة إقامة المشركين على الخندق، فقال سعيد بن المسيب في رواية يحيى بن سعيد: أقاموا أربعا وعشرين ليلة، وقال في رواية الزّهريّ: بضع عشرة ليلة. وروى محمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أنها كانت عشرين يوما. وقال محمد بن عمر: أثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما، وجزم به ابن سعد والبلاذريّ والنوويّ في الروضة والقطب وقال في زاد المعاد: شهرا، وقال ابن إسحاق: بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: «سلمان منا أهل البيت» ، بنصب أهل على الاختصاص، أو على إضمار أعني، وأما الخفض على البدل فلم يره سيبويه جائزا من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب، لأنه في غاية البيان، وأجازه الأخفش. الرابع: روى البخاري عن جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم الأحزاب: «من يأتينا بخبر القوم؟» قال الزبير: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريّا، وإن حواريّ الزّبير» [ (1) ] . قال في العيون: كذا في الخبر، والمشهور أن الذي توجّه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (3720) .

اليمان، كما رويناه عن طريق ابن إسحاق وغيره. قال الحافظ رحمه الله: وهذا الحصر مردود، فإن القصّة التي ذهب الزّبير لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها، فقصّة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة: هل نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صرح بذلك محمد بن عمر، وقصة حذيفة كانت لمّا اشتدّ الحصار على المسلمين بالخندق، وتمالت عليهم الطّوائف، ووقع بين الأحزاب الاختلاف، وحذرت كلّ طائفة من الأخرى، وأرسل الله تعالى عليهم الرّيح، فندب النبي صلى الله عليه وسلم، من يأتيه بخبر قريش، فانتدب حذيفة، كما تقدم بيان ذلك في القصة. الخامس: قوله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم إن العيش عيش الآخرة» إلخ، قال ابن بطال: هو مقول ابن رواحة تمثّل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولو كان ذلك من لفظه لم يكن بذلك شاعرا لعدم القصد، كما سيأتي تحقيقه في الخصائص. وقوله: «فاغفر للمهاجرين والأنصار» ، وفي رواية بتقديم الأنصار على المهاجرين، وكلاهما غير موزون، ولعله صلى الله عليه وسلم تعمّد ذلك، وقيل. أصله «فاغفر للأنصار والمهاجرة» بجعل الهمزة همزة وصل. وقوله: «والعن عضلا والقارة» إلخ غير موزون، ولعله كان: والعن إلهي عضلا والقارة وقوله: «إن الألى بقد بغوا علينا» ليس بموزون، وتحريره: إنّ الّذين قد بغوا علينا فذكر الراوي «الألى» بدل «الذين» ، قد قاله الحافظ. وقال ابن التّين: والأصل: «إنّ الألى هم قد بغوا علينا» . السادس: ظاهر قول البراء: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثير الشّعر: أنه كان كثير شعر الصّدر وليس كذلك، فإن في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة، أي الشعر الذي في الصّدر إلى البطن، فيمكن الجمع بأنه كان مع دقّته كثيرا، أي لم يكن منتشرا، بل كان مستطيلا، وتقدّم ذلك مبسوطا في أبواب صفاته. السابع: سبق في القصة عن ابن إسحاق وغيره وصف حسان بن ثابت رضي الله عنه بالجبن، وأنّه روي عن عروة بسند صحيح، وأنه روي عن أبيه الزّبير، وصرّح بذلك خلائق. وأنكر ذلك أبو عمر وجماعة، واحتجّوا لذلك بأن ما ذكره ابن إسحاق منقطع الإسناد، وبأنّه لو صحّ لهجي به حسّان، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار بن الخطّاب، وابن الزّبعرى، وغيرهما،

وكانوا يناقضونه، ويردّونه، عليه، فما عيّره أحد بجبنه، ولا وسمه به، فدلّ على ضعف حديث ابن إسحاق. قلت: لفظ ابن إسحاق في رواية البكائيّ: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، وقال في رواية يونس، كما رواه الحاكم عن يونس، عنه قال: حدثني هشام عن أبيه أي عروة عن صفيّة، قال عروة: سمعتها تقول: أنا أوّل امرأة قتلت رجلا، كنت في فارع حسان بن ثابت، فكان حسّان معنا في النّساء والصّبيان، فإن كان عروة أدرك جدّته فسند القصّة جيّد قويّ، وتقدم لها طرف في القصّة. ولعلّ حسّان- كما في الروض- أن يكون معتلّا في ذلك اليوم بعلّة منعته من شهود القتال. قال: وهذا أولى ما يؤوّل عليه. وقال ابن الكلبي: كان حسان بن ثابت لسنا شجاعا، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن، فكان لا ينظر إلى قتال ولا يشهده. وقال ابن سراج: إن سكوت الشعراء عن تعييره بذلك من علامة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكون حسّان شاعره. الثامن: في الصحيح أن الذين أكلوا الطعام عند جابر في الخندق كانوا ألفا. ووقع عند أبي نعيم في مستخرجه كما نرى تسعمائة أو ثمانمائة. وعند الإسماعيليّ: كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة، وفي رواية ابن الزبير: كانوا ثلاثمائة. قال الحافظ: والحكم للزائد لمزيد علمه، ولأن القصة متحدة. التاسع: الصحيح المشهور أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في غزوة الخندق ثلاثة آلاف، ونقل في زاد المعاد عن ابن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة. قلت: ولا دليل في قول جابر في قصة الطعام: «وكانوا ألفا» لأنه أراد الآكلين فقط لا عدّة من حضر الخندق، والله تعالى أعلم. العاشر: دلّهم النبي صلى الله عليه وسلم بعرضه إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة على جواز إعطاء المال للعدو: إذا كان فيه مصلحة للمسلمين وحياطة لهم. الحادي عشر: في شرح غريب القصة: الخندق- بفتح الخاء المعجمة وسكون النون-: حفير حول المدينة، وهي في شاميّ المدينة من طرف الحرّة الشرقية إلى طرف الحرة الغربية. وذكر الطبري إن أول من خندق الخنادق منو شهر بن إيرج، وإلى رأس ستين سنة من ملكه بعث موسى عليه السلام. ومنو شهر

في نسخة صحيحة من الروض والعيون قرئتا على مصنّفيهما- بميم مفتوحة فنون فواو فشين معجمة فهاء ساكنة فراء. وإبيرج- بهمزة في أوله مكسورة- وفي نسخة الروض: فتحتية فراء فجيم. الأحزاب: جمع حزب، وهو الطائفة من الناس. وتحزّب القوم: صاروا أحزابا. خيبر: يأتي الكلام عليها في غزوتها. يهود: لا ينصرف للعلمية والتأنيث. أهل عدد (بفتح العين المهملة) . الجلد- بفتح الجيم واللام-: القوّة والشّدّة. البيوت جمع بيت، وهو هنا الشّرف. الأحساب جمع حسب- بفتحتين-: ما يعدّ من المآثر. وتقدم الكلام عليه مبسوطا. استأصله: أهلكه. نحالفكم- بالحاء المهملة-: نعاقدكم. نشطت (بنون فشين معجمة فطاء مهملة) . الأحقاد جمع حقد: الانطواء على العداوة والبغضاء. مرحبا: أي أتيت رحبا وسعة، وقال الفراء: منصوب على المصدر. أهلا: أي أتيت أهلا، فابسط نفسك واستأنس ولا تستوحش. الكرم تقدم شرحها. الجبت: الصّنم، والكاهن، والساحر. وقال الراغب: يقال لكل ما عبد من دون الله جبت. وقال الفراء: المراد بالجبت هنا حيي بن اخطب. الطاغوت- يذكّر ويؤنّث- وقال الفراء: المراد به هنا كعب بن الأشرف. النّقير- بالنون والقاف-: النّقرة في ظهر النواة منها تنبت النّخلة. صدّ عنه- بفتح الصاد وتشديد الدّال-: أعرض عنه. الأحابيش: سبق الكلام عليها في غزوة أحد. دار الندوة ومرّ الظهران: تقدم الكلام عليهما. عناج الأمر- بعين مهملة مكسورة فنون مخففة فألف فجيم- أي ملاكه- بكسر الميم وفتحها- وهو ما يقوم به، ومعناه أنه كان صاحبهم ومدبّر أمرهم والقائم بشأنهم، كما يحمل

ثقل الدّلو عناجها، وهو الحبل الذي يشدّ تحت الدّلو، ثم يشدّ في العروة، ليكون عونا لعراها فلا ينقطع. خزاعة (بضم الخاء المعجمة فزاي) . يبرز: يظهر. فارس: جيل من الناس، وإقليم معروف. الثّبات: الإقامة. الجدّ في الأمر: - بالفتح- الاجتهاد. ارتاد الرجل الشيء: طلبه وأراده. سلع- بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة-: جبل بالمدينة. المذاد- بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملة- من ذاده إذا طرده. أطم: لبني حرام غربي مساجد الفتح. ذباب- بذال معجمة وموحدتين كغراب وكتاب-: جبل بالمدينة. راتج- براء فألف ففوقية مكسورة فجيم-: أطم، سمّيت به الناحية. دنا: قرب. المساحي: جمع مسحاة- بكسر الميم وبالسين المهملتين- وهي المجرفة من الحديد. والميم زائدة لأنه من السّحو، وهو الكشف والإزالة. الكرازين- بكاف فراء فألف فزاي فتحتية جمع كرزين بالكسر- الفأس. المكاتل- بالفوقية- جمع مكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية. الشّيخان- تثنية شيخ ضدّ شابّ- أطمان. تنافس في كذا: رغب فيه وتسابق. لبط به- بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة-: صرع فجأة من عين أو علّة وهو يلتوي. يكفأ الإناء- بالهمز- يقلبه ويميله. عقال- بالكسر-: الحبل الذي يعقل به البعير يمنعه من الشّرود. العكن (بضم العين المهملة وفتح الكاف) والأعكان كلاهما جمع عكنة- بسكون الكاف-: وهي الطيّ في البطن من السّمن.

شرح غريب ذكر ما كان المسلمون يرتجزونه

شرح غريب ذكر ما كان المسلمون يرتجزونه الأكتاد- بالفوقية والدال المهملة- جمع كتد بفتحتين وبكسر الفوقية أيضا. البائس- بهمزة مكسورة-: الذي نزل به الضرر من فقر وغيره. الأكتاف- بالفاء- جمع كتف، يجوز في الفوقية الكسر والسكون. الظّهر- بفتح الظاء المعجمة المشالة- هنا القوة، والضمير المستتر- في قوله سمّاه وفي كان- راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. المتون: جمع متن- بفتح الميم وسكون الفوقية-: الظّهر. النّصب- بفتحتين-: التّعب والمشقّة. يؤتون (بالبناء للمفعول) . بملء كفّ (بكسر الفاء على الإفراد وبفتحتها على التثنية مضافا إلى ياء المتكلم) . يصنع- بصاد فنون فعين مهملتين-: يطبخ. الإهالة- بكسر الهمزة-: الشحم والزيت. سنخة- بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة-: المتغيّرة الرّيح. بشعة- بموحدة مفتوحة فشين معجمة مكسورة فعين مهملة- كريهة المطعم. المنتن- (بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية) . أبينا، أي أبينا الفتنة، أي امتنعنا منها، وإذا صيح بنا لنفزع أبينا الفرار. وفي رواية: «أتينا» بفوقية بدل الموحدة، أي جئنا وأقدمنا على عدوّنا. السّكينة: الرحمة، أو الطمأنينة، أو النصر، أو الوقار، أو كلها. المعول- بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو بعدها لام- المسحاة. عضل (بعين مهملة فضاد معجمة فلام) . والقارة- بالقاف والراء- يأتي الكلام عليها في السّرايا. البسطة- بموحدة مفتوحة ثم مهملة ساكنة ثم طاء مهملة-: المنبسطة المستوية من الأرض. أعقب بين امرأتيه: ناوب بينهما لهذه وقت ولهذه وقت. النّسر: أطم باسم الطائر المعروف. فارع- بفاء وعين مهملة كصاحب- اسم أطم مواجه لباب الرحمة من المدينة الشريفة.

شرح غريب ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصخرة في الخندق

شرح غريب ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصخرة في الخندق الكدية- بضم الكاف وإسكان الدال المهملة وفتح التحتية- وهي الأرض الصّلبة. القبّة من الخيام بيت صغير ومستدير. تركية من لبود منسوب إلى التّرك: جبل من الناس. لبثنا: أقمنا. الذّواق: المأكول والمشروب. وما ذقت ذواقا، أي شيئا. تفل-: بالفوقية والفاء-: بصق قليلا. نضح- بنون فضاد معجمة فحاء مهملة-: رشّ. الكثيب- بالثاء المثلثة-: المجتمع من الرمل. لابتا المدينة- تثنية لابة، وهي الحرّة، وهي أرض ذات حجارة سود. السهيل- بميم مفتوحة فهاء مكسورة فتحتية فلام-: الرمل السائل الذي لا يتماسك. صنعاء هنا بلد من قواعد اليمن، والأكثر فيها المد. الحيرة- بحاء مكسورة مهملة فتحتية ساكنة فراء- مدينة كائنة على ثلاثة أميال من الكوفة. هرقل- بكسر الهاء وفتح الراء وإسكان القاف، ويقال بكسر الهاء وإسكان الراء وفتح القاف- اسم ملك الروم. أقصى مملكته: أبعدها. تبرزوا: تخرجوا. شرح غريب ذكر الآيات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في الخندق الخمص- بخاء معجمة فميم مفتوحتين فصاد مهملة وقد تسكن الميم- وهو ضمور البطن من الجوع. الصّاع: مكيال، وهو خمسة أرطال وثلث بالبغداديّ. العناق- بفتح العين المهملة- الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول. البرمة- بموحّدة مضمومة فراء ساكنة فميم-: القدر من الحجر، والجمع برم. انكسر العجين: اختمر. طعيّم لي (بتشديد التحتية على طريق المبالغة في تحقيره) . السّور- بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همز- وهو هنا الصّنيع بالفارسية، كما جزم به البخاريّ، وقيل بالحبشية.

شرح غريب ذكر تخلف جماعة من المنافقين وعرضه الغلمان

حيّ هلا- بحاء مهملة فتحتية مشددة وهلا بفتح الهاء واللام المنونة مخففة-: كلمة استدعاء فيها حثّ، أي هلمّوا مسرعين. بك وبك، أي جعل الله بك كذا، وفعل بك كذا، والموحّدة تتعلق بمحذوف. ويح: كلمة ترحّم وتوجّع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، فيقال: ويح زيد وويحا له، وويح له. لا تضاغطوا- بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة- أي لا تزدحموا. انحرفوا: مالوا ورجعوا. لتغطّ: - بفتح اللام والفوقية وكسر الغين المعجمة- أي لتمتلئ بحيث يسمع لها صوت. هلمّ: اسم فعل في لغة الحجاز فلا يبرز فاعلها، وفعل في لغة تميم فيقولون: هلمّي هلمّا هلمن إلخ. القعبة- بقاف مفتوحة فعين مهملة- والقعب: إناء ضخم كالقصعة. الحيس- بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة-: تمر ينزع نواه ويدقّ مع أقط، ويعجنان بالسّمن باليد حتى يبقى كالثّريد، وربّما جعل معه سويق. نهلوا: شبعوا. شرح غريب ذكر تخلف جماعة من المنافقين وعرضه الغلمان يورّون- بتحتية مضمومة فواو فراء مشددة مفتوحة-: يستترون. يتسللون: يذهبون في خفية. نابه كذا: أصابه. اللّحوق- بضمّ اللّام-: الإدراك. أمر جامع، أي أمر له خطر، اجتمع له الناس كأن الأمر نفسه جمعهم. الشأن- بالهمز- الأمر والحال. اللّواذ- بذال معجمة-: مصدر لاوذه ملاوذة ولواذا: استتر به، أي يتسللون منكم استتارا، يستتر بعضهم ببعض عند التسلل. لحم الأمر- بالحاء المهملة-: اشتبك واختلط. الذّراري بذال معجمة جمع ذرّيّة، ويجوز في ياء الجمع التشديد والتخفيف.

شرح غريب ذكر وصول المشركين

شرح غريب ذكر تهيئه صلى الله عليه وسلم لحرب المشركين شبّكوا المدينة بالبنيان: جعلوه مصطفّا متقاربا متصلا. الشّعار: تقدم في بدر وأحد. احتجرت- بحاء مهملة ففوقية فجيم فراء-: استترت. سلبه- بالسين المهملة-: نزع عنه ثيابه أو درعه. شدخه- بشين وخاء معجمتين بينهما دال مهملة-: كسره. مقلّصة- بميم مضمومة فقاف فلام مشددة مفتوحتين-: مرتفعة غير سابغة. خلوف- بخاء معجمة مضمومة-: ليس عندهنّ رجال. يرقدّ بها- بفتح التحتية وسكون الراء وفتح القاف وتشديد الدال المهملة- أي يسرع. لبّث- بفتح اللام وكسر الموحدة المشددة فثاء مثلثة- فعل أمر من اللّبث وهو الإقامة. الهيجا- بفتح الهاء وسكون التحتية وتمد وتقصر- وهي الحرب. حمل- بفتح الحاء المهملة والميم- وهو حمل بن سعد بن حارثة الكلبيّ فيما ذكره بعضهم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في الإملاء: حمل: اسم رجل، وهذا الرجز قديم تمثّل به سعد. حان الشيء: قرب. أخّرت- بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة المشددة وسكون الراء- من التأخير. شرح غريب ذكر وصول المشركين مجتمع (بضم الميم وسكون الجيم وفتح الفوقية والميم الثانية) . الأسيال: جمع سيل. رومة- براء مضمومة فواو ساكنة فميم مفتوحة-: أرض بالمدينة، وفيها بئر رومة التي سبّلها سيدنا عثمان رضي الله عنه. ضوى- بالضاد المعجمة والقصر-: مال. كنانة- بكسر الكاف- وغطفان- بغين معجمة فطاء مهملة ففاء مفتوحات فألف فنون-: قبيلتان. تهامة- بكسر الفوقية- اسم لكل ما ينزل عن نجد من بلاد الحجاز. ومكة من تهامة. نجد- بفتح النون وإسكان الجيم- ضد تهامة. ذنب نقمى (بنون فقاف فميم فألف تأنيث، ويقال فيه نقم) .

شرح غريب ذكر نقض بني قريظة العهد

العضاة- بعين مهملة مكسورة فضاد معجمة فألف فهاء-: شجر أمّ عيلان وكل شجر عظيم له شوك، الواحدة عضة بالتاء وأصلها عضهة. وقيل: واحدته عضاهة. الغابة (بغين معجمة مفتوحة) . شرح غريب ذكر نقض بني قريظة العهد أكلّمك بالجزم: جواب شرط محذوف ويجوز الرفع. الجشيشة- بجيم مفتوحة فشينين معجمتين بينهما تحتية- وهي أن تطحن الحنطة أو غيرها طحنا جليلا، ثم تلقى في القدر ويلقى عليها لحم أو تمر، وتطبخ، وقد يقال لها: دشيشة- بالدال المهملة- قال المحب الطبري: وهذا هو الجاري على ألسنة الناس اليوم. وقال في الإملاء: والصواب فيه الجيم. أحفظ الرجل- بالحاء المهملة والفاء والظاء المعجمة المشالة-: أغضبه. ببحر طام- بطاء مهملة-: مرتفع. القادة: الكبراء، من قاد الأمير الجيش قيادة فهو قائد، وجمعه قادة. الجهام- بجيم مفتوحة فهاء مخففة فميم-: السحاب الذي لا ماء فيه. أهرق- بضم الهمزة وسكون الهاء وكسر الراء-: صبّ وأفرغ. يفتله في الذّروة والغارب- قال في الروض: هذا مثل، وأصله في البعير يستصعب عليك، فتأخذ الفراد من ذروته وغارب سنامه، وتفتل هناك فيجد البعير لذة، فيستأنس عند ذلك، فضرب هذا الكلام مثلا في المراوضة والمخاتلة. قال الحطيئة: لعمرك ما قراد بني بغيض* إذا نزع القراد بمستطاع يريد أنهم لا يخدعون ولا يستذلّون. وقال أبو ذر: الذّروة والغارب أعلى ظهر البعير، وأراد بذلك أنه لم يزل يخدعه كما يخدع البعير إذا كان نافرا، فيمسح باليد على ظهره حتى يستأنس، فيجعل الخطام على رأسه. بنو سعنة- بسين وعين مهملتين فنون وقيل بالتحتية- وبسط الكلام عليه في باب «حسن خلقه» . أسيد: قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصريّ: إنه بفتح الهمزة وزن أمير، وقيل: بضم الهمزة. اللّحن هنا: العدول بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه.

تفتّوا- بضم الفاء وتشديد الفوقية- يقال: فتّ في عضده إذا أضعفه وكسر قوّته. وضرب العضد مثلا: في أعضاد الناس، ولم يقل: أعضاد الناس، لأنه كناية عن الرّعب الداخل في القلوب، ولم يرد كسرا حقيقيا، ولا العضد الذي هو العضو، وإنما هو عبارة عما يدخل في القلب من الوهن، وهو من أفصح الكلام. ناشده الله: سأله به. القبال (بكسر القاف وبالموحدة واللام) . الشّتم كالضرب: السّبّ. أربى: أزيد وأعظم. عقر الدّار- بفتح العين المهملة وضمها وبالقاف-: أصلها. الرّجيع- بفتح الراء وبالجيم-: ماء لبني هذيل بين مكة وعسفان. تقنّع: غطّى رأسه بثوب. نجم النّفاق- بفتحات-: ظهر وطلع. القرّ- بضم القاف-: البرد. الثّلمة- بالضّمّ- في الحائط وغيره: الخلل. الحضن- بالكسر-: ما دون الإبط إلى الكشح. الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم، وهو تزيّده حيث لا يجد مساغا. الغرّة- بكسر الغين المعجمة- الغفلة. نذر- بذال معجمة-: علم، وزنا ومعنى. المكيدة: المكر والاحتيال. يجيلون خيلهم- بجيم فتحتية مشدّدة- يطلقونها. يغدو، يقال: غدا إلى كذا: أصبح إليه. يناوشون- بتحتية فنون فألف فواو فشين معجمة فواو فنون-: يتدانون إلى القتال.

شرح غريب ذكر إرادته صلى الله عليه وسلم مصالحة غطفان

شرح غريب ذكر إرادته صلّى الله عليه وسلم مصالحة غطفان المقنّع- بضم الميم وفتح القاف والنون المشددة-: الذي على رأسه البيضة، وهي الخوذة. الهجرس- بكسر الهاء وسكون الجيم وكسر الراء وآخره سين مهملة-: ولد الثعلب والقرد أيضا. رمتكم عن قوس واحدة: هذا مثل في الاتفاق. الشّوكة: - بالواو- شدة البأس والحركة في السّلاح. كالبوكم: اشتدّوا عليكم. القرى- بكسر القاف-: ما يصنع للضيف. يجهدوا: يبلغوا أقصى ما يقدرون عليه. شرح غريب ذكر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ود الرّباط- بكسر الراء-: مرابطة العدوّ وملازمة الثّغر، وهو في الأصل في مرابطة الخيل، وهو ارتباطها بإزاء العدوّ في بعض الثّغور. يقحمون خيلهم: يدخلونها. السّبخة (بسين مهملة فموحدة فخاء معجمة مفتوحات) . تيمّموا: قصدوا. الثّغرة- بضم المثلثة وسكون الغين المعجمة- وهي الثّلمة. تعنق بهم خيلهم- بفوقية فعين مهملة فنون-: تسرع. أثبتته الجراحة: أصابت مقاتله. ارتثّ- بهمزة وصل وسكون الراء وضم الفوقية وبالمثلثة-: حمل جريحا من المعركة قد أثخنته الجراحة. يثأر من زيد، أي يقتله مقتلة قريبة. ثائر الرأس: منتشر الشعر. معلما- بعين مهملة وفتح اللام وكسرها- جعل لنفسه علامة يعرف بها. البراز: الظّهور للحرب. الهزاهز- بفتح الهاء الأولى وكسر الثانية بعد كل منها زاي معجمة-: الفتن يهتز فيها الناس ...

الغرائز: جمع غريزة وهي الطبيعة. النائحة: الرافعة صوتها بالنّدب. النّجلاء- بنون مفتوحة فجيم ساكنة وبالمدّ-: الواسعة. يرومني عليها، من رام يروم: طلب. أجل كنعم وزنا ومعنى. عقر دابّته: ضرب قوائمها بالسيف، وربما قيل: عقرها إذا ذبحها. الدّرقة بالدال المهملة-: التّرس. العاتق: موضع الرّداء من العنق، وقيل: بين العنق والمنكب، وقيل: هو عرق أو عصب هناك. التّرقوة- بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف-: الموضع الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين. الفرار: - بكسر الفاء- التّولّي عن القتال. صدرت: رجعت. متجدّلا: لاصقا بالجدالة وهي الأرض. الجذع- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة وبالعين المهملة- واحد جذوع النّخل. الدّكادك- بدالين مهملتين وكافين- والدكاديك: جمع دكداك، وهو من الرّمل ما تلبّد بالأرض ولم يرتفع. الرّوابي: جمع رابية، وهي الأرض المرتفعة. المقطّر- بميم فقاف فطاء مهملة مشددة- وهو الملقى على أحد قطريه، وهما الجانبان. كأنه يقول: لو طعنني فقطرني، أي ألقاني على أحد قطري أي جانبي. ولو انّني- بوصل الهمزة- لأجل الوزن. بزّني- بموحدة فزاي مشددة فنون-: سلبني وجرّدني. تهلّل وجهه: استنار وظهرت عليه أمارات السّرور. استلبه: نزع ثيابه. السّوءة- بالفتح-: الفرج. الظّليم- بفتح الظاء المعجمة المشددة-: ذكر النّعام.

شرح غريب ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ وقضائه صلى الله عليه وسلم الصلاة وما غنمه المسلمون

المعدل: مكان العدول، وهو الميل عن الشيء. الفرعل- بفاء مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة مضمومة- وهو ولد الضّبع. ناوشه: دنا منه وطاعنه. الأبدوج- بضم أوله وبالموحدة والدال المهملة- أي لبد السّرج. قال الخطابي: هكذا فسّره أحد رواته، ولست أدري ما صحته قلت: قال في القاموس: أبدوج السّرج بالضمّ: لبد بداديه معرّب أبدود. الكاهل: ما بين الكتفين. محقبها الفرس: جعلها وراءه على الفرس. الغارة- بغين معجمة-: كبس العدوّ، وهم غارّون لا يعلمون. أحدق به- بحاء فدال مهملتين-: أحاط به. الهويّ- بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية-: الحين الطويل من الزمان. شفير الخندق: جانبه. شرح غريب ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ وقضائه صلى الله عليه وسلّم الصلاة وما غنمه المسلمون حبّان (بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة) . العرقة (بفتح العين المهملة وكسر الرّاء) . الأكحل- يقال له نهر الحياة في كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة. قال أبو حاتم: هو عرق في اليد، وفي الفخذ النّسا، وفي الظّهر الأبهر. عرّق الله وجهه في النار (بعين مهملة) . خفاجة (بخاء معجمة ففاء فألف فجيم) . ركزه: أثبته على الأرض. انتظمها: أدخلها فيه وسلكها. آذنوه- بالمد-: أعلموه. بطحان- بموحدة مضمومة فطاء مهملة ساكنة- هكذا يرويه المحدّثون أجمعون، وقال أهل اللغة: هو بفتح الموحدة وكسر الطاء. قال البكريّ: لا يجوز غيره، وهو واد بالمدينة. العلافة: العلف.

شرح غريب ذكر اشتداد الأمر على المسلمين

الحمولة- بفتح الحاء المهملة: - ما تطيق أن يحمل عليها من الإبل وغيرها، سواء أكانت عليها أحمال أم لا، وهي في القرآن الإبل خاصة، كما بسطته في القول الجامع الوجيز. صفنة- بصاد مهملة مفتوحة ففاء فنون وزن جفنة وفي القاموس أنه محرّك-: منزل بني عطية برحبة مسجد قباء. يطلبونهم: يعلمون خبرهم. ناهضه: أزاله عن مكانه. جرح وجرح: الأول بضم الجيم والثاني بفتحها. شرح غريب ذكر اشتداد الأمر على المسلمين الجنة تحت ظلال السيوف: أي أنّ ثواب الله تعالى، والسبب الموصل إلى الجنة عند الضّرب بالسّيف في سبيل الله، وهو من المجاز البليغ، لأن ظلّ الشيء ما كان ملازما له، ولا شك أن ثواب الجهاد الجنة، فكأن ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك، وخصّ السيوف لأنها أعظم آلات القتال وأنفعها، لأنها أسرع إلى الزّهوق. بلغت القلوب الحناجر: روى ابن أبي حاتم عن قتادة قال: شخصت مكانها، فلولا أن ضاق الحلقوم عنها لخرجت. انتهى. والحناجر: جمع حنجرة، وهي مجرى النّفس. الجدب: القحط. الجناب- بالجيم والنون والموحدة-: الناحية، وجناب كل شيء: ناحيته. الخفّ- بالخاء المعجمة والفاء-: الإبل. الكراع- بضم الكاف وتخفيف الراء وبالعين المهملة-: اسم لجمع الخيل. الثّوى- بثاء مثلثة فواو وبالمدّ والقصر-: الإقامة. الحرب خدعة- بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة- يقال هذه لغة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها لغات أخر. ما بدا لك: ما ظهر لك. السّيّارة- بسين مهملة فتحتية مشددة-: القافلة. الفرصة- بضم الفاء وسكون الراء- في الأصل النّوبة في السّقي، ثم أطلقت على أخذ الشيء بسرعة.

شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبر القوم وانصرافه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

نصبا بأمركم- بكسر الصاد المهملة-: مهتمّا به. انتهزوها: اختلسوها. انشمروا: انقبضوا وأسرعوا. أجلبوا: تجمّعوا وتعاونوا. نابذه: طرح عهده. الزبير (بفتح الزاي) . الجنوب: الريح التي تقابل الشمال. الريح العقيم: التي لا خير فيها. لا تلقح سحابا ولا شجرا. ولا تحمل مطرا بل تهبّ للهلاك خاصّة. الصّبا- بفتح الصاد المهملة وتخفيف الموحدة- وهي الرّيح الشرقية، ويقال لها: القبول. الدّبور- بفتح الدال المهملة: الريح القريبة، ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول، وكون الدّبور أهلكت أهل الإدبار. تكفأ القدور: تميلها وتقلبها. الأطناب: جمع طنب- بضمتين وسكون النون- لغة: حبل الخيمة. الفساطيط جمع فسطاط- بضم الفاء وكسرها-: بيت من شعر. النّجاة: النجاة بالنّصب على الإغراء. أتيتم (بالبناء للمفعول) . الفشل- بالفاء والشين المعجمة المفتوحتين-: الجبن والضّعف في الحرب. شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبر القوم وانصرافه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة دونك: اسم فعل أمر بمعنى خذ. المرط- بالكسرة-: كساء من صوف أو خزّ، أو كتّان. والمراد هنا الأول. القرّ- بضم القاف-: البرد. جثا- بالجيم والمثلثة-: برك. ظهري القوم: وسطهم.

شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه

فتصلوا القتال- بفتح الصاد-: فتدخلوا فيه. رماة الحدق- بفتحتين- جمع حدقة وهي سواد العين، قال في مختصر الأساس: هم رماة الحدق، أي المهرة في النّضال. كبد القوس: مقبضها. الأحلاس: جمع حلس- بكسر الحاء المهملة-: كساء يجعل على ظهر البعير، أراد أنهم ملازمون لركوب الخيل. الشّملة: كساء صغير يؤتزر به. أقرقف: أرعد من البرد. حزبه أمر- بالزاي والموحدة-: نزل به. يا نومان- بفتح النون وسكون الواو- أي يا كثير النّوم. الساقة: جمع سائق، وهم الذين يسوقون الجيش يكونون من ورائه يحفظونه. انقشعوا: انكشفوا. شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه العدل- بكسر العين المهملة-: المثل. نابه كذا: نزل به. المرصد: المعدّ للأمر. يقال: أرصدت لهذا ال. مر كذا: أعددته. الفضافض- بفاءين وضادين معجمتين- وهي هنا الدّروع المتسعة. سابغات ومسبغات: كاملات. الغدران: جمع غدير. الملا- بالقصر-: المتسع من الأرض. المتسربلون: لابسو الدّروع. المراح- بكسر الميم وبالحاء المهملة-: النشاط. الشاغبين- بغين معجمة فموحدة مكسورتين فتحتية- جمع شاغب وهو المهيّج للشّرّ. الشّوابك: التي تتشبث بما تأخذه فلا يفلت منها. العرين: بعين مهملة مفتوحة- مأوى الأسد الذي يألفه.

شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه

الشّوس- بشين معجمة مضمومة فواو فسين مهملة- جمع أشوس، وهو الذي ينظر نظر المتكبّر بمؤخّر عينه. المعلم- بفتح اللام وكسرها-: الذي أعلم نفسه بعلامة في الحرب ليشتهر بها. الفلّ- بفتح الفاء وتشديد اللام-: القوم المنهزمون. الشّريد- بالشين المعجمة والراء-: الطريد. دامرين: هالكين، من الدمار، وهو الهلاك. العاصف: الريح الشديدة. المتكمّه: الذي يولد أعمى. شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه الرّسم: ما بقي من آثار الشيء الدارس البالي. اليباب- بتحتية مفتوحة فموحدة فألف فموحدة أخرى-: القفر، وهو المفازة، أي الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات. المحاور: الذي يراجعك ويتكلم معك. عفا: درس. رهم- براء مكسورة جمع رهمة- بالكسر- وهو المطر الضعيف. مطلّة- بضم الميم وكسر الطاء المهملة-: مشرفة. مرباب- بميم فراء وموحدتين- أي دائمة ثابتة. الحلول- بضم الحاء المهملة-: البيوت المجتمعة. ثواقب: نيّرة مشرقة. الخريدة: المرأة الناعمة الحبيبة. آنسة الحديث- بهمزة مفتوحة ممدودة فنون فسين مهملة-: طيبة. الكعاب: الجارية التي بدا ثديها للنّهود. ألبّوا- بفتح اللام المشددة-: جمعوا. متخمّطين- بميم مضمومة ففوقية فخاء معجمة مفتوحة فميم مكسورة مشددة فطاء مهملة فتحتية- أي مختلطين. ويقال: المتخمّط: الشديد الغضب المتكبر. الحلبة- بفتح الحاء المهملة وسكون اللام-: جماعة الخيل التي تعدّ للسّباق. الأيد: القوة.

شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه

المعصفة: الرّيح الشديدة. عاتي الفؤاد: قاسيه. موقّع: ذو عيب، وأصله من التّوقيع في ظهر الدابة وهو انسلاخ يكون فيه. شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه النّحلة- بكسر النون وسكون الحاء المهملة-: العطاء. مشرقة- بالميم والقاف-: مضيئة. الذّرى: الأعالي. المعاطن: مبارك الإبل حول الماء. حمّ- بحاء مهملة مضمومة-: سود. الجذوع هنا أعناق الإبل. غزيرة- بغين فزاي معجمتين فتحتية فراء-: كثيرة. الأحلاب: ما يحلب فيه منها. اللّوب- بضم اللام جمع لوبة- وهي الحرّة، ويقال فيها اللّابة أيضا، جمعها لاب. والحرّة: أرض ذات حجارة سود. جمّها- بجيم فميم مشددة-: ما اجتمع من لبنها. وحفيلها (بحاء مهملة ففاء فتحتية) . المنتاب- بضم الميم وسكون النون ففوقية وموحدة-: القاصد الزائر. نزائعا- بنون فزاي فألف-: الخيل العربية التي جلبت من أرضها إلى غيرها. السّراح- بسين فراء فألف فحاء مهملات- وهو هنا الذّئاب واحدها سرحان، ويقال في جمعه سراحين، والسّرحان في لغة هذيل: الأسد. وجزّة المقضاب: يعني ما يجزّ أيّ يقطع لها من النّبات فتطعمه. المقضاب: من القضب والقطع. الشّوى- بفتح الواو-: القوائم. النّحض- بنون مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فضاد معجمة-: اللحم. الجرد- بالجيم-: الملس. الآراب جمع إرب وهو العضو.

المتون جمع متن: الظّهر. قود: طوال، جمع أقود وقوداء. تراح- بفوقية وراء وحاء مهملتين-: تنشط. الضّراء- بضاد معجمة فراء- وهي هنا الكلاب الضارية بالصيد. الكلّاب- بفتح الكاف واللام المشددة-: الصائد صاحب الكلاب. تحوط: تحفظ. السّائمة: الماشية المرسلة في المرعى، إبلا كانت أو غيرها. تردي: تهلك. تؤوب: ترجع. حوش: نافرة. مطارة- بميم فطاء مهملة-: مستخفة. الوغى- بالواو والغين المعجمة-: الحرب. الإنجاب- بكسر الهمزة-: الكرام. علفت (بالبناء للمفعول) . الدّعة- بفتح الدال والعين المهملتين-: الراحة وخفض العيش. البدّن- بضم الموحدة وفتح المهملة المشددة-: السّمان. دخس- بدال مهملة فخاء معجمة فسين مهملة-: كثيرة اللحم. البضيع- بموحدة فضاد معجمة فتحتية-: اللحم. الأقصاب- بالصاد المهملة جمع قصب- وهو المعى. الزّعف- بزاي فغين معجمة ففاء-: الدّروع اللّيّنة. الشّكّة والشّكّ هنا النّسج. المترصات- بميم مضمومة فمثناة فوقية ساكنة فراء فصاد مهملة-: الشّديدات، يعني رماحا. الثّقاف- بثاء مثلثة مكسورة فقاف وفاء-: الخشبة التي تقوّم بها الرماح. صياب: صائبة.

صوارم: سيوف قاطعة. غلبها: خشونتها وما عليها من الصدأ. الأروع: الذي يروع بكماله وجماله. الماجد: الشريف. المارن- بالراء-: الرّمح الليّن. وكلت (بالبناء للمفعول) . وقيعته- بواو فقاف فتحتية فعين مهملة- أي صنعته وتطريقه والوقيعة: المطرقة التي يطرق بها الحديد. خبّاب- بفتح المعجمة وتشديد الموحدة- اسم قين، والظاهر أنه أراد به خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه فإنه كان قينا، أي حدّادا. أغرّ أزرق: يعني سنانا. الطخية- بطاء مهملة فخاء معجمة فتحتية-: شدّة السّواد. القران- بكسر القاف هنا-: تقارب النّبل. القتير- بقاف مفتوحة ففوقية مكسورة هنا-: مسامير حلق الدّرع. القواحز- بقاف مفتوحة فألف فحاء مهملة فزاي معجمة-: الحلق. الجأواء- بالجيم والمد- التي يخالط سوادها حمرة. وقصرها هنا ضرورة. ململمة: مجتمعة. الضّريمة- بضاد معجمة فراء مهملة-: اللهب المتوقّد. الغاب- بالغين المعجمة والموحدة-: الشجر الملتفّ. الصّعدة- بصاد فعين مهملتين-: القناة المستوية. الخطّيّ: الرمح، منسوب إلى الخطّ- بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة-: مكان. الفيء: الظّل. أبو كرب: ملك من ملوك اليمن، وتبّع كذلك. البسالة: الشّدة. الأزهر: الأبيض.

الحرج- بحاء فراء مفتوحتين فجيم-: الحرام. الألباب: العقول. سخينة: لقب لقريش. قال في الروض: ذكروا أن قصيّا كان إذا ذبحت قريش ذبيحة أو نحرت نحيرة بمكة أتى بعجزها فصنع منه خزيرة- وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون التحتية بوزن جزيرة- وهي لحم يطبخ ببرّ فيطعمه الناس فسمّيت قريش بهما سخينة. وقيل: إن العرب كانوا إذا أسنتوا أكلوا العلهز وهو الوبر والدّم، كان يتّخذ في المجاعة، وتأكل قريش الخزيرة، واللفيفة فنفست عليهم العرب بذلك فلقبوهم سخينة. قال: ولم تكن قريش تكره هذا اللقب، ولو كرهته لما استجاز كعب أن يذكره ورسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. ولتركه أدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان قرشيّا، ولقد استنشد عبد الملك بن مروان ما قاله الهوازنيّ في قريش: يا شدّة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا اللّيل والحرم فقال: ما زاد هذا على أن استثنى، ولم يكره سماع التّلقيب بسخينة، فدل على أن هذا اللقب لم يكن مكروها عندهم، ولا كان فيه تعيير لهم بشيء يكره. وقال في المزهر: وفي كلامه نظر في موضعين: الأول: كلّ من تعرض لنسب أو تاريخ وشبههما- فيما رأيت- يزعمون أن قريشا كانت تعاب بأكل السّخينة، هذا كلام الكلبي- والبلاذريّ وأبو عبيد والمدائنيّ وأبو الفرج وابن دريد وابن الأعرابيّ وأبو عبيدة ومن لا يحصى، قالوا ذلك. الثاني: قوله: «ولو كرهته» إلخ. ليس فيه دلالة على قوله لأمور: الأول: يحتمل أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع ذلك، أو سمعه وأنكره ولم يبلغنا نحن ذلك. قلت: وهذان الأمران ليسا بشيء، لقوله صلى الله عليه وسلم لكعب لما قال: «جاءت سخينة كي تغالب ربها: لقد شكرك الله تعالى علي قولك هذا يا كعب» ، كما رواه ابن هشام والله أعلم. أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد نكايتهم فأعرض عن ذلك، لأن الذي بينهم كان أشد من ذلك. وقال السّهيليّ: «ولقد استنشد عبد الملك» إلخ فيه نظر من حيث إن المرزبانيّ ذكر هذا الشعر لخداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة، وليس من هوازن في ورد ولا صدر، وإنّ عبد الملك تنازع إليه قوم من بني عامر بن صعصعة في العرافة، فنظر إلى فتى منهم شعشاع فقال: يا فتى قد ولّيتك العرافة، فقاموا وهم يقولون: قد أفلح ابن خداش، فسمعها عبد الملك فقال: كلا والله لا يهجونا أبوك في الجاهلية بقوله: «يا شدة ما شددنا» إلخ ونسوّدك في الإسلام، فولّاها غيره.

شرح غريب قصيدة كعب رضي الله عنه

شرح غريب قصيدة كعب رضي الله عنه يرعبل- بضم التحتية وفتح الرّاء وسكون العين المهملة وكسر الموحدة وباللام- أي يقطع. المعمعة: التهاب النّار وحريقها، ثم استعملت في اختلاف الأصوات وفي شدّة القتال. الأباء- بالفتح والمد- القصب- بالقاف والصاد المهملة- الواحدة أباءة، ويقال: هو أجمة الحلفاء والقصب خاصة. المأسدة: موضع الأسد، وأراد بها هنا موضع الحرب. المذاد- بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملتين، من ذاده أي طرده-: أطم لبني حرام غربيّ مسجد الفتح سمّيت به الناحية. الجزع- بجيم تفتح وتكسر فزاي ساكنة فعين مهملة- وهو منعطف الوادي، قال في الإملاء: وهو هنا جانب الخندق. دربوا: حذقوا وتمرّنوا. المعلمون: الذين يعلمون أنفسهم بعلامة في الحرب يعرفون بها. المهجات- بضم الميم والهاء وبالجيم- جمع مهجة، وهي النّفس. ويقال: خيال النفس وذكاؤها. لربّ المشرق، أراد المشرق والمغرب فحذفه للعلم به. العصبة: الجماعة. المرفق- بفتح الميم-: الرّفق. السابغة- بالغين المعجمة-: الدرع الكاملة. تخطّ فضولها-: ينجرّ على الأرض ما فضل منها. النّهي- بفتح النون وكسرها وسكون الهاء وبالتحتية-: الغدير: وكل موضع يجتمع فيه الماء، وجمعها أنهاء ونهيّ. هبّت: تحركت. المسترقرق: صفة نهي، وهو الذي تصفّفه الرّيح فيجيء ويذهب، ومن رواه المترفّق من الرّقّة. القتير: هنا مسامير حلق الدرع، وقد تقدّم. الحدق: جمع حدقة.

الجنادب: ذكر الجراد. الشّكّ هنا إحكام السّرد وهو متابعة نسج حلق الدّرع وموالاته شيئا فشيئا حتى تتناسق. الموثق: المثبت. الجدلاء- بالجيم المفتوحة والدال الساكنة والمد-: الدّرع المحكمة النّسج. يحفزها- بتحتية مفتوحة فحاء مهملة ساكنة ففاء مكسورة فزاي-: يرفعها ويشمرها. النّجاد- بكسر النون وبالجيم المهملة-: حمائل السيف. المهنّد: السيف. صارم- بالمهملة-: قاطع. الرّونق: اللمعان. الهياج: يوم القتال. قدما- بضم القاف وسكون الدال المهملة وضمها- أي يتقدم ولم يعرّج. نلحقها (بضم النون وسكون اللام وكسر الحاء المهملة وضم القاف) . الجماجم: جمع جمجمة الرأس. ضاحيا- بضاد معجمة فحاء مهملة- أي بارزا كالشمس. الهامات- بهاء فألف فميم فتاء تأنيث- جمع هامة وهي الرأس وهي المراد. بله: اسم سمّي به الفعل، ومعناه اترك ودع. والأكفّ منصوب به، ومن رواه بخفض الأكفّ جعل بله مصدرا أضافه إلى ما بعده كما قال تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد 4] . الفخمة- بالفاء والخاء المعجمة- يعني بها الكتيبة. المذمومة: المجتمعة. المشرق هنا جبل. ومن رواه: كرأس قدس المشرق- بقاف فدال فسين مهملة- القدس هنا جبل. والمشرق نعت له. المقلّص: الفرس الخفيف المشمر. الورد- بفتح الواو-: الفرس الذي تضرب حمرته إلى الصّفرة. المحجول: الفرس الذي ابيضّت قوائمه. تردي: تسرع. الكماة- بضم الكاف-: الشّجعان.

شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه

الطّلّ- بطاء مهملة- الضّعيف من المطر. الملثق- بميم مضمومة فلام ساكنة فثاء مثلثة مكسورة فقاف- أي الذي يبلّ. واللّثق: البلل. الحتوف: جمع حتف. الهلاك. العماية هنا: السّحابة. الوشيح- بفتح الواو وكسر الشين المعجمة وبالحاء المهملة- الرّمح. المزهق- بالزاي والهاء والقاف-: المذهب للنّفوس. الحيّط: جمع حائط. وهم اسم فاعل من حاط يحوط. دلفت- بفتح الدال المهملة واللام والفاء- أي قربت. النّزّق- بنون مضمومة فزاي مفتوحة مشددة- جمع نازق وهو الغاضب السّيء الخلق. الحومات: جمع حومة وهي موضع القتال. نعنق- بنون مضمومة فعين مهملة ساكنة فنون مكسورة فقاف- أي نسرع. شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه سلع والعريض تقدما. الصّماد- بصاد ودال مهملتين- اسم موضع، يحتمل أن يكون جمع ضمد، وهو المرتفع من الأرض. النّواضح: الإبل التي يستقي عليها الماء. مدرّبات: جمع مدرّبة أي مخرّجة مدرّبة قد ألفت الركوب والسير، أي تعودت المشي في الدروب، فصارت تألفها وتعرفها فلا تنفر منها. وخوص- بخاء معجمة فواو فصاد مهملة- أي ضيّقة. ثقّبت- بالثاء المثلثة والقاف والموحدة-: حفرت. رواكد: ثابتة دائمة. يزخر- بالزاي والخاء المعجمة-: يعلو ويرتفع. يقال: زخر البحر والنهر، إذا ارتفع ماؤه وعلا. المرّار- بالراء- الماء الذي يمر فيها. ومن رواه بالدال المهملة، أراد الماء الذي يمدها. الجمام- بكسر الجيم- جمع جمّة وهي البئر الكثيرة الماء.

الثّماد جمع ثمد، وهو الماء القليل. الغاب- بالغين المعجمة- الشجر الملتف. البرديّ- بموحدة-: نبات ينبت في البرك تصنع منه الحصر الغلاظ. أجشّ- بالجيم والشين المعجمة-: عالي الصوت. وقال في الروض: الأبحّ. تبقّع: صارت فيه بقع صفر. وفي الروض: بيض من اليبس. دوس ومراد: قبيلتان. لم تثر- بضم الفوقية وفتح الثاء المثلثة-: لم تحرث. الجلاد- بكسر الجيم-: الضرب بالسيف في القتال. السّكّة- بالسين المهملة والكاف-: الصّفّ من النخل. الأنباط: قوم من العجم، أي حرسناها وغرسناها كما تفعل الأنباط في أمصارها لا نخاف عليها كائدا. الجلهات: جمع جلهة، وهو ما استقبلك من الوادي إذا نظرت إليه من الجانب الآخر. الحضر بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة فراء-: الجري بين الخيل واشتداد الفرس في عدوه، ويروي: خطر- بالخاء المعجمة والطاء المهملة- أي القدر. يقال: لفلان خطر في الناس أي قدر. الطّول- بفتح الطاء-: الفضل، وبضمّها: خلاف العرض. الغايات: جمع غاية وهي حيث ينتهي طلق فرسه. نجتديكم- بالدال المهملة-: نطلب منكم. الشّطر- بالشين المعجمة-: الناحية والقصد. المذاد تقّدم أولا. المطهّم- بالطاء المهملة وتشديد الهاء-: الفرس التامّ الخلق. الطّمرّ- بكسر الطاء المهملة والميم وفتح الراء المشددة-: الفرس الخفيف. خفق: مضطرب: تدفّ- بالدال المهملة والفاء-: تطير في جريها، يقال: دفّ الطائر إذا حرّك جناحيه ليطير. المقلّص: المشمّر الشّديد.

الآراب جمع أربة بضم الهمزة، وهي القطعة من اللحم. النّهد: الغليظ العنق، وأراد أنّه تامّ الخلق من مؤخّر ومقدّم. السّنة الجماد- أي سنة القحط. الأعنّة جمع عنان، وهو سير اللّجام. مصغيات: مستمعات. القوانس: أعالي بيض الحديد. القاري: من أهل القرى. البادي: من كان من أهل البادية. البسالة: الشدة والشجاعة. أشرجنا- بشين معجمة فراء فجيم-: ربطنا. الجدل- بضم الجيم وبالدال المهملة واللام- جمع جدلاء، وهي الدّروع المحكمة النّسج. الأزب- بالزاي-: جمع أزبة: الشّدة والضيق، ومن رواه الأرب فهو جمع أربة، وهي العقدة الشديدة. السّوابغ: الدّروع الكاملة. الصّقر (بفتح الصاد المهملة) . المعتلث: الذي لا يورى نارا. ويقال: المعتلث: الذي يقطع من شجر لا يدري: أيورى نارا أم لا. الأشمّ: العزيز. غداة ندى: من رواه بالنون فهو من الندا وهو المجلس، ومن رواه «بدا» - بالموحدة فظاهر، ومن رواه بالتحتية والراء فهو معلوم. الجزع- بكسر الجيم وسكون الزاي-: جانب الوادي، أو ما انعطف منه. المذكّي: الذي بلغ الغاية في القوة. صبيّ السيف: وسطه، وذبابه: طرفه. النّجاد- بالنون: حمائل السيف.

المجلد الخامس

[المجلد الخامس] بسم الله الرحمن الرّحيم [تتمة جماع أبواب المغازي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة] الباب العشرون في غزوة بني قريظة تقدم في غزوة الخندق أنّهم ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونقضوا العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباءوا بغضب من الله ورسوله، والصّفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه وتعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ- أَي أَعانوهم- مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ- أَي حصونهم- وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً [الأحزاب 25: 27] . قال محمد بن عمر عن شيوخه: لما تفرّق المشركون عن الخندق خافت بنو قريظة خوفا شديدا، وقالوا: محمد يزحف إلينا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يأمر بقتالهم حتّى جاءه جبريل يأمره به. روى الإمام أحمد والشّيخان- مختصرا- والبيهقي والحاكم في صحيحه مطوّلا عن عائشة، وأبو نعيم، والبيهقي من وجه آخر عنها، وابن عائذ عن جابر بن عبد الله، وابن سعد عن حميد بن هلال، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى والبيهقي وابن سعد عن الماجشون، والبيهقيّ عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وسعيد بن جبير وابن سعد عن يزيد بن الأصم، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رجع عن الخندق، والمسلمون وقد عضّهم الحصار، فرجعوا مجهودين، فوضعوا السلاح، ووضعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودخل بيت عائشة ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه- قال ابن عقبة قد رجّل أحد شقّيه. قال محمد بن عمر: غسل رأسه واغتسل، ودعا بالمجمرة ليتبخّر، وقد صلّى الظّهر، قالت عائشة: فسلّم علينا رجل ونحن في البيت. قال محمد بن عمر: وقف موضع الجنائز، فنادى عذيرك من محارب! فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فزعا فوثب وثبة شديدة، فخرج إليه، وقمت في أثره أنظر من خلل الباب، فإذا هو دحية الكلبيّ فيما كنت أرى- وهو ينفض الغبار عن وجهه، وهو معتمّ، وقال ابن إسحاق: معتجر بعمامة، قال الماجشون- كما رواه أبو نعيم عنها، سوداء من إستبرق، مرخ من عمامته بين كتفيه، على بغلة شهباء- وفي لفظ: فرس- عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج- قال الماجشون: أحمر- على ثناياه أثر الغبار، وفي رواية: قد عصّب رأسه الغبار، عليه لأمته،

فاتكأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عرف الدّابّة، فقال: يا رسول الله، ما أسرعتم ما حللتم، عذيرك من محارب! عفا الله عنك، وفي لفظ غفر الله لك، أوقد وضعتم السّلاح قبل أن نضعه؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «نعم قال: فو الله ما وضعناه، وفي لفظ: «ما وضعت الملائكة السّلاح منذ نزل بك العدوّ. وما رجعنا الآن إلّا من طلب القوم حتّى بلغنا حمراء الأسد- يعني الأحزاب- وقد هزمهم الله تعالى، وإن الله- تعالى- يأمرك بقتال بني قريظة، وأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة لأزلزل بهم الحصون، فاخرج بالنّاس» . قال حميد بن هلال: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «فإنّ في أصحابي جهدا فلو أنظرتهم أيّاما قال جبريل: انهض إليهم، فو الله لأدقّنهم كدقّ البيض على الصّفا لأضعضعنّها، فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتّى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار. قال أنس- رضي الله عنه- فيما رواه البخاري: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم- موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة [ (1) ] .. انتهى. قالت عائشة: فرجعت، فلمّا دخل قلت يا رسول الله- من ذاك الرجل الّذي كنت تكلّمه؟ قال: «ورأيته» ؟ قلت نعم، قال، «لمن تشبّهت» ؟ قلت: بدحية بن خليفة الكلبي، قال: «ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة» . قال قتادة فيما رواه ابن عائذ: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بعث يومئذ مناديا ينادى «يا خيل الله اركبي» وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بلالا فأذّن في الناس: «من كان سامعا مطيعا فلا يصلّين العصر إلّا ببني قريظة» . وروى الشيخان عن ابن عمر، والبيهقي عن عائشة، والبيهقي عن الزهري وعن ابن عقبة، والطبراني عن كعب بن مالك: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: «عزمت عليكم ألّا تصلّوا صلاة العصر» . ووقع في مسلم في حديث ابن عمر صلاة الظّهر فأدرك بعضهم صلاة العصر، وفي لفظ الظهر في الطّريق، فقال بعضهم: لا نصلّيها حتّى نأتي بني قريظة، إنّا لفي عزيمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما علينا من إثم، فصلّوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس. وقال بعضهم: بل نصلّي، لم يرد منّا أن ندع الصّلاة، فصلّوا، فذكر ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يعنّف واحدا من الفريقين، ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب فدفع إليه لواءه، وكان اللّواء على حاله لم يحلّ من مرجعه من الخندق، فابتدره النّاس [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر البخاري 7/ 470 (4117) . [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 471 (4118) وأخرج عبد الرزاق في المصنف (9737) والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 8 وابن كثير في البداية 4/ 117، وانظر مجمع الزوائد 6/ 143.

ذكر مسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة

ذكر مسيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بني قريظة قال محمد بن عمر، وابن سعد، وابن هشام، والبلاذري: فاستعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة ابن أم مكتوم. قال محمد بن عمر: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إليهم لسبع بقين من ذي القعدة، ولبس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السّلاح والدّرع [ (1) ] والمغفر والبيضة وأخذ قناة بيده، وتقلّد التّرس، وركب فرسه اللّحيف [ (2) ] ، وحفّ به أصحابه، قد لبسوا السّلاح وركبوا الخيل، وكانت الخيل ستّة وثلاثين فرسا وسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، والخيل والرّجّالة حوله قال ابن سعد: وكان معه- صلّى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف، قلت: كذا ذكر محمد ابن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم. ركب فرسا. وروى الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن أبي رافع، وابن سعد عن البيهقي وغيره والطبراني عن ابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لما أتى بني قريظة ركب على حمار عري يقال له يعفور، والنّاس حوله [ (3) ] . وروى الحاكم، والبيهقي وأبو نعيم عن عائشة وابن إسحاق عن..... ومحمد ابن عمر عن شيوخه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر بنفر من بني النجار بالصّورين فيهم حارثة بن النعمان قد صفّوا عليهم السّلاح فقال: «هل مرّ بكم أحد؟» قالوا: نعم، دحية الكلبي مر على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من إستبرق وأمرنا بحمل السلاح سلاحنا فأخذنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطلع عليكم الآن، قال حارثة بن النعمان: وكنا صفّين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة ليزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم» [ (4) ] . وسبق عليّ في نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة- إلى بني قريظة. روى محمد بن عمر عن أبي قتادة قال: انتهينا إلى بني قريظة، فلمّا رأونا أيقنوا بالشّرّ، وغرز عليّ الرّاية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأزواجه. قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السّيف بيننا وبينكم، وانتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى

_ [ (1) ] الدّرع: قميص من حلقات من الحديد متشابكة يلبس وقاية من السلاح، يذكر ويؤنث، انظر المعجم الوسيط 1/ 280. [ (2) ] قال في النهاية: كان اسم فرسه- صلى الله عليه وسلّم- اللحيف لطول ذنبه، فعيل بمعنى مفعول، كأنه يلحف الأرض بذنبه أي يغطيها به، انظر النهاية 4/ 238. [ (3) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 6/ 144 رجاله ثقات. [ (4) ] أخرجه عبد الرزاق (9737) والبيهقي في الدلائل 4/ 9 وابن كثير في البداية 4/ 118 والحاكم 4/ 118، 3/ 34، 35 وأبو نعيم في الدلائل (437) .

ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة

بني قريظة، فنزل قريبا من حصنهم على بئر أنّا بأسفل حرّة بني قريظة، فلمّا رآه علي- رضي الله عنه- رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأمرني أن ألزم اللّواء، فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أذاهم وشتمهم. فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابيث، فإن الله- تعالى- كافيك اليهود. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لم تأمرني بالرّجوع؟ فكتمه ما سمع، فقال: «أظنّك سمعت منهم لي أذى» فقال: نعم يا رسول الله. قال: «لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً» . فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم، وتقدّمه أسيد بن الحضير- فقال: يا أعداء الله: لا نبرح عن حصنكم حتّى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر، فقالوا: يا ابن الحضير: نحن مواليك دون الخزرج، وخاروا، فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إلّا وذمة، ودنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وترّسنا عنه، ونادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم، حتى أسمعهم فقال: «أجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطّاغوت هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ أتشتمونني؟! فجعلوا يحلفون ما فعلنا، ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، وفي لفظ ما كنت فاحشا. واجتمع المسلمون عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عشاء، وبعث سعد بن عبادة- رضي الله عنه- بأحمال تمر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين. فكان طعامهم، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم يومئذ «نعم الطّعام التّمر» . ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سحرا، وقدّم الرماة وعبّأ أصحابه فأحاطوا بحصون يهود، ورموهم بالنّبل والحجارة، وهم يرمون من حصونهم حتّى أمسوا، فباتوا حول الحصون، وجعل المسلمون يعتقبون، يعقب بعضهم بعضا، فما برح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يراميهم حتى أيقنوا بالهلكة، وتركوا رمي المسلمين، وقالوا: دعونا نكلمكم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «نعم» فأنزلوا نبّاش بن قيس، فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النّضير من الأموال والحلقة وتحقن دماءنا، ونخرج من بلادك بالنّساء والذّراري، ولنا ما حملت الإبل إلّا الحلقة، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: تحقن دماءنا وتسلّم لنا النّساء والذّريّة ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا أن ينزلوا على حكمه، وعاد نبّاش إليهم بذلك. ذكر اعتراف كعب بن أسد كبير بني قريظة وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما عاد نبّاش إلى قومه، وأخبرهم الخبر، قال كعب بن أسد: يا معشر بني قريظة، والله قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا ما شئتم منها، قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرّجل ونصدّقه. فو الله لقد تبيّن لكم أنه نبي مرسل، وأنّه الّذي تجدونه في

كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم، والله إنكم لتعلمون أنّ محمّدا نبي، وما منعنا من الدّخول معه إلّا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيا من بني إسرائيل، فهو حيث جعله الله، ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكنّ البلاء والشؤم من هذا الجالس- يعني حيي بن اخطب- ولقد كان حيي بن اخطب دخل معهم في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكعب بن أسد، بما كان عاهده عليه- أتذكرون ما قال لكم ابن جوّاس حين قدم عليكم: تركت الخمر والخمير والتمير، وأجئت إلى السّقاء والتّمر والشّعير، قالوا: وما ذاك؟ قال: إنّه يخرج بهذه القرية نبيّ، فإن يخرج وأنا حيّ أتبعه وأنصره، وإن خرج بعدي، فإياكم أن تخدعوا عنه، واتّبعوه، فكونوا أنصاره وأولياءه، وقد آمنتم بالكتابين، كليهما الأوّل والآخر، وأقرئوه منّي السّلام، وأخبروه أنّي مصدّق به. قال كعب: فتعالوا فلنتابعه ونصدّقه، فقالوا: لا نفارق حكم التّوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره، قال: فإذا أبيتم علىّ هذه فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالا مصلتين السّيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، فإن نهلك نهلك، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، إن نظهر فلعمري لنجدنّ النّساء والأبناء. قالوا: أنقتل هولاء المساكين؟! فما خير العيش بعدهم؟ قال: فإن أبيتم علىّ هذه فإن اللّيلة ليلة السّبت، وأنّه عسى وأن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا، لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة، قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ! فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدّهر حازما، فقال ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد ابن عمّهم، وهم نفر من هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النّضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عمّ القوم: يا معشر بني قريظة، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنّ صفته عندنا، وحدّثنا بها علماؤنا وعلماء بني النّضير، هذا أولهم: يعني حيي بن اخطب مع جبير بن الهيبان- أنه أصدق النّاس عندنا، هو خبّرنا بصفته عند موته. قالوا: لا نفارق التّوراة. فلمّا رأى هولاء النّفر إباءهم نزلوا تلك الليلة التي في صبحها نزلت بنو قريظة فأسلموا وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم. وقال عمرو بن سعدى: يا معشر يهود، إنكم قد حالفتم محمّدا على ما حالفتموه عليه، فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه، فلم أدخل فيه، ولم أشرككم في غدركم، فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فو الله ما أدري يقبلها أم لا، قالوا: فنحن لا نقرّ للعرب بخرج في رقابنا يأخذونه، القتل خير من ذلك، قال: فإنّي بريء منكم. وخرج في تلك الليلة مع ابني سعية، فمرّ بحرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليهم محمد بن مسلمة، فقال محمد: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى، قال محمّد: مرّ اللهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، وخلّى

ذكر طلب يهود أبي لبابة وما وقع له ونزول توبته

سبيله، وخرج حتّى أتى مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبات به حتّى أصبح فلما أصبح غدا فلم يدر أنّى هو حتّى السّاعة فذكر شأنه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. فقال: «ذاك رجل نجّاه الله بوفائه» [ (1) ] . ذكر طلب يهود أبي لبابة وما وقع له ونزول توبته قال أهل المغازي وجدّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حصارهم، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة السبت أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر [ (2) ] فنستشيره في أمرنا فأرسله إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما رأوه قام إليه الرّجال وبهش إليه النّساء والصّبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم، فقال كعب بن أسد: يا أبا لبابة، إنّا قد اخترناك على غيرك، إن محمدا قد أبى إلّا أن ننزل على حكمه أفترى أن ننزل على حكمه؟ قال نعم، وأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذّبح. قال أبو لبابة: فو الله ما زالت قدماي عن مكانهما حتّى عرفت أنّي قد خنت الله ورسوله. فندمت واسترجعت فنزلت وإنّ لحيتي لمبتلّة من الدّموع، والنّاس ينتظرون رجوعي إليهم حتّى أخذت من وراء الحصن طريقا أخرى، حتى جئت إلى المسجد، ولم آت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فارتبطت وكان ارتباطي على الأسطوانة المخلقة التي يقال لها أسطوانة التّوبة، وقلت لا أبرح من مكاني حتّى أموت أو يتوب الله عليّ ممّا صنعت، وعاهدت الله تعالى بألا أطأ أرض بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلّم- فيه أبدا، وبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذهابي وما صنعت، فقال: «دعوه حتّى يحدث الله تعالى- فيه ما شاء، لو كان جاءني استغفرت له، فإذا لم يأتني وذهب، فدعوه» . وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال 27] قال أبو لبابة: فكنت في أمر عظيم، في حر شديد عدّة ليال لا آكل فيهنّ ولا أشرب، وقلت: لا أزال هكذا حتّى أفارق الدّنيا، أو يتوب الله عليّ. وأذكر رؤيا رأيتها في النّوم ونحن محاصرون بني قريظة. كأنّي في حمأة آسنة، فلم أخرج منها حتّى كدت أموت من ريحها، ثمّ أرى نهرا جاريا فأراني اغتسلت فيه حتّى استنقيت وأراني أجد ريحا طيّبة فاستعبرتها أبا بكر فقال: لتدخلنّ في أمر تغتمّ له، ثمّ يفرج عندئذ، فكنت أذكر قول أبي بكر وأنا مرتبط، فأرجو أن ينزل الله تعالى- توبتي. قال: فلم أزل كذلك حتّى ما أسمع الصّوت من الجهد- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينظر إليّ. قال ابن هشام: أقام مرتبطا ستّ ليال تأتيه امرأته كلّ صلاة فتحلّه حتّى يتوضّأ ويصلي ثمّ يرتبط.

_ [ (1) ] ذكره الحافظ ابن كثير في البداية 4/ 121. [ (2) ] أبو لبابة، الأنصاري المدني، اسمه بشير، وقيل رفاعة بن عبد المنذر، صحابي مشهور، وكان أحد النقباء، وعاش إلى خلافة عليّ، ووهم من سماه مروان. التقريب 2/ 467.

ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورده الأمر إلى سعد بن معاذ - رضي الله عنه -

وقال ابن عقبة: زعموا أنّه ارتبط قريباً من عشرين ليلة. قال في البداية: وهذا أشبه الأقاويل، وقال ابن إسحاق: أقام مرتبطا خمسا وعشرين ليلة. قال أبو عمر: روى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض والرّبوض الثّقيلة- بضع عشرة ليلة حتّى ذهب سمعه فما يكاد يسمع، ويكاد يذهب بصره. وكانت ابنته تحلّه إذا حضرت الصّلاة أو أراد أن يذهب لحاجته فإذا فرغ أعادت الرباط. والظّاهر أنّ زوجته كانت تباشر حلّه مرّة وابنته مرّة. وأنزل الله تعالى- في توبة أبي لبابة وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة 102] قال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط: إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم من السحر وهو في بيت أم سلمة، قالت أمّ سلمة: فسمعت رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم من السّحر وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله ممّ تضحك؟ أضحك الله سنّك، قال: «تيب على أبي لبابة» قالت: فقلت أفلا أبشّره يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت» قال: فقامت على باب حجرتها- وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب- فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فسار النّاس إليه ليطلقوه، فقال: لا والله حتّى يكون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو الّذي يطلقني بيده. فلمّا مرّ عليه خارجا إلى صلاة الصّبح أطلقه. قال السّهيليّ وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين- رضوان الله عليهم أجمعين- قال: أن فاطمة- رضي الله عنها. جاءت تحلّه فقال إنّي حلفت ألا يحلّني إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال النبي- صلى الله عليه وسلّم: «إن فاطمة بضعة مني» قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، وعلي بن الحسين روايته مرسلة- قال أبو لبابة: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كلّه صدقة إلى الله وإلى رسوله. قال: «يجزئك الثّلث يا أبا لبابة» [ (1) ] . ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورده الأمر إلى سعد بن معاذ- رضي الله عنه- فلمّا جهدهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بأسراهم فكتّفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة، ونحّوا ناحية، وأخرجوا النّساء والذّرّية من الحصون فكانوا ناحية واستعمل عليهم عبد الله بن سلام، وجمعت أمتعتهم وما

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9745) والطبري 9/ 46 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص (214) حديث (841) .

وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثّياب، ووجدوا فيها ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع، وألفي رمح، وألفا وخمسمائة ترس وحجفة [ (1) ] وأثاثا كثيرا، وآنية كثيرة، وخمرا، وجرارا، وسكرا فهريق ذلك كله. ولم يخمّسه ووجد من الجمال النّواضح عدّة، ومن الماشية شيئا كثيرا، فجمع هذا كله. وتنحّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجلس وتواثبت الأوس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج، وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبيّ وهبت له ثلاثمائة حاسر، وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساكت لا يتكلّم حتّى أكثروا عليه وألحّوا ونطقت الأوس كلّها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم» ؟ قالوا: بلى. قال: «فذلك إلى سعد بن معاذ» [ (2) ] . وقال ابن عقبة: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «اختاروا من شئتم من أصحابي» فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وسعد يومئذ في المسجد بالمدينة، في خيمة كعيبة بنت سعيد- بالتّصغير فيهما- الأسلميّة، وكانت تداوي الجرحى وتلّمّ الشّعث، وتقوم على الضّائع الذي لا أحد له، وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جعل سعد بن معاذ فيها ليعوده من قريب فلمّا جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحكم إلى سعد خرجت الأوس حتّى جاءوه فحملوه على حمار بأعرابي بشندة من ليف وعلى الحمار قطيفة فوق الشّندة، وخطامه من ليف، وكان رجلا جسيما، فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد ولّاك أمر مواليك لتحسن فيهم، فأحسن فقد رأيت ابن أبيّ وما صنع في حلفائه، وأكثروا من هذا وشبهه، وهو لا يتكلم، حتّى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألّا تأخذه في الله لومة لائم، فقال الضّحّاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري: وا قوماه! وقال غيره منهم نحو ذلك ثم رجع الضّحّاك إلى الأوس فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد، عن كلمته الّتي سمع منه، وأقبل سعد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم والنّاس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس، فلمّا طلع سعد بن معاذ- وفي الصّحيحين- فلما دنا من المسجد: أي الذي كان فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعدّه ببني قريظة أيام حصارهم- للصلاة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى سيدكم» وفي لفظ «خيركم» فأمّا المهاجرون من قريش فإنّما يقولون: إنّما أراد الأنصار، وأمّا الأنصار فيقولون: قد عمّم بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-

_ [ (1) ] الحجفة: الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب، انظر المعجم الوسيط 1/ 158. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 475 (4121) .

ذكر قتلهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم

المسلمين، وعند الإمام أحمد «قوموا إلى سيدكم» فأنزلوه، وكان رجال من بني عبد الأشهل يقولون: قمنا له على أرجلنا صفّين، يحيّيه كلّ رجل منّا حتى انتهى إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم. [ (1) ] وفي حديث جابر- رضي الله عنه: عند ابن عائذ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: - احكم فيهم يا سعد، فقال: الله ورسوله أحق بالحكم. قال: «قد أمرك الله أن تحكم فيهم» . وقالت الأوس الذين بقوا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم: يا أبا عمرو: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد ولاك الحكم في أمر مواليك فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك، فقال سعد: أترضون حكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، قد رضينا بحكمك، وأنت غائب عنا، اختيارا منا لك، ورجاء أن تمنّ علينا كما فعل غيرك بحلفائه بني قينقاع، وأثرنا عندك أثرنا، وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك. فقال سعد: ما آلوكم جهدا، فقالوا: ما يعني بقوله هذا؟ ثم قال سعد: عليكم عهد الله وميثاقه، أنّ الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا: نعم، ثم قال سعد للنّاحية الّتي فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو معرض عنها إجلالا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن معه: «نعم» قال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن يقتل كلّ من جرت عليه الموسى، وتسبى النّساء والذّرّية، وتقسّم الأموال وتكون الدّيار للمهاجرين دون الأنصار. فقالت الأنصار. إخواننا كنّا معهم، فقال: أحببت أن يستغنوا عنكم» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: لقد حكمت فيهم بحكم الله الّذي حكم به من فوق سبع سموات [ (2) ] . وذكر ابن إسحاق في غير رواية البكّائي: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في حكم سعد: «بذلك طرقني الملك سحرا» ، وكان سعد بن معاذ في الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد دعا فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنّه لا قوم أحب إلي أن أقاتلهم من قوم كذبوا رسولك آذوه وأخرجوه، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنّا وعنهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فأقرّ الله تعالى عينه منهم [ (3) ] . ذكر قتلهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم فلما حكم سعد، بما حكم، وانصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الخميس لتسع ليال كما

_ [ (1) ] انظر التخريج السابقة وانظر أحمد 3/ 22 وابن أبي شيبة 14/ 425 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 18 ومسلم في الجهاد باب 22 رقم (64) وأبو داود (5215) والترمذي 856 والطبراني في الكبير 6/ 6 وانظر المجمع 6/ 138 وابن أبي شيبة 14/ 425 وابن سعد 3/ 2/ 4. [ (2) ] وأخرجه ابن سعد 3/ 2/ 4، 5 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 97 ومن حديث أبي سعيد البخاري 6/ 165 (3043) ومسلم 3/ 1388 (64/ 1769) والبخاري (7/ 123) . [ (3) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 178، والقرطبي في التفسير 7/ 395.

ذكر محمد بن عمر وابن سعد، وجزم به الدّمياطي، وقيل لخمس- كما جزم به في الإشارة- خلون من ذي الحجة، وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالسّبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنّساء والذّرّية إلى دار رملة بنت الحارث، ويقال حبسوا جميعا في دار رملة، وأمر لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأحمال تمر فنثرت لهم، فباتوا يكدمونها كدم الحمر، وأمر بالسّلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل إلى دار ابنة الحارث وبالإبل والغنم ترعى هناك في الشّجر، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غدا إلى السّوق، فأمر بأخدود فخدّت في السّوق ما بين موضع دار أبي الجهم العدوي إلى أحجار الزّيت، فكان أصحابه هناك يحفرون، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة، فكانوا يخرجون أرسالا، تضرب أعناقهم في تلك الخنادق، فقالوا لكعب بن أسد- وهم يذهب بهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أرسالا: يا كعب، ما ترى محمدا يصنع بنا؟ قال: ما يسوءكم، ويلكم! على كل حال لا تعقلون!! ألا ترون الدّاعي لا ينزع، وأنّه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله السّيف، قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم عليّ قالوا: ليس هذا بحين عتاب، لولا أنّا كرهنا أن نزرى برأيك ما دخلنا في نقض العهد الّذي كان بيننا وبين محمّد، قال حيّ بن أخطب: اتركوا ما ترون من التّلاوم، فإنه لا يردّ عنكم شيئا، واصبروا للسيف، وكان الذين يلون قتلهم علي ابن أبي طالب والزبير بن العوام وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر، فقالا: يا رسول الله، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم، فقال سعد بن معاذ: ما كرهه من الأوس أحد فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه الله. فقام أسيد بن الحضير- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله: لا تبقين دارا من دور الأوس إلّا فرّقتهم فيها، فمن سخط فلا يرغم الله إلّا أنفه، فابعث إلى داري أوّل دورهم، ففرّقهم في دور الأوس فقتلوهم، ثمّ أتي بحييّ بن أخطب [ (1) ] مجموعة يداه إلى عنقه، عليه حلّة شقحيّة. وقال ابن إسحاق: فقاحيّة قد لبسها للقتل، ثمّ عمد إليها فشّقها أنملة أنملة لئلّا يسلبه أيّاها أحد. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين طلع: «ألم يمكّن الله منك يا عدو الله: قال بلى والله، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مكانه فأبى الله إلا أن يمكنك. ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل علي الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، قدر وكتاب وملحمة كتبت على بني إسرائيل! ثمّ جلس فضربت عنقه، وأتي بنبّاش بن قيس وقد جابذ الذي جاء به حتى قاتله فدقّ الذي جاء به أنفه فأرعفه. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للذي جاء به «لم صنعت هذا به. أما كان في السّيف كفاية؟» فقال: يا

_ [ (1) ] حيي بن اخطب النضري: جاهلي. من الأشداء العتاة. كان ينعت بسيد الحاضر والبادي. أدرك الإسلام وآذى المسلمين. فأسروه يوم قريظة. ثم قتلوه. توفي سنة 5 هـ، الأعلام 2/ 292.

رسول الله، جابذني لأن يهرب، فقال نبّاش: كذب والتّوراة يا أبا القاسم، لو خلّاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي حتّى أكون كأحدهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أحسنوا إسارهم وقيّلوهم واسقوهم، حتّى يبردوا، فتقتلوا من بقي، لا تجمعوا عليهم حرّ الشّمس وحرّ السّلاح» وكان يوما صائفا، فقيّلوهم وسقوهم، فلما أبردوا راح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقتل من بقي، وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بكعب بن أسد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «كعب» ؟ قال: نعم يا أبا القاسم قال: ما انتفعتم بنصح ابن جوّاس لكم، وكان مصدّقا بي، أما أمركم باتّباعي، وإن رأيتموني أن تقروني منه السلام» ؟ قال: بلى والتّوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيّرني يهود بالجزع من السّيف لاتّبعتك ولكني على دين يهود، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «قدّمّه فاضرب عنقه» فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقتل كلّ من أنبت منهم. وروى ابن إسحاق، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي في صحيحه، والنسائي عن عطية القرظيّ قال: كنت غلاما فوجدوني لم أنبت، فخلّوا سبيلي [ (1) ] . وروى الطبراني عن أسلم الأنصاري قال: جعلني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أسارى قريظة، فكنت أنظر إلى فرج الغلام فإن رأيته أنبت ضربت عنقه، وأن لم أره جعلته في مغانم المسلمين [ (2) ] . وكان رفاعة بن شموال القرظيّ رجلا قد بلغ، فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر، أخت سليط بن قيس، وكانت إحدى خالات النبي- صلى الله عليه وسلم- قد صلّت القبلتين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبايعته مع بيعة النّساء، فقالت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، هب لي رفاعة، فإنّه زعم أنه سيصليّ، ويأكل لحم الجمل، فوهبه لها فاستحيته فأسلم بعد. ولم يزل ذلك الدأب حتّى فرغ منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقتّلوا إلى أن غاب الشّفق، ثمّ ردّ عليهم التّراب في الخندق، كلّ ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته وأقرّ عينه- رضي الله عنه ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة من بني النضير يقال لها نباتة تحت رجل من بني قريظة يقال له الحكم، وكان يحبّها وتحبّه، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار بكت إليه وقالت إنّك لمفارقي، فقال: هو والتّوراة، ما ترين فأنت امرأة، فدلّي عليهم هذه الرّحى، فإنّا لم نقتل منهم أحدا بعد، وأنت امرأة، وإن يظهر محمد علينا فإنّه لا يقتل النّساء، وإنّما كره أن تسبى، فأحبّ

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 383 والدارمي 2/ 223 وأبو داود 4/ 561 (4404) والترمذي 4/ 145 (1584) وقال حسن صحيح والنسائي 6/ 155 وابن ماجة 2/ 849 (2541) . [ (2) ] الطبراني في الصغير والأوسط قال الهيثمي 6/ 144 فيه جماعة لم أعرفهم.

ذكر خبر ثابت بن قيس ومن الزبير بن باطا

أن تقتل، وكانت في حصن الزّبير بن باطا فدلّت رحى من فوق الحصن، وكان المسلمون ربّما جلسوا تحت الحصن يستظلّون في فيئه، فأطلعت الرّحى فلمّا رآها القوم انفضّوا، وتدرك خلّاد بن سويد فتشدخ رأسه، فحذر المسلمون أهل الحصن، فلما كان اليوم الّذي أمر بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقتلوا فيه دخلت على عائشة- رضي الله عنها- فجعلت تضحك ظهرا لبطن، وهي تقول: سراة بني قريظة يقتلون إذ سمعت صوت قائل يا «نباتة» ، قالت أنا والله الّتي أدعى، قالت عائشة ولم؟ قالت: قتلني زوجي، وكانت جارية حلوة الكلام فقالت عائشة: وكيف قتلك زوجك؟ قالت: في حصن الزّبير بن باطا فأمرني فدلّيت رحى على أصحاب محمد فشدخت رأس رجل منهم فمات، وأنا أقتل به، فانطلق بها، فأمر بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقتلت، بخلّاد بن سويد. فكانت عائشة تقول: لا أنسى طيب نفس نباتة، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنّها تقتل. وروى أبو داود قصّتها مختصرة. ذكر خبر ثابت بن قيس ومنّ الزّبير بن باطا كان الزّبير بن باطا منّ على ثابت بن قيس بن شمّاس [ (1) ] يوم بعاث، فأتى ثابت الزّبير فقال: يا أبا عبد الرّحمن هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلك مثلي؟ قال ثابت: إنّ لك عندي يدا، وقدرت أن أجزيك بها، قال الزّبير: إنّ الكريم يجزي الكريم وأحوج ما كنت إليك اليوم، فأتى ثابت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إنه كان للزّبير عندي يد خير جزّ ناصيتي يوم بعاث، فقال: أذكر هذه النّعمة عندك، وقد أحببت أن أجزيه بها، فهبه لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هو لك» فأتاه ثابت فقال: «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد وهبك لي، قال الزّبير: شيخ كبير لا أهل لي ولا مال بيثرب ما أصنع بالحياة؟ فأتى ثابت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: اعطني ماله وأهله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «هو لك» فرجع إلى الزّبير، فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أعطاني ولدك وأهلك ومالك، فقال الزبير: يا ثابت أما أنت فقد كافأتني وقد قضيت الّذي عليك يا ثابت: ما فعل بالّذي كأن وجهه مرآة صينيّة تتراءى عذارى الحي في وجهه، كعب بن أسد؟ قال: قتل، قال: فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة. قال: قتلوا، قال: يا ثابت: ما في العيش خير بعد هؤلاء، أرجع إلى دار قد كانوا حلولا فيها فأخلد فيها بعدهم؟ لا حاجة لي في ذلك، ولكن يا ثابت انظر إلى امرأتي

_ [ (1) ] ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي الخطيب من كبار الصحابة وصح في (م) أنه من أهل الجنة. انفرد له البخاري بحديث. وعنه ابنه إسماعيل ومحمد بن قيس وأنس شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم اليمامة ونفذت وصيته بعد موته بمنام رآه خالد بن الوليد. له عند (خ) حديث واحد. الخلاصة 1/ 150.

ذكر اصطفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ريحانة بنت زيد النضرية لنفسه

وولدي فإنهم جزعوا من الموت فاطلب إلى صاحبك فيهم أن يطلقهم، وأن يردّ أموالهم، فطلب ثابت من النبي- صلى الله عليه وسلم- أهل الزّبير وماله وولده، فرد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهله وماله إلّا السّلاح. قال الزّبير: يا ثابت أسألك بيدي عندك إلّا ألحقتني بالقوم فما أنا بصائر لله فتلة دلو ناضح حتّى ألقى الأحبّة، قال ابن إسحاق: فقدّمه ثابت فضربت عنقه، وقال محمد بن عمر: قال ثابت: ما كنت لأقتلك، قال الزبير: لا أبالي من قتلني، فقتله الزبير بن العوام. ولمّا بلغ أبا بكر الصديق قوله: «ألقى الأحبّة» قال: يلقاهم والله في نار جهنّم خالدا مخلّدا! ذكر اصطفاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ريحانة بنت زيد النضرية لنفسه كانت ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير متزوّجة في بني قريظة، اصطفاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لنفسه، وكانت جميلة، فعرض عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الإسلام فأبت إلّا اليهوديّة، فعزلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووجد في نفسه فأرسل إلى ابن سعيّة، فذكر له ذلك، فقال ابن سعيّة: فداك أبي وأمي هي تسلم؟ فخرج حتّى جاءها، فجعل يقول لها: لا تتّبعي قومك، فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن اخطب، فاسلمي يصطفيك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لنفسه، فأجابت إلى ذلك، فبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، إذ سمع وقع نعلين فقال: «إنّ هاتين لنعلا ابن سعيّة يبشرني بإسلام ريحانة» ، فجاءه، فقال: يا رسول الله، قد أسلمت ريحانة، فسر بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (1) ] وسيأتي في ترجمتها نبذة من أخبارها وتحرير نسبها. ذكر قسم المغنم وبيعه لمّا اجتمعت المغانم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالمتاع فبيع فيمن يريد، وبيع السّبي وقسّمت النّخل أسهما، وكانت الخيل ستّة وثلاثين فرسا، فأسهم للفرس بسهمين، ولصاحبه سهم، وللرّاجل سهم. وقاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أفراس فلم يضرب إلّا سهما واحدا. وأسهم لخلّاد بن سويد وقد قتل تحت الحصن، وأسهم لأبي سنان بن محصن، مات ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحاصرهم. وكان يقاتل مع المسلمين، وكان المسلمون ثلاثة آلاف، وكانت سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما، للفرس سهمان، ولصاحبه سهم وكان السّبي ألفا من النّساء والصّبيان، فأخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمسه قبل بيع المغنم، فجزّأ السّبي خمسة أجزاء، فأخذ خمسا، وكان يعتق منه ويهب منه، ويخدم منه

_ [ (1) ] أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 312 وابن كثير في البداية 5/ 305.

ذكر بعض ما قيل من الأشعار في هذه الغزوة

من أراد وكذلك النخل عزل خمسه، وكلّ ذلك يسهم عليه خمسة أجزاء، ويكتب في سهم منها لله ثم يخرج السهم، فحيث صار سهمه أخذه ولم يتخيّر، وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزبيدي، ثم فضّ أربعة أسهم على الناس وأحذى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّساء اللّائي حضرن القتال ولم يسهم لهنّ، وهنّ صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة نسيبة، وأم سليط، وأم العلاء الأنصاريّة، والسّميراء بنت قيس، وأم سعد بن معاذ، وكبشة بنت رافع. ولمّا بيعت السّبايا والذّرية، بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بطائفة- قال محمد بن عمر- إلى الشام مع سعد بن عبادة ببيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا. وقال ابن إسحاق وغيره: بعث سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي بسبايا من بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا، واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن ابن عوف- رضي الله عنهما- طائفة فاقتسما، فسهمه عثمان بمال كثير، وجعل عثمان على كل من اشتراه من سبيهم شيئا موفيا، فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشّواب فربح عثمان مالا كثيرا، وذلك أنّ عثمان صار في سهمه العجائز، ويقال لمّا قسّم جعل الشّوابّ على حدة والعجائز على حدة، ثمّ خيّر عبد الرحمن عثمان، فأخذ العجائز. قال ابن أبي سبرة: وإنما لم يؤخذ ما جاءت به العجائز فيكون في الغنيمة لأنه لم يوجد معهن إلا بعد شهر أو شهرين، فمن جاء منهن بالّذي وقّت لهنّ عتق، فلم يتعرّض لهن، واشترى أبو الشّحم اليهودي امرأتين مع كل واحدة منهن ثلاثة أطفال بمائة وخمسين دينارا، وجعل يقول: ألستم على دين يهود؟ فتقول المرأتان: لا نفارق دين قومنا حتّى نموت عليه، وهنّ يبكين. ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يفرق في القسم والبيع بين النّساء والذّرية وقال: «لا يفارق بين الأمّ وولدها حتّى يبلغ» . قيل يا رسول الله وما بلوغه؟ قال: «تحيض الجارية ويحتلم الغلام» [ (1) ] وكانت الأم وأولادها الصّغار تباع من المشركين من العرب ومن يهود. وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أمّ لم يبع من المشركين ولا من اليهود إلّا من المسلمين. واستشهد يوم بني قريظة خلّاد بن سويد، ومنذر بن محمد. ذكر بعض ما قيل من الأشعار في هذه الغزوة روى البخاري والنسائي عن البراء بن عازب- رضي الله عنه- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال

_ [ (1) ] انظر التلخيص للحافظ ابن حجر (3/ 16) .

لحسّان يوم قريظة: اهجهم أو هاجهم وجبريل معك. [ (1) ] وروى ابن مردويه عن جابر- رضي الله عنه، قال: لما كان يوم الأحزاب، وردّهم الله بغيظهم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «من يحمي أعراض المسلمين؟» فقام كعب، وابن رواحة، وحسّان، فقال لحسّان: «اهجهم أنت فإنّه سيعينك عليهم روح القدس» ، فقال حسان- رضي الله عنه: لقد لقيت قريظة ما أساها ... وما وجدت لذلّ من نصير أصابهم بلاء كان فيه ... سوى ما قد أصاب بني النّضير غداة أتاهم يهوي إليهم ... رسول الله كالقمر المنير له خيل مجنبّة تعادى ... بفرسان عليها كالصّقور تركناهم وما ظفروا بشيء ... دماؤهم عليهم كالعبير فهم صرعى تحوم الطّير فيهم ... كذاك يدان ذو العند الفجور فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرّحمن إن قبلت نذيري وقال أيضا: لقد لقيت قريظة ما أساها ... وحلّ بحصنها ذلّ ذليل وسعد كان أنذرهم بنصح ... بأنّ إلهكم ربّ جليل فما برحوا بنقض العهد حتّى ... فلاهم في بلادهم الرّسول أحاط بحصنهم منّا صفوف ... له من حرّ وقعتهم صليل وقال أيضا: تفاقد معشر نصروا قريشا ... وليس لهم ببلدتهم نصير هم أوتوا الكتاب فضيّعوه ... وهم عمي عن التّوراة بور كفرتم بالقران وقد أتيتم ... بتصديق الّذي قال النّذير فهان على سراة بني لؤيّ ... حريق بالبويرة مستطير وقال أيضا لقد سجمت [ (2) ] من دمع عينيّ عبرة ... وحقّ لعيني أن تفيض على سعد قتيل ثوى في معرك فجعت به ... عيون ذواري الدّمع دائمة الوجد

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 236، 5/ 144، 82/ 45 ومسلم في الفضائل (153، 157) وأحمد 4/ 302 والطبراني في الكبير 4/ 48 والبيهقي 10/ 237 والطحاوي في معاني الآثار 4/ 298. [ (2) ] سجمت فاضت، انظر المعجم الوسيط 1/ 419.

تنبيهات

على ملّة الرّحمن وارث جنّة ... مع الشّهداء وفدها أكرم الوعد فإن تك قد ودّعتنا وتركتنا ... وأمسيت في غبراء مظلمة اللّحد فأنت الّذي يا سعد أبت بمشهد ... كريم وأثواب المكارم والحمد بحكمك في حيّي قريظة بالّذي ... قضى الله فيهم ما قضيت على عمد فوافق حكم الله حكمك فيهم ... ولم تعف إذ ذكّرت ما كان من عهد فإن كان ريب الدّهر أمضاك في الألى ... شروا هذه الدّنيا بجنّاتها الخلد فنعم مصير الصّادقين إذا دعوا ... إلى الله يوما للوجاهة والقصد وقال أيضا يبكي سعد بن معاذ ورجالا من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم: إلا يا لقومي هل لما حمّ دافع ... وهل ما مضى من صالح العيش راجع تذكّرت عصرا قد مضى فتهافتت ... بنات الحشا وانهلّ منّي المدامع صبابة وجد ذكّرتني أخوّة ... وقتلى مضى فيها طفيل ورافع وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت ... منازلهم فالأرض منهم بلاقع [ (1) ] وفوا يوم بدر للرّسول وفوقهم ... ظلال المنايا والسّيوف اللّوامع دعا فأجابوه بحقّ وكلّهم ... مطيع له في كل أمر وسامع فما نكلوا حتّى توالوا جماعة ... ولا يقطع الآجال إلّا المصارع لأنّهم يرجون منه شفاعة ... إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع فذلك يا خير العباد بلاؤنا ... إجابتنا لله والموت ناقع لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ... لأوّلنا في ملّة الله تابع ونعلم أنّ الملك لله وحده ... وأنّ قضاء الله لا بدّ واقع تنبيهات الأوّل: قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة فتاء تأنيث، قال السمعاني هو اسم رجل نزل أولاده قلعة حصينة بقرب المدينة فنسبت إليهم. وقريظة والنضير أخوان من أولاد هارون- عليه الصلاة والسلام. الثّاني: روى البخاري في جميع الروايات عن شيخه عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدّثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله

_ [ (1) ] بلاقع: جمع بلقع وهو الخالي من كلّ مكان، انظر المعجم الوسيط 1/ 69.

- صلى الله عليه وسلّم: «لا يصلّينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة» [ (1) ] . إلخ. ووافق البخاري على لفظ العصر من طريق جويرية الإسماعيليّ، وأبو نعيم من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية وأصحاب المغازي. ورواه الطبراني، والبيهقي في الدّلائل بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمّه عبيد الله بن كعب. ورواه الطبراني أيضا من هذا الوجه موصولا بذكر كعب بن مالك والبيهقي عن عائشة- رضي الله عنها- ورواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء بسنده وقال: «لا يصلّينّ أحد الظّهر إلّا في بني قريظة» [ (2) ] . ووافقه ابن سعد، وأبو يعلى، وابن حبان، وأبو نعيم من غير طريق أبي حفص السابق، قال الحافظ: ولم أره عن جويرية- من غير طريق أبي حفص السلمي إلّا بلفظ الظهر، وجمع بينهما باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلّى الظّهر، وبعضهم لم يصلّها. فقيل لمن لم يصلّها، لا يصلّينّ أحد الظّهر، ولمن صلّاها لا يصلّينّ أحد العصر. أو أن طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقيل للطّائفة الأولى الظّهر، والتي بعدها العصر. قال الحافظ: وهو جمع لا بأس به، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث، لأنّه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه، فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده حدّث به. على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته، وسبق الكلام على ذلك، ثم قال: هذا كلّه من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال «الظّهر» لطائفة متجه فيحتمل أن رواية «الظهر» هي التي سمعها ابن عمر، ورواية «العصر» هي التي سمعها كعب بن مالك، وعائشة- رضي الله عنهما- وقيل في وجه الجمع أيضا أن يكون- صلى الله عليه وسلم- قال لأهل القوّة، أو لمن كان منزله قريبا «لا يصلّين أحد الظّهر» وقال لغيرهم: «لا يصلّين أحد العصر» . الثّالث: أغرب ابن التين فادّعى أن الذين صلوا «العصر» صلّوا على ظهور دوابهم، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول. قال: فأما الذين لم يصلّوها عملوا بالدليل الخاصّ وهو الأمر بالإسراع فتركوا عموم إيقاع «العصر» في وقتها إلى أن فات، والذين صلّوا جمعوا بين دليلي وجوب الصّلاة ووجوب الإسراع فصلّوا ركبانا، لأنهم لو صلّوا نزولا لكان مضادا لما أمروا به من الإسراع، ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم قال الحافظ: وفيه نظر، لأنه لم يأمرهم بترك النّزول، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم ألا يصلّوا العصر إلّا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع، فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في صلاة الخوف حديث (946) . [ (2) ] مسلم في الجهاد باب 23 رقم (69) وابن سعد 2/ 1/ 54 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 6.

الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا، ولا يكون في ذلك مضادة لما أمروا به. ودعوى أنهم صلّوا ركبانا يحتاج إلى دليل، ولم أره صريحا في شيء من طرق هذه القصة. الرّابع: يستفاد من حديث ابن عمر، وكعب بن مالك، وعائشة ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، فيؤخذ منه عدم تأثيمه، وحاصل ما وقع في القصّة أن بعض الصحابة حملوا النّهي على حقيقته، ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنّهي الثّاني على الأول، وهو ترك تأخير الصّلاة على وقتها واستدلوا بجواز التّأخير لمن اشتغل بأمر الحرب، ولا سيّما الزّمان زمان التشريع، والبعض الآخر حملوا النّهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحثّ والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة: وقال في «زاد المعاد» ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أنّ من صلى حاز الفضيلتين: امتثال الأمر في الإسراع، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيّما في هذه القصة بعينها من الحث على المحافظة عليها، وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنّف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فأخروا امتثالا للأمر، لكنهم لم يصلوا إلى أن يكونوا في أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى. الخامس: قال السهيلي: قوله «من فوق سبع سموات» معناه أنّ الحكم نزل من فوق. قال: ومثله قول زينب بنت جحش، رضي الله عنها-: زوّجني الله تعالى من نبيّه من فوق سبع سموات، أي أنزل تزويجها من فوق، قال: ولا يستحيل وصفه- تعالى- بالفوق، على المعنى الّذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التّحديد الّذي يفضي إلى التّشبيه. السّادس: اختلف في مدة الحصار فقال ابن عقبة: بضع عشرة ليلة، وقال ابن سعد: خمس عشرة ليلة، وروى ابن سعد عن علقمة بن وقاص خمسا وعشرين ليلة: ورواه ابن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب، ورواه الإمام أحمد والطبراني عن عائشة- رضي الله عنها. السّابع: اختلف في عدد من قتل من بني قريظة: فعند ابن إسحاق: أنهم كانوا ستمائة، وبه جزم أبو عمر في ترجمة سعد بن معاذ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة: كانوا سبعمائة. وقال السّهيلي: المكثر يقول: إنّهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة، وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل، فيحتمل في طريق الجمع، أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا، وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل: إنهم كانوا تسعمائة. الثّامن: في شرح غريب القصة. «رجّل رأسه» بفتح الراء والجيم المشددة: سرّحه. المجمرة- بكسر الميم الأولى: المبخرة.

عذيرك- بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وسكون التّحتيّة وفتح الرّاء أي هات من يعذرك، فعيل بمعنى فاعل. دحية- بكسر الدال المهملة وفتحها: وهو الريش. إثره- بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة ويجوز فتحها، وحكى تثليث الهمزة. الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على الرأس، ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه. أرى- بضم الهمزة: أظن. الرّحالة- بكسر الراء وتخفيف الحاء المهملة: سرج من جلود ليس فيه خشب، كانوا يتّخذونه للرّكض الشّديد، والجمع الرّحائل. اللّأمة- بالهمزة: الدّرع، وقيل: السلاح. ولأمة الحرب آلته، وقد يترك الهمز للتخفيف. الإستبرق: ضرب من الديباج غليظ. الدّيباج: فارسيّ معرّب، وقد تكسر الدال وقد تفتح. القطيفة: كساء له خمل الماجشون- بكسر الجيم وضم الشين المعجمة: ومعناه الورد. الثنايا- جمع ثنية: وهي الثّنى. حمراء الأسد: تقدمت في غزوتها. الجهد: المشقّة والتّعب. الصّفا- بالقصر: الحجارة، ويقال: الحجارة الملس. لأضعضعنّها: لأحركنّها وأزلزلنها. ساطعا: مرتفعا. الزّقاق- بضم الزاي وتخفيف القاف وبعد الألف قاف أخرى. بني غنم- بغين معجمة مفتوحة وسكون النّون: بطن من الخزرج من ولد غنم بن مالك بن النجار. كأني أنظر إلى الغبار: أي أنه مستحضر القصة حتّى كأنه ينظر إليها مشخّصة له بعد تلك المدّة الطويلة. موكب جبريل- بتثليث الباء، الفتح بتقدير انظر، والجرّ بدل من الغبار، والضمّ خبر

شرح غريب ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل. والموكب: نوع من السّير، وجماعة الفرسان أو جماعة يسيرون وكان السير برفق. يا خيل الله اركبي» فيه حذف مضاف تقديره: يا فرسان خيل الله اركبي. شرح غريب ذكر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لواء الجيش: علمه، وهو دون الراية. ابتدره الناس: سارعوا إليه. المغفر- بكسر الميم: ما يلبس تحت البيضة. القناة: الرّمح. اللّحيف: بالضم: يأتي الكلام عليه في خيله- صلى الله عليه وسلّم. البهي- بفتح الباء وكسر الهاء وتشديد الياء: لقب عبد الله بن يسار لبهائه. يعفور: يأتي الكلام عليه في حمره- صلى الله عليه وسلّم الصّوران- تثنية صور- بالفتح ثم السكون. اسم للنخل المجتمع الصغار موضع في أقصى بقيع الغرقد مما يلي طريق بني قريظة. يقذف الرعب: يرميه ويجعله في قلوبهم. الصّياصيّ: الحصون. بئرأنا- بالضّم وتخفيف النون كهنا، وقيل بالفتح وبالتّشديد كحتّى وقيل كحتى لكن بالموحدة بدل النون، وقيل غير ذلك. الحرّة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار الأخابيث: جمع أخبث. أسيد- بضم الهمزة وآخره دال مهملة. الحضير- بضم الحاء المهملة الجحر- بضم الجيم: الثقب. خاروا: ضعفوا وجبنوا. «الطاغوت» : ما عبد من دون الله.

شرح غريب ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة

شرح غريب ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة «النّبل» : السّهام. يتعاقبون: يتناوبون. الحلقة- بفتح الحاء وسكون اللّام: السلاح كله. إلّا أن ينزلوا على حكمه: على قضائه فيهم. شرح غريب ذكر اعتراف كعب بن أسد بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم خلالا- بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف اللّام: أي خصالا، جمع خلّة بفتح المعجمة وتشديد اللّام. إسرائيل: يعقوب. حيي- بضم الحاء المهملة وتكسر وتحتيتين ثانيهما مشددة. أخطب- بفتح الهمزة فخاء معجمة ساكنة، فطاء مهملة فموحدة. «عليّ هذه» - بتشديد التحتية. وهذه: اسم إشارة، محلها النصب مفعول أبيتم. جوّاس- بجيم فواو مشددة فألف فسين مهملة. النّسل: الولد. لعمري- بفتح اللّام والعين: أي وحياتي. غرّة- بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء: الغفلة. مصلتين- جمع مصلت بكسر اللّام، وبالصّاد المهملة الساكنة: أي مجرّدين السيوف من أغمادها. أسيد- بفتح الهمزة وكسر المهملة، وقيل إنه بضمّ الهمزة وبفتح السين. سعية- بسين فعين ساكنة مهملتين فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث. الهيّبان- بفتح الهاء وكسر التحتية المشدّدة بعدها موحدة. هدل- بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة وباللام. الخرج- بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها جيم والخراج: ما يؤدّى كل سنة.

شرح غريب ذكر طلبهم أبا لبابة - رضي الله عنه -

شرح غريب ذكر طلبهم أبا لبابة- رضي الله عنه- جهشت إليه- بفتح الجيم والهاء: أسرعت متباكية. الأصطوانة: العمد- بالدال ويجوز فتح العين والميم ويكون مفردا وجمعا. ويجوز ضم العين والميم أيضا: والمراد هنا: سوارى المسجد. المخلّقة: التي طليت بالخلوق وزن رسول، وهو ما يتخلّق به من الطّيب. وقيل: هو مائع فيه صفرة. أرى- بفتح الهمزة. حمأة: طين أسود. آسنة: متغيّرة. ربوض- بفتح الراء وتخفيف الموحدة المضمومة وبعد الواو ضاد معجمة: أي عظيمة غليظة. قسيط: تصغير قسط. ثار الناس: نهضوا. بضعة منّي- بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة: قطعة منّي. أطأ- بهمز آخره. أنخلع من مالي: أخرج منه لله. شرح غريب ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم جهدهم: اشتد عليهم. كتّفوا: بالبناء للمفعول. الأثاث- بفتح الهمزة: متاع البيت، الواحد، أثاثة، وقيل: لا واحد له من لفظه. الجرار- بكسر الجيم وتخفيف الراء: جمع جرّة. السّكر- بفتح السين المهملة والكاف: نبيذ التمر، وفي التنزيل تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل 67] أهريق- بضم الهمزة وفتح الهاء وتسكن.

حلفاؤنا: أراد الذين حالفناهم على المناصرة. فينقاع: تقدم ضبطها في غزوتها. الحاسر- بالحاء والسين المهملتين: الذي لا درع عليه. دارع: صاحب درع. ألحّوا عليه: تمادوا على قولهم. الشّعث: التّفرّق والانتشار. الضّائع: الذي ليس له من يقوم بأمره، وفي لفظ الضّيعة: بفتح الضاد المعجمة، وسكون التحتية، وفتح العين المهملة، وتاء تأنيث، أي ترك وضيّع، وهو أيضا: مصدر ضاع الشيء ضيعة وضياعا، وأضعتهم: تركتهم. أعرابي: منسوب إلى الأعراب، وهم سكان بالبادية. الشّنذة- بشين معجمة، فنون، فذال معجمة مفتوحات، تشبه الإكاف يجعل لمقدمته حنو وهو بالكسر واحد أحناء. السّرج والقتب، وحنو كل شيء اعوجاجه. الخطام- بكسر الخاء المعجمة: ما تقاد به الدّابّة. آن- بالفتح والمدّ: قرب ودنا. اللّائم: العاذل. النّعي: خبر الموت. تمنّ علينا: تنعم. ما آلوكم جهدا: أي ما أدع جهدا ولا أقصّر في ذلك. الجهد: الطّاقة. الموسى: آلة الحديد التي يحلق بها. تسبى النّساء، السّبي: النّهب وأخذ الناس عبيدا وإماء. أرقعة: أي السّموات، قال ابن دريد: كذا جاء على لفظ التّذكير على معنى السّقف قال ابن الأعرابي: سمّوها «الرقيع» لأنّها مرقوعة بالنّجوم. الملك- بكسر اللام. وضعت الحرب أوزارها: الأوزار: هنا السلام وآلة الحرب وهو كناية عن الانقضاء، وفيه حذف، أي حتى يضع أهل الحرب أثقالهم، فأسند الفعل إلى الحرب مجازا.

شرح غريب ذكر قتلهم

شرح غريب ذكر قتلهم فسيقوا: من السّوق بالفتح، وهو الإسراع. الكدم: القضّ. الحمر: الحمير. غدا- سار غدوة، أي أول النّهار. الأخدود: شقّ في الأرض مستطيل. أحجار الزّيت: مكان بالمدينة الشريفة. أرسالا- بفتح الهمزة: أي طائفة بعد طائفة. علية أصحابه: أشرافهم. يذهب بهم- بضم أوله وفتح ثالثه. لا ينزع: لا يرجع. أزرى به: قصّر في حقه. الحباب- بحاء مهملة وموحدتين. وزن غراب. الحلّة: إزار ورداء، وأصل تسميتهما بها إذا كان الثوبان جديدين لمّا يحل طيّهما، فقيل له حلّة بهذا الاسم، ثم استمر عليها. شقحيّة بضم الشين المعجمة، من شقح البسر إذا تلوّن. فقاحيّة- بفاء مضمومة، فقاف، فحاء مهملة، فتحتية مشدّدة، نسب إلى الفقاح، وهو الزّهر إذا انشقّت أكمامه. عمد إليها: قصد. الأنملة: طرف الإصبع. التمس بمثناة فوقية فميم فسين مهملة: طلب. قلقلت: حرّكت. من يخذل الله يخذل بفتح الهاء من الاسم الكريم قاله السّهيلي. والضم الظاهر كما في نسخ صحيحة من السيرة. الملحمة: القتال وموضعه أيضا. جابذه: لغة في جاذبه، وقيل: مقلوب منه. إذا جره إليه.

شرح غريب ذكر خبر ثابت بن قيس - رضي الله عنه -

الإسار- بالكسر: القيد قيّلوهم: من القيلولة. تبردوا: تكسر شدة الحر. الجزع- بفتحتين: نقيض الصّبر. لم أنبت- بضمّ الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة. لاذ به: استجار. سلمى بفتح السين المهملة: إحدى خالات النبي- صلى الله عليه وسلم، أي خالات جده عبد المطلب، لأن أمه من بني عدي بن النجار من الأنصار. الدّأب- بالسكون والتحريك: العادة والتأني. بنانة- بموحدة ونونين بينهما ألف، نقله النّوويّ في مبهماته عن الخطيب. وقال في المورد: رأيته بخط الحافظ السلفي بثاء مثّلثة، فموحدة، فألف، ففوقية، قلت: وكذا رأيته في نسخه من العيون صحيحة جدا قرئت على مصنفها مرّات، وقرئت على الحافظ ابن حجر وغيره من المتقنين. الزّبير بن باطا- بفتح الزّاي، وأبوه، بموحدة، فألف، فطاء مهملة فألف مقصورة. شدخه: كسره. انطلق به- بالبناء للمفعول. شرح غريب ذكر خبر ثابت بن قيس- رضي الله عنه- منّ عليه- بفتح الميم وتشديد النون. بعاث- تقدم الكلام عليه في أبواب إسلام الأنصار. له عندي يد: نعمة أنعمها عليّ. جزّ- بفتح الجيم وتشديد الزاي. مرآة- بكسر الميم، وإسكان الراء فهمزة مفتوحة ممدودة فتاء تأنيث. صينيّة: منسوبة إلى الصين. العذارى: جمع عذراء، سمّيت البكر لذلك لضيقها. الحيّ: القبيلة البادي: خلاف الحاضر.

شرح غريب ذكر اصطفائه - صلى الله عليه وسلم - ريحانة رضي الله عنها -

المحل: الجدب. مقدّمتنا- بكسر الدال المهملة المشددة، مقدمة الحرب: أوله. عزّال- بعين مهملة مفتوحة فزاي مشدّدة فألف فلام. سموال- بسين مهملة مكسورة وتفتح، فميم وآخره لام. المجلس- بكسر اللّام: موضع الجلوس، وبفتح: المصدر. فتلة دلو ناضح- قال ابن إسحاق: بالفاء والفوقيّة أي مقدار ما يأخذ الرّجل الدّلو التي خرجت من البئر فيصبّها في الحوض، ثمّ يفتلها أي يردها إلى موضعها. وقال ابن هشام: إنما هو بالقاف والموحدة، وقابل الدّلو: هو الذي يأخذها من المسقى، ولفظ الخبر عند أبي عبيد: فلست صابرا عنهم إفراغة دلو. ما أبالي: ما أهتم ولا أكترث. شرح غريب ذكر اصطفائه- صلى الله عليه وسلّم- ريحانة رضي الله عنها- خنافة: بالخاء والنون. وجد في نفسه: غضب ولم يظهر ذلك. شرح غريب قسم المغنم قاد ثلاثة أفراس: جنّبها. محصن- بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون. السّهمان- بالضم والأسهم والسهام: النّصيب. الرثّة- بكسر الراء وتشديد الثاء المثلثة: وهي متاع البيت الدون. أحذى بحاء مهملة فذال معجمة: أعطى. سهمه- فعل ماض: أي غلبه. محمية- بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثانية وتخفيف التحتية. جزء- بجيم مفتوحة فزاي ساكنة فهمزة. سبرة- بفتح السين المهملة وسكون الموحدة. شرح غريب قصيدتي حسان- رضي الله عنه- ما أساها: أراد ما ساءها، فقلب، والعرب تفعل ذلك في بعض الأفعال، يقولون: رأى

وأرى في معنى واحد على جهة القلب. المجنّبة: التي تجنب، أي تقاد. تعادى: تجري وتسرع. العبير: هنا الزّعفران. تحوم- بحاء مهملة: تستدبر. يدان- بضم التحتية: يجزى. العند- بفتح العين المهملة والنون والدال المهملة: الخروج عن الحق. الفجور: بفتح الفاء من الفجور وخفضه على الجواد وقد كان يجوز فيه الرفع على الإقواء في القوافي. وكذلك من رواه «الفخور» . نذيري هنا مصدر. قال تعالى: كَيْفَ نَذِيرِ [الملك 17] أي إنذاري. تفاقد: فقد بعضهم بعضا، وهو دعاء عليهم. بور: ضلّال، أو هلكى من البوار: وهو الهلاك. السّراة- بفتح السين المهملة: الخيار. البويرة: موضع ببني قريظة. وتقدم الكلام عليها في غزوة بني النّضير. الطّوائف: النواحي. السّعير: النّار الملتهبة. النّزه: بضم النون: البعد، يقال فلان ينزّه نفسه عن الأقذار أي يباعد نفسه عنها. يضير- بالضاد المعجمة: بمعنى يضر. يقال: ضارّه بمعنى ضرّه، ومن رواه بالصّاد المهملة فمعناه تشقق وتقطع.

الباب الحادي والعشرون في غزوة بني لحيان بني هذيل بن مدركة بناحية عسفان

الباب الحادي والعشرون في غزوة بني لحيان بني هذيل بن مدركة بناحية عسفان وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عاصم بن ثابت، وخبيب بن عديّ وأصحابهما المقتولين بالرّجيع الآتي ذكره في السّرايا والبعوث. وجدا شديدا، فأظهر أنه يريد الشّام، ليصيب من القوم غرّة، فعسكر من ناحية الجرف، وخرج في مائتي رجل، ومعهم عشرون فرسا. قال محمد بن عمر، وابن سعد، وابن هشام: واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على محيص ثم على البتراء، ثم صفّق ذات اليسار، فخرج على يين ثم على صخيرات الثمام، ثم استقام به الطريق على السّيالة، فأغذّ السّير سريعا حتى نزل بطن غران وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه فترحّم عليهم، ودعا لهم فسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدر منهم على أحد، فأقام يوما أو يومين، فبعث السرايا في كل ناحية، فلم يقدروا على أحد. فلمّا أخطأه من غرّتهم ما أراد، قال: «لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكّة أنا قد جئنا مكّة» فهبط في أصحابه حتى نزلوا عسفان. قال ابن إسحاق: ثم بعث فارسين، وقال ابن عمر، وابن سعد: بعث أبا بكر- رضي الله عنه- في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا كراع الغميم، ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا وراح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قافلا قال جابر فيما رواه ابن سعد: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول حين رجع: «آئبون تائبون- إن شاء الله تعالى- لربّنا حامدون» وفي رواية «لربّنا عابدون، أعوذ بالله من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال» [ (1) ] . زاد محمد بن عمر: «اللهم بلّغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك ورضوانك» قالوا: وهذا أول ما قال هذا الدّعاء. وغاب صلى الله عليه وسلّم عن المدينة أربع عشرة ليلة، وقال كعب بن مالك- رضي الله عنه- في هذه الغزوة: لو أنّ بني لحيان كانوا تناظروا ... لقوا عصبا في دارهم ذات مصدق لقوا سرعان يملأ السّرب روعه ... أمام طحون كالمجرّة فيلق ولكنّهم كانوا وبارا تتبّعت ... شعاب حجان غير ذي متنفّق تنبيهات الأوّل: اختلفوا في أي شهر وفي أي سنة كانت هذه الغزوة فقال ابن سعد: كانت هذه

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9240) ، وابن سعد 2/ 1/ 57 وابن أبي شيبة 12/ 519 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 259.

الغزوة لهلال ربيع الأول سنة ست، وصحح شيخه محمد بن عمر: أنها في سنة ست في رجب، وقال ابن إسحاق في رواية البكائي، وسلمة بن الفضل: على رأس ستة أشهر في جمادى الأولى وقال في رواية يونس كما ذكره الحاكم: في شعبان، وقال ابن حزم: الصحيح أنها في السّنة الخامسة، وذكرها بعضهم أنها في السنة الرابعة، وجزم الذهبي في تاريخ الإسلام وغيره من العلماء: بأنها في السادسة، وصححه في البداية. الثاني: في بيان غريب ما سبق لحيان- بكسر اللام وسكون المهملة: نسبة إلى لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر. هذيل- بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وباللام. عسفان- بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وبالفاء والنون. غرّة: غفلة. وجد على عاصم: حزن. خبيب- بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة. الرّجيع- بفتح الراء وكسر الجيم وزن رضيع: من ناحية الشام على ثلاثة أميال من المدينة. الجرف- بضم الجيم والراء وبالفاء: موضع قرب مكة، وآخر قرب المدينة واليمن واليمامة. غراب- بلفظ الطائر المعروف: جبل شأمى المدينة. محيص بفتح الميم وكسر الحاء وبالصّاد المهملتين كقليل: موضع بالمدينة. البتراء: تأنيث أبتر. صفّق- بتشديد الفاء: عدل. يين- بتحتانيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وآخره نون. وضبطه الصغاني بفتحهما: واد من أودية المدينة. صخيرات- بضم الصاد المهملة وبالخاء المعجمة المفتوحة وسكون التحتية جمع صخيرة بالتصغير. الثّمام- بثاء مثلثة مضمومة، ورواه المغاربة بالمثناة الفوقية.

السّيالة- كسحابة: مكان على ثلاثين ميلا من المدينة. أغذّ السّير يغذّه إغذاذا- بغين وذال معجمتين: أي أسرع. غران- بضم الغين المعجمة وتخفيف الراء وآخره نون: وادي الأزرق. يذعرهم: يخوفهم. قافلا: راجعا. آئبون: راجعون وعثاء السّفر- بالمثلثة: مشقته. الكآبة: الحزن. تناظروا: أي انتظر بعضهم بعضا. العصب- بضم العين وفتح الصاد المهملتين: وآخره موحدة: الجماعات. السّرعان- بفتح السّين والراء المهملتين، أول القوم. السّرب- بسين مهملة مفتوحة فراء ساكنة: الطريق، وبكسر السين: النّفس. الرّوع: الفزع. طحون: كثيفة تطحن كل ما تمر به. المجرّة- هنا مجرّة السماء، وهي البياض المستطيل بين النجوم. الفيلق: الكتيبة الشديدة. الوبار: جمع وبر، دويبة على قدر الهرّ تشبه بها العرب الضّعفاء. الشّعاب: جمع شعب وهو المنخفض بين الجبلين. الحجان- بحاء مهملة فجيم فألف فنون: المعوج، والأحجن: المعوج، ومن رواه الحجاز بالزاي عنى أرض مكة وما يليها، ومن رواه حجار بالراء فهو جمع حجر. غير ذي متفق: أي ليس له باب يخرج منه، وأصله من النّافقاء، وهو أحد أبواب جحرة اليربوع إذا أخذ عليه من باب الجحر خرج عليه.

الباب الثاني والعشرون في غزوة الحديبية

الباب الثاني والعشرون في غزوة الحديبية والسبب في ذلك ما رواه الفريابيّ، وعبد بن حميد وابن جرير، والبيهقي عن مجاهد، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة، وابن جرير عن ابن زيد، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: أرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنّه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلّقين رؤوسهم ومقصرين، وأنه دخل البيت، وأخذ مفتاحه وعرّف مع المعرّفين. قال ابن سعد، ومحمد بن عمر، وغيرهما: واستنفر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب، ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش للذي صنعوا أن يعرضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت. فأبطأ عليه كثير من الأعراب. قال محمد بن عمر: وقدم عليه بسر- بضم الموحدة وسكون المهملة. وأعجمها ابن إسحاق، وكسر الموحدة- ابن سفيان بن عمرو الخزاعي في ليال بقيت من شوال مسلما، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا بسر لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنّا إن شاء الله معتمرون» ، فأقام وابتاع لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدنا فكان يبعث بها إلى ذي الجدر حتّى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، وسلّمها إلى ناجية بن جندب الأسلمي فقدّمها إلى ذي الحليفة. واستخلف على المدينة- قال محمد بن عمر، وابن سعد-: ابن أم مكتوم. وقال ابن هشام: ومن تبعه: نميلة- بالنون تصغير نملة- بن عبد الله اللّيثي، وقال البلاذري بعد أن ذكر ابن أم مكتوم ويقال: أبو رهم كلثوم بن الحصين قال: وقوم يقولون: استخلفهم جميعا وكان ابن أم مكتوم على الصّلاة. ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلم- روى عبد الرزاق، والإمام أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر عن معمر عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وابن إسحاق عن الزّهري عن عروة بن الزبير عن المسور- بكسر الميم وسكون السين المهملة- ابن مخرمة- بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة، ومروان بن الحكم: أنهما حدثاه ومحمد بن عمر عن شيوخه، يزيد بعضهم على بعض- قال محمد بن عمر: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيته فاغتسل، ولبس ثوبين من نسج صحار، وركب راحلته القصواء من عند بابه، وخرج بأم سلمة معه، وأم عمارة وأم منيع أسماء بنت عمرو، وأم عامر الأشهلية، وخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار، ومن لحق به من العرب لا يشكّون في الفتح للرؤيا المذكورة، وليس معهم سلاح إلا

ذكر إحرامه - صلى الله عليه وسلم -

السّيوف في القرب، وساق قوم الهدي فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لهلال ذي القعدة حتى نزل ذا الحليفة فصلى الظهر، ثم دعا بالبدن- وهي سبعون- فجلّلت، ثم أشعر منها عدّة وهي موجهات إلى القبلة في الشّق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب فأشعر ما بقي وقلّدهن نعلا نعلا، وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها، وكان معهم مائتا فرس، وبعث- صلى الله عليه وسلّم- بسر بن سفيان عينا له، وقدم عباد بن بشر طليعة في عشرين فارسا، ويقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي [ (1) ] . ذكر إحرامه- صلى الله عليه وسلّم- ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركعتين، وركب من باب المسجد بذي الحليفة، فلما انبعثت به راحلته مستقبلة القبلة أحرم بالعمرة، ليأمن النّاس حربه، وليعلم الناس أنّه إنّما خرج زائرا لهذا البيت، ومعظّما له. ولفظ تلبية «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك» . وأحرم غالب أصحابه، وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه، ومنهم من لم يحرم إلا «بالجحفة» وسلك طريق البيداء ومرّ فيما بين مكة والمدينة بالأعراب من بني بكر، ومزينة، وجهينة فاستنفرهم، فتشاغلوا بأموالهم، وقالوا فيما بينهم: يريد محمّد يغزو بنا إلى قوم معدّين في الكراع والسّلاح، وإنّما محمد، وأصحابه أكلة جزور، لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا أبدا، قوم لا سلاح معهم ولا عدد. ثم قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ناجية بن جندب بالهدي مع فتيان من أسلم، ومعهم هدي المسلمين، ولقى طائفة من بني نهد فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، وأهدوا له لبنا من نعمهم، فقال: «لا أقبل هديّة مشرك» فابتاعه المسلمون منهم، وابتاعوا منهم ثلاثة أضبّ فأكل قوم أحلّة وسأل المحرمون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «كلوا فكل صيد البرّ لكم حلال في الإحرام تأكلونه إلّا ما صدتم أو صيد لكم» . وعطب من ناجية بن جندب بعير من الهدي، فجاء بالأبواء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبره، فقال: «انحره واصبغ قلائده في دمه، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منه، وخلّ بين النّاس وبينه» [ (2) ] . ذكر حديث أبي قتادة والصعب بن جثامة وبعض من اهدى له روى الإمام مالك والستة عن أبي قتادة رضي الله عنه- قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلّم- أمامنا، والقوم محرمون وأنا غير محرم عام الحديبية، فأبصروا حمارا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 509 (4157، 4158) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 187.

ذكر أمره كعب بن عجرة بحلق رأسه لعذر

وحشيا- وأنا مشغول أخصف نعلى- فلم يؤذنوني، وأحبّوا لو أنّي أبصرته، وفي رواية فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، وفي رواية: يضحك بعضهم إلى بعض، فنظرت فإذا حمار وحشيّ فقمت إلى فرسي فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السّوط والرّمح، فقلت لهم: ناولوني السّوط والرّمح، قالوا: والله لا نعينك عليه، فغضبت فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنّهم شكّوا في أكلهم إيّاه وهم حرم، فرحنا وخبّأت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- العضد معي، فأدركنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسألناه عن ذلك فقال لهم: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه؟ قالوا: لا، فقال: «كلوا ما بقي من لحمه إنّما هي طعمة أطعمكموها الله، هو حلال، هل معكم منه شيء؟ فقلت نعم، فناولته العضد فأكلها وهو محرم [ (1) ] . وروى الإمام مالك والشيخان والترمذي والنسائي عن الصعب بن جثّامة- رضي الله عنه- أنه أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودّان فردّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنّا لم نردّه عليك إلا أنّا حرم [ (2) ] . وأهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مع ابنه خفاف بن إيماء- رضي الله عنه- مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا، فقال: «بارك الله فيكم» وفرّق ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأهدى له بعض الأعراب من ودّان معيشا وعترا وضغابيس [ (3) ] فجعل يأكل الضّغابيس والعتر وأعجبه، وأدخل على أم سلمة منه، وجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعجبه هذه الهدية، ويري أصحابه أنّها طريفة. ذكر أمره كعب بن عجرة بحلق رأسه لعذر روى الإمام أحمد، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، والطبراني عن كعب بن عجرة [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالحديبية ونحن محرمون- قد حصرنا المشركون، وكانت لي وقرة فجعلت الهوامّ تسّاقط على وجهي، فمر بي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أيؤذيك هو امّ رأسك» ؟ قلت: نعم، قال: «ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا» !! فأمرني أن أحلق، وأنزل الله- تعالى- هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة 196] فقال رسول الله

_ [ (1) ] البخاري 4/ 29 (1824) ومسلم 2/ 854 (60/ 1196) . [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 31 (1825) (2573) ، ومسلم 2/ 850 (50/ 1193) . [ (3) ] الضغابيس جمع ضغبوس وهو صغار القثاء، انظر ترتيب القاموس 3/ 28. [ (4) ] كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف ابن غنم بن سواد بن مرة بن أرشة بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بليّ بن عمرو ابن الحارث بن قضاعة القضاعي البلوي حليف القواقل أبو محمد المدني. روى سبعة وأربعين حديثاً اتفقا على حديثين، وانفرد (م) بمثلهما. وعنه بنوه محمد، وإسحاق، وعبد الملك. قال خليفة: مات سنة إحدى وخمسين. الخلاصة 2/ 365، 366.

ذكر بلوغ خبر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين

- صلى الله عليه وسلّم-: «صم ثلاثة أيام، أو تصدّق بفرق بين ستة مساكين أو انسك ما تيسّر لك» . ولمّا بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الجحفة أمر بشجرة فقمّ ما تحتها، فخطب الناس فقال: «إني كائن لكم فرطا، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلّوا أبدا، كتاب الله وسنة نبيه» - صلى الله عليه وسلم- [ (1) ] ذكر بلوغ خبر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين روى الخرائطي في الهواتف عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لمّا توجّه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد مكة عام الحديبية، قدم عليه بشر- بكسر الموحدة والمعجمة- بن سفيان العتكي، فقال له: «يا بشر هل عندك علم أن أهل مكة علموا بمسيري؟» فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأطوف بالبيت في ليلة كذا وقريش في أنديتها، إذ صرخ صارخ من أعلى جبل أبي قبيس- ليلة أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالمسير بصوت أسمع أهل مكة: هيوا لصاحبكم مثلي صحابته ... سيروا إليه وكونوا معشرا كرما بعد الطّواف وبعد السّعي في مهل ... وأن يحوزهم من مكّة الحرما شاهت وجوهكم من معشر تكل ... لا ينصرون إذا ما حاربوا صنما فارتجت مكة، واجتمع المشركون، وتعاقدوا ألّا يدخل عليهم بمكة في عامهم هذا، فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «هذا الهاتف سلفع. شيطان الأصنام يوشك أن يقتله الله- تعالى- أن شاء الله عز وجل» فبينما هم كذلك إذ سمعوا من أعلى الجبل صوتا وهو يقول: شاهت وجوه رجال حالفوا صنما ... وخاب سعيهم ما قصّر الهمما إنّي قتلت عدوّ الله سلفعة ... شيطان أوثانكم سحقا لمن ظلما وقد أتاكم رسول الله في نفر ... وكلّهم محرم لا يسفكون دما قالوا: ولما بلغ المشركين خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راعهم ذلك فاجتمعوا وتشاوروا فقالوا: أيريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا فتسمع العرب أنّه قد دخل علينا عنوة، وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا؟! والله لا كان هذا أبدا ومنّا عين تطرف. ثم قدّموا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم، واستنفروا من أطاعهم من الأحابيش، وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا إلى بلدح، وضربوا بها القباب والأبنية، ومعهم النساء والصّبيان، فعسكروا هناك، وأجمعوا على منع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من دخول مكة ومحاربته، ووضعوا العيون على الجبال، وهم عشرة أنفس يوحي بعضهم إلى بعض الصوت الخفي فعل

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 12 (1814، 1815) ، ومسلم 2/ 861 (83/ 1201) .

ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم - وصلاته صلاة الخوف

محمد كذا وكذا، حتى ينتهي إلى قريش ببلدح ورجع بشر بن سفيان [ (1) ] الذي بعثه عينا له من مكّة وقد علم خبر مكّة والقوم، فلقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بغدير الأشطاط [ (2) ] وراء عسفان فقال: يا رسول الله!! هذه قريش سمعت بمسيرك، فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النّمور، وقد نزلوا بذي طوّى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدّمها إلى كراع الغميم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الّذي أرادوا، وإن أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة، فما تظن قريش؟ فو الله لا أزال أجاهدهم على الّذي بعثني الله تعالى به حتّى يظهره الله- تعالى- أو تنفرد هذه السّالفة» . ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلّم- وصلاته صلاة الخوف ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المسلمين فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد: يا معشر المسلمين أشيروا عليّ أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الّذين أعانوهم فنصيبهم» وقال: «فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين وإن يأتونا تكن عنقا. وفي لفظ: عينا- قطعها الله، أم ترون أن نؤمّ البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه؟» فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: الله ورسوله أعلم، يا رسول الله إنّما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ونرى أن نمضي لوجهنا، فمن صدّنا عن البيت قاتلناه، ووافقه على ذلك أسيد بن الحضير. وروى ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه ومحمد بن عمر عن شيوخه. أن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال بعد كلام أبي بكر: إنّا والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكم مقاتلون» انتهى.

_ [ (1) ] (بشر) بن سفيان العتكي ... ذكر الخرائطي في الهواتف من طريق عبد الله بن العلاء عن الزهري عن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يريد مكة في عام الحديبية قدم عليه بشر بن سفيان العتكي فسلم عليه فقال له يا بشر هل عندك علم أن أهل مكة علموا بمسيري فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأطوف بالبيت في ليلة كذا وسمى الليلة التي أنشئوا لها السفر وقريش في أنديتها إذ صرخ صارخ في أعلى أبي قبيس بصوت أسمع قاصيهم ودانيهم يقول سيروا فصاحبكم قد سار نحوكم ... سيروا إليه وكونوا معشرا كرما فذكر أبياتا فارتجت مكة واجتمعوا عند الكعبة فتحالفوا وتعاقدوا أن لا تدخلها عليهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا شيطان الأصنام يوشك أن يقتله الله ثم ذكر إرساله إلى مكة يتجسس أخبارهم وذكر بقية القصة، الإصابة 1/ 156. [ (2) ] غدير الأشطاط: اسم موضع قريب من عسفان، انظر مراصد الإطلاع 1/ 81.

ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحديبية من غير طريق خالد بن الوليد وما وقع في ذلك من الآيات

فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فسيروا على اسم الله» . ودنا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فصف خيله فيما بين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبين القبلة- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عباد بن بشر- رضي الله عنه- فتقدّم في خيله، فقام بإزائه، فصفّ أصحابه، وحانت صلاة الظهر، فأذّن بلال، وأقام، فاستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم القبلة- وصفّ النّاس خلفه، فركع بهم ركعة وسجد، ثم سلّم، فقاموا على ما كانوا عليه من التّعبئة. فقال خالد بن الوليد: قد كانوا على غرّة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن تأتي الساعة صلاة أخرى هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم، فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآية: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [النساء 102] فحانت صلاة العصر، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف، وستأتي كيفيتها في أبواب صلواته- صلى الله عليه وسلّم. ذكر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الحديبية من غير طريق خالد بن الوليد وما وقع في ذلك من الآيات روى البزار بسند رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- مختصرا، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: لمّا أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «تيامنوا في هذا العصل وفي رواية اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض، فإن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة» كره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يلقاه وكان بهم رحيما، فقال: «تيامنوا فأيكم يعرف «ثنيّة ذات الحنظل» ؟ فقال بريدة بن الحصيب: بحاء مضمومة فصاد مفتوحة مهملتين فتحتية فموحدة مهملتين فتحتية- الأسلمي: أنا يا رسول الله عالم بها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اسلك أمامنا» فأخذ بريدة في العصل- قبل جبال سراوع قبل المغرب، فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، فسلك بريدة بهم طريقا وعرا أجرل [ (1) ] بين شعاب، وسار قليلا تنكّبه الحجارة وتعلّقه الشجر، وصار حتى كأنه لم يعرفهما قط. قال: فو الله إني كنت أسلكها في الجمعة مرارا، فنزل حمزة بن عمرو الأسلمي، فسار بهم قليلا، ثم سقط في خمر الشجر فلا يدرى أين يتوجّه، فنزل عمرو بن عبدنهم الأسلمي فانطلق

_ [ (1) ] أجرل: الجرل الحجارة وقيل الشجر مع الحجارة، انظر لسان العرب 1/ 603.

أمامهم حتى نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الثنية، فقال: هذه ثنية ذات الحنظل؟» فقال عمرو: نعم يا رسول الله، فلما وقف به على رأسها تحدر به، قال عمرو: فو الله إن كان لتهمّني نفسي وحدها إنما كانت مثل الشّراك فاتسعت لي حين برزت، فكانت فجاجا لاجبة ولقد كان الناس تلك الليلة يسيرون جميعا معطفين من سعتها يتحدثون، وأضاءت تلك الليلة حتى كأنّا في قمر [ (1) ] . وروى مسلم عن جابر مختصراً، وأبو نعيم عن أبي سعيد، وابن إسحاق عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه. قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا من آخر اللّيل حتى أقبلنا على «عقبة ذات الحنظل» قال جابر: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: من يصعد ثنيّة المرار فإنّه يحط عنه ما حطّ عن بني إسرائيل، فكان أول من صعد خيل من الخزرج، ثم تبادر النّاس بعد. وقال أبو سعيد فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «مثل هذه الثّنيّة الليلة كمثل الباب الذي قال الله تعالى لبني إسرائيل وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) [البقرة 58] وقال ابن إسحاق: إنّ المسلمين لما إن خرجوا من الأرض الصّعبة وأفضوا إلى أرض سهلة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قولوا نستغفر الله ونتوب إليه» . فقالوا ذلك، فقال: «والله إنها للحطّة التي عرضت علي بني إسرائيل فلم يقولوها» قال أبو سعيد: ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا يجوز هذه الثّنيّة اللّيلة أحد إلا غفر له» فلمّا هبطنا نزلنا فقلت يا رسول الله نخشى أن ترى قريش نيراننا، فقال: لن يروكم، فلما أصبحنا صلى بنا صلاة الصبح، ثم قال: «والذي نفسي بيده لقد غفر للرّكب أجمعين إلّا رويكبا واحدا على جمل أحمر التقت عليه رحال القوم ليس منهم، وقال جابر: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر» . قال أبو سعيد: فطلب في العسكر فإذا هو عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، والرّجل من بني ضمرة من أهل سيف البحر يظن أنه من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقيل لسعيد: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم قال: كذا وكذا، فقال له سعيد: ويحك!! اذهب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم يستغفر لك [ (2) ] . وقال جابر: فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: والله لأن أجد ضالّتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم. وقال أبو سعيد: فقال بعيري والله أهم من أن يستغفر

_ [ (1) ] ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 165. [ (2) ] مسلم في صفات المنافقين رقم (12) والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 109 وذكر ابن كثير في التفسير 7/ 318 وصاحب الجمل المنافق الجدّين قيس.

ذكر نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية وما وقع في ذلك من الآيات

لي، إذا هو قد أضل بعيرا له، فانطلق يطلب بعيره بعد أن استبرأ العسكر وطلبه فيهم، فبينا هو في جبال سراوع إذ زلقت به نعله فتردّى فمات، فما علم به حتى أكلته السباع، قال أبو سعيد: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يومئذ: «سيأتيكم أهل اليمن كأنّهم قطع السّحاب. هم خير أهل الأرض. ذكر نزول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية وما وقع في ذلك من الآيات قال مسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم سار فلما دنا من الحديبية وقعت يدا راحلته على ثنيّة تهبط في غائط القوم، فبركت به راحلته، فقال، وفي رواية: فقال الناس «حل حل» فأبت أن تنبعث وألحّت، فقال المسلمون: خلأت القصواء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بعادة، وفي لفظ: بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة» ثم قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسألوني اليوم خطّة فيها تعظيم حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إيّاها» ثم زجرها فقامت، فولّى راجعا عوده على بدئه. وفي رواية فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد [ (1) ] من ثماد الحديبية ظنون [ (2) ] قليل الماء يتبرّض [ (3) ] النّاس ماءه تبرّضا، فلم يلبثه النّاس حتى نزحوه، فاشتكى الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلة الماء، وفي لفظ «العطش» فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الماء فجاشت بالرّواء حتّى صدروا عنها بعطن [ (4) ] قال المسور: وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر. قال محمد بن عمر: والذي نزل بالسّهم ناجية بن الأعجم- رجل من أسلم، ويقال: ناجية بن جندب وهو سائق بدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد روى أن جارية من الأنصار قالت لناجية وهو في القليب: يا أيّها الماتح دلوي دونكا ... إني رأيت النّاس يحمدونكا يثنون خيرا ويمجّدونكا فقال ناجية وهو في القليب: قد علمت جارية يمانيه ... أنّي أنا الماتح واسمي ناجيه

_ [ (1) ] ثمد الماء ثمدا: قل، انظر المعجم الوسيط 1/ 100. [ (2) ] الظنّون: البئر لا يدري فيها ماء أم لا، انظر الصحاح 6/ 2160. [ (3) ] تبرّض: يقال: يتبرّض الماء من العين إذا خرج وهو قليل، انظر الصحاح 3/ 1066. [ (4) ] العطن: مبرك الإبل، انظر المعجم الوسيط 2/ 615.

وطعنة ذات رشاش واهيه ... طعنتها تحت صدور العادية قال محمد بن عمر: حدثني الهيثم بن واقد عن عطاء بن مروان عن أبيه قال: حدثني أربعة عشر رجلا ممّن أسلم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه ناجية بن الأعجم، يقول: دعاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين شكي إليه قلّة الماء فأخرج سهما من كنانته، ودفعه إليّ، ودعا بدلو من ماء البئر فجئته به، فتوضأ فمضمض فاه، ثم مج في الدّلو- والنّاس في حر شديد- وإنما هي بئر واحدة قد سبق المشركون إلى بلدح فغلبوا على مياهه فقال: «انزل بالدّلو فصبّها في البئر وأثر ماءها بالسّهم» ففعلت، فو الذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى يغمرني وفارت كما تفور القدر، حتى طمّت واستوت بشفيرها، يغترفون من جانبها حتى نهلوا من آخرهم. وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين، منهم عبد الله بن أبيّ، فقال أوس بن خولي: ويحك يا أبا الحباب!! أما إن لك أن تبصر ما أنت عليه؟ أبعد هذا شيء؟ فقال: إني قد رأيت مثل هذا. فقال أوس: قبّحك الله وقبح رأيك فأقبل ابن أبي يريد رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال «يا أبا الحباب: أنّى رأيت مثلما رأيت اليوم» ؟ فقال: ما رأيت مثله قط. قال: «فلم قلته» ؟ فقال ابن أبي: يا رسول الله استغفر لي، فقال ابنة عبد الله بن عبد الله- رضي الله عنه- يا رسول الله استغفر له، فاستغفر له [ (1) ] . وروى ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أنا نزلت بالسّهم. والله أعلم. قصة أخرى: روى الإمام أحمد، والبخاري، والطبراني، والحاكم في الإكليل، وأبو نعيم عن البراء بن عازب، ومسلم عن سلمة بن الأكوع، وأبو نعيم عن ابن عباس، والبيهقي عن عروة، قال البراء: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية: بئر فقدمناها وعليها خمسون شاة ما ترويها فتبرضها فلم نترك فيها قطرة، قال ابن عباس: وكان الحرّ شديدا، فشكا النّاس العطش، فبلغ ذلك النبي- عليه الصلاة والسلام- فأتاه فجلس على شفيرها، ثم دعا «بإناء» وفي لفظ «بدلو» فتوضأ في الدلو، ثم مضمض ودعا، ثم صبّه فيها، فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا. قال البراء: ولقد رأيت آخرنا أخرج بثوب خشية الغرق حتى جرت نهرا [ (2) ] . وقال ابن عباس وعروة ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شفيرها.

_ [ (1) ] انظر تفسير الطبري 6/ 177 وابن كثير 3/ 125. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 505 (4150) .

ذكر نزول المطر في تلك الأيام وما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صبيحة المطر

قصة أخرى: روى البخاري في المغازي وفي الأشربة، عن جابر بن عبد الله، عن سلمة ابن الأكوع- رضي الله عنهما- قالا: عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة، وقال جابر في رواية: وقد حضر العصر، وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتّوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما لكم؟» قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضّأ به، ولا نشرب إلا ما في ركوتك فأفرغتها في قدح، ووضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده في القدح، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضّأنا، فقال سالم بن أبي الجعد: فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنّا مائة ألف لكفانا، كنّا خمس عشرة مائة. [ (1) ] ذكر نزول المطر في تلك الأيام وما قاله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صبيحة المطر روى الشيخان وأبو عوانة، والبيهقي عن زيد بن خالد- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى بنا النبي- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: أتدرون ماذا قال ربّكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم: قال: قال الله عز وجل: «أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما المؤمن من قال: مطرنا برحمة الله وبفضل الله فهو مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنجم كذا- وفي رواية: بنوء كذا وكذا- فهو مؤمن بالكواكب كافر بي» . [ (2) ] قال محمد بن عمر: وكان ابن أبيّ بن سلول قال: هذا نوء الخريف مطرنا بالشّعري. وروى ابن سعد عن أبي المليح عن أبيه قال: أصابنا يوم الحديبية مطر لم يبلّ أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن صلّوا في رحالكم. وأهدى عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيّان- رضي الله عنهما- بالحديبية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- غنما وجزورا، وأهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة- رضي الله عنه- جزرا- وكان صديقا له- فجاء سعد بالجزر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبره أن عمرا أهداها له، فقال: «وعمرو قد أهدى لنا ما ترى، فبارك الله في عمرو» ثم أمر بالجزر تنحر وتقسم في أصحابه، وفرّق الغنم فيهم من آخرها وشرك فيها فدخل على أم سلمة من لحم الجزور كنحو ما دخل على رجل من القوم، وشرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شاته، فدخل على أم سلمة بعضها، وأمر- صلى الله عليه وسلّم- للّذي جاء بالهدية بكسوة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في المصدر السابقة (4152) . [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 259 (4147) وأخرجه مسلم في الإيمان (125) والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 131.

ذكر قدوم بديل بن ورقاء الخزاعي ورسل قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذكر قدوم بديل بن ورقاء الخزاعي ورسل قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما اطمأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية: جاءه بديل بن ورقاء- وأسلم بعد ذلك- في رجال من خزاعة، منهم: عمرو بن سالم، وخراش بن أميّة وخارجة بن كرز، ويزيد بن أميّة وكانوا عيبة نصح لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بتهامة، منهم المسلم ومنهم الموادع. لا يخفون عنه بتهامة شيئا. فلما قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سلّموا، فقال بديل بن ورقاء: جئناك من عند قومك، كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان، يقسمون بالله لا يخلّون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّا لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدّنا عنه قاتلناه، إنّ قريشا قد أضرّت بهم الحرب ونهكتهم فإن شاءوا ماددتهم مدّة يأمنون فيها، ويخلّون فيما بيننا وبين النّاس، - والنّاس أكثر منهم- فإن أصابوني فذلك الّذي أرادوا وإن ظهر أمري على النّاس كانوا بين أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس أو يقاتلوا وقد جمّوا، وإن هم أبو فو الله لأجهدن على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذنّ الله تعالى أمره» . فوعى بديل مقالة رسول الله وقال: سأبلّغهم ما تقول، وعاد وركبه إلى قريش، فقال ناس منهم: هذا بديل وأصحابه، وإنّما يريدون أن يستخبروكم فلا تسألوهم عن حرف واحد، فلما رأى بديل أنّهم لا يستخبرونه قال: إنّا جئنا من عند محمد، أتحبّون أن نخبركم عنه؟ فقال عكرمة بن أبي جهل، والحكم بن العاص- وأسلما بعد ذلك- مالنا حاجة بأن تخبرونا عنه، ولكن أخبروه عنّا إنه لا يدخلها علينا عامه هذا أبدا حتى لا يبقى منّا رجل، فأشار عليهم عروة بن مسعود الثّقفي- وأسلم بعد ذلك- بأن يسمعوا كلام بديل فإن أعجبهم قبلوه وإلا تركوه، فقال صفوان ابن أميّة والحارث بن هشام- وأسلما بعد ذلك- أخبرونا بالذي رأيتم وسمعتم، فقال بديل لهم: إنكم تعجلون على محمد- صلى الله عليه وسلم- إنه لم يأت لقتال إنما جاء معتمرا وأخبرهم بمقالة النبي- عليه الصلاة والسلام- فقال عروة: يا معشر قريش أتتّهمونني؟ قالوا: لا. قال: ألستم بالوالد! قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟ قالوا: بلى وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس القرشية. قال: «ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ لنصركم فلمّا تبلّحوا عليّ نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: قد فعلت، ما أنت عندنا بمتّهم. قال: إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، لا أدّخر عنكم نصحا، فإن بديلا قد جاءكم خطة رشد لا يردّها أحد أبدا إلا أحد شرّ منها. فاقبلوها منه، وابعثوني حتّى آتيكم بمصداقها من عنده، وأنظر إلى من

معه، وأكون لكم عينا آتيكم بخبره، فبعثته قريش إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد لبسوا جلود النّمور، وهم يقسمون بالله لا يخلّون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت ومن قاتلهم بين أحد أمرين أن تجتاح قومك ولم يسمع برجل اجتاح قومه وأهله قبلك. أو بين أن يخذلك من ترى معك، وإني والله لا أرى معك وجوها وإني لا أرى إلا أوباشا، وفي رواية: فإني لأرى أشوابا [ (1) ] من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، وخليقا أن يفرّوا ويدعوك. وفي رواية: وكأني بهم لو قد لقيت قريشا أسلموك فتؤخذ أسيرا، فأيّ شيء أشدّ عليك من هذا؟ فغضب أبو بكر- وكان قاعدا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: أمص بظر اللّات، أنحن نخذله أو نفرّ عنه؟! فقال عروة: من ذا؟ قالوا: أبا بكر. فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجيبنّك. وكان عروة قد استعان في حمل دية فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث، وأعانه أبو بكر بعشر فرائض فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة، وطفق عروة كلّما كلّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسّ لحية رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمغيرة ابن شعبة قائم على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسيف، - على وجهه المغفر- لمّا قدم عروة لبسها، فطفق المغيرة كلّما أهوى عروة بيده ليمسّ لحية النّبيّ- عليه الصلاة والسلام- يقرع يده بنعل السّيف ويقول: أكفف يدك عن مسّ لحية رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبل ألّا تصل إليك، فإنّه لا ينبغي لمشرك أن يمسّه. فلما أكثر عليه غضب عروة وقال: ويحك!! ما أفظّك وأغلظك! وقال: ليت شعري!! من هذا الذي آذاني من بين أصحابك؟ والله لا أحسب فيكم ألأم منه ولا أشرّ منزلة. فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» فقال عروة: وأنت بذلك يا غدر، والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ إلّا أمس، لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر- وسيأتي في ترجمة المغيرة بيان هذه الغدرة. وجعل عروة يرمق أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- بعينه، فو الله ما يتنخّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلوا على وضوئه، ولا يسقط شيء من شعره إلا أخذوه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه، تعظيما له. فلما فرغ عروة من كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وردّ عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مثل ما قال لبديل بن ورقاء وكما عرض عليهم من المدة. فأتى عروة قريشا، فقال: يا قوم إني وفدت إلى

_ [ (1) ] الأوشاب الأوباش، والأخلاط من الناس، انظر المعجم الوسيط 2/ 1045.

الملوك: كسرى وقيصر والنجاشي وإني والله ما رأيت ملكا قط أطوع فيما بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، وليس بملك والله ما تنخّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه أيّهم يظفر منه بشيء، ولا يسقط شيء من شعره إلّا أخذوه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، ولا يتكلّم رجل منهم حتى يستأذن، فإن هو أذن له تكلم، وإن لم يأذن له سكت، وقد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها، قد حرزت القوم، واعلموا أنكم إن أردتم منهم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قوما لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعتم صاحبهم، والله لقد رأيت معه نساء ما كنّ ليسلمنه أبدا على حال، فروا رأيكم فأتوه يا قوم، واقبلوا ما عرض عليكم، فإني لكم ناصح، مع إني أخاف أن لا تنصروا على رجل أتى زائرا لهذا البيت معظّما له، معه الهدى ينحره وينصرف، فقالت قريش: لا تتكلم بهذا يا أبا يعفور، أو غيرك تكلم بهذا؟ ولكن نردّه عامنا هذا، ويرجع إلى قابل، فقال: ما أراكم تصيبكم قارعة. فانصرف هو ومن تبعه إلى الطّائف. فقام الحليس وهو بمهملتين- مصغّر- ابن علقمة الكناني وكان من رؤوس الأحابيش ولا أعلم له إسلاما فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلما أشرف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هذا فلان من قوم يعظّمون البدن وفي لفظ «الهدى، ويتألّهون، فابعثوها له» فبعثت له، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي عليها قلائدها، قد أكلت أوبارها من طول الحبس، ترجّع الحنين، واستقبله الناس يلبّون قد أقاموا نصف شهر، وقد تفلوا وشعثوا، صاح وقال: سبحان الله «ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت أبى الله أن تحج لخم وجذام وكندة وحمير ويمنع ابن عبد المطلب، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت هلكت قريش وربّ الكعبة. إنّ القوم إنما أتوا عمّارا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أجل يا أخا بني كنانة» . وذكر ابن إسحاق ومحمد بن عمر، وابن سعد: أنه لم يصل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا رأى ذلك إعظاما لما رأى فيحتمل إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خاطبه من بعد، فرجع إلى قريش فقال: إني رأيت ما لا يحل منعه، رأيت الهدي في قلائده قد أكل أوباره معكوفا عن محلّه والرّجال قد تفلوا وقملوا أن يطوفوا بهذا البيت، والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم، على أن تصدوا عن البيت من جاءه معظّما لحرمته مؤدّيا لحقه. وساق الهدى معكوفا أن يبلغ محلّه. والذي نفسي بيده لتخلّنّ بينه وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد. فقالوا: كفّ عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به، وفي لفظ اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك، كلّ ما رأيت من محمد مكيدة.

ذكر إرساله - صلى الله عليه وسلم - خراش بن أمية وبعده عثمان بن عفان إلى قريش

فقام مكرز بكسر الميم، وسكون الكاف، وفتح الراء، بعدها زاي، ابن حفص. فقال: دعوني آته. فلمّا طلع ورآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هذا رجل غادر» وفي لفظ «فاجر» فلما انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلّمه بنحو ما كلّم به بديلا وعروة، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم بما ردّ عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. ذكر إرساله- صلى الله عليه وسلّم- خراش بن أمية وبعده عثمان بن عفان إلى قريش قال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى قريش خراش بن أميّة على جمل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقال له الثّعلب، ليبلّغ عنه أشرافهم بما جاء له، فعقر عكرمة بن أبي جهل- وأسلم بعد ذلك- الجمل، وأرادوا قتله فمنعه الأحابيش، فخلّوا سبيله حتى أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولم يكد فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بما لقي. وروى البيهقي عن عروة قال: لما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحديبية فزعت قريش لنزوله إليهم، فأحبّ أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى قريش، فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وقد عرفت قريش عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم. فلم يقل له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا، فقال عمر: يا رسول الله ولكني أدلّك على رجل أعزّ بمكة منيّ، وأكثر عشيرة وأمنع، وأنه يبلغ لك ما أردت، عثمان بن عفان. فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عثمان فقال: «اذهب إلى قريش وأخبرهم أنّا لم نأت لقتال وإنّما جئنا عمّارا، وادعهم إلى الإسلام» . وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشّرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله تعالى- وشيكا أن يظهر دينه بمكّة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان. فانطلق عثمان إلى قريش فمرّ عليهم ببلدح فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إليكم لأدعوكم إلى الإسلام، وإلى الله جل ثناؤه، وتدخلون في الدّين كافة، فإن الله- تعالى- مظهر دينه ومعزّ نبيّه، وأخرى: تكفون ويكون الذي يلي هذا الأمر منه غيركم، فإن ظفر برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذلك ما أردتم، وإن ظفر كنتم بالخيار بين أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامّون. إن الحرب قد نهكتكم وأذهبت الأماثل منكم. وأخرى إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخبركم إنه لم يأت لقتال أحد، إنّما جاء معتمرا، معه الهدي، عليه القلائد ينحره وينصرف. [ (1) ] فقالوا: قد سمعنا ما تقول، ولا كان هذا أبدا، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنّه لا يصل إلينا.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 2/ 1/ 70 والبيهقي في الدلائل 4/ 133.

ولقيه أبان بن سعيد [ (1) ]- وأسلم بعد ذلك، فرحّب به أبان وأجاره، وقال: لا تقصر عن حاجتك، ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السّرج وردف وراءه وقال: أقبل وأدبر لا تخف أحدا ... بنو سعيد أعزّة الحرم فدخل به مكّة، فأتى عثمان أشراف قريش- رجلا رجلا- فجعلوا يردّون عليه: إنّ محمّدا لا يدخلها علينا أبدا، ودخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين بمكة فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: قد أظلّكم حتى لا يستخفى بمكة اليوم بالإيمان، ففرحوا بذلك، وقالوا: اقرأ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- السّلام. ولمّا فرغ عثمان من رسالة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قريش قالوا له: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأقام عثمان بمكة ثلاثا يدعو قريشا. وقال المسلمون- وهم بالحديبية، قبل أن يرجع عثمان-: خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أظنّه طاف بالبيت ونحن محصورون» ، وقالوا: وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص إليه قال: «ذلك ظنيّ به ألّا يطوف بالكعبة حتى نطوف» ، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع- مرفوعا- «لو مكث كذا كذا سنة ما طاف حتى أطوف» فلمّا رجع عثمان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال المسلمون له: اشتفيت من البيت يا أبا عبد الله!! فقال عثمان: بئس ما ظننتم بي! فو الذي نفسي بيده لو مكثت مقيما بها سنة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقيم بالحديبية ما طفت حتى يطوف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولقد دعتني قريش إلى أن أطوف بالبيت فأبيت. فقالوا: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعلمنا وأحسننا ظنا. وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمر أصحابه بالحراسة باللّيل، فكانوا ثلاثة يتناوبون الحراسة: أوس بن خولي- بفتح الخاء المعجمة والواو- وعباد بن بشر، ومحمد بن مسلمة- رضي الله عنهم- وكان محمد بن مسلمة على حرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة من الليالي، وعثمان بن عفان بمكة. وقد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا، عليهم مكرز بن حفص، وأمروهم أن يطوفوا بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- رجاء أن يصيبوا منهم أحدا، أو يصيبوا منهم غرّة، فأخذهم محمد بن

_ [ (1) ] أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ... قال البخاري وأبو حاتم الرازي وابن حبان له صحبة وكان أبوه من أكابر قريش وله أولاد نجباء أسلم منهم قديما خالد وعمرو فقال فيهما أبان الأبيات المشهورة التي أولها. ألا ليت ميتا بالظّريبة شاهد ... لما يفتري في الدين عمرو وخالد الإصابة 1/ 10.

ذكر مبايعته - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان وفضل من بايع

مسلمة، فجاء بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأفلت مكرز فخبّر أصحابه وظهر قول النبي- صلى الله عليه وسلم- كما تقدم أنه رجل غادر، وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكّة بإذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم: كرز بن جابر الفهري، وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس، وعبد الله بن حذافة السّهمي، وأبو الرّوم بن عمير العبدريّ، وعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام ابن العاص بن وائل، وأبو حاطب بن عمرو من عبد شمس وعمير بن وهب الجمحيّ وحاطب بن أبي بلتعة، وعبد الله بن أبي أميّة. قد دخلوا مكة في أمان عثمان، وقيل: سرا، فعلم بهم فأخذوا، وبلغ قريشا حبس أصحابهم الذين مسكهم محمد بن مسلمة، فجاء جمع من قريش إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى تراموا بالنّبل والحجارة، وأسر المسلمون من المشركين- أيضا- اثني عشر فارسا، وقتل من المسلمين ابن زنيم- وقد أطلع الثّنية من الحديبية- فرماه المشركون فقتلوه، وبعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى- وأسلما بعد ذلك، ومكرز بن حفص، فلمّا جاء سهيل ورآه النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: سهل أمركم فقال سهيل: يا محمد إن الذي كان من حبس أصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأي ذوي رأينا بل كنّا له كارهين حين بلغنا، ولم نعلم به، وكان من سفهائنا، فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أوّل مرّة، والذين أسرت آخر مرّة. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّي غير مرسلهم حتّى ترسلوا أصحابي» ، فقالوا: أنصفتنا، فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشّييم- بشين معجمة مصغّر- بن عبد مناف التّيميّ، فبعثوا بمن كان عندهم: وهم عثمان والعشرة السابق ذكرهم- رضي الله عنهم- وأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابهم الذين أسرهم، وقبل وصول عثمان ومن معه بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن عثمان ومن معه قد قتلوا، فكان ذلك حين دعا إلى البيعة. ذكر مبايعته- صلى الله عليه وسلّم- بيعة الرضوان وفضل من بايع قالوا: لما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن عثمان قد قتل دعا الناس إلى البيعة، وقال: «لا نبرح حتّى نناجز القوم» وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من الحديبية، فجلس في رحالهم تحت شجرة خضراء ثم قال: «إن الله- تعالى- أمرني بالبيعة» فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا فما بقي لبني مازن متاع إلا وطئ، ثم لبسوا السّلاح وهو معهم قليل، وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها وشدّت سكينا في وسطها وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع والبيهقي عن عروة، وابن إسحاق عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قال سلمة: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أيها النّاس البيعة البيعة، نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله» قال

سلمة: «فسرنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه [ (1) ] . وفي صحيح مسلم عنه قال: فبايعته أوّل الناس، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال: «بايع يا سلمة» قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل الناس [ (2) ] قال: «وأيضا» قال: ورآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عزلا فأعطاني حجفة- أو درقة- ثم بايع حتى إذا كان في آخر النّاس قال: «ألا تبايعني يا سلمة؟» قال: قلت: يا رسول الله قد بايعتك في أوّل الناس، وفي وسط الناس، قال: «وأيضا» فبايعته الثالثة، ثم قال لي: «يا سلمة أين حجفتك- أو درقتك- التي أعطيتك؟» قال: قلت: يا رسول الله، لقيني عمّي عامر عزلا فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: إنك كالذي قال الأول: اللهم ابغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي، وفي صحيح البخاري عنه قال: بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، قيل: على أي شيء كنتم تبايعون قال: على الموت [ (3) ] . وفي صحيح البخاري عن نافع قال: أن ابن عمر أسلم قبل أبيه، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر [ (4) ] . وفيه أيضا عن نافع عن ابن عمر إن الناس كانوا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية تفرّقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال عمر: يا عبد الله انظر ما شأن الناس أحدقوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهب فوجدهم يبايعونه فبايع، ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع [ (5) ] . وروى الطبراني عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن، وجبّة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرّن- بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة- المازنيّ قائم على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه يبايعونه. وفي صحيح مسلم عن جابر قال: بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمر آخذ بيده تحت شجرة- وهي سمرة- فبايعناه غير الجدّ بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره. وعند ابن إسحاق

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 136. [ (2) ] أخرجه مسلم في الجهاد 3/ 1434 (132) وأحمد 4/ 54، والبيهقي في الدلائل 4/ 138. [ (3) ] أخرجه البخاري (4169) والبيهقي 4/ 138. [ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 521 (4186) . [ (5) ] البخاري (4187) واحمد في المسند 5/ 324.

عن جابر بن عبد الله: فكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد خبأ إليها يستتر بها من الناس بايعناه على ألا نفرّ، ولم نبايعه على الموت [ (1) ] . وفيه- أيضا- عنه: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي- صلى الله عليه وسلم- يبايع الناس وأنا رافع غصن من أغصانها عن رأسه ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفرّ. وروى الطبراني عن ابن عمر، والبيهقي عن الشعبي، وابن منده عن زر بن حبيش قالوا: لمّا دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي، فقال: ابسط يدك أبايعك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «علام تبايعني» قال: على ما في نفسك. زاد ابن عمر: فقال النبي: وما في نفسي؟ قال: أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل. فبايعه، وبايعه الناس على بيعة أبي سنان [ (2) ] . وروى البيهقي عن أنس وابن إسحاق عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لما أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ببيعة الرّضوان كان بعث عثمان- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أهل مكة، فبايع الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم إنّ عثمان في حاجتك وحاجة رسولك، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم [ (3) ] . وروى البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلّون فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان. فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدّثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إنّ أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم. [ (4) ] وروى ابن سعد بسند جيد عن نافع قال: خرج قوم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك بأعوام فما عرف أحد منهم الشجرة، واختلفوا فيها. قال ابن عمر: كانت رحمة من الله. وروى ابن أبي شيبة في المصنف وابن سعد عن نافع قال: بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فيصلّون عندها فتوعّدهم، ثم أمر فقطعت. وروى البخاري وابن مردويه عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيّب: كم كان الذين

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1483 (267، 69/ 1856) . [ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 87، 600 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 74. [ (3) ] أخرجه الدولابي من الكنى 1/ 133، والطبراني في الكبير 1/ 41 وابن أبي شيبة 12/ 46 والحاكم 3/ 98 وانظر الدر المنثور 6/ 74. [ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 512 (4163) .

ذكر الهدنة وكيف جرى الصلح يوم الحديبية

شهدوا بيعة الرّضوان؟ قال: خمس عشرة مائة، قلت فإنّ جابر بن عبد الله قال: أربع عشرة مائة، قال: يرحمه الله توهّم، هو حدّثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة [ (1) ] . وروى الشيخان، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة، وكانت أسلم ثمن المهاجرين [ (2) ] . أفاد الواقديّ أنّ أسلم كانت في الحديبية مائة رجل. وروى سعيد بن منصور والشيخان عن جابر بن عبد الله قال: كنّا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فقال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنتم خير أهل الأرض» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي عن جابر بن عبد الله، ومسلم عن أم مبشّر- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» [ (4) ] وروى الإمام أحمد بسند- رجاله ثقات- عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: لما كان يوم الحديبية قال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا توقدوا نارا باللّيل» فلما كان بعد ذلك قال: «أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدّكم» [ (5) ] . فلمّا نظر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص، ومن كان معهم من عيون قريش من سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم وخوفهم، وأسرعوا إلى القضية. ثم أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل» . ذكر الهدنة وكيف جرى الصلح يوم الحديبية روى ابن إسحاق وأبو عبيد وعبد الرزاق والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه، ومحمد بن عمر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، والشيخان عن سهيل بن حنيف أن عثمان لما قدم من مكة هو ومن معه رجع سهيل بن عمرو وحويطب ومكرز إلى قريش فأخبروهم بما رأوا من سرعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 507 (4153) . [ (2) ] البخاري في المصدر السابق (4155) ومسلم 3/ 1485 (75/ 1857) . [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 507 (4154) ، وأخرجه مسلم 3/ 1484 (71/ 1856) . [ (4) ] أخرجه أبو داود (4653) والترمذي (3860) وأحمد 3/ 350 وابن المبارك في الزهد (498) وابن سعد 2/ 1/ 73 ومسلم في الفضائل باب 37 (163) . [ (5) ] أخرجه أحمد 3/ 26 والحاكم 3/ 36 وابن أبي شيبة 8/ 481، 14/ 443 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 169.

إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم، فقال أهل الرأي منهم: ليس خير من أن نصالح محمدا على أن ينصرف عنّا عامه هذا، ولا يخلص إلى البيت حتى يسمع من سمع بمسيره من العرب أنّا قد صددناه، ويرجع قابلا فيقيم ثلاثا وينحر هديه وينصرف، ويقيم ببلدنا ولا يدخل علينا، فأجمعوا على ذلك. فلما أجمعت قريش على الصلح والموادعة بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب ومكرز وقالوا لسهيل: ائت محمدا فصالحه وليكن في صلحك ألّا يدخل عامه هذا، فو الله لا تحدّث العرب أنه دخل علينا عنوة فأتى سهيل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قد أراد القوم الصّلح حين بعثوا هذا» وفي لفظ: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سهل أمركم» وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متربعا، وكان عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش على رأسه- وهما مقنّعان في الحديد- فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأطال الكلام وتراجعا، وارتفعت الأصوات وانخفضت، وقال عباد بن بشر لسهيل: اخفض من صوتك عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمسلمون حول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جلوس، فجرى بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين سهيل القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين، وأن يأمن الناس بعضهم بعضا، وأن يرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عامه هذا، فإذا كان العام المقبل قدمها فخلّوا بينه وبين مكة، فأقام فيها ثلاثا فلا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب لا يدخلها بغيره، وأنّه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليّه- وإن كان على دين محمّد- ردّه إلى وليّه، وأنه من أتى قريشا ممن اتّبع محمدا لم يردوه عليه، وأن بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال [ (1) ] ولا إغلال، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. فكره المسلمون هذه الشروط وامتعضوا منها، وأبى سهيل إلّا ذلك فلما اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ألست نبيّ الله حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: علام نعطي الدّنيّة في ديننا؟ ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إني عبد الله ورسوله ولست أعصيه ولن يضيّعني وهو ناصري» قال: أو ليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف حقا؟ قال: «بلى، أفأخبرتك أنّك تأتيه العام؟ قال: لا: قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» ، فذهب عمر إلى أبي بكر متغيّظا ولم يصبر،

_ [ (1) ] الإسلال: السّرقة، انظر المعجم الوسيط 1/ 448.

فقال: يا أبا بكر: أليس هذا نبيّ الله حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدّنيّة في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: أيّها الرّجل أنه رسول الله وليس يعصي ربّه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت، فو الله إنه لعلى الحق. وفي لفظ فإنّه رسول الله. فقال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله، قال: أو ليس كان يحدّثنا أنّه سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. فلقي عمر من هذه الشّروط أمرا عظيما [ (1) ] . وقال كما في الصحيح: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، وجعل يردّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الكلام فقال أبو عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه-: ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول ما يقول، تعوّذ بالله من الشّيطان واتّهم رأيك، قال عمر: فجعلت أتعوذ بالله من الشيطان حياء فما أصابني شيء قط مثل ذلك اليوم وعملت بذلك أعمالا- أي صالحة- لتكفر عني ما مضى من التوقف في امتثال الأمر ابتداء كما عند ابن إسحاق وابن عمر الأسلمي. قال عمر: فما زلت أتصدّق وأصوم وأصلّي وأعتق من الّذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الّذي تكلمت به حتّى رجوت أن يكون خيرا. وروى البزار عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- برأيي، وما ألوت على الحق، قال: فرضي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبيت حتى قال: «يا عمر تراني رضيت وتأبى» [ (2) ] . فقال سهيل: هات، اكتب بيننا وبينك كتابا، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عليّا- كما في حديث البراء عند البخاري في كتاب الصّلح وكتاب الجزية، ورواه إسحاق بن راهويه من حديث المسور ومروان، وأحمد، والنسائي، والبيهقي والحاكم- وصححه عن عبد الله بن مغفل [ (3) ] ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اكتب بسم الله الرحمن الرّحيم» ، فقال سهيل- وأسلم بعد ذلك- أمّا الرّحمن الرّحيم فو الله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب اكتب في قضيّتنا ما نعرف. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بسم الله الرحمن الرّحيم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «اكتب باسمك اللهمّ» ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم» فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن

_ [ (1) ] البخاري 4/ 26، 125، أخرجه مسلم 3/ 1412 (94/ 1785) والطبراني في الكبير 6/ 109 وابن سعد 1/ 1/ 20، وانظر المجمع 3/ 312، 5/ 67. [ (2) ] أخرجه الدولابي في الكنى 2/ 69. [ (3) ] عبد الله بن مغفل: بمعجمة وفاء ثقيلة، ابن عبيد بن نهم: بفتح النون وسكون الهاء، أبو عبد الرحمن المزني، صحابي، بايع تحت الشجرة، ونزل البصرة، مات سنة سبع وخمسين، وقيل بعد ذلك، التقريب 1/ 453.

البيت، ولا قاتلناك، اكتب في قضيّتنا ما نعرف، اكتب محمد بن عبد الله. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعلي امحه، فقال على: ما أنا بالّذي «أمحاه» وفي لفظ «أمحاك» وفي حديث محمد ابن كعب القرظيّ: فجعل عليّ يتلكّأ، وأبى أن يكتب إلّا محمد رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: اكتب فإنّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد [ (1) ] انتهى. وذكر محمد بن عمر أن أسيد بن الحضير وسعد بن عبادة أخذا بيد علي ومنعاه أن يكتب إلّا «محمد رسول الله» ، وإلّا فالسّيف بيننا وبينهم، فارتفعت الأصوات، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخفضهم ويومئ بيده إليهم: اسكتوا. فقال: أرنيه، فأراه إياه فمحاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده وقال: اكتب محمد بن عبد الله. قال الزهري: وذلك لقوله- صلى الله عليه وسلم- لا يسألوني خطّة يعظّمون بها حرمات الله إلّا أعطيتهم إياها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لسهيل على أن تخلّوا بيننا وبين البيت، فنطوف، فقال سهيل: لا والله لا تحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب. فقال سهيل: على أنه لا يأتيك منّا أحد بغير إذن وليّه- وإن كان على دينك إلّا سددته إلينا فقال المسلمون: سبحان الله، أيكتب هذا؟ كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاء منهم إلينا سيجعل الله له فرجا ومخرجا» [ (2) ] . وفي حديث عبد الله بن مغفل عند الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم بعد أن ذكر نحو ما تقدم، قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السّلاح فثاروا إلى وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ الله بأسماعهم- ولفظ الحاكم بأبصارهم- فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هل جئتم في عهد أحد وهل جعل لكم أحد أمانا» ؟ فقالوا: لا. فخلّى سبيلهم فانزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [سورة الفتح 24] [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، والثلاثة عن أنس قال: لما كان يوم «الحديبية» هبط على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكّة في

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 357 (2699) ، وأحمد 4/ 328، 4/ 86، 5، 23، 33 والبيهقي 9/ 220، 227 وعبد الرزاق في المصنف (9720) ، والطبري في التفسير 26/ 59، 63 وابن كثير في التفسير 7/ 324 وانظر المجمع 6/ 145، 146. [ (2) ] انظر التخريج السابق وأخرجه أبو داود في الجهاد باب (167) واحمد 4/ 329، 330 والسيوطي في الدّر المنثور 6/ 76. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 87 والبيهقي 6/ 319 والحاكم في المستدرك 2/ 461 وابن الجوزي في زاد المسير 7/ 438 وانظر الدر المنثور 6/ 78.

السّلاح من قبل جبل التّنعيم يريدون غرّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعا عليهم، فأخذوا فعفا عنهم [ (1) ] . وروى عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقال له ابن زنيم اطلع الثنية «يوم الحديبية» فرماه المشركون فقتلوه، فبعث نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- خيلا، فأتوا باثني عشر فارسا، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هل لكم عهد أو ذمّة» ؟ قالوا: لا. فأرسلهم [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، عن سلمة بن الأكوع. رضي الله عنه قال: إن المشركين من أهل مكة أرسلونا في الصّلح فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فاضطجعت في ظلّها، فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأبغضهم وتحوّلت إلى شجرة أخرى، فعلّقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم فاخترطتّ سيفي فاشتددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سلاحهم، وجعلته في يدي، ثم قلت: والّذي كرّم وجه محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي في عينيه، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجاء عمّي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز من المشركين يقوده حتّى وقفناه على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثنياه فعفا عنهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح 24] فبينما الناس على ذلك إذ أبو جندل- بالجيم والنّون وزن جعفر- بن سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكّة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، وكان أبوه سهيل قد أوثقه في الحديد وسجنه، فخرج من السّجن واجتنب الطّريق وركب الجبال حتّى أتى «الحديبية- فقام إليه المسلمون يرحّبون به ويهنّئونه، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبيبه ثم قال: «يا محمد، هذا أوّل ما أقاضيك عليه أن تردّه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنّا لم نقض الكتاب بعد» قال فو الله إذا لا أصالحك على شيء أبدا. قال: «فأجزه لي» قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: «بلى فافعل» . قال: ما أنا بفاعل. فقال مكرز وحويطب: بلى قد أجزناه لك. فأخذاه فأدخلاه فسطاطا فأجازاه وكفّ عنه أبوه. فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1442 (133/ 1808) ، وأحمد 3/ 124 والغرة هي الغفلة أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم. [ (2) ] أخرجه الطبري 26/ 59 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 76.

ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا، فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صوته وقال: يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنّا قد عقدنا مع القوم صلحا وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهدا، وإنّا لا نغدر» ومشى عمر بن الخطاب إلى جنب أبي جندل، وقال له: اصبر واحتسب فإنّما هم المشركون وإنّما دم أحدهم دم كلب، وجعل عمر يدنى قائم السّيف منه. قال عمر: رجوت أن يأخذ السّيف فيضرب به أباه. قال فضنّ الرّجل بأبيه. [ (1) ] وقد كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد خرجوا وهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فلمّا رأوا ما رأوا من الصّلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في نفسه دخل علي الناس من ذلك أمر عظيم حتّى كادوا يهلكون. فزادهم أمر أبي جندل على ما بهم، ونفذت القضية وشهد على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين: أبو بكر وعمر، وعبد الرحمن ابن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهم- ومكرز بن حفص وهو مشرك. فلما فرغ من قضيّة الكتاب قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» فو الله ما قام رجل منهم، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فاشتدّ ذلك عليه، فدخل على أم سلمة فقال: «هلك المسلمون، أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا» . وفي رواية: «ألا ترين إلى النّاس أمرهم بالأمر فلا يفعلونه- وهم يسمعون كلامي وينظرون وجهي» . فقالت: يا رسول الله، لا تلمهم فإنّهم قد دخلهم أمر عظيم ممّا أدخلت على نفسك من المشقّة في أمر الصّلح، ورجوعهم بغير فتح يا نبي الله اخرج ولا تكلّم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فجلى الله- تعالى- عن الناس بأم سلمة- فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- واضطبع [ (2) ] بثوبه، فخرج فأخذ الحربة ويمّم هديه وأهوى بالحربة إلى البدن رافعا صوته «بسم الله والله أكبر» ونحر، فتواثب المسلمون إلى الهدي وازدحموا عليه ينحرونه حتى كاد بعضهم يقع على بعض، وأشرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه في الهدي، فنحر البدنة عن سبعة، وكان هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعين بدنة، وكان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثّنيّة، فلما صدّه المشركون ردّ وجوه البدن [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 330 والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 331. [ (2) ] اضطبع: أخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره، انظر النهاية 3/ 73. [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 257 وأبو داود في الجهاد باب 167 واحمد 4/ 331 والبيهقي في الدلائل 4/ 106 وعبد الرزاق (9720) والطبري 26/ 63 وابن أبي شيبة 14/ 450.

قال ابن عباس: لما صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها. رواه الإمام أحمد والبيهقي [ (1) ] . فنحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدنه حيث حبسوه وهي الحديبية، وشرد جمل أبي جهل من الهدي وهو يرعى وقد قلد وأشعر. وكان نجيبا مهريا في رأسه برّة من فضة، أهداه ليغيظ بذلك المشركين، فمر من الحديبية حتى انتهى إلي دار أبي جهل بمكة، وخرج في أثره عمرو بن عنمة بن عديّ الأنصاري، فأبى سفهاء مكّة أن يعطوه حتّى أمرهم سهيل بن عمرو بدفعه إليه، قيل: ودفعوا فيه عدّة نياق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «لولا أن سمّيناه في الهدي فعلنا» ، ونحره عن سبعة، ونحر طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، بدنات ساقوها. وروى ابن سعد عن أبي سفيان عن جابر قال: نحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعين بدنة عام الحديبية، البدنة عن سبعة، وكنّا يومئذ ألفا وأربعمائة، ومن لم يضح أكثر ممن ضحى، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مضطربا في الحل وإنّما يصلّي في الحرم. وبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من هديه بعشرين بدنة لتنحر عنه عند «المروة» مع رجل من أسلم، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من نحر البدن دخل قبة له من أدم حمراء ودعا بخراش- بمعجمتين- بن أمية بن الفضل الكعبي، فحلق رأسه ورمى شعره على شجرة كانت إلى جنبه من سمرة خضراء، فجعل الناس يأخذون الشّعر من فوق الشّجرة فيتحاصونه، وأخذت أمّ عمارة طاقات من شعره فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا. وحلق بعض المسلمين وقصّر بغض، فأخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأسه من قبته وهو يقول: رحم الله المحلقين، قيل: يا رسول الله والمقصرين قال: «رحم الله المحلّقين ثلاثا» . ثم قال و «المقصرين» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنهم قالوا: يا رسول الله ما بال المحلّقين ظاهرت عليهم الترحيم؟ قال: لأنّهم لم يشكّوا [ (3) ] . ورواه البيهقي موقوفا. وبعث الله تعالى ريحا عاصفة فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم كما رواه ابن سعد عن مجمع بن يعقوب عن أبيه، وأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «بالحديبية تسعة عشر يوما، ويقال عشرين ليلة، ذكره محمد بن عمر، وابن سعد. قال ابن عائذ: وأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوته هذه شهرا ونصفا.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 152. [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 230 والبيهقي 5/ 236 والدعاء للمحلّفين متفق عليه من حديث ابن عمر البخاري 3/ 561 (1727) ومسلم 2/ 945 (317/ 1301) . [ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 151.

ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- روى مسلم عن سلمة بن الأكوع، والبيهقي عن ابن عباس، وابن سعد، والبيهقي، والحاكم عن أبي عمرة الأنصاري، والبزار، والطبراني، والبيهقي عن أبي خنيس الغفاري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، يزيد بعضهم على بعض: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما انصرف من «الحديبية» نزل بمرّ «الظّهران» ثم نزل «بعسفان» وأرملوا من الزّاد، فشكا الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنهم قد بلغوا من الجوع الجهد، وفي الناس ظهر، فقالوا: ننحره يا رسول الله، وندهن من شحومه ونتّخذ من جلوده أحذية فأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبر بذلك عمر ابن الخطاب فجاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله لا تفعل، فإن يكن في النّاس بقيّة ظهر يكن أمثل، كيف بنا إذا نحن لقينا العدوّ غدا جياعا رجالا؟! ولكن إن رأيت أن تدعو النّاس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثمّ تدعو فيها بالبركة فإنّ الله سيبلّغنا بدعوتك، ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّاس ببقايا أزوادهم وبسط نطعا فجعل النّاس يجيئون بالحفنة من الطّعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع تمر، فاجتمع زاد القوم على النّطع، قال سلمة: فتطاولت لأحرّركم هو فحررته كربضة عنز ونحن أربع عشرة مائة، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فدعا بما شاء الله أن يدعو، فأكلوا حتّى شبعوا، ثم حشوا أوعيتهم، وبقي مثله، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، والله لا يلقي الله- تعالى- عبد مؤمن بهما إلّا حجب من النار» . ثم إذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الرّحيل، فلما ارتحلوا أمطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونزلوا، فشربوا من ماء السماء. ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخطبهم، فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد معرضا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ألا أخبركم عن الثّلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أما واحد فاستحيا فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فتاب فتاب الله عليه، أمّا الثّالث فأعرض. فأعرض الله عنه» . وروى البيهقي عن عروة قال: قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راجعا فقال رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصدّ هدينا. وردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلين من المؤمنين كانا خرجا إليه، فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «بئس الكلام، بل هو أعظم الفتح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم. ويسألوكم القضيّة، ويرغبون إليكم في الأمان، ولقد رأوا منكم ما كرهوا، وأظفركم الله- تعالى- عليهم وردّكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتح، أنسيتم يوم أحد؟ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا

ذكر نزول سورة الفتح ومرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ظهر في ذلك من الآيات

أدعوكم في أخراكم!! أنسيتم يوم الأحزاب؟ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنونا !! فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، فهو أعظم الفتوح، والله يا نبي الله ما فكّرنا فيما فكّرت فيه، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا. ذكر نزول سورة الفتح ومرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما ظهر في ذلك من الآيات روى الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر يعني «الحديبيّة» فسألته عن شيء ثلاث مرّات، فلم يرد على، فقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا ابن الخطّاب، نزّرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات فلم يردّ عليك، فحركت بعيري، ثم تقدّمت أمام النّاس، وخشيت أن ينزل فيّ القرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فرجعت وأنا أظنّ أنه نزل في شيء، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «لقد أنزلت عليّ اللّيلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 1، 2] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، وابن سعد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم- وصححه- وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن مجمع بن جارية الأنصاري- رضي الله عنه- قال: شهدنا «الحديبية» مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلمّا انصرفنا عنها إلى كراع الغميم إذا الناس يوجفون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للنّاس؟ قالوا: أوحى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على راحلته عند «كراع الغميم» فاجتمع النّاس إليه فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الفتح [ (1) ] فقال رجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- أو هو فتح؟ فقال: «أي والذي نفسي بيده إنَّه فتح» زاد ابن سعد: فلما نزل بها جبريل قال: ليهنئك يا رسول الله، فلما هنأه جبريل هنّأه النّاس [ (1) ] . وروى عبد الرازق والإمام أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم عن أنس- رضي الله عنه- قال: لما رجعنا من «الحديبية» قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أنزلت عليّ ضحّى آية هي أحب إلي من الدّنيا جميعا»

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 420 وأخرجه أبو داود في الجهاد باب فيمن أسهم له سهما وذكره الحافظ بن كثير في التفسير 7/ 308 والبيهقي في الدلائل 4/ 155.

ثلاثا- قلنا- وفي لفظ قالوا- هنيئا مريئا لك يا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت، وفي لفظ فنزلت عليه: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [الفتح 5] حتّى بلغ فَوْزاً عَظِيماً [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «أقبلنا من الحديبية» مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنّه أنزل عليه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [ (2) ] . وروى البيهقي من طريق المسعودي عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من «الحديبية» جعلت ناقته تثقل فانزل الله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فأدركنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من السرور ما شاء، فأخبرنا أنها أنزلت عليه، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرّس بنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من يحرسنا» ؟ فقلت أنا يا رسول الله، فقال: «إنّك تنام» ثم قال: «من يحرسنا» فقلت: أنا. فقال: أنت، فحرستهم، حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إنّك تنام، فما استيقظت إلّا بالشمس، فلما استيقظنا قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لو شاء أن لا تناموا عنها لا تناموا، ولكنّه أراد أن يكون ذلك لمن بعدكم» ، ثم قام فصنع كما كان يصنع، ثم قال: «هكذا لمن نام أو نسي من أمّتي» ثم ذهب القوم في طلبهم رواحلهم فجاءوا بهن غير راحلة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اذهب هاهنا» ووجّهني وجها فذهبت حيث وجّهني فوجدت زمامها قد التوى بشجرة ما كانت تحلها الأيدي. قال البيهقي: كذا قال المسعودي عن جامع بن شداد: أن ذلك كان حين أقبلوا من الحديبية [ (3) ] ، ثم روى من طريق شعبة- وناهيك به عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود قال: أقبلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من غزوة تبوك قال البيهقي: يحتمل أن يكون مراد المسعوديّ بذكر الحديبية تاريخ نزول السّورة حين أقبلوا من الحديبية فقط، ثم ذكر معه حديث النّوم عن الصّلاة، وحديث الراحلة، وكانا في غزوة تبوك قلت لم ينفرد المسعوديّ بذلك، قال ابن أبي شيبة في المصنّف: حدثنا منذر عن شعبة عن جامع بن شداد به، ولا مانع من التعدد.

_ [ (1) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص (436) (1760) ، والبيهقي 5/ 217 وأحمد 4/ 152، والحاكم 4/ 460 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 71 والخطيب في التاريخ 3/ 319، البيهقي في الدلائل 4/ 155. [ (2) ] أخرجه البخاري في التفسير 8/ 582 (4833) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 155. [ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 155.

ذكر قدوم أبي بصير على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورده إليهم وما حصل له ولأصحابه من الفرج

ذكر قدوم أبي بصير على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورده إليهم وما حصل له ولأصحابه من الفرج روى عبد الرزاق والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي عن المسور بن مخرمة، والبيهقي عن ابن شهاب الزّهريّ [ (1) ] . إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما قدم المدينة من الحديبية أتاه أبو بصير عتبة- بضم العين المهملة- ابن أسيد- بوزن أمير- بن جارية- بجيم- الثقفي، حليف بني زهرة- مسلما قد أفلت من قومه- فسار على قدميه سعيا، فكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عبد عوف الزّهريّ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كتابا وبعثا خنيس- بمعجمة ونون وآخره مهملة- مصغّر- ابن جابر من بني عامر بن لؤيّ، استأجراه ببكر بن لبون، وحملاه على بعير، وكتبا يذكران الصّلح الذي بينهم، وأن يردّوا إليهم أبا بصير، فخرج العامريّ ومعه مولّى له يقال له كوثر دليلا، فقد ما بعد أبي بصير بثلاثة أيام فقرأ أبي بن كعب الكتاب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: قد عرفت ما شارطناك عليه، وأشهدنا بينك وبيننا من ردّ من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا. فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا بصير أن يرجع معهما، ودفعه إليهما فقال: يا رسول الله تردّني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فقال: «يا أبا بصير إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وأن الله- تعالى جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا» ، فقال: يا رسول الله تردّنّي إلى المشركين؟!! قال: «انطلق يا أبا بصير، فإنّ الله سيجعل لك فرجا ومخرجا» فخرج معهما، وجعل المسلمون يسرّون إلى أبي بصير: يا أبا بصير أبشر فإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا، والرّجل يكون خيرا من ألف رجل، فافعل وافعل: يأمرونه بقتل اللذين معه، وقال له عمر: أنت رجل، ومعك السيف، فانتهيا به عند صلاة الظهر بذي الحليفة، فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين، صلاة المسافر، ومعه زاد له من تمر يحمله، يأكل منه. ودعا العامري وصاحبه ليأكلا معه فقد ما سفرة فيها كسر فأكلوا جميعا وقد علّق العامريّ سيفه في الجدار وتحادثا. ولفظ عروة: فسلّ العامريّ سيفه ثمّ هزّه فقال: لأضربنّ بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوما إلى الليل. فقال له أبو بصير: أصارم سيفك هذا؟ قال: نعم، قال: ناولنيه أنظر إليه إن شئت، فناوله إيّاه، فلمّا قبض عليه ضربه به حتى برد. قال ابن عقبة: ويقال بل تناول أبو بصير السّيف بفيه وصاحبه نائم، فقطع إساره ثمّ ضربه به حتّى برد، وطلب الآخر فجمز مذعورا مستخفيا، وفي لفظ: وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة وهو عاضّ على أسفل ثوبه قد بدا طرف ذكره،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 329 في الشروط وأبو داود في الجهاد باب 167 وأحمد 4/ 331 والبيهقي في الدلائل 4/ 107 وفي السنن 9/ 221 وعبد الرزاق في المصنف (9720) وانظر البداية والنهاية 4/ 176.

والحصى يطير من تحت قدميه من شدّة عدوه، وأبو بصير في أثره، فأعجزه وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في أصحابه بعد العصر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «ويحك مالك» قال: قتل والله صاحبكم صاحبي وأفلت منه ولم أكد، وإني لمقتول. واستغاث برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمّنه، وأقبل أبو بصير فأناخ بعير العامريّ. ودخل متوشّحا سيفه. فقال: يا رسول الله قد وفت ذمّتك وأدّى الله عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ويل أمّه مسعر حرب [ (1) ] » وفي لفظ «محشّ حرب، لو كان معه رجال» وفي لفظ له أحد قال عروة ومحمد بن عمر: وقدّم سلب العامريّ لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليخمسه، فقال: «إني إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالّذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت» وفي الصحيح أن أبا بصير لما سمع قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ويل امّه مشعر حرب لو كان معه أحد» عرف أنّه سيرده، فخرج أبو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر، ولمّا بلغ سهيل بن عمرو قتل أبو بصير العامريّ اشتدّ عليه وقال: ما صالحنا محمدا على هذا. فقالت قريش: قد برئ محمد منه قد أمكن صاحبكم منه فقتله بالطريق، فما على محمد في هذا؟ فأسند سهيل ظهره إلى الكعبة وقال: والله لا أؤخّر ظهري حتّى يودى هذا الرجل، قال أبو سفيان بن حرب: إنّ هذا لهو السّفه، والله لا يودى ثلاثا- وأنّى قريش تديه وإنما بعثته بنو زهرة؟ فقال الأخنس بن شريق: والله ما نديه، ما قتلناه ولا أمرنا بقتله، قتله رجل مخالف فأرسلوا إلى محمد يديه. فقال أبو سفيان بن حرب: لا، ما على محمد دية ولا غرم قد برئ محمد. ما كان على محمد أكثر مما صنع، فلم تخرج له دية فأقام أبو بصير وأصحابه بسيف البحر، وقال ابن شهاب: بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش. قال محمد بن عمر: لما خرج أبو بصير لم يكن معه إلّا كفّ تمر فأكله ثلاثة أيام، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالسّاحل فأكلها، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكّة خبر أبي بصير، فتسللوا إليه. قال محمد بن عمر: كان عمر بن الخطاب هو الذي كتب إليهم بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بصير «ويل أمّه محش حرب لو كان له رجال» وأخبرهم أنه بالسّاحل، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي ردّه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين بالحديبية، فخرج هو وسبعون راكبا ممّن أسلموا فلحقوا بأبي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في

_ [ (1) ] مشعر حرب أي موقدها، انظر المعجم الوسيط 1/ 432.

هدنة المشركين، وكرهوا الثواء بين ظهراني قومهم، فنزلوا مع أبي بصير، ولمّا قدم أبو جندل على أبي بصير سلم له الأمر، لكونه قرشيا فكان أبو جندل يؤمّهم، واجتمع إلى أبي جندل- حين سمع بقدومه- ناس من بني غفار وأسلم وجهينة، وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل- كما عند البيهقي عن ابن شهاب- لا تمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا من فيها، وضيّقوا على قريش، فلا يظفرون بأحد منهم إلّا قتلوه. ومما قاله أبو جندل بن سهيل في تلك الأيام: أبلغ قريشا عن أبي جندل ... أنّا بذي المروة في السّاحل في معشر تخفق راياتهم ... بالبيض فيها والقنا الذّابل يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد إسلامهم الواصل أو يجعل الله لهم مخرجا ... والحقّ لا يغلب بالباطل فيسلم المرء بإسلامه ... ويقتل المرء ولم يأتل فأرسلت قريش إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم، وقالوا من خرج منّا إليك فأمسكه فهو لك حلال غير حرج أنت فيه. وقال: فإن هؤلاء الرّكب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره، فكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بصير وأبي جندل يأمرهما أن يقدما عليه، ويأمر من معهما ممّن اتّبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم فلا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش وعيراتها، فقدم كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على أبي بصير وهو يموت. فجعل يقرؤه، ومات وهو في يديه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا. وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم إلى أهليهم، وأمنت بعد ذلك عيرات قريش. قال عروة: فلمّا كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضيّة أنّ طاعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خير لهم فيما أحبّوا وفيما كرهوا من رأى من ظن أن له قوّة هي أفضل مما خص الله تعالى به رسوله من الفوز والكرامة- صلى الله عليه وسلّم- ولمّا دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام القضية وحلق رأسه قال: «هذا الذي وعدتكم» . ولمّا كان يوم الفتح أخذ المفتاح وقال: «ادعوا لي عمر بن الخطاب. فقال: «هذا الّذي قلت لكم» . ولما كان في حجة الوداع وقف بعرفة وقال: «أي عمر هذا الذي قلت لكم إني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والله ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية، وكان الناس قصر

ذكر ما أنزل الله سبحانه وتعالى في شأن غزوة الحديبية: قال الله سبحانه وتعالى"إنا فتحنا لك فتحا مبينا" 48: 1

رأيهم عمّا كان، وكان أبو بكر- رضي الله عنه- يقول: ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية، وكان النّاس قصر رأيهم عمّا كان بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين ربّه، والعباد يعجلون، والله- تعالى- لا يعجل لعجلة العبد حتى يبلغ الأمور ما أراد، لقد رأيت سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرّب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدنه ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينحرها بيده، ودعا الحلّاق فحلق رأسه فأنظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، وأذكر امتناعه أن يقرّ يوم الحديبية بأن يكتب: «بسم الله الرحمن الرّحيم» فحمدت الله- تعالى- الذي هداه للإسلام. ذكر ما أنزل الله سبحانه وتعالى في شأن غزوة الحديبية: قال الله سبحانه وتعالى «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» بيّنا وظاهرا، وهذا إخبار عن صلح الحديبية، وسمّاه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتّى سألوه الصّلح، وتسبب عنه فتح مكة، وفرغ به- صلى الله عليه وسلّم- لسائر العرب فغزاهم، وفتح مواضع. وروى البخاري عن أنس- رضي الله عنه- في الآية قال: الفتح صلح الحديبية [ (1) ] . وروى أيضا عن البراء رضي الله عنه- قال: تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكّة فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرّضوان يوم الحديبية. قال الحافظ رحمه الله يعني قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم: والتحقيق: أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات. فقوله- تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً المراد بالفتح هنا الحديبية، لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتّب على الصلح الذي وقع من الأمن ورفع الحرب وتمكّن من كان يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك، كما وقع لخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا، إلى أن كمل الفتح. قال الزهري: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال، فلمّا أمن الناس كلّهم، كلّم بعضهم بعضا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلّم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلّا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تينك السّنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.

_ [ (1) ] البخاري 8/ 447 (4834) .

قال ابن هشام: ويدل عليه أنه- صلى الله عليه وسلم- خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكّة في عشرة آلاف انتهى. وأما قوله- تعالى- في هذه السّورة: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً فالمراد به فتح خيبر على الصحيح، لأنها وقعت فيها المغانم الكثيرة، وقسمت خيبر على أهل الحديبية، وأما قوله- تعالى: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً فالمراد به الحديبية، وأما قوله- تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقوله- صلى الله عليه وسلم «لا هجرة بعد الفتح» [ (1) ] فالمراد به فتح مكّة باتّفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال بعون الله. وقال في موضع آخر: ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزّهري، أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجا» فكانت الهدنة معناها كذلك، ولمّا كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميّت فتحا، لأنّ الفتح في اللغة فتح مغلق، والصّلح كان مغلقا حتّى فتحه الله- تعالى. وكان من أسباب فتحه صدّ المسلمين عن البيت، فكان في الصورة الظاهرة ضيماً للمسلمين، وفي الصورة الباطنة عزاً لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القرآن وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وكانوا قبل لا يتكلمون عندهم بذلك إلّا خفية. وظهر من كان يخفى إسلامه، فذلّ المشركون من حيث أرادوا العزّة، وقهروا من حيث أرادوا الغلبة، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ اللام للعلة الغائيّة، جعل الغفران علة للفتح من حيث إنه سبب عن جهاد الكفّار والسّعي في إعلاء الدين، وإزاحة الشّرك وتكميل النّفوس النّاقصة قهرا، ليصير ذلك بالتّدريج اختيارا، وتخليص الضّعفة من أيدي الظّلمة، وتقدم الكلام على هذه الآية في أواخر تنبيهات المعراج، ويأتي له تتمة في الخصائص وَيُتِمَّ بالفتح المذكور نِعْمَتَهُ إنعامه بإِعلاء الدين وضم الملك إِلى النُّبُوّة عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ في تبليغ الرسالة وإقامة مراسيم الديانة صِراطاً طريقا مُسْتَقِيماً يثبّتك عليه، وهو دين الإسلام وَيَنْصُرَكَ الله به نَصْراً عَزِيزاً ذا عز لا ذلّ معه هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الثّبات والطّمأنينة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ حتى يثبتوا، حتى لا تقلق النفوس وتدحض الأقدام لِيَزْدادُوا إِيماناً يقيناً مَعَ إِيمانِهِمْ يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها، أو أنزل فيه السّكون إلى ما جاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم لِيَزْدادُوا إِيماناً بالشرائع مَعَ إِيمانِهِمْ بالله واليوم الآخر وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فلو أراد نصرَ دينه بغيركم لفعل وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بخلقه حَكِيماً في صنعه، أي لم يزل متّصفاً بذلك، ثم ذكر- تعالى- القصة في

_ [ (1) ] أخرجه من حديث ابن عباس البخاري 6/ 3 (2783) ومسلم 2/ 986 (445/ 1353) .

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي أصحابه حتى انتهى إلي ذكر البيعة فقال عز وجل إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ بيعة الرضوان بالحديبية إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أي ما يبايعون أحدا إلّا الله، أي ليست تلك المبايعة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بل مع الله- تعالى- وكما روعيت المشاكلة بين قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ وبين قوله إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ بنى عليها قوله يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ على سبيل الاستعارة التخييلية تتميما لمعنى المشاكلة، وهو كالترشيح للاستعارة، أي إذا كان اللَّه- تعالى- مبايعا، ولا بدّ للمبايع- كما تقرّر واشتهر- من الصّفقة لليد فتخيّل اليد لتأكيد المشاكلة، وإلّا، فجلّ جنابه الأقدس عن الجارحة، والمعنى أن الله تعالى- مطّلع على مبايعتهم فيجازيهم عليها فَمَنْ نَكَثَ نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ يرجع وبال نقضه على نفسه وَمَنْ أَوْفى ثبت بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ في مبايعته فَسَنُؤْتِيه بالفوقية والنون أَجْراً عَظِيماً وهو الجنة، ثم ذكر تعالى ما المنافقون يعتلّون به إذا لقوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال تبارك وتعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ من الأَعراب حول المدينة، الذين خلّفهم الله- تعالى- عن صحبتك لمّا طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة، خوفا من تعرّض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا عن الخروج معك فَاسْتَغْفِرْ لَنا اللَّه- تعالى- من ترك الخروج معك، قال سبحانه وتعالى مكذبا لهم يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ أي من طلب الاستغفار والاعتذار ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ فهم كاذبون في اعتذارهم قُلْ فَمَنْ استفهام بمعنى النّفي، أي لا أحد يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا بفتح الضّاد- ما يضركم كقتل، وخلل في المال والأهل وعقوبة عن التخلف- وبضمها- أي [الهزال وسوء الحال] أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ما يضاد ذلك، لأنهم ظنّوا أنّ تخلفهم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدفع عنهم الضّرر، ويعجّل لهم النّفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم تبارك وتعالى أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه بَلْ هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً أي ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون، وَزُيِّنَ ذلِكَ عدم الانقلاب فِي قُلُوبِكُمْ فتمكنّ فيها وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ هذا وغيره وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً بواو وراء جمع بائر أي هالكين عند الله- تعالى- بهذا الظّن وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا أعددنا وهيّئنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً نارا شديدة وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يديره كيف يشاء يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ إذ لا وجوب عليه وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ولم يزل متّصفا بذلك، ثم ذكر إن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إذا انطلقوا إلى مغانم ليأخذوها التمس المخلّفون الخروج لعرض من الدنيا، فقال تبارك وتعالى سَيَقُولُ لك الْمُخَلَّفُونَ المذكورون إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ

لِتَأْخُذُوها هي مغانم خيبر، فإنه- صلى الله عليه وسلم- لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة مدة ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها، وغنم أموالا كثيرة فخصّها بهم ذَرُونا اتركونا نَتَّبِعْكُمْ لنأخذ منها يُرِيدُونَ بذلك أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ وقرأ حمزة والكسائيّ بكسر الكاف، وهو جمع كلام- أي مواعيده بغنائم خيبر أهل الحديبية خاصة قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا نفي بمعنى النهي كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أي من قبل عودنا فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نصيب معكم من الغنائم فقلتم ذلك بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ يعلمون من الدين إِلَّا قَلِيلًا منهم قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ المذكورين اختيارا سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ أصحاب شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ حال مقدّرة- هي المدعو إليها في المعنى أَوْ هم يُسْلِمُونَ فلا يقاتلون فَإِنْ تُطِيعُوا إلى قتالهم يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً هو الغنيمة في الدنيا، والجنة في الآخرة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ عن الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً مؤلما لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ إثم في ترك الجهاد وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ بالياء والنون جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فصّل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ثم جمل ذلك بالتكرار على سبيل التّعميم فقال: وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ كذلك عَذاباً أَلِيماً إِذ الترهيب هنا أنفع من التّرغيب. ثم ذكر- تعالى- من بايع تحت الشجرة فقال عز وجل لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ بالحديبية تَحْتَ الشَّجَرَةِ هي سمرة كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة، أو سدرة كما رواه مسلم عن جابر فَعَلِمَ اللَّه تعالى ما فِي قُلُوبِهِمْ من الصدق والوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع عَلَيْهِمْ ثم ذكر ما أثابهم عن ذلك فقال: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها من يهود خيبر، وكانت خيبر ذات عقار وأموال، فقسّمها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينهم وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً غالبا حَكِيماً أي لم يزل متّصفا بذلك وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها من الفتوحات التي تفتح لكم إلى يوم القيامة فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ غنيمة خيبر، ثمّ ذكّرهم نعمته عليهم بكفّ أيدي العدوّ عنهم فقال تعالى: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ في عيالكم لمّا خرجتم وهمّت بهم اليهود، فقذف الله- عز وجل- في قلوبهم الرّعب، وقيل: كفّ أيدي أهل مكّة بالصلح وَلِتَكُونَ هذه الكفّة أو الغنيمة المعجلة- عطفا على مقدّر أي لتشكروه آيَةً علامة لِلْمُؤْمِنِينَ يعرفون بها أنهم من الله- تعالى- بمكان، أو صدق رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في وعدهم فتح خيبر حين رجوعه من الحديبية وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً أي طريق التّوكل عليه، وتفويض الأمر إليه- تعالى- وَأُخْرى صفة مغانم،

فيقدّر مبتدأ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها بعد، لما كان فيها من الجولة، والمراد: فارس والرّوم قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها علم إنها ستكون لكم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً لأن قدرته دائمة لا تختصّ بشيء دون شيء وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالحديبية ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ لانهزموا ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَلا نَصِيراً ينصرهم سُنَّةَ اللَّهِ مصدر مؤكَّد بمضمون الجملة قبله من هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين، أي سنّ الله- تعالى- ذلك سنّة الَّتِي قَدْ خَلَتْ مضت في الأمم كما قال- تعالى- لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة 21] مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا تغييرا منه وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي كفار مكة وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ بالحديبية مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ فإن ثمانين طافوا بعسكركم ليصيبوا منكم غرّة فأخذوا، فأتى بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعفا عنهم، وخلّى سبيلهم، فكان ذلك سبب الصّلح وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من مقاتلتهم، وقرأ أبو عمرو بالتحتية بَصِيراً فيجازيهم عليه هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عن الوصول إليه وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً عليكم، معكوفا: محبوسا، حال أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ موجودون بمكة مع الكفار لَمْ تَعْلَمُوهُمْ بصفة الإيمان أَنْ تَطَؤُهُمْ تقتلوهم مع الكفار لو أذن لكم في الفتح، بدل اشتمال فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ من جهتهم مَعَرَّةٌ مكروه، بوجوب الدّية، أو الكفارة بقتلهم، أو التأسف عليهم، أو غير ذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ منكم به، وضمائر الغيبة به للصنفين بتغليب الذكور، وجواب لولا محذوف أي لأذن لكم في الفتح لكن لم يؤذن فيه حينئذ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ كالمؤمنين المذكورين لَوْ تَزَيَّلُوا تميزوا عن الكفار لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من أهل مكة حينئذ بأن نأذن لكم في فتحها عَذاباً أَلِيماً مؤلماً إِذْ جَعَلَ متعلق بِعذَّبنا الَّذِينَ كَفَرُوا فاعل فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ الأنفة من الشيء حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من حميّة، وهي صدّهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عن المسجد الحرام فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فصالحوهم، على أن هذا يعود من قابل، ولم يلحقهم من الحميّة ما لحق الكفّار حتّى يقاتلوهم وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأضيفت إلى التقوى لأنها سببها وَكانُوا أَحَقَّ بِها من الكفار وَأَهْلَها عطف تفسير وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أي لم يزل متّصفا بذلك، ومن معلومه تعالى أن المؤمنين أهلها لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في النوم عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، فلّما خرجوا معه وصدّهم الكفّار بالحديبية ورجعوا، وشقّ عليهم ذلك، وراب بعض المنافقين

تنبيهات

نزلت، وقوله تعالى: بِالْحَقِّ متعلق بصدق، أو حال من الرّؤيا، وما بعدها تفسير لها لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ أي جميع شعورها وَمُقَصِّرِينَ شعورها، وهما حالان مقدرتان لا تَخافُونَ حال مؤكدة أو استئناف: أي لا تخافون بعد ذلك فَعَلِمَ في الصلح ما لَمْ تَعْلَمُوا من الصلاح فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي الدخول فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر، وتحقّقت الرّؤيا في العام القابل، ويأتي الكلام على تفسير بقيّة السّورة في الخصائص أن شاء الله تعالى. تنبيهات الأول: الحديبية: بحاء مهملة مضمومة، فدال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة. قال الإمام الشافعي- رحمه الله- وأهل اللغة وبعض أهل الحديث- رحمهم الله- التّحتيّة مخففة. وقال أكثر أهل الحديث مشددة. قال النووي- رحمه الله- فهما وجهان مشهوران. وقال في المطالع: ضبطنا التخفيف عن المتقنين وأما عامة الفقهاء والمحدّثين فيشدّدونها. وقال البكري- رحمه الله- أهل العراق يشدّدون، وأهل الحجاز يخففون. وقال النحّاس- رحمه الله- سألت كلّ من لقيت ممّن أثق بعلمه عن «الحديبية» فلم يختلفوا عن قراءتها مخففة. قال أحمد بن يحيى [ (1) ]- رحمه الله- لا يجوز فيها غيره، ونصّ في البارع على التخفيف. وحكى التّشديد ابن سيده- رحمه الله- في المحكم، قال في تهذيب المطالع: ولم أره لغيره، وأشار بعضهم إلى أنّ التثقيل لم يسمع حتى يصح، ووجهه أن التّثقيل إنما يكون في المنسوب، نحو الإسكندريّة فإنها منسوبة إلى الإسكندر وأمّا الحديبية فلا تعقل فيها النّسبة، وياء النسبة في غير منسوب قليلة، ومع قلته موقوف على السماع. والقياس أن يكون أصلها حدباء بزيادة «ألف للإلحاق ببنات الأربعة، فلما صغرت انقلبت الألف ياء» ، وقيل: حديبة، وشهد لصحة هذا أقوالهم لييلة بالتّصغير، ولم يرد لها مكبّر فقدّره الأئمة ليلة لأن المصغّر فرع المكبّر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله. قال المحب الطبري- رحمه الله-: هي قريبة من مكة أكثرها في الحرم. وفي صحيح البخاري عن البراء «الحديبية» بئر. قال الحافظ- رحمه الله- يشير إلى أنّ

_ [ (1) ] أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس، المعروف بثعلب: إمام الكوفيين في النحو واللغة. كان راوية للشعر، محدثا، مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، ثقة حجة. ولد ومات في بغداد. وأصيب في أواخر أيامه بصمم فصدمته فرس فسقط في هوة، فتوفي على الأثر سنة 291 هـ من كتبه «الفصيح و «قواعد الشعر» و «شرح ديوان زهير» ، انظر الأعلام 1/ 267.

المكان المعروف بالحديبية سمي ببئر كانت هنالك، هذا اسمها، ثم عرف المكان كلّه بذلك، وبينها وبين مكة نحو مرحلة واحدة، وبين المدينة تسع مراحل الثاني: قالوا: كانت سنة ست، قاله الجمهور، في ذي القعدة، وقال هشام ابن عروة عن أبيه- رحمهما الله- في شوال، وشذّ بذلك هشام عن الجمهور. وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور. وفي البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلّا في ذي القعدة، وفيه عن أنس- رضي الله عنه- اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة، فذكر منها عمرة الحديبية [ (1) ] . الثالث: اختلفت الروايات في عدّة من كان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيها، ففي رواية عبد العزيز الأفاقي عن الزّهري في حديث المسور، ومروان: ألف وثمانمائة. وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء: كنّا أربع عشرة مائة. وفي رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر. وفي رواية لسالم بن أبي الجعد عن جابر: أنّهم كانوا خمس عشرة مائة، وكذلك رواية سعيد بن المسيّب عنه، وكذلك رواية ابن أبي شيبة عن مجمع بن جارية. قال الحافظ- رحمه الله- والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألف وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه. ويؤيده قول البراء في رواية عنه: كنّا ألفا وأربعمائة أو أكثر، واعتمد على هذا الجمع النووي- رحمه الله. وأما البيهقي- رحمه الله- فمال إلى التّرجيح، وقال: إن رواية من قال ألفا وأربعمائة أرجح، ثم روى من طريق أبي الزبير ومن طريق سفيان بن عمر بن دينار، كلاهما عن جابر كذلك. ومن رواية معقل بن يسار عن سلمة بن الأكوع، والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ومعظم هذه الطرق عن مسلم. ووقع عند ابن سعد- رحمه الله- في حديث معقل بن يسار: زهاء ألف وأربعمائة، وهو أيضا في عدم التحديد. وأما قول عبد الله بن أبي أوفى- رحمه الله-: كنّا ألفا وثلاثمائة كما رواه البخاري، فيمكن حمله على ما أطلع عليه، واطلع غيره على زيادة أناس لم يطّلع هو عليهم، والزيادة من الثّقة مقبولة. أو العدد الّذى ذكره عدد المقاتلة. والزّيادة عليها من الأتباع ومن الخدم والنّساء والصّبيان الّذين لم يبلغوا الحلم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 439 (4148) ومسلم 2/ 916 (217/ 1253) وسيأتي في هديه- صلّى الله عليه وسلم- في الحج.

وأمّا قول ابن إسحاق- رحمه الله- إنّهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه أحد عليه، لأنه قاله استنباطا من قول جابر- رضي الله عنه-: نحرنا البدنة عن عشرة، وكانوا نحروا سبعين بدنة. وهذا لا يدل على أنّهم لم ينحروا غير البدن، مع أنّ بعضهم لم يكن أحرم أصلا. وقال ابن القيم: ما ذكره ابن إسحاق غلط بيّن، واستدلّ به من أنّهم نحروا سبعين بدنة، والبدنة جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، وهذا لا يدل على ما قاله فإنّه قد صرّح أن البدنة في هذه العمرة عن سبعة، فلو كانت السّبعون عن جميعهم كانوا أربعمائة وتسعين رجلا، وقد قال في تمام الحديث بعينه: إنّهم كانوا ألفا وأربعمائة. وأما ما وقع في حديث المسور ومروان عن البخاري أنهم خرجوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بأنّ الّذين بايعوا كانوا كما تقدم. وأما الّذين زادوا على ذلك فكانوا غائبين عنها، كمن توجّه مع عثمان- رضي الله عنه- إلى مكة، على أنّ لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع، فلا تخالف. وجزم ابن عقبة بأنّهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة. وحكى ابن سعد: أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. وهذا إن ثبت تحرير بالغ. وزاد ابن مردويه عن ابن عبّاس، وفيه ردّ على ابن دحية، حيث زعم أنّ سبب الاختلاف في عددهم، أنّ الّذي ذكر عددهم لم يقصد التّحديد، وإنما ذكره بالحدس والتّخمين. الرابع: في أخذه- صلى الله عليه وسلّم- ذات اليمين عن خالد وجيشه، جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرّتهم. الخامس: في استشارته- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه، استحباب مشورة الإمام رعيّته وجيشه استخراجا لوجه الرأي، واستطابة لنفوسهم، وأن يخصّص به بعضهم دون البعض. السادس: في قوله- صلى الله عليه وسلم-: ما خلأت وما ذاك لها بخلق، جواز الحكم على الشّيء بما عرف من عادته، وإن جاز أن يطرأ عليه، وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد مثلها منه لا تنسب إليه ويردّ على من نسبه إليها ممّن، لا يعرف صورة حاله، لأن خلأ القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنّه الصّحابة جميعا صحيحا، ولم يعاتبهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- بعذرهم في ظنّهم. السابع: قوله- صلى الله عليه وسلّم- حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها، وقصة الفيل مشهورة، وتقدّمت الإشارة إليها. ومناسبة ذكرها أن الصّحابة لو دخلوا مكّة على تلك الصّورة وصدّتهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدّماء ونهب الأموال، كما لو قدّر دخول الفيل وأصحابه مكة، لكن سبق في علم

الله- تعالى- في الموضعين أنّه سيدخل في الإسلام خلق منهم، وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون. وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، فلو طرق الصحابة مكّة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إلى ذلك تبارك وتعالى- في قوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ [الفتح 25] الآية. الثامن: استبعد المهلب جواز إطلاق حابس الفيل على الله عز وجل، وقال: المراد حبسها أمر الله سبحانه وتعالى. وتعقّب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله- تعالى- فيقال: حبسها الله حابس الفيل، وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته- تعالى- حابس الفيل ونحوه، كما أجاب به بن المنير، وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفيّة. وقد توسّط الغزاليّ وطائفة فقالوا: محلّ المنع ما لم يرد نص بما يشتقّ منه بشرط ألّا يكون ذلك الاسم المشتقّ منه مشعرا بنقص، فيجوز تسميته بالواقي وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ [غافر 9] ولا يجوز تسميته البنّاء وإن ورد في قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات 47] التاسع: في قوله- صلى الله عليه وسلم-: «حبسها حابس الفيل» جواز التّشبيه من الجهة العامّة، وإن اختلفت الجهة الخاصّة، لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض، وأصحاب هذه النّاقة كانوا على حقّ محض، ولكن جاز التّشبيه من جهة أراده الله- تعالى- منع الحرم مطلقا، أما من أهل الباطل فواضح، وأمّا من أهل الحقّ فللمعنى الذي تقدم ذكره في الرابع. العاشر: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطّة.. . إلى آخره» . قال السهيلي رحمه الله: لم يقع في شيء من طرق الحديث، أنه قال إن شاء الله- تعالى- مع أنّه مأمور في ذلك في كلّ حال. قال: والجواب عن ذلك إنه كان أمرا واجبا حتما، فلا يحتاج معه للاستثناء، وتعقب بأنّه- تعالى- قال في هذه القصّة لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ فقال: إن شاء الله، مع تحقيق وقوع ذلك تعليما وإرشادا، فالأولى أن يحمل على أنّ الاستثناء سقط من الراوي، أو كانت القصّة قبل نزول الأمر بذلك، ولا يعارضه كون الكهف مكّية، إذ لا مانع من أن يتأخّر نزول بعض السّورة، وفي قوله- صلّى الله عليه وسلم- «والذي نفسي بيده» إلخ تأكيد القول باليمين ليكون أدعى إلى القبول. وقد حفظ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الحلف في أكثر من ثمانين موضعا، كما سيأتي بسط ذلك في بابه. الحادي عشر: في حديث البراء في شفير بئر الحديبية أنه- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ فمضمض

ودعا ثم صبّه فيها، وفي حديث المسور، ومروان إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- انتزع سهما من كنانته ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيها، ويمكن الجمع بأن الأمرين وقعا معا، ويؤيّد ذلك ما رواه محمد بن عمر من طريق أوس بن خولي أنه- صلى الله عليه وسلّم- توضأ في الدّلو ثمّ أفرغه فيها وانتزع السّهم ثمّ وضعه فيها، وهكذا ذكر أبو الأسود عن عروة أنه- صلى الله عليه وسلّم- تمضمض في الدّلو وصبّه في البئر، ونزع سهما من كنانته فألقاه فيها ففارت. الثاني عشر: اختلف في النّازل بالسّهم، فعند ابن إسحاق عن رجال مِن أسلم: أنّه ناجية بن جندب. قال ابن إسحاق: وزعم بعض أهل العلم أنّه البراء بن عازب. وروى محمد بن عمر عن خالد بن عبادة الغفاريّ قال: أنا الذي نزلت بالسّهم، ويمكن الجمع بأنّهم تعاونوا على ذلك. الثالث عشر: في حديث جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه بالحديبية ركوة فتوضّأ فيها ثمّ أقبل النّاس نحوه فقال «ما لكم؟ فقالوا: يا رسول الله: ليس عندنا ما نتوضّأ ولا نشرب إلا ما في ركوتك. قال: فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يده في الرّكوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضّأنا. وجمع ابن حبّان بين حديث جابر هذا وبين ما تقدم بأنّ ذلك وقع مرّتين في وقتين، وقال ما تقدم في حديث البراء والمسور ومروان غير ما في حديث جابر، وكان حديثه قبل قصّة البئر، وقال في موضع آخر في حديث جابر في الأشربة من كتاب البخاريّ أنّ نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك، ويحتمل أن الماء انفجر من أصابعه ويده في الرّكوة وتوضّأ كلهّم وشربوا، وأمر حينئذ بصب الماء الّذي في الرّكوة في البئر فتكاثر الماء فيها. الرابع عشر: اقتصر بديل بن ورقاء على قوله: تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤيّ، لكون قريش الذين كانوا بمكّة أجمع ترجع أنسابهم إليهما، وبقي من قريش بنو سامة بن لؤي، ولم يكن بمكّة منهم أحد، وكذلك قريش الظّواهر، وتقدّم بيانهم في من اسمه القريشي. قال هشام بن الكلبي: بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شكّ فيهما، بخلاف سامة وعوف، أي ففيهما خلاف، قال: وهم قريش البطاح، بخلاف قريش الظّواهر وفي موالاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم. الخامس عشر: قوله- صلى الله عليه وسلم- «إن أظهر فإن شاءوا» إلخ إنّما ردّد- صلى الله عليه وسلّم- الأمر مع أنّه جازم بأنّ الله سينصره ويظهره، لوعده- تعالى- له بذلك على طريق التّنزّل مع الخصم وفرض الأمر على ما زعم الخصم، ولهذه النكتة حذف القسم الأوّل وهو التّصريح بظهور غيره، وقوله

- صلّى الله عليه وسلم- بعد ذلك «ولينفذنّ الله أمره» - بضم أوله وكسر الفاء، أي ليمضينّ الله- تعالى- أمره في نصر دينه، وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التّرديد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض، ووقع التصريح بذكر القسم الأول في رواية ابن إسحاق كما في القصة، فالظّاهر أنّ الحذف وقع من بعض الرواة. السادس عشر: قول عروة لقريش ألستم بالوالد وأ لست بالولد هو الصّواب، ووقع لبعض رواة الصّحيح عكس ذلك، وزعم أن كل واحد منكم كالولد، وقيل: معناه أنتم حي قد ولدني، لكون أمّي منكم، وهذا هو الصحيح، لأنه كان لسبيعة بنت عبد شمس. السابع عشر: في قيام المغيرة على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالسّيف، جواز القيام على رأس الأمين له بقصد الحراسة، ونحوها من ترهيب العدوّ ولا يعارضه النّهي عن القيام على رأس الجالس، لأن محلّه إذا كان على وجه العظمة والكبر. الثامن عشر: كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة، وفي الغالب إنّما يفعل ذلك النظير، بالنظير لكن كان الرسول- صلى الله عليه وسلّم- يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا له، والمغيرة يمنعه إجلالا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتعظيما. التاسع عشر: في تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ذكره يعد إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه عروة من فرارهم، وكأنّهم قالوا بلسان حالهم: من يحبّ إمامه هذه المحبّة ويعظّمه هذا التّعظيم كيف يظنّ به أنّه يفرّ عنه ويسلمه لعدوّه بل هم أشدّ اغتباطا به وبدينه ونصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضا بمجرد الرحم. العشرون: استشكل قوله- صلى الله عليه وسلم- في مكرز هذا رجل فاجر أو غادر مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر، بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سبق في القصّة، وفي إجازته أبا جندل لأجل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا امتنع سهيل بن عمرو- رضي الله عنه- قبل إسلامه، وأجيب: قال محمد بن عمر في مغازيه في غزوة «بدر» أن عتبة بن ربيعة قال لقريش: كيف نخرج من مكة وبنو كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا؟ قال: وذلك أنّ حفص بن الأخيف- بخاء معجمة فتحتية وبالفاء- والد مكرز كان له ولد وضيء فقتله رجل من بني بكر ابن عبد مناة بدم لهم، كان في قريش، فتكلّمت قريش في ذلك، ثم اصطلحوا، فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد، سيّد بني بكر غرّة فقتله، فنفرت من ذلك كنانة، فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك، وكان مكرز معروفا بالغدر وتقدّم في القصة أنه أراد أن يبيّت للمسلمين بالحديبية، فكأنه- صلّى الله عليه وسلم- أشار إلى هذا. الحادي والعشرون: في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه: إنه أول من بايع.

وروى الطبراني وغيره كما في القصّة عن الشّعبي [ورواه] ابن منده عن ذر بن حبيش- رحمهما الله- إن أول من بايع أبو سنان الأسدي، والجمع [ممكن] بينهما. الثاني والعشرون: في حديث سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنهم بايعوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الموت، وفي حديث جابر وغيره: على أنّهم لا يفرّوا، وقال الحافظ: لا تنافي بينهما، لأن المراد بالمبايعة على الموت ألّا يفرّوا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بدّ، وهو الّذي أنكره نافع وعدل إلى قولهم، بل بايعهم على النّصر، أي على الثّبات، وعدم الفرار، سواء أفضى ذلك إلى الموت أم لا. وقال في موضع آخر: من أطلق أن بيعته كانت على الموت أراد لازمها لأنّه إذا بايع على ألّا يفرّوا لزم من ذلك أن يثبت، والّذي يثبت إمّا أن يغلب وإمّا أن يؤسر، والذي يؤسر إمّا أن ينجو وإما أن يموت، ولمّا كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الرّاوي، وحاصله أنّ أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تؤول إليه. الثالث والعشرون: من الصحابة رضي الله عنهم من بايع مرّتين، وهو عبد الله بن عمر، وقد اختلف في سبب مبايعته قبل أبيه رضي الله عنهما، كما تقدم في القصة عن نافع عنه. وجمع بأنه بعثه يحضر الفرس ورأى الناس مجتمعين فقال أنظر ما شأنهم فغدا يكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجّه إلى الفرس فأحضرها، وأعاد حينئذ الجواب على أبيه فخرج وخرج معه فبايع عمر وبايع ابن عمر مرة أخرى. الرابع والعشرون: من الصحابة رضي الله عنهم من بايع ثلاث مرات، وهو سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه- طلب ذلك منه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مع علمه بأنه بايع قبل. قال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلّم أن يؤكّد بيعته لسلمة لعلمه بشجاعته وغنائه في الإسلام وشهرته بالثبات، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون سلمة لما بدر إلى المبايعة ثم قعد قريبا، واستمرّ الناس يبايعون إلى أن خفوا، أراد صلى الله عليه وسلّم منه أن يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلّل، لأن العادة في مبدإ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى، فإذا تناهى قد يقع بين من سيجيء آخرا تخلّل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكره، والواقع أن الذي أشار إليه المهلب من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد» لأنه إنّما وقع منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد كما سيأتي، حيث استعاد الصرح الّذي كان المشركون أغاروا عليه، فاستلب ثيابهم، وكان آخر أمره أن أسهم له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سهم الفارس والرّاجل.

فالأولى أن يقال تفرّس فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذلك فبايعه مرتين، وأشار إلى أنه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك. قلت: ولم يستحضر الحافظ ما وقع عند مسلم: أنه- صلى الله عليه وسلم- بايعه ثلاث مرّات، ولو استحضره لوجّهه. الخامس والعشرون: الحكمة في قطع عمر الشّجرة في إخفاء مكانها أنه لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن من تعظيم الجهّال لها حتّى ربّما أفضى بهم أنّ لها قوّة نفع وضرّ كما نراه الآن شاهدا فيما دونها، وإلى ذلك أشار عمر بقوله: «كانت رحمة من الله» ، أي كان إخفاؤها بعد ذلك رحمة من الله تعالى، ويحتمل أن يكون معنى قوله «رحمة من الله» أي كانت الشجرة موضع رحمته ومحل رضوانه لانزاله الرضى على المؤمنين عندها. وقول المسيّب والد سعيد أنسيناها، وفي لفظ نسيناها، أي نسينا موضعها بدليل قوله: فلم نقدر عليها. وفي رواية عند الإسماعيلي فعمى علينا مكانها. وقول المسيّب وابن عمر: أنهما لم يعلما مكانها، لا يدل على عدم معرفتها أصلا، فقد قال جابر كما في الصحيح: لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة، فهذا يدل على أنّه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها، ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها، قبل أن يقطعها عمر- رضي الله عنه. السادس والعشرون: جزم ابن إسحاق وابن سعد والجمهور بأن مدّة الصّلح عشر سنين، ورواه الحاكم عن علي- رضي الله عنه- ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنّها كانت سنتين، وكذا وقع عند ابن عقبة، ويجمع بأنّ الذي قاله ابن إسحاق هي المدة الّتي وقع الصّلح فيها حتّى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح. وأما ما وقع في كامل ابن عديّ ومستدرك الحاكم، والأوسط للطّبراني من حديث ابن عمر أنّ مدّة الصّلح كانت أربع سنين، فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصّحيح. السابع والعشرون: الذي كتب كتاب الصّلح بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين سهيل، علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- كما رواه البخاري في كتاب الصلح عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما-، وعمر بن شبه من حديث سلمة بن الأكوع، وإسحاق بن راهويه عن الزّهيري. وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه قال: الكتاب عندنا كتبه محمد بن مسلمة، ويجمع بأن أصل كتاب الصلح، بخطّ علي- رضي الله عنه- كما في الصحيح، ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو، وقال الحافظ: ومن الأوهام ما ذكره

عمر بن شبة بعد أن روى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين وقريش علي بن أبي طالب من طرق، ثمّ روى من طريق آخر أنّ اسم الكاتب محمد بن مسلمة، ثم قال: حدثنا يزيد بن عائشة يزيد بن عبيد الله بن محمد التيمي قال: كان اسم هشام بن عكرمة بغيضا، وهو الذي كتب الصحيفة فشلّت يده فسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هشاما. قال الحافظ: وهو غلط فاحش، فإنّ الصّحيفة الّتي كتبها هشام بن عكرمة هي التي اتّفقت عليها قريش لما حصروا بني هاشم وبني عبد المطلب في الشّعب، وذلك بمكة قبل الهجرة- أي كما سبق، فتوهّم عمر بن شبة أن المراد بالصحيفة كتاب القصة التي وقعت بالحديبية، وليست كذلك، بل بينهما نحو عشر سنين. الثامن والعشرون: وقع في بعض طرق حديث البراء بعد أن ذكر امتناع علي- رضي الله عنه- من محو «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم» فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» إلى آخره، وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى. التاسع والعشرون: امتناع علي- رضي الله عنه- من محو لفظ «رسول الله صلى الله عليه وسلم» من باب الأدب المستحبّ، لأنّه لم يفهم من النبي- صلى الله عليه وسلم- تحتيم محو عليّ بنفسه، ولهذا لم ينكر عليه، ولو تحتّم محوه بنفسه لم يجز لعلىّ تركه، ولما أقرّه النبي- صلى الله عليه وسلم- على المخالفة. وفي قوله- صلّى الله عليه وسلم- «فإن لك مثلها- تعظيما- وأنت مضطهد» : أي مقهور، معجزة ظاهرة لما وقع لعلي- رضي الله عنه- في التحكيم كما سيأتي في ترجمته. الثلاثون: قال الخطابي- رحمه الله- تعالى: تأوّل العلماء ما وقع في قصّة أبي جندل على وجهين. أحدهما: أن الله- تعالى- قد أباح «التّقيّة» إذا خاف الهلاك، ورخصّ له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن [كان] يمكنه التورية، فلم يكن ردّه إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السّبيل إلى الخلاص من الموت بالتّقيّة. والوجه الثاني: أنّه إنما ردّه إلى أبيه، والغالب أنّ أباه لا يبلغ به الهلاك، وإن عذّبه أو سجنه فله مندوحة بالتّقية أيضا، وأمّا ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله- تعالى- يبتلي به صبر عباده المؤمنين. الحادي والثلاثون: اختلف العلماء رحمهم الله، هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا؟ فقيل: نعم، على ما دلت عليه قصّة أبي جندل وأبي بصير. وقيل: لا. وإن الذي وقع في القصّة: منسوخ، وإن ناسخه «أنا

بريء من مسلم بين المشركين» وهو قول الحنفية، وعند الشّافعية ضابط جواز الرّد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب الثاني والثلاثون: قال النووي- رحمه الله- وافق النبي- صلى الله عليه وسلم- في ردّ من جاء من المشركين في ترك كتابته بسم الله الرحمن الرحيم وكتب باسمك اللهم، وفي ترك كتابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي ردّ من جاء منهم إلى المسلمين دون من جاء من المسلمين إليهم وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، أما البسملة وباسمك اللهم فمعناها واحد، وكذلك قوله: «محمد بن عبد الله» هو أيضا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس في ترك وصف الله تعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفى ذلك ولا في ترك وصفه- صلى الله عليه وسلّم- هنا بالرسالة لا ينفيها، ولا مفسدة فيما طلبوه، وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتبوا ما لا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك، وإنما شرط ردّ من جاءنا منهم ومنع من ذهب إليهم فقد بين النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الحكمة فيه بقوله: «من ذهب منّا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا» . ثم كان كما قال- صلى الله عليه وسلم- فجعل الله للذين جاءونا منهم وردّهم إليهم فرجا ومخرجا. ثم كان كما قال- صلى الله عليه وسلم. الثالث والثلاثون: في إتيان عمر أبا بكر رضي الله عنهما وإجابة أبي بكر لعمر بمثل ما أجاب به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دلالة على أنه أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأعلمهم بأمور الدّين وأشدهم موافقة لأمر الله- تعالى- وسبق في باب إرادة الصّديق الهجرة قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وردّ ابن الدغنة له، وقوله لقريش، إن مثله لا يخرج، ووصفه بنظير ما وصفت به خديجة- رضي الله عنها- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كونه يصل الرّحم ويحمل الكلّ ويعين على نوائب الحق وغير ذلك. فلما كانت صفاتهما متشابهة من الابتداء، استمر ذلك إلى الانتهاء، ولم يذكر عمر أنّه راجع أحدا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غير أبي بكر، وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده. الرابع والثلاثون: قول عمر- رضي الله عنه- فعملت لذلك أعمالا، قال بعض الشراح- رحمهم الله: أي من الذّهاب والمجيء والسؤال والجواب، لم يكن ذلك شكّا من عمر، بل طلبا من كشف ما خفي عليه، وحثا على إذلال الكفّار، لما عرف من قوّته في نصرة الدّين. انتهى. قال الحافظ: وتفسير الأعمال بما ذكر مردود، بل المراد الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التّوقّف في الامتثال ابتداء. وقد ورد عن عمر التّصريح بمراده بقوله: «أعمالا

لأتقى» ، ورواية ابن إسحاق: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به. وعند الواقدي من حديث ابن عباس: قال عمر: لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا، وأما قوله: ولم يكن شكّ، فإن أراد نفي الشّكّ فواضح، وقد وقع في رواية ابن إسحاق أن أبا بكر لما قال له الزم غرزه فإنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال عمر: أنا أشهد أنه رسول الله، وإن أراد نفي الشك في وجود المصلحة وعدمها فمردود، وقد قال السهيلي- رحمه الله- هذا الشّكّ ما لا يستمر صاحبه عليه، وإنما هو من باب الوسوسة، كذا قال الحافظ. والذي يظهر أنه توقّف معه ليقف على الحكمة في القصّة، وتنكشف عنه الشبهة، ونظيره قصته في الصلاة على عبد الله بن أبيّ، وإن كان في الأول لم يطابق اجتهاده الحكم، بخلاف الثّانية، وهي هذه القصة، وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه، وإلا فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه، بل هو مأجور، لأنه مجتهد فيه. الخامس والثلاثون: إنّما توقّف المسلمون في النّحر والحلق بعد الأمر بهما، لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للنّدب، أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور، وتخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم، ويسوغ لهم ذلك، لأنه كان زمان وقوع التشريع. ويحتمل أن يكونوا أبهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذّل عند أنفسهم مع ظهور قوّتهم واقتدارهم- في اعتقادهم- على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة، وأخّروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقضي الفور، ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم كما سبق في القصة من كلام أم سلمة- رضي الله عنها- في قولها «لا تلمهم» إلخ. السادس والثلاثون: في كلامه- صلى الله عليه وسلّم- لأم سلمة في توقف الناس عن امتثال أمره، جواز مشاورة الأمر المرأة الفاضلة، وفضل أم سلمة ووفور عقلها، حتى قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أمّ سلمة، كذا قال وقد استدرك بعضهم عليه بنت شعيب في أمر موسى. السابع والثلاثون: لا يعدّ ما وقع من أبي بصير من قتله الرّجل الذي جاء في طلبه غدرا لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي- صلى الله عليه وسلّم- وبين قريش، إلا أنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة، لكنه لمّا خشي أنّ المشرك يعيده إلى المشركين درأ عن نفسه بقتله، ودافع عن دينه بذلك، ولم ينكر عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك. الثامن والثلاثون: في حديث المسور، ومروان بعد ذكر قصة أبي بصير، فانزل الله- تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ [الفتح 24] ظاهره أنها نزلت في

شأن أبي بصير، وفيه نظر، والمشهور في سبب نزولها ما رواه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، ومن حديث أنس بن مالك، وأحمد، والنسائي بسند صحيح من حديث عبد الله بن مغفل أنها أنزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غرّة فظفر المسلمون بهم، فعفا عنهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقيل في سبب نزولها غير ذلك. التاسع والثلاثون: قال البلاذري- رحمه الله- قال العلماء: والمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده الظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكّة وإسلام أهلها كلهم ودخول النّاس في دين الله أفواجا، وذلك أنهم قبل الصّلح لم يكونوا يختلطون، ولا يتظاهر عندهم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كما، هو ولا يخلون بمن يعلمهم بها مفصّلة، فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين وجاءوا إلى المدينة، وذهب المسلمون إلى مكة وخلوا بأهلهم وأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونهم، وسمعوا منهم أقوال النبي- صلى الله عليه وسلّم- مفصلّة بجزئياتها، ومعجزاته الظّاهرة، وأعلام نبوته المتظاهرة، وحسن سيرته، وجميل طريقته، وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك، فمالت نفوسهم إلى الإيمان حتّى بدر خلق منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة فأسلموا بين صلح الحديبية وفتح مكة، وازداد الآخرون ميلا إلى الإسلام، فلما كان يوم الفتح أسلموا كلّهم لما كان تمهّد لهم من الميل، وكانت العرب في البوادي ينتظرون بإسلامهم إسلام قريش فلما أسلمت قريش أسلمت العرب في البوادي. الأربعون: في بيان غريب ما سبق المعرفين: الواقفين بعرفة. استنفروا: استنجدوا واستنصروا. يعرضوا له بحرب- بفتح التحتية وكسر الراء. فأبطأ عليه: بفتح الهمزة أوله وآخره. ذو الجدر: فتح الجيم وسكون الدال المهملة: سرح على ستة أميال من المدينة. بناحية فيها كانت فيه لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم. ذو الحليفة- بضم الحاء المهملة، وفتح اللام، وسكون التحتية بعدها فاء. صحار- بصاد مضمومة فحاء مهملتين فألف: قرية باليمن. قلّد بدنه: علق في عنقها قطعة من حبل ليعلم أنه هدي فيكفّ الناس عنها. أشعرها- بالشين المعجمة: وخز سنامها حتى يسيل الدم فيعلم أنه هدي. البيداء: الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة.

الأبواء: بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد: قرية من عمل الفرع. القلائد: جمع قلادة. جثّامة: بفتح الجيم وتشديد الثّاء المثلثة. إيماء: بكسر أوله وسكون التحتية وبالمد. رحضة: براء مفتوحة فحاء مهملة تفتح وتسكن فضاد معجمة مفتوحة. خفاف- بخاء معجمة مضمومة وفاءين الأولى مخففة. العتر: بكسر العين المهملة وسكون الفوقية وبالراء: نبت ينبت متفرّقا فإذا قطع أصله خرج منه شيء شبه اللبن، وهو المرزجوش. الضّغابيس- بضاد فغين معجمة فألف فموحدة: وهو صغار القثاء وقيل: هو نبت ينبت في أصول الثمام يصلق بالخل والزيت ويؤكل. والثمام: بالثاء المثلثة. الهوام: جمع هامّة بالتشديد، يطلق على ما يدبّ من الحيوان كالقمل ونحوه. الجحفة- بجيم مضمومة، فحاء مهملة، ففاء، فتاء تأنيث: تقدم الكلام عليها في غزوة [بدر] قمّ بالبناء للمفعول، أي كنس. الفرط- بفتحتين، المتقدم في طلب الماء. شاهت وجوههم: قبحت تكل- بضم الفوقية وفتح الكاف: أي يتكل بعضكم على بعض. ارتجت مكة: اضطربت. راعهم: أفزعهم. عنوة- بفتح العين المهملة، وسكون النون، وفتح الواو: أخذ الشيء قهرا وكذا إذا أخذ صلحا فهو من الأضداد، والمراد هنا الأول. عين تطرف: تنظر وتتحرك. كراع- بكاف مضممومة فراء مخففة فألف فعين مهملة: وهو طرف الغميم بغين معجمة مفتوحة، وهو واد بين رابغ والجحفة، وكراع كل شيء طرفه. الأحابيش: بحاء مهملة، فألف، فموحدة مكسورة فتحتية فشين معجمة: واحدها

أحبوش بضمتين، وهم: بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو الحرث وبنو عبد مناة ابن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في غزوة بدر. أجلبت: استحثثت الناس لطلب العدو. بلدح- بموحدة مفتوحة، فلام ساكنة، فدال مفتوحة، فحاء مهملتين: وهو واد في طريق التنعيم إلى مكة. غدير: بغين معجمة مفتوحة، فدال مهملة مكسورة. الأشطاط- بشين معجمة، وطاءين مهملتين: جمع شط وهو جانب الوادي، ووقع في بعض نسخ الصحيح لأبي ذر الهروي بإعجام الطاءين. عسفان- بعين مضمومة، فسين ساكنة مهملتين، ففاء: قرية بينها وبين مكة ثلاثة مراحل. العوذ- بعين مهملة مضمومة فواو ساكنة، فذال معجمة: جمع عائذ: وهي الناقة ذات اللّبن. المطافيل: الأمهات اللّاتي معهن أطفالهن، يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان ليتزوّدوا ألبانها، ولا يرجعوا حتى يمنعوه، أو كنّى بذلك عن النساء معهن الأطفال، والمراد خرجوا معهم نساؤهم وأولادهم لإرادة طول المقام، وليكون أدعى إلى عدم الفرار. قال ابن فارس- رحمه الله-: كل أنثى وضعت فهي إلى سبعة أيام عائذ، والجمع عوذ، كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلتزم الشغل به، وقال السّهيلي: سميت بذلك وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنوّ، كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها. لبسوا جلود النمور: كناية على شدّة الحقد والغضب، تشبيها بأخلاق النمور، وقيل: هو مثل يكنى به عن إظهار العداوة والتنكير، ويقال للرجل الذي يظهر العداوة لبس لي جلد نمر. ذي طوى- بتثليث الطاء المهملة والفتح: أشهر واد بمكة. ويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. وافرين: كاملين. تنفرد هذه السّالفة- بسين مهملة، ولام مكسورة بعدها فاء: صفحة العنق، كنّى بذلك عن القتل، لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه. وقال الداودي الشارح: المراد الموت، أي حتّى أموت ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم.

شرح غريب ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم

وقال ابن المنير- رحمه الله- لعله- صلى الله عليه وسلّم- نبّه بالأدنى على الأعلى، أي أن لي من القوة بالله- تعالى- والحول به ما يقتضي أني أقاتل عن دينه، لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم؟ شرح غريب ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلّم موتورين- بالفوقية: اسم مفعول، جمع موتور، وهو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. محروبين- بحاء مهملة، فراء فواو فموحدة: مسلوبين منهوبين، يقال حربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء نؤمّ- بنون فهمزة: نقصد. تكن عنقا- بضم العين المهملة والنون، وفي لفظ «عينا قطعها الله» . قال في المطالع: وكلاهما صحيح، والعنق أوجه لذكر القطع معه، أي أهلك الله- تعالى- جماعة منهم. والعنق: الشيء الكثير، ولقوله: «عينا» وجه أيضا، أي كفى الله- تعالى- منهم من كان يرصدنا ويتجسس على أخبارنا. والعين: الجاسوس، وتبعه على ذلك في التّقريب- وما ذكرناه هو الوجه، بخلاف ما قدّره الكرماني وتبعه شيخنا أبو الفضل ابن الخطيب القسطلّاني- رحمهما الله- وقد ذكر في القصة أن العين الذي أرسله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان مسلما وهو بسر- بضم الموحدة وسكون المهملة- ابن سفيان الخزاعي. الغرّة- بكسر الغين المعجمة: الغفلة. حانت الصلاة: دخل وقتها. شرح غريب ذكر مسيرته- صلى الله عليه وسلّم- إلى الحديبية العصل- بفتح العين والصاد المهملتين: جمع عصلة، وهي شجرة إذا أكل منها البعير سلحته. ظهري كذا: بينه ووسطه. الحمض- بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالضاد المعجمة: ما ملح وأمرّ من النبات كالأثل والطرفاء، وذكر في الإملاء أنه هنا اسم موضع، فالله أعلم. الطليعة: القوم يبعثون أمام الجيش يتعرفون طلع العدو، وبالكسر، أي خبره، والجمع طلائع. أجرل- بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الراء وآخره لام: أي كثير الحجارة. والجرل: - بفتح الجيم والراء: الحجارة. ويروى بدال مهملة عوضا عن اللام، أي ليس به نبات.

شرح غريب ذكر نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية

الشّعاب- بكسر الشين المعجمة: جمع شعب بكسرها أيضا: ما انفرج بين جبلين. تنكبه الحجارة: تصيبه. حار- بحاء مهملة: لم يدر وجه الصّواب. ثنيّه ذات الحنظل: ثنية في شعب ما بين مكة وجدة. سراوع: جمع سروعة- بفتح السين المهملة، وسكون الراء، وفتح العين المهملة- وهي الرابية من الرمل كذا في النهاية. وفي مصنف ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه فأخذ بهم بين سروعتين، أي بين شجرتين، هذا لفظه، فالله أعلم. قبل المغرب: بكسر القاف: ناحيته. ما شعر: ما علم. قترة الجيش: بفتح القاف والفوقية: الغبار الأسود الذي تثيره حوافر الدّواب. وعر- بكسر العين: أي غليظ حزن يصعب الصعود إليه. الشّراك للنعل: سيرها الذي على ظهر القدم. الفجاج: بكسر الفاء: جمع فجّ: الطريق الواضح الواسع. لاحبة- بالحاء المهملة والموحدة واضحة. ثنية المرار: بضم الميم على المشهور، وبعضهم يكسرها، وتخفيف الراء: طريق في الجبل يشرف على الحديبية، وليست الثنيّة التي أسفل مكة. قولوا حطّة- بكسر الحاء وفتح الطاء المشددة المهملتين، أي حطّ عنّا ذنوبنا، ويروى بإعجام الحاء وضمها، أي الخصلة والفضيلة. سيف البحر- بكسر السين: ساحله. استبرأ العسكر: تأمّله وفتّشه. شرح غريب ذكر نزول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية الغائط: هنا المطمئن الواسع من الأرض، والجمع غيطان وأغواط وغوط. حل حل- بفتح الحاء المهملة وسكون اللام: كلمة تقال للناقة إذا تركت السّير. قال الخطابي- رحمه الله- إن قلت «حل» واحدة فبالسكون وإن أعدتها نوّنت الأولى وسكّنت الثانية. وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في نخ نخ، يقال: حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه.

ألحّت- بتشديد الحاء المهملة: تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح، وهو الإصرار على الشيء. خلأت: الخلأ- بخاء معجمة والمد، للإبل كالحران للخيل. قال ابن قتيبة: لا يكون الخلأ إلّا للنّوق خاصة. وقال ابن فارس: لا يقال للجمل خلأ ولكن ألحّ. القصواء: بقاف مفتوحة فصاد مهملة وبالمد، وبعض رواة الصحيح كحبلى وغلط. بخلق- بضم الخاء المعجمة، واللام والقاف: أي بعادة. خطّة: بضم الخاء المعجمة: أي خصلة يعظمون فيها حرمات الله تعالى. ومعنى قوله يعظم حرمات الله تعالى في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إراقة الدماء. أعطيتهم إياها: أجبتهم إليها. وثبت- بالمثلثة: قامت. عوده على بدئه: أي لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوعه. الثّمد- بثاء مثلثة فميم مفتوحتين فدال مهملة: حفيرة فيها ماء قليل، يقال ماء مثمود قليل الماء. الظّنون: الذي تتوهّمه، ولست منه على ثقة فعيل بمعنى مفعول. وقيل: هو البئر التي يظن أن فيها ماء وقوله قليل الماء تأكيد لرفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد: الماء الكثير. وقيل: الثمد ما يظهر في الشتاء، ويذهب في الصيف. يتبرّضه النّاس- بالموحدة المشددة والضاد المعجمة: يأخذونه قليلا قليلا. والبرض- بالفتح والسكون: اليسير من العطاء. وقال صاحب العين: هو جمع الماء بالكفّين. لم يلبثه الناس- بتحتية مضمومة فلام ساكنة فمثلثة: من الإلباث. وقال ابن التين: بفتح اللام وكسر الموحدة المثقلة، أي لم يتركوه أن يقيم. نزحوه- بنون فزاي فحاء مهملة، وفي لفظ نزفوه بالفاء بدل الحاء: ومعناهما واحد، وهو أخذ الماء شيئاً بعد شيء. صدروا: رجعوا. بعطن: أي رووا ورويت إبلهم حتى بركت، وعطن الإبل: مباركها حول الماء لتعاد للشرب، وقد يكون عند غير الماء.

شرح غريب نزول المطر في تلك الأيام

القليب- بفتح القاف وكسر اللام- عند العرب: البئر العادية القديمة مطوية كانت أو غير مطوية. شفير البئر: حرفها. تجيش- بفتح الفوقية وكسر الجيم وآخره شين معجمة: تفور. الرّي: بكسر الراء وفتحها. المائح- بالتحتية، والحاء المهملة: الذي انحدر في الركية يملأ الدلو وذلك حين يقلّ ماؤها، ولا يمكن أن يستسقى منها إلا بالاغتراف باليد. ومن كلامهم المائح أعرف باست الماتح: وهو الذي يستسقى بالدّلو، فالنقط من أسفل لمن يكون أسفل ومن فوق لمن يكون فوق. يمجّد كونك: يشرفونك، والتمجيد: التشريف. الرّشاش- براء مفتوحة فشينين معجمتين. واهية: مسترخية واسعة الشق. العادية: القوم الذين يعدون ويسرعون الجري. طمت: بفتح الطاء المهملة: ارتفع ماؤها. نهلوا: رووا. الركائب: المطي، الواحدة راحلة من غير لفظها. ان الشيء- بالمد: قرب. الرّكوة- بفتح الراء: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء وركوات بالتحريك. شرح غريب نزول المطر في تلك الأيام النّوء: سقوط نجم من المنازل في الغرب مع الفجر. وطلوع رقيبه من الشرق، كانوا يعتقدون إنه لا بد عند ذلك من مطر، أو ريح، فمنهم من يجعله للطالع لأنه ناء، ومنهم من ينسبه للغارب، فنفى النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك عنه، وكفّر من اعتقد أن النجم فاعل ذلك، ومن جعله دليلا فهو جاهل بمعنى الدلالة، قال في النهاية: فمن أسند ذلك إلى العادة التي يجوز انخرامها فقد كرّهه قوم وجوّزه آخرون. الخريف- بالخاء المعجمة: الفصل الذي تخترف فيه الثمار، أي تقطع.

شرح غريب ذكر قدوم بديل بن ورقاء ورسل قريش

الشّعري- بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة: كوكب معروف ليس في السماء كوكب يقطعها عرضا غيره. الجزور: بفتح الجيم من الإبل خاصّة، يقع على الذكر والأنثى، والجمع جزر شرح غريب ذكر قدوم بديل بن ورقاء ورسل قريش بديل: بضم الموحدة وفتح المهملة والتصغير. ورقاء: بفتح الواو وبالقاف. خزاعة: بضم الخاء المعجمة وبالزاي. عيبة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة: ما يوضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سرّه، كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السّر بالعيبة التي هي مستودع الثياب. نصح- بضم النون، وحكى ابن التين فتحها. تهامة- بكسر الفوقية: وهي مكة وما حولها، وأصلها من التهم، وهو شدة الحر وركود الرّيح. الأعداد- بالفتح جمع عدّ بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له. تبيد: تهلك خضراؤهم بخاء فضاد معجمتين: معظم قريش أو جماعتهم. نهكتهم الحرب- بفتح النون وكسر الهاء: أي بلغت بهم حتى أضعفتهم، إما أضعفت قواهم، وإما أضعفت أموالهم. ماددتهم جعلت بيني وبينهم مدّة بترك الحرب بيني وبينهم. قوله: فإن ظهر أمري، وقوله فإن شاءوا شرط بعد شرط، والتقدير: فإن ظهر غيرهم من الكفار عليّ كفاهم المؤونة، وإن أظهر أنا على غيرهم فإن شاءوا أطاعوني وإلّا فقد جمّوا- بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة، أي قووا واستراحوا. لينفذنّ- بضم التحتية وسكون النون وكسر الفاء وبالذال المعجمة: فعل مضارع مؤكد بالنون، استنفرت أهل عكاظ: دعوتهم إلى نصركم، وعكاظ بعين مهملة مضمومة فكاف مخففة فألف فظاء معجمة مشالة: سوق بقرب عرفات. بلّحوا: بموحدة فلام مشددة مفتوحتين فمهملة مضمومة: امتنعوا من الإجابة، وانبلح: امتنع من الإجابة.

أسيتكم- بهمزة مفتوحة: يقال أسيه بمالي مؤاساة، أي جعلته أسوتي فيه. تجتاحهم- بجيم وحاء مهملة: تهلكهم بالكلية. أوباش: بتقديم الواو: الأخلاط من السّفلة، وهم أخصّ من قوله في رواية أشواب بتقديم الشين المعجمة على الواو، وهم الأخلاط من أنواع شتى. خليقا- بالخاء المعجمة والقاف: حقيقا وزنا ومعنى، ويقال خليق للواحد والجمع. يدعوك: يتركوك. امصص- بألف وصل ومهملتين، الأولى مفتوحة، زاد في التقريب ويجوز ضمها: فعل أمر. البظر- بفتح الموحدة وسكون الظّاء المعجمة المشالة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة. واللات: اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأمر، فأراد أبو بكر المبالغة في سبّ عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمّه، وحمله على ذلك ما أغضبه من نسبة المسلمين إلى الفرار، وفيه جواز النطق بما يستشنع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحقّ به ذلك. أما- بفتح الهمزة وتخفيف الميم: حرف استفتاح. المغفر: بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة. الفظّ- بالفاء وتشديد الظاء المعجمة المشالة: الشديد الخلق بضمتين. الغليظ: السّيّئ القول. اليد: النعمة والإحسان. لم أجزك بها: لم أكافئك بها. طفق- بفتح الطاء، وكسر الفاء: جعل. أهوى بيده: مدّها. نعل السيف: ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها. غدر- بغين معجمة- وزن عمر، ومعدول عن غادر: مبالغة في وصفه بالغدر، وهو ترك الوفاء. يرمق- بضم الميم: يلحظ.

شرح غريب ذكر إرساله - صلى الله عليه وسلم - خراش بن أمية، وبعده عثمان، ومبايعته - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان، وذكر الهدنة، وكيف جرى الصلح

يحدّون بضم أوله وكسر المهملة: يدعون. وضوءه- هنا بالفتح: الماء. كسرى: بكسر الكاف وبفتحها. يتألّهون: يعظّمون أمر الإله، وقيل التألّه: التعبّد. ابعثوها له: أثيروها دفعة واحدة. عرض الوادي- بضم العين المهملة وسكون الرّاء، وبالضّاد المعجمة: جانبه وناحيته، وقيل: عرض كل شيء: وسطه، وليس المراد ضّد الطول، ذاك بفتح العين. تفلوا- بالمثنّاة الفوقيّة وكسر الفاء: تغيّرت رائحتهم. الشّعث- بالشين المعجمة، والعين المهملة المفتوحتين وبالثاء المثلثّة: الانتشار والتفرّق للشعر. لخم: بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة. وجذام: بجيم مضمومة، فذال معجمة. كندة: بكسر الكاف حمير- بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وبالراء: أسماء قبائل. أجل- كنعم وزنا ومعنى. معكوف: محبوس. شرح غريب ذكر إرساله- صلى الله عليه وسلّم- خراش بن أمية، وبعده عثمان، ومبايعته- صلى الله عليه وسلّم- بيعة الرضوان، وذكر الهدنة، وكيف جرى الصلح الثّعلب- بلفظ اسم الحيوان المعروف. عقر الدابّة: ضرب قوائمها. وشيكا- بالشّين المعجمة والتّحتيّة: قريبا. كافة: جميعا. الأماثل: الخيار من قومهم. وافرون: كثيرون. جامّون- بتشديد الميم: مستريحون كثيرون

المناجزة في الحرب: المبادرة والمقاتلة. مازن- بكسر الزّاي: أبو قبيلة. البيعة البيعة: بنصبها على الإغراء. روح القدس: جبريل- صلى الله عليه وسلم- وتقدم الكلام على ذلك في ترجمته في أبواب المعراج. ثرنا- بالمثلثة: نهضنا. سمرة- بفتح المهملة وضم الميم: من شجر الطّلح، وهو نوع من العضاه الحجفة- بحاء فجيم ففاء مفتوحات: التّرس الصغير يطارق بين جلدين الدّرقة: الحجفة. عزلا- بكر الزّاي مع فتح العين، وبضمّها: أي لا سلاح معه يقاتل به فيعتزل الحرب. أبغني: أعطني. محدقون به: محيطون ناظرون إليه بأحداقهم. الجدّ بن قيس: بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة. ضبأ إليها- بفتح الضاد المعجمة والموحدة مهموز: اختبأ بها. اصطنعوا- بصاد ساكنة فطاء مفتوحة مهملتين، فنون مكسورة، فعين مهملة: اتّخذوا صنيعا، يعني اتخذوا طعاما تنفقونه في سبيل الله. لن يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدّكم، الصّاع: أربعة أمداد، والمد: ربع صاع وهو رطل وثلث بالعراقي عند الشّافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، أي ما يبلغ ثواب صاع أحدكم ولا مدّه في الثواب إذا تصدّق به. تشميرهم إلى الحرب: إسراعهم إليه. القضية [ (1) ] ... الهدنة- بضم أوله وسكون ثانيه وبضمه أيضا: الصلح والموادعة بين المتحاربين. مقنّعان في الحديد- بتشديد النون: عليهما بيضه. العنوة- بفتح العين المهملة وسكون النون: أخذ الشيء قهرا. عيبة مكفوفة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية: أي أمر مطويّ في صدور سليمة، وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها، والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم.

_ [ (1) ] بياض في الأصول بمقدار كلمتين، ولعل المراد «الصلح» أو «الموادعة» .

لا إغلال- بغين معجمة: لا خيانة، تقول أغل الرجل إذا خان، وأما في الغنيمة فيقال غلّ بغير ألف. ولا إسلال: لا سرقة، من السلة وهي السرقة، والمراد أن يأمن بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا، وقيل: الإسلال من سلّ السّيوف، والإغلال من لبس الدرع. ووهّاه أبو عبيد. امّعضوا- بميم مشددة فعين مهملة فضاد معجمة، ولبعض رواة الصحيح امتعضوا- بإظهار الفوقية: أي شقّ عليهم. الدنيّة- بدال مهملة مفتوحة فنون مكسورة فتحتية مشددة: الخصلة المذمومة، والأصل فيه الهمز وقد يخفف. أو لسنا- بفتح الواو، والاستفهام للإنكار، وكذا ما بعده. الغرز- بفتح الغين المعجمة فراء ساكنة فزاي: ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب. يتلكأ: يبطئ. هات: فعل أمر من باب رامى يرامى. مضطهد: بميم مضمومة فضاد معجمة ساكنة فطاء مهملة. لا تحدّث العرب- بفتح الفوقية، وتشديد الدال المهملة المفتوحة حذف منه إحدى التائين. ضغطة- بضم الضاد، وسكون الغين المعجمتين، فطاء مهملة: مقهور. التّنعيم- على لفظ المصدر، من نعمته تنعيما: مكان على ثلاثة أميال من مكة من جهة المدينة. الغرّة- بالكسر: الغفلة. زنيم: بضم الزّاي وفتح النون. اخترط السيف: استلّه. العبلات- بفتح المهملة والموحدة: وهم من قريش أمية الصغرى، نسبوا إلى أمهم عبلة بنت عبيد. بدء الفجور- بفتح الموحدة، وسكون الدال المهملة وبالهمز: ابتداؤه وأوله وسكون النون فتحتية، أي عودة ثانية، وفي رواية ثناه بكسر المثلثة.

شرح غريب ذكر رجوعه - صلى الله عليه وسلم - ونزول سورة الفتح

ثنياه- بضم الثاء المثلثة وإسقاط التحتية. أبو جندل- بالجيم: وزن جعفر. يرسف في قيوده- بفتح التحتية وضم السين المهملة وبالفاء: يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد. لم نقض الكتاب بعد: لم نفرغ من كتابته. أجزه لي- بالجيم والزّاي: امض لي فعلي ولا أردّه عليك أو استثنه من القضية، ووقع في الجمع للحميدي بالراء، ورجّح أبو الفرج الزّاي. ضنّ بأبيه- بالضّاد المعجمة، والنّون المشددة: بخل، أي لم يسمح بقتله. التأم- بهمزة مفتوحة: انسد. يمّم هديه: قصده. شرد جمل: ندّ ونفر. النّجيب: الفاضل من كل حيوان. المهريّ- بفتح الميم وسكون الهاء: نسبة إلى بني مهرة كتمرة: قبيلة من قضاعة سمّوا باسم أبيهم مهرة بن حيدان، وبلد بعمان، والإبل المهريّة تنسب إلى أحدهما. البرة- بضم الموحدة وتخفيف الراء المخففة: حلقة تجعل في أنف البعير ليذل، وأكثر ما تكون من صغر، فإن كانت من شعر فهي خزامه، وإن كانت من خشب خشاش بخاء وشينين معجمات. مضطربا في الحل، أي كانت قبّته مضروبة في الحل، وكانت صلاته في الحرم لقرب الحديبية من الحرم. اضطبع بثوبه: أدخله تحت إبطه اليمنى وألقاه على عاتقه الأيسر. شرح غريب ذكر رجوعه- صلى الله عليه وسلّم- ونزول سورة الفتح مرّ- بفتح الميم وتشديد الرّاء، مضاف إلى الظّهران، بالظاء المعجمة المشالة المفتوحة، وبين مرّ والبيت الشريف ستة عشر ميلا. أرملوا من الزّاد- بالرّاء: نفذ زادهم. النطع: المتخذ من الأديم معروف، وفيه أربع لغات. فتح النون وكسرها ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها.

شرح غريب ذكر قدوم أبي بصير - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم

ربضة عنز: قدرها رابضة، أي باركة. النّواجذ- بالنون والجيم المكسورة وبالذال المعجمة: جمع ناجذ، وهو السنّ بين الضّرس والناب، وأواخر الأضراس. والمراد هنا الأنياب. الجهد: المشقة. يدفعوكم بالرّاح- بالحاء المهملة والراء: جمع راحة وهي الكفّ. لا يلوون على أحد: لا يلتفتون إليه، ولا يعطفون عليه. ثكلته أمه: كلمة تقولها العرب للإنكار، ولا يريدون حقيقتها. نزّرت- بنون فزاي مشدّدة فراء: ألححت. نشب- بنون فشين معجمة فموحدة: لبث. يرجفون الأباعر: يحثونها على الإسراع في السير. هنيئا: طيبا. مريا: سائغا. عرّسنا- بعين فراء مشددة فسين مهملات فنون: نزلنا ليلا، أو آخر الليل. شرح غريب ذكر قدوم أبي بصير- رضي الله عنه- على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم أبو بصير- بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية فراء. البكر من الإبل- بالفتح: وهو الفتى من الدّواب خلاف المسنّ، كالشاب من الناس. حتى برد- بموحدة فراء مفتوحتين فدال مهملة: خمدت حواسّه، وهي كناية على الموت، لأن الميت تسكن حركته. وأصل البرد السكون. الإسار: وزن كتاب: القيد بفتح القاف. جمز- بالجيم والزاي- أسرع. الذّعر- بضم الذال المعجمة وسكون المهملة: الخوف. ويل امّه- بضم اللّام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة: وهي كلمة ذمّ تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذّم، لأنّ الويل الهلاك، فهو كقولهم: لامّه الويل قال الفّراء: أصل ويل وي لفلان، أي حزن له: فكثر الاستعمال، فألحقوا بها اللام، فصارت كأنها منها، وأعربوها، وتبعه ابن مالك، إلا أنه قال تبعا للخليل إن وي كلمة تعجب، وهي من أسماء الأفعال، واللام بعدها مكسورة، ويجوز ضمّها إتباعا للهمزة، وحذفت الهمزة تخفيفا.

مسعر حرب- بكسر الميم، وسكون السّين، وفتح العين المهملتين وبالنّصب على التمييز، وأصله من مسعر حرب. أي مسعرها، قال الخطابي: كأنّه يصفه بالإقدام في الحرب، والتّسعير لنارها. محشّ- بحاء مهملة وشين معجمة: وهو بمعنى مسعر حرب.: وهو العود الذي تحرّك به النّار. العيص- بكسر العين المهملة، وسكون التحتية، وبالصاد المهملة: موضع قرب المدينة على ساحل البحر. ذو المروة: موضع في أرض جهينة مما يلي سيف البحر بين مكة والمدينة. الثواء- بثاء مثلثة مفتوحة وبالمد: الإقامة. صناديد قريش: عظماؤها. المعشر- واحد المعاشر: وهي الجماعات من الناس. تخفق- بخاء معجمة ساكنة ففاء مكسورة وبالقاف: تضرب. أيمانهم- بفتح الهمزة. القنا- بفتح القاف وبالقصر: جمع قناة: الرمح. الذّابل- بذال معجمة، فألف فموحدة، أشار إلى أن رماحهم رقاق. لم يأتل: لم يحلف.

الباب الثالث والعشرون في غزوة ذي قرد - وهي الغابة

الباب الثالث والعشرون في غزوة ذي قرد- وهي الغابة والسّبب فيها إغارة عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري في خيل غطفان على لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم. روى الشيخان، والبيهقي عن يزيد بن أبي عبيد، ومسلم وابن سعد، والبيهقي عن إياس بن سلمة بن الأكوع كلاهما عن سلمة- رضي الله عنه. وابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر ومن لا يتّهم عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن سعد عن رجاله، أن لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانت عشرين لقحة وكانت ترعى البيضاء ودون البيضاء إلى الجبل، وهو طريق خيبر، فأجدب ما هنالك فقرّبوها إلى الغابة تصيب من أثلها وطرفائها وتغدو في الشجر، وكان الرّاعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب [ (1) ] . قال محمد بن عمر: وكان أبو ذرّ قد استأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى لقاحه، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك» . ونحن لا نأمن من عيينة بن حصن وذويه وهي في طرف من أطرافهم، فألحّ عليه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لكأني بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك» فكان أبو ذرّ يقول: عجبا لي، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «لكأني بك» وأنا ألحّ عليه، فكان- والله- ما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أبو ذر: والله إني لفي منزلنا، ولقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد روّحت وعطّفت وحلبت عتمتها، ونمنا، فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم، وشغلهم عني إطلاق عقل اللّقاح، ثم صاحوا في أدبارها، فكان آخر العهد بها، ولمّا قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبرته تبسّم. وقال سلمة بن الأكوع: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي قرد، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بظهره مع رباح- بفتح الراء وبالموحدة- غلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا معه، وخرجت بفرس طلحة أندّيه مع الظّهر، فلقيت غلاما لعبد الرحمن بن عوف كان في إبل لعبد الرحمن بن عوف فأخطئوا مكانها، واهتدوا للقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرني أن لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أغار عليها عيينة بن حصن في أربعين فارسا من غطفان.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 526 (4194) ومسلم 3/ 1432 (131/ 1806) والبيهقي في الدلائل 4/ 180.

ذكر حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلب العدو وتقديمه جماعة أمامه

قال محمد بن عمر وابن سعد: ليلة الأربعاء، قال سلمة: فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس، فالحق بطلحة، وأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن قد أغير على سرحه، وقمت على تلّ بناحية سلع، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه أسمع ما بين لابتيها ثم انبعث القوم ومعي سيفي ونبلي، فجعلت أردّهم، وفي لفظ: أرميهم، وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إليّ فارس جلست له في أصل شجرة، ثم رميت، فلا يقبل عليّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأنا أقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع فألحق رجلا فأرميه وهو على رحله فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فإذا كنت بالشجر أحرقتهم بالنّبل، وإذا تضايقت الثّنايا علوت الجبل فرميتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتّى ما خلق الله- تعالى- شيئا من ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم. قال ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا، وأكثر من ثلاثين بردة يستخفّون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه الحجارة، وجمعته على طريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا اشتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري ممدا لهم. وهم في ثنيّة ضيقه، ثم علوت الجبل، فأنا فوقهم. فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح [ (1) ] ما فارقنا بسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء في أيدينا وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم، وقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إليّ أربعة منهم فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت لهم: أتعرفونني؟ فقالوا: ومن أنت، قلت: أنا ابن الأكوع، والذي أكرم وجه محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني. فقال رجل منهم: إني أظن فرجعوا. ذكر حث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طلب العدو وتقديمه جماعة أمامه قال ابن إسحاق: وبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صياح ابن الأكوع يصرخ بالمدينة «الفزع الفزع» . فترامت الخيول إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكان أول من انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الفرسان المقداد بن عمرو، وهو الذي يقال له ابن الأسود حليف بني زهرة، زاد محمد بن عمر- نقلا عن عمارة بن غزية، وابن سعد- فنودي «يا خيل الله اركبي» ، وكان أول ما نودي

_ [ (1) ] البرح: الشّدة والأذى، انظر المعجم الوسيط 1/ 47.

بها- كذا قال، وزاد ابن عائذ عن قتادة: أن أول ما نودي «يا خيل الله اركبي» في غزوة بني قريظة، وهي قبل هذه عندهم. قال محمد بن عمر: وكان المقداد يقول: لما كانت ليلة السّرح جعلت فرسي سبحة لا تقرّ ضربا ضربا بيدها، وصهيلا، فأقول: والله إنّ لها لشأنا، فأنظر إلى آريّها [ (1) ] فإذا هو مملوء علفا، فأقول: عطشى فأعرض عليها الماء فما تريده. فلما طلع الفجر أسرجتها ولبست سلاحي، ثم خرجت حتّى أصلّي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، فلم أر شيئاً، ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيته، ورجعت إلى بيتي، والفرس لا تقرّ، فوضعت سرجها والسّلاح واضطجعت، فأتاني آت فقال: إن الخيل قد صيح بها، فخرجت. قال ابن إسحاق: ثم كان أول فارس وقف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد المقداد من الأنصار عبّاد بتشديد الموحدة ابن بشر- بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة، وسعد بسكون العين- بن زيد، وأسيد- بضم أوله وفتح ثانيه- ابن ظهير- وهن- تصغير ظهر- بظاء معجمة مشالة، ومحرز [ (2) ] بضم الميم وسكون الحاء المهملة فراء مكسورة فزاي ابن نضلة بالنون وسكون الضاد المعجمة، وربيعة بن أكثم بالثاء المثلثة، وعكاشة بتشديد الكاف وتخفيفها ابن محصن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وأبو عيّاش بالتحتية والشين المعجمة الزّرقي، وأبو قتادة فلما اجتمعوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمّر عليهم سعد بن زيد، ثم قال: «اخرج في طلب القوم حتّى «ألحقك بالناس» . وقال محمد بن عمر، وابن سعد: عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للمقداد لواء في رمحه، وقال: «أمض حتّى تلحقك الخيول، وأنا على أثرك» قالا: والثّبت عندنا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمّر على هذه السّرية سعد ابن زيد الأشهليّ، ولكن الناس نسبوها للمقداد، لقول حسّان.. غداة فوارس المقداد. فعاتبه سعد بن زيد فقال: اضطرني الوزن إلى المقداد. قال ابن إسحاق: وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني عن رجل من بني زريق- لأبي عيّاش: «يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم» [ (3) ] ، قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس النّاس، وضربت الفرس، فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني، فعجبت إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «لو أعطيته أفرس منك» وأنا أقول: أنا أفرس

_ [ (1) ] آريها: الآرى الحبل الذي تشد به الدّابة إلى محبسها، انظر الصحاح 6/ 2267. [ (2) ] محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الاسدي أبو نضلة ويعرف بالأخرم.. ذكره موسى بن عقبة وابن اسحق وغيرهما فيمن شهد بدرا. انظر الإصابة 6/ 48. [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 32 وانظر المجمع 6/ 143.

الناس، فزعم رجال من بني زريق إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما أعطى فرس أبي عيّاش معاذ بن ماعص وكان ثامنا، أو عائذ- بالتحتية والمعجمة ابن ماعص بعين مكسورة فصاد مهملتين. وذكر الطبري أن معاذ بن ماعص وأخاه قتلا يوم بئر معونة شهيدين كما سيأتي في السرايا، وبعض النّاس يعد سلمة بن الأكوع أحد الثمانية ويسقط أسيد بن ظهير- والله أعلم أي ذلك كان، فخرج الفرسان حتّى تلاحقوا، وكان أول من لحق بالقوم محرز بن نضلة، وكان يقال له الأخرم بخاء معجمة ساكنة وراء، ويقال له قمير- بضم القاف وفتح الميم. وإنّ الفزع لمّا كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جامحا، فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل- حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به: يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس؟ فإنه كما ترى، ثم تلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبالمسلمين؟ قال: نعم، فأعطيته إيّاه، فخرج عليه، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجماحة حتى أدرك القوم، فوقف بين أيديهم، ثم قال: قفوا يا معشر بني اللّكيعة حتّى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار، فحمل عليه رجل منهم فقتله، وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على آريّة في بني عبد الأشهل. قال سلمة بن الأكوع: فما برحت من مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتخلّلون الشّجر، فإذا أوّلهم الأخرم الأسدي، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي، فولى المشركون مدبرين، قال سلمة: فنزلت من الجبل، وأخذت بعنان فرس الأخرم، وقلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حق، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. فخلّيته، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعثر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحوّل على فرسه، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر بأبي قتادة، وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة إلى الفرس. وروى محمد بن عمر عن صالح بن كيسان، قال محرز بن نضلة قبل أن يلقى العدوّ بيوم: رأيت السّماء فرجت لي حتى دخلت في السماء الدنيا، حتى انتهيت إلى السماء السابعة، ثم انتهيت إلى سدرة المنتهى، فقيل لي: هذا منزلك، فعرضتها على أبي بكر الصّديق- وكان من أعبر النّاس- فقال: أبشر بالشهادة. فقتل بعد ذلك بيوم. قال سلمة: ثم خرجت أعدو في أثر القوم فو الذي أكرم وجهه حتى ما أرى من ورائي من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا غبارهم شيئا، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه، وأسندوا في

الثنية «ثنيّة ذي بئر» وغربت الشّمس، وألحق رجلا فأرميه وقلت: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: فقال يا ثكل أم الأكوع بكرة فقلت: نعم أي عدو نفسه. وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته بسهم آخر فعلق به سهمان، وخلّفوا فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: ولمّا تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه ببرده، ثم لحق بالناس، وقال محمد بن عمر، وابن سعد: وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن. وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، فالله أعلم. وأدرك عكّاشة بن حصن أوبارا، وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض اللقّاح. وروى البيهقي عن عبد الله بن أبي قتادة: أن أبا قتادة اشترى فرسه من دوابّ دخلت المدينة. فلقيه مسعدة الفزاري فقال: يا أبا قتادة، ما هذا الفرس؟ فقال أبو قتادة: فرس أردت أن أربطها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال ما أهون قتلكم وأشد حربكم، قال أبو قتادة: أما إني أسال الله- تعالى- أن يلقينيك وأنا عليها فقال أمين وكان أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمرا في طرف بردته إذ رفعت رأسها وأصرت أذنيها؟ فقال: أحلف بالله لقد أحسّت بريح خيل: فقالت له أمه: والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية، فكيف حين جاء الله بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ثم رفعت الفرس أيضا رأسها، وأصرت أذنيها، فقال: أحلف بالله لقد أحست بريح خيل. فوضع سرجها فأسرجها، وأخذ بسلاحه، ثم نهض حتى أتى مكانا يقال له الزّوراء فلقيه رجل من أصحابه، فقال له: يا أبا قتادة، تشوّط دابتك، وقد أخذت اللقاح. وقد ذهب النبيّ في طلبها وأصحابه؟! فقال: أين؟ فأشار إليه نحو الثنيّة. فإذا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- في نفر من أصحابه جلوس عند ذباب، فقمع دابّته، ثم خلّاها، فمرّ بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «امض يا أبا قتادة صحبك الله» قال أبو قتادة: فخرجت فإذا بإنسان يحاكيني فلم ننشب أن هجمنا على العسكر، فقال لي: يا أبا قتادة ما تقول؟ أمّا القوم فلا طاقة لنا بهم، فقال له أبو قتادة: تقول: إني واقف حتّى يأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أريد أن تشدّ في ناحية وأشدّ في ناحية، فوثب أبو قتادة فشقّ القوم. فرموه بسهم، فوقع في جبهته، قال أبو قتادة: فنزعت قدحي، وأظنّ أني قد نزعت الحديدة. ومضيت على وجهي فلم أنشب أن طلع عليّ فارس على فرس فاره وعليه مغفر له فأثبتني ولم أثبته. قال: لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة وكشف عن وجهه وأداة كليلة. على وجهه فإذا هو مسعدة الفزاريّ، فقال: أيّما أحبّ إليك مجالدة أو مطاعنة أو مصارعة؟ قال: فقلت: ذاك

ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلب العدو

إليك، قال فقال: صراع، فأجال رجله على دابته، وأجلت رجلي على دابتي، وعقلت دابّتي وسلاحي إلى شجرة، وعقل دابته وسلاحه إلى شجرة، ثمّ تواثبنا، فلم أنشب أن رزقني الله- تعالى- الظّفر عليه، فإذا أنا على صدره، فو الله إني لمن أهمّ الناس من رجل متأبط قد هممت أن أقوم فآخذ سيفي، ويقوم فيأخذ سيفه، وإنّا بين عسكرين لا آمن أن يهجم على أحدهما، إذا بشيء مسّ رأسي، فإذا نحن قد تعالجنا، حتّى بلغنا سلاح مسعدة فضربت بيدي إلى سيفه، فلمّا رأى أنّ السّيف وقع بيدي قال: يا أبا قتادة، استحيني، قلت: لا، والله أو ترد أمّك الهاوية. قال: فمن للصّبية؟ قلت: النّار. قال: ثمّ قتلته وأدرجته في بردي، ثم أخذت ثيابه فلبستها، ثم أخذت سلاحه، ثم استويت على فرسه، وكانت فرسي نفرت حين تعالجنا فرجعت إلى العسكر، قال: فعرقبوها. قال: ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا حتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة عشر فارسا، قال فألحت إليهم فوقفوا، فلمّا أن دنوت منهم حملت عليهم حملة وطعنت ابن أخيه طعنة دققت عنقه، وانكشف من كان معه. وحبست اللّقاح برمحي [ (1) ] . ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لطلب العدو قال محمد بن عمر، وابن سعد: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غداة الأربعاء راكبا مقنعّا في الحديد. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. قال: وخلف سعد بن عبادة- رضي الله عنه- في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة. قال ابن إسحاق: ولمّا مر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمسلمون بحبيب مسجّى ببرد أبي قتادة استرجعوا، وقالوا: قتل أبو قتادة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ليس بأبي قتادة، ولكنّه قتيل لأبي قتادة، وضع عليه برده لتعرفوا أنّه صاحبه» [ (2) ] . قال ابن سعد قال سلمة لحقنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والخيول عشاء قال أبو قتادة- رضي الله عنه- في حديثه السّابق: وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن معه من أصحابه، فلمّا نظر إليهم العسكر فروا قال: فلما انتهوا إلى موضع المعسكر إذا بفرس أبي قتادة قد عرقبت فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله!! قد عرقبت فرس أبي قتادة، قال: فوقف عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فقال: «ويح أمك، ربّ عدو لك في الحرب» مرتين. ثم أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه حتّى إذا

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 191. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 31 وانظر المجمع 6/ 143 والبداية والنهاية 4/ 151.

انتهوا إلى الموضع الّذي تعالجنا فيه إذا هم بأبي قتادة- فيما يرون مسجّى في ثيابه، فقال رجل من الصّحابة: يا رسول الله، قد استشهد أبو قتادة، قال، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أبا قتادة، والّذي أكرمني بما أكرمني به أن أبا قتادة على آثار القوم يرتجز» . فدخلهم الشّيطان أنهم ينظرون إلى فرسي قد عرقبت، وينظرون إليه مسجى عليه ثيابي [ (1) ] . قال: فخرج عمر بن الخطاب وأبو بكر- رضي الله عنهما- يسعيان حتى كشف الثوب، فإذا وجه مسعدة، فقالا: الله أكبر، صدق الله ورسوله، مسعدة يا رسول الله. فكبّر الناس، ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللّقاح، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أفلح وجهك يا أبا قتادة، أبو قتادة سيّد الفرسان، بارك الله فيك يا أبا قتادة» [ (2) ] . قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، سهم أصابني، والّذي أكرمك بما أكرمك، وفي ولدك وفي ولد ولدك- وأحسب عكرمة قال وفي ولد ولد ولدك. ما هذا بوجهك يا أبا قتادة؟ قد ظننت أنّي قد نزعته، قال: «ادن مني يا أبا قتادة» قال: فدنوت منه. قال: فنزع النّصل نزعا رفيقا، ثم بزق فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ووضع راحته عليه، فو الذي أكرم محمدا- صلى الله عليه وسلّم- بالنبوة ما ضرب عليّ ساعة قط، ولا قرح قط عليّ. وروى محمد بن عمر وابن سعد عن أبي قتادة قال: لمّا أدركني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: اللهم بارك له في شعره وبشره، وقال: أفلح وجهك، قلت: ووجهك يا رسول الله، قال: «قتلت مسعدة» ؟ قلت: نعم، وذكر نحو ما تقدم قال: فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة. وذهب الصّريخ إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الإمداد، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم والإبل، والقوم يعتقبون البعير والحمار حتى انتهوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي قرد قال ابن إسحاق: واستنقذوا عشر لقاح زاد- فيها جمل لأبي جهل، وأفلت القوم بعشر. وكانت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العقاب، يحملها سعد بن زيد، وكان شعارهم أمت أمت. وصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ صلاة الخوف، وسيأتي بيانها في أبواب صلاته- صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 193. [ (2) ] انظر الشفاء 1/ 628.

وقال سلمة: ولحقني عمّي بسطيحة فيها مذقة من لبن، وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت. وروى ابن سعد عنه قال: لحقنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والخيول عشاء انتهى. قال سلمة: فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد أخذ تلك الإبل، وكلّ ما قد استنقذته من المشركين، وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل التي استنقذت من القوم، وشوى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- من سنامها وكبدها فقلت: يا رسول الله!! قد حميت القوم الماء، وهم عطاش خلفي، فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى مخبر إلا قتلته. فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه في ضوء النّار، وقال: «يا سلمة أتراك كنت فاعلا؟» قلت: نعم. والذي أكرمك. فقال: «ملكت فأسجح، إنهم ليغبقون» [ (1) ] وفي لفظ ليقّرون في أرض غطفان» ، فجاء رجل من غطفان وقال: نحر لهم فلان جزورا، فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا، قالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين. قال ابن إسحاق: وقسّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه في كل مائة جزورا. وأقام- صلى الله عليه وسلّم- بذي قرد يوما وليلة يتحسّب الخبر. وفي حديث سلمة أنهم كانوا خمسمائة. قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: ويقال سبعمائة، وبعث سعد بن عبادة- رضي الله عنه- بأحمال تمر، وبعشر جزائر فوافت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي قرد، قال سلمة: فلمّا أصبحنا قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجّالتنا سلمة» [ (2) ] . ثم أعطاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سهم الفارس والراجل فجمعهما لي جميعا، ثم أردفني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، فلما كان بينها وبينه قريب من ضحوة، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق، فجعل ينادي: هل من يسابق؟ إليّ رجل يسابق إلى المدينة، فعل ذلك مرارا، وأنا وراء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مردفي، قلت له: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا، إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي خلّني فلأسابق الرّجل، قال: «إن شئت» قلت: أذهب، فطفر عن راحلته، وثنيت رجلي، فطفرت عن الناقة، ثم ارتبطت عليه شرفا أو شرفين، يعني استبقيت نفسي، ثمّ عدوت حتّى ألحقه، فأصكّ بين كتفيه بيدي، وقلت: سبقتك والله، فضحك وقال: والله إن أظن، فسبقته حتى قدمنا المدينة، فلم نلبث إلا ثلاثا حتى خرجنا إلى خيبر.

_ [ (1) ] الغبوق ما يشرب بالعشي، انظر المعجم الوسيط 2/ 649. [ (2) ] ذكره ابن عساكر في تهذيب دمشق 60/ 232.

ذكر قدوم امرأة أبي ذر على ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال محمد بن عمر وابن سعد: ورجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة يوم الاثنين، وقد غاب خمس ليال. وروى الزبير بن بكار عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي قال: مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان، فسأل عنه، فقيل: اسمه يا رسول الله بيسان- وهو مالح- فقال: «بل هو نعمان وهو طيب» فغيّر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الاسم- وغير الله عز وجل الماء، فاشتراه طلحة، فتصدّق به ذكر قدوم امرأة أبي ذر على ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد، ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- فذكر الحديث، وفيه «فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم. فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه، حتى انتهت إلى العضباء فلم ترغ، قال: وهي ناقة مدربة، فقعدت في عجزها، ثم زجرتها فانطلقت، وقد رأوها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت إن نجّاها الله- عز وجل- لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقالت: إنّها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرّنها، فأتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكروا ذلك له فقال: «سبحان الله، بئس ما جزتها نذرت إن نجّاها الله لتنحرنّها، لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» . زاد ابن إسحاق من مرسل الحسن «إنما هي ناقة من إبلي، ارجعي إلى أهلك على بركة الله» [ (1) ] . وقدم ابن أخي عيينة بلقحة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السّمراء فبشرته بها سلمى، فخرج- صلى الله عليه وسلّم مستبشرا، وإذا رأسها بيد ابن أخي عيينة، فلما رآها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عرفها، ثم قال: أيم بربك فقال: يا رسول الله أهديت لك هذه اللقحة، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقبضها منه، ثم أقام عنده يوما أو يومين، ثم أمر له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بثلاث أواق من فضّة، فجعل يتسخّط، قالت سلمى: فقلت: يا رسول الله أتثيبه على ناقة من إبلك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم» : نعم وهو يتسخّط عليّ» . ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الظهر، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الرّجل ليهدي إليّ النّاقة من إبلي أعرفها كما أعرف بعض أهلي، ثمّ أثيبه عليها فيظلّ يتسخّط

_ [ (1) ] أبو داود 3/ 807 (3537) والترمذي 5/ 730 (3945) ، وأخرجه الطبراني في الكبير 11/ 18 وانظر المجمع 4/ 148 والحميدي (1051، 1053) وعبد الرزاق في المصنف (19920) وأحمد 2/ 292 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1145، 1146) والنسائي 6/ 280.

ذكر من قتل في هذه الغزوة

عليّ، لقد هممت أن لا أقبل هديّة إلّا من قرشي أو أنصاري أو ثقفيّ أو دوسيّ» . ذكر من قتل في هذه الغزوة فمن المسلمين محرز بن نضلة، أحد بني أسد بن خزيمة، وابن وقّاص بن مجزّز- بميم مضمومة فجيم فزايين معجمتين، الأولى مشددة مكسورة المدلجيّ- فيما نقل ابن هشام عن غير واحد من أهل العلم. ومن الكفار مسعدة بن حكمة- بفتحتين، وأوثار- بضم الهمزة وبالثاء المثلثة عند محمد بن عمر، وابن سعد، وبالموحدة عند ابن إسحاق، وقال ابن عقبة: أوبار- بفتح الهمزة وسكون الواو فموحدة والله أعلم. وابنه عمرو بن أوبار، وحبيب بن عيينة، وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، ووقع عند ابن عقبة: وقرفة امرأة مسعدة. ذكر بعض ما قيل من الشعر في غزوة ذي قرد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: لولا الّذي لاقت ومسّ نسورها ... بجنوب ساية أمس في التّقواد للقينكم يحملن كلّ مدجّج ... حامي الحقيقة ماجد الأجداد ولسرّ أولاد اللّقيطة أنّنا ... سلم غداة فوارس المقداد كنّا ثمانية وكانوا جحفلا ... لجبا فشكّوا بالرّماح بداد كنّا من القوم الّذين يلونهم ... ويقدّمون عنان كلّ جواد كلّا وربّ الرّاقصات إلى منّى ... يقطعن عرض مخارم الأطواد حتّى نبيل الخيل في عرصاتكم ... ونؤوب بالملكات والأولاد رهوا بكلّ مقلّص وطمرّة ... في كلّ معترك عطفن وواد أفنى دوابرها ولاح متونها ... يوم تقاد به ويوم طراد وكذا الرّعان جيادنا ملبونة ... والحرب مشعلة بريح غواد وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي ... جنن الحديد وهامة المرتاد أخذ الإله عليهم بحرامه ... أيام ذي قرد وجوه عباد فلما قالها حسان بن ثابت غضب عليه سعد بن زيد، وحلف أن لا يكلمه أبدا، ثم قال: انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد، فاعتذر إليه حسّان، وقال: ما ذاك أردت ولكن الرّوي وافق اسم المقداد، وقال أبياتا يرضي بها سعدا

تنبيهات

إذا أردتّم الأشدّ الجلدا ... أو ذا غناء فعليكم سعدا سعد بن زيد لا يهدّ هدّا فلم يقبل منه سعد ولم يغن شيئا. وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس: أتحسب أولاد اللّقيطة أنّنا ... على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس وإنّا أناس لا نرى القتل سبّة ... ولا ننثني عند الرّماح المداعس وإنّا لنقري الضّيف من قمع الذّرى ... ونضرب رأس الأبلج المتشاوس نردّ كماة المعلمين إذا انتخوا ... بضرب يسلّي نخوة المتقاعس بكلّ فتى حامي الحقيقة ماجد ... كريم كسرحان الغضاة مخالس يذودون عن أحسابهم وتلادهم ... ببيض تقدّ الهام تحت القوانس فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم ... بما فعل الإخوان يوم التّمارس إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم ... ولا تكتموا أخباركم في المجالس وقولوا زللنا عن مخالب خادر ... به وحر في الصّدر ما لم يمارس قال ابن إسحاق: وقال شدّاد بن عارض الجشميّ في يوم ذي قرد، يعني لعيينة بن حصن، وكان عيينة يكنى بأبي مالك: فهلّا كررت أبا مالك ... وخيلك مدبرة تقتل ذكرت الإياب إلى عسجد ... وهيهات قد بعد المقفل وطمّنت نفسك ذا ميعة ... مسحّ النّضال إذا يرسل إذا قبّضته إليك الشّما ... ل جاش كما اضطرم المرجل فلمّا عرفتم عباد الإل ... هـ لم ينظر الآخر الأوّل عرفتم فوارس قد عوّدوا ... طراد الكماة إذا أسهلوا إذا طردوا الخيل تشقى بهم ... فضاحا وإن يطردوا ينزلوا فيعتصموا في سواء المقا ... م بالبيض أخلصها الصّيقل تنبيهات الأول: ذو قرد- بفتح القاف والراء، وحكي الضّم فيها، وحكي ضم أوله وفتح ثانيه. قال الحازمي- رحمه الله-: الأوّل ضبط أصحاب الحديث، والضّم عن أهل اللغة، وقال

البلاذري- رحمه الله- الصّواب الأول.: وهي على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان، وقيل على مسافة يوم، قال السهيلي: والقرد في اللغة الصّوف. الثاني: قال البخاري في صحيحه في غزوة ذي قرد: كانت قبل خيبر بثلاث، وذكرها بعد الحديبية قبل خيبر. قال الحافظ: ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فذكر قصة الحديبية، ثم قصة ذي قرد، وقال في آخرها: فرجعنا- أي من الغزوة- إلى المدينة، فو الله ما لبثنا بالمدينة إلّا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر. وأما ابن إسحاق، ومحمد بن عمر وابن سعد فقالوا: كانت غزوة ذي قرد في سنة ستّ قبل الحديبية. قال محمد بن عمر وابن سعد في ربيع الأول. وقيل في جمادى الأولى. وقال ابن إسحاق في شعبان فيها، فإنه قال: كانت غزوة بني لحيان في شعبان سنة ست، فلما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة لم يقم إلّا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه- صلى الله عليه وسلم- قال ابن كثير: وما ذكره البخاريّ أشبه بما ذكره ابن إسحاق. وقال أبو العباس القرطبي- وهو شيخ صاحب التذكرة والتفسير- تبعا لأبي عمر- رحمهم الله: لا يختلف أهل السير أنّ غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، يكون ما وقع في حديث سلمة وهم من بعض الرّواة. قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون- صلى الله عليه وسلّم- أغزى سريّة فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه وعمّن خرج معه، يعني حيث قال: خرجنا إلى خيبر قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرّتين. انتهى. قال الحافظ- رحمه الله- تعالى: وسياق الحديث يأبى هذا الجمع، فإن فيه بعد قوله: خرجنا إلى خيبر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعل عمّي يرتجز بالقوم، وفيه قول النبي- صلى الله عليه وسلم- من السّائق وفيه مبارزة عمه لمرحب وقتل عامر، وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حيث خرج إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعلى هذا ما في الصحيح أصحّ مما ذكره أهل السير. قال الحافظ: ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللّقاح وقعت مرّتين، الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر.

وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيّده أنّ الحاكم ذكر في الإكليل أنّ الخروج إلى ذي قرد تكرّر، ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي- صلى الله عليه وسلم- في ربيع الآخر سنة خمس، والثّالثة هذه المختلف فيها- انتهى. فإذا ثبت هذا قوي الجمع، الذي ذكرته، والله أعلم. الثالث: في حديث سلمة عند مسلم: إن عبد الرحمن بن عيينة بن حصن أغار على اللّقاح، وفي حديثه عند الطبراني أنه عيينة بن حصن، ولفظ ابن عقبة: أنه عيينة بن بدر، ويقال إن مسعدة كان رئيسا للقوم في هذه الغزوة، ولا منافاة بين ما ذكر، فإن كلا منهما كان رئيسا فيهم، وكان حاضرا. الرابع: حديث سلمة- رضي الله عنه- أنه استنقذ جميع ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعبارة بن عقبة: استنقذوا السّرح. والذي ذكره ابن إسحاق، وابن عمر، وابن سعد وغيرهم أنه استنقذ من اللّقاح عشرة فقط، وما في حديث سلمة- رضي الله عنه- هو المعتمد، لصحة سنده. الخامس: في حديث سلمة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركب في رجوعه إلى المدينة العضباء، وأردف سلمة وراءه، وفي حديث عمران بن حصين السّابق: إن امرأة أبي ذرّ أخذتها من العدو وركبتها. السادس: في بيان غريب ما سبق: حصن- بكسر الحاء الفزاريّ- بفاء مفتوحة فزاي فألف فراء: قبيلة من غطفان. غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة المشالة، وبالفاء. اللّقاح- بكسر اللام، وتخفيف القاف فمهملة: ذوات اللّبن من الإبل، واحدها لقحة- بكسر اللام وفتحها، واللّقوح: الحلوب. عيينة- بضم العين المهملة وكسرها. البيضاء- تأنيث أبيض: اسم موضع عند الجبل. الغابة- بالغين المعجمة، والموحدة: مال من أموال عوالي المدينة. الأثل: شجر عظيم لا ثمر له، الواحدة أثلة. الطّرفاء: شجر من شجر البادية وشطوط الأنهار، واحدتها طرفة بفتح الطاء والرّاء مثل قصبة وقصباء. يئوب: يرجع.

الضاحية: الناحية البارزة. ذويه: أصحابه. أحدق به- بهمزة مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فدال مهملة فقاف: أطاف. قبل أن يؤذّن بالأولى: يعني صلاة الصّبح. الظّهر: الرّكاب التي تحمل الأثقال في السّفر. أندّية- بضم أوّله وبالنّون وتشديد الدال المهملة، والتّندية أن يورد الماء ساعة، ثم يرد إلى المراعي ساعة ثم الماء، كذا قال أبو عبيد والأصمعي وقال ابن قتيبة: إنما هو أبدّيه- بالموحدة، أي أخرجه إلى البدو، وأنكر الأوّل. وقال: ولا يكون إلا للإبل خاصة وقال الأصمعي التندية تكون للإبل والخيل، أو هو الصحيح وهذا الحديث يشهد له. وخطّأ الأزهري ابن قتيبة وصوّب الأوّل. السّرح- بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السّائم المرسل في المرعى. سلع بفتح السين المهملة، وسكون اللّام، وبالعين المهملة: جبل بالمدينة يا صباحاه: كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوّه، لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصّباح، ويسمّون يوم الغارة يوم الصّباح. اللّبّتان: تثنية لابّة: وهي الحرّة، وهي الأرض ذات الحجارة السّود. أردّيهم- بضم الهمزة، وفتح الرّاء، وتشديد الدال المهملة: يرميهم. أعقر بهم: أقتل دوابهم. الأكوع- بهمزة مفتوحة، فكاف ساكنة، فواو مفتوحة، فعين مهملة العظيم الكاع: الكوع، وهو طرف الزند ممّا يلي الرّسغ، والكوع طرفه الذي يلي الإبهام، والكاع طرفه الذي يلي الخنصر وهو الكرسوع والكوع أخفاهما وأشدهما، درمة، والدّرم أن لا يظهر للعظم حجم. اليوم يوم الرّضّع- بالرفع فيهما، وينصب الأول ويرفع الثاني على جعل الأوّل ظرفا. قال: وهو جائز إذا كان الظّرف واسعا ولم يضق عن الثاني. الرّضّع- بضمّ الرّاء كركّع، ورضاع: وهو اللئيم. قال السهيلي: قال أهل اللّغة: يقال في اللؤم- رضع- بالفتح- يرضع بالضّمّ رضاعة لا غير. ورضع الصّبيّ ثدي أمّه يرضع بالفتح- رضاعا مثل سمع. يسمع سماعا، والمعنى اليوم يوم هلاك اللئام، والأصل فيه أن شخصا كان

ذكر حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلب العدو، وشرح غريبه

شديد البخل، فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها، فيسمع جيرانه ومن يمرّ به صوت الحلب فيطلبون منه اللّبن. وقيل: بل صنع ذلك لئلّا يتبدد من اللّبن شيئا إذا حلب في الإناء، ويبقى في الإناء شيء إذا شربه، فقالوا في المثل: «ألأم من راضع» . وقيل غير ذلك. الثنايا: جمع ثنية، وهي العقبة المسلوكة. البرح- بفتح الموحدة وسكون الراء: المشدة والأذى. ذكر حث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طلب العدو، وشرح غريبه الفزع الفزع: منصوبان بفعل محذوف. يا خيل الله اركبي: على حذف مضاف، أي يا فرسان خيل الله. الأريّ- بفتح الهمزة وسكون الراء، وتشديد التحتية: مربط الدابة، وقيل: معلفها. قال في العين: وقال الأصمعي: هو حبل مربوط في الأرض ويبرز طرفه يربط به الدابة، وأصله من الحبس والإقامة، من قولهم: تأرّى بالمكان: أقام به. الحائط: البستان المحوط عليه. فرسا صنيعا- بفتح الصاد المهملة وكسر النون فتحتية ساكنة فعين مهملة، فعيل بمعنى مفعول، يقال منه صنعت فرسي صنعا، وصنعة: إذا أحسنت القيام عليه، فهو صنيع. جامّا- بجيم وميم مشدّدة: مرتاحا له مدة لم يركب. بذّ الخيل- بفتح الموحدة وتشديد الذّال المعجمة: سبقها. بجماحه: بفتح الجيم. اللكيعة- بفتح اللام، وكسر الكاف، فتحتية ساكنة، فعين مهملة مفتوحة، اللئيمة. من أدباركم: من ورائكم. جال الفرس- بالجيم: نفر من مكانه يقتطعوك: يحول بيننا وبينك. ثكلته أمه: فقدته. أكوعه، وفي لفظ: أكوعي، برفع العين في الأوّل لفظا، وفي الثاني تقديرا، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار، ولهذا قال: نعم. لأنه كان أول ما لحق بهم صاح بهم: أنا ابن الأكوع، فلما لحق بهم آخر النهار- وقال هذا القول قالوا: أنت الذي كنت معنا بكرة؟ قال: نعم. انتظمهما: نفذ رمحه أو سهمه فيهما. الجرء- بضم الجيم، وسكون الراء، وبالهمزة والجرأة. بفتحتين، وبالمد- على

شرح غريب ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلب العدو

الشيء: الهجوم، والإسراع بالهجوم عليه من غير توقف. أصرت أذنيها: جمعتهما. الزّوراء: بفتح الزّاي وبالمد: موضع عند سوق المدينة قرب المسجد. الشّوط- بالشين المعجمة والطاء المهملة: مسافة يعدوها الفرس كالميدان ونحوه. ذباب- بذال معجمة تضم وتكسر وموحدتين: جبل بالمدينة. قمع دابّته: ذلّلها. يحاكيني: يساويني في المشي. فنشب- بنون فشين معجمة فموحدة: لبث. القدح: بكسر القاف وسكون الدّال وبالحاء المهملتين: السهم. الفاره- بفاء وراء مكسورة: الخفيف النشيط. كليلة: محيطة من جميع جوانبه. المغفر- بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة، وفتح الفاء وبالراء: زرد ينسج من الدّروع على قدر الرأس يجعل تحت القلنسوة. أثبتني: عرفني. المجالدة: المضاربة بالسيوف. المطاعنة: المضاربة بالرماح. متأبّط: أخذ شيئا تحت إبطه. ألحت- بتخفيف الحاء المهملة: أشرت. شرح غريب ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لطلب العدو المقنّع- بضم الميم، وفتح القاف، وفتح النون المشددة، وبالعين المهملة،: الذي لبس بيضة. عدو: جري. يجوس: أصل الجوس شدّة الاختلاط ومداركة الضرب. الصّريخ: بالمهملة، وبالخاء المعجمة: الاستغاثة. الأمداد- جمع مدد، وهم الأعوان والأنصار. الشعار- بكسر الشين المعجمة: العلامة في الحرب.

شرح غريب شعر حسان - رضي الله عنه -

أمت أمت: أمر بالإماتة، وتقدم بيانه في غزوتي بدر وأحد. السّطيحة: المزادة التي تكون من أديمين، قوبل أحدهما بالآخر فسطح عليه، وهي من أواني المياه. المذقة- بفتح الميم، وسكون الذال المعجمة القليل من لبن ممزوج بماء (أجليتهم عنه) بفتح الهمزة وسكون الجيم طردتهم (حميت القوم الماء) منعتهم من الشرب (النواجذ) جمع ناجذ بالذال المعجمة. السن بين الأضراس، والمراد هنا الأنياب. العضباء: ناقة النبي- صلى الله عليه وسلّم. عدا: عدوا على الرجلين. أسجح- بقطع الهمزة، وسكون السين المهملة، وكسر الجيم، وبالحاء المهملة: أرفق وسهّل واعف واسمح، والإسجاح: حسن العفو. يغبقون- بتحتيّة مضمومة، فغين معجمة ساكنة، فموحدة مفتوحة، الغبوق: الشرب بالعشيّ، أي يسقون اللبن بالعشيّ. يقرون- بضم التحتية، وسكون القاف، وفتح الراء يضيّفون. يتحسّب- بفتح الحاء والسين المشددة المهملتين فموحدة يتعرّف ويستخبر. طفرت- بالطاء والراء المهملتين بينهما فاء: وثبت ونفرت. ربطت نفسي: حبستها عن الجري. الشرف: ما ارتفع عن الأرض. أصكّ بين كتفيه: أضرب. شرح غريب شعر حسان- رضي الله عنه- النسور- بنون، فسين مهملة: جمع نسر، وهو هنا ما يكون في بطن حافر الدابة كأنها نواة أو حصاة، وأضمر ذكر الخيل وإن لم يتقدم لها ذكر، لأن الكلام يدل عليها، وفي الفرس عشرون عضوا كل عضو منهما، سمي باسم طائر. ساية- بسين مهملة، فألف فتحتية، اسم قرية جامعة من عمل الفرع بها أكثر من سبعين عينا. التّقواد- بفوقية مفتوحة مشددة، فقاف ساكنة، وآخره دال مهملة، أي جرّها بالمقود من أمام. والسّوق: من خلف. المدجج- بضم الميم، وفتح الدال، وفتح الجيم الأولى وتشديدها وتكسر: الكامل السلاح.

الحامي: المانع. الحقيقة: بحاء مهملة، وقافين بينهما تحتية: ما يحقّ على الرجل أن يحميه. الماجد: الشريف. بنو اللّقيطة: هم الملتقطون الذين لا يعرف آباؤهم. السلم- بفتح السين المهملة، وكسرها: الصلح. الجحفل- بجيم مفتوحة، فحاء مهملة ساكنة، ففاء مفتوحة، فلام، الجيش الكثير. اللّجب- بفتح الهمزة واللام الثانية: وكسر الجيم، وبالموحدة: الكثير الأصوات. شكّوا: بشين معجمة، فكاف مشددة، والشّك- بالفتح هنا الطعن، وروي باللّام، وهو الطرد. بداد- بموحدة مفتوحة فدالين مهملتين من التّبدّد، وهو التّفرّق، بني على الكسر، وهو في موضع نصب، كانتصاب المصدر في قولك: مشيت القهقرى، وقعدت القرفصاء، كأنه قال: طعنوا الطّعنة التي يقال لها بداد. الجواد: من الخيل السريع. الرّقصات. هنا الإبل، والرّقص والرّقصان، ضرب من مشيها. المخارم- بالخاء المعجمة جمع مخرم: وهو ما بين الجبلين. الأطواد: الجبال المرتفعة. نبيل الخيل، من لفظ التبول، أي نجعلها تبول. نؤوب: بفتح الفوقية، وبالهمزة: نرجع. الملكات: النساء اللّاتي أملكن. الرّهو: بفتح الراء المشي في سكون. المقلّص: المشمر. طمرّة فرس: وثّابة سريعة. المعترك: موضع الحرب. رواد: من رواه بفتح الراء فمعناه: سريعات، من ردى الفرس يردي: أسرع، أي تردي بفرسانها، أي تسرع. ومن رواه بكسر الراء فهو من المشي الرّويد، وهو الذي فيه فتور. دوابرها: أواخرها.

شرح غريب قصيدة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

لاح: غيّر وأضعف. متونها: ظهورها. الطّراد: مطاردة الأبطال بعضهم بعضا. الجياد: جمع جواد، تقدم. ملبونة: تسقي اللّبن. مشعلة: موقدة. غواد- جمع غادية. تجتلي- بفوقية مفتوحة، فجيم معجمة ساكنة، فموحدة، فلام مكسورة، تقطع. الجنن- بضم الجيم، ونونين جمع جنّة كذلك السلاح. الهامة: الرأس. المرتاد: الطالب للحرب هنا. الأسداد: جمع سدّ، بفتح السين: ما يسد به على الإنسان فيمنعه عن وجهه. عباد- بكسر المهملة: أحد جمع عبد. شرح غريب قصيدة كعب بن مالك- رضي الله عنه- ننثني: نرجع. المداعس: المطاعن، واحدها مدعس، يقال دعسه بالرمح إذا طعنه. القمع- بقاف، فميم مضمومتين فعين مهملة جمع قمعة، وهي أعلى سنام البعير. الذّرى- بضم الذال المعجمة، وفتح الراء: الأسنمة. الأبلخ- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة، وبالخاء المعجمة: المتكبر. المتشاوس- بفوقية فشين معجمة، وآخره سين مهملة: الذي ينظر بمؤخر عينه نظر المتكبر. المعلمين- بسكون العين، وكسر اللام. الكماة- بضم الكاف: الشجعان. انتخوا: تكبروا. يسلّي- بضم أوله، وفتح ثانيه، وتشديد اللام. النّخوة- بفتح النون، وسكون الخاء المعجمة: العظمة والتكبر. المتقاعس: الذي لا يلين ولا ينقاد. السّرحان: الذئب.

شرح غريب قصيدة شداد بن عارض الحشمي - رضي الله عنه -

الغضاة: شجرة، وجمعها غضى: ويقال: أخبث الذئاب ذئاب الغضى. المخالس: الذي يخطف الشيء سرعة على غفلة. يذودون: يمنعون ويدفعون. الأحساب: جمع حسب بفتحتين: ما يعدّ من الماثر. التّلاد: بكسر الفوقية: المال القديم. تقدّ: تقطع. القوانس- بالقاف: أعالي بيض الحديد، واحدها قونس. التّمارس: المضاربة في الحرب والمقاربة المخالب- بميم فخاء معجمة مفتوحتين: جمع مخلب- بكسر الميم، ظفر كل سبع من الماشي والطائر، أو هو لما يصيد من الطير، والظفر لما لا يصيد. الخادر: الأسد في خدره، وهي الأجمة. الوحر: بالحاء والراء المهملتين: الحقد. شرح غريب قصيدة شداد بن عارض الحشمي- رضي الله عنه- الإياب: الرجوع. عسجد: بلفظ اسم الذهب: اسم موضع. وهيهات: اسم فعل بمعني بعد. المقفل: الرجوع. ذو ميعة: فرس ذو نشاط. المسحّ- بكسر الميم، وفتح السين، والحاء المشددة، المهملتين، الكثير الجري. الفضاء- بالفاء المعجمة: المتسع من الأرض. جاش- بالجيم، والشين المعجمة: تحرك وغلى. اضطرم: ويروى بالباء، أي في جريه، وبالموحدة، أي تحرّك. المرجل: بكسر الميم: القدر. لم ينظر: لم ينتظر. أسهلوا: أخذوا في سهل الأرض. الفضاح: الفاضحة- بالفاء، والضاد المعجمة والمهملة. الصيقل: الذي يزيل ما على السلاح من الصدأ.

الباب الرابع والعشرون في غزوة خيبر

الباب الرابع والعشرون في غزوة خيبر قال ابن عقبة، وابن إسحاق: ولمّا قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة من الحديبية- زاد ابن إسحاق في ذي الحجة- مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها، ثم خرج غاديا إلى خيبر- زاد ابن إسحاق في المحرم- وكان الله- عز وجل- وعده إيّاها وهو بالحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة، فأعطاه الله- تعالى- فيها خيبر: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [الفتح 20]- خيبر. قال محمد بن عمر: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه بالخروج فجدّوا في ذلك، واستنفر من حوله ممّن شهد الحديبية يغزون معه، وجاءه المخلّفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة، فقال: «لا تخرجوا معي إلّا راغبين في الجهاد، فأمّا الغنيمة فلا» . قال أنس- رضي الله عنه-: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة- رضي الله عنه- حين أراد الخروج إلى خيبر: «التمسوا إليّ غلاما من غلمانكم يخدمني» فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام، قد راهقت، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نزل خدمته-، فسمعته كثيرا ما يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال» رواه سعيد بن منصور. [ (1) ] واستخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة. قال ابن هشام: نميلة أي بضم النون، وفتح الميم، وسكون التحتية، ابن عبد الله الليثي. - كذا قال والصحيح سباع- بكسر السين بن عرفطة- بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة، فطاء مهملة كما رواه الإمام أحمد، والبخاري في التاريخ الصغير، وابن خزيمة، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنهم [ (2) ] . وأخرج معه أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها. ولمّا تجهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والناس شق على يهود المدينة الّذين هم موادعو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعرفوا أنّه إن دخل خيبر أهلك أهل خيبر، كما أهلك بني قينقاع، والنّضير وقريظة. ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حقّ إلا لزمه. وروى محمد بن عمر عن شيوخه، وأحمد، والطبراني عن ابن أبي حدرد بمهملات

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 177 (6363) ، وأحمد في المسند 3/ 159 والنسائي 8/ 274، والبيهقي 9/ 125. [ (2) ] أخرجه البخاري في التاريخ الصغير 1/ 43، والبيهقي قي الدلائل 4/ 198.

وزن جعفر- بسند صحيح أنه كان لأبي الشّحم اليهودي خمسة دراهم، ولفظ الطبراني: أربعة دراهم في شعير أخذه لأهله فلزمه. فقال: أجّلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقّك إن شاء الله، قد وعد الله- تعالى- نبيه أن يغنمه خيبر، فقال أبو الشّحم حسدا وبغيا: أتحسبون أنّ قتال خيابر مثل ما تلقون من الأعراب، فيها- والتّوراة- عشرة آلاف مقاتل، وترافعا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أعطه حقّه» قال عبد الله: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قال: أعطه حقه. قال وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قال ثلاثا لم يراجع. قال عبد الله: فخرجت فبعت أحدا ثوبي بثلاثة دراهم، وطلبت بقية حقّه فدفعت إليه ولبست ثوبي الآخر. وأعطاني ابن أسلم بن حريش بفتح الحاء وكسر الراء وبالشين المعجمة ثوبا آخر [ (1) ] . ولفظ الطّبراني: فخرج به ابن أبي حدرد إلى السّوق وعلى رأسه عصابة وهو يأتزر بمئزر، فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر منّي هذه، فباعها منه بالدراهم فمرتّ عجوز فقالت: مالك يا صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبرها، فقالت: هادونك هذا البرد، فطرحته عليه، فخرجت في ثوبين مع المسلمين، ونفلني الله- تعالى- من خيبر، وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم قرابة، فبعتها منه. وجاء أبو عبس- بموحدة- ابن جبر- بفتح الجيم وسكون الموحدة، فقال يا رسول الله ما عندي نفقة ولا زاد ولا ثوب أخرج فيه، فأعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شقة سنبلانيّة: جنس من الغليظ شبيه بالكرباس. قال سلمة: خرجنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول: اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فاغفر فداء لك ما اتّقينا ... وألقين سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا ... إنّا إذا صيح بنا أتينا وبالصّياح عوّلوا علينا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من هذا السّائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع قال: «يرحمه الله» وفي رواية «غفر لك ربك» . قال: وما استغفر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لإنسان يخصّه إلّا استشهد. فقال عمر- وهو على جمل: وجبت يا رسول الله: لولا أمتعتنا بعامر [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 423 والطبراني في الصغير (234) وانظر المجمع 4/ 129 وقال رجاله ثقات إلا إن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة فيكون مرسلا صحيحا. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 530 (4196) وأخرجه مسلم 3/ 1427 (123/ 1802) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 201.

روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي أمامة، والبيهقي عن ثوبان- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة خيبر: «من كان مضعّفا أو مصعّبا فليرجع» . وأمر بلالا فنادى بذلك، فرجع ناس، وفي القوم رجل على صعب، فمر من اللّيل على سواد فنفر به فصرعه فلما جاءوا به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما شأن صاحبكم؟» فأخبروه، فقال: «يا بلال، ما كنت أذّنت في الناس، من كان مضعّفا أو مصعّبا فليرجع» ؟ قال: نعم. فأبى أن يصلي عليه. زاد البيهقي، وأمر بلالا فنادى في الناس «الجنة لا تحل لعاص» ثلاثا [ (1) ] . قال محمد بن عمر: وبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الطريق في ليلة مقمرة إذ أبصر رجلا يسير أمامه عليه شيء يبرق في القمر كأنه في شمس وعليه بيضة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من هذا» ؟ فقيل: أبو عبس بن جبر فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أدركوه قال: فأدركوني فحبسوني، فأخذني ما تقدم وما تأخر، فظننت أنّه قد أنزل في أمر من السماء، فجعلت أتذكّر ما فعلت حتى لحقني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما لك تقدّم النّاس لا تسير معهم» ؟ قلت: يا رسول الله: إنّ ناقتي نجيبة، قال: فأين الشّقيقة التي كسوتك» قلت يا رسول الله: بعتها بثمانية دراهم، فتزودت بدرهمين وتركت لأهلي درهمين، وابتعت هذه البردة بأربعة دراهم،. فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء والذي نفسي بيده، لئن سلمتم وعشتم قليلا ليكثرنّ زادكم، وليكثرنّ ما تتركون لأهليكم ولتكثرنّ دراهمكم وعبيدكم وما ذلك لكم بخير» . قال أبو عبس: فكان والله كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال سويد بن النعمان- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا وصل إلى الصّهباء- وهي أدنى خيبر- صلّى العصر، ثمّ دعا بالأزواد، فلم يؤت إلّا بالسويق، فأمر به فثرّي فأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأكلنا معه، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ. رواه البخاري، [ (2) ] والبيهقي. زاد محمد بن عمر: ثم صلى بالناس العشاء، ثم دعا بالأدلاء فجاء حسيل بن خارجة وعبد الله بن نعيم الأشجعي فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لحسيل: يا حسيل: امض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية حتى تأتي خيبر من بينها وبين الشام، فأحول بينهم وبين الشام وبين حلفائهم من غطفان» فقال حسيل: أنا أسلك بك، فانتهى به إلى موضع له طرق، فقال: يا رسول الله إن لها طرقا تؤتى منها كلها. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «سمّها لي» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحبّ الفأل الحسن والاسم الحسن، ويكره الطّيرة، والاسم القبيح، فقال: لها طريق يقال لها حزن، وطريق يقال لها: شاش، وطريق يقال لها حاطب، فقال

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 7/ 227. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 529 (4195) .

ذكر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أشرف على خيبر

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تسلكها» . قال: لم يبق إلا طريق واحد يقال له: مرحب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «أسلكها» . ذكر دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على خيبر روى ابن إسحاق عن أبي مغيث بن عمرو- رضي الله عنه- وهو بغين معجمة، وثاء مثلثة عند ابن إسحاق، وبعين مهملة مفتوحة ففوقية مشدّدة فموحدة عند الأمير، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما أشرف على خيبر، قال لأصحابه: «قفوا» فوقفوا. فقال: اللهم رب السموات السّبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، وربّ الرّياح وما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها، أقدموا بسم الله» . وكان يقولها لكل قرية يريد دخولها. ورواه النسائي وابن حبان عن صهيب [ (1) ] . ذكر وصول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر قال محمد بن عمر: ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى إلي المنزلة، وهي سوق لخيبر، صارت في سهم زيد بن ثابت- رضي الله عنه- فعرّس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بها ساعة من الليل، وكانت يهود لا يظنّون قبل ذلك إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعددهم، فلما أحسّوا بخروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم قاموا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا، ثم يقولون: محمّد يغزونا هيهات هيهات!! وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم غادين معهم المساحي، والكرازين والمكاتل، فلمّا نظروا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولّوا هاربين إلى حصونهم. وروى الإمام الشافعي، وابن إسحاق، والشيخان من طرق عن أنس- رضي الله عنه- قال: سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فانتهى إليها ليلا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا طرق قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح، فإذا سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم حتى يصبح، فصلينا الصّبح عند خيبر بغلس، فلم نسمع أذانا، فلما أصبح ركب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وركب معه المسلمون وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- فانحسر عن فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإني لأرى بياض فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإنّ قدمي لتمسّ قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أخرجه ابن خزيمة (2565) والبخاري في التاريخ الكبير 6/ 472 والطبراني في الكبير 8/ 39، والبيهقي في الدلائل 4/ 204 وابن السني (518) .

ذكر ابتدائه - صلى الله عليه وسلم - بأهل النطاة

وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم، فلمّا رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: محمّد والخميس. فأدبروا هربا. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورفع يديه: «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» [ (1) ] . وروى الترمذي وابن ماجة والبيهقي، بسند ضعيف عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر على حمار مخطوم برسن من ليف، وتحته إكاف من ليف [ (2) ] . قال ابن كثير: الذي ثبت في الصحيح، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس لا على حمار، قال: ولعلّ هذا الحديث- أن كان صحيحا- محمول على أنه ركبه في بعض الأيام، وهو محاصرها. قال محمد بن عمر- رحمه الله- وجاء الحباب- بضم الحاء المهملة، وموحدتين ابن المنذر- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان من أمر أمرت به فلا نتكلم، وإن كان الرأي تكلّمنا. فقال- صلى الله عليه وسلم- «هو الرأي» فقال: يا رسول الله. دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، والنّزّ مع أنّ أهل النّطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم، ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون علينا، ينالنا نبلهم، ولا نأمن من بياتهم، يدخلون في خمر النخل فتحوّل يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى موضع بريء من النزّ ومن الوباء نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا تنالنا نبالهم ونأمن من بياتهم ونرتفع من النزّ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أشرت بالرّأي، ولكن نقاتلهم هذا اليوم» [ (3) ] . ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم بريئا من الوباء، نأمن فيه من بياتهم، فطاف محمد حتى أتى الرّجيع، ثم رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله وجدت لك منزلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «على بركة الله» [ (4) ] . ذكر ابتدائه- صلى الله عليه وسلّم- بأهل النطاة صفّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه ووعظهم وأنهاهم عن القتال حتى يأذن لهم، فعمد رجل من أشجع فحمل على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله، فقال الناس: استشهد فلان،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 89 (610، 2991) ، ومسلم 3/ 1426 (120/ 1365) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 3/ 337 (1017) وابن ماجة (4178) ، الحاكم في المستدرك 2/ 466 والبيهقي في الدلائل 4/ 204، وانظر الدر المنثور 6/ 111. [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 2/ 109. [ (4) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9291) .

ذكر أخذ الحمى المسلمين ورفعها عنهم ببركته - صلى الله عليه وسلم -

فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أبعد ما نهيت عن القتال؟. قالوا: نعم. فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مناديا فنادى في الناس «لا تحل الجنة لعاص» . وروى الطبراني في الصغير عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ: «لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله تعالى العافية، فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهمّ أنت ربّنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم أنت، ثمّ الزموا الأرض جلوسا، فإذا غشوكم فانهضوا، وكبّروا» ، وذكر الحديث [ (1) ] . قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: وفرّق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الرايات، ولم تكن الرّايات إلّا يوم خيبر، وإنما كانت الألوية. وكانت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سوداء من برد لعائشة- رضي الله عنها- تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، دفعه إلى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم «يا منصور أمت» [ (2) ] . وأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في القتال، وحثّهم على الصّبر، وأوّل حصن حاصره حصن ناعم بالنّون، والعين المهملة، وقاتل- صلى الله عليه وسلّم- يومه ذلك أشدّ القتال، وقاتله أهل النّطاة أشد القتال، وترّس جماعة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ، وعليه- كما قال محمد بن عمر- درعان وبيضة ومغفر، وهو على فرس يقال له الظّرب، وفي يده قناة وترس. وتقدم في حديث أنس: أنه كان على حمار فيحتمل أنّه كان عليه في الطريق، ثم ركب الفرس حال القتال. والله أعلم. فقال الحباب: يا رسول الله لو تحولت؟ فقال: «إذا أمسينا- إن شاء الله- تحوّلنا» . وجعلت نبل يهود تخالط العسكر وتجاوزه، والمسلمون يلتقطون نبلهم ثم يردّونها عليهم- فلما أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحوّل إلى الرّجيع وأمر النّاس فتحوّلوا، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغدو بالمسلمين على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم. ذكر أخذ الحمى المسلمين ورفعها عنهم ببركته- صلّى الله عليه وسلم- وروى البيهقي عن طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان الفهري وعن أبي قلابة وأبي نعيم، والبيهقي عن عبد الرحمن بن المرقع- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه

_ [ (1) ] بنحوه أخرجه مسلم في الجهاد باب 6 رقم (20) ، وهو عند البخاري بنحوه أيضا في الصحيح حديث (7237) ، والدارمي 2/ 216 وعبد الرزاق (9513) (9518) وأبو داود في الجهاد باب 97. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 48 وذكره ابن حجر في المطالب (4202) والواقدي في المغازي 1/ 407.

ذكر فتحه - صلى الله عليه وسلم - حصن الصعب بن معاذ بن النطاة وما وقع في ذلك من الآيات

- رحمهم الله تعالى- أن المسلمين لمّا قدموا خيبر أكلوا الثّمرة الخضراء وهي وبيئة وخيمة، فأكلوا من تلك الثمرة. فأهمدتهم الحمّى، فشكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «قرسوا الماء في الشّنان، فإذا كان بين الأذانين فاحدروا الماء عليكم حدرا، واذكروا اسم الله- تعالى» ففعلوا فكأنّما نشطوا من العقل [ (1) ] . ذكر فتحه- صلى الله عليه وسلّم- حصن الصعب بن معاذ بن النطاة وما وقع في ذلك من الآيات لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا وماشية ومتاعا منه، وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان الناس قد أقاموا أيّاما يقاتلون ليس عندهم طعام إلّا العلق. وروى محمد بن عمر عن أبي اليسر كعب بن عمر- رضي الله عنه-: أنّهم حاصروا حصن الصّعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصنا منيعا، وأقبلت غنم لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من رجل يطعمنا من هذه الغنم» ؟ فقلت: أنا يا رسول الله فخرجت أسعى مثل الظّبي، وفي لفظ: مثل الظّليم، فلما نظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مولّيا قال: «اللهم متّعنا به» فأدركت الغنم - وقد دخل أوّلها الحصن- فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء، حتى انتهيت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بهما فذبحتا، ثم قسّمهما، فما بقي أحد من العسكر الذين معه محاصرين الحصن إلّا أكل منهما، فقيل لأبي اليسر: كم كانوا؟ قال: كانوا عددا كثيرا. وروى ابن إسحاق عن بعض من أسلم، ومحمد بن عمر- رحمه الله- عن معتّب- بكسر الفوقية المشددة- الأسلمى- رضي الله عنه- واللّفظ له، قال: أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر، وأقمنا عشرة أيام على حصن النّطاة لا نفتح شيئا فيه طعام، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة- بالحاء المهملة والثاء المثلثة، فقالوا ائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقل له: إن أسلم يقرئونك السّلام، ويقولون: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف، فقال بريدة بن الحصيب- بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين: والله إن رأيت كاليوم قط من بين العرب يصنعون هذا، فقال زيد بن حارثة أخو أسماء: والله إني لأرجو أن يكون هذا البعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مفتاح الخير فجاءه أسماء فقال: يا رسول الله إنّ أسلم تقرأ عليك السّلام، وتقول إنّا قد جهدنا من الجوع والضّعف، فادع الله لنا فدعا لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال:

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 7/ 454.

ذكر محاصرته - صلى الله عليه وسلم - حصن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - الذي صار في سهمه بعد

«والله ما بيدي ما أقوّيهم به، قد علمت حالهم، وأنّهم ليست لهم قوة، ثم قال: «اللهم فافتح عليهم أعظم حصن فيها، أكثرها طعاما، وأكثرها ودكا» . ودفع اللّواء إلى الحباب بن المنذر- رضي الله عنه- وندب النّاس، فما رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصّعب بن معاذ. قالت أم مطاع الأسلمية- رضي الله عنها- لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما شكوا من شدّة الحال، فندب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس فنهضوا، فرأيت أسلم أوّل من انتهى إلى حصن الصّعب بن معاذ، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتح الله- تعالى- وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه، وكان عليه قتال شديد. برز رجل من يهود يقال به يوشع، يدعو إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاختلفا ضربات فقتله الحباب، وبرز له آخر يقال له الزّيال، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاريّ، فبادره الغفاري فضربه ضربة على هامته وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاريّ، فقال الناس «بطل جهاده» ، فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذلك فقال: ما بأس به يؤجر ويحمد» . وروى محمد بن عمر عن محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رمى بسهم فما أخطأ رجلا منهم، وتبسّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليّ، وانفرجوا ودخلوا الحصن. وروى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- أنهم وجدوا في حصن الصّعب من الطّعام ما لم يكونوا يظنّون أنه هناك من الشّعير والتّمر والسّمن والعسل والزّيت والودك. ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: كلوا واعلفوا ولا تحملوا، يقول: لا تخرجوا به إلى بلادكم. ذكر محاصرته- صلى الله عليه وسلّم- حصن الزبير بن العوام- رضي الله عنه- الذي صار في سهمه بعد روى البيهقي عن محمد بن عمر قال: لمّا تحولت يهود من حصن ناعم وحصن الصّعب بن معاذ إلى قلة الزّبير حاصرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو حصن في رأس قلة، فأقام محاصرهم ثلاثة أيام، فجاء يهوديّ يدعى غزال فقال: يا أبا القاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النّطاة وتخرج إلى أهل الشّق، فإن أهل الشّق قد هلكوا رعبا منك؟ فأمّنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أهله وماله، فقال اليهودي: إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، لهم دبول

ذكر انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى محاصرة حصون الشق وفتحها

تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد قتال [ (1) ] . وقتل من المسلمين يومئذ نفر، وأصيب من اليهود في ذلك اليوم عشرة، وافتتحه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان هذا آخر حصون النّطاة. فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من النّطاة تحوّل إلى الشّق. ذكر انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى محاصرة حصون الشق وفتحها روى البيهقي عن محمد بن عمر- رحمه الله- عن شيوخه- رحمهم الله- قالوا: لما تحوّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الشّق وبه حصون ذوات عدد، فكان أوّل حصن بدأ به حصن أبيّ، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن، قتالا شديدا، وخرج رجل من يهود يقال له غزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاقتتلا فاختلفا ضربات، ثم حمل عليه الحباب، فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزول، فبادر راجعا منهزما إلى الحصن، فتبعه الحباب، فقطع عرقوبه، فوقع فذفّف عليه، فخرج آخر، فصاح: من يبارز؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش، فقتل الجحشيّ، وقام مكانه يدعو إلى البراز، فبرز له أبو دجانة، وقد عصب رأسه بعصابته الحمراء، فوق المغفر، يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة- رضي الله عنه- فضربه فقطع رجله ثم ذفّف عليه، وأخذ سلبه، درعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فنفله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، وأحجم اليهود عن البراز، فكبّر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحّموا الجدر كأنهم الظباء حتى صاروا إلى حصن النّزال بالشّق، وجعل يأتي من بقي من فلّ النّطاة إلى حصن النّزال، فغلّقوه، وامتنعوا فيه أشدّ الامتناع، وزحف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم في أصحابه، فقاتلهم، فكانوا أشد أهل الشّق رميا للمسلمين بالنّبل والحجارة، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- معهم حتى أصابت النّبل ثياب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلقت به، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم، فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في الأرض، حتى جاء المسلمون فأخذوا أهله أخذا [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 224 والواقدي في المغازي 2/ 646. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 224 والواقدي 2/ 666.

ذكر انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى حصون الكتيبة وبعثه السرايا لوجع رأسه وما وقع في ذلك من الآيات

ذكر انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى حصون الكتيبة وبعثه السرايا لوجع رأسه وما وقع في ذلك من الآيات لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حصون النّطاة، والشّق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة، وأعظم حصونها القموص، وكان حصنا منيعا. ذكر موسى بن عقبة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حاصره قريباً من عشرين ليلة، وكانت أرضا وخمة. وروى الشيخان عن سهل بن سعد، والبخاريّ وابن أبي أسامة، وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع، وأبو نعيم، والبيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. وأبو نعيم عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وأبو ليلى، ومسلم، والبيهقي عن أبي هريرة، والإمام أحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي- رضي الله عنهم- قال بريدة- رضي الله عنه-: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تأخذه الشّقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته الشّقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأرسل أبا بكر- رضي الله عنه- فأخذ راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع، ولم يكن فتح. وقد جهد، ثم أرسل عمر- رضي الله عنه- فأخذ راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، ولم يكن فتح. وفي حديث عن علي عند البيهقي: إن الغلبة كانت لليهود في اليومين [ (1) ] . انتهى. فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه، ليس بفرار، يحب الله ورسوله، يأخذها عنوة» وفي لفظ «يفتح الله علي يديه» قال بريدة: فبتّنا طيّبة أنفسنا أن يفتح غدا، وبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجو أن يعطاها، قال أبو هريرة قال عمر: فما أحببت الإمارة قطّ حتى كان يومئذ [ (2) ] . قال بريدة: فما منّا رجل له من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منزلة إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرّجل، حتى تطاولت أنالها، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه، وليس منّة. وفي حديث سلمة، وجابر: وكان عليّ تخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لرمد شديد كان به لا يبصر، فلما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لا، أنا أتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-!! فخرج

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 209. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 544 (4209) (4210) والبيهقي في الدلائل 4/ 205.

ذكر قتل علي - رضي الله عنه - الحارث وأخاه مرحبا، وعامرا وياسرا فرسان يهود وسبعانها

فلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال بريدة: وجاء علي- رضي الله عنه- حتى أناخ قريبا، وهو رمد، قد عصب عينيه بشقّ برد قطري، قال بريدة: فما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى الغداة، ثمّ دعا باللّواء، وقام قائما. قال ابن شهاب: فوعظ الناس، ثم قال: «أين على» ؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» قال سلمة: فجئت به أقوده، قالوا كلهم: فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «مالك؟» قال: رمدت حتى لا أبصر ما قدّامي. قال: «ادن مني» وفي حديث علي عند الحاكم: فوضع رأسي عند حجره، ثم بزق في ألية يده فدلك بها عيني، قالوا: فبرأ كأن لم يكن به وجع قط، فما وجعهما علي حتى مضى لسبيله، ودعا له وأعطاه الراية، قال سهل فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم. ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى- وحق رسوله. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» وقال أبو هريرة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: «اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت» قال: علام أقاتل الناس؟ قال: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» فخرجوا، فخرج بها والله يؤج يهرول هرولة. حتى ركزها تحت الحصن فاطّلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي، فقال اليهودي غلبتهم والذي أنزل التوراة على موسى، فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه. قال أبو نعيم: فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله- تعالى- على يديه. ذكر قتل علي- رضي الله عنه- الحارث وأخاه مرحبا، وعامرا وياسرا فرسان يهود وسبعانها روى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- قال: أول من خرج من حصون خيبر- مبارزا- الحارث أخو مرحب في عاديته فقتله علي- رضي الله عنه- ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلا جسيما طويلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين برز وطلع عامر «أترونه خمسة أذرع؟» وهو يدعو إلى البراز، فخرج إليه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفّف عليه، وأخذ سلاحه. قال ابن إسحاق: ثم برز ياسر وهو يقول: قد علمت خيبر أنّي ياسر ... شاكي السّلاح بطل مغاور

إذا اللّيوث أقبلت تبادر ... وأحجمت عن صولة المساور إنّ حسامي فيه موت حاضر قال محمد بن عمر: وكان من أشدّائهم، وكان معه حربة يحوس النّاس بها حوسا، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت ألا خلّيت بيني وبينه، ففعل، فقالت صفيّة لمّا خرج إليه الزبير- رضي الله عنها-: يا رسول الله يقتل ابني؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «بل ابنك يقتله- إن شاء الله» فخرج إليه الزّبير وهو يقول: قد علمت خيبر أنّي زبّار ... قرم لقرم غير نكس فرّار ابن حماة المجد، ابن الأخيار ... ياسر لا يغررك جمع الكفّار فجمعهم مثل السّراب الختّار ثمّ التقيا فقتله الزّبير، قال ابن إسحاق: وذكر أن عليا هو الذي قتل ياسرا. قال محمد بن عمر: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للزّبير لما قتل ياسرا فداك عم وخال ثم قال: «لكل نبي حواري وحواريّ الزبير ابن عمتي» . حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، والبيهقيّ أن مرحبا- وهو بفتح الميم، والحاء المهملة، وسكون الراء- بينهما- وبالموحدة- خرج وهو يخطر بسيفه، وفي حديث ابن بريدة عن أبيه: خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول: قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب إذا اللّيوث أقبلت تلهّب قال سلمة: فبرز له عامر وهو يقول: قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاكي السّلاح بطل مغامر قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، وفي رواية عين ركبته، وكانت فيها نفسه، قال بريدة: فبرز مرحب وهو يقول: قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب إذا اللّيوث أقبلت تلهّب ... وأحجمت عن صولة المغلّب فبرز له علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وعليه جبّة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:

ذكر من زعم من أهل المغازي وغيرهم أن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - هو الذي قتل مرحبا

أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظرة أو فيهم بالصّاع كيل السّندره فضرب مرحبا ففلق رأسه، وكان الفتح. وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي- رضي الله عنه- بضربة فقد الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الأحراش وسمع أهل العسكر صوت ضربته وقام النّاس مع عليّ حتى أخذ المدينة. وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله عنه- قال: لما قتلت مرحبا، جئت برأسه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. ذكر من زعم من أهل المغازي وغيرهم إن محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن الزّهريّ، وعن ابن إسحاق، وعن محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: واللفظ لابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، وقد جمع سلاحه يقول من يبارز ويرتجز قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب أطعن أحيانا وحينا أضرب ... إذا اللّيوث أقبلت تحرّب إنّ حماي للحمى لا يقرب فأجابه كعب بن مالك فقال: قد علمت خيبر أنّي كعب ... مفرّج الغمّى جريء صلب إذا شبّت الحرب تلتها الحرب ... معي حسام كالعقيق عضب نطأكم حتّى يذلّ الصّعب ... نعطي الجزاء أو يفيء النّهب بكفّ ماض ليس فيه عتب قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد- رحمه الله: قد علمت خيبر أنّي كعب ... وأنّني متى تشبّ الحرب ماض على الهول جريء صلب ... معي حسام كالعقيق عضب بكفّ ماض ليس فيه عتب ... ندكّكم حتّى يذلّ الصّعب قال: ومرحب بن عميرة.

ذكر قلع علي - رضي الله عنه - باب خيبر

قال جابر: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «من لهذا؟» قال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس، قال: «فقم إليه، اللهمّ أعنه عليه» قال: فلمّا دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمريّة من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، فكلما لاذ منه بها اقتطع صاحبه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرّجل القائم، ما فيها فنن، ثمّ حمل مرحب علي محمد بن مسلمة فضربه، فاتّقاه بالدّرقة، فوقع سيفه فيها، فعضّت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله. والله أعلم. قلت: جزم جماعة من أصحاب المغازي: بأن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا. ولكن ثبت في صحيح مسلم كما تقدم عن سلمة بن الأكوع أن عليا- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا. وورد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب، وأبي نافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر، وجزم به جماعة، فما في صحيح مسلم مقدّم عليه من وجهين: أحدهما أنه أصحّ إسنادا، الثاني. أن جابرا لم يشهد خيبر كما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما، وقد شهدها سلمة وبريدة، وأبو رافع- رضي الله عنهم- وهم أعلم ممن لم يشهدها، وما قيل من إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه، ومر به علي فأجهز عليه، يأباه حديث سلمة وأبي رافع، والله أعلم. وصحح أبو عمر- رحمه الله- أن عليا- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا، وقال ابن الأثير: إنه الصّحيح. ذكر قلع علي- رضي الله عنه- باب خيبر قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن حسن عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حين بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترّسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتى فتح الله- تعالى- عليه، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه. وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر محمد بن علي- رضي الله عنه- عن آبائه، قال: حدثني جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أن عليا- رضي الله عنه- حمل الباب يوم خيبر، حتى صعد عليه المسلمون

ذكر إسلام العبد الأسود وما وقع في ذلك من الآيات

فافتتحوها، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا- رجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم- وهو ضعيف [ (1) ] . قال البيهقي: وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال: اجتمع عليه سبعون رجلا، وكان أجهدهم أن أعادوا الباب، قلت: رواه الحاكم. ذكر إسلام العبد الأسود وما وقع في ذلك من الآيات روى البيهقي عن جابر بن عبد الله، والبيهقي عن أنس- رضي الله عنهم- والبيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة: أنّ عبدا حبشيا لرجل من أهل خيبر كان يرعى غنما لهم، لما رآهم قد أخذوا السّلاح واستعدوا لقتال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سألهم: ما تريدون؟ قالوا: نقاتل هذا الرجل، الذي يزعم أنه نبي. فوقع في نفسه ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- فخرج بغنمه ليرعاها، فأخذه المسلمون، فجاءوا به لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي لفظ ابن عقبة: أنه عمد بغنمه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكلمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يكلّمه، فقال الرّجل: ماذا تقول، وماذا تدعو إليه؟ قال: «أدعوك إلى الإسلام وأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإن لا تعبد إلا الله» . قال العبد: وماذا يكون لي إن شهدت بذلك، وآمنت بالله تعالى؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لك الجنّة إن آمنت على ذلك» فأسلم العبد، وقال: يا رسول الله إني رجل أسود اللون قبيح الوجه، منتن الرّيح، لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتّى أقتل، أدخل الجنة؟ قال: «نعم» . قال: يا رسول الله إنّ هذه الغنم عندي أمانة فكيف بها؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أخرجها من العسكر، وارمها بالحصباء فإن الله- عز وجلّ- سيؤدي عنك أمانتك» ففعل، وأعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلمته، فخرجت الغنم تشتد مجتمعة كأنّ سائقا يسوقها حتّى دخلت كلّ شاة إلى أهلها، فعرف اليهوديّ أنّ غلامه قد أسلم، ثم تقدّم العبد الأسود إلى الصفّ، فقاتل فأصابه سهم فقتله، ولم يصلّ لله- تعالى- سجدة قطّ، فاحتمله المسلمون إلى عسكرهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أدخلوه الفسطاط» ، وفي لفظ «الخباء» فأدخلوه خباء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى إذا فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل عليه، ثم خرج فقال «لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه، وإنّ عنده لزوجتين له من الحور العين» [ (2) ] . وفي حديث أنس: فأتى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو مقتول، فقال: «لقد حسّن الله وجهك، وطيبّ ريحك، وكثر مالك، لقد رأيت زوجتيه من الحور العين ينزعان جبّته يدخلان فيما بين جلده وجبّته» .

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 212 وابن هشام 3/ 290 وابن كثير 4/ 189، وفيه جهالة وانقطاع ظاهر. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 4/ 22 وابن كثير 4/ 190 وابن هشام 2/ 344.

ذكر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الحمر الإنسية وغيرها مما يذكر

وعند ابن إسحاق «ينفضان التّراب عن وجهه، ويقولان: «ترّب الله وجه من ترّبك وقتل من قتلك» . ذكر نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن أكل لحوم الحمر الإنسية وغيرها مما يذكر روى الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الإنسية، فانتحرناها، فلما غلت القدور، ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا [ (1) ] . وعن أنس- رضي الله عنه- قال: لما كان يوم خيبر، جاء فقال: يا رسول الله، فنيت الحمر، فأمر أبا طلحة فنادى «إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر» رواه عثمان بن سعيد الدّارميّ بسند صحيح. [ (2) ] وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن بيع الغنائم حتّى تقسم، وعن الحبالى أن توطأ حتى يضعن ما في بطونهنّ، قال: «لا تسق زرع غيرك» ، وعن لحوم الحمر الأهلية، وعن كل ذي ناب من السباع- رواه الدارقطني [ (3) ] . وعن أبي ثعلبة الخشني- رضي الله عنه- قال: غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خيبر، والناس جياع، فأصبنا بها حمرا إنسيّة فذبحناها، فأخبر النبي- صلّى الله عليه وسلم- فأمر عبد الرحمن بن عوف فنادى في الناس (أن لحوم الحمر لا تحل لمن يشهد إني رسول الله) رواه الإمام أحمد، والشيخان [ (4) ] . وعن سلمة- رضي الله عنه- قال: أتينا خيبر فحاصرناها حتى أصابتنا مخصمة شديدة: يعني الجوع الشديد، ثم إن الله- تعالى- فتحها علينا. فلمّا أمسى الناس مساء اليوم الّذي فتحت عليهم، أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون؟» قالوا: على لحم، قال: «على أي لحم» ؟ قالوا: لحم حمر إنسيّة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أهرقوها، واكسروا الدّنان» فقال رجل: أو نهريقوها ونغسلها؟ قال «أو ذاك» رواه الشيخان، والبيهقي [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 550 (4221، 4223، 4225، 4226، 5525) . [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق (8725) والطبراني في الكبير 5/ 316 وانظر التمهيد لابن عبد البر 10/ 127. [ (3) ] وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 56 وانظر التلخيص الكبير 3/ 7. [ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 653 (5527) ومسلم 3/ 1538 (23/ 1936) . [ (5) ] أخرجه البخاري (6331) ومسلم 3/ 1540 (33/ 1802) ، واحمد 4/ 383 والبيهقي في الدلائل 4/ 200.

ذكر فتحه - صلى الله عليه وسلم - الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون خيبر فتحا

وروى محمد بن عمر- رحمه الله- تعالى- عن شيوخه: أن عدة الحمر التي ذبحوها، كانت عشرين أو ثلاثين، كذا رواه على الشّك. ذكر فتحه- صلى الله عليه وسلّم- الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون خيبر فتحا قال ابن إسحاق: وتدنّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأموال يأخذها مالا مالا، ويفتحها حصنا حصنا، حتّى انتهوا إلى ذينك الحصنين، وجعلوا لا يطلعون من حصنهم حتى هم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ينصب عليهم المنجنيق، لما رأى من تغليقهم، وأنه لا يبرز منهم أحد، فلما أيقنوا بالهلكة- وقد حصرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر يوما- سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصّلح، فأرسل كنانة بن أبي الحقيق إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من اليهود يقال له شماخ يقول (أنزل فأكلمك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «نعم» فنزل كنانة بن أبي الحقيق، فصالح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذريّة لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلّون بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصّفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى البزّ إلّا ثوبا على ظهر إنسان، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا» فصالحوه على ذلك، فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى الأموال فقبضها الأوّل فالأوّل، ووجد في ذينك الحصنين مائة درع وأربعمائة سيف، وألف رمح، وخمسمائة قوس عربيّة بجعابها [ (1) ] . ذكر سؤال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حلي حيي بن اخطب وماله اللذين حملهما لما أجلي عن المدينة، وما وقع في ذلك من الآيات قال محمد بن عمر: كان الحلي في أول الأمر في مسك حمل، فلما كثر، جعلوه في مسك ثور، ثم في مسك جمل، وكان ذلك الحلي يكون عند الأكابر من آل أبي الحقيق وكانوا يعيرونه العرب. وروى ابن سعد والبيهقي عن ابن عمر، وابن سعد- بسند رجاله ثقات- عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى- وهو صدوق سيء الحفظ- عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما ظهر على أهل خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم، وللنبي- صلى الله عليه وسلّم- الصفراء والبيضاء والحلقة والسّلاح، ويخرجهم، وشرطوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن لا يكتموه شيئا، فإن فعلوا فلا ذمّة لهم [ (2) ] .

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 204. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 4/ 229.

ذكر إرادته - صلى الله عليه وسلم - إجلاء يهود خيبر عنها كما وقع شرطهم، ثم إقراره إياهم يعملون فيها ما أقرهم الله وإخراج عمر ابن الخطاب لهم لما نكثوا العهد

قال ابن عباس: فأتي بكنانة، والربيع، وكان كنانة زوج صفية، والربيع أخوه أو ابن عمه، فقال لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أين آنيتكما التي كنتم تعيرونها أهل مكة؟» . وقال ابن عمر: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعمّ حيي «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟» فقال: وقال ابن عباس: قالا: «هربنا، فلم نزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى، فذهب في نفقتنا كلّ شيء. وقال ابن عمر: أذهبته النّفقات والحروب، فقال «العهد قريب، والمال أكثر من ذلك» . وقال ابن عباس: فقال لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنكما إن تكتماني شيئا فاطلعت عليه استحللت به دماء كما وذراريكما» . فقالا: نعم. وقال عروة ومحمد بن عمر فيما رواه البيهقي عنهما: فأخبر الله عز وجل رسوله- صلى الله عليه وسلّم- بموضع الكنز، فقال لكنانة «إنك لمغتر بأمر السماء» . قال ابن عباس: فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من الأنصار فقال: «اذهب إلى قراح كذا وكذا، ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك، أو عن يسارك مرفوعة فأتني بما فيها» فجاءه بالآنية والأموال، فقومت بعشرة آلاف دينار، فضرب أعناقهما، وسبي أهليهما بالنّكث الذي نكثاه. وقال ابن إسحاق: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بكنانة بن الرّبيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برجل من يهود، قال ابن عقبة: اسمه ثعلبة وكان في عقله شيء، فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كلّ غداة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لكنانة: «أرأيت إن وجدناه عندك، أقتلك؟» قال: نعم، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالخربة فحفرت، وأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤدّيه، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الزبير بن العوام، فقال: «عذّبه حتى تستأصل ما عنده» فكان الزبير- رضي الله عنه- يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة. ذكر إرادته- صلّى الله عليه وسلّم- إجلاء يهود خيبر عنها كما وقع شرطهم، ثم إقراره إياهم يعملون فيها ما أقرهم الله وإخراج عمر ابن الخطاب لهم لما نكثوا العهد روى البخاري والبيهقي عن ابن عمر، والبيهقي عن عروة وعن موسى بن عقبة: أن خيبر لما فتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سألت يهود رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقرّهم فيها على نصف ما

ذكر قصة الشاة المسمومة وما وقع في ذلك من الآيات

خرج منها من التّمر، وقالوا: دعنا يا محمد نكون في هذه الأرض. نصلحها، ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر على أن لهم الشّطر من كلّ زرع ونخل وشيء ما بدا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وفي لفظ، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «نقركم فيها على ذلك ما شئنا، وفي لفظ «ما أقركم الله» [ (1) ] . وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كلّ عام فيخرصها عليهم، ثم يضمنهم الشطر، فشكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شدة خرص ابن رواحة، وأرادوا أن يرشوا ابن رواحة، فقال: يا أعداء الله، تطعموني السّحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى، ولأنتم أبغض إلي من عدّتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إيّاكم وحبيّ إياه على أن لا أعدل عليكم فقالوا: بهذا قامت السّموات والأرض، فأقاموا بأرضهم على ذلك. فلما كان زمان عمر، غشّوا المسلمين، وألقوا عبد الله بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه، ويقال بل سحروه باللّيل وهو نائم على فراشه، فكوع حتى أصبح كأنه في وثاق، وجاء أصحابه، فأصلحوا من يديه، فقام عمر خطيبا في النّاس، فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عامل يهود خيبر على أموالها، وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، وهم تهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم. فمن كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها، فلما أجمع على ذلك، قال رئيسهم، وهو أحد بني الحقيق: لا تخرجنا ودعنا نكون فيها كما أقرّنا أبو القاسم وأبو بكر، فقال عمر لرئيسهم: أتراني سقط عنّي قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كيف بك، إذا ارفضّت بك راحلتك تؤم الشّام يوما، ثم يوما؟» وفي رواية: أظننت أنّي نسيت قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كيف بك إذا خرجت من خيبر يعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة» فقال: تلك هزيلة من أبي القاسم، قال: كذبت، وأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة مالهم من التمر: مالا، وإبلا، وعروضا من أقتاب وحبال، وغير ذلك، وسيأتي في أبواب الوفاة النبوية قوله- صلى الله عليه وسلّم-: «أخرجوا اليهود من جزيرة العرب» [ (2) ] . ذكر قصة الشاة المسمومة وما وقع في ذلك من الآيات روى الشيخان عن أنس، والإمام أحمد، وابن سعد، وأبو نعيم عن ابن عباس، والدارمي، والبيهقي عن جابر، والبيهقي بسند صحيح- عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، والطّبرانيّ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 327 (2730) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 234. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 170 (3053) (3168، 4431) ومسلم 3/ 1257 (20/ 1637) .

عنه عن أبيه، والبزار والحاكم، وأبو نعيم عن أبي سعيد، والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنهم- والبيهقي عن ابن شهاب- رحمه الله تعالى-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما افتتح خيبر، وقتل من قتل، واطمأن الناس، أهدت زينب ابنة الحارث امرأة سلام بن مشكم، وهي ابنة أخي مرحب- لصفيّة امرأته شاة مصليّة، وقد سألت: أيّ عضو الشّاة أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السّمّ، ثم سمّت سائر الشاة، فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور- بمهملات- فقدّمت إليه الشّاة المصليّة، فتناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتف، وفي لفظ: الذّراع، وانتهس منها فلاكها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتناول بشر ابن البراء عظما، فانتهس منه [ (1) ] . قال ابن إسحاق، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلفظها، وقال ابن شهاب: فلما استرط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ارفعوا ما في أيديكم، فإنّ كتف هذه الشّاة تخبرني أني نعيت فيها. قال ابن شهاب: فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلمّا سغت ما في فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ورجوت ألا تكون استرطّتها، وفيها نعي. فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطّيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا أن حوّل. قال الزهري قال جابر: واحتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على كاهله يومئذ، حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن والشفرة، وبقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه. فقال: «ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشّاة يوم خيبر عوادا حتى كان هذا وانقطع أبهري» فتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شهيدا بلفظ ابن شهاب. وذكر محمد بن عمر: أنه ألقى من لحم تلك الشّاة لكلب فما تبعت يده رجله حتّى مات. وقال الصحابة السابق ذكرهم- رضي الله عنهم- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أرسل إلى اليهودية، فقال: «أسممت هذه الشاة؟» فقالت: من أخبرك؟ قال: «أخبرتني هذه الّتي في يديّ وهي الذراع، قالت: نعم، قال: «ما حملك على ما صنعت؟» قالت: بلغت من قومي ما لم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 272 (2617) ومسلم 4/ 1721 (45/ 2190) ، وأحمد 2/ 451، وأخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 259، وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (3169، 4249، 5777) وأبو داود في الديات (6) ، وابن ماجة في الطبراني (45) والدارمي في المقدمة 11، وانظر المغازي للواقدي 2/ 677 والسيرة لابن هشام 3/ 293 وشرح المواهب 2/ 239 وابن كثير في البداية 4/ 208 والسيرة 3/ 394.

ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومن معه من الأشعريين من أرض الحبشة

يخف عليك. فقلت: إن كان ملكا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز- وفي لفظ- فعفا عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومات بشر من أكلته الّتي أكل ولم يعاقبها. وذكر محمد بن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لها: «ما حملك على هذا؟» قالت: قتلت أبي وعمّي وزوجي وأخي- فأبوها الحارث وعمها يسار وأخوها رحب وزوجها سلام بن مشكم. وعن أبي سلمة عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما مات بشر بن البراء أمر باليهودية فقتلت. رواه أبو داود، ووقع عند البزار من حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد سؤاله للمرأة اليهودية واعترافها- بسط يده إلى الشّاة وقال لأصحابه: «كلوا باسم الله» قال: فأكلنا وذكرنا اسم الله، فلم يضرّ أحد منا. قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وفيه نكارة وغرابة شديدة. قلت: وذكر محمد بن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر بلحم الشّاة فأحرق. ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه- ومن معه من الأشعريين من أرض الحبشة روى الشيخان، والإسماعيلي، وابن سعد، وابن حبان، وابن منده عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: لما بلغنا مخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي، أنا أصغرهم، أحدهم أبو رهم- بضم الراء، وسكون الهاء- والآخر أبو بردة، إما قال: في بضع، وإما قال: في ثلاثة أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة- قال ابن منده: حتى جئنا مكة- ثم خرجنا في برّ حتى أتينا المدينة- فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة: فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعثنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين فتح خيبر قال: فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا من شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معنا، وذكر البيهقي- رحمه الله- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سأل الصحابة أن يشركوهم ففعلوا ذلك [ (1) ] ، انتهى. قال: فكان أناس يقولون لنا: «يعني أصحاب» السفينة: سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء- بنت عميس- بعين وسين مهملتين، وبالتصغير- وهي ممّن قدم معنا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 553 (4230) ، أخرجه مسلم 3/ 1946، 1947 حديث (169/ 2502) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 244، وانظر السيرة لابن هشام 2/ 359 والمغازي للواقدي 2/ 683، والبداية 4/ 205.

ذكر قدوم أبي هريرة وطائفة من أوس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر

يومئذ- على حفصة زوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء- رضي الله عنهم- من هذه؟ فقالت: أسماء بنت عميس فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحقّ برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: فغضبت وقالت: كلّا والله يا عمر، كنتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يطعم جياعكم، ويعلّم جاهلكم، وكنا في دار، أو أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، فلما جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: يا نبي الله!! إن رجالا يفخرون علينا، ويزعمون إنا لسنا من المهاجرين الأولين، فقال: «من يقول ذلك؟» قلت: أن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ما قلت له؟» قالت: قلت له كذا وكذا، قال: «ليس بأحقّ لي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة- هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحابه يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أبو بريدة: قالت أسماء: ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني، وقال لكم الهجرة مرتين. وروى البيهقي عن جابر- رضي الله عنه- قال: لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر، وقدم جعفر من الحبشة، تلقاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبّل جبهته، ثم قال: «والله ما أدري بأيّهما أفرح، بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر [ (1) ] » . وروى البيهقي، بسند فيه من لا يعرف حاله- عن جابر- رضي الله عنه- قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب تلقاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما نظر جعفر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «حجل» قال أحد رواته: يعني مشى على رجل واحدة إعظاما منه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين عينيه [ (2) ] . ذكر قدوم أبي هريرة وطائفة من أوس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بخيبر روى الإمام أحمد، والبخاري في التاريخ، وفي مجمع الزوائد للهيثمي في أول خيبر عن خزيمة، والطحاويّ، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدمنا المدينة، ونحن ثمانون بيتا من أوس، فصلينا الصبح خلف سبّاع بن عرفطة الغفاريّ، فقرأ في الركعة الأولى بسورة: «مريم» ، وفي الآخرة «ويل للمطفّفين» فلمّا قرأ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 246 وابن كثير في البدآية 4/ 306. [ (2) ] انظر المصدرين السابقين.

ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر بعد فتحها وما وقع في ذلك من الآيات

[المطففين 2] قلت: تركت عميّ بالسّراة له مكيلان، إذا اكتال اكتال بالأوفى، وإذا كال كال بالناقص، فلما فرغنا من صلاتنا، قال قائل: رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بخيبر، وهو قادم عليكم، فقلت: لا أسمع به في مكان أبدا إلا جئته، فزوّدنا سبّاع بن عرفطة، وحملنا حتى جئنا خيبر فنجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد فتح النّطاة، وهو محاصر الكتيبة، فأقمنا حتى فتح الله علينا [ (1) ] . وفي رواية فقدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقد فتح خيبر، وكلّم المسلمين فأشركنا في سهمانهم. وروى البخاري، وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدمت المدينة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي، قال: فتكلّم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا تسهم له يا رسول الله، قال: فقلت: هذا والله هو قاتل ابن قوقل، فقال: وأظنه أبان بن سعيد بن العاص سميا عجبا لوبر تدلّى علينا من قدوم ضأن يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يديّ. ولم يهنى على يديه [ (2) ] . وروى البخاري، وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبانا على سريّة من المدينة، قبل نجد، قال أبو هريرة: فقدم أبان وأصحابه على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بخيبر بعد ما افتتحها، وإنّ حزم خيلهم لليف، فقال: يا رسول الله أرضخ لنا فقال أبو هريرة: يا رسول الله لا تقسم لهم، فقال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدّر من رأس خال- وفي لفظ- فإن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «يا أبان اجلس» فلم يقسم لهم [ (3) ] . ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خيبر بعد فتحها وما وقع في ذلك من الآيات روى البيهقي عن موسى بن عقبة عن الزّهريّ- رحمهما الله- تعالى-: أنّ بني فزارة ممّن قدم على أهل خيبر ليعينوهم فراسلهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن لا يعينوهم وسألهم أن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا، فأبوا عليه، فلما إن فتح الله خيبر أتاه من كان هناك من بني فزارة، فقالوا: حظنا والذي وعدتنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «حظكم- أو قال «لكم ذو الرّقيبة» جبل من جبال خيبر- فقالوا: إذا نقاتلك، فقال: «موعدكم جنفا» . فلما أن سمعوا ذلك من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرجوا هاربين [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 247، وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 158 [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 561 (4237) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 247 وانظر البداية والنهاية 4/ 208. [ (3) ] البخاري 7/ 561 (4238) . [ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 248.

ذكر مصالحة أهل فدك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

وروى البيهقي عن محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: كان أبو شييم المزني- رضي الله عنه قد أسلم فحسن إسلامه يحدّث ويقول: لما نفرنا إلى أهلنا مع عيينة بن حصن فرجع بنا عيينة، فلما كان دون خيبر عرسنا من الليل، ففزعنا، فقال عيينة: أبشروا، إني رأيت الليلة في النوم أني أعطيت ذو الرّقيبة- جبلا بخيبر- قد والله أخذت برقبة محمد- صلى الله عليه وسلم- فلما أن قدمنا خيبر- قدم عيينة، فوجدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد فتح خيبر، فقال عيينة: يا محمد! أعطني مما غنمت من حلفائي، فإني قد خرجت عنك وعن قتالك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذبت ولكن الصّياح الذي سمعت أنفرك إلى أهلك قال: أحذني يا محمد؟ قال: «لك ذو الرّقيبة» قال عيينة: وما ذو الرّقيبة؟ قال «الجبل الذي رأيت في منامك أنّك أخذته» فانصرف عيينة، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف، وقال: ألم أقل لك توضع في غير شيء، فالله، ليظهرنّ محمد على ما بين المشرق والمغرب، يهود كانوا يخبروننا بهذا أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن مشكم يقول: إنّا لنحسد محمدا على النّبوة، حيث خرجت من بني هارون، وهو نبيّ مرسل، ويهود لا تطاوعني على هذا، ولنا منه ذبحان واحد بيثرب وآخر بخيابر [ (1) ] . ذكر مصالحة أهل فدك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فدنا منها بعث محيّصة بن مسعود الحارثي إلى فدك يدعوهم إلى الإسلام ويخوفهم أن يغزوهم كما غزا أهل خيبر. ويحل بساحتهم، قال محيّصة فجئتهم فأقمت عندهم يومين، فجعلوا يتربّصون ويقولون بالنّطاة عامر وياسر والحارث، وسيد اليهود مرحب، ما نرى محمدا بقرب حراهم، إن بها عشرة آلاف مقاتل، قال محيّصة: فلما رأيت خبثهم أردت أن أرجع، فقالوا: نحن نرسل معك رجالا منّا يأخذون لنا الصّلح، ويظنّون أن يهود تمتنع، فلم يزالوا كذلك حتى جاءهم قتل أهل حصن ناعم، وأهل النجدة منهم، ففتّ ذلك أعضادهم، فقدم رجل من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع في نفر من يهود، فصالحوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أن يحقن دماءهم ويجليهم، ويخلّوا بينه وبين الأموال، ففعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقال: عرضوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يخرجوا من بلادهم، ولا يكون للنبي- صلى الله عليه وسلم- عليهم من الأموال شيء، فإذا كان أوان جذاذها جاءوا فجذّوها، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقبل ذلك، وقال لهم محيّصة: ما لكم منعة ولا حصون ولا رجال، ولو بعث إليكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مائة رجل لساقوكم إليه، فوقع الصّلح بينهم بأن لهم نصف الأرضين بتربتها، ولرسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصفها، فقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، يقول محمد بن عمر: وهذا أثبت القولين، وأقرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ولم يأتهم، فلمّا كان عمر بن

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 249 والمغازي للواقدي 2/ 675.

ذكر المراهنة التي كانت بين قريش في أن أهل خيبر يغلبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الخطاب وأجلى يهود خيبر بعث إليهم من يقوّم أرضهم، فبعث أبا الهيثم مالك بن التّيّهان- بفتح الفوقية وكسر التحتية المشددة، وبالنون، وفروة بن عمرو بن جبّار- بتشديد الموحدة بن صخر، وزيد بن ثابت، فقوّموها لهم، النخل والأرض، فأخذها عمر، ودفع إليهم نصف قيمة النخل بتربتها، فبلغ ذلك خمسين ألف درهم أو يزيد، وكان ذلك المال جاء من العراق، وأجلاهم إلى الشام. ذكر المراهنة التي كانت بين قريش في أن أهل خيبر يغلبون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن محمد بن عمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم- رحمهم الله تعالى- قالوا-: واللفظ لمحمد بن عمر-: كان حويطب- بضم الحاء المهملة، وسكون التحتية، وكسر الطاء المهملة- ابن عبد العزى- رضي الله عنه- يقول: انصرفت من صلح الحديبية، وأنا مستيقن أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- سيظهر على الخلق، وتأبى حميّة الشيطان إلّا لزوم ديني، فقدم علينا عبّاس- بالموحدة المشددة- ابن مرداس- بكسر الميم- السلمي يخبرنا أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- قد سار إلى خيابر، وأن خيابر قد جمعت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمحمّد لا يفلت إلى أن قال عباس بن مرداس: من شاء بايعته إن محمدا لا يفلت قلت: أنا أخاطرك، فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس، وقال نوفل بن معاوية الدّيلمي أنا معك يا عبّاس، وضوى إليّ نفر من قريس فتخاطرنا مائة بعير أخماسا إلى مائة بعير، أقول أنا وحزبي: يظهر محمد- صلى الله عليه وسلّم- ويقول عباس وحزبه: تظهر غطفان، وجاء الخبر بظهور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ حويطب وحزبه الرّهن. ذكر استئذان الحجاج بن علاط- رضي الله عنه- من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد فتح خيبر أن يذهب إلى مكة لأخذ ماله قبل وصول الخبر إليها روى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله عنه- والبيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد ابن عمر عن شيوخه، قالوا: كان الحجاج بن علاط بكسر العين المهملة، وتخفيف اللّام، السلمي بضم السين، خرج يغير في بعض غاراته، فذكر له إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بخيبر، فأسلم، وحضر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكانت أمّ شيبة ابنة عمير بن هاشم- أخت مصعب بن عمير العبدريّ- امرأته، وكان الحجّاج مكثرا، له مال كثير، وله معادن الذهب التي بأرض بني سليم- بضم السين، فقال: يا رسول الله، ائذن لي، فأذهب فآخذ مالي عند امرأتي، فإن علمت بإسلامي لم أخذ منه شيئا، ومال لي متفرق في تجّار أهل مكة، فأذن له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول

الله، أنه لا بد لي من أن أقول، قال «قل» قال الحجاج: فخرجت فلما انتهيت إلى الحرم، هبطت فوجدتهم بالثنية البيضاء، وإذا بها رجال من قريش يتسمّعون الأخبار قد بلغهم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد سار إلى خيبر، وعرفوا أنها قرية الحجاز أنفة ومنعة وريفا ورجالا وسلاحا، فهم يتحسّبون الأخبار، مع ما كان بينهم من الرّهان، فلمّا رأوني قالوا: الحجاج بن علاط عنده- والله- الخبر- ولم يكونوا علموا بإسلامي- يا حجاج، إنّه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر بلد يهود، وريف الحجاز، فقلت: بلغني أنه قد سار إليها وعندي من الخبر ما يسرّكم فالتبطوا بجانبي راحلتي، يقولون: إيه يا حجاج؟! فقلت: لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتال غير أهل خيابر، كانوا قد ساروا في العرب يجمعون له الجموع، وجمعوا له عشرة آلاف فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط، وأسر محمّد أسرا، فقالوا: لا نقتله حتّى نبعث به إلى مكة فنقتله بين أظهرهم بمن قتل منّا ومنهم، ولهذا فإنهم يرجعون إليكم يطلبون الأمان في عشائرهم، ويرجعون إلى ما كانوا عليه، فلا تقبلوا منهم، وقد صنعوا بكم ما صنعوا، قال: فصاحوا بمكة، وقالوا: قد جاءكم الخبر، هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم، وقلت: أعينوني على جمع مالي على غرمائي فإني أريد أن أقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه، قبل أن تسبقني التّجار إلى ما هناك، فقاموا فجمعوا إليّ مالي كأحثّ جمع سمعت به، وجئت صاحبتي فقلت لها: مالي، لعلّي ألحق بخيبر فأصيب من البيع قبل أن يسبقني التّجار. وفشا ذلك بمكة، وأظهر المشركون الفرح والسرور، وانكسر من كان بمكة من المسلمون، وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب، فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فأشفق أن يدخل داره فيؤذى وعلم أنه يؤذى عند ذلك فأمر بباب داره أن يفتح وهو مستلق فدعا بقثم، فجعل يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به الأعداء، وحضر باب العباس بين مغيظ ومحزون، وبين شامت، وبين مسلم ومسلمة مقهورين بظهور الكفر، والبغي، فلمّا رأى المسلمون العباس طيّبة نفسه، طابت أنفسهم، واشتدت منتهم [ (1) ] ، فدعا غلاما له يقال له أبو زبيبة، بلفظ واحدة زبيب العنب، ولم أجد له ذكرا في الإصابة، فقال: اذهب إلى الحجاج فقل له: يقول لك العباس: الله أعلى وأجلّ من أن يكون الذي جئت به حقا، فقال له الحجاج: اقرأ على أبي الفضل السلام، وقل له: ليخل لي في بعض بيوته، لآتيه بالخبر على ما يسره، واكتم عنّي، وأقبل أبو زبيبة يبشر العباس، فقال: أبشر يا أبا الفضل، فوثب العباس فرحا كأن لم يمسّه شيء، ودخل عليه أبو زبيبة، واعتنقه العباس، وأعتقه، وأخبره بالذي قاله.

_ [ (1) ] المنّة: القوة، انظر المعجم الوسيط 2/ 896.

ذكر مغانم خيبر ومقاسمها على طريق الاختصار

فقال العباس: لله عليّ عتق عشر رقاب، فلما كان ظهرا، جاءه الحجاج، فناشده الله: لتكتمنّ على ثلاثة أيام، ويقال: يوما وليلة، فوافقه العباس على ذلك، فقال: إني قد أسلمت، ولي مال عند امرأتي، ودين على الناس، ولو علموا بإسلامي لم يدفعوه إليّ وتركت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد فتح خيبر، وجرت سهام الله- تعالى- ورسوله- صلّى الله عليه وسلم- فيها وانتشل ما فيها، وتركته عروسا بابنة مليكهم حيي بن اخطب، وقتل ابن أبي الحقيق فلما أمسى الحجاج من يومه خرج وطالت على العباس تلك الليالي، ويقال: إنما انتظره العباس يوما وليلة، فلما كان بعد ثلاث، والناس يموجون في شأن ما تبايعوا عليه، عمد العباس إلى حلّة فلبسها، وتخلّق بخلوق، وأخذ بيده قضيبا، ثم أقبل يخطر، حتى وقف على باب الحجاج بن علاط فقرعه، فقالت زوجته: ألا تدخل يا أبا الفضل؟ قال: فأين زوجك؟ قالت: ذهب يوم كذا وكذا، وقالت: لا يحزنك الله يا أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك، قال: أجل، لا يحزنني الله، لم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله على رسوله خيبر، وجرت فيها سهام الله ورسوله، واصطفى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به، قالت: أظنك والله صادقا. ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش وهم يقولون إذا مر بهم: لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل!! هذا والله التجلد لحرّ المصيبة، قال: كلّا والله الّذي حلفتم به، لم يصبني إلا خير بحمد الله، أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله، وجرى فيها سهام الله وسهام رسوله، فرد الله- تعالى- الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل في بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر، فسر المسلمون. وقال المشركون [يا لعباد الله] انفلت عدوّ الله، - يعني الحجاج أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك. ذكر مغانم خيبر ومقاسمها على طريق الاختصار عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، فلم يغنم ذهبا ولا فضة إلا الإبل والبقر والمتاع والحوائط. وفي رواية ألا الأموال والثياب والمتاع. رواه مالك والشيخان، وأبو داود، والنسائي [ (1) ] . وقال ابن إسحاق: وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشّق ونطاة والكتيبة، وكانت الشّق، ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، وسهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطعم أزواج

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 557 (4234) .

النبي- صلى الله عليه وسلم- وطعم رجال مشوا بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين أهل فدك بالصّلح، منهم محيّصة بن مسعود، أعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منها ثلاثين وسقا من شعير، وثلاثين وسقا من تمر، وقسّمت خيبر على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلّا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام- رضي الله عنهما- فقسم له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كسهم من حضرها، وكان وادياها- وادي السّريرة، ووادي خاص، وهما اللذان قسّمت عليهما خيبر. وكانت نطاة والشّق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشّق ثلاثة عشر سهما، وقسّمت الشّق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم، وكانت عدّة الّذين قسّمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم، للرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتا فرس، فكان لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وكان لكلّ راجل سهم، وكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل، فكانت ثمانية عشر سهما، جمع. فكان علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- رأسا، والزبير بن العوام رأسا، وسرد ذكر ذلك ابن إسحاق. ثم قال: ثم قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتيبة، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه وبين رجال مسلمين ونساء أعطاهم منها، ثم ذكر كيفيّة القسمة. وروى أبو داود عن سهل بن أبي خيثمة- بخاء معجمة، فثاء مثلثة ساكنة- رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر نصفين، نصفا لنوائبه وخاصّته، ونصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما [ (1) ] . روي أيضاً عن بشير- بضم الموحدة- بن يسار- رحمه الله- تعالى عن رجال من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبر قسّمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كلّ سهم مائة سهم، فكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين النّصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس، زاد في رواية أخرى عنه مرسلة بيّن فيها نصف النوائب: الوطيح والكتيبة وما حيز معهما زاد في رواية والسلالم، وعزل النصف الآخر الشق والنطاة وما حيز معهما، وكان سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما حيز معهما كسهم أحدهم [ (2) ] . قال ابن إسحاق- رحمه الله- تعالى-: وكان المتولّي للقسمة بخيبر جبّار- بفتح الجيم، وتشديد الموحدة وبالراء المهملة- ابن صخر الأنصاري من بني سلمة- بكسر اللّام،

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3010) ، والتمهيد لابن عبد البر 6/ 450. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3012) .

وزيد بن ثابت من بني النجار، وكانا حاسبين قاسمين. وقال ابن سعد- رحمه الله- تعالى- أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالغنائم فجمعت، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها، الله، وسائر السّهمان أغفال، وكان أول ما خرج سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يتحيّز في الأخماس، فأمر ببيع الأربعة الأخماس فيمن يريد، فباعها فروة، وقسّم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس، زيد ابن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وكانت السّهمان على ثمانية عشر سهما، لكل مائة سهم، وللخيل أربعمائة سهم، وكان الخمس الذي صار لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعطي منه ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطى منه أهل بيته، ورجالا من بني المطلب، ونساء، واليتيم والسائل. ثم ذكر قدوم الدّوسيين والأشعريين واصحاب السفينتين، وأخذهم من غنائم خيبر، ولم يبين كيف أخذوا. قال في العيون: وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألف وأربعمائة، والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون؟ وما ذكره ابن إسحاق من أن المقاسم كانت على الشّق، والنّطاة والكتيبة أشبه، فإنّ هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح، وأما الوطيح والسّلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما ينوب المسلمين، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله: إنّ بعض خيبر كان صلحا، ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك، ويكون مشاورة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم، وإنما هي المشورة العامة، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران 159] . روى الشيخان عن عبد الله بن مغفل- بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللام- رضي الله عنه- قال أصبت جرابا، وفي لفظ: دلّي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته، وقلت: لا أعطي أحداً منه شيئا، فالتفتّ فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاستحييت منه، وحملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي فلقيني صاحب المغانم الّذي جعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلمّ حتّى نقسمه بين المسلمين، قلت: لا والله لا أعطيك، فجعل يجاذبني الجراب، فرآنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصنع ذلك، فتبسّم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: «لا أبالك، خلّ بينه وبينه» فأرسله، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي، فأكلناه [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 255 (3153) ومسلم 3/ 1393 (72/ 1772) .

ذكر إهداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء والعبيد من المغانم

قال ابن إسحاق: وأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن لقيم- بضم اللام، قال الحاكم: واسمه عيسى العبسي- بموحدة- حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة وداجن. ذكر إهداء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النساء والعبيد من المغانم قال ابن إسحاق: وشهد خيبر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من نساء المسلمين فرضخ لهن [ (1) ] من الفيء، ولم يضرب لهن بسهم. روى ابن إسحاق، والإمام أحمد، وأبو داود، كلاهما من طريقه عن امرأة من غفار قالت: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نسوة من بني غفار- بكسر الغين المعجمة- فقلن: يا رسول الله قد أردنا الخروج معك إلى وجهك هذا- وهو يسير إلى خيبر- فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين ما استطعنا، فقال: «على بركة الله تعالى» . قالت: فخرجنا معه، وذكرت الحديث [ (2) ] . قالت: فلما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر رضخ لنا من الفيء. وعن عبد الله بن أنيس [ (3) ]- رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر ومعي زوجتي- وهي حبلى، فنفست في الطريق، فأخبرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: انقع لها تمرا، فإذا أنعم بلّه فامرثه لتشربه» . ففعلت فما رأت شيئا تكرهه، فلمّا فتحنا خيبر أحذى النساء ولم يسهم لهن، فأحذى زوجتي وولدي الذي ولد. رواه محمد بن عمر [ (4) ] . وروى أبو داود عن عمير مولى أبي اللّخم- بالموحدة بلفظ اسم الفاعل- رضي الله عنه- قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأمر بي فقلّدت سيفا- فإذا أنا أجرّه، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثيّ المتاع [ (5) ] . ذكر من استشهد بخيبر من المسلمين أسلم الحبشي الراعي، ذكره أبو عمر واعترضه ابن الأثير بأنه ليس في شيء من السياقات أن اسمه أسلم، قال الحافظ: وهو اعتراض متجه، قلت: قد جزم ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام بأن اسمه أسلم الأسود الرّاعي، تقدم أن اسمه أسلم. وقال محمد بن عمر: اسمه يسار.

_ [ (1) ] الرضخ: العطية القليلة، انظر النهاية 2/ 228. [ (2) ] أحمد 6/ 380 والبيهقي 2/ 407 وابن سعد 8/ 214 وانظر البداية والنهاية 4/ 204. [ (3) ] عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى المدني، حليف الأنصار، صحابي، شهد العقبة وأحدا، ومات بالشام في خلافة معاوية، سنة أربع وخمسين، ووهم من قال سنة ثمانين. بخ م ع التقريب 1/ 402. [ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 243 وابن كثير في البداية 4/ 205. [ (5) ] أخرجه أبو داود 3/ 75 (2730) .

أنيف- تصغير أنف- بن حبيب بن عمرو بن عوف. أنيف- كالذي قبله بن واثلة بالمثلثة، أو التحتية. أوس بن جبير- بالجيم- الأنصاري من بني عمرو بن عوف، قتل على حصن ناعم، أورده ابن شاهين، وتبعه أبو موسى: أوس بن حبيب الأنصاري. ذكره أبو عمر، وقيل هو الذي قبله. أوس بن فايذ- بالتحتيّة والذّال المعجمة الأنصاري، ذكره أبو عمر: أوس بن فايد- بالفاء والدال المهملة، أو ابن فاتك أو الفاكه من بني عمرو بن عوف. أوس بن قتادة الأنصاري. بشر- بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن البراء بتخفيف الراء- ابن معرور، بفتح الميم، وسكون العين المهملة، وضم الراء الأولى. ثابت بن إثلة- بكسر الهمزة، وسكون الثاء المثلثة، وزاد أبو عمر واوا في أوّله، ولم يوافقوه. ثقف- بثاء مثلثة- مفتوحة، فقاف ساكنة ففاء، وقال محمد بن عمر ثقاف بن عمرو بن سميط الأسدي. الحارث بن حاطب، ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وقالا: شهد بدرا، ولم يتعرض له أبو عمر، ولا الذهبي، ولا الحافظ: لكونه استشهد بخيبر. وهو أخو ثعلبة بن حاطب بن عمر بن عبيد الأنصاري الأوسي. ربيعة بن أكثم بن سخبرة- بفتح السين المهملة، وسكون الخاء المعجمة، وبالموحدة ابن عمرو الأسدي، قتل بالنّطاة، قتله الحارث اليهودي. رفاعة بن مسروح- بمهملات- الأسدي حليف بني عبد شمس، قتله الحارث اليهودي. سليم بن ثابت بن وقش الأنصاري الأشهلي، ذكره ابن الكلبي، وأبو جعفر بن جرير الطبري. طلحة: ذكره ابن إسحاق، ولم ينسبه، ولم يقف كثير من الحفّاظ على نسبه، ولم يذكره محمد بن عمر ولا ابن سعد، وقال أبو ذر في الإملاء: هو طلحة بن يحيى بن إسحاق بن مليل. قال أبو علي الغساني- رحمه الله- لم يخبر ابن إسحاق باسم طلحة هذا، قلت: ولم أر لطلحة بن يحيى بن إسحاق هذا ذكرا في الإصابة للحافظ، ولا في الكاشف للذهبي.

عامر بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي المعروف بابن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، روى الشيخان، والبيهقي عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: لما تصافّ القوم يوم خيبر، وكان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبته فمات منه، فلما قفلوا سمعت نفرا من أصحاب محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لمّا رآني شاحبا: مالك؟ قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله. قال: «من قال؟» قلت: فلان وفلان، وأسيد بن الحضير الأنصاري فقال: «كذب من قاله، إنّ له لأجرين» وجمع بين أصبعيه «إنّه لجاهد مجاهد، قلّ عربيّ مشى- وفي لفظ نشأ بها مثله» ووقع في حديث، أنه عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، وفي حديث آخر أنه أخوه، ولا تنافي بينهما، لأنه عمّه وأخوه في الرضاعة. عبد الله بن أبي أمية بن وهب الأسدي بالحلف، قتل بالنّطاة، وذكره محمد بن عمر، وابن سعد ولم يذكره ابن إسحاق. عبد الله بن هبيب- بموحدتين- مصغر- ابن أهيب، ويقال: وهيب بن سحيم اللّيثي حليف بني أسد، ذكره ابن إسحاق في رواية البكائي، وجرير بن حازم، ويونس بن بكير، لكن عنده عبد الله بن فلان بن وهب، وكذا سمّاه أبو عمر وجماعة وذكر محمد بن عمر: أنه استشهد هو وأخوه عبد الرحمن بأحد قال الحافظ: والأول أولى. عديّ بن مرة بن سراقة البلوي بفتح الموحدة واللام- حليف الأنصار طعن بين ثدييه بحربة فمات منها- ذكره محمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر. عروة بن مرة بن سراقة الأوسي: ذكره أبو عمر. عمارة بن عقبة بن حارثة الغفاريّ، رمي بسهم ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر، وتعقبه الحافظ في كونه استشهد بخيبر بكلام يدل على أنه لم يراجع السّيرة في هذا المحل، ولا شك في صحة ما ذكره أبو عمر. فضيل بن النّعمان الأنصاري السّلمي- بفتح السين، ذكره ابن إسحاق في رواية يونس وابن سلمة وزياد، وجزم بذلك محمد بن عمر، وابن سعد هنا، وقال ابن سعد في موضع آخر: كذا وجدناه في غزوة خيبر، وطلبناه في نسب بني سلمة فلم نجده، ولا أحسبه إلّا وهما، وإنما أراد الطّفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان، والطّفيل ذكره ابن عقبة فيمن شهد خيبر. بشر بن المنذر بن زنبر- بزاي، ونون موحدة وزن جعفر- بن زيد بن أمية الأنصاري، ذكره ابن إسحاق.

محمود بن مسلمة [ (1) ] : قتل عند حصن ناعم، ألقيت عليه صخرة، قيل ألقاها عليه مرحب، وقيل: كنانة بن الربيع، ولعلهما اشتركا في الفعل. ومدعم الأسود [ (2) ] مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قتل بخيبر- وهو الذي غلّ الشملة يومئذ، وجاء الحديث أنها تشتعل عليه نارا. مرة بن سراقة الأنصاري [ (3) ] ، ذكره أبو عمر، وتعقبه ابن الأثير بأن الذي ذكروا أنه شهد خيبر ابنه عروة بن مرة. قال الحافظ: ولا مانع من الجمع، قلت: ويؤيّد كلام ابن الاثير أن أبا عمر لم يذكره في الدّر، بل ذكر ابنه عروة. مسعود بن ربيعة [ (4) ]- ويقال: ربيع بن عمرو القاريّ بالتشديد ممن استشهد بخيبر. مسعود بن سعد بن قيس الأنصاري الزّرقي: ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، ونقل أبو نعيم عن ابن عمارة أنه ذكره فيهم، وخالفه الواقديّ- اه. نقله الحافظ وأقرّه. والذي في مغازي الواقدي أنه استشهد بخيبر، وأنّ مرحبا قتله، فالله أعلم. يسار: اسم الأسود الراعي، ذكره محمد بن عمر، وابن سعد وسمّاه ابن إسحاق، أسلم. أبو سفيان بن الحارث، كذا في نسخة سقيمة عن الزهري نقلا عن رواية يونس عن ابن إسحاق، ولم أره في الإصابة. أبو ضيّاح- بضاد مفتوحة، فتحتية مشدّدة، فألف، فحاء مهملة- الأنصاري، اسمه النّعمان، وتقدم في البدريين رجل من أشجع ذكره محمد بن عمر، وابن سعد. وروى النسائي والبيهقي عن شداد بن الهاد- رضي الله عنه- إن رجلا من الأعراب جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فآمن واتّبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا قسّمه لهم، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم

_ [ (1) ] محمود بن مسلمة بن سلمة الأنصاري ذكروه في الصحابة واستشهد في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم. وذكر ذلك موسى بن عقبة في المغازي وقال: ابن سعد شهد محمود أحدا والخندق والحديبية وخيبر وقتل يومئذ شهيدا أدلى عليه مرحب رحى فأصابت رأسه فهشمت البيضة رأسه، الإصابة 6/ 67. [ (2) ] مدعم الأسود مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.. كان مولدا من حسمى أهداه رفاعة بن زيد الجذامي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم. الإصابة 6/ 74. [ (3) ] مرة بن سراقة الأنصاري.. ذكر أبو عمر انه استشهد بحنين وتعقبه ابن الأثير بأن الذي ذكروا أنه شهد حنينا عروة بن مرة قلت ولا مانع من الجمع، قال الحافظ انظر الإصابة 6/ 81. [ (4) ] مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن عائدة بن نثيع بن مليح بن الهون وهو القارة بن خزيمة بن مدركة القاري.. ويقال مسعود بن عامر بن ربيعة بن عمير بن سعد ابن مخلد بن غالب وهذا قول ابن الكلبي وأفاد ان من ذريته محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، الإصابة 6/ 89.

ذكر انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خيبر وتوجهه إلى وادي القرى

له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا قسم قسمه لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخذه، فجاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذا؟ قال: «قسم قسمته لك» قال: ما على هذا أتبعك، ولكن اتبعتك على أن أرمى ههنا، وأشار إلى حلقه- بسهم- فأموت، فأدخل الجنة. فقال: «إن تصدق الله يصدقك» ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحمل وقد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «هو هو» قالوا: نعم. قال: «صدق الله فصدقه» فكفّنه النبي- صلى الله عليه وسلم- في جبّته، ثم قدمه. فصلّى عليه، وكان مما ظهر من صلاته: «اللهمّ هذا عبدك وابن عبدك خرج مهاجرا في سبيلك، قتل شهيدا، أنا عليه شهيد» . وقتل من يهود ثلاثة وتسعون رجلا. ذكر انصراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن خيبر وتوجهه إلى وادي القرى قال أبو هريرة: نزلناها أصيلا مع مغرب الشّمس، رواه ابن إسحاق. قال البلاذري: قالوا: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منصرفه من خيبر وادي القرى فدعا أهلها إلى الإسلام، فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة، وغنّمه الله أموال أهلها، وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا، فخمّس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، وتركت الأرض، والنخل في أيدي يهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر. قال محمد بن عمر: لما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن خيبر، وأتى الصّهباء سلك على برمة، حتى انتهى إلي وادي القرى، يريد من بها من يهود، وكان أبو هريرة- رضي الله عنه- يحدث فيقول، - خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم عبدا أسود يقال له مدعم- بميم مكسورة فدال ساكنة فعين مفتوحة مهملتين، وكان يرحّل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلمّا نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود، وقد ضوى إليها ناس من العرب، فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد استقبلتنا يهود بالرّمي حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهي يصيحون في أطامهم، فيقبل سهم عائر فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلّا والذي نفسي بيده إنّ الشّملة الّتي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا» . فلما سمع الناس بذلك جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشراك أو شراكين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «شراك من نار أو شراكان من نار» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 592 (6707) ومسلم 1/ 108 (183/ 115) .

ذكر نومهم عن الصلاة حين انصرفوا من خيبر وما ظهر في ذلك الطريق من الآيات

وعبّأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه للقتال، وصفّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف- بضم الحاء المهملة وفتح النون، وسكون التحتية، وراية إلى عبّاد- بتشديد الموحدة، وبالدّال المهملة- ابن بشر. ثم دعاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله- تعالى. فبرز رجل منهم، فبرز له الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر، فبرز له الزّبير فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله، ثم برز آخر فبرز له أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحد عشر رجلا كلّما قتل رجل دعا من بقي إلى الإسلام. ولقد كانت الصّلاة تحضر يومئذ فيصلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأصحابه، ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشّمس حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة، وغنّمه الله- تعالى أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا، وأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى، وترك الأرض والنخيل بأيدي يهود، وعاملهم عليها. قال البلاذري: وولّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمرو بن سعيد بن العاص، وأقطع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمرة- بالجيم- ابن هوذه- بفتح الهاء، والذّال المعجمة- العذريّ رمية بسوطه من وادي القرى. ذكر نومهم عن الصلاة حين انصرفوا من خيبر وما ظهر في ذلك الطريق من الآيات روى مسلم، وأبو داود عن أبي هريرة. وأبو داود عن ابن مسعود، وابن إسحاق عن سعيد بن المسيب، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من وادي القرى راجعا بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى، فلما كان قريبا من المدينة سرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلته حتى إذا كان قبيل الصّبح بقليل نزل وعرّس، وقال: ألا رجل صالح حافظ لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام؟ قال بلال: يا رسول الله أنا أحفظه عليك، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقام بلال يصلّي ما شاء الله أن يصلّي. ثم استند إلى بعيره، واستقبل الفجر يرقبه، فغلبته عينه، فنام، فلم يستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من أصحابه حتّى ضربتهم الشمس [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 471 (309/ 680) ، وأبو داود في الصلاة باب (11) والترمذي في التفسير، وابن ماجة في الصلاة (10) ومالك في الموطأ (25) .

ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مؤيدا منصورا

وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أول أصحابه هبّ، فقال: «ما صنعت بنا يا بلال» ؟ قال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال: «صدقت» ثم اقتاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعيره غير كثير، ثم أناخ وأناخ الناس فتوضّأ، وتوضّأ النّاس، وأمر بلالا فأقام الصّلاة، فلما فرغ، قال: إِذَا نَسِيْتُم الصَّلَاةَ فَصَلُّوهَا إِذَا ذَكَرْتُمُوهَا فإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَ يَقُول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه 14] . ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مؤيدا منصورا روى الأئمة السّتَّة عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: «الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم» وأنا خلف دابّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوّة إلّا إلا بالله العلي العظيم، فقال: «يا عبد الله بن قيس» قلت: لبيك يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: «ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» [ (1) ] . ولما انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الجرف ليلا، نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا، فذهب رجل فطرق أهله، فرأى ما يكره فخلى سبيله ولم يهجر، وضنّ بزوجته أن يفارقها، وكان له منها أولاد، وكان يحبها، فعصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورأى ما يكره. ولما نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى جبل أحد، قال: هذا جبل يحبّنا ونحبّه، اللهم إني أحرم ما بين لابتي المدينة» [ (2) ] . ذكر رد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الأنصار ما منحوه للمهاجرين روى الشيخان، والحافظ، ويعقوب بن سفيان عن أنس- رضي الله عنه- قال: لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل أرض وعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أم أنس أعطت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعذاقا لها، فأعطاهن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة، ردّ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4205) ، وأخرجه مسلم في الذكور والدعاء (44) وأحمد 4/ 402، والبيهقي 2/ 184 وابن أبي عاصم 1/ 274، والطبري 8/ 147 وابن السني (512) وعبد الرزاق (9244) وانظر البداية 4/ 213. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 83 (2889) (2893) (4084) (7333) ومسلم 2/ 993 (462/ 1365) .

ذكر بعض ما قيل من الشعر في غزوة خيبر

المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا قد منحوهم من ثمارهم، وردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أمّي أعذاقها. وفي رواية: فسألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعطانيهن، فجاءت أمّ أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا أم أيمن اتركي ولك كذا وكذا» وهي تقول: كلّا- والله الذي لا إله إلا هو، فجعل يقول: لك كذا وكذا، ولك كذا» وهي تقول: كلّا والله الذي لا إله إلا هو حتى أعطاها عشرة أمثالها أو قريبا من عشرة أمثالها [ (1) ] . ذكر بعض ما قيل من الشعر في غزوة خيبر قال كعب بن مالك- رضي الله عنه: ونحن وردنا خيبرا وفروضه ... بكلّ فتى عاري الأشاجع مذود جواد لدى الغايات لاواهن القوى ... جريء على الأعداء في كلّ مشهد عظيم رماد القدر في كلّ شتوة ... ضروب بنصل المشرفيّ المهنّد يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة ... من الله يرجوها وفوزا بأحمد يذود ويحمي عن ذمار محمّد ... ويدفع عنه باللّسان وباليد وينصره من كل أمر يريبه ... يجود بنفس دون نفس محمّد يصدّق بالأنباء بالغيب مخلصا ... يريد بذاك العزّ والفوز في غد وقال حسان- رضي الله- تعالى- عنه: بئس ما قاتلت خيابر عمّا ... جمّعوا من مزارع ونخيل كرهوا الموت فاستبيح حماهم ... وأقرّوا فعل اللّئيم الذّليل أمن الموت تهربون فإنّ ال ... موت موت الهزال غير جميل تنبيهات الأول: خيبر- بخاء معجمة، فتحتية، فموحدة، وزن جعفر: وهي اسم ولاية تشتمل على حصون ومزارع، ونخل كثير، على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاجّ الشّام. والخيبر بلسان اليهود، الحصن، ولذا سمّيت خيابر أيضا- بفتح الخاء، قاله ابن القيم مما ذكر ابن إسحاق، وقال ابن عقبة ومحمد بن عمر وأبو سعد النيسابوري في الشرف: أنها بجبلة- بفتح الجيم والموحدة ابن جوال بفتح الجيم وتشديد الواو، بعدها ألف ولام، وقيل: سمّيت بأول

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 474 (4120) ، مسلم 3/ 1391 (70/ 1771) (71) ، والبيهقي الدلائل 4/ 288.

من نزلها، وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهلايل بن آدم بن عبيل، وهو أخو عاد. وذكر جماعة من الأئمة: أنّ بعضها فتح صلحا، وبعضها فتح عنوة. وبه يجمع بين الرّوايات المختلفة في ذلك. وروى عن الإمام مالك- رحمه الله تعالى- أن الكتيبة أربعون ألف عذق. ولابن زبالة حديث «ميلان في ميل من خيبر مقدس، وحديث «خيبر مقدسة، والسوارقية [ (1) ] مؤتفكة، وحديث «نعم القرية في سنيّات الدجال خيبر» وتوصف خيبر بكثرة التمر. قال حسان بن ثابت- رضي الله عنه: وإنّا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر وروى البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قال: لما فتحت خيبر: قلنا: الآن نشبع من التمر. وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: ما شبعنا من التّمر حتّى فتحت خيبر، وتوصف خيبر بكثرة الحمّى، قدم خيبر أعرابي بعياله فقال: قلت لحميّ خيبر استقري ... هاك عيالي فاجهدي وجدّي وباكري بصالد وورد ... أعانك الله على ذا الجند فحمّ ومات، وبقي عياله. قال أبو عبيد البكري- رحمه الله- في معجمه وفي الشّق عين تسمى الحمّة، وهي الّتي سماها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قسمة الملائكة، يذهب ثلثا مائها في فلج والثلث الآخر في «فلج» والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها، وواحدة في الفلج الثاني، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث، ومن قام في الفلج الذي يأخذ الثلثين ليردّ الماء إلى الفلج الثاني غلبه الماء وفاض، ولم يرجع إلى الفلج الثاني شيء يزيد على قدر الثلث وتشتمل خيبر على حصون كثيرة، ذكر منها في القصّة كثير. الثاني: اختلف في أي سنة كانت غزوتها: قال ابن إسحاق: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في بقية المحرم سنة سبع، فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر. وقال يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق من حديث المسور ومروان، قالا: «انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة»

_ [ (1) ] السّوارقية بفتح أوله وضمه، وبعد الراء قاف، وياء النسبة. ويقال: السّويرقية بلفظ التصغير: قرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بين مكة والمدينة، وهي نجديّة بها مزارع ونخل كثير. مراصد الاطلاع 2/ 751.

فأعطاه الله فيها خيبر بقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [الفتح 20] ويعني خيبر، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم. وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب أنه- صلى الله عليه وسلّم- أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر. وعند ابن عائذ عن ابن عباس: أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال. وعند سليمان التيمي خمسة عشر يوما. قال الإمام مالك رحمه الله- تعالى-: كان فتح خيبر سنة ست. والجمهور- كما في زاد المعاد: أنها في السابعة، وقال الحافظ: إنه الراجح قالا: ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على ابتداء السّنة من شهر الهجرة الحقيقي، وهو ربيع الأول. وابن حزم- رحمه الله- يرى أنه من شهر ربيع الأول. الثالث: قال الحافظ: نقل الحاكم عن الواقدي، وكذا ذكره ابن سعد إنها كانت في جمادى الأولى. فالذي رأيته في مغازي الواقدي: إنها كانت في صفر، وقيل: في ربيع الأول، وأغرب من ذلك ما رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: خرجنا إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان، الحديث. وإسناده حسن، إلا أنه خطا، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت، وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح، وغزوة الفتح خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيها في رمضان جزما، وذكر الشيخ أبو حامد- رحمه الله- تعالى، في التعليق: أنها كانت سنة خمس، وهو وهم، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر، وأجاب بعضهم بأنه أسقط سنة المقدم أي وقطع النظر عن سنة الغزوة. الرابع: قول عامر: اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا، قال الحافظ في هذا: القسم زحاف الخزم بالمعجمتين، وهو زيادة سبب خفيف، وفي الصحيح في الجهاد عن البراء بن عازب: أنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما توارد عليه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة. الخامس: استشكل قول عامر: «فداء» بأنه لا يقال في حق الله- تعالى، إذ معنى «فداء» نفديك بأنفسنا، فحذف متعلق الفعل للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء، وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد ظاهرها، بل المراد بها المحبة والتعظيم، مع قطع النّظر عن ظاهر اللّفظ، وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي- صلى الله عليه وسلم- والمعنى، لا تؤاخذنا بتقصيرنا في

حقّك ونصرك، وعلى هذا فقوله: «اللهم» لم يقصد به الدعاء، وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقوله: لولا أنت النبي- صلى الله عليه وسلّم- ويعكر عليه قوله بعد ذلك: فأنزلن سكينة علينا: وثبت الأقدام إن لاقينا، فإنه دعاء لله، ويحتمل أن يكون المعنى، فاسأل ربك أن ينزل ويثبت. السادس: في بيان الروايات التي وردت في هذا الرجز ومعانيها. وما اتّقينا بتشديد الفوقية بعدها قاف، أي، ما تركنا من الأوامر، «وما» ظرفية، وللأصيلي والنسفي من رواية الصحيح بهمزة قطع، فموحدة ساكنة، أي ما خلفنا وراءنا مما كسبناه من الآثام، أو ما أبقينا وراءنا من الذنوب، فلم نتب منه وللقابسي: ما لقينا بلام وكسر القاف، أي ما وجدنا من المناهي. ووقع في الأدب ما اقتفينا بقاف ساكنة، ففوقية، وفاء مفتوحتين، فتحتية ساكنة، أي اتّبعنا من الخطايا، من قفوت الأثر إذا تبعته، وكذا عند مسلم، وهو أشهر الروايات في هذا الرجز. ألقين سكينة علينا. وفي رواية النسفي و «ألقي» بحذف النون، وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين، وليس بموزون السكينة: الوقار، والتثبت. أتينا: بفوقية: أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو الحق، وروي بالموحدة أي إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا وبالصياح عوّلوا علينا: أي قصدونا بالدعاء والصوت العالي، واستعانوا علينا، يقال: عولت على فلان وعولت بفلان. السابع: أختلف في فتح خيبر، هل كان عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عند البخاري في الصلاة: التصريح بأنه كان عنوة، وبه جزم أبو عمر، وردّ على من قال فتحت صلحا، قال: وإنما دخلت الشّبهة على من قال فتحت صلحا، بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح، لكنه لم يقع ذلك إلّا بحصار، وقتال، قال الحافظ- رحمه الله تعالى: والذي يظهر أنّ الشبهة في ذلك قول ابن عمر: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على ألا يكتموا ولا يغيبوا الحديث. وفي آخره: فسبى نساءهم وذراريهم، وقسّم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم، فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها.. الحديث، ورواه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة. فعلى هذا كان وقع الصلح، ثم حصل النقض منهم فزال أمر الصلح، ثم منّ عليهم بترك القتل وإبقائهم عمّالا بالأرض، ليس لهم فيها ملك، ولذلك

أجلاهم عمر، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها. وجنح غير واحد من العلماء إلى أن بعضها فتح عنوة، وبعضها فتح صلحا، وليس بنا ضرورة إلى بسط الكلام على ذلك. الثامن: زعم الأصيليّ- رحمه الله تعالى- أنّ حديث نومهم عن الصلاة إنّما كان بحنين لا بخيبر، وأن ذكر خيبر خطأ، ورد عليه أبو الوليد الباجي، وأبو عمر فأجادا. التاسع: اختلف في إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشّاة المسمومة وفي قتلها، أما إسلامها، فروى عبد الرزاق في مصنّفه عن معمر عن الزّهريّ أنها أسلمت، وأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تركها. قال معمر: والناس يقولون قتلها. وجزم بإسلامها سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها: «وإن كنت كاذبا أرحت النّاس منك، وقد استبان لي أنّك صادق، وأنا أشهدك ومن حضرك أنّي على دينك، وأن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، قال: وانصرف عنها حين أسلمت. وأما قتلها وتركها، فروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- ما عرض لها، وعن جابر قال: فلم يعاقبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وروى ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر بأسانيد له متعددة هذه القصة، وفي آخرها فدفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها قال محمد بن عمر: وهو أثبت وروى أبو داود من طريق الزّهري عن جابر نحو رواية معمر عنه، والزهري لم يسمع من جابر، ورواه أيضاً عن أبي هريرة. قال البيهقي- رحمه الله- يحتمل أن يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها، وبذلك أجاب السهيلي- رحمه الله تعالى- وزاد: أنه تركها، لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ثم قتلها ببشر قصاصا. قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: يحتمل أن يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر لكونها أسلمت، وإنما أخّر قتلها حتى مات بشر لأنّ بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه. وروى أبو سعد النّيسابوري: أنه- صلى الله عليه وسلّم- قتلها وصلبها، فالله أعلم العاشر: وقع في سنن أبي داود أنها أخت مرحب، وبه جزم السهيلي، وعند البيهقي في الدلائل: بنت أخي مرحب، وبه جزم الزّهري كما في مغازي موسى بن عقبة الحادي عشر: إن قيل ما الجمع بين قوله- تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] وبين حديث الشاة المسمومة المصلية بالسّم الصادر من اليهودية؟ والجواب: إن الآية نزلت عام تبوك، والسم كان بخيبر، قبل ذلك.

الثاني عشر: اختلف في مدّة إقامته- صلى الله عليه وسلّم- بأرض خيبر، فروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس- رضي الله عنه- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أقام بخيبر ستة أشهر، يجمع بين الصّلاتين. وروى البيهقي عنه: أربعين يوما، وسنده ضعيف. وقال ابن إسحاق..... الثالث عشر: في بيان غريب ما سبق. استنفر: استنجد واستنصر. عسكر: جمع عسكره: أي جيّشه. ثنيّة الوداع: تقدم الكلام عليها مبسوطا في دخوله- صلّى الله عليه وسلم- المدينة. في أبواب الهجرة. الزّغابة- بالزاي والغين المعجمتين وبالموحدة كسحابة، وضبطه أبو عبيد البكري- رحمه الله تعالى- بالضم: مجتمع السيول بأرض العقيق، غربي مشهد حمزة، وهو أعلى إضم، ووهم من قال إنه لا يعرف، وإنما المعروف الغابة. نقمى- بنون فقاف فميم مفتوحات فألف تأنيث: اسم واد بالمدينة كجمزى ونسكى، ويروى- بضم أوله وثانيه: اسم واد بها. المشلّل- بضم الميم، وفتح الشين المعجمة، واللام الأولى وتشديدها: ثنية تشرف على قديد. الوطاة: الأرض السهلة. راهق- بالراء والقاف: قارب. الجبن- بضم الجيم، وسكون الموحدة، وتضم أيضا: صفة الجبان. ضلع الدّين، قال القاضي- بفتح الضاد المعجمة، واللام. شدته، وثقل حمله. قينقاع، والنضير، وقريظة: تقدم الكلام عنها في غزوتها. سنبلانيّة- بضم السين المهملة، والموحدة بينهما نون، أي سابغة من الطول، يقال ثوب سنبلاني، وسنبل ثوبه إذا أسبله من خلفه، أو أمامه، وقال اليعمري: منسوبة إلى موضع من المواضع. قلت: سنبلاني محلة، بأصبهان، والمراد هنا الأول. الكرباس- بالكسر: الثوب الخشن. عصر- بمهملات فالكسر: فالسكون، أو بفتحتين: جبل بقرب المدينة من جهة خيبر، ومن الغرائب قول ابن الأثير مع ذكر ذلك أنه بين المدينة ووادي الفرع.

شرح غريب ذكر إرادة غطفان مساعدة يهود، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما أشرف على خيبر

حدو الإبل: سوقها بالشّعر. الصّهباء- بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء وبالمد: موضع قرب المدينة. أدنى خيبر: أسفلها. هنيهاتك- جمع هينهة، وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة، والهنة: كناية عن كل شيء لا يعرف اسمه، أو يعرف فيكنى عنه، كذا في الصحيح بالتصغير، وفي أخرى هنيّاتك، وفي السيرة: هناتك جمع هنة، أي من أخبارك وأشعارك، فكنّى عن ذلك كله، والمراد هنا الحداء للإبل. وجبت: أي الجنة. لولا: حرف عرض بمعنى هلا. أمتعتنا- بفتح أوله: أبقيته لنا لنستمتع: أي بشجاعته، والتمتع: الترفه إلى مدة. على بكر- بفتح الموحدة: الفتيّ من الإبل. السويق- بفتح السين، وكسر الواو، قمح أو شعير يقلى ثم يطحن. ثرى السويق: بله. الرجيع- بالجيم كأمير، واد قرب خيبر. غطفان- بغين معجمة، فطاء مهملة، ففاء مفتوحات. الفأل. والطّيرة: يأتي بيانهما في باب محبته- صلى الله عليه وسلم- الفأل الحسن. شرح غريب ذكر إرادة غطفان مساعدة يهود، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على خيبر قوله: مظاهرين: معاونين. المنقلة- بميم مفتوحة، فنون ساكنة، فقاف مفتوحة، فلام: المرحلة من مراحل السّفر. خالفوا إليهم: جاءوا إلى أهلهم بعد خروج قومهم. تبلون- بضم الفوقية، وسكون الموحدة، وفتح اللام. غشوكم- بفتح الغين، وضمّ الشين المعجمة. النبأ: الخبر. أظللن- بظاء معجمة مشالة، من الظل. أقللن: حملن.

شرح غريب ذكر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اشرف على خيبر

أضللن- بضاد معجمة ساقطة: من الإضلال، ضد الإرشاد. ذرين- بذال معجمة: حملن، وقال: أزرين لمزاوجة أضللن. شرح غريب ذكر دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على خيبر قوله: عرّس: بعين، فراء مشدّدة، فسين مهملات مفتوحات، نزل ليلا، أو آخره. منعتهم: قوّتهم وعددهم، بفتح العين. هيهات: اسم فعل ماض بمعنى بعد. الساحة: الموضع المتسع أمام الدار، وقال الأزهري: هو فضاء بين دور الحيّ. الأفئدة: جمع فؤاد، وهو القلب. غدا إلى كذا: سار إليه صباحا. المساحي بمهملتين، جمع مسحاة: وهي من آلة الحرث، والميم زائدة، لأنه من السّحو، وهو الكشف والإزالة. الكرازن: جمع كرزن- بفتح الكاف والزّاي وبكسرهما وبالنون ويقال بالميم عوضا عن النون: وهو الفأس. المكاتل- جمع مكتل، بكسر الميم، وفتح الفوقية: القفّة الكبيرة التي يحمل فيها التراب وغيره، سميت بذلك لتكتل الشيء فيها، وهو تلاصق بعضه ببعض. لم يغر- بضم التحتية، وكسر الغين المعجمة: أي لم يسرع في الهجوم عليهم. انحسر- انكشف. محمد- صلى الله عليه وسلم- خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو أو هذا محمد. الخميس- بلفظ اسم أحد الأيام يروى- بضم السين وبفتحها على أنه مفعول معه، وسمّي الجيش خميسا لأنه ينقسم خمسة أقسام، لأنّ له ساقة، ومقدمة، وجناحين، وقلبا، لا من أجل تخميس الغنيمة لأن في تخميسها سنة الإسلام، وقد كان الجيش يسمّى خميسا في الجاهلية. النّزّ- بفتح النون، وتشديد الزاي: السائل من المائع. النّطاة- بنون فطاء مهملة بوزن: حصاة. الخمر- بخاء معجمة- فميم مفتوحتين فراء، ما واراك من شجر أو بناء أو غيره.

شرح غريب ذكر ابتداء القتال وأخذ الحمى المسلمين

البريء- بفتح الموحدة، وكسر الراء المخففة، وبالمد: السالم. الرجيع- بالراء، والجيم والعين المهملتين وزن أمير، واد قرب خيبر، وهو غير الذي توجه إليه عاصم حمى الدّبر. شرح غريب ذكر ابتداء القتال وأخذ الحمى المسلمين قوله: من أشجع- بشين معجمة، فجيم، فعين مهملة. الشعار- بكسر الشين المعجمة، وبالعين المهملة: العلامة التي كانوا يتعارفون بها في الحرب يا منصور أمت: أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض. بالشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل. ترّس- بفوقية، فراء مشددة فسين مهملة. ناعم- بالنون، والعين المهملة كصاحب: حصن من حصون خيبر. أهمدتهم: أذهبت قوتهم. قرّسوا- بفتح القاف وكسر الرّاء المشددة، وضم السين المهملة فعل أمر، أي: برّدوا، يوم قارس البرد. شنان- بكسر الشين المعجمة: الأسقية. أحدروا- بالحاء، والدال المهملتين: صبوا الماء. نشطوا- بنون مضمومة: خلصوا، وليس إسقاط الهمزة من أوله بلحن بل لغة صرح بها في البارع: العقل- بضمتين: جمع عقال. شرح غريب ذكر فتحه- صلى الله عليه وسلّم- حصن الصعب الصعب: ضد السهل. الودك- بفتح الواو، والدال المهملة: دسم اللحم ودهنه العلقة من العيش- بضم العين المهملة: القليل منه. الظّبيّ- جمع ظبي: حيوان معروف. الظّليم- بفتح الظاء المعجمة المشالة، وكسر اللّام: الذّكر من النّعام. احتضن الشّيء: جعله تحت حضنه، وهو ما تحت الإبط إلى الخاصرة. المعشر: جماعة الرجل، دون النساء.

شرح غريب ذكر محاصرته - صلى الله عليه وسلم - حصن الزبير بن العوام وحصون الشق

جهدنا- بالبناء للمفعول: حصل لنا جهد ومشقة. غناء- بفتح الغين المعجمة، وتخفيف النون، وبالمد: الكفاية. البراز- بفتح الموحدة، والراء، الأرض الواسعة الفضاء. الغفاري- بكسر الغين المعجمة. الزّيال: بزاي معجمة وياء وألف ثم لام. بادره: سارع إلى قتله. على هامته: رأسه. ذباب السّيف- بضم الذال المعجمة وبالموحدتين: طرفه. الدّعموص- بضمّ الدّال، وسكون العين وآخره ضاد: دويبة تغوص في الماء. شرح غريب ذكر محاصرته- صلى الله عليه وسلّم- حصن الزبير بن العوام وحصون الشق الشق- بفتح الشين المعجمة، أعرف من كسرها، وبالقاف المشددة عند أهل اللغة. قوله قلة الزّبير: هي القلعة التي صارت إليه من قسمة الغنائم. الرّعب: الخوف. الدّبول: جمع دبل، نهيرات وقنوات وجداول. أصحروا: خرجوا إلى الصحراء. أبي بضم الهمزة وفتح الباء مصغر سموان. ذفف عليه- بدال، روي إعجامها وإهمالها: أي أجهز عليه، وحزّ رقبته. أبو دجانة- بضم الدال المهملة: وتخفيف الجيم وبالنون سماك بن خرشة يختال: يمشي مشية المتكبر. الأثاث- بثاءين مثلثتين: المتاع. الجدر: جمع جدار، وهو الحائط. ساخ في الأرض- بالخاء المعجمة: انخسف فيها. شرح غريب انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى حصون الكتيبة قوله: الكتيبة: بكاف مفتوحة، ففوقية، وقال أبو عبيدة: بثاء مثلّثة مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة، وقيل: إنها بالتصغير.

القموص بالقاف والصاد المهملة كصبور. وقيل: بغين فضاد معجمتين. الوخم- بفتح الواو، والخاء المعجمة: الوباء. الشّقيقة: وجع يأخذ نصف الرأس والوجه. نهض: تحرك. الفتح: النصر. قد جهد: أصابه جهد، وهو المشقة. الأرمد: الذي أصابه الرّمد في عينيه، وهو وجع فيها. الفرّار- بفتح الفاء والراء المشددة: الهرّاب. تفل: بصق. العنوة- بفتح العين المهملة: أخذ الشيء قهرا. بات الناس يدوكون- بتحتية، فدال مهملة مضمومة، أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة: الاختلاط. غدوا عليه- بالمعجمة: أتوا صباحا. تطاولت لها: رفعت عنقي كي يراني. ثم: بفتح المثلثة. أناخ: برك براحلته. شقّ برد- بكسر الشين المعجمة: قطعة منه. قطري- بكسر القاف، وسكون الطاء المهملة: نوع من البرود فيه حمرة، ولها أعلام، فيها بعض الخشونة، وقيل: هي حلل تحمل من قبل البحرين، قال الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها قطر، وأحسب الثياب القطرية تنسب إليها، فكسروا القاف للنسبة، وخفّفوا. برأ- بفتح الراء، والهمزة، بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء، بوزن علم: خلص من وجعه. مضى لسبيله: مات. أنفذ- بضم الهمزة، والفاء، بينهما نون ساكنة، وإعجام الذال،: امض. على رسلك- بكسر الراء: على هيئتك. حمر- بضم الحاء المهملة، وسكون الميم: النّعم بفتح النون، والعين المهملة، الحمر

شرح غريب ذكر قتل علي رضي الله عنه - الحارث وأخاه مرحبا وعامرا وياسرا إلخ

من ألوان الإبل المحمودة، قيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتصدق بها، وقيل: بل تقتنيها وتملكها، وكانت مما يتفاخر به علام، «على» حرف الجر، دخل على «ما» الاستفهامية فحذفت ألفها لدخوله. يأنح- بتحتية، فألف، فنون مكسورة، فحاء مهملة: أي به نفس شديد من الإعياء في العدو. يهرول: يسرع، والهرولة: فوق المشي ودون الجري. غلبتم- بالبناء للمفعول. الرّضم- بفتح الراء، وسكون الضاد المعجمة، ويجوز تحريكها: الحجارة المجتمعة شرح غريب ذكر قتل علي رضي الله عنه- الحارث وأخاه مرحبا وعامرا وياسرا إلخ قوله في عاديته ... جسيما: عظيم الجسم. شاك السلاح- بشين معجمة، وأصله شائك بحذف الهمزة، ومن رواه شاك أو شاكي فإنه أخذ الهمزة إلى آخر الكلمة وقلبها ياء. الحمى- بكسر الحاء، وفتح الميم المخففة: كل ما حميته ومنعته. المساور: المعاجل خصمه. يحوس الناس بحاء وسين مهملتين يجهضهم عن أثقالهم، أي يبلغ في النكاية فيهم، وأصل الحوس شدة الاختلاط، ومداركة الضرب. زبّار: أراد زبير. القرم- بفتح القاف: السيد، وأصله الفحل من الإبل الذي أقرم، أي ترك من الركوب والعمل ووضع للفحلة. النّكس- بكسر النون: الرجل الضعيف. الحواري: الناصر والمعين. الليوث: جمع ليث، الأسد. تلهب أصله: تتلهب. مغامر: يقتحم المهالك.

يسفل له- بفتح التحتية، وسكون السين المهملة، وضم الفاء، أي يضربه في أسافله. الأكحل: عرق. عين الركبة: طرفهما الأعلى. الأرجوان- بضم الهمزة، والجيم: اللون الأحمر. وقول علي- رضي الله عنه-: * أنا الذي سمتني أمّي حيدره* قال ثابت بن قاسم- رحمهما الله- تعالى- في تسميته بذلك ثلاثة أقوال، أحدها أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والأسد هو الحيدرة، الثاني أن أمه فاطمة بنت أسد- رضي الله عنها- حين ولدته، كان أبوه غائبا، فسمته باسم أبيها، فقدم أبوه فسمّاه عليّا، الثالث: أنه كان لقّب في صغره بحيدرة، لأن الحيدرة الممتلئ لحما مع عظم بطن، وكذلك كان علي- رضي الله عنه- وذكره الشيخ كمال الدين الدّميري- رحمه الله- تعالى- في شرح المنهاج» . مجرّب- بفتح الراء: اسم مفعول. أكيلهم: أجزيهم بالياء. السندرة: شجرة يصنع منها مكاييل عظيمة. الخمل- بفتح الخاء المعجمة، وسكون اللام: الهدب. أقبلت تحرّب: تغضب، يقال حرّب الرجل إذا غضب، وحربته: إذا أغضبته. الغمّى: الكرب. جريء- بالجيم، والهمزة: شجاع مقدام. صلب: شديد. شبّت الحرب: أوقدت، وهيجت. العقيق- هنا جمع عقيقة، وهي شعاع البرق، شبّه السيف به. عضب- بعين مهملة، فضاد معجمة: قاطع. الجزا- بالقصر والمد: الجزية التي تؤخذ. يفيء: يرجع. النّهب: ما انتهب من الأموال. ليس فيه عتب: ليس فيه ما يلام عليه.

شرح غريب ذكر إسلام العبد الأسود ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر الإنسية

ندككم: نطويكم ونلصقكم بالأرض. حمير- بكسر الحاء المهملة، وسكون الميم، وفتح التحتية. الموتور- بالفوقية: الذي قتل له قتيل فلم يؤخذ ثأره. الثائر- بالثاء المثلثة: الطّالب بالثأر، وهو طلب الدم. عمرية- بعين مهملة مضمومة، فميم ساكنة، فراء مكسورة: أي قديمة، التي أتى عليها عمر طويل. العشر- بعين مهملة مضمومة فشين معجمة مفتوحة: شجر له صمغ، وهو من العضاة، وثمرته نفاخة كنفاخة القثاء الأصفر، الواحدة عشيرة، والجمع عشر، وعشرات- بضم العين، وفتح الشين. يلوذ: يستتر. الفنن- بفتح الفاء، والنون الأولى: الغصن. ورأيتني- بضم التاء: رأيت نفسي. شرح غريب ذكر إسلام العبد الأسود ونهيه- صلى الله عليه وسلّم- عن لحوم الحمر الإنسية قوله عمد إليه: قصد. حفنة- بفتح الحاء المهملة، وسكون الفاء: ملء الكفين. خرجت تشتد: تعدو. سجّي- بسين مهملة، والجيم، بالبناء للمفعول: غطّي: الحمر- بضم الحاء، والميم: الحمير الأهليّة. الإنسية- بكسر الهمزة، وسكون النون وفتحها: وهي التي تألف البيوت، الإنسية منسوبة إلى الإنس. أكفئت القدور، قال ابن التين: صوابه فكفئت، قال الأصمعي: كفأت الإناء قلبته، ولا يقال أكفأته، ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتّى أمال ما فيها، قال الكسائي: أكفأت الإناء: أملته. الخشني- بضم الخاء، وفتح الشين المعجمتين. المخمصة: المجاعة.

شرح غريب فتحه - صلى الله عليه وسلم - الوطيح والسلالم

أهريقوها، يقال هراق الماء يهريقه- بفتح الهاء: صبّه، والأصل الإراقة، وأهرق يهرق ساكنا، وأهراق يهريق كاسطاع يسطيع، كأنّ الهاء عوض من حركة الياء. الدنّان- بكسر الدال المهملة الخوابي، جمع دنّ- بفتحها. شرح غريب فتحه- صلى الله عليه وسلّم- الوطيح والسّلالم قوله. حاز ماله: ضمه إلى ملكه. الوطيح- بواو مفتوحة، فطاء مكسورة، فتحتية ساكنة، فحاء مهملة السّلالم- بسين مهملة مضمومة، وقيل بفتحها، وكسر اللام التي قبل الميم، ويقال فيه السلاليم. تدنّى- بفوقية، فدال مهملة، فنون مشددة مفتوحات معتل: أي أخذه مالا مالا وحصنا حصنا. الأدنى فالأدنى: أي الأقرب. المنجنيق- بفتح الميم، وتكسر: آلة من آلات الحصار يرمى بها. كنانة بكسر الكاف، ونونين. حييّ- بحاء مضمومة، فتحتية مفتوحة، فأخرى مشددة. أخطب: بالخاء المعجمة فالطاء المهملة وبالموحدة. الحقيق- بضم الحاء المهملة، وفتح القاف الاولى، وسكون التحتية. حقن دمه: امتنع من قتله وإراقته، أي جمعه له وحبسه عليه. الصفراء: الذهب. البيضاء: الفضة. الكراع- بضم الكاف: اسم لجماعة الخيل خاصة. الحلقة- بسكون اللام: السلاح أجمع، أو الدروع خاصة. البزّ- بفتح الموحدة، وبالزاي: نوع من الثياب. ذمة الله- بكسر المعجمة: عهده وميثاقه. المسك- بفتح الميم، وسكون السين المهملة: الجلد. خربة: أي مكان خرب ضد العامرة.

شرح غريب ذكر إرادته - صلى الله عليه وسلم - إجلاء يهود

شرح غريب ذكر إرادته- صلّى الله عليه وسلّم- إجلاء يهود قوله: الجلاء- بفتح الجيم، وبالمد: الخروج من البلد. بدا- غير مهموز: ظهر. الشطر هنا- النّصف كما في الرواية الأخرى. الخرص- بفتح الخاء المعجمة، وبكسرها هنا: حزر ما على النخل من الرطب تمرا. السّحت- بضمتين ويسكن: المال الحرام، لا يحل لبسه، ولا أكله. الفدع- بفتح الفاء، والدال، وبالعين المهملتين، أي اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل فينقلب الكف، أو القدم إلى الجانب الآخر، وذلك الموضع. انفدعت- بفتحات، قال في التقريب: فدع اليهود يد عبد الله، ففدع: غير معروف في اللغة، ويحتمل أن يكون بغين معجمة. قال الأزهري: الفدغ: كسر شيء أجوف كالنقع، قلت: وفيه نظر، لأن الوارد أن يد عبد الله اعوجت فقط لا أنها كسرت. والله تعالى أعلم. والإنسي- قال أبو زيد: الأيسر من كل شيء، وقال الأصمعي هو الأيمن، وقال كل اثنين من الإنسان مثل الساعدين والزندين، والقدمين، فما أقبل منهما على الإنسان فهو إنسي، وما أدبر عنه فهو وحشي. الكوع- بالتحريك: أن تعوج اليد من قبل الكوع، وهو رأس اليد مما يلي الإبهام، والكرسوع رأسه مما يلي الخنصر. عدي عليه بالبناء للمفعول. ارفضّت: سال عرقها. تؤم: تقصد. القلوص- بفتح القاف، وضم اللام من الإبل: بمنزلة الجارية من النساء، وهي الشابة، الجمع قلص بضمتين، وقلاص- بالكسر، وقلائص. هزيلة- بفتح الهاء وسكون الزاي: وهي المرة من الهزل ضد الجدّ. شرح غريب قصة الشاة المسمومة قوله سلام: وزن كلام. مشكم: بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة. مصلية- بفتح الميم، وسكون الصاد المهملة، أي المشوية.

شرح غريب ذكر قدوم جعفر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -

انتهس اللحم: أخذه بمقدم الأسنان للأكل. لاك: مضغ. ساغ اللقمة: بلعها. لفظها: طرحها. استرط: ابتلع. الأكلة- بضمتين: المأكول. الطيلسان- بفتح الطاء، واللام، وتكسر. ماطله وجعه: طالت مدته. الكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق. لهوات- بثلاث فتحات، جمع لهاة، وهي اللحمة المعلقة في أقصى الفم. العداد- بعين مكسورة، فدال مهملتين: اهتياج وجع اللديغ، فإنه إذا تم له سنة من حين لدغ عاوده هياج الألم. يعاودني- بضم أوله، ورابعه، وتشديده، أي يراجعني ألم سمّها. قال الداودي: الألم الذي حصل له- صلى الله عليه وسلم- من الأكلة هو نقص لذة ذوقه. قال ابن الأثير: وليس بيّن لأن نقص الذّوق ليس بألم. الأبهر- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة: عرق يكتنف الصّلب إذا انقطع مات صاحبه. تجاوز عنها: عفا. شرح غريب ذكر قدوم جعفر وأبي هريرة- رضي الله عنهما- كلا- هنا: حرف ردع وزجر. الحبيشية والبحرية- بهمزة الاستفهام والتصغير لبعض رواة الصحيح، والباقين بعدمها، فنسبها عمر للحبشة لسكناها بها، وإلى البحر لركوبها إياه. البعداء عن الدين: البغضاء له، وهما جمع بعيد، وبغيض. وايم الله: أي يمين الله، قسم، وفيه اثنا عشر لغة. أهل السفينة- بالنصب على الاختصاص، وعلى النداء بحذف أداته، ويجوز الجر على البدل من الضمير. أرسالا- بفتح الهمزة: أفواجا، يتبع بعضهم بعضا.

الحجل- بحاء مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة، فلام، أي يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح، وقد يكون بالرجلين. التطفيف: نقص المكيال. اكتال منه وعليه: أخذ يتولى الكيل بنفسه، ويقال: كال الدافع، واكتال الآخذ. السّراة- بفتح السين المهملة: أعظم جبال العرب. السهمان- بالضم، والأسهم، والسهام، جمع سهم: وهو النصيب. الحزم- بضم الحاء المهملة، والزاي، جمع حزام. لليف: بلام التأكيد، وهو معروف. ابن قوقل- بقافين بينهما واو- وزن جعفر، النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم- بصاد مهملة، وزن أحمد- ابن فهم بن ثعلبة بن غنم- بفتح الغين المعجمة وسكون النون، بعدها ميم- ابن عمر بن عوف الأنصاري، الأوسي. وقوقل: لقب ثعلبة، وقيل أصرم، قتله أبان في أحد- رضي الله تعالى عنهما-. أكرمه الله على يدي: أي استشهد بأن قتل فأكرمه الله- تعالى- بالشهادة. ولم يهنّي على يديه- بتشديد النون- أصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى. يا عجبا لوبر: الوبر- بفتح الواو، وسكون الموحدة- دابّة كالسنّور وحشية، ونقل أبو علي القالي- بالقاف- عن أبي حاتم: أن بعض العرب تسمّي كل دابّة من حشرات الجبال وبرا، قال الخطابي: أراد بأن يحقّر أبا هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال، قال الكرماني- رحمه الله تعالى- وفيه تعريض بكنية أبي هريرة. تدلى: تحدر- وفي رواية: تدأدأ بدالين مهملتين بينهما همزة ساكنة- قيل: أصله تدهده، فأبدلت الهاء همزة، وقيل: الدأدأة: صوت الحجارة في السيل: أي هجم علينا بغتة. قدّوم- بقاف مفتوحة للأكثر، فدال مهملة مشدّدة، وضم بعضهم القاف: اسم ثنية ببلاد دوس. ضأل- باللام المخففة: فسره البخاري في رواية المستملي، بالسدر، وكذا قال أهل اللغة: إنه السّدر البرّي، وتوهيم صاحب المطالع للبخاري ليس بشيء. ضان: بغير همزة- قيل هو رأس الجبل، إلا أنه في الغالب موضع مرعى الغنم، وقيل: هو جبل الدّوس: قوم أبي هريرة. ينعى- بفتح التحتية وسكون النون، وفتح العين المهملة: أي يعيب على، وفي رواية يعيّرني.

شرح غريب ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة ومصالحة أهل فدك

وأنت بهذا: أي أنت تقول بهذا، أو قائل بهذا، أو أنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مع كونك لست من أهله، ولا من قومه ولا من بلاده. قبل- بكسر القاف، وفتح الموحدة. نجد- بفتح النون، وسكون الجيم. شرح غريب ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة ومصالحة أهل فدك قوله: عيينة: تصغير عين. فزارة- بفتح الفاء، والزاي المخففة. ذو الرّقيبة- تصغير رقبة، وقيل: كسفينة: جبل مطلّ على خيبر. جنفا- بفتح الجيم والنون، والفاء، والمد والقصر، وقد يضم أوّله في الحالين: ماء من مياه بني فزارة بين خيبر وفدك. أحذاه- بالحاء المهملة، والذال المعجمة: أعطاه. توضع: تسرع. محيّصة- بميم فحاء مهملة مفتوحة، فتحتية مشددة مكسورة، فصاد مهملة. فدك- بفتح الفاء، والدال المهملة، وبالكاف: بينها وبين المدينة كما قال ابن سعد: ستة أميال. النّجدة: القوة. نرى- بنون، فراء مهملة مبنيا للمفعول: نظن. حراهم- جمع حرّة- بالحاء المهملة، والراء المشدّدة: وهي أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار. فتّ أعضادهم: كسر قوتهم، والعضد: الناصر والمعين. شرح غريب ذكر المراهنة وخبر الحجاج بن علاط- رضي الله تعالى عنه- يفلت- بضم التحتية، وسكون الفاء، وبالفوقية بعد اللام: يخلص نجاة. خاطره- بالخاء المعجمة، والطاء المهملة: راهنه. ضوى إليه- بالضاد المعجمة الساقطة: أي مال. يغير- بغين معجمة: من الإغارة وهي كبس العدو.

الثّنية البيضاء: عقبة تهبطك إلى فخ- بالخاء المعجمة- وأنت مقبل من المدينة تريد أسفل مكة قبل ذي طوى. الريف- بالكسر: الخصب والسعة في المطعم، وحيث تكون الخضرة والحياة. يتحسّبون الأخبار- بفتح التحتية والفوقية والحاء، والسين المشددة المهملتين وضم الموحدة، أي يتطلبونها. التبطوا لجنب ناقتي: مشوا إلى جنبها كمشي العرجاء لازدحامهم حولها. الحجاز: ما بين نجد والسّراة. الأنفة- بفتح الهمزة، والنون: الحميّة. المنعة- بالتحريك: جمع مانع، ككاتب وكتبة، ويسكن على معنى منعة واحدة، وهي العشيرة فالحماة. الرّيع- بكسر الراء، والتحتية وسكون: المكان المرتفع. الفل- بفتح الفاء: القوم المنهزمون. يقدّم- بضم أوله، وفتح الدال. أحثّ- بالثاء المثلثة: أسرع. الشامت: الذي يفرح ببلاء ينزل على غيره. وبين مسلم ومسلمة: أي ومؤمن ومؤمنة. المؤنة- بضم الميم: القوة. ليخل لي في بعض بيوته: أي لينفرد فيه. ناشده الله: ذكّره به. انتثل ما فيها- بهمزة، فنون ساكنة ففوقية فثاء مثلثة: استخرج. العروس: وصف يستوي فيه الذكر والأنثى. الخلوق: نوع من الطيب. خطر في مشيته: أقبل بيده وأدبر كثيرا. التجلد: التصبر. الكآبة: الحزن. أولى له: كلمة معناها الوعيد من ولي الأمر أي تداوله شر.

شرح غريب ذكر غنائم خيبر ومقاسمها

ينشبوا: يلبثوا. شرح غريب ذكر غنائم خيبر ومقاسمها قوله: أحذى النساء: أعطاهن. الحوائط- جمع حائط: وهو هنا البستان. شريق- بالشين المعجمة، والقاف. وادي خاص- بالخاء المعجمة، فألف، فصاد مهملة، كذا عند ابن إسحاق، وجرى عليه ياقوت والسيد وغيرهما، وقال أبو الوليد الوقشي: إنما هو وادي خلص باللام. قال البكري: وهو بضم أوله، وإسكان ثانيه، وبالصاد المهملة. الجراب- بكسر الجيم، ويجوز فتحها في لغة نادرة. لا أبالك: هو أكثر ما يستعمل في المدح: أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذم، وقد يكون بمعنى جدّ في أمرك وشمّر، لأن من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه. رضخ- بالخاء- والضاد المعجمتين: أعطى. خرثيّ المتاع- بخاء معجمة، مضمومة، فراء ساكنة فثاء مثلثة مكسورة فتحتية مشددة: هو أثاث البيت ومتاعه، فالإضافة بيانية. الدجاج- بتثليث الدال: الطائر المعروف. الداجن: ما ألف الناس في بيوتهم كالشاة التي تعلف، والدجاج، والحمام، وسمّي داجنا لإقامته مع الناس، يقال: دجن بالمكان إذا أقام به. شرح غريب من استشهد بخيبر قوله: قفلوا: رجعوا. شاحبا- بشين معجمة فحاء مهملة، فموحدة: أي متغير اللون. كذب من قاله: أخطأ. إنه لجاهد مجاهد- كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما، وكسر الهاء، وبالتنوين، والأول مرفوع على الخبر والثاني إتباع، ولأبي ذرّ عن الجمحي والمستملي- بفتح الهاء والدال، قال القاضي- رحمه الله- تعالى: والأول هو الوجه، قال ابن دريد- رحمه الله تعالى-: رجل جاهد، أي مجدّ في أموره، وقال ابن التّيه- رحمه الله تعالى: الجاهد: من يرتكب المشقة لأعداء الله تعالى.

شرح غريب ذكر انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومصالحة أهل تيماء

مشى- بشين معجمة- كذا في رواية بالميم والقصر من المشي. والضمير في بها للأرض أو للمدينة أو للحرب أو للخصلة، وفي رواية نشأ- بنون وهمزة، وحكى السّهيلي: أنه وقع في رواية مشابها- بضم الميم، اسم فاعل من الشبه: أي ليس مشابها في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيت مشابها أو على الحال، من قوله عربي، قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى. شرح غريب ذكر انصراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومصالحة أهل تيماء قوله: أصلا- بضم أوله وثانيه: جمع أصيل وهو العشيّ. وادي القرى- بضم القاف [ (1) ] . العنوة- بفتح العين المهملة: القهر. الجذامي- بضم الجيم، وذال معجمة. الشّملة: كساء غليظ يلتحف به. ضوى- بفتح الضاد المعجمة، والواو: مال. الآطام- جمع أطم: الحصن. مدعم- بكسر الميم، وسكون الدال، وفتح العين المهملتين. يرحّل- بضم التحتية، وفتح الراء، وكسر الحاء المهملة المشددة: أي يضع الرّحل على الدابة ويشدّه. سهم عائر- بعين مهملة فألف فهمزة مكسورة: لا يدرى من رمى به. سهم غرب بفتح الغين المعجمة، وسكون الرّاء، وتحرّك، يضاف ولا يضاف: أي لا يدرى من رماه. هنيئا له الشهادة: أي جاءته بلا مشقّة. الشراك- بكسر الشين المعجمة: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها. تيماء- بفتح الفوقية- وسكون التحتية: بلد بين المدينة والشام. شرح غريب نومهم عن الصلاة ورجوعه- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة قوله: سرى ليلته: سار فيها. عرّس- بفتح العين، والرّاء المشددة والسين المهملات: نزل آخر الليل.

_ [ (1) ] وادي القرى واد بين المدينة والشام، من أعمال المدينة كثير القرى. مراصد الاطلاع 3/ 1417.

شرح غريب ذكر رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأنصار ما منحوه للمهاجرين، وغريب شعر كعب بن مالك - رضي الله عنه

هبّ- بفتح الهاء، والموحدة المشددة: استيقظ. اقتاد بعيره: قاده. من كنز الجنة، أي أجرها يدّخر لقائلها كما يدّخر الكنز. الجرف- بضم الجيم، والراء وبالفاء: موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال إلى جهة الشام. طرق أهله: أتاهم ليلا. ضنّ بكذا- بضاد معجمة ساقطة، فنون مشددة، مفتوحتين: بخل. لابتا المدينة: حرّتاها، وهما جانباها. شرح غريب ذكر رد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الأنصار ما منحوه للمهاجرين، وغريب شعر كعب بن مالك- رضي الله عنه فروضه- بضم الفاء والراء وبالواو والضاد المعجمة: المواضع التي فيها الأنهار. الأشاجع: عروق ظهر الكفّ. مذود- بميم مكسورة، فذال معجمة ساكنة، فواو مفتوحة، فدال مهملة: مانع الواهن قال في الإملاء الواهن: الضعيف. المشرفي: السّيف. يذود: يمنع ويحمي. الذّمار- بذال معجمة مكسورة، وراء: ما تجب حمايته. الأنباء- بفتح الهمزة: الأخبار. الغيب: هنا بالياء ويروى بالميم من الغنيمة. شرح غريب أبيات ابن القيم- رضي الله تعالى عنه رميت نطاة من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار واستيقنت بالذل لما شيعت ... ورجال أسلم وسطها وغفار صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة ... والشق أظلم أهله بنهار جرت بأبطحها الذيول فلم تدع ... إلا الدجاج تصيح بالأسحار ولكل حصن شاغل من خيلهم ... من عبد الأشهل أو بني النجار ومهاجرين قد اعلموا سيماهم ... فوق المغافر لم ينو القرار

ولقد علمت ليغلبن محمد ... وليثوين بها إلى أصفار فرت يهود عند ذلك في الوغى ... تحت العجاج غمائم الأبصار الفيلق- بفتح الفاء، وسكون التحتية، وفتح اللام، وبالقاف شهباء: كثيرة السلاح. المناكب- جمع منكب كمسجد: مجتمع رأس العضد والكتف. الفقار- بالفتح: مفاصل عظم الصّلب. جعل لها مناكب وفقارا: يريد بذلك شدّتها. شيّعت: فرقت. أسلم، وغفار- بكسر الغين المعجمة: قبيلتان. الأبطح: المكان السّهل. عبد الأشهل- بالشين المعجمة، وبنو النجار، من الأنصار. سيماهم: علائمهم. المغافر- جمع مغفر: وهو الذي يجعل على الرأس. لم ينو- بتحتية، فنون: لم يضعفوا أو لم يفتروا. يثوينّ- بالثاء المثلثة: يقمن. أصفار: جمع صفر-، وهو الشهر. فرّت يهود: هربت. الوغى- بفتح الواو، وبالغين المعجمة: الحرب. العجاج: الغبار. الغمائم- بالغين المعجمة: جفون العيون. الأبصار- بالموحدة. قال ابن سراج: ويصح أن تكون عمائم بالمهملة، جمع عمامة، ويكون الأنصار بالنون، وقال السهيلي: قوله فرت يهود «هو بيت مشكل، غير أن بعض النسخ، وهي قليلة عند ابن هشام، إنّه قال: فرّت: فتحت، من قولك: فرت الدّابة إذا فتحت فاها وغمائم الأبصار، مفعول فرّت، وهي جفون أعينهم، قال السهيلي: هذا قول. وقد يصح أن يكون فرّت من الفرار. وغمائم الأبصار من صفة العجاج، وهو الغبار، ونصبه على الحال من العجاج، وإن كان لفظه لفظ المعرفة عنده، وليس بشاذ في النحو، ولا مانع في العربية، وأمّا عند أهل التحقيق فهو نكرة لأنه لم يرد الغمائم، حقيقة، وإنما أراد مثل الغمائم، استدل السهيلي على ذلك بأشياء ذكرها.

الباب الخامس والعشرون في غزوة ذات الرقاع

الباب الخامس والعشرون في غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب، وبني ثعلبة، وسببها أنّ قادما قدم بجلب إلى المدينة، فاشتراه منه أهلها، فقال للمسلمين: إنّ بني أنمار بن بغيض، وبني سعد بن ثعلبة قد جمعوا لكم جموعا، وأراكم هادئين عنهم، فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاستخلف على المدينة- قال ابن إسحاق: أبا ذرّ الغفاري، وقال محمد بن عمر وابن سعد وابن هشام: عثمان بن عفان، وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة ليلة السبت لعشر خلون من المحرم. في أربعمائة أو سبعمائة، أو ثمانمائة، وسلك على المضيق، ثم أفضى إلى وادي الشّقرة، فأقام فيها يوما، وبثّ السّرايا، فرجعوا منها مع الليل وخبّروه أنهم لم يروا أحدا، ووطئوا آثارا حديثة، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه حتى أتى نخلا، وأتى مجالسهم، فلم يجد فيها أحدا إلا نسوة، فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وقد هربت الأعراب في رؤوس الجبال، وهم مطلّون على المسلمين. قال ابن إسحاق: فلقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمعا من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم قتال، فخاف الفريقان بعضهم من بعض، خاف المسلمون أن يغير المشركون عليهم، وهم غارّون، وخاف المشركون أن لا يبرح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى يستأصلهم. ولما حانت الصلاة- صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأصحابه صلاة الخوف. وروى البيهقي عن جابر- رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر، فهمّ به المشركون، فقالوا: دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه أحبّ إليهم من أبنائهم، فنزل جبريل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فصلى العصر صلاة الخوف. قال ابن سعد: وكان ذلك أول ما صلّاها، ثم انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راجعا إلى المدينة. وبعث بجعال- بضم الجيم، وبالعين المهملة، واللام، ابن سراقة- رضي الله عنه- بشيرا إلى أهل المدينة بسلامة المسلمين. وغاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة ليلة. وقد وقع في هذه الغزوة آيات كثيرة: روى أكثرها جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه-. روى البزار والطبراني في الأوسط عنه، قال: كانت غزوة ذات الرقاع تسمّى غزوة الأعاجيب- انتهى. منها ما وقع عند إرادة غوث بن الحرث الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

روى الشيخان وغيرهما من طرق عن جابر- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبل نجد- وفي رواية ذات الرقاع، فلمّا قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أدركته القائلة يوما بواد كثير العضاة فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت ظل شجرة فعلّق بها سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعونا فجئناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال: «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله. قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله- ثلاث مرّات، فشام السيف وجلس، ولم يعاقبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . ولهذه القصة طرق تأتي مع بعض ما يتعلّق بها من الفوائد في أبواب عصمته- صلى الله عليه وسلم- ممن أراد الفتك به. ومنها قصة الصبيّ الذي به جنون، روى البزار والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذات الرقاع حتى إذا أتى حرّة وأقم، حضرت امرأة بدويّة بابن لها، فقالت: يا رسول الله، هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان، ففتح فاه فبزق فيه، فقال: «اخسأ عدو الله أنا رسول الله ثلاثا، ثم قال: «شأنك بابنك لن يعود الله بشيء، مما كان يصيبه» [ (2) ] ومنها قصة البيضات الثلاث: روى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- قال في غزوة ذات الرقاع: جاء علبة بن زيد الحارثي- رضي الله عنه- بثلاث بيضات أداحي، فقال يا رسول الله: وجدت البيضات هذه في مفحص نعام، فقال: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات فعملتهن، ثم جئت بهنّ في قصعة فجعلت أطلب خبزا فلا أجده، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى إلي حاجته والبيض في القصعة كما هو، ثم قام فأكل منه عامة أصحابه، ثم رحنا مبردين [ (3) ] . ومنها قصة الرجل الذي دعا عليه- صلى الله عليه وسلّم- بضرب رقبته: روى محمد بن عمر، والحاكم، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى على رجل ثوبا مخروقا، فقال: ما له غيره؟ فقالوا له ثوبان جديدان في العيبة، فأمره بلبسهما، فلما ولّى الرجل، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أليس هذا أحسن؟ ماله ضرب الله عنقه؟» فسمعه الرجل فقال: يا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 490 (4134، 4135) . [ (2) ] انظر مجمع الزوائد 9/ 10. [ (3) ] الواقدي في المغازي 1/ 399.

رسول الله في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في سبيل الله فقتل الرجل في وقعة اليمامة [ (1) ] . ومنها قصة الجمل الّذي شكا إليه حاله. روى البزار، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- قال: رجعنا من غزوة ذات الرقاع، حتى إذا كنا بمهبط الحرة، أقبل جمل يرقل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أتدرون ما قال هذا الجمل؟» هذا جمل يستعديني على سيّده، يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين، وأنه أراد أن ينحره، اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به، فقلت: لا أعرفه. فقال: إنه سيدلّك عليه» فخرج بين يديّ مقنعا، حتى وقف على صاحبه، فجئت به فكلمه- صلى الله عليه وسلم- في شأن الجمل [ (2) ] . ومنها قصة جمل جابر- رضي الله عنه- روى الإمام أحمد عن جابر- رضي الله عنه- قال: فقدت جملي في ليلة مظلمة، فمررت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «مالك» . فقلت يا رسول الله!! فقدت جملي، فقال: «ذاك جملك، اذهب فخذه» . فذهبت نحو ما قال فلم أجده، فرجعت إليه، فقال مثل ذلك، فذهبت فلم أجده، فرجعت إليه، فانطلق معي حتّى أتينا الجمل، فدفعه إليّ [ (3) ] . قصة أخرى: روى الإمام أحمد، وأبو نعيم والشيخان، ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر من طرق عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة بني ثعلبة، وخرجت على ناضح لي، فأبطأ عليّ، وأعياني حتى ذهب الناس، فجعلت أرقبه، وهمّني شأنه فأتى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما شأنك» ، فقلت: يا رسول الله!! أبطأ عليّ جملي، فأناخ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعيره، فقال: «معك ماء» ؟ فقلت: نعم. فجئته بقعب من ماء، فنفث فيه ثم نضح على رأسه وظهره، وعلى عجزه. ثم قال: «أعطني عصا» ، فأعطيته عصا معي، أو قال: قطعت له عصا من شجرة، ثم نخسه نخسات، ثم قرعه بالعصا، ثم قال: «اركب» فركبت فخرج- والذي بعثه بالحق- يواهق [ (4) ] ناقته مواهقة ما تفوته ناقته، وجعلت أكفّه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حياء منه، وجعلت أتحدث مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبقية الحديث يأتي في باب مزاحه ومداعبته- صلى الله عليه وسلم- وفي باب كرمه وجوده، وفي باب بيعه وشرائه.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 183. [ (2) ] قال الهيثمي 9/ 11 فيه عبد الحكيم ابن سفيان ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه أحد، وبقية رجاله ثقات. [ (3) ] انظر مجمع الزوائد 9/ 14- 15. [ (4) ] يواهق أي يباريها في السير ويماشيها، ومواهقة الإبل: مدّ أعناقها في السير، انظر النهاية 5/ 233.

ومنها قصة الشجرتين، وقصة تخفيف العذاب عن ميتين، وقصة نبع الماء من بين أصابعه، وقصة الدّابة التي ألقاها البحر لمّا شكا المسلمون من الجوع. روى مسلم، وأبو نعيم، والبيهقي: عن جابر- رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذات الرّقاع، حتى نزلنا واديا أفيح، وذهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته، واتبعته بإداوة من ماء، فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، وقال: «انقادي عليّ بإذن الله تعالى» فانقادت منه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أنّت الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال: «انقادي عليّ بإذن الله تعالى» فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالنصف فيما بينهما لأم بينهما، يعني جمعهما فقال: «التئما عليّ بإذن الله تعالى» . فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحسّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقدمي فيبتعد فجلست أحدّث نفسي، فحانت منّي لفتة، فإذا أنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقف وقفة فقال برأسه: «هكذا يمينا وشمالا» . ثم أقبل، فلما انتهى إلى قال: «يا جابر! هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم يا رسول الله. قال: «فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا وأقبل بهما، حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» . قال جابر: فقمت، فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانزلق لي، ثم أتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجترهما حتّى إذا قمت مقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: قد فعلت يا رسول الله، فعمّ ذلك؟ قال: إني مررت بقبرين يعذّبان، فأحببت بشفاعتي أن يرحه عنهما ما دام القضيبان رطبين فأتينا العسكر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: يا جابر، ناد بالوضوء، فناديت: ألا وضوء ألا وضوء؟ يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- الماء في أشجاب له على حمازة من جريد، فقال: «انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ فانطلقت إليه فنظرت فلم أجد فيها قطرة ماء إلّا قطرة في عزلاء شجب منها، لو انّي أفرغه بشربة يابسة؟ فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، قال: «اذهب فاتني به، فأتيته به، فأخذه بيده، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال: «يا جابر، ناد بجفنة» ، فقلت: يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل، فوضعت بين يديه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده هكذا، فبسطها في الجفنة، ففرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: «خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقل بسم الله» فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ففارت الجفنة، ودارت حتّى امتلأت. فقال: «يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء فأتى الناس فاستقوا

ذكر قصة الطائر الذي سقط على فرخه لما صاده بعض الصحابة رضي الله عنهم

حتّى رووا، فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ ورفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده من الجفنة، وهي ملأى. وشكا الناس الجوع، فقال: «عسى الله أن يطعمكم بسيف البحر» فأتينا سيف البحر، فألقى دابة فأورينا على شقّها النّار، فشوينا، وأكلنا وطبخنا، وشبعنا. قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عدّ خمسة في حجاج عينها، ما يرانا أحد حتّى خرجنا، وأخذنا ضلعا من أضلاعها، فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل فدخل تحته ما يطأطئ رأسه. ذكر قصة الطائر الذي سقط على فرخه لما صاده بعض الصحابة رضي الله عنهم روى محمد بن عمر، وأبو نعيم- رحمه الله تعالى- عن جابر- رضي الله عنه- قال: إنّا لمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينظر إليه، فأقبل أبواه أو أحدهما حتّى طرح نفسه في يدي الذي أخذ فرخه، فرأيت النّاس يعجبون من ذلك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أتعجبون من هذا الطّائر؟ أخذتم فرخه، فطرح نفسه رحمة بفرخه، والله لربّكم أرحم بكم من هذا الطّائر بفرخه» . ذكر منقبة لعباد بن بشر- رضي الله عنه روى ابن إسحاق عن جابر- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهما الله تعالى إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصاب في نخل المشركين في هذه الغزوة امرأة، وكان زوجها غائبا، فلما أتى أخبر الخبر، وقفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فحلف زوجها لا ينتهي حتّى يهريق في أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- دما، فخرج يتبع أثر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منزلا ليلة ذات ريح في شعب استقبله. فقال: «من رجل يكلأنا» ؟ فقام عباد بن بشر، وعمار بن ياسر- رضي الله عنهما- فقالا، نحن يا رسول الله نكلؤك، وجعلت الريح لا تسكن، وجلس الرّجلان على فم الشّعب، فقال أحدهما لصاحبه: أيّ الليل أحب إليك أن أكفيك أوّله، وتكفيني آخره؟ قال: اكفني أوّله، فنام عمار بن ياسر، وقام عبّاد يصلّي، فأقبل زوج المرأة يطلب غرّة، وقد سكنت الرّيح، فلما رأى سواد عباد من قريب قال: يعلم الله إن هذا ربيئة القوم، ففوّق سهما فوضعه فيه، فانتزعه عبّاد، فرماه بآخر فوضعه فيه، فانتزعه، فرماه بآخر فانتزعه، فلمّا غلبه الدّم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: اجلس فقد أتيت، فجلس عمار، فلما رأى الأعرابي عمّارا قد قام علم أنه قد تذرا به، فهرب، فقال عمار: أي أخي، ما منعك أن

تنبيهات

توقظني في أول سهم رمي به؟ قال: كنت في سورة أقرأها وهي سورة الكهف، فكرهت أن أقطعها حتى أفرغ منها، ولولا أني خشيت أن أضيّع ثغرا أمرني به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما انصرفت، ولو أتي على نفسي. ويقال إن المرميّ عمار، قال محمد بن عمر: وأثبتها عندنا عباد بن بشر- رضي الله عنه. وروى ابن إسحاق عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا قدم صرارا نزل به، وأمر بذبح جزور، وأقام عليها والمسلمون يومهم ذلك، فلما أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل المدينة ودخلنا معه. تنبيهات الأول: اختلف في تسمية هذه الغزوة بذات الرّقاع- بكسر أوله، فقيل: هي اسم شجرة سميت الغزوة بها، وقيل: لأن أقدامهم نقبت فلقوا عليها الخرق كما في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري، وقيل: بل سمّيت برقاع كانت في ألويتهم. قال في تهذيب المطالع: والأصح أنه موضع، لقوله: حتى إذا كنا بذات الرقاع. وكانت الأرض التي نزلوها ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض. قال محمد بن عمر الأسلمي: سميت بجبل هناك فيه بقع، ورجّح السّهيلي، والنّوويّ السّبب الّذي ذكره أبو موسى الأشعري. قال النووي- رحمه الله تعالى- ويحتمل أنها سمّيت بالمجموع، وبه جزم صاحب تهذيب المطالع. في التقريب. الثاني: اختلف متى كانت هذه الغزوة فقال البخاري ومن تبعه: أنها كانت بعد خيبر، لأن أبا موسى الأشعري جاء من الحبشة سنة سبع بعد خيبر، كما في الصحيح في باب غزوة خيبر. وتقدّم ذكره هناك. وصح أيضا كما في الصحيح أنه شهد ذات الرّقاع، وإذا كان ذلك كذلك لزم أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وقال أبو هريرة- رضي الله عنه- صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة نجد صلاة الخوف. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود، والطحاوي، وابن حبان موصولا. قال البخاري، وأبو هريرة: إنما جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلّم أيام خيبر أي فدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة كانت في جهة نجد، أي لا تتعدد، فإن نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات. وذكرت في باب صلاته- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف ما يغنى عن إعادته، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر، لا التي قبلها،

والجواب أن غزوة نجد إذا أطلقت فالمراد بها غزوة ذات الرقاع، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة. وكذلك عبد الله بن عمر، ذكر أنه- صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف بنجد، وتقدم أن أول مشاهده الخندق، فتكون ذات الرقاع بعد الخندق. وفي الصحيح عن جابر- رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف في غزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع. قال الحافظ: قوله في غزوة السابعة، من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي، أو فيه حذف تقديره: غزوة السفرة السابعة. وقال الكرماني [ (1) ] وغيره: تقديره غزوة السنة السابعة، أي من الهجرة، وفي هذا التقدير نظر، إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر، نعم التنصيص بأنها سابع غزوة من غزوات النبي- صلى الله عليه وسلّم- تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنّها كانت بعد خيبر، فإنه إذا كان المراد الغزوات التي خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيها بنفسه مطلقا، سواء قاتل أو لم يقاتل، فإن السابعة منها تقع قبل أحد، ولم يذهب أحد إلى أنّ ذات الرقاع قبل أحد إلّا ما سيأتي من تردد ابن عقبة، وفيه نظر، لأنهم متفقون على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق، فتعيّن أن يكون ذات الرقاع بعد قريظة، فتعيّن أنّ المراد الغزوات التي وقع فيها القتال. والأولى منها بدر، والثانية أحد، والثالثة الخندق، والرابعة قريظة، والخامسة المريسيع، والسادسة خيبر، فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتّنصيص على أنها السابعة، فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي، وهذه العبارات أقرب مما وقع عند الإمام أحمد بلفظ كانت صلاة الخوف في السابعة، فإنه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة، كما يصح في غزوة السنة السابعة، قلت: لا مزيد على هذا التحقيق البليغ، فرحم الله الحافظ وجزاه خيرا. وجزم أبو معشر: بأنها كانت بعد بني قريظة، وهو موافق لما ذهب إليه البخاري، قال في الزهر- وأبو معشر [ (2) ] من المعتمدين في المغازي. وقال ابن القيم بعد أن ذكر الخلاف في تاريخها: الصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من

_ [ (1) ] محمد بن يوسف بن علي بن سعيد، شمس الدين الكرماني: عالم بالحديث، أصله من كرمان. اشتهر في بغداد، له «الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري- ط» قال ابن قاضي شهبة: فيه أوهام وتكرار كثير ولا سيما في ضبط أسماء الرواة. وله ايضا «ضمائر القرآن» و «النقود والردود في الأصول» مختصره، و «شرح لمختصر ابن الحاجب» سماه «السبعة السيارة» لأنه جمع فيه سبعة شروح. و «أنموذج الكشاف تعليق عليه. توفي 786 هـ، الأعلام 7/ 153. [ (2) ] نجيح بن عبد الرحمن السّندي بكسر المهملة وسكون النون الهاشمي مولاهم أبو معشر المدني. عن ابن المسيب. قال الذهبي: لم يلقه، ونافع. وعنه الليث والثوري وابن مهدي وطائفة. ضعفه القطان وابن معين وأبو داود والنسائي وابن عدي. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: صدوق وليس بقوي. توفي سنة سبعين ومائة. الخلاصة 3/ 104.

هذا الموضع، يعني كونه ذكرها بعد غزوة بني النّضير، وقبل غزوة بدر الموعد إلى بعد الخندق، بل بعد خيبر. قال: وإنما ذكرته ههنا تقليدا لأهل المغازي والسير، ثم تبيّن لنا وهمهم الثالث: قال ابن عقبة: لا ندري هل كانت ذات الرقاع قبل بدر أو بعدها، أو قبل أحد أو بعدها. قال الحافظ: وهذا التردّد لا حاصل له، بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة، لأن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت، وحديث وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع يدل على تأخرها بعد الخندق. الرابع: قال أبو الفتح- رحمه الله تعالى- جعل البخاريّ حديث أبي موسى حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر، وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك. قال الحافظ- رحمه الله تعالى- وهذا النّفي مردود، والدّلالة من ذلك واضحة كما تقدم تقريره. وقال الإمام علاء الدين الخازن- رحمه الله تعالى- وهذا الذي ذكره البخاري ظاهر الوضوح لأن سياق الأحاديث يدل على ما قاله. الخامس: ادعى الحافظ الدمياطي غلط الحديث الصحيح، فإن جميع أهل السير على خلافه، والجواب أن الاعتماد على ما في الحديث أولى، لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها، فعند ابن إسحاق، أنها بعد بني النّضير، وقبل الخندق في سنة أربع. وعند ابن سعد، وابن حبّان: إنها كانت في المحرم سنة خمس وجزم أبو معشر بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق، وجزم ابن عقبة بتقديمها، لكن تردّد في وقتها كما تقدم. وأيضا فقد ازداد حديث أبي موسى قوة بحديث أبي هريرة، وبحديث ابن عمر كما تقدم تقريره. السادس: قيل: إنّ الغزوة التي شهدها أبو موسى، وسمّيت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف، لأن أبا موسى قال في روايته: أنهم كانوا ستة أنفس، والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف. كان المسلمون فيها أضعاف ذلك، والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان مرافقا له من إلزامه، إلا أنّه أراد من كان مع النبي- صلى الله عليه وسلم. السابع: وقع في الصحيح «باب غزوة ذات الرقاع» وهي غزوة محارب بن خصفة من بني ثعلبة بن غطفان. قال الحافظ- رحمه الله تعالى- وهو يقتضي أن ثعلبة جدّ لمحارب، وليس كذلك، ووقع عند القابسي: خصفة بن ثعلبة، وهو أشد في الوهم. والصواب ما وقع عند ابن إسحاق وغيره، وبني ثعلبة بواو العطف، فإن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن

ريث بن غطفان، وغطفان بن سعد بن قيس عيلان، ومحارب بن خصفة بن قيس عيلان، فمحارب وغطفان ابنا عم!! فكيف يكون الأعلى منسوبا إلى الأدنى؟! وفي الصحيح في حديث جابر بلفظ محارب وثعلبة بواو العطف على الصحيح، وفي قوله ثعلبة من غطفان بميم فنون نظر أيضا كما يعلم مما تقدم، وقد يكون نسبه لجده الأعلى، وفي الصحيح من رواية بكر بن سوادة يوم محارب وثعلبة، فغاير بينهما ومحارب بضم الميم، وبالحاء المهملة والموحدة، وخصفة بفتح الخاء المعجمة، والصاد المهملة، ثم فاء، أضيف إليه محارب للتمييز عن غيره من المحاربين، فإن في مضر محارب بن فهر، وفي المغتربين محارب بن صباح، وفي عبد القيس محارب بن عمرو. الثامن: غورث: وزن جعفر، وقيل بضم أوله، وهو بغين معجمة وواو وثاء مثلثة، مأخوذ من الغرث وهو الجوع، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة، وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير. وحكى القاضي عن بعض رواة الصحيح: من المعارثة بالعين المهملة. قال القاضي: وصوابه بالمعجمة. وذكر غويرث هذا الذهبي في التجريد من جملة الصحابة، ولفظ غورث بن الحرث الذي قال: من يمنعك مني؟ قال: الله تعالى- فوقع السيف من يده، قاله البخاري من حديث جابر. ا. هـ. وتعقبه الحافظ بأنه ليس في شيء من طرق أحاديثه في الصحيح تعرض لإسلامه، ثم أورد الطّرق. ثم قال: رويناه في المسند الكبير عن مسدّد الخزرجي وفيه ما يصرح بعدم إسلامه، ولفظه بعد أن ذكر وقوع السيف من يده، وقول النبي- صلى الله عليه وسلم- من يمنعك مني قال: كن خير آخذ. قال: لا إلا أن تسلم. قال: لا ولكن أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله، فجاء إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس، وكذا رواه الإمام أحمد، ونقله الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ثم قال الحافظ: هذه الطرق ليس فيها أنه أسلم، وكأن الذهبي لما رأى في ترجمة دعثور بن الحرث أن الواقدي ذكر له شبيها لهذه القصة، وأنه ذكر أنه أسلم، فجمع بين الروايتين، فأثبت إسلام غورث. فإن كان كذلك ففيما صنعه نظر من حيث إنه عزاه للبخاري، وليس فيه أنه أسلم من حيث إنه يلزمه الجزم بكون القصتين واحدة، ومع احتمال كونهما واقعتين إن كان الواقدي أتقن ما نقل. وفي الجملة فهو على الاحتمال. قلت: سبق الذهبيّ في نقل إسلام غورث عن البخاري الأمير أبو نصر ابن ماكولا في الإكمال. وجزم به الذّهبي في مشتبه النّسبة، وأقره الحافظ في التبصرة على ذلك ولم يتعقبه. والذّهبي لم يغير ذلك للصحيح حتى يرد عليه بما قاله الحافظ.

والظاهر أن البخاري ذكر ذلك في أحد تواريخه فتراجع، ولم أقف الآن فيها إلا على ربع التاريخ الكبير ولم يصل إلى حرف الغين المعجمة. ولم أر من حرّر هذا الموضع. ويحتمل إن صح إسلامه أن يكون أسلم في غير هذا اليوم ووقع للحافظ في الفتح في إسلام غورث كلام غير محرر يأتي الكلام عليه في الحادي عشر. التاسع: قول غورث للنبي- صلى الله عليه وسلم- من يمنعك منّي على سبيل الاستفهام الإنكاري، أي لا يمنعك منّي أحد لأن الأعرابي كان قائما بالسيف على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والسيف في يد الأعرابي والنبي- صلى الله عليه وسلم- جالس لا سيف معه، ويؤخذ من مراجعة الأعرابي في الكلام أن الله- سبحانه وتعالى- منع نبيّه منه، وإلا فما الذي أحوجه إلى مراجعته وتكرارها ثلاث مرات كما عند البخاري في الجهاد، مع احتياج غورث إلى الحظوة عند قومه بقتله، وفي قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في جوابه: «الله يمنعني منك» إشارة إلى ذلك، ولذلك أعاده الأعرابي فلم يزده على ذلك الجواب غاية الثبات للنبي- صلى الله عليه وسلم- وعدم مبالاته به أصلا. العاشر: في رواية يحيى بن أبي كثير: فتهدّده أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ- رحمه الله تعالى- فظاهرها مشعر بأنهم حضروا القصة وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد، وليس كذلك، بل وقع في رواية إبراهيم بن سعد في الجهاد بعد قوله: قلت الله!! فشام السّيف أي أغمده، وكان الأعرابي لما شاهد ذلك الثّبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه، تحقق صدقه، وعلم أنه لا يصل إليه ألقى السلاح، وأمكن من نفسه. الحادي عشر: في حديث جابر فإذا هو جالس، ووقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله: «قال الله» فدفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده فأخذه النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: من يمنعك أنت مني؟ قال: لا أحد، قال: قم فاذهب لشأنك، فلما ولى قال: أنت خير مني. ويجمع بين ما في الصحيح وبين ما ذكره ابن إسحاق من قوله: «فاذهب» أنه بعد ما أخبر أصحابه بقصته، ولشدة رغبته- صلى الله عليه وسلّم- في ائتلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام، لم يؤاخذه وعفا عنه. قال الحافظ: وقد ذكر الواقدي في نحو هذه القصة أنه أسلم، وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير، ووقع في رواية ابن إسحاق- التي أشرت إليها- ثم أسلم ... بعد. قلت: وعلى الحافظ في هذا الكلام مؤاخذات. الأولى: قوله «ووقع» في رواية ابن إسحاق بعد قوله «فدفع جبريل في صدره» صوابه: وقع عند الواقدي، لابن إسحاق، فإن ابن إسحاق لم يذكر ذلك أصلا. الثانية: أن الواقدي، إنما ذكر ذلك في غزوة غطفان التي تعرف بذي أمر لا في ذات الرّقاع، وسمّى الرّجل دعثورا.

الثالثة قوله: وذكر الواقدي في نحو هذه القصة إلخ. قد يوهم أن الرجل غورث، وليس كذلك، بل هو دعثور. الرابعة قوله: ووقع في رواية ابن إسحاق التي أشرت إليها أنه أسلم ليس في كلام ابن إسحاق أنه أسلم بلا ريب، ومن راجع كلام ابن إسحاق، والواقدي في مغازيهما تبيّن له صحة ما قلته. والله- تعالى- أعلم. الثاني عشر: قول ابن إسحاق: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- استعمل على المدينة في غزوة ذات الرّقاع أبا ذر، لا يستقيم على مذهبه أن ذات الرقاع قبل الخندق، فإن أبا ذر أسلم قديما، ورجع إلى بلاده، فلم يجيء إلّا بعد الخندق، كما ذكره محمد بن عمر. الثالث عشر: وقع في الوسيط للإمام حجة الإسلام الغزالي- رحمه الله تعالى- أنّ غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات. قال الحافظ: وهو غلط واضح. وقد بالغ ابن الصلاح في إنكاره، وقال بعض من انتصر للغزالي: لعله أراد آخر غزوة صلّيت فيها صلاة الخوف، وهو انتصار مردود أيضا، لما رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان من حديث أبي بكر أنه- صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، وإنما أسلم أبو بكرة في غزوة الطّائف بالاتفاق، وذلك بعد غزوة ذات الرقاع قطعا. الرابع عشر: جمهور أهل المغازي على أن غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب، كما جزم به ابن إسحاق. وعند محمد بن عمر، أنها اثنتان وتبعه القطب في المورد. الخامس عشر: قول ابن سعد أن صلاة الخوف أول ما صلّيت «بذات الرقاع» محمول على ما ذكره هو وغيره من تقدمها على غزوة الحديبية، أما على تأخير ذات الرقاع عن خيبر فتكون أول ما صلّيت صلاة الخوف في عسفان. السادس عشر: في بيان غريب ما سبق. الجلب- بفتح الجيم واللام، وبالموحدة: ما يجلب من بلد إلى بلد للبيع. بنو أنمار ... بفتح الهمزة. بغيض- بموحدة، فغين، فضاد، معجمتين بينهما تحتية. هادين: غافلين عن أمرهم. المضيق- بفتح الميم، وكسر الضاد المعجمة، ومثناة تحتية وقاف: قرية. أفضى إلى كذا: وصل إليه. الشّقرة- بضم الشين المعجمة، وسكون القاف: اسم موضع على يومين من المدينة.

شرح غريب ذكر حديث جابر في قصة غورث

أتى نخلا- بالخاء المعجمة بلفظ اسم جنس النخلة: موضع على يومين من المدينة أيضا. وضيئة- بالضاد المعجمة: أي حسنة. غارون: غافلون. يستأصلهم: يهلكهم جميعا. حانت الصلاة: دنا وقتها. شرح غريب ذكر حديث جابر في قصة غورث قوله- قفل: رجع. العضاه- بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة، وبالهاء: شجر أم غيلان، وكل شجر عظيم له شوك. اخترط السّيف: سلّه من غمده. صلتا- بفتح الصاد المهملة، وسكون اللام، وبالفوقية: أي مجردا من غمده. شام السّيف- هنا- أدخله في غمده. فتك به: أتاه ليقتله. وهو غار: غافل. في حرة- بفتح الحاء وكسرها. الحرّة: أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار والجمع [حرار] ككلاب. وأقم- بالواو، والقاف، والميم، وزن أطم، من آطام المدينة، تنسب إليه حرة وأقم. بيضات أداحي- بالدال، والحاء المهملتين جمع أدحي بضم الهمزة، وهو الموضع الذي تبيض فيه النعامة وتفرخ. المفحص- بفتح الميم، وسكون الفاء، وفتح الحاء، وبالصاد المهملتين: اسم الموضع الذي يحفره الطائر ليبيض فيه. العيبة- بفتح العين المهملة، وسكون التحتية، وبالموحدة: ما تجعل فيه الثياب. اليمامة: مدينة على يومين من الطائف، وأربعة من مكة. يرفل- بسكون الراء، وبالفاء: يمشي مشي المختال. يستعديني: يطلب مني نصره.

شرح غريب حديث جابر الطويل

مقنعا- بالقاف، والنون، والعين المهملة: أي ذليلا. الناضح: الذي يسقى عليه، ثم استعمل في كل بعير القعب- بقاف مفتوحة، فعين مهملة: قدح من خشب. يواهق- بتحتية مضمومة، فواو، فهاء مكسورة، فقاف: أي يباري ناقة النبي- صلى الله عليه وسلم- في السير ويماشيها. شرح غريب حديث جابر الطويل قوله: واد أفيح: واسع. الإداوة- بالكسر: المطهرة. شاطئ الوادي: جانبه. الغصن- بضم الغين المعجمة. البعير المخشوش- بالخاء والشين المعجمتين هو الذي يجعل في أنفه الخشاش. بكسر الخاء: وهو عود يجعل في أنف البعير يشدّ به الزمام ليكون أسرع في انقياده. وانقاد فلان للأمر: أعطى القياد إذا أذعن طوعاً أو كرهاً. التأمتا عليه: انطبقتا عليه وسترتاه. أحضر- بضم الهمزة، وإسكان الحاء، وكسر الضاد المعجمة: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا. دانت- بالنون، وروي باللّام: أي وقعت واتّفقت. لفتة: نظرة. حسرته- بحاء وسين مهملتين: حددته ونحيت عنه ما يمنع حدّته بحيث صار مما يمكن القطع به. انذلق- بذال معجمة، أي صار حادا. أمّمت الشيء: قصدته. أجترهما: أجرّهما. فعمّ ذاك- أدغمت النون في ما الاستفهامية، وحذفت ألفها لدخول الجار. يرفه عنهما- بفتح التحتية، وسكون الراء، وفتح الفاء وبالهاء: تخفيف. الأشجاب- جمع شجب: وهو السّقاء الذي خلق وبلى، وصار سيئا.

شرح غريب ذكر منقبة عباد بن بشر - رضي الله عنه

الحمازة- بكسر الحاء، وتخفيف الميم والزاي: وهي أعواد يعلق عليها أسقية الماء. القطرة: الشيء اليسير. العزلاء- بفتح العين المهملة وسكون الزاي، وبالمد: وهي فم القربة الأسفل. شربة يابسة: أي قليل جدا، فلقلته مع شدة يبس باقي الشجب يذهب ما فيه. يغمزه: يعصره. الجفنة- بفتح الجيم: إناء كالقصعة، والجمع الجفان بالكسر والجفنات بالتحريك. وناد يا جفنة الركب: أي التي تشبعهم أو يا صاحب جفنتهم فحذف المضاف، أي من كان عنده جفنة تشبعهم فليحضرها. سيف البحر- بكسر السين المهملة، وإسكان التحتية: جانبه. حجاج عينها- بفتح الحاء المهملة، وكسرها، وبجيمين: العظم المستدير، وقال ثابت: الحجاجان، العظمان المشرفان على العينين، وفي المخصص: الحجاج العظم الذي عليه الحاجب. الكفل- بكسر الكاف، وسكون الفاء: وهو هنا- الكساء الذي يدار حول سنام البعير ثم يركب. شرح غريب ذكر منقبة عباد بن بشر- رضي الله عنه يهريق- بضم التحتية، وفتح الهاء، وكسر الراء: يصب ويسيل. يكلؤنا: يحفظنا ويحرسنا. الشّعب- بالكسر: الطريق في الجبل. الرّبيئة- بفتح الراء المشددة، والموحدة المكسورة، وبالهمزة، والمفتوحة: طليعة القوم وعينهم، الذي يكشف لهم الخبر. الثغر- بالثاء المثلثة، والغين المعجمة: ما يلي دار العدو. صرار- بصاد وراءين مهملتين: اسم أطم بالمدينة شرقيها.

الباب السادس والعشرون في عمرة القضاء

الباب السادس والعشرون في عمرة القضاء لما دخل هلال ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن البيت، وأنزل الله تبارك وتعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [البقرة 194] الآية. أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه أن يتجهزوا للعمرة، ولا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف أحد شهدها، إلّا رجال استشهدوا بخيبر، ورجال ماتوا، فقال رجال من حاضري المدينة من العرب: يا رسول الله، والله مالنا زاد، وما لنا أحد يطعمنا، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم المسلمين أن ينفقوا في سبيل الله- تعالى، وأن يتصدقوا، وألا يكفوا أيديهم فيهلكوا، فقالوا: يا رسول الله، بم نتصدق وأحدنا لا يجد شيئا؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بما كان ولو بشق تمرة» [ (1) ] . وروى وكيع وابن عيينة وابن سعيد، ومنصور، وعبد بن حميد، والبخاري، والبيهقي في سننه عن حذيفة، ووكيع، وعبد بن حميد، والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله- تعالى عنهم- وابن جرير عن عكرمة، ووكيع عن مجاهد- رحمهما الله- تعالى- قالوا في قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة 195] إن التهلكة ترك النفقة في سبيل الله، ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك في سبيل الله، أنفق ولو مشقصا [ (2) ] . قال محمد بن عمر، وابن سعد [ (3) ] : واستعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة أبا رهم- بضم الراء، وسكون الهاء- الغفاري- رضي الله عنه- وقال ابن هشام: واستعمل عويف- بالواو والفاء، تصغير عوف، ويقال فيه عويث- بتحتية فمثلثة ابن الأضبط- بضاد معجمة، فموحدة، فطاء مهملة- رضي الله تعالى عنه- وقال البلاذري: استعمل أبا ذرّ. ويقال: عويف بن الأضبط والله أعلم. ذكر ما ساقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الهدي وتقديمه السلاح والخيل أمامه روى محمد بن عمر عن عبد الله بن دينار- رحمه الله تعالى- قال: جعل رسول

_ [ (1) ] انظر فتح الباري 7/ 571. [ (2) ] انظر فتح القدير 1/ 194. [ (3) ] انظر الطبقات الكبرى 2/ 92.

ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة وإحرامه

الله- صلى الله عليه وسلّم- ناجية بن جندب الأسلمي على هديه، يسير به أمامه، يطلب الرّعي في الشجر، معه أربعة فتيان من أسلم، زاد غيره: وأبو هريرة [ (1) ] . وروى محمد بن عمر عن محمد بن إبراهيم بن الحرث قال: ساق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في القضية ستين بدنة وروى أيضا عن شعبة مولى ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قلّد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هديه بيده [ (2) ] . وروى أيضا عن عاصم بن عمر عن قتادة- رحمه الله تعالى- قال: حمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السلاح، والبيض، والدروع، والرماح وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدّم الخيل أمامه، واستعمل على السلاح بشير بن سعد، بالموحدة والشين المعجمة، وزان أمير، فقيل يا رسول الله: حملت السّلاح وقد شرطوا أن لا ندخلها عليهم بسلاح إلّا سلاح المسافر، السيوف في القرب! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّا لا ندخله عليهم الحرم، ولكن يكون قريبا منّا، فإن هاجنا هيج من القوم كان السّلاح منّا قريبا [ (3) ] . فمضى بالخيل محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- إلى مرّ الظهران، فوجد بها نفرا من قريش فسألوه فقال: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصبّح هذا المنزل غدا إن شاء الله- تعالى- ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا، حتّى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوه من الخيل والسلاح، ففزعت قريش، وقالوا والله ما أحدثنا حدثا، وإنّا على كتابنا، ومدّتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه. قال ابن عقبة- رحمه الله تعالى-: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحرث يخطبها عليه، قلت: وسيأتي بيان ذلك في ترجمتها. ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة وإحرامه روى محمد بن عمر- رحمه الله- تعالى- عن جابر- رضي الله- تعالى عنه- قال: أحرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من باب المسجد، لأنه سلك طريق الفرع، ولولا ذلك لأهلّ من البيداء. قالوا: وسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبي والمسلمون معه يلبّون، حتى انتهى إلي مرّ الظّهران، وقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السلاح إلى بطن يأجج حيث نظر إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش مكرز- بكسر الميم، وسكون الكاف، وكسر الراء، وبالزاي- بن حفص في نفر من قريش حتى لقوه ببطن يأجج، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، والهدي والسلاح قد تلاحق، فقالوا له: والله يا

_ [ (1) ] انظر المغازي للواقدي 2/ 71 والبيهقي في الدلائل 4/ 320 وابن كثير في البداية 4/ 230. [ (2) ] المغازي 2/ 733. [ (3) ] المصدر السابق.

ذكر دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة

محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا- بالغدر، تدخل بالسلاح في الحرم على قومك، وقد شرطت لهم ألّا تدخل إلّا بسلاح المسافر، السيوف في القرب!! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إني لا أدخل عليهم بسلاح.» فقال مكرز: هو الذي تعرف به، البرّ والوفاء، ثم رجع مكرز سريعا إلى مكة بأصحابه، فقال: إن محمدا لا يدخل بسلاح، وهو على الشرط الذي شرط لكم [ (1) ] . روى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرّ الظّهران في عمرته، بلغ أصحابه أن قريشا تقول ما يتباعثون من العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهرنا فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقه، أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا جمامة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «لا تفعلوا، ولكن اجمعوا إليّ من أزوادكم» ، فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع فأكلوا حتّى تركوا، وحشا كلّ واحد في جرابه [ (2) ] . ذكر دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة قال ابن عباس- رضي الله عنهما- قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة، ولمّا جاء مكرز قريشا بخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استنكف رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غيظا وحنقا، ونفاسة، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالهدي أمامه حتى حبس بذي طوى، ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على راحلته القصواء وأصحابه محدقون به، قد توشّحوا السيوف يلبّون، فلما انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ذي طوى وقف على راحلته والمسلمون حوله، ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون. وروى البخاري تعليقا، وعبد الرّزاق، والترمذي، والنسائي، وابن حبان عن أنس- رضي الله عنه- وابن عقبة عن الزهري، وابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام القضيّة على ناقته وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها، وهو يقول: خلّوا بني الكفّار عن سبيله ... نحن ضربناكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله قد أنزل الرّحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله يا رب إني مؤمن بقيله ... إنّي رأيت الحقّ في قبوله فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يا ابن رواحة؟ بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-

_ [ (1) ] انظر الطبقات الكبرى 2/ 92 والبيهقي في الدلائل 4/ 321 والواقدي في المغازي 2/ 734. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 305 وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 278 وانظر البداية 4/ 231.

ذكر طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيا وما جاء أنه طاف راكبا

وفي حرم الله- تعالى- تقول الشعر؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «خل عنه يا عمر» فلهي أسرع فيهم من نضح النبل» . وفي رواية «يا عمر إني أسمع، فاسكت يا عمر» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا ابن رواحة قل: «لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده» . فقالها ابن رواحة فقالها الناس كما قالها [ (1) ] . ذكر طواف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ماشيا وما جاء انه طاف راكبا روى الإمام أحمد، والشيخان، وابن إسحاق عن ابن عباس- رضي الله- تعالى عنهما- قال: «قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكّة، وقد وهنتهم حمّى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم غدا قوم قد وهنتهم الحمّى، ولقوا فيها شدّة، فجلسوا على قعيقعان مما يلي الحجر، فأطلع الله- تعالى- نبيه على ما قالوا، فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده الأيمن، ثم قال: «رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوّة» . وفي رواية: «أروهم ما يكرهون» وأمرهم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا بين الرّكنين، ليرى المشركون جلدهم، ثم استلم الركن، وخرج يهرول وأصحابه معه، حتى إذا واراه البيت منهم، واستلم الرّكن اليماني مشى حتى استلم الركن الأسود ثم هرول كذلك ثلاثة أشواط ومشى سائرها. قال ابن عباس: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها للإبقاء عليهم، فقال المشركون: «هؤلاء الذين زعمتم أن الحمّى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا، ما يرضون بالمشي، أما إنهم لينقزون نقز الظّبي» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكايدهم كلّما استطاع [ (2) ] . قال محمد بن عمر، وابن سعد وغيرهم: ولم يزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبّي حتّى استلم الركن بمحجنه. وروى الحميديّ والبخاريّ [ (3) ] ، والإسماعيلي عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- قال: لما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سترناه من غلمان المشركين، وفي رواية من السّفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وروى يونس ابن بكير- رحمه الله تعالى- عن زيد بن أسلم- رحمهما الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل عام القضية مكّة، فطاف على

_ [ (1) ] أخرجه البخاري معلقا 7/ 570 وانظر كلام الحافظ ابن حجر 7/ 572 وانظر مغازي الواقدي 2/ 736 والبيهقي في الدلائل 4/ 323. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 581 (4256) ومسلم 2/ 923 (240/ 1266) ، وأحمد 1/ 373 وأبو داود (1885) والطحاوي في المعاني 2/ 179 والطبراني في الكبير 11/ 386، وانظر البداية 4/ 227 والبيهقي في الدلائل 4/ 326 والتمهيد لابن عبد البر 2/ 71. [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 581 (4255) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 328.

ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - البيت

ناقته، واستلم الركن بمحجنه. قال هشام، وابن سعد: من غير- علّة- والمسلمون يشتدّون حول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وابن رواحة يقول الرجز السابق: وذكر محمد بن عمر، وابن سعد: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طاف راكبا، وتبعهما القطب في المورد. ذكر دخوله- صلّى الله عليه وسلّم- البيت روى البيهقي من طريق محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى- قال: لما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طوافه في عمرة القضاء دخل البيت، فلم يزل فيه حتّى أذّن بلال بالصبح، فوق ظهر الكعبة، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمره بذلك، فقال عكرمة بن أبي جهل- وأسلم بعد ذلك- لقد أكرم الله- تعالى- أبا الحكم، حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول. وقال صفوان بن أمية- وأسلم بعد ذلك- الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا. وقال خالد بن أسيد- كأمير- وأسلم بعد ذلك: الحمد لله الذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم حين يقوم بلال ابن أم بلال ينهق فوق الكعبة وأمّا سهيل بن عمرو- وأسلم بعد ذلك- ورجال معه لما سمعوا ذلك غطوا وجوههم، كذا في هذه الرّواية: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل البيت. وروى البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد- رحمه الله تعالى- أن رجلا سأل ابن أبي أوفى- رضي الله عنه- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل في القضيّة الكعبة؟ قال: لا [ (1) ] . وقال محمد بن عمر بعد أن روى ما سبق عن ابن عباس: حدثني إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين قال: لم يدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكعبة في القضيّة. وقد أرسل إليهم، فأبوا وقالوا: لم يكن في شرطك. ذكر سعيه- صلى الله عليه وسلّم- بين الصفا والمروة روى محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طاف بين الصّفا والمروة على راحلته، فلما كان الطّواف السّابع عند المروة عند فراغه- وقد وقف الهدي عند المروة- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنحر عند المروة» [ (2) ] . قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- وقد كان اعتمر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قوم لم

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 328 والواقدي في المغازي 2/ 737. [ (2) ] أخرجه ابن سعد: 2/ 1/ 88 والموطأ (393) وأحمد (1/ 76) والترمذي (885) ، وابن خزيمة (2889) .

ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة

يشهدوا الحديبية فلم ينحروا، فأمّا من شهدها وخرج في القضيّة فإنهم اشتركوا في الهدي. وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مائتين من أصحابه حين طافوا بالبيت وسعوا أن يذهبوا إلى أصحابه ببطن يأجج فيقيمون على السّلاح، ويأتي الآخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا. ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من مكة روى محمد بن عمر عن عمر بن علي بن أبي طالب- رحمه الله تعالى- قال: لما كان عند الظهر يوم الرابع أتى سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى- وأسلما بعد ذلك قال ابن إسحاق: وكانت قريش قد وكّلت حويطب بإخراج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتياه وهو في مجلس من الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فقالا: قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت طعاما؟!» فقالا: لا حاجة لنا في طعامك اخرج عنّا، ننشدك الله يا محمد، والعقد الذي بيننا وبينك إلّا خرجت من أرضنا، فهذه الثلاثة قد مضت [ (1) ] . وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم ينزل بيتا، إنّما ضربت له قبّة من أديم بالأبطح، فكان هناك حتى خرج منها، ولم يدخل تحت سقف بيت من بيوتها، فغضب سعد بن عبادة- رضي الله عنه- لما رأى من غلظة كلامهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لسهيل بن عمرو: كذبت لا أم لك ليست بأرضك ولا أرض أبيك، والله لا يخرج منها إلّا طائعا راضيا، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال يا سعد: لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا، وأسكت الرجلان عن سعد. وفي الصحيح عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أن الأجل لما مضى أتى المشركون عليا- رضي الله عنه- فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنّا فقد مضى الأجل، فذكر ذلك علي- رضي الله عنه- لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا رافع- بالرحيل، وقال: لا يمسين بها أحد من المسلمين» وركب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى نزل بسرف، وتتامّ الناس، وخلّف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا رافع ليحمل إليه زوجته ميمونة حين يمسي، فأقام أبو رافع حتّى أمسى، فخرج بميمونة ومن معها، ولقيت من سفهاء مكة عناء، وسيأتي الكلام على دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بها في ترجمتها. ذكر خروج ابنة حمزة- رضي الله عنها روى الشيخان عن البراء بن عازب، والإمام أحمد عن علي، ومحمد بن عمر عن ابن عباس- رضي الله عنهم- قال ابن عباس: أن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقيل اسمها

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 4/ 330 وانظر السيرة لابن هشام 3/ 321.

تنبيهات

أمامة قال الحافظ: وهو المشهور وأمها سلمى بنت عميس، كانت بمكّة، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة كلّم علي بن أبي طالب- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: علام نترك ابنة عمّنا يتيمة بين ظهراني المشركين؟، فلم ينهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخرج بها. وقال البراء: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج تبعته ابنة حمزة تنادي يا عمّي يا عمّي، فتناولها عليّ فأخذ بيدها. وقال لفاطمة- رضي الله عنها-: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها. زيد وعلي وجعفر، أي بعد أن قدموا المدينة كما سيأتي. وكان زيد وصيّ حمزة، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد واخى بينهما حين واخى بين المهاجرين. فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمّي، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، وقال جعفر: بنت عمّي وخالتها أسماء بنت عميس تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم» وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» . وفي حديث ابن عباس- رضي الله عنه- «وأما أنت يا عليّ فأخي وصاحبي» وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» . وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» . وفي حديث ابن عباس- رضي الله عنه- «أنت مولى الله ورسوله» [ (1) ] . قال محمد بن عمر: فلمّا قضى بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لجعفر قام جعفر فحجل حول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما هذا يا جعفر» ؟ قال: يا رسول الله، كان النجاشي إذا أرضى أحدا قام فحجل. قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- ثم انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذي الحجة. وكان عدّة المسلمين سوى النّساء والصّبيان ألفين. قال ابن هشام- رحمه الله- تعالى-: فانزل الله- تعالى- فيما حدّثني أبو عبيدة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح 27] يعني خيبر. تنبيهات الأول: يقال لهذه العمرة عمرة القصاص. قال السهيلي- رحمه الله- تعالى- وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [البقرة

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 570 (4251) ومسلم 3/ 1409 (90/ 1783) ، وأبو داود (2280) والترمذي 4/ 338 والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 6 والدلائل 4/ 338.

194] ورواه عبد بن حميد بسند صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وهذه الآية نزلت فيها كما تقدم. ويقال لها: عمرة القضاء، واختلف في تسميتها بذلك، فقال السّهيلي: لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قاضى قريشا عليها. لأنه قضى العمرة الّتي صدّ عن البيت فيها، فإنها لم تكن فسدت بصدّهم له عن البيت، بل كانت عمرة تامّة متقبلة، حتّى إنهم حين حلقوا شعورهم بالحلّ احتملتها الريح فألقتها بالحرم، فهي معدودة في عمر النبي- صلى الله عليه وسلم- زاد القاضي: فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصّلح، ولذلك يقال لها عمرة القضية. قال أهل اللغة: قاضى فلان فلانا: عاهده، وقاضاه: عاوضه، فيحتمل تسميتها بالأمرين، ويرجح الثاني تسميتها قصاصا. وقال آخرون: بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدّ عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر فيها لا لأنّها كملت، وهذا خلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصدّ عن البيت. فقال الجمهور: يجب عليه الهدي، ولا قضاء عليه. وعن الإمام أبي حنيفة- رحمه الله- تعالى- عكسه، وعن الإمام أحمد رواية: أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء وأخرى أنه يلزمه الهدي والقضاء، وبيان حجج كلّ ليس من غرضنا. وقال ابن إسحاق: تسمّى أيضا عمرة الصّلح اه. فتحصّل من أسمائها أربعة: القضاء، والقضيّة، والقصاص والصّلح. الثاني: وجهوا كون هذه العمرة غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه- صلى الله عليه وسلم- خرج مستعدّا بالسّلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة. وقال ابن الأثير- رحمه الله تعالى- في الجامع: هذه العمرة ليست من الغزوات، وذكرها البخاري في الغزوات حيث تضمنت ذكر المصالحة مع المشركين. الثالث: قال ابن هشام- رحمه الله تعالى- قوله: «نحن قتلناكم على تأويله» إلى آخر الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم، قال السّهيلي: يعني يوم صفين. قال ابن هشام: والدليل على ذلك أنّ ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقرّوا بالتنزيل، وإنّما يقاتل على التأويل من أقرّ بالتنزل. قال في البداية: وفيما قاله ابن هشام نظر، فإن البيهقيّ روى من غير وجه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول

الأبيات السابقة. ورواه عن يزيد بن أسلم- كما سبق- وقد تابع ابن إسحاق على ذلك ابن عقبة وغيره، وقال الحافظ- رحمه الله تعالى- إذا ثبتت الرّواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإنّ التقدير على رأي ابن هشام: نحن ضربناكم على تأويله أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل، ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه، وإذا كان ذلك محتملا، وثبتت الرّواية سقط الاعتراض. نعم الرواية التي جاء فيها. «فاليوم نضربكم على تأويله» يظهر أنه قول عمار، ويبعد أن يكون من قول ابن رواحة، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرّواية. «نحن ضربناكم على تأويله. كما ضربناكم على تنزيله. يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع من أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول: هذه اللفظة، ومعنى قوله: «نضربكم على تأويله» أي الآن، وجاز تسكين الباء لضرورة الشّعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور. الرابع: قال الحافظ أبو عيسى الترمذي- رحمه اللَّه تعالى- بعد أن ذكر رجز ابن رواحة، ثم قال: وفي غير هذا الحديث أن هذه القصّة لكعب بن مالك، وهو الأصح، لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة، وكانت عمرة القضاء بعد ذلك، قال الحافظ- رحمه الله- وهو ذهول شديد، وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك، ومع أنّ في قصّة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه، علي، وزيد بن حارثة في بنت حمزة، أي كما سبق وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد، فكيف يخفى على التّرمذي مثل هذا. ثم وجدت عند بعضهم أن الّذي عند التّرمذي من حديث أنس: أنّ ذلك كانت في فتح مكة. فإن كان كذلك اتجه اعتراض التّرمذي، لكن الموجود بخطّ الكروخي راوي الترمذي على ما تقدم. قلت: وكذلك رأيته في عدة نسخ من جامع الترمذي. الخامس: مجيء سهيل، وحويطب يطلبان رحيل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصف النهار، الظاهر أنه- صلى الله عليه وسلم- دخل في أوائل النهار، فلم تكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النّهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أول النهار قريب مجيء ذلك الوقت. السادس: «قول ابنة حمزة يا عم كأنها خاطبت النبي- صلى الله عليه وسلّم- بذلك إجلالا، وإلّا فهو ابن عمها، أو بالنسبة إلى كون حمزة- وإن كان عمه من النسب- فهو أخوه من الرضاعة. وكانت خصومة علي وجعفر، وزيد في ابنة حمزة بعد أن قدموا المدينة، كما صح ذلك من حديث عليّ عند أحمد، والحاكم. السابع: أقر النبي- صلّى الله عليه وسلم- عليا على أخذها من مكة مع اشتراط المشركين ألّا يخرج

شرح غريب ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة

بأحد من أهلها أراد الخروج، لأنهم لم يطلبوها، وأيضا فإنّ النّساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك، لكن إنّما نزل القرآن بعد رجوعهم إلى المدينة. الثامن: في بيان غريب ما سبق: التّهلكة: الهلاك، وهو من نوادر المصادر. المشقص- بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف، سهم فيه نصل عريض، والجمع مشاقص. تقليد الهدي: أي تعلّق بعنق البعير قطعة من جلد ليعلم أنّه هدي فيكفّ الناس عنه. ذو الحليفة- بضم الحاء المهملة تصغير الحلفة بفتحات، واحد الحلفاء، وهو النبات المعروف. هاجه: حركه، الهيج- بفتح الهاء، والتحتية، وبالجيم: الحرب. مرّ الظّهران: تقدم الكلام عليه غير مرّة. شرح غريب ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة قوله الفرع- بضم الفاء، والراء، وبالعين المهملة: عمل واسع من أعمال المدينة. البيداء: في الأصل المفازة، وهنا الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة. يأجج- بتحتية، فهمزة ساكنة، فجيمين، الأولى مفتوحة- وقد تكسر: واد قريب من مكة. أنصاب الحرم: الأعلام على حدوده. العجف، وزان التّعب: الضعف. حسونا- بحاء فسين مهملتين مفتوحتين، فواو ساكنة، فنون: شربنا. الحنق- بفتح الحاء المهملة، والنون وبالقاف: الغيظ. النفاسة- يقال نفس الشيء بالكسر نفاسة: حسده عليه ولم يره أهلا له. ذي طوى- بتثليث الطاء: واد بقرب مكة، يصرف ولا يصرف. القصواء: كحمراء. محدقين: محيطين. توشح السيف: ألقى طرف علاقته على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ طرفه الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده. اليمنى، ثم يعقدهما على صدره.

الثنيّة: كل عقبة مسلوكة. الحجون- بفتح الحاء المهملة، وضم الجيم، وبالواو، والنون: جبل بمكة. الهام، جمع هامة، وهي الرأس. وهنتهم الحمّى: أضعفتهم. اضطبع بثوبه: جعل وسط الثوب تحت الإبط اليمنى، وطرفه على الكتف اليسرى. العضد- بفتح العين المهملة، وضم الضاد المعجمة وتسكن، وبفتح العين، وكسر الضاد، وبضمهما، وبضم العين وسكون الضاد: خمس لغات، وهي مؤنثة عند أهل تهامة، وتذكّر عند بني تميم: وهي ما بين المرفق والكتف. رمل في طوافه- بالراء: هرول. الأشواط- بالشين المعجمة جمع شوط: وهو الجري إلى الغاية، وهي هنا من الحجر إلى الحجر. جلدهم- بفتح الجيم واللام: قوّتهم وصبرهم. واراه: ستره. أبقى عليه: رفق به وأشفق عليه. قعيقعان- بقافين، الأولى مضمومة، بعد كل منهما عين مهملة وبعد الأولى تحتية: جبل بمكة. نقز- بالقاف والزاي: وثب. الظّبى- جمع ظبي: حيوان معروف. المحجن- بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم: عصا مقنعة الرأس يلتقط بها الراكب ما سقط منه. يشتدون: يعدون. المروة: جبل معروف بمكة. الفجاج- بكسر الفاء جمع فج، وبالفتح: هو الطريق الواسع. ننشدك الله: نذكرك به ونستعطفك، أو نسألك به، مقسمين عليك. الأبطح: كل مسيل فيه دقاق الحصى، والمراد هنا مكان معروف بمكة. سرف- بفتح السين المهملة وكسر الرّاء، وبالفاء: ما بين التّنعيم وبطن مرو، وهو إلى التنعيم أقرب. حجل- بحاء مهملة، فجيم، فلام مفتوحات: رفع رجلا وقفز على الأخرى من الفرح، وقد يكون بالرّجلين، إلّا انه قفز، وقيل الحجل: المشي المقيد.

الباب السابع والعشرون في غزوة الفتح الأعظم الذي أعز الله تعالى به دينه ورسوله وجنده وحرمه الأمين

الباب السابع والعشرون في غزوة الفتح الأعظم الذي أعز الله تعالى به دينه ورسوله وجنده وحرمه الأمين وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا، وكان في شهر رمضان سنة ثمان. قال ابن عباس- رضي الله عنهما- غزا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غزوة الفتح في رمضان. قال الزّهري: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك، رواه البخاري [ (1) ] . ذكر الأسباب الموجبة للمسير إلى مكة كانت خزاعة في الجاهلية أصابوا رجلا من بني الحضرميّ واسمه مالك بن عبّاد، وحلف الحضرميّ يومئذ إلى الأسود بن رزن، خرج تاجرا، فلمّا توسّط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فمر رجل من خزاعة على بني الدّيل بعد ذلك فقتلوه، فوقعت الحرب بينهم، فمرّ بنو الأسود بن رزن. وهم ذؤيب، وسلمى، وكلثوم على خزاعة فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم، وكان قوم الأسود منخر بني كنانة يودون في الجاهلية ديتين لفضلهم في بني بكر، ونودى دية، فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فحجز بالإسلام بينهم، وتشاغل الناس به- وهم علي ما هم عليه من العداوة في أنفسهم- فلمّا كان صلح الحديبية بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين قريش، ووقع الشّرط «ومن أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش فليدخل» فدخلت خزاعة في عقد رسول- صلى الله عليه وسلم- وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذلك عارفا، ولقد جاءته خزاعة يومئذ بكتاب عبد المطلب فقرأه عليه أبي بن كعب- رضي الله عنه- وهو: «باسمك اللهمّ، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي، غائبهم مقرّ بما قاضى عليه شاهدهم، إنّ بيننا وبينكم عهود الله وعقوده، وما لا ينسى أبدا، اليد واحدة، والنصر واحد ما أشرف ثبير، وثبت حراء مكانه وما بل بحر صوفة ولا يزداد فيما بيننا وبينكم ألا تجددا أبد الدهر سرمدا» . فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما أعرفني بخلقكم وأنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف! فكلّ حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلّا شدة ولا حلف في الإسلام» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 595 (4275) . [ (2) ] انظر فتح الباري 7/ 592.

ذكر نقض قريش العهد

ذكر نقض قريش العهد لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية، كلمت بنو نفاثة وبنو بكر أشراف قريش أن يعينوهم بالرّجال والسّلاح على عدوّهم من خزاعة، وذكّروهم القتلى الذين أصابت خزاعة منهم، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأر أولئك النّفر الذين أصابوا منهم في بني الأسود بن رزن، وناشدوهم بأرحامهم، وأخبروهم بدخولهم في عقدهم وعدم الإسلام، ودخول خزاعة في عقد محمد وعهده، فوجدوا القوم إلى ذلك سراعا، ألا إن أبا سفيان بن حرب لم يشاور في ذلك ولم يعلم، ويقال إنهم ذاكروه فأبى ذلك، فأعانوا بالسّلاح والكراع والرّجال، ودسّوا ذلك سرا لئلّا تحذر خزاعة، وخزاعة آمنون غارون لحال الموادعة، ولما حجز الإسلام بينهم. ثم اتّعدت قريش وبنو بكر وبنو نفاثة الوتير، وهو موضع أسفل مكة، وهو منازل خزاعة فوافوا للميعاد فيهم رجال من قريش من كبارهم متنكرون منتقبون، صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان- وأسلموا بعد ذلك- ومكرز بن حفص، وأجلبوا معهم أرقاءهم، ورأس بني بكر نوفل بن معاوية الدّئلي- وأسلم بعد ذلك- فبيّتوا خزاعة ليلا وهم غارون آمنون- وعامّتهم صبيان ونساء وضعفاء الرّجال، فلم يزالوا يقتلونهم حتى انتهوا إلى أنصاب الحرم، فقال أصحاب نوفل بن معاوية له: يا نوفل إلهك إلهك قد دخلت الحرم! فقال: كلمة عظيمة، لا إله لي اليوم، يا بني بكر، لعمري إنكم لتسرقون الحاج في الحرم، أفلا تدركون ثأركم من عدوكم، ولا يتأخر أحد منكم بعد يومه عن ثأره؟! فلمّا انتهت خزاعة إلى الحرم دخلت دار بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له رافع الخزاعيين، وانتهوا بهم في عماية الصّبح، ودخلت رؤساء قريش منازلهم وهم يظّنون أنهم لا يعرفون، وأنه لا يبلغ هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصبحت خزاعة مقتّلين على باب بديل ورافع. وقال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث: قد رأيت الّذي صنعنا بك وبأصحابك ومن قتلت من القوم، وأنت قد حصدتهم تريد قتل من بقي، وهذا ما لا نطاوعك عليه، فاتركهم فتركهم، فخرجوا وندمت قريش، وندموا على ما صنعوا، وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذّمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجاء الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة إلى صفوان بن أمية، وإلى سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل فلاموهم بما صنعوا من عونهم بني بكر على خزاعة- وقالوا: إنّ بينكم وبين محمد مدّة وهذا نقض لها. ذكر إعلامه- صلّى الله عليه وسلم- بما حصل لخزاعة يوم أصيبوا روى محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة صبيحة كانت وقعة بني نفاثة وخزاعة بالوتير: «يا عائشة: لقد حدث في خزاعة أمر» فقالت عائشة: يا

ذكر قدوم عمرو بن سالم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره بما وقع لهم

رسول الله، أترى قريشا تجترئ على نقض العهد الذي بينك وبينهم، وقد أفناهم السيف؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ينقضون العهد لأمر يريده الله تعالى» فقالت: يا رسول الله «خير» قال: «خير» [ (1) ] وروى الطبراني في الكبير والصغير عن ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بات عندها ليلة، فقام ليتوضأ إلى الصّلاة، فسمعته يقول في متوضّئه: «لبّيك لبّيك لبّيك- ثلاثا- نصرت نصرت نصرت- ثلاثا-» فلما خرج، قلت: يا رسول الله، سمعتك تقول في متوضئك «لبّيك لبّيك- ثلاثا- نصرت نصرت» ثلاثا، كأنك تكلّم إنسانا، فهل كان معك أحد؟ قال: «هذا راجز بني كعب يستصرخني، ويزعم أنّ قريشا أعانت عليهم بكر بن وائل» قالت ميمونة: فأقمنا ثلاثاً ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح بالناس [ (2) ] فسمعت الرّاجز ينشد: يا رب إني ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا فذكرت الرجز الآتي. ذكر قدوم عمرو بن سالم على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخبره بما وقع لهم روى الطبراني في الكبير والصّغير عن ميمونة بنت الحارث، [ (3) ] والبزّار بسند جيد عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وابن أبي شيبة في المصنف عن عكرمة، والبيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه: إن عمرو بن سالم الخزاعي خرج في أربعين راكبا من خزاعة يستنصرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويخبرونه بالذي أصابهم، وما ظاهرت عليهم قريش ومعاونتهم لهم بالرجال، والسّلاح، والكراع، وحضور صفوان بن أمية وعكرمة، ومن حضر من قريش، وأخبروه بالخبر ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد بين أظهر الناس، ورأس خزاعة عمرو ابن سالم، فلما فرغوا من قصّتهم، قام عمرو بن سالم فقال: يا رب إنّي ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولدا وكنّا والدا ... ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 788. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 166. [ (3) ] (ع) ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال، العامريّة الهلالية أم المؤمنين. لها ستة وأربعون حديثاً اتفقا على سبعة، وانفرد (خ) بحديث، و (م) بخمسة. عنها ابن عباس، ويزيد بن الأصم، وجماعة. قال الزهري: هي التي وهبت نفسها. قال المزّي: توفيت بسرف سنة إحدى وخمسين. قاله خليفة. الخلاصة 3/ 392.

إنّ قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذلّ وأقلّ عددا هم بيّتونا بالوتير هجّدا ... وقتّلونا ركّعا وسجّدا وجعلوا لي في كداء رصّدا ... فانصر رسول الله نصرا أيّدا وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجرّدا أن سيم خسفا وجهه تربّدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا قرم لقرم من قروم أصيدا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «نصرت يا عمرو بن سالم» فما برح حتى مرت عنانة من السماء فرعدت، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب» [ (1) ] . وروى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة- رضي الله عنهما- قالت: لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غضب مما كان من شأن بني كعب غضبا لم أره غضبه منذ زمان. وقال: «لا نصرني الله- تعالى- أن لم أنصر بني كعب» [ (2) ] . وروى محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما سمع ما أصاب خزاعة، قام- وهو يجرّ رداءه- وهو يقول: «لا نصرت إن لم أنصر بني كعب ممّا أنصر منه نفسي» . وروى عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا بلغه خبر خزاعة قال: «والذي نفسي بيده لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي وأهلي وبيتي» [ (3) ] . قال ابن إسحاق وغيره: وقدم بذلك ورقاء الخزاعي في نفر من قومه على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبروه بما حصل لهم. قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعمرو بن سالم وأصحابه: «أرجعوا وتفرقوا في الأودية» . فرجعوا وتفرقوا، وذهبت فرقة إلى السّاحل بعارض الطّريق، ولزم بديل بن ورقاء في نفر من قومه الطّريق [ (4) ] .

_ [ (1) ] وأخرجه البيهقي 9/ 234 والدلائل 5/ 7. [ (2) ] أبو يعلى 7/ 343 (24/ 4380) ، ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 164 وعزاه لأبي يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عنهما وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح وذكره ابن حجر في المطالب (4356) . [ (3) ] أخرجه عبد الرازق في المصنف (9739) . [ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 7/ 10.

ذكر ما قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه خبر خزاعة أرسل إلى قريش يخيرهم بين أمور ثلاثة

وروى محمد بن عمر عن محجن بن وهب قال: لم يرم بديل بن ورقاء مكّة من حين انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية حتى لقيه في الفتح بمر الظهران. قال محمد بن عمر وهذا أثبت [ (1) ] . وأخبر عمرو بن سالم ومن معه أن أنس ابن زنيم هجا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأهدر دمه. ذكر ما قيل أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما بلغه خبر خزاعة أرسل الى قريش يخيرهم بين أمور ثلاثة روى ابن عائذ عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما، ومحمد بن عمر عن حزام بن هشام الكعبيّ ومسدد في مسنده بسند صحيح عن محمد بن عباد بن جعفر أحد ثقات التّابعين وأئمّتهم- رحمهم الله تعالى- واللفظ لمحمد بن عمر، قال حزام: إن قريشا ندمت على عون بني نفاثة، وقالوا: محمد غارينا، فقال عبد الله بن أبي سرح- وهو يومئذ عندهم حال ردّته عن الإسلام- وأسلم بعد ذلك- إنّ عندي رأيا، إن محمدا لن يغزوكم حتى يعذر إليكم، ويخيّركم في خصال كلها أهون عليكم من غزوه، قالوا ما هي؟ قال: يرسل إليكم أن أدوا قتلى خزاعة وهم ثلاثة وعشرون قتيلا، أو تبرؤوا من حلف من نقض الصّلح وهم بنو نفاثة، أو ينبذ إليكم على سواء، فما عندكم في هذه الخصال؟ فقال القوم: أحر بما قال ابن أبي سرح- وقد كان به عالما- قال سهيل بن عمرو: ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة. فقال شيبة بن عثمان العبدري حفظت أخوالك، وغضبت لهم قال سهيل: وأي قريش لم تلده خزاعة؟ قال شيبة: ولكن ندي قتلى خزاعة فهو أهون علينا، وقال قرظة بن عبد عمرو: لا والله لا يودون ولا نبرأ من حلف بني نفاثة، ولكنا ننبذ إليه على سواء. وقال أبو سفيان: ليس هذا بشيء، وما الرأي إلّا جحد هذا الأمر، أن تكون قريش دخلت في نقض عهد أو قطع مدة وإنه قطع قوم بغير رضى منّا ولا مشورة فما علينا. قالوا: هذا الرأي لا رأي غيره [ (2) ] . وقال عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: إن ركب خزاعة لما قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخبروه خبرهم، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فمن تهمتكم وظنّتكم؟» قالوا: بنو بكر، قال: «أكلها؟» قالوا: لا، ولكن بنو نفاثة قصرة ورأس القوم نوفل بن معاوية النّفاثي. قال: «هذا بطن من بني بكر، وأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر ومخيّرهم في خصال ثلاث» ، فبعث إليهم ضمرة - لم يسم أباه محمد بن عمر- يخيّرهم بين إحدى خلال، بين أن يدوا قتلى خزاعة أو يبرؤوا من حلف بني نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء. فأتاهم ضمرة

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 9. [ (2) ] الواقدي في المغازي 2/ 788.

ذكر إخباره - صلى الله عليه وسلم - بأن أبا سفيان سيقدم ليجدد العهد فكان كما أخبر

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأناخ راحلته بباب المسجد، فدخل وقريش في أنديتها، فأخبرهم أنه رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخبرهم بالذي أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- به فقال قرظة بن عبد عمرو الأعمى: أمّا أن ندي قتلى خزاعة فإن نفاثة فيهم عرام فلا نديهم حتى لا يبقى لنا سبد ولا لبد، وأما أن نتبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة من العرب تحجّ هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة، وهم حلفاؤنا، فلا نبرأ من حلفهم، أو لا يبقى لنا سبد ولا لبد، ولكن ننبذ إليه على سواء، فرجع ضمرة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك من قولهم. وندمت قريش على ردّ رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبعثت أبا سفيان فذكر قصة مجيئه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي. ذكر إخباره- صلّى الله عليه وسلّم- بأن أبا سفيان سيقدم ليجدد العهد فكان كما أخبر روى محمد بن عمر عن حزام بن هشام عن أبيه- رحمهما الله- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «لكأنّكم بأبي سفيان قد جاء يقول: جدّد العهد وزد في الهدنة، وهو راجع بسخطه» . وروى عبد الرزاق عن نعيم مولى ابن عباس، وابن أبي شيبة عن عكرمة، ومحمد بن عمر عن شيوخه، واللفظ له: أن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة مشيا إلى أبي سفيان بن حرب، فقالا: هذا أمر لا بد له من أن يصلح، والله لئن لم يصلح هذا الأمر لا يروعكم إلا محمد في أصحابه، فقال أبو سفيان: قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها وأفظعتها. وخفت من شرّها، قالوا: وما هي؟ قال: رأت دما أقبل من الحجون يسيل حتّى وقف بالخندمة مليا، ثم كأن ذلك الدّم لم يكن، فكره القوم الرّؤيا. وقال أبو سفيان: لما رأى ما رأى من الشّر: هذا والله أمر لم أشهده، ولم أغب عنه، لا يحمل هذا إلا عليّ، ولا والله ما شوورت فيه، ولا هويته حين بلغني، والله ليغزونا محمد إن صدقني ظني، وهو صادقي، وما بد من أن آتي محمدا فأكلمه أن يزيد في الهدنة ويجدّد العهد. فقالت قريش: قد والله أصبت، وندمت قريش على ما صنعت من عون بني بكر على خزاعة، وتحرّجوا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يدعهم حتى يغزوهم. فخرج أبو سفيان، وخرج معه مولى له على راحلتين، فأسرع السّير وهو يرى إنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلقي بديل بن ورقاء بعسفان، فأشفق أبو سفيان أن يكون بديل جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بل كان اليقين عنده، فقال للقوم: أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها؟ قالوا: لا علم لنا بها، فعلم أنهم كتموه، فقال: أما معكم من تمر يثرب شيء تطعموناه، فإن لتمر يثرب فضلا على تمور تهامة؟

قالوا: لا. فأبت نفسه أن تقرّه حتى قال: يا بديل: هل جئت محمدا؟ قال: لا ما فعلت، ولكن سرت في بلاد بني كعب وخزاعة من هذا السّاحل في قتيل كان بينهم فأصلحت بينهم. فقال أبو سفيان: إنك- والله- ما علمت برّ وأصل، ثم قايلهم أبو سفيان حتّى راح بديل وأصحابه، فجاء أبو سفيان منزلهم ففتّ أبعار أباعرهم فوجد فيها نوى من تمر عجوة كأنها ألسنة الطّير، فقال أبو سفيان: أحلف بالله لقد جاء القوم محمّدا [ (1) ] . وكان القوم لما كانت الوقعة خرجوا من صبح ذلك اليوم فساروا ثلاثا، وخرجوا من ذلك اليوم فساروا إلى حيث لقيهم أبو سفيان ثلاثا، وكانت بنو بكر قد حبست خزاعة في داري بديل ورافع ثلاثة أيام يكلمون فيهم، وائتمرت قريش في أن يخرج أبو سفيان، فأقام يومين. فهذه خمس بعد مقتل خزاعة، وأقبل أبو سفيان حتى دخل المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- فأراد أن يجلس على فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فطوته دونه. فقال: يا بنية!! أرغبت بهذا الفراش عنى أو بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنت امرؤ مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر، فقالت: بل هداني الله للإسلام. وأنت يا أبت سيّد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدّخول في الإسلام، وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر؟ فقام من عندها، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد، فقال: يا محمد!! إنّي كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد، وزدنا في المدّة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فلذلك جئت يا أبا سفيان؟» قال: نعم. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هل كان من قبلكم من حدث؟» قال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغيّر ولا نبدّل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فنحن على مدّتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغيّر ولا نبدّل» فأعاد أبو سفيان على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القول، فلم يرد عليه شيئا. فذهب إلى أبي بكر- رضي الله عنه- فكلمه وقال: تكلم محمدا أو تجير أنت بين الناس، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زاد ابن عقبة: والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم. فأتى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فكلمه بمثل ما كلّم به أبا بكر، فقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم!! فو الله لو لم أجد إلّا الذرّ لجاهدتكم به، ما كان من حلفنا جديدا فأخلقه الله، وما كان منه متينا فقطعه الله، وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله. فقال أبو سفيان جوزيت من ذي رحم شرا.

_ [ (1) ] المغازي 2/ 792.

فأتى عثمان بن عفان- رضي الله عنه- فقال أنه ليس في القوم أحد أقرب رحما منك، فزد في المدة، وجدّد العهد، فإنّ صاحبك لا يردّه عليك أبدا، فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم. فأتى عليا- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا علي إنك أمسّ القوم بي رحما، وإني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى محمد. فقال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فأتى سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا أبا ثابت أنت سيد هذه البحيرة فأجر بين الناس، وزد في المدة، فقال سعد: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأتى أشراف قريش والأنصار فكلهم يقول جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما أيس ممّا عندهم، دخل على فاطمة الزهراء- رضي الله عنها- والحسن غلام يدبّ بين يديها فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين النّاس؟ فقالت: إنّما أنا امرأة، وأبت عليه، فقال: مري ابنك هذا- أي الحسن بن علي- رضي الله عنهما- فيجير بين النّاس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر. قالت: والله ما بلغ ابني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. فقال لعلي: يا أبا الحسن!! إن أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني، قال: والله ما أعلم شيئا يغنى عنك شيئا، ولكنك سيّد بني كنانة وقال: صدقت، وأنا كذلك. قال: فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عنّي شيئا؟ قال: لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد، ثم دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد إني قد أجرت بين الناس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة!!» ثم ركب بعيره وانطلق. وكان قد احتبس وطالت غيبته، وكانت قريش قد اتّهمته حين أبطأ أشدّ التهمة، قالوا: والله إنّا نراه قد صبأ، واتّبع محمدا سرا وكتم إسلامه. فلما دخل على هند امرأته ليلا، قالت: لقد احتبست حتّى اتّهمك قومك، فإن كنت مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل، ثم دنا منها فجلس مجلس الرجل من امرأته. فقالت ما صنعت؟ فأخبرها الخبر، وقال: لم أجد إلّا ما قال لي عليّ، فضربت برجلها في صدره وقالت: قبّحت من رسول قوم، فما جئت بخير. فلما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند إساف ونائلة، وذبح لهما، وجعل يمسح بالدم

ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - في غزوة قريش

رؤوسهما ويقول: لا أفارق عبادتكما حتّى أموت على ما مات عليه أبي، إبراء لقريش مما اتهموه به، فلما رأته قريش، قاموا إليه فقالوا: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟ فقال: والله لقد أبي علي، وفي لفظ: لقد كلمته، فو الله ما ردّ على شيئا، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت ابن الخطاب- رضي الله عنه- فوجدته أدنى العدو، وقد كلمت علية أصحابه، فما قدرت على شيء منهم إلا أنّهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رأيت قوما أطوع لملك عليهم منهم له، إلّا أن عليا لما ضاقت بي الأمور قال: أنت سيد بني كنانة، فأجر بين النّاس، فناديت بالجوار، فقال محمد «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة!!» لم يزدني قالوا: رضيت بغير رضى، وجئت بما لا يغنى عنّا ولا عنك شيئا، ولعمر الله ما جوارك بجائز، وإنّ إخفارك عليهم لهيّن، ما زاد على من أن لعب بك تلعبا. قال: والله ما وجدت غير ذلك. ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلم- أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- في غزوة قريش روى ابن أبي شيبة عن محمد بن الحنفية- رحمه الله- عن أبي مالك الأشجعي- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من بعض حجره فجلس عند بابها- وكان إذا جلس وحده لم يأته أحد حتى يدعوه-، فقال «ادع لي أبا بكر» . فجاء فجلس أبو بكر بين يديه، فناجاه طويلا، ثم أمره فجلس عن يمينه، ثم قال: «ادع لي عمر» فجاء فجلس إلى أبي بكر فناجاه طويلا، فرفع عمر صوته فقال: «يا رسول الله هم رأس الكفر، هم الذين زعموا أنّك ساحر، وأنك كاهن، وأنك كذّاب، وأنك مفتر» ، ولم يدع عمر شيئاً، مما كان أهل مكة يقولونه إلّا ذكره، فأمره أن يجلس إلى الجانب الآخر، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ثم دعا الناس فقال: «ألا أحدّثكم بمثل صاحبيكم هذين؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، فأقبل بوجهه إلى أبي بكر فقال: «إنّ إبراهيم كان ألين في الله تعالى من الدّهن الليّن، ثم أقبل علي عمر، فقال: «إنّ نوحا كان أشد في الله من الحجر، وإنّ الأمر أمر عمر، فتجهزوا وتعاونوا، فتبعوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر، إنا كرهنا أن نسأل عمر عمّا ناجاك به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قال لي: «كيف تأمرني في غزو مكة؟» قال: قلت يا رسول الله!! هم قومك، حتّى رأيت أنّه سيطيعني، ثم دعا عمر فقال عمر: هم رأس الكفر، حتّى ذكر له كل سوء كانوا يقولونه، وأيم الله وأيم الله لا تذلّ العرب حتى تذل أهل مكة، وقد أمركم بالجهاد ليغزوا مكة [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 506 وأحمد 3/ 398.

ذكر جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجابة دعائه بأن لا تعلم قريش بمسيره، وأمره بحفظ الطرق

ذكر جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واجابة دعائه بأن لا تعلم قريش بمسيره، وأمره بحفظ الطرق ذكر ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر- رحمهم الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكث بعد خروج أبي سفيان ما شاء الله أن يمكث ثم قال لعائشة: «جهّزينا واخفي أمرك» . وقال: «اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلّا بغتة، ولا يسمعون بنا إلّا فجأة» وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جماعة أن تقيم بالأنقاب، وكان عمر بن الخطاب يطوف على الأنقاب، فيمر بهم فيقول: لا تدعوا أحدا يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه، وكانت الأنقاب مسلمة- إلا من سلك إلى مكة فإنه يتحفظ به ويسأل عنه [ (1) ] . ذكر كتاب حاطب بن أبي بلتعة [ (2) ]- رضي الله عنه- إلى قريش ليعلمهم بغزو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إياهم، وما وقع في ذلك من الآيات روى الإمام أحمد، والخمسة عن أبي رافع عن علي. وأبو يعلى، والحاكم والضياء عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- والإمام أحمد، وعبد بن حميد عن جابر، وابن مردويه عن أنس- رضي الله عنهم- وابن مردويه عن سعيد بن جبير، وابن إسحاق عن عروة، وابن مردويه عن عبد الرحمن عن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهم الله تعالى: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا أجمع السّير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة- رضي الله عنه- كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الأمر في المسير إليهم، ثم أعطاه امرأة، قال ابن إسحاق، زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة- قال محمد بن عمر: يقال لها كنود، قال ابن إسحاق: وزعم لي غير ابن جعفر: أنّها سارة مولاة لبعض بني المطلب، وجعل لها جعلا، قال محمد بن عمر دينارا، وقيل عشرة دنانير، على أن تبلغه أهل مكة، وقال لها: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق، فإن عليه حرسا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، فسلكت غير نقب عن يسار المحجّة في الفلوق حتّى لقيت الطريق بالعقيق. وذكر السهيلي- رحمه الله- تعالى- إنه قد قيل أنه كان في كتاب حاطب: إن رسول

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 796. [ (2) ] (حاطب) بن أبي بلتعة مفتوحات بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى.. يقال إنه حالف الزبير وقيل كان مولى عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد فكاتبه فأدى مكاتبته اتفقوا على شهوده. الإصابة 1/ 314.

الله- صلى الله عليه وسلم- قد توجّه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسّيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله تعالى عليكم، فإنه منجز له ما وعده فيكم، فإن الله- تعالى- ناصره ووليّه. وفي تفسير ابن سلام أنه كان فيه: أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- قد نفر فإمّا إليكم، وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر. انتهى. وذكر ابن عقبة أن فيه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد آذن بالغزو، ولا أراه إلا يريدكم، وقد أحببت، أن يكون لي يد بكتابي إليكم. وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام- زاد أبو رافع: المقداد بن الأسود وفي رواية عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي: أبا مرثد، بدل المقداد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أدرك امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم» ، ولفظ أبي رافع «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب» فخرجوا [ (1) ]- وفي لفظ: فخرجا، حتى إذا كان بالخليقة، خليقة بني أحمد وقال ابن عقبة: أدركاها ببطن ريم، فاستنزلاها فالتمساه في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك، فلما رأت الجدّ، قالت: أعرضا. فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه فأتي به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعا حاطبا، فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟ قال: يا رسول الله. إني والله لمؤمن بالله ورسوله، ما غيّرت، ولا بدّلت، ولكني كنت امرء ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم. ولفظ أبي رافع- فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرء ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم بها وأهليهم بمكة، ولم يكن لي قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك من بينهم أن أتّخذ فيهم يدا أحمي بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا بعد إسلام. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنه قد صدقكم» . فقال عمر لحاطب: قاتلك الله!! ترى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأخذ بالأنقاب وتكتب إلى قريش تحذرهم؟ دعني يا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ (3007) (4890) ومسلم ص (3/ 1941) حديث (161) وأبو داود في الجهاد وأحمد 1/ 79 والترمذي في تفسير سورة الممتحنة والبيهقي في الدلائل 5/ 16.

ذكر إجماع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسير إلى مكة

يدريك يا عمر إن الله عز وجل اطّلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فاغرورقت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم، حين سمعه يقول في أهل بدر ما قال. وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أي كفار مكة أَوْلِياءَ تُلْقُونَ توصلون إِلَيْهِمْ قصد النبي غزوه الذي أسره إليكم- وروي بخبر بِالْمَوَدَّةِ بينكم وبينهم وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ دين الإسلام والقرآن يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ من مكة بتضييقهم عليكم لأجل أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً للجهاد فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي وجواب الشّرط دلّ عليه ما قبله: أي فلا تتخذوهم أولياء تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي إسرار خبر النبي إليهم فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أخطأ طريق الهدى، والسواء في الأصل: الوسط إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يظفروا بكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بالقتل والضرب وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بالسّب، والشتم وَوَدُّوا تمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ. لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ قراباتكم وَلا أَوْلادُكُمْ المشركون، الذين لأجلهم أسررتم الخبر من العذاب في الآخرة يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بالبناء للمفعول والفاعل بَيْنَكُمْ وبينهم فتكونون في الجنة، وهم في جملة الكفّار في النار وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة 1: 3] . ذكر إجماع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسير إلى مكة قال ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهم: لما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسير إلى مكة، بعث أبا قتادة بن ربعي إلى بطن إضم، ليظنّ الظّانّ إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توجّه إلى تلك الناحية، وأن لا تذهب بذلك الأخبار وأبان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسير إلى قريش، وأرسل إلى أهل البادية، ومن حولهم من المسلمين، يقول لهم «من كان يؤمن بالله وباليوم الاخر فليحضر رمضان بالمدينة» وبعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. وقال حسان بن ثابت- رضي الله عنه تعالى- يحرّض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة: عناني ولم أشهد ببطحاء مكّة ... رجال بني كعب تحزّ رقابها بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم ... وقتلى كثير لم تجنّ ثيابها ألا ليت شعري هل تنالنّ نصرتي ... سهيل بن عمرو حرّها وعقابها فلا تأمننها يا ابن أمّ مجالد ... إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها

ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قاصدا مكة

ولا تجزعوا منها فإنّ سيوفنا ... لها وقعة بالموت يفتح بابها قال ابن إسحاق: وقول حسان- رضي الله عنه: بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم: يعني قريشا، وابن أم مجالد، عكرمة بن أبي جهل. واستخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، ويقال ابن أم مكتوم، وذكره ابن سعد، والبلاذري، والأوّل هو الصحيح، وقد رواه الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله عنهما [ (1) ] . ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة قاصدا مكة قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم الأربعاء بعد العصر لعشر خلون من رمضان، ونادى مناديه: «من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحبّ أن يفطر فليفطر» وصام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما حلّ عقدة حتى انتهى إلي الصلصل، وخرج في المهاجرين والأنصار، وطوائف من العرب، وقادوا الخيل، وامتطوا الإبل، وقدّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين، ولما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- البيداء قال فيما رواه محمد بن عمر عن أبي سعيد الخدريّ: «إني لأرى السّحاب يستهل بنصر بني كعب» [ (2) ] . ولما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العرج [ (3) ] وهو صائم، صبّ الماء على رأسه ووجهه من العطش- كما رواه الإمام مالك، ومحمد بن عمر عن رجل من الصحابة- وروى الحاكم في الإكليل بسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالعرج يصبّ الماء على رأسه من الحرّ وهو صائم» ، ولما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن العرج- وكان فيما بين العرج والطّلوب- نظر إلى كلبة تهرّ عن أولادها، وهنّ حولها يرضعنها، فأمر جميل بن سراقة- رضي الله عنه- أن يقوم حذاءها، لا يعرض لها أحد من الجيش، ولا لأولادها. وقدم- صلى الله عليه وسلّم- بمائة جريدة تكون أمام المسلمين، فلما كانوا بين العرج والطّلوب أتوا بعين من هوازن، فاستخبره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره أنّ هوازن تجمع له فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل» فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد أن يحبسه لئلا يذهب فيحذر الناس، ولما بلغ قديدا [ (4) ] لقيته سليم هناك، فعقد الألوية والرّايات، ودفعها إلى القبائل.

_ [ (1) ] قال الهيثمي في المجمع 6/ 167 رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] انظر المغازي للواقدي 2/ 801. [ (3) ] (العرج) بفتح أوله، وسكون ثانيه، وجيم: قرية جامعة في واد من نواحي الطائل. وقيل: واد به. مراصد الإطلاع 2/ 928. [ (4) ] (قديد) تصغير قدّ: اسم موضع قرب مكة. مراصد الإطلاع 3/ 1070.

ذكر فطره - صلى الله عليه وسلم - وأمره به

وروى محمد بن عمر عن يزيد بن أسلم، وأبي الحويرث- رحمهما الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما انتهى إلى قديد قيل له: يا رسول الله هل لك في بيض النساء، وأدم الإبل؟ بني مدلج، فقال: - صلى الله عليه وسلم-: «إن الله عز وجل حرّمهن عليّ بصلة الرّحم» . وفي لفظ «ببر الوالد، ووكزهم في لبّات الإبل» . وقدم العباس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسلما. قال ابن هشام: لقيه بالجحفة فأرسل ثقله إلى المدينة، وسار مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال البلاذري: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هجرتك يا عمّ آخر هجرة، كما أنّ نبوّتي آخر نبوّة» وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة لقياه بنقب العقاب، وستأتي قصة إسلامهما في ترجمتهما. ذكر فطره- صلى الله عليه وسلّم- وأمره به روى مسلم، والترمذي عن جابر، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والطحاويّ عن ابن عباس- رضي الله عنهم- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرج من المدينة في غزوة الفتح في رمضان يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد [ (1) ] بين عسفان وقديد، وفي رواية بين عسفان وأمج [ (2) ] ، وفي حديث جابر: كراع الغميم، بلغه أنّ الناس شقّ عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون فيما فعلت، فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من لبن، أو ماء، وجزم جابر بأنه ماء. وكذا ابن عباس، وفي رواية: فوضعه على راحلته ليراه الناس، فشرب فأفطر، فناوله رجلا إلى جنبه فشرب فقيل له بعد ذلك: أن بعض الناس صام، فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» فلم يزل مفطرا حتّى انسلخ الشهر [ (3) ] . وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال سافرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونحن صيام، فنزلنا منزلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنكم قد دنوتم من عدوّكم، والفطر أقوى لكم» وكانت رخصة، فمنّا من صام، ومنّا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: «إنكم مصبحوا عدوّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» فكانت عزيمة، فأفطرنا [ (4) ] .

_ [ (1) ] (الكديد) قيل بالفتح، وبالكسر، وآخره دال أخرى: موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلا من مكة، بين عسفان وأمج. مراصد الإطلاع 3/ 1152. [ (2) ] (أمج) بفتحتين، والجيم: بلد من أعراض المدينة. مراصد الإطلاع 1/ 115. [ (3) ] مسلم من حديث ابن عباس 2/ 784 (88/ 1113) ومن حديث جابر أخرجه مسلم في الصيام 2/ 785 (90/ 1114) والبخاري (4275) ، والترمذي (710) والنسائي في الصيام باب (47) والطيالسي كما في المنحة (912) والطحاوي في معاني الآثار 2/ 65 والشافعي في المسند (158) والبيهقي في الدلائل 5/ 25 وفي السنن 4/ 241، وانظر التلخيص 2/ 203. [ (4) ] مسلم 2/ 789 (102/ 1120) .

ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران

ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بمر الظهران قالوا: ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم والمسلمون مرّ الظّهران عشاء، وأمر أصحابه أن يوقدوا عشرة آلاف نار، وجعل على الحرس عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال عروة كما عند ابن عائذ، وبه جزم ابن عقبة وابن إسحاق، ومحمد بن عمر وغيرهم، وعميت الأخبار عن قريش، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا يدرون ما هو فاعل، وهم مغتمّون لما يخافون من غزوة إيّاهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب. وروى إسحاق بن راهويه، والحاكم، والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: مضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الفتح حتى نزل مرّ الظّهران في عشرة آلاف من المسلمين، وقد عميت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولا يدرون ما هو صانع [ (1) ] . وفي الصحيح عن عروة قال: لما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الفتح بلغ ذلك قريشا، فخرج أبو سفيان بن حرب يتحسّس الأخبار. وقالت قريش: لأبي سفيان: إن لقيت محمدا فخذلنا منه أمانا، فخرج هو وحكيم بن حزام، فلقيا بديل بن ورقاء، فاستتبعاه، فخرج معهما يتحسّسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبرا، أو يسمعون به، فلما بلغوا الأراك من مرّ الظّهران، وذلك عشيا رأوا العسكر والقباب والنيران كأنها نيران عرفة، وسمعوا صهيل الخيل، ورغاء الإبل، فأفزعهم ذلك فزعا شديدا. قال عروة كما في الصحيح-: فقال بديل بن ورقاء: هؤلاء بنو كعب- وفي رواية بنو عمرو: يعني بها خزاعة- حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان: بنو عمرو وأقلّ من ذلك [ (2) ] . ذكر المنام الذي رآه أبو بكر الصديق- رضي الله عنه روى البيهقي عن ابن شهاب- رضي الله تعالى عنه- أن أبا بكر قال: يا رسول الله!! أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهرّ، فلما دنونا منها استلقت على ظهرها، فإذا هي تشخب لبنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ذهب كلبهم وأقبل درّهم، وهم سيأوون بأرحامهم وإنكم لاقون بعضهم فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه» . ذكر إعلامه- صلّى الله عليه وسلّم- بالليل بأن أبا سفيان في الأراك وأمره بأخذه روى الطبراني عن أبي ليلى- رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمرّ

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 27. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 597 (4280) .

الظّهران، فقال: «إن أبا سفيان بالأراك فخذوه» فدخلنا، فأخذناه [ (1) ] . قال ابن عقبة: فبينما هم، يعني أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديلا بن ورقاء كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعثهم عيونا له، فأخذوا بخطم أبعرتهم فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش، نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم. وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب- رحمهما الله تعالى- قالا: أخذ أبو سفيان وأصحابه وكان حرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفر من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- تلك الليلة على الحرس، فجاؤوا بهم إليه، فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة، فقال عمر وهو يضحك إليهم: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم. قالوا: قد والله آتيناك بأبي سفيان. فقال: احبسوه فحبسوه حتى أصبح. فغدا به على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال ابن عقبة: لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه، لقيهم العباس بن عبد المطّلب، فأجارهم. وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة: أن أبا سفيان لما أخذه الحرس قال: دلّوني على العبّاس، فأتى العباس فأخبره الخبر، وذهب به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وروى إسحاق بن راهويه- بسند صحيح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما نزل مرّ الظهران، رقّت نفس العبّاس لأهل مكة فقال: واصباح قريش، والله لئن دخلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال العبّاس: فأخذت بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الشّهباء فركبتها، وقلت: ألتمس حطّابا، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، فو الله إني لفي الأراك ألتمس ما خرجت إليه إذ سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا! فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة أقلّ وأذلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال العباس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: لبّيك يا أبا الفضل، مالك فداك أبي وأمي!! وعرف صوتي، فقلت: ويلك!! هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في عشرة آلاف فقال: واصباح قريش والله بأبي أنت وأمي فما تأمرني، هل من حيلة؟ قلت: نعم، اركب عجز هذه البغلة،

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 172.

فأذهب بك إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأستأمنه لك، فإنه والله إن ظفر بك دون رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لتقتلن، فركب خلفي، ورجع صاحباه- كذا في حديث ابن عباس وعند ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: أنهما رجعا- وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر: أنهما لم يرجعا، وأنّ العباس قدم بهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- انتهى. قال العبّاس: فجئت بأبي سفيان، كلّما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأنا عليها قالوا: عم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فلما رآني، قام، فقال: من هذا؟ قلت: العباس، فذهب ينظر، فرأى أبا سفيان خلفي، فقال: أي عدوّ الله!! الحمد للَّه الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتدّ نحو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدّابة البطيئة الرجل البطيء، فاجتمعنا على باب قبّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودخل عمر على أثري، فقال عمر: يا رسول الله!! هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال قلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم التزمت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه اللّيلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شأنه، فقلت: مهلا يا عمر، فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلاً يا عبّاس، وفي لفظ يا أبا الفضل، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من إسلام الخطاب لو أسلم [ (1) ] . وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر: قال العباس، فقلت: يا رسول الله!! أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «أدخلهم» فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامّة اللّيل يستخبرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودعاهم إلى الإسلام، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» ، فشهد بديل، وحكيم بن حزام، وقال: أبو سفيان: ما أعلم ذلك، والله إنّ في النّفس من هذا لشيء بعد، فأرجئها. وعند أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنّه قيل لحكيم بن حزام: بايع، فقال: أبايعك ولا أخر إلّا قائما. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أما من قبلنا فلن تخرّ إلا قائما» . انتهى.

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 475.

وقيل لأبي سفيان ذلك، فقال: كيف أصنع باللات والعزى؟ فقال عمر بن الخطاب- وهو خارج القبّة: اخرأ عليها، أما والله لو كنت خارج القبة ما قلتها، فقال أبو سفيان: من هذا؟ قالوا: عمر بن الخطاب قال العبّاس: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اذهب به يا عبّاس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به» قال: فذهبت به إلى رحلي. وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: فلما أذّن الصّبح أذّن العسكر كلهم: أي أجابوا المؤذن- ففزع أبو سفيان من أذانهم، فقال: ما يصنع هولاء؟ قال العباس، فقلت: الصّلاة. قال: كم يصلون؟ قلت: خمس صلوات في اليوم والليلة، ثم رآهم يتلّقون وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما رأيت ملكا قط كاليوم لا ملك كسرى ولا قيصر، قال العباس: فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح غدوت به. وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: إن أبا سفيان سأل العبّاس في دخوله على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: فلمّا أصبحوا قام المسلمون إلى طهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل!! ما للنّاس أمروا فيّ بشيء؟ قال: لا ولكنهم قاموا إلى الصّلاة، فأمره العبّاس فتوضأ، وذهب به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة كبّر وكبّر النّاس، ثم ركع، فركعوا، ثمّ رفع، فرفعوا، ثم سجد فسجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة، قوم جمعهم من ههنا وههنا، ولا فارس الأكارم، ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له، يا أبا الفضل أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك، فقال العبّاس: إنه ليس بملك، ولكنها النبوة، قال: أو ذاك. قال العباس: فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟! قال: بأبي أنت وأمي!! ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! إنه لو كان مع الله إله لقد أغنى عنّي شيئا بعد، لقد استنصرت إلهي، واستنصرت إلهك، فو الله ما لقيتك من مرة، إلا نصرت عليّ، فلو كان إلهي محقّا وإلهك مبطلا لقد غلبتك، فقال: «ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم إني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! أمّا هذه فو الله إنّ في النّفس منها شيئا حتى الآن، فقال العبّاس: ويحك! أسلم قبل أن تضرب عنقك فشهد شهادة الحقّ، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. وظاهر كلام ابن عقبة ومحمد بن عمر في مكان آخر إن أبا سفيان قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد. قال: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله جئت بأوباش النّاس من يعرف ومن لا يعرف إلى أهلك وعشيرتك! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم الله- تعالى- وأمنه» فقال حكيم وأبو سفيان: صدقت يا رسول الله: ثمّ قالا: يا رسول الله!! لو كنت جعلت جدّك ومكيدتك لهوازن، فهم أبعد رحما، وأشد عداوة لك؟

ذكر ارادة أبي سفيان وحكيم بن حزام الانصراف إلى قومهما ليعلماهم بذلك ووقوفهما ليريا جنود الله تبارك وتعالى

فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إني لأرجو من ربّي أن يجمع لي ذلك كله. فتح مكة، وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم وذراريهم، فإنّي أرغب إلى الله- تعالى- في ذلك [ (1) ] » . قال ابن عقبة: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله ادع النّاس بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش وكفّت أيديها آمنون هم؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «نعم» قال العبّاس، قلت: يا رسول الله!! قد عرفت أبا سفيان وجه الشرف والفخر، فاجعل له شيئا. وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن: أن أبا بكر قال: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحبّ السّماع، يعني الشّرف- انتهى. فقال «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقال: وما تسع داري؟ زاد ابن عقبة «ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن» ودار أبي سفيان بأعلى مكّة، ودار حكيم بأسفلها «ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» فقال أبو سفيان: وما يسع المسجد؟ قال: «ومن أغلق بابه فهو آمن» فقال أبو سفيان: هذه واسعة [ (2) ] . ذكر ارادة أبي سفيان وحكيم بن حزام الانصراف إلى قومهما ليعلماهم بذلك ووقوفهما ليريا جنود الله تبارك وتعالى قال ابن عقبة: لما توجهوا ذاهبين، قال العبّاس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان إن يرجع عن إسلامه فاردده حتى يفقه، ويرى جنود الله- تعالى- معك. وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: إن أبا سفيان لما ولّى، قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أمرت بأبي سفيان فحبس على الطريق؟ وقال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: إن أبا سفيان لمّا ذهب لينصرف، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للعبّاس: «احبسه بمضيق الوادي» . قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر: فأدركه العبّاس فحبسه، فقال أبو سفيان أغدرا يا بني هاشم؟ فقال العباس: إن أهل النّبوّة لا يغدرون. ولفظ ابن عقبة: إنّا لسنا بغدر، ولكن أصبح حتّى تنظر جنود الله، وإلى ما أعد الله للمشركين، قال ابن عقبة فحبسهم بالمضيق دون الأراك إلى مكّة حتّى أصبحوا.

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (30173) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 9 وانظر المجمع 6/ 172 وأخرج صدره مسلم في الجهاد باب (31، 84، 86) وأبو داود في الخراج باب (25) وأحمد 2/ 292، 538 والبيهقي 6/ 234، 9/ 117، 118، 171 والطبراني في الكبير 8/ 9 وابن أبي شيبة 14/ 475 وعبد الرزاق (9739) والطبراني في الصغير 2/ 72 والدارقطني 3/ 60 والطحاوي في المعاني 3/ 321، والبيهقي في الدلائل 5/ 32، 37، 56.

ذكر تعبئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه رضوان الله عليهم ونزولهم بأبي سفيان، وما وقع في ذلك من الآيات

وروى ابن عساكر عن عطاء قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس- رضي الله- تعالى- عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح «إنّ بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشّرك، وأرغب لهم في الإسلام» قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: «عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو» [ (1) ] . ذكر تعبئة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه رضوان الله عليهم ونزولهم بأبي سفيان، وما وقع في ذلك من الآيات قال ابن عقبة- رحمه الله تعالى- وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مناديا ينادي، لتصبح كل قبيلة قد أرحلت، ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من الأداة والعدّة. فأصبح النّاس على ظهر، وقدّم بين يديه الكتائب. قالوا: ومرّت القبائل على قادتها. والكتائب على راياتها. قال محمد بن عمر: وكان أول من قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد في بني سليم- بضم أوله، وفتح ثانيه، وسكون التحتية، وهم ألف، ويقال: تسعمائة، ومعهم لواءان وراية، يحمل أحد اللواءين العباس بن مرداس بكسر الميم، والآخر يحمله خفاف- بخاء معجمة مضمومة- بن ندبة- بنون مضمومة، فدال مهملة- ويحمل الراية الحجاج بن علاط- بعين مضمومة فطاء مهملتين، فلمّا مرّوا بأبي سفيان، كبّروا ثلاث تكبيرات، ثم مضوا، فقال أبو سفيان: يا عبّاس!! من هولاء؟ فقال: هذا خالد بن الوليد، قال: الغلام؟ قال: نعم قال: ومن معه؟ قال: بنو سليم، قال: ما لي وبني سليم! ثم مرّ على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة من المهاجرين وأفناء العرب، ومعه راية سوداء. فلما مرّوا بأبي سفيان كبّروا ثلاثا، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: هذا الزبير بن العوام، قال: ابن أختك؟ قال: نعم، ثم مرّت بنو غفار- بكسر الغين المعجمة- في ثلاثمائة، يحمل رايتهم أبو ذرّ، ويقال: إيماء- بكسر الهمزة، وفتحها، وسكون التحتية، ممدود مصروف، وقد يقصر مع الفتح- بن رحضة- بحاء، فضاد معجمة مفتوحات، وأجاز ابن الأثير: سكون الحاء، واقتصر النّوويّ على الفتح، وقال السهيلي: بضم الرّاء- فلمّا حاذوه، كبّروا ثلاثا، فقال أبو سفيان من هؤلاء؟ قال: بنو غفار، قال: مالي ولبني غفار؟ ثم مرت أسلم في أربعمائة، فيهما لواءان يحمل أحدهما بريدة- بلفظ تصغير البرد- بن الحصيب- بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، فتحتية فموحدة- والآخر ناجية- بالنون، والجيم- بن الأعجم، فلما حاذوه كبّروا

_ [ (1) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 4/ 419، والحاكم 3/ 595.

ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العباس: أسلم، قال: مالي ولأسلم؟ ثم مرت بنو كعب بن عمرو في خمسمائة، يحمل رايتهم بسر- بضم الموحدة، وسكون السين المهملة- بن سفيان فلما حاذوه، كبّروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العباس: بنو عمرو بن كعب بن عمرو، إخوة أسلم، قال: نعم، هؤلاء حلفاء محمد، ثم مرت مزينة- بضم الميم، وفتح الزاء، في ألف فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس، يحمل ألويتها النعمان بن مقرن- بضم الميم، وسكون القاف، [وبالراء] والنون، وعبد الله بن عمرو بن عوف، وبلال بن الحارث، فلما حاذوه كبّروا ثلاثا، قال: من هؤلاء؟ قال: العباس: مزينة، قال: مالي ولمزينة؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها، ثم مرّت جهينة- بضم الجيم، وفتح الهاء وسكون التحتية، وبالنون- في ثمانمائة، فيها أربعة ألوية، يحملها أبو روعة- بفتح الراء، وسكون الواو- معبد بن خالد، وسويد بن صخر، ورافع بن مكيث- بفتح الميم، وكسر الكاف، وبالمثلثة- وعبد الله بن بدر- بالموحدة- فلما حاذوه كبّروا ثلاثا، فقال من هؤلاء؟ قال: جهينة، قال: مالي ولجهينة؟ ثم مرّت كنانة- بكسر الكاف- بنو ليث وضمرة، وسعد بن بكر في مائتين، يحمل لواءهم أبو واقد- بالقاف- اللّيثي، فلمّا حاذوه كبّروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العبّاس: بنو بكر، قال: نعم، أهل شؤم والله! هؤلاء الّذين غزانا محمّد بسببهم، قال العبّاس: قد خار الله- تعالى- لكم في غزو محمد- صلى الله عليه وسلم- أتاكم أمنكم، ودخلتم في الإسلام كافة، ثم مرّت أشجع- بالشين المعجمة، والجيم- وهم آخر من مرّ، وهم ثلاثمائة معهم لواءان، يحمل أحدهما معقل- بالعين المهملة، والقاف- ابن سنان، والآخر: نعيم بن مسعود. فلمّا حاذوه كبّروا ثلاثا قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال العبّاس: هؤلاء أشجع، قال أبو سفيان: هؤلاء كانوا أشدّ العرب على محمد، قال العبّاس وأدخل الله- تعالى- الإسلام في قلوبهم، فهذا فضل من الله، ثم قال أبو سفيان: أبعد ما مضى محمد؟ فقال العباس: لا، لم يمض بعد، لو أتت الكتيبة التي فيها محمد رأيت فيها الحديد والخيل والرجال، وما ليس لأحد به طاقة، قال: ومن له بهؤلاء طاقة؟ وجعل الناس يمرّون، كل ذلك يقول أبو سفيان ما مرّ محمد؟ فيقول العبّاس: لا، حتّى طلعت كتيبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخضراء الّتي فيها المهاجرون والأنصار، وفيها الرّيات والألوية، مع كل بطن من بطون الأنصار لواء وراية، وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، ولعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فيها زجل بصوت عال وهو يزعها ويقول: رويدا حتى يلحق أولكم آخركم- يقال: كان في تلك الكتيبة ألفا دارع، وأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رايته سعد بن عبادة، فهو أمام الكتيبة، فلما مرّ سعد براية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نادى أبا سفيان فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة اليوم أذلّ الله قريشا قال أبو سفيان: يا عباس، حبّذا يوم الذّمار. فمرت القبائل، وطلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته القصواء. قال محمد بن عمر: بين أبي بكر

الصّدّيق، وأسيد بن الحضير- وهو يحدثهما- فقال العبّاس: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وفي الصحيح عن عروة أنّ كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة، ومعه الرّاية، قال: ولم ير مثلها، ثم جاءت كتيبة هي أقل الكتائب، فيهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وراية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع الزّبير، قال في العيون: كذا وقع عند جميع الرّواة. ورواه الحميديّ في كتابه: هي أجلّ الكتائب، وهو الأظهر انتهى. فقال أبو سفيان: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما قال العباس: قلت: يا أبا سفيان إنها النّبوّة، قال: فنعم إذا [ (2) ] . وروى الطبراني عن العباس- رضي الله عنه- قال: لما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلت لأبي سفيان بن حرب: أسلم بنا، قال: لا والله حتى أرى الخيل تطلع من كداء، قال العباس: قلت ما هذا؟ قال شيء طلع بقلبي، لأنّ الله لا يطلع خيلا هناك أبدا، قال العباس: فلما طلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من هناك ذكّرت أبا سفيان به فذكره [ (3) ] . فلما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأبي سفيان، قال: يا رسول الله أمرت بقتل قومك؟! ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال: «ما قال» قال: كذا وكذا، وإني أنشدك الله في قومك، فأنت أبرّ الناس، وأوصل الناس، وأرحم الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذب سعد يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم يوم يعظم الله فيه الكعبة، اليوم يوم تكسى فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً» . وعند ابن إسحاق: أن سعدا لما قال ما قال، سمعه رجل من المهاجرين، قال ابن هشام: هو عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة: واستبعد ذلك الحافظ من عمر هنا لكونه كان معروفا بشدة البأس عليهم. وعند محمد بن عمر: إن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، قالا ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم. وقال ضرار- بضاد معجمة- بن الخطاب الفهري- فيما ذكره محمد بن عمر، وأبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي- شعرا يستعطف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أهل مكة حين سمع قول سعد، قال أبو الربيع وهو من أجود شعر قاله.

_ [ (1) ] أخرجه ابن عبد البر في الدرر (216) والبيهقي في الدلائل 5/ 38 وابن كثير في البداية 4/ 290. [ (2) ] انظر المجمع 6/ 173. [ (3) ] انظر المصدر السابق.

وعند ابن إسحاق وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر- رضي الله عنه- أن امرأة من قريش عارضت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهذا الشّعر، فكأنّ ضرارا أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قريش: يا نبيّ الهدى إليك لجا ... حيّ قريش ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهم إله السّماء والتقت حلقتا البطان على القو ... م ونودوا بالصّيلم الصّلعاء إنّ سعدا يريد قاصمة الظّه ... ر بأهل الحجون والبطحاء خزرجيّ لو يستطيع من الغي ... رمانا بالنّسر والعوّاء وغر الصّدر لا يهمّ بشيء ... غير سفك الدّما وسبي النّساء قد تلظّى على البطاح وجاءت ... عنه هند بالسّوءة السّواء إذ ينادي بذلّ حيّ قريش ... وابن حرب بذا من الشّهداء فلئن أقحم اللّواء ونادى ... يا حماة الأدبار أهل اللّواء ثمّ ثابت إليه من بهم الخز ... رج والأوس أنجم الهيجاء لتكوننّ بالبطاح قريش ... فقعة القاع في أكفّ الإماء فأنهينه فإنّه أسد الأس ... د لدى الغاب والغ في الدّماء إنّه مطرق يريد لنا الأم ... ر سكوتا كالحيّة الصّمّاء فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى سعد، فنزع اللواء من يده، وجعله إلى ابنه قيس بن سعد، ورأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن اللواء لم يخرج من يد سعد، حتى صار إلى ابنه. قال محمد بن عمر: فأبى سعد أن يسلم اللّواء إلّا بأمارة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- بعمامته، فدفع اللّواء إلى ابنه قيس، ويقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر عليا فأخذ الرّاية، فذهب بها إلى مكة حتى غرزها عند الركن. قال أبو عمر- رحمه الله تعالى-: قد روي إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعطى الرّاية للزبير إذ نزعها من سعد. وروى أبو يعلى عن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفعها إليه فدخل بلواءين، وبه جزم موسى بن عقبة [ (1) ] . قال الحافظ: والذي يظهر في الجمع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسل عليّا لينزعها، وأن

_ [ (1) ] انظر المصدر السابق.

ذكر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله يوم الفتح، ولا يدخل فيما عقد من الأمان

يدخل بها. ثم خشي تغيّر خاطر سعد، فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم إنّ سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء يكرهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يأخذها، فحينئذ أخذها الزبير، ويؤيّد ذلك ما رواه البزار بسند على شرط البخاري عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان قيس في مقدمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا قدم مكة، فكلم سعد النبي- صلى الله عليه وسلم- إن يصرفه عن الموضع الذي هو فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك. انتهى. وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، والطبراني عن عروة: أن العبّاس قال: يا رسول الله!! لو أذنت لي فأتيتهم. أي أهل مكة- فدعوتهم فأمنتهم، فركب العباس بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الشهباء، وانطلق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «ردّوا عليّ أبي، ردّوا عليّ أبي، فإن عم الرجل صنو أبيه- «إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود، دعاهم إلى الله- تعالى- فقتلوه، أما والله لئن ركبوها منه لأضر منّها عليهم نارا» فكره العباس الرجوع، وقال: يا رسول الله، إن ترجع أبا سفيان راغبا في قلّة النّاس، فيكفر بعد إسلامه فقال «احبسه» فحبسه، فذكر عرض القبائل ومرورها بأبي سفيان، وفيه فقال أبو سفيان: امض يا عبّاس. فانطلق العباس حتى دخل مكة فقال: يا أهل مكة!! أسلموا تسلموا قد استبطنتم بأشهب بازل [ (1) ] . انتهى. وفي حديث عروة عند الطبراني: وكفهم الله عز وجل- عن العباس- انتهى. قال العباس، فقلت لأبي سفيان بن حرب: أنج ويحك- فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخرج أبو سفيان، فتقدّم الناس كلّهم حتى دخل مكة من كداء فصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، أسلموا تسلموا، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله! وما تغني دارك؟! قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة زوجته، فأخذت بشاربه، وقالت: اقتلوا الحميت الدّسم الأحمس، قبّح من طليعة قوم. فقال أبو سفيان: ويلكم! لا تغرنّكم هذه من أنفسكم، فإنّه قد جاءكم ما لا قبل لكم به. ذكر من أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقتله يوم الفتح، ولا يدخل فيما عقد من الأمان وهم: عبد العزى ابن خطل- بفتح الخاء المعجمة، والطّاء المهملة، وآخره لام وكان قد أسلم، وسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله وهاجر إلى المدينة، وبعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] ابن أبي شيبة 14/ 484 والطحاوي في معاني الآثار 3/ 315 وابن عساكر كما في التهذيب 7/ 236.

ساعيا، وبعث معه رجلا من خزاعة، وكان يصنع له طعامه ويخدمه فنزلا في مجمع- والمجمع حيث تجتمع الأعراب يؤدون فيه الصدقة- فأمره أن يصنع له طعاما، ونام نصف النهار، واستيقظ، والخزاعي نائم، ولم يصنع له شيئا، فعدى عليه فضربه فقتله، وارتدّ عن الإسلام، وهرب إلى مكة، وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكان له قينتان، وكانتا فاسقتين، فيأمرهما ابن خطل أن يغنيا بهجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وعن أنس قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة يوم الفتح على رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اقتلوه» رواه الإمام مالك والشيخان [ (1) ] . قال محمد بن عمر [ (2) ] : لمّا دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ذي طوى، أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدجّجا في الحديد على فرس وبيده قناة، فمرّ ببنات سعيد بن العاص فقال لهن: أما والله لا يدخلها محمّد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد، ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة، فرأى خيل الله، ورأى القتال فدخله رعب، حتّى ما يستمسك من الرّعدة، فرجع حتى انتهى إلي الكعبة، فنزل عن فرسه، وطرح سلاحه وأتى البيت فدخل تحت أستاره، فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وأدرك فرسه عائرا فاستوى عليه، ولحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم بالحجون. وعبد الله بن سعد بن أبي سرح- بفتح السين، وإسكان الرّاء، وبالحاء المهملات- كان أسلم، ثم ارتد، فشفع فيه عثمان يوم الفتح، فحقن دمه، وأسلم بعد ذلك فقبل إسلامه، وحسن إسلامه بعد ذلك، وولّاه عمر بعض أعماله، ثم ولاه عثمان، ومات وهو ساجد في صلاة الصبح، أو بعد انقضائها، وكان أحد النّجباء الكرماء العقلاء من قريش، وكان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم، وسيأتي خبره مبسوطا في أبواب كتابه- صلى الله عليه وسلّم. وعكرمة بن أبي جهل، أسلم فقبل إسلامه. والحويرث- بالتصغير- بن نقيدر بضم النون، وفتح القاف، وسكون التحتية، فدال مهملة، فراء مهملة، كان يؤذي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونخس بزينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما هاجرت إلى المدينة، فأهدر دمه. فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه، فسأل عنه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقيل هو بالبادية، فأخبر الحويرث أنّه يطلب، فتنحى عليّ عن بابه، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت إلى آخر، فتلقّاه عليّ، فضرب عنقه.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 59 (1846، 4286) ، ومسلم 2/ 989 (450/ 1357) . [ (2) ] انظر المغازي 2/ 827.

قال ابن هشام: وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة، وأم كلثوم بنتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكّة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث فرمى بهما الأرض. قال البلاذري- رحمه الله تعالى- وكان يعظم القول في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم، وينشد الهجاء فيه، ويكثر أذاه وهو بمكة. ومقيس. بميم، فقاف، فسين مهملة- بن صبابة، بصاد مهملة، وموحدتين، الأولى خفيفة-، كان أسلم، ثم أتى على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطأ في غزوة ذي قرد، ظنّه من العدوّ، فجاء مقيس، فأخذ الدّية، ثم قتل الأنصاري، ثم ارتد، فقتله نميلة- تصغير نملة- بن عبد الله يوم الفتح. وهبّار- بفتح الهاء، وتشديد الموحدة بن الأسود، أسلم، وكان قبل ذلك شديد الأذى للمسلمين، وعرض لزينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا هاجرت فنخس بها، فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتّى ماتت، فلما كان يوم الفتح، وبلغه إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهدر دمه، فأعلن بالإسلام، فقبله منه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعفا عنه. والحويرث بن الطلاطل الخزاعي، قتله علي- رضي الله عنه- ذكره أبو معشر. وكعب بن زهير، وجاء بعد ذلك فأسلم، ومدح. ذكره الحاكم. ووحشيّ بن حرب، وتقدّم شأنه في غزوة أحد، فهرب إلى الطائف، فلما أسلم أهلها جاء فأسلم. وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وكانت مغنية نوّاحة بمكة، وكانت قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل الفتح، وطلبت منه الصّلة وشكت الحاجة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «ما كان في غنائك ما يغنيك؟» فقالت: إنّ قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا الغناء، فوصلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأوقر لها بعيرا طعاما، فرجعت إلى قريش. وكان ابن خطل يلقي عليها هجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتغني به. وهي التي وجد معها كتاب حاطب ابن أبي بلتعة، فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر بن الخطاب وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان بن حرب، وهي الّتي شقّت عن كبد حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأسلمت، فعفا عنها. وأرنب مولاة ابن خطل، وقينتان لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اسم إحداهما فرتنى- بفتح الفاء، وسكون الرّاء وفتح الفوقية، فنون، فألف تأنيث مقصورة، والأخرى قريبة- ضدّ بعيدة، ويقال: هي أرنب السابقة، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت، وقتلت الأخرى،

ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - مكة وإرسال طائفة من أصحابه أمامه وارادة بعض المشركين صدهم عن دخولهم، وقتل المسلمين لهم

وذكر عن ابن إسحاق أن فرتنى هي التي أسلمت، وأن قريبة قتلت. وأم سعد قتلت فيما ذكره ابن إسحاق، ويحتمل كما قال الحافظ- رحمه الله- تعالى- أن تكون أرنب، وأم سعد القينتان. واختلف في اسمهما باعتبار الكنية واللّقب. ذكر دخوله- صلّى الله عليه وسلم- مكة وإرسال طائفة من أصحابه أمامه وارادة بعض المشركين صدهم عن دخولهم، وقتل المسلمين لهم قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- وغيره: لمّا ذهب أبو سفيان إلى مكة بعد ما عاين جنود الله- تعالى- تمرّ عليه، فانتهى المسلمون إلى ذي طوى، فوقفوا ينتظرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى تلاحق النّاس، وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كتيبته الخضراء، وهو على ناقته القصواء، معتجرا بشقّ برد حبرة حمراء. وعن أنس- رضي الله عنه- قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله متخشّعا، رواه الحاكم بسند جيد قوي، ورواه أبو يعلى من طريق آخر [ (1) ] ، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود حتّى وقف بذي طوى، وتوسّط الناس، وإنّ عثنونه ليمسّ واسطة رحله، أو يقرب منها تواضعا لله عز وجل حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى، وكثرة المسلمين، ثم قال: «اللهم إن العيش عيش الآخرة» قال: وجعلت الخيل تمعج بذي طوى في كل وجه، ثمّ ثابت وسكنت حين توسطهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رواه محمد بن عمر [ (2) ] . وعن أنس- رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، رواه الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة [ (3) ] . وعن عمرو بن حريث- رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله- صلّى الله ليه وسلّم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء خرقانيّة، وقد أرخى طرفها بين كتفيه، رواه مسلم [ (4) ] ، وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح من كداء من أعلى مكة، رواه البخاري، والبيهقيّ. وعن جابر- رضي الله عنه- قال: كان لواء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم دخل مكة أبيض، رواه الأربعة [ (5) ] .

_ [ (1) ] الحديث عند ابن عدي في الكامل 4/ 571، وانظر المجمع 6/ 196. [ (2) ] ابن سعد 3/ 1/ 180. [ (3) ] مسلم 2/ 990 (451/ 1358) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 67 وابن أبي شيبة 8/ 234. [ (4) ] أخرجه مسلم 2/ 990 (453/ 1359) . [ (5) ] البخاري 7/ 611 (4290) .

وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان لواء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح أبيض، ورايته سوداء تسمّى العقاب، وكانت قطعة مرط مرحّل، رواه ابن إسحاق [ (1) ] . وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة عام الفتح، رأى النّساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسّم إلى أبي بكر، فقال: «يا أبا بكر كيف قال حسان» فأنشده أبو بكر، قول حسان- رضي الله عنهما: عدمت بنيّتي إن لم تروها ... تثير النّقع من كتفي كداء ينازعن الأعنّة مسرجات ... يلطّمهنّ بالخمر النّساء فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ادخلوها من حيث قال حسّان» [ (2) ] . وفي الصحيح وغيره عن عروة: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتّى يأتيه» [ (3) ] . وفي الصحيح أيضا عن العبّاس أنّه قال للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تركز الراية؟ قال: نعم [ (4) ] . قال: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد- وكان على المجنّبة اليمنى، وفيها أسلم، وسليم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب- أن يدخلوا من اللّيط، وهو أسفل مكة، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت وأمّر أبا عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه- على الحسّر، كما عند الإمام أحمد. وفي صحيح مسلم [ (5) ] عن عبد الله بن رباح أن أبا عبيدة كان على البياذقة، يعني الرجالة. وعند ابن إسحاق وعبد الله بن أبي نجيح أن أبا عبيدة بن الجراح أقبل بالصّف من المسلمين ينصبّ لمكة بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمراءه أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلّا من قاتلهم، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر رحمهما الله تعالى: إنّ صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمر، - وأسلموا بعد ذلك- دعوا إلى قتال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجمعوا أناسا

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في الجهاد باب (76) ، والحاكم 2/ 104 وابن أبي شيبة 12/ 514، والبيهقي 6/ 392. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 66 والطحاوي في المعاني 4/ 296. [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 598 (4280) . [ (4) ] انظر المصدر السابق. [ (5) ] مسلم في الجهاد (86) .

بالخندمة وضوى إليهم ناس من قريش، وناس من بني بكر، وهذيل، ولبسوا السلاح، يقسمون بالله لا يدخلها محمد عنوة أبدا، وكان رجل من بني الدّيل يقال له جماش- بكسر الجيم وتخفيف الميم- وبالشين المعجمة- بن قيس بن خالد لمّا سمع بدخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعل يصلح سلاحه، فقالت له امرأته: لمن تعدّ هذا؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم فإنّك محتاجة إليه قالت: ويلك: لا تفعل، ولا تقاتل محمدا والله ليضلن عنك رأيك، لو قد رأيت محمدا، وأصحابه، قال ستري ثم قال: إن يقبلوا اليوم فمالي علّه ... هذا سلاح كامل وألّه وذو غرارين سريع السّلّه ثم شهد الخندمة مع صفوان، وسهيل بن عمرو، وعكرمة، فلما دخل خالد بن الوليد من حيث أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجد الجمع المذكور، فمنعوه الدّخول، وشهروا له السّلاح، ورموه بالنبّل، وقالوا: لا تدخلها عنوة، فصاح في أصحابه فقاتلهم، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل. وقال ابن إسحاق: أصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر، وانهزموا أقبح الانهزام، حتّى قتلوا بالحزورة، وهم مولّون في كل وجه، وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون. قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- وجعل خالد- رضي الله عنه- يتمثّل بهذه الأبيات: إذا ما رسول الله فينا رأيته ... كلجّة بحر نال فيها سريرها إذا ما ارتدينا الفارسيّة فوقها ... ردينية يهدي الأصمّ خريرها رأينا رسول الله فينا محمّدا ... لها ناصرا عزّت وعزّ نصيرها قال ابن هشام: وكان شعار المهاجرين من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكّة وحنين والطّائف: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم؟! من دخل داره فهو آمن، ومن وضع السّلاح فهو آمن، فجعل النّاس يقتحمون الدّور ويغلقون عليهم، ويطرحون السّلاح في الطرق حتّى يأخذه المسلمون، ورجع جماش منهزما حتى انتهى إلي بيته، فدقّه، ففتحت له امرأته، فدخل وقد ذهبت روحه، فقالت له: أين الخادم

الذي وعدتني؟ ما زلت منتظرة لك منذ اليوم- تسخر منه- فقال: دعي هذا عنك، واغلقي عليّ بابي، ثم قال: إنك لو شهدت يوم الخندمة ... إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه وأبو يزيد كالعجوز المؤتمه ... واستقبلتهم بالسّيوف المسلمه يقطعن كلّ ساعد وجمجمة ... ضربا فلا تسمع إلّا الغمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمه ... لم تنطقي في اللّوم أدنى كلمه وأقبل الزبير- رضي الله عنه- بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلي الحجون عند منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يقتل من المسلمين إلا رجلان من أصحاب الزّبير، أخطأ الطّريق فسلكا غيره فقتلا، وهما كرز بن جابر الفهريّ [ (1) ] وحبيش- بحاء مهملة مضمومة، فموحّدة مفتوحة، فتحتية ساكنة فشين معجمة- بن خالد بن ربيعة بن الأشعر- بشين معجمة، وعين مهملة- الكعبي- رضي الله عنهما- ومضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل مكة من أذاخر، [ (2) ] فلما ظهر على أذاخر، نظر إلى البارقة مع فضض المشركين، فقال: «ما هذه البارقة؟! ألم أنه عن القتال؟» قالوا: يا رسول الله، خالد بن الوليد قوتل ولو لم يقاتل ما قاتل، وما كان يا رسول الله ليعصيك، ولا يخالف أمرك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «قضاء الله خير» . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب، فقال: «إن الله حرّم مكّة» الحديث [ (3) ] ، فقيل: هذا خالد يقتل، فقال: «قم يا فلان فقل له فليرفع يديه من القتل» فأتاه الرّجل، فقال له: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول لك، أقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكر له ذلك، فأرسل إلى خالد «ألم أنهك عن القتل؟!» فقال: جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه، فأرسل إليه «ألم آمرك أن تنذر خالدا؟» قال: أردت أمرا فأراد الله أمرا، فكان أمر الله فوق أمرك، وما استطعت إلّا الذي كان، فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ردّ عليه. وروى الإمام أحمد، ومسلم، والبيهقي، وغيرهم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لما كان يوم فتح مكة، وبّشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء

_ [ (1) ] كرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري.. كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم وأغار على سرح المدينة مرة فحرج النبي- صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفوان وفاته كرز وهذه هي غزوة بدر الاولى ثم أسلم، الإصابة 5/ 297. [ (2) ] أذاخر بالفتح، والخاء المعجمة مكسورة: موضع بأعلى مكة، منه دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، وضربت هناك قبّته. مراصد الإطلاع 1/ 46. [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 48 وانظر المجمع 3/ 284، 7/ 34 والسيوطي في الدر المنثور 3/ 271، 272.

ذكر قراءته - صلى الله عليه وسلم - سورتي الفتح والنصر في يومه

كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا فرآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا أبا هريرة» قلت: لبيك، قال: «اهتف بالأنصار، ولا يأتيني إلّا أنصاري» قال: ففعلت ما أمرني به، فأتوه، فقال: «انظروا قريشا وأوباشهم فاحصدوهم حصدا» ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، فانطلقنا فما أحد يوجّه إلينا شيئا، وما منا أحد يريد أحداً منهم إلا أخذه، فجاء أبو سفيان ابن حرب فقال: يا رسول الله- أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السّلاح فهو آمن» فألقى الناس سلاحهم [ (1) ] . وروى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنت ممن لزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخلت معه يوم الفتح فلمّا أشرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أذاخر، ورأى بيوت مكّة، وقف عليها فحمد الله- وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبّته فقال: هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا في كفرها» قال جابر: فذكرت حديثا كنت سمعته منه قبل ذلك بالمدينة، «منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» [ (2) ] . ذكر قراءته- صلى الله عليه وسلّم- سورتي الفتح والنصر في يومه عن عبد الله بن مغفل- بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللّام- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح، يرجّع صوته بالقراءة، قال معاوية بن قرة: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجّعت كما رجّع عبد الله بن مغفّل يحكي قراءة النبي- صلى الله عليه وسلم- قال شعبة: فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه؟ قال: ثلاث مرّات، رواه البخاري في التفسير وفضائل القرآن والمغازي والتوحيد، ومسلم في الصّلاة، والنسائي، والحاكم. وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح «هذا ما وعدني ربي» ثم قرأ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر 1] ذكر منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح روى محمد بن عمر عن أبي جعفر- رحمه الله تعالى- قال: كان أبو رافع قد رب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبّة بالحجون من أدم، فأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى إلي القبّة، ومعه أمّ سلمة، وميمونة زوجتاه. وروى البخاري وغيره عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنه قال: يا رسول الله: انّى

_ [ (1) ] سيأتي في هديه- صلّى الله عليه وسلم- في قراءة القرآن. [ (2) ] انظر المجمع 9/ 23.

ذكر اغتساله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح وصلاته وقت الضحى شكرا لله تعالى

تنزل غدا؟ تنزل في دارك؟ قال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دار؟» وكان عقيل ورث أبا طالب هو وأخوه طالب، ولم يرثه جعفر ولا علي- رضي الله عنهما- لأنّهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، أسلم عقيل بعد [ (1) ] . وروى البخاري، والإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «منزلنا إن شاء الله تعالى إذا فتح الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» يعني بذلك المحصّب، وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم، وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتّى يسلموا إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم [ (2) ] . وروى محمد بن عمر عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال: قيل للنبي- صلى الله عليه وسلم- إلا تنزل منزلك من الشّعب؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل منزلا؟» وكان عقيل قد باع منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة، فقيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فانزل في بعض بيوت مكّة غير منازلك، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «لا أدخل البيوت» ولم يزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد لكل صلاة من الحجون. ذكر اغتساله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح وصلاته وقت الضحى شكرا لله تعالى عن أم هانئ- رضي الله عنها- قالت: لما كان عام يوم الفتح فرّ إليّ رجلان من بني مخزوم فأجرتهما، قالت: فدخل على علي فقال: أقتلهما، قالت: فلما سمعته يقول ذلك أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو بأعلى مكة، فلما رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رحّب وقال: «ما جاء بك يا أم هانئ، قالت: قلت يا رسول الله، كنت أمّنت رجلين من أحمائي، فأراد عليّ قتلهما، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قد أجرنا من أجرت» ، ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غسله فسترته فاطمة، ثم أخذ ثوبا فالتحف به، ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثمان ركعات سبحة الضّحى، رواه مسلم والبيهقي [ (3) ] . وعنهما إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، وصلّى ثمان ركعات،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 526 في الحج (1588) (3058، 4282، 6764) ، ومسلم في الحج (439، 440) وأبو داود حديث (2010) وفي الفرائض باب (10) وابن ماجة (2730) والطحاوي في معاني الآثار 4/ 49، وأحمد 5/ 202 والدارقطني 3/ 62. [ (2) ] أخرجه البخاري (4284) (1589) ، ومسلم في الحج (355) والبيهقي في الدلائل 5/ 93 وأحمد 2/ 263، 322، 353، والطبراني في الكبير 11/ 62 وانظر المجمع 3/ 250. [ (3) ] مسلم صلاة المسافرين (82) ، وأبو داود (2763) وأحمد 6/ 341، 342، 343 والبيهقي 9/ 75، والحاكم 4/ 45.

ذكر رن إبليس وحزنه وكيد الجن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزجرهم عنه ودعاء نائلة بالويل

قالت: لم أره صلّى صلاة أخف منها، غير أنّه يتم ركوعها وسجودها. رواه البخاري والبيهقي [ (1) ] . ذكر رن إبليس وحزنه وكيد الجن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وزجرهم عنه ودعاء نائلة بالويل روى أبو يعلى، وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة رن إبليس رنّة فاجتمعت إليه ذرّيته، فقال: ايأسوا أن تردّوا أمّة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها- يعني مكة- النّوح والشّعر. وروى ابن أبي شيبة عن مكحول- رحمه الله- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما دخل مكّة تلقّته الجنّ يرمونه بالشّرر، فقال جبريل- صلى الله عليه وسلم- تعوّذ يا محمد بهؤلاء الكلمات: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السّماء وما يعرج فيها، ومن شرّ ما بثّ في الأرض، وما يخرج منها، ومن شرّ الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلّا بخير يا رحمن» . وروى البيهقي عن ابن أبزى- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة وبالزاي، وألف تأنيث مقصورة- رحمه الله تعالى- قال: لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكّة جاءت عجوز حبشيّة شمطاء تخمش وجهها، وتدعو بالويل، فقال: «تلك نائلة، أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبدا» [ (2) ] . ذكر إسلام أبي قحافة عثمان بن عامر والد أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما روى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات، ومحمد بن عمر، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- قالت: لما كان عام الفتح، ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي طوى، قال أبو قحافة لابنة له- قال البلاذري-- اسمها أسماء، قال محمد بن عمر تسمى: قريبة- ضدّ بعيدة، كانت من أصغر ولده: يا بنيّة، أشرفي بي على أبي قبيس- وقد كفّ بصره- فأشرفت به عليه، فقال: أي بنيّة!! ماذا ترين؟» قالت: أرى سوادا مجتمعا كثيرا، وأرى رجلا يشتدّ بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا، فقال: ذلك الرجل الوازع، ثم قال: ماذا ترين؟ قالت: أرى السواد قد انتشر وتفرّق، فقال: والله إذن انتشرت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي، فخرجت سريعا حتى إذا هبطت به الأبطح لقيتها الخيل، وفي عنقها طوق لها من ورق، فاقتلعه إنسان

_ [ (1) ] سيأتي ذلك في هديه- صلّى الله عليه وسلم- في صلاة الضحى. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 75.

من عنقها، فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد، خرج أبو بكر بأبيه- رضي الله عنهما- يقوده، وكان رأس أبي قحافة ثغامة، فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، فأجلسه بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فمسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صدره، وقال: أسلم تسلم، فأسلم، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي، فو الله ما جاء به أحد، ثم قال الثالثة فما جاء به أحد، فقال: يا أخيّة، احتسبي طوقك، فو الله إنّ الأمانة في الناس اليوم لقليل [ (1) ] . وروى البيهقي بسند جيد قوي عن ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أخذ بيد أبي قحافة، فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما وقف به على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: غيّروه ولا تقربوه سوادا [ (2) ] . قال ابن وهب: وأخبرني عمر بن محمد عن زيد بن أسلم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هنأ أبا بكر بإسلام أبيه. وروى الإمام أحمد، وابن حبان عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة يحمله حتّى وضعه بين يديه فقال لأبي بكر: «لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه» - تكرمة لأبي بكر- فأسلم ورأسه ولحيته كالثّغامة، فقال غيروهما قال قتادة هو أول مخضوب في الإسلام. وروى مسلم عن جابر قال: أتى بأبي قحافة عام الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغامة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «غيّروا هذا بشيء وجنبوه السواد» . قال البلاذريّ: ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشجّه، وأخذت قلادة أسماء ابنته، فأدركه أبو بكر وهو يستدمي، فمسح الدم عن وجهه انتهى. قالوا: وجاء خالد بن الوليد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «لم قاتلت، وقد نهيت عن القتال» ؟ قال: هم يا رسول الله بدءونا بالقتال، ورشقونا النّبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، وقد دعوتهم إلى الإسلام، وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، فأبوا، حتى إذا لم أجد بدا قاتلتهم فظفّرنا الله- تعالى- عليهم، فهربوا في كل وجه يا رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كفّ عن الطّلب» قال: قد فعلت: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «قضاء الله خير» ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كفّوا السّلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر» فخبطوهم

_ [ (1) ] أخرجه الواقدي في المغازي 2/ 824، والبيهقي في الدلائل 4/ 95. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 96.

ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وطوافه وما وقع في ذلك من الآيات

ساعة، وهي الساعة التي أحلّت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم تحل لأحد قبله. [ (1) ] ذكر دخوله- صلّى الله عليه وسلّم- المسجد وطوافه وما وقع في ذلك من الآيات قالوا: مكث رسول الله- صلى الله عليه وسلم في منزله ساعة من النهار حتّى اطمأن النّاس، فاغتسل، ثم دعا براحلته القصواء، فأدنيت إلى باب قبّته، وعاد للبس السّلاح والمغفر على رأسه، وقد حف الناس به، فركب راحلته والخيل تمعج بين الخندمة إلى الحجون، ومرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلى جنبه أبو بكر الصديق يسير معه يحادثه، فمرّ ببنات أبي أحيحة وقد نشرن شعورهنّ- يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فنظر رسول- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فتبسم وذكر بيت حسان بن ثابت، فأنشده أبو بكر رضي الله عنه: تظلّ جيادنا متمطّرات ... يلطّمهنّ بالخمر النّساء فلما انتهى- صلى الله عليه وسلّم- إلى الكعبة فرآها ومعه المسلمون تقدّم على راحلته، واستلم الركن بمحجنه، وكبر، فكبّر المسلمون بتكبيره، فرجّعوا التكبير حتّى ارتجّت مكة تكبيرا حتى جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشير إليهم أن اسكتوا- والمشركون فوق الجبال ينظرون- وطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالبيت، آخذا بزمام النّاقة محمد بن مسلمة، فأقبل على الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت. وروى أبو نعيم، والبيهقي من طريق عبد الله بن دينار، وأبو نعيم من طريق نافع كلاهما عن ابن عمر- رضي الله عنهما- وأبو نعيم والبيهقي من طريق سعيد بن جبير وابن إسحاق والبيهقي وأبو نعيم، وابن مندة، ومحمد بن عمر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل مكّة يوم فتح مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصّعة بالرّصاص، وكان هبل أعظمها وهو وجاه الكعبة، وإساف ونايلة حيث ينحرون ويذبحون الذّبائح، وفي يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قوس وقد أخذ بسية القوس، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلّما مرّ بصنم منها يشير إليه ويطعن في عينه ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الإسراء 81] فما يشير إلى صنم إلا سقط لوجهه. وفي لفظ لقفاه، من غير أن يمسّه [ (2) ] . وفي ذلك يقول تميم بن أسد الخزاعي [ (3) ] .

_ [ (1) ] ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1699) ، وانظر المجمع 6/ 177 وابن أبي شيبة 14/ 487. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 71 وهو عند البخاري في كتاب المظالم باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر. [ (3) ] تميم بن أسيد وقيل أسد بن عبد العزى بن جعونة بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي ... قال ابن سعد أسلم وصحب قبل فتح مكة وبعثه النبي- صلى الله عليه وسلم يجدد أنصاب الحرم ثم ساق بذلك سندا الى ابن خيثم عن أبي الطفيل عن ابن عباس إن النبي- صلى الله عليه وسلم فذكره، الإصابة 1/ 191.

ذكر أكله - صلى الله عليه وسلم - عند أم هانئ رضي الله عنها

ففي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثّواب أو العقابا قال أئمة المغازي- رحمهم الله تعالى-: فطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعا على راحلته يستلم الرّكن الأسود بمحجنه كل طواف، فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته. وعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر، قال: فما وجدنا مناخا في المسجد حتّى أنزل على أيدي الرجال، ثم خرج بها، قالوا: وجاء معمر بن عبد الله بن نضلة- بالنون، والضاد المعجمة- فأخرج الرّاحلة فأناخها بالوادي، ثم انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إلى المقام- وهو لاصق بالكعبة، والدّرع عليه والمغفر وعمامته بين كتفيه، فصلى ركعتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها وقال: «لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا» ، فنزع له العباس بن عبد المطلب- ويقال الحرث بن عبد المطلب- دلوا، فشرب منه وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصبّونه على وجوههم، والمشركون ينظرون إليهم ويتعجّبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به. وأمر بهبل فكسر وهو واقف عليه، فقال الزبير بن العوام لأبي سفيان بن حرب: يا أبا سفيان قد كسر هبل، أما إنك قد كنت منه يوم أحد في عزور حين تزعم أنه أنعم، فقال أبو سفيان: دع عنك هذا يا بن العوام، فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان، ثم انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجلس ناحية من المسجد والناس حوله. وعن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح قاعدا، وأبو بكر قائم على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسيف. رواه البزار [ (1) ] . ذكر أكله- صلى الله عليه وسلم- عند أم هانئ رضي الله عنها روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لأم هانئ يوم الفتح: «هل عندك من طعام نأكله؟» : قالت: ليس عندي إلّا كسر يابسة، وإني لأستحي أن أقدّمها إليك. فقال: «هلمّي بهنّ» فكسّرهن في ماء، وجاءت بملح، فقال: «هل من أدم» ؟ فقالت: ما عندي يا رسول الله إلّا شيء من خلّ، فقال: «هلمّيه» ، فصبه على الطّعام وأكل منه ثم حمد الله ثم قال: «نعم الأدم الخل، يا أمّ هانئ لا يفقر بيت من أدم فيه خل» [ (2) ] . ذكر اطلاعه- صلى الله عليه وسلم- على ما هم به فضالة بن عمير بن الملوح قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أنّ فضالة بن عمير بن الملوّح اللّيثي أراد قتل

_ [ (1) ] انظر المجمع 6/ 176. [ (2) ] انظر المجمع 6/ 176.

ذكر الآية في رفعه - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضي الله عنه - لالقاء صنم قريش

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالبيت- عام الفتح- فلما دنا منه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أفضالة؟» قال: نعم. قال: «ماذا كنت تحدّث به نفسك؟» قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «استغفر الله» . ثم وضع يده على صدره فسكن، وكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتّى ما خلق شيء أحب إلى منه، ورجع فضالة إلى أهله، قال: فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلمّ إلى الحديث، فقال لا. وانبعث فضالة يقول: قالت هلّمّ إلى الحديث فقلت لا ... يأبى عليّ الله والإسلام إذا ما رأيت محمّدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسّر الأصنام لرأيت دين الله أضحى بيّنا ... والشّرك يغشى وجهه الإظلام ذكره أبو عمر في الدّرر، ولم يذكره في الاستيعاب، وهو على شرطه، وذكره القاضي في الشفاء بنحوه. ذكر الآية في رفعه- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب رضي الله عنه- لالقاء صنم قريش روى ابن أبي شيبة، والحاكم عن علي- رضي الله عنه- قال: انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى أتى بي الكعبة، فقال: «اجلس» فجلست بجنب الكعبة، فصعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على منكبي فقال: «انهض» فنهضت، فلمّا رأى ضعفي تحته قال: «أجلس» فجلست، ثم قال: «يا عليّ، اصعد على منكبي» ففعلت، فلما نهض بي خيّل إليّ لو شئت نلت أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة، وتنحّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ألق صنمهم الأكبر» وكان من نحاس موتّد بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «عالجه» ويقول لي: «إيه إيه» «جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا» . فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه [ (1) ] ذكر طلبه- صلى الله عليه وسلّم- المفتاح من عثمان بن طلحة رضي الله عنه روى محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة- رضي الله عنهما- ومحمد بن عمر عن علقمة بن أبي وقاص اللّيثي- رحمه الله تعالى- ومحمد بن عمر عن شيوخه يزيد بعضهم على بعض، قال عبد الله: كان عثمان قد قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مسلما مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص قبل الفتح، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 74 وابن أبي شيبة 14/ 488، والحاكم 2/ 367، 3/ 5،

ذكر أمره - صلى الله عليه وسلم - بإزالة الصور عن البيت قبل دخوله إياه

من طوافه أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة يأتيه بمفتاح الكعبة، فجاء بلال إلى عثمان، فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمرك أن تأتي بالمفتاح، فقال: نعم هو عند أمي سلافة، فرجع بلال إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبره أنّه قال نعم، وأن المفتاح عند أمّه، فبعث إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رسولا فجاء، فقالت: لا، واللّات والعزّى، لا أدفعه إليك أبدا، فقال عثمان يا رسول الله أرسلني أخلصه لك منها، فأرسله، فقال: يا أمه ادفعي إليّ المفتاح، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد أرسل إليّ، وأمرني أن آتيه به، فقالت أمّه: لا. واللّات والعزّى لا أدفعه إليك أبدا فقال: لا لات ولا عزى أنه قد جاء أمر غير ما كنا عليه، وإنّك إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي فأنت قتلتينا، فو الله لتدفعنّه أو ليأتينّ غيري فيأخذه منك، فأدخلته في حجزتها، وقالت: أي رجل يدخل يده ههنا؟ [ (1) ] . قال الزهري فيما رواه عبد الرزاق، والطبراني: فأبطأ عثمان ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم ينتظره حتّى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق، ويقول: «ما يحبسه فيسعى إليه رجل» انتهى. فبينما هما على ذلك وهو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- في الدّار، وعمر رافع صوته حين أبطأ عثمان ... يا عثمان اخرج، فقالت أمّه: يا بنيّ خذ المفتاح، فإن تأخذه أنت أحب إلي من أن يأخذه تيم وعدي، فأخذه عثمان، فخرج يمشي به حتى إذا كان قريبا من وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عثر عثمان فسقط منه المفتاح، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى المفتاح فحنى عليه بثوبه [ (2) ] . وروى الفاكهي عن ابن عمر: إن بني أبي طلحة كانوا يقولون: لا يفتح الكعبة إلّا هم، فتناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المفتاح، ففتح الكعبة بيده. وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن أبي السفر- رحمه الله تعالى- قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة دعا شيبة بن عثمان بالمفتاح- مفتاح الكعبة- فتلكأ، فقال لعمر: قم فاذهب معه فإن جاء به وإلّا فأجلد رأسه» فجاء به فأجاله في حجره. ذكر أمره- صلى الله عليه وسلّم- بإزالة الصور عن البيت قبل دخوله إياه روى أبو داود، وابن سعد، ومحمد بن عمر، واللفظ له: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر عمر بن الخطاب- وهو بالبطحاء- أن يأتي الكعبة فيمحو كلّ صورة فيها، فلم يدخلها حتّى

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 833. [ (2) ] أخرجه أبو داود (2027) ، وانظر المطالب للحافظ ابن حجر (4364) .

ذكر دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت وصلاته فيه

محيت الصّور، وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى صورة إبراهيم، فقال يا عمر: «ألم آمرك ألّا تدع فيها صورة؟، قاتلهم الله، جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام» . ثم رأى صورة مريم، فقال: «امسحوا ما فيها من الصّور، قاتل الله قوما يصوّرون مالا يخلقون» . وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وابن أبي شيبة عن عكرمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قدم مكّة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة يعني الأصنام، فأمر بها فأخرجت صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قاتلهم الله لقد علموا أنّهما لم يستقسما بهما قط» [ (1) ] . زاد ابن أبي شيبة: ثم أمر بثوب فبلّ ومحا به صورهما. وعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر: أن المسلمين تجرّدوا في الأزر وأخذوا الدّلاء، وانجروا على زمزم يغسلون الكعبة ظهرها وبطنها، فلم يدعوا أثرا من المشركين إلا محوه وغسلوه. ذكر دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- البيت وصلاته فيه روى البخاري في الصّلاة، ومسلم في الحج، عن الإمام مالك بن أنس والبخاري في الصّلاة والمغازي عن جويرية بن أسماء، والبخاري في الصّلاة، ومسلم في الحج عن يونس ابن يزيد عن أيوب، والبخاري في الصّلاة والمغازي عن موسى بن عقبة، والبخاري في المغازي عن فليح بن سليمان، ومسلم في الحج عن عبد الله بن عمر، ومسلم في الحج، والنسائي في الصلاة عن خالد بن الحرث عن ابن عون، وابن عوانة، وابن ماجة في الحج عن حسان بن عطية كلّهم عن نافع، والبخاري في الحج عن سالم بن عبد الله بن عمر، وفي كتاب الصلاة عن مجاهد، والإمام أحمد عن ابن عمر، وابن دينار، والإمام أحمد والنسائي عن ابن أبي مليكة والإمام أحمد، والطبراني عن أبي الشعثاء كلهم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن أبي شيبة بسند حسن وأبو جعفر الطحاوي عن جابر بن عبد الله، وابن قانع عن أبي بشر ومسافع بن شيبة عن أبيه شيبة بن عثمان، وأبو جعفر الطحاوي من طريقين عن عبد الله بن الزجاج، والإمام أحمد، والأزرقي عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير، والطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن صفوان، والإمام أحمد والطحاوي، وابن قانع بسند حسن، وأبو داود بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب. والبزار بسند ضعيف عن أبي هريرة، والحاكم في صحيحه، والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- قال يونس بن يزيد: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، زاد فليح: القصواء

_ [ (1) ] البخاري (3352) ، أحمد 1/ 365، وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 487 والبيهقي في الدلائل 5/ 73.

- وهو مردف أسامة، ومعه بلال، وعثمان بن طلحة، حتى أناخ في المسجد. ولفظ فليح: عند البيت. وقال لعثمان: ائتني بالمفتاح، قال أيوب: فذهب إلى أمّه، فأبت أن تعطيه المفتاح فقال: والله لتعطينه أو لأخرجنّ هذا السّيف من صلبي، فلما رأت ذلك أعطته إياه، فجاء به، ففتح عثمان له الباب، ثم اتفقوا، فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة وقال ابن عوف- كما عند النسائي- والفضل بن عباس، ولأحمد نحوه عن ابن عباس- بعد أن ذكر الثلاثة الأول- ولم يدخلها أحد معهم، زاد مسلم فأغلقوا عليهم الباب [ (1) ] . وعند محمد بن عمر عن شيوخه: فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالكعبة فأغلقت. ولفظ الإمام مالك: فأغلقاها عليه، وفي رواية ابن عوف: فأجاف عليهم عثمان الباب. زاد حسان بن عطية: من داخل. وفي حديث صفية بنت شيبة عند ابن إسحاق، فوجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في البيت حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها. وفي حديث جابر إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا دخل البيت رأى فيه تمثال إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وقد جعلوا في يد إبراهيم الأزلام يستقسم بها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قاتلهم الله، لقد علموا ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام» . ثم دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بزعفران فلطخه بتلك التماثيل. وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ويحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب- رحمهما الله تعالى- قالا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما دخل الكعبة كبّر في زواياها وأرجائها، وحمد الله تعالى، ثم صلّى ركعتين بين أسطوانتين، قال يونس: فمكث نهارا طويلا، ولفظ فليح: زمانا طويلا، ولفظ جويرية: فأطال، ولفظ ابن عوف: فمكث فيها مليا، ولفظ أيوب: فمكث فيها ساعة. وفي رواية ابن أبي مليكة عن نافع: فوجدت شيئا فذهبت ثم جئت سريعا فوجدت النبي- صلى الله عليه وسلّم- خارجا، ولفظ سالم: فلما فتحوا الباب وكنت أول والج، وفي رواية فليح: فتبادر الناس الدّخول فسبقتهم. وفي رواية أيوب: وكنت رجلا شابا قويا فبادرت الناس فبدرتهم، وفي رواية ابن عوف: فرقيت الدرجة فدخلت البيت، وفي رواية مجاهد، وابن أبي مليكة عن ابن عمر: وأجد بلالا قائما بين البابين. وفي رواية سالم: فلقيت بلالا فسألته: زاد مالك فقلت: ما صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي رواية سالم. هل صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيه؟ قال: نعم. وفي رواية مجاهد، وابن أبي مليكة: فقلت هل صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، في

_ [ (1) ] انظر البخاري في المغازي 7/ 611 (4289) .

ذكر قدر صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة

الكعبة؟ قال: نعم، وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر: أنه سأل بلالا، وأسامة وفي رواية أبي الشعثاء عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة بن زيد أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى فيه ههنا. وفي رواية خالد بن الحرث عن ابن عوف عن مسلم، والنسائي عن ابن عمر: فرقيت الدرجة فدخلت البيت، فقلت أين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قالوا: ههنا. وفي رواية جويرية. ويونس، وجمهور أصحاب نافع: فسألت بلالا: أين- صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: بين العمودين اليمانيين- ولفظ جويرية: المقدّمين- وفي رواية مالك: جعل عمودا عن يمينه، وعمودا عن يساره. وفي رواية: عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره، وجعل ثلاثة أعمدة وراءه، وفي رواية عنه: عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه. قال البيهقي: وهو الصحيح، وفي رواية فليح: صلّى بين ذينك العمودين المقدّمين من السطر وكان البيت على ستة أعمدة سطرين. صلى بين العمودين من السطر المقدم، وجعل باب البيت خلف ظهره، وعند المكان الذي صلّى فيه مرمرة حمراء، وفي رواية موسى بن عقبة عند البخاري، ومالك في رواية ابن قاسم عن النسائي عن نافع: أن بين موقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع. وفي رواية ابن مهدي عند أبي داود، وابن وهب عند الدارقطني في الغزوات- كلاهما عن مالك، وهشام، وابن سعد عن أبي عوانة عن نافع: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع. قال الحافظ أبو الفضل العراقي- رحمه الله تعالى- ملخّصا من طرق الأحاديث-: أن مصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من البيت أن الدّاخل من الباب يسير تلقاء وجهه حين يدخل إلى أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع أو ذراعين أو ما بينهما لاختلاف الطّرق. قال: ولا ينبغي أن يجعل بينه وبين الجدار أقل من ثلاثة أذرع، فإن كان الواقع أنه ثلاثة أذرع فقد صادف مصلّاه، وإن كان ذراعين فقد وقع وجه المصليّ وذراعاه في مكان قدمي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهذا أولى من المتقدم. ذكر قدر صلاته- صلى الله عليه وسلم- في الكعبة في رواية يحيى بن سعيد عند الشيخين. وفي رواية أبي نعيم الفضل بن دكين [ (1) ] عند البخاري والنسائي، ورواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد عند ابن خزيمة، ورواية عمر بن علي

_ [ (1) ] الفضل بن دكين واسمه عمرو بن حمّاد بن زهير التيمي، مولى آل طلحة أبو نعيم الكوفي الملائي الأحول الحافظ العلم. عن الأعمش وزكريا بن أبي زائدة وجعفر بن برقان وأفلح بن حجير وخلق وعنه البخاري وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين وخلق. قال أحمد: ثقة يقظان عارف بالحديث. وقال القسوى: أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان عناية في الإتقان، قال يعقوب بن شيبة مات سنة تسع عشرة ومائتين، الخلاصة 2/ 335.

ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت وصلاته قبل الكعبة

عند الإسماعيلي، ورواية عبد الله بن نمير [ (1) ] عند الإمام أحمد، كلهم عن سيف بن أبي سليمان [ (2) ] عن مجاهد عن ابن عمر: أنه قال: سألت بلالا، أصلّى النبي- صلى الله عليه وسلم- في الكعبة؟ فقال: نعم: ركعتين. وتابع سيفا عن مجاهد خصيف عند الإمام أحمد، وتابع مجاهدا عن ابن عمر بن أبي مليكة عند الإمام أحمد والنسائي وعمرو بن دينار عند الإمام أحمد [ (3) ] ، وفي حديث جابر: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- البيت يوم الفتح، فصلى فيه ركعتين، ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح، والطبراني عن عثمان بن طلحة. ورواه الإمام أحمد، والأزرقي عن عبد الله بن الزبير ورواه الطبراني بسند جيد، وابن قانع وأبو جعفر الطّحاويّ من طريقين عن عثمان. ورواه الطبراني برجال الصّحيح، والبزار عن عبد الرحمن بن صفوان- رضي الله عنه- قال: لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكّة انطلقت فوافقت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج من الكعبة، وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسطهم، فسألت من كان معه، فقلت: كيف صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين دخل الكعبة؟ قال: صلّى ركعتين. ورواه أبو داود والطحاوي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- والبزار عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، رواه الطبراني- ووقع في رواية فليح وأيوب عن نافع، وأبو الشعثاء عن ابن عمر قال: ونسيت أن أسأله أي بلالا، كم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي رواية ابن عون عن نافع بعد أن ذكر أن أسامة وبلالا وعثمان بن شيبة دخلوا معه. فدخلت البيت، فقلت: أين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قالوا: ههنا، ونسيت أن أسألهم كم صلّى، وسيأتي الجواب عن ذلك في التنبيهات. ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من البيت وصلاته قبل الكعبة روي إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج من البيت صلى ركعتين قبل الكعبة، وقال: «هذه القبلة» [ (4) ] .

_ [ (1) ] عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي بمعجمة ثم ألف ثم مهملة أبو هشام الكوفي. عن إسماعيل بن أبي خالد وهشام والأعمش وخلق. وعنه أحمد وابن معين وابن المديني وخلق. وثقة ابن معين. قال ابنه محمد: مات سنة تسع وتسعين ومائة. الخلاصة 2/ 106. [ (2) ] سيف بن سليمان المخزومي مولاهم المكي نزيل البصرة. عن مجاهد وعدي بن عدي، وعنه ابن المبارك وأبو نعيم، وثقه القطان والنسائي. قال ابن معين: توفي سنة إحدى وخمسين ومائة. الخلاصة 1/ 436. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 688 (504، 505) ، ومسلم 2/ 966 (388، 389/ 1329) (390/ 1329) ومالك 1/ 398 (193) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 501 (398) ومسلم 2/ 968 (395/ 1230) .

ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح

قال محمد بن عمر: ثم خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من البيت والمفتاح في يده، وخالد بن الوليد يذبّ الناس عن الباب حتى خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم روي عن برة بنت أبي تجراة بفتح الفوقية، وكسر الجيم، وبالراء- رضي الله عنها- قالت: نظرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي يده المفتاح ثم جعله في كمه [ (1) ] . ذكر خطبته- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والبخاريّ في صحيحه عن مجاهد. وابن أبي شيبة ... وابن إسحاق عن صفية بنت شيبة، والبيهقي عن عبد الله بن عمر، وابن أبي شيبة عن عبد الله ابن عبيدة قالوا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج من البيت استكفّ له الناس، وأشرف على الناس وقد ليط بهم حول الكعبة- وهم جلوس- قام على بابه فقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده» ولفظ الإمام أحمد، ومحمد بن عمر: «الحمد لله الذي صدق وعده، ثمّ اتّفقوا «ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش ماذا تقولون؟ ماذا تظنّون؟» قالوا: نقول خيرا ونظن خيرا، نبي كريم، وأخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فإنّي أقول كما قال أخي يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؟ [يوسف 92] «اذهبوا فأنتم الطّلقاء» فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إلا إنّ كلّ ربا في الجاهليّة أو دم أو مأثرة أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين- وأوّل دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاجّ، ألا وفي قتيل العصا والسّوط والخطأ شبه العمد الدّية مغلّظة مائة ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها، ألا وأن الله تعالى- قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها، كلّكم لآدم وآدم من تراب» [ (2) ] . ثم تلا هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات 13] «يا أيها الناس!! النّاس رجلان، فبرّ تقيّ كريم وكافر شقي هيّن على الله، إلا أن الله- تعالى- حرّم مكة يوم خلق السّموات والأرض، ووضع هذين الأخشبين، فهي حرام بحرام الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولن تحلّ لأحد كائن بعدي، لم تحلّ لي إلا ساعة من نهار يقصّرها- صلى الله عليه وسلّم- بيده هكذا- ولا ينفر صيدها، ولا يعضد عضاهها، ولا تحلّ لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها» فقال العباس،

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 835. [ (2) ] أخرجه البيهقي 9/ 118 من حديث أبي هريرة.

وكان شيخا مجربا: إلّا الإذخر يا رسول الله فإنه لا بدّ لنا منه- للقين وظهور البيوت، فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعة ثم قال: «إلاّ الإذخر فإنه حلال، ولا وصيّة لوارث، وإنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يحلّ لامرأة أن تعطي من مال زوجها إلّا بإذن زوجها، والمسلم أخو المسلم، والمسلمون إخوة، والمسلمون يد واحدة على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، وهم يردّ عليهم أقصاهم، ويعقل عليهم أدناهم، ومشدّهم على مضعفهم ومثريهم على قاعدهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملّتين مختلفتين، ولا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلّا في بيوتهم وبأفنيتهم، ولا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها. والبيّنة على من ادعّى، واليمين على من أنكر، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلّا مع ذي محرم، ولا صلاة بعد العصر، وبعد الصّبح، وأنهاكم عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر، وعن لبستين ألا يحتبي أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السّماء، وألا يشتمل الصّماء، فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّي قد عاهرت في الجاهلية، فقال: من عاهر بامرأة لا يملكها- أو أمة قوم آخرين لا يملكها- ثم ادّعى ولده بعد ذلك فإنه لا يجوز له، ولا يرث ولا يورّث ولا أخالكم إلّا قد عرفتموها يا معشر المسلمين كفّوا السّلاح إلّا خزاعة، عن بني بكر من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه- فخبطوهم ساعة- وهي السّاعة التي أحلّت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم تحل لأحد قبله، ثم قال لهم: «كفوا السّلاح فقام أبو شاة فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال «اكتبوا لأبي شاة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم» [ (1) ] . قال الزهري- فيما رواه عبد الرزاق، والطّبراني: ثم نزل- ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومعه المفتاح، فتنحّى ناحية من المسجد، فجلس عند السقاية. قال شيوخ محمد بن عمر: وكان- صلى الله عليه وسلم- قد قبض مفتاح السّقاية من العبّاس، ومفتاح البيت من عثمان. وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد خطبته عدل إلى جانب المسجد فأتي بدلو من ماء زمزم، فغسل منها وجهه ما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان إن كانت قدر ما يحسوها حساها وإلا مسح جلده. والمشركون ينظرون فقالوا: ما رأينا ملكا قط أعظم من اليوم. ولا قوما أحمق من القوم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2434) ، مسلم في الحج (447، 448) ، وأبو داود (2017) (3649، 4505) والترمذي (2667) وأحمد 2/ 238 والبيهقي 8/ 52 والدارقطني 973.

ذكر تصديقه - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن طلحة قبل الهجرة بأن المفتاح سيصير بيده - صلى الله عليه وسلم - يضعه حيث شاء ونزل قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها 4: 58

ذكر تصديقه- صلى الله عليه وسلّم- لعثمان بن طلحة قبل الهجرة بأن المفتاح سيصير بيده- صلى الله عليه وسلّم- يضعه حيث شاء ونزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النساء 58] روى ابن سعد عن إبراهيم بن محمد العبدريّ عن أبيه، محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: قال عثمان بن طلحة: لقيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل الهجرة، فدعاني إلى الإسلام فقلت: يا محمد العجب لك حيث تطمع أن أتبعك، وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية الاثنين والخميس، فأقبل يوما يريد أن يدخل الكعبة مع النّاس فأغلظت عليه ونلت منه، فحلم عني، ثم قال: «يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت» فقلت، لقد هلكت قريش وذلت. قال: «بل عمرت يومئذ وعزّت» ، ودخل الكعبة، فوقعت كلمته منّي موقعا فظننت أن الأمر سيصير كما قال، فأردت الإسلام فإذا قومي يزبرونني زبراً شديداً، فلما كان يوم الفتح قال لي يا عثمان: «ائت بالمفتاح» فأتيته به. فأخذه مني، ثم دفعه إليّ وقال: «خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف» فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال: «ألم يكن الذي قلت لك؟ فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة «لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت» فقلت: بلى. أشهد أنك رسول الله، فقام علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة بيده فقال: يا رسول الله- اجمع لنا الحجابة مع السّقاية! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أين عثمان بن طلحة؟ فدعا فقال: «هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء» قالوا: وأعطاه المفتاح ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مضطبع بثوبه عليه، وقال «غيّبوه. أن الله تعالى رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام» [ (1) ] . وروى الفاكهي عن جبير بن مطعم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا ناول عثمان المفتاح قال له «غيبه» قال الزهري: فلذلك يغيّب المفتاح. وروى ابن عائذ، وابن أبي شيبة من مرسل عبد الرحمن ابن سابط: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، فقال: «خذوها خالدة مخلّدة، إنّي لم أدفعها إليكم، ولكن الله- تعالى- دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم» . وروى ابن عائذ أيضا، والأزرقي عن ابن جريح- رحمه الله- تعالى- أن عليا- رضي الله عنه- قال للنبي- صلى الله عليه وسلّم-: اجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها

_ [ (1) ] انظر البدآية والنهاية 4/ 301.

ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتين في قبل الكعبة

[النساء 58] فدعا عثمان فقال: «خذوها يا بني شيبة خالدة مخلّدة» . وفي لفظ: «تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» . وروى الأزرقي عن جابر ومجاهد قال: نزلت هذه الآية «إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها» في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة. فقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة ودخل في الكعبة يوم الفتح، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان، فدفع إليه المفتاح، وقال- صلى الله عليه وسلّم- «خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله- سبحانه وتعالى- لا ينزعها منكم إلّا ظالم» [ (1) ] . وقال عمر بن الخطاب: لمّا خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الكعبة خرج وهو يتلو هذه الآية، ما سمعته يتلوها قبل ذلك. وروى أيضا نحوه عن سعيد بن المسيب قال: دفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة يوم الفتح، وقال: «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يظلمكموها إلّا كافر» . وروى عبد الرزاق والطبراني عن الزهري: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج من البيت قال علي: «إنا أعطينا النّبوّة والسّقاية، والحجابة، ما قوم بأعظم نصيبا منّا فكره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقالته، ثمّ دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه وقال: «غيبوه» . وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعلي يومئذ حين كلّمه في المفتاح: «إنما أعطيتكم ما ترزؤون، ولم أعطكم ما ترزؤون» يقول: «أعطيتكم السّقاية لأنكم تغرمون فيها، ولم أعطكم البيت» . قال عبد الرزاق: أي أنهم يأخذون من هديّته. وروى عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة: أن العباس- رضي الله عنه- قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: يا نبي الله!! اجمع لنا الحجابة مع السّقاية، ونزل الوحي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «ادعوا لي عثمان بن طلحة، فدعي له فدفع له النبي- صلى الله عليه وسلم- المفتاح، وستر عليه، قال: فرسول الله- صلّى الله عليه وسلم- أول من ستر عليه، ثم قال: «خذوها يا بني طلحة لا ينتزعها منكم إلا ظالم» . ذكر صلاته- صلى الله عليه وسلم- ركعتين في قبل الكعبة عن السائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: حضرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح صلى

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 120، وانظر المجمع 3/ 285 وابن سعد 2/ 1/ 99، وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 248 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 175.

ذكر اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ما قالته الأنصار - رضي الله عنهم بينهم لما أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا

في قبل الكعبة، فخلع نعليه فوضعهما عن يساره، ثم استفتح سورة المؤمنين، فلما جاء ذكر موسى أو عيسى أخذته سعلة فركع. رواه ابن أبي شيبة في المصنف. ذكر اطلاعه- صلى الله عليه وسلم- على ما قالته الأنصار- رضي الله عنهم بينهم لما أمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قريشا روى أبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما فرغ من طوافه، أتى الصّفا فعلا منه حتّى يرى البيت، فرفع يديه، وجعل يحمد الله- تعالى- ويذكره. ويدعو ما شاء الله أن يدعو. والأنصار تحته، فقال بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته- قال أبو هريرة- رضي الله عنه- وجاء الوحي- وكان إذا جاء لم يخف علينا: فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى يقضى فلما قضي الوحي، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الأنصار» قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: «قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة في عشيرته» قالوا: قد قلنا ذلك يا رسول الله. قال: «فما أسمي إذن!! كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم والممات مماتكم» فأقبلوا إليه يبكون، يقولون: والله يا رسول الله ما قلنا الّذي قلنا إلا الضّنّ بالله وبرسوله. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم» [ (1) ] . ذكر اطلاعه- صلى الله عليه وسلم- على ما هم به أبو سفيان وما أسره لهند بنت عتبة روى ابن سعد عن أبي إسحاق السبيعي- رحمه الله تعالى- والحاكم في الإكليل، والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قالا: رأى أبو سفيان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمشي والناس يطئون عقبه، فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرّجل القتال، وجمعت له جمعا؟ فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى ضرب بيده في صدره فقال: «إذن يخزيك الله» فقال: أتوب إلى الله- تعالى- وأستغفر الله ممّا تفوّهت به، ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة، إني كنت لأحدث نفسي بذلك [ (2) ] . وروى محمد بن يحيى الذهلي- بالذال المعجمة، واللّام في كتابه- جمع حديث الزهري- عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى- قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكة

_ [ (1) ] مسلم 3/ 1407 في الجهاد والسّير باب فتح مكة (86) والبيهقي في الدلائل 5/ 56 والطحاوي في المعاني 3/ 325. [ (2) ] ذكره ابن عساكر كما في التهذيب 6/ 406، والبيهقي في الدلائل 4/ 102.

ذكر مبايعته - صلى الله عليه وسلم - الناس على الإسلام

ليلة الفتح، لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا فقالوا أبو سفيان لهند: أترين هذا من الله؟ قالت: نعم هذا من الله قال: ثم أصبح فغدا أبو سفيان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلت لهند أترين هذا من الله؟ قالت: نعم هذا من الله» فقال أبو سفيان: أشهد أنّك عبد الله ورسوله، والذي يحلف به ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله عز وجل وهند. وروى ابن سعد، والحارث بن أبي أسامة، وابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم- رحمه الله تعالى- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو سفيان جالس في المسجد فقال أبو سفيان: ما أدري بما يغلبنا محمّد؟ فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فضرب صدره وقال: «بالله- تعالى- نغلبك» فقال أبو سفيان: أشهد أنك رسول الله [ (1) ] . وروى العقيلي وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى- عنهما- قال: لقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب في الطّواف فقال: «يا أبا سفيان هل كان بينك وبين هند كذا وكذا؟ فقال أبو سفيان: فشت عليّ هند سرّي، لأفعلن بها ولأفعلن، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من طوافه لحق بأبي سفيان فقال: «يا أبا سفيان، لا تكلّم هندا فإنّها لم تفش من سرّك شيئا» فقال أبو سفيان: أشهد أنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم. ذكر مبايعته- صلى الله عليه وسلّم- الناس على الإسلام روى الإمام أحمد، والبيهقي عن الأسود بن خلف- رضي الله تعالى عنه- أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبايع النّاس يوم الفتح. قال: جلس عند قرن مسفلة، فبايع النّاس على الإسلام فجاءه الكبار والصّغار، والرّجال والنّساء، فبايعهم على الإيمان بالله- تعالى- وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله [ (2) ] . وقال الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير- رحمه الله تعالى-: اجتمع الناس بمكّة لبيعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الإسلام، فجلس لهم- فيما بلغني- على الصفا، وعمر بن الخطاب أسفل من مجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ على الناس السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، فلما فرغ من بيعة الرّجال بايع النساء وفيهنّ هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان متنقّبة متنكّرة خوفا من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يخبرها بما كان من صنيعها بحمزة، فهي تخاف أن يأخذها بحدثها ذلك، فلما دنين من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «بايعنني على ألا تشركن بالله

_ [ (1) ] العقيلي في الضعفاء 1/ 226، 3/ 57، وابن عساكر كما في التهذيب 6/ 406، والطحاوي في المعاني 4/ 314 وابن حجر في اللسان 4/ 178. [ (2) ] أحمد في 3/ 415.

ذكر أمره - صلى الله عليه وسلم - بتكسير الأصنام

شيئا» فرفعت هند رأسها وقالت: والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه على الرّجال فقال: «ولا تسرقن» فقالت: والله إني كنت أصبت من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة، وما كنت أدري أكان ذلك حلالا أم لا؟ فقال أبو سفيان: - وكان شاهدا لما تقول- أمّا ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حلّ- عفا الله عنك- ثم قال: «ولا تزنين» فقالت: يا رسول الله: أو تزني الحرة؟! ثم قال: «ولا تقتلن أولادكنّ» قالت: قد ربّيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، فأنت وهم أعلم، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعمر، ثم قال: «ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن» فقالت: والله إنّ إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل، ثم قال: «ولا تعصين» فقالت: في معروف فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: لعمر: «بايعهنّ واستغفر لهنّ الله إن الله غفور رحيم» فبايعهن عمر، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. لا يصافح النساء ولا يمس جلد امرأة لم يحلها الله- تعالى- له أو ذات محرم وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت لا والله ما مسّت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يد امرأة قط وفي رواية ما كان يبايعهن إلا كلاما ويقول إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة [ (1) ] . ذكر أمره- صلى الله عليه وسلّم- بتكسير الأصنام قالوا: ونادى منادى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره [ (2) ] . ذكر أذان بلال- رضي الله عنه- فوق الكعبة يوم الفتح وما وقع في ذلك من الآيات روى أبو يعلى عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وابن هشام عن بعض أهل العلم، والبيهقي عن ابن إسحاق، وعن عروة، وابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، والأزرقيّ عن ابن أبي مليكة، ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهم الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا حانت الظهر أمر- بلالا أن يؤذّن بالظهر يومئذ فوق الكعبة ليغيظ بذلك المشركين، وقريش فوق رؤوس الجبال، وقد فرّ جماعة من وجوههم وتغيّبوا، وأبو سفيان بن حرب، وعتّاب- ولفظ ابن أبي شيبة: خالد بن أسيد، والحارث بن هشام- جلوس بفناء الكعبة- وأسلموا بعد ذلك. فقال عتّاب- أو خالد- بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون يسمع هذا، فيسمع ما يغيظه، وقال الحارث: أما والله لو أعلم أنه محق

_ [ (1) ] أحمد 6/ 357 وانظر زاد المسير 8/ 145 وابن كثير في البداية 4/ 319. [ (2) ] ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 99.

ذكر أمره - صلى الله عليه وسلم بتجديد الحرم يوم الفتح

لاتّبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا، لو تكلمت لأخبرت عنّي هذه الحصا، وقال بعض بني سعيد بن العاص، لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة. وقال الحكم بن أبي العاص: هذا والله الحدث العظيم أن يصيح عبد بني جمح على بنيّة أبي طلحة. وقال الحارث بن هشام: إن يكن الله- تعالى- يكرهه فسيعيّره، وفي رواية: إن سهيل بن عمرو. قال مثل قول الحارث، فأتى جبريل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره خبرهم، فخرج عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال «قد علمت الّذي قلتم» فقال الحارث وعتّاب: نشهد أنك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك [ (1) ] . ذكر أمره- صلى الله عليه وسلّم بتجديد الحرم يوم الفتح روى الأزرقي عن محمد بن الأسود، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم، كان جبريل- صلى الله عليه وسلم- يدلّه على مواضعها، فلم تحرك حتى كان إسماعيل- صلى الله عليه وسلّم- فجددها، ثم لم تحرك حتى كان قصي بن كلاب فجددها، ثم لم تحرك حتى كان يوم الفتح فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعيّ فجدّد أنصاب الحرم. ذكر إسلام السائب بن عبد الله المخزومي- رضي الله عنه روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد عن مجاهد عن السائب: أنه كان شارك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام في التجارة، فلما كان يوم الفتح أتاه فقال: «مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري، يا سائب!! قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبّل منك وهي اليوم تتقبل منك» وكان ذا سلف وخلّة» . وروى الإمام أحمد عن مجاهد عن السائب بن عبد الله قال: جيء بي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة فجعل عثمان وغيره يثنون عليّ، فقال رسول الله: «لا تعلموني به، كان صاحبي» . ذكر إسلام الحارث بن هشام- رضي الله عنه روى محمد بن عمر عن الحارث بن هشام قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة، دخلت أنا وعبد الله بن أبي ربيعة دار أمّ هانئ، فذكر حديث إن النبي- صلى الله عليه وسلم- أجاز جوار أم هانئ، قال: فانطلقنا، فأقمنا يومين، ثمّ خرجنا إلى منازلنا، فجلسنا بأفنيتها لا يعرض لنا أحد، وكنّا نخاف عمر بن الخطاب، فو الله إني لجالس في ملاءة مورّسة على بابي ما شعرت إلا بعمر بن الخطاب، فإذا معه عدة من المسلمين فسلّم ومضى، وجعلت أستحي أن يراني رسول

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 78،

ذكر إسلام سهيل بن عمرو - رضي الله عنه

الله- صلى الله عليه وسلّم- وأذكر رؤيته إيّاي في كلّ موطن مع المشركين ثم أذكر برّه ورحمته وصلته فألقاه وهو داخل المسجد، فلقيني بالبشر، فوقف حتى جئته فسلّمت عليه، وشهدت بشهادة الحقّ، فقال: الحمد لله الّذي هداك، ما كان مثلك يجهل الإسلام قال الحارث: فو الله ما رأيت مثل الإسلام جهل [ (1) ] . ذكر إسلام سهيل بن عمرو- رضي الله عنه روى محمد بن عمر- رحمه الله- عن سهيل بن عمرو قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكّة وظهر، اقتحمت بيتي وأغلقت بابي عليّ، وأرسلت إلى ابني عبد الله إن اطلب لي جوارا من محمد فإني لا آمن أن أقتل، فذهب عبد الله إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله!! أبي تؤمنه؟ قال: «نعم، هو آمن بأمان الله فليظهر» ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمن حوله: «من لقي سهيل بن عمرو فلا يحد إليه النّظر فلعمري إنّ سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه إنه لم يكن بنافع له» فخرج ابنة عبد الله إلى أبيه فأخبره بما قاله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال سهيل: كان والله برا صغيرا، برا كبيرا، فكان سهيل يقبل ويدبر آمنا وخرج إلى حنين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على شركه حتى أسلم بالجعرّانة [ (2) ] . ذكر إسلام عتبة ومعتب ولدي أبي لهب- رضي الله عنهما روى ابن سعد عن ابن عباس عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة في الفتح قال لي: «أين ابنا أخيك عتبة ومعتّب ابني أبي لهب. لا أراهما» ؟ قلت: تنحّيا فيمن تنحّى من مشركي قريش، قال: «ائتني بهما» فركبت إليهما بعرنة فأتيت بهما، فدعاهما إلى الإسلام فأسلما وبايعا، ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ بأيديهما وانطلق بهما حتّى أتى الملتزم، فدعا ساعة ثم انصرف والسّرور يرى في وجهه، فقلت: يا رسول الله سرّك الله إنّي أرى السرور في وجهك، فقال: «إني استوهبت ابني عمّي هذين من ربي فوهبهما لي» . ذكر إسلام عبد الله بن الزّبعري- رضي الله عنه روى محمد بن عمر عن شيوخه قال: هرب عبد الله بن الزّبعرى إلى نجران، فأرسل حسان بن ثابت- رضي الله عنه- أبياتا يريد بها ابن الزّبعري:

_ [ (1) ] الواقدي في المغازي 2/ 831. [ (2) ] الواقدي في المغازي 2/ 848.

لا تعدمن رجلا أحلّك بغضه ... نجران في عيش أحذّ لئيم بليت قناتك في الحروب فألفيت ... خوّارة خوفاء ذات وصوم غضب الإله على الزّبعري وابنه ... وعذاب سوء في الحياة مقيم وذكر ابن إسحاق البيت الأوّل فقط فلمّا جاء ابن الزّبعري شعر حسّان، خرج إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في أصحابه، فلما نظر إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هذا ابن الزّبعرى، ومعه وجه فيه نور الإسلام فلمّا وقف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، الحمد لله الذي هداني للإسلام، لقد عاديتك، وأجلبت عليك وركبت الفرس والبعير، ومشيت على قدميّ في عدواتك، ثم هربت منك إلى نجران، وأنا أريد أن لا أقرّ بالإسلام أبدا، ثم أزادني الله منه بخير، وألقاه في قلبي، وحبّبه إليّ. وذكرت ما كنت فيه من الضلالة واتباع ما لا ينبغي من حجر يذبح له ويعبد، لا يدرى من عبده، ولا من لا يعبده. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «الحمد لله الذي هداك للإسلام، إنّ الإسلام يجب ما كان قبله» وقال عبد الله حين أسلم: يا رسول المليك إنّ لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشّيطان في سنن الغيّ ... ومن مال ميله مثبور آمن اللّحم والعظام لربيّ ... ثمّ قلبي الشّهيد أنت النّذير إنّني عنك زاجر ثمّ حيا ... من لؤيّ وكلّهم مغرور وقال عبد الله أيضا حين أسلم: منع الرّقاد بلابل وهموم ... واللّيل معتلج الرّواق بهيم ممّا أتاني أنّ أحمد لامني ... فيه فبتّ كأنّني محموم يا خير من حملت على أوصالها ... عيرانة سرح اليدين غشوم إنّي لمعتذر إليك من الّذي ... أسديت إذ أنا في الضّلال أهيم أيّام تأمرني بأغوى خطّة ... سهم وتأمرني بها مخزوم وأمدّ أسباب الرّدى ويقودني ... أمر الوشاة وأمرهم مشئوم فاليوم آمن بالنّبيّ محمّد ... قلبي ومخطئ هذه محروم مضت العداوة فانقضت أسبابها ... ودعت أواصر بيننا وحلوم فاغفر فدى لك والداي كلاهما ... زللي فإنّك راحم مرحوم وعليك من علم المليك علامة ... نور أغرّ وخاتم مختوم

ذكر إسلام عكرمة - رضي الله عنه - ابن أبي جهل

أعطاك بعد محبّة برهانه ... شرفا وبرهان الإله عظيم ولقد شهدت بأنّ دينك صادق ... حقّ وأنّك في العباد جسيم والله يشهد أنّ أحمد مصطفى ... مستقبل في الصّالحين كريم قرم علا بنيانه من هاشم ... فرع تمكّن في الذّرى وأروم ذكر إسلام عكرمة- رضي الله عنه- ابن أبي جهل روى محمد بن عمر عن شيوخه- رحمه الله تعالى- وإيّاهم: أن عكرمة- رضي الله عنه- قال: بلغني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نذر دمي يوم الفتح، وكنت في جمع من قريش بأسفل مكّة- وقد ضوى إليّ من ضوى- فلقينا هناك خالد بن الوليد، فأوقع بنا، فهربت منه أريد والله- أن ألقي نفسي في البحر، وأموت تائها في البلاد قبل أن أدخل في الإسلام، فخرجت حتى انتهيت إلى الشّعيبة، وكانت زوجتي أمّ حكيم بنت الحارث امرأة لها عقل، وكانت قد اتّبعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، أن ابن عمّي قد هرب يلقي نفسه في البحر فأمنه. وروى ابن أبي شيبة وأبو داود، والنسائيّ عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه، والبيهقي عن عروة- رحمه الله تعالى: أنّ عكرمة ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فنادى عكرمة اللّات والعزّى، فقال أهل السّفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلّا الإخلاص لا ينجيني في البرّ غيره، اللهم لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آت محمّدا حتّى أضع يدي في يده، فلأجدنّه عفوّا غفورا كريما، فجاء وأسلم [ (1) ] . وروى البيهقي عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل قالت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله: قد ذهب عكرمة عنك إلى اليمن، وخاف أن تقتله، فأمنه يا رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هو آمن» فخرجت أمّ حكيم في طلبه، ومعها غلام لها روميّ، فراودها عن نفسها فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حيّ من عكّ فاستعانتهم عليه، فأوثقوه رباطا، وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى البحر، فركب سفينة، فجعل نوتيّ يقول له: أخلص أخلص، قال: أي شيء أقول؟ قال: قل لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، وإن هذا أمر تعرفه العرب والعجم حتّى النّواتي! ما الدّين إلّا ما جاء به محمد، وغيّر الله قلبي، وجاءتني أمّ حكيم على هذا الأمر، فجعلت تليح إليّ وتقول: يا ابن

_ [ (1) ] ابن سعد 3/ 261.

ذكر إسلام صفوان بن أمية - رضي الله عنه

عمّ، جئتك من عند أبرّ النّاس، وأوصل النّاس، وخير النّاس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتّى أدركته، فقالت له: إنّي قد استأمنت لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمّنك، فرجع معها وقالت: ما لقيته من غلامك الرومي وأخبرته خبره فقتله وهو يومئذ لم يسلم. فلمّا وافى مكّة قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبّوا أباه، فإنّ سبّ الميت يؤذي الحيّ ولا يبلغ الميت» فجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها فتأبى عليه وتقول: أنت كافر وأنا مسلمة، فقال: إنّ أمرا منعك منّي لأمر كبير قال ابن عقبة والزهري فيما رواه البيهقي وعروة وغيرهما: فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عكرمة وثب إليه- وما علا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رداء فرحا بعكرمة، ثمّ جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوقف عكرمة بين يديه ومعه زوجته متنقّبة، فقال: يا محمد!! إنّ هذه أخبرتني أنّك أمّنتني، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «صدقت فأنت آمن» قال عكرمة: فإلام تدعو يا محمد؟ قال: «أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتفعل وتفعل» حتى عدّ خصال الإسلام، فقال عكرمة: والله ما دعوت إلّا إلى خير وأمر حسن جميل، قد كنت فينا يا رسول الله قبل أن تدعونا- إلى ما دعوتنا إليه- وأنت أصدقنا حديثا، وأبرّنا برا، ثمّ قال عكرمة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسر بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا رسول الله: علمني خير شيء أقوله، قال: «تقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله» ، قال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تقول: «أشهد الله وأشهد من حضر أنّي مسلم مجاهد مهاجر» ، فقال عكرمة ذلك [ (1) ] . ذكر إسلام صفوان بن أمية- رضي الله عنه روى ابن إسحاق عن عروة بن الزّبير، والبيهقي عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: خرج صفوان بن أمية يريد جدّة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يا نبي الله- إن صفوان بن أمية سيّد قومي وقد خرج هاربا منك، ليقذف نفسه في البحر، فأمنه صلى الله عليك وسلم- قال: «هو آمن» فخرج عمير حتّى أدركه- وهو يريد أن يركب البحر- وقال صفوان لغلامه يسار- وليس معه غيره- ويحك!! أنظر من ترى؟ قال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير بن وهب، والله ما جاء إلّا يريد قتلي قد ظاهر عليّ محمّدا، فلحقه فقال: يا أبا وهب جعلت فداك، جئت من عند أبرّ النّاس، وأوصل النّاس، فداك أبي وأمي الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد جئتك به. قال: ويحك

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 851 والبيهقي في الدلائل 5/ 98.

ذكر إسلام هند بنت عتبة وما وقع في ذلك من الآيات رضي الله عنها

أغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان فداك أبي وأمي. أفضل النّاس وأبرّ النّاس وخير النّاس ابن عمّك، عزّه عزّك، وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، قال: ولا أرجع معك حتّى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال: امكث مكانك حتّى آتيك بها، فرجع عمير إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن صفوان أبى أن يأنس لي حتّى يرى منك أمارة يعرفها، فنزع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمامته فأعطاه إيّاها، وهي البرد الذي دخل فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- معتجرا به برد حبرة، فرجع معه صفوان حتى انتهى إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي بالمسلمين العصر في المسجد، فلما سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صاح صفوان: يا محمد، إن عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنّك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا وإلا سيّرتني شهرين. فقال: «انزل أبا وهب» قال: لا والله حتّى تبيّن لي قال: «بل لك تسيير أربعة أشهر» فنزل صفوان، ولمّا خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى هوازن وفرق غنائمها فرأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفوان ينظر إلى شعب ملآن نعما وشاء ورعاء، فأدام النّظر إليه، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرمقه فقال: «يا أبا وهب يعجبك هذا الشّعب؟» قال: نعم قال: «هو لك وما فيه» فقبض صفوان ما في الشعب، وقال عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلّا نفس نبيّ، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. وأسلم مكانه [ (1) ] ذكر إسلام هند بنت عتبة وما وقع في ذلك من الآيات رضي الله عنها عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قالت هند بنت عتبة: يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض خباء أو قالت من أهل خباء أريد أن يذلّوا من أهل خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض خباء أو قالت من أهل خباء أحب إلي من أن يعزّوا من أهل خباء أو قالت: خبائك، رواه الشيخان [ (2) ] . وروى محمد بن عمر عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- قال: سمعت مولاة لمروان بن الحكم تقول: سمعت هندا بنت عتبة بن ربيعة تقول وهي تذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتقول: أنا عاديته كلّ العداوة، وفعلت يوم أحد ما فعلت من المثلى بعمّه وأصحابه، وكلّما سيرت قريش مسيرة فأنا معها بنفسي أو معينة لقريش، حتّى أن كنت لأعين كلّ من غزا إلى محمد، حتّى تجردت من ثيابي، فرأيت في النّوم ثلاث ليال ولاء بعد فتح مكة، رأيت كأني

_ [ (1) ] انظر المصدرين السابقين: [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 175 (3825) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 100.

ذكر سبب خطبته - صلى الله عليه وسلم - ثاني يوم الفتح وتعظيمه حرمة مكة

في ظلمة لا أبصر سهلا ولا جبلا، وأرى تلك الظّلمة انفرجت عليّ بضوء كأنّه الشّمس، وإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعوني، ثمّ رأيت في اللّيلة الثّانية، كأنّي على طريق يدعوني، وإذا هبل عن يميني يدعوني، وإذا إساف عن شمالي يدعوني، وإذا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديّ يقول: «هلمّي إلى الطّريق، ثمّ رأيت اللّيلة الثّالثة كأنّي واقفة على شفير جهنم، يريدون أن يدفعوني فيها، وإذا بهبل يقول أدخلوها فالتفتّ فأنظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ورائي آخذ بثيابي، فتباعدت من شفير النّار فلا أرى النّار، ففزعت فقلت: ما هذا، وقد تبيّن لي، فغدوت من ساعتي إلى صنم في بيت كنّا نجعل عليه منديلا، فأخذت قدوما فجعلت أفلذه وأقول: طالما كنّا منك في غرور، وأسلمت. وروى أيضا عن عبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما- أنّ هندا أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بالأبطح، فأسلمت، وقالت: الحمد لله الذي أظهر الدّين الّذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله، مصدّقة به ثم كشفت عن نقابها، فقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مرحبا بك» فقالت يا رسول الله: والله ما كان على وجهه الأرض من أهل خباء أحب إلي من أن يذلّوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزّوا من خبائك. وروى أيضا عن أبي حصين الهذليّ قال: لمّا أسلمت هند بنت عتبة، أرسلت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بهديّة- وهو بالأبطح- مع مولاة لها بجديين مرضوفين وقد، فانتهت الجارية إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك هذه الهديّة، وهي تعتذر إليك وتقول: إنّ غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بارك الله لكم في غنمكم وأكثر والدتها» وكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل ولا قريبا، فتقول هند: هذا بدعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثمّ تقول: لقد كنت أرى في النّوم أنّي في الشّمس أبدا قائمة والظلّ منّي قريب لا أقدر عليه، فلمّا دنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأيت كأنّي دخلت الظّلّ. ذكر سبب خطبته- صلى الله عليه وسلّم- ثاني يوم الفتح وتعظيمه حرمة مكة روى ابن أبي شيبة عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: خرج غزيّ من هذيل في الجاهليّة وفيهم جنيدب بن الأدلع الهذلي يريدون حيّ أحمر بأسا من أسلم- وكان أحمر بأسا رجلا من أسلم شجاعا لا يرام، وكان لا ينام في حيّه إلّا ينام خارجا من حاضره، وكان إذا نام غطّ غطيطا منكرا لا يخفى مكانه، وكان الحاضر إذا أتاهم فزع صرخوا: يا أحمر بأسا. فيثور مثل الأسد، فلمّا جاءهم ذلك الغزيّ من هذيل قال لهم جنيدب بن الأدلع: إن كان

أحمر بأسا قد قيّل في الحاضر فليس إليهم سبيل، وإنّ له غطيطا لا يخفى، فدعوني اتسمّع فتسمع الحسّ فسمعه، فأتاه حتّى وجده نائما فقتله، وضع السّيف على صدره، ثم اتكأ عليه فقتله ثم حملوا على الحيّ فصاح الحيّ يا أحمر بأسا، فلا شيء لأحمر بأسا، قد قتل- فنالوا من الحيّ حاجتهم، ثم انصرفوا وتشاغل النّاس بالإسلام، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي مكّة يرتاد وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الأعجم الأسلميّ فقال: جنيدب بن الأدلع قاتل أحمر بأسا؟ قال: نعم فمه، فخرج جندب يستجيش عليه حيّه، فكان أول من لقي خراش بن أميّة الكعبي فأخبره. فاشتمل خراش على السّيف ثمّ أقبل إليه- والنّاس حوله، وهو يحدّثهم عن قتل أحمر بأسا فبينما هم مجتمعون عليه إذ أقبل خراش بن أميّة فقال: هكذا عن الرجل. فو الله ما ظنّ النّاس إلّا أنه يفرّج النّاس عنه لينصرفوا، فانفرجوا فحمل عليه خراش بن أميّة بالسّيف فطعنه به في بطنه وابن الأدلع مستند إلى جدار من جدر مكّة، فجعلت حشوته تسيل من بطنه، وإن عينيه لتزنّقان في رأسه، وهو يقول: فعلتموها يا معشر خزاعة؟ فانجعف فوقع فمات. فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: «يا معشر خزاعة» ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل، لقد قتلتم قتيلا لأدينّه، إنّ خراشا لقتّال- يعيبه بذلك. لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا [ (1) ] . وروى الشيخان والترمذي عن ابن شريح خويلد بن عمرو العدوي، والشيخان عن ابن عباس، وابن منيع بسند صحيح، وابن أبي عمرو. والإمام أحمد، والبيهقي عن ابن عمر، وابن أبي شيبة، والشيخان عن أبي هريرة- رضي الله عنهم- وابن أبي شيبة عن الزهري، وابن إسحاق عن بعض أهل العلم، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: لمّا كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه- وهو مشرك- فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطيبا بعد الظهر، وأسند ظهره إلى الكعبة. وعند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: أنه- صلى الله عليه وسلّم- ركب راحلته فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أيها الناس أن الله تعالى حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض ويوم خلق الشّمس والقمر، ووضع هذين الجبلين، ولم يحرمها الناس، فهي حرام إلى يوم القيامة، فلا يحلّ لامرء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ولا يعضد فيها شجرا، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحلّ لي إلّا هذه السّاعة غضبا على أهلها- ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد قاتل فيها فقولوا له: إن الله تعالى قد أحلّها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يحلّها لكم،

_ [ (1) ] أخرجه الطحاوي في المعاني 3/ 327 وانظر الفتح 12/ 206 والبداية 4/ 305.

ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - في قريش انها لا تقتل صبرا

أيها الناس، إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهليّة، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد والله كثر إن نفع، فقد قتلتم قتيلا لأدينّه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النّظرين إن شاءوا فديته كاملة، وإن شاءوا فقتله ثم ودى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك الرّجل الّذي قتلته خزاعة. قال ابن هشام: مائة ناقة. قال ابن هشام: وبلغني أنه أول قتيل وداه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ (1) ] . ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- في قريش انها لا تقتل صبرا روى مسلم عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول يوم فتح مكة: «لا يقتل قريشيّ صبرا بعد اليوم إلى يوم القيامة» [ (2) ] . وروى محمد بن عمر عن أبي حصين الهذلي قال: لما قتل النفر الذين أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقتلهم سمع النّوح عليهم بمكّة، وجاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: فداك أبي وأمي البقيّة في قومك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يقتل قريشيّ صبرا بعد اليوم» قال محمد بن عمر: يعني على الكفر [ (3) ] . وروى أيضا عن الحارث بن البرصاء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة على الكفر» [ (4) ] . ذكر استسلافه- صلى الله عليه وسلّم- مالا وتفريقه على المحتاجين ممن كان معه روى محمد بن عمر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي قال: أرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، فاستسلف من عبد الله ابن أبي ربيعة بن المغيرة أربعين ألف درهم، فأعطاه، فلما فتح الله تعالى هوازن، وغنّمه أموالها ردّها، وقال: «إنّما جزاء السّلف الحمد والأداء» ، وقال: «بارك الله لك في مالك وولدك» [ (5) ] .

_ [ (1) ] انظر المغازي للواقدي 2/ 844. [ (2) ] أخرجه مسلم في الجهاد باب 33 حديث (88) ، والدارمي 2/ 198 والحميدي (568) . والطبراني في الكبير 7/ 88 وأحمد 3/ 412، والطحاوي في المعاني 3/ 326 والبيهقي في الدلائل 5/ 79 وابن أبي شيبة 12/ 173، 14/ 90. [ (3) ] المغازي للواقدي 2/ 862. [ (4) ] الواقدي 2/ 862 وابن سعد 2/ 1/ 99، والطبراني في الكبير 3/ 292 وابن أبي شيبة 14/ 490 والبيهقي في الدلائل 5/ 75. [ (5) ] الواقدي 2/ 863 والنسائي في البيوع باب 97 والبيهقي في السنن 5/ 355، وأبو نعيم في الحلية 7/ 111 والبخاري في التاريخ 5/ 10 وابن السني 272، وأحمد 4/ 36 وابن ماجة (2424) .

ذكر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الخمر والخنزير وعن الميتة وبعض فتاويه وأحكامه

وروى أيضا عن أبي حصين الهذلي قال: استقرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ثلاثة نفر من قريش، من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم فأقرضه. ومن عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألف درهم، ومن حويطب بن عبد العزّى أربعين ألف درهم، فكانت ثلاثين ومائة ألف درهم، فقسّمها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه من أهل الضّعف، قال أبو حصين، فأخبرني رجال من بني كنانة كانوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في الفتح أنه قسّم فيهم دراهم فيصيب الرجل خمسين درهما أو أقل أو أكثر من ذلك [ (1) ] . ذكر نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن ثمن الخمر والخنزير وعن الميتة وبعض فتاويه وأحكامه روى ابن أبي شيبة عن جابر- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الفتح يقول: «إن الله تعالى حرّم بيع الخمر والخنازير والميتة والأصنام» فقال رجل: يا رسول الله!! ما ترى في شحوم الميتة فإنّه يدهن بها السّفن والجلود، ويستصبح بها؟ قال: «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرّم عليهم شحومهما أخذوها فجمدوها ثمّ باعوها وأكلوا ثمنها» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرّحمن بن الأزهر- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الفتح- وأنا غلام شاب- ينزل عند منزل خالد بن الوليد، وأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضرب بالسوط، وبالنّعل، وبالعصا وحثا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التّراب [ (3) ] . وروى الشيخان عن عائشة أنّ هندا بنت عتبة سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ فقال لها: «لا عليك أن تطعميهم بالمعروف» [ (4) ] . وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان عتبة بن أبي وقّاص عهد إلى أخيه سعد أن يقبض عبد الرحمن بن وليدة زمعة، وقال عتبة: إنّه ابني، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة في الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشّبه فاحتضنه إليه وقال: ابن أخي وربّ الكعبة، فأقبل به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأقبل معه عبد بن زمعة، فقال سعد بن أبي وقاص: هذا ابن أخي عهد إليّ

_ [ (1) ] المغازي 2/ 863. [ (2) ] أخرجه من حديث جابر البخاري 4/ 424 (2236) ومسلم 3/ 1207 (71/ 1581) ومن حديث ابن عمر البخاري 4/ 414 (2223) ومسلم 3/ 1207 (72/ 1582) . [ (3) ] البيهقي 8/ 319. [ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 507 (364) ومسلم 3/ 1338 (7/ 1714) .

ذكر من نذر ان فتح الله تعالى مكة على رسوله ان يصلوا ببيت المقدس

أنّه ابنه، فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله، هذا أخي، هذا ابن زمعة ولد على فراشه، فنظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه النّاس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هو» - أي الولد «لك هو أخوك يا عبد بن زمعة، من أجل أنه ولد على فراشه، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة، لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقّاص بالولد. رواه البخاري [ (1) ] . وعن عروة بن الزبير عن عائشة- رضي الله عنها-: أن امرأة سرقت في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ فقيل: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعون به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما كلّمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «أتكلّمني» وفي لفظ «أتشفع في حدّ من حدود الله؟!» قال أسامة: يا رسول الله استغفر لي فلما كان العشي قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطيبا فأثنى على الله- تعالى- بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد فإنّما أهلك الناس» وفي لفظ «هلك بنو إسرائيل» وفي لفظ «الذين من قبلكم» أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف وفي لفظ الوضيع قطعوه» وفي لفظ: أقاموا عليه الحدّ، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» ثم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بتلك المرأة وفي رواية النسائي «قم يا بلال، فخذ بيدها فاقطعها» فحسنت توبتها بعد ذلك، وتزوّجت رجلا من بني سليم، قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رواه الإمام أحمد والشيخان والنسائي والبيهقي [ (2) ] ذكر من نذر أن فتح الله تعالى مكة على رسوله ان يصلوا ببيت المقدس عن جابر- رضي الله عنه- أن رجلا قال يوم الفتح، إنّي نذرت إن فتح الله عليك مكّة أن أصلّي في بيت المقدس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «صلّ ههنا» فسأله فقال: «صلّ ههنا» فسأله: فقال شأنك إذن، رواه الإمام أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح والحاكم وقال: على شرط مسلم، والإمام أحمد وأبو داود وفي رواية عن بعض الصحابة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «والذي بعث محمدا بالحقّ لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كلّ صلاة في بيت المقدس» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 371 (2745) ومسلم 2/ 1080 (36/ 1457) . [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 513 (3475) ومسلم 3/ 1315 (8/ 1688) احمد 3/ 363. [ (3) ] أحمد 3/ 363 وأبو داود (3305) ، والبيهقي 10/ 82 والدارمي 2/ 185 والطحاوي في المعاني 3/ 115 والبخاري في التاريخ 6/ 170 والحاكم 4/ 304.

ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تغزى مكة بعد اليوم

ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- لا تغزى مكة بعد اليوم عن الحارث بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول يوم فتح مكة: «لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة» رواه الإمام أحمد، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. قال العلماء: معنى قوله: «لا تغزى» يعني على الكفر. ذكر إرساله- صلى الله عليه وسلّم- السرايا لهدم الأصنام التي حول مكة، والإغارة على من لم يسلم روى محمد بن عمر عن عبيد بن عمير- رحمه الله تعالى- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم فتح مكة: لم تحل لنا غنائم مكة [ (1) ] . وروى أيضا عن يعقوب بن عتبة قال: لم يغنم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكة شيئا، وكان يبعث السّرايا خارجة من الحرم، وعرفة، والحل، فيغنمون ويرجعون إليه، قالوا: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد لهدم العزّى، وخالد بن سعيد بن العاص قبل عرنة، وهشام بن العاص قبل يلملم، وسعد بن زيد الأشهلي إلى مناة، وغيرهم، وسيأتي بيان ذلك مبسوطا في السرايا- أن شاء الله تعالى ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- لا هجرة بعد الفتح وذلك أن مكة شرفها الله تعالى كانت قبل الفتح دار حرب، وكانت الهجرة منها واجبة إلى المدينة، فلما فتحت مكّة صارت دار إسلام، فانقطعت الهجرة منها. عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح فتح مكة: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا» رواه الشيخان. وعن عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- قال: زرت عائشة- رضي الله عنها- مع عبيد بن عمير الليثي، وهي مجاورة بثبير فسألها عن الهجرة فقالت: «لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن عنه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله تعالى الإسلام، فالمؤمن يعبد ربّه حيث كان، ولكن جهاد ونيّة» . رواه الشيخان. وعن يعلى بن صفوان بن أمية- رضي الله عنهما- قال: جئت بأبي يوم الفتح، فقلت: يا رسول الله بايع أبي على الهجرة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «بل أبايعه على الجهاد، فقد انقضت الهجرة» . رواه الإمام أحمد والنسائي. وروى ابن أبي أسامة عن مجاهد- مرسلا. قال: جاء يعلى بن صفوان بن أمية- رضي

_ [ (1) ] أحمد 6/ 466.

ذكر قدر إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة

الله عنهما- بعد الفتح فقال: يا رسول الله- اجعل لأبي نصيبا في الهجرة، فقال: «لا هجرة بعد اليوم» فأتى العباس فقال: يا أبا الفضل، ألست قد عرفت بلائي؟ قال: بلى، وماذا؟ قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأبي ليبايعه على الهجرة فأبى، فقام العباس معه في قيظ ما عليه رداء، فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتاك يعلى بأبيه لتبايعه على الهجرة فلم تفعل، فقال: إنه لا هجرة اليوم» قال: أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعه، فمدّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده فبايعه فقال: «قد أبررت عمّي ولا هجرة» . ذكر قدر إقامته- صلى الله عليه وسلّم- بمكة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوما يصلّي ركعتين، وفي لفظ «أقمنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بمكة تسعة عشر نقصر الصّلاة [ (1) ] » رواه البخاري. وأبو داود، وعنده سبعة عشر بتقديم السّين على الموحدة وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الفتح، فأقام بمكّة ثماني عشرة ليلة لا يصلّي إلّا ركعتين» . رواه أبو داود. وعن أنس- رضي الله عنه- قال: «أقمنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عشرة نقصّر الصّلاة» . رواه البخاري في باب مقام النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة زمان الفتح وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصّلاة» رواه أبو داود من طريق ابن إسحاق، والنسائي من طريق عراك بن مالك كلاهما عن عبيد الله، وصحّحه الحافظ. ذكر إخباره- صلّى الله عليه وسلم- ذا الجوشن بانه سيظهر على قريش روى ابن سعد عن ابن إسحاق السبيعي- رحمه الله تعالى- قال: قدم ذو الجوشن الكلابي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «ما يمنعك من الإسلام؟» قال: رأيت قومك كذّبوك وأخرجوك وقاتلوك، فأنظر، فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتّبعك، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا ذا الجوشن لعلّك إن بقيت قليلا أن ترى ظهوري عليهم [ (2) ] » قال فو الله إني لبضريّه إذ قدم علينا راكب من قبل مكة، فقلنا ما الخبر؟ قال: ظهر محمد على أهل مكّة، فكان ذو الجوشن يتوجّع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلت: وأسلم بعد ذلك، وروى عن النبي- صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] سيأتي في هديه- صلّى الله عليه وسلم- في قصر الصلاة. [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 68 وابن أبي شيبة 14/ 375 وابن سعد 6/ 31.

ذكر بعض ما قيل من الشعر في فتح مكة - زادها الله تعالى شرفا

ذكر بعض ما قيل من الشعر في فتح مكة- زادها الله تعالى شرفا قال حسان بن ثابت- رضي الله عنه- في غزوة الحديبية مشيرا إلى الفتح، وبعضها في الجاهلية، كما ورد ذلك عنه، وهو ما أسقطته منها في وصف الخمر: عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء ديار من بني الحسحاس قفر ... تعفّيها الرّوامس والسّماء إلى أن قال: عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النّقع موعدها كداء ينازعن الأعنّة مصغيات ... على أكتافها الأسل الظّماء تظلّ جيادنا متمطّرات ... يلطّمهنّ بالخمر النّساء فإمّا تعرضوا عنّا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلّا فاصبروا لجلاد يوم ... يعين الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء وقال الله قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ إن نفع البلاء شهدت به فقوموا صدّقوه ... فقلتم لا نقوم ولا نشاء وقال الله قد سيّرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللّقاء لنا في كل يوم من معدّ ... سباب أو قتال أو هجاء فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدّماء ألا أبلغ أبا سفيان عنّي ... مغلّظة فقد برح الجفاء بأنّ سيوفنا تركتك عبدا ... وعبد الدّار سادتها الإماء هجوت محمّدا وأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء ... فشرّ كما لخيركما الفداء هجوت مباركا برّا حنيفا ... أمين الله شيمته الوفاء أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء فإنّ أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء فسوف يجبّكم عنه حسام ... يصوغ المحكمات كما يشاء لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تكدّره الدّلاء وقال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: قضينا من تهامة كلّ إرب ... وخيبر ثمّ أجملنا السّيوفا

نخبّرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهنّ دوسا أو ثقيفا فلست لحاضن إن لم تروها ... بساحة داركم منّا ألوفا وننتزع العروس ببطن وجّ ... وتصبح داركم منكم خلوفا ويأتيكم لنا سرعان خيل ... يغادر خلفه جمعا كثيفا إذا نزلوا بساحتكم سمعتم ... لها ممّا أناخ بها رجيفا بأيديهم قواضب مرهفات ... يزرن المصطلين بها الحتوفا كأمثال العقائق أخلصتها ... قيون الهند لم تضرب كتيفا تخال جديّة الأبطال فيها ... غداة الزّحف جاديّا مذوفا أجدّهم أليس لهم نصيح ... من الأقوام كان بنا عريفا يخبّرهم بأنّا قد جمعنا ... عتاق الخيل والنّجب الطّروفا وأنّا قد أتيناهم بزحف ... يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسهم النّبيّ وكان صلبا ... نقيّ القلب مصطبرا عزوفا رشيد الأمر ذا حكم وعلم ... وحلم لم يكن نزقا خفيفا نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رؤوفا فإن تلقوا إلينا السّلم نقبل ... ونجعلكم لنا عضدا وريفا وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر ... ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا نجالد ما بقينا أو تنيبوا ... إلى الإسلام إذعانا مضيفا نجالد لا نبالي من لقينا ... أأهلكنا التّلاد أم الطّريفا وكم من معشر ألبوا علينا ... صميم الجذم منهم والحليفا أتونا لا يرون لهم كفاء ... فجدّعنا المسامع والأنوفا بكلّ مهنّد لين صقيل ... نسوقهم بها سوقا عنيفا لأمر الله والإسلام حتّى ... يقوم الدّين معتدلا حنيفا وتنسى اللّات والعزّى وودّ ... ونسلبها القلائد والشّنوفا فأمسوا قد أقرّوا واطمأنّوا ... ومن لا يمتنع يقبل خسوفا وقال أنس بن زنيم الديلي- رضي الله عنه-: يعتذر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مما كان قال فيه عمرو بن سالم الخزاعي- رضي الله عنه: أأنت الّذي تهدى معدّ بأمره ... بل الله يهديهم وقال لك اشهد وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمّد أحثّ على خير وأسبغ نائلا ... إذا راح كالسيف الصّقيل المهنّد

وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله ... وأعطى لرأس السّابق المتجرّد تعلّم رسول الله إنك مدركي ... وأنّ وعيدا منك كالأخذ باليد تعلّم رسول الله إنك قادر ... على كل صرم متهمين ومنجد تعلّم بأنّ الرّكب ركب عويمر ... هم الكاذبون المخلفو كلّ موعد ونبّوا رسول الله إني هجوته ... فلا حملت سوطي إليّ إذا يدي سوى أنّني قد قلت ويل أمّ فتية ... أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم ... كفاء فعزّت عبرتي وتبلّدي وإنّك قد أخفرت إن كنت ساعيا ... بعبد بن عبد الله وابنة مهود ذؤيب وكلثوم وسلمى تتابعوا ... جميعا فإلّا تدمع العين أكمد وسلمى وسلمى ليس حيّ كمثله ... وإخوته أو هل ملوك كأعبد فإنّي لا ذنبا فتقت ولا دما ... هرقت تبيّن عالم الحقّ واقصد ويرحم الله تعالى الإمام أبا محمد عبد الله بن أبي زكرياء الشقراطسي حيث قال: ويوم مكّة إذ أشرفت في أمم ... تضيق عنها فجاج الوعث والسّهل خوافق ضاق ذرع الخافقين بها ... في قاتم من عجاج الخيل والإبل وجحفل قذف الأرجاء ذي لجب ... عرمرم كزهاء السّيل منسحل وأنت صلّى عليك الله تقدمهم ... في بهو اشرق نور منك مكتمل ينير فوق أغرّ الوجه منتجب ... متوّج بعزيز النّصر مقتبل يسمو أمام جنود الله مرتديا ... ثوب الوقار لأمر الله ممتثل خشعت تحت بهاء العزّ حين سمت ... بك المهابة فعل الخاضع الوجل وقد تباشر أملاك السّماء بما ... ملّكت إذ نلت منه غاية الأمل والأرض ترجف من زهو ومن فرق ... والجوّ يزهر إشراقا من الجذل والخيل تختال زهوا في أعنّتها ... والعيش تنثال رهوا في ثنى الجدل لولا الّذي خطّت الأقلام من قدر ... وسابق من قضاء غير ذي حول أهلّ ثهلان بالتّهليل من طرب ... وذاب يذبل تهليلا من الذّبل الملك لله هذا عزّ من عقدت ... له النّبوّة فوق العرش في الأزل شعبت صدع قريش بعد ما قذفت ... بهم شعوب شعاب السّهل والقلل قالوا محمّد قد زادت كتائبه ... كالأسد تزأر في أنيابها العصل فويل مكّة من آثار وطأته ... وويل أمّ قريش من جوى الهبل فجدت عفوا بفضل العفو منك ولم ... تلمم ولا بأليم اللّوم والعذل

تنبيهات

أضربت بالصّفح صفحا عن طوائلهم ... طولا أطال مقيل النّوم في المقل رحمت واشج أرحام أتيح لها ... تحت الوشيج نشيج الرّوع والوجل عاذوا بظلّ كريم العفو ذي لطف ... مبارك الوجه بالتّوفيق مشتمل أزكى الخليقة أخلاقا وأطهرها ... وأكرم النّاس صفحا عن ذوي الزّلل زان الخشوع وقار منه في خفر ... أرقّ من خفر العذراء في الكلل وطفت بالبيت محبورا وطاف به ... من كان عنه قبيل الفتح في شغل والكفر في ظلمات الرّجس مرتكس ... ثاو بمنزلة البهموت من زحل حجزت بالأمن أقطار الحجاز معا ... وملت بالخوف عن خيف وعن ملل وحلّ أمن ويمن منك في يمن ... لمّا أجابت إلى الإيمان عن عجل وأصبح الدّين قد حفّت جوانبه ... بعزّة النّصر واستولى على الملل قد طاع منحرف منهم لمعترف ... وانقاد منعدل منهم لمعتدل أحبب بخلّة أهل الحقّ في الخلل ... وعزّ دولته الغرّاء في الدّول أمّ اليمامة يوم منه مصطلم ... وحلّ بالشّام شؤم غير مرتحل تفرّقت منه أعراف العراق ولم ... يترك من التّرك عظما غير منتثل لم يبق للفرس ليث غير مفترس ... ولا من الجيش جيش غير منجفل ولا من الصّين سور غير مبتذل ... ولا من الرّوم مرمى غير منتضل ولا من النّوب جدم غير منجدم ... ولا من الزّنج جزل غير منجدل ونيل بالسّيف سيف البحر واتّصلت ... دعوى الجنود فكلّ بالجهاد صلي وسلّ بالغرب غرب السّيف إذ شرقت ... بالشّرق قبل صدور البيض والأسل وعاد كلّ عدو عزّ جانبهم ... قد عاد منكم ببذل غير مبتذل أصفى من الثّلج إشراقا مذاقته ... أحلى من اللّبن المضروب في العسل تنبيهات الأول: لا خلاف أن هذه الغزوة كانت في رمضان، كما في الصحيح، وغيره، وعن ابن عباس قال: ابن شهاب كما عند البيهقي من طريق عقيل: لا أدري أخرج في شعبان فاستقبل رمضان، أو خرج في رمضان بعد ما دخل؟ ورواه البيهقي من طريق ابن أبي حفصة عن الزّهري بإسناد صحيح. قال: صبّح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان. وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، وهذا يدفع التردّد الماضي، ويعيّن يوم الخروج، وقول الزهري يعيّن يوم الدخول، ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوما. قال الحافظ: وأما ما قاله الواقديّ أنّه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقويّ لمخالفته ما هو أصحّ منه، قلت: قد وافق الواقديّ على ذلك ابن إسحاق وغيره، ورواه إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عبّاس، وعند مسلم أنه دخل لست عشرة، ولأحمد لثماني عشرة، وفي أخرى لثنتي عشرة، والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي، والّذي في المغازي: دخل لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أوّل الشّهر. ووقع في أخرى: بالشكّ في تسع عشرة أو سبع عشرة وروى يعقوب بن سفيان من طريق الحسن عن جماعة من مشايخه: أنّ الفتح كان في عشرين من رمضان، فإن ثبت حمل على أن مراده أنّه وقع في العشر الأوسط قبل أن يدخل الأخير. الثاني: اختلفت الرّوايات فيمن أرسله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليأتي بكتاب حاطب: ففي رواية أبي رافع عن عليّ قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنا والزّبير والمقداد. وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأبا مرثد الغنوي، والزبير بن العوام، قال الحافظ: فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه، وذكر أحد الرّاويين عنه ما لم يذكر الآخر، ثم قال: والذي يظهر، أنه كان مع كل واحد منهما آخر تبعا له. الثالث: جزم ابن إسحاق بأن جميع من شهد الفتح من المسلمين عشرة آلاف. ورواه البخاري في صحيحه عن عروة، وإسحاق بن راهويه من طريق آخر بسند صحيح عن ابن عباس، وقال عروة أيضا والزهري وابن عقبة كانوا اثني عشر ألفا، وجمع بأن العشرة آلاف خرج بها من نفس المدينة. ثم تلاحق الألفان الرابع: وقع في الصحيح من رواية معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس «وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة» قال الحافظ: وهو وهم، والصّواب على رأس سبع سنين ونصف، وإنّما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، من أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، والتحرير أنها سبع سنين ونصف ويمكن توجيه رواية معمر: بأنه بناء على التّاريخ بأول السّنة من المحرّم، فإذا دخل من السنة الثانية شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازا، من تسمية البعض باسم الكل، ويقع ذلك في آخر ربيع الأوّل. ومن ثمّ إلى رمضان

نصف سنة سواء، ويقال: كان آخر شعبان تلك السّنة آخر سبع سنين ونصف، أو أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعده نصف سنة. الخامس: ورد أنه- صلى الله عليه وسلّم- أفطر بالكديد، وفي رواية بغيره كما سبق في القصة، والكلّ في سفرة واحدة، فيجوز أن يكون فطره- صلى الله عليه وسلّم- في أحد هذه المواضع حقيقة إما كديد، وإما كراع الغميم، وإما عسفان، وإما قديد، وأضيف إلى الآخر تجوّزا لقربه منه، ويجوز أن يكون قد وقع منه- صلى الله عليه وسلّم- الفعل في المواضع الأربعة، والفطر في موضع منها، لكن لم يره جميع النّاس فيه، لكثرتهم، وكرّره ليتساوى النّاس في رؤية الفعل، فأخبر كل عن رؤية عين وأخبر كل عن محلّ رؤيته. السادس: وقع في الصّحيح: ثم جاءت كتيبة، وهي أقلّ الكتائب، أي عددا فيهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال القاضي- رحمه الله تعالى-: كذا لجميع رواة الصحيح بالقاف، وقد وقع في الجمع للحميديّ «أجلّ» بالجيم بدل القاف- من الجلالة، قال القاضي: وهو أظهر انتهى. وكل منهما ظاهر لا خفاء فيه ولا ريب كما في مصابيح الجامع للدّماميني: أن المراد قلة العدد لا الاحتقار، هذا ما لا يظنّ بمسلم اعتقاده وتوهّمه، فهو وجه لا محيد عنه، ولا ضير فيه بهذا الاعتبار. والتّصريح بأن النبي- صلّى الله عليه وسلم- كان في هذه الكتيبة الّتي هي أقل عددا ممّا سواها من الكتائب قاض بجلالة قدرها، وعظم شأنها، ورجحانها على كل شيء سواها، ولو كان ملء الأرض بل وأضعاف ذلك. السابع: وقع في الصحيح عن عروة قال: وأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكّة من كداء- أي بالمدّ- ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أسفل مكة من كدّى، أي بالقصر. وهذا مخالف للأحاديث الصّحيحة. ففي الصّحيح وغيره أن خالد بن الوليد دخل من أسفل مكّة، ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أعلاها، وبه جزم ابن عقبة، وابن إسحاق وغيرهما. الثامن: الحكمة في نزول النبي- صلى الله عليه وسلّم- بخيف بني كنانة الّذي تقاسموا فيه على الشّرك، أي تحالفوا عليه من إخراج النبي- صلى الله عليه وسلّم- وبني هاشم إلى شعب أبي طالب، وحصروا بني هاشم وبني المطّلب فيه، كما تقدم ذلك في أبواب البعثة، ليتذكّر ما كان فيه من الشّدّة فيشكر الله- تعالى- علي ما أنعم عليه من الفتح العظيم، وتمكنه من دخول مكّة ظاهرا على رغم من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصّفح عن الّذين أساءوا، ومقابلتهم بالمنّ والإحسان، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

التاسع: قال القاضي أبو بكر بن العربي- رحمه الله تعالى- إنّما أنكر العباس على أبي سفيان ذكر الملك مجرّدا من النبوة، مع أنه كان في أول دخوله الإسلام، وإلّا فجائز أن يسمّى مثل هذا ملكا وإن كان لنبيّ، فقد قال الله سبحانه وتعالى في داود وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [ص 20] وقال سليمان وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص 35] غير أن الكراهة أظهر في تسمية حال النبي- صلى الله عليه وسلم- ملكا، لما جاء في الحديث: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- خير بين أن يكون نبيا عبدا، أو نبيا ملكا، فالتفت إلى جبريل، فأشار إليه أن تواضع، فقال: بل نبياً عبداً، أشبع يوما وأجوع يوما» . وإنكار العبّاس على أبي سفيان يقوّي هذا المعنى، وأمر الخلفاء الأربعة بعده أيضا يكره أن يسمّى ملكا، لقوله- صلى الله عليه وسلّم «تكون بعدي خلفاء، ثم تكون أمراء، ثم يكون ملوك، ثم يكون جبابرة» . العاشر: السّاعة الّتي أحلّ للنبي- صلى الله عليه وسلّم- القتل فيها بمكّة من صبيحة يوم الفتح إلى العصر كما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما. الحادي عشر: لا مخالفة بين حديث نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بالمحصّب، وبين حديث أمّ هانئ، أنه- صلى الله عليه وسلم- نزل في بيت أم هانئ، لأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يقم في بيت أم هانئ وإنّما نزل به حتى اغتسل وصلّى، ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب، وهو المكان الّذي حصرت فيه قريش المسلمين قبل الهجرة كما تقدم بيان ذلك. الثاني عشر: اختلف في قاتل ابن خطل، روى ابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي: أن أبا برزة الأسلميّ قتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة وإسناده صحيح مع إرساله، وله شاهد عند ابن المبارك في كتاب البرّ والصّلة من حديث أبي برزة نفسه. ورواه الإمام أحمد من وجه آخر. قال الحافظ: وهو أصحّ ما ورد في تعيين قاتله، وبه جزم البلاذري وغيره من أهل العلم بالأخبار. وتحمل بقيّة الرّوايات على أنهم ابتدروا قتله، فكان المباشر له منهم أبو برزة، ويحتمل أن يكون غيره شاركه فيه، فقد جزم ابن هشام بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله، وقد قيل: قتله الزبير بن العوام. وقيل شريك بن عبدة العجلاني. الثالث عشر: وقع في حديث أم هانئ عند البخاري: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- اغتسل في بيتها، وفي حديثها عند مسلم: أنّها ذهبت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو بأعلى مكّة، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره، ويجمع بينهما بأن ذلك تكرّر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه: أن أبا ذر ستره لمّا اغتسل، ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكّة وكانت هي في بيت آخر بمكّة، فجاءت إليه فوجدته يغتسل، فيصحّ القولان، وأما المتستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل، والآخر في أثنائه.

الرابع عشر: قال السّهيلي: ولا يجهر فيها بالقراءة أي صلاة النبي- صلى الله عليه وسلم- في بيت أم هانئ في ثمان ركعات، وهي صلاة الفتح، تعرف بذلك عند أهل العلم، وكان الأمراء يصلونها إذا فتحوا بلدا. قال أبو جعفر بن جرير: صلّى سعد بن أبي وقّاص حين افتتح المدائن ثمان ركعات في إيوان كسرى، قال: وهي ثمان ركعات لا يفصل بينها، ولا تصلى بإمام، قال السهيلي: ولا يجهر فيها بالقراءة. الخامس عشر: وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر: أنّه سأل أسامة وفي رواية أبي الشعثاء عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة إن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى فيه ههنا، وفي رواية خالد بن حارث عن ابن عوف عن نافع عن ابن عمر: فقلت: أين صلّى؟ فقالوا، ههنا. قال الحافظ: فإن كان محفوظا حمل على أنه ابتدأ بلالا بالسّؤال، ثم أراد زيادة الاستثبات في مكان الصّلاة، فسأل أسامة، وعثمان أيضا. ويؤيد ذلك رواية ابن عوف عند مسلم: «ونسيت أن أسألهم كم صلّى» بصيغة الجمع قال الحافظ: وهذا أولى من جزم القاضي بوهم الرّواية الّتي عند مسلم، وكأنه لم يقف على بقيّة الروايات. السادس عشر: قول من زعم أن يحيى بن سعيد القطّان غلط في قوله ركعتين لقول ابن عمر: نسيت وأنّ الوهم دخل عليه من ذكر الرّكعتين بعد خروجه- صلى الله عليه وسلّم- « [والمغلّط] هو الغالط، وكلامه مردود، فإنّ يحيى ذكر الركعتين قبل وبعد، فلم يهم من موضع إلى موضع، ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتّى يغلط، بل تابعه من سبق ذكرهم في القصّة، والعجب من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين، فقال بغير علم، ولو سكت لسلم. السابع عشر: قال الحافظ: رحمه الله تعالى- جمع بين روايتي فليح، وأيوب، وابن عون عن نافع عن ابن عمر أنه قال: «نسيت أن أسأل بلالا» وفي لفظ: «أسألهم كم صلّى» وبين رواية غير نافع عن ابن عمر أنه سأل عن ذلك، فقيل له ركعتان باحتمال أن ابن عمر اعتمد في قوله في رواية مجاهد، وابن أبي مليكة وغيرهما عنه ركعتين على القدر المتحقّق، وذلك أن بلالا أثبت له أنّه صلّى، ولم ينقل إن النبي- صلى الله عليه وسلم- تنفل في النّهار بأقل من ركعتين، وكانت الركعتان متحقّقا وقوعهما، لما عرف بالاستقراء من عادته- صلى الله عليه وسلّم- وعلى هذا فقوله: ركعتين من كلام ابن عمر، لا من كلام بلال، قال الحافظ: ووجدت ما يؤيد هذا، ويستفاد منه جمع آخر بين الحديثين، وهو ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق عبد العزيز بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث: «فاستقبلني بلال فقلت: ما صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ههنا؟ فأشار بيده أن صلّى ركعتين بالسّبابة والوسطى» ، فعلى هذا فيحمل قوله: «نسيت أن

أسأله كم صلّى على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه لفظا وإنما استفاد منه صلاة ركعتين بإشارته لا بنطقه، وأما قوله في رواية أخرى: ونسيت أن أسأله كم صلى» فيحمل على أن مراده أنّه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أولا؟، وقال شيخه الحافظ أبو الفضل العراقي: فيحتمل أن ابن عمر وإن كان سمع من بلال أنّه صلّى ركعتين لم يكتف بذلك في أنه لم يصل غيرهما، لأنّ من صلّى أربعا أو أكثر، يصدق عليه أنه صلى ركعتين على القول بأنّ مفهوم العدد ليس بحجّة كما هو المرجّح في الأصول، فلعلّ الذي نسي أن يسأل عنه بلالا في أنّه هل زاد على ركعتين بشيء أم لا؟. قال الحافظ ابن حجر: وأمّا قول بعض المتأخرين: يجمع بين الحديثين بأن ابن عمر سأل بلالا، ثم لقيه مرّة أخرى، فسأله، ففيه نظر من وجهين: أحدهما أنّ الذي يظهر أنّ القصّة وهو سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة لم يتعدد، لأنه أتى في السّؤال بالفاء المعقّبة في الرّوايتين معا، فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدا في وقت واحد. ثانيهما أنّ راوي قول ابن عمر «نسيت» هو نافع مولاه، ويبعد مع طول ملازمته له إلى وقت موته أن يستمرّ على حكاية النسيان، ولا يتعرض لحكاية التذكر لقدر صلاته- والله تعالى أعلم. الثامن عشر: قال الحافظ: لا يعارض إثبات أسامة في رواية ابن عمر عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- صلّى في البيت ما رواه ابن عبّاس عن أسامة إن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يصلّ في البيت لإمكان الجمع بينهما، لأن أسامة حين أثبتها اعتمد في ذلك على غيره، وحيث نفاها أراد ما في علمه بكونه لم يره- صلى الله عليه وسلّم- حين صلّى، وقال الحافظ في موضع آخر: تعارضت الرواية عن أسامة في ذلك فتترجّح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف، ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الإثبات، واختلف على من نفى. وقال الإمام النووي وغيره: يجمع بين إثبات بلال، ونفي أسامة بأنهم لمّا دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدّعاء، فرأى أسامة النبي- صلى الله عليه وسلّم- يدعو، فاشتغل أسامة بالدّعاء في ناحية، والنبي- صلى الله عليه وسلم- في ناحية، ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده منه واشتغاله بالدّعاء، ولأن بإغلاق الباب تكون ظلمة مع احتمال أن يحجبه بعض الأعمدة، فنفاها عملا بظنه. وقال الإمام المحب الطبريّ: يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته- انتهى. ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده بإسناد جيد رجاله ثقات عن ابن أبي ذؤيب عن عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة قال: «دخلت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في الكعبة فرأى صورا، فدعا بدلو من ماء، فأتيته به، فضرب به الصّور» ، قال القرطبي فلعله [استصحب النّفي] بسرعة عوده انتهى قلت: هو مفرّع علي إن هذه

القصّة وقعت عام الفتح، فإن لم يكن فقد روى عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق علي بن بذيمة بالموحدة، وزن عظيمة التّابعي، قال: «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الكعبة. ودخل معه بلال، وجلس أسامة على الباب، فلمّا خرج وجد أسامة قد احتبى، فأخذ بحبوته فحلها» . الحديث فلعله احتبى فاستراح فنعس، فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها مستصحبا للنفي، لقصر زمن احتبائه، وفي كل ذلك إنما نفى رؤيته، لا ما في نفس الأمر. وبعض العلماء حمل الصلاة المثبتة على اللّغويّة، والمنفيّة على الشّرعيّة، ويردّ هذا الحمل ما تقدم في بعض طرقه الصحيحة: أنه صلى ركعتين، فظهر أنّ المراد الشّرعية لا مجرد الدعاء. وقال المهلب [ (1) ] شارح البخاري: يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرّتين. صلّى في إحداهما ولم يصلّ في الأخرى، وقال ابن حبان: الأشبه عندي في الجمع، أن يجعل الخبران في وقعتين، فيقال، لمّا دخل الكعبة في الفتح صلّى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصّلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها، لأن ابن عبّاس نفاها وأسند ذلك إلى أسامة وأخيه الفضل، وابن عمر أثبتها، وأسند ذلك إلى أسامة، وإلى بلال وأسامة أيضا، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض. قال الحافظ: وهو جمع حسن لكن تعقّبه النووي بأنه لا خلاف أنه- صلى الله عليه وسلم- دخل يوم الفتح لا في حجة الوداع، ويشهد له ما رواه الأزرقي عن سفيان بن عيينة عن غير واحد من أهل العلم: أنه- صلى الله عليه وسلم- إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح، ثم حجّ فلم يدخلها، وإذا كان الأمر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرّتين ويكون المراد بالواحدة الّتي في خبر ابن عيينة واحدة السّفر لا الدّخول، وقد وقع عند الدّارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع. قلت: قال الدّارقطني في سننه: واعتمد القاضي عز الدين بن جماعة ذلك. واستدلّ له أيضا بأن الإمام أحمد قال في مسنده: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عبد الملك عن عطاء، قال: قال أسامة بن زيد: دخلت مع النبي- صلى الله عليه وسلم البيت فجلس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وهلله وكبّره، وخرج ولم يصلّ، ثم دخلت معه في اليوم الثّاني، فقام، ودعا ثمّ صلّى ركعتين، ثم خرج فصلى ركعتين خارج البيت مستقبل وجه الكعبة، ثم انصرف، فقال: «هذه القبلة» ورواه أحمد بن منيع. قلت: لم أقف على هذا الحديث في مجمع الزوائد للهيثمي، ولا في إتحاف المهرة للأبوصيري، لا في كتاب الصلاة، ولا في كتاب الحج فالله أعلم. والّذي في مجمع الزوائد عن ابن عباس قال: دخل النبي- صلى الله عليه وسلم- الكعبة، فصلّى بين السّاريتين ركعتين، ثم خرج وصلّى بين الباب وبين الحجر ركعتين، ثم قال: «هذه القبلة» ثم

_ [ (1) ] هو المطلب بن أحمد بن أسيد الأسدي من تصانيفه شرح الجامع لصحيح البخاري توفي سنة 435، انظر معجم المؤلفين 13/ 32.

دخل مرة أخرى، فقام يدعو ولم يصلّ. رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمي: فيه أبو مريم، روى عن صغار التّابعين، ولم أعرفه، وبقية رجاله موثقون، وفي بعضهم كلام. وروى الأزرقي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه قال: بلغني أنّ الفضل ابن عباس دخل مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ- أي يوم الفتح- فقال: لم أره صلّى فيها، قال أبي: وذلك فيما بلغني أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- استعانه في حاجة فجاء وقد صلّى ولم يره. قال عبد المجيد: قال أبي، وذلك أنه بعثه فجاء بذنوب من ماء زمزم يطمس به الصّور الّتي في الكعبة، فلذلك لم يره صلّى. قلت: وأيضا أنه- صلى الله عليه وسلم- أرسله وأسامة في ذلك- كما تقدّم في أسامة- واعتمد الإمام تقيّ الدّين الفاسي في تاريخه من هذه الأجوبة ما رواه أبو داود الطيالسي عن أسامة، وتعقب ما سواه بكلام نفيس جدا فراجعه فإنّك لا تجده في غير كتابه، وذكره هنا ليس من غرضنا. التاسع عشر: تقدّم أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى في الكعبة، وأنه جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، وفي رواية جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وفي أخرى عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وفي رواية بين العمودين اليمانيين، وفي أخرى بين العمودين تلقاء وجهه، وبين العمودين المقدمين، قال المحب الطبري في الأحكام الكبرى: وهذا يؤيد رواية من روى أنه جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره لأن الباب قريب من الحجر الأسود، جانح إلى جهة اليمين، ويفتح في جهة المشرق فإذا دخل منه وصلى تلقاء وجهه بين العمودين المقدمين اليمانيين والبيت يومئذ على ستة أعمدة فقد جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره، وثلاثة أعمدة وراءه، وصلّى إلى جهة المغرب، وقوله اليمانيّين قد يشكل فإنها ثلاثة صفّ وجعل اثنين منها يمانيين ليس بأولى من جعلهما شامييّن، والجواب: أنه إنّما جعل اثنين منهما يمانيين لأنّ مقرّ الثلاثة بصفة يمانيّ وبصفة شاميّ، فمن وقف بين المتمحض يمانيا وبين المشترك بين اليمن والشام جاز أن يقال فيه: وقف بين اليمانيين باعتبار ما نسب منه إلى اليمن تجوّزا ومن وقف بين المتمحض شاميا وبين المشترك جاز أن يقال فيه: وقف بين الشّاميين لما ذكرناه، أو تقول لما وقف بينهما كان هو إلى جهة اليمن أقرب، فأطلق عليهما يمانيين اعتبارا به، والأول أظهر، ولا تضادّ بين هذا وبين قوله عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره، فإنّ من ضرورة جعل عمودين عن يمينه أن يكون عمودا عن يمينه والآخر مسكوتا عنه، وليس في اللّفظ ما ينفيه، وقال الحافظ: ليس بين رواية: جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره مخالفة، لكن قوله في رواية مالك: وكان البيت يومئذ على ستّة أعمدة مشكل، لأنه يشعر بكون ما عن يمينه أو يساره كان اثنين، ويمكن الجمع بين الرّوايتين بأنّه حيث ثنّى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النبي- صلى الله عليه وسلّم- وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك، ويرشد إلى ذلك

قوله: وكان البيت يومئذ، لأنّ فيه إشعارا بأنّه تغيّر عن هيئته الأولى. قال الكرماني: لفظ العمود جنس يشمل الواحد والاثنين فهو مجمل بيّنته رواية «وعمودين» ويحتمل أن يقال: لم تكن الأعمدة الثّلاثة على سمت واحد، بل اثنان على سمت، والثالث على غير سمتهما، ولفظ المقدّمين في الحديث السابق مشعر به قال الحافظ: ويؤيده رواية مجاهد عن ابن عمر عند البخاري في باب «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى» ، «فإن فيها بين السّاريتين اللّتين عن يسار الدّاخل» وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار، وأنّه صلّى بينهما، فيحتمل أنه كان ثمّ عمود آخر عن اليمين، لكنّه بعيد أو على غير سمت العمودين فيصحّ قول من قال: جعل عن يمينه عمودين، وقول من قال: جعل عمودا عن يمينه، وجوّز الكرماني احتمالا آخر، وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفّة، فصلّى إلى جنب الأوسط فمن قال: جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره لم يعتبر الّذي صلّى إلى جنبه، ومن قال: عمودين اعتبره وجمع بعض المتأخّرين باحتمال تعدّد الواقعة، وهو بعيد لاتحاد مخرج الحديث، وقد جزم البيهقيّ بترجيح رواية أنه جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره. وقال المحب الطبري في صفوة القرى إنه الأظهر. العشرون: لا خلاف في دخوله- صلّى الله عليه وسلّم- الكعبة يوم الفتح، وتقدم في التنبيه الثامن عشر: أنه دخل في ثاني الفتح، وذكر بعضهم أنّه دخلها في عمرة القضية، والصّحيح خلافه، فقد قال البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- أنه لم يدخلها، وذكر بعضهم أنّه دخلها في عمرة القضية وحجة الوداع، وسيأتي هناك تحقيق ذلك أن شاء الله تعالى. الحادي والعشرون: اختلف في قدر إقامته- صلى الله عليه وسلّم- بمكة كما تقدم في القصة، وجمع الإمام البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عدّ يوم الدّخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عدّ أحدهما. وأما رواية خمس عشرة فضعفّها النّوويّ من الخلاصة. قال الحافظ: وليس بجيّد لأنّ رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق كما تقدم بيانه في القصة، وإذا ثبت أنّها صحيحة فلتحمل على أن الرّاوي ظنّ أنّ الأصل سبع عشرة فحذف منها يومي الدّخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة، أرجح الرّوايات، ويرجّحها أيضا أنّها أكثر الرّوايات الصّحيحة، قال الحافظ: وحديث أنس لا يعارض حديث ابن عباس أي السابق في آخر القصّة، لأن حديث ابن عباس في الفتح وحديث أنس كان في حجة الوداع، وبسط الكلام على بيان ذلك، وقال في موضع آخر: الذي أعتقده أنّ حديث أنس إنما هو في حجّة الوداع فإنها هي السفرة الّتي أقام فيها بمكّة عشرة أيام، لأنّه دخل اليوم الرابع وخرج اليوم الرابع عشر، ثم قال الحافظ: ولعل

البخاري أدخله في هذا الباب إشارة إلى ما ذكرت، ولم يفصح بذلك تشحيذا للأذهان، ووقع في رواية الإسماعيلي: فأقام بها عشرا يقصر الصّلاة حتى رجع إلى المدينة، وكذا هو في باب قصر الصّلاة عند البخاري، وهو يؤيد ما ذكرته، فإنّ مدّة إقامتهم في سفرة الفتح حتّى رجعوا إلى المدينة أكثر من ثمانين يوما. الثاني والعشرون: في بيان غريب ما سبق. الأطناب: جمع طنب- بضم الطاء المهملة والنون حبل الخباء- بكسر الخاء المعجمة أي الخيمة. الجوزاء- بفتح الجيم وسكون الواو، وبالزّاي والمدّ: نجم يقال إنها تعرض في جوز السّماء، أي وسطها. الأفواج والأفاويج- جمع فوج: الجماعة من الناس. الابتهاج: السرور. خزاعة- بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وعين مهملة الدئل- بكسر الدال المهملة، وسكون الهمزة وتسهل. رزن- براء تفتح وتكسر- كما ذكره صاحبا المحكم والباهر- فزاي ساكنة، وتفتح، كما في الإملاء، فنون. ذؤيب: تصغير ذئب. سلمى- بفتح السين المهملة. كلثوم- بضم الكاف، وسكون اللّام، وبالثّاء المثلثة. أنصاب الحرم- بالنون، والصاد المهملة: حجارة تجعل علامات بين الحل والحرم. منخر بني كنانة- بنون، فخاء معجمة، فراء: أي المتقدّمون منهم: لأن الأنف هو المتقدّم من الوجه. كنانة- بكسر الكاف. يودون- بضمّ التّحتيّة، وبالمهملة: من الدية. بنو- بكر- بفتح الموحدة، وسكون الكاف. حجز الإسلام: منع. الحديبية: تقدم الكلام عليها في غزوتها.

شرح غريب ذكر نقض قريش العهد

الحلفاء: جمع حليف، وهو المحالف على النّصرة. السّروات- بفتحات: جمع السّراة، كذلك جمع سرى- وهو الرّئيس. ما أشرق: أي مدّة إشراقه. ثبير- بثاء مثلثة، فموحدة، فتحتية، وزن عظيم: جبل بمكّة. حراء- بكسر الحاء المهملة: تقدم الكلام عليه في المبعث. السّرمد: الدّائم. الحلف- بكسر الحاء المهملة، وسكون اللام، والمحالفة: المؤامرة والمناصرة بالحلف على ذلك. شرح غريب ذكر نقض قريش العهد قوله: «بنى نفاثة» : بنون مضمومة، ففاء مخفّفة، فألف، فثاء مثلثة. الثّأر- بالثّاء المثلّثة: طلب دم القتيل. ناشدوهم بأرحامهم: ذكّروهم وسألوهم بها. الكراع- بضم الكاف، وبالراء، والعين المهملة: جماعة الخيل خاصّة. الوتير: بفتح الواو، وكسر الفوقيّة، وسكون التّحتية، وآخره راء: اسم موضع أو ماء في ديار خزاعة. حويطب- بضم الحاء المهملة، وفتح الواو، وسكون التحتية، وكسر الطاء المهملة، وبالموحدة. مكرز- بكسر الميم، وحكى ابن الأثير فتحها، وسكون الكاف، وكسر الراء وآخره زاي. أجلبوا: استعانوا. بيّتوهم: قصدوهم ليلا من غير أن يعلموا فأخذوهم بغتة. إلهك إلهك- بنصبهما بفعل محذوف، أي اتّق. عماية الصبح: بقية ظلمة الليل. شرح غريب ذكر إعلامه- صلّى الله عليه وسلم- بما حصل لخزاعة أترى- بفتح أوله، وضم ثانيه: أي أتظن.

شرح غريب ذكر قدوم عمرو بن سالم

تجترئ عليه: تسرع بالهجوم عليه من غير تروّ. خير: خبر مبتدإ محذوف، أي هو خير. المتوضّأ- بميم مضمومة، فمثناة فوقية، فهمزة فضاد معجمة مفتوحات: مكان الوضوء. لبّيك: يأتي الكلام عليه مبسوطا في حجة الوداع. الرّاجز: قائل الرجز، وهو نوع من الشعر بنو كعب بن عمرو: بطن من خزاعة. استصرخني: استغاثني. وائل- بكسر التّحتيّة. شرح غريب ذكر قدوم عمرو بن سالم ظاهرت: عاونت. بين ظهري النّاس: أي بينهم. عمرو بن سالم: يجوز في عمرو الضمّ، وفي ابن الفتح، ويجوز فتحهما وضمهّما. ناشد: طالب ومذكر. الأتلدا- بفتح أوله، وسكون الفوقية، وفتح اللّام وبالذال المهملة: القديم. ولدا- بضمّ الواو، وسكون اللّام: أي ولدا وذلك أن بني عبد مناف أمّهم من خزاعة، وكذلك أمّ قصي. ثمّت: حرف عطف، أدخل عليه تاء التأنيث. أسلمنا- قال السهيلي: من السلم، لأنهم لم يكونوا أسلموا بعد، وقال غيره: إنه قال: ركّعا وسجّدا فدل على أنه كان فيهم من صلّى فقتل، وقال غيره: أن قوله بعد «وقتّلونا ركّعا وسجّدا» ينافيه إلا أن يحمل ذلك على المجاز، وقال بعضهم: مراده بقوله: «ركّعا وسجّدا» أنّهم حلفاء الّذين يركعون ويسجدون، قال الحافظ في الإصابة: ولا يخفى بعده. لست- بفتح الفوقية على الخطاب، وبالضّم، ووجهه ظاهر. بيّتونا: أخذونا بياتا، أي ليلا ونحن غافلون. هجّدا- بضم الهاء، وتشديد الجيم المفتوحة: جمع هاجد، وهو النّائم هنا. كداء- بفتح الكاف وبالمد: الثنية التي بأعلى مكة. الرّصد: الطالب المراقب.

شرح غريب ذكر ما قيل - ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه خبر خزاعة

عتدا- بعين مهملة مفتوحة، ففوقية مكسورة، فدال مهملة: والعتيد الشيء الحاضر المهيأ، ويحتمل أن يكون من القوة، ويروي نصرا أبدا من التّأبيد. تجرّدا- من رواه بحاء مهملة أراد: غضب، ومن رواه بالجيم أراد شمرّ وتهيّأ لحربهم. سيم- بكسر السين المهملة، وسكون التّحتية، وبالميم، وبالبناء للمفعول. خسفا- بفتح الخاء المعجمة، وضمها، وسكون السين المهملة، وبالفاء: يقال سمته خسفا إذا أوليته ذلّا، ويقال كلفته مشقة. تربّدا- بفوقيّة- مفتوحة، فراء فموحدة- يقال اربدّ وجهه: أي تغير إلى الغبرة. الفيلق- بفاء مفتوحة، فتحتية ساكنة، فلام مفتوحة، فقاف: العسكر الكثير. مزبدا- بميم مضمومة، فزاي ساكنة، فموحدة مفتوحة، فمهملة. القرم- بفتح القاف: السّيّد، وأصله الفحل من الإبل الّذي أقرم، أي ترك من الرّكوب والعمل وودّع للفحلة. الأصيد: الّذي يرفع رأسه كثيرا، ومنه قيل للملك أصيد، وأصله البعير يكون به داء في رأسه يرفعه، وقيل إنّما قيل للملك أصيد، لأنه لا يلتفت يمينا وشمالا. ما برح: ما زال. عنانة: واحدة العنان- بفتح العين المهملة، ونونين بينهما ألف، وهو السّحاب. تستهل: تبشر. بديل- بضم الموحدة، وفتح الدّال، وسكون التّحتية، وباللّام. مرّ- بفتح الميم، وتشديد الراء. الظّهران- بفتح الظاء المعجمة المشالة، وسكون الهاء، بلفظ تثنيه ظهر، اسم أضيف إليه مرّ: اسم مكان قرب مكة. شرح غريب ذكر ما قيل- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما بلغه خبر خزاعة تهمتكم: من تتّهمونه. ظنّتكم: من تظنّون، وهو بمعنى ما قبله. قصرة- بضمّ القاف، وسكون الصاد المهملة: أي خاصة. ننبذ إليه على سواء: نطرح عهده وننقضه.

شرح غريب ذكر اخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أبا سفيان سيقدم

الأندية: جمع ناد وهو متحدّث القوم. قرظة- بفتح القاف، والرّاء، والظاء المعجمة المشالة. فيهم عرام- بضم العين المهملة: الشدّة والقوّة والشّراسة، يقال رجل عارم خبيث شرّير. السّبد- بسين، فموحدة مفتوحتين، فدال مهملة: الشّعر. اللَّبد- بفتح اللّام والموحدة: أي الصّوف، أي ما يبقى لنا شيء. شرح غريب ذكر اخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأن أبا سفيان سيقدم قوله: الهدنة: الصّلح. يروعكم: يفزعكم. الحجون- بحاء مفتوحة مهملة، فجيم: الجبل المشرف على مقبرة مكّة. الخندمة- بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدّال المهملة: جبل بمكّة. مليا: زمانا. تحرّجوا: وقعوا في الحرج، وهو الضّيق، وفي لفظ: رهبوا- بكسر الهاء، خافوا. عسفان: بعين مضمومة، فسين ساكنة، مهملتين، ففاء ونون. تمور: جمع تمر. تهامة- بالكسر. قائلهم: اسم فاعل من قال، قيلا ومقيلا، وقيلولة: نام القائلة، وهي الظهيرة. ائتمرت قريش: آمر بعضهم بعضا. أم حبيبة: زوج النبي- صلى الله عليه وسلم: تأتي في تراجم الأزواج- رضي الله عنهن. مشرك نجس: أي نجس الاعتقاد، لا أنّه نجس العين. الذّرّ: النمل الصّغار، وليس قول عمر: فو الله لو لم أجد إلّا الذّر لقاتلتكم عليه بكذب وإن كان الذّرّ لا يقاتل به لأنه جرى في كلامهم كالمثل. أخلقه الله- بالقاف: أبلاه ومحقه. المتين: القويّ. أمسّ القوم بي رحما: أقربهم رحما.

شرح غريب ذكر جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتاب حاطب

البحيرة: من أسماء المدينة، تقدم بيانه فيها. ويح: كلمة ترحّم وتوجّع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى التّعجّب والمدح، وهو منصوب على المصدر. أجر بين الناس- بفتح الهمزة، وكسر الجيم، وسكون الراء: من الإجارة. يدبّ بكسر الدال المهملة، وتشديد الموحّدة: يمشي على هينة. أو ترى- بتحريك الواو على الاستفهام، ويجوز فتح الفوقيّة وضمها. يخفرني- بالخاء المعجمة، والفاء: ينقض عهدي. النجح: الفوز بالمطلوب. إساف- بكسر الهمزة ونائلة: أي أسماء صنمين. أبّى: أي امتنع. أدنى العدو: أقرب أعدائنا عداوة. لعمر الله- بفتح اللّام والعين، وضمّ الرّاء: بقاء الله تعالى. الحجر: جمع حجرة وهي البيت. شرح غريب ذكر جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكتاب حاطب الجهاز- بفتح الجيم وكسرها. بغتة: فجأة، تقول بغته الأمر، وفجأه إذا جاءه ولم يعلم به. الأنقاب- جمع نقب: الطريق. سلمة: سالمة لا حرس فيها. المحجّة: الطّريق المسلوك. الفلوق- كذا ذكره محمد بن عمر ولم أر له ذكرا في مختصر معجم البلدان، ولا في النهاية، والصحاح، وتاريخ المدينة، ومعجم البكري. العقيق: واد من أودية المدينة. أبو مرثد- بفتح الميم، والثّاء المثلّثة، وسكون الرّاء بينهما. روضة خاخ- بخاءين معجمتين بينهما ألف: على بريد من المدينة، وصحّفه أبو عوانة كما في الصحيح فقال: حاج بحاء مهملة وجيم، ووهم في ذلك.

شرح غريب شعر حسان

الظّعينة: الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن، والجمع الظعن بضمتين وتسكن [العين] وظعائن. والظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، وكل بعير يوطّأ للنّساء ظعينة، وقال في النهاية: الظعينة المرأة في الهودج، ثم قيل للمرأة بلا هودج وللهودج بلا امرأة. الخليقة- بالقاف كسفينة: منزل على اثني عشر ميلا من المدينة. بطن رئم- بكسر الراء، وسكون التّحتية، بالهمز وتركه: واد بالمدينة. الجدّ- بكسر الجيم، وتشديد الدال المهملة: ضد الهزل. قرون رأسها: ضفائر شعر رأسها، وفي رواية عقاصها- بكسر العين المهملة، وبالقاف والصاد المهملة المكسورة: وهو الخيط الذي يعتقص به أطراف الذّوائب، والشّعر المضفور، وفي رواية: أخرجته من حجزتها- بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم، وفتح الزاي: وهو معقد الإزار، قال في النور: وأيضا إن الكتاب كان في ضفائرها وجعلت الضفائر في حجزتها. الملصق- بضم الميم وفتح الصاد المهملة: الرّجل المقيم في الحيّ والحليف لهم. اغرورقت عيناه: امتلأتا دموعا. شرح غريب شعر حسان قوله عناني أهمني بطحاء مكة: ما بين الأخشبين. تحزّ رقابها- بضم الفوقية وفتح الحاء المهملة، وبالزاي. لم تجنّ- بالجيم والنون والبناء للمفعول: أي لم تستر، يريد أنهم قتلوا ولم يدفنوا. ألا: حرف تنبيه واستفتاح. ليت شعري: ليتني أعلم. أو ليت علمي، هل يكون كذا. حرّها- بحاء مهملة مفتوحة فراء جمع للحرة بفتح الحاء: وهي الأرض ذات حجارة سود نخرة كالحرار، والحرات، والحرّين والأحرّين. وعقابها- بعين مهملة مكسورة فقاف فألف فموحدة: جمع عقبة، وهي مرقّى صعبة من الجبال. ابن أمّ مجالد: عكرمة بن أبي جهل. أحتلبت- بسكون الحاء المهملة، وضمّ الفوقية، وكسر اللّام. الصّرف- بكسر الصاد المهملة: اللبن الخالص هنا. أعصل- بعين مهملة فصاد مهملة مفتوحة فلام: أعوج، والعصل اعوجاج الأسنان.

شرح غريب ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة

النّاب- بنون، فألف فموحدة: السّن خلف الرّباعية، مؤنث. أبو رهم- بضم الراء، وسكون الهاء. كلثوم- بضمّ الكاف، وسكون اللّام. حصين- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين في كل الأسماء إلا حصين بن المنذر بن سنان فإنه بالضاد المعجمة، وهو فرد، والكنى بفتح الحاء وكسر الصاد. شرح غريب ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة قوله- فما حل عقدة [أي ما استراح] الصلصل- بصادين مهملتين- مضمومتين، وسكون اللّام الأولى بينهما: جبل معروف في أثناء البيداء، وهو الشرف الذي قدام ذي الحليفة. يستهل بنصر بني كعب: قبيلة. العرج- بفتح العين، وسكون الراء المهملتين، وبالجيم: قرية جامعة قريب مكة على نحو ثلاث مراحل من المدينة بطريق مكة. الطّلوب- بفتح الطاء المهملة: اسم ماء. تهرّ: هرير الكلب صوته، وهو دون النّباح. الجريدة: جماعة من الخيل جردت من سائرها. العين: الجاسوس. قديد- بلفظ التّصغير: قرية جامعة قريب مكة. وكزهم- بفتح الواو، وسكون الكاف وبالزاي: طعنهم. الحجفة- بضم الجيم- وسكون الحاء المهملة: قرية كبيرة على خمس مراحل وثلث مرحلة من المدينة. شرح غريب ذكر فطره- صلى الله عليه وسلّم- وأمره به الكديد- بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة الأولى، بعدها تحتية فدال مهملة: موضع بين مكة والمدينة بين منزلتي أمج وعسفان، وهو اسم ماء، وهو أقرب إلى مكة من عسفان. عسفان- بضمّ العين، وسكون السين المهملتين، وبفاء ونون، قرية جامعة على ثلاث مراحل من مكة. أمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم المخففة: اسم واد.

شرح غريب ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران

كراع الغميم- بضم الكاف من كراع وفتح الغين المعجمة [من الغميم] موضع بن رابغ والحجفة يضاف إليه كراع: وهو جبل أسود بطرف الحرّة. عزيمة: أمر واجب حقّ. شرح غريب ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بمر الظهران عميت الأخبار- بفتح العين وكسر الميم، ويجوز ضم العين وكسر الميم المشدّدة. يتحسب الأخبار: يتعرفّها. الأراك- بفتح الهمزة: شجر معروف. خمشتها- الحرب- بالخاء المعجمة، والجيم، والشين المعجمتين المفتوحات: أحرقتها وهيّجتها، ومن رواه بالحاء، والسّين المهملتين، فمعناه: اشتدّت عليها، من الحماسة وهي الشّدّة والشّجاعة. شرح غريب ذكر منام أبي بكر- رضي الله عنه تشخب: تدرّ وتسيل. كلبهم- بفتح الكاف واللام: شدّتهم. درّهم- بفتح الدال المهملة: لبنهم. شرح غريب ذكر اعلام- صلى الله عليه وسلّم- بأن أبا سفيان في الإدراك وارادة أبي سفيان الانصراف خطم الجبل- بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة، والعقبة، شيء يخرج منه ويضيق معه الطريق، وفي رواية في الصّحيح: حطم- بالحاء المهملة- الخيل- بالخاء المعجمة والتحتية: وهو موضع ضيّق تتزاحم الخيل فيه حتى يحطم بعضهم بعضا. واصباح قريش: منادى مستغاث: يقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه العنوة- بفتح العين المهملة أخذ الشّيء قهرا. الشهباء: البيضاء. حطّابا بحاء فطاء مشددة مهملتين. يشتدّ: يعدو. اقتحمت: رميت بنفسي من غير رويّة. أجرته- بالرّاء: أمّنته، فهو في أماني.

شرح غريب ذكر تعبئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ومن أمر بقتله

لا يناجيه: لا يسارّه. مهلا: يقال للمفرد والمثنّى والجمع، يعني أمهل. أرحها: اتركها. ألم يأن: يقرب. الأوباش من النّاس: الأخلاط. الرّحل بالحاء المهملة: المنزل والمأوى. أفرخ لروعتي بالفاء والخاء المعجمة: أذهب لخوفي. أربأ بهم عن الشّرك: أنزّه مقامهم وأرفعه عن الإقامة على الشّرك. شرح غريب ذكر تعبئة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه ومن أمر بقتله أرحلت: أعدت رحلها. الأداة: الآلة. الكتائب: جمع كتيبة وهي الطائفة من الجيش المجتمعة. القادات: جمع قائد: وهو أمير الجيش. على أثره بكسر أوله وسكون ثانيه، وبفتحهما. أفناء العرب: جمع فنّو، وهو الذي لا يعلم ممن هو. الكتيبة الخضراء: سمّيت بذلك لغلبة الحديد على أهلها، شبّه السّواد بالخضرة، والعرب تطلق الخضرة على السّواد. سنابك الخيل: طرف حوافرها. الحدق: العيون. لعمر فيها زجل: صوت رفيع عال. يزعها- بالزّاي، يقال: وزعه يزعه وزعا فهو وازع: وهو الذي يكفّ النّاس ويحمل أولهم على آخرهم. رويدا: اسم فعل أمر، بمعنى أمهل. اليوم يوم: برفع اليومين، ونصب الأول ورفع الثاني.

شرح غريب شعر ضرار بن الخطاب - رضي الله عنه

الملحمة: الحرب وموضع القتال، والجمع ملاحم، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسّدى، وقيل هي من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيهما. تستحلّ- بالبناء للمفعول. الحرمة- بالرفع نائب الفاعل. حبّذا- بحاء مهملة مفتوحة، فموحدة، فذال معجمة،: أي هو حبيب، جعل «حبّ» و «ذا» كشيء واحد، وهو اسم، وما بعده مرفوع به، ولزم «ذا» حبّ. الذمار- بالذّال المعجمة المكسورة، وتخفيف الميم، وبالرّاء: الهلاك أو حين الغضب للحريم والأهل، يعني الانتصار لمن بمكّة، قاله غلبة ومحجزا، وقيل: أراد حبّذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من المكروه. القصواء- كحمراء. أنشدك الله- بفتح الهمزة، وضم الشين المعجمة- سألتك وأقسمت عليك به. كذب سعد: أخطأ. المرحمة: الرقة والتّعطّف. صولة- بفتح الصاد المهملة، وسكون الواو: أي حملة. شرح غريب شعر ضرار بن الخطاب- رضي الله عنه لجأ إليه بالهمز وتركه للوزن. لات حين لجاء: أي ليس الوقت وقت لجاء. سعة الأرض- بفتح السّين. حلقتا: تثنية حلقة. البطان- بكسر الموحدة- للقتب: الحزام الّذي يجعل تحت بطن البعير، يقال التقت حلقتا البطان للأمر إذا اشتدّ. نودوا- بالبناء للمفعول. الصّيلم- بصاد مهملة مفتوحة، فتحتية ساكنة، فلام مفتوحة: الدّاهية. الصّلعاء- بصاد مهملة مفتوحة، فلام ساكنة، فعين مهملة ممدودة، قال في النور: كأنه عطف الصّلعاء على الصّيلم، وحذف حرف العطف للنّظم، وهو جائز في غير النّظم أيضا. قاصمة الظّهر: كاسرته.

الحجون- بفتح الحاء المهملة، وضمّ الجيم المخففة: الجبل المشرف على مقبرة مكة. البطحاء: الأبطح. النّسر- بفتح النّون: النجم المعروف، وهما نسران، النّسر الطّائر، والنّسر الواقع. العوّاء- بعين مهملة مفتوحة، فواو مشددة، ويقال بالعدوة من منازل القمر، وهي خمسة أنجم يقال لها ورك الأسد، ومن مدها فهي عنده من عويت الشيء إذا لويت طرفه. وقال السّهيليّ: والأصحّ في معناها أن العوّاء من العوّة، وهي الدّبر، وكأنهم أسموها بذلك لأنها دبر الأسد من البروج. وغر الصّدر- بفتح الواو وكسر الغين المعجمة، وبالرّاء: اسم فاعل، والوغرة: شدة توقد الحرّ. لا يهم- بفتح التحتية وضم الهاء. تلظّى: أصله تتلظّى: تلهب. جاءت: أخبرت. هند: هي بنت عتبة. بالسّوءة السّوءاء، بالخلة القبيحة. ابن حرب: هو أبو سفيان بن حرب. أقحم اللّواء: الإقحام، إرسال في عجلة. يا حماة الأدبار: جمع دبر، والمراد به هنا الظّهر. ثابت- بثاء مثلثة وبعد الألف موحدة ففوقية ساكنة: أي رجعت. البهم- بضم الموحدة، وفتح الهاء، قال أبو عبيدة البهمة بالضّمّ: الفارس الّذي لا يدرى من أين يؤتي من شدّة بأسه، والجمع بهم، ويقال أيضا للجيش بهمة. الهيجاء- بالمد وتقصر: الحرب. الفقعة- بفاء مكسورة، فقاف، فعين مهملة مفتوحة، جمع فقع- بكسر الفاء وفتحها وسكون القاف ضرب من الكمأة، وهي البيضاء الرّخوة، يشبه به الرجل الذّليل يقال هو فقع بقرقر [ (1) ] ، لأن الدّواب تنجله بأرجلها.

_ [ (1) ] القرقر في الأراض المنخفضة اللينة، انظر المعجم الوسيط 2/ 736.

القاع: المكان الواسع المستوي في وطاءة من الأرض. الإماء: جمع أمة، وهي خلاف الحرّة. انهينه: فعل أمر من نهى أكّد بالنّون. الأسد- بضمّ الهمزة وسكون المهملة جمع أسد بفتح الهمزة والمهملة. لدى: بمعنى عند. الغاب، والغابات: جمع غابة، وهي هنا أجمة الأسد. والغ- بالغين المعجمة: اسم فاعل من ولغ في الإناء. الحيّة الصّماء: التي لا تسمع. صنو أبيه، الصّنو: المثل. أما والله- بفتح الهمزة، وتخفيف الميم. ركبوها منه: [أي فعلوها معه] لأضر منّها عليهم نارا: أشعلها عليهم. استبطنتم: يقال استبطن الوادي وتبطّنه: دخل بطنه. أشهب بازل: أي رموا بأمر صعب شديد لا طاقة لهم به يقال يوم أشهب وسنة شهباء، وجيش أشهب: أي قويّ شديد، وأكثر ما يستعمل في الشّدّة والكراهة، وجعله بازلا لأن بزول البعير نهايته في الشدة والقوّة. النجاء: السرعة، يقال هو ينجو نجاء إذا أسرع. قبل- بكسر القاف وفتح الموحدة: أي طاقة وإنّما عطفها عليه لتغاير اللّفظ. قاتله الله: أي قتله ولعنه، أو عاداه، وقد ترد بمعنى التّعجّب من الشّيء، كقولهم: تربت يداه، ولا يراد بها وقوع الشيء. الحميت- بفتح المهملة، وكسر التّحتية، وبالفوقية- وهي في الأصل المتين من كل شيء، والمراد هنا: زقّ السمن.. بالسين والميم متن بالرّبّ ولا يسعر عليه، شبهته بنحى السّمن في لونه وسمنه. الدّسم- بدال فسين مكسورة مهملتين: الكثير الودك. ما الأحمس: الشّجاع. قبح: القبح: ضد الحسن، وقد قبح قباحة فهو قبيح، ويقال قبّحه الله، أي نحّاه عن

شرح غريب ذكر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله وشرح غريب ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - مكة وأين نزل

الخير، فيجوز في لفظ الكثرة قبح- بفتح القاف، وضم الموحدة، وقبّح بالبناء للمفعول. الطّليعة: الذي يحرس القوم. شرح غريب ذكر من أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقتله وشرح غريب ذكر دخوله- صلّى الله عليه وسلم- مكة وأين نزل الساعي هنا: الذي يأخذ الزكاة، وفي رواية مصدّقا- بفتح الصاد وتشديد الدّال مع كسرها، ويجوز إسكان الصّاد مع كسر الدّال المخفّفة. القينة- بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون فتاء تأنيث: الأمة غنّت أو لم تغنّ والماشطة، وكثيرا ما يطلق على المغنية من الإماء. المغفر- بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة، وفتح الفاء، وبالراء: زرد ينسج منه الدّروع على قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة. ذو طوى- بتثليث الطّاء المهملة، والفتح أشهر: واد بمكّة، مقصور منون، وقد يمدّ، يصرف ولا يصرف. المدجّج- بضم الميم، وفتح الدال المهملة والجيم الأولى المشددة. شاك في السلاح تدجّج في شكته وحدّ في سلاحه. القناة: الرّمح. الأفواه: جمع فوه: وهو الفم. المزاد- بفتح الميم، والمزايد جمع مزادة، وهي شطر الرواية. الخندمة- بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدّال المهملة، فميم فتاء تأنيث: اسم جبل بمكّة. الرعدة- بكسر الرّاء. فرس عاير- بعين مهملة فتحتية: ذاهب. معتجرا، الاعتجار: التعمّم بغير ذؤابة. شقة برد: نصفه. حبرة- بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة: ضرب من ثياب اليمن. استشرفه النّاس، قال في الصحاح: استشرفت الشّيء: رفعت نظرك لتنظر إليه، وبسطت كفك فوق حاجبك كالّذي يستظلّ من الشّمس.

العثنون- بضم العين المهملة والنون وبينهما ثاء مثلثة ساكنة: اللّحية. واسطة الرّحل: مقدمته. تمعج: تسير في كل اتجاه. ثابت- بثاء مثلّثة فألف، فموحدة ففوقية: رجعت. عمامة خرقانيّة- بفتح الخاء المعجمة وضمّها، وسكون الراء، وبالقاف، وكسر النون، وتشديد التحتية، قال في النهاية كأنّه لواها ثم كوّرها كما يفعله أهل الرّساتق [ (1) ] ، ورويت بالحاء المهملة. المرط- بكسر الميم، وسكون الراء، وبالطاء المهملة: كساء من صوف، أو خز، أو كتان، والجمع مروط. مرحّل- بضم الميم، وفتح الراء والحاء المهملة المشددة: ضرب من برود اليمن، عليه تصاوير رحل وما أشبهه، وفي التكملة هو الموشى بالرحال، كما أنّ المسهّم الموشى تشبيها بالسّهام. تثير: ترفع. النّقع: الغبار. الأعنّة: جمع عنان- بكسر العين وهو سير اللّجام. مسرجات- بميم مضمومة، فسين مهملة فراء فجيم: مشدود عليها السّرج. الخمر- بضم الخاء المعجمة، وبالرّاء: جمع خمار، وهو ثوب تغطّي به المرأة رأسها، والخمر- بفتح الخاء المعجمة، والميم: ما واراك من شجر. مجنّبة الجيش- بميم مضمومة فجيم مفتوحة: فنون مكسورة مشددة فموحدة فهاء: وهي التي تكون في الميمنة والميسرة وهما مجنّبتان، وقيل: هي الكتيبة تأخذ إحدى ناحيتي الطّريق، والأوّل أصح. سليم- بضم السين المهملة. غفار- بكسر الغين المعجمة. مزينة- بضم الميم، وفتح الزّاي، وسكون التحتية، وبالنون. اللّيط- بكسر اللّام الثّانية، وسكون التحتية، وآخره طاء مهملة.

_ [ (1) ] الرساتق: فارسي معرب وهو السواد، انظر اللسان 3/ 1640.

الحسّر- بضم الحاء، وفتح السّين المشددة المهملتين وآخره راء: وهم الّذين لا درع عليهم. البياذقة بفتح الموحدة، وتخفيف التحتيّة، وبعد الألف ذال معجمة، فقاف، فتاء تأنيث: وفسّر بالرجّالة، وهي لفظة فارسيّة معرّبة. أقبل بالصّف من المسلمين ... ينصبّ- بفتح التحتية، وسكون النون، وفتح الصّاد المهملة، وتشديد الموحّدة. عنوة: يقال عنا عنوة: أخذ الشّيء قهرا وصلحا، والمراد هنا الأوّل. ضوى إليه: آوى إليه وانضم. هذيل- بضم الهاء، وفتح الذال المعجمة، وسكون التّحتية، وباللّام. الديل- بكسر الدال المهملة، وسكون التّحتية. فمالي علّة ... وألّة- بفتح الهمزة، وتشديد اللّام المفتوحة، فتاء تأنيث: الحربة التي في نصلها عرض، وجمعها ألّ- بفتح الهمزة، وتشديد اللّام، والألّ كجفنة وجفان. ذو غرارين بغين معجمة مكسورة، وراءين بينهما ألف: شفرتا السّيف وكل شيء له حدّ فحدّه غرره، والجمع أغرّة. السلّة- بكسر السين المهملة، وتشديد اللّام المفتوحة فتاء تأنيث: الحالة من السّيف ومن أراد المصدر فتح. قال في الصحاح: أتيناهم عند السّلّة، أي عند إسلال السّيوف. الحزورة: بحاء مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فواو مفتوحة فراء: كانت سوقا بمكة وأدخلت في المسجد لمّا زيد فيه. لجّة البحر- بضم اللام وتشديد الجيم: معظمه، ومنه بحر لجّيّ، واسع اللّجّة. نال ... الفارسيّة ... الشّعار- ككتاب: العلامة في الحرب. حماس- بكسر الحاء المهملة، وتخفيف الميم، وبعد الألف سين مهملة. إنك- بكسر الكاف، خطاب المؤنث. بو يزيد: حذف همزته تخفيفا، لضرورة الشّعر، وأراد به سهيل بن عمرو.

المؤتمة- بميم، فواو، ففوقية مفتوحة: التي قتل زوجها وبقي لها أيتام، ومن رواه بكسر الفوقية: أراد لها أيتام، يقال منه أيتمت فهي مؤتمة. الجمجمة: الرأس. تسمع- بالبناء للمفعول. وفي كثير من النّسخ تسمعي. الغمغمة- بغينين معجمتين مفتوحتين بعد كل واحدة ميم، الأولى ساكنة، والثّانية مفتوحة: أصوات غير مفهومة من اختلاطها. قال في الروض، وقال في الإملاء هي أصوات الأبطال في الحرب. النّهيت- بفتح النون، وكسر الهاء، وسكون التحتية ففوقية: نوع من صياح الأسد كالزّئير إلا أنه دونه. همهمة: صوت في الصّدر. كرز- بكاف مضمومة، فراء ساكنة فزاي. الفهريّ- بكسر الفاء، وسكون الهاء. البارقة: لمعان السيوف. فضض المشركين- بفاء وضادين معجمتين: كل متفرّق ومنتشر. فأتى- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكر له ببنائهما للمفعول. وبّشت: بفتح الواو وبالموحدة المشددة وبالشين المعجمة: جمعت الأوباش الجموع من قبائل شتّى. اهتف: صح والهاتف الصائح. المناوشة في القتال: تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا. احصدوهم- بهمزة وصل، فإن ابتدأت ضممت، وبالحاء والصاد المهملتين: أي اقتلوهم وبالغوا في استئصالهم. أبيدت- بالبناء للمفعول: أهلكت، وفي رواية أبيحت- بالبناء للمفعول أي انتهبت وتمّ هلاكها، والإباحة كالنّهب وما لا يردّ عنه. خضراء قريش- بخاء مفتوحة فضاد ساكنة معجمتين وبالمد: جماعتهم وأشخاصهم والعرب تكنّي بالسّواد عن الخضرة، وبالخضرة عن السّواد ومنه سواد العراق. لا قريش بعد اليوم: ...

شرح غريب ذكر اغتساله - صلى الله عليه وسلم - ورن إبليس وإسلام أبي قحافة وغريب خطبته - صلى الله عليه وسلم

تقاسموا: تحالفوا. الخيف: ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء. كنانة- بكسر الكاف، ونونين. رجّع صوته- بفتح الراء، والجيم المشددة: ردده في القراءة، قال ... مضطربا بالحجون: مقيما به. شرح غريب ذكر اغتساله- صلى الله عليه وسلّم- ورن إبليس وإسلام أبي قحافة وغريب خطبته- صلى الله عليه وسلّم سبحة الضحى- بضم السين المهملة، وسكون الموحّدة، وبالحاء المهملة: من التسبيح كالسحرة من التسحير، وأكثر استعمالها في التّطوع من الذكر والصّلاة. الرّنّة- بفتح الرّاء والنّون: الصوت بحزن. النّوح- بفتح النون، وواو ساكنة، فحاء مهملة: البكاء. الشّرر- بشين معجمة مفتوحة فراءين أولاهما مفتوحة: ما تطاير من النار. التّامّات: الكاملات فلا يدخلهنّ نقص ولا عيب، وقيل: النافعات الشّافيات. لا يجاوزهنّ- بمثناة تحتية مضمومة، ثم جيم وزاي، لا يخلفهن ويتخطّاهن. البرّ- بفتح الموحدة، والبار: الصادق أو التّقي، وهو خلاف الفاجر، وجمع الأوّل أبرار، والثّاني بررة. الطّارق: الّذي يأتي ليلا. حبشيّة: منسوبة إلى الحبشة. شمطاء: خالط سواد شعرها بياض. خمشت المرأة وجهها بظفرها خمشا من باب ضرب: جرحت ظاهر البشرة، ثم أطلق الخمش على الأثر، والجمع خموش مثل فلس وفلوس. الويل: كلمة تقال لمن وقع في هلكة أو بليّة لا يترحّم عليه. إساف بكسر الهمزة، ونائلة- بنون فألف، فهمزة على صورة الياء: اسما صنمين. أبو قحافة- بضمّ القاف، وبالحاء المهملة، والفاء، عثمان بن عامر والد أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنهما. أشرفي بي، ارتفعي بي.

الوازع- بالزّاي: الّذي يكفّ الجيش، أي يقدم بعضه على بعض يقال وزعته عن كذا إذا كففته عنه. الطّوق هنا: القلادة. الورق- بفتح الواو، وكسر الرّاء، الفضة. الثّغامة- بثاء مثلّثة مفتوحة، فغين معجمة: شجرة إذا يبست ابيضّت أغصانها يشبّه بها الشّيب. أنشد الله رجلا: أذكّره به وأستعطفه أو أسأله به مقسما. أخيّة: تصغير أخت. لم قاتلت: ما الاستفهامية دخلت عليها اللّام الجارة فحذفت ألفها. رشقونا: رمونا. وضعوا فينا السّلاح: حطوه. خبطوهم- بخاء معجمة فموحدة فطاء مهملة: ضربوهم ضربا شديدا. أبو أحيحة- بمهملتين- مصغر. الجياد- بجيم مكسورة، فتحتية مفتوحة، فألف، فدال مهملة، جمع جيّد: ضد الرّديء. متمطّرات- بضم الميم، وفتح الفوقية، وكسر الطاء المهملة المشددة، وبالراء، يقال: تمطّر به فرسه: إذا جرى وأسرع، وجاءت الخيل متمطّرة، أي سبق بعضها بعضا. المحجن- بميم مكسورة، فحاء مهملة ساكنة، فجيم مفتوحة فنون، وهي عصا مقنعة الرأس كالصولجان. ارتجّت مكّة: اضطرب أهلها. الرّصاص- بفتح الرّاء، والمفرد رصاصة. هبل- بضم الهاء وفتح الموحّدة، وباللّام. وجاه- بواو مكسورة فجيم: مقابل. آخذ بمد الهمزة، وكسر الخاء، وبالذّال المعجمتين: اسم فاعل. سية القوس- بكسر السين المهملة، وفتح التحتية المخففة: وهو ما عطف من طرف القوس. يطعن- بضم العين وفتحها.

شرح غريب ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح

الاستلام: افتعال من السّلام، كأنّه حيّاه بذلك، وقيل: هو افتعال من السّلام بكسر السّين، وهي الحجارة، ومعناه: لمسه. الحجر- بفتح الحاء والجيم. الملوّح بضم الميم وفتح اللّام، وتشديد الواو المفتوحة، فحاء مهملة. إيه إيه ... يستقسم: يضرب. بالأزلام، جمع زلم- بضمّ الزّاي، ويقال: بفتحها، وهو السّهم. حمامة من عيدان- بفتح العين المهملة، وسكون التحتية، جمع عيدانة، وهي النّخلة الطّويلة. سطرين بسين مهملة، ووقع في رواية السهيلي بالشين المعجمة، وخطّأه القاضي. قوله: وعند المكان الّذي صلّى فيه مرمرة- بسكون الرّاء بين الميمين المفتوحين، واحدة المرمر، وهو جنس من الرّخام لطيف نفيس معروف، وكان ذلك في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم غيّر بناء البيت بعد في زمن ابن الزّبير كما تقدّم. برّة- بموحّدة مفتوحة، فراء مشددة فمثناة فوقية. شرح غريب ذكر خطبته- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح استكف له الناس- بفتح أوله، وسكون السين المهملة، وفتح الكاف، وبالفاء: أي استجمع، من الكافة، وهي الجماعة، وقد يجوز أن يكون استكفّ هنا بمعنى نظروا إليه، وحدقوا أبصارهم فيه، كالّذي ينظر في الشّمس، من قولهم: استكف بالشّيء إذا وضعت كفّك على حاجبك ونظرت إليه، وقد يجوز أن يكون استكف هذا بمعنى استمد، قاله في الإملاء. وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث» قال السهيلي، وابن حزم، والبلاذري: كان لربيعة بن الحارث ابنا مسترضعا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل في الجاهلية، فأهدر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دمه في فتح مكة وسماه البلاذري، والزبير بن بكار، وابن حزم وغيرهم: آدم، وقيل: اسمه ثمام، وقيل إياس. الأحزاب: وهم الّذين تحزّبوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالخندق من قريش وغيرهم. لا تثريب: لا تعنيف ولا لوم. الطلقاء- بطاء مهملة مضمومة، فلام مفتوحة فقاف: الّذين خلّى سبيلهم.

مأثرة- بهمزة ساكنة فثاء مثلثة مفتوحة: الخصلة المحمودة التي تؤثر ويتحدّث بها. سدانة البيت: بكسر السّين، وبالدّال المفتوحة المهملتين، وبعد الألف نون: خدمته. النّخوة: العظمة والكبر. لا يعضد- بالعين المهملة، والضّاد: لا يقطع. عضاها، العضاة ككتاب شجر الشوك كالطلح والعوسج. ولا يختلى- بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة: لا يقطع. الخلى- بالقصر: الرّطب من الحشيش، الواحدة خلاه. وكان شيخا مجربا- بضم الميم، وفتح الجيم والراء: أي جرّبته الأمور وأحكمته. الإذخر- بكسر الهمزة وسكون الذّال، وكسر الخاء المعجمتين: نبات معروف ذكيّ إذا جفّ ابيضّ. القين- بفتح القاف، وسكون التحتية، وبالنّون: الحدّاد، ويطلق على كل صانع، والجمع قيون، مثل عين وعيون. وللعاهر الحجر: أي إنما ثبت الولد لصاحب الفراش وهو الزوج، وللعاهر الخيبة ولا يثبت له نسب، وهو كما يقال: وله التّراب، أي الخيبة، لأنّ بعض العرب كان يثبت النسب من الزّاني، فأبطله الشرع. لا جلب- بفتح الجيم واللّام، وبالموحّدة، فسّر بأنّ ربّ الماشية لا يكلّف جلبها إلى البلد ليأخذ السّاعي منها الزّكاة، بل تؤخذ زكاتها عند المياه. ولا جنب- بفتح الجيم والنّون، وبالموحدة: أي إذا كانت الماشية في الأفنية فتترك فيها ولا تخرج إلى المرعى، فيخرج السّاعي لأخذ الزّكاة لما فيه من المشقّة. فأمر بالرّفق من الجانبين. الأفنية: جمع فناء ككتاب: الوصيد، وهو سعة أمام البيت، وقيل: ما امتد من جوانبه. اشتمال الصّماء: أي يجلّل جسده كله بكساء أو إزار لا يرفع شيئاً من جوانبه. أخالكم: أظنكم. خالدة: دائمة لكم. تالدة- بالفوقية كصاحبة، والتّالد: القديم، قال المجبّ الطبري- رحمه الله تعالى-: إنّها لكم من أوّل ومن آخر، وتكون تالدة إتباعا لخالدة بمعناه.

شرح غريب ذكر إسلام عبد الله بن الزبعرى - رضي الله عنه

مضطبع بثوبه: اسم فاعل من الاضطباع: وهو أن يدخل ثوبه من تحت إبطه اليمنى ويلقيه على عاتقه الأيسر، ويتعدى بالباء، فيقال: اضطبع بثوبه، قال الأزهري: والاضطباع والتوشّح والتأبط سواء. أمّا الرجل- بفتح الهمزة وتشديد الميم. يقضى- بالبناء للمفعول، وكذلك قضي، والوحي، نائب للفاعل. الضّنّ برسول الله- صلى الله عليه وسلم- بكسر الضاد المعجمة الساقطة، وتشديد النّون، أي بخلا به، وشحا أن يشاركنا فيه أحد غيرنا. يطئون عقبه: يتبعونه، وموطأ العقب: سلطان يتّبع. تفوّهت: تلّفظت. قرن- بقاف مفتوحة، فراء ساكنة، وهي في الأصل: الجبل الصغير. المسفلة- بميم مفتوحة فسين مهملة ساكنة ففاء، فلام مفتوحتين: موضع بأسفل مكة. يوضع فيه: يسرع. الجعرّانة- لا خلاف في كسر الجيم، وأهل الحديث يكسرون عينه، وأهل الأدب يسكنون العين ويخفّفون الرّاء. قال في المراصد: والصحيح أنهما لغتان، قال علي بن المدني: أهل المدينة يثقّلون الجعرّانة، وأهل العراق يخفّفونها، وهي منزل بين الطائف ومكّة، وهي إليها أقرب. عرنة- بضم العين المهملة وفتح الراء وبالنون: واد قرب عرفات. شرح غريب ذكر إسلام عبد الله بن الزّبعري- رضي الله عنه الزبعري هو بزاي، فموحّدة مكسورتين، فعين مهملة ساكنة، فألف مقصورة. لا تعد بفتح الفوقية وسكون العين المهملة. من حرف جرّ، وفي رواية لا تعد من من العدم، أكّد بالنّون، ورجلا- عليها- مفعول. نجران- بنون مفتوحة، فجيم ساكنة، فألف فنون: مدينة باليمن. الأحذ- بالحاء المهملة، والذّال المعجمة: القليل المنقطع، ومن رواه بالجيم والدال المهملة: فهو منقطع أيضا. وقد يجوز أن يكون معناه في عيش لئيم جداً بليت من البلى وهو العدم والقدم. القناة: الرمح.

خوّارة- بخاء معجمة مفتوحة، فواو مشددة فراء: ضعيفة. جوفاء- بجيم مفتوحة فواو ساكنة ففاء فألف فهمز.: واسعة. ذات وصوم- بواو مضمومة فصاد مهملة فواو فميم: فتور وكسل وتوان أجلب عليه: جمع ما قدر عليه من جنده. يجب ما قبله: يقطعه ويمحاه. لساني راتق: سادّ، تقول: رتقت الشّيء إذا سددته. ما فتقت: أحدثت من ذنب، فكلّ إثم فتق وتمزيق، وكلّ توبة رتق البور- بالموحّدة: الهلاك.. أباري: أعارض، وأجاري. سنن الغيّ: طرقه. المثبور: الهالك. البلابل: الوساوس. الهموم: الأحزان. معتلج: مضطرب يركب بعضه بعضا. الرّواق: طائفة من الليل، وأرواقه: أثناء ظلمته. البهيم: الّذي لا ضياء فيه. عيرانة: ناقة تشبه العير في شدّته ونشاطه والعير- بفتح العين: حمار الوحش. غشوم- بغين، فشين معجمة: ظلوم، يعني أن مشيها فيه خفاء، ومن رواه رسوم، فمعناه: أنها ترسم الأرض وتؤثّر فيها من شدة وطئها، والرّسم: ضرب من سير اللّيل. أسديت: صنعت وحكيت، يعنى ما قاله من الشّعر قبل إسلامه. أهيم: أذهب على وجهي متحيرا. أغوى بالغين المعجمة. خطّة- بضم الخاء المعجمة، وبطاء مهملة: أي بأشرّ أمر وأقبحه. سهم- بفتح السين المهملة، وسكون الهاء. مخزوم- بالخاء والزاي المعجمتين.

شرح غريب ذكر إسلام عكرمة وصفوان بن أمية وهند بنت عتبة

أسباب الردى: طرق الهلاك. الوشاة- بضم الواو: جمع واش وهو النّمّام. الأواصر: قرابة الرّحم من النّاس. الحلوم- بضم الحاء المهملة، واللّام: العقول. فدى- بكسر الفاء، وتفتح، قال في الصحاح: إذا كسر يمدّ ويقصر، وإذا فتح فهو مقصور انتهى والمفاداة: أن تدفع رجلا وتأخذ رجلا، فالفداء أن تشريه أو تنقذه بمال، وفديته بأبي وأمي كأنك اشتريته وخلّصته بهما، إذا لم يكن أسيرا، فإن كان أسيرا مملوكا قلت: فاديته، والمراد بالفداء هنا التّعظيم، لأنّ الإنسان لا يفدي إلا من يعظّمه. فيذل نفسه، ومن يعز عليه به. زللي: خطيئتي. علم- بفتح العين واللّام. الجسيم: العظيم. القرم- بفتح القاف، وسكون الرّاء: وأصله الفحل من الإبل. الذّرى- بضم الذال المعجمة: الأعالي. الأروم: الأصول. شرح غريب ذكر إسلام عكرمة وصفوان بن أميّة وهند بنت عتبة ضوى إليه بفتح الضاد المعجمة: مال. الشّعيبة- بالشّين المعجمة، والعين المهملة تصغير شعبة: مرفأ السفن بجدة. والمرفأ- بميم فراء فهمز: الموضع الذي تشدّ فيه السّفن. عكّ- بفتح العين المهملة وتشديد الكاف: حيّ منسوب إلى عكّ بن عدنان- بضمّ العين، وسكون الدال المهملتين، وبالثّاء المثلّثة ابن عبد الله بن الأزد. تليح بمثناة فوقية فلام فمثناة تحتية فحاء مهملة: تبصر، يقال لحته أبصرته، والاستلاح التّبصّر. النّوتيّ: الملّاح الّذي يدبّر أمر السّفينة في البحر. أغرب- بغين معجمة: أبعد. الاعتجار بالعمامة: وهو أن يلفها على رأسه، ويردّ طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.

شرح غريب ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - ثاني يوم الفتح

آمنه- بمدّ الهمزة وفتح الميم المخففة. سيّره شهرين- بفتح السين والتحتية المشددة. شفير النّار: جانبها. القدوم- بقاف مفتوحة، فدال مضمومة تخفف وتشدد هنا: آلة النجار. أفلذه- بهمزة مضمومة ففاء ساكنة فلام فذال معجمة: أقطعه. مرضوفين- بميم فراء [فضاد] فواو ففاء مفتوحة: مشويين على الرّضف وهي الحجارة المحماة. قدّ- بقاف مفتوحة فدال مهملة: جلد السّخلة. شرح غريب ذكر خطبته- صلى الله عليه وسلّم- ثاني يوم الفتح قوله غزيّ- بغين فزاي معجمتين، وتشديد التحتية: جماعة القوم الذين يغزون. جنيدب بن الأدلع. هذيل- بضم الهاء وفتح الذال المعجمة، وسكون التّحتية، وباللام. الغطيط: ما يسمع من صوت الآدميّين إذا ناموا، وهو صوت من الحلق. الحاضر: القوم الّذين ينزلون على الماء. فمه: ما الاستفهامية أبدلت ألفها هاء في الوقف، والمعنى فما تريدون أن تضعوا [يستجيش عليه: بمثناة فسين مهملة فمثناة فوقية فجيم فتحتية: أقبل إليهم يطلب سكون الجأش بهمز وقد لا يهمز. وهو رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع وتنفس الإنسان] . هكذا عن الرجل: هي هنا اسم سمّي به الفعل، ومعناه: تنحوا عن الرّجل، وعن متعلقة بما في هكذا من معنى الفعل. الحشوة- بالحاء المهملة المفتوحة: ما اشتمل عليه البطن من الأمعاء وغيرها تسيل: تخرج. تزنقان- بفوقية فزاي فنون فقاف أي قربتا أن تنغلقا، يقال زنقت الشمس إذا دنت للغروب وزنقه النّعاس إذا ابتدأه قبل أن تنغلق عينه انجعف- بنون فجيم فعين مهملة ففاء: سقط سقوطا ثقيلا.

شرح غريب قصيدة حسان بن ثابت - رضي الله عنه

شرح غريب قصيدة حسان بن ثابت- رضي الله عنه عفت: درست وتغيّرت. ذات الأصابع، والجواء- بكسر الجيم، وتخفيف الواو، وعذراء بفتح العين المهملة، وسكون الذّال وراء وبالمد: الثلاثة مواضع بالشّام، والأخيرة قرية بقرب دمشق. منزلها خلاء: فارغ. الحسحاس- بحاء مفتوحة فسين فحاء فألف فسين مهملات: حيّ من بني أسد. قفر- بفتح القاف، وسكون الفاء، وبالرّاء: المفازة الّتي لا نبت فيها ولا ماء. تعفّيها- بضمّ الفوقية، وفتح العين المهملة، وكسر الفاء المشددة: تغيرها. الرّوامس- بالرّاء والسّين المهملتين: الرّياح التي ترمس الآثار، أي تغطيها وتسترها. السّماء- هنا- المطر. تثير- بضم الفوقية وكسر الثّاء المثلّثة، وسكون التحتية وبالراء: ترفع. النّقع- بفتح النون وإسكان القاف وبالعين المهملة: الغبار. كداء- بفتح الكاف والمد. الأعنّة: جمع عنان- بكسر العين المهملة: وهو سير اللجام. مصغيات: مستمعات. الأسل- بفتح الهمزة والسين المهملة: الرّماح. الظّماء بكسر الظاء المعجمة المشالة وبالمد: العطاش. الجياد- هنا: الخيل. متمطّرات- بطاء مهملة مكسورة مشددة مصونات أو مسرعات يسبق بعضهن بعضا. يلطمهن: يضربهن بالخمر- بضم الخاء المعجمة، والميم، جمع خمار. إمّا- بكسر الهمزة، وتشديد الميم، أصله إن الشّرطية وما زائدة. تعرضوا- حذف النون للجازم. الجلاد- بكسر الجيم: الضّرب بالسّيوف ونحوها في القتال. ليس له كفاء- بكسر الكاف وبالمد: أي مثلا. وقال الله قد أرسلت عبدا: أي قال الله- تعالى- معناه، وليس هذا اللفظ في القرآن وكذا وقال الله قد سيّرت جندا.

البلاء: الاختبار. عرضتها- بضم العين المهملة، وسكون الرّاء وبالضّاء المعجمة- اللقاء: عادتها تعرض للقاء عدوها. نحكم بالقوافي من هجانا- بضمّ النّون، وفتحها: أي نرد ونقدع، من حكمة الدّابة بفتح المهملة وسكون الكاف وهو لجامها، والمعنى: نغمهم ونخزيهم فتكون قوافينا كالحكمات للدّواب. أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب- قيل أسلم في السفر، وهذا مما يقوّي أنّ بعض هذه القصيدة قالها قبل السفر للفتح. مغلغلة- بغينين معجمتين، الأولى مفتوحة، والثانية مفتوحة أيضا وبعد كل منهما لام الأولى ساكنة والثانية مفتوحة وهي الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد. برح: زال. الجفاء: الإعراض والتباعد. برا- بفتح الموحدة والراء: وهو الكثير الخير. الحنيف: المسلم، وسمي بذلك لأنه مال عن الباطل إلى الحق، والحنف: الميل. الشّيمة- بكسر الشين المعجمة، وسكون التحتية: الخلق بضم الخاء المعجمة، واللّام وتسكن. الكفو- بتثليث الكاف: المثل والنظير. فشركما لخيركما الفداء: هذا نصف بيت قالته العرب، وهو من باب قوله- صلى الله عليه وسلم- شر صفوف الرجال آخرها، يريد نقصان حظّهم عن حظّ الصّفّ الأول، ولا يجوز أن يريد- صلى الله عليه وسلّم- التفضيل في الشّر. قال سيبويه- رحمه الله تعالى- تقول مررت برجل شر منك إذا نقص عن أن يكون مثله. صارم: قاطع. لا عيب- بالتحتية والموحدة- وهو الظاهر- ويروى بالفوقية أي لا لوم فيه. الدّلاء- بكسر الدال المهملة: جمع دلو بفتحها. شبيه وقع في صحيح مسلم في مناقب حسان رضي الله تعالى عنه في هذه القصيدة أبيات.

شرح غريب أبيات أنس بن زنيم - رضي الله عنه

أولها: هجوت محمدا إلى آخره، وثانيهما: هجوت محمدا برا تقيا، وثالثها: فإن أبي ووالدتي وعرضي، ورابعها: ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع غايتها كداء، وخامسها: يبارين الأعنّة مصعدات كذا في مسلم، وفي السّيرة مصغيات، وسادسها تظل جيادنا إلى آخره، وسابعها: فإن أعرضتم إلى آخره، وثامنها: وإلا فاصبروا لضراب يوم وتاسعها: قد أرسلت عبدا وقال الله يقول الحق ليس به خفاء. وعاشرها: وقال الله قد سيّرت جندا، وحادي عشرها: تلاقي كل يوم من معدّ، وثاني عشرها: فمن يهجو، وثالث عشرها: وجبريل رسول الله فينا. شرح غريب أبيات أنس بن زنيم- رضي الله عنه وأبوه [زنيم] بضم الزّاي، وفتح النون وسكون التحتية. الذمة- بكسر الذال المعجمة: العهد. أحثّ بالحاء المهملة، والثّاء المثلثة: أسرع. أسبغ- بالسين المهملة والموحدة والغين المعجمة: أكمل. النّائل: العطاء. المهنّد: السيف المطبوع من حديد الهند. الخال- بالخاء المعجمة: ضرب من برود اليمن، سمّي بالخال الذي بمعنى الخيلاء قبل ابتذاله: [أي بلاه] السابق- هنا- الفرس. المتجرد- بكسر الراء: اسم فاعل. الذي يتجرد من الخيل فيسبقها. تعلّم- بفتحات واللّام مشدّدة: بمعنى اعلم. الوعيد: التهديد. الصرم- بكسر الصاد المهملة وسكون الرّاء وبالميم: البيوت المجتمعة. المتهمون: الذين يسكنون بتهامة، وهو ما انخفض من أرض الحجاز. المنجد: من سكن بنجد، وهو ما ارتفع من الأرض. عويمر: تصغير عمرو، وهو بن سالم كذا في النور. المخلفوا كلّ موعد- بجر كل بإضافة اسم الفاعل إليها، ويجوز نسبها في لغة. نبّوا- بنون فموحدة مشدّدة: أخبروا.

شرح غريب أبيات الشقراطيسي - رحمه الله تعالى

الطّلق- بفتح الطاء، وسكون اللّام: الأيام السّعيدة، يقال يوم طلق إذ لم يكن فيه برد ولا حرّ ولا شيء يؤذي، وكذلك ليلة طلق. عزّت: اشتدّت. العبرة- بفتح العين المهملة: الدّمعة. التّبلّد: التحير تبلدي: تصبري، أخفرت: نقضت العهد أكمد: من الكمد وهو الحزن. فتقت- بفاء ففوقية فقاف: أحدثت، أو خرجت. شرح غريب أبيات الشقراطيسي- رحمه الله تعالى وهو بشين معجمة فقاف ساكنة فراء مفتوحة فطاء فسين مهملات فتحتية. يوم مكة- جوز الإمام أبو شامة- رحمه الله تعالى نصب يوم ورفعه وجره. إذ: ظرف زمان بدل من يوم. أشرفت/ علوت عليها وظهرت على أخذها. الأمم: جمع أمّة، وهي جماعة الحيوان على الإطلاق، ومن الزّمان وغير ذلك. تضيق- بالفوقية والتحتية. الفجاج- جمع فج: الطريق الواسع بين جبلين. الوعث- بواو مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فثاء مثلثة: المكان الواسع. الدّهس- بدال مهملة فهاء مفتوحتين فسين مهملة: مالان من الأرض وسهل، ولم يبلغ أن يكون رملا تغيب فيه الأقدام ويشقّ على من مشى فيه. السّهل- بسكون الهاء- وفتحها ضرورة- وفي بعض النّسخ بضمّتين، جمع سهل وهو ما لان من الأرض، والمعنى أنّ جميع الطّرق تضيق عن ذلك الجيش. الخوافق- بالصّرف للضّرورة، وبالجرّ بدل من أمم، أي أشرفت في أمم خوافق، يقال خفقت الرّاية تخفق وتخفق- بكسر الفاء وضمّها خفقا وخفقانا، وكذلك القلب إذا اضطرب، ويجوز أن تكون خوافق صفة لأمم لا بدل، وصفها بالمفرد بعد أن وصفها بالجملة، من قولهم خفق الأرض بنعله خفقا وهو صوت النّعل، وكلّ ضرب بشيء عريض خفق ومنه خفقه بالسّيف، وخفق في البلاد خفوقا: ذهب، وخفق البرق خفقا: لمع، وخفقت الريح خفقانا: وهو خفقها أي دويّ جريها، وخفق الطّائر، أي طار، وصف تلك الأمم بسرعة الطير والسير ولمعان

الحديد، وصوت وقع الحوافر، وما يناسب ذلك مما يليق بالمعنى المقصود المستنبط من هذه الألفاظ. في اللغة، وفي بعض النسخ خوافق بالرفع جعل مبتدأ على تقدير لها خوافق يعنى رايات، أو خبرا أي هي خوافق، يعني الأمم، ويجوز أن يكون التّقدير في ذات خوافق وحذف المضاف، وكذا يجوز أن يكون التّقدير على إعراب خوافق بالجر أي ذوي خوافق، فمهما قدرنا حذف مضاف، أو قلنا هي مبتدأ أو جررناها على البدل، فالمراد بخوافق الرّايات، وإن جررناها صفة لأمم أو قلنا: التقدير هي خوافق فالخفق للأمم لا الرايات. ضاق: ضعف. ذرع الخافقين: وسعهما. الخافقان: أفقا المشرق والمغرب، لأن اللّيل والنّهار يخفقان فيهما. القاتم: المغبّر والقتام: الغبار. العجاج- بالعين المهملة وجيمين: الغبار. الجحفل- بالجرّ: وهو الجيش العظيم، قال في المحكم: ولا يكون الجيش جحفلا حتّى تكون فيه خيل. قذف بفتح القاف والذّال المعجمة، وبضمهما: أي متباعد. الأرجاء: النّواحي والأطراف. اللّجب: الصّوت والجلبة. العرمرم: الكثير. زهاء السّيل- بضم الزّاي: قدره. المنسحل- بضم الميم، وسكون النّون، وفتح السين، والحاء المهملتين: وهو الماضي في سيره، المسرع فيه. يتبع بعضه بعضا كأنه جار. البهو: البناء العالي كالإيوان ونحوه، شبه النور، الذي يغشاه- صلى الله عليه وسلّم ببهو أحاط به. مكتمل بضم الميم: تام. ينير- بضم التحتية- أي النور المذكور ينير أي يضيء «أغر الوجه: أبيضه منتجب: متخير من أصل نجيب أي كريم. المتوّج: الّذي لبس التّاج وهو الإكليل الّذي تلبسه الملوك، وهو شبه عصابة تزيّن بالجواهر، وصف النبي- صلى الله عليه وسلم- بأنه أبدا متوج بعزة النصر. مقتبل- بضم الميم، وسكون

القاف، وفتح الفوقية، وكسر الموحّدة: من اقتبل أمره أي استأنفه، واقتبل الخطبة أي ارتجلها، والاقتبال: الاستئناف. يسمو- بالتحتية: يعلو. أمام: قدّام. جنود: جمع جند. مرتديا: حال من الضمير في يسمو. ثوب الوقار: مفعول مرتديا على إسقاط الخافض والوقار العظمة. ممتثل: أي منتهج على مثاله، يقال: امتثل فلان الأمر إذا فعله على المثال الّذي رسم له. خشعت: خضعت- حسا ومعنى. البهاء: الحسن. سمت: ارتفعت. المهابة: الهيبة، فكلاهما مصدر هابه، ومعناها الإجلال والمخافة. الوجل: الخائف، جمع النّاظم بينهما لاختلاف اللّفظ تأكيدا للمعنى، أي فعلت في زمان نهاية عزك ما يفعله الخائف الوجل. تباشر القوم: بشّر بعضهم بعضا فرحا. أملاك: جمع ملك مثل حمل وأحمال. ملّكت- بضم الميم، وكسر اللّام المشدّدة، وفي بعض النّسخ بفتحهما من غير تشديد، وكلاهما واضح. نلت: حصلت [غاية الأمل] : مطلوبك. ترجف: تهتز. الزّهو: الخفّة من الطّرب، يقال: زهاه الشيء ازدهاء: إذا استخفه، والزّهو أيضا: الكبر، وليس مرادا هنا. الفرق: الفزع، يقال اهتزت الأرض فرحا بهذا الجيش وفرقا من صولته، أي كادت تهتزّ كما قال تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب 10] أي كادت تبلغ. الجوّ: ما تحت السماء من الهواء. يزهر: يضيء.

الإشراق: الإضاءة. الجذل- بفتح الجيم، والذال المعجمة: السّرور والفرح. تختال: تتبختر في مشيتها. زهوا: كبرا وإعجابا، وهذا غير معنى الزّهو السّابق، فليس بتكرار. العيس- بكسر العين: الإبل في ألوانها عيس- بفتح العين والتحتية، وهو بياض مخالط بحمرة. تنثال- بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فثاء مثلثة ولام: أي تنصبّ من كلّ جهة، يقال تناثل النّاس إليه إذا انصبّوا. رهوا بالرّاء: أي ذات رهو، وهو السّير السّهل. ثنى- بكسر الثاء المثلثة، وفتح النّون، كأنّه جمع ثنى، لأنّ كلّ أحد له ثنى إلّا أنّ هذا الجمع غير مسموع، وفي بعض النّسخ بضمّ المثلّثة وكسرها كحليّ وحلى. الجدل- بضم الجيم، والدال المهملة: جمع جديل، وهو الزّمام المجدول، أي المضفور المحكم الفتل، والزّمام ما كان في الأنف، والخطام غيره، وثنى الجدل ما أثني منها على أعناق هذه الإبل، أي انعطف وانطوى. الحول- بكسر الحاء المهملة، وفتح الواو: التّحوّل، وهو الانتقال والتغيّر. أهلّ- بفتحات واللّام مشدّدة: أي رفع صوته. ثهلان- بثاء مثلّثة: جبل. التّهليل: مصدر هلّل إذا قال: لا إله إلا الله. ذاب- بفتح الذال المعجمة. يذبل- بفتح التحتية، وسكون الذال المعجمة وضمّ الموحدّة وباللّام: جبل. التّهليل- هنا: الجبن والفزع، يقال هلّ الرّجل عن الشيء إذا فزع منه فرقا وجبنا. الذبل- بضم الذال المعجمة، والموحّدة: الرّماح الذّوابل الّتي لم تقطع من منابتها حتى ذبلت أي جفت ويبست، وإذا قطعت كذلك كانت أجود، وأصله لولا القدر الّذي خطّته الأقلام في اللوح المحفوظ، ولما سبق من قضاء الله فيه الّذي لا يتحوّل أن الجماد لا ينطق ولا يعقل لرفع ثهلان صوته فهلّل الله- تعالى- من الطّرب، ولذاب يذبل من الجزع والفرق. عقدت: بالبناء للمفعول.

الأزل- بفتح أوّله والزّاي: القدم بكسر القاف. شعبت- بفتح الشين المعجمة، والعين المهملة، وسكون الموحدة، وفتح الفوقية: أي جمعت وأصلحت. الصّدع: الشّقّ. قذفت: رمت. شعوب: اسم علم على المنيّة لا ينصرف، لأنه مشتق من شعب إذا تفرق، لأنّها تفرق الجماعات. شعاب السهل، جمع شعب: الطريق في الجبل. السّهل: خلاف الجبل، وهو ما سهل ولان من الأرض. القلل: جمع قلّة، وهي أعلى الجبل، وقلة كل شيء أعلاه. زادت: من الزّيادة. الكتائب: جمع كتيبة، وهي الجماعة من الخيل. الزئير- بالهمز: صوت الأسد في صدره. العصل- بعين فصاد مهملتين: جمع أعصل، وهو النّاب الشّديد المعوجّ. ويل: كلمة يعبر بها عن المكروه ويدعى بها فيه. آثار وطئته: مصدر وطيء بقدمه يطأ وطأ ووطأة للمرة من ذلك، ويعبر بها أيضا عن موضع القدم، وعن الأخذة والوقعة، فالمعنى على الأول: من آثار وطأته الأرض، وعلى الثّاني من آثار نكايته. الجوى- بفتح الجيم، في الأصل فساد الجوف، ثم سمي كل ما بطن من حزن أو هوى، أو همّ جوى. الهبل بفتح الهاء، والموحدة: الثّكل، مصدر هبلته أمه، أي ثكلته. جدت عفوا- يقال أعطاني فلان كذا عفوا، أي سهلا من غير عناء ولا كدّ في السّؤال والعفو: التّجاوز عن الذّنب، وترك العقوبة. ولم تلمم من ألممت بالشّيء إذا دنوت منه ونلت منه نيلا يسيرا. الأليم: الموجع. اللّوم والعذل- بفتح الذال المعجمة وسكونها متقاربان، فلمّا اختلف اللّفظ حسن

التكرير- يعني إن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يقابل أهل مكّة- ولم يعذلهم، بل عفا عنهم وصفح. أضربت: أعرضت وتركت. بالصّفح: بالعفو. صفحا: أي إعراضا. الطّوائل: جمع طائلة، أي عداوة، أي أعرضت عن نتاج طوائلهم وهي جنايتهم عليه- صلى الله عليه وسلّم. طولا- بفتح الطّاء: المنّ والإنعام والتّفضّل. المقيل في الأصل مصدر قال يقيل قولا ومقيلا وقيلولة: إذا نام في الظّهيرة أو استراح، وإن لم ينم، واستعار ذلك هنا للنّوم، وجعل له مقيلا في أعينهم، وكنّى بذلك عن لبثه واستقراره بسبب العفو عنهم والصّفح، وكان قبل ذلك نافرا عنهم بسبب الخوف من القتل والغمّ من الطرد. المقل- بضم الميم، وفتح القاف، جمع مقلة، وهي شحمة العين الّتي تجمع السّواد والبياض. واشج الأرحام- بشين معجمة مكسورة، فجيم: مختلطها ومشتبكها، من قولهم وشجت العروق والأغصان أي اشتبكت وتداخلت والتفّت وشجا ووشيجا. أتيح- بضم أوله وكسر الفوقية، وسكون التّحتية وبالحاء المهملة: قدّر وقيّض. الوشيج- بفتح الواو، وكسر الشين المعجمة، وسكون التحتية، وبجيم، ما نبت من القنا والقضب ملتفا، وقيل: سميت بذلك لأنها تنبت عروقها تحت الأرض، وقيل: هي عامة الرّماح. النّشيج- بفتح النون وكسر الشين المعجمة، وسكون التّحتيّة، وبجيم: بكاء يخالطه شهيق وتوجّع. الرّوع: الفزع، والوجل: الخوف- وهما متقاربان او مترادفان، عطف أحدهما على الآخر لمّا اختلف اللّفظان، ومعنى البيت: إنّ القوم الّذين رحمتهم فأمنتهم قرابتهم شديدة الاتصال بك. عاذوا- بذال معجمة: لجئوا بالجيم. اللّطف- بفتح اللّام- والطّاء المهملة، والفاء: اسم لما يبر به، يقال: ألطفه بكذا، أي برّه به، أي لجئوا مما كانوا فيه من حرّ الخوف، والغمّ إلى ظلّ عفو رسول الله- صلى الله عليه وسلم. أزكى: أكثر وأوسع وأطهر الخليقة: الخلائق.

أخلاقا: جمع خلق- بضم الخاء المعجمة، واللّام: وهي السّجيّة. الزّلل: التنحّي عن الحق. زان- من الزّينة. الخشوع: الخضوع. الوقار: الحلم والرّزانة. الخفر- بفتح الخاء المعجمة، والفاء: شدة الحياء. العذراء: البكر. الكلل- بكسر الكاف: جمع كلّة: وهي الصّومعة، وهي السّتر الرّقيق يخاط كالبيت. محبورا: مسرورا منعما. في شغل- بضمّ الشّين والغين المعجمتين: ممنوع من الوصول إليه. الخزي: الهوان والذّل، ويروى الرّجس- وهو القذر- موضع الخزي. الرّكس: ردّ الشّيء مقلوبا، ويروى منتكس، أي منقلب. ثاو بثاء مثلّثة، مقيم. البهموت: الحوت الذي عليه قرار الأرض. زحل: نجم معروف. حجزت: منعت. الأقطار: النّواحي، واحدها قطر- بضم القاف الحجاز ارض خاصة في جزيرة العرب حاجز بين نجد وتهامة. معا: ظرف لازم الإضافة، بمعنى المصاحبة، وموضعها نصب على الحال، ولمّا أن قطعت عن الإضافة نونت تنوين العوض. ملت بالخوف: أي أملته ونحّيته، وفي نسخة بالحيف وهو الجور والظلم، والأوّل أحسن لمقابلة الأمن ويجانس الخيف بالخاء المعجمة: وهو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه خيف منى الذي فيه مسجد الخيف، وخيف بني كنانة الذي نزل فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع، وهو الأبطح. ملل- بفتح الميم واللّام الأولى: موضع بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلا من المدينة.

حل- بفتح الحاء المهملة وتشديد اللّام: نزل. اليمن- بضمّ التحتية: البركة. اليمن- بفتح التحتية: الإقليم المعروف. حفّت جوانبه- بالبناء للمفعول، يقال حفّوا حوله، يحفّون حفا: أي طافوا به واستداروا. الملل- بكسر الميم، وفتح اللام الأولى: الأديان واحدها ملة. أطاع: انقاد. المنحرف: المائل عن دين الحق، وهو هنا الإسلام. المعترف: المقر بالشيء. المنعدل- بضم أوله، وسكون النّون، وفتح العين المهملة وكسر الدال المهملة، وباللّام: الناكب عن طريق الهدى. المعتدل- بوزنه لكن بعد العين مثنّاة فوقية، وهو المستقيم على طريق الهدى. أحبب- بحاء مهملة وموحدتين. الخلّة- بضم الخاء المعجمة: المودّة والصّداقة، وجمعها خلل- أي ما أحبها من خلة إلينا. وعز دولته، أي أحبب بعزّ دولته، أي ما أحبها عزة. الدّولة- بفتح الدال المهملة: بمعنى الإدالة وهي الغلبة. الغرّاء: البيضاء الشريفة. الدّول- بضمّ الدّال: جمع دولة.

الباب الثامن والعشرون في غزوة حنين

الباب الثامن والعشرون في غزوة حنين [وتسمى أيضا غزوة هوازن، لأنهم الّذين أتوا لقتال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال محمد بن عمر الأسلمي: حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه: أقامت هوازن سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب تجمعهم-] انتهى. قال أئمة المغازي: لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة مشت أشراف هوازن، وثقيف بعضها إلى بعض، وأشفقوا أن يغزوهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقالوا: قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا، والرأي أن نغزوه، فحشدوا وبغوا وقالوا: والله إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فأجمعوا أمركم، فسيروا في النّاس وسيروا إليه قبل أن يسير إليكم، فأجمعت هوازن أمرها، وجمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النّصريّ بالصاد المهملة- وأسلم بعد ذلك، وهو- يوم حنين- ابن ثلاثين سنة، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها، وسعد بن بكر، وناس من بني هلال، وهم قليل. قال محمد بن عمر: لا يبلغون مائة، ولم يشهدها من قيس عيلان- أي بالعين المهملة- إلا هؤلاء، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، مشى فيها ابن أبي براء فنهاها عن الحضور وقال: والله لو ناوأوا محمّدا من بين المشرق والمغرب لظهر عليهم. وكان في جشم دريد بن الصّمّة وهو يومئذ ابن ستين ومائة. ويقال عشرين ومائة سنة، وهو شيخ كبير قد عمي، ليس فيه شيء إلّا التّيمن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجرّبا قد ذكر بالشّجاعة والفروسيّة وله عشرون سنة، فلمّا عزمت هوازن على حرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سألت دريدا الرياسة عليها فقال: وما ذاك وقد عمي بصري وما استمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لأن أشير عليكم برأيي على أن لا أخالف، فإن كنتم تظنون أني أخالف أقمت ولم أخرج قالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك بن عوف، وكان جماع أمر الناس إليه، فقالوا له: لا نخالفك في أمر تراه. فقال له دريد: يا مالك إنك تقاتل رجلا كريما، قد أوطأ العرب، وخافته العجم ومن بالشام، وأجلى يهود الحجاز، إمّا قتلا وإما خروجا على ذلّ وصغار، ويومك هذا الّذي تلقى فيه محمدا له ما بعده. قال مالك: إني لأطمع أن ترى غدا ما يسرك. قال دريد: منزلي حيث ترى، فإذا جمعت النّاس صرت إليك، فلما خرج من عنده طوى عنه أن يسير بالظعن والأموال مع الناس.

فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر النّاس فخرجوا معهم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم ثم انتهى إلى أوطاس، فعسكر به، وجعلت الأمداد تأتي من كلّ جهة، وأقبل دريد بن الصّمّة في شجار له يقاد به من الكبر، فلما نزل الشيخ لمس الأرض بيده وقال: بأيّ واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس. مالي أسمع بكاء الصّغير، ورغاء البعير، ونهاق الحمير، وبعار الشّاء وخوار البقر؟ قالوا: ساق مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم فقال دريد: قد شرط لي ألا يخالفني فقد خالفني فأنا أرجع إلى أهلي وتارك ما هنا. قيل: أفتلقى مالكا فتكلمه؟ فدعي له مالك، فقال: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام. مالي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وبعار الشاء وخوار البقر؟! قال: قد سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، قال: ولم قال: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم، فأنقض به دريد وقال: راعي ضأن والله، ماله وللحرب. وصفّق دريد بإحدى يديه على الأخرى تعجّبا وقال: هل يردّ المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة، بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، فارفع الأموال والنّساء والذّراري إلى عليا قومهم، وممتنع بلادهم، ثم الق القوم على متون الخيل والرجال بين أصفاف الخيل أو متقدمة دريّة أمام الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك الفاك ذلك، وقد أحرزت أهلك ومالك. فقال مالك بن عوف: والله لا أفعل ولا أغيّر أمرا صنعته، إنّك قد كبرت وكبر علمك، أو قال عقلك. وجعل يضحك مما يشير به دريد، فغضب دريد وقال: هذا أيضا يا معشر هوازن، والله ما هذا لكم برأي، إنّ هذا فاضحكم في عورتكم، وممكّن منكم عدوّكم ولا حق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا واتركوه، فسلّ مالك سيفه ثمّ نكّسه، ثم قال: يا معشر هوازن!! والله لتطيعنني أو لأتّكئنّ على هذا السّيف حتى يخرج من ظهري- وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي- فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: والله- لئن عصينا مالكا ليقتلنّ نفسه وهو شابّ، ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه، فأجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم قد خالفوه قال: يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع أقود وطفاء الزّمع ... كأنّها شاة صدع قال ابن هشام: أنشدني غير واحد من أهل العلم: ثم قال دريد: ليتني فيها جذع يا معشر هوازن ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: ما

ذكر استعماله - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد أميرا على مكة ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - معلما لأهلها

شهدها منهم أحد. قال: غاب الحدّ والجدّ، لو كان يوم علاء ورفعة، وفي لفظ: لو كان ذكرا وشرفا ما تخلّفوا عنه، يا معشر هوازن ارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء، فأبوا عليه، قال: فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر، قال: ذانك الجذعان من بني عامر لا ينفعان ولا يضرّان، قال مالك لدريد: هل من رأي غير هذا فيما قد حضر من أمر القوم؟ قال دريد: نعم تجعل كمينا، يكونون لك عونا، إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم، وكررت أنت بمن معك، وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد، فذلك حين أمر مالك أصحابه أن يكونوا كمينا في الشعاب وبطون الأودية، فحملوا الحملة الأولى التي انهزم فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال دريد- من مقدّمة أصحاب محمد؟ قالوا: بني سليم، قال: هذه عادة لهم غير مستنكرة، فليت بعيري ينحى من سنن خيلهم، فنحيّ، بعيره مولّيا من حيث جاء. ذكر استعماله- صلّى الله عليه وسلم- عتاب بن أسيد أميرا على مكة ومعاذ بن جبل- رضي الله عنهما- معلما لأهلها قالوا: لما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خبر هوازن وما عزموا عليه أراد التّوجّه لقتالهم، واستخلف عتاب بن أسيد أميرا على أهل مكة، ومعاذ بن جبل يعلمهم السّنن والفقه، وكان عمر عتّاب إذ ذاك قريباً من عشرين سنة. ذكر استعارته- صلى الله عليه وسلّم- أدرعا من صفوان بن أمية روى ابن إسحاق من رواية يونس بن بكير عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- وعن عمرو بن شعيب وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم والزهري: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما أجمع السّير إلى هوازن ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدرعا وسلاحا، فأرسل إليه- وهو يومئذ مشرك- فقال: [يا أبا أميّة أعرنا سلاحك هذا نلقى فيه عدوّنا] فقال صفوان: أغصبا يا محمد؟ قال: «لا بل عارية مضمونة حتّى نردّها إليك» قال: ليس بهذا بأس، فأعطى له مائة درع بما يكفيها من السلاح، فسأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يكفيهم حملها، فحملها إلى أوطاس. ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أمية بن صفوان، وسيأتي في أبواب معاملاته- صلى الله عليه وسلّم- ويقال أنه- صلى الله عليه وسلّم- استعار منه أربعمّائة درع بما يصلحها. قال السّهيلي: واستعار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة حنين من نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح، فقال- صلى الله عليه وسلّم- كأني أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين.

ذكر إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد ليكشف خبر القوم

ذكر إرساله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أبي حدرد ليكشف خبر القوم روى ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم- رحمهم الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا سمع بخبر هوازن بعث عبد الله بن أبي حدرد- رضي الله عنه- فأمره أن يدخل في القوم فيقيم فيهم، وقال: «اعلم لنا علمهم» فأتاهم فدخل فيهم فأقام فيهم يوما وليلة أو يومين، حتّى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسمع من مالك، وأمر هوازن وما هم عليه. وعند محمد بن عمر أنه انتهى إلى خباء مالك بن عوف فيجد عنده رؤساء هوازن، فسمعه يقول لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قوما قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فيظهر عليهم، فإذا كان السّحر فصفّوا مواشيكم ونساءكم من ورائكم، ثم صفّوا، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون، واحملوا حملة رجل واحد، واعلموا أنّ الغلبة لمن حمل أولا. انتهى. ثم أقبل حتى أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبره الخبر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب «ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد» ؟ فقال: عمر: كذب، فقال ابن أبي حدرد: والله لئن كذبتني يا عمر لربّما كذبت بالحقّ. فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد «كنت ضالّا فهداك الله» . ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للقاء هوازن روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم قال حين أراد حنينا «منزلنا غدا- إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر. وفي رواية قال: منزلنا إن شاء الله تعالى إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر» [ (1) ] . قال جماعة من أئمة المغازي: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم في اثني عشر ألفا من المسلمين، عشرة آلاف من المدينة وألفين من أهل مكة. وروى أبو الشيخ عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير اللّيثي- رحمه الله تعالى- قال: كان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعة آلاف من الأنصار، وألف من جهينة وألف من مزينة. وألف من أسلم. وألف من غفار، وألف من أشجع، وألف من المهاجرين وغيرهم، فكان معه

_ [ (1) ] تقدم.

ذكر قول بعض من أسلم، وهو حديث عهد بالجاهلية: أجعل لنا ذات أنواط

عشرة آلاف، وخرج باثني عشر ألفا، وعلى قول عروة والزهري وابن عقبة يكون جميع الجيش الذين سار بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر ألفا، لأنهم قالوا: إنه قدم مكّة باثني عشر ألفا، وأضيف إليهم ألفان من الطّلقاء. قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم السبت لستّ خلون من شوّال. وقال ابن إسحاق لخمس، وبه قال عروة، واختاره ابن جرير، وروي عن ابن مسعود قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر- رحمهم الله تعالى- ثم بعد فتح مكّة خرج رسول- صلى الله عليه وسلّم- لحنين وكان أهل حنين وفي رواية أهل مكة يظنون حين دنا منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنّه مبادر بهوازن، وصنع الله لرسوله أحسن من ذلك، فتح له مكة وأقرّ بها عينه وكبت بها عدوّه، فلما خرج إلى حنين خرج معه أهل مكة لم يغادر منهم أحدا- ركبانا ومشاة حتى خرج معه النساء يمشين على غير دين نظّارا ينظرون ويرجون الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصّدمة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم. وكان معه أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما، وجعل أبو سفيان بن حرب كلما سقط ترس أو سيف أو متاع من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نادى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أن أعطنيه أحمله حتى أوقر بعيره. قال محمد بن عمر: وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وزوجتاه أم سلمة وميمونة فضربت لهما قبة. ذكر قول بعض من أسلم، وهو حديث عهد بالجاهلية: أجعل لنا ذات أنواط روى ابن إسحاق، والترمذي- وصححه- والنسائي وابن أبي حاتم عن أبي قتادة الحارث بن مالك- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى حنين- ونحن حديثو عهد بالجاهلية فسرنا معه إلى حنين، وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة، وعند الحاكم في الإكليل سدرة خضراء- يقال لها «ذات أنواط» ، يأتونها كل سنة، فيعلّقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، فرأينا ونحن نسير مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سدرة خضراء عظيمة، فتنادينا من جنباب الطريق: يا رسول الله، اجعل لنا «ذات أنواط» كما لهم «ذات أنواط» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «الله أكبر الله أكبر الله أكبر، قلتم- والذي نفسي بيده، كما قال قوم موسى لموسى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف 138] إنها لسنن، لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة» .

ذكر الآية في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له ان هوازن قد أقبلت

ذكر الآية في قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قيل له إن هوازن قد أقبلت عن سهل بن الحنظلية- رضي الله عنه- إنهم ساروا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين فأطنبوا في السّير حتى إذا كان عشية حضرت صلاة الظهر عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا بهوازن قد جاءت عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: «تلك غنيمة للمسلمين غدا إن شاء الله تعالى» . ثم قال: «من يحرسنا اللّيلة؟» قال أنس بن أبي مرثد: أنا يا رسول الله، قال: «فاركب» فركب فرسا له، وجاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: استقبل هذا الشّعب حتّى تكون في أعلاه ولا نغرّن من قبلك اللّيلة» . فلما أصبحنا خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى مصلّاه فركع ركعتين ثم قال: «هل أحسستم فارسكم؟» قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثوب بالصلاة فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو يلتفت إلى الشّعب، حتى إذا قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» فجعل ينظر إلى خلال الشجر في الشّعب، وإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال إنّي انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشّعب حيث أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هل نزلت اللّيلة؟» قال: لا إلا مصلّيا، أو قاضي حاجة، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها» رواه أبو داود والنسائي . ذكر شعر عباس بن مرداس- رضي الله عنه- ناصحا لهوازن أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها ... منّي رسالة نصح فيه تبيان إنّي أظنّ رسول الله صابحكم ... جيشا له في فضاء الأرض أركان فيهم سليم أخوكم غير تارككم ... والمسلمون عباد الله غسّان وفي عضادته اليمنى بنو أسد ... والأجربان بنو عبس وذبيان تكاد ترجف منه الأرض ترهبه ... وفي مقدّمه أوس وعثمان قال ابن إسحاق: أوس وعثمان قبيلا مزينة. ذكر الآية في حفظه- صلى الله عليه وسلم- ممن أراد الفتك به روى محمد بن عمر عن شيوخه قالوا: قال أبو بردة- بضم الموحدة، وسكون الرّاء وبالدّال المهملة- بن نيار- رضي الله عنه- لمّا كنا بأوطاس نزلنا تحت شجرة ونظرنا إلى شجرة عظيمة فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تحتها وعلّق سيفه وقوسه، وكنت أقرب أصحابي إليه، فما

ذكر الآية التي حصلت لجواسيس المشركين في هذه الغزوة

راعني إلا صوته: يا أبا بردة، فقلت: لبيك يا رسول الله، فأقبلت سريعا فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس وعنده رجل جالس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن هذا الرّجل جاءني وأنا نائم، فسلّ سيفي، وقام به على رأسي، فانتبهت وهو يقول: يا محمد من يمنعك منّي؟ فقلت: الله تعالى، قال أبو بردة: فسللت سيفي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: شم سيفك فقلت: يا رسول الله، دعني أضرب عنق عدوّ الله، فإنّه من عيون المشركين. فقال لي: «اسكت يا أبا بردة» . قال: فما قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا ولا عاقبه. قال: فجعلت أصيح به في العسكر لأشهره للنّاس فيقتله قاتل بغير أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأما أنا فقد كفّني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قتله، فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «يا أبا بردة كف عن الرجل: فرجعت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا أبا بردة إنّ الله مانعي وحافظي حتّى يظهر دينه على الدين كله» [ (1) ] . ذكر الآية التي حصلت لجواسيس المشركين في هذه الغزوة روى أبو نعيم والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال: حدّثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أنه حدّث إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد انتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، وبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر من هوازن ينظرون إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه، وأمرهم أن يتفرّقوا في العسكر فرجعوا إليه وقد تفرّقت أوصالهم، فقال: ويلكم ما شأنكم، فقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، والله ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلّا أهل السماوات وإن اطعتنا رجعت بقومك، فإنّ الناس إن رأوا مثل الذي رأينا أصابهم مثل ما أصابنا. فقال: أفّ لكم، أنتم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلّوني على رجل شجاع، فأجمعوا له على رجل، فخرج ثم رجع إليه قد أصابه كنحو ما أصاب من قبله منهم، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت رجالا بيضا على خيل بلق، ما يطاق النظر إليهم، فو الله ما تماسكت أن أصابني ما ترى، فلم يثن ذلك مالكا عن وجهه [ (2) ] ، وروى محمد بن عمر نحوه عن شيوخه. ذكر تعبئة المشركين عسكرهم قال شيوخ محمد بن عمر: لما كان ثلثا الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين، وهو واد أجوف خطوط ذو شعاب ومضايق، وفرق النّاس فيها، وأوعز إليهم أن يحملوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه حملة واحدة. وعبأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 892. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 123.

ذكر إعجاب المسلمين كثرتهم يوم حنين

وصفّهم صفوفا في السّحر، ووضع الألوية والرّايات في أهلها، ولبس درعين والمغفر والبيضة، وركب بغلته البيضاء، واستقبل الصفوف، وطاف عليهما بعضها خلف بعض ينحدرون، فحضهم على القتال وبشّرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، وقدّم خالد بن الوليد في بني سليم وأهل مكة، وجعل ميمنةً وميسرةً وقلباً، كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فيه ذكر إعجاب المسلمين كثرتهم يوم حنين روى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن الربيع بن أنس قال: قال رجل يوم حنين: لن نغلب من قلّة، فشق ذلك على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكانت الهزيمة. وروى ابن المنذر عن الحسن قال: لمّا اجتمع أهل مكّة وأهل المدينة قالوا: الآن نقاتل حين اجتمعنا، فكره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما قالوا مما أعجبهم من كثرتهم، فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد على أحد. وروى أبو الشيخ والحاكم- وصححه- وابن مردويه والبزار عن أنس- رضي الله عنه- قال: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم فقال القوم: اليوم والله نقاتل، ولفظ البزّار، فقال غلام من الأنصار يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، لما هو إلا أن لقينا عدوّنا فانهزم القوم، وولّوا مدبرين [ (1) ] . وروى محمد بن عمر عن ابن شهاب الزهري، قال رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة. قال ابن إسحاق: حدثني بعض أهل مكة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال حين فصل من مكة إلى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله تعالى: «لن نغلب اليوم من قلّة» ، كذا في هذه الرواية [ (2) ] . والصّحيح أن قائل ذلك غير النبي- صلى الله عليه وسلم- كما سبق. قال ابن إسحاق: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قالها. وروى محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى- أن أبا بكر- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة كذا في هذه الرّواية، وبذلك جزم ابن عبد البر. قال ابن عقبة: ولمّا أصبح القوم ونظر بعضهم إلى بعض، أشرف أبو سفيان، وابنه معاوية، وصفوان ابن أمية، وحكيم بن حزام على تلّ ينظرون لمن تكون الدائرة.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 181 باب غزوة حنين. [ (2) ] المغازي للواقدي 3/ 896.

ذكر كيفية الوقعة وما كان من أول الأمر من فرار أكثر المسلمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كانت العاقبة للمتقين، وما وقع في ذلك من الآيات

ذكر كيفية الوقعة وما كان من أول الأمر من فرار أكثر المسلمين عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم كانت العاقبة للمتقين، وما وقع في ذلك من الآيات قال ابن سعد: أشهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال. روى ابن إسحاق، والإمام أحمد وابن حبان عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد من طريقين، وأبو يعلى. ومحمد بن عمر عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنهما- لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد أجوف خطوط له مضايق وشعاب، وإنما ننحدر فيه انحدارا، وفي عماية الصّبح، وقد كان القوم سبقونا إلى الوادي فمكثوا في شعابه وأجنابه ومضايقه وتهيّئوا، فو الله ما راعنا ونحن منحطّون إلّا الكتائب قد شدّوا علينا شدّة رجل واحد، وكانوا رماة. قال أنس- رضي الله عنه- استقبلنا من هوازن شيء، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط، من كثرة السّواد، قد ساقوا نساءهم وأبناءهم وأموالهم ثم صفّوا صفوفا، فجعلوا النّساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال، ثم جاءوا بالإبل والبقر والغنم، فجعلوها وراء ذلك لئلا يفرّوا بزعمهم فلما رأينا ذلك السّواد حسبناه رجالا كلهم، فلمّا انحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غبش الصّبح إن شعرنا إلّا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه، فحملوا حملة رجل واحد، فانكشفت أوائل الخيل- خيل بني سليم- مولّيه وتبعهم أهل مكة وتبعهم النّاس منهزمين ما يلوون على شيء وارتفع النقع فما منا أحد يبصر كفّه [ (1) ] . وقال جابر: وانحاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات اليمين، ثم قال: «أيها الناس هلم إلى أيها الناس، هلم إليّ أنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أنا محمد بن عبد الله» [ (2) ] . قال: فلا شيء وحملت الإبل بعضها على بعض، فانطلق النّاس. وذكر كثير من أهل المغازي: أن المسلمين لما نزلوا وادي حنين تقدمهم كثير ممن لا خبرة لهم بالحرب، وغالبهم من شبّان أهل مكة، فخرجت عليهم الكتائب من كل جهة، فحملوا حملة رجل واحد والمسلمون غارون، فرّ من فرّ، وبلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كرّوا بعد. وفي الصحيح عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: عجل سرعان القوم- وفي

_ [ (1) ] انظر مجمع الزوائد 6/ 181. [ (2) ] انظر المجمع 6/ 182- 183.

لفظة: شبان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فإنّا لمّا حملنا على المشركين انكشفوا، فاقبل الناس على الغنائم، وكانت هوازن رماة فاستقبلتنا بالسهام كأنما رجل جراد، لا يكاد يسقط لهم سهم [ (1) ] انتهى. قال: وكان رجل على جمل له أحمر، بيده راية سوداء على رمح طويل أمام هوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإن فاته النّاس، رفع رمحه لمن وراءه فاتّبعوه. فبينما هو كذلك إذ هوى له علي بن أبي طالب، ورجل من الأنصار يريدانه، فأتاه علي بن أبي طالب من خلفه فضرب عرقوبي الجمل، فوقع على عجزه، ووثب الأنصاريّ على الرّجل فضربه ضربة أطنّ قدمه بنصف ساقه، فانجعف عن رحله، واجتلد الناس، فو الله ما رجعت راجعة النّاس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى مكتّفين عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: لما انهزم النّاس ورأى من كان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلّم منهم رجال بما في أنفسهم من الضّغن. قال أبو سفيان بن حرب وكان إسلامه- بعد- مدخولا: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإنّ الأزلام لمعه في كنانته، وصرخ جبلة بن الحنبل- وقال ابن هشام: كلدة بن الحنبل- وأسلم بعد ذلك، وهو مع أخيه لأمه صفوان بن أمية، وصفوان مشرك في المدة التي جعل له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إلا بطل السّحر اليوم!! فقال له صفوان: اسكت فضّ الله فاك! والله أن يربّني رجل من قريش أحب إلي من أن يربّني رجل من هوازن. وروى محمد بن عمر عن أبي بشير- ككريم- المازني- رضي الله عنهم- قال: لما كان يوم حنين صلّينا الصّبح، ثمّ رجعنا على تعبئة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما شعرنا- وقد كاد حاجب الشّمس أن يطلع، وقد طلع- إلا بمقدمتنا قد كرّت علينا، قد انهزموا، فاختلطت صفوفنا، وانهزمنا مع المقدّمة، وأكر، وأنا يومئذ غلام شابّ، وقد علمت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متقدّم فجعلت أقول: يا للأنصار، بأبي وأمّي، عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تولّون؟ وأكرّ في وجوه المنهزمين، ليس لي همّة إلّا النظر إلى سلامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى صرت إلى رسول لله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يصيح: «يا للأنصار» فدنوت من دابّته، والتفتّ من ورائها، وإذا الأنصار قد كرّوا كرّة رجل واحد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- واقف على دابّته في وجوه العدوّ، ومضت الأنصار أمام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقاتلون، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- سائر معهم يفرّجون العدوّ عنه، حتّى طردناهم فرسخا، وتفرّقوا في الشّعاب، حتّى فلّوا من بين أيدينا، فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى منزله وقبته، وقد ضربت له- والأسرى مكتّفون حوله، وإذا نفر حول قبّته، وفي قبته زوجاته أم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 622 (4317) .

ذكر ارادة شيبة بن عثمان - قبل أن يسلم - الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رآه في نفر قليل، وما وقع في ذلك من الآيات

سلمة وميمونة، حولها النّفر الّذين يحرسون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم عباد بن بشر، وأبو نائلة، ومحمد بن مسلمة. قال ابن عقبة: ومرّ رجل من قريش بصفوان بن أميّة فقال: أبشر بهزيمة محمّد وأصحابه، فو الله لا يجبرونها أبدا. فقال صفوان: أتبشّرني بظهور الأعراب» فو الله لربّ من قريش أحب إلي من ربّ من الأعراب، وغضب صفوان لذلك، وبعث صفوان غلاما له فقال: اسمع لمن الشّعار فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن يا بني عبيد الله، يا بني عبد الله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب [ (1) ] . وروى محمد بن عمر عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: مضى سرعان النّاس من المنهزمين، حتى دخلوا مكّة، ساروا يوما وليلة- يخبرون أهل مكّة بهزيمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعتّاب بن أسيد بوزن أمير، على مكّة ومعه معاذ بن جبل، فجاءهم أمر غمّهم، وسر بذلك قوم من أهل مكة وأظهروا الشّماتة، وقال قائل منهم: ترجع العرب إلى دين آبائها، وقد قتل محمد وتفرّق أصحابه، فتكلم عتاب بن أسيد يومئذ فقال: إن قتل محمد، فإن دين الله قائم- والّذي يعبده محمد حي لا يموت، فما أمسوا من ذلك اليوم حتّى جاء الخبر إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أوقع بهوازن، فسرّ عتاب بن أسيد، ومعاذ بن جبل، وكبت الله- تعالى- من هناك ممّن كان يسرّه خلاف ذلك. فرجع المنهزمون إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلحقوه بأوطاس وقد رحل منها إلى الطائف [ (2) ] . ذكر ارادة شيبة بن عثمان- قبل أن يسلم- الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رآه في نفر قليل، وما وقع في ذلك من الآيات روى ابن سعد وابن عساكر عن عبد الملك بن عبيد، وأبو القاسم البغوي، والطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عكرمة- رحمهم الله تعالى- قالا: قال شيبة: لما كان عام الفتح دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة عنوة، وغزا حنينا، قلت أسير مع قريش إلى هوازن، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرّة، وتذكّرت أبي وقتله حمزة، وعمي وقتله علي بن أبي طالب، فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، وأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما تبعته أبدا، فكنت مرصدا لما خرجت له، لا

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 910. [ (2) ] انظر المصدر السابق.

ذكر ارادة النضير بن الحارث الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في ذلك من الآيات

يزداد الأمر في نفسي إلا قوة، فلما اختلط الناس، اقتحم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن بغلته، وأصلتّ السّيف، ودنوت منه، أريد ما أريد- وفي رواية فلما انهزم أصحابه جئته من عن يمينه فإذا العبّاس قائم عليه درع بيضاء، فقلت: عمّه لن يخذله، فجئته من عن يساره، فإذا بأبي سفيان بن الحارث فقلت: ابن عمه لن يخذله، فجئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أسوّره سورة بالسّيف إذ رفع إليّ فيما بيني وبينه شواظ من نار كأنّه برق. فخفت أن يتمحشني فوضعت يدي على بصري، خوفا عليه» ، ومشيت القهقري، وعلمت أنّه ممنوع. فالتفت إلي وقال: «يا شيب أدن مني» فدنوت منه، فوضع يده على صدري وقال: «اللهم أذهب عنه الشيطان» . فرفعت إليه رأسي وهو أحب إلي من سمعي وبصري وقلبي، ثم قال: «يا شيبة قاتل الكفّار» قال: فتقدّمت بين يديه أحبّ- والله- أن أقيه بنفسي كل شيء، فلما انهزمت هوازن رجع إلى منزله ودخلت عليه فقال: «الحمد لله الّذي أراد بك خيرا مما أردت» [ (1) ] ثم حدثني بما هممت به- صلى الله عليه وسلم. ذكر ارادة النضير بن الحارث الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما وقع في ذلك من الآيات قال محمد بن عمر: حدثنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال: كان النضير من أحلم قريش. وكان يقول: الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام ومنّ علينا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ولم نمت على ما مات عليه الآباء، فذكر حديثا طويلا، ثم قال: خرجت مع قوم من قريش، هم على دينهم- بعد- أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أميّة، وسهيل بن عمرو، ونحن نريد إن كانت دبرة على محمد أن نغير عليه فيمن يغير، فلما تراءت الفئتان ونحن في حيز المشركين حملت هوازن حملة واحدة، ظننّا أنّ المسلمين لا يجبرونها أبدا، ونحن معهم وأنا أريد بمحمد ما أريد. وعمدت له فإذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباء حولها رجال بيض الوجوه، فأقبلت عامدا إليه، فصاحوا بي: إليك، فأرعب فؤادي وأرعدت جوارحي. قلت: هذا مثل يوم بدر، إن الرجل لعلى حقّ، وإنه لمعصوم، وأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام وغيّره عما كنت أهم به، فما كان حلب ناقة حتى كرّ أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كرّة صادقة، وتنادت الأنصار بينها: الكرة بعد الفرّة: يا للخزرج، يا للخزرج، فحطمونا حطاما، فرقوا شملنا، وتشتت أمرنا، وهمّة كلّ رجل نفسه فتنحيت في غبّرات الناس حتى هبطتّ بعض أودية أوطاس فكمنت في خمر شجرة لا يهتدي إلى أحد إلّا أن يدلّه الله- تعالى- علي، فمكثت فيه أيّاما وما يفارقني الرّعب مما رأيت، ومضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الطّائف، فأقام ما أقام، ثم رجع إلى الجعرّانة، فقلت: لو صرت إلى الجعرانة، فقاربت رسول

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 188، والمغازي للواقدي 3/ 910.

ذكر ثبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورميه الكفار، ونزوله عن بغلته، ودعائه ربه سبحانه وتعالى، وما وقع في ذلك من الآيات

الله- صلى الله عليه وسلّم- ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، فما بقي فقد رأيت عبرا، وقد ضرب الإسلام بجرانه، ولم يبق أحد، ودانت العرب والعجم لمحمد- صلى الله عليه وسلّم- فعزّ محمّد لنا عزّ، وشرفه لنا شرف، فو الله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلقاني بالجعرانة كنّة لكنّة فقال: «النضير؟» قلت: «لبّيك، فقال: «هذا خير لك ممّا أردت يوم حنين ممّا حال الله بينك وبينه» فأقبلت إليه سريعا، فقال: «قد إن لك أن تبصر ما أنت فيه توضع قلت: قد أرى إن لو كان مع الله- تعالى- إلها غيره لقد أغنى شيئا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «اللهمّ زده ثباتا» قال النّضير: فو الله الّذي بعثه بالحقّ لكأنّ قلبي حجر ثباتا في الدين وبصيرة في الحق، وذكر الحديث [ (1) ] . ذكر ثبات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورميه الكفار، ونزوله عن بغلته، ودعائه ربه سبحانه وتعالى، وما وقع في ذلك من الآيات روى ابن إسحاق، والإمام أحمد عن جابر بن عبد الله، وابن إسحاق، وعبد الرزّاق، ومسلم عن العباس عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم، قال العبّاس: شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم: يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم نفارقه، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بغلة له شهباء، قال عبد الرزاق: وربما قال معمر: بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، قال فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يركض بغلته قبل الكفّار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: أكفّها أن لا تسرع، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث آخذ، بركاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي رواية بغرزه، وفي رواية بثغره، فالتفت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي سفيان بن الحارث وهو مقنّع في الحديد، فقال: «من هذا» فقال: ابن عمك يا رسول الله، وفي حديث البراء: وأبو سفيان ابن عمه يقود به، قال ابن عقبة- رحمه الله تعالى: وقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الرّكابين، وهو على البغلة، فرفع يديه إلى الله- تعالى- يدعو يقول: «اللهم إني أنشدك ما وعدتني.. اللهمّ لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا» انتهى. قال العباس: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «يا عباس!! ناديا معشر الأنصار، يا أصحاب السّمرة، يا أصحاب سورة البقرة» [ (2) ] . قال العبّاس- وكنت رجلا صيتا- فقلت بأعلى صوتي: أين الأنصار، أين أصحاب

_ [ (1) ] انظر المغازي للواقدي 3/ 911. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 10/ 188 وانظر المجمع 6/ 82، 8/ 619 والبيهقي في الدلائل 5/ 31 وعبد الرزاق في المصنف (9741) والحميدي (459) وابن سعد 2/ 1/ 112 واحمد 1/ 207.

السّمرة، أين أصحاب سورة البقرة، قال: والله لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. وفي حديث عثمان بن شيبة عند أبي القاسم البغوي، والبيهقي «يا عبّاس، اصرخ بالمهاجرين الّذين بايعوا تحت الشّجرة، وبالأنصار الذين آووا ونصروا» قال: فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلّا عطفة الإبل على أولادها. حتى ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كأنه في حرجة، فلرماح الأنصار كانت أخوف عندي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من رماح الكفّار- انتهى. فقالوا: يا لبيك يا لبيك يا لبّيك. قال: فيذهب الرجل يثني بعيره ولا يقدر على ذلك، أي لكثرة الأعراب المنهزمين- كما ذكره أبو عمر بن عبد البر- فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره، فيخلّي سبيله، فيؤمّ الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا اجتمع منهم مائة، استقبلوا النّاس فاقتتلوهم والكفار، والدعوة في الأنصار يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، وكانوا صبّرا عند الحرب، وأشرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ركابيه، فنظر إلى مجتلدهم وهم يجتلدون وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا ورب محمد» فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فو الله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبرا، فو الله ما رجع النّاس إلا وأسارى عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكتّفون، قتل الله تعالى- منهم من قتل، وانهزم منهم من انهزم وأفاء الله تعالى علي رسوله أموالهم ونساءهم وأبناءهم [ (1) ] . وروى ابن سعد، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وأبو داود، والبغوي في معجمه، والطبراني وابن مردويه، والبيهقي برجال ثقات عن أبي عبد الرحمن بن يزيد الفهري- يقال اسمه كرز- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في حنين في يوم قائظ شديد الحرّ، فنزلنا تحت ظلال السّمر، فلمّا زالت الشمس لبست لامتي، وركبت فرسي فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمته، الرواح قد حان، الرواح يا رسول الله، قال: «أجل» ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا بلال» فثار من تحت سمرة كأنّ ظلّه ظلّ طائر، فقال: لبّيك وسعديك، وأنا فداؤك. قال: «أسرج لي فرسي» فأتاه بسرج دفّتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب فرسه، ثم سرنا يومنا، فلقينا العدوّ، وتشأمت الخيلان، فقاتلناهم فولّى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فجعل رسول

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 358 وابن عساكر كما في التهذيب 6/ 351.

الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «يا عباد الله. أنا عبد الله ورسوله، يا أيها الناس إنّي أنا عبد الله ورسوله» فاقتحم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن فرسه، وحدّثني من كان أقرب إليه منّي أنه أخذ حفنة من تراب فحثاها في وجوه القوم، وقال: «شاهت الوجوه» قال يعلى بن عطاء: وأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنّهم قالوا: ما بقي منّا أحد إلّا امتلأت عيناه وفمه من التّراب، وسمعنا صلصلة من السّماء كمرّ الحديد على الطّست، فهزمهم الله تعالى [ (1) ] . وروى أبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخذ يوم حنين كفّا من حصى أبيض فرمى به وقال: «هزموا ورب الكعبة» وكان علي- رضي الله عنه- يومئذ أشدّ الناس قتالا بين يديه [ (2) ] . وروى أبو نعيم بسند ضعيف عن أنس- رضي الله عنه- والطبراني عن عكرمة- رحمه الله تعالى- قالا: لما انهزم المسلمون بحنين ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بغلته الشهباء- وكان اسمها دلدل- فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «دلدل البدي» فألزقت بطنها بالأرض، فأخذ حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: «حم لا ينصرون» فانهزم القوم، وما رمينا بسهم ولا طعنّا برمح، كذا في هذه الرواية اسمها دلدل، والصّحيح أنّ دلدل أهداها المقوقس فهي غير التي أهداها فروة بن نفاثة [ (3) ] . وروى أبو القاسم البغوي، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر عن شيبة بن عثمان- رضي الله عنه-: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال يوم حنين: يا عبّاس ناولني من الحصباء قال: وأفقه الله- تعالى- البغلة كلامه، فانخفضت به حتّى كاد بطنها يمسّ الأرض، فتناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم من البطحاء فحثا في وجوههم وقال: «شاهت الوجوه، هم لا ينصرون» [ (4) ] . وروى عبد بن حميد في مسنده، والبخاري في تاريخه، والبيهقي وابن الجوزي عن يزيد بن عامر السّوائي- رضي الله عنه- وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم- قال: أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين قبضةً من الأرض، ثم أقبل على المشركين فرمى بها في وجوههم وقال: «ارجعوا، شاهت الوجوه» قال: فما من أحد يلقى أخاه إلّا وهو يشكو القذى في عينيه ويمسح عينيه [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (5233) وأحمد 1/ 255، 84، 3/ 438، 5/ 286، 372، 3881 وانظر الدر المنثور 5/ 205. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 180، 182 والمتقي الهندي في الكنز (30211، 30221) . [ (3) ] انظر المجمع 6/ 183. [ (4) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 6/ 351 والطبراني في الكبير 7/ 359، والمجمع 6/ 184 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 61 والبيهقي في الدلائل 5/ 141. [ (5) ] البخاري في التاريخ 8/ 316 والطبري في التفسير 10/ 73 وابن حجر في المطالب (4372) ، والمجمع 6/ 182 والسيوطي في الدر 3/ 226.

وروى الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم، والبيهقيّ برجال ثقات عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، فولّى النّاس عنه، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، فقمنا على أقدامنا ولم نولّهم الدّبر، وهم الذين أنزل الله- تعالى- عليهم السّكينة، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بغلته لم يمض قدما، فحادت به بغلته فمال عن السّرج، فقلت له ارتفع رفعك الله. فقال: «ناولني كفا من تراب» فناولته، فضرب وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا، ثم قال: «أين المهاجرون والأنصار؟» قلت: هم أولاء، قال: «اهتف بهم» فهتفت بهم، فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشّهب، وولّى المشركون أدبارهم [ (1) ] وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاءت هوازن يوم حنين بالنّساء والصّبيان والإبل والغنم فجعلوهم صفوفا، ليكثروا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فالتقى المسلمون والمشركون، فولّى المسلمون مدبرين- كما قال الله تعالى- وبقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحده فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله» ونادى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نداءين لم يخلط بينهما كلاما، فالتفت عن يمينه فقال: «يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله» فقالوا: «لبيك يا رسول الله، نحن معك» ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله، فقالوا: لبيك يا رسول الله نحن معك فهزم الله تعالى المشركين، ولم يضرب بسيف، ولم يطعن برمح [ (2) ] . وروى ابن سعد وابن أبي شيبة، والبخاري، وابن مردويه، والبيهقي من طرق عن أبي إسحاق السّبيعي- رحمه الله تعالى- قال: جاء رجل من قيس إلى البراء بن عازب- رضي الله عنهما- فقال: أكنتم ولّيتم؟ وفي رواية: أولّيت؟ وفي أخرى: أوليتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم؟ وفي أخرى: أفررتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أنّه ما ولّى، وفي رواية: لا والله ما ولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين دبره، ولكنه خرج بشبّان أصحابه وهم حسّر ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل النّاس على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام كأنها رجل جراد لا يكادون يخطئون، وأقبلوا هناك إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث يقود به، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ودعا واستنفر، وقال- صلى الله عليه وسلم-: «أنا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 453 والطبراني في الكبير 10/ 209 وانظر المجمع 6/ 84، 183 والحاكم 2/ 117. [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 190، 279، 5/ 286، وابن سعد 2/ 1/ 113 وابن أبي شيبة 14/ 530، 531 والبيهقي في الدلائل 5/ 141 وفي السنن 6/ 306 والدولابي في الكنز 1/ 42 وانظر الدر المنثور 3/ 224.

النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب، اللهمّ أنزل نصرك» [ (1) ] . قال البراء: وكنا إذا أحمرّ البأس نتّقي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإن الشجاع منا الذي يحاذيه: يعني النبي- صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري، ومسلم، والبيهقي عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حنينا. فلما واجهنا العدوّ تقدمت فأعلو ثنيّة فاستقبلني رجل من المشركين فأرميه، بسهم، وتوارى عنّي فما دريت ما صنع، ثم نظرت إلى القوم فإذا هم طلعوا من ثنيّة أخرى، فالتقوا هم وأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فولّى أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأرجع منهزما. وعليّ بردتان مؤتزراً بإحداهما مرتدياً بالأخرى، فاستطلق إزاري، فجمعتهما جميعا، ومررت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا منهزم- وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لقد رأى ابن الأكوع فزعا» فلما غشوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نزل عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم إنه استقبل به وجوههم، وقال: شاهت الوجوه» فما خلّى الله تعالى منهم إنسانا إلّا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة، فولّوا مدبرين. وقسّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غنائمهم بين المسلمين [ (2) ] . وروى أبو الشيخ عن عكرمة- رحمه الله تعالى- قال: لما كان يوم حنين ولّى المسلمون، وثبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إنا محمد رسول الله» ثلاث مرات، وإلى جنبه عمّه العبّاس- الحديث [ (3) ] . وروى ابن سعد، والبخاري في التاريخ، والحاكم، والبيهقي عن عياض بن الحارث- رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كفا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا [ (4) ] . وروى البخاري في التاريخ، والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن سفيان- رضي الله عنه- قال: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين قبضة من الحصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا، فما خيّل إلينا إلا أنّ كلّ حجر وشجر فارس يطلبنا. وروى ابن عساكر عن الحارث بن زيد مثله [ (5) ] . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أنس بن مالك- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 622 (4317) ، ومسلم 3/ 1400 (78) والبيهقي في الدلائل 5/ 134. [ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1402 (81) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 140، 141، وانظر الدر المنثور 3/ 221. [ (3) ] انظر الدر المنثور للسيوطي 3/ 225. [ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 142. [ (5) ] المصدر السابق 50/ 143 وابن كثير في البداية 4/ 332.

ذكر ما قيل إن الملائكة قاتلت يوم حنين والرعب الذي حصل للمشركين

عنه- قال: كان من دعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين: «اللهمّ إنّك إن تشاء لا تعبد بعد اليوم» [ (1) ] . وذكر محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- قال: كان من دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين انكشف عنه النّاس ولم يبق معه إلّا المائة الصّابرة «اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان» فقال له جبريل: «لقد لقنت الكلمات الّتي لقّن الله- تعالى- موسى يوم فلق البحر، وكان البحر أمامه وفرعون خلفه» [ (2) ] . ذكر ما قيل أن الملائكة قاتلت يوم حنين والرعب الذي حصل للمشركين روى ابن أبي حاتم عن السدي الكبير- رحمه الله تعالى- في قول الله عزّ وجلّ: وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها قال: هم الملائكة وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا [التوبة 26] قال: قتلهم بالسيف. وروى أيضا عن سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- قال: في يوم حنين أمدّ الله- تعالى- رسوله- صلى الله عليه وسلّم- بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، ويومئذ سمّى الله تعالى الأنصار مؤمنين قال: «ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين [ (3) ] . وروى ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن جبير ابن مطعم- رضي الله عنه- قال: رأيت قبل هزيمة القوم- والناس يقتتلون- مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوت قد ملأ الوادي، لم أشكّ أنها الملائكة، ولم يكن إلا هزيمة القوم. وروى محمد بن عمر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن شيوخ من قومه من الأنصار، قالوا: رأينا يومئذ كالبجد السّود هوت من السماء ركاما، فنظرنا فإذا رمل مبثوت، فكنا ننفضه عن ثيابنا، فكان نصر الله- تعالى- أيّدنا به. وروى مسدّد في مسنده، والبيهقي. وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال: حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لمّا التقينا نحن وأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يقوموا لنا حلب شاة أن كببناهم، فبينما نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا بصاحب البغلة- وفي رواية- إذ غشينا، فإذا هو رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتلقّتنا عنده، وفي رواية: إذا بيننا وبينه رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا، فرجعنا- وكانت إيّاها [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 152 وابن أبي شيبة 10/ 351، 14/ 522 وابن سعد 2/ 1/ 52، وهو عند مسلم 3/ 1363 (23/ 1743) . [ (2) ] الطبراني في الصغير 1/ 122 وانظر المجمع 10/ 183، والترغيب والترهيب 2/ 618. [ (3) ] انظر الدر المنثور 3/ 225. [ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 143 وابن كثير في التاريخ 4/ 332.

وروى ابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبيّ عن أبيه- رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، والله ما خرجت إسلاما، ولكن خرجت أنفا أن تظهر هوازن على قريش، فإني لواقف مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ قلت: يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا، قال: «يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر» فضرب بيده في صدري وقال: «اللهم اهد شيبة» فعل ذلك ثلاث مرات- فو الله ما رفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله تعالى أحب إلي منه، فالتقى المسلمون فقتل من قتل، ثم أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعمر آخذ باللّجام، والعبّاس آخذ بالثّغر، فنادى العباس: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة- بصوت عال- هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقبل المسلمون والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب» فجالدوهم بالسيوف، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «الآن حمي الوطيس» . وروى عبد بن حميد، والبيهقي عن يزيد بن عامر السّوائي- رضي الله عنه- وكان حضر يومئذ، فسئل عن الرعب فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطّست فيطنّ فيقول: أن كنّا نجد في أجوافنا مثل هذا. روى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: حدثني عدّة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون: «لقد رمى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك الرّمية من الحصى فما منّا أحد إلّا يشكو القذى في عينيه، ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصى في الطاس ما يهدأ ذلك الخفقان، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا، على خيل بلق، عليهم عمائم حمر، قد أرخوها بين أكتافهم، بين السماء والأرض كتائب كتائب ما يليقون شيئا، ولا نستطيع أن نتأملهم من الرّعب منهم. وروى أيضا عن ربيعة بن أبزي قال: حدّثني نفر من قومي، حضروا يومئذ قالوا: كمنّا لهم في المضايق والشعاب، ثمّ حملنا عليهم حملة، ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء، وحوله رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. فانهزمنا، وركب المسلمون أكتافنا، وكانت إيّاها، وجعلنا نلتفت وإنا لننظر إليهم يكدّوننا فتفرّقت جماعتنا في كل وجه، وجعلت الرّعدة تستخفّنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا، فإن كنا ليحكى عنا الكلام ما ندري به، لما كان بنا من الرّعب، وقذف الله- تعالى- الإسلام في قلوبنا. وروى أيضا عن شيوخ من ثقيف أسلموا بعد ما كانوا حضروا ذلك اليوم قالوا: ما زال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طلبنا- فيما نرى- ونحن مولّون حتى إن الرجل ليدخل منّا حصن الطائف وإنه ليظنّ أنه على أثره من رعب الهزيمة.

ذكر من ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين

ذكر من ثبت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين روى البيهقي عن حارثة بن النعمان- رضي الله عنه- قال: لقد حزرت من بقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين أدبر الناس، فقلت: مائة واحد. وروى ابن مردويه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لقد رأينا يوم بدر وإن الفئتين لموليتان، وما مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مائة رجل. وروى الإمام أحمد، والحاكم، والطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم، برجال ثقات عن ابن مسعود قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين فولّى النّاس وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أعقابنا نحوا من ثمانين قدما، ولم نولّهم الدّبر إلى آخره، وتقدم. قال محمد بن عمر يقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا انكشف النّاس عنه يوم حنين- قال لحارثة «يا حارثة، كم ترى النّاس الّذين ثبتوا» قال: فما التفتّ ورائي تحرّجا، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فحزرتهم مائة، فقلت: يا رسول الله!! هم مائة فما علمت أنهم مائة حتّى كان يوم مررت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يناجي جبريل عند باب المسجد، فقال جبريل: «يا محمد من هذا؟» قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «حارثة بن النعمان» فقال جبريل: هو أحد المائة الصّابرة يوم حنين، لو سلم لرددت عليه، فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حارثة، قال: «ما كنت أظنه إلّا دحية الكلبي واقفا معك» . وروى ابن أبي شيبة عن الحكم بن عتيبة- بلفظ تصغير عتبة الباب- رحمه الله تعالى- قال: لمّا فرّ النّاس يوم حنين عن النبي- صلى الله عليه وسلّم- جعل يقول: «أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب» فلم يبق معه إلا أربعة، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم، علي بن أبي طالب، والعبّاس وهما بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من جانبه الأيسر، قال: فليس يقبل أحد إلّا قتل، والمشركون حوله صرعى، فمن أهل بيته عمّه العبّاس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب، وأخوه ربيعة أبناء عم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والفضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث وقثم بن العباس- قال في الزهر: وفيه نظر، لأن المؤرّخين قاطبة فيما أعلم عدّوه فيمن توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو صغير، فكيف شهد حنينا!! وعتبة ومعتّب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وأخوه لأمه أيمن بن أم أيمن، وقتل يومئذ، ومن المهاجرين: أبو بكر- رضي الله عنه- وعمر بن الخطاب- رضي الله عنه-

ذكر ثبات ام سليم بنت ملحان، وام عمارة

وعثمان بن عفان- رضي الله عنه- روى البزار عن أنس- رضي الله عنه-: أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا- رضي الله تعالى عنهم- ضرب كل منهم يومئذ بضعة عشر ضربة- وابن مسعود- رضي الله عنه- ومن الأنصار: أبو دجانة، وحارثة بن النعمان- قد ذكر في ذلك عند محمد بن عمر- وسعد بن عبادة، وأبو بشير- كما في حديثه عند محمد بن عمر- وأسيد بن الحضير، ومن أهل مكة: شيبة بن عثمان الحجبيّ- كما تقدّم- ومن نساء الأنصار: أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وأم الحارث جدّة عمارة بن غزيّة- بفتح العين، وكسر الزّاي المعجمتين- وأمّ سليط بنت عبيد- قال محمد بن عمر: يقال إنّ المائة الصّابرة يومئذ ثلاثة وثلاثون من المهاجرين وستّة وستّون من الأنصار. ذكر ثبات أم سليم بنت ملحان، وام عمارة نسيبة- بفتح النون، وكسر السين المهملة، وسكون التّحتية، وبالموحّدة: بنت كعب- رضي الله تعالى عنها. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، وهي حامل بعبد الله بن أبي طلحة، وقد خشيت أن يغرّ بها الجمل، فأدنت رأسه منها، وأدخلت يدها في خزامه [ (1) ] مع الخطام، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أم سليم» ؟ قالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أقتل المنهزمين عنك كما تقتل الّذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أو يكفي الله يا أم سليم» . وعند محمد بن عمر: «قد كفى الله تعالى عافية الله تعالى أوسع» . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، ومسلم عن أنس- رضي الله عنه- قال: اتخذت أمّ سليم خنجرا أيام حنين، فكان معها، فلقي أبو طلحة أم سليم ومعها الخنجر، فقال أبو طلحة: ما هذا؟ قالت: إن دنا منّي بعض المشركين أبعج به بطنه، فقال أبو طلحة: أما تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم؟ فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أقتل من يعدونا من الطّلقاء، انهزموا عنك فقال: «إن الله تعالى قد كفى وأحسن يا أم سليم» [ (2) ] . وروى محمد بن عمر عن عمارة بن غزيّة قال: قلت أم عمارة: لما كان يوم حنين والناس منهزمون في كل وجه، وكنّا أربع نسوة، وفي يدي سيف لي صارم، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها، وإنّها يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة، وأم سليط، وأم الحارث.

_ [ (1) ] الخزام بكسر الخاء المعجمة حلقة تصنع من شعر وتجعل في أنف البعير، انظر اللسان (خزم) . [ (2) ] أخرجه مسلم في الجهاد (134) ، وابن أبي شيبة 14/ 532 وأحمد 3/ 279، والبيهقي في السنن 6/ 307. المغازي 3/ 904.

ذكر انهزام المشركين

قال شيوخ محمد بن عمر: فجعلت أمّ عمارة تصيح يا للأنصار: أية عادة هذه. مالكم والفرار؟! قالت: وأنظر إلى رجل من هوازن على جمل أورق معه لواء يوضع جمله في أثر المسلمين، فأعترض له فأضرب عرقوب الجمل. فيقع على عجزه وأشد عليه، ولم أزل أضربه حتّى أثبتّه، وأخذت سيفا له. ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم، مصلت السيف بيده، قد طرح غمده ينادي: «يا أصحاب سورة البقرة» فكرّ الأنصار، ووقفت هوازن قدر حلب ناقة فتوح، ثم كانت إيّاها، فو الله ما رأيت هزيمة قط كانت مثلها، قد ذهبوا في كل وجه، فرجع إليّ أبنائي جميعا: حبيب وعبد الله أبناء زيد بأسارى مكتّفين، فأقوم إليه من الغيظ فأضرب عنق واحد منهم، وجعل الناس يأتون بالأسارى فرأيت في بني مازن ابني النجار ثلاثين أسيرا، وكان المسلمون بلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كرّوا بعد وتراجعوا، فأسهم لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جميعا، وكانت أم الحارث الأنصارية آخذة بخطام جمل الحارث زوجها، وكان يسمى المجسار فقالت: يا حار أتترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والنّاس يولّون منهزمين؟! وهي لا تفارقه، قالت: فمر علي عمر بن الخطاب فقلت: يا عمر ما هذا؟ قال: أمر الله تعالى [ (1) ] . ذكر انهزام المشركين قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- لما نادى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الأنصار كرّوا راجعين فجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، يا خيل الله. وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد سمّى خيله خيل الله، وجعل شعار المهاجرين: بني عبد الرحمن، وجعل شعار الأوس: بني عبيد الله، وشعار الخزرج: بني عبد الله. روى محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة: أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ: يا للخزرج ثلاثا، وأسيد بن الحضير يصيح: يا للأوس- ثلاثا فثابوا من كل ناحية كأنهم النحل تأوى إلى يعسوبها، قال أهل المغازي فحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتّى أسرع القتل في ذراري المشركين. فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذريّة! ألا لا تقتل الذرية، ألا لا تقتل الذرية» ثلاثا [ (2) ]- فقال أسيد بن الحضير: يا رسول الله، أليس إنّما هم أولاد المشركين؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أليس خياركم أولاد المشركين! كلّ نسمة تولد على الفطرة حتّى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها» . قال محمد بن عمر: قال شيوخ ثقيف، ما زال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طلبنا، فيما نرى

_ [ (1) ] المغازي 3/ 904. [ (2) ] المغازي 3/ 905.

- ونحن مولّون حتى إن الرجل منّا ليدخل حصن الطّائف وإنه ليظن أنّه على أثره، من رعب الهزيمة. قال أنس بن مالك كما رواه الإمام أحمد: كان في المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا فلما رأى ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نزل، فهزمهم الله- تعالى- فولّوا، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين رأى الفتح، فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل، فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن علي نذرا لئن جيء بالرّجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربنّ عنقه فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجيء بالرجل فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: يا نبي الله تبت إلى الله، فأمسك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عن مبايعته ليوفي الآخذ بنذره، وجعل ينظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليأمره بقتله، وهاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم الرجل لا يصنع شيئا بايعه، فقال: يا رسول الله نذري؟ قال: «لم أمسك عنه إلّا لتوفي بنذرك» فقال: يا رسول الله ألا أومأت إليّ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: إنه ليس لنبي أن يومئ. قالوا: وهزم الله تعالى أعداءه من كل ناحية، واتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنّمهم الله- تعالى- نساءهم وذراريهم وأموالهم، وفرّ مالك بن عوف حتّى بلغ حصن الطّائف. هو وأناس من أشراف قومه، وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله- تعالى- رسوله وإعزاز دينه. قال ابن إسحاق: ولما هزم الله تعالى المشركين من أهل حنين، وأمكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منهم، قالت امرأة من المسلمين- رضي الله عنها- وعنهم: قد غلبت خيل الله خيل اللّات ... والله أحقّ بالثّبات ويروى: وخيله أحقّ بالثبات. زاد محمد بن عمر: إنّ لنا ماء حنين فخلّوه ... إن تشربوا منه فلن تعلوه هذا رسول الله لن تغلوه ورجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من جهة المشركين بعد انهزامهم إلى العسكر، وأمر أن يقتل كل من قدر عليه، وثاب من انهزم من المسلمين. روى البزار بسند رجاله ثقات عن أنس- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يوم حنين: «اجزروهم جزرا» وأومأ بيده إلى الحلق [ (1) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 6/ 182.

ذكر قتل دريد بن الصمة

قال محمد بن عمر: وذكر للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن رجلا كان بحنين قاتل قتالا شديدا، حتّى اشتدّت به الجراح، قال: «أنه من أهل النار» فارتاب بعض الناس من ذلك، ووقع في قلوب بعضهم ما الله تعالى به أعلم، فلما آذته جراحته، أخذ مشقصا من كنانته فانتحر به، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بلالا أن ينادي: ألا لا يدخل الجنة إلّا مؤمن، أن الله- تعالى- يؤيد هذا الدين بالرّجل الفاجر» [ (1) ] . قال محمد بن عمر: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بطلب العدوّ وقال لخيله إن قدرتم على «بجاد» رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتن منكم، وقد كان أحدث حدثا عظيما، كان قد أتاه رجل مسلم فأخذه فقطعه عضوا عضوا ثم حرّقه بالنار، وكان قد عرف جرمه فهرب فأخذته الخيل فضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى، أخت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الرّضاعة، وأتعبوها في السّياق، فتعبت الشّيماء بتعبهم، فجعلت تقول: إنّي والله أخت صاحبكم، فلا يصدّقونها، وأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشد النّاس على هوازن- فأتوا بها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا محمد!! إني أختك. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «وما علامة ذلك؟ فأرته عضّة بإبهامها، وقالت: عضة عضضتنيها وأنا متورّكتك بوادي السرر ونحن يومئذ نرعى البهم، وأبوك أبي، وأمك أمي، وقد نازعتك الثّدى، وتذكّر يا رسول الله حلابي لك عنز أبيك أطلان، فعرف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العلامة، فوثب قائما، فبسط رداءه، ثم قال: «اجلسي عليه» ورحّبّ بها، ودمعت عيناه، وسألها عن أمّه وأبيه، فأخبرته بموتهما فقال: «إن أحببت فأقيمي عندنا محبّبة مكرّمة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك ورجعت إلى قومك» [ (2) ] قالت: بل أرجع إلى قومي، فأسلمت، فأعطاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أعبد وجارية وأمر لها ببعير أو بعيرين وقال لها: «ارجعي إلى الجعرانة تكونين مع قومك، فأنا أمضي إلى الطائف» فرجعت إلى الجعرانة، ووافاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة فأعطاها نعما وشاء، ولمن بقي من أهل بيتها، وكلمته في بجاد أن يهبه لها ويعفو عنه ففعل- صلى الله عليه وسلّم. ذكر قتل دريد بن الصمة قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما: لما هزم الله- تعالى- هوازن أتوا للطّائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجّه بعضهم نحو نخلة بنو عيرة من ثقيف، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خيلا تتبع من سلك نخلة ولم تتبع من سلك الثّنايا، وأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة من بني سليم دريد بن الصّمة، فأخذ بخطام جمله، وهو يظن

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 917. [ (2) ] المغازي للواقدي 3/ 913.

ذكر من استشهد بحنين

أنّه امرأة، وذلك أنه في شجار له، فإذا هو رجل، فأناخ به وهو شيخ كبير، ابن ستين ومائة سنة، فإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ما تريد؟ قال: أقتلك. قال: وما تريد إلى المرتعش الكبير الفاني؟ قال الفتى: ما أريد إلّا ذاك، قال له دريد: من أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السّلمي، قال: فضربه فلم يغن شيئا، فقال دريد: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفي من وراء الرحل في الشجار، فاضرب به وارفع عن العظم واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أقتل الرّجال، ثم إذا أتيت أمّك فأخبرها أنّك قتلت دريد بن الصّمّة، فربّ يوم قد منعت فيه نساءك. فزعمت بنو سليم أنّ ربيعة لما ضربه فوقع تكشف للموت فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل، فلمّا رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إيّاه، قالت: والله لقد أعتق أمّهات لك ثلاثا في غداة واحدة، وجزّ ناصية أبيك، فقال الفتى: لم أشعر. ووقف مالك بن عوف على ثنيّة من الثّنايا، وشبّان أصحابه، فقال: قفوا حتى يمضي ضعفاؤكم وتلتئم إخوانكم. فبصر بهم الزبير بن العوام- رضي الله عنه- فحمل عليهم حتى أهبطهم من الثنيّة، وهرب مالك بن عوف، فتحصن في قصر بليّة، ويقال دخل حصن ثقيف [ (1) ] . ذكر من استشهد بحنين أيمن بن عبيد الله بن زيد الخزرجي وابن أم أيمن، وسراقة بن الحارث الأنصاري، ورقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان، وأبو عامر الأشعري أصيب بأوطاس، كما سيأتي في السرايا، ويزيد بن زمعة بن الأسود جمح به فرس يقال له الجناح فقتل. واستحرّ القتل من ثقيف في بني مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم، فيهم عثمان بن عبد الله بن الحارث، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله، فقاتل حتى قتل، ولمّا بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قتله، قال: «أبعده الله، فإنّه كان يبغض قريشا [ (2) ] . وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال: قتل من أهل الطّائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر. ذكر عيادته- صلّى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد رضي الله عنه- من جرح أصابه وروى عبد الرزاق، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن أزهر- رضي الله عنه- قال: كان

_ [ (1) ] المغازي 3/ 914- 915. [ (2) ] عبد الرزاق (19904) وابن أبي عاصم 2/ 638 وابن سعد 5/ 380، وابن أبي شيبة 12/ 173، والعقيلي في الضعفاء 4/ 350.

ذكر بركة يده - صلى الله عليه وسلم - في برء جرح عائذ بن عمرو - رضي الله عنه

خالد بن الوليد جرح يوم حنين، وكان على خيل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجرح يومئذ، فلقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ما هزم الله تعالى الكفار، ورجع المسلمون إلى رحالهم- يمشي في المسلمين ويقول: «من يدلني على رحل خالد بن الوليد؟» فأتي بشارب فأمر من عنده فضربوه بما كان في أيديهم، وحثا عليه التّراب [ (1) ] . قال عبد الرحمن: فمشيت، أو قال: سعيت بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا غلام محتلم، أقول: من يدل على رحل خالد، حتى دللنا عليه، فإذا خالد مستند إلى موخّرة رحله، فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى جرحه، فتفل فيه فبرأ- رضي الله تعالى عنه-. ذكر بركة يده- صلى الله عليه وسلم- في برء جرح عائذ بن عمرو- رضي الله عنه روى الحاكم، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عائذ بن عمرو- رضي الله عنه- قال: أصابتني رمية يوم حنين في جبهتي، فسال الدم على وجهي وصدري، فسلت النبي- صلى الله عليه وسلم- الدم بيده عن وجهي وصدري إلى ثندؤتي، ثم دعا لي. قال حشرج والد عبد الله: فرأينا أثر يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى منتهى ما مسح من صدره، فإذا غرّة سابلة كغرّة الفرس. ذكر بركة يده- صلى الله عليه وسلم- في الماء بحنين روى أبو نعيم عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هوازن فأصابنا جهد شديد، فدعا بنطفة من ماء في إداوة، فأمر بها فصبت في قدح فجعلنا نطّهّر به حتّى تطهّرنا جميعا. ذكر نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن قتل النساء يوم حنين روى الإمام أحمد، وأبو داود عن رباح بن ربيع- رضي الله عنه- أنه خرج مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمرّ رباح وأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على امرأة مقتولة مما أصابت المقدّمة، فوقفوا ينظرون إليها، يعني ويعجبون من خلقها- حتّى لحقهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على راحلته، فانفرجوا عنها. فوقف عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» فقال لأحدهم: «الحق خالدا وقل له لا تقتل ذرّيّة ولا عسيفا [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 88، 351، والحميدي (897) والبيهقي في الدلائل 5/ 140. [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 488 وأبو داود 2/ 50 في الجهاد وابن ماجة (2842) والحاكم 2/ 122، والطبراني في الكبير 5/ 70 والطحاوي في المعاني 3/ 222.

ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين أنا ابن العواتك

ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين أنا ابن العواتك روى الطبراني عن سيابة بن عاصم السلمي- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يوم حنين: «أنا ابن العواتك» [ (1) ] . ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين من قتل كافرا فله سلبه روى ابن شيبة، والإمام أحمد، وابن حبان عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من قتل قتيلا فله سلبه» قال: فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم. وقال أبو قتادة: يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل عاتقه، وعليه درع فأجهضت عنه فانظر في أخذها، فقام رجل قال محمد بن عمر: اسمه أسود بن خزاعي الأسلمي، حليف بني سلمة- كذا قال وفي الصحيح كما سيأتي: أنه قرشي، فقال: يا رسول الله: أنا أخذتها فأرضه منها وأعطينها، قال: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يسأل شيئاً إلا أعطاه، أو سكت، فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال عمر: والله لا يغنها الله تعالى علي أسد من أسد الله- تعالى- ويعطيكها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «صدق عمر» [ (2) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن أبي قتادة الحارث بن ربعي- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة. فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلا من المسلمين. وفي رواية نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدّرع، وأقبل عليّ فضمّني ضمّة، وجدت منها ريح الموت، ثمّ أدركه الموت، فأرسلني، فلحقت- وفي رواية- فلقيت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في النّاس الّذين لم يهزموا، فقلت: ما بال النّاس؟ قال: أمر الله تعالى، فرجعوا وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال: «من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه» فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثمّ جلست، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مثله. فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثمّ جلست، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مثله، فقال: «مالك يا أبا قتادة؟» فأخبرته [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 201، وانظر المجمع 8/ 219 والبيهقي في الدلائل 5/ 135 وسعيد بن منصور (2840، 2841) وابن عساكر كما في التهذيب 1/ 289. [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3973) وأحمد 1/ 245 وابن أبي شيبة 2/ 125، 14/ 531 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1671) والبيهقي 6/ 306 والطبراني في الكبير 12/ 216 والصغير 1/ 124. [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 630 (4321) ومسلم 3/ 1370 (41/ 1751) ، وأبو داود في الجهاد باب (146) ، والبيهقي في السنن 6/ 306 والدلائل 5/ 148 والشافعي في المسند (223) ، ومالك في الموطأ (454) .

وذكر محمد بن عمر: إن عبد الله بن أنيس شهد له فقال رجل: صدق سلبه عندي فأرضه مني- أو قال منّيه- فقال أبو بكر: لا ها الله إذا، لا تعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله- تعالى- ورسوله فيعطيك سلبه! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «صدق فأعطه إياه» فأعطانيه، وعند محمد بن عمر فقال لي حاطب بن أبي بلتعة: يا أبا قتادة، أتبيع السلاح؟ فبعته بسبع أواق، فابتعت به مخرفا، وفي رواية: خرافا في بني سلمة، فإنّه لأول مال تأثّلته، وفي رواية: اعتقبته- في الإسلام، زاد محمد بن عمر يقال له الرّديني قال في البداية في الرواية السابقة عن أنس: أن عمر قال ذلك، وهو مستغرب، والمشهور أن قائل ذلك أبو بكر كما في حديث أبي قتادة، وقال الحافظ: الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة، وهو صاحب القصة، فهو أتقن لما وقع فيها من غيره، قالا: فلعل عمر قال ذلك متابعة لأبي بكر ومساعدة له، وموافقة، فاشتبه على الراوي. قال العلماء: لو لم يكن من فضيلة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- إلّا هذا لكفى فإنّه بثاقب علمه، وشدّة صرامته، وقوّة إنصافه، وصحّة توفيقه، وصدق تحقيقه بادر إلى القول بالحقّ، فزجر، وأفتى، وحكم، وأمضى، وأخبر في الشّريعة عن المصطفى بحضرته وبين يديه، وبما صدّقه فيه وأجراه على قوله. وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هوازن فبينما نحن نتضحى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذ جاء رجل على جمل أحمر، فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيّد به الجمل، ثم تقدم فتغدّى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقّة من الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فأتى الجمل فأطلق قيده، ثم أناخه ثم قعد عليه فاشتد به الجمل واتبعه رجل من أسلم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ناقة ورقاء، وفي رواية: أتى عين من المشركين إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث. انتهى. ثم انفتل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اطلبوه واقتلوه» قال سلمة: وخرجت أشتدّ فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتّى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدّمت حتّى أخذت بخطام الجمل، فأنخته، فلمّا وضع ركبته على الأرض، اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر، ثمّ جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والناس معه، فقال: «من قتل الرجل» ؟ قالوا: ابن الأكوع، قال: «له سلبه أجمع» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الجهاد (3051) ، وأحمد 4/ 51 وأبو داود (2653) ، والطبراني في الكبير 7/ 29 والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 6، 147، 306، والطحاوي في المشكل 4/ 140.

ذكر جمع غنائم حنين

ذكر جمع غنائم حنين لما انهزم القوم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بالغنائم أن تجمع، ونادى مناديه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يغّل، وجعل الناس غنائمهم في موضع حيث استعمل عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. وروى الحاكم بسند صحيح عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين وبرة من بعير، ثم قال: «يا أيها الناس، إنه لا يحل لي مما أفاء الله- تعالى- عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدّوا الخيط والمخيط، وإيّاكم والغلول فإنّه عار على أهله يوم القيامة» وذكر الحديث [ (1) ] . وكان عقيل بن أبي طالب دخل على زوجته وسيفه ملطّخ بدم، فقالت: إنّي علمت أنّك قاتلت اليوم المشركين، فماذا أصبت من غنائمهم؟ فقال: هذه الإبرة، تخيطين بها ثيابك، فدفعها إليها، ثم خرج فسمع منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: من أصاب شيئا من المغنم فليردّه، فرجع عقيل إلى امرأته وقال: والله ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت منك، فأخذها فألقاها في المغانم. وجاء رجل بكبّة من شعر فقال: يا رسول الله أضرب بهذه برذعة لي: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك» [ (2) ] . وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الناس يوم حنين في قبائلهم يدعوهم وأنه ترك قبيلة من القبائل وجدوا في برذعة رجل منهم عقدا من جزع غلولا، فأتاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكبّر عليهم، كما يكبّر على الميت. وأصاب المسلمون يومئذ السّبايا، فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهنّ ولهنّ أزواج فسألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فانزل الله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء 24] وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ: «لا توطأ حامل من السّبي حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض» [ (3) ] . ولمّا جمعت الغنائم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن تنحدر إلى الجعرانة، فوقف بها إلى أن انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من حصار الطائف.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 49 والبيهقي 6/ 303 والنسائي 7/ 131 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1693) . [ (2) ] أخرجه احمد 2/ 184، 218 والنسائي 6/ 263. [ (3) ] أخرجه أبو داود (2157) واحمد 3/ 62 والحاكم 2/ 95 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 359، 7/ 449، 9/ 124، والدارمي 2/ 171 وانظر نصب الراية 3/ 233.

ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - الظهر بحنين وحكومته بين عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في دم عامر بن الأضبط الأشجعي الذي قتله محلم بن جثامة

قال ابن سعد وتبعه في العيون: كان السّبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين «ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة. وروى الطبراني عن بديل- بموحدة مضمومة فدال مهملة فتحتية ساكنة فلام، بن ورقاء- رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر أن تحبس السّبايا والأموال بالجعرانة حتّى يقدم فحبست [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري، وروى عبد الرزاق عن سعيد بن المسيّب قال: سبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ ستّة آلاف سبي بين امرأة وغلام، فجعل عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب. وقال البلاذري: بديل بن ورقاء الخزاعي- والله تعالى أعلم. ذكر صلاته- صلى الله عليه وسلّم- الظهر بحنين وحكومته بين عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في دم عامر بن الأضبط الأشجعي الذي قتله محلم بن جثامة كما سيأتي في نقل محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الظهر يوما بحنين ثم تنحّى إلى شجرة فجلس إليها، فقام إليه عيينة بن حصن يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة لمكانه من خندف فاختصما بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعيينة يقول: يا رسول الله، والله لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «تأخذ الدّية؟» فأبى عيينة حتّى ارتفعت الأصوات وكثر اللّغط، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل- قصير مجتمع عليه شكّة كاملة ودرقة في يده فقال: يا رسول الله، إني لم أجد لما فعل هذا شبها في غرّة الإسلام إلا غنما وردت فرمي أوّلها فنفر آخرها. فاسنن اليوم وغيره غدا فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده وقال تقبلون الدّية خمسين في فورنا هذا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة» فلم يزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالقوم حتّى قبلوا الدّية وفي رواية: فقام الأقرع ابن حابس فقال: يا معشر قريش، سألكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم فيغضب الله- تعالى عليكم- لغضبه، أو يلعنكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيلعنكم الله تعالى بلعنته، والله لتسلمنه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أولا يأتين بخمسين من بني

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط والبزار قال الهيثمي 6/ 189 لم يسم ابن بديل وبقية رجاله ثقات.

ذكر البشير الذي قدم المدينة بهزيمة هوازن

ليث كلهم يشهدون أنّ القتيل ما جلّي قط فلأبطلن دمه. فلما قال ذلك قبلوها. ومحلّم القاتل في طرف الناس، فلم يزالوا يؤزونه ويقولون: ائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستغفر لك، فقام محلم وهو رجل ضرب طويل آدم. محمر بالحناء عليه حلّة قد كان تهيأ فيها للقتل للقصاص، فجلس بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله، قد كان من الأمر الذي بلغك وإني أتوب إلى الله، فاستغفر لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ما اسمك» قال: أنا محلم بن جثامة. فقال «أقتلته بسلاحك في غرّة الإسلام؟! اللهم لا تغفر لمحلّم» بصوت عال ينفذ به الناس، قال فعاد محلّم فقال: يا رسول الله، قد كان الّذي بلغك، وإني أتوب إلى الله فاستغفر لي، فعاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم لمقالته بصوت عال، ينفذ به النّاس «اللهمّ لا تغفر لمحلّم بن جثامة» حتّى كانت الثالثة، فعاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم لمقالته، ثم قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم «قم من بين يدي» فقام من بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتلقّى دمعه بفضل ردائه، فكان ضمرة السلمي يحدث- وقد كان حضر ذلك اليوم- قال: كنا نتحدث فيما بيننا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حرّك شفتيه بالاستغفار له، ولكنه أراد أن يعلم الناس قدر الدمّ عند الله تعالى [ (1) ] . ذكر البشير الذي قدم المدينة بهزيمة هوازن روى محمد بن عمر عن داود بن الحصين قال: كان بشير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أهل المدينة بفتح الله- تعالى- عليه وهزيمة هوازن، نهيك بن أوس الأشهلي، فخرج في ذلك اليوم ممسيا، فأخذ في أوطاس حتّى خرج على غمرة، فإذا الناس يقولون هزم محمد هزيمة لم يهزم هزيمة مثلها قط، وظهر مالك بن عوف على عسكره، قال: فقلت الباطل يقولون، والله لقد ظفّر الله- تعالى- رسوله- صلى الله عليه وسلّم وغنّمه نساءهم وأبناءهم، قال: فلم أزل أطأ الخبر حتى انقطع بمعدن بني سليم أو قريبا منها، فقدمت المدينة وقد سرت من أوّل أوطاس ثلاث ليال وما كنت أمسي على راحلتي أكثر مما كنت أركبها فلما انتهيت إلى المصلّى ناديت: أبشروا يا معشر المسلمين بسلامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ولقد ظفّره الله- تعالى- بهوازن، وأوقع بهم، فسبى نساءهم، وغنم أموالهم، وتركت الغنائم في يديه تجمع، فاجتمع النّاس يحمدون الله- تعالى- علي سلامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ثم انتهيت إلى بيوت أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبرتهن، فحمدن الله- تعالى- علي ذلك. قال وكانت الهزيمة الأولى التي هزم المسلمون ذهبت في كل وجه حتى أكذب الله- تعالى- حديثهم.

_ [ (1) ] انظر المغازي 3/ 920.

ذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذه الغزوة

ذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذه الغزوة قال الله عز وجل يذكّر المؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ [التوبة 25] للحرب «كثيرة» كبدر وقريظة والنّضير (و) اذكر «يَوْمَ حُنَيْنٍ» واد بين مكة والطّائف، أي يوم قتالكم فيه هوازن، وذلك في شوال سنة ثمان «إذ» بدل من يوم، (أعجبتكم كثرتكم) - فقلتم: لن نغلب اليوم من قلّة، وكانوا اثني عشر ألفا، والكفار أربعة آلاف- كذا جزم به غير واحد، وجزم الحافظ وغيره بأنّهم كانوا ضعف عدد المسلمين، وأكثر من ذلك كما سيأتي، فعلى هذا كان المشركون أربعة وعشرين ألفا، (فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) ما مصدرية أي مع رحبها أي سعتها. فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه لشدّة ما لحقكم من الخوف «ثمّ ولّيتم مدبرين» منهزمين وثبت النبي- صلى الله عليه وسلم- على بغلته البيضاء، وليس معه غير العباس، وأبو سفيان آخذ بركابه، (ثمّ أنزل الله سكينته) طمأنينته (على رسوله وعلى المؤمنين) فردوا إلى النبي لما ناداهم العباس بإذنه وقاتلوا (وأنزل جنودا لم تروها) ملائكة (وعذّب الّذين كفروا) بالقتل والأسر (وذلك جزاء الكافرين. ثمّ يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) منهم بالإسلام (والله غفور رحيم) . ذكر ما قيل في هذه الغزوة من الشعر قال عباس بن مرداس السّلمي يذكر قارب بن الأسود وفرازه من بني أبيه وذا الخمار وحبسه قومه للموت. ألا من مبلغ غيلان عنّي ... وسوف إخال يأتيه الخبير وعروة إنّما أهدى جوابا ... وقولا غير قولكما يسير بأنّ محمّدا عبدا رسول ... لربّ لا يضلّ ولا يجوز وجدناه نبيا مثل موسى ... فكلّ فتى يخايره مخير وبئس الأمر أمر بني قسيّ ... بوجّ إذا تقسمت الأمور أضاعوا أمرهم ولكلّ قوم ... أمير والدّوائر قد تدور فجئنا أسد غابات إليهم ... جنود الله ضاحية تسير تؤمّ الجمع جمع بني قسيّ ... على حنق نكاد له نطير وأقسم لو همو مكثوا لسرنا ... إليهم بالجنود ولم يغوروا فكنّا أسد ليّة ثمّ حتّى ... أبحناها وأسلمت النّصور ويوم كان قبل لدى حنين ... فأقلع والدّماء به تمور من الأيّام لم تسمع كيوم ... ولم يسمع به قوم ذكور

قتلنا في الغبار بني حطيط ... على راياتها والخيل زور ولم تك ذو الخمار رئيس قوم ... لهم عقل يعاقب أو نكير أقام بهم على سنن المنايا ... وقد بانت لمبصرها الأمور فأفلت من نجا منهم جريضا ... وقتّل منهم بشر كثير ولا يغني الأمور أخو التّواني ... ولا الغلق الصّريّرة الحصور أمانهم وحان وملّكوه ... أمورهم وأفلتت الصّقور بنو عوف تميج بهم جياد ... أهين لها الفصافص والشّعير فلولا قارب وبنو أبيه ... تقسّمت المزارع والقصور ولكنّ الرّياسة عمّموها ... على يمن أشار به المشير أطاعوا قاربا ولهم جدود ... وأحلام إلى عزّ تصير فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا ... أنوف النّاس ما سمر السّمير وإن لم يسلموا فهم أذان ... بحرب الله ليس لهم نصير كما حكّت بني سعد وحرب ... برهط بني غزيّة عنقفير كأنّ بني معاوية بن بكر ... إلى الإسلام ضائنة تخور فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... وقد برئت من التّرة الصّدور كأنّ القوم إذ جاءوا إلينا ... من البغضاء بعد السّلم عور وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى: لولا الإله وعبده ولّيتم ... حين استخفّ الرّعب كلّ جبان بالجزع يوم حيالنا أقراننا ... وسوابح يكبون للأذقان من بين ساع ثوبه في كفّه ... ومقطّر بسنابك ولبان والله أكرمنا وأظهر ديننا ... وأعزّنا بعبادة الرّحمن والله أهلكهم وفرّق شملهم ... وأذلّهم بعبادة الشّيطان «قال ابن هشام ويروي فيها بعض الرّواة» . إذ قام عمّ نبيّكم ووليّه ... يدعون يا لكتيبة الإيمان أين الّذين هم أجابوا ربّهم ... يوم العريض وبيعة الرّضوان «وقال عباس بن مرداس: فإنّي والسّوابح يوم جمع ... وما يتلوا الرّسول من الكتاب لقد أحببت ما لقيت ثقيف ... بجنب الشّعب أمس من العذاب

هم رأس العدوّ من أهل نجد ... فقتلهم ألذّ من الشّراب هزمنا الجمع جمع بني قسيّ ... وحكّت بركها ببني رئاب وصرما من هلال غادرتهم ... بأوطاس تعفّر في التّراب ولولا قين جمع بني كلاب ... لقام نساؤهم والنّقع كابي ركضنا الخيل فيهم بين بسّ ... إلى الأوراد تنحط بالذهاب بذي لجب رسول الله فيهم ... كتيبته تعرّض للضّراب «وقال عباس بن مرداس أيضا» : يا خاتم النّبّاء إنّك مرسل ... بالحقّ كلّ هدى السّبيل هداكا إنّ الإله بنى عليك محبّة ... في خلقه ومحمّدا سمّاكا إنّ الّذين وفوا بما عاهدتهم ... جند بعثت عليهم الضّحّاكا رجلا به درب السّلاح كأنّه ... لمّا تكنّفه العدوّ يراكا يغشى ذوي النّسب القريب وإنّما ... يبغي رضي الرّحمن ثمّ رضاكا أنبيك إني قد رأيت مكرّه ... تحت العجاجة يدمغ الإشراكا طولا يعانق باليدين وتارة ... يقري الجماجم صارما بتّاكا [يغشى به هام الكماة ولو ترى ... منه الّذي عاينت كان شفاكا] وبنو سليم معنقون أمامه ... ضربا وطعنا في العدوّ دراكا يمشون تحت لوائه وكأنّهم ... أسد العرين أردن ثمّ عراكا ما يرتجون من القريب قرابة ... إلّا بطاعة ربّهم وهواكا هذي مشاهدنا الّتي كانت لنا ... معروفة ووليّنا مولاكا «وقال عباس بن مرداس أيضا» : عفا مجدل من أهله فمتالع ... فمطلى أريك قد خلا فالمصانع ديار لنا يا جمل إذ جلّ عيشنا ... رخيّ وصرف الدّهر للحيّ جامع حبيبة ألوت بها غربة النّوى ... لتبن فهل ماض من العيش راجع فإن تبتغي الكفّار غير ملومة ... فإنّي وزير للنّبيّ وتابع دعانا إليه خير وفد علمتهم ... خزيمة والمرّار منهم وواسع فجئنا بألف من سليم عليهم ... لبوس لهم من نسج داود رائع نبايعه بالأخشبين وإنّما ... يد الله بين الأخشبين نبايع فجسنا مع المهديّ مكّة عنوة ... بأسيافنا والنّقع كاب وساطع

علانية والخيل يغشى متونها ... حميم وآن من دم الجوف ناقع ويوم حنين حين سارت هوازن ... إلينا وضاقت بالنّفوس الأضالع صبرنا مع الضّحّاك لا يستفزّنا ... قراع الأعادي منهم والوقائع أمام رسول الله يخفق فوقنا ... لواء كخذروف السّحابة لامع عشيّة ضحّاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول الله والموت كانع نذود أخانا عن أخينا ولو نرى ... مصالا لكنّا الأقربين نتابع ولكنّ دين الله دين محمّد ... رضينا به فيه الهدى والشّرائع أقام به بعد الضلالة أمرنا ... وليس لأمر حمّه الله دافع «وقال عباس بن مرداس أيضا» : ما بال عينك فيها عائر سهر ... مثل الحماطة أغضى فوقها الشّفر عين تأوّبها من شجوها أرق ... فالماء يغمرها طورا وينحدر كأنّه نظم درّ عند ناظمة ... تقطّع السّلك منه فهو منبتر يا بعد منزل من ترجو مودّته ... ومن أتى دونه الصّمّان فالحفر دع ما تقدم من عهد الشّباب فقد ... ولّى الشّباب وزار الشّيب والزّعر واذكر بلاء سليم في مواطنها ... وفي سليم لأهل الفخر مفتخر قوم همو نصروا الرّحمن واتّبعوا ... دين الرّسول وأمر النّاس مشتجر لا يغرسون فسيل النّخل وسطهم ... ولا تحاور في مشتاهم البقر إلّا سوابح كالعقبان مقربة ... في دارة حولها الأخطار والعكر تدعى كفاف وعوف في جوانبها ... وحيّ ذكوان لا ميل ولا ضجر الضّاربون جنود الشّرك ضاحية ... ببطن مكّة والأرواح تبتدر حتّى رفعنا وقتلاهم كأنّهم ... نخل بظاهرة البطحاء منقعر ونحن يوم حنين كان مشهدنا ... للدّين عزا وعند الله مدّخر إذ ركب الموت مخضرا بطائنه ... والخيل ينجاب عنها ساطع كدر تحت اللّواء مع الضّحّاك يقدمنا ... كما مشى اللّيث في غاباته الخدر في مأذق من مجرّ الحرب كلكلها ... تكاد تأفل منه الشّمس والقمر وقد صبرنا بأوطاس أسنّتنا ... لله تنصر من شئنا وننتصر حتّى تأوّب أقوام منازلهم ... لولا المليك ولولا نحن ما صدروا فما ترى معشرا قلّوا ولا كثروا ... إلّا قد أصبح منّا فيهم أثر

وقال عباس بن مرداس أيضا: يا أيّها الرّحل الّذي تهوي به ... وجناء مجمرة المناسم عرمس إمّا أتيت على النّبيّ فقل له ... حقا عليك إذا اطمأنّ المجلس يا خير من ركب المطيّ ومن مشى ... فوق التّراب إذا تعدّ الأنفس إنّا وفينا بالّذي عاهدتنا ... والخيل تقدع بالكماة وتضرس إذ سال من أفناء بهثة كلّها ... جمع تظلّ به المخارم ترجس حتّى صبحنا أهل مكّة فيلقا ... شهباء يقدمها الهمام الأشوس من كلّ أغلب من سليم فوقه ... بيضاء محكمة الدّخال وقونس يروي القناة إذا تجاسر في الوغى ... وتخاله أسدا إذا ما يعبس يغشى الكتيبة معلما وبكفّه ... عضب يقدّ به ولدن مدعس وعلى حنين قد وفى من جمعنا ... ألف أمدّ بها الرّسول عرندس كانوا أمام المسلمين دريئة ... والشّمس يومئذ عليهم أشمس نمضي ويحرسنا الإله بحفظه ... والله ليس بضائع من يحرس ولقد حبسنا بالمناقب محبسا ... رضي الإله به فنعم المحبس وغداة أوطاس شددنا شدّة ... كفت العدوّ وقيل منها: يا احبسوا تدعو هوازن بالإخاوة بيننا ... ثدي تمدّ به هوازن أيبس حتّى تركنا جمعهم وكأنّه ... عير تعاقبه السّباع مفرّس وقال عباس بن مرداس أيضا: نصرنا رسول الله من غضب له ... بألف كميّ لا تعدّ حواسره حملنا له في عامل الرّمح راية ... يزود بها في حومة الموت ناصره ونحن خضبناها دما فهو لونها ... غداة حنين يوم صفوان شاجره وكنّا على الإسلام ميمنة له ... وكان لنا عقد اللّواء وشاهرة وكنّا له دون الجنود بطانة ... يشاورنا في أمره ونشاوره دعانا فسمّانا الشّعار مقدّما ... وكنّا له عونا على من يناكره جزى الله خيراً من نبيّ محمّدا ... وأيّده بالنّصر والله ناصره «وقال عباس بن مرداس أيضا» : من مبلغ الأقوام أن محمدا ... رسول الإله راشد حيث يمّما دعا ربّه واستنصر الله وحده ... فأصبح قد وفّى إليه وأنعما

تنبيهات

سرينا وواعدنا قديدا محمّدا ... يؤم بنا أمرا من الله محكما تمادوا بنا في الفجر حتّى تبيّنوا ... مع الفجر فتيانا وغابا مقوّما على الخيل مشدودا علينا دروعنا ... ورجلا كدفّاع الأتيّ عرمرما فإنّ سراة الحيّ إن كنت سائلا ... سليم وفيهم منهم من تسلّما وجند من الأنصار لا يخذولونه ... أطاعوا فما يعصونه ما تكلّما فإن تك قد أمّرت في القوم خالدا ... وقدّمته فإنّه قد تقدّما بجند هداه الله أنت أميره ... تصيب به في الحق من كان أظلما حلفت يمينا برّة لمحمّد ... فأكملتها ألفا من الخيل ملجما وقال نبيّ المؤمنين تقدّموا ... وحبّ إلينا أن تكون المقدّما وبتنا بنهي المستدير ولم تكن ... بنا الخوف إلّا رغبة وتحزّما أطعناك حتّى أسلم النّاس كلّهم ... وحتّى صبحنا الجمع أهل يلملما يضلّ الحصان الأبلق الورد وسطه ... ولا يطمئنّ الشّيخ حتّى يسوّما لدن غدوة حتّى تركنا عشيّة ... حنينا وقد سالت دوامعه دما سمونا لهم ورد القطا زفّة ضحى ... وكلّ تراه عن أخيه قد أحجما إذا شئت من كلّ رأيت طمرّة ... وفارسها يهوي ورمحا محطّما وقد أحرزت منّا هوازن سربها ... وحبّ إليها أن نخيب ونحرما تنبيهات الأول: قال أهل المغازي: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى حنين لستّ خلت من شوال، وقيل: لليلتين بقيتا من رمضان، وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج من أواخر رمضان، وسار سادس شوّال، وكان وصوله إليها في عاشره. قال في زاد المعاد: كان الله- تعالى- قد دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو الصّادق الوعد أنه إذا فتح مكّة دخل الناس في دينه أفواجا، ودانت له العرب بأسرها، فلمّا تمّ له الفتح المبين، اقتضت حكمة الله- تعالى- أن أمسك قلوب هوازن ومن تبعها عن الإسلام وأن يتجمّعوا ويتأهبوا لحرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ليظهر أمر الله- سبحانه وتعالى- وتمام إعزازه، لرسوله- صلى الله عليه وسلّم- ونصره لدينه، ولتكون غنائمهم شكرا لأهل الفتح، ليظهر الله ورسوله وعباده وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد أحد من العرب. ويتبين ذلك من الحكم الباهرة التي تلوح للمتأملين واقتضت حكمته

- تعالى- أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكبوة مع كثرة عددهم وعددهم وقوّة شوكتهم ليطأ من رؤوس رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واضعا رأسه منحنيا على فرسه، حتّى إنّ ذقنه تكاد أن تمسّ سرجه تواضعا لربه تبارك وتعالى، وخضوعا لعظمته، واستكانة لعزته أن أحلّ له حرمة بلده، ولم يحله لأحد قبله، ولا لأحد بعده، وليبيّن عزّ وجلّ لمن قال: لن نغلب اليوم من قلّة أن النّصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وأنه- تعالى- هو الذي تولّى نصر رسوله ودينه لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تغن عنكم شيئا فولّيتم مدبرين فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خلع الجبر مع مزيد ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها [التوبة 26] وقد اقتضت حكمته- تبارك وتعالى- أن خِلع النّصر وجوائزه إنما تفضى على أهل الانكسار وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ [القصص 5، 6] . الثاني: وافتتح الله- سبحانه وتعالى- غزو العرب بغزوة بدر، وختم غزوهم بغزوة حنين، ولهذا يقرن هاتين الغزاتين بالذكر فيقال «بدر وحنين» وإن كان بينهما سبع سنين والملائكة قاتلت بأنفسها مع المسلمين بهاتين الغزاتين، والنبي- صلى الله عليه وسلم رمى وجوه المشركين بالحصا فيهما، وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله- صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فالأولى خوفتهم وكسرت من حدتهم. والثّانية: استفرغت قواهم، واستنفدت سهامهم، وأذلت جمعهم، حتّى لم يجدوا بدا من الدّخول في دين الله- تعالى- وجبر الله تبارك وتعالى أهل مكّة بهذه الغزوة، وفرّحهم بما نالوا من النّصر والمغنم، فكانت كالدّواء لما نالهم من كسرهم، وإن كان عين جبرهم وقهرهم تمام نعمته عليهم بما صرفه عنهم من شرّ من كان يجاورهم من أشراف العرب من هوازن وثقيف، بما أوقع بهم من الكسرة، وبما قيّض لهم من دخولهم في الإسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكّة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدّتها. ومن تمام التوكّل استعمال الأسباب التي نصبها الله سبحانه وتعالى لمسبباتها قدرا وشرعا فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أكمل الخلق توكّلا، فقد دخل مكّة والبيضة على رأسه، ولبس يوم حنين درعين، وقد أنزل الله- سبحانه وتعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] وكثير ممن لا تحقيق عنده يستشكل هذا ويتكايس في الجواب، تارة بأنّ هذا فعله- صلى الله عليه وسلم- تعليما لأمّته، وتارة بأنّ هذا كان قبل نزول الآية!! لو تأمل أن ضمان الله- سبحانه وتعالى- له العصمة لا ينافي تعاطيه لأسبابها فإنّ هذا الضمان له من ربه- تبارك وتعالى- لا ينافي احتراسه من الناس ولا ينافيه، كما أن إخبار الله- عز وجل- له بأنه يظهره على الدين كله ويعليه، لا يناقض أمره

بالقتال، وإعداد العدة والقوّة، ورباط الخيل، والأخذ بالجدّ والحذر، والاحتراس من عدوه، ومحاربته بأنواع الحرب، والتورية، فكان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، وذلك لأنه إخبار من الله- تعالى- عن عاقبة حاله وماله فما يتعاطاه من الأسباب التي جعلها الله- تعالى- بحكمته موجبة لما وعده به من النّصر والظّفر، وإظهار دينه وغلبته عدوّه انتهى. الثالث: اختلف العلماء في العارية هل تضمن إذا تلفت، فقال الشافعي وغيره يضمن، وقال أبو حنيفة وغيره: لا يضمن، وفي بعض طرق الحديث «بل عارية مضمونة، وقد اختلفوا في هذا القيد وهو مضمونة، أنه صفة موضحة أو مقيّدة، فمن قال بالأول قال: تضمن، ومن قال مقيدة قال: لا إلا بشرط، قاله في النّور. الرابع: تضمّن قول السّائل للبراء في الرواية الثانية أولّيتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وفي الثالثة أفررتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقول البراء رضي الله عنه- فأشهد على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنه لم يولّ، وقوله في الرّواية الثانية «لكنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يقر إثبات الفرار، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أنّ إطلاق السّائل يشمل الجميع حتّى النبي- صلى الله عليه وسلّم- بظاهر الرّواية الثانية، ويمكن الجمع بين الثّانية والثّالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويحتمل أن البراء فهم أنّ السائل اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع، ومررت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- منهزما، فلذلك حلف البراء إن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يولّ، ودلّ ذلك على أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى «ومررت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منهزما وهو على بغلته» فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا، ويحتمل أن يكون السائل أخذ العموم من قوله تعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة 25] فبيّن البراء أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. الخامس: يجمع بين قول أنس- رضي الله عنه-: بقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحده وبين الأخبار الدّالة أنه بقي معه جماعة بأن المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا كانوا وراءه، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة، ونحو ذلك. السادس: لا تخالف بين قول ابن عمر، لم يبق مع النبي- صلى الله عليه وسلم- مائة رجل، وبين قول ابن مسعود، ثبت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثمانون من المهاجرين والأنصار فإن ابن عمر نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين. وذكر النووي أن الذين ثبتوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اثنا عشر رجلا، ووقع في شعر

العباس بن عبد المطلب- رضي الله عنه- أن الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط، وذلك لقوله: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فرّ من قد فرّ عنه فأقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه ... لما مسّه في الله لا يتوجّع قال الحافظ: ولعل هذا هو الأثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعدّ فيمن لم ينهزم. السابع: البغلة البيضاء: وفي مسلم عن سلمة بن الأكوع الشهباء التي كان عليها يومئذ أهداها له فروة- بفتح الفاء، وسكون الراء، وفتح الواو، وبالهاء ابن نفاثة بنون مضمومة ففاء مخففة فألف فثاء مثلثة، ووقع في بعض الروايات عند مسلم فروة بن نعامة بالعين والميم، والصحيح المعروف الأول، ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن ألف في المغازي أنه- صلّى الله عليه وسلم- كان على بغلته دلدل، وفيه نظر، لأن دلدل أهداها له المقوقس. قال القطب: ويحتمل أن يكون النبي- صلى الله عليه وسلّم- ركب يومئذ كلّا من البغلتين، وإلّا فما في الصّحيح أصح. الثامن: قال العلماء: ركوبه- صلى الله عليه وسلّم- البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات، لأن ركوب الفحولة مظنّة الاستعداد للفرار والتولّى، وإذا كان رأس الجيش قد وطّن نفسه على عدم الفرار والأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لاتباعه. التاسع: وقع في الصحيح حديث البراء وأبو سفيان ابن عمه يقود به، وفي حديث العباس أنه كان آخذا بلجام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو سفيان آخذ بركابه، ويجمع بأن أبا سفيان كان آخذا أولا بزمام البغلة، فلما ركضها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى جهة الكفار خشي العبّاس وأخذ بلجام البغلة يكفّها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللّجام للعباس إجلالا له لأنه كان عمه. العاشر: وقع في حديث ابن عبد الرحمن الفهري- رضي الله عنه- أن رسول- صلى الله عليه وسلم- اقتحم عن فرسه «فأخذ كفا من تراب» انتهى قلت: وهي رواية شاذة، والصحيح أنه- صلى الله عليه وسلم- كان حينئذ على بغلة. الحادي عشر: في قوله- صلى الله عليه وسلم- «أنا النبي لا كذب» إشارة إلى صفة النّبوة يستحيل معها الكذب، وكأنه- صلى الله عليه وسلم- قال: لأنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن أنّ الذي وعدني به الله من النصر حق فلا يجوز عليّ الفرار، وقيل معنى قول «لا كذب» أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك. الثاني عشر: قوله- صلى الله عليه وسلم- أنا النبي لا كذب» بسكون الموحّدة من كذب وهذا وإن وقع موزونا لا يسمّى شعرا لأنه غير مقصود كما سيأتي بسط ذلك في الخصائص.

الثالث عشر: انتسب- صلى الله عليه وسلّم- إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله لشهرة عبد المطّلب بين النّاس لما رزق من نباهة الذّكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما في حديث حماد في الصحيح وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب. رجل يدعو إلى الله ويهدي الله- تعالى- الخلق على يديه، ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد- صلى الله عليه وسلّم- تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره، وإن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه- صلى الله عليه وسلم- ثابت غير منهزم. الرابع عشر: في إشهاره- صلى الله عليه وسلم- نفسه الكريمة في الحرب غاية الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو. الخامس عشر: في تقدمة- صلى الله عليه وسلّم- قبل الكفار نهاية الشجاعة، وفي نزوله- صلى الله عليه وسلم- عن البغلة حين غشوة مبالغة في الثّبات والشّجاعة والصبر، وقيل: فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين. السادس عشر: في حديث سلمة بن الأكوع وغيره «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب» إلخ. وفي حديث ابن مسعود أن رسول- صلى الله عليه وسلم- قال له حين انهزم أصحابه «ناولني كفا من تراب» فناوله، وفي حديث ابن عباس عن البراء أن عليا ناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التّراب فرمى به في وجوه الكفّار، والجمع بين ذلك إن النبي- صلى الله عليه وسلم- أولا قال لصاحبه «ناولني» فناوله، فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا، فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين وفي الأخرى التّراب، وأن كلا ممن ذكر ناوله. السابع عشر: في رميه- صلى الله عليه وسلّم- الكفار، وقوله: «انهزموا وربّ الكعبة» إلخ، معجزتان ظاهرتان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إحداهما فعليّة، والأخرى خبرية، فإنه- صلى الله عليه وسلم- أخبر بهزيمتهم ورماهم بالحصى فولوا مدبرين. وفي رواية استقبل وجوههم فقال «شاهت الوجوه» . وهنا أيضا معجزتان فعلية وخبرية. الثامن عشر: في قول العباس: فو الله لكأن في عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. إلخ دليل أنّ فرارهم لم يكن بعيدا. التاسع عشر: في عقر علي- رضي الله عنه- بعير حامل راية الكفّار دليل على جواز عقر فرس العدو ومركوبه إذا كان ذلك عونا على قتله. العشرون: في انتظار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقسم غنائم هوازن إسلامهم جواز انتظار

الإمام بقسم الغنائم إسلام الكفار ودخولهم في الطاعة فيه وردّه عليهم غنائمهم ومتاعهم. الحادي والعشرون: اتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادّعى السّلب إلّا ببيّنة تشهد له. ونقل ابن عطيّة عن أكثر الفقهاء أنّ البيّنة هنا شاهد واحد يكتفي به. الثاني والعشرون: قال في العيون أخذا من الرّوض فرار من كان معه- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين قد أعقبه رجوعهم إليه بسرعة وقتالهم معه حتى كان الفتح، وفي ذلك نزل وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة 25: 27] كما قال فيمن تولّى يوم أحد (ولقد عفى الله عنهم) أن اختلف الحال في الوقعتين. وقال الحافظ: العذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدوّ كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك، وكذا جزم في النور بأنّ هوازن كانوا أضعاف الذين كانوا معه- صلى الله عليه وسلّم. الثالث والعشرون: في بيان غريب ما سبق: حنين- بحاء مهملة ونون مصغر: واد إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، قال أبو عبيد البكري سمي باسم حنين بن قانية بن مهلائيل. والأغلب عليه التذكير، لأنّه اسم ماء. وربما أنثته العرب، لأنه اسم للبقعة. فسمّيت الغزوة باسم مكانها. هوازن- بفتح الهاء وكسر الزّاي، قبيلة كبيرة من العرب، فيها عدة بطون، وهي: هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة- بخاء معجمة فصاد مهملة ففاء مفتوحتان- بن قيس عيلان- بعين مهملة، بن إلياس بن مضر أبو الزّناد- بكسر الزّاي، وبالنّون، وبالدّال المهملة. ثقيف- بثاء مثّلثة بوزن أمير: اسمه قسيّ- بفتح القاف وكسر السين المهملة وتشديد الياء- بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة- بفتح الخاء المعجمة، والصّاد المهملة، وبالفاء- ابن قيس عيلان. أشفقوا: خافوا. لا ناهية له: أي نهي: أي مانع. حشدوا: اجتمعوا. أجمعوا أمرا: أي عزموا عليه. نصر- بفتح النون، وسكون الصاد المهملة، وبالراء: اسم قبيلة. جشم- بضم الجيم وفتح الشين المعجمة: لا ينصرف للعلمية والعدل عن جاشم: أبو قبيلة كبيرة، وهو معاوية بن بكر بن هوازن بن قيس عيلان- بفتح المهملة، لقب قيس باسم عبد كان يملكه، وقيل باسم فرس له

كعب وكلاب بن أبي براء- بفتح الموحدة وتخفيف الراء وبالمد. وحكى القصر. ناوأه: عاداه. دريد- بضم الدال المهملة، وفتح الرّاء، وسكون التحتية وبالدال المهملة. الصّمة- بكسر الصاد المهملة، وتشديد الميم- واسمه، الحارث بن بكر أو ابن الحارث بن بكر بن علقمة بن معاوية بن بكر هوازن الجشمي- بضم الجيم وفتح الشين- من بني محرب- بكسر الميم وإسكان الحاء المهملة ثم راء مفتوحة ثم موحدة يقال رجل محرب- بكسر الميم: صاحب حروب أوطأ العرب: علاهم وقهرهم. أجلى يهود: أخرجهم. الذّل- بضم الذال المعجمة: الضعف والهوان. الصّغار- بفتح الصاد المهملة: الضيم. يومك هذا له ما بعده. طوى عنه الخبر: كتمه. الظّعن- بضمّ الظاء المعجمة المشالة، والعين المهملة. أوطاس- بفتح أوله وسكون الواو وبالطاء والسين المهملتين: واد في ديار هوازن، والصحيح أنه غير وادي حنين، وسيأتي بيان ذلك في السّرايا. عسكر- موضع كذا: جمع عسكره به. الأمداد: جمع مدد بفتحتين، وهو الجيش. الشّجار- بكسر الشين المعجمة وبالجيم والراء: مركب مكشوف دون الهودج. ويقال له شجر أيضا. مجال الخيل- بفتح الميم، وبالجيم المخففة، وباللّام. الحزن- بفتح الحاء المهملة، وسكون الزّاي، وبالنّون: ما غلظ من الأرض الضّرس- بكسر الضاد المعجمة، وسكون الراء، وبالسين المهملة: الأكمة الخشنة، وفي الإملاء: هو الموضع فيه حجارة محدّده. السهل: ضد الحزن. دهس- بفتح الدال المهملة، والهاء، وبالسّين المهملة. والدهاس مثل اللّيث واللّباث:

المكان السّهل اللّيّن الذي لا يبلغ أن يكون رملا وليس هو بتراب. ولا طين، وفي الإملاء: ليّن كثير التراب. رغاء الإبل- بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوتها. نهاق الحمير بضم النون وتخفيف الهاء وبالقاف: صوتها. بعار الشّاء- بضمّ التّحتية وبالعين المهملة المخففة وبالراء: صوتها. خوار البقر- بضم الخاء المعجمة، وبالواو والراء: صوتها. ولم- بفتح الميم: على الاستفهام. فأنقض به- بفتح الهمزة، وسكون النون، وفتح القاف، وبالضّاد المعجمة السّاقطة قال في الروض: صوّت بلسانه من فيه، من النقيض وهو الصّوت، وقيل: الإنقاض بالإصبع الوسطى والإبهام كأنه يدفع بهما شيئا، وفي الإملاء، أي زجره كما تزجر الدابة، والإنقاض للدابة أن تلصق لسانك بحنكك الأعلى وتصوت به. راعي ضأن: يجهّله بذلك. فضح- بالبناء للمفعول. البيضة هنا- الجماعة، وبيضة الثانية بالجر بدلا من الأولى. عليا- بضم العين المهملة مقصور. ممتنع- بضم الميم الأولى، وسكون الثّانية وفتح الفوقية، وكسر النون وبالعين المهملة. الصّبّاء- بضم الصاد المهملة، وتشديد الموحدة، قال في الإملاء: جمع صابئ، وهم المسلمون عندهم كانوا يسمونهم بهذا الاسم لأنهم صبئوا من دينهم أي خرجوا وقال في النور: أي الّذين يشتهون الحرب ويميلون إليها، ويحبون التّقدّم فيها والبراز: قاله في النهاية. المتون- جمع متن: الظّهر. بين أضعاف الخيل: بين أثنائها أو متقدمة دريئة. ألفاك ذلك- بالفاء أي وجدك أو صادفك. كبر عقلك- بكسر الموحدة: يشير إلي إنه قد خرف. الجذع- بفتح الجيم، والذال المعجمة، وبالعين: ما قبل الثّنى، والجمع جذعان وجذاع مثل جبل وجبال، والأنثى جذعة، والجمع جذعات- بضم الجيم وكسرها: أي يا ليتني في هذه الحرب جذع، أي شاب.

الخبب: ضرب من السّير وهو خطو فسيح دون العنق. الوضع: ضرب من السّير وهو الإسراع، قال الفراء: هو مثل الخبب. الوطفاء بفتح الواو وبطاء مهملة ساكنة وبالفاء والمد: الطويلة الشعر. الزّمع- بفتح الزّاي، والميم، وبالعين المهملة: الشعر الذي فوق مربط قيد الدّابة، يريد فرسا صفتها كذا، وهو محمود في وصف الخيل. الشّاة- هنا الوعل- بفتح الواو، وكسر العين المهملة، وتسكّن، وباللام: ذكر الأروى وهي الشّاة الجبلية والجمع: وعول مثل: فلس وفلوس، والأنثى: وعلة- بكسر العين، وسكونها، والجمع: وعال، مثل كلبة وكلاب. صدع- بفتح الصّاد، والدّال، وبالعين المهملات: وصف للوعل، وهو الوسط منها، وليس بالعظيم ولا الصّغير، ولكنّه وعل بين الوعلين. الحدّ- بفتح الحاء وبالدال المهملة: المنع. الجد- بجيم مكسورة: الشّجاعة والجرأة. يوم علاء- بفتح العين المهملة وبالمد- الرفعة، وإنّما عطفها عليه لاختلاف اللفظ. ذانك: تثنية ذا اسم إشارة. الجذعان: تثنية جذع، يريد أنّهما ضعيفان في الحرب بمنزلة الجذع في سنه الكمين: الجيش المستخفي في مكمن- بفتح الميمين- بحيث لا يفطن به ثم ينهض على العدوّ وعلى غفلة منهم، وجمعه كمناء، كأمير وأمراء، يقال كمن كمونا، من باب قعد قعودا: توالى واستخفى. كرّ- بفتح الكاف والراء المشددة: رجع. الحملة لك: الغلبة. لم يفلت- بضمّ التحتية وسكون الفاء. مقدمة الجيش- بكسر الدال وقد تفتح: الجماعة تتقدمه. بنو سليم: بالتصغير. ينحّى يعدل به. السّنن- بفتح السين المهملة والنون الأولى: الطريق.

شرح غريب استعماله - صلى الله عليه وسلم - عتابا، واستعارته من صفوان بن أمية أدرعا، وبعثه عبد الله بن أبي حدرد، وخروجه للقاء هوازن

شرح غريب استعماله- صلّى الله عليه وسلّم- عتابا، واستعارته من صفوان بن أمية أدرعا، وبعثه عبد الله بن أبي حدرد، وخروجه للقاء هوازن عتّاب- بفتح العين المهملة، والفوقية المشددة، وبالموحدة. أسيد- بالسّين والدّال المهملتين وزن أمير. أجمع السّير: عزم عليه. ذكر له: بالبناء للمفعول. أعرنا- بفتح أوله. أبو حدرد- بمهملات كجعفر، واسمه سلامة بن عمير. الخباء- بكسر الخاء المعجمة ككتاب: واحد الأخبية من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. الأغمار- بفتح أوله، وبالغين المعجمة: جمع غمر بضمتين وتسكن الميم: وهو الرّجل الّذي لم يجرّب الأمور. الجفون- بضم الجيم: جمع جفن- بفتح الجيم، وهو هنا غلافة السّيف، وقد يجمع على أجفان. الخيف- بفتح الخاء المعجمة، وسكون التحتية وبالفاء، وهو في الأصل المنحدر من غلظ الجبل، قد ارتفع من مسيل الماء، فليس شرفا ولا حضيضا. كنانة- بكسر الكاف، وبنونين مخفّفا. تقاسموا: تحالفوا وتعاهدوا جهينة- بالجيم: مصغّر. مزينة: مصغر، بالزّاي والنّون. أسلم بهمزة مفتوحة، فسين مهملة ساكنة، فلام مفتوحة، فميم غفار- بكسر الغين المعجمة وبالفاء. أشجع- بفتح أوله، وبالشّين المعجمة، والعين المهملة: الجميع أسماء قبائل. الطّلقاء- بضم الطاء المهملة، وفتح اللام: الذين أسلموا يوم فتح مكة من أهلها ممّن غلبهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأطلقهم أو خلّى سبيلهم دنا: قرب.

بدأ بكذا: قدمه. كبت الله عدوّك: أخزاه وأذلّه وصرفه وغاظه وأهلكه. لم يغادر: لم يترك. النّظّار- بضم النون: جمع ناظر. الصّدمة- بفتح الصاد المهملة. أوقر بعيره: حمّله. ذات أنواط: شجرة عظيمة قرب مكة، كانت الجاهلية تأتيها كل سنة تعظمها وتعلّق عليها سلاحها ويذبح عندها. يقال ناط الشّيء ينوطه نوطا علّقه، وكل ما علّق من شيء فهو نوط- بفتح النّون، والجمع: أنواط، وهي المعاليق. يعكفون عليها: يلزمونها ويواظبون على خدمتها. الحذو- بفتح الحاء المهملة، وسكون الذال المعجمة. القدر- بفتح القاف، وسكون الدال. القذّة بالقذة- بكسر القاف فيها أخص من القدّ: وهو سير يقدّ من جلد غير مدبوغ. أطنبوا السّير: بالغوا فيه. عن بكرة أبيهم- بفتح الموحدة، وسكون الكاف: هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفّر العدد، وأنهم جاءوا جميعا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة، وهي الّتي يستقى عليها الماء، فاستعيرت في هذا الموضع. أبو مرثد- بفتح الميم، وسكون الرّاء، وبفتح الثّاء المثلّثة، وبالدّال المهملة. نغرّن- بضم النون وفتح الغين المعجمة والراء المشددة. قبلك- بكسر القاف، وفتح الموحدة، واللّام: أي من جهتك. ثوّب بالصّلاة: التّثويب هنا إقامة الصّلاة، والأصل في التثويب أن يجيء الرّجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر، فسمّي الدّعاء تثويبا لذلك، وكلّ داع مثوّب، وقيل إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع- إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، فإن المؤذّن إذا قال حي على الصلاة، فقد دعاهم إليها، فإذا قال بعده: الصّلاة خير من النّوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها. خلال الشّجر: أي الفرج بينها.

شرح غريب ذكر كيفية الوقعة

أوجبت: أي عملت موجبا للجنّة. التّبيان: البيان. سليم- بضم السين المهملة، وفتح اللام، وسكون التحتية. غسّان- بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة، قال النّوويّ: المسموع في كتب [أهل] الحديث ورواياتهم غير منصرف وذكره ابن فارس في باب غسن، وهذا تصريح بأنه يجوز صرفه. العضادة- بكسر العين المهملة، وبالضّاد المعجمة: جانب الشيء. الأجربان: سماهم بذلك تشبيها بالأجرب الذي يغرّب. عبس- بفتح المهملة وسكون الموحدة: بطن من غطفان ومن الأزد بن مراد. ذبيان- بضم الذال المعجمة وكسرها من زبيت شفته أي ذبلت من العطش، وهو إذا فعلان ينصرف للعلمية والزيادة «شمر سيفك» أدخله في غمده «عيون المشركين» جمع عين وهو الجاسوس، يقال جسّ الأخبار وتجسسها تتبعها لأنه يتبع الأخبار ويفحص عن بواطن الأمور، ثم استعير لنظر العين «تفرقت أوصالهم» : أي مفاصلهم جمع وصل بالكسر، وهو كل عظم على حدة لا يكسر ولا يخلط به غيره «الذعر» بضم الذال المعجمة: الخوف. لم يثنه الأمر: لم يرده. واد أجوف: متسع. خطوط- بخاء مفتوحة فطاء مضمومة، فواو ساكنة فطاء أخرى مهملات منحدر، أوعز إليه بالعين المهملة والزّاي: تقدم إليه. ربيع بن أنس بلفظ اسم الشهرة. بنو شيبان- بفتح الشين المعجمة، وسكون التّحتية، وبالموحّدة، والنون: هو شيبان بن ذهل، قبيلة من بكر بن وائل. فصل من مكّة: خرج. حزام- بالزّاي والد حكيم، وكذا كل مكي قرشي، وحرام بالراء في الأنصار. شرح غريب ذكر كيفية الوقعة مضايق- جمع مضيق. عماية الصبح- بفتح العين المهملة وتخفيف الميم: بقية ظلمته.

شعابه- جمع شعب: وهو ما انفرج بين الجبلين. أجنابه: جوانبه. راعنا: أفزعنا. الكتائب- بالفوقية جمع كتيبة: وهي الطائفة المجتمعة من الجيش شدوا علينا: حملوا يقتلوننا. سواد العسكر: ما يشتمل عليه من الدّواب والمضارب وغيرهما. الغبش- بفتح الغين المعجمة، وسكون الموحدة، وبالمعجمة: ظلامه. إن شعرنا: ما علمنا. انكشف الخيل وتبعهم الناس منهزمين هذا مجاز، لم ينهزم كل الناس، ولا نعرف في موطن من المواطن أن كل الناس انهزموا. ما يلوون على شيء: لا يبقون عليه. النّقع- بفتح النون، وسكون القاف: الغبار. انحاز: إلى كذا تنحّى إليه. هلمّ إلى: اسم فعل في لغة الحجازيين فلا يبرز فاعلها، وفعل في لغة تميم فيقولون هلمّ وهلمّي وهلمّوا وهلممن. الشّبّان- بضم الشين: جمع شاب، وهو سن قبل الكهولة. سرعان الناس- بفتح السين والراء: أوائلهم. كأنّها رجل جراد بكسر الراء وسكون الجيم، الجماعة الكثيرة من الجراد خاصته، وهو جمع على غير لفظ الواحد. أطنّ قدمه بنصف ساقه: قطعها، يراد بذلك صوت القطع. انجعف: وقع. اجتلد الناس: تضاربوا بالسّيوف. الجفاة- جمع جاف: وهو الغليظ الطبع، والمراد هنا- والله أعلم- من كان غليظا على الإسلام. ممّن لم يتمكن الإيمان في قلبه. الضّغن- بكسر الضّاد، وإسكان الغين- المعجمتين- وبالنون- الضغينة بالفتح- وهما: الحقد.

شرح غريب ذكر ارادة شيبة بن عثمان والنضير بالتصغير بن الحرث الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم

الأزلام: القداح التي كانت في الجاهليّة، واحدها زلم- بفتحات- عليها مكتوب الأمر والنهي، إفعل ولا تفعل، كان الرجل من المشركين يضعها في وعاء له، فإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهما أدخل يده وأخرج منها زلما، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النّهي كفّ عنه فلم يفعله. الكنانة: جعبة السهام. جبلة: كذا عند ابن إسحق، وهو تصحيف، وصوابه كلدة- بفتح الكاف واللام بن الحنبل بفتح الحاء المهملة وسكون النون وبالموحدة، ويقال: ابن عبد الله بن الحنبل، أسلم بعد ما قال بحنين ما قال. فضّ الله فاه: أسقط أسنانه، والفضّ: الكسر بالتفرقة. يربّني- بضم الراء: يملكني ويدبر أمري ويصير لي ربّا أي سيّدا. المازني- بكسر الزاي والنون. كاد: قرب. حاجب الشمس: ناحيتها. يا للأنصار- بفتح اللام. عبّاد- بفتح العين المهملة وبالموحدة المشددة. بشر بكسر الموحّدة، وسكون المعجمة. أبو نائلة- بهمزة بعد الألف على صورة الياء. لا يجبرونها: أي: لا مجبر منها. الشّعار- بكسر الشين المعجمة، والعين المهملة: العلامة التي كانوا يتعارفون بها. شرح غريب ذكر ارادة شيبة بن عثمان والنضير بالتصغير بن الحرث الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم الفتك: القتل على غفلة، أو القتل مطمئنا مجاهرة. عنوة- بعين مهملة مفتوحة، فنون ساكنة، فواو مفتوحة، فتاء تأنيث: قهرا وغلبة. المرصد- بكسر الصاد المهملة: اسم فاعل. اقتحم عن بغلته: ألقى نفسه عنها. أصلت السّيف: سله من غمده.

أسوّره- بفتح السين المهملة وكسر الواو المشددة: أعلوه. سورة- بفتح السين المهملة، وسكون الواو، وفتح الرّاء، وسورة الخمر وغيره: حدّتها، والمجد أثره وعلامته وارتفاعه، والبرد شدّته، والسطان شدته واعتداده. الشّواظ- بضم الشين المعجمة وكسرها: اللهب الّذي لا دخان فيه. يتمحّشني- بتحتية ففوقية مفتوحتين، فميم مفتوحة، فحاء مشددة وشين معجمة: يحرقني. مشيت القهقرى: المشي إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. يا شيب: منادى مرخّم، ويجوز فيه ضم الموحدة وفتحها. شرحبيل- بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة، وكسر الموحدة، وباللام. العبدري، بفتح العين المهملة، وسكون الموحّدة، وآخره راء فياء نسب. الدّبرة- بفتح الدال المهملة وبالموحدة وتسكن: الهزيمة، وهو اسم من الإدبار. الفئتان- تثنية فئة بكسر الفاء وبالهمز: الفرقة من النّاس جمعها فئون وفئات. الحيز- بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية الساكنة وبالزاي الناحية. عمدت له: قصدت. إليك إليك: اسم فعل بمعني الزم أو انتبه الرّعب: الفزع. حلب ناقة: أي قدر ذلك. يا للخزرج- بفتح اللّام. أرعدت جوارحي: ارتعشت. غبّرات الناس بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة المشددة: جمع غبر كذفر: وهو جمع غابر، وهو هنا بمعنى الباقي. خمر الشجر- بفتح الخاء المعجمة والميم وبالراء: ما وراك منه. الجعرانة- بكسر الجيم وسكون العين- خفّف الأكثر الراء وشدّدها غيرهم: موضع على سبعة أميال من مكة من جهة الطائف. العبر- بكسر العين المهملة وفتح الموحدة جمع عبرة بفتح أوله وكسر ثانيه: وهي الاعتبار والتفكر في عواقب الأمور.

شرح غريب ذكر ثبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم

لقيته كفّة كفّة- بكسر الكاف فيهما، أي كفاحا، وذلك إذا استقبلته مواجهة، وهما اسمان جعلا واحدا وبنيا على الفتح مثل خمسة عشر. آن لك وحان أي قرب فيه. توضع: تسرع. شرح غريب ذكر ثبات رسول الله- صلى الله عليه وسلم فروة: بلفظ اسم الملبوس. نفاثة- بضم النون وتخفيف الفاء وآخره ثاء مثلثة. الجذامي بضم الجيم، وبالذال المعجمة. طفق: شرع. قبل- بكسر القاف، وفتح الموحدة: تلقاءه أي جهته. يركض: يسرع. آخذ- بمد أوّله، وكسر الخاء المعجمة. الحكمة- بفتح الحاء المهملة، والكاف، والميم، وبتاء تأنيث: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس، وحنكيه تمنعه من مخالفة راكبه. شجرتها- بشين معجمة، أي ضربتها بالحكمة حتى فتحت فاها. المقنّع- بضم الميم وفتح القاف، والنّون المشددة، وبالعين المهملة: الذي على رأسه البيضة. أنشدك ما وعدتني: أسألك ذلك. لا يظهروا علينا: يغلبونا. أصحاب السّمرة، يشير بذلك إلى أصحاب بيعة الحديبية، لأنّهم بايعوا تحت الشّجرة، وكانت سمرة. يا أصحاب سورة البقرة: خصّت بالذّكر حين الفرار لتضمنها كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة 249] أو لتضمنها وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة 40] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة 207] . الحرجة- بفتح الحاء المهملة والرّاء، وبالجيم: مجتمع شجر ملتف كالغيضة، والجمع حرج وحراج.

يثني بعيره بفتح أوله: يدير رأسه صوب رسول الله- صلى الله عليه وسلم. الدرع من الحديد: مؤنثة، ولهذا قال فيقذفها، أي يرميها. يؤم الصوت: يقصده. صبّر عند اللقاء- بضم الصاد المهملة، وتشديد الموحدة المفتوحة: أي أشداء أقوياء. مجتلدهم- بميم مضمومة، فجيم ساكنة، فمثناة فوقية، فلام مفتوحتين: موضع جلادهم، أي ضرابهم. المتطاول: الذي مدّ عنقه لينظر إلى الشيء يبعد عنه. الوطيس: هو شيء كالتنور يخبز فيه شبه شدة الحرب به، وقيل: حجارة مدوّرة إذا حميت منعت الوطء عليها، فضرب مثلا للأمر يشتد. حدّهم- بفتح الحاء: قوّتهم. كليلا: ضعيفا. أفاء الله على رسوله أموالهم: غنّمه ذلك. الفهري- بكسر الفاء، وسكون الهاء. كرز- بضمّ الكاف، وسكون الرّاء، وبالزّاي. قائظ: شديد الحر. اللأمة: الدّرع. الفسطاط- بضمّ الفاء وتكسر بيت من شعر: حان الرواح: قرب. أجل: كنعم، وزنا ومعنى. دفتاه: دفّ الرّجل ودفّته- بالفتح، وتشديد الفاء جانب كور البعير وهو سرجه، والدّف والدفة: الجانب من كل شيء. الأشر- بفتحتين: البطر وكفر النّعمة وعدم شكرها. قال الراغب: الأشر: أبلغ من البطر، والبطر: أبلغ من الفرح، فإنّ الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموما كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص 76] فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب، وفي الموضع الذي يجب قال تعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس 58] وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضيّة العقل فليس بمكروه، والأشر لا يكون إلا فرحا بحسب قضيّة الهوى.

شرح غريب ما قيل أن الملائكة قاتلت يوم حنين

تسامت الخيلان: [تبلدت وتطاولت] حثاها: ألقاها. شاهت وجوههم: تشوّهت وقبحت. الصّلصلة: صوت كل ذي صوت. الطست: تقدم الكلام عليه في الرضاع وفي الكلام على شق صدره الشريف فراجعه. دلدل- بضم الدّالين المهملتين، وسكون اللام الأولى بينهما، وسيأتي الكلام عليها في ذكر بغاله- صلى الله عليه وسلّم. حم: أشبعت الكلام على الحروف المقطعة في أوائل كتاب «القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز» فراجعه. السوائي- بضم السين المهملة، وتخفيف الواو والهمزة بعد الألف. القذى- بالقاف والذال المعجمة: ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو طين أو وسخ أو غير ذلك: جمع قذاة، وجمع القذى أقذاء. اهتف بهم: صح وادعهم. الشهب: جمع شهاب. السّبيعي- بفتح السين المهملة وكسر الموحدة فتحتية فعين مهملة. حسر- بضم الحاء وفتح السين المهملتين وبالراء. الثّنيّة: كلّ عقبة مسلوكة. احمرّ البأس- بكسر أوله، وسكون الحاء المهملة، وفتح الميم، وتشديد الراء: اشتدت الحرب. غشوه: ازدحموا عليه وكثروا. شرح غريب ما قيل أن الملائكة قاتلت يوم حنين قوله مسوّمين: معلمين. البجاد- بكسر الموحّدة، وتخفيف الجيم، وبالدّال المهملة: الكساء، جمعه أبجد نمل مبثوت: متفرق. أم برثن- بضم الموحدة، وسكون الراء، وضمّ الثّاء المثلثة، وبالنون- وقيل بالميم كببناهم: قلبناهم راجعين.

شرح غريب ذكر من ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - يومئذ

تطن- بفوقيّة، فطاء مهملة، تصوّت. الخفقان: الاضطراب والتحرك. الطّساس- جمع طست وتقدم الكلام عليه في الكلام على شق صدره الشريف. الكتائب- جمع كتيبة بفتح الكاف، وكسر الفوقيّة: وهي الطّائفة المجتمعة من الجيش. ما يليقون- بيائين تحتيين بينهما لام مكسورة فقاف، يقال: لا يليق بك: لا يعلق. الرّعدة- بالكسر: اسم من ارتعد إذا اضطرب. شرح غريب ذكر من ثبت معه- صلّى الله عليه وسلم- يومئذ حارثة بن النعمان- بحاء مهملة، فألف، فراء، فمثلّثة. نكص على عقبه بنون، فكاف، فصاد مهملة مفتوحات رجع. الحكم- بفتحتين. عتبة بن أبي لهب- بضم العين المهملة، وسكون الفوقية، وبالموحدة. معتّب- أخوه بضم الميم، وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة. أبو دجانة- بضم الدال المهملة، وبالجيم المخففة، والنون. أبو بشير المازنيّ كأمير. الحضير- بضم الحاء المهملة، وكسر الضاد المعجمة، وسكون التحتيّة أم سليم- بضمّ أوّله. ملحان- بكسر الميم، وفتحها، قال في المطالع: والأوّل أشهر، وعليه اقتصر ابن الأثير والنووي. نسيبة ككريمة وقيل بالتصغير. يغر بها الجمل بالغين المعجمة. الخزام- بكسر الخاء المعجمة. برة- بضمّ الموحّدة، وتخفيف الراء: حلقة من صفر ونحوه يشد في أنف النّاقة، يشد بها الزمام. الخطام- بكسر الخاء المعجمة: ما يقاد به الجمل. الخنجر- بفتح الخاء المعجمة وكسرها سكّين كبير.

بعج بطنه: شقه. جمل أورق: في لونه بياض إلى السّواد، أو يضرب لونه إلى الخضرة. يوضع به جمله: يسرع. أثبته: أصاب مقتله. مصلت السيف: مخرجه من غمده. الغمد- بكسر الغين المعجمة: قراب السّيف. ناقة فتوح- بفتح الفاء، وضم الفوقية المخففة: واسعة الإحليل. بنو مازن- بكسر الزّاي. الشّعار: العلامة في الحرب. صعصعة بمهملات وفتح أوله، وسكون ثانيه. اليعسوب- بفتح التحتية، وسكون العين، وضمّ السّين المهملتين وبالموحدة: ملك النحل. النّسمة- بفتحات: الإنسان. لن تعلوه: لن تشربوا منه مرّة ثانية. لن تغلوه: لن تعذبوه. ثاب- بالمثلّثة: رجع. اجزروهم: استأصلوهم. المشقص- بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف: سهم فيه نصل عريض. الكنانة- بكسر الكاف: ما يجعل فيه السّهام. بجاد- بفتح الموحدة وبالجيم والدال المهملة، ولم أر له ذكرا في الصحابة وكأنه لم يسلم. الشّيماء: تقدم الكلام عليها في الرّضاع. وما علامة ذلك- بكسر الكاف: خطاب المؤنث. متورّكتك: أي جعلتك على وركي. وادي السّرر- بكسر السين المهملة وبضمّها وفتح الرّاء: على أربعة أميال من مكة.

شرح غريب ذكر بركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في برء جرح عائذ بن عمرو وفي الماء، ونهيه عن قتل النساء، وقوله: انا بن العواتك

البهم بفتح الموحدة. أطلان بفتح الطاء المهملة وباللّام. محبّبة- بضم الميم، والموحدة المشددة اسم مفعول وكذا مكرّمة. وافاها: [لحق بها] عسكروا بأوطاس: اجتمعوا. نخلة- بالخاء المعجمة: اسم موضع. بنو غيرة- بكسر الغين المعجمة، وفتح التحتية، وبالرّاء: بطن من ثقيف. ربيعة- براء، فموحدة، فمثناة، فعين مهملة. رفيع بالتصغير. أهبان- بضم أوله. العجان- بكسر العين المهملة، وبالجيم، والنّون: ما بين الخصية وحلقة الدّبر. الثّنيّة: الطريق في الجبل. ليّة- بكسر اللام، وفتح التحتية المشدّدة: جبل بالطائف، كان به حصن مالك بن عوف سراقة- بضم السين المهملة. رقيم- بضمّ الرّاء، وفتح القاف. لوذان- بفتح اللام، وسكون الواو، وبالذال المعجمة. زمعة- بفتح الزّاي والميم وبسكونها، وبالعين المهملة. جمح به فرسه: استعصى عليه. الجناح- بلفظ جناح الطّائر. استحرّ القتل: اشتدّ وكثر. وهو استفعل من الحرّ. ذو الخمار: اسمه سبيع بن الحارث بن مالك لم يعلم له إسلام. شرح غريب ذكر بركة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في برء جرح عائذ بن عمرو وفي الماء، ونهيه عن قتل النساء، وقوله: أنا بن العواتك عائذ- بهمزة بعد الألف، فذال معجمة. الثّندؤة- بالثّاء المثلّثة، وسكون النون، وضم الدّال المهملة ومن ضمّ الثّاء: همز، ومن فتحها لم يهمز كالثّدي للمرأة.

شرح غريب ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - من قتل قتيلا فله سلبه

حشرج- بفتح الحاء المهملة، وسكون الشين المعجمة، وفتح الراء وبالجيم. سابلة: مستطيلة عريضة. غرّة الفرس: بياض في جبهته فوق الدّرهم. النّطفة- بضمّ النّون: والمراد بها هنا الماء الصّافي القليل. الإداوة بكسر أوّله وبالدّال المهملة: المطهرة. رباح- بفتح الرّاء، وتخفيف الموحّدة، وبالحاء المهملة. ربيع بفتح الراء. العسيف: الأجير لفظا ومعنى، وهو أيضا المملوك. سيابة- بفتح السين المهملة وتخفيف التحتية وبالموحدة. شرح غريب ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- من قتل قتيلا فله سلبه السّلب- بفتح السين المهملة، واللّام: ما يسلب، أي ينزع. حبل العاتق: وهو الوريد، والعاتق: موضع الرّداء من المنكب. أجهضت عنه: غيبت عنه وأزيلت. أسود بن خزاعيّ- بضم الخاء المعجمة. ربعي بكسر الراء. الجولة: حركة فيها اختلاط. يختله- بفتح التحتية، وسكون الخاء المعجمة، وكسر الفوقية: يأخذه على غرّة. فقطعت الدّرع: أي الّتي كان لابسها، وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها. وجدت منها ريح الموت: أي شدّتها. أرسلني: أطلقني. أمر الله: حكمه وقضاؤه. لاها الله- قال الجوهري: «ها» للتنبيه، وقد يقسم بها، يقال: ها الله ما فعلت كذا، قال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التّنبيه، قال: ولا يكون ذلك إلّا مع الله، أي لم يسمع لاها الرّحمن، كما سمع لا والرّحمن، قال: وفي النّطق بها أربعة أوجه، أحدها: ها لله باللّام بعد الألف، بغير إظهار شيء من الألفين، ثانيها مثله، لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز، ثالثها بثبوت الألفين وبهمزة قطع، رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى. والمشهور في الرّواية الثّالث ثم الأوّل.

إذا- قال الحافظ أقوال كثيرة ممّن تكلّم على هذا الحديث: أنّ الذي وقع فيه بلفظ إذا خطأ، وإنّما هو ذا تبعا لأهل العربية، ومن زعم أنّه ورد في شيء من الرّوايات خلاف ذلك فلم يصب، بل يكون ذلك من إصلاح بعض من قلّد أهل العربية، قد ثبت في جميع الرّوايات المعتمدة والأصول المحقّقة من الصّحيحين وغيرهما بكسر الألف، ثم ذال معجمة منونة، قال الطيبي: ثبت في الرّوايات «لاها الله إذن» والحديث صحيح، والمعنى صحيح، وهو كقولك لمن قال لك: أفعل كذا؟ فقلت: لا والله إذن لا أفعل، فالتّقدير: والله إذن لا يعمد إلى أسد.. إلخ. قال أبو العباس القرطبيّ: الّذي يظهر لي أن الرّواية المشهورة صواب وليست بخطأ، وذلك أنّ الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى، والهاء هي التي عوّض بها عن واو القسم، وذلك أنّ العرب تقول في القسم: الله لأفعلنّ، بمدّ الهمزة وبقصرها، فكأنّهم عوضوا من الهمزة هاء فقالوا «ها لله» لتقارب مخرجيها، وكذلك قالوا: «ها» بالمدّ والقصر، وتحقيقه أنّ الّذي مد مع الهاء كأنّه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا، استثقالا لاجتماعهما، كما تقول: «الله» . والّذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول: «الله» . وأمّا إذا فهي بلا شك حرف جواب وتعليل، وهي مثل الّذي وقعت في قوله- صلى الله عليه وسلم-، وقد سئل عن بيع الرطب بالتّمر فقال «أينقص الرّطب إذا جفّ» قالوا: نعم قال: «فلا إذن» فلو قال: فلا والله إذا كان مساويا لما وقع هنا- وهو قوله: «لاها الله إذا» من كل وجه، لكنّه لم يحتج هنا إلى القسم فتركه، قال: فقد وضح تقدير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلّف بعيد يخرج عن البلاغة، ولا سيّما من ارتكب وأبعد وأفسد، فجعل «الهاء» للتّنبيه «وذا» للإشارة، وفصل بينهما بالمقسم به، قال: وليس هذا قياسا فيطرد، ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النّبوي، ولا مرويا برواية ثابتة. قال: وما وجد للعذرى والهروي في مسلم «لا ها الله ذا» فإصلاح ممّن اغترّ بما حكي عن بعض أهل العربية، والحق أحق أن يتّبع. وقال أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب- رحمه الله تعالى- استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص من ذلك أن اتهموا الإثبات في التصحيف فقالوا: الصّواب «لاها الله ذا» باسم الإشارة، قال: ويا عجبا من قوم يقبلون التّشكيك على الرّوايات الثّابتة. ويطلقون لها تأويلا، وجوابهم أنّ «ها الله» لا يستلزم اسم الإشارة. كما قال ابن مالك، وأمّا من جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح ممن زعمه وإنما هو جواب شرط مقدّر يدلّ عليه قوله «إن صدق فأرضه» فكان «أبو بكر» قال: إذا صدق في أنه صاحب السّلب إذا لا يعمد إلى السّلب فيعطيك حقه، فالجزاء على هذا صحيح لأنّ صدقه سبب الا يفعل ذلك، قال: وهذا واضح لا تكلّف فيه، قال الحافظ: فهو توجيه حسن، والّذي قبله أقعد ويؤيده كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث. وسردها الحافظ، وبسط الكلام على

هذا اللفظ هو والشيخ في شرح الموطأ، فمن أراد الزّيادة على ما هنا فليراجع كلامهما رحمهما الله تعالى. لا يعمد بالتحتية للأكثر، وللنووي بالنون: أي لا يقصد رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشّجاعة يقاتل على دين الله ورسوله- فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه. كلّا: حرف ردع وزجر. أصيبغ بمهملة، ثم معجمة عند القابسي. وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر، قال ابن التين: وصفه بالضعف والمهانة. والأصيبغ نوع من الطّير، أو شبّهه بنبات ضعيف يقال له الصيغا إذا طلع من الأرض يكون أوّل ما يلي الشمس منه أصفر، ذكر ذلك الخطابي، وهذا على رواية القابسي، وعلى الرواية الثانية تكون تصغير الضّبع على غير قياس، كأنه لمّا عظّم أبو قتادة» بأنه أسد صغّر خصمه وشبهه بالضّبع لضعف افتراسه، وما يوصف به من العجز، وقال ابن مالك: أضيبع- بمعجمة وعين مهملة- تصغير أضبع، ويكنى به عن الضعيف. ويدع- بالرفع والنصب والجزم أي يترك. صدق: أي القائل. فأعطه- بصيغة الأمر، يقول: اعترف بأن السّلب عنده. المخرف- بفتح الميم، والرّاء، وسكون الخاء المعجمة بينهما، ويجوز كسر الراء، أي بستانا سمي بذلك لأنه يخترف منه التّمر أي يجتنى، وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة الّتي يخترف بها. في رواية خرافا- بكسر الخاء: وهو التّمر الذي يخترف أي يجتنى، وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال: بستان خراف. في بني سلمة- بكسر اللّام: بطن من الأنصار، وهم قوم أبي قتادة. تأثّلته بالفوقية والثّاء المثلّثة: أي تأصّلته، وأثلة كل شيء أصله. اعتقدته جعلته عقدة، والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه. نتضحّى معه: نأكل وقت الضّحى. انتزع طلقا: قيدا من جلود. من حقبه- بفتح المهملة والقاف: حبل يشد به الرحل إلى بطن البعير ممّا يلي ثيله. رقة من الظهر: ضعف.

ناقة ورقاء في لونها بياض إلى السواد ويضرب لونها إلى الخضرة. اخترط سيفه: سلّه من غمده، وهو افتعل من الخرط. الوبرة من البعير- بفتح الواو والموحدة. عيينة- بضم العين المهملة وكسرها وفتح التحتية الأولى وسكون الثانية. حصن- بكسر الحاء، وسكون الصّاد المهملتين، وبالنون. ابن الأضبط- بوزن الأحمر بالضّاد المعجمة، والموحدة، والطاء المهملة. محلّم- بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وكسر اللّام المشددة، وبالميم. جثامة- بفتح الجيم، وتشديد الثّاء المثلّثة وبعد الألف ميم مفتوحة وتاء تأنيث واسمه زيد بن قيس. خندف- بكسر الخاء المعجمة وسكون النون، وكسر الدّال المهملة، وبالفاء. مكيتل- بضم الميم، وفتح الكاف، وسكون التحتية، وكسر الفوقيّة، واللّام، ويروى بكسر الثّاء المثلّثة، وباللّام. الشّكة بكسر الشين المعجمة: السلاح. والرّجل المجتمع: الذي بلغ أشدّه. غرّة الإسلام بالغين المعجمة أوله «فورنا» بفتح الفاء وسكون الواو وبالراء هنا: الوقت الحاضر: الذي لا تأخير فيه، ثم استعمل في الحالة التي لا بطء فيها. يؤزونه- بالزّاي يغرون ويهيجون. ضرب- بفتح الضاد المعجمة وسكون الرّاء، وبالموحّدة، وهو هنا الخفيف اللّحم الممشوق المستدق. آدم- بالمد: أسمر. ينفذ به النّاس- بالنّون، والفاء، والذّال المعجمة: يسمعهم. الحصين- بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين مصغر. نهيك- ككريم- آخره كاف. غمرة- بغين- معجمة مفتوحة، فميم ساكنة: منهل من مناهل طريق مكّة، يصل بين تهامة ونجد. أطأ الخبر: أعلنه وأبينه.

شرح غريب شعر العباس بن مرداس رضي الله عنه

معدن- بفتح الميم، وكسر الدّال المهملة. سليم- بضم السين. المصلّى- بضم الميم، وفتح الصّاد المهملة، واللّام المشدّدة: موضع الصّلاة، وهو موضع مصلّى النبي- صلى الله عليه وسلم في الأعياد خارج المدينة بالعقيق معروف. شرح غريب شعر العباس بن مرداس رضي الله عنه الرّابية: المكان المرتفع. إخال- بالخاء المعجمة. يخايره: يقول أنا خير منه. المخير- بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة: يغلبه في الخير. قسيّ- بفتح القاف، وكسر السين المهملة، وتشديد التّحتية: تقدم. وجّ- بفتح الواو وتشديد الجيم: موضع بالطائف. الغابات- جمع غابة. ضاحية- بالضّاد المعجمة، والحاء المهملة: بارزة لا تخفى نؤمّ: نقصد. الحنق- بالحاء المهملة والنّون: الغضب. يغوروا- بالغين المعجمة: يذهبوا. ليّة- بكسر اللام تقدم. ثمّ- بفتح الثاء المثلثة. النّصور- بضم النون، والصاد المهملة: يعني بني نصر. تمور: تسيل. ويروى قوله: بني خطيط بالخاء المعجمة والحاء المهملة، وبطاءين مهملتين بينهما تحتية. زور- بضمّ الزّاي: مائلة. سنن المنايا- بفتح السين والنون: طرقها. الجريض- بفتح الجيم، وكسر الرّاء، وسكون التحتيّة، وبالضّاد المعجمة السّاقطة: المنخنق بريقه.

شرح غريب قصيدة العباس بن مرداس - رضي الله عنه - العينية

التّواني: الفترة، والإبطاء والكسل. الغلق- بفتح الغين المعجمة، وكسر اللّام: الكثير الحرج كأنّه تنغلق عليه أموره. الصّريّرة- تصغير صرورة: وهو الذي لا يأتي النساء وهو في الإسلام الذي لم يحج. الحصور- بفتح الحاء، وضمّ الصّاد المهملتين: وهو هنا العييّ. أحانهم: أهلكهم. تميح: تمشي مشيا حسنا. الفصافص- بفتح الفاء، وكسر الثّانية بعد كلّ صاد مهملة جمع فصفصة: وهو النّبات الذي تأكله الدّواب. عمّموها- بضمّ العين وكسر الميم الأولى: أسندت إليهم وقدّموا لها. يمن بضم التحتية وسكون الميم. الجدود: الحظوظ. أنوف النّاس: المقدّمون فيهم. ما سمر السّمير: أي أهله، فحذف المضاف ويكون فيهم السمير، أسماء الجماعة السّمّار. غزيّة- بفتح الغين المعجمة، وكسر الزّاي، وتشديد التحتية. العنقفير بفتح العين المهملة، وسكون النون، وفتح القاف، وكسر الفاء، وسكون التّحتية، وبالرّاء: من أسماء الدّاهية. شرح غريب قصيدة العباس بن مرداس- رضي الله عنه- العينية عفا: درس. المجدل- بكسر الميم، وسكون الجيم، وفتح الدال المهملة، وباللّام: وهو هنا بلد طيب بالخابور إلى جانبه، عليه قصر، والأصل فيه اسم القصر، ويقال الحصن. ومتالع- بضم الميم، وكسر اللّام: جبل بنجد، وبناحية البحرين بين السودة والإحساء، وقيل: جبل لغنيّ، وقيل: لبني عبيلة، وقيل: اسم ماء في شرقيّ الظّهران عند الفوّارة في جبل القنان. المطلى- بكسر الميم، وسكون الطّاء المهملة يمد ويقصر: أرض تقعد الرجل عن المشي.

أريك- بفتح الهمزة، وكسر الرّاء، وسكون التحتيّة، وبالكاف: موضع في ديار غنىّ أو ذبيان. المصانع- بفتح الميم، وتخفيف الصّاد المهملة، وبعد الألف نون، فعين مهملة: مواضع تصنع للماء، تشبه الصّهاريج. جمل- بجيم مضمومة، فميم ساكنة، فلام: اسم امرأة، لا ينصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. جلّ- بضمّ الجيم: معظم. الرّخيّ: الواسع. صرف الدّهر: تغيره. حبيبيّة- بضم الحاء المهملة، وفتح الموحّدة، وسكون التحتانيّة الأولى وكسر الموحّدة، وفتح التحتيّة المشددة: منسوبة إلى بني حبيب بالتصغير، وحبيبة منسوبة إلى بني حبيب بوزن عليم وحبيبيّة تصغير حبيبة، وكلها روايات. ألوت: ذهبت. غربة- بفتح الغين المعجمة، وسكون الرّاء، وفتح الموحّدة، فتاء تأنيث: بعد. النّوى: الفراق. ملومة- من اللّوم: وهو العتاب. خزيمة- بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي، وسكون التحتية بن جزيء بفتح الجيم وقيل بضمها وكسر الزاي، وآخره بعد المدّ همزة، أو تسهل فتصير الياء مدغمة كذا ذكر الحافظ في التبصير. وقال في الإصابة: إنّه بكسر الزّاي. وقال في التّقريب: بفتح الجيم، وسكون الزّاي، بعدها همزة: صحابي. والمرّار- بفتح الميم، وتشديد الرّاء، وبعد الألف راء أخرى ابن صحابي. وواسع: صحابي أيضا لم أقف على اسم أبويهما الثلاثة سليميون. وفدوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. لبوس- بفتح اللّام، وضمّ الموحّدة المخففة. رائع- براء، وبعد الألف تحتية، وبعين مهملة: معجب.

الأخشبان- بالخاء، والشين المعجمتين فموحدة، يضافان مرّة إلى مكّة، ومرّة إلى منّى، وهما واحد، أحدهما أبو قبيس، والآخر قعيقعان، ويقال بل الجبل المشرق الأحمر هنا لك وقال. ابن وهب: الأخشبان: الجبلان اللّذان تحت العقبة بمنّى فوق المسجد. يد الله- منصوب على التعظيم. نبايع: نقدم عليه. جسنا: وطئنا، قال تعالى ... فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ... [الإسراء 5] : تخلّلوها فطلبوا ما فيها عنوة- بفتح العين المهملة: قهرا. النقع- بفتح النون، وسكون القاف، وبالعين المهملة: الغبار. كاب- بالموحدة: مرتفع. ساطع: متفرق. علانية- بعين مهملة مفتوحة فلام فألف فنون مكسورة فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث: أي جهرا من غير استخفاء. الخيل مبتدأ. متونها: مفعول مقدم، والفاعل: حميم، وهو هنا العرق. آن- بمد الهمزة: الدّم المسخّن الحار. ناقع- بنون وبعد الألف قاف مكسورة فعين مهملة: طري، وقال أبو ذر: كثير. الأضالع- جمع ضلع، بضاد معجمة مكسورة، فلام مكسورة وقد تسكن تخفيفا فعين مهملة سمي بذلك من الضّلع وهو الاعوجاج. الضحّاك بن سفيان السلمي وليس الكلبي كما ذكره ابن البرقي. لا يستفزّنا: يستخفنا. قراع الأعادي- بقاف مكسورة فراء فألف فعين: ضربهم. أمام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدّام. يخفق: يضطرب. الخذروف- بضم الخاء، وسكون الذال المعجمة فراء مضمومة، فواو ساكنة، ففاء: البرق اللامع المتقطع منها، وقال أبو ذر: خذروف السحابة طرفها، وأراد به هنا السّرعة في تحرك هذا اللواء واضطرابه.

شرح غريب قصيدة العباس الرائية

معتص بالسّيف- بميم مضمومة، فعين مهملة ساكنة، ففوقية مفتوحة، فصاد مهملة، قال في الإملاء: أي ضارب، يقال: اعتصوا بالسيوف إذا ضاربوا بها، وفي الصحاح: العصي مقصور مصدر قولك عصي- بالكسر- بالسيف يعصى: إذا ضرب، وفلان يعتصي على عصى: أي يتوكّأ عليها، ويعتصي بالسيف: أي يجعله عصى. كانع- بنون مكسورة، فعين مهملة: حاضر نازل، وفي الإملاء أنه يقال: كنع به عند الموت إذا دنا. نذود أخانا من أخينا: أي يريد أنه من سليم، وسليم من قيس كما أنّ هوازن من قيس كلاهما ابن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس، والمعنى: نقاتل إخوتنا ونذودهم، أي نمنعهم عن إخوتنا من سليم. ولو نرى: أي حكم الدّين. مصالا- بفتح الميم، وبالصّاد المهملة: من الصّولة. لكنّا الأقربين: يعني هوازن. نتابع بنون ففوقية. ولكنّ- بتشديد النّون. دين الله بالنصب- اسم لكن. دين محمد بالرفع: خبرها. حمّه الله- بفتح الحاء المهملة، وتشديد الميم فهاء حمّه: أي قصده، يقال حمتت حمّك، أي قصدت قصدك. شرح غريب قصيدة العباس الرائية قوله: العائر- بعين مهملة وبعد الألف تحتية وبالراء: وجع العين. سهر- بكسر الهاء: اسم فاعل من السّهر، وهو امتناع النّوم، وجعله سهرا، وإنما السهر أمر جميل لأنه لم يفتر فكأنّه قد سهر ولم ينم. الحماطة- بفتح الحاء وتخفيف الميم وبعد الألف طاء مهملة فتاء تأنيث: وهي هنا بزّة تكون في جفن العين، وقال في الروض: هي من ورق الشجر ما فيه خشونة. أغضى- بالغين، والضّاد المعجمتين وزن أعطى. الشّفر- بضم الشين المعجمة، والفاء. قال في الإملاء: جفون العين.

تأوّبها- بفوقية، فهمزة مفتوحة، فواو مشدّدة مفتوحة فموحدة،: جاءها مع الليل. الشّجو- بفتح الشين المعجمة، وسكون الجيم وبالواو: الحزن. الأرق- بفتح الهمزة والراء والقاف: السهر، وهو امتناع النوم. والماء: المراد به هنا الدّمع. يغمره- بالغين المعجمة وضم الميم: يغطيه. طورا: تارة. السّلك- بكسر السين المهملة، وسكون اللّام، وبالكاف: الخيط الذي ينظم فيه. منبتر- بميم مضمومة، فنون ساكنة فموحدة مفتوحة ففوقية مثناة: أي منقطع، ويروى منتثر- بالنون ففوقية فثاء مثلثة. الصّمّان- بضم الصاد المهملة، وتشديد الميم، وبعد الألف نون: موضع إلى جنب أرض عالج، أي بالعين المهملة، فألف، فلام مكسورة فجيم: مكان بالبادية كثير الرّمال. الحفر- بفتح الحاء المهملة والفاء، كما ذكره أبو عبيد البكري، والحازمي وخلائق: اسم لعدّة مواضع والله أعلم أيّها أراد العباس. وقول من قال يعني به: حفر الذي بالكوفة أو بالبصرة ليس ببيّن لأن العباس قال هذه القصيدة في غزوة حنين، والبصرة والكوفة حدثتا بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- بدهر. الزّعر- بفتح الزاي والعين: قلة الشّعر، وفي نسخة: الذّعر- بالذّال المعجمة والعين المهملة المضمومتين: وهو الفزع. البلاء- بفتح الموحدة: الصّنع. سليم الأولى والثانية- بضمّ السين المهملة وفتح اللام. مفتخر- بالخاء المعجمة. مشتجر- بكسر الجيم. لا يغرسون فسيل النّخل- بفتح الفاء وكسر السّين المهملة، فتحتية ساكنة، فلام والجمع فسلات، وهو الوديّ بفتح الواو، وكسر الدال وتشديد التحتية: النّخل. وسطهم- بإسكان السّين، وإن جاز فيه الفتح من حيث اللغة، لكنه ساكن لأجل الوزن مضموم الميم يعير بذلك أهل المدينة الشريفة. ولا تخاور- بفوقية، فخاء معجمة، فألف، فواو مفتوحة وبالراء من الخوار، وهو أصوات

البقر، ويروى: يجاور بالجيم والراء، ويحاوز بالحاء المهملة والزاي، وصوّب في الإملاء الأول. السّوابح- بفتح السين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة: جمع سابح يقال: سبح الفرس في جريه فهو سابح. العقبان- جمع كثرة للعقاب، وهو طائر من الجوارح، ولفظه مؤنث. مقرب- بضم الميم، وسكون القاف وفتح الرّاء وبالموحدة، الفرس الذي يدنى ويكرم والأنثى مقربة ولا تترك أن ترود وإنما يفعل ذلك بالإناث لئلا يقرعها فحل لئيم. الدارة: أخص من الدار. الأخطار- جمع خطر- بكسر الخاء المعجمة وإسكان الطاء المهملة والراء، وهو القطيع من الإبل. العكر- بفتح العين المهملة والكاف، ويجوز إسكانها، وهنا محركة لا غير للوزن: جمع عكرة: وهو القطيع الضّخم من الإبل ما بين الخمسين إلى المائة، وقيل: الخمسون إلى الستين إلى السبعين، وقيل إلى المائة، وقيل ما فوق الخمسمائة من الإبل، يقال: أعكر الرّجل إذا كان عنده عكرة. خفاف- بضمّ أوله، وتخفيف الفاء- بن عمير بن الحارث بن رشيد السلمي المعروف بابن ندبة- بنون- وهي أمه، كان من فرسان قيس وشعرائها المذكورين، شهد حنينا، وثبت على إسلامه في الرّدّة. وعوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي شهد الفتح وكانت معه راية أشجع- رضي الله عنه. وحيّ ذكوان- بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف. الميل: بكسر الميم وإسكان التحتية وباللام جمع أميل: وهو الذي لا سلاح معه. الضّجر- بضم الضاد المعجمة والجيم، جمع ضجور، والضّجر: الحرج وسوء الاحتمال. الضاربون: جمع ضارب. جنود- بالنّصب: مفعول اسم الفاعل. ضاحية- بفتح الضّاد المعجمة، وبعد الألف حاء مهملة مكسورة، فتحتية فتاء تأنيث: منكشفة بارزة. الظّاهر بالظاء المعجمة المشالة وهو من الأرض ما غلظ منها.

شرح غريب قصيدته السينية

منقعر: منقلع من أصله. ينجاب- بفتح التّحتيّة وسكون النون وبالجيم والموحدة: ينكشف. السّاطع هنا: الغبار. كدر: متغير إلى السّواد. تحت اللّواء مع الضّحّاك، يقدمنا: كذا في الرّواية، وقال في الإملاء، ورواه الخشنيّ: تحت اللوامع. والضّحّاك هو ابن سفيان السلمي. الليث- بالثاء المثلّثة من أسماء الأسد. الخدر: الدّاخل في خدره، والخدر هنا غابة الأسود. المأزق- بهمزة ساكنة: بعد الميم، والزّاي المكسورة وبالقاف: موضع الحرب، وأصله الضيق. الكلكل- بفتح الكافين وإسكان اللّام الأولى: الصّدر. يكاد يقرب: يأفل- بضم الفاء: يغرب. تأوّب- بتشديد الواو المفتوحة وبالموحدة: رجع. منازلهم: بالنّصب. إلا قد أصبح بالنقل للوزن. شرح غريب قصيدته السينية قوله: تهوي به: تسرع. الوجناء- غليظة الوجنات بارزتها، وذلك يدلّ على غور عينيها، وهم يصفون الإبل بغور العينين عند طول السّفاد، ويقال في الوجنة من الآدميين رجال موجنة وامرأة موجنة، ولا يقال وجناء. مجمرة: مجتمعة منضمة. المناسم- جمع منسم، بفتح الميم، وسكون النون وكسر السين المهملة، وهو مقدم طرف خف البعير. العرمس- بكسر العين المهملة، وسكون الراء، وكسر الميم وبالسّين المهملة: الحجارة الصلبة، تشبّه بها النّاقة الشّديدة الجلدة، وهي المراد هنا. المطيّ- جمع مطية: البعير لأنه يركب مطاه أي ظهره.

تقدع- بفتح الفوقية، وسكون القاف، وفتح الدّال، وبالعين المهملة: تكف. الكماة- بضم الكاف. الشجعان واحدهم كمي. تضرس- بضم الفوقية، وسكون الضّاد المعجمة، وفتح الرّاء، وبالسين المهملة، قال في الإملاء: تجرّح، وقال في الروض: تضرب أطرافها باللجم، يقال ضرس أي أصيبت أضراسه، كما تقول: رأس أي أصبت رأسه. سال: ارتفع. الأفناء- كأحمال: هنا أخلاط الناس. بهثة- بفتح الموحدة وسكون الهاء، وبالثّاء المثلثة، وبتاء التأنيث: قبيلة من سليم. المخارم- بالخاء المعجمة والراء: الطرق في الجبال، واحدها مخرم. ترجس- بالجيم: تهتزّ وتتحرك. الفيلق- بالفاء المفتوحة فالتحتية الساكنة، فاللام، فالقاف: الجيش. شهباء: كثيرة السّلاح. الهمام- بضم الهاء: السيّد. الأشوس- بفتح أوله وسكون الشّين المعجمة، وفتح الواو، وبالسين المهملة: الذي ينظر بمؤخر عينيه متكبرا. الأغلب: الشّديد الغليظ. محكمة: متقنة. الدّخال- بكسر الدال المهملة وبالخاء المعجمة واللّام: يعني نسيج الدروع. القونس- بفتح القاف، وسكون الواو، وفتح النون وبالسين المهملة: أعلى بيضة الخوذة. يروي- بضم التحتية، وسكون الراء. القناة- بالقاف والنون: الرّمح. الوغى- بفتح الواو، والغين المعجمة: الحرب. تخاله: تظنه. العضب- بفتح العين المهملة، وسكون الضّاد المعجمة السّاقطة وبالموحدة: السيف القاطع.

شرح غريب قصيدته الهائية

لدن- بفتح اللام وسكون الدال المهملة اللّين من كل شيء: مدعس: بكسر الميم وسكون الدال، وفتح العين وبالسين المهملتين- الشديد من الرماح الغليظ. العرندس- بفتح العين وبالسين المهملتين الأسد الشديد. دريئة- من روى دريئة بالهمز فمعناه: مدافعة، ومن رواه دريّة بتشديد التحتية فمعناه: تستر، وفي الروض الدريّة: الحلقة التي يتعلم عليها الرمي، أي كانوا كالدرية للرماح. والشّمس يومئذ عليهم أشمس، يريد لمعان الشمس في كلّ بيضة من بيضات الحديد كأنها شمس، وهو معنى صحيح وتشبيه مليح. كفت: قلبت ومنعت. الإخاوة: مصدر أخا وآخى، والمعنى طلب اتخاذ الأخوة. العير- بفتح المهملة: حمار الوحش. تعاقبه السباع: مفرّس- بضم الميم، وفتح الفاء، والراء المشددة وبالسين المهملة: تعتور فرسته السّباع. شرح غريب قصيدته الهائية قوله: الحواسر: الجموع الذين لا درع عليهم، ويقال: رجل حاسر إذا لم يكن عليه درع. عامل الرّمح: أعلاه. يذود- بالذّال المعجمة، وبعد الواو المهملة: يطرد. حومة الموت: معظمه. شاجره: مخاصمه ومخالطه، ويحتمل أن يكون شاجره هنا مخالطه بالرّمح، يقال شجرته بالرّمح إذا طعنته به وشجرت الرّماح إذا دخل بعضها في بعض. بطانة الرّجل: من كان حاط به مطّلعا على سرّه. الشّعار: ما يلي جسد الإنسان من الثّياب، فاستعاره هنا. شرح غريب قصيدته الميمية قوله قديدا: تصغير قد، اسم موضع. تماروا بنا: شكّوا فينا.

فتيان- جمع فتىّ. الغاب بالمعجمة هنا: الرّماح. دفّاع- بضم الدال المهملة وتشديد الفاء. الأتيّ- بفتح أوله، وكسر الفوقيّة، وتشديد التحتية: السّيل يأتي من بلد إلى بلد. العرمرم: الكثير الشّديد. سراة: سادتهم. تسلّما- بتشديد اللام، يريد في سليم من اعتزى أي انتهى إليهم من حلفائهم فتسلّم بذلك كما تقول تقيّس الرجل إذا اعتزى إلى قيس. وحبّ إلينا- بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة فعل ماض وأصله حبب- بضمّ الموحدة، ثم أسكنت وأدغمت في الثانية. النّهي- بفتح النّون، وكسرها، وسكون الهاء، وآخره تحتية: الغدير من الماء. يلملما- بفتح التحتية، واللّامين، وسكون الميم بينهما: اسم موضع. الحصان- بكسر الحاء المهملة: الفرس العتيق، ثم كثر حتّى سمّي به كلّ ذكر من الخيل. الورد- بلفظ المشموم، ما بين الكميت والأشقر. يسوّما- بضم التحتية وتشديد الواو: يعلم نفسه بعلامة يعرف بها. لدن: ظرف مكان بمعنى عند. غدوة- بالنّصب والتنوين. دوافعه: مجاري السيول فيها. زفّه- بالزّاي، والفاء: ساقه سوقا رفيقا. قد أحجما- بحاء مهملة، فجيم: رجع وانقبض. وأحجم بالجيم فالحاء بمعناه. الطّمرّة: الفرس السريعة الوثّابة. محطم: مكسّر. السّرب- بفتح السين وسكون الرّاء: المال الرّاعي.

الباب التاسع والعشرون في غزوة الطائف

الباب التاسع والعشرون في غزوة الطائف لمّا قدم فلّ ثقيف الطائف رمّوا حصنهم وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم، وتهيئوا للقتال، وكانوا أدخلوا فيه قوت سنة لو حصروا وجمعوا حجارة كثيرة، وأعدوا سككا من الحديد وأدخلوا معهم قوما من العرب من عقيل وغيرهم، وأمروا بسرحهم أن يرفع في موضع يأمنون فيه، وقدّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديه خالد بن الوليد في ألف من أصحابه إلى الطائف، فأتى خالد الطائف فنزل ناحية من الحصن، وقامت ثقيف على حصنها بالرّجال والسّلاح، ودنا خالد في نفر من أصحابه فدار بالحصن من كان متنحيا عنه، ونظر إلى نواحيه، ثم وقف في ناحية من الحصن فنادى بأعلى صوته: ينزل إليّ بعضكم أكلّمه وهو آمن حتى يرجع، أو اجعلوا لي مثل ما جعلت لكم، وأدخل عليكم حصنكم أكلمكم. قالوا: لا ينزل إليك رجل منا ولا تصل إلينا، وقالوا: يا خالد إنّ صاحبكم لم يلق قوما يحسنون قتاله غيرنا. قال خالد: فاسمعوا من قولي، نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأهل الحصون والقوة بيثرب وخيبر، وبعث رجلا واحدا إلى فدك فنزلوا على حكمه، وأنا أحذركم مثل يوم بني قريظة، حصرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أيّاما، ثم نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلتهم في صعيد واحد ثمّ سبى الذّرية، ثم دخل مكة فافتتحها وأوطأ هوازن في جمعها، وأنتم في حصن في ناحية من الأرض، لو ترككم لقتلكم من حولكم ممن أسلم. قالوا: لا نفارق ديننا، ثم رجع خالد بن الوليد إلى منزله. وسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد خالد ولم يرجع إلى مكة، ولابها عرج على شيء إلا على غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شيء وترك السّبي بالجعرانة وملئت عرش مكة منهم. وكان مسيره في شوال سنة ثمان، وقال شدّاد بن عارض الجشميّ- رضي الله عنه- في مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا تنصروا اللّات إنّ الله مهلكها ... وكيف ينصر من هو ليس ينتصر؟ إنّ الّتي حرّقت بالسّدّ فاشتعلت ... ولم تقاتل لدى أحجارها هدر إنّ الرّسول متى ينزل بلادكم ... يظعن وليس بها من أهلها بشر قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- فسلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني من حنين إلى الطائف على نخلة اليمانية، ثم على قرن ثم على المليح، ثم على بحرة الرّغاء من ليّة، فابتنى بها مسجدا فصلّى فيه، وأقاد يومئذ ببحرة الرّغاء حين نزلها بدم، وهو أوّل دم أقيد به في الإسلام، أتي برجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به. وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو بليّة بحصن مالك بن عوف فهدم. وصلّى الظّهر بليّة. ثم سلك في طريق يقال لها الضّيقة،

ذكر إعلامه - صلى الله عليه وسلم - بقبر أبي رغال، وما وقع في ذلك من الآيات

فلمّا توجّه إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسأل عن اسمها فقيل: الضّيقة، فقال: «بل هي اليسرى» فخرج منها على نخب حتّى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف، قد تمنّع فيه، فأرسل إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أما إن تخرج وإمّا أن نحرق عليك حائطك» [ (1) ] فأبى أن يخرج فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بإحراقه. ذكر إعلامه- صلى الله عليه وسلّم- بقبر أبي رغال، وما وقع في ذلك من الآيات روى ابن إسحاق، وأبو داود، والبيهقي عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «حين خرجنا معه إلى الطّائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلمّا خرج أصابته النّقمة الّتي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه» [ (2) ] . قال: فابتدره الناس فنبشوه فاستخرجوا منه الغصن. ذكر محاصرته- صلى الله عليه وسلّم- الطائف قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-: ثم مضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى نزل قريبا من الطّائف، فضرب عسكره، وأشرفت ثقيف على حصنهم- ولا مثال له في حصون العرب- وأقاموا رماتهم، وهم مائة رام، فرموا بالسّهام والمقاليع من بعد من حصنهم، ومن دخل تحت الحصن دلّوا عليه سكك الحديد محماة بالنّار يطير منها الشرر، فرموا المسلمين بالنّبل رميا شديدا، كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراح، وقتل منهم اثنا عشر رجلا، فارتفع- صلى الله عليه وسلم- إلى موضع مسجده اليوم، الذي بنته ثقيف بعد إسلامها، بناه أمية بن عمرو بن وهب بن معتب بن مالك، وكانت فيه سارية لا تطلع عليها الشمس صبيحة كل يوم حتى يسمع لها نقيض أكثر من عشر مرات، فكانوا يرون أن ذلك تسبيح، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لهما قبّتين وكان يصلّي بين القبّتين طول حصار الطائف كله، وقال عمرو بن أمية الثّقفي- وأسلم بعد ذلك، ولم يكن عند العرب أدهى منه- لا يخرج إلى محمد أحد إذا دعا أحد من أصحابه إلى البراز، ودعوه يقيم ما أقام، وأقبل خالد بن الوليد ونادى: من يبارز؟ فلم يطلع إليه أحد، ثم عاد فلم ينزل إليه أحد، ثم عاد فلم ينزل إليه أحد، فنادى عبد

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 925. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3088) وعبد الرزاق (20989) والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 156 وفي الدلائل 6/ 297، 7/ 497.

ذكر بعثه مناديا ينادي: من نزل من العبيد فهو حر

ياليل: لا ينزل إليك أحد، ولكنّا نقيم في حصننا، خبأنا فيه ما يصلحنا سنين، فإذا أقمت حتى يذهب هذا الطعام خرجنا إليك بأسيافنا جميعا حتى نموت عن آخرنا. فقاتلهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالرمي عليهم وهم يقاتلونه بالرمي من وراء الحصن، فلم يخرج إليه أحد، وكثرت الجراحات له من ثقيف بالنّبل، وقتل جماعة من المسلمين. ذكر بعثه مناديا ينادي: من نزل من العبيد فهو حر قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير: حدثني عبد الله بن المكرم الثقفي، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: نادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أيّما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حرّ» فخرج من الحصن بضعة عشر رجلا: المنبعث، وكان اسمه المضطجع فسمّاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المنبعث حين أسلم، وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتّب، وكان جوادا روميّا، والأزرق بن عقبة بن الأزرق وكان عبدا لكلدة- بفتح الكاف وسكون اللام، وبالدال المهملة- الثقفي ثم صار حليفا في بني أمية، ووردان وكان عبدا لعبد الله بن ربيعة الثّقفي، ويحنّس- بضم التّحتية وفتح الحاء المهملة والنون المشدّدة وبالسين المهملة- النّبّال وكان عبدا ليسار بن مالك الثّقفي، وأسلم سيّده بعد، فردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليه ولاءه، وإبراهيم بن جابر، وكان عبدا لخرشة- بفتح الخاء المعجمة والراء والشين المعجمة الثّقفي، ويسار، وكان عبدا لعثمان بن عبد الله. وأبو بكرة نفيع- بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية- بن مسروح- بفتح الميم وسكون السين المهملة وضم الراء وبالحاء المهملة- وكان عبدا للحارث بن كلدة، وإنّما كنّي بأبي بكرة لأنه نزل في بكرة من الحصن، ونافع أبو السايب وكان عبدا لغيلان بن سلمة، فأسلم غيلان بعد، فردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولاءه إليه، ونافع بن مسروح، ومرزوق غلام لعثمان بن عبد الله. وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الطّائف «من خرج إلينا من العبيد فهو حرّ» فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ (1) ] . وروى الشيخان عن أبي عثمان النهدي قال: سمعت سعدا- وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله- وأبا بكرة- وكان قد تسوّر حصن الطائف قالا: سمعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام» [ (2) ] . وفي رواية نزل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة

_ [ (1) ] أخرجه احمد 1/ 248 وابن سعد 2/ 1/ 115، وانظر المجمع 4/ 245 والبداية 4/ 347. [ (2) ] أخرجه البخاري 12/ 54 (6766) ، ومسلم 1/ 80 (115/ 63) .

ذكر رميه - صلى الله عليه وسلم - حصن الطائف بالمنجنيق

وعشرون من الطائف- فشق ذلك على أهل الطّائف مشقة شديدة، واغتاظوا على غلمانهم- فأعتقهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ويحمله فكان أبو بكرة إلى عمرو بن سعيد بن العاص، وكان الأزرق، إلى خالد بن سعيد بن العاص، وكان وردان إلى أبان بن سعيد بن العاص، وكان يحنّس النّبال إلى عثمان بن عفّان، وكان يسار بن مالك إلى سعد بن عبادة، وكان إبراهيم بن جابر إلى أسيد بن الحضير، وأمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يقرئوهم القرآن، ويعلموهم السنن، فلما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم في هؤلاء المعتقين، منهم الحارث بن كلدة يردونهم إلى الرّق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أولئك عتقاء الله، لا سبيل إليهم» [ (1) ] . ذكر رميه- صلى الله عليه وسلّم- حصن الطائف بالمنجنيق قال محمد بن عمر: قالوا: وشاور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فقال له سلمان الفارسي- رضي الله عنه-: يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم، فإنّا كنّا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون. وتنصب علينا، فنصيب من عدوّنا ويصيب منّا بالمنجنيق، وإن لم يكن منجنيق طال الثّواء، فأمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعمل منجنيقا بيده، فنصبه على حصن الطائف، وهو أول منجنيق رمي به في الإسلام. وروى ابن سعد عن مكحول- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصب المنجنيق على أهل الطّائف أربعين يوما، ويقال: قدم به يزيد بن زمعة بن الأسود وبدبّابتين، ويقال: الطفيل بن عمرو، ويقال: خالد بن سعيد قدم من جرش بمنجنيق وبدبّابتين، ونثر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحسك، شقتين من حسك من عيدان حول حصنهم، ودخل المسلمون من تحت الدّبابة، وهي من جلود البقر. وذلك اليوم يقال له يوم الشّدخة لما شدخ فيه من الناس، ثمّ زحفوا بها إلى جدار الحصن ليحفروه، فأرسلت ثقيف بسكك الحديد المحماة بالنّار، فحرّقت الدّبّابة، فخرج المسلمون من تحتّها وقد أصيب منهم من أصيب، فرمتهم ثقيف بالنّبل، فقتل منهم رجال فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها، قال عروة: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كل رجل من المسلمين أن يقطع خمس نخلات وخمس حبلات، فقطع المسلمون قطعا ذريعا. فنادت ثقيف: لم تقطع أموالنا؟ إمّا أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإمّا أن تدعها لله وللرّحم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: فإني أدعها لله وللرحم فتركها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وكان رجل يقوم على الحصن فيقول: روحوا رعاء الشاء روحوا جلابيب محمّد أتروننا نبتئس على أحبل أصبتموها من كرومنا؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اللهمّ روّح مروّحا إلى النّار» .

_ [ (1) ] انظر نصب الرابة 3/ 281.

ذكر استئذان عيينة بن حصن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إتيان أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام، وما وقع في ذلك من الآيات

قال سعد بن أبي وقّاص فأرميه بسهم فوقع في نحره فهوى من الحصن ميّتا، فسرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك. ذكر استئذان عيينة بن حصن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في إتيان أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام، وما وقع في ذلك من الآيات روى أبو نعيم والبيهقي عن عروة بن الزبير- رحمه الله تعالى- قال استأذن عيينة ابن حصن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يأتي أهل الطائف يكلمهم لعل الله تعالى- أن يهديهم، فأذن له، فأتاهم ودخل في حصنهم، وقال بأبي أنتم تمسكوا بمكانكم فو الله لنحن بأذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به حدث ليملكن العرب عزّا ومنعة، وإياكم أن تعطوا بأيديكم، ولا يتكاثر عليكم قطع هذا الشجر، ثم رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «ما قلت لهم يا عيينة؟» قال: أمرتهم بالإسلام، ودعوتهم إليه، وحذّرتهم النّار، ودللتهم على الجنّة، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذبت، بل قلت لهم كذا وكذا» [ (1) ] وقصّ عليه قوله، فقال: صدقت يا رسول الله، أتوب إلى الله وإليك من ذلك. ذكر اشتداد الأمر وحثه- صلى الله عليه وسلّم- على الرمي قال: وعن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- حاصرنا قصر الطائف مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسمعته يقول: «من بلغ بسهم فله درجة في الجنة» فبلغت يومئذ ستّة عشر سهما، وسمعته يقول: «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرّر، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة، وأيّما رجل أعتق رجلا مسلما فإنّ الله سبحانه وتعالى جاعل كلّ عظم من عظامه وقاء كل عظم بعظم، وأيّما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله عز وجلّ جاعل كلّ عظم من عظامها وقاء كل عظم من عظامها في النّار» [ (2) ] رواه يونس بن بكير وأبو داود والترمذي وصححه النّسائي . ذكر نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن دخول المخنثين على النساء روى يونس بن بكير في زيادة المغازي، والشيخان عن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: كان عندي مخنّث- وهو في عرف السّلف: الذي لا همّ له إلى النّساء لا غير ذلك. كما سيأتي:

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 157. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3965) وأحمد 4/ 384 والنسائي 7/ 104، والحاكم 3/ 50 واحمد 4/ 113، والبيهقي في الدلائل 5/ 159، وفي السنن 10/ 272.

ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على عدم فتح الطائف حينئذ وإذنه بالرجوع واشتداد الرجوع على الناس قبل الفتح

فقال لعبد الله أخي: إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلّك على ابنه غيلان فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قوله. فقال: «لا أرى هذا يعلم ما ها هنا لا تدخلنّ هؤلاء عليكن» وكانوا يرونه من غير أولى الاربة من الرّجال، قال ابن جريج: اسمه هيت. قال ابن إسحاق: كان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائد مخنّث يقال له ماتع يدخل على نساء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ويكون في بيته ولا يرى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أنه يفطن لشيء من أمور النّساء ممّا يفطن الرّجال إليه، ولا يرى أن له في ذلك إربا، فسمعه وهو يقول لخالد بن الوليد: يا خالد إن فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الطّائف فلا تفلتنّ منك بادية بنت غيلان، فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين سمع هذا منه «لا أرى الخبيث يفطن لما أسمع» ثم قال لنسائه «لا تدخلنه عليكن» فحجب عن بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- [ (1) ] . ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على عدم فتح الطائف حينئذ وإذنه بالرجوع واشتداد الرجوع على الناس قبل الفتح قال ابن إسحاق: وبلغني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر: «إنّي رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك، فهراق ما فيها» فقال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «وأنا لا أرى ذلك» . وروى محمد بن عمر عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا مضت خمس عشرة من حصار الطّائف، استشار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نوفل بن معاوية الديلي- رضي الله عنه- فقال: «يا نوفل ما ترى في المقام عليهم» قال: يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك. قال ابن إسحاق: ثم إنّ خولة بنت حكيم السّلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله، اعطني، إن فتح الله عليك الطائف- حليّ بادية بنت غيلان، أو حليّ الفارعة بنت عقيل- وكانتا من أحلى نساء ثقيف- فروى: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لها: «وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة؟» فخرجت خولة، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فدخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما حديث حدّثتنيه خولة؟» زعمت أنك قلته؟ قال «قد قلته» قال «أو ما أذن فيهم» قال: «لا» قال: أفلا أؤذن الناس بالرّحيل؟ قال: «بلى» فأذّن عمر بالرّحيل.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4324، 4325) ، ومسلم 3/ 1715 (32) ، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 224، وفي الدلائل 5/ 161.

ذكر من استشهد من المسلمين بالطائف وهم اثنا عشر رجلا

وروى الشيخان عن ابن عمرو أو ابن عمر- رضي الله عنهم- قال: لمّا حاصر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الطائف ولم ينل منهم شيئا قال «إنّا قافلون غدا إن شاء الله تعالى» فثقل عليهم، وقالوا: أنذهب ولا نفتح؟ وفي لفظ فقالوا: لا نبرح أو نفتحها، فقال: «اغدوا على القتال» فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا، فأصابهم جراح، فقال: «إنّا قافلون غدا إن شاء الله تعالى» قال: فأعجبهم، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال عروة- رحمه الله تعالى- كما رواه البيهقي- وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الناس أن لا يسرّحوا ظهرهم، فلما أصبحوا، ارتحل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ودعا حين ركب قافلا وقال: «اللهمّ اهدهم واكفنا مؤنتهم» [ (1) ] . وروى الترمذي- وحسنه عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال يا رسول الله أحرقتنا نار ثقيف، فادع الله- تعالى- عليهم فقال: «اللهم اهد ثقيفا وأت بهم» [ (2) ] . قال ابن إسحاق في رواية يونس وحدثني عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حاصر أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك ثم انصرف عنهم ولم يؤذن فيهم، فقدم وفدهم في رمضان فأسلموا، قلت: وسيأتي بيان ذلك في الوفود إن شاء الله تعالى. قال ابن إسحاق في رواية زياد: «وحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، وقيل: عشرين يوما وقيل: بضع عشرة ليلة» قال ابن حزم: وهو الصحيح بلا شك. وروى الإمام أحمد، ومسلم عن أنس أنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة واستغربه في البداية. قال محمد بن عمر: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا: «قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده» فلما ارتحلوا واستقبلوا قال: «قولوا آئبون، إن شاء الله تائبون عابدون لربّنا حامدون» . ذكر من استشهد من المسلمين بالطائف وهم اثنا عشر رجلا سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية. وعرفطة- بضم العين المهملة، وسكون الراء، وضم الفاء، وبالطّاء المهملة- ابن حباب- بضم الحاء المهملة، وتخفيف الموحدة. ويزيد بن زمعة- بفتح الزّاي- وسكون الميم- ابن الأسود- جمح به فرسه إلى حصن الطّائف فقتلوه.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4325) ومسلم في الجهاد باب غزوة الطائف (82) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 169. [ (2) ] أخرجه الترمذي (3942) وأحمد 3/ 343 وابن سعد 2/ 1/ 115 وابن أبي شيبة 12/ 201، 14/ 508 وانظر البداية 4/ 350، 352.

ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف إلى الجعرانة

وعبد الله بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- رمي بسهم فلم يزل جريحا حتّى مات بالمدينة بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو غير شهيد عند الشّافعية لأنه توفي بعد انقضاء الحرب بمدّة مديدة. وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي، رمي في الحصن. وعبد الله بن عامر بن ربيعة. والسّائب بن الحارث بن قيس السّهمي، وأخوه عبد الله بن الحارث بن قيس. وجليحة- بضم الجيم، وفتح اللّام، وسكون التّحتية، وبالحاء المهملة، ابن عبد الله. وثابت بن الجذع- بفتح الجيم والذّال المعجمة وبالعين المهملة، واسمه ثعلبة السّلمي- بفتح السّين، واللّام. والحارث بن سهل بن أبي صعصعة. والمنذر بن عبد الله بن نوفل. وذكر في العيون هنا: رقيم بن ثابت بن ثعلبة مع ذكره له فيمن استشهد بحنين، تبع هناك ابن إسحاق، وهنا ابن سعد. ذكر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الطائف إلى الجعرانة قالوا: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الطائف فأخذ على دحنا، ثمّ على قرن المنازل، ثم على نخلة، ثم خرج إلى الجعرانة وهو على عشرة أميال من مكة، قال سراقة بن جعشم رضي الله عنه: لقيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو منحدر من الطّائف إلى الجعرانة فتخلصت إليه- والنّاس يمضون أمامه أرسالا- فوقفت في مقنب من خيل الأنصار، فجعلوا يقرعونني بالرّماح ويقولون: إليك إليك، ما أنت؟ وأنكروني، حتّى إذا دنوت وعرفت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسمع صوتي أخذت الكتاب الّذي كتبه لي أبو بكر فجعلته بين إصبعين من أصابعي، ثم رفعت يدي به وناديت: أنا سراقة بن جعشم، وهذا كتابي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هذا يوم وفاء وبرّ، ادنوه فأدنيت منه، فكأني أنظر إلى ساق رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في غرزه كأنها الجمارة، فلمّا انتهيت إليه سلمت وسقت الصّدقة إليه، وما ذكرت شيئا أسأله عنه إلا أنّي قلت: يا رسول الله أرأيت الضالة من الإبل تغشى حياضي وقد ملأتها لإبلي هل لي من أجر إن سقيتها؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «نعم في كلّ ذات كبد حرّى أجر» رواه قال محمد بن عمر: وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتب لسراقة كتاب موادعة سأل سراقة إياه، فأمر به فكتب له أبو بكر، أو عامر بن فهيرة، وتقدم بيان ذلك في أبواب الهجرة إلى المدينة.

قدوم وفد هوازن ورد السبي إليهم

وروى محمد بن عمر عن أبي رهم الغفاري- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسير وأنا إلى جنبه، وعليّ نعلان غليظان، إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأوجعته، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أوجعتني أخّر رجلك» وقرع رجلي بالسوط فأخذني ما تقدم من أمري وما تأخر، وخشيت أن ينزل فيّ قرآن لعظم ما صنعت، فلمّا أصبحنا بالجعرانة، خرجت أرعى الظّهر وما هو يومي، فرقا أن يأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورسول الله يطلبني، فلمّا روّحت الرّكاب سألت: فقيل لي طلبك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: إحداهن والله، فجئت وأنا أترقب، فقال «إنّك أوجعتني برجلك، فقرعتك بالسّوط فأوجعتك، فخذ هذه الغنم عوضا عن ضربي» قال أبو رهم: فرضاه عنّي كان أحب إلى من الدنيا وما فيها. وقال ابن إسحاق في رواية سلمة: حدّثني عبد الله بن أبي بكر أن رجلا ممن شهد حنينا قال والله إني لأسير إلى جنب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ناقة لي وفي رجلي نعل غليظة إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأوجعته فقرع قدمي بالسّوط، وقال: «أوجعتني فتأخّر عنّي» فانصرفت، فلما كان من الغد إذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلتمسني، فقلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأمس، قال فجئته وأنا أترقب فقال «إنّك أصبت رجلي بالأمس فأوجعتني فقرعت قدمك بالسّوط فدعوتك لأعوّضك منها» فأعطاني ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني. قال ابن إسحاق وغيره: ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الجعرانة فيمن معه، ومعه سبي هوازن ستّة آلاف من الذّراري والنساء، ومن الإبل والشاء ما لا ندري عدته. وذكر محمد بن عمر، وابن سعد، أن السّبي كان ستّة آلاف رأس. والإبل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم لا يدري عدّتها وقال ابن سعد: أكثر من أربعين ألفا، وأربعة آلاف أوقية فضة، فاستأنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسّبي لكي يقدم عليه وفدهم. قدوم وفد هوازن ورد السبي إليهم قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عن ابن عمرو- رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بحنين، فلمّا أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة، وهم أربعة عشر رجلا، ورأسهم زهير بن صرد، وفيهم أبو برقان عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة وقد أسلموا- فقالوا: يا رسول الله إنّا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا منّ الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إن ما في الحظائر من السّبايا عمّاتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك. ولو أنا ملحنا- وقيل: منحنا- للحرث بن أبي

شمر، أو للنّعمان بن المنذر ثمّ أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت يا رسول الله خير المكفولين، ثم أنشأ يقول: فذكر بعض الشعر الآتي: أخبرنا الأئمة المسندون، أبو فارس عبد العزيز. الحافظ عمر بن فهد الهاشمي العلوي بقراءتي عليه بالمسجد الحرام، وأبو الفتح جمال الدين بن الإمام أبو الفتح علاء الدين القلقشندي. قرأه عليه وأنا أسمع بمنزله بحارة بهاء الدّين من القاهرة، وأبو الفضل عبد الرحيم بن الإمام محب الدين بن الأوجاقي في إجازة خاصّة- الشّافعيّون رحمهم الله تعالى. قال الأول: أخبرنا المشايخ الأربعة قاضي القضاة شهاب الدّين أبو جعفر محمد بن شهاب الدين أحمد بن عمر بن الضّياء القرشي الأموي الشهير بابن العجمي، وابن أمير الدّولة محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عبد الغفور الحلبيان، وقاضي المسلمين عز الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات الحنفي، والأصيلة أم محمد سارة بنت عمر بن عبد العزيز بن جماعة المصريان مكاتبة في كل منهم، قالوا: أنبأنا مسند الدّنيا صلاح الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أبي عمر الصّالحي- زاد ابن الفرات وسارّة فقالا: والنجم أحمد بن النجم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي عمر، البهاء حسن بن أحمد بن هلال بن الهبل، وزين الدين أبو حفص عمر بن حسن بن يزيد بن أمية المراغي، وزاد ابن الفرات فقال: وأم محمد ستّ العرب ابنة محمد بن علي بن البخاري، قالوا: أخبرنا رحّالة الدّنيا فخر الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري، قالت حفيدته: حضورا- وقال الآخرون: أجازة، قال في رواية حفيدته: أنبأنا أبو جعفر محمد بن نصر الصيدلاني، وقال في رواية الآخرين: أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن القاسم الصّيدلاني، وأم هانئ عفيفة ابنة أحمد الأصبهانية، وقال شيخنا الثاني: أخبرنا المسند الرحالة زين الدّين أبو زيد عبد الرحمن القباني إجازة مكاتبة وأم الحسن فاطمة ابنة الخليل بن أحمد وقريبتهما أم أحمد عائشة بنت علي بن أحمد الحنبليتان- إجازة، أن لم يكن سماعا، قالوا: أخبرنا أبو الحزم محمد بن محمد القلانسي قال الأولون إجازة، وقالت الأخيرة قراءة وأنا حاضرة، أنبأتنا المسندة مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب قراءة عليها وأنا أسمع: أنبأنا أبو الفخر سعد بن سعيد بن روح. وأبو سعد أحمد بن محمد بن أبي نصر، وأم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقاني، وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر، - إجازة- وقال شيخنا الثالث أخبرنا شهاب الواسطي- قراءة عليه وأنا أسمع- قال: أخبرنا مسند الوقت، الصدر أبو الفتح الميدومي عن أبي العباس أحمد بن عبد الدّايم بن يحيى بن محمود أخبره- أن لم يكن سماعا فإجازة- قالوا: أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله بن أحمد

الجوزدانية، زاد يحيى بن محمود ومحمد بن أحمد بن المظفر- حضورا- قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن المظفّر ريذة الضّبّي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني قال: حدثنا عبيد الله بن رماحس القيسي برمادة الرملة سنة أربع وسبعين ومائتين قال: حدثنا أبو عمر، وزياد بن طارق، وكان قد أتت عليه مائة وعشرون سنة قال: سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمي- رضي الله عنه- يقول: لما أسرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين ويوم هوازن وذهب يفرّق السّبي والشاء أتيته وأنشأت أقول هذا الشعر. امنن علينا رسول الله في كرمٍ ... فإنّك المرء نرجوه وننتظر [ (1) ] امنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتّت شملها في دهرها غير أبقت لنا الدّهر هتّافا على حزن ... على قلوبهم الغمّاء والغمر إن لم تداركها [ (2) ] نغماء تنشرها ... يا أرجح النّاس حلماً حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك مملؤة من مخضها الدّرر إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنّا كمن شالت نعامته ... واستبق منّا فإنّا معشر زهر إنّا لنشكر للنّعما إذا كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمّهاتك إنّ العفو مشتهر يا خير من مرحت كمت الجيادبه ... عند الهياج إذا ما استوقد الشّرر إنّا نؤمّل عفوا منك تلبسه ... هادي البريّة إن تعفوا وتنتصر فاعف عفا الله عمّا أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظّفر فلمّا سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هذا الشّعر قال: «ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» [ (1) ] وقالت قريش: ما كان لنا فهو لله ولرسوله. هذا حديث جيّد الإسناد عال جدّا، رواه الضّياء المقدس في صحيحه ورجع الحافظ بن حجر إنه حديث حسن. وبسط الكلام عليه في بستان الميزان. قال ابن إسحاق: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟» [ (2) ] . وفي الصحيح عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- ومروان بن الحكم: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فيمن ترون؟ وأحبّ الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطّائفتين، إمّا

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه البيهقي في السنن 6/ 336، 9/ 75، وفي الدلائل 5/ 195 والبداية 4/ 353.

السّبي، وإمّا المال وقد كنت استأنيت بكم» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطّائف، فلمّا تبيّن لهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غير رادّ عليهم إلا إحدى الطّائفتين قالوا: يا رسول الله خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا؟ بل أبناؤنا ونساؤنا أحبّ إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، وإذا أنا صلّيت بالنّاس فأظهروا إسلامكم، وقولوا: إنا إخوانكم في الدّين، وإنّا نستشفع برسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فإنّي سأعطيكم ذلك، وأسأل لكم النّاس» وعلمهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التشهّد، وكيف يكلّمون النّاس. فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالنّاس الظّهر قاموا فاستأذنوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الكلام، فأذن لهم، فتكلّم خطباؤهم بما أمرهم به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأصابوا القول فأبلغوا فيه ورغبوا إليهم في ردّ سبيهم، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين فرغوا ليشفع لهم. وفي الصحيح عن المسور ومروان: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قام في المسلمين فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد فإنّ إخوانكم قد جاءونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد عليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إيّاه من أول فيء يفيئه الله علينا فليفعل» فقال الناس قد طبنا ذلك يا رسول الله، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» [ (1) ] فرجع الناس [فكلمهم] عرفاؤهم. قال ابن إسحاق: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لله ولرسوله، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لله ولرسوله. فقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: أمّا أنا وبنو فزارة فلا. وقال العباس بن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال العباس بن مرداس: وهنتموني، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من كان عنده منهن شيء فطابت نفسه أن يردّه فسبيل ذلك، ومن أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ستّ فرائض من أول فيء يفيئه الله فردّ المسلمون إلى الناس نساءهم وأبناءهم، ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فإنّه أخذ عجوزا فأبى أن يردّها كما سيأتي» . قال محمد بن عمر ومحمد بن سعد: وكسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السبي قبطية، قال ابن عقبة كساهم ثياب المعقّد.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 627 (4318، 4319) .

ذكر دعائه - صلى الله عليه وسلم - على من أبى أن يرد شيئا من السبي أن يخيس

ذكر دعائه- صلى الله عليه وسلم- علي من أبى أن يرد شيئا من السبي أن يخيس روى أبو نعيم عن عطية السعدي- رضي الله عنه- أنه كان ممن كلّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سبي هوازن، وكلّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فردّوا عليهم سبيهم إلا رجلا واحدا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم أخس سهمه» فكان يمر بالجارية فيدع ذلك حتى مر بعجوز، فقال آخذ هذه فإنها أمّ حي فيفدونها عليه. فكبر عطية وقال: خذها. خذها والله ما فوها ببارد ... ولا ثديها بناهد ولا زوجها بواحد ... عجوز يا رسول الله مالها أحد فلما رأى أنه لا يعرض لها أحد تركها. وذكر ابن إسحاق ومحمد بن عمر واللفظ له: أن عيينة بن حصن حين أبى أن يردّ حظّه من السّبي خيّروه في ذلك، فنظر إلى عجوز كبيرة، فقال: هذه أمّ الحيّ، لعلهم أن يغلوا فداءها، فإنه عسى أن يكون لها في الحيّ نسب، فجاء ابنها إلى عيينة فقال: هل لك في مائة من الإبل؟ فقال عيينة: لا، فرجع عنه وتركه ساعة فقالت العجوز: ما أربك فيّ، بعد مائة ناقة، أتركه فما أسرع أن يتركني بغير فداء، فلمّا سمعها عيينة قال: ما رأيت كاليوم خدعة، قال: ثم مرّ عليه ابنها فقال له عيينة: هل لك في العجوز لما دعوتني إليه؟ قال ابنها: لا أزيدك على خمسين. قال عيينة: لا أفعل، قال: فلبث ساعة ثم مر به أخرى وهو يعرض عنه فقال له عيينة: هل لك في العجوز بالّذي بذلت لي؟ قال الفتى: لا أزيدك على خمس وعشرين فريضة هذا الّذي أقوى عليه، قال عيينة: لا أفعل والله، بعد مائة فريضة خمس وعشرون!! فلمّا تخوّف عيينة أن يتفرّق الناس ويرتحلوا، جاء عيينة فقال: هل لك إلى ما دعوتني إليه إن شئت؟ فقال الفتى: هل لك في عشر فائض أعطيكها، قال عيينة: والله لا أفعل، قال الفتى: والله ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحبها بواجد، فأخذتها من بين من ترى، قال عيينة: خذها لا بارك الله لك فيها، فقال الفتى: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد كسا السّبي فاخطأها من بينهم بالكسوة، فهل أنت كاسيها ثوبا؟ فقال: لا والله ما ذلك لها عندي، قال: لا وتفعل، فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولّى الفتى وهو يقول: والله إنّك لغير بصير بالفرض. وذكر محمد بن إسحاق انّه ردها بستّ فرائض. وروى البيهقي عن الإمام الشافعي- رضي الله عنه- أنه ردّها بلا شيء.

ذكر قسمته - صلى الله عليه وسلم - أموال هوازن بعد أن رد عليهم سبيهم

ذكر قسمته- صلى الله عليه وسلّم- أموال هوازن بعد أن رد عليهم سبيهم روى ابن إسحاق في رواية يونس عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما فرغ من ردّ سبايا هوازن، ركب بعيره وتبعه الناس يقولون: يا رسول الله، اقسم علينا فيئنا حتّى اضطرّوه إلى شجرة فانتزعت رداءه، فقال: «يا أيها الناس، ردّوا عليّ ردائي، فو الذي نفسي بيده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألقيتموني بخيلا ولا كذّابا» ، ثم قام رسول الله- إلى جنب بعيره، فأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين إصبعيه فقال: «أيّها النّاس والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدّوا الخياط والمخيط وإيّاكم والغلول فإن الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامة» فجاء رجل من الأنصار بكبّة خيط من خيوط شعر، فقال: يا رسول الله، أخذت هذه الوبرة لأخيط بها برذعة بعير لي دبر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أمّا حقّي منها فهو لك» فقال الرجل: أما إذ بلغ الأمر فيها هذا فلا حاجة لي بها، فرمى بها من يده [ (1) ] . وروى عبد الرزاق في جامعه عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عقيل بن أبي طالب- رضي الله عنه- دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة وسيفه ملطّخ دما، فقال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها، فسمع منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أخذ شيئا فليرّده حتى الخياط والمخيط، فرجع عقيل وقال: ما أجد إبرتك إلّا ذهبت منك، فأخذها فألقاها في المغنم. وعن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين إلى جنب بعير من المغانم فلمّا سلّم تناول وبرة بين أنملتين وفي رواية فجعلها بين إصبعيه ثم قال: «أيها النّاس، إن هذه من مغانمكم، وليس لي فيها إلا نصيبي معكم، الخمس، والخمس مردود عليكم فأدّوا الخيط والمخيط، وأكثر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا فإنه عار ونار وشنار على أهله في الدنيا والآخرة» رواه الإمام أحمد وابن ماجة. وروى عبد الرزاق والبخاري عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنّه بينما هو مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومعه النّاس مقفلة من حنين علقت الأعراب برسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسألونه، حتى اضطّروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «اعطوني ردائي فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته عليكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذّابا ولا جبانا» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 337. [ (2) ] أخرجه البخاري (2821) ، وأحمد 4/ 82 والطبراني في الكبير 2/ 135، وانظر البداية والنهاية 4/ 354.

ذكر إعطائه - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم قبل غيرهم

وعن أنس قال: كنت أمشي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجذبه جذبة شديدة ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يضحك، ثم أمر له بعطاء ورداء. قالوا: وجمعت الغنائم بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاءه أبو سفيان بن حرب وقال: يا رسول الله أصبحت أكثر قريش مالا، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. ذكر إعطائه- صلى الله عليه وسلّم- المؤلفة قلوبهم قبل غيرهم قال ابن إسحاق: أعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرافا من أشراف العرب، يتألفهم ويتألف بهم قومهم. قال محمد بن عمر، وابن سعد: بدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أوّل الناس، قلت: فمنهم من أعطاه مائة بعير وأكثر، ومنهم من أعطاه خمسين، وجميع ذلك يزيد على الخمسين، وقد ذكرهم أبو الفرج ابن الجوزي في التّلقيح، وابن طاهر في مبهماته، والحافظ في الفتح، والبرهان الحلبي في النور، وهو أحسنهم سياقا وأكثرهم عددا، وعند كلّ منهم ما ليس عند الآخر، ولم يتعرض أحد منهم لما أعطى كلّ واحد، وقد تعرض محمد بن عمر، وابن سعد، وابن إسحاق لبعض ذلك كما سأنبّه عليه وهم: أبيّ- بضم الهمزة، وتشديد التحتية وهو الأخنس- بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة، بن شريق- بالشين المعجمة والقاف. أحيحة- بمهملتين مصغر- بن أميّة. أسيد- بفتح أوله وكسر السين المهملة- بن جارية. بالجيم والتحتية- الثقفيّ، أعطاه مائة. الأقرع- بالقاف والراء- ابن حابس- بالحاء المهملة وبالموحدة والسين المهملة- التميمي، أعطاه مائة. جبير- بالجيم والموحّدة مصغر- بن مطعم- بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين. الجدّ- بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة- بن قيس الهميّ، كذا أورده التلقيح، ولم يذكره الحافظ في الفتح ولا في الإصابة، وإنما ذكره فيهما الجدّ بن قيس الأنصاريّ، ولم يتعرض لكونه من المؤلفة ولم يذكر في النور أنه سهميّ أو أنصاري، فإن صح أنه سهمي فهو وارد على الإصابة. الحارث بن الحرث بن كلدة- بفتح الكاف واللام وبالدال المهملة. أعطاه مائة. الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميّ، أعطاه مائة.

حاطب بن عبد العزى العامري. حرملة بن هوذة- بفتح الهاء وسكون الواو وبالذال المعجمة بن ربيعة بن عمرو بن عامر العامريّ. حكيم- بوزن أمير- بن حزام- بكسر الحاء المهملة، وبالزاي- بن خويلد، أعطاه مائة، ثمّ سأله مائة أخرى، فأعطاه أياها. روى الشيخان وغيرهما ومحمد بن عمر- واللفظ له- عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بحنين مائة من الإبل فأعطانيها ثم سألته مائة من الإبل فأعطانيها ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا حكيم إنّ هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول» فقال: والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا، فكان عمر بن الخطاب يدعوه إلى عطائه فيأبى، أن يأخذه، فيقول عمر: أيّها الناس أشهدكم على حكيم بن حزام، أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه [ (1) ] . قال ابن أبي الزناد: أخذ حكيم المائة الأولى فقط وترك الباقي. حكيم بن طليق- بوزن أمير- ابن سفيان. حويطب- بضم المهملة، وفتح الواو، وسكون التحتية، وكسر الطاء المهملة وبالموحدة- ابن عبد العزّى القرشي العامريّ، أعطاه مائة. خالد بن أسيد- بوزن أمير- ابن أبي العيص بن أميّة. خالد بن قيس السهميّ. خالد بن هوذة- بفتح الهاء وبالذال المعجمة- ابن ربيعة بن عامر العامري. خلف بن هشام، نقله في النور عن بعض مشايخه عن الصغاني، ثم قال في النور: أنا لا أعرفه في الصحابة قلت: لم يذكره الذهبي في التجريد، ولا الحافظ في الإصابة، فإن صحّ فهو وارد عليه. وذكر في العيون: رقيم بن ثابت بن ثعلبة، وتقدم أنه استشهد بحنين والله أعلم. زهير بن أبي أمية بن المغيرة أخو أم المؤمنين أم سلمة. زيد الخيل بن مهلهل الطائي، عزاه في الفتح لتلقيح ابن الجوزي، ولم أجده في نسختين. السّائب بن أبي السائب.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (1472) .

صيفي بن عائذ- بهمزة بعد الألف فذال معجمة- المخزومي. سعيد بن يربوع بن عنكثة- بفتح العين المهملة- وسكون النون وفتح الكاف، والثاء المثلثة، أعطاه خمسين. سفيان- بالحركات الثلاث في سينه وبسكون الفاء وبالتحتية- بن عبد الأسد المخزوميّ. سهل بن عمرو بن عبد شمس العامريّ وأخوه سهيل بن عمرو، أعطاه مائة. شيبة بن عثمان القرشي العبدريّ. صخر بن حرب أبو سفيان، أعطاه مائة من الإبل وأربعين أوقية فضة. صفوان بن أمية الجمحيّ، أعطاه مائة، وروى البخاري عن صفوان قال: ما زال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إليّ حتى ما خلق الله- تعالى- شيئا هو أحب إلي منه. وفي صحيح مسلم أنه- صلى الله عليه وسلّم- أعطاه مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة [ (1) ] ، قال محمد بن عمر: يقال إنّ صفوان طاف مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتصفّح الغنائم إذ مرّ بشعب مملوء إبلا ممّا أفاء الله به على رسوله- صلى الله عليه وسلم- فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أعجبك هذا الشّعب يا أبا وهب؟» قال: نعم. قال: «هو لك بما فيه» فقال صفوان: أشهد أنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا نبي. طليق بن سفيان والد حكيم السابق. العباس بن مرداس- بكسر الميم وسكون الراء وبالدال المهملة. قال ابن إسحاق: أعطاه أباعر، وقال محمد بن عمر وابن سعد: أربعا من الإبل فسخطها. وروى الإمام أحمد، ومسلم، والبيهقي عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين كل رجل منهم مائة من الإبل، فذكر الحديث فيه [ (2) ] : وأعطى العباس بن مرداس دون المائة، نقص من المائة ولم يبلغ به أولئك، فأنشأ العباس بن مرداس يقول: أتجعل نهبي ونهب العب ... يد بين عيينة والأقرع فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وقد كنت في الحرب ذا تدرإ ... فلم أعط شيئا ولم أمنع

_ [ (1) ] مسلم 2/ 737. [ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 737 (137/ 1060) .

وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع فأتمّ له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المائة، ورواه البيهقي [ (1) ] عن ابن إسحاق رحمه الله بلفظه: فقال العباس بن مرداس يعاتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: كانت نهابا تلافيتها ... بكرّي على المهر في الأجرع وإيقاظي القوم أن يرقدوا ... إذا أهجع النّاس لم أهجع فأصبح نهبي ونهب العبى ... د بين عيينة والأقرع وقد كنت في الحرب ذا تدرإ ... فلم أعط شيئا ولم أمنع وإلّا أفائل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فدعاه وقال: «أنت القائل فأصبح نهبي، ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟» فقال أبو بكر الصديق: - رضي الله عنه- بأبي أنت وأمي لم يقل كذلك، ولا والله ما أنت بشاعر، وما ينبغي لك، وما أنت براوية. قال: «فكيف قال» ؟ فأنشده أبو بكر- رضي الله عنه- فقال النبي- صلى الله عليه وسلّم- «اقطعوا عنّي لسانه» ففزع منها ناس، وقالوا: أمر بالعبّاس بن مرداس أن يمثّل به، وإنما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوله: «اقطعوا عنّي لسانه» أي يقطعوه بالعطيّة من الشاء والغنم. عبد الرحمن بن يربوع الثّقفي. عثمان بن وهب المخزوميّ أعطاه خمسين. عديّ بن قيس بن حذافة السّهميّ أعطاه خمسين. عكرمة بن عامر العبدريّ. عكرمة بن أبي جهل. عمرو بن هشام، نقله في النور عن بعض مشايخه عن ابن التين. علقمة بن علاثة- بضمّ العين والتخفيف، وبالثاء المثلثة- بن عوف- بالفاء عمرو بن الأهتم- بالفوقية. عمرو بن بعكك- بموحدة، فعين مهملة، فكافين، وزن جعفر، أبو السّنابل- جمع سنبلة عمرو بن مرداس السّلميّ أخو عباس.

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 5/ 181.

عمير- بضم أوله، وفتح الميم، وسكون التحتية- بن ودقة- بفتح الواو والدّال المهملة. عمير بن وهب الجمحيّ، أعطاه خمسين. العلاء بن جارية- بالجيم والتحتية- الثّقفيّ أعطاه خمسين. وقال ابن إسحاق: مائة. عيينة- بضم العين المهملة، وكسرها، وفتح التحتية الأولى- بن حصن- بكسر الحاء، وبالصّاد المهملتين وبالنون- الفزاريّ، أعطاه مائة. قيس بن عديّ السّهميّ، أعطاه مائة كذا ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر. وقال بعضهم: صوابه عديّ بن قيس- على العكس- وقال الحافظ: هما واحد فانقلب، أم اثنان؟ قلت: وهو الظّن، لاتّفاق ابن إسحاق والواقدي على ذلك. قيس بن مخرمة- بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الراء، والميم- ابن المطلب بن عبد مناف. كعب بن الأخنس نقله في النّور عن بعض مشايخه، ثم قال: ولا أعرفه أنا. قلت: لا ذكرته في التّجريد، ولا في الإصابة. لبيد- بوزن أمير- بن ربيعة العامريّ. مالك بن عوف بالفاء- النّصري بالنّون، والصّاد المهملة- رأس هوازن، أعطاه مائة. مخرمة- بفتح الميم، والرّاء، وسكون الخاء المعجمة بينهما، - بن نوفل الزهريّ، أعطاه خمسين. مطيع بن الأسود القرشيّ العدويّ. معاوية بن أبي سفيان. أبو سفيان صخر بن حرب، أعطاه مائة من الإبل وأربعين أوقية فضلة. المغيرة بن الحارث أبو سفيان القرشي الهاشمي. النّضير- بالضاد المعجمة والتصغير- بن الحرث بن علقمة، أعطاه مائة من الإبل. نوفل بن معاوية الكنانيّ. هشام بن عمرو القرشيّ العامريّ أعطاه خمسين. هشام بن الوليد المخزوميّ. يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب أعطاه مائة بعير وأربعين أوقية. أبو الجهم بن حذيفة بن غانم القرشيّ العدويّ.

ذكر بيان الحكمة في إعطائه - صلى الله عليه وسلم - أقواما من غنائم حنين ومنعه آخرين

أبو السنابل، اسمه عمرو، تقدم. فهؤلاء بضع وخمسون رجلا لعلك لا تجدهم مجموعين محرّرين هكذا في كتاب غير هذا الكتاب والله الموفّق للصواب. وروى البخاري عن أبي موسى الأشعري [ (1) ]- رضي الله عنه- قال: كنت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة- ومعه بلال- فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعرابيّ فقال: ألا تنجزني ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت عليّ من البشر. فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال: «ردّ البشرى فاقبلا أنتما، قالا قبلنا» ثم دعا بقدح فغسل يديه ووجهه، ومج فيه، ثم قال: «اشربا منه وافرغا على وجوهكما ونحوركما، وأبشرا» فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا منه طائفة. قالوا: ثم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- زيد بن ثابت بإحضار الناس والغنائم، ثم فضّها على الناس فكانت سهامهم، لكل رجل أربع من الإبل أو أربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الإبل أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له. ذكر بيان الحكمة في إعطائه- صلى الله عليه وسلّم- أقواما من غنائم حنين ومنعه آخرين قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ، أنّ قائلا قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من أصحابه، قال محمد بن عمر: هو سعد بن أبي وقّاص: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضّمريّ؟! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، ولكنّي تألّفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه» . وروى البخاري عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رهطا وأنا جالس فترك منهم رجلا هو أعجبهم إليّ، فقمت فقلت: مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أو مسلما» ذكر ذلك ثلاثا، وأجابه بمثل ذلك، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إنّي لاعطي الرّجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبّه الله- تعالى- في النّار على وجهه» [ (2) ] .

_ [ (1) ] سيأتي في شرح الغريب أن الصواب بين مكة والطائف. [ (2) ] البخاري 3/ 399 (1478) .

ذكر عتب جماعة من الأنصار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أعطى قريشا ولم يعط الأنصار شيئا وجمعه إياهم واستعطافه لهم

وروى البخاري عن عمرو بن تغلب قال: أعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال: «إني أعطي أقواما أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل أقواما إلى ما جعل الله- تعالى- في قلوبهم من الخبر والغنى، منهم عمرو بن تغلب» [ (1) ] . قال عمرو: فما أحببت أنّ لي بكلمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حمر النّعم. ذكر عتب جماعة من الأنصار على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين أعطى قريشا ولم يعط الأنصار شيئا وجمعه إياهم واستعطافه لهم روى ابن إسحاق، والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد، والشيخان من طريق أنس بن مالك، والشيخان عن عبد الله بن يزيد بن عاصم- رضي الله عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصاب غنائم حنين، وقسم للمتألّفين من قريش وسائر العرب ما قسم، وفي رواية: طفق يعطي رجلا المائة من الإبل، ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير، فوجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثر فيهم القالة حتّى قال قائلهم: يغفر الله- تعالى- لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن هذا لهو العجب يعطي قريشا، وفي لفظ الطّلقاء والمهاجرين، ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا وددنا أنّا نعلم ممن كان هذا، فإن كان من أمر الله تعالى صبرنا، وإن كان من رأي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استعتبناه [ (2) ] . وفي حديث أبي سعيد: فقال رجل من الأنصار لأصحابه: لقد كنت أحدثكم أن لو استقامت الأمور لقد آثر عليكم. فردّوا عليه ردّا عنيفا. قال أنس: فحدّث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمقالتهم، وقال أبو سعيد: فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أن هذا الحيّ قد وجدوا عليك في أنفسهم. قال: «فيم» قال: فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب ولم يكن فيهم من ذلك شيء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فأين أنت من ذلك يا سعد» ؟ قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، وفي لفظ في هذه القبّة، فإذا اجتمعوا فأعلمني» ، فخرج سعد يصرخ فيهم حتّى جمعهم في تلك الحظيرة. وقال أنس: فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبّة من أدم ولم يدع غيرهم، فجاء رجال من المهاجرين فأذن لهم فيهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، حتى إذا لم يبق أحد من الأنصار إلّا اجتمع له. أتاه فقال يا رسول الله: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 288 (3145) . [ (2) ] أخرجه البخاري من حديث أنس (3147) .

أجمعهم، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «هل منكم أحد من غيركم» ؟ قالوا: لا يا رسول الله إلا ابن أختنا، قال: «ابن أخت القوم منهم» فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلّالا فهداكم الله- تعالى- وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألّف بين قلوبكم، وفي رواية متفرّقين فألّفكم الله؟ - قالوا: بلى يا رسول الله، الله ورسوله أمنّ وأفضل. وفي رواية قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟» قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وماذا نجيبك؟ المنّ لله- تعالى- ولرسوله- صلى الله عليه وسلّم-: «والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم، جئتنا طريدا فاويناك، وعائلا فأسيناك، وخائفا فأمّنّاك، ومخذولا فنصرناك، ومكذّبا فصدّقناك» فقالوا: المنّ لله- تعالى- ورسوله، فقال: «وما حديث بلغني عنكم؟» فسكنوا، فقال: «ما حديث بلغني عنكم» ؟ فقال فقهاء الأنصار: أمّا رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا، وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله- تعالى- لرسوله- صلى الله عليه وسلّم- يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم!! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنّي لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر لأتألّفهم بذلك» [ (1) ] . وفي رواية إنّ قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألّفهم، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدّنيا تألّفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله- تعالى- لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب النّاس إلى رحالهم بالشّاة والبعير وتذهبون برسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى رحالكم تحوزونه إلى بيوتكم، فو الله لمن تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به، فو الذي نفسي بيده لو أنّ النّاس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. وفي رواية لو سلك النّاس واديا وسلكت الأنصار شعبا- أنتم الشّعار والنّاس دثار، الأنصار كرشي وعيبتيّ، ولولا أنّها الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، اللهمّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ورسوله حظّا وقسما. وذكر محمد بن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أراد حين إذ دعاهم أن يكتب بالبحرين لهم خاصة بعده دون الناس، وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض، فقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا بعدك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» وكان حسان بن ثابت- رضي الله عنه- قال قبل جمع النبي- صلى الله عليه وسلم- الأنصار.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (3146، 3147، 3528، 3778، 3793، 4331، 4332، 4333، 4334) .

ذكر اعتراض بعض الجهلة من أهل الشقاق والنفاق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القسمة العادلة، وما وقع في ذلك من الآيات

زاد الهموم فماء العين منحدر ... سحّا إذا حفلته عبرة درر وجدا بشمّاء إذ شمّاء بهكنة ... هيفاء لا ذنن فيها ولا خور دع عنك شمّاء إذ كانت مودّتها ... نزرا وشرّ وصال الواصل النّزر وائت الرّسول فقل يا خير مؤتمن ... للمؤمنين إذا ما عدّد البشر علام تدعى سليم وهي نازحة ... قدّام قوم هموا آووا وهم نصروا سمّاهم الله أنصارا بنصرهم ... دين الهدى وعوان الحرب تستعر وسارعوا في سبيل الله واعترضوا ... للنّائبات وما خافوا وما ضجروا والنّاس إلب علينا فيك ليس لنا ... إلّا السّيوف وأطراف القنا وزر نجالد النّاس لا نبقي على أحد ... ولا نضيّع ما توحي به السّور ولا تهرّ جناة الحرب نادينا ... ونحن حين تلظّى نارها سعر كما رددنا ببدر- دون ما طلبوا- ... أهل النّفاق ففينا ينزل الظّفر ونحن جندك يوم النّعف من أحد ... إذ حزّبت بطرا أحزابها مضر فما ونينا وما خمنا وما خبروا ... منّا عثارا وكلّ النّاس قد عثروا ذكر اعتراض بعض الجهلة من أهل الشقاق والنفاق على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في القسمة العادلة، وما وقع في ذلك من الآيات روى الشيخان والبيهقي عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: لما قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لنا هوازن يوم حنين آثر أناسا من أشراف العرب، قال رجل من الأنصار: هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله، فقلت: والله لأخبرنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فتغيّر وجهه حتى صار كالصّرف وقال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» [ (1) ] . والرجل المبهم: قال محمد بن عمر هو معتّب بن قشير. قصة أخرى: روى ابن إسحاق عن ابن عمرو، والإمام والشيخان عن جابر، والشيخان والبيهقي عن أبي سعيد- رضي الله عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بينا هو يقسم غنائم هوازن إذ قام إليه رجل- قال ابن عمر وأبو سعيد: من تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف عليه وهو يعطي الناس فقال: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أجل، فكيف رأيت؟» قال: لم أرك عدلت، اعدل. فغضب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: «شقيت إن لم

_ [ (1) ] البخاري (1138) ومسلم 2/ 739 (140) .

ذكر قدوم مالك بن عوف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يذكر معه

أعدل، ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟» فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «معاذ الله أن يتحدّث النّاس أنّي أقتل أصحابي، دعوه فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدّين حتّى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يوجد فيه شيء، ثمّ في القدح فلا يوجد فيه شيء، ثمّ في الفوق فلا يوجد فيه شيء، وفي لفظ ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نصيبه وهو قدحه، فلا يوجد فيه شيء ثمّ ينظر ألى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدّم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم» ولفظ رواية جابر: «إنّ هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرّميّة، آيتهم أن فيهم رجلا أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس» وفي رواية «على حين فرقة» . قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتمس حتى أتى به، حتّى نظرت إليه على نعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الّذي نعت. ذكر قدوم مالك بن عوف على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومن يذكر معه قالوا: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لوفد هوازن: «ما فعل مالك بن عوف» قالوا يا رسول الله: هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أخبروه أنّه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر بحبس أهل مالك بمكة عند عمتهم أم عبد الله بنت أبي أمية، فقال الوفد: يا رسول الله- أولئك سادتنا وأحبنا إلينا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنّما أريد بهم الخير» فوقف مال مالك فلم يجر فيه السهام، فلما بلغ مالكا ما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قومه وما وعده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأن أهله وماله موفور وقد خاف مالك ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له ما قال، فيحبسونه، فأمر راحلته فقدّمت له حتى وضعت لديه بدحنا، وأمر بفرس له فأتي به ليلا فخرج من الحصن فجلس على فرسه ليلا، فركضه حتى أتى دحنا فركب بعيره حتى لحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأدركه بالجعرانة- أو بمكة- فرد عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل وأسلم فحسن إسلامه، فقال مالك حين أسلم: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في النّاس كلّهم بمثل محمّد أوفى وأعطى للجزيل إذا احتذي ... ومتى تشأ يخبرك عمّا في غد

ذكر مجيء أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبيه وأخيه من الرضاعة

وإذا الكتيبة عرّدت أنيابها ... بالسّمهريّ وضرب كلّ مهنّد فكأنّه ليث على أشباله ... وسط الهباءة خادر في مرصد فاستعمله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على من أسلم من قومه، ومن تلك القبائل من هوازن وفهم وسلمة وثمالة. وكان قد ضوى إليه قوم مسلمون، واعتقد له لواء، فكان يقاتل بهم من كان على الشّرك ويغير بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم، ولا يخرج لثقيف سرح إلا أغار عليه، وقد رجع حين رجع- وقد سرح الناس مواشيهم، وأمنوا فيما يرون حين انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عنهم، وكان لا يقدر على سرح إلا أخذه، ولا على رجل إلّا قتله، وكان يبعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالخمس مما يغنم، مرة مائة بعير، ومرّة ألف شاة، ولقد أغار على سرح لأهل الطائف فاستاق لهم ألف شاة في غداة واحدة. ذكر مجيء أم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأبيه وأخيه من الرضاعة روى أبو داود، وأبو يعلى، والبيهقي، عن أبي الطفيل- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما أحمل نضو البعير ورأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقيم بالجعرانة وامرأة بدوية، فلمّا دنت من النبي- صلى الله عليه وسلم- بسط لها رداءه فجلست عليه، فقلت: من هذه؟ فقالوا: أمّه التي أرضعته. وروى أبو داود في المراسيل عن عمر بن السائب- رحمه الله تعالى- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالسا يوما، فجاء أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمّه فوضع لها شقّ ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم جاء أخوه من الرضاعة فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأجلسه بين يديه. ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة قال محمد بن عمر وابن سعد: انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بالجعرانة ثلاث عشرة ليلة، وأمر ببقايا السبي فحبس بمجنّة بناحية مرّ الظهران. قال في البداية والظاهر أنه- صلى الله عليه وسلم- إنما استبقى بعض المغنم ليتألّف به من يلقاه من الأعراب بين مكة والمدينة: فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا، فأحرم بعمرة من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، ودخل مكة فطاف وسعى ماشيا، وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته، وكأنه كان بائتا بها، واستخلف عتّاب- بالمهملة وتشديد الفوقية وبالموحدة- ابن أسيد بالدّال- كأمير- على مكة- وكان عمره حينئذ نيفا وعشرين سنة- وخلف معه معاذ بن جبل- زاد محمد بن عمر والحاكم: وأبا موسى الأشعري- رضي الله عنهم يعلّمان الناس القرآن

ذكر بعض ما قيل من الشعر في هذه الغزوة

والفقه في الدين، وذكر عروة بن عقبة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خلف عتّابا ومعاذا بمكة قبل خروجه إلى هوازن، ثم خلّفهما حين رجع إلى المدينة. قال ابن هشام: وبلغني عن زيد بن أسلم- رحمه الله تعالى- أنه قال: لمّا استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عتّابا على مكة رزقه كلّ يوم درهما، فقام فخطب الناس فقال: «أيها الناس، أجاع الله كبد من جاع على درهم!! فقد رزقني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- درهما كلّ يوم، فليست لي حاجة إلى أحد» . قلت: ترجمته وبعض محاسنه في تراجم الإمراء. قال محمد بن عمر وابن سعد: فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أمره غدا يوم الخميس راجعا إلى المدينة، فسلك في وادي الجعرانة، حتى خرج على سرف، ثم أخذ في الطريق إلى مرّ الظّهران، ثم إلى المدينة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة- فيما زعمه- أبو عمرو المدني. قال أبو عمرو: وكانت مدة غيبته- صلى الله عليه وسلّم- من حين خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها، وواقع هوازن، وحارب أهل الطائف إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وستة عشر يوما. ذكر بعض ما قيل من الشعر في هذه الغزوة قال بجير بن زهير بن أبي سلمى- بضم أوائل الثلاثة- رضي الله عنه- يذكر حنينا والطائف: كانت علالة يوم بطن حنين ... وغداة أوطاس ويوم الأبرق جمعت بإغواء هوازن جمعها ... فتبدّدوا كالطّائر المتمزّق لم يمنعوا منّا مقاما واحدا ... إلّا حبارهم وبطن الخندق ولقد تعرّضنا لكيما يخرجوا ... فتحصّنوا منّا بباب مغلق ترتدّ حسرانا إلى رجراجة ... شهباء تلمع بالمنايا فيلق ملمومة خضراء لو قذفوا بها ... حصنا لظلّ كأنّه لم يخلق مشي الضّراء على الهراس كأنّنا ... قدر تفرّق في القياد وتلتقي في كلّ سابغة إذا ما استحصنت ... كالنّهي هبّت ريحه المترقرق جدل تمسّ فضولهنّ نعالنا ... من نسج داود وآل محرّق وقال كعب بن مالك- رضي الله عنه- في مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف. قضينا من تهامة كلّ ريب ... وخيبر ثمّ أجممنا السّيوفا نخبّرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهنّ دوسا أو ثقيفا

تنبيهات

فلست بحاضن إن لم تروها ... بساحة داركم منّا ألوفا وننتزع العروش ببطن وجّ ... وتصبح دوركم منكم خلوفا ويأتيكم لنا سرعان خيل ... يغادر خلفه جمعا كثيفا إذا نزلوا بساحتكم سمعتم ... لها ممّا أناخ بها رجيفا بأيديهم قواضب مرهفات ... يزدن المصطلين بها الحتوفا كأمثال العقائق أخلفتها ... قيون الهند لم تضرب كتيفا تخال جديّة الأبطال فيها ... غداة الزّحف جاديّا مدوفا أجدّهم أليس لهم نصيح ... من الأقوام كان بنا عريفا يخبّرهم بأنّا قد جمعنا ... عتاق الخيل والنّحت الطّروفا وأنّا قد أتيناهم بزحف ... يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسهم النّبيّ وكان صلبا ... نقيّ القلب مصطبرا عزوفا رشيد الأمر ذا حكم وعلم ... وحلم لم يكن نزقا خفيفا نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رءوفا فإن تلقوا إلينا السّلم نقبل ... ونجعلكم لنا عضدا وريفا وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر ... ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا نجالد ما بقينا أو تنيبوا ... إلى الإسلام إذعانا مضيفا نجاهد لا نبالي من لقينا ... أأهلكنا التّلاد أم الطّريفا وكم من معشر ألبوا علينا ... صميم الجذم منهم والحليفا أتونا لا يرون لهم كفاء ... فجذّعنا المسامع والأنوفا بكلّ مهنّد لين صقيل ... نسوقهم بها سوقا عنيفا لأمر الله والإسلام حتّى ... يقوم الدّين معتدلا حنيفا ونفني اللّات والعزّى وودّا ... ونسلبها القلائد والشّنوفا فأمسوا قد أقرّوا واطمأنّوا ... ومن لا يمتنع يقبل خسوفا تنبيهات الأول: الطائف بلد كثير الأعناب والنخيل على ثلاث مراحل من مكة من جهة المشرق، قال في القاموس: سمي بذلك لأنه طاف بها في الطوفان، أو لأن جبريل- صلى الله عليه وسلّم- طاف بها على البيت، أو لأنها كانت بالشام فنقلها الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- أو لأن رجلا من الصدف أصاب دما بحضر موت ففرّ إلى وج، وحالف مسعود

بن معتّب، وكان معه مال عظيم، فقال: هل لكم أن أبني لكم طرفا عليكم يكون لكم ردءا من العرب؟ فقالوا: نعم. فبناه بماله وهو الحائط المطيف به. الثاني: اقتضت حكمة الله تعالى- تأخير فتح الطائف في ذلك العام لئلّا يستأصلوا أهله قتلا، لأنه تقدم في باب سفره إلى الطائف أنه- صلى الله عليه وسلم- لما خرج إلى الطائف دعاهم إلى الله- تعالى- وأن يؤوه حتى يبلّغ رسالة ربه تبارك وتعالى، وذلك بعد موت عمه أبي طالب فردّوا عليه ردّا عنيفا، وكذّبوه ورموه بالحجارة حتّى أدموا رجليه، فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مهموما فلم يستفق من همومه إلا عند قرن الثعالب [ (1) ] فإذا هو بغمامة وإذ فيها جبريل- صلى الله عليه وسلم- ومعه ملك الجبال- صلى الله عليه وسلّم- فناداه ملك الجبال، فقال: يا محمد أن الله- تعالى- يقرئك السّلام، وقد سمع قولة قومك وما ردّوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت» ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «بل أستأني بهم لعلّ الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله- تعالى- وحده لا يشرك به شيئاً» فناسب قوله: بل أستأني بهم أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم، وإن يؤخّر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام القابل كما سيأتي في الوفود. الثالث: لما منع الله سبحانه وتعالى- الجيش غنائم مكة فلم يغنموا منها ذهبا ولا فضة ولا متاعا ولا سبيا ولا أرضا، وكانوا قد فتحوها بأنجاب الخيل والرّكاب، وهم عشرة آلاف وفيهم حاجة إلى ما يحتاجه الجيش من أسباب القوة، حرّك الله- سبحانه وتعالى- قلوب المشركين في هوازن لحربهم، وقذف في قلب كبيرهم مالك بن عوف إخراج أموالهم ونعمهم وشابّهم وشيبهم معهم نزلا وكرامة وضيافة لحرب الله- تعالى- وجنده، وتمّم تقديره تعالى بأن أطمعهم في الظّفر، وألاح لهم مبادئ النصر ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ولو لم يكن يقذف الله- تعالى- في قلب رئيسهم مالك بن عوف أن سوقهم معهم هو الصواب لكان الرأي ما أشار به دريد، فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين، فلما أنزل الله تعالى نصره على رسوله وأوليائه وردّت الغنائم لأهلها وجرت فيها سهام الله- تعالى- ورسوله، قيل لا حاجة لنا في دمائكم ولا في نسائكم وذراريكم، فأوحى الله- تعالى- إلى قلوبهم التوبة فجاءوا مسلمين. فقيل من شكران إسلامكم وإتيانكم أن تردّ عليكم نساؤكم وأبناؤكم وسبيكم وإِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال 70] . الرابع: اقتضت حكمة الله- تعالى- أن غنائم الكفار لما حصلت قسّمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه من الطبع البشري من محبة المال، فقسّمه فيهم لتطمئن قلوبهم،

_ [ (1) ] وقرن المنازل، وهو قرن الثعالب: ميقات أهل نجد تلقاء مكة، على يوم وليلة. مراصد الإطلاع 3/ 1082.

وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حبّ من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من كبار المجاهدين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم بخلاف قسمه على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل إليه قبل، تبعهم من دونهم في الدخول، فكان ذلك مصلحة عظيمة. الخامس: ما وقع في قصة الأنصار، اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك من بعض أتباعهم وأحداثهم، ولمّا شرح لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنعوا رجعوا مذعنين، وعلموا أن الغنيمة العظيمة: ما حصل لهم من عود رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بلادهم. فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا بما حازوه من الفوز العظيم ومجاوره النبي الكريم حيّا وميّتا، وهذا دأب الحكيم يعطي كلّ أحد ما يناسبه. السادس: رتّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما من الله- تعالى- به على الأنصار على يديه من النّعم ترتيبا بالغا، فبدأ بنعمة الإيمان الّتي لا يوازنها شيء من أمور الدّنيا، وثنّى بنعمة الإيمان وهي أعظم من نعمة المال، لأن الأموال قد تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل، فقد كانت الأنصار في غاية التّنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها، فزال ذلك بالإسلام كما قال تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال 63] . السابع: قوله- صلى الله عليه وسلّم- «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» . قال الخطابي: أراد بهذا الكلام: تأليف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم، حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما منعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان تقع على وجوه: الولادة والاعتقادية والبلادية والصناعية، ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعا، وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال عنه فلم يبق إلا القسمان الأخيران، كانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا، أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم. وقال القرطبي: معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم لما كانوا يتناسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وترتيبها سبقت فمنعت ما سوى ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها. الثامن: قوله- صلى الله عليه وسلّم- «لسلكت وادي الأنصار» أو «شعب الأنصار» أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهذا أو ما بعده التنبيه على جزيل ما حصل للأنصار من ثواب النّصرة والقناعة بالله

ورسوله عن الدنيا، ومن هذا وصفه فحقّه أن يسلك طريقه ويتّبع حاله. قال الخطابي: لما كانت العادات أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه- وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشّعاب- فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كلّ قوم منهم واديا وشعبا، فأراد أنه مع الأنصار قال: ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب، كما يقال فلان في واد وأنا في واد. التاسع: في شرح غريب ما سبق: الفلّ- بفتح الفاء وتشديد اللّام: القوم المنهزمون. رمّوا- بتشديد الميم المضمومة. عقيل- بضم العين. السرح- بفتح السين المهملة، وسكون الراء: المال السائم. خيابر- لغة في خيبر، وتقدم ذلك في غزوتها. فدك- بفتح الفاء والدال المهملة- مكان، قال ابن سعد: على ستة أميال من المدينة. أرضنا هوازن: دخل أرضهم قهرا. لم يعرّج عليه: لم يمل. عرش- بضم العين والراء والشين المعجمة: جمع عريش.. بيوت مكة سميت بذلك لأنها كانت عيدانا تنصب ويظلّل عليها. عارض- بالعين المهملة والضاد المعجمة بينهما راء مكسورة. هرقت- بهاء مهملة فراء فقاف مفتوحات. الهدر: الباطل الذي لا يؤخذ بثأره. يظعن- بالظاء المعجمة المشالة: يرحل. نخلة- بلفظ واحدة النخل بالخاء المعجمة: موضع على ليلة من مكة. قرن- بفتح القاف وسكون الرّاء، وغلّطوا من فتحها، وهو قرن الثّعالب والمنازل يبعد عن مكة نحو مرحلتين. المليح- بالحاء المهملة والتصغير واد بالطائف. بحرة- بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة. وبالراء. الرّعاء- براء مكسورة، فعين مهملة، فألف ممدودة: جمع راع. ليّة: تقدم. أقاد من القاتل: قتله بمقتوله.

شرح غريب ذكر محاصرته - صلى الله عليه وسلم - الطائف وذكر بعثه - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي: من نزل من العبيد فهو حر وذكر رميه - صلى الله عليه وسلم - حصن الطائف بالمنجنيق

الضيقة: ضد الواسعة. نخب- بفتح النون وكسر الخاء المعجمة، وقيل بسكونها، فموحدة: واد بالطائف قيل بينه وبينه ساعة. الصادرة- بصاد ودال مهملتين بينهما ألف فراء فتاء موضع. أبو رغال- بكسر الراء وبالغين المعجمة واللام. الغصن- بضم الغين المعجمة: واحد الأغصان، وهي أطراف الشجر، والمراد به هنا قضيب من ذهب. شرح غريب ذكر محاصرته- صلى الله عليه وسلّم- الطائف وذكر بعثة- صلّى الله عليه وسلّم- مناديا ينادي: من نزل من العبيد فهو حر وذكر رميه- صلى الله عليه وسلّم- حصن الطائف بالمنجنيق رجل جراد- بكسر الراء وإسكان الجيم وهو الجراد الكثير، وتقدم بزيادة في غريب ألفاظ غزوة حنين. السّارية: الأسطوانة. النّقيض- بفتح النون وكسر القاف، وسكون التحتية وبالضاد المعجمة: الصوت. عبد ياليل- بتحتيتين وكسر اللام الأولى. معتّب- بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة. النّبّال- بفتح النون وتشديد الموحدة وباللام. البكرة- بفتح الموحدة: وبالكاف وتسكن آلة يستقى عليها. الغيظ- بالظاء المعجمة المشالة: الغضب. يمونه: يقوم بأمره. المنجنيق- بفتح الميم وقد تكسر، يؤنث وهو أكثر، ويذكر، فيقال: هي المنجنيق، وعلى التذكير: هو المنجنيق: ويقال: المنجنوق ومنجليق، وهو معرب، وأول من عمله قبل الإسلام إبليس حين أرادوا رمي سيدنا إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- وهو أوّل منجنيق رمي به في الإسلام، أما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة- بضم الجيم، وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية ابن مالك المعروف بالأبرش أول من رمى بها، وهو من ملوك الطوائف. الثواء- بفتح الثاء المثلثة: الإقامة.

شرح غريب ذكر اشتداد الأمر وما يذكر معه

ابن زمعة- بفتح الزاي والميم وبسكونها، فعين مهملة. الدّبابة- بالدال المهملة: فموحدة مشددة، وبعد الألف موحدة فتاء تأنيث: آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرّجال فيندفعون بها إلى الأسوار لينقبوها. جرش- بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة: من مخاليف اليمن من جهة مكة. الحسك- بحاء فسين مهملتين فكاف مفتوحات: نبات تعلق ثمرته بصوف الغنم وورقه كورق الرجلة وأدوره وعند ورقه شوك ملوز صلب ذو ثلاث شعب. والشّدخة- بفتح الشين المعجمة وسكون الدال المهملة، وفتح الخاء المعجمة فتاء تأنيث، والشدخ: كسر الشّيء. الحبلات- بحاء مهملة، فباء فلام مفتوحات فألف فتاء جمع حبلة بفتحات وربما سكنت الباء: الأصل أو القضيب من شجر الأعناب. النّفر: ما دون العشرة من الرجال. الذريع- بالذال المعجمة: السريع. الجلابيب- بالجيم [فاللام فألف] فموحدة فتحتية فموحدة- وزن دنانير- الغرباء. يدعها الله- بفتح الدال: يتركها. تبتئس: تحزن. أحبل- بفتح أوله وسكون الحاء المهملة وضم الموحدة: جمع حبلة- بفتح الحاء والموحدة: شجر العنب. تسوّر حصن الطائف: صعد إلى أعلاه ثم تدلى منه. ثالث ثلاثة وعشرين بنصب ثالث. شرح غريب ذكر اشتداد الأمر وما يذكر معه عبسة بفتح العين المهملة والموحدة والسين المهملة. عدل- بفتح العين وسكون الدال المهملة- مثل الأجر. المحرر: المعتق. المخنّث- بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، والنون المشددة- وكسرها أفصح، وفتحها أشهر- فمثلثة: وهو من فيه انخناث أي تكسّر وتثنّ كالنساء. غيلان بن سلمة- بفتح الغين المعجمة، أسلم بعد فتح الطّائف.

شرح غريب ذكر منام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدال على عدم فتح الطائف وما يذكر معه

تقبل بأربع: أي من العكن- بضم العين المهملة جمع عكة وهي ما انطوى وتثنى من لحم البطن، سمنا، والمراد أطراف العكن التي في بطنها. تدبر بثمان في جنبيها لم يقل ثمانية، والأطراف مذكرة لأنه لم يذكرها كما يقال هذا الثوب سبع في ثمان أي سبعة أذرع في ثمانية أشبار، فلما لم يذكر أشبار أنت لتأنيث الأذرع التي قبلها، قال الدماميني في المصابيح: أحسن من هذا أنه جعل كلّا من الأطراف عكنة تسمية للجزء باسم الكل، فأنث بهذا الاعتبار. من غير أولي الإربة: الحاجة إلى النكاح. جريج- بضم الجيم وفتح الراء وسكون التحتية وبالجيم. هيت: بهاء وياء تحتية ففوقية، وضبطه ابن درستويه بهاء مكسورة فنون ساكنة فموحدة، وزعم أن ما سواه تصحيف. عائذ- بالهمز والذّال المعجمة. ماتع- بميم فألف ففوقية فعين مهملة. أرى- بضم أوله: أظن. فلا تفلتن- تطلقنّ- بالبناء للمفعول فيهما. بادية- بموحدة فألف فدال مهملة مكسورة فتحتية، وقيل: بالنون بدل التحتية- أسلمت. الخبيث: خلاف الطّيّب. شرح غريب ذكر منام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الدال على عدم فتح الطائف وما يذكر معه أهديت- بالبناء للمفعول. القعبة: كالقصعة [ (1) ] . هراق- بفتح الهاء. الدّيلي- بكسر الدال المهملة وسكون التحتية. الجحر- بضم الجيم وسكون الحاء المهملة.

_ [ (1) ] القعب: القدح الضخم الغليظ الجافي، انظر اللسان (قعب) .

شرح غريب ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف وما يذكر معه

خوله: بالخاء المعجمة. حكيم- وزن أمير. مظعون- بالظاء المعجمة المشالة-. حليّ- بضم الحاء المهملة وكسر اللام. الفارعة- بالفاء وكسر الرّاء. عقيل- بوزن أمير. زعمت- بزاي فعين مهملة فميم فتاء: تحدثت بما لا يوثق به. أؤذن الناس: أعلمهم بالرحيل. قافلون: راجعون إلى المدينة. اغدوا على القتال، سيروا أول النهار لأجل القتال. سرّح الظهر: أرسله. آئبون: راجعون. الأحزاب: أهل الخندق الذين تحزبوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من قريش وغيرهم، أو أحزاب الكفر. جمح به فرسه: أسرع به نحو عدوّه. شرح غريب ذكر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الطائف وما يذكر معه / قوله- دحنا- بفتح الدال وسكون الحاء المهملتين وبالنون، وبالقصر والمد: أرض بين الطائف والجعرانة. الجعرانة- بكسر الجيم وسكون العين المهملة وقد تكسر وتشدد الراء. سراقة- بضم السين المهملة. جعشم- بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الشين المعجمة. المقنب- بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون وبالموحدة، جماعة الخيل والفرسان، وقيل: هي دون المائة. إليك إليك- اسم فعل أمر: معناه تنحّ وابعد. الغرز- بفتح الغين المعجمة وسكون الراء والزاي، ركاب الإبل.

الجمارة- بضم الجيم: قلب النّخلة. الضالة من الإبل: الضائعة. تغشى: تأتي. كبد حرّى: بتشديد الراء: تأنيث حرّان، وهما للمبالغة من الحرّ، يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش، والمعنى أن في سقي كلّ ذي كبد حرّى أجرا. أبو رهم- بضم الراء وسكون الهاء «الغفاري» بكسر الغين المعجمة. الفرق- بفتحتين: الخوف. روّحت- بفتح الراء والواو المشددة والحاء المهملة. الركاب: الإبل. أترقب: أنتظر. السبي: ما غنم من النساء والأولاد. الذراري: الأولاد. أستأني بهم: انتظر مجيئهم. زهير- بضم الزاي وفتح الهاء وسكون التحتية. صرد- بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبالدال المهملة، وهو مصروف وليس معدولا. أبو برقان- بفتح الموحدة وسكون الراء وبالقاف والنون، وهو عمه- صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة. إنا أصل وعشيرة- بعين مهملة مفتوحة فشين مكسورة فتحتية فراء: بنو الأب الأدنون أو القبيلة، والجمع: عشائر. الحظائر- بالظاء المعجمة المشالة: جمع حظيرة وهو الزرب الذي يصنع للإبل والغنم ليكنها، وكان السبي في حظائر مثلها. عماتك وخالاتك: أي من الرضاع. حواضنك: يعني اللاتي أرضعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحضنه من بني سعد هوازن. ملحنا- بفتح الميم واللام وسكون الحاء المهملة: أرضعنا، والملح: الرضاع. الحارث بن أبي شمر: ملك الشام من العرب. النعمان بن المنذر: ملك العراق من العرب.

عائديهما: فضلهما ونيلهما وشفقتهما. الأوجاقي [ (1) ] . الهبل [ (2) ] : ابن يزيد بالزاي والدال المهملة وزن أمير. أمينة- بوزن عظيمة. عفيفة بعين مهملة وفاءين وزن عظيمة. الصيدلاني [ (3) ] بفتح الصاد المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة وبالنون. القبابي- بكسر القاف وتخفيف الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى. مؤنسة روح- بفتح الراء. الفارقاني: بالفاء وسكون الراء وفاء أخرى. معمر- بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة. الفاخر- بالفاء والخاء المعجمة. الجوزدانية- بجيم مضمومة فواو ساكنة فزاي فدال مهملة فألف فنون. ريذة- بكسر الراء وسكون التحتية وفتح الذال المعجمة فتاء تأنيث. الضّبّي- بفتح الضاد وبالموحدة المشددة. رماحس- بضم الراء وتخفيف الميم وبعد الألف حاء فسين مهملتين. قال في النور: الذي يظهر أنه غير منصرف للعلمية والعجمة وليس فيما يظهر من أسماء العربية. القيسيّ. بالقاف المفتوحة والتحتية الساكنة. رمادة الرملة- بفتح الراء: قرية بقربها.

_ [ (1) ] 127- (محمد) بن محمد بن أحمد بن عز الدين المحب أبو عبد الله القاهري الشافعي والد الرضى محمد وعبد الرحيم وأحمد المذكورين، ويعرف بابن الاوجاقي. ولد سنة سبعين وسبعمائة أو التي قبلها بالدرب المعروف بوالده في خط باب اليانسية خارج باب زويلة من القاهرة ونشأ بها فأخذ الفقه عن البلقيني والملقن وغيرهما. الضوء اللامع 9/ 549/ 50. [ (2) ] الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي المعروف بابن هبل الطحان ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع من الفخر بن البخاري ومن التقي الواسطي وأجازا له وسمع بنفسه من التقي سليمان وأخيه وفاطمة بنت سليمان والدمشقي وعثمان الحمصي وعيسى المغاري وغيرهم وحدث بالكثير ورحل إليه الناس وتوفي في صفر، الشذرات 6/ 261، 262. [ (3) ] الصّيدلاني [بفتح الصاد المهملة، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وفتح الدال المهملة، وبعدها اللام ألف، والنون.. هذه النسبة لمن يبيع الأدوية والعقاقير.] واشتهر بهذه النسبة جماعة كثيرة، منهم: الأنساب 3/ 573.

زياد بن طارق [بالزاي المكسورة والياء التحتية والألف الممدودة] والدال المهملة. أبو جرول- بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو ولام. زهير- بالزاي والتصغير. الجشمي- بضم الجيم وفتح الشين المعجمة. امنن- بهمزة مضمومة فميم ساكنة فنون مضمومة وأخرى ساكنة، أي أحسن إلينا من غير طلب ثواب ولا جزاء. المرء- بفتح الميم وبالراء والهمز: الرّجل، وأل هنا لاستغراق أفراد الجنس، أي أنت المرء الجامع للصفات المحمودة المتفرقة في الرجال. البيضة هنا: الأهل والعشيرة. الغير- بكسر الغين المعجمة: تغيير الحال وانتقالها عن الصلاح إلى الفساد. هتّافا- بفتح الهاء وبالفوقية وبالفاء: أي ذا هتف، أي صوت. الغمّاء- بفتح الغين المعجمة وتشديد الميم. الحزن: سمي بذلك لأنه يغطي السرور. الغمر- بغين معجمة مفتوحة وتكسر، فميم فراء: الحقد. يختبر بالبناء للمفعول. ترضعها- بضم الفوقية. إذ: حرف تعليل. فوك: فمك. المحض- بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة الساقطة، اللبن الخالص. الدرر- بكسر الدال المهملة وفتح الرّاء الأولى: جمع درة، وهي كثرة اللبن وسيلانه. يزينك- بتحتية مفتوحة فزاي مكسورة فتحتية فنون. تذر: تترك. ولا تجعلنّا- بفوقية مفتوحة فجيم ساكنة فعين فلام مفتوحة فنون مشدّدة فألف. شالت نعامته: أي هلكت والنعامة باطن القدم، وشالت: ارتفعت، ومن هلك ارتفعت رجلاه وسكن رأسه فظهرت نعامة قدمه.

استبق: بسين مهملة فمثناة فتحتية موحدة فقاف. زهر بضم الزاي والهاء. نعماء- بنون مفتوحة فعين ساكنة فميم فألف ممدودة: النعمة. كفرت- بضم الكاف وكسر الفاء وفتح الراء. مدّخر- بميم مضمومة فدال مشددة فخاء معجمة مفتوحتين، أصله مذتخر، فلما أرادوا الإدغام ليخف النطق قلبوا التاء إلى ما يقاربها من الحروف، وهي الدال المهملة لأنهما في مخرج واحد فصارت متخر مدخر، والأكثر أن تقلب الذال المعجمة دالا مهملة ثم تدغم فيها فتصير دالا مشددة. فألبس- بفتح الهمزة وكسر الموحدة. مشتهر- بميم مضمومة فشين معجمة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فهاء مكسورة فراء: ظاهر. مرحت- بفتح الميم والراء والحاء المهملة: نشطت وخفت. الكمت- بضم الكاف وسكون الميم ومثناة فوقية جمع كميت، وهو من الخيل. يستوي فيه المذكّر والمؤنث من الكمتة وهي حمرة خالطتها قنوة، قال الخليل: إنما صغّر لأنه بين السواد والحمرة كأنه لم يخلص له واحدة منهما فأرادوه بالتصغير لأنه منها قريب. الجياد تقدم تفسيره. الهياج- بكسر الهاء وتخفيف التحتية وبالجيم: القتال. استوقد بالبناء للمفعول. الشرر: تقدم تفسيره. نؤمّل: نرجو. تلبسه- بضم الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة. راهبة- بالموحدة خائفة. يهدى- بالبناء للمفعول. الظفر: الفوز. المسور- بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو. مخرمة- بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء.

شرح غريب ذكر دعائه - صلى الله عليه وسلم - على من أبى أن يرد شيئا من السبي أن يخيس سهمه

البضع- في العدد بكسر الموحدة، وبعض العرب يفتحه: من الثلاثة إلى التسعة، يقال بضع رجال وبضع نسوة ومن ثلاثة عشر إلى تسعة عشر بضعة مع المذكر وبضع مع المؤنث. قفل- بفتح القاف والفاء: رجع. الأحساب: جمع حسب بفتحتين: الشرف. قال الأزهري: له ولآبائه من الحساب. وهو عد المناقب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدّ كل واحد مناقبه ومناقب آبائه. العرفاء- جمع عريف وهو مدبر أمر القوم والقائم بأمر ساستهم. يفيء الله علينا- بضم التّحتيّة وكسر الفاء، وهمز آخره. سليم- بضم أوله وفتح اللام. وهنتموني: ضعّفتموني. فسبيل ذلك- بفتح اللام على أنه مفعول بفعل مقدّر وبضمها على أنه خبر مبتدأ محذوف. الفرائض- جمع فريضة، وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمّي فريضة لأنه فرض، على ربّ المال، ثمّ اتسع فيه حتى سمّي البعير فريضة. المعقّد- بضم الميم وفتح العين وتشديد القاف، وهو ضرب من برود هجر. شرح غريب ذكر دعائه- صلى الله عليه وسلم- علي من أبى أن يرد شيئا من السبي أن يخيس سهمه قال في الصحاح: خاست الجيفة أي أروحت، ومنه قيل خاس البيع والطعام كأنه كسد حتى فسد. السهم هنا: النصيب. قبطية- بضم القاف: ثياب بيض رقاق من كتان وقطن. هل لك في كذا [هل تريد كذا] . بناهد- بنون فألف فهاء فدال: يقال نهد الثّدى: كعب. بواجد- من الوجد وهو الحزن: أي لا يحزن زوجها عليها لأنها عجوز كبيرة. الدر: اللبن. المالد: القربة هنا. السّمل- بفتح السين المهملة والميم وباللام: الخلق- بفتح الخاء وكسر اللام.

شرح غريب - ذكر قسمه - صلى الله عليه وسلم - أموال هوازن

الفرص- بضم الفاء وفتح الراء وبالصاد المهملة جمع فرصة، وهي اسم من تفارص القوم الماء القليل لكل منهم نوبة وأطلق على النّهزة- بضم النون وسكون الهاء وبالزاي. شرح غريب- ذكر قسمه- صلى الله عليه وسلّم- أموال هوازن انتزعت رداءه: اقتلعته. تهامة- بكسر الفوقية: ما انخفض من الأرض. النّعم- بفتح النون والعين: المال الراعي، وأكثر ما يقع على الإبل. ألفيتموني: وجدتموني. السّنام: أعلى ظهر البعير. الوبرة: واحد الوبر. الخياط والمخيط: الإبرة. الشّنار- بفتح الشين المعجمة وبالنون: أقبح العار. الكبة من الشّعر ونحوه- بضم الكاف وتشديد الموحدة. عبادة- بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة. الأنملة- بتثليث الهمزة مع تثليث الميم: العقد من الأصابع أو رؤوسها. علقت به الأعراب: لزموه وجبذوا أثوابه. اضطروه إلى شجرة: ألجئوه إليها وأحوجوه. السّمرة- بفتح السين وضم الميم من شجر الطلح. العضاة- ككتاب: شجر الشوك كالطلح والعوسج، والهاء أصلية، الواحدة عضة بالهاء والتاء، والأصل عضهة كعنبة. برد نجراني- منسوب إلى نجران- بفتح النون وسكون الجيم وبالنون: إقليم معروف. جذبه- بفتح الجيم وبالذال المعجمة: شده إلى نفسه: أي سحبه إليه. شرح غريب ذكر إعطائه- صلى الله عليه وسلّم- المؤلفة قلوبهم وقول العباس بن مرداس كانت: أي الإبل والماشية. النهاب بكسر النون وبالهاء وبعد الألف موحدة جمع نهب- وهو ما ينهب ويغنم. تلافيتها: تركتها. الكرّ- بفتح الكاف وتشديد الراء: عود الفارس للقتال.

المهر- بضم الميم وسكون الهاء: ولد الخيل. الأجرع- بفتح أوله وسكون الجيم وفتح الراء وبالعين المهملة: المكان السهل. الإيقاظ: مصدر أيقظه من نومه إذا نبّهه. القوم- بالفتح مفعول. هجع هنا: نام. العبيد- بلفظ تصغير عبد- اسم فرسه. ذو تدرأ- بضم الفوقية وسكون الدال المهملة وبالراء وبالهمز، أي ذو دفع من قولك درأه إذا دفعه. الأفائل- جمع أفأل- بفتح أوله وسكون الفاء وبالهمز وهي الصغار من الإبل. عديد قوائمها الأربع- بعين فدالين مهملات بينهما تحتية كالعدد اسمان للعدّ. وهو الإحصاء. وما كان حصن: والد عيينة. ولا حابس: والد الأقرع. يفوقان- بتحتية ففاء فواو فقاف، يعلوان شرفا. شيخي: يعني أباه مرداس، ومن قال شيخيّ تثنية شيخ فيعني أباه وجدّه، ويروى يفوقان مرداس. بين مكة والمدينة كذا في الصحيح. والصواب بين مكة والطائف، وبه جزم النووي. ألا تنجز لي ما وعدتني من غنيمة حنين، وكان ذلك وعدا خاصا به. أبشر- بقطع الهمزة أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر. فأقبلا بفتح الموحدة. مجّ فيه: بميم مفتوحة فجيم مشددة: رمى. وأفرغا بقطع الهمزة وكسر الراء: صبّا. أفضلا- بقطع الهمزة وكسر الضاد المعجمة. لأمكما: تعني نفسها. طائفة: بقية.

شرح غريب ذكر بيان الحكمة في عطائه - صلى الله عليه وسلم - أقواما

شرح غريب ذكر بيان الحكمة في عطائه- صلى الله عليه وسلّم- أقواما جعيل- بالتصغير. سراقة- بضم السين. طلاع الأرض- بكسر الطاء: ما ملأها حتى يطلع عنها ويسيل. الرّهط- بفتح الراء وسكون الهاء وفتحها. ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة، أو منها إلى الأربعين. مالك عن فلان: [ما صرفك عنه] . تغلب- بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر الموحدة لا ينصرف. الهلع: أشد الجزع. الجزع كالتعب: ضد الصبر. حمر النّعم [خيارها] . شرح غريب ذكر عتب جماعة من الأنصار على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سائر الناس- هنا باقيهم، ويكون بمعنى جميعهم كما ذكره الجوهري وابن الجواليقي وابن برّيّ، وغلط من غلّط الجوهري، واستشهد له قال ابن ولّاد: سائر توافق بقية: نحو أخذت من المال وتركت سائره لأن المتروك بمنزلة البقية وتفارقها من حيث أن السائر- لما كثر والبقية لما قل: لهذا نقول: أخذت من الكتاب بقيته وتركت سائره، ولا نقول تركت بقيته. وجدوا- بفتح الواو والجيم: حزنوا. وفي رواية وجد بضم الواو والجيم جمع واجد، ووجد عليه في نفسه: غضب. القالة: الكلام الرديء. يغفر الله لرسوله- صلى الله عليه وسلّم- قالوه توطئة وتمهيدا لما يرد بعده من العتاب لقوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة 43] الطّلقاء بضم الطاء المهملة وفتح اللام وبالقاف والمد: جمع طليق، فعيل بمعنى مفعول- منقول وهم من منّ عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة ولم يأسرهم ولم يقتلهم. وسيوفنا تقطر من دمائهم: جملة في محلّ النّصب على الحال مقررة لجهة الإشكال، وهو من باب عرضت النّاقة على الحوض.

إذا كانت شديدة- بالرفع والنّصب. استعتبناه: طلبنا منه العتبى- بضم العين وسكون التاء وفتح الباء: طلب الرضى. فحدّث- بضم الحاء وكسر الدال مبنيا للمفعول، أي أخبر بمقالتهم. أين أنت من ذلك. الحظيرة- بالحاء المهملة والظاء المعجمة المشالة، يشبه الزرب للماشية والإبل. في قبّة من أدم- بفتح الهمزة المقصورة والدال المهملة: جلد بلا دبغ. فجاء رجل من المهاجرين. ضلّالا بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى: أي بالشّرك. عالة- بعين مهملة فلام مخففة: فقراء لا مال لكم. الله ورسوله أمنّ: من المنة وهي النعمة. المخذول: الذي ترك قومه نصره. حديثو عهد بجاهلية ومصيبة من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم. أجبرهم- بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الموحدة: من الجبر عند الكسر. وفي رواية أجيزهم- بضم الهمزة وكسر الجيم بعدها تحتية ساكنة فزاي: من الجائزة. اللّعاعة- بضم اللام وبعينين مهملتين، بقلة خضراء ناعمة شبّه بها زهرة الدنيا ونعيمها في قلّة بقائها. القسم- بكسر القاف: الحظّ والنّصيب. الرحل هنا: منزل الرّجل ومسكنه وبيته الذي فيه أثاثه، ذكّرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما غفلوا عنه من عظم ما اختصّوا به منه بالنسبة إلى ما اختصّ به غيرهم من عرض الدّنيا الفانية. الشاة والبعير اسما جنس يقع كلّ منهما على الذكر والأنثى. يحوزونه- بالحاء المهملة. الشّعب- بكسر الشين المعجمة وسكون العين: الطريق في الجبل. الوادي: المكان المنخفض، وقيل: الذي فيه ماء، والمراد بلدهم. لو سلك الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم، أشار- صلى الله عليه وسلم- بذلك إلى ترجيحهم بحسن الجوار والوفاء بالعهد لا وجوب متابعته إياهم إذ هو- صلى الله عليه وسلّم- المتبوع المطاع لا التّابع المطيع، فما أكثر تواضعه- صلى الله عليه وسلّم-.

شرح غريب شعر حسان - رضي الله عنه

الشّعار- بكسر الشين المعجمة: الثوب الذي يلي الجسد. الدثار- بكسر الدال المهملة وبالثاء المثلّثة المفتوحة: ما يجعل فوق الشّعار، أي أن الأنصار بطانته وخاصّته وأنهم أحقّ به وأقرب إليه من غيرهم، وهو تشبيه بليغ. أخضلوا لحاهم- بفتح أوله وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين: بلّوها بالدموع. أثرة- بفتح الهمزة والثاء المثلثة، وبضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحتين، ويجوز كسر أوله مع إسكان ثانيه، أي يستأثر عليكم بمالكم فيه اشتراك في الاستحقاق. فاصبروا حتى تلقوني على الحوض يوم القيامة فيحصل لكم الانتصاف ممّن ظلمكم على الثواب الجزيل على الصبر. شرح غريب شعر حسان- رضي الله عنه السّح- بفتح السين وتشديد الحاء المهملتين: الصّب، يقال: سحّ المطر إذا صبّ. حفلته- بفتح الحاء المهملة والفاء واللام وسكون الفوقية: أي جمعته، ومنه المحفل وهو مجتمع الناس. العبرة- بفتح العين المهملة وسكون الموحّدة: الدمع. درر- بدال مهملة وراءين: سائلة. الوجد: الحزن. شمّاء- بشين معجمة مفتوحة فميم مشددة [فألف] فهمز: اسم امرأة. البهكنة- بفتح الموحدة وسكون الهاء وفتح الكاف وبالنون: المرأة ذات الشباب غضة، وقال في الإملاء كثيرة اللّحم. هيفاء: ضامرة الخاصرة، ومن روى قوله لا دنن بالدال المهملة فمعناه: تطامن الصّدر وغوره، ومن رواه بالمعجمة فمعناه: القذر بالقاف المفتوحة والذال المعجمة المكسورة، ومنه الذنين وهو ما يسيل من الأنف، ومن رواه لا أذن فمعناه: [الذي يسيل منخراه جميعا] . الخور- بفتح الخاء المعجمة والواو وبالراء: الضعف. دع: أترك. النزر: القليل. علام- حذفت ألف ما الاستفهامية لدخول حرف الجر عليها. نازحة بالنون والزاي والحاء المهملة: بعيدة.

شرح غريب ذكر اعتراض بعض الجهلة من أهل الشقاق وما يذكر معه

الحرب العوان: هي التي قوتل فيها مرةً بعد مرة. تستعر: تلتهب وتشتعل. اعترفوا: صبروا. النائبات: ما ينوب الإنسان وما ينزل به من المهمات والحوادث. وما خاموا- بالخاء المعجمة ما جبنوا وما ضجروا، أي ما أصابهم حرج ولا ضيق. الناس ألب- بهمزة مفتوحة فلام ساكنة فموحدة، أي مجتمعون على التدبير للعدو من حيث لا نعلم. القنا- بالقاف والنون: الرماح. الوزر- بفتح الواو والزاي: الملجأ. نجالد الناس: نقاتلهم. توحي- بمثناة فوقية مضمومة فواو ساكنة فحاء مهملة مفتوحة فتحتية من الوحي. لا تهرّ- بفوقية مفتوحة فهاء مكسورة فراء: لا تكره. جناة الحرب- بجيم مضمومة فنون فألف فتاء تأنيث: جمع جان. النّادي- بالنون: المجلس. تلظّى- بفوقية فلام فظاء معجمة مفتوحات فتحتية. تلتهب وتضطرم، وهو من لظى من أسماء النار لا ينصرف للعلمية والتأنيث. نسعر: نوقد الحرب ونشعلها. النعف- بفتح النون وسكون العين وبالفاء: أسفل الجبل. حزّبت- بفتح الحاء المهملة وتشديد الزاي: أجمعت وأعان بعضها بعضا. ما ونينا- بواو مفتوحة فنون فتحتية ساكنة فنون ما فترنا. وما خمنّا: تقدم. شرح غريب ذكر اعتراض بعض الجهلة من أهل الشقاق وما يذكر معه قوله: الشقاق- بكسر الشّين: الخلاف والمعاندة. الصّرف- بكسر الصاد، وهو هنا صبغ يصبغ به الأديم. معتّب- بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة.

قشير- بقاف وشين معجمة وبالتّصغير. ذو الخويصرة- بالخاء المعجمة تصغير خاصرة. أجل: كنعم وزنا ومعنى. شقيت- بشين معجمة مفتوحة فقاف مكسورة فتحتيّة فتاء، روي ضمّها وفتحها. معاذ الله: أي أعوذ بالله معاذا، يقال: معاذ الله ومعاذة الله وعوذ الله وعياذة الله بمعنى واحد، أي أستجير بالله. شيعة الرّجل- بشين معجمة مكسورة فمثناة تحتية فعين مهملة: أتباعه. يتعمقون: يتبعون أقصاه، وعمق الشّيء بعد قعره، وهو بعين مهملة. الرّمية- براء مفتوحة فميم مكسورة فتحتية مشددة فتاء تأنيث: الصيد: الذي ترميه فتصيده وينفذ فيه سهمك، وقيل: هي كل دابّة مرمية. النّصل- حديدة السهم. القدح- بكسر القاف: السّهم، قبل أن يراش ويركب نصله. الفوق- بضم الفاء يذكر ويؤنث: طرف السهم الذي يباشر الوتر. الرصاف- بكسر الراء وبالصاد المهملة والفاء عقب بفتحتين- يلوى على مدخل النصل في السهم. النضي- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة: نصل السّهم، وقيل: هو السّهم قبل أن ينحت إذا كان قدحا. قال أبو موسى المديني وابن الأثير: وهو أولى، لأنه قد جاء في الحديث ذكر النّصل بعد النّضيّ، وقيل: هو من السهم ما بين الريش والنّصل قالوا سمي نضيّا لكثرة البري والنحت، فكأنه جعل نضوا أي هزيلا. القذذ- بفتح القاف وفتح الذال المعجمة وآخره [ذال] أخرى: ريش السهم واحدتها قذذة. الفرث: ما يوجد في كرش ذي الكرش. الحناجر- جمع حنجرة: الحلقوم. يمرقون من الدين يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم الشّيء المرمي به ويخرج منه. آيتهم: علامتهم.

شرح غريب ذكر قدوم مالك بن عوف - رضي الله عنه -

العضد بتثليث العين كرجل- ويسكن وكبد وحمل، وبضمتين ويسكن: ما بين المرفق إلى الكتف. الثدي- بمثلثة مفتوحة فدال مهملة ساكنة. البضعة- بفتح الموحدة: القطعة. تدردر- بفتح الفوقية والدال المهملة، وسكون الراء وبالدال المهملة آخره [راء] تترجرج. مضارع مرفوع حذفت منه التاء. يخرجون على حين- بالحاء والنون. فرقة- بضم الفاء: أي افتراق من المسلمين، وروي على خير بالمعجمة والراء، فرقة بالكسر: وهو علي وأصحابه. شرح غريب ذكر قدوم مالك بن عوف- رضي الله عنه- الموفور: الكثير. دحنا- بضم الدال وتفتح وسكون الحاء المهملتين، بالقصر والمد: أرض بين الطائف والجعرانة. ركضه: استحثه الجري. العطاء الجزيل: العطاء الكثير. إذا اجتدي- بضم أوله وسكون الجيم وضم الفوقية وكسر الدال المهملة: أي طلبت منه العطية. الكتيبة- بالفوقية: الطائفة المجتمعة من الجيش. عردت- بعين مهملة فراء فدال مهملة مفتوحات فتاء: اعوجّت. أنيابها- جمع ناب: السّنّ خلف الرباعية، مؤنث. السّمهري- بفتح السين المهملة وسكون الميم وفتح الهاء وبالراء: الرماح المنسوبة إلى سمهر: قرية بالهند. المهنّد: السيف المطبوع من حديد الهند. الليث: الأسد. الأشبال: جمع شبل وهو: ولد الأسد.

شرح غريب ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة

الهباءة: الغيرة، ويروى المباءة، بفتح الميم والموحدة والهمز: منزل القوم في كل موضع. الخادر: الداخل في خدره، والخدر هنا غابة الأسد. المرصد: الموضع الذي يرصد منه ويترقب. فهم- بفتح الفاء وسكون الهاء. سلمة- بكسر اللام. ثمالة- بضم الثاء المثلثة. قد ضوى: [أي انضم] . اعتقد لواء: عقده. السرح: [المال يسام في المرعى من الأنعام] . شرح غريب ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة قوله مجنّة- بفتح الميم والجيم والنون المشدّدة. مرّ- بفتح الميم وتشديد الراء مضاف إلى الظّهران تثنية ظهر الحيوان: موضع على مرحلة من مكة. سرف- بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء: موضع. شرح غريب شعر بجير بجير- بموحدة مضمومة فجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فراء. زهير بالتّصغير ابن أبي سلمى- بضم السين المهملة وسكون اللام وفتح الميم. العلالة: بضم العين المهملة «من العلل» ، وهو الشّرب بعد الشرب، وأراد به هنا معنى التكرار. وقال في الإملاء وفي الروضة: العلالة جرى بعد جري، أي قتال بعد قتال، يريد أن هوازن جمعت جمعها علالة في ذلك اليوم، وحذف التنوين من علالة ضرورة وأضمر في كانت اسمها وهو ضمير القصة. يوم- بالخفض في عدة نسخ صحيحة من السيرة، وجاز على هذا في علالة النصب خبر كان، ويكون اسمها عائدا على شيء تقدم ذكره، ويجوز الرفع في علالة مع إضافتها إلى اليوم على أن تكون كان تامّة مكتفية باسم واحد، ويجوز أن تجعل اسما على المصدر مثل برّة وفجار، وبنصب يوما على الظرف.

شرح غريب شعر كعب بن مالك - رضي الله عنه -

أوطاس: اسم موضع يأتي ذكره في السّرايا. الأبرق: موضع، وأصله الجبل الذي فيه ألوان من الحجارة والرمل. الإغواء- بالغين المعجمة: من الغي الذي هو خلاف الرّشد. حسرانا: يعني الذين أعيوا منا من الحسير وقد يجوز أن يكون الحسرى هنا الذين لا درع لهم. الرجراجة- بفتح الراء وسكون الجيم الأولى: الكتيبة التي يموج بعضها في بعض. المنايا- جمع منيّة: وهي الموت. الفيلق- بفتح الفاء وسكون التحتية وفتح اللام وبالقاف: الجيش الكثير الشديد. ملمومة: مجتمعة. خضراء: يعني من لون السلاح. حضن- بفتح الحاء المهملة والضّاد المعجمة وبالنون: اسم جبل. الضّراء- بكسر الضاد المعجمة الساقطة وبالراء: الأسود الضارية. الهراس- بفتح الهاء والراء والسين المهملة: نبات به شوك. فدر- بضم أوله والدال المهملة وتسكن وبالراء، فمن رواه بالقاف عنى خيلا تجعل أرجلها في موضع أيديها إذا مشت، ومن رواه بالفاء عنى الوعول، واحدها فادر. القياد- بقاف مكسورة فتحتية فألف فدال مهملة. السابغة بالغين المعجمة: الدرع الكاملة. استحصنت: احتمت بالحصن. النّهي- بكسر النون وسكون الهاء: الغدير من الماء. المترقرق: المتحرك. جدل- بضم الجيم والدال المهملة وباللام: جمع جدلاء: وهي: الدرع الجيدة النسج. فضولهن: ما انجرّ منهن. محرّق: لقب عمرو بن هند ملك الحيرة. شرح غريب شعر كعب بن مالك- رضي الله عنه- تهامة: ما انخفض من أرض الحجاز.

الريب: الشك. أجممنا: بالجيم: أرحنا. الحاضن: المرأة التي تحضن ولدها. ساحة الدار: وسطها، ويقال فناؤها. العروش بالشين المعجمة: وهي هنا سقف بيوت مكة. وجّ- بفتح الواو وتشديد الجيم: اسم موضع. الخلوف- بضم الخاء المعجمة واللام وبالفاء: الغائبون، وفي غير هذا الموضع بمعنى الحاضرين، وهو من الأضداد. السّرعان- بفتح السين والراء وبالعين المهملات: المتقدمون. الكثيف- بالثاء المثلثة: الملتف، ومن رواه كشيفا بالشين المعجمة. فمعناه [مكشوف، أو منكشف، والكشف: رفعك الشيء عما يواريه ويغطيه] . الرّجيف- براء مفتوحة فجيم مكسورة فتحتية ففاء: الصوت الشديد مع زلزال مأخوذ من الرجفة، ومن رواه: وجيفا بالواو والباقي كما تقدم: عنى سريعا يسمع صوت سرعته. قواضب- بالقاف والضاد المعجمة والموحدة: السيوف القاطعة. المرهفات: جمع مرهف وهو السيف المرقق الحواشي القاطع. المصطلون: المبشرون لها. العقائق- جمع عقيقة: وهي شعاع البرق هنا. القيون- بالقاف: جمع قين، وهو الحداد. الكتيف- بالفوقية- جمع كتيفة: وهي صفائح الحديد تضرب للأبواب وغيرها. تخال- بالخاء المعجمة: تظن. الجديّة- بفتح الجيم وكسر الدال وتشديد التحتية: الطريقة من الدم. الجاديّ- بالجيم والدال المهملة المكسورة: الزعفران. مدوفا- بالدال المهملة وتعجم: مختلطا. أجدهم- بفتح الهمزة وفتح وكسر الجيم وتشديد الدال المهملة، أي: العريف هنا- بمعنى عارف. النّجب: جمع نجيب، وهو العتيق الكريم من الخيل.

الطّروف- بضم الطاء المهملة: جمع طرف. وهو الكريم من الخيل أيضا. الرّوع: الفزع. الزّحف: دنوّ الناس بعضهم من بعض. العزوف- بالعين المهملة والزاي وبالفاء: الصابر. النّزق- بفتح النون وكسر الزاي: الخفيف الطائش. الرّيف- بكسر الراء وبالفاء: الموضع الخصب الذي على الماء. الرّعش: المتقلب غير الثابت. الإذعان- بكسر أوله وبالذال المعجمة: الانقياد. المضيف- بضم الميم وكسر الضاد المعجمة وبالفاء وهو هنا: المشفق الخائف، يقال أضاف من الأمر إذا أشفق منه وخاف. التّالد- بالفوقية وكسر اللام وبالدال المهملة: المال القديم. الطريف- بفتح الطاء المهملة وبالفاء: المال المحدث. باء: رجع. ألّبوا- بتشديد اللام، وبالموحدة جمعوا. الصميم- مفعول ألبوا: وهو خلاصة الشيء. الجذم- بجيم مفتوحة وذال معجمة ساكنة: الأصل. الجذع- بالجيم والذال المعجمتين: القطع، وأكثر ما يستعمل في الأنوف، ويقال في المسامع صلمتا، فلما جمعهما، أعمل فيهما فعلا واحدا. لين: مخفف ليّن بتشديد التحتية. عنيف- بفتح العين وكسر النون وسكون التحتية وبالفاء: ليس برقيق. الشّنوف بضم الشين المعجمة والنون جمع شنف: وهو القرط الذي يكون في الأذن. الخسوف: الذّل.

الباب الثلاثون في غزوة تبوك

الباب الثلاثون في غزوة تبوك ويقال إنها غزوة العسرة والفاضحة: اختلف في سببها، فقيل أن جماعة من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة ذكروا للمسلمين أن الرّوم جمعوا جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معهم لخم وجذام وعاملة وغسّان وغيرهم من متنصّرة العرب، وجاءت مقدّمتهم إلى البلقاء ولم يكن لذلك حقيقة، ولمّا بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك ندب الناس إلى الخروج- نقله محمد بن عمر ومحمد بن سعد. وروى الطبراني بسند ضعيف عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما قال: كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل/: إن هذا الرجل الذي قد خرج يدّعي النبوّة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم. فإن كنت تريد أن تلحق دينك فالآن، فبعث رجلا من عظمائهم وجهّز معه أربعين ألفا فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بالجهاد [ (1) ] . وقيل: إنّ اليهود قالوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فإنّها أرض الأنبياء، فغزا تبوك لا يريد إلّا الشام. فلما بلغ، تبوك أنزل الله تعالى الآيات من سورة بني إسرائيل: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء 76] رواه ابن أبي حاتم، وأبو سعد، النّيسابوري، والبيهقي بإسناد حسن. وقيل: أن الله سبحانه وتعالى لما منع المشركين من قربات المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش: لتقطعنّ عنا المتاجر والأسواق وليذهبنّ ما كنّا نصيب منها، فعوّضهم الله تعالى- عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة 28، 29] وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة 123] وعزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قتال الروم، لأنّهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدّعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام رواه ابن مردويه عن ابن عباس وابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد، وابن جرير عن سعيد بن جبير.

_ [ (1) ] انظر المجمع 6/ 194 وقال فيه العباس بن الفضل الأنصاري وهو ضعيف.

ذكر عزمه - صلى الله عليه وسلم - على قتال الروم وبيان ذلك للناس

ذكر عزمه- صلى الله عليه وسلّم- على قتال الروم وبيان ذلك للناس لمّا عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قتال الروم عام تبوك، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس وشدّة من الحرّ وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس، يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على تلك الحال من الزمان الذي هم عليه، وبيّن- صلى الله عليه وسلّم- للناس مقصده، وكان- صلى الله عليه وسلم- قل أن يخرج في غزوة إلا كنّى عنها وورّى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنّه بيّنها للناس لبعد الشّقّة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهّب الناس لذلك أهبته، فأمر النّاس بالجهاز، ودعا من حوله من أحياء العرب للخروج معه، فأوعب معه بشر كثير، وبعث إلى مكة، وتخلّف آخرون، فعاتب الله- تعالى- من تخلّف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين، ووبّخهم وبيّن أمرهم، فقال سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة 38، 39] ثم قال تعالى انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [التوبة 41، 42] إلى آخر الآيات. وروى ابن شيبة، والبخاري، وابن سعد عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلّما يريد غزوة يغزوها إلا ورّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قيظ شديد، واستقبل سفراً بعيدا، وغزّى وعددا كثيرا فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريده [ (1) ] . ذكر حثه- صلى الله عليه وسلّم- على النفقة والحملان في سبيل الله تبارك وتعالى في حديث عمران بن حصين- رضي الله عنهما- عند الطّبراني أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يجلس كلّ يوم على المنبر فيدعو فيقول: «اللهمّ أن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض. فلم يكن للناس قوة [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2948) . [ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1383، 1384 واحمد 1/ 32.

قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- حضّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الصّدقات فجاءوا بصدقات كثيرة، فكان أول من جاء أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هل أبقيت لأهلك شيئا؟» [ (1) ] فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. وجاء عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بنصف ماله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هل أبقيت لأهلك شيئا؟» قال: نعم مثل ما جئت به، وحمل العباس، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن عبادة- رضي الله عنهم- وحمل عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- مائتي أوقية إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وتصدّق عاصم بن عدي- رضي الله عنه- بسبعين وسقا من تمر، وجهّز عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ثلث ذلك الجيش حتى أنه كان يقال: ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم شنق أسقيتهم. قلت: كان ذلك الجيش زيادة على ثلاثين ألفا، فيكون- رضي الله عنه- جهز عشرة آلاف. وذكر أبو عمرو في الدرر، وتبعه في الإشارة: أن عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها، وقال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها. ونقل ابن هشام عمّن يثق به: أن عثمان- رضي الله عنه- أنفق في جيش العسرة ألف دينار قلت غير الإبل والزاد وما يتعلق بذلك. قال: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض» . وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسّنه، والبيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة- رضي الله عنه- قال: جاء عثمان إلى رسول- صلى الله عليه وسلّم- بألف دينار في كمّه حين جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جيش العسرة، فصبّها في حجر النبي- صلى الله عليه وسلّم- فجعل النبي- صلى الله عليه وسلّم- يقلّبها بيده ويقول: «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم» [ (2) ] يرددها مرارا. وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والترمذي، والبيهقي عن عبد الرحمن بن خباب- بالمعجمة وموحدتين- رضي الله عنه- قال: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فحثّ على جيش العسرة، فقال عثمان- رضي الله عنه- عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثمّ نزل مرقاة أخرى من المنبر فحثّ فقال عثمان- رضي الله عنه-: عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها ثم نزل مرقاة أخرى فحث فقال عثمان- رضي الله عنه-: عليّ مائة أخرى

_ [ (1) ] الواقدي في المغازي 3/ 991. [ (2) ] أخرجه الترمذي (3701) والحاكم 3/ 102 وابن أبي عاصم 2/ 587 (592) والبيهقي في الدلائل 5/ 215، وانظر البداية والنهاية 5/ 4.

ذكر بعض ما دار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض المنافقين وتثبيطهم الناس عن الخروج معه

بأحلاسها وأقتابها. فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول بيده- هكذا- يحركها كالمتعجب «ما على عثمان ما عمل بعد هذا اليوم» أو قال: - بعدها-[ (1) ] . وروى الطيالسي، والإمام أحمد، والنسائي عن الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى- قال: سمعت عثمان- رضي الله عنه- يقول لسعد بن أبي وقاص وعليّ والزّبير وطلحة: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من جهّز جيش العسرة غفر الله له» فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟ قالوا: اللهم نعم [ (2) ] . ويأتي في ترجمة عثمان- رضي الله عنه- أحاديث كثيرة في ذلك. قال محمد بن عمر- رحمه الله: وحمل رجال، وقوّى ناس دون هؤلاء من هم أضعف منهم، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول: هذا البعير بيننا نعتقبه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج حتى إن كان النساء يبعثن بما يقدرن عليه، وحمل كعب بن عجرة واثلة بن الأسقع، وروى أبو داود، ومحمد بن عمر عن واثلة بن الأسقع، - رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فخرجت إلى أهلي- وقد خرج أوّل أصحابه- فطفت في المدينة أنادي: ألا من يحمل رجلا وله سهمه؟ فإذا شيخ من الأنصار- سمّاه محمد بن عمر: كعب بن عجرة- فقال: سهمه على أن تحمله عقبة وطعامه معنا؟ فقلت: نعم، فقال: سر على بركة الله تعالى، فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا. قال محمد بن عمر: بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة. قال: فأصابني قلائص- قال محمد بن عمر: ستة- فسقتهن حتى أتيته بهن، فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ثم قال: سقهن مقبلات. فسقتهن، ثم قال: سقهن مدبرات، فقال: ما أرى قلائصك إلا كراما، فقلت: إنما هي غنيمتك التي شرطت لك، قال: خذ قلائصك يا ابن أخي، فغير سهمك أردنا. ذكر بعض ما دار بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين بعض المنافقين وتثبيطهم الناس عن الخروج معه روى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهم- وابن عقبة، ومحمد بن إسحاق،

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3700) وأحمد 4/ 75 وابن سعد 7/ 55، وأبو نعيم في الحلية 1/ 99، والدولابي في الكنى 2/ 17، والبخاري في التاريخ 5/ 247. [ (2) ] أخرجه البيهقي 6/ 167 أو الدارقطني 4/ 200 والنسائي في الاحباس باب (4) والبيهقي في الدلائل 5/ 215.

ومحمد بن عمر- رحمهم الله تعالى- عن شيوخهم [ (1) ] زاد ابن عقبة: أن الجدّ بن قيس أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد معه نفر، فقال: يا رسول الله ائذن لي في القعود، فإني ذو ضبعة وعلّة فيها عذر لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «تجهّز فإنّك موسر» ، ثم اتفقوا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تجهز تجهز فإنك موسر، لعلّك تحقب من بنات بني الأصفر؟» قال الجدّ: أو تأذن لي ولا تفتنّي، فو الله لقد عرف قومي ما أحد أشد عجبا بالنساء منّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألّا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: «قد أذنّا لك» زاد محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- فجاءه ابنه عبد الله بن الجدّ- وكان بدريّا- وهو أخو معاذ بن جبل لأمه، فقال لأبيه: لم تردّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مقالته فو الله ما في بني سلمة أحد أكثر مالا منك، فلا تخرج ولا تحمل؟! فقال: يا بني ما لي وللخروج في الريح والحرّ الشديد والعسرة إلى بني الأصفر، فو الله ما آمن- خوفا- من بني الأصفر وأنا في منزلي، أفأذهب إليهم أغزوهم؟! إني والله يا بني عالم بالدوائر، فأغلظ له ابنه وقال: لا والله ولكنّه النفاق، والله لينزلن على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيك قرآن يقرأ به، فرفع نعله فضرب به وجه ولده، فانصرف ابنه ولم يكلمه، وأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [التوبة 49] أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والرغبة بنفسه عن نفسه، يقول: وإن جهنم لمن ورائه. وجعل الجدّ وغيره من المنافقين يثبّطون المسلمين عن الخروج، قال الجدّ لجبّار بن صخر ومن معه من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكّا في الحق، وإرجافا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة 81، 82] . وروى ابن هشام- رحمه الله تعالى- عن عبد الله بن حارثة- رضي الله تعالى عنه- قال: بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبّطون الناس عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فبعث إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم اليهودي ففعل طلحة، واقتحم الضّحّاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن 9/ 33 وفي الدلائل 5/ 225 وانظر الدر المنثور 3/ 248.

ذكر خبر المخلفين والمعذرين والبكائين

وجاء أهل مسجد الضّرار إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة، ونحبّ أن تأتينا فتصلّي فيه، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنا في شغل السّفر، وإذا انصرفت سيكون» . ذكر خبر المخلفين والمعذرين والبكائين قال ابن عقبة- رحمه الله تعالى-: وتخلّف المنافقون، وحدّثوا أنفسهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يرجع إليهم أبدا، فاعتذروا. وتخلّف رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر، منهم السقيم والمعسر. قال محمد بن عمر: وجاء ناس من المنافقين إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليستأذنوه في القعود من غير علة، فأذن لهم- وكانوا بضعة وثمانين رجلا. وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- استدار برسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجال من المنافقين حين أذن للجدّ بن قيس يستأذنون يقولون: يا رسول الله ائذن لنا فأنا لا نستطيع أن نغزو في الحرّ، فأذن لهم، وأعرض عنهم [ (1) ] . وجاء المعذّرون من الأعراب فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله، قال ابن إسحاق: وهم نفر من بني غفار، قال محمد بن عمر، كانوا اثنين وثمانين رجلا، منهم، خفاف ابن أيماء. وروى ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله عنه- وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وابن إسحاق، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن محمد بن عمر بن قتادة وغيرهم: أن عصابة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جاءوه يستحملونه، وكلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألّا يجدوا ما ينفقون» ، وهم سبعة، واختلفوا في أسمائهم، فالذي اتفقوا عليه سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف الأوسي وعلبة- بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة- بن زيد- وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب. وهرمي- ويقال بإسقاط التحتية- ابن عبد الله- وهو بها- والذي اتفق عليه القرظي، وابن إسحاق، وتبعهم ابن سعد، وابن حزم، وأبو عمرو، والسهيلي ولم يذكر الأخير، والواقدي. عرباض- بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالضاد المعجمة بن سارية بالمهملة وبالتحتية، وجزم بذلك ابن حزم، وأبو عمرو، ورواه أبو نعيم عن ابن عباس، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة وابن إسحاق. عبد الله بن مغفّل- بميم

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 318، والدر المنثور 3/ 268.

مضمومة فغين معجمة ففاء مشددة مفتوحتين- المزني، وفي حديث ابن عباس: عبد الله بن مغفل فيهم، وروى ابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن أبي حاتم عن ابن مغفّل قال: إني لأجد الرهط الذين ذكر الله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ [التوبة 92] الآية. والذين اتفق عليهم القرظي وابن عمر: سلمة بن صخر، ولفظ القرظي سلمان، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة: عمرو بن عنمة بفتح العين المهملة والنون- ابن عدي- وعبد الله بن عمرو المزني- حكاه ابن إسحاق قولا بدلا عن ابن مغفّل، وانفرد القرظي بذكر عبد الرحمن بن زيد أبي عبلة من بني حارثة، وبذكر هرمي بن عمرو من بني مازن. قال محمد بن عمر: ويقال أن عمرو بن عوف منهم. قال ابن سعد: وفي بعض الروايات من يقول فيهم: معقل- بالعين المهملة والقاف ابن يسار، وذكر فيهم الحاكم حرمي بن مبارك بن النجار كذا في المورد ولم أر له ذكرا في كتب الصحابة التي وقفت عليها. وذكر ابن عائذ فيهم: مهديّ بن عبد الرحمن، كذا في العيون، ولم أر له ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة، وذكر فيهم محمد بن كعب: سالم بن عمرو الواقفي، قال ابن سعد: وبعضهم يقول: البكاءون بنو مقرّن السبعة، وهم من مزينة انتهى، وهم: النعمان، وسويد، ومعقل، وعقيل، وسنان وعبد الرحمن والسابع لم يسم، قيل اسمه عبد الله، وقيل النعمان، وقيل ضرار، وقيل [ ... ] وحكى ابن فتحون- قولا- أن بني مقرّن عشرة فيتعين ذكر السبعة منهم. وذكر ابن إسحاق في رواية يونس وابن عمر: أن عبلة بن زيد لما فقد ما يحمله ولم يجد عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما يحمله خرج من الليل فصلّى من ليلته ما شاء الله تعالى، ثم بكى وقال: اللهم إنك أمرتنا بالجهاد ورغّبت فيه، واني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أين المتصدق هذه الليلة» فلم يقم أحد، ثم قال: «أين المتصدق فليقم» فقام إليه فأخبره، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أبشر، فو الذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة» . قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: لما خرج البكاءون من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد أعلمهم أنه لا يجد ما يحملهم عليه لقي يامين بن عمرو النضريّ أبا ليلى وعبد الله بن مغفّل وهما يبكيان، فقال: ما يبكيكما؟، قالا: جئنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأعطاهما ناضحا له، وزوّد كل واحد منهما صاعين من تمر، زاد محمد بن عمر:

ذكر حديث أبي موسى في حلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يحملهم ثم حملهم

وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين، وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثة نفر بعد الذي جهّز من الجيش. ذكر حديث أبي موسى في حلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه لا يحملهم ثم حملهم روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نفر من الأشعريين ليحملنا، وفي رواية: أرسلني أصحابي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أسأله لهم الحملان، فقلت: يا رسول الله إن أصحابي أرسلوني لتحملهم، فقال: «والله لا أحملكم على شيء، وما عندي ما أحملكم عليه» ووافقته وهو غضبان ولا أشعر، فرجعت حزينا من منع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن مخافة أن يكون رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجد في نفسه، فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بالذي قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم جيء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بنهب إبل فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي: أين عبد الله بن قيس؟ فأجبته، فقال: أجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعوك، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «خذ هذين القرينين وهذين القرينين وهذين القرينين» لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد، وفي رواية: فأمر لنا بخمس ذود غرّ الذّرى، فقال «انطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله- أو قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحملكم على هؤلاء فاركبوا» قال أبو موسى فانطلقت إلى أصحابي فقلت: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين سألته لكم ومنعه في أوّل مرّة، ثم إعطائه إياي بعد ذلك، لا تظنوا إني حدثتكم شيئا لم يقله، فقالوا لي والله إنك عندنا لمصدّق ولنفعلن ما أحببت فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من منعه إيّاهم ثم إعطائه بعد ذلك فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى، قال أبو موسى، ثم قلنا: تغفلنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمينه، والله لا يبارك لنا، فرجعنا فقلنا له، فقال «ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم» قال: «إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت التي هي خير وتحللتها» فقال: «كفّرت عن يميني» [ (1) ] . ذكر مجيء المعذرين من الأعراب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليأذن لهم فلم يعذرهم قال محمد بن عمر، وابن سعد: وهما اثنان وثمانون رجلا من بني غفار، وأنزل الله

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 601 (6718) ، ومسلم 3/ 1269 (7/ 1649) .

ذكر من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صحيح الإيمان غير شاك

- تبارك وتعالى- في ذلك كله وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ. رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ. لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [التوبة 86: 93] . ذكر من تخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو صحيح الإيمان غير شاك قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر رحمه الله تعالى: وكان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى تخلفوا عنه من غير شكّ ولا ارتياب منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، وأبو خيثمة، وأبو ذر الغفاري. وكانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم- انتهى- وسيأتي أن أبا خيثمة، وأبا ذر لحقا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وستأتي قصة الثلاثة. ذكر من استخلفه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أهله، ومن استخلفه على المدينة قال ابن إسحاق: وخلّف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له، وتخفّفا منه، فلما قالوا ذلك أخذ عليّ سلاحه وخرج حتى لحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو نازل بالجرف، فأخبره بما قالوا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذبوا، ولكني خلّفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا على أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي» فرجع عليّ إلى المدينة- وهذا الحديث رواه الشيخان [ (1) ] ، وله طرق تأتي في ترجمة سيدنا علي- رضي الله عنه.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 71 (3706) ومسلم 4/ 1870 (30/ 2404) .

ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأين عسكر؟ وخروج عبد الله بن أبي معه مكرا ومكيدة، ورجوعه أخزاه الله تعالى

واستخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري- رضي الله عنه- قال: وذكر الدّراورديّ: أنه استخلف عام تبوك سباع بن عرفطة، زاد محمد بن عمر- بعد حكاية ما تقدم- ويقال ابن أم مكتوم، وقال: والثابت عندنا محمد بن مسلمة، ولم يتخلف عنه في غزوة غيرها، وقيل: علي بن أبي طالب، قال أبو عمرو وتبعه ابن دحية: وهو الأثبت، قلت: ورواه عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- ولفظه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج إلى تبوك استخلف على المدينة علي بن أبي طالب، وذكر الحديث. وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جيشه من الاستكثار من النعال، وقال «إن الرجل لا يزال راكبا ما دام منتعلا» [ (1) ] وأمر أبا بكر- رضي الله عنه- أن يصلي بمن تقدمه- صلى الله عليه وسلّم-. ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأين عسكر؟ وخروج عبد الله بن أبي معه مكرا ومكيدة، ورجوعه أخزاه الله تعالى قالوا: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في رجب سنة تسع فعسكر- صلى الله عليه وسلّم- في ثنية الوداع ومعه زيادة على ثلاثين ألفا، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، ورواه محمد بن عمر ونقله ابن الأمين عن زيد بن ثابت، وروى الحاكم في الإكليل عن معاذ بن جبل قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا، ونقل الحاكم في الإكليل عن أبي زرعة قال: كانوا بتبوك سبعين ألفا، وجمع بين الكلامين بأن من قال: ثلاثين ألفا لم يعدّ التابع. ومن قال سبعين ألفا عدّ التابع والمتبوع. وكانت الخيل عشرة آلاف فرس، وقيل بزيادة ألفين. وروى عبد الرزاق وابن سعد عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك يوم الخميس، وكانت آخر غزوة غزاها، وكان يستحب أن يخرج يوم الخميس، وعسكر عبد الله بن أبيّ معه على حدة، عسكره أسفل منه نحو ذباب، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين. قال ابن حزم: وهذا باطل، لم يتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا ما بين السبعين إلى الثمانين فقط، فأقام ابن أبيّ ما أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحو تبوك تخلف ابن أبيّ راجعا إلى المدينة فيمن تخلف من المنافقين، وقال: يغزو محمد بن الأصفر مع جهد الحال والحرّ

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب اللباس (66) .

ذكر تخلف أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - لما عجز بعيره، وما وقع في ذلك من الآيات

والبلد البعيد إلى ما لا طاقة له به، يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب، والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال، إرجافا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبأصحابه. قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: خرج المسلمون في غزوة تبوك الرجلان والثلاثة على بعير واحد. رواه البيهقي، وخرج مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ناس من المنافقين لم يخرجوا إلا رجاء الغنيمة. ولما رحل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ثنية الوداع عقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- ورايته العظمى إلى الزبير بن العوام، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن الحضير، وراية الخزرج إلى أبي دجانة، ويقال إلى الحباب بن المنذر، وأمر كل بطن من الأنصار أن يتخذ لواء، ورأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- برأس الثنية عبدا متسلحا، فقال العبد: أقاتل معك يا رسول الله فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ارجع إلى سيدك لا تقتل معي فتدخل النار» ، ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يخرج معنا إلا مقو فخرج رجل على بكر صعب فصرعه بالسّويداء، فقال الناس: الشهيد الشهيد فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مناديا: لا يدخل الجنة عاص. وكان دليله- صلى الله عليه وسلّم- إلى تبوك علقمة بن الفغواء الخزاعي- رضي الله عنه-. ذكر تخلف أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- لما عجز بعيره، وما وقع في ذلك من الآيات وروى ابن إسحاق عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: لما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك جعل بتخلف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلّف فلان، فيقول «دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه» حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذرّ وأبطأ به بعيره، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه» [ (1) ] وتلوّم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ماشيا، قال محمد بن عمر: قالوا: وكان أبو ذرّ الغفاري يقول: أبطأت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك من أجل بعيري. وكان نضوا أعجف، فقلت أعلفه أيّاما ثم ألحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعلفته أياما، ثم

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 221.

قصة أبي خيثمة - رضي الله عنه -

خرجت فلما كنت بذي المروة أذمّ بي فتلوّمت عليه يوما فلم أر به حركة، فأخذت متاعي فحملته. قال ابن مسعود: وأدرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض منازله، قال محمد بن عمر: قال أبو ذر: فطلعت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نصف النهار وقد أخذ منّي العطش، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كن أبا ذرّ» فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذرّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «رحم الله أبا ذرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» فكان كذلك كما سيأتي في المعجزات في أبواب إخباره- صلى الله عليه وسلّم- بأحوال رجال، فلما قدم أبو ذرّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخبره خبره، فقال «قد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا إلى أن بلغتني» [ (1) ] ووضع متاعه عن ظهره، ثم استقى فأتي بإناء من ماء فشربه. قصة أبي خيثمة- رضي الله عنه- روى الطبراني عن أبي خيثمة- رضي الله عنه- وابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخهما قالوا: لمّا سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أيّاما دخل أبو خيثمة على أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه، وقد رشت كل منهما عريشها وبرّدت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال: سبحان الله! رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في الضّحّ والريح والحر يحمل سلاحه على عنقه وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ، وامرأة حسنة، في ماله مقيم؟!! ما هذا بالنّصف! ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهيّئا لي زادا، ففعلتا، ثم قدّم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطّريق يطلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إنّ لي ذنبا فلا عليك أن تخلّف عني حتى أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ففعل، حتى إذا دنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كن أبا خيثمة» فقال رجل: هو والله يا رسول الله أبو خيثمة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أولى لك يا أبا خيثمة» ثم أخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخبر، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: خيراً، ودعا له بخير، قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك: لما رأيت النّاس في الدّين نافقوا ... أتيت الّتي كانت أعفّ وأكرما

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في التوبة باب 9 (53) والطبراني في الكبير 6/ 38، 19/ 43، 85 والبيهقي في الدلائل 5/ 223، 226، وانظر البداية لابن كثير 5/ 8 والطبري 11/ 43.

ذكر إخباره - صلى الله عليه وسلم - بما قاله جماعة من المنافقين الذين خرجوا معه

وبايعت باليمنى يدي لمحمّد ... فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما تركت خضيبا في العريش وصرمة ... صفايا كراما بسرها قد تحمّما وكنت إذا شكّ المنافق أسمحت ... إلى الدين نفسي شطره حيث يمّما ذكر إخباره- صلى الله عليه وسلم- بما قاله جماعة من المنافقين الذين خرجوا معه قال محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر- رحمهم الله تعالى- كان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يخرجوا إلا رجاء الغنيمة منهم: وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف. والجلاس بن سويد بن الصامت. ومخشّن بالنون- قال أبو عمرو وابن هشام مخشي بالتحتية- ابن حميّر من أشجع، حليف لبني سلمة، زاد محمد بن عمر: وثعلبة بن حاطب. فقال بعضهم لبعض، عند محمد بن عمر: فقال ثعلبة بن حاطب: أتحسبون جلاد بني الأصفر كجلاد العرب بعضهم بعضا، لكأني بكم غدا مقرنين في الحبال، إرجافا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإرهابا للمؤمنين. وقال الجلاس بن عمرو، وكان زوج أم عمير، وكان ابنها عمير يتيما في حجره: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شرّ من الحمير، فقال عمير: فأنت شرّ من الحمير، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- صادق وأنت الكاذب، فقال مخشّن بن حميّر: والله لوددت أن أقاضي على أن يضرب كلّ رجل منّا مائة جلدة، وإننا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه!!. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لعمار بن ياسر-: «أدرك القوم فإنهم قد اخترقوا، فاسألهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا» [ (1) ] فانطلق عمّار إليهم فقال لهم ذلك، فأتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ناقته وقد أخذ وديعة بن ثابت بحقبها ورجلاه تسفيان الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [التوبة 65، 66] وحلف الجلاس ما قال من ذلك شيئا، فأنزل الله سبحانه وتعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة 74] .

_ [ (1) ] انظر المغازي للواقدي 3/ 1003، والدر المنثور للسيوطي 3/ 254.

ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بذي المروة، وما وقع في ذلك من الآيات

وقال مخشّن: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي، فسمّاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن أو عبد الله، وكان الذي عفي عنه في هذه الآية، وسأل الله تعالى أن يقتل شهيدا ولا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة، ولم يعرف له أثر. ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بذي المروة، وما وقع في ذلك من الآيات روى الطبراني عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما مرّ بالخليجة في سفره إلى تبوك قال له أصحابه: المبرك يا رسول الله الظل والماء- وكان فيها دوم وماء، فقال «إنها أرض زرع نفر» ، دعوها فإنها مأمورة- يعني ناقته- فأقبلت حتى بركت تحت الدومة التي كانت في مسجد ذي المروة [ (1) ] . ذكر مروره- صلى الله عليه وسلّم- بوادي القرى قال أبو حميد الساعدي- رضي الله عنه- خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام تبوك حتى جئنا وادي القرى، فإذا امرأة في حديقة لها، فقال رسول- صلى الله عليه وسلّم- لأصحابه «اخرصوا» فخرص القوم وخرص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشرة أوسق، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للمرأة «احفظي ما يخرج منها حتى أرجع إليك إن شاء الله تعالى» ولما أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من غزوة تبوك إلى وادي القرى قال للمرأة «كم جاءت حديقتك؟» قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (2) ] رواه ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، ومسلم. قال محمد بن عمر: ولما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وادي القرى أهدى له بنو عريض اليهودي هريسة فأكلها وأطعمهم أربعين وسقا، فهي جارية عليهم إلى يوم القيامة قال محمد بن عمر: فهي جارية عليهم إلى الساعة. ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بالحجر، وما وقع في ذلك من الآيات روى الإمام مالك، وأحمد، والشيخان عن عبد الله بن عمر، والإمام أحمد عن جابر بن عبد الله، الإمام أحمد بسند حسن عن أبي كبشة الأنماري، وابن إسحاق عن رواية ابن يونس عن الزهري، والإمام أحمد عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنهم: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما مرّ بالحجر تقنع بردائه وهو على الرحل، فاتضع راحلته حتى خلّف أبيات ثمود، ولما نزل هناك سارع النّاس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، واستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا ونصبوا القدور باللحم، فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فنودي في الناس: الصلاة جامعة، فلما اجتمعوا قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 196، وقال فيه راو لم يسم. [ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 540، ومسلم 4/ 1785 (11) ، وأحمد 5/ 424 والبيهقي 4/ 22 وفي الدلائل 4/ 239.

ذكر استسقائه - صلى الله عليه وسلم - ربه حين شكوا إليه العطش، وما وقع في ذلك من الآيات

تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم، ولا تشربوا من مائها ولا تتوضئوا منه للصلاة، واعلفوا العجين الإبل» ثم ارتحل بهم حتى نزل على العين التي كانت تشرب منها الناقة، وقال: «لا تسألوا الآيات. فقد سألها قوم صالح، سألوا نبّيهم أن تبعث آية، فبعث الله تبارك وتعالى لهم الناقة، فكانت ترد هذا الفجّ وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، وكانت تشرب مياههم يوما، ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله تعالى من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله تعالى، قيل: من هو يا رسول الله؟ قال «أبو رغال» فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه، ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم» فناداه رجل منهم: تعجب منهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ألا أنبئكم بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم فينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا، فإن الله تعالى لا يعبأ بعذابكم شيئا، وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم بشيء، وإنها ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد، ومن كان له بعير فليوثق عقاله، ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له» ، ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا رجلين من بني ساعدة، خرج أحدهما لحاجته والآخر في طلب بعيره، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه- أي موضعه- وأما الذي خرج في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء اللذين يقال لأحدهما أجا ويقال للآخر سلمى، فأخبر بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: ألم أنهكم عن أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الآخر فإن طيئا أهدته لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين رجع إلى المدينة [ (1) ] . ذكر استسقائه- صلّى الله عليه وسلّم- ربه حين شكوا إليه العطش، وما وقع في ذلك من الآيات روى البيهقي عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب رحمه الله تعالى- قال: خرج المسلمون إلى تبوك في حر شديد فأصابهم يوم عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها، فكان ذلك عسرة في الماء، وعسرة في النفقة، وعسرة في الظهر [ (2) ] وروى الإمام أحمد وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال عمر: خرجنا إلى تبوك في يوم قيظ شديد، فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل يذهب يلتمس

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 125 (4419) ومسلم 4/ 2286 (38، 39/ 2980، وأحمد 2/ 9، 58، 72، 74، 113، 137، والبيهقي في الدلائل 5/ 233، وفي السنن 2/ 451 والحميدي (653) وعبد الرزاق (1625) والطبراني في الكبير 12/ 457 وانظر الدر المنثور 4/ 104. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 227.

ذكر إضلال ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في ذلك من الآيات

الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستقطع حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله عز وجل قد عوّدك في الدعاء خيرا، فادع الله تعالى لنا، قال «أتحب ذلك؟» قال نعم فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر [ (1) ] ، وروى ابن أبي حاتم عن ابن حرزة- رحمه الله تعالى- قال: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار في غزوة تبوك. ونزلوا الحجر فأمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أن لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل، ثم نزل منزلا آخر وليس معهم ماء، فشكوا ذلك إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقام فصلى ركعتين، ثم دعا فأرسل الله سبحانه وتعالى سحابة فأمطرت عليهم حتى استقوا منها، فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه يتّهم بالنفاق: ويحك قد ترى ما دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأمطر الله علينا السماء، فقال: إنما أمطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة 82] ذكر ابن إسحاق أن هذه القصة كانت بالحجر، وروي عن محمود بن لبيد عن رجال من قومه قال: كان رجل من المنافقين معروف نفاقه يسير مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حيثما سار، فلما كان من أمر الحجر ما كان، ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين دعا فأرسل الله تعالى السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، قالوا أقبلنا عليه نقول ويحك، هل بعد هذا شيء؟ قال: سحابة مارة [ (2) ] . ذكر إضلال ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما وقع في ذلك من الآيات قال محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر- رحمه الله تعالى: ثم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سار حتى إذا كان ببعض الطريق متوجها إلى تبوك فأصبح في منزل فضلّت ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال محمد بن عمر: هي القصواء- فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمارة بن حزم، وكان عقبيا بدريا، قتل يوم اليمامة شهيدا، وكان في رحله زيد بن اللّصيت، أحد بني قينقاع، كان يهوديا فأسلم فنافق وكان فيه خبث اليهود وغشهم، وكان مظاهرا لأهل النفاق، فقال زيد وهو في رحل عمارة بن حزم، وعمارة عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: محمد يزعم أنه نبي وهو يخبركم عن خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعمارة عنده: «أن منافقا قال هذا محمد يزعم أنه نبي ويخبركم بأمر السماء ولا يدري أين ناقته، وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله تعالى، وقد دلني الله عز وجل عليها، وهي في

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 9/ 357 والدلائل 5/ 231 وابن خزيمة (101) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1707) وانظر المجمع 6/ 195. [ (2) ] المغازي (3/ 1009) .

ذكر اقتدائه - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن بن عوف في صلاة الصبح

الوادي في شعب كذا وكذا- لشعب أشار لهم إليه حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها» فذهبوا فجاءوا بها. قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- الذي جاء بها الحارث بن خزيمة الأشهلي، فرجع عمارة إلى رحله فقال: والله، العجب لشيء حدّثناه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آنفا عن مقالة قائل أخبرها الله تعالى عنه، قال كذا وكذا للذي قال زيد، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة- قال محمد بن عمر: وهو عمرو بن حزم أخو عمارة- ولم يحضر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زيد- والله- قائل هذه المقالة، قبل أن تطلع علينا، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: يا عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر، اخرج يا عدو الله من رحلي فلا تصحبني. قال ابن إسحاق: زعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك، وقال بعض الناس: لم يزل متهما بشرّ حتى هلك. ذكر اقتدائه- صلى الله عليه وسلّم- بعبد الرحمن بن عوف في صلاة الصبح روى ابن سعد بسند صحيح عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كنا فيما بين الحجر وتبوك ذهب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لحاجته وكان إذا ذهب أبعد، وتبعته بماء بعد الفجر وفي رواية قبل الفجر فأسفر الناس بصلاتهم، وهي صلاة الفجر حتى خافوا الشمس، فقدموا عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- فصلى بهم فحملت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أداوة فيها ماء، وعليه جبة رومية من صوف، فلما فرغ صببت عليه فغسل وجهه، ثم أراد أن يغسل ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة فغسلهما، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما فإنني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما، فانتهينا إلى عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع ركعة، فسبّح الناس لعبد الرحمن بن عوف حين رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى كادوا يفتنون، فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن أثبت، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة، فلما سلم عبد الرحمن تواثب الناس، وقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقضي الركعة الباقية ثم سلم بعد فراغه منها، ثم قال: «أحسنتم، أو- قد أصبتم- فغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها- إنه لم يتوفّ نبيّ حتى يؤمّه رجل صالح من أمته» ورواه مسلم بنحوه [ (1) ] . ذكر حكومته- صلى الله عليه وسلّم- في رجل عض آخر فانتزع ثنيته عن يعلى بن أمية- رضي الله عنه- أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأجير له قد نازع رجلا من العسكر فعضه ذلك الرجل فانتزع الأجير يده من فم العاضّ فانتزع ثنيته. فلزمه العاضّ فبلغ به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقمت مع أجيري لأنظر ما يصنع، فأتى بهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1012.

ذكر إردافه - صلى الله عليه وسلم - سهيل بن بيضاء

«أيعمد أحدكم فيعضّ أخاه كما يعضّ الفحل» فأبطل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما أصاب من ثنيته، وقال «أفيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فم فحل يقضمها؟» [ (1) ] رواه البخاري وغيره. ذكر إردافه- صلى الله عليه وسلّم- سهيل بن بيضاء عن سهيل بن بيضاء- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أردفه على رحله في غزوة تبوك، قال سهيل ورفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صوته «يا سهيل» كل ذلك يقول سهيل: يا لبيك يا رسول الله- ثلاث مرات- حتى عرف الناس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يريدهم فانثنى عليه من أمامه ولحقه من خلفه من الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرّمه الله على النار» [ (2) ] رواه الإمام أحمد والطبراني ومحمد بن عمر. ما ذكر أن حية عظيمة عارضت الناس في مسيرهم إن صح الخبر ذكر محمد بن عمر، وأقرّه أبو نعيم في الدلائل، وابن كثير في البداية، وشيخنا في الخصائص الكبرى قال: عارض الناس في مسيرهم حيّة- ذكر من عظمها وخلقها فانصاع الناس عنها، فأقبلت حتى واقفت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون إليها، ثم التوت حتى اعتذلت الطريق، فقامت قائمة فأقبل الناس حتى لحقوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال: «هل تدرون من هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا إلي يستمعون القرآن، فرأى عليه من الحق- حين ألمّ به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يسلم عليه، وها هو يقرئكم السلام، فسلّموا عليه فقال الناس جميعا: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته [ (3) ] . ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك وما وقع في ذلك من الآيات روى الإمام مالك، وابن إسحاق، ومسلم عن معاذ بن جبل والإمام أحمد برجال الصحيح عن حذيفة- رضي الله عنهما- قال معاذ: أنه خرج مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام تبوك قال: فكان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا، ثم قال: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى- عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمسّ من مائها شيئا حتى آتي» وفي حديث حذيفة «بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنّ في الماء قلّة، فأمر مناديا ينادي في الناس أن لا يسبقني إلى الماء أحد» ، قال فجئناها وقد سبق إليها رجلان

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4417) . [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 318، 236، 318، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد، وانظر المجمع 6/ 252. [ (3) ] المغازي للواقدي 3/ 1015.

ذكر نومه - صلى الله عليه وسلم - حتى طلعت الشمس قبل وصوله إلى تبوك

والعين مثل الشراك تبضّ بشيء من مائها، فسألهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هل مسستما من مائها شيئا» قالا: نعم. فسبّهما وقال لهما «ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شنّ، ثم غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه وجهه ويديه ومضمض ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير. ولفظ ابن إسحاق فانخرق الماء حتى كان يقول من سمعه: إنّ له حسّا كحس الصواعق وذلك الماء فوارة تبوك. انتهى، فاستسقى الناس، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا ملئ جنانا» . وروى البيهقي وأبو نعيم عن عروة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حين نزل تبوك- وكان في زمان قلّ ماؤها فيه فاغترف غرفة بيده من ماء فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت. فهي كذلك حتى الساعة [ (1) ] . وروى الخطيب في كتاب الرواة عن الإمام مالك عن جابر- رضي الله عنه- قال: انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك وعينها تبضّ بماء يسير مثل الشراك فشكونا العطش، فأمرهم فجعلوا فيها ما دفعها إليهم فجاشت بالماء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمعاذ: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا» [ (2) ] . ذكر نومه- صلى الله عليه وسلم- حتى طلعت الشمس قبل وصوله إلى تبوك روى البيهقي عن عقبه بن عامر- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فلما كان منها على ليلة استرقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح قال «ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر» فقال يا رسول الله ذهب بي النوم، وذهب بي مثل الذي ذهب بك، قال: فانتقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من منزله غير بعيد، ثم صلى، وسار مسرعا بقية يومه وليلته فأصبح بتبوك. ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- تبوك واتخاذه مسجدا قال شيوخ محمد بن عمر: لما انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك وضع حجرا قبلة مسجد تبوك وأومأ بيده إلى الحجر وما يليه ثم صلى بالناس الظهر، ثم أقبل عليهم فقال: «ما ها هنا شام، وما ها هنا يمن» .

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 5/ 226. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1784- 1785 حديث (10/ 706) وأحمد 5/ 238 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (549) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 236 وابن خزيمة (968) ومالك في الموطأ 144، وانظر كنز العمال (35398) .

وروى الإمام أحمد: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام تبوك وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: «ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس، إن من خير الناس رجلا يحمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت. وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه» [ (1) ] . وروى البيهقي عن عقبه بن عامر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما أصبح بتبوك حمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أيها الناس أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص القرآن، هذا وخير الأمور عوازمها، وشر الأمور محدثاتها وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، وشرّ المعذرة حين يحضر الموت، وشر النّدامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذاب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل، وخير ما وقر في القلوب اليقين، والارتياب من الكفر، والنّياحة من أعمال الجاهلية، والغلول من جثى جهنم، والسّكركة من النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع الإثم، والنّساء حبالة الشيطان، والشّباب شعبة من الجنون، وشرّ المكاسب كسب الرّبا، وشر المأكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع، والأمر إلى الآخرة، وملاك العمل خواتمه، وشر الرؤيا رؤيا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية الله عز وجل، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتألّ على الله يكذّبه، ومن يغفر يغفر له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرّزيّة يعوضه الله، ومن يبتغ السّمعة يسمّع الله به، ومن يصبر يضعّف الله له، ومن يعص الله يعذبه الله. اللهم اغفر لي ولأمتي- قالها ثلاثا- استغفر الله لي ولكم» [ (2) ] . وذكر ابن عائذ- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نزل تبوك في زمان قلّ ماؤها

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 37، 58، 414، والحاكم 2/ 67 والنسائي 6/ 12. [ (2) ] البيهقي 5/ 241 قال الحافظ ابن كثير في البداية 5/ 13، 14 هذا حديث غريب، وفيه نكارة، وفي إسناده ضعيف.

ذكر من استعمله - صلى الله عليه وسلم - على الحرس بتبوك

فيه، فاغترف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غرفة بيده من مائها فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت حتى امتلأت، فهي كذلك حتى الساعة. ذكر من استعمله- صلى الله عليه وسلّم- على الحرس بتبوك قال شيوخ محمد بن عمر: استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حرسه بتبوك من يوم قدم إلى أن رحل منها عبّاد- بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة- ابن بشر- بكسر الموحدة- رضي الله عنه- فكان عبّاد يطوف في أصحابه على العسكر، فغدا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فقال: يا رسول الله، ما زلنا نسمع صوت تكبير من ورائنا حتى أصبحنا، فولّيت أحدنا يطوف على الحرس، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ما فعلت، ولكن عسى أن يكون بعض المسلمين انتدب» فقال سلكان- بكسر السين المهملة وسكون اللام- ابن سلامة: يا رسول الله، خرجت في عشرة من المسلمين على خيلنا فكنا نحرس الحرس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «رحم الله حرس الحرس في سبيل الله، ولكم قيراط من الأجر على كل من حرستم من الناس جميعا أو دابة» . ذكر أكله- صلّى الله عليه وسلم- من جبن أهداه له أهل الكتاب بتبوك عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بجبنة في تبوك فدعا بالسكين فسمّى وقطع [ (1) ] ، رواه أبو داود. ذكر دعائه- صلى الله عليه وسلم- علي غلام مر بينه وبين القبلة وهو في الصلاة روى الإمام أحمد، وأبو داود عن يزيد بن نمران- بكسر النون وسكون الميم- قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا على حمار، وهو يصلي- فقال «اللهم اقطع أثره» فما مشيت عليها بعدها. وروى أيضا عن سعيد بن غزوان- بفتح المعجمة وسكون الزاي- عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا رجل مقعد قال: سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت إني حي، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نزل بتبوك إلى نخلة فقال: «هذه قبلتنا» ، ثم صلى إليها، فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: «قطع صلاتنا قطع الله أثره» فما قمت عليها إلى يومي هذا [ (2) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 11/ 303. [ (2) ] أخرجه أبو داود (701) و (705) ، وأحمد 4/ 64، والبيهقي في السنن 2/ 275، والدلائل 5/ 234 والبداية 5/ 14، والبخاري في التاريخ 8/ 366.

ذكر الآية في التمر والأقط الذي جاء بهما بلال بتبوك

ذكر الآية في التمر والأقط الذي جاء بهما بلال بتبوك روى محمد بن عمر [ (1) ] عن شيوخه قالوا: قال رجل من بني سعد هذيم: جئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو جالس بتبوك في نفر فقال «يا بلال أطعمنا» . فبسط بلال نطعا ثم جعل يخرج من حميت له فأخرج خرجات بيده من تمر معجون بسمن وأقط، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كلوا» فأكلنا حتى شبعنا، فقلت: يا رسول الله، إن كنت لآكل هذا وحدي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معاء واحد» ، ثم جئت في الغد متحينا لغدائه لأزداد في الإسلام يقينا، فإذا عشرة نفر حوله فقال: «هات أطعمنا يا بلال» فجعل يخرج من جراب تمرا بكفه قبضة قبضة فقال: «أخرج ولا تخش من ذي العرش إقلالا» فجاء بالجراب ونشره. فقال: فحزرته مدّين، فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده على التّمر وقال: «كلوا باسم الله» فأكل القوم وأكلت معهم، وأكلت حتى ما أجد له مسلكا. قال: وبقي على النطع مثل الذي جاء به بلال كأنا لم نأكل منه تمرة واحدة. قال: ثم غدوت من الغد وعاد نفر فكانوا عشرة أو يزيدون رجلا أو رجلين. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا بلال أطعمنا» فجاء بلال بذلك الجراب بعينه، أعرفه، فنثره، ووضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده عليه وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا حتى نهلنا ثم رجع مثل الذي صبّ ففعل ذلك ثلاثة أيام. قصة أخرى: روى محمد بن عمر، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: كنت ألزم باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الحضر والسفر، فرأيتنا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجة فرجعنا إلى منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد تعشى ومن معه من أضيافه، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد أن يدخل قبته- ومعه زوجته أم سلمة- فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة؟ فأخبرته، فطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن مغفّل المزنيّ فكنّا ثلاثة كلنا جائع إنما نغشى باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- البيت فطلب شيئا نأكله فلم يجده، فخرج إلينا فنادى: «يا بلال هل من عشاء لهؤلاء النفر» فقال: والذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا وحمتنا، قال: «انظر عسى أن تجد شيئا» ، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان حتى رأيت في يده سبع تمرات، ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها، ثم وضع يده على التّمرات، وسمّى الله- تعالى- فقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا، فحصيت أربعا وخمسين تمرة، أعدّها عدّا ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان مثل ما أصنع، وشبعنا، فأكل كل واحد منّا خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي. فقال: «يا بلال ارفعها فإنّه لا يأكل منها أحد إلّا نهل شبعا» فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الصبح

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1017.

ذكر طوافه - صلى الله عليه وسلم - على الناس بتبوك

ثم انصرف إلى فناء قبّته فجلس وجلسنا حوله، فقرأ من «المؤمنون» عشرا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هل لكم في الغذاء؟» قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي أي غداء، فدعا بلالا بالتمرات، فوضع يده عليهن في الصحفة، ثم قال: «كلوا بسم الله فأكلنا- فو الذي بعثه بالحق- حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعا وإذا التمرات كما هي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «لولا إني أستحي من ربي لأكلنا من هذا التمر حتى نرد المدينة عن آخرنا» ، وطلع عليهم غلام من أهل البدو فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- التّمرات فدفعها إليه فولى الغلام يلوكهن [ (1) ] . ذكر طوافه- صلى الله عليه وسلم- علي الناس بتبوك قال شيوخ محمد بن عمر: كان رجل من بني عذرة يقال له عدي يقول: جئت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك فرأيته على ناقة حمراء يطوف على الناس، يقول «يا أيها الناس، يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي الوسطى، ويد المعطي السّفلى، أيها الناس فتغنوا ولو بحزم الحطب اللهم هل بلغت» ثلاثا فقلت: يا رسول الله إن امرأتيّ اقتتلتا، فرميت إحداهما فرمي في رميتي- يريد أنها ماتت- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «تعقلها ولا ترثها» فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في موضع مسجده بتبوك فنظر نحو اليمين، ورفع يده يشير إلى أهل اليمن فقال «الإيمان يمان» ونظر نحو الشرق فأشار بيده إن الجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر من نحو المشرق حيث يطلع الشيطان قرنيه [ (2) ] . ذكر إخباره- صلى الله عليه وسلم- بموت عظيم من المنافقين لما هبت ريح شديدة قال محمد بن عمر رحمه الله تعالى: وهاجت ريح شديدة بتبوك فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هذا لموت منافق عظيم النفاق» [ (3) ] فقدموا المدينة فوجدوا منافقا عظيم النفاق قد مات. وروى محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: «قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفر من سعد هذيم فقالوا: يا رسول الله، إنا قدمنا إليك وتركنا أهلنا على بئر لنا قليل ماؤها، وهذا القيظ، ونحن نخاف إن تفرقنا أن نقتطع، لأن الإسلام لم يفش حولنا بعد، فادع الله تعالى لنا في مائها، فإنا إن روينا به فلا قوم أعز منّا لا يعبر بنا أحد مخالف لديننا. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ابغوا لي

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1017. [ (2) ] المغازي 3/ 1017. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 341.

ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك أعطيت خمسا ما أعطيهن أحد قبلي

حصيات فتناول بعضهم ثلاث حصيات فدفعهن إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ففركهن بيده ثم قال: «اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم فاطرحوها واحدة واحدة وسموا الله تعالى» [ (1) ] فانصرف القوم من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ففعلوا ذلك، فجاشت بئرهم بالرواء، ونفوا من قاربهم من أهل الشرك ووطئوهم فما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة حتى أوطئوا من حولهم غلبة ودانوا عليه بالإسلام. ذكر قوله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك أعطيت خمسا ما أعطيهن أحد قبلي روى محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك، فقام من الليل يصلي، وهو كثير التهجد من الليل ولا يقوم إلا استاك- فقام ليلة فلما فرغ أقبل علي من كان عنده فقال: «أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهنّ أحد قبلي: بعثت إلى الناس كافة- وكان النبي يبعث إلى قومه- وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركتني الصلاة تيمّمت وصلّيت، وكان من قبلي لم يعطوا ذلك، وكانوا لا يصلّون إلا في الكنائس والبيع وأحلت لي الغنائم آكلها، وكان من قبلي يحرمونها، والخامسة هي ما هي، هي ما هي، هي ما هي،» ثلاثا- قالوا: يا رسول الله، وما هي؟ قال: «قيل لي سل فكلّ نبي قد سأل، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله» [ (2) ] . ذكر صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي معاوية بن معاوية المزني في اليوم الذي مات فيه بالمدينة روى الطبراني- في الكبير والأوسط- من طريق نوح بن عمر الطبراني في الكبير- من طريق صدقة بن أبي سهيل عن معاوية بن أبي سفيان، وابن سعد والبيهقي من طريق العلاء أبو محمد الثقفي، وابن سعد وابن أبي يعلى والبيهقي عن طريق عطاء بن أبي ميمونة كلاهما عن أنس- رضي الله عنهم- قالوا كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك، قال أنس: فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثلهم فيما مضى فأتى جبريل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا جبريل مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثلهم فيما مضى» قال: «ذلك معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة اليوم، فبعث الله تعالى سبعين ألف ملك يصلون عليه، فهل لك في الصلاة عليه؟ قال: «نعم» ، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يمشي، فقال جبريل بيده هكذا يفرج له عن الجبال والآكام، ومع جبريل سبعون

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1034. [ (2) ] المصدر السابق.

ذكر إرساله - صلى الله عليه وسلم - دحية إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وقدوم [رسول] هرقل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في ذلك من الآيات

ألف ملك، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وصفّ الملائكة خلفه صفّين، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل «بم بلغ هذه المنزلة» قال: «بحبه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يقرؤها قائما أو قاعدا، أو راكبا أو ماشيا وعلى كل حال» قال الحافظ في لسان الميزان في ترجمة محبوب بن هلال: هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وله طرق يقوي بعضها ببعض، وقال في فتح الباري، في باب الصفوف على الجنازة: إنه خبر قوي بالنظر إلى مجموع طرقه، وقال في اللسان في ترجمة نوح بن عمر طريقة أقوى طرق الحديث- انتهى. وأورد الحديث النووي في الأذكار في باب «الذكر في الطريق» فعلم من ذلك ردّ قول من يقول: إن الحديث موضوع لا أصل له [ (1) ] . ذكر إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- دحية إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وقدوم [رسول] هرقل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما وقع في ذلك من الآيات لمّا وصل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبوك كان هرقل بحمص، ولم يكن يهم بالذي بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنه من جمعه، ولا حدثته نفسه بذلك. وروى الحارث بن أبي أسامة عن بكر بن عبد الله المزني- رحمه الله تعالى- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من يذهب بهذا الكتاب إلى قيصر وله الجنة» ؟ فقال رجل: وإن لم يقبل؟ قال: «وإن لم يقبل» فانطلق الرجل فأتاه بالكتاب، فقرأه فقال: اذهب إلى نبيكم فأخبره أني متّبعه، ولكن لا أريد أن أدع ملكي، وبعث معه بدنانير إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فرجع فأخبره، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذب» وقسم الدنانير [ (2) ] . وروى الإمام أحمد. وأبو يعلى بسند حسن لا بأس به عن سعيد بن أبي راشد قال: لقيت التّنوخي رسول هرقل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بحمص، وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ المائة أو قرب، فقلت: ألا تحدثني عن رسالة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل؟ فقال: بلى، قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تبوك، فبعث دحية الكلبي إلى هرقل، فلما أن جاء كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دعا قسّيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم الدار فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل يدعوني إلى ثلاث خصال: أن اتبعه على دينه، أو أن أعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب. والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب ليأخذن

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 14. [ (2) ] انظر الطبراني في الكبير 12/ 442 والمجمع 5/ 306.

أرضنا فهلم فلنتبعه على دينه، أو نعطه مالنا على أرضنا، فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم وقالوا: تدعونا أن نذر النصرانية أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز؟ فلما ظن أنهم إذا خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رقّاهم ولم يكد وقال: إنما قلت ذلك لأعلم صلابتكم على أمركم، ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب قال. ادع لي رجلا حافظا للحديث عربيّ اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاءني فدفع إليّ هرقل كتابا، فقال: اذهب بكتابي هذا إلى هذا الرجل، فما سمعته من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال هل يذكر صحيفته التي كتب بشيء؟ وانظر إذا قرأ كتابي هذا هل يذكر الليل؟ وانظر في ظهره هل فيه شيء يريبك؟ قال: فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فإذا هو جالس بين ظهري أصحابه محتبيا على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل ها هو ذا، قال فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجرة ثم قال: «ممن أنت؟» فقلت: أنا أخو تنوخ، فقال: «هل لك في الإسلام. الحنيفية ملة أبيك إبراهيم؟» فقلت: إني رسول قوم وعلى دين قوم [لا أرجع عنه] حتى أرجع إليهم. فضحك وقال إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص 56] يا أخا تنوخ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه، والله ممزّقه وممزّق ملكه، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فمزقها، والله ممزّقه وممزّق ملكه. وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير قلت: هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي، فأخذت سهما من جعبتي فكتبتها في جفن سيفي، ثم ناول الصحيفة رجلا عن يساره، قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية. فإذا في كتاب صاحبي: تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فأين النار؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «سبحان الله أين النهار إذا جاء الليل» قال: فأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جفن سيفي، فلم فرغ من قراءة كتابي قال: «إن لك حقا، وإنك لرسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفر مرملون» قال قتادة فناداه رجل من طائفة الناس قال: أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو بحلة صفورية فوضعها في حجري، قلت من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أيكم ينزل هذا الرجل؟» فقال فتى من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «تعال يا أخا تنوخ» فأقبلت أهوى حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره وقال: «ها هنا امض لما أمرت له، فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة» [ (1) ] .

_ [ (1) ] قال الحافظ ابن كثير 5/ 16 «هذا حديث غريب وإسناده لا بأس به، تفرد به الإمام أحمد» .

ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ذي البجادين رضي الله عنه

قال محمد بن عمر: فانصرف الرجل إلى هرقل فذكر ذلك له. فدعا قومه إلى التصديق بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- فأبو حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه بحمص لم يتحرك ولم يزحف، وكان الذي خبر النبي- صلى الله عليه وسلم- من تعبئة أصحابه ودنوه إلى وادي الشام لم يرد ذلك ولا همّ به. وذكر السهيلي رحمه الله تعالى: أن هرقل أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هدية- فقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هديته وفرقها على المسلمين. ثم إن هرقل أمر مناديا ينادي: ألا إن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه، فدخلت الأجناد في سلاحها وطافت بقصره تريد قتله، فأرسل إليهم: إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم، فقد رضيت عنكم، فرضوا عنه. ثم كتب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا مع دحية يقول فيه: إني معكم ولكني مغلوب على أمري، فلما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كتابه قال: «كذب عدو الله، وليس بمسلم بل هو على نصرانيته» . ذكر صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي ذي البجادين رضي الله عنه روى ابن إسحاق، وابن منده عن ابن مسعود- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: كان عبد الله ذو البجادين من مزينة، مات أبوه وهو صغير فلم يورّثه شيئا، وكان عمه ميّلا فأخذه فكفله حتى كان قد أيسر، وكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمّه، حتى مضت السنون والمشاهد كلّها، فانصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من فتح مكة راجعا إلى المدينة، فقال عبد الله ذو البجادين لعمه: يا عمّ قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا، فائذن لي في الإسلام، فقال: والله لئن اتبعت محمدا لا تركت بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا انتزعته منك حتى ثوبيك، فقال: وأنا والله متبع محمدا ومسلم وتارك عبادة الحجر والوثن، وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ كلّ ما أعطاه حتى جرّده من إزاره، فجاء أمّه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر، ثم أقبل إلى المدينة فاضطجع في المسجد، ثم صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح، فنظر إليه فأنكره، فقال «من أنت؟» فانتسب له، فقال: «أنت عبد الله ذو البجادين» ثم قال: «أنزل مني قريبا» فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن، حتى قرأ قرآنا كثيرا، وكان رجلا صيّتا فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته في القراءة، فقال عمر: يا رسول الله ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «دعه يا عمر: فإنه قد خرج مهاجرا إلى الله تعالى وإلى رسوله» فلما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى تبوك قال: يا رسول الله. ادع الله تعالى لي بالشهادة، فقال: أبلغني بلحاء سمرة فأبلغه بلحاء سمرة، فربطها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

ذكر مصالحته - صلى الله عليه وسلم - ملك أيلة وأهل جربا وأذرح وهو مقيم بتبوك قبل رجوعه

على عضده، وقال: «اللهم إني أحرم دمه على الكفّار» فقال: يا رسول الله، ليس هذا أردت فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد. وإذا وقصتك دابّتك فأنت شهيد لا تبالي بأية كان» فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما، ثم توفي عبد الله ذو البجادين، فكان بلال بن الحارث المزني يقول: حضرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في القبر، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «أدنيا لي أخاكما» فلما هيأه لشقّه في اللحد قال: «اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه» فقال ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب اللحد [ (1) ] . وروى الطبراني برجال وثّقوا، وأبو نعيم عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك، وكنت على خدمته ذلك، فنظرت إلى نحي السمن قد قل ما فيه، وهيأت للنبي- صلى الله عليه وسلّم- طعاما فوضعت النحي في الشمس، ونمت فانتبهت بخرير النحي، فقمت فأخذت رأسه بيدي. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورآني: «لو تركته لسال الوادي سمنا» [ (2) ] . ذكر مصالحته- صلى الله عليه وسلّم- ملك أيلة وأهل جربا وأذرح وهو مقيم بتبوك قبل رجوعه لما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أكيدر بدومة- كما سيأتي بيان ذلك في السرايا- أشفق ملك أيلة يحنة بن رؤبة أن يبعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما بعث إلى أكيدر، فقدم على النبي- صلى الله عليه وسلم- وقدم معه أهل جربا وأذرح ومقنا وأهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بغلة. قال أبو حميد المساعدي- رضي الله عنه- قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأهدى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بغلة بيضاء، وكساه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بردا وكتب له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ببحرهم. رواه ابن أبي شيبة والبخاري. روى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- قال: رأيت يحنة بن رؤبة يوم أتي به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعليه صليب من ذهب، وهو معقود الناصية فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كفّر وأومأ برأسه فأومأ إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيده أن ارفع رأسك، وصالحه يومئذ، وكساه

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1014. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (155) .

ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في مجاوزة تبوك إلى نحو دمشق

بردا يمنية فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار وأمر له بمنزل عند بلال انتهى. قالوا: وقطع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الجزية جزية معلومة ثلاثمائة دينار كل سنة، وكانوا ثلاثمائة رجل، وكتب لهم بذلك كتابا فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم: هذا كتاب أمنة من الله تعالى ومحمد النبي رسول الله ليحنّة بن رؤبة وأهل أيلة لسفنهم وسائرهم السارح في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة رسوله- صلى الله عليه وسلّم- ولمن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر، ومن أحدث حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيّب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يردونه من بر أو بحر. هذا كتاب جهيم بن الصّلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-[ (1) ] . وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأهل أذرح كتابا قال محمد بن عمر: نسخت كتابهم فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. هذا كتاب محمد النبي- صلى الله عليه وسلّم- لأهل أذرح وجربا، إنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان إلى المسلمين، ومن لجأ من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين فهم آمنون، حتى يحدث إليهم محمد- صلى الله عليه وسلم- قبل خروجه» قالوا: وأتى أهل جربا وأذرح بجزيتهم بتبوك فأخذها. وصالح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل مقنا على ربع ثمارهم وربع غزولهم. وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، ومسلم عن أبي حميد الساعدي- رضي الله عنه- قال: جاء ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأهدى له بردا [ (2) ] . ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلم- أصحابه في مجاوزة تبوك إلى نحو دمشق قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى: شاور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه في التقدم، فقال عمر بن الخّطاب: يا رسول الله، إن كنت أمرت بالمسير فسر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لو أمرت بالمسير لما استشرتكم فيه» فقال: يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1032. [ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1011 (503/ 1392) .

ذكر إرادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الانصراف من تبوك إلى المدينة، وما وقع في ذلك من الآيات، وقدر إقامته - صلى الله عليه وسلم - بتبوك

أحد من أهل الإسلام، وقد دنونا منهم، وقد أفزعهم دنوّك، فلو رجعنا هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك أمرا. وروى البيهقي وغيره بسند جيد عن عبد الرحمن بن غنم: أن اليهود أتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت صادقا أنك نبيّ فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا [الإسراء 76، 77] فأمره الله تعالى بالرجوع إلى المدينة وقال: فيها محياك ومماتك ومنها تبعث. فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمره جبريل فقال: اسأل ربّك عزّ وجلّ، فإن لكل نبيّ مسألة- وكان جبريل له ناصحا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- له مطيعا، قال: «فما تأْمرني أَن أَسأَل» قال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء 80] [ (1) ] فهؤلاء الآيات أنزلت عليه في مرجعه من تبوك. وفي هذه الغزوة قال- صلى الله عليه وسلم- ما رواه عكرمة عن أبيه أو عن عمه عن جده- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة تبوك: «إذا وقع الطّاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها» [ (2) ] رواه الإمام أحمد والطبراني من طرق قال في بذل الطاعون يشبه- والله أعلم- أن يكون السبب في ذلك أن الشام كانت قديم الزمان ولم تزل معروفة بكثرة الطواعين، فلما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- تبوك غازيا الشام لعله بلغه أن الطّاعون في الجهة التي كان يقصدها، فكان ذلك من أسباب رجوعه من غير قتال- والله أعلم. انتهى. قلت: قد ذكر جماعة أن طاعون شيرويه أحد ملوك الفرس، كان في أيام النبي- صلى الله عليه وسلم- وإنه كان بالمدائن. ذكر إرادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الانصراف من تبوك إلى المدينة، وما وقع في ذلك من الآيات، وقدر إقامته- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك روى مسلم عن أبي هريرة. وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- ومحمد بن عمر عن شيوخه قال شيوخ ابن عمر: ولمّا

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 254. [ (2) ] أحمد 1/ 175، 3/ 416، 5/ 373، والطبراني في الكبير 1/ 90 وانظر المجمع 2/ 315 والدولابي في الكنى 1/ 100، والطحاوي في المعاني 4/ 306.

أجمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- السير من تبوك أرمل النّاس إرمالا، فشخص على ذلك من الحال. انتهى. قال أبو هريرة: فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادّهنّا؟ قال شيوخ محمد بن عمر: فلقيهم عمر بن الخطاب وهم على نحرها فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في خيمة له ثم اتفقوا فقال يا رسول الله أأذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها؟ قال شيوخ محمد: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «شكوا إلّي ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم ينحر الرّفقة البعير والبعيرين ويتعاقبون فيما فضل منهم فإنهم قافلون إلى أهليهم» - انتهى. فقال عمر: يا رسول الله لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من الظّهر يكن خيرا، فالظهر اليوم رقاق انتهى. ولكن يا رسول الله ادع بفضل أزوادهم، ثم اجمعها، وادع الله تعالى فيها بالبركة لعل الله تعالى أن يجعل فيها البركة. زاد شيوخ محمد كما فعلت في منصرفنا من الحديبية حين أرملنا، فإن الله تعالى مستجيب لك انتهى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «نعم» فدعا بنطع فبسط- قال شيوخ محمد: بالأنطاع فبسطت- ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من كان عنده فضل من زاد فليأت به- انتهى فجعل الرجل يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكفّ تمر، ويجيء الآخر بكسرة. وقال شيوخ محمد: وجعل الرجل يأتي بالدقيق أو التمر أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة وكل ذلك قليل وكان جميع ما جاءوا به من السويق والدقيق والتمر ثلاثة أفراق حزرا- والفرق ثلثة آصع. انتهى قال: فجزأنا ما جاءوا به فوجدوه سبعة وعشرين صاعا. قال شيوخ محمد: ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتوضأ وصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى أن يبارك فيه. قال عمر: فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى جنبه فدعا فيه بالبركة، ثم قال: «أيها الناس خذوا ولا تنتهبوا» فأخذوه في الجرب والغرائر، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه، قال أبو هريرة- رضي الله عنه وما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة. قال شيوخ محمد بن عمر: قال بعض من الصحابة: لقد طرحت كسرة يومئذ من خبز وقبضه من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا كفاني إلى المدينة- قال: فأخذوا حتى صدروا. وإنه نحو ما كانوا يحرزون- قالوا كلهم: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يأتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» وفي لفظ (لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حر النار) [ (1) ] ، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما رواه ابن سعد أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1038.

ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك إلى المدينة

وعلى ذلك جرى محمد بن عمر وابن حزم وغيرهم، وقال ابن عقبة، وابن إسحاق: بضع عشرة ليلة. والله أعلم. ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من تبوك إلى المدينة روى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: بينا نحن نسير مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في الجيش ليلا وهو قافل وأنا معه إذ خفق خفقة- وهو على راحلته فمال على شقه فدنوت منه فدعمته فانتبه، فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو قتادة يا رسول الله، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «حفظك الله كما حفظت رسوله» ثم سار غير كثير ثم فعل مثل ذلك هذا فدعمته فانتبه فقال: يا أبا قتادة، هل لك في التعريس؟» فقلت: ما شئت يا رسول الله، فقال: «انظر من خلفك» فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال «ادعهم» فقلت: أجيبوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاءوا فعرسنا- ونحن خمسة- برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعي إداوة فيها ماء وركوة لي أشرب فيها، فنمنا فما انتبهنا إلا بحرّ الشمس، فقلنا: إنّا لله فاتنا الصبح، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لنغيظن الشّيطان كما غاظنا» فتوضأ من ماء الإداوة ففضل فضلة فقال: «يا أبا قتادة احتفظ بما في الإداوة والرّكوة، فإن لهما شأنا» وصلى- صلى الله عليه وسلّم- بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة، فلما انصرف من الصلاة قال: «أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر لرشدوا» وذلك أن أبا بكر وعمر أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما، فنزلوا على غير ماء بفلاة من الأرض، فركب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه. وقد كادت أعناق الخيل والرجال والركاب تقطّع عطشا، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالرّكوة فأفرغ ما في الإداوة فيها. ووضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا، ورووا خيلهم، وركابهم، وكان في العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس، فذلك قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «احتفظ بالرّكوة والإداوة» . قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: قالوا: وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة- وقال ابن إسحاق: يقال له وادي المشقق- وكان فيه وشل يخرج منه في أسفله قدر ما يروي الراكبين أو الثلاثة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه» فسبقه إليه أربعة من المنافقين: معتّب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائيّ حليف في بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللّصيت، فلما أتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقف عليه فلم ير فيه شيئا. فقال «من سبقنا إلى هذا الماء؟» فقيل يا رسول الله فلان وفلان، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ألم أنهكم؟» فلعنهم ودعا

عليهم، ثم نزل ووضع يده تحت الوشل، ثم مسحه بإصبعيه حتى اجتمع منه في كفه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو، فانخرق منه الماء- قال معاذ بن جبل: والذي نفسي بيده لقد سمعت له من شدّة انخراقه مثل الصواعق- فشرب الناس ما شاءوا، واستقوا ما شاءوا، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للناس «لئن بقيتم. أو من بقي منكم» - لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب مما بين يديه ومما خلفه» [ (1) ] قال سلمة بن سلامة بن وقش: قلت لوديعة بن ثابت: ويلك أبعد ما ترى شيء؟ أما تعتبر؟ قال: قد كان يفعل بهذا مثل هذا قبل هذا، ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن جماعة من أهل المغازي قال: بينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسير منحدرا إلى المدينة، وهو في قيظ شديد، عطش العسكر بعد المرتين الأوليين عطشا شديدا حتى لا يوجد للشّفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأرسل أسيد بن الحضير في يوم صائف، وهو متلثم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «عسى أن تجد لنا ماء» فخرج أسيد وهو فيما بين تبوك والحجر في كل وجه فيجد راوية من ماء مع امرأة من بليّ، فكلّمها أسيد، وأخبرها خبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: فهذا الماء، فانطلق به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد وصفت له الماء وبينه وبين الطريق هنيهة، فلما جاء أسيد بالماء دعا فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ودعا فيه بالبركة، ثم قال: «هلم أسقيتكم» فلم يبق معهم سقاء إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم، فسقوها حتى نهلت، ويقال أنه- صلى الله عليه وسلم- أمر بما جاء به أسيد فصبه في قعب عظيم من عساس أهل البادية فأدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه يده، وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى ركعتين، ثم رفع يديه مدا، ثم انصرف وإن القعب ليفور، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للناس «ردوا» فاتسع الماء وانبسط الناس حتى يصنّف عليه المائة والمائتان فارتووا، وإن القعب ليجيش بالرّواء، ثم راح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مبردا مترويا [ (2) ] . وروى الطبراني بسند صححه الشيخ وحسنه الحافظ- خلافا لمن ضعّفه- عن فضالة ابن عبيد- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غزا غزوة تبوك فجهد الظهر جهدا شديدا فشكوا ذلك إليه، ورآهم يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق والناس يمرون فيه، فنفخ فيها وقال: «اللهم احمل عليها في سبيلك فإنك تحمل على القوي والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر» فاستمرت فما دخلنا المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها [ (3) ] .

_ [ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1039. [ (2) ] المصدر السابق. [ (3) ] الطبراني في الكبير 11/ 301 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1706) وانظر المجمع 6/ 193 والبيهقي في الدلائل 6/ 155، وابن كثير في البداية 6/ 186.

ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة وأطلع الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك

ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة واطلع الله تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- علي ذلك روى الإمام أحمد عن أبي الطّفيل، والبيهقي عن حذيفة، وابن سعد عن جبير بن مطعم- رضي الله عنهم- وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك والبيهقي عن عروة، والبيهقي عن ابن إسحاق. ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهم الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما كان ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم أن يطرحوه من عقبة في الطريق. وفي رواية كانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعلوا يلتمسون غرته، فلما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، وقالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فأخبر الله تعالى رسوله بمكرهم، فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك العقبة نادى مناديه للناس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخذ العقبة فلا يأخذها أحد، واسلكوا بطن الوادي، فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا، وسلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة ويقودها وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه، فبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسير من العقبة إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فنفّروا ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى سقط بعض متاعه وكان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالعقبة، وكانت ليلة مظلمة، قال حمزة: فنوّر لي في أصابعي الخمس، فأضاءت حتى جمعت ما سقط من السوط والحبل وأشباههما، فغضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم، وقد رأى غضب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومعه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم وقال: إليكم إليكم يا أعداء الله تعالى، فعلم القوم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد اطّلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها، وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من العقبة ينتظر الناس وقال لحذيفة: هل عرفت أحدا من الركب، الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله قد عرفت رواحلهم، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل. قال: «هل علمتم ما كان من شأنهم وما أرادوا» ؟ قالوا: لا والله يا رسول الله. قال: «فإنهم مكروا ليسيروا معي فإذا طلعت العقبة زحموني فطرحوني منها- إن شاء الله تعالى- قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبركم بهم إن شاء الله تعالى» قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما ثم قال: «اكتماهم» فانطلق إذا أصبحت فاجمعهم لي، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال

له أسيد بن الحضير: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي؟ فقد كان أسهل من العقبة؟ فقال: «أتدري يا أبا يحي أتدري ما أراد بي المنافقون وما همّوا به» ؟ قالوا: نتبعه من العقبة، فإذا أظلم عليه الليل قطعوا أنساع راحلتي ونخسوها حتى يطرحوني عن راحلتي فقال أسيد: يا رسول الله، قد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كلّ بطن أن يقتل الرّجل الذي همّ بهذا، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله، وإن أحببت- والذي بعثك بالحق- فنبئني بأسمائهم فلا أبرح حتى آتيك برؤوسهم. قال «يا أسيد إنّي أكره أن يقول النّاس إنّ محمّدا قاتل بقوم حتّى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم» . وفي رواية «إنّي أكره أن يقول النّاس إنّ محمّدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه» فقال: يا رسول الله، فهؤلاء ليسوا بأصحاب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله؟» قال: بلى [ولا شهادة لهم] قال: «أليس يظهرون أني رسول الله؟» قال: بلى. ولا شهادة لهم، قال: «فقد نهيت عن قتل أولئك» [ (1) ] . وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير: فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لحذيفة: «ادع عبد الله» قال البيهقي [ (2) ] : أظن ابن سعد بن أبي سرح، وفي الأصل: عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح، لم يعرف له إسلام كما نبه إليه في زاد المعاد، قال ابن إسحاق: وأبا حاضر الأعرابي، وعامرا وأبا عمر، والجلاس بن سويد بن الصامت وهو الذي قال: لا ننتهي حتى نرمي محمدا من العقبة، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي، ولا عقل لنا وهو العاقل، وأمره أن يدعوا مجمع بن جارية، وفليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام، وانطلق هاربا في الأرض فلا يدرى أين ذهب، وأمره أن يدعو حصين بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ويحك، ما حملك على هذا؟» قال: حملني عليه أني ظننت أن الله تعالى لم يطلعك عليه أما إذا أطلعك عليه فإني أشهد اليوم أنك لرسول الله، فإني لم أؤمن بك قط قبل الساعة، فأقاله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعفا عنه بقوله الذي قاله، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حذيفة أن يأتيه بطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة، وهو الذي قال لأصحابه: اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فو الله مالكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت يا عدو الله؟» فقال عدو الله: يا نبي الله، والله ما تزال بخير ما أعطاك الله تعالى النصر على

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 257، وانظر المغازي للواقدي 3/ 1043، 1044، والدر المنثور 3/ 259 وابن كثير في البداية 5/ 19. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 258.

ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا إلا كانوا معكم

عدوك، فإنما نحن بالله وبك فتركه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال لحذيفة «ادع مرّة بن الربيع» وهو الذي ضرب بيده على عاتق عبد الله بن أبيّ ثم قال: تمطى، أو قال: تمططي والنعيم كائن لنا بعده، نقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين، فدعاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «ويحك، ما حملك على أن تقول الذي قلت؟» فقال: يا رسول الله إن كنت قلت شيئا من ذلك فإنك العالم به، وما قلت شيئا من ذلك. فجمعهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم اثنا عشر رجلا الذين حاربوا الله تعالى ورسوله، وأرادوا قتله، فأخبرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم، وأطلع الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- على ذلك يعلمه، وذلك قوله عز وجل: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا [التوبة 74] ومات الاثنا عشر منافقين محاربين الله تعالى ورسوله. قال حذيفة- كما رواه البيهقي: ودعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «اللهم ارمهم بالدّبيلة» قلنا: يا رسول الله. وما الدّبيلة؟ قال: «شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك» [ (1) ] . وروى مسلم عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في أصحابي اثنا عشر رجلا منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية يكفيهم الدّبيلة، سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم» [ (2) ] . قال البيهقي: وروينا عن حذيفة- رضي الله عنه- أنهم كانوا أربعة عشر- أو خمسة عشر [ (3) ] . ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- أن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا إلا كانوا معكم روى البخاري وابن سعد عن أنس، وابن سعد عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم» فقالوا: يا رسول الله، وهم في المدينة؟ قال: «وهم بالمدينة حبسهم العذر» [ (4) ] .

_ [ (1) ] انظر المصدر السابق. [ (2) ] أخرجه مسلم في صفات المنافقين (9) ، وأحمد 5/ 390 والبيهقي في الدلائل 5/ 261 وفي السنن 8/ 198 وانظر البداية 5/ 20. [ (3) ] انظر الدلائل المصدر السابق. [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 46 في الجهاد باب من حبسه العذر عن الغزو وفي المغازي (4423) وأبو داود (2508) وأحمد 3/ 103، 106، 182، 300 وابن ماجه 2/ 923 (2764) والبيهقي في الدلائل 5/ 267.

ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - لما أشرف على المدينة"هذه طابة"

ذكر قوله- صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على المدينة «هذه طابة» روى الإمام أحمد والشيخان عن أبي حميد الساعدي، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، والإمام أحمد والبخاري عن أنس والإمام أحمد ومسلم عن جابر، وابن أبي شيبة في مسنده عن أبي قتادة- رضي الله عنهم- قالوا: أقبلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من غزوة تبوك حتى أشرفنا على المدينة قال: «هذه طابة- وزاد ابن أبي شيبة: أسكننيها ربّي- تنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد» انتهى. فلما رأى أحدا قال «هذا أحد جبل يحبّنا ونحبه، ألا أخبركم بخير دور الأنصار» قلنا بلى يا رسول الله، قال «خير دور الأنصار بنو النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني ساعدة» فقال أبو أسيد: ألم تر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيرّ دور الأنصار فجعلنا آخرها دارا؟ فأدرك سعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله خيرّت دور الأنصار فجعلتنا آخرها دارا. فقال: «أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟» [ (1) ] . ذكر ملاقاة النساء والصبيان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روى البخاري وأبو داود والترمذي عن السائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ثنية الوداع مقدمه من تبوك [ (2) ] . وروى البيهقي عن ابن عائشة- رحمه الله تعالى- قال: لمّا قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع وجب الشّكر علينا ... ما دعا لله داع [ (3) ] وروى الطبراني، والبيهقي عن خريم بن أوس بن لام- رضي الله عنه- قال: هاجرت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منصرفه من تبوك فسمعت العباس ابن عبد المطلب يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «قل لا يفضض الله فاك» فقال: من قبلها طبت في الظّلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثمّ هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا نطفة ولا علق بل نطفة تركب السّفين وقد ... الجم نسراً وأهله الغرق تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم مضى طبق

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 125 (4422) ، ومسلم في الحج (503) والبيهقي في الدلائل 5/ 266 وفي السنن 6/ 372، وانظر الكنز (34993) وابن عساكر كما في التهذيب 7/ 226. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 191 (3082) ، وأبو داود 3/ 90 (2779) . [ (3) ] البيهقي في الدلائل 50/ 266 وابن كثير في البداية 5/ 33.

ذكر بيع المسلمين أسلحتهم وقولهم: قد انقطع الجهاد

وردت نار الخليل مكتتما ... في صلبه أنت كيف يحترق حتى احتوى بيتك المهيمن من ... حندق علياء تحتها النّطق وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض فضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضّياء وفي ... النسّور وسبل الرشاد نخترق ولما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة بدأ بالمسجد بركعتين، ثم جلس للناس كما في حديث كعب بن مالك. قال ابن مسعود: ولما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة قال: «الحمد لله الذي رزقنا في سفرنا هذا أجرا وحسنة» [ (1) ] وكان قدومه- صلّى الله عليه وسلم- المدينة في رمضان وكان المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخبّرون عنه أخبار السوء، ويقولون: إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا. فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فساءهم ذلك، فأنزل الله تعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [التوبة 50] . ذكر بيع المسلمين أسلحتهم وقولهم: قد انقطع الجهاد قال ابن سعد: وجعل المسلمون يبيعون أسلحتهم ويقولون: قد انقطع الجهاد فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فنهاهم وقال: «لا تزال عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدّجّال» [ (2) ] . ذكر أمر مسجد الضرار عند رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك روى ابن إسحاق عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس- رضي الله عنه- وابن أبي حاتم وابن مروديه عن طريق آخر عن ابن عباس، وابن المنذر عن سعيد بن جبير ومحمد بن عمر عن يزيد بن رومان- رحمه الله تعالى- أن بني عمرو بن عوف بنوا مسجدا فبعثوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأتيهم فيصلي فيه، فلما رأى ذلك ناس من بني غنم بن عوف فقالوا: نبني نحن أيضا مسجدا كما بنوا، فقال لهم أبو عامر الفاسق قبل خروجه إلى الشام: ابنوا مسجدكم واستمدوا فيه بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجيش من الروم فأخرج محمّدا وأصحابه، فكانوا يرصدون قدوم أبي عامر الفاسق، وكان خرج من المدينة محاربا لله تعالى ولرسوله- صلى الله عليه وسلّم- فلما فرغوا من مسجدهم أرادوا أن يصلّي فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليروج لهم ما أرادوه من الفساد والكفر والعناد، فعصم الله تبارك وتعالى

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 267، 268، وابن كثير في البداية 5/ 27، 28. [ (2) ] أخرجه ابن سعد 2/ 1 (120) .

رسوله- صلى الله عليه وسلّم- رسوله- صلى الله عليه وسلم- من الصلاة فيه، فأتى جماعة منهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتوجه إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه قال: «إني على جناح سفر وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله صلّينا لكم فيه» [ (1) ] فلما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك ونزل بذي أوان- مكان بينه وبين المدينة ساعة- أنزل الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً [التوبة 107] الآية. روى البيهقي في الدلائل عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً هم أناس من الأنصار، ابتنوا مسجدا، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: فرغنا من بناء مسجدنا [ونحن نحب] أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فأنزل الله عز وجل: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ- يعني مسجد قباء- أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ إلى قوله: شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة 109] قال الحافظ بن حجر: والجمهور على أن المسجد المراد به الذي أسس على التقوى مسجد قباء، وقيل هو مسجد المدينة. قال: والحق أن كلا منها أسس على التقوى. وقوله تعالى- في بقية الآية فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا يؤكد أن المسجد مسجد قباء. قال الداودي وغيره: ليس هذا اختلاف، فإن كلا منهما أسس على التقوى، وكذا قال السهيلي وزاد أن قوله: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ يقتضي مسجد قباء، لأن تأسيسه كان من أول يوم وصل النبي- صلى الله عليه وسلّم- بدار الهجرة. وروى ابن أبي شيبة، وابن هشام عن عروة عن أبيه قال: كان موضع مسجد قباء لامرأة يقال لها ليّه كانت تربط حمارا لها فيه، فابتنى سعد بن خيثمة مسجدا، فقال أهل مسجد الضرار: نحن نصلي في مربط حمار ليّه؟ لا لعمر الله، لكنا نبني مسجدا فنصلي فيه، وكان أبو عامر بريء من الله ورسوله، ولحق بعد ذلك بالشام فتنصر فمات بها، فأنزل الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً [التوبة 107] . قال ابن النجار: هذا المسجد بناه المنافقون مضاهيا لمسجد قباء، وكانوا مجتمعين فيه يعيبون النبي- صلى الله عليه وسلّم- ويستهزئون به،

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل.

ذكر ملاقاة الذين تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

وقال ابن عطية: روى عن ابن عمر أنه قال: المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمراد بقوله أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وهو مسجد قباء، وأن البنيان الذي أسس على شفا جرف هار فهو مسجد الضّرار بالإجماع. قال ابن إسحاق، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد، ومعتّب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد، وعبّاد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر، وابناه مجمع بن جارية وزيد بن جارية، ونفيل بن الحرث من بني ضبيعة، وبحزج بن عثمان من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت من بني أمية بن عبد المنذر. وقال بعضهم: أن رجالا من بني عمرو بن عوف وكان أبو عامر المعروف بالراهب- وسماه النبي- صلى الله عليه وسلّم- بالفاسق- منهم، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مالك بن الدّخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عديّ وأخاه عاصم بن عدي- زاد البغوي: وعامر بن السكن ووحشي قاتل حمزة، زاد الذهبي في التجريد: سويد بن عباس الأنصاري- فقال: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فهدّموه وحرّقوه» فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف، فقال مالك لرفيقيه: أنظراني حتى أخرج إليكما، فدخل إلى أهله وأخذ سعفا من النخيل فأشعل فيه نارا، ثم خرجوا يشتدون حتى أتوا المسجد بين المغرب والعشاء، وفيه أهله وحرقوه وهدموه حتى وضعوه بالأرض وتفرق عنه أصحابه، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة عرض على عاصم بن عدي المسجد يتخذه دارا، فقال عاصم يا رسول الله: ما كنت لأتخذ مسجدا- قد أنزل الله فيه ما أنزل- دارا، ولكن أعطه ثابت بن أقرم فإنه لا منزل له، فأعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثابت بن أقرم. فلم يولد في ذلك البيت مولود قط. ولم ينعق فيه حمام قط ولم تحضن فيه دجاجة قط. وروى ابن المنذر عن سعيد بن جبير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة، وابن المنذر عن ابن جريج- رحمهم الله تعالى- قالوا: ذكر لنا أنه حفر في مسجد الضّرار بقعة فأبصروا الدخان يخرج منها. ذكر ملاقاة الذين تخلفوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال ابن عقبة: لما دنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا عنه، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لأصحابه «لا تكلموا رجلا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم» [ (1) ] فأعرض

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 280.

ذكر حديث كعب بن مالك وأصحابه - رضي الله عنهم -

عنهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمؤمنون حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه، وحتى إن المرأة لتعرض عن زوجها، فمكثوا كذلك أياما حتى ركب الذين تخلفوا، وجعلوا يعتذرون إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالجهد والأسقام، ويحلفون له فرحمهم وبايعهم واستغفر لهم. ذكر حديث كعب بن مالك وأصحابه- رضي الله عنهم- روى ابن إسحاق، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والشيخان عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر- وفي رواية: وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها. كان من خبري أني لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، وكان يقول: «الحرب خدعة» حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعددا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم- وفي لفظ أهبة عدوهم- فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كثيرون- وعند مسلم يزيدون على عشرة آلاف [ (1) ] . وروى الحاكم في الإكليل عن معاذ- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا [ (2) ] ، وقال أبو زرعة الرازي: لا يجمعهم كتاب حافظ- قال الزهري: يريد الديوان، قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلّا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله تعالى. وغزا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك الغزوة حين طابت الثمار والغلال في قيظ شديد، في حال الخريف والناس خارفون في نخليهم، وتجهّز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتجهّز المسلمون معه، فخرج في يوم الخميس وكان يحبّ إذا خرج في سفر جهاد أو غيره أن يخرج يوم الخميس، فطفقت أغدوا لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، وفي رواية: وأنا أقدر شيئا في نفسي على الجهاد وخفة الجهاد، وأنا في ذلك أصبو إلى الظلال

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 113 (4418) ومسلم 4/ 2120- 2128 (53) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 273، والمغازي للواقدي 3/ 997 والبداية 5/ 23. [ (2) ] انظر البداية 5/ 23.

والثمار، ولم يزل يتمادى بي الحاذ حتى اشتد بالناس الجدّ، فأصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غاديا والمسلمون معه يوم الخميس، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم وأسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم- وليتني فعلت-!! فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه بالنفاق، أو رجلا ممّن عذّر الله- تعالى- من الضعفاء- وعند عبد الرزاق: وكان جميع من تخلّف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بضعة وثمانين رجلا- ولم يذكرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ تبوك. فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب ابن مالك؟» فقال رجل من بني سلمة، وفي رواية من قومي- قال محمد بن عمر: هو عبد الله بن أنيس السّلمي- بفتح اللام- لا الجهني: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل- قال محمد بن عمر: وهو أثبت، ويقال: أبو قتادة: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمت عليه إلا خيرا. فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أعد عذرا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأهيئ الكلام، وأقول: بماذا أخرج من سخطه- صلى الله عليه وسلّم- غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أطلّ قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لم أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق، وأصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قادما، قال ابن سعد: في رمضان، قال كعب: وكان إذا قدم من سفر لا يقدم إلا في الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم يدخل على فاطمة ثم على أزواجه، فبدأ بالمسجد فركعهما، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلّفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، فجئته، فلما سلمت عليه، تبسم تبسّم المغضب، فقال: «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه- وعند ابن عائذ: فأعرض عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، لم تعرض عني؟ فو الله ما نافقت، ولا ارتبت، ولا بدّلت- قال كعب: فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» فقلت: بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني- والله- لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله تعالى أن يسخطك على، ولئن حدّثتك اليوم حديث صدق تجد عليّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عني، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أمّا هذا فقد صدق، فقم

حتى يقضي الله تعالى فيك ما يشاء» فقمت، فمضيت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا: ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بما اعتذر به إليه المخلّفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لك. فو الله ما زالوا يؤنّبوني، حتى أردت أن أرجع فأكذّب نفسي، فقلت: ما كنت لأجمع أمرين: أتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأكذبه، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أميّة الواقفي. وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين زها، فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا؟! فلما تذكر ذنبه قال: اللهم أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك. وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم. فلما تذكر قال: اللهم لك على أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي. قال كعب: فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا- وعند ابن أبي شيبة. فطفقنا نغدو في الناس لا يكلمنا أحد، ولا يسلم علينا أحد، ولا يرد علينا سلاما، وعند عبد الرزاق وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالتي نعرف انتهى. ما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد ولا يصلى على- حتى تنكرت في نفسي الأرض حتى ما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف الأسواق فلا يكلمني أحد، ولا يرد على سلاما وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في مجلسه بعد الصّلاة فأسلم عليه وأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل عليّ، فإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي: أي أنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخو أبيه الأقرب، قال كعب: وهو أحب الناس إلي، فسلمت عليه فو الله ما رد عليّ، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت [فعدت له فنشدته] فلم يكلمني، حتى إذا كان في الثالثة أو الرابعة قال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، قال فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا بنب طي من

أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلى كتابا من ملك غسّان، وعند ابن أبي شيبة: من بعض من بالشام كتب إلى كتابا في سرقة حرير فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك فأقصاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فإن تك متحولا فالحق بنا نواسيك. فقلت: لما قرأتها: وهذا أيضاً من البلاء، قد طمع في أهل الكفر، فتيممت بها التّنّور فسجرته بها. وعند ابن عائذ: أنه شكا قدره إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب فيّ أهل الشرك، قال كعب: حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأتيني. قال محمد بن عمر: وهو خزيمة بن ثابت، وهو الرسول إلى مرارة وهلاك بذلك. قال كعب: فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمرك أن تعتزل امرأتك: أي عمرة بنت حمير ابن صخر بن أمية الأنصارية أو خيرة- بفتح الخاء المعجمة فالتحتانية- فقلت: أطلّقها أو ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك. فقلت لامرأتي الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: وجاءت امرأة هلال بن أمية، أي خولة بنت عاصم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم- وعند ابن أبي شيبة: إنه شيخ قد ضعف بصره- انتهى. فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا، ولكن لا يقربك» قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء!! والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في امرأتك كما أذن لهلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وما يدريني ما يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب، فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عن كلامنا. وعند عبد الرزاق: وكانت توبتنا نزلت على النبي- صلى الله عليه وسلّم- ثلث الليل- فقالت أم سلمة: يا نبي الله ألا نبشّر كعب بن مالك؟ قال: إذا يحطمكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليلة قال: وكانت أم سلمة تجيئه في ثاني عشرة بأمري فلمّا صلّيت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال الذي ذكره الله تعالى قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوتا صارخا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر- وعند محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- أن الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- فصاح: قد تاب الله- تعالى- على كعب، يا كعب: أبشر. وعند ابن عقبة أن رجلين سعيا يريدان كعبا يبشرانه، فسبق أحدهما، فارتقى المسبوق على سلع فصاح يا كعب، أبشر بتوبة الله- تعالى- وقد أنزل الله- تعالى- عز وجل فيكم القرآن، وزعموا أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر، قال كعب: فخررت ساجدا أبكي فرحا بالتوبة،

وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بتوبة الله- تعالى- علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبيّ مبشرون، وركض إليّ رجل على فرس- وعند محمد بن عمر: هو الزبير بن العوام- رضي الله عنه- قال كعب: وسعى ساع من أسلم حتى أوفى على الجبل وعند محمد بن عمر: أنه حمزة بن عمرو الأسلميّ: قال كعب: وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته، وهو حمزة الأسلمي يبشرني، نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين من أبي قتادة- كما عند محمد بن عمر- فلبستهما. قال: وكان الذي بشّر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد، فما ظننت أنه يرفع رأسه حتى تخرج نفسه، أي من الجهد، فقد كان امتنع عن الطعام حتى كان يواصل الأيام صياما لا يفتر عن البكاء، وكان الذي بشر مرارة بن الربيع بتوبته سلكان بن سلامة أو سلامة بن وقش. قال كعب: وانطلقت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله- تعالى- عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني. والله ما قام إلى رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يبرق وجهه من السرور [أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك] فقلت: يا رسول الله، أمن عندك أم من عند الله؟ قال: «لا بل من عند الله، إنكم صدقتم الله فصدقكم الله» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا سرّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك: منه، فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي كلّه صدقة إلى الله- تعالى- وإلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» قلت: نصفه؟ قال «لا» قلت: ثلثه؟ قال: «نعم» قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله إنما نجّاني الله- تعالى- بالصدق وإنّ من توبتي ألا أحدث إلّا صدقا ما بقيت، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله- تعالى- في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله- تعالى- فيما بقيت، فأنزل الله- تبارك وتعالى- على رسوله- صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ إلى قوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة 117، 119] فو الله ما أنعم الله على من نعمة- بعد أن هداني للإسلام- أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله تعالى قال في الذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا

ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر

انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ إلي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [التوبة 95، 96] . قال كعب: وكنا قد تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمرنا حتى قضى الله سبحانه وتعالى فيه بذلك قال الله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة 118] وليس الذي ذكر الله مما خلّفنا عن الغزو وإنما تحليفه إيّانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه، فقبل منه. وروى ابن عساكر عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لما نزلت توبتي قبّلت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر روى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. والبيهقي عن سعيد بن المسيّب رحمه الله- في قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً [التوبة 102] قال ابن عباس كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك منهم: أبو لبابة، وسمى قتادة منهم: جد بن قيس وجذام بن أوس. رواه ابن أبي حاتم. فلما قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من هؤلاء الموثقون أنفسهم» قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فترضى عنهم وتعذرهم، وقد اعترفوا بذنوبهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين» [ (1) ] فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يطلقنا، فأنزل الله تبارك وتعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة 102] وعسى من الله واجب، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة 37] فلما نزلت أرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم فأطلقهم وعذرهم. قال ابن المسيب: فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي لبابة ليطلقه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاءه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأطلقه بيده، فجاءوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أمرت أن آخذ أموالكم» فأنزل الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يقول: استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة 103]

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 272.

تنبيهات

يقول: رحمة لهم فأخذ منهم الصدقة، واستغفر لهم وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون يعذبون أو يتاب عليهم، فأنزل الله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة 117] إلى آخر الآية. وقوله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا إلى قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة 118] يعني استقاموا فأنزل الله تبارك- وتعالى- في شأن هذه الغزوة كثيرا من سورة براءة تقدم كثير من ذلك في محالّه. قال البيهقي: وزعم ابن إسحاق أن ارتباط أبي لبابة كان في وقعة بني قريّظة، وقد روينا عن ابن عباس وسعيد بن المسيّب ما دلّ على أن ارتباطه كان بتخلفه في غزوة تبوك. تنبيهات الأول: تبوك- بفتح الفوقية وضم الموحدة وهي أقصى أثر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي في طرف الشام من جهة القبلة، وبينها وبين المدينة المشرفة اثنتا عشرة مرحلة. قال في النور: وكذا قالوا، وقد سرناها مع الحجيج في اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة. والمشهور ترك صرفها للعلمية والتأنيث. وفي حديث كعب السابق: ولم يذكرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ تبوكا كذا في جميع النسخ في صحيح البخاري وأكثر نسخ صحيح مسلم تغليبا للموضع، وكذا قال النووي والحافظ وجمع. قال في التقريب: وهو سهو لأن علّة منعه كونه على مثال الفعل «تقول» فالمذكر والمؤنث في ذلك سواء. قال في الروض تبعا لابن قتيبة: سمّيت الغزوة بعين تبوك، وهي العين التي أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ألا يمسوا من مائها شيئا فسبق إليها رجلان، وهي تبض بشيء من ماء فجعلا يدخلا فيها سهمين ليكثر ماؤها، فسبهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: ما زلتما تبوكانها منذ اليوم، فلذلك سمّيت العين تبوك. البوك كالنّقش والحفر في الشيء، ويقال: منه باك الحمار الأتان يبوكها إذا نزا عليها. قال الحافظ: وقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة «إنكم ستأتون غدا عين تبوك» . رواه مالك ومسلم. قلت: صريح الحديث دال على أن تبوك اسم على ذلك الموضع الذي فيه العين المذكورة. والنبي- صلى الله عليه وسلم- قال هذا القول قبل أن يصل تبوك بيوم. وذكرها في المحكم في الثلاثي الصحيح، وذكرها ابن قتيبة والجوهري وابن الأثير وغيرهم في المعتل في بوك. الثاني: وقع في الصحيح ذكرها بعد حجة الوداع. قال الحافظ: وهو خطأ، ولا خلاف أنه قبلها ولا أظن ذلك إلا من النّسّاخ، فإن غزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف. وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس: أنها كانت بعد الطائف بسّتة أشهر،

وليس مخالفا لقول من قال إنها في رجب إذا حذفنا الكسور لأنه- صلى الله عليه وسلم- قد دخل المدينة من رجوعه إلى الطّائف في ذي الحجة. الثالث: قول أبي موسى: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خذ هذين القرينين وهذين القرينين، أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر» لستة أبعرة، لعله قال: هذين القرينين ثلاثا، فذكر الرواة مرتين اختصارا. ولأبي ذرّ عن الحموي والمستملي: وهاتين القرينتين وهاتين القرينتين، أي الناقتين. وفي رواية في باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن في الصحيح: فأمر لنا بخمس ذود. وفي باب الاستثناء في الأيمان بثلاثة ذود. والرواية الأولى تجمع بين الروايات، فلعل رواية الثلاثة باعتبار ثلاثة أزواج، ورواية الخمس باعتبار أن أحد الأزواج كان قرينه تبعا فاعتدّ به تارة ولم يعتد به أخرى، ويمكن أن يجمع بينهما بأنه أمر لهم بثلاثة ذود أوّلا ثم زادهم اثنين، فإن لفظ زهدم أحد رواة الحديث: ثم أتي بنهب ذود غر الذّرى فأعطانا خمس ذود فوقعت في رواية زهدم جملة ما أعطاهم، ورواية غيلان: مبدأ ما أمر لهم به ولم يذكر الزيادة، وأمّا رواية: خذ هذين القرينين ثلاث مرار، وفي رواية: ستة أبعرة، فعلى ما تقدم أن تكون السادسة كانت تبعا فلم تكون ذودتها موصوفة بذلك، قال الحافظ في رواية: ستة أبعرة إما أن يحمله على تعدد القصة أو زاداهم على الخمس واحدا. الرابع: في رواية أبي موسى قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذود. وفي رواية بعد قوله «خذ هذين القرينين» ابتاعهن من سعد ولم ينبه الحافظ على الجمع بين الروايتين فيحتمل- والله أعلم- أن يكون ما جاء من النهب أعطاه لسعد ثم اشتراه منه لأجل الأشعريين، ويحتمل على التعدد. الخامس: قال الحافظ: إنما غلظ الأمر على كعب وصاحبيه وهو جروا، لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر لأن الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد، أي لو تخلف قال ابن بطال: إنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك، ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق: نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وكأن تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنها كالنّكث لبيعتهم/ قاله ابن بطال: قال السّهيلي: ولا أعرف له وجها غير الذي قاله ابن بطال. قال الحافظ: قد ذكرت وجها غير الذي ذكره، ولعله أقعد ويؤيده قوله سبحانه وتعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الآية. وعند الشافعية: أن الجهاد كان فرض عين في

زمنه- صلى الله عليه وسلّم- فعلى هذا فيتوجه العتاب على كل من تخلف مطلقا. السادس: قول أبي قتادة لم سأله كعب: الله ورسوله أعلم. قال القاضي: لعل أبا قتادة لم يقصد بهذا تكليمه، لأنه منهى عن كلامه. وإنما قال ذلك لنفسه لمّا ناشده، فقال أبو قتادة مظهرا لاعتقاده لا ليسمعه. السابع: قول كعب: قال لي بعض أهلي. قال في النور: الظن أن القائل له من بعض أهله امرأة، وذلك أن النساء لم يدخلن في النهي، لأن في الحديث «ونهى المسلمين عن خطابنا» وهذا الخطاب لا يدخل فيه النساء، وأيضا فإن امرأته ليست داخلة في النهي، فدل على أن المراد الرجال، وقال الحافظ: لعل القائل بعض ولده أو من النساء، ولم يقع النهي عن كلام الثلاثة للنساء اللائي في بيوتهن أو أن الذي كلمه كان منافقا أو الذي يخدمه. ولم يدخل في النهي. الثامن: قال في النور: لعل الحكمة في هجران كعب وصاحبيه خمسين ليلة أنها كانت مدة غيبته- صلى الله عليه وسلّم- لأنه خرج في رجب على ما قاله ابن إسحاق، وقدم في رمضان، وقال بعضهم: في شعبان، وتقدم أنه أقام في تبوك بضعة عشر يوما، ويقال عشرين، هذا ما ظهر لي وأنت من روائها للبحث والتنقيب. التاسع: دلّ صنع كعب بكتاب ملك غسّان على قوة إيمانه ومحبته لله- تبارك وتعالى- ورسوله- صلى الله عليه وسلم- وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك، وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره، ولا سيما مع أنه من الملك الذي استدعاه إليه، لأنه لا يكرهه على فراق دينه لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب، هذا مع كونه من البشر الذين طبعت نفوسهم على الرغبة ولا سيما مع الاستدعاء والحثّ على الوصول إلى المقصود من الجاه والمال، ولا سيما والذي استدعاه قريبه، ومع ذلك فغلب عليه دينه، وقوى عنده يقينه، ورجح ما فيه من النّكر والتعذيب على ما دعي إليه من الراحة والتنعيم حبّا في الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم- كما قال- صلى الله عليه وسلم- «وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» . العاشر: قال بعضهم: سبب قيام طلح لكعب رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان آخى بينهما لمّا آخى بين المهاجرين والأنصار، والذي ذكره أهل المغازي: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين فهو أخو أخيه. الحادي عشر: استشكل إطلاق قوله- صلى الله عليه وسلّم- «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك» بيوم إسلامه، فإنه مرّ عليه بعد أن ولدته أمه، وهو خير ما مر فقيل هو مستثنى تقديرا، وإن لم ينطق به لعدم خفائه، قال الحافظ: «والأحسن في الجواب أن يوم توبته يكمّل يوم إسلامه

فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها، فهو خيرٌ من جميع أيامه، وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير يوم من يوم إسلامه المجرد عنها» . الثاني عشر: في بيان غريب ما سبق: العسرة- بمهملتين الأولى مضمومة والثانية ساكنة، مأخوذ من قوله تعالى: الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة 117] أي الشدة والضيق. الأنباط: نسبه إلى استنباط الماء واستخراجه، وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، ويقال: إن النبط ينسبون إلى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح. الروم- جيل من الناس معروف كالعرب والفرس، وهم الذين يسميهم أهل بلادنا الفرنج، من ولد روم بن عيص بن إسحاق، غلب عليهم اسم أبيهم فصار كالاسم للقبيلة، وإن شئت قلت: هو جمع رومي منسوبا إلى الروم بن عيص. هرقل- بكسر الهاء وفتح الراء وبالقاف هذا هو المشهور، ويقال بكسر الهاء والقاف وسكون الراء، وهو اسم علم له، ولقبه قيصر، وهو أعجمي تكلمت به العرب. أجليت- بالجيم، والبناء للمفعول. لخم نائب الفاعل بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة. جدام- بضم الجيم وبالدال المهملة. البلقاء- بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف والمدّ. حصين- والد عمران- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وسكون التحتية وبالنون. السنون جمع سنة- بفتح السين المهملة، وهو الجدب ضد الخصب. يستفزونك: يزعجونك ويقتلونك. والأرض هنا أرض المدينة. قربان المسجد- بضم القاف وكسرها فراء ساكنة فألف فنون: الدنو منه. لتقطعن: بضم الفوقية. والمتاجر نائب الفاعل. عن يد: قهر وإذلال. صاغرون: ذليلون مهانون. زمان عسرة: شدة. الجدب- بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالموحدة: القحط. المقام- بضم الميم وفتحها: الإقامة وعدم السفر. الشّخوص- بضم الشين والخاء والمعجمتين: الذهاب، يقال شخص من بلد إلى بلد شخوصا إذا ذهب. الشّقّة- بضم الشين المعجمة وتشديد القاف: وهو هنا السّفر البعيد.

شرح غريب حثه - صلى الله عليه وسلم - على النفقة والحملان

الجهاز- بكسر الجيم وفتحها ما يحتاجه المسافر في قطع المسافة. أوعب معه: خرجوا بأجمعهم. انفروا: أسرعوا. اثّاقلتم إلى الأرض: اضطجعتم واطمأننتم، وأصله اتثاقلتم. متاع الحياة الدنيا: المتاع كل شيء ينتفع به ثم يفنى، وأضيف إلى الحياة الدنيا إشارة إلى عدم بقائه. خفافا: جمع خفيف. وثقالا: جمع ثقيل، أي شبانا وشيوخا، أو ركبانا ومشاة وأغنياء وفقراء، وقيل غير ذلك. عرضا قريبا- بفتح العين والراء: ناحية قريبة. وسفرا قاصدا: قريبا أو غير شاق. الشّقّة- بضم الشين المعجمة المشددة هي في الأصل السّفر البعيد، والمراد هنا الناحية التي ندبوا إليها. ورّى بغيرها: سترها، وكنى عنها وأوهم أنه يريد غيرها، وأصله من الورى، أي ألقى البيان وراء ظهره. شرح غريب حثه- صلى الله عليه وسلّم- على النفقة والحملان الحملان- بضم الحاء المهملة وسكون الميم: أي الشيء الذي يركبون عليه ويحملهم. العصابة- بكسر العين المهملة- هنا: الجماعة من الناس. الأحلاس: جمع حلس- بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وبالسين المهملة: كساء يكون تحت البرذعة. المرقاة والمرقى والمرتقى: موضع الرّقي- بفتح الميم وكسرها. يقول بيده هكذا: تقدم في شرح غريب غزوة الفتح. الطّيالسي- بفتح الطاء المهملة وكسر اللام. الخطام- بكسر الخاء المعجمة: كل ما يقاد به البعير. العقال- بكسر العين المهملة وبالقاف والألف واللام، يقال عقلت البعير أعقله- بالكسر: ثنيت ضبعه أي خفّه مع ذراعه فشددتهما معا في وسط الذراع بحبل. الاحتساب: ادّخار أجر العمل وأن يحسبه العامل في حسناته.

شرح غريب بعض ما دار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض المنافقين

شرح غريب بعض ما دار بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين بعض المنافقين الجد بن قيس- بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة. النّفر- بفتح النون والفاء: جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة أو إلى سبعة. الضّبعة- بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية: واحدة الضّباع. تحقب: تردف خلفك. بنات بني الأصفر: يعني الروم، قال في الإملاء، يقال إنهم من أولاد عيص بن إسحاق، وكان فيما يقال مصفر اللون، وأما الروم القديمة فهم بزنان. لجلاد- بكسر اللام وبكسر الجيم: الضراب بالسيوف. الدوائر: جمع دائرة، وهي النائبة التي تنزل بالإنسان فتهلكه. محيطة بالكافرين: مهلكتهم وجامعتهم. ثبّطه عن أمره: عوقه عنه. جبّار- بفتح الجيم وتشديد الموحدة. صخر- بفتح الصاد المهملة وبالخاء المعجمة وبالراء. الإرجاف: الخوض في الأخبار الكاذبة في الفتنة ليضطرب الناس. عبد الله بن حارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة. سويلم- بسين مهملة مضمومة فواو فتحتية ساكنة فلام مكسورة فميم. اقتحم: ألقى نفسه. مسجد الضرار- بكسر الضاد المعجمة، وفي الأصل فعال من الضّر- بفتح المعجمة: أي مجازي من أضره بمثل فعله. على جناح سفر: أي نريده. شرح غريب خبر المخلفين والمعذرين والبكائين المعذّرون- جمع معذر بتشديد الذال المعجمة، وقد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا. فالصادق أصله المعتذر ولكن التاء قلبت ذالا فأدغمت في الذال، والكاذب معذر على أصله وهو المعرض المقصر الذي يتعلل بغير عذر صحيح. القرظي بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة المشالة.

شرح غريب حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وما بعده

هرمي- بفتح الهاء وكسر الراء ويقال هرم. علبة- بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة وتاء تأنيث. عرباض- بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالموحدة وبالضاد المعجمة. سارية- بالسين المهملة وكسر الراء وبالتحتية. حمام- والد عمرو- بضم الحاء المهملة والتخفيف. الجموح- بفتح الجيم وضم الميم وبالحاء المهملة. عنمة: والد عمر بفتح العين المهملة والنون والميم. مغفّل: والد عبد الله- بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة وباللام. معقل بن يسار- بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف، وأبوه بالتحتية والمهملة. بنو مقرّن- بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة. ابن يامين- كذا في نسخة من السيرة الهشامية، والعيون «ابن يامين» وصوابه «يامين» بإسقاط ابن. النّضري- بفتح النون وسكون الضاد المعجمة. الناضح- بنون وبعد الألف ضاد معجمة فحاء مهملة، وهو من الإبل الذي يستقي عليه الماء. شرح غريب حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- وما بعده لا أشعر: لا أعلم. وجد عليه: حزن. جيء- بالبناء للمفعول: أتي بضم الهمزة. نهب إبل: بتنوين الموحدة واللام. البث: امكث. سويعة: تصغير ساعة من الزمان. القرينين: الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر، وقيل النظيرين المتساويين، وفي رواية: هاتين القرينتين: أي الناقتين. بخمس ذود- بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة: ما بين الستة إلى التسعة من الإبل، وهي مؤنثة.

شرح غريب ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

غرّ- بضم الغين والراء. الذّرى- بضم الذال المعجمة وفتح الراء: جمع ذروة، وهي أعلى كل شيء: أي بيض الأسنمة. الجرف- بضم الجيم والراء وبالفاء على ثلاثة أميال من المدينة إلى جهة الشام. سباع- بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة. عرفطة- بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الفاء وبالطاء المهملة. شرح غريب ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قوله: عسكر- بعين فسين مهملة فكاف فراء: جمع. ثنية الوداع- تقدم الكلام عليها مبسوطا في أبواب دخوله- صلّى الله عليه وسلم- المدينة. على حدة- بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين: أي منفردا وحده بعسكره لم يختلط بعسكر النبي- صلى الله عليه وسلّم-. ذباب- بذال معجمة وزن كتاب وغراب- لغتان: جبل بقرب المدينة. مقرنين: مجعولين قرنا باليدين. السويداء- تصغير سوداء: موضع على ليلتين من المدينة. الفغواء- بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة وبالواو. الخزاعي- بضم الخاء المعجمة- وبالزاي. أسيد- بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه وبالدال المهملة. وحضير- بالحاء المهملة والضاد المعجمة كذلك. دجانة- بضم الدال المهملة وتخفيف الجيم وبالنون. شرح غريب قصة تخلف أبي ذر وأبي خيثمة- رضي الله عنهما وإخباره صلى الله عليه وسلّم- بما قاله جماعة من المنافقين نضو- بنون مكسورة فضاد معجمة فواو: الدابة التي اهتزلتها الأسفار، وأذهبت لحمها. أعجف: ضعيف. أذمّ بي- بفتح أوله والذال المعجمة وتشديد الميم: حبسني. التّلوّم- بفتح الفوقية واللام وتشديد الواو وبالميم: الانتظار والمكث.

أبطأ- بهمز أوله وآخره. يتّبع- بالتخفيف والتشديد. أثر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بفتح الهمزة والثاء المثلثة، وبكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى بتثليث الهمزة. يمشي وحده، وكذا الباقي: أي منفردا. كن أبا ذر- بلفظ الأمر، ومعناه الدعاء، كما تقول اسلم، أي سلمك الله. العريش- بفتح العين وكسر الراء: كل ما استظل به. الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط. الضّحّ بكسر الضاد المعجمة وتشديد الحاء المهملة، قال في الإملاء: الشمس، وفي النهاية هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض وهو كالقمر، وهذا أصل الحديث ومعناه، وهو أشبه مما فسره به الهروي فقال: أراد كثرة الخيل والجيش، يقال: حافلان بالضح والريح، أي لما طلعت عليه الشمس وهبّت عليه الريح يعنون المال الكثير. النّصف- بفتح النون والصاد المهملة وبالفاء. أن تخلّف عني- بحذف إحدى التاءين وتشديد اللام المفتوحة. أولى لك- قال في الإملاء: كلمة فيها معنى التهديد، وهي اسم سمي به الفعل، ومعناها فيما قاله المفسرون دين من الهلكة. الرهط: ما دون العشرة من الرجال. وديعة- بفتح الواو وكسر الدال وبالعين المهملة. ثابت- بالثاء المثلثة وبالموحدة والفوقية. الجلاس- بضم الجيم والتخفيف وآخره سين مهملة. مخشي- بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الشين المعجمتين بعدها ياء كياء النسبة. ابن حميّر: بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وتشديد التحتية. فليأت- بهمزة مفتوحة قبل تاء التأنيث الساكنة. أقاضى- بضم الهمزة وفتح الضاد المعجمة بالبناء للمفعول. حقب الناقة: عجزها. فتسفان التراب: ترفعانه.

شرح غريب ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالمروة ونزوله بوادي القرى

عفي عنه: بالبناء للمفعول. ولا يعلم مكانه: كذلك. اليمامة- بفتح التحتية: بلد باليمن. شرح غريب ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بالمروة ونزوله بوادي القرى ذي المروة بلفظ أخت الصفا من أعمال المدينة على ثمانية برد منها الخليجة. الدوم- بفتح الدال المهملة: جمع دومة كذلك وهي ضخام الشجر، وقيل هو شجر المقل. وادي القرى- بضم القاف وفتح الراء: جمع قرية. الحديقة: كل ما أحاط به البناء من البساتين، ويقال للقطعة من النخل حديقة وإن لم تكن محاطا بها. الخرص- بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وبالصاد المهملة، وهو هنا الحزر الذي حزر ما على النخل من الرطب تمرا. الوسق- بفتح الواو وكسرها: ستون صاعا. بنو العريض- بفتح العين المهملة وكسر الراء وبالضاد المعجمة. شرح غريب ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بالحجر [الحجر] بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء: اسم ديار ثمود، بين المدينة والشام. أبو كبشة- بفتح الكاف وسكون الموحدة وبالشين المعجمة. الأنماري بفتح أوله وبالنون. أبو حميد- بضم الحاء المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة. تقنّع برادئه- بفتحات والنون مشددة: أي ستر رأسه. أوضع راحلته- بالضاد المعجمة والعين المهملة: أسرع بها. ثمود- إن أريد به اسم القبيلة لم ينصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، وإن أريد به اسم الأب انصرف. أن يصيبكم- بفتح الهمزة مفعول له، أي كراهة الإصابة. أهريقوها: صبوا ما فيها.

شرح غريب استسقائه - صلى الله عليه وسلم - حين شكوا إليه العطش وأخباره بإضلال ناقته، وما بعد ذلك

الفج- بفتح الفاء وتشديد الجيم: الطريق الواسع، والجمع فجاء بكسر الفاء. تصدر: ترجع بعد ورود مياههم. «عتوا عن أمر ربهم» : جاوزوا الحد في التكبر والتجبر وركوب البهتان. أهمده الله تعالى: أهلكه. أبو رغال- بكسر الراء وبالغين المعجمة واللام. من أنفسكم: منكم. لا يعبأ بعذابكم: ما يصنع به، أو ما يبالي به. خنق- بضم الخاء المعجمة وبالنون والبناء للمفعول. مذهبه- بفتح الميم والهاء وسكون الذال المعجمة بينهما: وهو الموضع الذي يتغوط فيه. جبلي طيّء: هما أجأ بفتح الهمزة والجيم وهمز آخره، وبالقصر، وسلمى- بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالقصر. شرح غريب استسقائه- صلّى الله عليه وسلم- حين شكوا إليه العطش وأخباره بإضلال ناقته، وما بعد ذلك قوله: القيظ- بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة: شدة الحر. الفرث- بفتح الفاء وسكون الراء وبالثاء المثلثة: السرجين في الكرش. أبو حرزة الأنصاري- بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها زاي فتاء تأنيث. النّوء- بفتح النون وبالهمز: مصدر نأى النجم ينوء نوءا، والمراد سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق، وكانوا يعتقدون إنه لا بد عند ذلك من مطر أو ريح فمنهم من يجعله للطالع. لأنه ناء ومنهم من ينسبه للمغارب، فنفى- صلى الله عليه وسلم- ذلك، ونهى عنه، وكفر من اعتقد أن النجم فاعل ذلك، ومن جعله دليلا فهو جاهل بمعنى الدلالة، قال في النهاية: ومن أسند ذلك للعادة التي يجوز انخرامها فقد كرهه قوم وجوّزه قوم. القصواء: كحمراء. عقبيا: شهد بيعة العقبة. اللصيت: والد زيد، تصغير اللصت بتثليث اللام وسكون الصاد وبالفوقية: وهو اللص في لغة طيء.

شرح غريب ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بقرب تبوك وغريب نزوله بتبوك، وما بعد ذلك

قينقاع: تقدم في غزوتها. الشعب- بكسر الشين وسكون العين المهملة: ما انفرج بين الجبلين. الزمام- بكسر الزاي: المقود الذي تقاد به الدابة. آنفا- بفتح أوله وكسر النون وبالفاء «والمد والقصر» : قريبا. يجأ في عنقه: يطعن. الإداوة- بكسر أوله: المطهرة. نكص على عقبيه نكوصا، أي من باب قعد: رجع، قال ابن فارس: والنكوص الإحجام عن الشيء. تواثب الناس: قاموا. الغبطة: أن تحب أن يكون لك مثل ما أعجبك من أمر أخيك دون أن يسلبه. الفحل: الذكر من الحيوان، والمراد هنا ذكر الإبل. في في فحل- في الأولى حرف جر، والثانية اسم للفم. يقضمها- بفتح الضاد المعجمة وضمها: أي يعضها، والقضم في الأصل الأكل بأطراف الأسنان، فاستعير هنا للعضّ. انصاع الناس عنها- بكسر أوله وسكون النون وبالصاد والعين المهملتين: تفرقوا مسرعين. شرح غريب ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلم- بقرب تبوك وغريب نزوله بتبوك، وما بعد ذلك قوله الشراك: للنعل- بكسر الشين المعجمة: سيرها الذي على ظهر القدم. تبض: بفتح الفوقية وكسر الموحدة وبالضاد المعجمة وتهمل: تسيل. الشّن بفتح الشين: القربة الخلق. الجنان- بكسر الجيم جمع جنة بفتحها، سميت بذلك لجنها أي سترها الأرض بالشجر. جاش الماء: ارتفع وجرى.

استرقد: رقد، أي نام. قيد رمح- بكسر القاف وبالدال المهملة: قدره. اكلألنا: احفظنا وأرصد لنا الصبح. أوثق: أحكم. العرى- بضم العين المهملة: وفتح الراء: جمع عروة وهذا مأخوذ من قوله تعالى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [البقرة 256] تأنيث الأوثق أي المحكمة، قال الزجاج: معناه فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا. كلمة التقوى: لا إله إلا الله محمد رسول الله. الملل- بكسر الميم: جمع ملّة. السّنن: جمع سنّة، وهي الطريقة. خير الأمور عوازمها: فرائضها التي عزم الله تعالى عليك بفعلها. والمعنى ذوات عزمها التي فيها عزم، وقيل، هي ما وكدت رأيك وعزمك عليه ووفيت بعهد الله فيه، والعزم: الجد والصبر. لا يأتي الجمعة إلا ذبرا- بفتح الذال المعجمة وضمها وسكون الموحدة وضمها منصوب على الظرف: أي بعد ما يفوت وقتها. إلا هجرا- بفتح الهاء وسكون الجيم: يريد الترك له والإعراض عنه. وقر الشيء: تمكن وثبت. الارتياب: الشك. جثى جهنم- بضم الجيم وفتح الثاء المثلثة: جمع جثوة بتثليث الجيم وسكون الثاء المثلثة، وهي الشيء المجموع. السّكركة بضم السين المهملة والكاف الأولى وسكون الراء نوع من الخمور، يتخذ من الذرة. حبالة الشيطان- بكسر الحاء المهملة والجمع حبائل- بفتح الحاء: أي مصيدته التي يصيد بها.

الشباب شعبة من الجنون: الشّعبة- بضم الشين وسكون العين المهملة: الطائفة. من الشيء والقطعة منه، وإنما جعل الشباب شعبة منه لأن الشباب يزيل العقل وكذلك الشباب قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات والإقدام على المضار. من يتألّ على الله يكذبه- بفتح أوله. وبعد الفوقية همزة فلام مشددة: أي من حكم عليه ويحلف، كقولك: فلان في الجنة وفلان في النار. لا يرعوي بشيء منه: لا ينفك لا ينزجر، من رعا يرعو إذا كف عن الأمور، وقد ارعوى عن القبيح يرعوي ارعواء. سعد هذيم- بإضافة سعد إلى هذيم- بضم الهاء- وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية وبالميم. النطع: المتخذ من الأديم معروف، وفيه أربع لغات: فتح النون وكسرها ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها، والجمع أنطاع ونطوع. الحميت- بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون التحتية وبالفوقية: زق السمن. الأقط ككتف- ويسكن، مثلث الهمزة: شيء يتخذ من اللبن المخض، قال ابن الأعرابي: من ألبان الغنم خاصة. الأمعاء: جمع معا بالقصر مثل عنب وأعناب، وبالمد جمعه أمعية مثل حمار وأحمرة: وهو المصران، قوله: يأكل في معاء واحد: مثل ضرب لزهد المؤمن وحرص الكافر، وهو خاص في رجل بعينه كان يأكل كثيرا، فأسلم كما في هذه القصة. تحينّا لفدائه: طلبنا حينه وهو وقته. الجراب- بالكسر: وعاء من جلد، وقد يفتح، ومنعه ابن السكيت، وعزاه الجوهري للعامة، والجمع جرب مثل كتاب وكتب وأجربة. نثره نثرا- من بابي قتل وضرب: رمي به متفرقا. تهجّد: قام، وصلى، والأخير المراد هنا. بعثت إلى الناس كافة: تقدم الكلام عليه في الأسماء الشريفة في حرف الكاف. هل لك: [أي هل تريد] . الآكام: جمع أكم مثل جبل وجبال، وهو وأكمات جمع أكمة، مثل قصبة وقصبات وجمع آكام أكم ككتب وجمعه أكئام كأعناق: تل، وقيل شرفة كالرابية، وهو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد وربما غلظ وربما لم يغلظ.

شرح غريب ذكر إرساله - صلى الله عليه وسلم - دحية إلى هرقل

شرح غريب ذكر إرساله- صلّى الله عليه وسلم- دحية إلى هرقل دحية- بكسر الدال المهملة وفتحها. التّنوخي- بفتح الفوقية وضم النون المخففة وبالخاء المعجمة. قسيسي الروم بكسر القاف: جمع قسيس كذلك حذفت النون للإضافة، وهو عالم النصارى، ويجمع بالواو والنون تغليبا لجانب الاسمية، والقس- بالفتح لغة فيه وجمعه قسوس مثل فلس وفلوس. البطارقة- بفتح الموحدة وكسر الراء: جمع بطريق- بكسر الموحدة، وهو كالقائد من العرب. نخروا- بالخاء المعجمة: تكلموا وكأنه كلام مع غضب ونفور، ونخر الحمار وغيره- ينخر بالضم- بخياشيمه. رقاهم: من الرّقي- بضم الراء وهو الصعود. لم يكد: لم يقرب. تجيب- بفتح الفوقية وهو أكثر، وبضمها: قبيلة من كندة. يريبك- بفتح التحتية وتضم: ما تشك فيه. كسرى- بفتح الكاف وكسرها: وهو أفصح، وهو لقب من يملك من ملوك الفرس مزق الكتاب يمزقه- بالكسر- شقه، ومزّقه مشددا، ومزّقهم الله كلّ ممزّق: أهلكهم. خرقت الثوب: قطعته، وخرّقته بالتشديد تخريقا مبالغة. البأس: القوة. الجعبة للنشاب- بفتح الجيم والجمع جعاب مثل كلبة وكلاب، وجعبات مثل سجدات. سفر- بفتح السين المهملة وسكون الفاء: جمع مسافر كراكب وركب. مرملون: بالراء: فرغ زادنا. الحلّة- بضم الحاء المهملة: برد من برود اليمن لا يكون إلا ثوبين من جنس واحد. صفورية- بصاد مهملة مضمومة ففاء فراء فمثناة تحتية مشددة: جنس من النبات فكأن الحلّة صبغت به. أهوى: أقصد. الغضروف- بضم الغين- وسكون الضاد الساقطة المعجمتين. رأس لوح الكتف. المحجمة والمحجم- بالكسر: قارورة الحجام. الضخمة: العظيمة.

شرح غريب ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ذي البجادين - رضي الله عنه - وما بعده

شرح غريب ذكر صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي ذي البجادين- رضي الله عنه- وما بعده ميّلا: بميم فتحتية مشددة فلام مفتوحات فألف: ذا مال. لتتوق نفسه إلى كذا- بمثناتين فوقيتين فواو فقاف: تشتاق. البجاد- بكسر الموحدة فالجيم والدال المهملة، الكساء الغليظ الجافي. يتصفح الناس: ينظر في صفحات وجوههم وهي جلدة بشرتها. لحاء شجر- بكسر اللام وبالحاء المهملة والمد والقصر: ما على العود من قشر، ولحوت العود لحوا من باب قال، ولحيته لحيا من باب باع: قشرته. سمرة- بفتح السين المهملة وضم الميم، ويجوز إسكانها. وقصته دابته وقصا من باب وعد: رمت به فدقت عنقه، فالعنق موقوصة. النّحي- بكسر النون وسكون الحاء المهملة والتحتية: سقاء السمن، والجمع أنحاء. مثل حمل وأحمال، ونحاء أيضا مثل بئر وبئار. الخرير- بالخاء المعجمة: صوت الماء، واستعير هنا للسمن. شرح غريب ذكر مصالحته- صلى الله عليه وسلم- ملك أيلة وغريب ما بعده قوله: أكيدر- تصغير أكدر. دومة بضم الدال المهملة وفتحها وسكون الواو فيهما. أشفق: بفتح أوله وسكون الشين المعجمة وفتح الفاء وبالقاف: خاف. أيلة- بفتح الهمزة وإسكان التحتية: مدينة بالشام على النصف ما بين مصر ومكة على ساحل البحر. يحنّة- بضم التحتية وفتح الحاء المهملة والنون المشددة وتاء تأنيث، ويقال: يحنّا بالألف بدل التاء، ولم أعلم له إسلاما، وكأنه مات على شركه. رؤبة- بضم الراء وسكون الهمزة وبالموحدة. جربا- بجيم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة، تقصر وتمد: بلد بالشام تلقاء السراة. أذرح- بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وبالحاء المهملة: مدينة بالشام، قيل هي فلسطين، قال في القاموس: بجنب جربا، وغلطه من قال بينهما ثلاثة أيام. مقنا: قرية قرب أيلة.

شرح غريب ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك

البحر- هنا بلدهم وأرضهم. الأمنة- بفتح الهمزة والميم والنون فتاء تأنيث: الأمان لسفنهم وسائرهم. يمنعوا- بالبناء للمفعول. جهيم- بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية. الصّلت- بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وبالفوقية. شرحبيل- بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة. حسنة: ضد سيئة. وافية: كاملة تامة. شخص: رجع. النواضح- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة: جمع ناضح، وهو البعير الذي يستقى عليه الماء، ثم استعمل في كل بعير. الحمولة- بفتح الحاء المهملة: الإبل التي تحمل. رقاق: ضعاف. الحديبية: تقدم في غروتها. أرملنا- بالراء: أنفد زادنا، وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل. أفراق- بالفاء والقاف: جمع فرق بفتح الفاء والراء وتسكن: مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدّا وثلاثة آصع. آصع- بفتح أوله وضم الصاد المهملة جمع صاع: مكيال، وهو أربع أمداد، وهي خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. صدروا: رجعوا، والصدر الانصراف عن الورد وكل شيء. شرح غريب ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من تبوك قوله: قافل- بالقاف والفاء المكسورة: راجع. خفق- بفتح الخاء المعجمة والفاء والقاف: أخذته سنة من النّعاس فمال برأسه دون سائر جسده. دعمته- بفتح الدال والعين المهملتين وسكون الميم: أسندته لئلا يميل.

شرح غريب ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم

التعريس: النزول ليلا. الفلاة: البرية التي لا ماء بها. المشقّق- بضم الميم وفتح الشين المعجمة فقافين الأولى مفتوحة: اسم ماء أو واد. الوشل: بفتح الواو والشين المعجمة وباللام: الماء القليل، ووشل الماء وشلا إذا قطّر وفي الإملاء: الوشل حجارة جبل يقطر منه الماء قليلا، والوشل أيضا القليل من الماء. سبقنا- بفتح الموحدة. معتب- بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية وبالموحدة. قشير- بالقاف والشين المعجمة. نضحه- بالضاد المعجمة وبالحاء المهملة: رشه. امرأة من بليّ بموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية. هنيهة- بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية وفتح الهاء وبتاء تأنيث: أي قليل من الزمان. نهلت: رويت. القعب- بفتح القاف وسكون العين المهملة وبالموحدة: قدح من خشب. العساس- بعين فسين فألف فسين مهملات وزن سهام، والأعساس وزن أقفال: جمع عس- بضم العين وتشديد السين: وهو القدح الكبير. يجيش: يفور. الرواء- ككتاب جمعه ريّان وريّا. فضالى- بفتح الفاء- وبالضاد المعجمة المخففة. يزجون ظهرهم- بالزاي والجيم: يعوقون. فاستمرت: قويت وسارت. شرح غريب ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم قوله: الفتك: القتل غفلة. يلتمسون: يطلبون. غرته- بكسر الغين المعجمة: غفلته.

شرح غريب أمر مسجد الضرار

إليكم إليكم: اسما فعل بمعنى تنحّوا. سرح: بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة. أبو حاضر: ضد غائب. الجلاس- بضم الجيم وبالسين المهملة والتخفيف. مجمّع- بالجيم بلفظ اسم الفاعل. جارية: والد مجمّع- بالجيم والتحتية. مليح: تصغير ملح. حصين- بضم الحاء وفتح الصاد المهملة. نمير- بوزنه. أقاله عثرته: جبر زلته وسميت الزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم. طعمة- بضم الطاء المهملة وسكون العين المهملة. أبيرق تصغير أبرق. عيينة- والد عبد الله بلفظ تصغير عين. مرّة بن الربيع- بلفظ ضد حلوة. الدّبيلة- بضم الدال المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية: خراج أو دمّل كبير يظهر في الجوف تقتل صاحبها غالبا. نياط القلب- بكسر النون. عرق علق به القلب من الوتين إذا قطع مات صاحبه. شرح غريب أمر مسجد الضرار قوله: أبو رهم- بضم الراء وسكون الهاء. كلثوم- بضم الكاف- وبالثاء المثلثة. الحصين- بلفظ تصغير حصن. الغفاري- بكسر الغين المعجمة. ابن عوف- بالفاء. بني غنم- بفتح الغين المعجمة وسكون النون. يرصدون قدومه: ينتظرونه.

شرح غريب ذكر حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه -

العلة: المرض. جناح سفر: أي مفارقة الأوطان. ذو أوان- بفتح الهمزة وتخفيف الواو وبالنون: موضع قريب من المدينة. الدّخشم- بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين وبالميم، ويقال بالنون بدلها، ويقال كذلك بالتصغير. أنظرني- بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة المشالة: أي أخّرني ولا تعجلني، هكذا الرواية، ويصح أن يقرأ بضم الهمزة أن انتظرني. السّعف- بضم السين والعين المهملتين وبالفاء: أغصان النخل ما دامت بالخوص، فإن زال الخوص عنها قيل جريدة، الواحدة سعفة. شرح غريب ذكر حديث كعب بن مالك- رضي الله عنه- لم يعاتب- بكسر الفوقية، ولم يعاتب الله تعالى أحدا، وفي رواية لم يعاتب بفتح الفوقية. العير- بكسر العين، الإبل التي تحمل الميرة. حين تواثقنا- بفوقية وثاء مثلثة فقاف: تعاهدنا وتعاقدنا. وإن كانت بدر أذكر: أعظم ذكرا. ورّى بغيرها- بفتح الواو والراء المشددة: أي أوهم غيرها، والتورية، أن يذكر لفظا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد. المفازة- بفتح الميم والفاء وبالزاي: الفلاة التي لا ماء فيها. فجلّى- بالجيم واللام المشددة، ويجوز تخفيفها: أوضح. الأهبة- بضم الهمزة والهاء: ما يحتاج إليه في السّفر والحرب. كتاب- بالتنوين- حافظ: كذلك، وفي مسلم بالإضافة. الديوان: بكسر الدال المهملة وتفتح. يتغيب: يستخفي. خارفون- بالخاء المعجمة: يقيمون في الحيطان وقت اختراف الثمار، وهو الخريف هنا. طفقت- بكسر الفاء أفصح من فتحها: أخذت وشرعت.

أغدو- بالغين المعجمة. يتمادى- بتحتية ففوقية فميم مفتوحات فألف فدال مهملة. الحاذ- بحاء مهملة وبعد الألف ذال معجمة: الحال وزنا ومعنى. الجدّ- بكسر الجيم والرفع فاعل وهو الجهد في الشيء والمبالغة فيه، وفي رواية: حتى اشتدّ الناس الجدّ وضبطوا الناس بالرفع على أنه فاعل، والجد بالنصب على نزع الخافض. أو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجدّ. أصبو: بصاد مهملة فباء موحدة: أميل. جهازي- بفتح الجيم وكسرها. غدوت- بالغين المعجمة. فصلوا- بصاد مهملة: خرجوا. تفارط- بالفاء فالراء والطاء المهملتين: فات وسبق. يقدر- بالبناء للمفعول. أني لا أرى- بفتح همزة إن، وهي وصلتها فاعل أحزنني خلافا لمن قال للتعليل. مغموصا- بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو فصاد مهملة، متهما أي يظن به النفاق. بني سلمة- بكسر اللام. السّلمي بفتحتين. برداه: تثنية برد. عطفيه- بكسر العين المهملة تثنية عطف: أي جانبه، كناية عن كونه معجبا في نفسه ذا زهو وتكبر، أو يكنى به عن مسيرته لتعجبه، والقريب الرداء وسمّي عطفا لوقوعه على عطف الرجل. قافلا: راجعا. قد أظل- بالظاء المشالة المعجمة: دنا. زاح- بالزاي والحاء المهملة: زال. أجمعت صدقه: جزمت به وعقدت عليه قصدي. بضعة- بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة: ما بين الثلاث إلى التسع على المشهور.

بدأ- بفتح الهمزة. المخلفون: الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم عن غزوة تبوك. ووكل- بفتحات مع التخفيف. المغضب- بفتح الضاد المعجمة. خلّفك بتشديد اللام المفتوحة. ابتعت ظهرك: شريته. أن- بفتح الهمزة مخففة من الثقيلة. سأخرج- بالضم. جدلا- بفتح الجيم والدال المهملة: فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما نسب إلي مما يقبل ولا يرد. يوشكن- بضم التحتية وكسر الشين المعجمة: يسرعن. تجد- بكسر الجيم: تغضب. أمّا هذا- بفتح الهمزة وتشديد الميم. ثار رجال: وثبوا. سلمة- بكسر اللام. عجزت- بفتح الجيم أفصح من كسرها. كافيك: خبر كان. ذنبك: مفعول كافيك. استغفار: اسم كان، وذكر بعضهم أن ذنبك منصوب بنزع الخافض، أي من ذنبك. يؤنّبونني بهمزة مفتوحة فنون مشددة فموحدة مضمومة ونونين: يلومونني لوما عنيفا. مرارة- بضم الميم وتخفيف الراءين. الرّبيع- بفتح الراء. العمري- بفتح العين المهملة وسكون الميم، نسبة إلى بني عمرو بن عوف. الواقفي، بتقديم القاف على الفاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن أوس.

أسوة- بكسر الهمزة وضمها. أيها الثلاثة- بالرفع، ومحله النصب على الاختصاص، أي خصوصا، الثلاثة، كقولهم اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وقال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: إنه منادى، والثلاثة صفة له، وإنما أوجبوا ذلك لأنه في الأصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص، وكل ما نقل من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب. اجتنبنا [بهمزة وصل وجيم ساكنة وفوقية مفتوحة ونون وباء ونون مفتوحات: بعد عنا] . الناس: فاعل اجتنب. استكان: رجع. أجلدهم: أقواهم. أطوف: أدور. أسارقه- بالسين المهملة والقاف- النظر: أنظر إليه في خفية. جفوة الناس- بفتح الجيم وسكون الفاء: إعراضهم. تسوّرت: علوت. أنشدك- بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة: أسألك. فنشدته- بفتح المعجمة: سألته به. نبطي- بفتح النون والموحدة وكسر الطاء: فلاح، وكان نصرانيا، ولم يسم. من أنباط الشام- بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة. يشيرون- بضم أوله. غسّان- بفتح الغين وتشديد السين المهملة. جبلة بن الأيهم، وهو الحرث بن أبي شمر. السرقة- بسين مهملة فراء فقاف مفتوحات فهاء تأنيث: الأبيض من الحرير، أو الحرير عامة. دار هوان: [ذلة ومهانة] . مضيعة- بفتح الميم وسكون الضاد المعجمة، وفتح التحتية وبكسر الضاد وسكون التحتية: أي حيث يضيع حقك.

متحوّلا- بالحاء المهملة وفتح الواو مكان تتحول فيه بفتح الحاء المهملة. نواسيك- بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة. تيمّمت: قصدت. التّنور- بفتح الفوقية: الذي يخبز فيه. سجرته- بسين مهملة مفتوحة: أو قدته. وأرسل إلّى صاحبيّ- بتشديد التحتية. الحقي بأهلك- بفتح الحاء. حتى كملت- بفتح الميم. ضاقت عليّ نفسي [ضد اتسعت، كناية عن ما يعانيه من الشدة والحزن وضيق الصدر] . ضاقت عليّ الأرض بما رحبت: أي بما هي عليه من السّعة. صارخ- بالخاء المعجمة. أوفى- بالفاء مقصورا: صعد. سلع- بفتح السين المهملة وسكون اللام. يا كعب بن مالك- بفتح كعب وابن، وضم كعب وفتح ابن وضمها. أبشر- بهمزة. قد جاء فرج- بالجيم. آذن بالمد: أعلم. وذهب قبل- بكسر القاف وفتح الموحدة: جهة. صاحبيّ: مرارة وهلال. ركض إليّ- بتشديد التحتية: استحثّ. ثوبيّ: تثنية ثوب. فوجا فوجا: جماعة جماعة. لتهنك: بكسر النون. توبة الله- بالرفع. فقام إليّ- بتشديد التحتية. يهرول: يسير بين المشي والعدو. ولا أنساها لطلحة: أي هذه الخصلة، وهي بشارته إياي بالتوبة، أي لا أزال أذكر إحسانه إلي بذلك وكنت رهين مسرته.

شرح غريب ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر

يبرق- بفتح أوله. إذا سرّ- بضم السين وتشديد الراء، مبنيا للمفعول. كأنه قطعة قمر: تقدم الكلام عليه في الصفات النبوية. أن أنخلع: أخرج من مالي صدقة. قال الزركشي والحافظ والبرماوي هي مصدر، فيجوز انتصابه بأنخلع، لأن معنى انخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال، وتعقب ذلك الشيخ بدر الدين الدماميني: بأنا لا نسلم أن الصدقة مصدر وإنما هي اسم لما يتصدق به على الفقراء، فعلى هذا نصبها على الحال من مالي. ما بقيت- بكسر القاف. أبلاه الله- بالموحدة الساكنة: أنعم الله عليه. أحسن مما أبلاني: أنعم عليّ، وفيه نفي الأفضلية لا نفي المساواة، لأنه شاركه في ذلك هلال بن أمية. أن لا أكون كذبته- بتخفيف الذال وسكون الموحدة، ولا زائدة كقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف 12] أي حدّثته حديث كذب. فأهلك بكسر اللام وفتح الكاف. شرّ ما قال لأحد: أي قال قولا شرا- ما قال بالإضافة، أي شر القول الكائن لأحد من الناس. أرجأ أمرنا- بالجيم والهمزة: أخّر. مما خلّفنا- بضم الخاء المعجمة وكسر اللام المشددة- وسكون الفاء. إرجاؤه: تأخيره وتركه. شرح غريب ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر أبو لبابة- بضم اللام وتخفيف الموحدة الأولى. جدّ بن قيس- بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة. جذام بن أوس ... قفل- بفتح القاف والفاء واللام: رجع. نجز الجزء الثاني من كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد يتلوه الجزء الثالث «جماع أبواب سراياه» أحسن الله تعالى عاقبتنا آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين آمين، والحمد الله رب العالمين- على يد الفقير الراجي عفو الله علي بن إبراهيم الباجي غفر الله له ولوالديه ولمشايخه آمين.

المجلد السادس

[المجلد السادس] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب سراياه وبعوثه وبعض فتوحاته صلّى الله عليه وسلم الباب الأول في عدد سراياه وبعوثه ومعنى السرية وفيه نوعان الأول: قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: السرايا والبعوث ثمانيا وثلاثين وذكرها أبو عمر رحمه الله تعالى في أول الاستيعاب سبعا وأربعين. وذكرها محمد بن عمر رحمه الله تعالى ثمانيا وأربعين وأبو الفضل ستّا وخمسين. ونقل المسعودي عن بعضهم أنها ستون. وعلى ذلك جرى الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى في ألفيّة السيرة، وذكر فيها أن الإمام الحافظ محمد بن نصر [ (1) ] أوصلها إلى السبعين، وأن الإمام الحافظ أبا عبد الله الحاكم رحمه الله تعالى قال: إنه ذكر في الإكليل أنها فوق المائة. قال العراقي: ولم أجد هذا القول لأحد سواه. قال الحافظ رحمه الله تعالى: لعل الحاكم أراد بضم المغازي إليها. قلت عبارة الحاكم كما رواها عنه ابن عساكر بعد أن روي عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين. قال الحاكم: هكذا كتبناه. وأظنه أراد السرايا دون الغزوات، فقد ذكرت في كتاب الإكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة. قال: «وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب بنفسه نيفا وسبعين» . انتهى. قال في البداية: وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا، وحمله كلام قتادة على ما قال، فيه نظر فقد روى الإمام أحمد [عن أزهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي] عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون: أربعة وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة. قلت والذي وقفت عليه من السرايا والبعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين كما سيأتي بيان ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى.

_ [ (1) ] محمد بن نصر المروزي، أبو عبد الله: إمام في الفقه والحديث. كان من اعلم الناس باختلاف الصحابة فمن بعدهم في الأحكام. ولد ببغداد. ونشأ بنيسابور، ورحل رحلة طويلة استوطن بعدها. سمرقند وتوفي بها. له كتب كثيرة، منها «القسامة» في الفقه، قال أبو بكر الصيرفي: لو لم يكن له غيره لكان من أفقه الناس، «والمسند» في الحديث، وكتاب «ما خالف به أبو حنيفة عليا وابن مسعود» . الأعلام 7/ 125.

الثاني: في معنى السرية. قال ابن الأثير في النهاية: «السّرية: الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو، وجمعها سرايا سمّوا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السّريّ النفيس. وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرّا وخفية، وليس بالوجه لأن لام السّرّ راء وهذه ياء. انتهى. وقال الإمام شهاب الدين أحمد بن علي الشّهير بابن خطيب الدهشة رحمه الله تعالى في كتابه المصباح [ (1) ] : «السّريّة: قطعة من الجيش، فعلية بمعنى فاعلة لأنها تسري في خفية والجمع سرايا وسريّات مثل عطية وعطايا وعطيات» انتهى. فقوله: «خفية» أحسن من قول من قال «سرّا» لما ذكره ابن الأثير من أن لام السر راء وهذه ياء. وقال الحافظ: السرية: قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه وهي من مائة إلى خمسمائة، فما زاد على خمسمائة يقال له: منسر بالنون والسين المهملة أي بفتح الميم وكسر السين وبعكسهما. فإن زاد على الثمانمائة سمّي جيشا، وما بينهما يسمى هيضلة، فإن زاد على أربعة آلاف سمى جحفلا بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء، فإن زاد فجيش جرّار، بفتح الجيم وبراءين مهملتين الأولى مشددة. والخميس أي بلفظ اليوم: الجيش العظيم. وما افترق من السّريّة يسمى بعثا. فالعشرة فما بعدها حضيرة. والأربعون عصبة، وإلى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون موحّدة أي بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون. فإن زاد سمي جمرة بجيم مفتوحة وسكون الميم. والكتيبة- بفتح الكاف فتاء مكسورة وتحتية ساكنة فموحدة فتاء تأنيث- ما اجتمع ولم ينتشر، انتهى. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب أربعة. وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش، أربعة آلاف، وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلّة إذا صدقوا وصبروا» . رواه أبو يعلى وابن حبان وأبو داود والترمذي، دون قوله «إذا صدقوا وصبروا» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 299 والبيهقي في السنن 9/ 156 والدارمي 2/ 215 وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 258.

الباب الثاني في أي وقت كان يبعث سراياه ووداعه بعضهم ومشيه مع بعضهم وهو راكب إلى خارج المدينة ووصيته صلى الله عليه وسلم لأمراء السرايا وفيه أنواع:

الباب الثاني في أي وقت كان يبعث سراياه ووداعه بعضهم ومشيه مع بعضهم وهو راكب إلى خارج المدينة ووصيته صلى الله عليه وسلم لأمراء السرايا وفيه أنواع: الأول: في أي وقت كان يبعث سراياه، عن صخر- بصاد مهملة فخاء معجمة- ابن وداعة- بفتح الواو والدال المهملة- الغامدي- بغين معجمة فألف فميم مكسورة فدال مهملة فياء نسب- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» [ (1) ] . قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار، وكان صخر رجلا تاجرا وكان لا يبعث غلمانه إلا من أول النهار فكثر ماله حتى لا يدرى أين يضع ماله. رواه الإمام أحمد والثلاثة وحسّنة الترمذي. وعن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أغزاها أول النهار وقال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» . رواه الطبراني. الثاني: في وداعه صلى الله عليه وسلم بعض سراياه. روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب، والإمام أحمد وأبو يعلى بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى مع الذين وجهّهم لقتل كعب بن الأشرف إلى بقيع الغرقد. ثم وجههم وقال: «انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم» [ (2) ] ثم رجع. البقيع بفتح الموحدة وكسر القاف وسكون التحتية وبالعين المهملة والغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة. من شجر العضاة أو العوسج أو العظام منه. وعن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شيّع جيشا فبلغ عقبة الوداع قال: «أستودع الله تعالى دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم» [ (3) ] الحديث رواه ابن أبي شيبة رحمه الله. الثالث: في مشيه صلّى الله عليه وسلم مع بعض أمراء سراياه، وذلك البعض راكب. عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت ظل راحلته، فلما فرغ قال: «يا معاذ إنّك عسى ألّا تلقاني بعد

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (1212) وأبو داود (2606) وابن ماجة (236) وأخرجه أحمد في المسند 3/ 416- 417 والطبراني في الكبير 8/ 28، 10/ 257. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 66 حاكم 2/ 9 والطبراني في الكبير 11/ 221 وانظر البداية والنهاية 4/ 7. [ (3) ] أخرجه أبو داود (2601) والحاكم 2/ 97 وذكره ابن حجر في المطالب (3194) والمتقي الهندي في الكنز (18136) .

عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري» فبكى معاذ رضي الله عنه جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث [ (1) ] ، رواه الإمام أحمد وأبو يعلى برجال ثقات وسيأتي بتمامه في موضعه من السرايا والبعوث. جشعا بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة أي جزعا لفراقه صلى الله عليه وسلم. وروى ابن عساكر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى معه ميلا ومعاذ راكب لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك. النوع الرابع: في وصيته صلى الله عليه وسلم لأمراء السراياء. عن بريدة بالموحدة والتصغير رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا [ولا تمثلوا] ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم وادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم، أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المؤمنين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن عليهم بالله وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمة نبيه. ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم وإن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا. ثم اقضوا فيهم بعد ما شئتم» [ (2) ] رواه مسلم وأبو داود والترمذي واللفظ لمسلم ورواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 235 والبيهقي في السنن 9/ 86 والبيهقي في الدلائل 5/ 404 وابن حبان (2504) وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 36. [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الجهاد (3) وأبو داود (2613) وابن ماجة (2858) والترمذي (1408) وأحمد في المسند 4/ 240 والبيهقي في السنن 9/ 49 والحاكم في المستدرك 4/ 541 وعبد الرزاق (9428) وابن أبي شيبة في المصنف 12/ 362.

قال: «اخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوالدين ولا أصحاب الصوامع» . [ (1) ] رواه ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو يعلى. وعن عبد الرحمن بن عائذ- رحمه الله تعالى- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا قال: «تألّفوا الناس وتأتّوهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم إلى الإسلام فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتوني بهم مسلمين أحب إلي من أن تقتلوا رجالهم وتأتوني بنسائهم» [ (2) ] . رواه مسدّد والحارث بن أبي أسامة مرسلا. وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وجها، ثم قال لرجل الحقه ولا تدعه من خلفه فقل له: أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تنتظره وقل له: «لا تقاتل قوما حتى تدعوهم» [ (3) ] . رواه إسحاق بن راهويه بسند فيه انقطاع. وعن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: «بشّروا ولا تنفّروا ويسّروا ولا تعسّروا» [ (4) ] رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا قال: «انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة، ولا تغلّوا، وضمّوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحبّ المحسنين» [ (5) ] رواه أبو داود والترمذي. وعن ابن عصام المزني- بالزاي والنون- رضي الله عنه عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول: «إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا» [ (6) ] . رواه أبو داود والترمذي. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معاذا وأبا موسى فقال: «تشاورا وتطاوعا ويسّرا ولا تعسّرا وبشّرا ولا تنفّرا» [ (7) ] رواه البزار.

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى في المسند 4/ 423 (222- 2549) وأحمد في المسند 1/ 300 والبيهقي 9/ 90 والبزار (1677) والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 220 وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 316 وعزاه لأحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وقال: وفي رجال البزار وإبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة وثقه أحمد وضعفه الجمهور. [ (2) ] ذكره ابن حجر في المطالب (1962- 1963) . [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 12/ 363 والبخاري في التاريخ 3/ 377 وذكره في المجمع 5/ 305. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 27 ومسلم في كتاب الجهاد (6) وأبو داود (4835) وأحمد في المسند 4/ 399. [ (5) ] أخرجه أبو داود (2614) والبيهقي في السنن 9/ 60 وعبد الرزاق (9430) . [ (6) ] أخرجه أبو داود (2635) والترمذي (1549) وأحمد في المسند 3/ 448 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 210. [ (7) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 260 وعزاه للبزار وقال: وفيه عمرو بن أبي خليفة العبدي ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح، والحديث في مسلم بنحوه.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: لا تغدروا بكسر الدال المهملة. ذمة الله بكسر المعجمة أمانه وعهده. الوليد بفتح الواو الصبي. على حكم الله قضاؤه. المدر قطع الطين.

الباب الثالث في اعتذاره عن تخلفه عن صحبة السرايا صلى الله عليه وسلم وإعطائه سلاحه لمن يقاتل به

الباب الثالث في اعتذاره عن تخلّفه عن صحبة السرايا صلى الله عليه وسلم وإعطائه سلاحه لمن يقاتل به عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لولا أن أشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني، ويشقّ عليهم أن يقعدوا بعدي» - وفي لفظ: «ولا تطيب أنفسهم أن يتخلّفوا عني- «والذي نفسي بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله وأقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا» [ (1) ] بتكريره ست مرات، رواه الإمامان مالك وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة. وعن [جبلة بن حارثة] قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز أعطى سلاحه عليا أو أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما [ (2) ] ، رواه أحمد وأبو يعلى. تنبيهات الأول: الحكمة في بيان إيراد قوله: «والذي نفسي بيده» مرة ثانية عقب الأولى إرادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: الوجه الذي تسيرون فيه له من الفضل ما أتمنّى لأجله أن أقتل مرّات، فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل، يحصل لكم مثله أو فوقه من فضل الجهاد، فراعى خواطر الجميع. وقد خرج صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي، وتخلف عن المشار إليهم وكان ذلك حيث [رجحت] مصلحة خروجه على مراعاة حالهم. الثاني: استشكل صدور هذا التمني من النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لا يقتل، وأجيب بأن تمنّي الفضل والخير لا يستلزم الوقوع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «وددت لو أن موسى صبر» [ (3) ] ، فكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين عليه. الثالث: قال النووي رحمه الله تعالى: «في هذا الحديث حسن النية وبيان شدة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم علي أمته ورأفته بهم واستحباب القتل في سبيل الله تعالى، وجواز قول وددت

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 20 (2797) والبيهقي في السنن 9/ 24. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 286 وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات. [ (3) ] أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (117) وأخرجه البخاري بنحوه 4/ 190.

حصول كذا من الخير، وإن علم أنه لا يحصل، وفيه ترك بعض المصالح لمصلحة راجحة أو أرجح، أو لدفع مفسدة، وفيه جواز تمنّي ما يمتنع في العادة» . الرابع: قال الطيبي رحمه الله تعالى ثم في قوله: «ثم أقتل» إلى آخره، وإن حملت على التراخي في الزمان هنا لكن الحمل على التراخي في الرّتبة هو الوجه، لأن التمني حصول درجات بعد القتل، والإحياء لم يحصل من قبل، ومن ثمة كررها لنيل مرتبة بعد مرتبة إلى أن ينتهي إلى المقام الأعلى منه .

الباب الرابع في سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه طلى سيف البحر من ناحية العيص في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة في ثلاثين رجلا من المهاجرين والأنصار

الباب الرابع في سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه طلى سيف البحر من ناحية العيص في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة في ثلاثين رجلا من المهاجرين والأنصار قال ابن سعد: «والمجمع عليه أنهم كانوا جميعا من المهاجرين، ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الأنصار مبعثا حتى غزا بهم بدرا، وذلك أنهم كانوا شرطوا له أنهم يمنعونه في دراهم. وهذا الثّبت عندنا» . وصححه في الموارد. وعقد له لواء أبيض حمله أبو مرثد كنّاز بن الحصين الغنويّ، حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، وهو أول لواء عقد في الإسلام كما قال عروة وابن عقبة ومحمد بن عمر وابن سعد وابن عائذ والبيهقي وابن الأثير والدمياطي والقطب وغيرهم وصححه أبو عمر رحمهم الله تعالى. وذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى أن أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء عبيدة بن الحارث. ثم قال: «واختلف الناس في راية عبيدة وحمزة فقال بعض الناس كانت راية حمزة قبل راية عبيدة وقال بعض الناس راية عبيدة كانت قبل راية حمزة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيّعهما جميعا فأشكل ذلك على بعض الناس» . انتهى. فخرج حمزة رضي الله تعالى عنه بمن معه يعترض عير قريش التي جاءت من الشام تريد مكة، وفيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل وقيل في مائة وثلاثين، فبلغ سيف البحر ناحية العيص من أرض جهينة. فلما تصافّوا حجز بينهم مجديّ بن عمرو الجهني وكان حليفا للفريقين جميعا فأطاعوه وانصرفوا ولم يقتتلوا فتوجه أبو جهل في أصحابه وعيره إلى مكة وانصرف حمزة وأصحابه رضي الله تعالى عنهم إلى المدينة. ولما عاد حمزة بمن معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بما حجز بينهم مجديّ بن عمرو وأنهم رأوا منه نصفة. وقدم رهط مجديّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساهم وقال صلى الله عليه وسلم فيما ذكره محمد بن عمر عن مجديّ أيضا: « [إنه- ما] علمت- ميمون النقيبة مبارك الأمر» أو قال: «رشيد الأمر» . تنبيهات الأول: ذكر ابن سعد هذه السرية والتي بعدها قبل غزوة الأبواء، وذكرهما ابن إسحاق قبل غزوة بواط. الثاني: اختلف في أي شهر كانت؟ فقال المدائني: في ربيع الأول سنة اثنتين، وقال أبو عمرو: بعد ربيع الآخر.

الثالث: في بيان غريب ما سبق: سيف البحر: بكسر السين المهملة، ساحله العيص: بكسر العين المهملة وسكون التحتية فصاد مهملة. عبيدة: بضم أوله وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالهاء. جهينة: بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وبالنون. حجز: بفتح المهملة والجيم والزاي: فصل. مجديّ: بفتح الميم وسكون الجيم فدال مهملة فياء كياء النّسب، لا يعلم له إسلام. حليفا: أي محالفا ومسالما. أبو مرثد: بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة، واسمه كنّاز بفتح الكاف وتشديد النون وبالزاي. الغنويّ: بفتح الغين المعجمة والنون وبالواو. الحصين: بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين. مأمون النقيبة: منجح الأفعال مظفّر المطالب، والنّقيبة: بفتح النون وكسر القاف وسكون التحتية وبالهاء. الخليقة والطبيعة أو النفس.

الباب الخامس في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، رضي الله تعالى عنه إلى بطن رابغ في شوال من السنة الأولى في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري

الباب الخامس في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، رضي الله تعالى عنه إلى بطن رابغ في شوال من السنة الأولى في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري وكان لواؤه أبيض حمله مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطلب بن عبد مناف رضي الله تعالى عنه. فخرج فلقي أبا سفيان بن حرب، في أناس من أصحابه على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ [على عشرة أميال من الجحفة وأنت تريد قديدا على يسار الطريق، وإنما] نكبوا عن الطريق ليرعوا ركابهم. وأبو سفيان في مائتين وعلى المشركين أبو سفيان، قال محمد بن عمر: وهو الثبت عندنا، وقيل مكرز بن حفص، وقيل عكرمة بن أبي جهل. فكان بينهم الرّمي، ولم يسلّوا سيفا ولم يصطفّوا للقتال، وإنما كانت بينهم المناوشة إلا أن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه رمى بسهم في سبيل الله فكان أول سهم رمي به في الإسلام فنثر كنانته وتقدّم أمام أصحابه وقد تترسوا عنه فرمى بما في كنانته وكان فيها عشرون سهما ما منها سهم إلا ويجرح إنسانا أو دابّة. ولم يكن بينهم يومئذ إلا هذا، ثم انصرف الفريقان على حاميتهم. وفرّ من الكفار إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان المازني حليف [بني نوفل] بن عبد مناف، وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصّلا بالمشركين. تنبيهان الأول: كذا ذكر غير واحد من أهل السّير أن هذه السرية كانت في السنة الأولى. وذكر أبو الأسود في مغازيه، ووصله ابن عائذ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الأبواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين رجلا، فذكر القصّة، فتكون في السنة الثانية، وصرّح به بعض أهل السير، فالله تعالى أعلم. الثاني: في بيان غريب ما سبق: بطن رابغ: بالموحدة المكسورة والغين المعجمة. مسطح: بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء وبالحاء المهملات. أثاثة: بضم أوله وثاءين مثلثتين مخففتين. عبّاد: بفتح أوله وتشديد الموحدة. أحياء: جمع حيّ ماء أسفل ثنية المرّة بكسر الميم وتشديد الراء وخفّفها ياقوت.

مكرز: بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء. لا يعلم له إسلام، وانفرد ابن حبّان بذكره في الصحابة، فإنه قال: يقال له صحبة، فإن صحّ ذلك فقد أسلم وإلا فلا. الأخيف: بالخاء المعجمة والتحية وبالفاء وزن أحمد. المناوشة في القتال تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا. الكنانة: بكسر الكاف جعبة السهام من أدم. على حاميتهم: أي جماعتهم، والحامية الرجل يحمي القوم، وهو على حامية القوم أي آخر من يحميهم في مضيّهم. المقداد: بكسر الميم وسكون القاف وبدالين مهملتين. البهراني: بفتح الموحدة وسكون الهاء فراء فنون. بنو زهرة: بضم الزاي وسكون الهاء. عتبة: بضم العين المهملة وسكون الفوقية وبالموحدة. غزوان: بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وبالواو والنون. المازني: بكسر الزاي والنون.

الباب السادس في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في عشرين رجلا من المهاجرين رضي الله تعالى عنهم

الباب السادس في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في عشرين رجلا من المهاجرين رضي الله تعالى عنهم وقيل: في ثمانية إلى الخزّاز في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من الهجرة. وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو البهراني، وعهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يجاوز الخّزّاز، يعترض عيرا لقريش تمرّ بهم، فخرجوا على أقدامهم يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبّحوا صبح خمس الخزّاز من الجحفة قريبا من خمّ فوجدوا العير قد مرّت بالأمس فانصرفوا إلى المدينة. تنبيهان الأول: ذكر محمد بن عمر وابن سعد هذه السرايا جميعها في السنة الأولى من الهجرة وجعلها ابن إسحاق في السنة الثانية. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الخزّاز: بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي الأولى، واد يصب في الجحفة. في ذي القعدة: بكسر القاف وفتحها. يكمنون: بضم الميم: يستترون. الجحفة: بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء قرية كبيرة على خمس مراحل من مكة ونحو ثلثي مرحلة من المدينة الشريفة. خمّ: بضم الخاء المعجمة اسم غدير أو واد بقرب الجحفة.

الباب السابع في سرية فيها سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه

الباب السابع في سرية فيها سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه روى الإمام أحمد عنه قال: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأتيك وقومنا. فأوثق لهم فأسلموا. قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب [أي من السنة الثانية] ولا نكمل مائة. وأخبرنا أن نغير على حيّ من كنانة إلى جنب جهينة، فأغرنا عليهم، فكانوا كثيرا، فلجأنا إلى جهينة فمنعونا، وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ فقال بعضنا: نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره. وقال قوم: لا بل نقيم ههنا. وقلت أنا في أناس معي: لا، بل نأتي عير قريش فنقتطعها. فانطلقنا إلى العير [وكان الفيء إذ ذاك من أخذه فهو له] وانطلق أصحابنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه الخبر، فقام غضبان محمّرا وجهه فقال: «أذهبتم من عندي جميعا وقمتم متفرقين وإنما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش» [ (1) ] . فبعث علينا عبد الله بن جحش أميرا فكان أول أمير في الإسلام. الباب الثامن في سرية أمير المؤمنين المجدّع في الله تعالى عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه في رجب من السنة الثانية إلى بطن نخلة دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى العشاء فقال: «واف مع الصبح، معك سلاحك، أبعثك وجها» . قال: فوافيت الصبح وعليّ قوسي وسيفي وجعبتي ومعي درقتي. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالناس، ثم انصرف، فيجدني قد سبقت واقفا عند بابه، وأجد نفرا من قريش. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، فدخل عليه، فأمره فكتب كتابا، ثم دعاني فأعطاني صحيفة من أديم خولانيّ وقال: «قد استعملتك على هؤلاء النّفر، فامض حتى إذا سرت ليلتين فانظر كتابي هذا ثم امض لما فيه» . قلت: يا رسول الله: أي ناحية؟ قال: «اسلك النجدية تؤم ركبة» . قال ابن إسحاق وأبو عمرو: وأرسل معه ثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم أنصاري وهم: أبو حذيفة بن عتبة، وسعد بن أبي وقاص، وعكّاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله الليثي، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 69 وعزاه لأحمد وقال: ورواه ابنه عنه وجادة ووصلة عن غير أبيه ورواه البزار وفيه المجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور ووثقه النسائي في رواية وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

وذكر ابن عائذ فيهم: سهل بن بيضاء ولم يذكر سهيلا ولا خالدا ولا عكّاشة. وذكر ابن سعد فيهم المقداد بن عمرو- وهو الذي أسر الحكم بن كيسان- وقال ابن سعد: كانوا اثني عشر [من المهاجرين] كل اثنين يعتقبان بعيرا. وروى الطبراني بسند حسن عن زرّ [بن حبيش] رحمه الله تعالى قال: «أول راية رفعت في الإسلام راية عبد الله بن جحش» . فانطلق عبد الله بن جحش حتى إذا كان مسيرة يومين فتح الكتاب فإذا فيه: «سر باسم الله وبركاته ولا تكرهنّ أحدا من أصحابك على السير معك، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصّد عير قريش وتعلّم لنا أخبارهم» . فلما نظر في الكتاب قال: سمعا وطاعة. وقرأه على أصحابه وقال: [قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر] وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع. [فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم] » فقالوا أجمعون: «نحن سامعون مطيعون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولك، فسر على بركة الله» . فسار ومعه أصحابه لم يتخلف منهم أحد، وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمكان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه، فتخلّفا في طلبه يومين، ولم يشهدا الموقعة، وقدما المدينة بعدهم بأيام. ومضى عبد الله بن جحش في بقية أصحابه حتى نزل بنخلة. فمرّت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش جاءوا بها من الطائف، فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخوه نوفل بن عبد الله، وقيل بل أخوهما المغيرة، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة. فلما رآهم أصحاب العير هابوهم وأنكروا أمرهم، وقد نزلوا قريبا منهم. فحلق عكاشة بن محصن رأسه، وقيل واقد بن عبد الله، ثم وافى ليطمئن القوم. فلما رأوه قالوا: لا بأس عليكم منهم، قوم عمّار. فأمنوا وقيّدوا ركابهم وسرحوها وصنعوا طعاما. فاشتور المسلمون في أمرهم وذلك في آخر يوم من رجب ويقال أول يوم من شعبان وقيل في آخر يوم من جمادى الآخرة. فشكّوا في ذلك اليوم أهو من الشهر الحرام؟ أم لا. فقالوا: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام. فتردد القوم وهابوا [الإقدام عليهم] . ثم شجّعوا أنفسهم. وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم. فرمى واقد بن عبد اللَّه [التميمي] عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وشدّ المسلمون عليهم فأسروا عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة، والحكم بن كيسان، أسره المقداد بن عمرو،

وأعجز القوم نوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، عند من يقول إنه كان معهم، ومن قال إن نوفلا لم يكن معهم جعل الهارب المغيرة. وحاز المسلمون العير، وعزل عبد اللَّه بن جحش لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمس تلك الغنيمة، وقسّم سائرها بين أصحابه، فكان أوّل خمس خمّس في الإسلام، وأوّل غنيمة، وأول قتيل بأيدي المسلمين عمرو بن الحضرمي، وأوّل أسير كان في الإسلام عثمان بن عبد اللَّه، والحكم بن كيسان. وذلك قبل أن [يفرض الخمس من المغانم، فلما أحل اللَّه تعالى الفيء بعد ذلك وأمر بقسمه وفرض الخمس فيه] وقع على ما كان صنع عبد اللَّه بن جحش في تلك العير، وقال بعضهم: بل قدموا بالغنيمة كلها. وروى الطبراني بسند حسن عن زرّ [بن جيش] رضي اللَّه تعالى عنه قال: أول مال خمّس في الإسلام مال عبد اللَّه بن جحش. ثم سار عبد اللَّه بالعير والأسيرين إلى المدينة، فلما قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» . فأوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا. ويقال أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أوقف غنائم، أهل نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر، وأعطى كل قوم حقهم. فلما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذلك سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا وعنّفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريش: «قد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدماء، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال» . فقال: «من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة، إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان» ؟ وقال يهود تفاءل بذلك على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد اللَّه: عمرو، عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وواقد بن عبد اللَّه، وقدت الحرب» . فجعل اللَّه تعالى ذلك عليهم لا لهم. فلما أكثر الناس في ذلك أنزل اللَّه تعالى على رسوله صلى اللَّه عليه وسلم: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة 217] . أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل اللَّه مع الكفر به وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند اللَّه من قتل من قتلتم منهم. وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وقد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند اللَّه من القتل. فلما نزل القرآن بهذا الأمر، وفرّج اللَّه تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشّفق قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الغنيمة أو خمسها والأسيرين.

تنبيهات

وبعث إليه قريش في فداء الأسيرين فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا نفديكموها حتى يقدم صاحبانا- يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان- فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم» . فقدم سعد وعتبة، فأفدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأسيرين عند ذلك بأربعين أوقية كل أسير، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا. وأما عثمان بن عبد اللَّه فلحق بمكة فمات كافرا. فلما تجلّى عن عبد اللَّه بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا: «يا رسول اللَّه أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين» ؟ فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة 218] فوضعهم اللَّه تعالى من ذلك على أعظم الرجاء. تنبيهات الأول: في هذه الغزوة سمي عبد اللَّه بن جحش أمير المؤمنين كما ذكره ابن سعد، والقطب وجزم أبو نعيم بأنه أول أمير أمّره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ويؤيده ما سبق عن سعد [بن أبي وقاص] في الباب قبله. الثاني: في بيان غريب ما سبق: بطن نخلة. الأديم: بوزن عظيم الجلد. خولاني: بفتح الخاء المعجمة. أنشر كتابي: افتحه. النّجدية: منسوبة إلى نجد، وهو ما ارتفع من أرض تهامة إلى العراق، وهو مذكّر. يؤمّ: يقصد. ركبة: بضم الراء وسكون الكاف وبالموحدة. ابن عتبة: بضم العين المهملة وسكون الفوقية وبالموحدة. عكّاشة: بضم العين المهملة وتشديد الكاف أفصح من تخفيفها. محصن: بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالنون. البكير بالتصغير. سهيل: بالتصغير ووقع في بعض نسخ العيون مكبّرا والصواب الأول.

تعلّم بمعنى اعلم. الحجاز ما بين نجد والسّراة. الفرع: بضم الفاء وسكون الراء وبالعين المهملة من أضخم أعراض المدينة. بحران، بضم الموحدة وسكون الحاء المهملة وبالراء والنون. الحضرمي: بالحاء المهملة والضاد المعجمة. واف: أشرف. واقد: بالقاف والدال المهملة بلفظ اسم الفاعل. كيسان: بفتح الكاف وسكون التحتية وبالسين المهملة وبالنون. أمنوا: بفتح أوله وكسر الميم. أفلت: بفتح الهمزة، القوم بالنصب مفعول أفلت. نوفل: مرفوع فاعل. عمّار: بضم العين المهملة وتشديد الميم. سقط في أيديهم: بالبناء للمفعول، أي ندموا، يقال ذلك لكل من ندم. وقال يهود تفاءل بذلك: بالفوقية المفتوحة وحذفت التاء الثانية، وبالفاء والهمزة من الفأل. عمّرت الحرب: بضم العين المهملة وكسر الميم [المشددة وبالراء والتاء المفتوحة تاء الخطاب] . واللَّه تعالى أعلم.

الباب التاسع في بعث عمير بن عدي الخطمي رضي الله تعالى عنه لخمس ليال بقين من رمضان من السنة الثانية إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد، زوجة يزيد بن زيد بن حصن الخطمي، وكانت تعيب الإسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحرض عليه وتعيب ال

الباب التاسع في بعث عمير بن عدي الخطمي رضي اللَّه تعالى عنه لخمس ليال بقين من رمضان من السنة الثانية إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد، زوجة يزيد بن زيد بن حصن الخطمي، وكانت تعيب الإسلام وتؤذي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتحرض عليه وتعيب الإسلام وتقول الشعر وكانت تطرح المحايض في مسجد بني خطمة. فأهدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دمها فنذر عمير بن عدي لئن رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بدر إلى المدينة ليقتلنّها فلما رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بدر، جاء عمير ليلا حتى دخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فجسّها بيده وكان ضرير البصر، فنحّى الصّبيّ عنها، ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها. وروى ابن عساكر في ترجمة أحمد بن أحمد البلخي، من تاريخه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «ألا رجل يكفنا هذه» . فقال رجل من قومها: أنا، فأتاها وكانت تمّارة. فقال لها: أعندك أجود من هذا التّمر؟ قالت: نعم، «فدخلت إلى بيت لها، وانكبّت لتأخذ شيئا فالتفتّ يمينا وشمالا فلم أر أحدا فضربت رأسها حتى قتلتها» . انتهى. ثم أتى المسجد فصلّى الصبح مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما انصرف نظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: «أقتلت ابنة مروان؟» قال: نعم فهل عليّ في ذلك شيء؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا ينتطح فيها عنزان» فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: «إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللَّه عز وجل ورسوله فانظروا إلى عمير بن عدي» . فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: «انظروا إلى هذا الأعمى الذي يسري في طاعة اللَّه تعالى» . فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تقل الأعمى ولكن البصير» . فسمّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عميرا البصير. فلما رجع عمير وجد بنيها في جماعة يدفنونها. فقالوا: يا عمير أنت قتلتها؟ قال: «نعم، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، فو الذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم» . فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة وكان يستخفي بإسلامه فيهم من أسلم فكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي، وهو الذي يدعى القارئ.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الخطميّ: بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة [وبالميم وياء النسب] . عصماء: بفتح العين وسكون الصاد المهملتين. جسّها: لمسها بيده. تمّارة: أي تبيع التمر. لا ينتطح فيها عنزان: [لا يعارض فيها معارض] يعني أن قتلها هيّن.

الباب العاشر في بعثه صلى الله عليه وسلم سالم بن عمير رضي الله تعالى عنه في شوال من السنة الثانية إلى أبي عفك اليهودي من بني عمرو بن عوف وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة

الباب العاشر في بعثة صلّى اللَّه عليه وسلم سالم بن عمير رضي اللَّه تعالى عنه في شوال من السنة الثانية إلى أبي عفك اليهودي من بني عمرو بن عوف وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة وكان يحرّض على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويقول الشعر فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: «من لي بهذا الخبيث» [ (1) ] . فقال سالم بن عمير، وكان قد شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأحد البكائين وتوفي في خلافة معاوية: «عليّ نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه» . فأمهل يطلب له غرّة. فلما كانت ليلة صائفة نام أبو عفك بفناء منزله وعلم به سالم بن عمير، فأقبل ووضع السيف على كبده ثم اعتمد عليه حتى خشّ في الفراش وصاح عدو اللَّه فثاب إليه ناس ممن نجم نفاقهم وهم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه، فقالت أمامة المريديّة في ذلك: تكذّب دين اللَّه والمرء أحمدا ... لعمر الذي أمناك أن بئس ما يمني حباك حنيف آخر اللّيل طعنة ... أبا عفك خذها على كبر السّنّ تنبيهات الأول: ذكر هذه القصة محمد بن عمر وابن سعد، وتبعهما في المورد والإمتاع بعد التي قبلها. وقدّمها ابن إسحاق وأبو الربيع. الثاني: في بيان غريب ما سبق: أبو عفك: بفتح العين المهملة والفاء الخفيفة وبالكاف، يقال رجل أعفك بيّن العفك أي أحمق. أحد البكّائين: تقدّم الكلام عليهم في أوائل غزوة تبوك. الغرّة: بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء المفتوحة: الغفلة. بفناء المنزل: بكسر الفاء وبالنون والمدّ، ما امتدّ من جوانبه. صائفة: حارّة.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 5/ 221.

خشّ في الفراش: دخل فيه. ثاب: بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة: أي اجتمع. نجم: بفتح النون والجيم أي ظهر وطلع. أمامة: بضم أوله ويقال فيه أسامة. المريدية: بضم الميم وكسر الراء كذا في التبصير تبعا للذهبي، وقال في الأنساب بفتحها، وعليه جرى ابن الأثير، وبسكون التحتية وبالدال المهملة بعدها تحتية مشدّدة، بطن من بليّ. لعمر زيد: أي وحياته. حباك: بفتح المهملة والموحدة أي أعطاك. حنيف: مسلم. على كبر السّنّ: تقدم أنه بلغ مائة وعشرين سنة.

الباب الحادي عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى كعب بن الأشرف وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في السنة الثالثة

الباب الحادي عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى كعب بن الأشرف وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في السنة الثالثة كان كعب يهوديّا. قال ابن عقبة هو من بني النضير، يكنى أبا نائلة. وقال ابن إسحاق وأبو عمر هو من بني نبهان من طىء، وأمه من بني النضير. وكان شاعرا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويهجو الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ويحرّض عليهم الكفّار. وروى ابن سعد عن الزهري في قوله تعالى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً [آل عمران 186] قال هو كعب بن الأشرف فإنه كان يحرّض المشركين على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يعني في شعره يهجو النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه. ولما قدم زيد بن حارثة وعبد اللَّه بن رواحة بالبشارة من بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم، قال كعب: «أحقّ هذا؟ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمّي هذان الرجلان؟ - يعني زيدا وعبد اللَّه بن رواحة- فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، واللَّه لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها» . فلما تيقّن عدوّ اللَّه الخبر، ورأى الأسرى مقرّنين كبت وذل ثم قال لقومه: «ما عندكم؟» قالوا: «عداوته ما حيينا» . قال: «وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم. ولكن أخرج إلى قريش فأحرضها وأبكي قتلاها لعلهم ينتدبون فأخرج معهم» . فخرج حتى قدم مكة، فوضع رحله عند المطلب بن أبي وداعة [بن ضبيرة] السّهمي، وعنده عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص، وأسلمت هي وزوجها بعد ذلك. فأنزلته وأكرمته، وجعل يحرّض على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر. قال محمد بن عمر رضي اللَّه تعالى عنه: ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حسان بن ثابت وأخبره بنزول كعب على من نزل عليه فقال حسّان: ألا أبلغن عنّي أسيدا رسالة ... فخالك عبد بالشراب مجرّب لعمرك ما أوفى أسيد لجاره ... ولا خالد وابن المفاضة زينب وعتّاب عبد غير موف بذمّة ... كذوب شئون الرّأس قرد مدرّب

وذكر ابن عائذ أن كعبا حالف قريشا عند أستار الكعبة على قتال المسلمين. وروي عن عروة أن قريشا قالت لكعب: أديننا أهدى أم دين محمد؟ قال: دينكم. فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله وقالت: ما لنا ولهذا اليهودي ألا ترى ما يصنع بنا حسّان؟ فتحوّل، فكلما تحول عند قوم دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حسّانا فقال: «ابن الأشرف نزل على فلان» . فلا يزال يهجوهم حتى ينبذ رحله. فلما لم يجد مأوى قدم المدينة. انتهى. قال ابن إسحاق: ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم. وروى عبد اللَّه بن إسحاق الخراساني في فموائده عن عكرمة أن كعبا صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعو النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى وليمة، فإذا حضر فتكوا به. ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه. فأعلمه جبرئيل عليه السلام بما أضمروه فرجع فلما فقدوه تفرّقوا. انتهى. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اللهم اكفني بن الأشرف بما شئت في إعلانه الشّرّ» [ (1) ] . وقال صلى اللَّه عليه وسلم، كما في الصحيح: «من لي بكعب بن الأشرف فقد آذى اللَّه ورسوله» [ (2) ] . وفي رواية: «فقد آذانا بشعره وقوّى المشركين علينا» . فقال محمد بن مسلمة: أنا لك به يا رسول اللَّه، أنا أقتله. قال: «أنت له فافعل إن قدرت على ذلك» . [وفي رواية عروة عند ابن عائذ فسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإن قلت (بهذا) احتمل أن يكون سكت أولا ثم أذن] . فرجع محمد بن مسلمة، فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق به نفسه. فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدعاه فقال له: «لم تركت الطعام والشراب؟» فقال: يا رسول اللَّه قلت لك قولا لا أدري هل أفينّ لك به أم لا. فقال: «إنما عليك الجهد» . وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «شاور سعد بن معاذ في أمره» فشاوره فقال له: توجّه إليه واذكر له الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما. فاجتمع [في قتله] محمد بن مسلمة، وعباد بن بشر، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس بن معاذ، بعثه عمّه سعد بن معاذ، وأبو عبس بن جبر، فقالوا: «يا رسول اللَّه نحن نقتله فأذن لنا فلنقل شيئا فإنه لا بدّ لنا من أن نقول:» . فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «قولوا ما بدا لكم فأنتم في حلّ من ذلك» . فخرج أبو نائلة كما قال جلّ أئمة المغازي وكان أخا كعب من الرّضاعة. وفي الصحيح خرج إليه محمد بن مسلمة. فلما رآه كعب أنكر شأنه وذعر منه. فقال أبو نائلة أو محمد بن مسلمة: حدثت حاجة.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 191. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 390 (4037) ومسلم في كتاب الجهاد (119) وأبو داود (2768) .

فقال كعب وهو في نادي قومه وجماعتهم: ادن إليّ فخبّرني بحاجتك. فتحدثنا ساعة، وأبو نائلة أو محمد بن مسلمة يناشده الشعر. فقال كعب: ما حاجتك، لعلك تحب أن تقوم من عندنا. فلما سمع القوم قاموا. فقال محمد بن مسلمة أو أبو نائلة: «إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، ونحن لا نجد ما نأكل، وإنه قد عنّانا» . قال كعب: «وأيضا واللَّه لتملّنّه» . وفي غير الصحيح: فقال أبو نائلة: «إني قد جئتك في حاجة أريد أن أذكرها لك فاكتم عنّي» . قال: «أفعل» . قال: «كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل، حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا» . فقال كعب بن الأشرف: «أما واللَّه لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول، ولكن اصدقني ما الذي تريدون من أمره؟» قال: «خذلانه والتنحي عنه» . قال: «سررتني ألم يأن لكم أن تعرفوا ما عليه من الباطل؟» . فقال له أبو نائلة أو محمد بن مسلمة: «معي رجال من أصحابي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك تمرا وطعاما وتحسن إلينا، ونرهنك ما يكون ذلك فيه ثقة» . وفي صحيح مسلم [ (1) ] : «وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر، وعبّاد بن بشر. قال [كعب] : «أما واللَّه ما كنت أحب يا أبا نائلة أن أرى بك هذه الخصامة وإن كنت من أكرم الناس، على ماذا ترهنوني؟ [أترهنوني] أبناءكم؟» قال: «إنا نستحي أن يعيّر أبناؤنا فيقال، هذا رهينة وسق، وهذا رهينة وسقين» . قال: «فارهنوني نساءكم» . قال: «لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا، أنت أجمل الناس ولا نأمنك، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك، ولكنا نرهنك من السلاح والحلقة ما ترضى به، ولقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم» . قال كعب: «أن في السلاح لوفاء» . وأراد أبو نائلة ألّا ينكر السلاح إذا جاءوا به. فسكن إلى قوله وقال: «جيء به متى شئت» . فرجع أبو نائلة من عنده على ميعاد. فأتى أصحابه فأخبرهم، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده. ثم أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشاء فأخبروه فمشى [معهم] . وروى ابن إسحاق والإمام أحمد بسند صحيح عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الفرقد، ثم وجّههم وقال: «انطلقوا على اسم اللَّه، اللهم أعنهم» وعند ابن سعد: «امضوا على بركة اللَّه وعونه» . ثم رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيته في ليلة مقمرة مثل النهار، ليلة أربع عشرة من شهر ربيع الأول.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق في باب قتل كعب بن الأشرف.

فمضوا حتى انتهوا إلى حصن ابن الأشرف. وفي الصحيح: فقال محمد بن مسلمة- وفي كتب المغازي أبو نائلة- لأصحابه: «إذا ما رآكم كعب فإني قائل بشعره فأسمّه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه» . فهتف أبو نائلة، وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: «إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة» . فقال: «إنه ميعاد عليّ وإنما هو أخي أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني» . فقالت: «واللَّه إني لأعرف في صوته الشّرّ» . فكلّمهم من فوق البيت. وفي رواية: «أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدّم» . قال: فقال لها كعب: «إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب» . ثم نزل إليهم متوشحا بملحفة وهو ينفح منه ريح الطيب. فجاءهم ثم جلس فتحدث معهم ساعة حتى انبسط إليهم. فقالوا: «هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه؟» فقال: «إن شئتم» . فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة. فقال أبو نائلة: «نجد منك ريح الطّيب» . قال: «نعم تحتي فلانة من أعطر نساء العرب» . قال: أفتأذن لي أن أشم [رأسك] ؟» قال: نعم. فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم شمّ يده فقال: «ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط» . وإنما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبّد في صدغيه وكان جعدا جميلا. ثم مشى أبو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها [حتى اطمأن إليه وسلسلت يده في شعره] فأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه: «اضربوا عدوّ اللَّه» . فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا وردّ بعضها بعضا. ولصق بأبي نائلة. قال محمد بن مسلمة: «فذكرت مغولا كان في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته وقد صاح عدو اللَّه عند أول ضربة صيحة لم يبق حولنا حصن من حصون يهود إلا أوقدت عليه نار» . قال: «فوضعته في ثنّته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو اللَّه» . وعند ابن سعد: فطعنه أبو عبس في خاصرته وعلاه محمد بن مسلمة [بالسيف] وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رجله، أصابه بعض أسياف القوم. فلما فرغوا حزّوا رأس كعب ثم خرجوا يتستّرون، وهم يخافون من يهود، الإرصاد حتى سلكوا على بني أمية بن زيد، ثم على قريظة، وإن نيرانهم في الحصون لعالية، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرّة العريض تخلّف الحارث فأبطأ عليهم فناداهم: «أقرئوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مني السلام» . فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما بلغوا بقيع الفرقد كبّروا. وقد قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة يصلّي، فلما سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع

تنبيهات

كبّر وعرف أن قد قتلوه. ثم أتوه يعدون حتى وجدوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واقفا على باب المسجد. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أفلحت الوجوه» . فقالوا: «ووجهك يا رسول اللَّه» ورموا برأسه بين يديه. فحمد اللَّه تعالى على قتله. ثم أتوا بصاحبهم الحارث، فتفل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على جرحه فلم يؤذه، فرجعوا إلى منازلهم. فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» [ (1) ] . فخافت اليهود، فلم يطلع عظيم من عظمائهم وخافوا أن يبيّتوا كما بيّت ابن الأشرف. وعند ابن سعد: فأصبحت اليهود مذعورين فجاؤوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة، فذكّرهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنيعة، وما كان يحضّ عليهم ويحرّض في قتالهم ويؤذيهم. ثم دعاهم إلى أن يكتبوا بينه وبينهم صلحا [أحسبه] . فكان ذلك الكتاب مع علي رضي اللَّه تعالى عنه بعد. تنبيهات الأول: قال العلماء ورحمهم اللَّه تعالى «في حديث كعب بن الأشرف دليل على جواز قتل من سبّ سيدنا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو انتقصه أو آذاه، سواء أكان بعهد أم بغير عهد، ولا يجوز أن يقال إن هذا كان غدرا وقد قال ذلك رجل كان في مجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه، فضرب عنقه. وإنما يكون الغدر بعد أمان، وهذا نقض العهد، وهجا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وسبّه. وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاهده ألّا يعين عليه أحدا، فنقض كعب العهد، ولم يؤمنه محمد بن مسلمة ولا رفقته بحال، وإنما كلمه في أمر البيع والرهن إلى أن تمكّن منه. الثاني: وقع في صحيح مسلم في قول كعب بن الأشرف: «إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة» [ (2) ] . قال القاضي [عياض] قال لنا شيخنا القاضي الشهيد: صوابه أن يقول: «إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعة أبو نائلة» أي بإسقاط الواو، كذا ذكر أهل السّير أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد بن مسلمة» . ووقع في صحيح البخاري: «ورضيعي أبو نائلة» [ (3) ] . قال: «وهذا له عندي وجه إن صحّ أنه كان رضيعا لكعب. الثالث: وقع في الصحيح أن الذي خاطب كعبا هو محمد بن مسلمة وجلّ أهل المغازي على أنه أبو نائلة وأومأ الدمياطي إلى ترجيحه، قال الحافظ: ويحتمل بجمع أن يكون

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 3/ 256 والحاكم 3/ 434 وعبد الرزاق (5382) وانظر البداية والنهاية 4/ 139. [ (2) ] أخرجه مسلم في باب قتل كعب بن الأشرف في الموضع السابق. [ (3) ] في البخاري في كتاب المغازي باب قتل كعب بن الأشرف (4037) .

كل منهما كلّمه في ذلك لأن أبا نائلة أخوه من الرضاعة، ومحمد بن مسلمة هو ابن أخت كعب كما رواه عبد اللَّه بن إسحاق الخراساني في فوائده. الرابع: وقع في الصحيح عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن محمد بن مسلمة جاء معه برجلين، قال سفيان. وقال غير عمرو: وأبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، وعبّاد بن بشر. قال الحافظ: فعلى هذا كانوا خمسة وهو أولى من رواية من روى أنهم كانوا ثلاثة فقط ويمكن الجمع بأنهم كانوا مرة ثلاثة وفي أخرى خمسة. الخامس: في بيان غريب ما سبق: الأشرف: بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وبالفاء. النّضير: بالضاد المعجمة وزن عليم. نائلة: بنون وبعد الألف تحتية. طيّء: بفتح الطاء وتشديد التحتية وآخر همزة. اليقين: العلم وزوال الشّكّ. مقرونين: مجعولين قرنا بالشّدّ والإثبات، يقال قرّنهما تقرينا أي جعلهما قرنين. كبت: بضم أوله وكسر الموحدة: أذلّة اللَّه وصرفه عن مراده. أبو وداعة: اسمه الحارث بن صبيرة بضم الصاد المهملة. السّهمي: بفتح السين المهملة وسكون الهاء. العيص: بكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالصاد المهملة، واد من ناحية ذي المروة على أربع ليال من المدينة. القليب: البئر. فشبّب بنساء المسلمين: تقوّل فيهن وذكرهنّ بسوء. من لكعب؟: أي من الذي ينتدب لقتله؟. يتعلق به نفسه: مأخوذ من العلقة والعلاق أي بلغة من الطعام إلى وقت الغذاء يعني ما يسدّ به رمقه من الغذاء ... ذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبناء للمفعول. الجهد: بفتح الجيم وضمها: الطاقة. عبّاد: بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة. ابن بشر: بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة.

سلكان: بكسر السين المهملة وإسكان اللام. أبو عبس: بفتح العين المهملة وبعد الموحدة الساكنة سين مهملة واسمه: عبد الرحمن ابن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة والجبر ضد الكسر. من أن نقول: حقّه أن يقول، يريد نفتعل قولا نحتال به، قال السهيلي: يعني الكذب أباحه له لأنه من خدع الحرب. ما بدا لكم، بلا همز. أي ظهر. عنّانا: بمهملة وتشديد النون الأولى من العناء وهو التعب. وأيضا: أي وزيادة على ذلك وقد فسّره بقوله ولتملّنّه: بفتح الفوقية والميم وتشديد اللام من الملال وهو السآمة. الوسق: بفتح الواو وكسرها. ارهنوني: ادفعوا إليّ شيئا يكون رهنا على الشيء الذي تريدونه. نرهنك: بفتح أوله وثالثه من الثلاثي، ويجوز من الرباعي نرهنك فيضم أوله ويكسر ثالثه. قائل: باللام. بشعره: بفتحتين من إطلاق القول على الفعل. هتف: صاح. محارب: بفتح الراء وكسرها. ينفح: بالفاء والحاء المهملة. المغول: بميم مكسورة فغين معجمة ساكنة فواو مفتوحة قال في الإملاء. الحلقة: السلاح كله وأصله في الدّرع، ثم سمّي السلاح كله حلقة. الّلأمة: بتشديد اللام وسكون الهمزة. قال ابن عيينة كما في الصحيح: يعني السلاح، وقال أهل اللغة الدّرع. بعاث: بضم الموحدة وبالعين المهملة وبثاء مثلثة. العريض: بعين مهملة فتحتية فضاد معجمة تصغير عرض اسم واد شاميّ بالحرّة الشرقية قرب قناة أبطا بفتح همز أوله وآخره.

الباب الثاني عشر في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى القردة في أول جمادى الآخرة سنة ثلاث

الباب الثاني عشر في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنه إلى القردة في أول جمادى الآخرة سنة ثلاث وهي أول سرية خرج فيه زيد أميرا. وسببها أن قريشا لما كانت وقعة بدر خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكونه إلى الشام، فسلكوا طريق العراق. فخرج منهم تجّار فيهم أبو سفيان بن حرب، ومعه فضّة كثيرة، وهي عظم تجارتهم، وخرج صفوان بن أمية بمال كثير نقر فضّة وآنية فضّة وزن ثلاثين ألف درهم، وأرسل معه أبو زمعة ثلاثمائة مثقال ذهب ونقر فضّة، وبعث معه رجال من قريش ببضائع، وخرج معه عبد الله بن أبي ربيعة، وحويطب بن عبد العزى في رجال من قريش. واستأجروا فرات بن حيان. قال ابن إسحاق: من بني بكر بن وائل. وقال محمد بن عمر، وابن سعد، وابن هشام: من بني عجل وزاد ابن هشام حليف لبني سهم. فخرج بهم على طريق ذات عرق. فبلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمرهم، فأرسل زيد بن حارثة في مائة راكب فاعترضوا لها بالقردة، فأصابوا العير، وأفلت أعيان القوم، وأسروا رجلين أو ثلاثة، وقدموا بالعير على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخمسّها، فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم، وقسّم الباقي على أهل السرية. وكان في الأسارى فرات بن حيان، وكان أسر يوم بدر، فأفلت على قدميه، فكان الناس عليه أحنق شيء. وكان الذي بينه وبين أبي بكر حسنا، فقال له: «أما آن لك أن تقصير؟. قال: «إن أفلتّ من محمد هذه المرّة لم أفلت أبدا» . فقال له أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه: «فأسلم» . فأتى به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه فأسلم فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. تنبيهان الأول: ذكر ابن إسحاق هذه السرية قبل سرية كعب بن الأشرف، وذكرها محمد بن عمر، وابن سعد، والقطب بعدها. الثاني: في بيان غريب ما سبق: حارثة: بالحاء المهملة والثاء المثلثة. القردة كسجدة بالقاف ويقال بالفاء، ماء من مياه نجد. تجار: بكسر الفوقية وتخفيف الجيم، وبضم الفوقية وتشديد الجيم. عظم تجارتهم: بضم العين المهملة وإسكان الظاء المعجمة المشالة أي أكثرها.

نقر فضّة: جمع نقرة بنون مضمومة فقاف ساكنة فراء: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة. حويطب: بضم الحاء المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر الطاء المهملة وبالموحدة. فرات: بضم الفاء وبالفوقية. ابن حيّان: بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية. وأيل: بكسر التحتية. حليف: معاهد. سهم: بلفظ واحد السهام. ذات عرق: بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالقاف. أفلت: بالبناء للفاعل.

الباب الثالث عشر في سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد رضي الله تعالى عنه إلى قطن في أول المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث عشر في سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد رضي اللَّه تعالى عنه إلى قطن في أول المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وسببها إن رجلا من طيء اسمه الوليد بن زهير بن طريف قدم المدينة زائرا ابنة أخيه زينب، وكانت تحت طليب بن عمير بن وهب، فأخبر أن طليحة، وسلمة ابني خويلد تركهما قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم لحرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فنهاهم قيس بن الحارث بن عمير. فقال: «يا قوم واللَّه ما هذا برأي، ما لنا قبلهم وتر، وما هم نهبة لمنتهب [إن دارنا لعبيدة من يثرب، وما لنا جمع كجمع قريش، مكثت قريش دهرا تسير في العرب تستنصرها، ولهم وتر يطلبونه، ثم ساروا قد امتطوا الإبل وقادوا الخيل وحملوا السلاح مع العدد الكثير، ثلاثة آلاف مقاتل سوى أتباعهم] وإنما جهدكم أن تخرجوا في ثلاثمائة رجل إن كملوا فتفرّون بأنفسكم وتخرجون من بلادكم [ولا آمن من أن تكون الدّبرة عليكم] فعصوه. فلما بلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا أبا سلمة رضي اللَّه تعالى عنه وقال: «أخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها» . وعقد له لواء، وقال: «سر حتى ترد أرض بني أسد بن خزيمة، فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليكم جموعهم» . وأوصاه بتقوى اللَّه تعالى وبمن معه من المسلمين خيرا. فخرج معه في تلك السرية خمسون ومائة رجل، ومعه الرجل الطائي دليلا، فأغذّ السير ونكب بهم عن سنن الطريق، وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الأخبار وانتهوا إلى ذي قطن: ماء من مياه بني أسد وهو الذي كان عليه جمعهم. فأغاروا على سرح لهم فضمّوه وأخذوا رعاء لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم. فجاؤوا جمعهم فأخبروهم الخبر وحذروهم جمع أبي سلمة، وكثّروه عندهم، فتفرّق الجمع في كل وجه، وورد أبو سلمة الماء، فوجد الجمع قد تفرّق. فعسكر وفرّق أصحابه في طلب النّعم والشّاء. فجعلهم ثلاث فرق. فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا في ناحيتين شتى وأوعز إليهما ألا يمعنوا في الطلب وألا يبيّتوا إلا عنده إن سلموا، وأمرهم ألا يفترقوا واستعمل على كل فرقة عاملا منهم فآبوا إليه جميعا سالمين قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا. فانحدر أبو سلمة بذلك كله راجعا إلى المدينة ورجع معه الطائي. فلما ساروا ليلة قسّم أبو سلمة الغنائم وأخرج صفيّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عبدا وأخرج الخمس وأعطى الطائي الدليل رضاه من المغنم ثم قسم ما بقي بين أصحابه فأصاب كل إنسان سبعة أبعرة، وقدم بذلك إلى المدينة ولم يلق كيدا. وذكر أبو عمر، وأبو عبيدة أن مسعود بن عروة قتل في هذه السرية.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عبد الأسد: بسين مهملة. قطن: بفتح القاف والطاء المهملة وبالنون جبل أو ماء بنجد. فيد: بفتح الفاء وسكون التحتية وبالدال المهملة. طليب: بضم الطاء المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وبالموحدة، وأبوه عمير بوزنه وعين وراء مهملتين. طليحة: بالتصغير وأسلم بعد ذلك. وسلمة: لم يسلم. قيس بن الحارث: لا أعلم له إسلاما. عميرة: بفتح العين المهملة وكسر الميم. الوتر: بكسر الواو وسكون الفوقية: الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي. النّهبة: بضم النون وسكون الهاء وبالموحدة وتاء التأنيث والنّهبى بألف التأنيث المقصورة اسم للمنهوب. أغذّ السّير: بفتح الهمزة والغين والذال المشدّدة المعجمتين أي أسرع. نكب عن الطريق بالنون والكاف المخففة وزن نصر وفرح نكبا بالفتح والسكون عدل عنه. السّنن: هنا بفتح السين المهملة وبضمها وبضم أوله وفتح ثانيه جهة الطريق ونهجه. السّرح: بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السائم. أفلت: بالبناء للفاعل. سائرهم: أي باقيهم. شتّى: أي متفرقون يقال شتّ الشيء إذا تفرق.

الباب الرابع عشر في بعثه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس بن أسعد الجهني القضاعي الأنصاري السلمي، بفتحتين حليف بني سلمة. من الأنصار، رضي الله تعالى عنه إلى سفيان بن خالد [بن نبيح] بعرنة

الباب الرابع عشر في بعثة صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن أنيس بن أسعد الجهني القضاعي الأنصاري السلمي، بفتحتين حليف بني سلمة. من الأنصار، رضي اللَّه تعالى عنه إلى سفيان بن خالد [بن نبيح] بعرنة روى أبو داود بإسناد حسن، والبيهقي [ (1) ] وأبو نعيم عن عبد اللَّه بن أنيس رضي اللَّه تعالى عنه، ومحمد بن عمر عن شيوخه، والبيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وعن عروة قال شيوخ محمد بن عمر: خرج عبد اللَّه بن أنيس من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا- واللفظ لمحمد بن عمر- «بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي ثم اللّحياني، وكان ينزل عرنة وما والاها في أناس من قومه، وغيرهم يريد أن يجمع الجموع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس» . قال عبد اللَّه بن أنيس رضي اللَّه تعالى عنه: «دعاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «إنه بلغني أن سفيان بن خالد بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة فأته فاقتله» . فقلت: يا رسول اللَّه صفه لي حتى أعرفه فقال: «آية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته هبته وفرقت منه ووجدت له قشعريرة وذكرت الشيطان» . قال عبد اللَّه وكنت لا أهاب الرجال فقلت: يا رسول اللَّه، ما فرقت من شيء قط. فقال: «بلى آية ما بينك وبينه ذلك أن تجد له قشعريرة إذا رأيته» . قال: واستأذنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أقول. فقال: «قل ما بدا لك» . وقال: «انتسب لخزاعة» . فأخذت سيفي ولم أزد عليه وخرجت أعتزي لخزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الأحابيش. فلما رأيته هبته وعرفته بالنعت الذي نعت لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فقلت: صدق اللَّه ورسوله، وقد دخل وقت العصر حين رأيته، فصليت وأنا أمشي أومي برأسي إيماء. فلما دنوت منه قال: «من الرجل؟» . فقلت: «رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك عليه» . قال: «أجل إني لفي الجمع له» . فمشيت معه وحدّثته فاستحلى حديثي وأنشدته وقلت: «عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث، فارق الآباء وسفّه أحلامهم» . قال: «لم ألق أحدا يشبهني ولا يحسن قتاله» . وهو يتوكأ على عصا يهدّ الأرض،. حتى انتهى إلى خبائه وتفرّق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه، وهم يطيفون به. فقال: «هلمّ يا أخا خزاعة فدنوت منه. فقال: «اجلس» فجلست معه حتى إذا هدأ الناس ونام اغتررته. وفي أكثر الروايات أنه قال: «فمشيت

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن 3/ 256 وفي الدلائل 4/ 42 وابن حبان (591) .

تنبيهان

معه حتى إذا أمكنني حملت عليه السيف فقتله وأخذت رأسه. ثم أقبلت فصعدت جبلا. فدخلت غارا وأقبل الطلب من الخيل والرجال تمعج في كل وجه وأنا مكتمن في الغار، وضربت العنكبوت على الغار. وأقبل رجل معه إداوته ونعله في يده وكنت خائفا. فوضع إداوته ونعله وجلس يبول قريبا من فم الغار، ثم قال لأصحابه: ليس في الغار أحد، فانصرفوا راجعين، وخرجت إلى الإداوة فشربت ما فيها وأخذت النعلين فلبستهما. فكنت أسير الليل وأكمن النهار حتى جئت المدينة، فوجدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد، فلما رآني قال: «أفلح الوجه» . فقلت: وأفلح وجهك يا رسول اللَّه» . فوضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري، فدفع إليّ عصا وقال: «تخصّر بها في الجنة فإن المختصّرين في الجنة قليل» . فكانت العصا عند عبد اللَّه بن أنيس حتى إذا حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوا العصا في أكفانه. ففعلوا ذلك. قال ابن عقبة: فيزعمون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخبر بقتل عبد اللَّه بن أنيس، سفيان بن خالد، قبل قدوم عبد اللَّه بن أنيس رضي اللَّه تعالى عنه. تنبيهان الأول: تردّد الإمام محب الدين الطبري رحمه اللَّه تعالى في عبد اللَّه بن أنيس قاتل سفيان بن خالد لا معنى له، لأنه هو الجهني بلا تردد، وهو أشهر ذكرا من الخمسة الذين وافقوه في الاسم واسم الأب من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم. الثاني: في بيان غريب ما سبق: أنيس: بضم أوله وفتح النون وسكون التحتية. الجهني: بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون، القضاعي: بضم القاف وبالضاد المعجمة الساقطة وبالعين المهملة، وجهينة في قضاعة. الحليف: كأمير المحالف. بنو سلمة: بكسر اللام. سفيان: بالحركات الثلاث بعدها فاء. نبيح: بضم النون وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالحاء المهملة. الهذلي: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة. عرنة: بضم العين المهملة وفتح الراء والنون فتاء تأنيث موضع بقرب عرفة موقف الحجيج.

ضوى إليه: بالضاد المعجمة يضوي. الماضي بالفتح والمستقبل بالكسر ضويّا أوى إليه. أفناء الناس: كأحمال: أخلاطهم، يقال للرجل إذا لم يعرف من أي قبيلة هو: من أفناء القبائل. نخلة: بفتح النون وسكون الخاء المعجمة وباللام وتاء التأنيث اسم مكان. الآية: العلامة. فرقت: بفتح الفاء وكسر الراء فزعت. القشعريرة: انقباض الجلد واجتماعه. أن أقول: بسطت الكلام عليه في سرية كعب بن الأشرف. بدا لك: بلا همز أي ظهر لك. اعتزى: بالزاي انتمى. خزاعة: بضم الخاء المعجمة والزاي والعين المهملة: قبيلة كبيرة من العرب. الأحابيش: أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا، وتقدم في أحد مبسوطا. أجل: بالجيم واللام كنعم وزنا ومعنى. الخباء: بكسر الخاء المعجمة وبالموحدة والمدّ: بيت من بيوت الأعراب، قال أبو عبيد رحمه اللَّه تعالى لا يكون إلا من صوف أو وبر ولا يكون من شعر. هلمّ: اسم فعل بمعنى الدعاء إلى الشيء كما يقال تعال. يا أخا خزاعة: يا واحدا منهم. هدأ الناس: بهمزة مفتوحة في آخره: ناموا وسكنوا. اغتررته: بالغين المعجمة، أي أخذته في غفلة والغرّة الغفلة. يمعج: بفتح الفوقية وسكون الميم وفتح العين المهملة وبالجيم، قال في الصحاح المعج سرعة السير. الإداوة: بكسر أوله المطهرة. التّخصّر: بفتح الفوقية والخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة الاتكاء على قصب ونحوه.

الباب الخامس عشر في سرية الرجيع

الباب الخامس عشر في سرية الرجيع كانت في صفر سنة ثلاث. واختلف في سببها وفي عدد رجالها فقال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه كما في الصحيح وعروة، وابن عقبة كما رواه البيهقي عنهما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث عشرة عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وجزم ابن سعد بأنهم عشرة وسمى منهم سبعة: 1- عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. 2- ومرثد بن أبي مرثد [ (1) ] كنّاز بن [حصين بن يربوع بن طريف الغنوي] . 3- وعبد اللَّه بن طارق [حليف بني ظفر] . 4- وخبيب بن عديّ [ (2) ] [أحد بني جحجبي بن كلفة بن عمرو بن عوف] . 5- وزيد بن الدثنة [ (3) ] [بن معاوية أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق] . 6- وخالد بن البكير [ (4) ] [الليثي] . 7- ومعتّب بن عبيد ويقال ابن عوف. وذكرهم محمد بن عمر رحمه اللَّه تعالى ثم قال: «ويقال كانوا عشرة» . انتهى. والظاهر أن الثلاثة كانوا تبعا فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم. وذكر ابن إسحاق أنهم كانوا ستة وهم [من ذكرنا] ما عدا معتّب. وذكر ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد وغيرهم، ولفظ محمد بن عمر أحسن سياقا.

_ [ (1) ] (مرثد) بن أبي مرثد الغنوي ... صحابي وأبوه صحابي واسمه كناز- بنون- ثقيلة وزاي- ابن الحصين وهما ممن شهد بدرا قال ابن إسحاق: استشهد مرثد في صفر سنة ثلاث في غزاة الرجيع وجاءت عنه رواية عند أحمد بن سنان القطان في مسنده والبغوي والحاكم في مستدركه والطبراني في الأوسط من طريق القاسم بن أبي عبد الرحمن السامي عن مرثد بن أبي مرثد وكان بدريا قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «ان سركم أن تقبل منكم صلاتكم فليؤمكم خياركم» وفي رواية الطبراني: فليؤمكم علماؤكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» قال ابن عبد البر قال القاسم السامي في حديثه: حدثني أبو مرثد وهو وهم لأن من يقتل في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يدركه القاسم وإنما هو مرسل قلت: الوهم ممن قال عن القاسم حدثني مرثد وإنما الصواب أنه قال عن مرثد كذا عند جمهور من أخرج الحديث المذكور بالعنعنة واللَّه تعالى أعلم قاله الحافظ في الإصابة 6/ 78. [ (2) ] خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن جحجي بن عوف بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي شهد بدرا واستشهد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذكر القيرواني من حلى العلي أن خبيبا لما قتل جعلوا وجهه إلى غير القبلة فوجدوه مستقبل القبلة فأدركوه مرارا ثم عجزوا فتركوه. الإصابة 2/ 103. [ (3) ] زيد بن الدثنة- بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون- ابن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري البياضي.. شهد بدرا وأحدا وكان في غزوة بئر معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم انظر الإصابة 3/ 27. [ (4) ] خالد بن البكير بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن بكر بن ليث بن عبد مناة الليثي.. حليف بن عدي بن كعب مشهور من السابقين وشهد بدرا وهو أحد الإخوة الإصابة 2/ 86.

قال نقلا عن شيوخه: «مشت بنو لحيان من هذيل، بعد قتل سفيان [بن خالد] بن نبيح الهذلي إلى عضل والقارة، وهما حيّان، فجعلوا لهم فرائض أن يقدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيكلّموه فيخرج إليهم نفرا من أصحابه يدعونهم إلى الإسلام. قالوا: فنقتل من أردنا ونسير بهم إلى قريش بمكة، فنصيب بهم ثمنا، فإنه ليس شيء أحب إليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمد يمثلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر. فقدم سبعة نفر من عضل والقارة [وهما حيّان إلى خزيمة] مقرّين بالإسلام. فقالوا: (يا رسول اللَّه، إن فينا إسلاما فاشيا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئوننا القرآن ويفقّهوننا في الإسلام) . فبعث معهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعة نفر، وأمّر عليهم مرثد بن أبي مرثد، ويقال عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. قلت وهو الصحيح، فقد رواه البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه. فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا بالهدّة- وفي رواية بالهدأة بين عسفان ومكة. قال أبو هريرة وعروة وابن عقبة: فغدروا بهم فنفروا لهم، وفي لفظ، فاستصرخوا عليهم قريبا من مائة رام، وفي رواية في الصحيح في الجهاد: «فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل» . والجمع واضح بأن تكون المائة الأخرى غير رماة. وذكر أبو معشر في مغازيه أن الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم نزلوا بالرجيع سحرا، فأكلوا تمر عجوة فسقط نواة في الأرض وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون النهار. فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النّويّ فأنكرت صغرهن، وقالت هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها: «قد أتيتم، فاقتصوا آثارهم حتى نزلوا منزلا فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد ركنوا في الجبل، انتهى. فلم يرع القوم إلا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم. فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وفي لفظ قردد، بواد يقال له غران. وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: «لكم العهد والميثاق أن نزلتم إلينا ألّا نقتل منكم رجلا، إنّا واللَّه لا نريد قتلكم، إنما نريد أن نصيب منكم شيئا من أهل مكة» . فقال عاصم: «أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم إني أحمي لك اليوم دينك فاحم لحمي، اللهم أخبر عنا رسولك» . قال إبراهيم بن سعد كما رواه أبو داود الطيالسي: «فاستجاب اللَّه تعالى لعاصم فأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبره وخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا» . وفي حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه كما في الصحيح: [ (1) ] وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم أصيبوا خبرهم، فقاتلوهم فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة [في نفر النّبل] . وبقي خبيب، وزيد، وعبد اللَّه بن طارق كما عند ابن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 437 (4086) .

إسحاق. قال ابن إسحاق وغيره: «فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد [بن شهيد] ، وأسلمت بعد ذلك، وكانت قد نذرت حين قتل ابنيها مسافع والجلاس ابني طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان عاصم قتلهما يوم أحد، لئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ الخمر في قحفه، وجعلت لمن جاء به مائة ناقة، فمنعته الدّبر. وفي حديث أبي هريرة في الصحيح: «وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر» ، قال الحافظ: «لعله عقبة بن أبي معيط فإن عاصما قتله صبرا بإذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بعد أن انصرفوا من بدر، وكأن قريشا لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الدّبر لها من أخذ رأس عاصم، فأرسلت من يأخذه أو عرفوا بذلك ورجوا أن تكون الدّبر تركته فيتمكنوا من أخذه» . انتهى. فبعث اللَّه عليه مثل الظلة من الدّبر يطير في وجوههم ويلدغهم فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء. انتهى. فلما حالت بينهم وبينه، قالوا دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه، فبعث اللَّه تبارك وتعالى الوادي فاحتمله فذهب به. وكان عاصم رضي اللَّه تعالى عنه قد أعطى اللَّه عهدا ألّا يمس مشركا ولا يمسّه مشرك، فبرّ اللَّه عز وجل قسمه، فلم يروه ولا وصلوا منه إلى شيء. وكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه يقول حين بلغه خبره: «يحفظ اللَّه تبارك وتعالى العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته» . وصعد خبيب وزيد، وعبد اللَّه الجبل، فلم يقدروا عليهم حتى أعطوهم العهد والميثاق، فنزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال عبد اللَّه بن طارق: «هذا أول الغدر واللَّه لا أصحبكم إن لي بهؤلاء القتلى أسوة» فجرّروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، كذا في الصحيح [ (1) ] . وعند ابن إسحاق. وأما زيد بن الدّثنة وخبيب بن عديّ وعبد اللَّه بن طارق فلانوا ورقّوا ورغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظّهران انتزع عبد اللَّه بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبروه بالظّهران، وانطلقوا بزيد وخبيب فباعوهما بمكة، قال والذي باعهما زهير، وجامع الهذليّان. قال ابن هشام باعوهما بأسيرين من هذيل [كانا بمكة] وقال محمد بن عمر: بيع الأول بمثقال ذهبا ويقال بخمسين فريضة، وبيع الثاني بخمسين فريضة ويقال اشترك فيه ناس من قريش ودخلوا بهما في شهر حرام في ذي القعدة فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الموضع السابق.

ذكر قتل زيد بن الدثنة رضي الله تعالى عنه

ذكر قتل زيد بن الدثنة رضي اللَّه تعالى عنه قال ابن إسحاق وابن سعد: فاشترى زيدا صفوان بن أمية، وأسلم بعد ذلك ليقتله بأبيه أمية بن خلف وحبسه عند ناس من بني جمح ويقال عند نسطاس غلامه. فلما انسلخت الأشهر الحرم بعثه صفوان مع غلامه نسطاس إلى التنعيم وأخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع رهط من قريش، منهم أبو سفيان بن حرب. فقال أبو سفيان حين قدّم ليقتل: «أنشدك اللَّه يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟» قال: «واللَّه ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي» . فقال أبو سفيان: «ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا» . ثم قتله نسطاس، وأسلم بعد ذلك. وذكر ابن عقبة أن زيدا وخبيبا قتلا في يوم واحد وأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمع يوم قتلا وهو يقول: «وعليكما السلام» . ذكر قصة قتل خبيب بن عدي رضي اللَّه تعالى عنه وما وقع في ذلك من الآيات قال أبو هريرة كما في الصحيح [ (1) ] : «فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل» . وقال ابن عقبة: «واشترك في ابتياع خبيب، زعموا أبا إهاب بن عزيز، وعكرمة بن أبي جهل، والأخنس بن شريق [ (2) ] ، وعبيدة بن حكيم بن الأوقص، وأمية بن أبي عتبة، وصفوان بن أمية وبنو الحضرمي، وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر» وقال ابن إسحاق: «فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل، وكان أخا الحارث بن عامر لأمه» . وقال ابن هشام: كان ابن أخته لا ابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه الحارث. قال أبو هريرة كما في الصحيح: «وكان خبيب بن عدي قتل الحارث يوم بدر» . انتهى. فجلس خبيب في بيت امرأة يقال لها ماويّة مولاة حجير بن أبي إهاب، وأسلمت بعد ذلك فأساؤوا إساءة. فقال لهم: «ما يصنع القوم الكرام هنا بأسيرهم» فأحسنوا إليه بعد. وروى ابن سعد عن موهب مولى الحارث أنهم جعلوا خبيبا عنده، فكأنه كان زوج ماويّة. قالت ماوية كما عند محمد بن عمر، وموهب كما عند ابن سعد أنهما قالا لخبيب: «ألك حاجة؟» فقال: «نعم لا تسقوني إلا العذاب ولا تطعموني ما ذبح على النّصب وتخبروني إذا أرادوا قتلى» .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الموضع السابق (4086) . [ (2) ] الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزيز بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي أبو ثعلبة حليف بني زهرة ... اسمه أبي وإنما لقب الأخنس لأنه رجع ببني زهرة من بدر لما جاءهم الخبر إن أبا سفيان نجا بالعير فقيل: خنس الأخنس ببني زهرة فسمي بذلك ثم أسلم الأخنس فكان من المؤلفة وشهد حنينا ومات في أول خلافة عمر ذكره أبو موسى عن ابن شاهين. الإصابة 1/ 23.

وروى البخاري عن بعض بنات الحارث بن عامر، قال خلف في الأطراف: اسمها زينب، وابن إسحاق ومحمد بن عمر عن ماويّة قالت زينب: «ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وأنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه اللَّه تعالى خبيبا» . وقالت ماويّة: «اطلعت عليه من صير الباب وإنه لفي الحديد وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرّجل يأكل منه وما أعلم في أرض اللَّه تعالى عنبا يؤكل» . زاد محمد بن عمر: كان خبيب يتهجّد بالقرآن فكان يسمعه النساء فيبكين ويرفقن عليه. فلما انسلخت الأشهر الحرم، وأجمعوا على قتله قالت ماوية كما عند محمد بن عمر: «فأتيته فأخبرته فو اللَّه ما اكترث بذلك» . وقال: «ابعثني بحديدة أستصلح بها» . قالت: «فبعثت إليه بموسى مع أبي حسين بن الحارث» . قال محمد بن عمر: وكانت تحضنه ولم يكن ابنها. فلما ولّى الغلام قلت: «واللَّه أدرك الرجل ثأره، أيّ شيء صنعت؟ بعثت هذا الغلام بهذه الحديدة، فيقتله ويقول: رجل برجل» . فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال: «لعمرك أما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة؟» ثم خلّى سبيله. فقلت: «يا خبيب إنما أمنتك بأمانة اللَّه» فقال خبيب: «ما كنت لأقتله وما نستحلّ في ديننا الغدر» . وفي الصحيح عن أبي هريرة [ (1) ] : « [فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله] استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها فأعارته، قالت فغفلت عن صبي لي حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني، وفي يده الموسى. فقال: «أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء اللَّه» . قال الحافظ: والجمع بين الروايتين أنه طلب الموسى من كل منهما، وكان الذي أوصله إليه ابن أحدهما. وأما ابن الذي خشيت عليه حين درج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فهذا غير الذي أحضر إليه الحديدة. واللَّه تعالى أعلم. فأخرجوه في الحديد حتى انتهوا به إلى التنعيم، وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة. فلم يتخلّف أحد إمّا موتور فهو يريد أن يتشفّى بالنظر من وتره، وإما غير موتور فهو مخالف للإسلام وأهله. فلما انتهوا به إلى التنعيم أمروا بخشبة طويلة فحفروا لها. فلما انتهوا بخبيب إليها قال: «هل أنتم تاركي فأصلّي ركعتين؟» قالوا: نعم. فركع ركعتين أتمّهما من غير أن يطوّل فيهما. ثم أقبل على القوم فقال: «أما واللَّه لولا أن تظنوا أني إنما طوّلت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة» .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4086) .

وذكر ابن عقبة رحمه الله تعالى أنه صلى الركعتين في موضع مسجد التنعيم. قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، كما في الصحيح [ (1) ] : «فكان خبيب رضي الله تعالى عنه أول من سنّ هاتين الركعتين عند القتل» انتهى. ثم قال خبيب: «اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا» . قال معاوية بن أبي سفيان: «لقد حضرت مع أبي سفيان، فلقد رأيتني وإن أبا سفيان ليضجعني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب» . وكانوا يقولون أن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه. وقال حويطب بن عبد العزّى: وأسلم بعد ذلك: «لقد رأيتني أدخلت إصبعي في أذنيّ وعدوت هاربا فرقا أن أسمع دعاءه» ، وكذلك قال جماعة منهم. فلما صلى الركعتين جعلوه على الخشبة ثم وجّهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطا، ثم قالوا له: «ارجع عن الإسلام نخل سبيلك» . قال: «لا والله ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعا» . قالوا: «أفتحب أن محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟» قال: «لا والله ما أحب أن يشاك محمد شوكة وأنا جالس في بيتي» . فجعلوا يقولون: «ارجع يا خبيب» . فقال: «لا أرجع أبدا» . قالوا: «أما واللات والعزى» لئن لم تفعل لنقتلنّك. فقال: «إن قتلى في الله لقليل» . ثم قال: «اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، الله إنه ليس هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام، فبلّغه أنت عني السلام» . فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء. وروى محمد بن عمر عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في أصحابه فأخذته غمية كما كانت تأخذه فلما نزل عليه الوحي سمعناه يقول: «وعليه السلام ورحمة الله وبركاته» . ثم قال: «هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام» . وفي رواية أبي الأسود عن عروة: «فجاء جبرئيل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره فأخبر أصحابه بذلك» . قال ابن عقبة رحمه اللَّه تعالى: فزعموا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس: «وعليك السلام، خبيب قتلته قريش» . ثم دعا المشركون أربعين ولدا ممن قتل آباؤهم ببدر كفّارا، فأعطوا كل غلام رمحا وقالوا: هذا الذي قتل آباؤكم، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا فاضطرب على الخشبة، فانقلب فصار وجهه إلى الكعبة، فقال: «الحمد للَّه الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه» ثم قتلوه رحمه اللَّه تعالى. وفي حديث أبي هريرة: «ثم قام إليه أبو سروعة» - واسمه كما في الصحيح في غزوة بدر عن أبي هريرة، وجزم جماعة من أهل النسب أنه أبو سروعة أخو عقبة بن الحارث، وأسلم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4086) .

بعد ذلك- (فقتله) وذكر أبو عمر في الاستيعاب أن أبا صبيرة بن العبدري قتل خبيبا مع عقبة وصوابه أبو ميسرة كما عند ابن إسحاق رحمه اللَّه تعالى. وروى ابن إسحاق بسند صحيح عن عقبة بن الحارث قال: «لأنا كنت أضعف من ذلك، ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة. ثم طعنته بها حتى قتلته» وذكر محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر وغيرهما أن خبيبا رضي اللَّه تعالى عنه حين رأى ما صنعوا به قال: لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا ... قبائلهم واستجمعوا كلّ مجمع وكلّهم مبدي العداوة جاهد ... علي لأنّي في وثاق مضيّع وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم ... وقرّبت من جذع طويل ممنّع وقد خيّروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إنّي لميّت ... ولكن حذاري حرّ نار تلفّع إلى اللَّه أشكو غربتي ثمّ كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش صبّرني على ما يراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع لعمرك ما آسي إذا متّ مسلما ... على أي جنب كان في اللَّه مصرعي فلست بمبد للعدوّ تخشّعا ... ولا جزعا إنّي إلى اللَّه مرجعي وروى البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن خبيبا رضي اللَّه تعالى عنه قال: فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في اللَّه مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع وروى الإمام أحمد بن عمرو بن أمية رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش قال: «فجئت خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون فرقيت- وفي لفظ فصعدت فيها- فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد، فسمعت وجبة خلفي فالتفتّ فلم أر خبيبا، وكأنما ابتلعته الأرض فلم أر لخبيب أثرا حتى الساعة» وذكر أبو يوسف رحمه اللَّه تعالى في كتاب اللطائف عن الضحاك رحمه اللَّه تعالى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أرسل المقداد والزبير في إنزال خبيب عن خشبته ودخلا إلى التنعيم فوجدا حوله أربعين رجلا نشاوى فأنزلاه فحمله الزبير على فرسه وهو رطب لم يتغير منه شيء، فنذر بهم المشركون فلما لحقوهم قذفه الزبير فابتلعته الأرض فسمّي بليع الأرض. وذكر القيرواني في حلى العليّ أن خبيبا لما قتل جعلوا وجهه إلى غير القبلة فوجدوه مستقبلا لها فأداروه مرارا ثم عجزوا فتركوه. وروى ابن إسحاق عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى

تنبيهات

عنهما قال: «لما أصيبت السريّة التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع قال رجال من المنافقين: يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم» . فأنزل اللَّه عز وجل في ذلك من قول المنافقين: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ [البقرة 204] وهو مخالف لما يقوله بلسانه، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ [البقرة 204] ، أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك وَإِذا تَوَلَّى أي خرج من عندك سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ [البقرة 205] أي لا يحب عمله ولا يرضاه. وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ [البقرة 206] . كذا ذكر ابن إسحاق أن هذه الآيات نزلت في شأن هذه السرية، وذكر غيره أنها نزلت في الأخنس بن شريق واللَّه تعالى أعلم. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ أي يبيع نفسه في الجهاد ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [البقرة 207] قالوا نزلت هذه الآية في صهيب رضي اللَّه تعالى عنه. تنبيهات الأول: وقع في الصحيح في حديث: «وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر» . واعتمد على ذلك البخاري، فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا قال في الفتح وهو اعتماد متجه. وتعقب الحافظ أبو محمد الدمياطي، وتبعه في العيون بأن أهل المغازي لم يذكر أحد منهم أن خبيب بن عدي ممن شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر، إنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر هو خبيب بن إساف، وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي، وخبيب بن عديّ أوسي. قال الحافظ: «ويلزم من الذي قال ذلك ردّ هذا الحديث الصحيح، فلو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر، ما كان لاعتناء آل الحارث بن عامر بأسر خبيب معنى، ولا بقتله مع التصريح في الحديث الصحيح أنهم قتلوه به. ولكن يحتمل أن يكونوا قتلوا خبيب بن عدي لكون خبيب بن إساف- بهمزة مسكورة وقد تبدل تحتية وبسين مهملة- قتل الحارث بن عامر، على عادتهم في الجاهلية بقتل بعض القبيلة عن بعض، ويحتمل أن يكون خبيب بن عدي شرك في قتل الحارث والعلم عند اللَّه. الثاني: قال أبو هريرة كما في الصحيح: «فكان أول من سنّ الركعتين عند القتل» وجزم بذلك خلائق لا يحصون. وقدمه في الإشارة ثم قال: وقيل أسامة بن زيد حين أراد المكري الغدر به، قلت كذا في نسختين من الإشارة: أسامة، وصوابه زيد بن حارثة والد أسامة كما في الروض: «قال أبو بكر بن أبي خيثمة حدثنا يحيى بن معين قال أخبرنا يحيى [بن عبد اللَّه] بن بكير قال حدثنا الليث بن سعد رحمه اللَّه تعالى قال: «بلغني أن زيد بن حارثة اكترى من رجل

بغلا إلى الطائف واشترط عليه المكري أن ينزله حيث شاء قال فمال به إلى خربة فقال له انزل، فنزل فإذا في الخربة قتلى كثيرة. قال فلما أراد أن يقتله قال له: دعني أصلّي ركعتين. قال: صلّ، فقد صلّى هؤلاء قبلك فلم تنفعهم صلاتهم شيئا. قال فلما صلّيت أتاني ليقتلني. قال فقلت: «يا أرحم الراحمين» . قال فسمع صوتا قال: لا تقتله. قال: فهاب ذلك فخرج يطلب أحدا فلم ير شيئا، فرجع إليّ، فناديت: يا أرحم الراحمين، ففعل ذلك ثلاثا. فإذا أنا بفارس على فرس في يده حربة من حديد في رأسها شعلة من نار فطعنه بها فأنفذها من ظهره فوقع ميتا. ثم قال لي: «لما دعوت المرّة الأولى يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة. فلما دعوت المرة الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت المرة الثالثة يا أرحم الراحمين أتيتك» . انتهى فهذا كما ترى غير متصل فلا يقاوم ما في الصحيح. الثالث: قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: «وإنما صار فعل خبيب رضي اللَّه تعالى عنه سنّة [حسنة] . والسنّة إنما هي أقوال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأفعاله وإقراره غيره على قول أو فعل لأن خبيبا فعلهما في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستحسن ذلك من فعله. الرابع: قال في الروض: «فإن قيل: فهل أجيبت فيهم دعوة خبيب؟ والدعوة على تلك الحال من مثل ذلك العبد مستجابة. قلنا: أصابت منهم من سبق في علم اللَّه أن يموت كافرا، ومن أسلم منهم فلم يعنه خبيب ولا قصده بدعائه، ومن قتل منهم كافرا بعد هذه الدعوة فإنما قتلوا بددا غير معسكرين ولا مجتمعين كاجتماعهم في أحد، وقبل ذلك في بدر، وإن كانت الخندق بعد قصة خبيب فقد قتل فيها منهم آحاد متبدّدون، ثم لم يكن لهم بعد ذلك جمع ولا معسكر غزوا فيه فنفذت الدعوة على صورتها وفيمن أراد خبيب رحمه اللَّه تعالى وحاشا له أن يكره إيمانهم وإسلامهم. الخامس: قول سيدنا خبيب: «ذلك في ذات الإله» إلى آخره قال أبو القاسم الراغب: «الذات تأنيث ذو وهي كلمة يتوصّل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع وتضاف إلى الظاهر دون المضمر وتثنّى وتجمع ولا يستعمل شيء منها إلا مضافا وقد يسبقها لفظ الذات لعين الشيء، واستعملوها مفردة ومضافة وأدخلوا عليها الألف واللام وأجروها مجرى النفس والخاصة [فقالوا ذاته ونفسه وخاصته] وليس ذلك من كلام العرب» . وقال القاضي: ذات الشيء نفسه وحقيقته. وقد استعمل أهل الكلام «الذات» بالألف واللام وغلّطهم أكثر النحاة وجوزه بعضهم لأنها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشيء، وجاء في الشعر لكنه شاذّ. وقال ابن برهان- بفتح الباء الموحدة- «إطلاق المتكلمين الذات في حق اللَّه تعالى من جهلهم لأن ذات تأنيث ذو، وهو جلّت عظمته لا يصح له إلحاق تأنيث، ولهذا امتنع أن يقال علّامة وإن كان

أعلم العالمين» . قال: «وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضا لأن النسب إلى ذات دور» . وقال التاج الكندي في الرد على الخطيب ابن نباتة [ (1) ] في قوله: كنه ذاته، ذات بمعنى صاحبة تأنيث ذو، وليس لها في اللغة مدلول غير ذلك، وإطلاق المتكلمين وغيرهم الذات بمعنى النفس خطأ عند المحققين. وتعقّب بأن الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة، أما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت بمعنى الاسمية فلا محذور كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [آل عمران 119] أي بنفس الصدور. وقد حكى المطرزيّ [ (2) ] رحمه اللَّه تعالى أن كل ذات شيء وكل شيء ذات. وقال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى في تهذيبه: «مراد الفقهاء بالذات الحقيقية» وهذا اصطلاح المتكلمين وقد أنكره بعض الأدباء عليهم وقال إنه لا يعرف في لغة العرب ذات بمعنى الحقيقة [وإنما ذات بمعنى صاحبة] وهذا الإنكار منكر بل الذي قاله الفقهاء والمتكلمون صحيح فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي [في أول سورة الأنفال] في قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ قال: [أبو العباس أحمد بن يحيى] ثعلب: معنى ذات بينكم أي الحالة التي بينكم فالتأنيث عنده للحالة [وهو قول الكوفيين] وقال الزّجّاج: معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والمراد بالبين الوصل فالتقدير: فأصلحوا حقيقة وصلكم. قال الواحدي: فذات عنده بمعنى النفس [كما يقال ذات الشيء ونفسه] . انتهى. وعلى جواز ذلك مشى الإمام البخاري فقال في كتاب التوحيد من صحيحه: (باب ما يذكر في الذات والنعوت) [ (3) ] . فاستعملها على نحو ما تقدم من أن المراد بها نفس الشيء وحقيقته على طريقة المتكلمين في حق اللَّه تعالى، ففرّق بين النعوت والذات واستدل البخاري على ذلك بقول خبيب السابق. وتعقبه السبكي رحمه اللَّه تعالى بأن خبيبا لم يرد بالذات الحقيقة التي هي مراد البخاري، وإنما مراده: في سبيل اللَّه أو في طاعته.

_ [ (1) ] عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي، أبو يحيى: صاحب الخطب المنبرية. كان مقدما في علوم الأدب، وأجمعوا على أن خطبه لم يعمل مثلها في موضوعها وسكن حلب فكان خطيبها. واجتمع بالمتنبي في خدمة سيف الدولة الحمداني. وكان سيف الدولة كثير الغزوات، فأكثر ابن نباتة من خطب الجهاد والحث عليه. وكان تقيا صالحا. توفي بحلب. له «ديوان خطب» الأعلام 3/ 347، 348. [ (2) ] ناصر عبد السيد أبي المكارم بن علي، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المطرزي: أديب، عالم باللغة، من فقهاء الحنفية. ولد في جرجانية خوارزم سنة 528 هجرة ودخل بغداد حاجا سنة 601 وتوفي في خوارزم سنة 610 هجرة كان رأسا في الاعتزال ولما توفي رثي بأكثر من 300 قصيدة من كتبه الإيضاح في شرح مقامات الحريري والمصباح في النحو والمعرب في اللغة شرحه ورتبه في كتابه «المغرب في ترتيب المعرب» وغير ذلك ... انظر الأعلام 7/ 348. [ (3) ] البخاري 13/ 393.

قال الكرماني: وقد يجاب بأن غرضه إطلاق الذات في الجملة، قال في الفتح: والاعتراض أقوى من الجواب. واستدل غيره بقوله صلى الله عليه وسلم: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز وجل» [ (1) ] . وفي رواية «كل ذلك في ذات الله تعالى» . وبحديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: «لا يفقه كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله تعالى» [ (2) ] . رواه برجال ثقات إلا أن فيه انقطاعا. يقول حسان بن ثابت: وإنّ أخا الأحقاف إذ قام فيهم ... يجاهد في ذات الإله ويعدل ونعقب بما تعقب به البخاري بأن المراد بالذات هنا الطاعة أو بمعنى حق أو من أجل فهي كقوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر 56] . وأصرح من ذلك كله حديث ابن عباس مرفوعا: «تفكّروا في كل شيء ولا تفكّروا في ذات اللَّه» [ (3) ] . فإن الطاعة وما ذكر معها لا تأتي هنا. قال في الفتح: «فالذي يظهر جواز إطلاق ذات لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلمون ولكنه غير مردود إذا عرف أن المراد به النفس لثبوت لفظ النفس في الكتاب العزيز» . قلت حديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما صريح بما ذهب إليه المتكلمون. السادس: في بيان غريب ما سبق: الرّجيع: بفتح الراء وكسر الجيم وسكون التحتية وبالعين المهملة: وهو ماء لهذيل. العيون: جمع عين، وهو هنا الجاسوس. ثابت: بالثاء المثلثة والموحدة والفوقية. الأقلح: بالقاف والحاء المهملة. مرثد: بفتح الميم وسكون الراء. وفتح المثلثة وبالدال المهملة ابن أبي مرثد اسمه. خبيب: بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالموحدة. الدّثنة: بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وتسكن فنون فتاء تأنيث من قولهم دثّن الطائر إذا طاف حول وكره ولم يسقط. ابن البكير: بضم الموحدة وفتح الكاف وسكون التحتية وبالراء. معتّب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة، ويقال بدله مغيث بغين معجمة فتحتية فثاء مثلثة، والأول أصح.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 171 ومسلم في كتاب الفضائل (154) . [ (2) ] انظر إتحاف السادة 4/ 527. [ (3) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا 1/ 371 وعزاه للأصبهاني في ترغيبه وأبي نعيم.

لحيان: بفتح اللام وكسرها وبالحاء المهملة وبالنون، وهو ابن هذيل بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية وباللام وهو ابن مدركة بن إلياس بن مضر. وذكر الهمذانيّ النسابة أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم. عضل: بفتح العين المهملة والضاد المعجمة وباللام بطن من بني الهون. القارة: بالقاف والراء المخفّفة بعد الألف فتاء تأنيث بطن من بني الهون أيضا وينسبون إلى الدّسّ أيضا بدال وسين مهملتين. الفرائض: جمع فريضة وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمّي فريضة لأنه فرض واجب على ربّ المال، ثم اتّسع فيه حتى سمّي البعير فريضة في غير الزكاة. مثلث بالقتيل: مثلا من باب قتل وضرب إذا جدعته وظهر آثار فعلك عليه تنكيلا، والتشديد مبالغة. البعث: اسم للمبعوث إليه أي المرسل والموجّه من باب تسمية المفعول بالمصدر. النّفر: بفتح النون والفناء جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة أو إلى تسعة. الهدّة: بفتح الهاء والدال المهملة تشدّد وتخفف، المفتوحتين، موضع بين عسفان ومكة. والهدأه لأكثر رواة الصحيح بسكون الدال بعدها همزة مفتوحة، وللكشميهنيّ بفتح الدال وتسهيل الهمزة. عسفان: بضم العين وسكون السين المهملتين وبالفاء قرية جامعة على نحو أربعة برد من مكة. نفروا لهم: خرجوا لقتالهم. استصرخوا عليهم: استغاثوا. أبو معشر: بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الشين المعجمة وبالراء. وظلّوا يكمنون: يستترون. أتيتم: بالبناء للمفعول. اقتصّ أثره وتقصّصه: تتبّعه. ركنوا في الجبل: من الركون وهو السكون إلى الشيء والميل إليه. لم يرعهم إلا بالرجال: لم يبغتهم ويفجأهم. غشوهم: بغين فشين معجمتين.

أحسّ بهم: علم، هذه لغة القرآن، ووقع في بعض نسخ السيرة حسّ. لجأوا إليه: بالهمزة في آخره: تحرّزوا واعتصموا. الفدفد: بفاءين مفتوحتين ودالين مهملتين الأولى ساكنة: وهي الرابية المشرفة. القردد: بقاف فاء ودالين مهملتين وهو الموضع المرتفع. غرّان: بضم الغين المعجمة وتشديد الراء والنون: واد بين أمج وعسفان منازل بني لحيان. في ذمة كافر: بكسر الذال المعجمة وتشديد الميم أمانته وعهده. حمى: زيد عمرا إذا أجاره ومنعه. سلافة: بضم السين المهملة وتخفيف اللام وبالفناء بنت سعد بن شهيد بضم الشين المعجمة وفتح الهاء، وصحّف من قال سلامة بالميم بدل الفاء. مسافع: بضم الميم وسين مهملة وفاء مكسورة. الجلاس: بضم الجيم وتخفيف اللام وبالسين المهملة. العبدريّ: بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح الدال المهملة وبالراء. قحف الرأس: بكسر القاف وسكون الحاء المهملة وبالفاء أعلى الدّماغ. الدّبر: بفتح الدال المهملة وسكون الموحدة وبالراء، وهو هنا الزّنابير والنّحل. الظّلّة: بضم الظاء المعجمة المشالة وتشديد اللام المفتوحة هي السحابة. حمته: بفتح الحاء المهملة والميم منعته منهم. بعث اللَّه تعالى الوادي أي السّيل. صعد الجبل: علاه. الغدر: هو ترك الوفاء بالعهد. الأسوة: بكسر الهمزة وضمها القدوة. القران: بكسر القاف وتخفيف الراء الحبل وهو القرن بفتح القاف والراء. الظّهران: بفتح الظاء المعجمة المشالة وسكون الهاء، وهو مر الظهران وهو الذي تسميه العامة بطن مرّ. دخل بهما: في شهر حرام بالبناء للمفعول. ذو القعدة: بفتح القاف وتكسر شهر كانوا يقعدون فيه عن الأسفار.

شرح غريب ذكر قتل زيد وخبيب رضي الله تعالى عنهما

شرح غريب ذكر قتل زيد وخبيب رضي اللَّه تعالى عنهما جمح: بجيم فميم فحاء مهملة مفتوحات، اغتر وغلب. نسطاس: [بنون مفتوحة وسين وطاء مهملتين وألف وسين مهملة] . التنعيم: بفتح أوله والفوقية وسكون النون وكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالميم وهو المكان الذي يقال له الآن مساجد عائشة سمّي بذلك لأن عن يمينه جبلا يقال له نعيم وعن شماله جبل يقال له ناعم والوادي نعمان، وهو من الحلّ بين مرّ وسرف على فرسخين من مكة نحو المدينة. الرّهط: بفتح الراء وسكون الهاء وفتحها وبالطاء المهملة، دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة ومنها إلى الأربعين رجلا. أنشدك باللَّه تعالى: بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألك به. حجير: بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية وبالراء. إهاب: بكسر أوله وبالموحدة. ابن عزيز: ضد ذليل. الحليف: بفتح الحاء المهملة المعاهد بكسر الهاء. نوفل: بنون مفتوحة فواو ساكنة ففاء مفتوحة فلام. ماويّة: بواو مكسورة وتشديد التحتية في رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق، وفي رواية غيره عنه بالراء والتخفيف. تسقوني العذب: أي الماء العذب. النّصب: بفتح النون والصاد المهملة والموحدة. القطف: بكسر القاف العنقود. الثّمرة: بفتح الثاء المثلثة والميم. صير الباب: بكسر الصاد المهملة وسكون التحية وبالراء أي شقّ الباب. يتهجّد بالقرآن: أي يصلّي به في الليل. يرققني: بتحتية مفتوحة فراء ساكنة فقافين الأولى مكسورة عليه أي برحمه. انسلخت: أي الأشهر الحرم فرغت وخرجت. أجمعوا على قتله: أي عزموا عليه.

ما اكترث بذلك: بفوقية فراء فثاء مثلثة أي ما بالي به ولا يستعمل إلا في النفي. بنو الحضرمي: العلاء وعامر وعمرو، وقتل عمرو كافرا في سرية عبد اللَّه بن جحش قتله واقد بن عبد اللَّه. الاستحداد: حلق العانة بالحديد. الموسى: يذكّر ويؤنّث ويجوز تنوينه وعدم تنوينه. أبو حسين: هو ابن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف. تحضنه: تضمّه إليها. أدرك ثأره: لحقه والثأر بالثاء المثلثة وسكون الهمزة يقال ثأرت القتيل وثأرت به إذا قتلت قاتله. لعمرك: بفتح اللام والعين المهملة أي وحياتك. غفل: عن كذا بغين معجمة ففاء مفتوحتين شغل عنه وتلهّى. درج الصبي: هو أبو حسين بن الحارث بن عامر. الموتور: بالفوقية الذي قتل له قتيل. وتر وترا: بكسر الواو وفتحها ومعناه هنا قتلت له قتيلا. أما واللَّه: بفتح أوله وتخفيف الميم. الجزع: كالتّعب ضد الصبر. أحصهم عددا: بفتح الهمزة وبالحاء والصاد المهملتين أي أهلكهم بحيث لا تبقي من عددهم أحدا. بددا: بفتح الموحدة ودالين مهملتين مفتوحتين أي متباعدين متفرقين عن أهليهم وأوطانهم ويحتمل أن يكون من قولهم بايعته بددا أي معارضة والمعنى عارضهم بقتلهم كما فعلوا بنا، ومن قولهم: مالك به بدّة أي طاقة والمعنى خذهم بحولك أخذة رابية، لكنه إنما أورده اللغويون منفيّا. قال في النهاية: «ويروى بكسر الباء جمع بدّة وهي الحصّة والنصيب أي اقتلهم حصصا مقسّمة لكل واحد منهم حصته ونصيبه [ويروى بالفتح] أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد» . قال ولا طائل تحت هذا المعنى. وقال في الروض: «فمن رواه بكسر الباء فهو جمع بدّة وهي الفرقة والقطعة من الشيء المتبدد ونصبه على الحال من المدعو عليهم، ومن رواه بفتح

الموحدة فهو مصدر بمعنى التبدى أي ذوي بدد أي أصابت دعوة خبيب رضي اللَّه تعالى عنه من سبق في علم اللَّه تعالى أن يموت كافرا بعد هذه الدعوة فإنما قتلوا بددا غير معسكرين ولا مجتمعين، وإن كانت قصة الخندق بعد قصة خبيب رضي اللَّه تعالى عنه وحاشا للَّه أن ينكر إيمانهم وإسلامهم» . لا تغادر: لا تترك. الفرق: بالفاء والراء والقاف: الفزع بلفظه ومعناه. رعي عليهم: بالبناء للمفعول. حويطب: بضم الحاء المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر الطاء المهملة وبالموحدة. أخذته غمية: كما كان يأخذه إذا أنزل عليه الوحي. أبو سروعة: بفتح السين المهملة أكثر من كسرها وبسكون الراء وفتح الواو وبالعين المهملة. الأحزاب: جمع حزب وهي الطائفة. والأحزاب الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ألّبوا: أجمعوا. القبائل: جمع قبيلة. مجمع: مكان الاجتماع. مجزع: بالجيم والزاي والعين المهملة من الجزع ضد الصّبر. وما بي حذار الموت: أي ليس كلامي هذا خوفا من الموت. تلمع: أي تضيء. الكربة: بالضم اسم من كربة الأمر يكربه بالضم كربا إذا أخذ بنفسه والجمع كرب مثل غرفة وغرف. أرصد: أعدّ. بضّعوا: بتشديد الضاد المعجمة وبالعين المهملة قطّعوه، ويجوز بالتخفيف. ياس: [لغة في بئس] انقطع رجاؤه. مطمعي: أملي.

شرح غريب شعر حسان رضي الله تعالى عنه

الذات: هنا بمعنى الطاعة أو السبيل كما ذكره السبكي والكرماني لا بمعنى الحقيقة كما تقدم بسطه. الأوصال: بالصاد المهملة واللام. الأعضاء. الشّلو: بكسر الشين المعجمة وإسكان اللام وبالواو: العضو من اللحم، قاله أبو عبيدة. وقال الخليل رحمه اللَّه تعالى هو الجسد لقوله في أوصال يعني أعضاء جسد إذ لا يقال أعضاء عضو. الممزّع: بضم الميم الأولى وفتح الثانية والزاي المشددة وبالعين المهملة: المقطّع. ما آسى: أي ما أحزن. صعدت: بكسر العين في الماضي وبفتحها في المستقبل. انتبذت: انفردت. الوجبة: بفتح الواو وسكون الجيم وتاء التأنيث المربوطة. حسبه جهنم: كافيه. المهاد: أي بئس ما مهّد لنفسه في معاده، يقال مهّد لنفسه بالتخفيف والتشديد أي جعل لها مكانا ووطنا ممهّدا. يشري نفسه: أي يبيعها بالجنة يبذلها بالجهاد. الحرث: بحاء فراء مهملتين فمثلثة: الزّرع. النّسل: بنون فسين مهملة فلام: الولد. العزّة: بعين مهملة مكسورة فزاي: القوة. شرح غريب شعر حسان رضي اللَّه تعالى عنه وافاه: أشرف عليه. ثمّ: بفتح المثلثة بمعنى هناك. الحمام: بكسر الحاء وتخفيف الميم نذر الموت. المنسكب: المرسل السائب. لم يؤب: لم يرجع. الصّقر: من الجوارح جمعه أصقر [وصقور] وصقورة وقال بعضهم الصقر ما يصيد من الجوارح كالشّاهين وغيره. وقال الزّجّاج يقع الصقر على كل صائد من البزاة والشواهين، وشبّه الرجل الشجاع به.

السّجيّة: بفتح السين المهملة وكسر الجيم وسكون التحتية: الغريزة والجمع سجايا. المحض: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة: بالخالص وأراده هنا. المؤتشب: بضم الميم وسكون الهمزة وفتح الفوقية وكسر الشين المعجمة وبالموحدة: المختلط، والأشواب من الناس الأوباش، قال في التقريب وهم الضروب المتفرقون وقال في النهاية الأخلاط من الناس والرعاع بضم الراء. قال في المجمل هم السّفلة من الناس الحمقى. هاج: تحرّك. علّات: مشقّات. العبرة: الدّمعة. النّصّ: بفتح النون وبالصاد المهملة المشددة من النّصّ في السير وهو أرفعه. كهيبة: بضم الكاف وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح الموحدة وبتاء تأنيث. قال في الإملاء قبيلة. وفي الروض: «جعل كهيبة كأنه اسم علم لأمّهم وهذا كما يقال بنو ضوطرى. وبنو الغبراء وبنو درزة وهذا كله اسم لمن يسبّ وعبارة عن السّفلة من الناس، وكهيبة من الكهبة وهي الغبرة» . الطيّة: بطاء مهملة مكسورة فتحتية مشدّدة ما انطوت عليه نيّتك من الجهة التي تتوجّه إليها. الوعيد: التهديد. لقحت الحرب: ازداد شرّها. محلوبها: لبنها. الصّابّ: العلقم. تمرى: تمسح لتحلب. المعصوصب: بميم مضمومة فعين فصادين بينهما واو مهملات فموحدة وهو هنا الجيش الكثير الشديد. اللّجب: بالجيم: الكثير الأصوات.

الباب السادس عشر في سرية المنذر بن عمرو [الساعدي] رضي الله تعالى عنه إلى بئر معونة وهي سرية القراء رضي الله تعالى عنهم، في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة

الباب السادس عشر في سرية المنذر بن عمرو [الساعدي] رضي الله تعالى عنه إلى بئر معونة وهي سرية القراء رضي الله تعالى عنهم، في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً من الهجرة روى الشيخان والبيهقي عن أنس، والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، والبخاري عن عروة بن الزبير، ومحمد بن إسحاق عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قال أنس في رواية قتادة كما في الصحيح أنّ رعلا وذكوان وعصيّة وبني لحيان أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على عدوّهم. ورواه البخاري والإسماعيلي في مستخرجه في كتاب الوتر، واللفظ للإسماعيلي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث ناسا يقال لهم القراء وهم سبعون رجلا إلى أناس من المشركين بينهم وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عهد فقتلهم قوم مشركون دون أولئك. وقال ابن إسحاق عن مشايخه، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتين وإن أصحاب العهد بنو عامر، ورأسهم أبو براء عامر بن مالك، وإن الطائفة الأخرى من بني سليم وكان رأسهم عامر بن الطفيل العامري، وهو ابن أخي أبو براء. فروى ابن إسحاق عن المغيرة بن عبد الرحمن، وعبد اللَّه بن أبي بكر وغيرهما، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة العامري على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأهدى إليه فرسين وراحلتين، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا أقبل هدية من مشرك» [ (1) ] . وفي رواية: «إني نهيت عن زبد المشركين» [ (2) ] . وعرض عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: «يا محمد إني أرى أمرك هذا حسنا شريفا وقومي خلفي، فلو أنك بعثت معي نفرا من أصحابك لرجوت أن يتّبعوا أمرك فإنهم إن اتّبعوك فما أعزّ أمرك» . فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إني أخاف عليهم أهل نجد» . فقال عامر: لا تخف إني لهم جار إن يعرض لهم أحد من أهل نجد. وخرج عامر بن مالك إلى ناحية نجد فأخبرهم أنه قد أجار أصحاب محمد صلى اللَّه عليه وسلم فلا تعرضوا لهم. وكان من الأنصار سبعون رجلا شببة يسمّون القرّاء. كانوا إذا أمسوا أتوا ناحية من المدينة إلى معلّم لهم فتدارسوا القرآن وصلّوا حتى إذا كان وجه الصبح استعذبوا من الماء وحطبوا من الحطب فجاءوا به إلى حجر أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني 3/ 216 والبخاري في التاريخ 5/ 304 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (14473) . [ (2) ] أخرجه أبو داود في كتاب الخراج (3057) والترمذي (1577) والطبراني في الكبير 17/ 364 وابن عبد البر في التمهيد 2/ 12.

وفي رواية يحتطبون فيبيعونه ويشترون به [الطعام] لأهل الصّفّة وللفقراء. وفي رواية: ومن كان عنده سعة اجتمعوا واشتروا الشاة فأصلحوها فيصبح ذلك معلّقا بحجر أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فكان أهلوهم يظنون أنهم في المسجد، وكان أهل المسجد يظنون أنهم في أهليهم [ (1) ] . وذكر ابن عقبة رحمه اللَّه تعالى أنهم أربعون. وقال أنس كما في الصحيح أنهم سبعون كما سيأتي بيان ذلك. فبعثهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معهم كتابا، وأمّر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي. فخرج المنذر بن عمرو بدليل من بني سليم يقال له المطّلب [السّلمي] فخرجوا حتى إذا كانوا على بئر معونة عسكروا بها وسرحوا ظهرهم مع عمرو بن أمية الضّمري، والحارث بن الصّمّة فيما ذكره أبو عمر، وذكر ابن إسحاق وتبعه ابن هشام بدل الحارث المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح. وبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر، فلما انتهى عامر إليهم لم يقرأوا الكتاب، ووثب عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر على حرام فقتلوه. وفي الصحيح عن أنس [ (2) ] : «فتقدمهم خالي حرام بن ملحان ورجل أعرج قال ابن هشام اسمه كعب بن زيد، زاد البيهقي ورجل آخر من بني فلان. فقال لهما خالي حرام بن ملحان: «إذا تقدّمكم فكونا قريبا مني فإن أمنتوني حين أبلغهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتيا، وإن قتلوني لحقتما بأصحابكما» . فتقدم فأمّنوه فبينما هو يحدثّهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أومأوا إلى رجل منهم، فأتى من خلفه فطعنه فأنفذه فقال: «اللَّه أكبر فزت وربّ الكعبة» . ثم قال: «بالدم هكذا» فنضحه على وجهه [ (3) ] . ونجا كعب بن زيد لأنه كان في جبل. واستصرخ عامر بن الطفيل عليهم ببني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم وقالوا: لن نخفر جوار أبي براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا. فلما أبت بنو عامر أن تنفر مع عامر بن الطفيل استصرخ عليهم قبائل من بني سليم: غصيّة ورعل وذكوان وزعب. فنفروا معه ورأسوه عليهم. فقال عامر بن الطفيل: أحلف باللَّه ما أقبل هذا وحده. فاتبعوا أثره حتى وجدوا القوم. فلما استبطئوا صاحبهم أقبلوا في أثرهم فلقيهم القوم. والمنذر بن عمرو معهم فأحاطوا بهم في رحالهم. فلما رآهم المسلمون أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم. وفي رواية قتادة عن أنس: فلما كانوا ببئر معونة قتلوهم

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 36. [ (2) ] انظر صحيح البخاري مع الفتح 7/ 446. [ (3) ] انظر البخاري الموضع السابق (4092) .

ذكر مقتل عامر بن فهيرة وما وقع في ذلك من الآيات

وغدروا بهم. قال ابن إسحاق: «إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النّجار فإنهم تركوه وبه رمق فارتثّ من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا» . وقال محمد بن عمر: وبقي المنذر بن عمرو فقالوا له: إن شئت آمنّاك. فقال: لن أعطي بيدي ولن أقبل لكم أمانا حتى آتي مقتل حرام [ثم برئ مني جواركم، فآمنوه حتى أتى مصرع حرام] ثم برئوا إليه من جوارهم. ثم قاتلهم حتى قتل. فذلك قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أعنق ليموت» . وأقبل المنذر بن محمد بن عقبة كما ذكره ابن إسحاق وغيره. وقال ابن عمر: الحارث ابن الصّمّة، وعمرو بن أمية بالسّرح، وقد ارتابا بعكوف الطير على منزلهم [أو قريب من منزلهم] فجعلا يقولان: قتل واللَّه أصحابنا فأوفيا على نشز من الأرض، فإذا أصحابهما مقتولون وإذا الخيل واقفة. فقال المنذر بن محمد بن عقبة أو الحارث بن الصّمّة [لعمرو بن أمية] : «ما ترى؟» قال: «أرى أن نلحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنخبره الخبر» . فقال الآخر: «ما كنت لأتأخر عن موطن قتل فيه المنذر، ما كنت لتخبرني عنه الرجال» . فأقبلا فلقيا القوم فقاتلهم الحارث حتى قتل منهم اثنين، ثم أخذوه فأسروه وأسروا عمرو بن أمية. وقالوا للحارث: «ما تحب أن نصنع بك؟ فإنا لا نحب قتلك» . قال: «أبلغوني مصرع المنذر بن عمرو، وحرام بن ملحان ثم برئت مني ذمتكم» . قالوا: «نفعل» . فبلغوا به ثم أرسلوه فقاتلهم فقتل منهم اثنين، ثم قتل، وما قتلوه حتى شرعوا له الرماح فنظموه فيها. وأخبرهم عمرو بن أمية وهو أسير في أيديهم إنه من مضر ولم يقاتل، فقال عامر بن الطفيل: «أنه قد كان على أمّي نسمة فأنت حرّ عنها» . وجزّ ناصيته. ذكر مقتل عامر بن فهيرة وما وقع في ذلك من الآيات روى البخاري من طريق هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال: «لما قتل الذين قتلوا ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية، قال عامر بن الطفيل لعمرو من هذا؟ وأشار إلى قتيل فقال هذا عامر بن فهيرة فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع» . وروى محمد بن عمر عن أبي الأسود عن عروة أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية: هل تعرف أصحابك؟ قال: نعم، قال فطاف في القتلى وجعل يسأله عن أنسابهم. فقال: هل تفقد منهم أحدا؟ قال: أفقد مولى لأبي بكر يقال له عامر بن فهيرة فقال: كيف كان فيكم؟ قال: قلت: كان من أفضلنا ومن أول أصحاب نبينا فقال: ألا أخبرك خبره؟ وأشار إلى رجل فقال هذا طعنه برمحه ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى ما أراه. وكان الذي طعنه رجل من بني كلاب يقال له جبّار بن سلمى وأسلم بعد ذلك. وذكر أبو عمر في الاستيعاب

في ترجمة عامر بن فهيرة أن عامر بن الطفيل قتله، مع ذكره في ترجمة جبّار أنه هو الذي قتل ابن فهيرة واللَّه أعلم. وروى البيهقي عنه أنه قال لما طعنته: فزت ورب الكعبة، قلت في قلبي: ما معنى قوله: «فزت» ، أليس قد قتلته؟ قال: فأتيت الضحّاك بن سفيان الكلابي، فأخبرته بما كان وسألته عن قوله فزت، فقال بالجنة. فقلت ففاز لعمر اللَّه. قال وعرض عليّ الإسلام فأسلمت ودعاني إلى الإسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة من رفعه إلى السماء علوا. وكتب الضحّاك بن سفيان إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخبره بإسلامي وما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. «إن الملائكة وارت جثته وأنزل علّيّين» [ (1) ] قال البيهقي رحمه اللَّه تعالى: يحتمل أنه رفع ثم وضع ثم فقد بعد ذلك، ليجتمع مع رواية البخاري السابقة عن عروة، فإن فيها ثم وضع، فقد رويناه في مغازي موسى بن عقبة في هذه القصة. قال فقال عروة لم يوجد جسد عامر، يروون أن الملائكة وارته. ثم رواه البيهقي عن عائشة موصولا بلفظ (لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى أني لا نظر إلى السماء بينه وبين الأرض) [ (2) ] ولم يذكر فيها ثم وضع. قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: فقويت الطرق وتعددت لمواراته في السماء. وقال ابن سعد: أخبرنا الواقدي حدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنهم: قالت: «رفع عامر بن فهيرة إلى السماء ثم لم توجد جثته يروون أن الملائكة وارته ورواه ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن عروة. ذكر إعلام اللَّه تبارك وتعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم بخبر أصحابه وما نزل في ذلك من القرآن ووجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليهم. روى الشيخان والإمام أحمد والبيهقي عن أنس، والبيهقي عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنهم، والبخاري عن عروة أن ناسا جاءوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالا يعلّمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لها القراء، فتعرضوا لهم وقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان. قالوا: «اللهم بلغ عنا نبينا- وفي لفظ إخواننا- إنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا» فأخبرنا جبرئيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بذلك فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال: «إن إخوانكم قد لقوا المشركين واقتطعوهم فلم يبق منهم أحد، وإنهم قالوا: ربنا بلغ قومنا إنا قد رضينا ورضي عنا وأنا رسولهم إليكم إنهم قد رضوا ورضي عنهم» . قال أنس: فكنا نقرأ أن بلّغوا قومنا عنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ بعد،

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 37. [ (2) ] أخرجه البخاري في الموضع السابق من كتاب المغازي باب غزوة الرجيع.

ذكر من استشهد يوم بئر معونة رضي الله تعالى عنهم

فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصيّة الذين عصوا اللَّه ورسوله. وفي رواية عن أنس في الصحيح: «فدعا عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شهرا في صلاة الغداة بعد القراءة، وفي رواية بعد الركوع، وذلك بعد القنوت وما كنا نقنت» . وفي رواية الإمام أحمد قال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: فما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد على شيء وجده عليهم، فلقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يده فدعا عليهم. فلما كان بعد ذلك، إذا أبو طلحة يقول: «هل لك في قاتل حرام؟» قلت: ما له؟ فعل اللَّه تعالى به وفعل. قال: مهلا فإنه قد أسلم. ذكر من استشهد يوم بئر معونة رضي اللَّه تعالى عنهم 1- عامر بن فهيرة [ (1) ] : بضم الفاء وفتح الهاء وسكون التحتية وبالراء وتاء التأنيث، [مولى أبي بكر الصديق، أسلم قبل أن يدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم] . 2- الحكم بن كيسان [ (2) ] : الحكم بفتحتين وكيسان بفتح الكاف وسكون التحتية وبالسين المهملة وبالنون مولى بني مخزوم. 3- المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح: المنذر بلفظ اسم الفاعل والدال المعجمة، وأحيحة بمهملتين مصغّر. وذكر ابن عائذ أنه استشهد ببني قريظة. 4- أبو عبيدة بن عمرو بن محصن: محصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالنون. 5- الحارث بن الصّمّة: [بن عمرو بن عتيك الأنصاري الخزرجي ثم النجاري ولقبه مبذول بن مالك] والصّمّة بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم. 6- أبيّ بن معاذ بن أنس بن قيس: أبيّ بضم أوله وفتح الموحدة وتشديد التحتية. 7- وأخوه أنس: وابن إسحاق وابن عقبة يسمّيانه أوسا ومحمد بن عمر يقول إن أنسا هذا مات في خلافة عثمان. 8- أبو شيخ بن أبي ثابت: عند ابن إسحاق، وقال ابن هشام أبو شيخ اسمه أبيّ بن ثابت فعلى قول ابن إسحاق هو ابن أخي حسان بن ثابت وعلى قول ابن هشام هو أخوه.

_ [ (1) ] عامر بن فهيرة التيمي مولى أبي بكر الصديق أحد السابقين.. وكان ممن يعذب في اللَّه له ذكر في الصحيح الإصابة 4/ 14. [ (2) ] الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي والد أبي جهل ... أسر في أول سرية جهزها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من المدينة وأميرها عبد اللَّه بن جحش فأسر الحكم المذكور فقدموا به على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الإصابة 2/ 30.

9- 10- حرام بن ملحان: حرام بفتح الحاء والراء المهملتين وسليم بن ملحان: سليم بالتصغير ابنا ملحان بفتح الميم وكسرها وهو أشهر، واسمه مالك، وهما خالا أنس بن مالك. 11- 12- سفيان بن ثابت: سفيان بالحركات الثلاث في السين المهملة وبالفاء ومالك بن ثابت وهما ابنا ثابت من بني النّبيت بفتح النون وكسر الموحدة وسكون التحتية انفرد بذكرهما محمد بن عمر. 13- عروة بن أسماء بن الصلت: عروة بضم العين المهملة والصّلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام والفوقية. 14- قطبة بن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل: قطبة بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة والأشهل بالشين المعجمة. 15- المنذر بن عمرو بن خنيس: بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون التحتية وبالسين المهملة. 16- معاذ بن ماعص بن قيس: ما عص بعين فصاد مهملتين وزن عالم، ذكره محمد بن عمر فيهم. وغيره يقول جرح معاذ ببدر ومات بالمدينة. 17- وأخوه عائذ: بالتحتية والذال المعجمة وقيل مات باليمامة. 18- مسعود بن سعد بن قيس [ (1) ] : ذكره محمد بن عمر، وأما ابن القدّاح فقال مات بخيبر. 19- خالد بن ثابت بن النعمان [ (2) ] : وقيل استشهد بمؤتة. 20- سفيان بن حاطب بن أمية: حاطب بالحاء والطاء المكسورة المهملتين وبالموحدة. 21- سعد بن عمرو بن ثقف: بفتح الثاء المثلثة فقاف ساكنة ففاء، واسمه كعب بن مالك. 22- 23- وابنه الطفيل، وابن أخيه: سهل بن عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف. 24- عبد اللَّه بن قيس بن صرمة بن أبي أنس: صرمة بكسر الصاد المهملة والراء والميم وتاء مربوطة.

_ [ (1) ] مسعود بن عبد سعد بن عامر هو مسعود بن عامر ... جعله أبو عمر اثنين وهو واحد واختلف في تسمية أبيه. الإصابة 6/ 202. [ (2) ] خالد بن ثابت بن النعمان بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر الأنصاري الظفري ... الإصابة 2/ 87.

ذكر رجوع عمرو بن أمية الضميري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره خبر أصحابه

25- نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي: وفيه يقول عبد الله بن رواحة يرثيه: رحم الله نافع بن بديل ... رحمة المبتغي ثواب الجهاد صابرا صادق اللّقاء إذا ما ... أكثر القوم قال قول السّداد ووقع في بعض نسخ العيون فوات الجهاد بالفاء أخت القاف وهو تصحيف من الناسخ. وهذا ما ذكره أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه ذيل المذيل. وزاد ابن سعد الضحاك ابن عبد عمرو بن مسعود، وهو أخو قطبة. وزاد ابن القدّاح عمير بن معبد بن الأزعر، بالزاي والعين المهملة وسماه ابن إسحاق عمرا. وزاد ابن الكلبي: خالد بن كعب بن عمرو بن عوف. وزاد أبو عمر [النمري في الاستيعاب] سهيل بن عامر بن سعد، قال في العيون: «وأظنه سهل بن عامر الذي ذكرناه [على أنه ذكر ذلك في ترجمتين إحداهما في باب سهل والأخرى في باب سهيل] والمختلف في قتله [في هذه الواقعة مختلف في حضوره] فأرباب المغازي متفقون على أن الكل قتلوا إلا عمرو بن أمية الضّميريّ، وكعب بن زيد بن قيس فإنه جرح يوم بئر معونة ومات بالخندق» . انتهى. ونقل في الإصابة عن عروة أن سهيلا عم سهل أو أخوه. فصحّ ما قاله أبو عمر النّمريّ. ذكر رجوع عمرو بن أمية الضميري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره خبر أصحابه ورجع عمرو بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر ثم من بني كلاب أو من بني سلمة، حتى نزلا معه في ظل هو فيه. وكان مع العامريين عقد من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجوار، ولم يعلم به عمرو. فسألهما حين نزلا: ممّن أنتما؟ فقالا من بني عامر. فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما قدم عمرو بن أمية على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخبره الخبر فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لقد قتلت قتيلين لأدينّهما» ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا» . فبلغ ذلك أبا براء، فشقّ عليه إخفار عامر بن الطفيل إياه وما أصاب أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسببه وجواره. وقال حسان بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه يحرّض بني أبي براء على عامر بن الطفيل: بني أمّ البنين ألم يرعوكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدي

تنبيهات

أبوك أبو الحروب أبو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد قال ابن هشام: أم البنين [ (1) ] بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وهي أم أبي براء وحكم بن سعد من القين بن جسر. قال ابن إسحاق: فحمل ربيعة بن عامر بن مالك، على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح، فوقع في فخذه فأشواه ووقع عن فرسه، فقال: هذا عمل أبي براء، إن أمت فدمي لعمّي فلا يتبعنّ به وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إليّ. وقال حسان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة: على قتلى معونة فاستهلّي ... بدمع العين سحّا غير نزر على خيل الرسول غداة لاقوا ... ولاقتهم مناياهم بقدر أصابهم الفناء بعقد قوم ... تخوّن عقد حبلهم بغدر فيا لهفي لمنذر إذ تولّى ... وأعنق في منيّته بصبر فكائن قد أصيب غداة ذاكم ... من ابيض ماجد من سرّ عمرو تنبيهات الأول: ذكر أبا براء في الصحابة خليفة بن خياط- بالخاء المعجمة والتحتية المشددة- والبغوي وابن البرّقي، والعسكري، وابن نافع، والباوردي- بالموحدة- وابن شاهين، وابن السّكن، وقال الدارقطني [ (2) ] : له صحبة. وروى عمر بن شبة [ (3) ]- بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة- في كتاب الصحابة له عن مشيخة من بني عامر، قالوا: قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمسة وعشرون رجلا من بني جعفر، ومن بني بكر، فيهم عامر بن مالك الجعفري، فنظر إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «قد استعملت عليكم هذا» وأشار إلى الضحّاك بن سفيان الكلابي وقال لعامر بن مالك بن جعفر: «أنت على بني جعفر» وقال للضحّاك: «استوص به خيرا» قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: «فهذا يدل على انه وفد بعد ذلك مسلما» . إذا علمت ذلك فقول الذهبي في التجريد الصحيح: إنه لم يسلم، فيه نظر.

_ [ (1) ] أم البنين بنت عيينة بن حصين الفزاري لوالدها صحبة ولها إدراك وتزوجها عثمان وله معها قصة. من طبقات ابن سعد الإصابة 8/ 216. [ (2) ] علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن الدارقطني الشافعي: إمام عصره في الحديث، وأول من صنف القراءات وعقد لها أبوابا من تصانيفه كتاب «السنن» و «العلل الواردة في الأحاديث النبوية» و «المجتبى من السنن المأثورة» و «المؤتلف والمختلف» و «الضعفاء» توفي 385. الأعلام 4/ 314. [ (3) ] عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريسطة النميري البصري أبو زيد: شاعر، راوية مؤرخ، حافظ للحديث من أهل البصرة توفي بسامراء له تصانيف منها «كتاب الكتاب» والنسب وأخبار بني نمير وغير ذلك توفي 262 هجرة الأعلام، 5/ 47، 48.

الثاني: في الصحيح أن القرّاء كانوا سبعين رجلا وعند ابن إسحاق أربعين قال الحافظ: ووهم من قال إنهم ثلاثون، وما في الصحيح هو الصحيح. ويمكن الجمع بأن الأربعين كانوا رؤساء، وبقيّة العدّة كانوا أتباعا وجرى على ذلك في الغرر وزاد أن رواية القليل لا تنافي رواية الكثير وهو من باب مفهوم العدد وكذا قول من قال ثلاثين. الثالث: انفرد المستغفري [ (1) ] بذكر عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر الكلابي في الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم. قال الحافظ: (وهو خطأ صريح فإن عامرا مات كافرا وقصته معروفة [ (2) ] أي كما سيأتي بيان ذلك. وقال في النور: أجمع أهل النقل على أن عامر بن الطفيل مات كافرا وما ذكره المستغفري خطأ) انتهى. الرابع: قول أنس: «ثم نسخ بعد» قال السهيلي: «فثبت هذا في الصحيح وليس عليه رونق الإعجاز. فيقال إنه لم ينزل بهذا النظم معجز كنظم القرآن، فإن هذا خبر، والخبر لا يدخله النسخ. قلنا لم ينسخ منه الخبر وإنما نسخ منه الحكم فإن حكم القرآن أن يتلى به في الصلاة وألّا يمسّه إلا طاهر، وأن يكتب بين اللوحين، وأن يكون تعلّمه من فروض الكفاية. فكل ما نسخ ورفعت منه هذه الأحكام وإن بقي محفوظا فإنه منسوخ [فإن تضمّن حكما جاز أن يبقى ذلك الحكم معمولا به] ، وإن تضمن خبرا جاز أن يبقى ذلك الخبر مصدّقا به وأحكام التلاوة منسوخة عنه» . الخامس: وقع في الصحيح في رواية أنس: «دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا، على رعل ولحيان وعصيّة» [ (3) ] إلى آخره. قال الحافظ أبو محمد الدمياطي وتبعه في العيون كذا وقع في هذه الرواية، وهو يوهم أن بني لحيان كانوا ممن أصاب القرّاء يوم بئر معونة وليس كذلك، وإنما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصيّة ومن صحبهم من سليم. وأما بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع. وإنما أتى الخبر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عنهم كلهم في وقت واحد، فدعا على الذين أصابوا الصحابة في الموضعين دعاء واحدا. وذكر محمد بن عمر أن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ليلة واحدة.

_ [ (1) ] جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي أبو العباس فقيه له اشتغال بالتاريخ من رجال الحديث كان خطيب نسف (من بلاد ما وراء النهر) وتوفي بها له «الدعوات» في الحديث والتمهيد في التجويد وغير ذلك ورجال الحديث يأخذونه عليه رواية الموضوعات من غير تنبيه. الأعلام 2/ 128. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 446 عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه ... كان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خيّر- النبي صلى اللَّه عليه وسلم- بين ثلاث خصال فقال: «يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف» فطعن عامر في بيت فلان فقال: «غدة كغدة البكر ... » . [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 446 (4091) .

السادس: في بيان غريب ما سبق: بئر معونة: بميم مفتوحة فعين مهملة مضمومة فواو ساكنة فنون فتاء تأنيث، موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان. رعل: بكسر الراء وسكون العين المهملة وباللام، بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف- بالفاء- ابن مالك بن إمرئ القيس بن بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء وبالثاء المثلثة فتاء تأنيث. ذكوان بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف وبالواو والألف، بطن من بني سليم أيضا. عصيّة. بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد التحتية فتاء تأنيث: قبيلة. لحيان: بفتح اللام وكسرها وسكون الحاء المهملة وبالتحتية والنون. استمدّه: طلب منه مدّه. أبو براء: بفتح الموحدة وبالراء والمدّ ملاعب الأسنة: وهي الرماح لقّب بذلك مبالغة في وصفه بالشجاعة. زبد المشركين: الزّبد بفتح الزاي وسكون الباء الرّفد والعطاء يقال منه زبده يزيده بالكسر فأما يزبده بالضم فهو إطعام الزّبد. قال الخطّابي: يشبه أن يكون هذا الحديث «إنا لا نقبل زبد المشركين» منسوخا لأنه قد قبل هدية غير واحد من المشركين [أهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له أكيدر دومة فقبل منهما] وقيل إنما ردّ هديته ليغيظه بردّها فيحمله ذلك على الإسلام، وقيل ردّها لأن للهديّة موضعا من القلب ولا يجوز عليه أن يميل بقلبه إلى مشرك، فردّها قطعا لسبب الميل، وليس ذلك مناقضا لقبوله هدية النجاشي والمقوقس وأكيد لأنهم أهل كتاب» . وقال السهيلي في غزوة تبوك: قال صلى اللَّه عليه وسلم: «إني نهيت عن زبد المشركين» ولم يقل عن هديتهم. لأنه إنما كره ملاينتهم ومداهنتهم إذا كانوا حربا له لأن الزّبد مشتقّ من الزّبد كما أن المداهنة مشتقّة من الدّهن فعاد المعنى إلى معنى اللين والملاينة ووجوب الجدّ في حربهم والمخاشنة وسيأتي في سيرته صلّى اللَّه عليه وسلم في الهدية زيادة على ذلك. ولم يبعد: بفتح أوله وضم العين. رجوت: بضم التاء على المتكلم. نجد: ما أشرف من الأرض.

أنا لهم جار: أي هم في ذمامي وعهدي وجواري. أن يعرض: بفتح الهمزة. شببة: بفتح الشين المعجمة والموحدتين، جمع شاب وهو من دون الكهولة. استعذبوا الماء: استقوه عذبا. الحجر: بضم الحاء المهملة وفتح الجيم جمع حجرة وهي البيت. المنذر: بالذال المعجمة بلفظ اسم الفاعل. السّاعدي: بسين وعين ودال مهملات. من بني سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام. عسكروا بها: جمعوا عسكرهم أي جيشهم بها. سرحوا: أرسلوا. الظّهر: أي الركاب التي تحمل الأثقال في السفر. حرام: ضد حلال. ملحان: بفتح الميم وكسرها وهو أشهر. عامر بن الطفيل: بن مالك ابن أخي أبي براء مات كافرا. أومئوا: الإيماء الإشارة ببعض الأعضاء كالرأس واليد والعين والحاجب، يقال أومأت إليه بالهمز أومئ إيماء ووميت لغة فيه ولا يقال أوميت. أنفذه: أي الرمح حتى خرج منه من الجانب الآخر. الفوز: بفاء فواو فزاي: النجاة والظّفر بالخير أي فاز بالشهادة. ثم قال بالدم: من إطلاق القول على الفعل وفسّره بأنه نضحه على وجهه بنون فضاد معجمة فحاء مهملة مفتوحات أي رشّه عليه. استصرخ عليه: استغاث. لن نخفر: بضم النون وكسر الفاء، يقال أخفره إذا نقض عهده وذمامه، رباعي. وخفره ثلاثي إذا أوفى بعهده وحفظه. الجواز: بضم الجيم وكسرها الأمان. زعب: بكسر الزاي وسكون العين المهملة وبالموحدة، بطن من سليم ينتسبون إلى زعب.

شرح غريب ذكر مقتل عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه وإعلامه تبارك وتعالى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم علوا في السماء

رأسوه: عليهم براء مفتوحة فهمزة مشددة فسين مهملة مضمومة أي شرّفوه وعظّموا قدره. حتى قتلوا: بالبناء للمفعول. الرمق: بفتح الراء والميم وبالقاف: بقية الحياة. ارتثّ: بهمزة وصل فإن ابتدأت بها ضممتها فثاء وبالبناء للمفعول أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق. بريء من كذا: بفتح الموحدة وكسر الراء وبالهمز، تخلّص وتنزّه وتباعد. المعنق ليموت: بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وبالقاف: أي المتقدم أو المسرع وإنما لقّب بذلك لتقدمه أو لإسراعه إلى الشهادة. السرح: بسين مفتوحة وحاء مهملتين بينهما راء ساكنة: المال السّائم. ارتابا: خافا. عكوف الطير: إقامتها. أوفيا: بفتح أوله وسكون الواو وفتح التحتية: أشرفا. النّشز: بفتح النون والشين المعجمة وقد تسكّن وبالزاي: المرتفع من الأرض. مصرع حرام: مكان صرعه أي قتله. أشرعوا الرماح: أمالوها إليه. نظموه بها: اختلعوه بالرماح. من مضر: بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبالراء: حيّ من العرب. النّسمة: بفتح النون والميم والسين المهملة بينهما: المراد به الإنسان هنا. جزّ: قطع الناصية والناصية منبت الشعر من مقدّم الرأس ويطلق على الشعر وهو المراد هنا. شرح غريب ذكر مقتل عامر بن فهيرة رضي اللَّه تعالى عنه وإعلامه تبارك وتعالى بذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علوا في السماء جبار: بفتح الجيم والموحدة المشدّدة وبالراء. سلمى: بضم السين المهملة وسكون اللام وبالقصر. لعمر اللَّه: أي بقاؤه ودوامه، وهو رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره لعمر اللَّه قسمي

شرح غريب ذكر رجوع عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه

أو ما أقسم به. واللام للتوكيد. فإن لم تأت اللام نصبته نصب المصادر: عمر اللَّه وعمرك اللَّه أي بإقرارك للَّه وتعميرك له بالبقاء. وارت: أخفت وسترت. الجثّة: الجسد قال في المصباح المنير: «الجثة للإنسان إذا كان قاعدا أو نائما فإن كان منتصبا فهو طلل» . علّيون: اسم لأعلى الجنّة. اقتطعوهم: أي حالوا بينهم وبين النجاة. وجد عليه: حزن عليه. الغداة: صلاة الصبح. هل لك في كذا تقدّم تفسيره. مهلا: بفتح الميم وسكون الهاء منصوب بفعل محذوف أي اتّئد في أمرك ولا تعجل. شرح غريب ذكر رجوع عمرو بن أمية الضمري رضي اللَّه تعالى عنه القرقرة: بقافين مفتوحتين بعد كل منهما راء، الأولى ساكنة. قناة: بضم القاف وبالنون واد بأرض المدينة الشريفة. سليم بضم السين المهملة. معه عقد: بفتح العين المهملة أي عهد. جوار: بضم الجيم وكسرها: الذّمام والعهد. أمهله: سكّنه وأخّر أمره. عدا عليه: بالعين المهملة عدوا وعدوّا وعداء وعدوانا ظلم وتجاوز الحد. يرى: بضم التحتية يظنّ. الثّؤرة: بضم الثاء المثلثة فهمزة ساكنة والثّأر بالهمز ويجوز تخفيفه. الذّحل: بفتح الذال المعجمة وبالحاء المهملة واللام الحقد بكسر الحاء المهملة ويجمع أذحال مثل سبب وأسباب ويسكن فيجمع على ذحول مثل فلس وفلوس، يقال ثأرت القتيل إذا قتلت قاتله. أم البنين: هي أم أبي براء واسمها ليلى بنت عامر قاله في الروض. وقال في الإملاء يريد

قول لبيد: (نحن بني أم البنين الأربعة) وكانوا نجباء فرسانا. ويقال إنهم كانوا خمسة لكن لبيد جعلهم أربعة لإقامة الوزن. يرعكم: بمثناة تحتية مفتوحة فراء مضمومة مهملة يفزعكم. الذوائب: بالذال المعجمة وهي هنا الأعالي. التهكم: الاستهزاء. عامر بن الطفيل بضم الطاء المهملة وكسر الفاء وسكون التحتية ثم لام. ليخفره: بضم التحتية [وتسكين الخاء المعجمة وكسر الفاء] أي لينقض عهده. ربيعة: هو ابن أبي براء ذكره الحافظ في الإصابة وذكر ما يدل على إسلامه. المساعي: جمع مسعاة وهي السعي في طلب المجد والمكارم. الحدثان: بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين مصدر حديث حدثانا كالوجدان وهو قريب العهد. حكم بن سعد: بحاء مهملة وكاف مفتوحتين لا يعلم له إسلام. القين: بفتح القاف وسكون التحتية وبالنون الحدّاد والقينة الأمة مغنية كانت أم لا والماشطة وكثيرا ما تطلق على المغنية من الإماء. جسر: بفتح الجيم وسكون السين وبالراء المهملتين. أشواه: بهمزة مفتوحة فشين معجمة أي لم يصب المقتل. فلا يتبعنّ به: بالبناء للمفعول. أتي إليّ: بالبناء للمفعول.

الباب السابع عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى القرطاء

الباب السابع عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى القرطاء [وهي بطون من بني بكر من قيس عيلان] وكانوا ينزلون البكرات بناحية ضريّة، على رأس تسعة وخمسين شهراً من الهجرة. روى محمد بن عمر بن جعفر بن محمود قال: قال محمد بن مسلمة: خرجت لعشر ليال خلون من المحرم فغبت عشرين ليلة إلا ليلة وقدمت المدينة لليلة بقيت من المحرم. وروى محمد بن عمر عن شيوخه، وابن عائذ عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث محمد بن مسلمة في ثلاثين رجلا ركبانا، فيهم عباد بن بشر، وسلمة بن سلامة بن وقش، والحارث بن خزيمة إلى بني بكر بن كلاب، وأمره أن يسير الليل ويكمن النهار، وأن يشنّ الغارة عليهم حتى إذا كان بالشّربّة لقي ظعنا فأرسل رجلا من أصحابه يسأل: من هم؟ فذهب الرجل ثم رجع إليه فقال: قوم من محارب. فنزلوا قريبا منه وحلوا وروحوا ماشيتهم فأمهلهم حتى إذا عطنوا أغار عليهم فقتل نفرا منهم وهرب سائرهم، فلم يطلب من هرب واستاق نعما وشاء ولم يتعرّض للظّعن. ثم انطلق حتى إذا كان بموضع يطلعه على بني بكر بعث عائذ بن بسر إليهم فأوفى على الحاضر فأقام. وخرج محمد في أصحابه فشنّ عليهم الغارة فقتل منهم عشرة واستاقوا النّعم والشاء، ثم انحدر إلى المدينة فما أصبح إلا بضريّة مسيرة ليلة أو ليلتين، ثم حدر بالنّعم وخاف الطلب فطرد الشاء أشد الطرد فكانت تجري معهم كأنها الخيل حتى بلغ العدّاسة فأبطأ عليهم الشاء بالرّبذة فخلّفه مع نفر من أصحابه وطرد النّعم، فقدم المدينة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ووصل بعده الشاء فخمّس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما جاء به ثم فضّ على أصحابه ما بقي فعدلوا الجزور بعشر من الغنم. وذكر البلاذري والحاكم إنها كانت في المحرم سنة ست وأن ثمامة بن أثال الحنفي أخذ فيها، وذكر حديث إسلامه. روى الشيخان والبخاري مختصرا ومسلم مطوّلا وابن إسحاق عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيّد أهل اليمامة ولا يشعرون من هو حتى أتوا به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: «أتدرون من أخذتم؟ هذا ثمامة بن أثال الحنفي، أحسنوا إسارة» . فربطوه بسارية من سواري المسجد» . وروى البيهقي عن ابن إسحاق أن ثمامة كان رسول مسيلمة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل ذلك وأراد اغتياله، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ربه تبارك وتعالى أن يمكنه منه، فدخل المدينة معتمرا وهو مشرك فدخل المدينة حتى تحيّر فيها فأخذ، انتهى. ورجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أهله فقال: «اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه» . وأمر بلقحته أن يغدى عليه بها وبراح، فجعل

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

لا يقع من ثمامة موقعا ويأتيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيقول: «ما عندك يا ثمامة؟» فيقول: «عندي خير يا محمد» . وفي لفظ: «أسلم يا ثمامة» . فيقول: «أيها يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن ترد الفداء فسل منه ما شئت» . فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كان الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: عندي ما قلت لك. وذكر مثله: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أطلقوا ثمامة» فأطلقوه فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: «أشهد ألا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يا محمد واللَّه ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ، واللَّه ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحبّ الدين كله إليّ، واللَّه ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلها إليّ، وإن خليلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟» فبشّره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمره أن يعتمر. فلما أسلم جاءوه بما كانوا يأتونه به من الطعام وباللّقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا فعجب المسلمون من ذلك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [حين بلغه ذلك] : «ممّ تعجبون؟ أمن رجل أكل أوّل النهار في معى كافر وأكل في آخر النهار في معى مسلم؟ إنّ الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معى واحد» . قال ابن هشام رحمه اللَّه تعالى: فبلغني أنه خرج معتمرا حتى إذا كان ببطن مكة لبّى فكان أول من دخل مكة يلبّي. فأخذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا. فلما قدّموه ليضربوا عنقه قال قائل منهم: دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم فخلّوه. فقال الحنفي في ذلك: ومنّا الذي لبّى بمكّة معلنا ... برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم وقالوا: أصبوت يا ثمامة؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتّبعت خير دين، دين محمد وو اللَّه لا تصل إليكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا منها شيئا إلى مكة حتى أكلت قريش العلهز. فجاء أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي رواية قال: «ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟» قال: «بلى» . قال: «فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع» . وفي رواية: فكتبوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنك تأمر بصلة الرّحم وإنك قد قطعت أرحامنا» . فكتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليه أن يخلّي بينهم وبين الحمل، وأنزل اللَّه عز وجل: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون 76] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: القرطاء: بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة وهم قرط بضم القاف وسكون الراء

وقريط بفتح الراء وقريط بكسرها بنو عبد بغير إضافة [ابن عبيد] وهو أبو بكر ابن كلاب من قيس عيلان- بعين مهملة وسكون التحتية وذكره أبو محمد الرشاطي رحمه اللَّه تعالى. البكرات: بفتح الموحدة وسكون الكاف فراء فألف فمثناة فوقية جمع بكرة، كذا فيما وقفت عليه من كتب المغازي قال الصفاني رحمه اللَّه تعالى: «البكرة ماء لبني ذؤيب من الضّباب وعندها جبال شمّخ يقال لها البكرات» . وذكر شيئا آخر، والبكران يعني بالموحدة وسكون الكاف وآخره نون بلفظ التثنية موضع بناحية ضريّة- بفتح الضاد المعجمة وكسر الراء وفتح التحتية المشددة فتاء- قرية لبني كلاب، وتبعه في المراصد. قال في النور: ولعل ما في العيون بلفظ التثنية وتصحّف على الناسخ فذكرها بلفظ الجمع. انتهى ولم يذكر أبو عبيد البكري في معجمة بحمى ضريّة إلا بكرة بالإفراد. قلت وهو بعيد جداً لتوارد ما وقفت عليه من كتب المغازي. ضريّة: بفتح الضاد المعجمة الساقطة وكسر الراء وفتح التحتية المشددة فتاء تأنيث، قرية لبني كلاب. بشر: بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة. وقش: بفتح الواو والقاف وبالشين المعجمة. خزمة: بفتح الخاء المعجمة وسكون الزاي وقيل بفتحها وبه جزم في الإصابة وقيل بالتصغير. يكمن النهار: يستتر فيه ويختفي. ويشنّ: بفتح التحتية وضم الشين المعجمة وبالنون، يفرّق. الغارة: وهي الخيل المغيرة، والغارة الاسم من الإغارة على العدو. الشّربّة: بشين معجمة فراء فموحدة مشددة مفتوحات فتاء تأنيث، اسم موضع. الظّعن: بضمتين ويسكّن، والظعائن جمع ظعينة قال في النهاية وهي المرأة في الهودج ثم قيل للمرأة بلا هودج ثم قيل للهودج بلا امرأة. محارب: بميم مضمومة فحاء مهملة فألف فراء مكسورة فموحدة، بطن من قريش ومن عبد القيس. حلوا: بفتح الحاء المهملة وضم المشددة: نزلوا. روّحوا ماشيتهم: بفتح الراء والواو المشددة، أرسلوها للمرعى. أمهلهم: تركهم.

عطّنوا: بفتح العين والطاء المشددة المهملتين وبالنون، أناخوا الإبل وبرّكوها حول الماء. النّعم: بفتح النون والعين المهملة. والشّاء: عطف الأخصّ على الأعمّ. يعرض: بكسر الراء. أوفى: أشرف. الحاضر: بالحاء المهملة والضاد المعجمة الساقطة المكسورة: القوم النّزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه. العدّاسة: بفتح العين والدال المشددة بعد الألف سين مهملات، كذا في نسخة صحيحة من مغازي محمد بن عمر الأسلمي، ولم أر لها ذكرا فيما وقعت عليه من كتب الأماكن والبلدان. الرّبذة [ (1) ] : بفتح الراء والموحدة وبالذال المعجمة اسم بلد. البلاذري [ (2) ] : بفتح الموحدة والذال المعجمة نسبة إلى البلاذر المعروف. ثمامة: بضم الثاء والمثلثة وميمين. أثال: بهمزة مضمومة فثاء مثلثة مخففة وبالصّرف. الحنفي: من بني حنيفة. نجد [ (3) ] : بفتح النون وسكون الجيم موضع مشرف، وهو ضدّ تهامة [ (4) ] . لا يشعرون: أي لا يعلمون. اليمامة [ (5) ] : بفتح التحتية مدينة معروفة باليمن.

_ [ (1) ] الربذة بفتح أوله وثانية، ودال معجمة مفتوحة: من قرى المدينة، على ثلاثة أميال ومنها قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز وثلاثمائة بالقرامطة مراصد الاطلاع 2/ 601. [ (2) ] البلاذري بفتح الباء الموحدة وبعدها لام ألف وضم الذال المعجمة وفي آخرها الراء هذه النسبة إلى البلاذر وهو معروف الأنساب 1/ 423. [ (3) ] نجد بفتح أوله وسكون ثانية قال النضر: النجد قفاف الأرض وصلابيها وما غلظ منها وأشرف، والجماعة النجاد، ولا يكون إلا قفا أو صلاية من الأرض من ارتفاع من الجبل معترضا بين يديك يرد طرفك عما وراءه معجم البلدان 5/ 303. [ (4) ] انظر مراصد الاطلاع 14/ 283. [ (5) ] اليمامة واحد اليمام، وهو طائر، وهو بلد كبير، فيه قرى وحصون ونخل، وكان اسمها أولا جوّا. واليمامة هي الزرقاء التي يضرب بها المثل في النظر البعيد. قلع تبع عينيها وصلبها على باب جوّ، فسمّيت بها. مراصد الاطلاع 3/ 1483.

الإسار: بكسر الهمزة القيد. السارية: الأسطوانة بضم الهمزة والطاء المهملة. الاغتيال: أن يوصّل إليه الشّرّ أو القتل من حيث لا يعلم. تحيّر: بفتح الفوقية والحاء المهملة والتحتية المشددة وبالراء. اللّقحة: بكسر اللام وفتحها الناقة ذات اللّبن. يغدو: يصبح. يراح: يمسي. الحلاب: بكسر الحاء المهملة وهو هنا اللّبن. إن تقتل تقتل ذا دم: بدال مهملة على الصحيح أي صاحب يشتفى بقتله ويدرك به قاتله ثأره فاختصر اعتمادا على مفهوم الكلام. ورواه بعضهم: ذا ذمّ بذال معجمة وفسّره بالذّمام والحرمة في قومه إذا عقد ذمّة وفّي له ولم يخفره. وقال القاضي: وكونه بالمهملة أصح لكونه ذا ذمام لم يجز قتله. قال في المطالع: وكان شيخنا القاضي حمله على الذّمّة أي انتقل من عقدت له ذمة وهذا لا يليق بالحديث. إن تنعم بضم أوله وكسر ثالثه. الفداء: بكسر الفاء وبالمدّ وبالفتح والقصر وهو أن تشتري الرجل أو تنقذه بمال. أطلقوا: بفتح الهمزة وكسر اللام. نخل: بفتح النون وسكون الخاء المعجمة، هكذا الرواية أي إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه، وذكره ابن دريد بالجيم وهو الماء الجاري. ممّ تعجبون؟ أصله ممّا، حذفت ألف ما الاستفهامية لدخول الجار. المعى كعنب ويمدّ، المصران [مذكر وقد يؤنث] وتذكيره أكثر. وقوله: والكافر يأكل (في سبعة أمعاء) . قال في النهاية والتقريب: هو مثل ضربه لزهد المؤمن وحرص الكافر. وهو خاصّ في رجل بعينه كان يأكل كثيرا فأسلم فقلّ أكله. بطن مكة: قبل الحديبية، وقيل وادي مكة، وقيل التنعيم. اجترأ عليه: معلنا: بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر اللام: مظهرا. برغم فلان: بفتح الموحدة وتثليث الراء [في المصدر] يقال رغم أنفه، كذلك التصق

بالرّغام وهو [التراب] . هذا هو الأصل ثم استعمل في الذّل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره. صبأ: بالهمز. العلهز: بكسر العين المهملة وسكون اللام وكسر الهاء وبالزاي، شيء كانوا يتخذونه في سني المجاعة يخلطون فيه الدم بأوبار الإبل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه وقيل كانوا يخلطون فيه القردان ويقال للقراد الضّخم علهز. استكان: خضع. تضرّعوا: ذلّوا وخشعوا.

الباب الثامن عشر في سرية عكاشة بن محصن [بن حرثان الأسدي] رضي الله تعالى عنه

الباب الثامن عشر في سرية عكاشة بن محصن [بن حرثان الأسدي] رضي اللَّه تعالى عنه إلى غمر مرزوق [ (1) ] ، ماء لبني أسد في شهر ربيع الأول سنة ست روى محمد بن عمر رحمه اللَّه تعالى عن القاسم بن محمد رحمه اللَّه تعالى قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً منهم ثابت بن أقرم [ (2) ] ، وذكر ابن عائذ أنه كان الأمير، وشجاع بن وهب [ (3) ] ، ويزيد بن رقيش [ابن رئاب بن يعمر] زاد ابن عائذ: ولقيط بن أعصم حليف بني عمرو بن عروة، ثم من بني معاوية بن مالك بن بليّ. فخرج سريعا يغذ السّير، ونذر القوم بهم، فهربوا من مالهم، فنزلوا علينا بلادهم، فانتهوا إلى الماء. فوجد الدار خلوفا. فبعث شجاع بن وهب طليعة يطلبون خبرا، أو يرون أثرا، فرجع شجاع بن وهب فأخبره أنه رأى أثر نعم قريبا، فتحملوا فأصابوا ربيئة لهم قد نظروا ليلة يسمع الصوت، فلما أصبح قام، فأخذوه وهو نائم، فقالوا: أتخبر عن الناس؟ قال: وأين الناس؟ قد لحقوا بعليا بلادهم. قالوا: فالنّعم؟ قال: ما معهم. فضربه أحدهم بسوط في يده فقال: أتؤمنوني على دمي وأطلعكم على نعم لبني عمّ له لم يعلموا بمسيركم إليهم. قالوا: نعم. فآمنوه فانطلقوا معه فأمعن حتى خافوا أن يكون ذلك غدرا منه لهم فقالوا: واللَّه لتصدّقنا أو لنضربنّ عنقك. فقال: تطلعون عليهم من هذا الظريب فدنوا فإذا نعم رواتع فأغاروا عليها وأصابوها وهربت الأعراب في كل وجه، ونهى عكّاشة عن الطلب. واستاقوا مائتي بعير، فحدروها إلى المدينة، وأرسلوا الرجل. وقدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يصب منهم أحد ولم يلقوا كيدا. تنبيهات الأول: قول من قال أن ثابت بن أقرم أصيب فيها ليس بشيء فإنه استشهد أيام الرّدّة. الثاني: وقع في نسخة أبي الفتح من الإكليل للحاكم بعث سباع من وهب طليعة،

_ [ (1) ] وردت بلفظ غمرة. قال في المراصد: غمرة منهل من مناهل طريقة مكة فصل ما بين تهامة ونجد. انظر المراصد الاطلاع 24/ 1001. [ (2) ] (ثابت) بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان البلوي حليف الأنصار ... ذكره موسى بن عقبة في البدريين وقال ابن إسحاق في المغازي: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن مروة قال: ثم أخذ الراية يعني في غزاة مؤتة ثابت بن أقرم بعد قتل ابن رواحة فدفعها إلى خالد بن الوليد وكذا رواه ابن مندة من حديث أبي اليسر بإسناد ضعيف الإصابة 1/ 197، 198. [ (3) ] شجاع بن وهب ويقال: ابن أبي وهب بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي ذكره ابن إسحاق في السابقين الأولين وفيمن هاجر إلى الحبشة وفيمن شهد بدرا وكذا ذكره موسى بن عقبة وابن الكلبي وعروة وقال ابن أبي حاتم: شجاع بن وهب أخو عقبة من المهاجرين الأولين استشهد باليمامة وكنيته أبو وهب. الإصابة 3/ 194.

والذي في النسخ منه شجاع بن وهب، ولا وجود لسباع بن وهب في الصحابة. الثالث: في بيان غريب ما سبق: عكّاشة: بضم العين المهملة وتشديد الكاف وقد تخفّف. محصن: بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالنون. الغمر: بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالراء. مرزوق: بلفظ اسم المفعول. ثابت: بالثاء المثلثة والموحدة والفوقية. ابن أقرم: بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الراء وبالميم. ابن عايذ: بتحتية وذال معجمة. لقيط بن أعصم: بألف فعين فصاد مهملتين فميم كذا في العيون عن ابن عائذ ولم أر فيما وقفت عليه من كتب الصحابة من اسمه لقيط واسم أبيه أعصم والذي رأيته لقيط بن عصر. يغذّ: بضم التحتية وكسر الغين وبالذال المشددة المعجمتين: يسرع. نذر به القوم، بفتح النون وكسر الذال المعجمة وبالراء علموا. عليا الشيء: بضم العين المهملة أعلاه. الدار: المحل: مجمع البناء. والعرصة: الدارة وقد يذكّر. الخلوف: بخاء معجمة فلام مضمومة ففاء الغيّب. وفي الكلام حذف تقديره وجد أصحاب الدار خلوفا. طليعة القوم: يبعثون أمام الجيش يعترفون طلع العدو، وبالكسر أي خبره. الرّبيئة: براء مفتوحة فموحدة مكسورة فهمزة مفتوحة ممدودة فتاء تأنيث. فآمنوه: بمدّ الهمزة وفتح الميم المخففة من الأمان. أمعن في الطلب: بالغ في الاستقصاء. الظّريب: بظاء معجمة مشالة مضمومة فراء مفتوحة فتحتية ساكنة فموحدة، تصغير ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهو ما نتأ من الحجارة وحدّد طرفه أو الجبل المنبسط أو الصغير. رواتع: جمع رتوع وهي الدّابة الراعية كيف شاءت. لم يلق كيدا: حربا.

الباب التاسع عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى

الباب التاسع عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى بني معوية وبني عوال بذي القصة [ (1) ] طريق الربذة في أول ربيع الآخر سنة ست روى محمد بن عمر رضي الله تعالى عنه عن شيوخه قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة نفر منهم: أبو نائلة، والحارث بن أوس، وأبو عبس بن جبر [ (2) ] ، ونعمان بن عصر، ومحيّصة بن مسعود، وحويّصة أخوه، وأبو بردة بن نيار [ (3) ] ، ورجلان من مزينة، [ورجل] من غطفان، فوردوا عليهم ليلا. فكمن القوم لمحمد بن مسلمة وأصحابه حتى ناموا، فأحدقوا بهم وهم مائة رجل، فما شعر المسلمون إلا بالنّبل قد حاطهم، فوثب محمد بن مسلمة ومعه قوس فصاح في أصحابه [السّلاح] ، فوثبوا فتراموا ساعة من الليل. ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوا من بقي. ووقع محمد بن مسلمة جريحا، يضرب كعبه فلا يتحرك وجردوهم الثياب وانطلقوا. فمر رجل [من المسلمين] على القتلى فاسترجع. فلما سمعه محمد بن مسلمة تحرّك له، فعرض عليه طعاما وشرابا وحمله حتى ورد به المدينة. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى مصارعهم فلم يجد أحدا، ووجد نعما وشاء فساقه ورجع فخمّسه وقسّم أربعة أخماسه فيهم. قال محمد بن مسلمة: فلما كانت غزوة خيبر نظرت إلى أحد النفر الذين كانوا ولّوا ضربي يوم ذي القصّة فلما رآني قال إني أسلمت وجهي، فقلت: أولى. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: مسلمة: بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام المخففة وبالميم وبتاء تأنيث. معوية: بفتح الميم والعين المهملة وكسر الواو وسكون التحتية وبتاء تأنيث. بنو عوال: بعين مهملة مضمومة فواو مخففة، هم من العرب من بني عبد اللَّه بن غطفان، ووقع في بعض نسخ العيون غزال وهو تصحيف. ذو القصّة: بفتح القاف والصاد المهملة وحكى في العيون إعجام الصاد، موضع قريب

_ [ (1) ] ينظر معجم البلدان 4/ 416. [ (2) ] أبو عبيس بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي.. قيل: كان اسمه في الجاهلية عبد العزى وقيل: معبد فسماه النبي صلى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن الإصابة 7/ 126. [ (3) ] (هانئ) بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذئبان بن همين بن كاهل بن ذهل بن بلي البلوي أبو بردة بن نيار حليف الأنصار خال البراء بن عازب مشهور بكنيته ... الإصابة 6/ 278.

من المدينة، بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا. الرّبذة: بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة وبتاء التأنيث موضع قريب من المدينة الشريفة. أبو نائلة: بالنون وهمزة بعد الألف على صورة التحتية وباللام. أبو عبس: بفتح العين والسين المهملتين وسكون الموحدة بينهما. ابن جبر: بجيم مفتوحة فموحدة ساكنة فراء. عصر: بفتح العين والصاد والراء المهملات، وقيل بكسر العين وقيل بفتحها وسكون الصاد بينهما. محيّصة: بميم مضمومة فحاء مهملة فتحتية مشددة فصاد مهملة مفتوحات فتاء تأنيث. حويّصة: بالحاء المهملة وزن الذي قبله. أبو بردة: بضم الموحدة. ابن نيار: بنون وتخفيف التحتية وبالراء. مزينة: بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية وبالنون. غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والنون بعد الألف. كمن: استتر. أحدقوا بهم: أحاطوا. ما شعر: ما علم. النّبل: بفتح النون وسكون الموحدة: السهام العربية، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها. بل الواحد سهم فهي مفرد اللفظ مجموعة المعنى. انحاز إلى القوم: تحيّز إليهم أي مال. الكعب: كل مفصل للعظام، والعظم الناتئ فوق القدم والناشز من جانبها مباشرة.

الباب العشرون في سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه إلى ذي القصة أيضا

الباب العشرون في سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي اللَّه تعالى عنه إلى ذي القصّة أيضا روى محمد بن عمر عن شيوخه رحمهم اللَّه تعالى قالوا: أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار.. ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين. فسارت بنو محارب وبنو ثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة، وكانوا قد أجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة، وسرحها يرعى يومئذ ببطن هيفاء. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً، صلّوا المغرب ليلة السبت لليلتين بقيتا من ربيع الآخر سنة ست. فباتوا ليلتهم يمشون حتى وافوا ذا القصّة مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال، وأخذ رجلا واحدا، ووجد نعما من نعمهم فاستاقه ورثّة من متاع القوم، فقدم به المدينة. وغاب ليلتين، وأسلم الرجل فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخمّس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما قدم به أبو عبيدة وقسّم الباقي عليهم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الجدب: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة نقيض الخصب. المراض: بضاد معجمة كسحاب. تغلمين: بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وفتح اللام والميم وسكون التحتية وبالنون، كذا ألفيته مضبوطا في نسخة صحيحة من مغازي محمد بن عمر الواقدي ولم أجد له ذكرا فيما وقفت عليه من الكتب الأماكن والجبال والمياه. محارب: بضم الميم وكسر الراء وبالموحدة. أجمعوا: اتفقوا. أن يغيروا: يدفعوا الخيل. على السّرح: بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال الراعي. وافوا: أشرفوا. عماية الصبح: بفتح العين المهملة وتخفيف الميم وبالقصر. هربا: بفتح الهاء والراء وبالموحدة. رثّة: بكسر الراء وتشديد الثاء المثلثة وبتاء تأنيث- السّقط من متاع البيت من الخلقان.

الباب الحادي والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى بني سليم بالجموم في شهر ربيع الآخر سنة ست

الباب الحادي والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما إلى بني سليم بالجموم في شهر ربيع الآخر سنة ست روى محمد بن عمر عن الزهري رحمه اللَّه تعالى قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة إلى بني سليم في سرية حتى ورد الجموم فأصابوا امرأة من مزينة يقال لها حليمة، فدلّتهم على محلّة من محالّ بني سليم فأصابوا في تلك المحلّة نعما وشاء وأسرى، فكان فيه زوج حليمة المزنية. فأقبل زيد بن حارثة بما أصاب، ووهب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم للمزنيّة نفسها وزوجها. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون التحتية. الجموم: بفتح الجيم وضم الميم المخففة ناحية ببطن نخلة من المدينة على أربعة برد. مزينة: بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية. سحلّة: بفتح الميم والحاء المهملة وتشديد اللام وتاء تأنيث: منزل القوم.

الباب الثاني والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما في سبعين ومائة راكب إلى العيص فأخذوا العير وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسروا ناسا منهم أبو العاص بن الربيع

الباب الثاني والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما في سبعين ومائة راكب إلى العيص فأخذوا العير وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسروا ناسا منهم أبو العاص بن الربيع قال ابن إسحاق: لما كان قبل الفتح خرج أبو العاص بن الربيع تاجرا بمال له وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه. فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سريّة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأصابوا ما معه. وذكر الزّهري وتبعه ابن عقبة أن الذين أخذوا هذه العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما بمنزلهم بسيف البحر، وأنهما لم يقتلا منهم أحدا لصهر أبي العاص. قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: إنه هرب منهم من السرية. فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على امرأته زينب بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستجار بها فأجارته قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصبح فكبّر وكبّر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء، وعند محمد بن عمر: قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها وقالت: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. قال: فلما سلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال: «يا أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم. قال: «أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم» زاد محمد بن عمر: «وقد أجرنا من أجارته» . انتهى. قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: ثم دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى منزله، فدخلت عليه زينب فسألته أن يرد علي أبي العاص ما أخذ منه فقبل. وقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أي بنيّة أكرمي مثواه ولا يخلصنّ إليك فإنك لا تحلّين له» . وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص فقال لهم: «إن هذا الرجل منا حيث علمتم وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردّوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء اللَّه الذي أفاء عليكم فأنتم أحقّ به» . فقالوا: يا رسول اللَّه بل نردّه عليه. وعند ابن عقبة: فكلّمها أبو العاص في أصحابه الذين أسرهم أبو جندل وأبو بصير وما أخذا لهم. فكلمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك، فزعموا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام، فخطب الناس وقال: «إنّا صاهرنا ناسا وصاهرنا أبا العاص فنعم الصّهر وجدناه وإنه أقبل من الشام في أصحاب له من قريش فأخذهم أبو جندل وأبو بصير فأسروهم وأخذوا ما كان معهم ولم يقتلوا منهم أحدا وأن زينب بنت رسول اللَّه سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه؟» فقال

تنبيهات

الناس: نعم. فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أبي العاص وأصحابه الذين كانوا عنده من الأسرى، ردّ إليهم كل شيء حتى العقال. قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: فردّوا عليه كل شيء حتى إن الرجل ليأتي بالدّلو ويأتي الرجل بالشّنّة والإداوة حتى إن أحدهم ليأتي بالشظاظ حتى ردّوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا. قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة أن أبا العاص بن الربيع لمّا قدم من الشام ومعه أموال المشركين قيل له: هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال فإنها أموال المشركين؟ فقال أبو العاص: بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. قال ابن هشام: وحدثني عبد الوارث بن سعيد التّنّوري [ (1) ] عن [داود] بن أبي هند [ (2) ] ، عن أبي عمرو وعامر بن شراحيل الشعبي بنحو من حديث أبي عبيدة عن أبي العاص قلت: هذا سند صحيح، رواه أبو عبد اللَّه الحاكم في الكنى بسند صحيح عن الشعبي رحمه اللَّه تعالى أن المسلمين قالوا لأبي العاص: يا أبا العاص إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصهره، فهل لك أن تسلم وتغنم ما معك من أموال أهل مكة؟ فقال: بئس ما أمرتموني به أن أفتتح ديني بغدرة. قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، والشعبي: ثم احتمل أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه. ثم قام فقال: «يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ يا أهل مكة هل أوفيت ذمتي؟» قالوا: اللهم نعم، فجزاك اللَّه خيرا فقد وجدناك وفيّا كريما. قال: «فإني أشهد ألا إله إلا اللَّه وأن محمداً عبده ورسوله، واللَّه ما منعني من الإسلام عنده إلا أني خشيت أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أدّاها اللَّه إليكم وفرغت منها أسلمت» . ثم خرج حتى قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة. قال ابن عباس: ردّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئا. وفي رواية عنه ردّها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ست سنين. وفي رواية بعدها: ستة بالنكاح الأول وفي الرواية: ولم يحدث نكاحا. رواه ابن جرير. تنبيهات الأول: كذا ذكر محمد بن عمر، وابن سعد، والبلاذري، والقطب، والعراقي، وجرى عليه في العيون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة لأهل هذه العير. واقتضى كلام ابن

_ [ (1) ] عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة التنوري، مولى بني العنر، أحد الحفاظ. روى عن أيوب، ويزيد الرّشك، وطبقتهما. وعنه مسدّد، وحميد بن مسعدة، وأبو معمر المقعد، وخلق. وكان يضرب المثل بفصاحته، وإليه المنتهى في التثبت. إلّا أنه قدري متعصّب لعمرو بن عبيد. وكان حماد بن زيد ينهى المحدثين عن الحمل عنه للقدر. وقال يزيد بن زريع: من أتى مجلس عبد الوارث فلا يقربني. ميزان الاعتدال 2/ 677. [ (2) ] داود بن أبي هند، القشيري مولاهم، أبو بكر أو أبو محمد البصري ثقة متقن، كان يهم بآخره من الخامسة مات سنة أربعين وقيل قبلها. التقريب 1/ 235.

إسحاق أن سريّة من السرايا صادفت هذه العير لأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أرسل السرية لأجلها. الثاني: صرّح محمد بن عمر ومن ذكر معه أن هذه السرية كانت سنة ست قبل الحديبية، وإلا فبعد الهدنة لم تتعرض سرايا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لقريش أصلا، وجزم به الزهري وتبعه موسى بن عقبة كما رواه البيهقي عنهما بأن الذي أخذ هذه العير أبو جندل وأبو بصير وأصحابهما الذين كانوا بسيف البحر لما وقع صلح الحديبية، ولم يكن ذلك بأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لأنهم كانوا منحازين عنه بسيف البحر، وكان لا يمرّ بهم عير لقريش إلا أخذوها، كما سبق ذلك في غزوة الحديبية. وقول ابن إسحاق إن هذه السرية كانت قبل الفتح يشعر بما ذهب إليه الزهري وصوّبه في زاد المعاد واستظهر في النور. قلت: ويؤيد قول الزهري قوله صلى اللَّه عليه وسلم فيما ذكره محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما لزينب: «لا يخلص إليك فإنك لا تحلّين له» . فإن تحريم المؤمنات على المشركين إنما نزل بعد صلح الحديبية. الثالث: قول ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: «ردّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زينب على أبي العاص بالنكاح» . يأتي الكلام عليه في ترجمة السيدة زينب رضي اللَّه تعالى عنها. الرابع: في بيان غريب ما سبق: العيص: بكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالصاد المهملة: واد من ناحية ذي المروة على ليلة منه وعلى أربع من المدينة. الغابة: بفتح الغين المعجمة فألف فموحدة فتاء تأنيث واد في أسفل سافلة المدينة. العير: بكسر العين المهملة: الإبل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة، وهي مؤنثة. أبضعوها معه: بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح الضاد المعجمة وضم العين المهملة: دفعوها. قفل: بفتح القاف والفاء واللام: رجع. أبو بصير: بموحدة مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية ساكنة فراء. أبو جندل: بجيم مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة مفتوحة فلام. سيف البحر: بكسر السين المهملة: ساحلة. صفّة النساء: بضم الصاد المهملة وبالفاء، الموضع المظلّل للجلوس. المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم. يجير: بضم الياء وكسر الجيم وسكون التحتية وبالراء، يحمي ويمنع.

أدناهم: أقلهم. المثوى: بفتح الميم وسكون الثاء المثلثة وفتح الواو: الإقامة. لا يخلص إليك: لا يطؤك. العقال: بكسر العين المهملة وبالقاف ما يعقل به البعير. الشّنّة: بشين معجمة مفتوحة فنون مشددة السّقاء البالي. الإداوة: بكسر الهمزة وبالدال المهملة: المطهرة التي يتطهر بها. الشّظاظ: بشين معجمة مكسورة فظاءين معجمتين مشالين بينهما ألف، عود معقّف في عروة الغرارة. بأسره: بجميعه. التنور: بفتح الفوقية وتشديد النون وبالراء. وأنت ابن عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أراد بهذين العمومة إذ أن جده عبد شمس بن عبد مناف، فيلتقي معه النبي صلى اللَّه عليه وسلم في عبد مناف. الغدرة: بضم الغين المعجمة: الغدر وهو نقض العهد وعدم الوفاء. احتمل: ارتحل.

الباب الثالث والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى الطرف في جمادى الآخرة سنة ست

الباب الثالث والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما إلى الطرف في جمادى الآخرة سنة ست روى محمد بن عمر قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة إلى الطرف إلى بني ثعلبة بن سعد فخرج في خمسة عشر رجلا، حتى إذا كان بالطّرف أصاب نعما وشاء، وهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد سار إليهم. فانحدر زيد بن حارثة بالنّعم حتى أصبح في المدينة، وخرجوا في طلبه فأعجزهم فقدم بعشرين بعيرا وغاب أربع ليال، ولم يلق كيدا وكان شعارهم أمت أمت. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الطّرف: بفتح الطاء وبالراء المكسورة وبالفاء: ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة كما في ذيل الصّغاني وقال: هو بطريق العراق على خمسة وعشرين ميلا من المدينة، والراضة بالراء والضاد المعجمة كسحاب. الشّعار: بكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة وبالراء: العلامة التي يتعارفون بها عند القتال. أمت أمت: أمر بالموت والمراد القتال بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشّعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل.

الباب الرابع والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام من أرض حسمى وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست

الباب الرابع والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما إلى جذام من أرض حسمى وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست روى ابن إسحاق عمّن لا يتهم عن رجال من جذام كانوا علماء بها، ومحمد بن عمر عن شيوخه وموسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن شيخ من بني سعد هذيم كان قديما يخبر عن أبيه، قال ابن إسحاق رحمه اللَّه تعالى أن رفاعة بن زيد الجذاميّ لما قدم على قومه من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام فاستجابوا له. ثم لم يلبث أن قدم دحية بن خليفة الكلبيّ من عند قيصر صاحب الروم حين بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليه وقد أجازه وكساه. فلقيه الهنيد بن عوص وابنه عوص [بن الهنيد] كما عند ابن إسحاق فيهما، وقال ابن سعد عارض فيهما: [الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد] الصّلعيّان- والصّليع بطن من جذام- فأصابا كل شيء كان مع دحية ولم يتركوا عليه إلا سمل ثوب. فبلغ ذلك قوما من بني الضّبيب رهط رفاعة بن زيد ممن كان أسلم وأجاب، فنفروا إلى الهنيد وابنه فاقتتلوا واستنقذوا لدحية متاعه. وقدم دحية على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره خبره، واستسقاه دم الهنيد وابنه فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة في خمسمائة رجل وردّ معه دحية. فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة. وقد اجتمعت بطون، منهم: غطفان كلها ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حتى نزلوا حرّة الرّجلاء ورفاعة بكراع ربّة لم يعلم. وأقبل الدليل العذريّ بزيد بن حارثة وأصحابه حتى هجم بهم مع الصّبح على الهنيد وابنه ومن كان في محلّتهم فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم. فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه. وأغاروا على ماشيتهم ونعيم ونسائهم فأصابوا من النّعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف شاة ومن السّبي مائة من النساء والصبيان. فلما سمع بنو الضّبيب بما صنع زيد بن حارثة ركبوا فيمن ركب. فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان بن ملة: «إنا قوم مسلمون» . فقال زيد بن حارثة: «فاقرأ أم الكتاب» . فقرأها حسّان فقال زيد: نادوا في الجيش أن يهبطوا إلى ورائهم الذي جاءوا منه فأمسوا في ناديهم. فلما أمسكوا ركبوا إلى رفاعة بن زيد فصبّحوه وقال له حسّان بن ملّة: «إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرّك كتابك الذي جئت به» . فدعا رفاعة بجمل فشدّ عليه رحله وخرج معه أبو زيد [بن عمرو]- وعند ابن سعد أبو يزيد بن عمرو- وجماعة، فساروا

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

ثلاث ليال، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد دخلوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما رآهم ألاح لهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فاستفتح رفاعة بن زيد المنطق، فقام رجل من الناس فقال: «يا رسول اللَّه، إن هؤلاء قوم سحرة» فردّدها مرتين فقال رفاعة بن زيد: رحم اللَّه من لم يحذنا في يومه هذا إلّا خيرا» . ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الذي كان كتبه له، فقال: دونك يا رسول اللَّه [قديما كتابه حديثا غدره] فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اقرأه يا غلام وأعلن» . فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبروه بما صنع زيد بن حارثة. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «كيف أصنع بالقتلى؟» ثلاث مرار. فقال رفاعة: «أنت يا رسول اللَّه أعلم، لا نحرّم عليك حلالا ولا نحلّ لك حراما» . فقال أبو زيد بن عمرو: «أطلق لنا يا رسول اللَّه من كان حيّا، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه» . فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «صدق أبو زيد» . فقال القوم: فابعث معنا يا رسول اللَّه رجلا يخلي بيننا وبين حرمنا وأموالنا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «انطلق معهم يا عليّ» . فقال علي: «يا رسول اللَّه أن زيدا لا يطيعني» قال: «فخذ سيفي هذا» . فأخذه. فقال له علي: «ليس لي راحلة يا رسول اللَّه» . فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ويقال له مكحال. فخرجوا حتى لقوا رافع بن مكيث الجهنيّ، بشير زيد بن حارثة يسير على ناقة من إبل القوم، فردها عليّ على القوم. ورجع رافع بن مكيث مع عليّ رديفا حتى لقوا زيد بن حارثة بفيفاء الفحلتين فقال علي: «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تردّ على هؤلاء القوم ما كان بيدك من أسير أو سبي أو مال» . فقال زيد: «علامة من رسول اللَّه» فقال عليّ: «هذا سيفه» فعرفه زيد، فنزل وصاح في الناس، فاجتمعوا فقال: «من كان معه شيء من سبي أو مال فليردّه، فهذا [رسول] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فرد على الناس كافّة كل ما كان أخذ لهم حتى كانوا ينزعون المرأة من تحت فخذل الرجل» . وروى محمد بن عمر رحمه اللَّه تعالى عن محجن الديلي رضي اللَّه تعالى عنه قال: «كنت في تلك السرية، فصار لكل رجل سبعة أبعرة أو سبعون شاة وصار له من السّبي المرأة والمرأتان حتى ردّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذلك كله إلى أهله» . قال في زاد المعاد: «وهذه السرية كانت بعد الحديبية بلا شك» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جذام: بجيم مضمومة فذال معجمة فميم، قبيلة بجبال حسمى من معد. حسمى: بحاء مكسورة فسين ساكنة مهملتين، أرض بالبادية غليظة لا خير فيها ينزلها جذام، ويقال آخر ما نضب من ماء الطوفان حسمى فبقيت منه بقية إلى اليوم وفيها جبال

شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها قاله الجوهري في الصحاح. وادي القرى: واد كثير القرى. رفاعة: بكسر الراء وبالفاء وبالعين المهملة. يلبث: يمكث. دحية: بفتح الدال المهملة. قيصر: لقب لكل من ملك الروم، واسمه هرقل. هنيهة: بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية. عوض: بكسر العين المهملة وفتح الواو وبالضاد المعجمة. الصّليع: بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وبالعين المهملة. سمل ثوب: بسين مهملة فميم فلا مثوب خلق بال. الضّبيب: بضاد معجمة فموحدتين الأولى مفتوحة بينهما تحتية ساكنة. استنقذوه: خلّصوه ونجّوه. استسقاه دمه: طلب منه الإذن في قتله. يمكن: يستتر. عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة، بطن من قضاعة. غطفان: اسم قبيلة. بهراء: بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء والمدّ وقد تقصر، قبيلة. الحرّة: بفتح الحاء المهملة والراء: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار. الرّجلى: بالجيم كسكرى ويمد، الرّجلاء أرض خشنة يترجّل فيها أو كثيرة الحجارة. كراع ربّه: مكان، وربّة بفتح الراء وتشديد الموحدة. ملّة: باللام وروي مكة بالبيت الحرام. ختر: بخاء معجمة فمثناة فوقية فراء مفتوحات: غدى. ألاح له بيده: لمع بها. سحرة: أي عندهم فصاحة لسان وبيان. يحذنا: [يقال أحذيته أي أعطيته] .

دونك: [أمامك] . أطلق لنا: بهمزة مفتوحة فطاء مهملة فلام مكسورة فقاف. مكحال: بميم مكسورة فكاف ساكنة فحاء مهملة فألف فلام. مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة. فيفاء: بفاءين مفتوحتين بينهما تحتية ساكنة. الفحلتين: بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة وفتح اللام والفوقية وسكون التحتية وبالنون. لبيد: بضم اللام وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالدال المهملة تصغير لبد. محجن: بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وبالنون. الدّيلي: بكسر الدال المهملة وسكون التحتية وباللام.

الباب الخامس والعشرون في سرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقيل زيد بن حارثة إلى بني فزارة بوادي القرى

الباب الخامس والعشرون في سرية أبي بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه وقيل زيد بن حارثة إلى بني فزارة بوادي القرى روى الإمام أحمد ومسلم وابن سعد والأربعة والطبراني عن سلمة بن الأكوع رضي اللَّه تعالى عنه قال: غزونا فزارة وعلينا أبو بكر أمره علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرّسنا، ثم شنّ الغارة فورد الماء فقتل من قتل عليه فأنظر إلى عنق من الناس فيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا فجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم معها ابنة لها من أحسن العرب. فسقتهم حتى أتيت أبابكر. فنقّلني أبو بكر ابنتها، فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا. فلقيني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في السوق فقال: «يا سلمة هب لي المرأة» . فقلت: «يا رسول اللَّه قد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا» . فسكت، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في السوق ولم أكشف لها ثوبا فقال: «يا سلمة هب لي المرأة للَّه أبوك» . فقلت: هي لك يا رسول اللَّه، قال: فبعث بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أهل مكة ففدا بها أسرى [من المسلمين] كانوا في أيدي المشركين. وفي رواية عند احمد، وابن سعد: وكان شعارنا: أمت أمت قال: فقلت بيدي سبعة- وعند الطبراني تسعة بتقديم الفوقية- أهل أبيات من المشركين. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: فزارة: بفتح الفاء وبالزاي والراء. أمّره: بتشديد الراء، جعله أميرا. التّعريس: النزول آخر الليل [للنوم] والاستراحة. شنّ الغارة: فرّقها في كل وجه. العنق من الناس: الطائفة منهم. الذّراري: بالذال المعجمة جمع ذرّية وهي الأولاد الصغار، وفيها ثلاث لغات أفصحها ضم الذال والثانية كسرها والثالثة فتح الذال مع تخفيف الراء وتجمع على ذرّيّات. القشع: بفتح القاف وكسرها وسكون الشين المعجمة وبالعين المهملة. للَّه أبوك: إذا أضيف الشيء إلى عظيم شريف اكتسب عظما وشرفا كما يقال: بيت اللَّه، وناقة اللَّه، فإذا وجد من الولد ما يحسن موقفه ويحمد فعله قيل: للَّه أبوك في معرض المدح والتعجب، أي أبوك للَّه خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك.

الباب السادس والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى وادي القرى في رجب، كما ذكره ابن إسحاق والبلاذري وزاد وقد تجمع بها قوم من مذحج وقضاعة ويقال بل تجمع بها قوم من أفناء مضر، فلم يلق كيدا.

الباب السادس والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما إلى وادي القرى في رجب، كما ذكره ابن إسحاق والبلاذري وزاد وقد تجمع بها قوم من مذحج وقضاعة ويقال بل تجمع بها قوم من أفناء مضر، فلم يلق كيدا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: وادي القرى: بضم القاف وفتح الراء، تقدّم. البلاذري: بفتح الموحدة وضم الذال المعجمة. مذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة، وبالجيم: قبيلة من اليمن. الأفناء: بالفاء والنون كأحمال. الأخلاط: للرجل إذا لم يعرف من أي قبيلة. الباب السابع والعشرون في سرية عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تعالى عنهما إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست روى ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال له: «تجهّز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء اللَّه تعالى» [ (1) ] . قال عبد اللَّه: فسمعت ذلك فقلت لأدخلنّ فلأصلّينّ مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الغداة ولأسمعنّ وصيته لعبد الرحمن بن عوف قال: كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مسجده: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وأبو سعيد الخدري [رضي اللَّه تعالى عنهم، وأنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] إذ أقبل فتى من الأنصار فسلّم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم جلس، فقال: يا رسول اللَّه أيّ المؤمنين أفضل؟ فقال: «أحسنهم خلقا» . قال: فأيّ المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل بهم، أولئك الأكياس» . ثم سكت الفتى وأقبل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا نزلن بكم وأعوذ باللَّه أن تدركوهنّ إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلّا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا

_ [ (1) ] أخرجه ابن عساكر في تهذب تاريخ دمشق 3/ 86 وذكره المتقي الهندي في كنزل العمال (30289) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزّكاة من أموالهم إلّا أمسك اللَّه عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا، وما نقضوا عهد اللَّه وعهد رسوله إلا سلّط عليهم عدوّ من غيرهم فأخذ بعضهم ما كان في أيديهم وما حكم قوم بغير كتاب اللَّه إلّا جعل بأسهم بينهم» . وفي رواية: «إلّا ألبسهم شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض» . ثم قال: قد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل. وكان رجاله معسكرين بالجرف وكانوا سبعمائة. فقال عبد الرحمن: «أحبّ يا رسول اللَّه أن يكون آخر عهدي بك وعليّ ثياب سفري» . فأقعده بين يديه ثم نفض عمامته بيده ثم عممه بعمام [من كرابيس] سوداء. فأرخى بين كتفيه منها أربع أصابع أو نحو ذلك. ثم قال: «هكذا يا ابن عوف فاعتمّ فإنه أحسن وأعرف» [ (1) ] . ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللّواء فدفعه إليه، فحمد اللَّه تعالى وصلّى على نفسه، ثم قال: «خذه يا ابن عوف اغزوا باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه لا تغلّوا ولا تغدروا ولا تنكثوا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد اللَّه وسنّة نبيكم فيكم» . فأخذ عبد الرحمن اللواء وخرج حتى لحق بأصحابه، فسار حتى قدم دومة الجندل. فلما حلّ بها دعاهم إلى الإسلام. فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام. وقد كانوا أبوا أول ما قدم ألّا يعطوا إلا السيف. فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي. وكان نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام منهم على إعطاء الجزية. فكتب عبد الرحمن إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخبره بذلك وأنه أراد أن يتزوج فيهم. وبعث الكتاب مع رافع بن مكيث الجهينيّ فكتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يتزوج بنت الأصبغ تماضر، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها، ثم أقبل بها وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن. وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح في سرية إلى دومة الجندل كما سيأتي. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: دومة: بدال مهملة مضمومة وتفتح فواو ساكنة فميم فتاء تأنيث ويقال دوماء بالمدّ. الجندل: بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال وباللام: حصن وقرى من طرف الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة الشريفة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة. أكيس: يقال كاس الرجل في عمله لدنيا أو آخرة كيسا جاد عقله.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 123 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: إسناده حسن وانظر البداية والنهاية 5/ 220.

السنين: جمع سنة وهي الجدب. البأس: بالموحدة والهمز: الحرب. ألبسهم شيعا: خلط أمرهم خلط اختلاف واضطراب لا خلط اتفاق. أذاق بعضهم بأس بعض: ابتلاهم وعرّفهم شدته. معسكرون: مجتمعون. الجرف: بجيم مضمومة فراء- قال أبو عبيد البكري، والقاضي، والحازمي- مضمومة أيضا. قال صاحب القاموس بالضم ثم السكون. على ثلاثة أميال من المدينة. الكرابيس: بفتح الكاف جمع كرباس وهي الثوب الخشن، فارسي معرّب. أحسن وأعرف: [أفضل وأظهر] . غلّ من المغنم: خان. الغدر: ترك الوفاء. الوليد: بفتح الواو: الصبي. الأصبغ: بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة وبالغين المعجمة. مكيث: بميم فكاف فتحتية فثاء مثلثة وزن عظيم. تماضر: بفوقية مضمومة وتخفيف الميم وبعد الألف ضاد معجمة مكسورة فراء، لا ينصرف للعلمية والتأنيث. بنى بها: دخل عليها. وقال ابن السكّيت: زفّت إليه: وأصله أن الرجل كان إذا تزوّج بنى للعرس خباء جديدا وعمره بما يحتاج إليه وبنى له تكريما، ثم كثر حتى كني به عن الجماع وهو لغة قال ابن درية: بنى عليها وبنى بها والأول أصحّ.

الباب الثامن والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى مدين

الباب الثامن والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما إلى مدين روى ابن إسحاق عن فاطمة بنت الحسن بن علي رضي اللَّه تعالى عنهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ومعه ضميرة مولى علي بن أبي طالب وأخ له، قالت: فأصاب سبيا من أهل ميناء وهي السواحل وفيها جمّاع من الناس فبيعوا ففرّق بينهم. فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم يبكون فقال: «ما لهم؟» فقيل: يا رسول اللَّه فرّق بينهم فقال: «لا تبيعوهم إلا جميعا» . قال ابن هشام: أراد الأمهات والأولاد. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: مدين: بفتح الميم وسكون الدال المهملة وفتح التحتية وآخره نون مدينة قوم شعيب صلى اللَّه عليه وسلم وهي تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل وهي أكبر من تبوك. ضميرة: بضم الضاد المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية وبالراء وتاء التأنيث، كذا في سيرة ابن هشام مولى علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه، ولم أر له ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة. ميناء: بكسر الميم وسكون التحتية وبالنون. والمدّ والقصّر. جمّاع الناس: بضم الجيم وتشديد الميم: أخلاطهم وهم الفرق المختلفة من قبائل شتى. فرّق: بضم الفاء وكسر الراء المشددة.

الباب التاسع والعشرون في سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست

الباب التاسع والعشرون في سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست روى محمد بن عمر عن يعقوب بن زمعة رحمهم الله تعالى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا في مائة رجل إلى حيّ بن سعد بن بكر بفدك. قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدّوا يهود خبير. فسار عليّ الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الغمج، وهو ماء بين خيبر وفدك. فوجدوا به رجلا فقالوا: «ما أنت؟» فقال: «باغ» ، فقالوا: «هل لك علم بما وراءك من جمع بني سعد؟» قال: «لا علم لي به» . فشدّدوا عليه، فأقرّ أنه عين لهم بعثوه إلى خيبر يعرض على يهودها نصرهم على أن يجعلوا لهم من تمرهم كما جعلوا لغيرهم ويقومون عليهم فقالوا له: «فأين القوم؟» قال: «تركتهم قد تجمّع منهم مائتا رجل ورأسهم وبر بن عليم» . قالوا: «فسر بنا حتى تدلنا» قال: «على أن تؤمنوني» . قالوا: (إن دللتنا عليهم أو على سرحهم آمنّاك وإلا فلا أمان لك) . قال: «فذاك» . فخرج بهم دليلا حتى ساء ظنّهم به وأوفى على فدفد وآكام ثم أفضى بهم إلى أرض مستوية فإذا نعم كثيرة وشاء فقال: «هذه نعمهم وشاؤهم» . فأغاروا عليها. فقال: «أرسلوني» . فقالوا: حتى نأمن الطلب. ونذر بهم رعاء النعم والشاء فهربوا في جمعهم [وتفرقوا] فقال الدليل: «علام تحبسني؟ قد تفرقت الأعراب» . قال علي: «حتى نبلغ معسكرهم» فانتهى بهم إليه فلم ير أحدا. فأرسلوه وساقوا النعم والشاء وكانت النعم خمسمائة بعير والشاء ألفي شاة. وعزل عليّ صفيّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لقوحا تدعى الحفدة ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه وقدم عليّ ومن معه المدينة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: فدك: بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف، قال المجد اللغوي إنها على يومين من المدينة وقال القاضي [عياض] يومين وقيل ثلاثة وقال ابن سعد على ست ليال من المدينة قال السيد وأظنه الصواب واستبعد صحته في النور وقال إنه سأل بعض أهل المدينة عنها فقال بينهما يومان. يمدّوا: بضم التحتية وكسر الميم. الغمج: من المياه ما لم يكن عذبا، وهي بغين معجمة وميم مكسورة وبالجيم. العين: هنا الجاسوس.

آمنوه: بمدّ الهمزة وفتح الميم من الإيمان. وبر: بفتح الواو وسكون الموحدة وبالراء. عليهم: بضم العين المهملة. أوفى على كذا: أشرف. الفدفد: بفاء ودال ثم فاء ودال مهملة: المكان الصلب الغليظ المرتفع من الأرض، والأرض المستوية. لقوحا: بفتح اللام وضمّ القاف المخففة وبالحاء المهملة واحدة اللقاح وهي الحلوب. الحفدة: بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء وفتح الدال المهملة وتاء التأنيث وهي السريعة السير.

الباب الثلاثون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى وادي القرى أيضا في رمضان سنة ست

الباب الثلاثون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما إلى وادي القرى أيضا في رمضان سنة ست قال موسى بن عائذ رحمه اللَّه تعالى: أخبرني الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة رضي اللَّه تعالى عنه قال: ارتثّ زيد بن حارثة من وسط القتلى. وقال محمد بن عمر: حدثنا عبد اللَّه بن جعفر عن عبد اللَّه بن حسين بن حسن علي بن أبي طالب قال: خرج زيد بن حارثة رضي اللَّه عنهما في تجارة إلى الشام وأبضع معه جماعة من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلما كان دون وادي القرى ومعه ناس من أصحابه لقيه ناس كثيرون من بني فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه حتى ظنوا أنهم قد قتلوا، وأخذوا ما معهم. فقدموا المدينة ونذر زيد بن حارثة ألا يمسّ رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة. فلما استبلّ من جراحته بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سريّة وقال لهم: «أكمنوا النهار وسيروا الليل» . فخرج بهم دليل من بني فزارة وقد نذرت بنو بدر، فكانوا يجعلون ناظورا لهم حين يصبحون فينظر على جبل مشرف وجه الطريق الذي يرون أنهم يؤتون منه، فينظر قدر مسيرة يوم، فيقول اسرحوا فلا بأس عليكم. فإذا أمسوا وكان العشاء أوفى على منظره ذلك فينظر مسيرة ليلة فيقول: ناموا فلا بأس عليكم هذه الليلة. فما كان زيد بن حارثة وأصحابه على نحو مسيرة ليلة، أخطأ بهم الطريق دليلهم فأخذ بهم طريقا أخرى حتى أمسوا وهو على خطأ ففرجوا خطاهم، ثم صمدوا لهم في الليل حتى صبّحوهم، فأحاطوا بالحاضر، ثم كبّر وكبّر أصحابه. وخرج سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه يطلب رجلا منهم حتى قتله وقد كان أمعن في طلبه. وقتل قيس بن المسحّر النعمان [وعبيد اللَّه] ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وأسر عبد اللَّه بن مسعدة، وأخذت جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وأمها أم قرفة واسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند حذيفة بن بدر، وهي عجوز كبيرة كانت في بيت شرف من قومها. وكانت العرب تقول: «لو كنت أعزّ من أم قرفة [ما زدت] لأنها كانت تعلق في بيتها خمسين سيفا كلهم لها ذو محرم. وكان لها اثنا عشر ولدا كما في الزهر، كنّيت بابنها قرفة قتله النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وسائر بنيها قتلوا مع طليحة في الردّة فلا خير فيها ولا في بنيها. فأمر زيد بن حارثة بقتل أم قرفة لسبّها سيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقتلت قتلا عنيفا. قال محمد بن عمر، وابن سعد: ولما قدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك قرع باب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقام إليه عريانا يجرّ ثوبه حتى اعنقه وقبّله فأخبره زيد بما ظفّره اللَّه تعالى به.

تنبيهان

وقدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بابنة أم قرفة وبعبد اللَّه بن مسعدة، فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وذكر له جمالها فقال: «يا سلمة هب لي المرأة للَّه أبوك» . فقال: يا رسول اللَّه جارية رجوت أن أفتدي بها امرأة منّا في بني فزارة فأعاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الكلام مرتين أو ثلاثا حتى عرف سلمة أنه يريدها فوهبها له، فوهبها النبي صلى اللَّه عليه وسلم لخاله حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن [عمران] بن مخزوم، فولدت له [عبد الرحمن بن حزن] . تنبيهان الأول: ذكر ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وابن عائذ هذه السرية وأن أميرها زيد بن حارثة رضي اللَّه عنهما وتقدم في سرية أبي بكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث بها إلى مكة ففدى بها أسرى كانوا في أيدي المشركين ولم أر من تعرضّ لتحرير ذلك. الثاني: في بيان غريب ما سبق: ابن عائذ: بالتحتية والذال المعجمة. الوليد بن مسلم: أحد الأعلام، عالم أهل الشام. ابن لهيعة: عالم مصر وقاضيها. أبو الأسود: اسمه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل. ورد: بلفظ الرّيحان المشموم. مرداس: بكسر الميم وسكون الراء وبالسين المهملة نسب ورد إلى جدّه وهو ورد بن عمرو بن مرداس أحد بني سعد بن هذيم، ذكره أبو جعفر بن جرير الطبري فيمن استشهد مع زيد بن حارثة في بعض سراياه إلى وادي القرى. أرتثّ: بضم أوله وسكون الراء وضم الفوقية وبالثاء المثلثة، أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق. وسط: بسكون السين المهملة وفتحها. أبضع معه: [من أبضع الشيء جعله بضاعة] . دون: وادي القرى بالقرب منه. فزارة: بفتح الفاء وبالزاي وبعد الألف تاء تأنيث. بدر: بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة وبالراء. نذر: ألا يمس رأسه غسل من جنابة إلخ. أي لا يأتي امرأته فكنى بالغسل عن ذلك.

استبلّ: بكسر أوله وسكون السين المهملة وفتح الفوقية والموحدة واللام المشددة، يقال بلّ من مرضه يبلّ بالكسر بلا وبللا وبلولا أي صحّ منه وكذلك أبلّ واستبلّ. نذرت: بفتح النون وكسر الذال المعجمة وفتح الراء: علمت. الناظور: بظاء معجمة مشالة. أوفي: أشرف. صمد له: بفتح الصاد المهملة والميم [أي ثبت واستمر] . مسعدة: بفتح الميم وسكون السين وفتح العين والدال المهملات وبتاء تأنيث. حكمة: بفتح الحاء المهملة والكاف والميم وبتاء تأنيث. قيس: بالرفع فاعل. قتل المسخّر: بتقديم السين المهملة عند الطبري وبتقديم الحاء المهملة عند غيره وفتح السين ومن الناس من يكسرها. قرفة: بكسر القاف وسكون الراء وبالفاء وتاء تأنيث. قتلها قتلا عنيفا: أي لم يرفق بها. لخاله حزن: بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وبالنون. عايذ: بالتحتية والذال المعجمة، وأم فاطمة جدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أم أبيه هي بنت عايذ بن عمرو بن مخزوم. فهذه الخؤولة التي ذكرت.

الباب الحادي والثلاثون في سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع عبد الله ويقال سلام بن أبي الحقيق بخيبر ويقال بحصن له بأرض الحجاز وهو الثابت في الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما.

الباب الحادي والثلاثون في سرية عبد اللَّه بن عتيك إلى أبي رافع عبد اللَّه ويقال سلام بن أبي الحقيق بخيبر ويقال بحصن له بأرض الحجاز وهو الثابت في الصحيح عن البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنهما. قال ابن إسحاق: لما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحقيق- وهو أبو رافع- فيمن حزّب الأحزاب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف في عداوته لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتحريضه عليه استأذنت الخزرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قتل سلّام بن أبي الحقيق. وهو بخيبر فأذن لهم. وكان مما صنع اللَّه به لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار: الأوس والخزرج كانا يتصاولان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئا فيه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غناء إلا قالت الخزرج: واللَّه لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي الإسلام. فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها. وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك. ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف لعداوته لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت الخزرج: واللَّه لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا- وكانوا رضي اللَّه عنهم يتنافسون فيما يزلف إلى اللَّه تعالى ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم- فتذاكروا من رجل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف؟ فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر أو بأرض الحجاز. قال ابن سعد: «قالوا: كان أبو رافع بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فاستأذن الخزرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قتله فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر: عبد اللَّه بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد اللَّه بن أنيس الجهني حليف الأنصار، وأبو قتادة الحرث بن ربعيّ، وخزاعي بن أسود. وعند محمد بن عمر، ومحمد بن سعد أسود بن خزاعي، حليف لهم من أسلم. زاد البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنهما- كما في الصحيح [ (1) ]- عبد اللَّه بن عتبة- بضم العين المهملة وسكون الفوقية- فيكونون ستة. وزاد موسى بن عقبة والسهيلي أسعد بن حرام- بالراء- فيكونون سبعة. وأمر عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن عتيك ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة. فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا- وفي الصحيح من حديث البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنه: «وكان أبو رافع يؤذي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويعين عليه، وكان

_ [ (1) ] في البخاري 7/ 395 كتاب المغازي باب قتل أبي رافع.

في حصن له بأرض الحجاز. فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد اللَّه بن عتيك لأصحابه: امكثوا أنتم مكانكم فإني منطلق ومتلطّف للبوّاب لعلي أن أدخل فأقبل حتى دنا من الباب» . قال ابن عتيك: فتلطّفت أن أدخل الحصن ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس يطلبونه فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي ورجليّ فتقنّعت وجلست كأني أقضي حاجة. ثم هتف صاحب الباب، فدخلت ثم اختبأت، وفي لفظ: فكمنت في مربط حمار ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوّة. وفي رواية: فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علّق الأغاليق على وتد. وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علاليّ له. فتعشّوا عنده وتحدّثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم. وفي رواية فلما ذهب عنه أهل سمره وهدأت الأصوات فلا أسمع حركة خرجت وقمت إلى الأقاليد ففتحت باب الحصن. وقلت إن نذر بي القوم انطلقت على مهل ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فأقفلتها من ظاهر. ثم صعدت إلى أبي رافع فجعلت كلّما فتحت بابا أغلقته عليّ من داخل. قلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إليّ حتى أقتله. فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم قد طفئ سراجه [وهو] في وسط عياله لا أدري أين هو من البيت. فقلت: يا أبا رافع فقال: من هذا؟ فعمدت- وفي لفظ- فأجويت نحو الصّوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش- أو قال: داهش فلم تغن شيئا، وصاح فخرجت من البيت فما مكثت غير بعيد ثم جئت فقلت: مالك يا أبا رافع؟ وغيّرت صوتي. فقال: «ألا أعجبك؟ لأمّك الويل، دخل عليّ رجل فضربني بالسيف» . قال ابن عتيك: فعمدت له أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا. فصاح وقام أهله. ثم جئت وغيّرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره فأضع ظبة السيف في بطنه ثم انكفئ عليها حتى سمعت صوت العظم فعرفت أني قتلته، ثم خرجت دهشا فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له. وفي لفظ: حتى أتيت السّلّم أريد أن أنزل. فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي- وفي رواية فانخلعت رجلي- فعصبتها بعمامة ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت: «النّجاء فقد قتل اللَّه أبا رافع» . وفي رواية: فقلت لهم: انطلقوا فبشّروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية فجلست على الباب حتى صاح الديك. وفي لفظ: فلما كان وجه الصبح صعد الناعية على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز. فقمت أمشي ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فبشرته. وفي رواية فحدّثته فقال لي: «ابسط رجلك» فبسطت

رجلي فمسها فكأنها لم أشتكيها قط. هذا ما ذكره البخاري في الصحيح من حديث البراء بن عازب، وصرّح فيه بأن عبد اللَّه بن عتيك انفرد بقتله. وذكر ابن عقبة وابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وغيرهم خلاف ذلك، أدخلت حديث بعضهم في بعض، قالوا: أن عبد اللَّه بن عتيك وأصحابه قدموا خيبر ليلا حين نام أهلها، وأتوا دار ابن أبي الحقيق فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله [وكان في علّية له فأسندوا فيها] حتى قاموا على بابه فاستأذنوا عليه. قال ابن سعد: وقدّموا عبد اللَّه بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية- وكانت أمه يهودية أرضعته بخيبر- فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم؟ فقالوا: ناس من العرب نلتمس الميرة- وفي لفظ: فقال عبد اللَّه بن عتيك ورطن باليهودية: جئت أبا رافع بهديّة- ففتحت لهم وقالت: ذاكم صاحبكم. فأدخلوا عليه. قال: فما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوّفا أن تكون دونه مجادلة تحول بيننا وبينه. قالت: فصاحت امرأته فنوهت بنا. ولفظ ابن سعد: «فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت» وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا، فو اللَّه ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطيّة ملقاة. قال: ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فيكفّ يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل. قال: فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد اللَّه بن أنيس [بسيفه] في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني، أي حسبي حسبي. قال: وخرجنا، وكان عبد اللَّه بن عتيك رجلا سيء البصر، فوقع من الدرجة فوثئت يده وثأ شديدا- ويقال رجله فيما قال ابن هشام- وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم فندخل فيه. وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار بعد قتله، فأوقدوا النيران واشتدّوا في كل وجه يطلبوننا. وعند ابن سعد أن «الحارث أبا زينب اليهودية التي سمّت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج في آثار الصحابة في ثلاثة آلاف يطلبونهم بالنيران فلم يروهم فرجعوا، ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب. ثم خرجوا مقبلين إلى المدينة) . فلما أيس اليهود رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه وهو يفيض بينهم. قال عبد اللَّه بن أنيس: فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدو اللَّه قد مات؟ فقال رجل منا- قال محمد بن عمر: هو الأسود بن خزاعي- أنا أذهب فانظر لكم. قال: فانطلق حتى دخل في الناس. قال: فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول: «أما واللَّه لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت: أنّى ابن عتيك بهذه البلاد» ؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه وتحديثهم ثم قالت: «فاظ وإله يهود» . فما سمعت كلمة كانت ألذّ إلى نفسي منها.

تنبيهات

ثم جاءنا فأخبرنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم- زاد بن عقبة، ومحمد بن عمر: وهو على المنبر- فقال: «فأفلت الوجوه» فقالوا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه. فأخبرناه بقتل عدو اللَّه. واختلفنا عنده في قتله، كلّنا يدّعيه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «هاتوا أسيافكم» . فجئناه بها، فنظر إلى سيف عبد اللَّه بن أنيس فقال: «هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام» فقال حسان بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه يذكر بقتل كعب بن الأشرف وقتل سلّام بن أبي الحقيق: للَّه درّ عصابة لاقيتهم ... يا بن الحقيق وأنت يا بن الأشرف يسرون بالبيض الخفاف إليكم ... مرحا كأسد في عرين مغرف حتّى أتوكم في محلّ بلادكم ... فسقوكم حتفا ببيض ذفّف مستبصرين لنصر دين نبيّهم ... مستصغرين لكلّ أمر مجحف تنبيهات الأول: اختلفوا في وقت خروجهم متى كان فذكرها البخاري قبل غزوة أحد، وقال الزهري: كانت بعد قتل كعب بن الأشرف، ووصله يعقوب بن سفيان في تاريخه. قال ابن سعد: كانت في رمضان سنة ست. وقيل من ذي الحجة سنة خمس، وقدمه في الإشارة. وقيل في ذي الحجة سنة أربع. وقيل في رجب سنة ثلاث واللَّه أعلم. الثاني: وقع في الصحيح: وهو بخيبر، ويقال في حصن له بأرض الحجاز، فيحمل أن حصنه كان قريبا من خيبر في طرف أرض الحجاز. وقال في النور: خيبر من الحجاز. الثالث: في حديث البراء رضي اللَّه تعالى عنه في الصحيح أن عبد اللَّه بن عتبة كان فيهم كما تقدم ذكره. قال الحافظ الدمياطي صوابه: عبد اللَّه بن أنيس. وقال في الزّهر: زعم البخاري أن عبد اللَّه بن عتبة كان معهم ولم أر من قاله غير البخاري حتى قال بعض العلماء في الصحابة: عبد اللَّه بن عتبة اثنان لا ثالث لهما. الأول الذّكواني وليس من هؤلاء بشيء لأنهم قالوا إن كلهم من الأنصار. الرابع: عبد اللَّه بن عتبة ذكره بعضهم في الصحابة والأكثرون على أنه تابعي. قلت: ظاهر كلام صاحب الزّهر أن البخاري ذكره من عند نفسه، وليس كذلك بل الذي قاله هو البراء بن عازب كما روى البخاري عنه، وكون عبد اللَّه بن عتبة ذكواني لا يخالف قول من قال إنهم من الأنصار لاحتمال أنه كان حليفا للأنصار. وفي الحديث: «وحليفنا منا» ، وعبد اللَّه بن أنيس كان معهم وليس هو من الأنصار قطعا بل هو جهني حالفهم. ولم يعرج في الفتح

والإصابة على ما ذكره الدمياطي ومغلطاي والصحيح ما في الصحيح لصحة سنده واللَّه تعالى أعلم. وقال ابن الأثير في جامع الأصول إنه عبد اللَّه بن عنبة بكسر العين المهملة وفتح النون. قال الحافظ في الفتح: «وهو غلط منه فإنه خولاني لا أنصاري ومتأخر الإسلام، وهذه القصة متقدمة. والرواية بضم العين المهملة وسكون التاء الفوقية لا بالنون» . الخامس: في حديث عبد اللَّه بن عتيك: فانكسرت ساقي، وفي الرواية عنه فانخلعت رجلي ويجمع بينهما بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت من الساق. السادس: قول عبد اللَّه بن عتيك: «فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فبشّرته» يحمل على أنه لما سقط من الدرجة وقع له جميع ما تقدم، لكنه من شدة ما كان فيه من الاهتمام بالأمر ما أحسّ بالألم وأعين على المشي أولا وعليه ينزل قوله: «فقمت أمشي ما بي قلبة» . ثم لما تمادى عليه المشي أحسّ بالألم فحمله أصحابه فلما أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسح على رجله فزال عنه جميع الألم ببركته صلى اللَّه عليه وسلم. السابع: ذكر ابن عتبة فيمن توجه لقتل ابن أبي الحقيق أسعد بن حرام. قال في الروض: ولا نعرف أحدا ذكره غيره. وفي الإكليل للحاكم عن الزهري أنه ذكر فيهم أسعد بن حرام. قال في الزهر: ولما ذكر ابن الكلبي عبد اللَّه بن أنيس قال هو أسعد بن حرام، فيحتمل إن يكون اشتبه على بعض الرواة عن هذين الإمامين يعني الزهري وابن عقبة. قلت الزهري شيخ ابن عقبة فهو متابع له. الثامن: في بيان غريب ما سبق: سلّام: اختلف في تشديد لامه وتخفيفها وجزم في الفتح بالتشديد. الحقيق: بضم الحاء المهملة وفتح القاف وسكون التحتية وبقاف أخرى. خيبر: تقدم الكلام عليها في غزوتها. الحجاز: بكسر الحاء المهملة: مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها قال الإمام الشافعي. وقال غيره ما بين نجد والسّراة. وقال الكلبي: ما حجز بين اليمامة والعروض، وما بين نجد والسّراة. حزّب: بفتحتين والزاي مشددة: جمع. الأحزاب: الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء صلى اللَّه عليهم وسلم. يتصاولان: يقال تصاول الفحلان إذا حمل كل منهما على الآخر، وأراد بهذا الكلام أن

كل واحد من الأوس والخزرج كان يدفع عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ويتفاخران بذلك، فإذا فعل أحدهما شيئا فعل الآخر مثله. الفحل: بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة وباللام: الذّكر من الإبل. الغناء: بغين معجمة فنون كسحاب: النفقة. يزلف: يقرّب. أجلب عليه: بفتح أوله وسكون الجيم وفتح اللام والموحدة: جمع ما قدر عليه ممّن أطاعه. غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء وبعد الألف نون: قبيلة نسبت إلى جدّها. بنو سلمة: بكسر اللام. عتيك: بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية وبالكاف. سنان: بكسر السين المهملة وبالنون. أنيس: بضم أوله وفتح النون وسكون التحتية وسين مهملة. ربعيّ: بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة. خزاعيّ: بضم الخاء المعجمة وبالزاي وبعد الألف عين مهملة مكسورة فتحتية مشدّدة. البراء: بفتح الموحدة المخففة وبالمدّ على المشهور، وحكى أبو عمر الزاهد القصر. الوليد: بفتح الواو وكسر اللام وسكون التحتية والدال المهملة، وهو هنا الصّبي. دنوا: قربوا. راح: براء فألف فحاء مهملة: رجع هنا. السّرح: بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السّائم من إبل وبقر وغنم. القبس: بفتح القاف والموحدة وبالسين المهملة: الشّعلة من النار. تقنّع ثوبه: بفتح الفوقية والقاف والنون المشددة وبالعين المهملة: تغطّى به ليخفي شخصه لئلا يعرف. هتف: بفتح الهاء والفوقية والفاء: ناداه. يا عبد اللَّه: لم يرد اسمه لأنه لو كان كذلك لكان قد عرفه، والواقع أنه كان مستخفيا منه، فالذي يظهر أنه أراد معناه الحقيقي لأن الجميع عباد اللَّه تعالى.

كمنت: فتح الكاف والميم: اختبأت. الكوّة: بفتح الكاف وتضمّ النّقب في الحائط. وقيل بالفتح غير النافذة وبالضم النافذة. الأغاليق: بغين معجمة بفتح أوله ما يغلق به الباب والمراد هنا المفاتيح لأنه يفتح بها ويغلق وفي رواية في الصحيح بالعين المهملة وهو المفتاح. الوتد: بفتح الواو ويقال فيه الودّ بفتح الواو وتشديد الدال المهملة. يسمر عنده: بالبناء للمفعول أي يتحدثّ عنده ليلا. العلاليّ: بفتح العين المهملة جمع علّيّة بضم العين وفتح اللام. وتشديد التحتية: الغرفة. هدأت الأصوات: بالهمز: سكنت. الأقاليد: بالقاف جمع إقليد وهو المفتاح. نذر: بفتح النون وكسر الذال المعجمة والراء: علم. المهل: بفتح الميم وسكون الهاء وباللام خلاف العجلة. عمدت: بفتح العين المهملة والميم: قصدت. إن القوم: بتخفيف إن وهي شرطية دخلت على فعل محذوف يفسره ما بعده مثل قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة 6] . لم يخلصوا: بضم اللام. إليّ: بتشديد التحتية. أهويت نحو الصوت: قصدت صاحب الصّوت. الدّهش: بفتح الدال المهملة وكسر الهاء وبالشين المعجمة: الحيران. لأمّه الويل: أتى بالويل هنا للتعجب. فأضربه: ذكره بلفظ المضارع مبالغة لاستحضاره صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى. لم تغن شيئا: أي لم تقتله. ظبة السيف: بضم الظاء المعجمة المشالة وفتح الموحدة المخففة: حدّه ووقع في غير رواية أبي ذر في الصحيح. ضبيب: بضاد معجمة وموحدتين وزن رغيف. قال الخطّابي: هكذا يروى وما أراه محفوظا وإنما هو ظبة السيف وهو حدّه، لأن الضبيب لا معنى له هنا لأنه سيلان الدم من الفم.

قال القاضي عياض: هو في رواية أبي ذرّ بالصاد المهملة. أرى: بضم أوله: أظنّ. انخلعت رجله: انقلبت. الحجل: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وباللام: أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى، وقد يكون بالرجلين إلا أنه قفز، وقيل الحجل مشي المقيّد. النّجاء: بالنصب أي أسرعوا. لا أبرح: لا أذهب. الناعية: مؤنثة. أنعى أبا رافع: كذا ثبت في روايات البخاري. قال ابن التين هي لغيّة والمعروف أنعو، والنّعي خبر الموت والاسم النّاعي. القلبة: بقاف فلام فباء موحدة مفتوحات فتاء تأنيث الداء. يدعوا: بفتح الفوقية والدال المهملة: يتركوا. الميرة: بكسر الميم: طعام يمتاره الإنسان. الحجرة: بضم الحاء المهملة وسكون الجيم [الغرفة] . توّه به: رفع ذكره. القبطيّة: بضم القاف وسكون الموحدة وكسر الطاء المهملة: ثوب من كتّان حرير يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بينه وبين الإنسان. قال الخليل إذا جعلت ذلك اسما قلت قبطيّة وأنت تريد الثوب بضم القاف وكسرها. قطني: بفتح القاف وسكون الطاء المهملة فنون فتحتية: ومعناه حسبي أي كفايتي. وثئت يده: بفتح الواو وكسر الثاء المثلثة فهمزة مفتوحة ففوقية. قال الحافظ: الصواب: وثئت رجله. قال في الإملاء: يقال وثئت يده إذا أصابه شيء ليس بكسر. وقال بعض اللغويين الوثء إنما هو توجّع في اللحم لا في العظم. وقال في القاموس: الوثء والوثاءة وصم يصيب اللحم لا يبلغ العظم أو توجّع في العظم بلا كسر أو هو الفكّ. المنهر: بفتح الميم والهاء وسكون النون بينهما. اشتدّوا: بالشين المعجمة والفوقية: عدوا. وفي رواية بالمهملة والنون أي علوا. يفيض بينهم: بتحتية ففاء مكسورة فتحتية ساكنة فضاد معجمة ساقطة، في لغة تميم،

وفي لغة غيرهم بظاء معجمة مشالة: أي يموت. أكذبت نفسي: بالهمزة والكاف والذال المعجمة والفوقية [ألفاها كاذبة] . أنّي: بفتح أوله والنون المشددة. فاظ: بفاء فألف فظاء معجمة مشاة في لغة غير تميم وتقدم. اليهود: بفتح الدال المهملة لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم للقبيلة وفيه أيضا وزن الفعل. ألذّ: بفتح أوله واللام والذال المعجمة المشددة. أرى: بفتح الهمزة من رؤية العين. العصابة: الجماعة من الناس. البيض الرقاق: وفي لفظ الخفاف والمراد بذلك السيوف. مرحا: المرح بفتح الميم والراء وبالحاء المهملة: النشاط هنا. الأسد: بضم أوله وسكون السين والدال المهملتين. العرين والعرينة: بعين فراء مهملتين فتحتية ساكنة فنون مأوى الأسد يقال ليث عرينة وليث غابة وأصل العرين جماعة الشجر. المغرف: بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الراء وبالفاء: الشجر الملتف الأغصان. ذفّف: بذال معجمة مضمومة ففاء مفتوحة مشددة وفاء أخرى: سريعة القتل. المجحف: بضم الميم وسكون الجيم وكسر الحاء المهملة وبالفاء.

الباب الثاني والثلاثون في سرية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه إلى أسير أو يسير بن رزام بخيبر في شوال سنة ست.

الباب الثاني والثلاثون في سرية عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه تعالى عنه إلى أسير أو يسير بن رزام بخيبر في شوال سنة ست. لما قتل أبو رافع سلّام بن أبي الحقيق أمّرت يهود عليهم أسير بن رزام. فقام في يهود فقال: «واللَّه ما سار محمد إلى أحد من يهود ولا بعث أحدا من أصحابه إلا أصاب منهم ما أراد، ولكني أصنع ما لم يصنع أصحابي» . فقالوا: وما عسيت أن تصنع؟ قال: (أسير في غطفان فأجمعهم ونسير إلى محمد في عقر داره فإنه لم يغز أحد في عقر داره إلا أدرك منه عدوّه بعض ما يريد) . قالوا له: نعم ما رأيت. فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجّه عبد اللَّه بن رواحة في شهر رمضان ومعه ثلاثة نفر سرّا ليكشف له الخبر. فأتى ناحية خيبر فدخل في الحوائط وفرّق أصحابه في النطاة والشّق والكتيبة، فوعوا ما سمعوا من أسير بن رزام أو غيره، ثم خرجوا بعد مقام ثلاثة أيام. فرجع إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم لليال بقين من شهر رمضان فأخبره بكل ما رأى وسمع، وقدم عليه أيضا خارجة بن حسيل الأشجعي فاستخبره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما وراءه. فقال: تركت أسير بن رزام يسير إليك في كتائب يهود، فندب النبي صلى اللَّه عليه وسلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلا. وذكر ابن عائذ أن عبد اللَّه بن عتيك كان فيهم. وروى محمد بن عمر عن عبد اللَّه بن أنيس قال: «كنت فيهم فاستعمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علينا عبد اللَّه بن رواحة» . قال: «فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى أسير إنّا آمنون حتى نأتيك فنعرض عليك ما جئنا له. قال: نعم ولي مثل ذلك منكم. قلنا. نعم. فدخلنا عليه فقلنا: «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك» . فلم يزالوا به حتى خرج معهم. وطمع في ذلك. وشاور يهود فخالفوه في الخروج وقالوا: «ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل» قال: «بلى قد مللنا الحرب» . فخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل رديف من المسلمين. قال ابن إسحاق: وحمل عبد اللَّه بن أنيس أسير بن رزام على بعيره. قال عبد اللَّه بن أنيس: «فسرنا حتى إذا كنا بقرقرة ثبار وندم أسير وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري. وقلت: «أغدرا أي عدوّ اللَّه؟» فدنوت منه لأنظر ما يصنع، فتناول سيفي فغمزت بعيري وقلت: «هل من رجل ينزل يسوق بنا؟» فلم ينزل أحد، فنزلت عن بعيري فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير، فضربته

تنبيهان

بالسيف فقطعت مؤخرة الرجل وأندرت عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره وفي يده مخرش من شوحط فضربني فشجني مأمومة، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شدّا. ولم يصب من المسلمين أحد. ثم أقبلنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» . وبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحدّث أصحابه إذ قالوا: «تمشّوا بنا إلى الثّنيّة لنبحث عن أصحابنا» ، فخرجوا معه. فلما أشرفوا على الثّنيّة إذ هم بسرعان أصحابنا فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أصحابه فانتهينا إليه فحدثناه الحديث فقال: «قد نجّاكم اللَّه من القوم الظالمين» . قال عبد اللَّه بن أنيس: «فدنوت من النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنفث في شجّتي فلم تقح بعد ذلك اليوم ولم تؤذني، وكان العظيم قد نغل. ومسح وجهي ودعا لي، وقطع لي قطعة من عصاه فقال: «أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها فإنك تأتي يوم القيامة متحصرا» . فلما دفن عبد اللَّه بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه [ (1) ] . تنبيهان الأول: ذكر البيهقي وتبعه في زاد المعاد: هذه السرية بعد خيبر. قال: في النور: «وهو الذي يظهر فإنهم قالوا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثنا إليك ليستعملك على خيبر، وهذا الكلام لا يناسب أن يقال إنها قبل الفتح واللَّه أعلم» . قلت: كونها قبل خيبر أظهر، قال في القصة أنه سار في غطفان وغيرهم لحرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بموافقة يهود ذلك، وذلك قبل فتح خيبر قطعا إذ لم يصدر من يهود بعد فتح خيبر شيء من ذلك. وقول الصحابة لأسير بن رزام أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثنا إليك ليستعملك على خيبر لا ينافي ذلك لأن مرادهم باستعماله المصالحة وترك القتال والاتفاق على أمر يحصل له بذلك واللَّه أعلم. الثاني: في بيان غريب ما سبق: أمرت: بفتح أوله والميم المشددة والراء وسكون حرف التأنيث. أسير: بضم الهمزة وفتح السين وسكون التحتية وبالراء. يسير: بضم التحتية وفتح السين المهملة وسكون التحتية والراء. رزام: براء مكسورة فزاي مخففة وبعد الألف ميم.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في لطبقات 2/ 1/ 67.

يغز: بتحتية مضمومة فغين معجمة فزاي. عقر الدّار: بفتح العين المهملة وضمّها: أصلها. غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء فألف فنون: قبيلة من مضر. الحوائط: جمع حائط وهو هنا البستان. النطاة: بفتح النون وبالطاء المهملة. الشّق: بفتح الشين المعجمة أو بكسرها وبالقاف: من حصون خيبر أو موضع لها به حصون من حصونها. الكتيبة: بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية. وقال أبو عبيدة بالثاء المثلثة حصن بخيبر. وعوا ما سمعوا: حفظوه. المقام بضم الميم. خارجة: بخاء معجمة وبالراء والجيم، ولم أقف له على ذكر فيما وقفت عليه من كتب الصحابة. حسيل: بضم الحاء وفتح السين المهملتين وسكون التحتية وباللام. الأشجعي: بفتح أوله وسكون السين المعجمة وفتح الجيم وبالعين المهملة. الكتائب: بالمثناة الفوقية. ندب الناس: دعاهم. عتيك: بعين مهملة مفتوحة ففوقية مكسورة وتحتية ساكنة وبالكاف. القرقرة: بفتح القافين وبعد كل منهما راء الأولى ساكنة والثانية مفتوحة بعدها تاء تأنيث، وهي في الأصل الضّحك إذا استغرب فيه ورجّع وهدير البعير. فطنت له: بفتح الطاء المهملة كما في الصّحاح. دفعت بعيري: حثثته على سرعة المشي. أغدرا: منصوب بفعل محذوف أي أتريد غدرا؟ أو أتغدر غدرا؟. مؤخّرة الرّجل: بضم الميم وسكون الهمزة وتخفيف الخاء المعجمة وشدّدها بعضهم. وأنددت عامة فخذه وساقه: ساقه بالنصب قال في النور ولا يجوز جرّه لأنه لا يصح المعنى. المخرش: بميم مكسورة فخاء معجمة ساكنة فراء مفتوحة: عصا معوجة الرأس.

شوحط: بفتح الشين المعجمة وسكون الواو وفتح الحاء وبالطاء المهملتين، وهو نوع من شجر الجبال تتّخذ منه القسيّ. المأمومة: الشّجّة التي بلغت أمّ الرأس وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. أعجزنا: بفتح الجيم والزاي. تقح: بفتح الفوقية وكسر القاف وبالحاء المهملة يقال قاح الجرح يقيح، وقيّح بالتضعيف وتقيّح. والقيح مدّة يخالطها دم. نغل العظم: من باب تعب فهو نغل بالكسر وقد تسكّن للتخفيف. المختصرة: اسم فاعل من اختصر العصا إذا أمسكها بيده. واتكأ عليها.

الباب الثالث والثلاثون في سرية كرز بن جابر أو سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهما إلى العرنيين.

الباب الثالث والثلاثون في سرية كرز بن جابر أو سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهما إلى العرنيين. ذكر الإمام أحمد والشيخان، وابن جرير، وابن عوانة، وأبو يعلى، والإسماعيلي عن أنس، والبيهقي عن جابر [وروى البخاريّ والبيهقي] عن ابن عمر، وأبو جعفر الطبري عن جرير بن عبد الله، والطبراني بإسناده عن صالح، ومحمد بن عمر عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهم، ومحمد بن عمر عن يزيد بن رومان، وابن إسحاق عن عثمان بن عبد الرحمن رحمهم الله تعالى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب في غزوة بني محارب وبني ثعلبة عبدا يقال له يسار، فرآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له كانت ترعي في ناحية الحمى فقدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفر، وفي حديث أنس عند البخاري في الجهاد [ (1) ] وفي الديات [ (2) ] أن ثمانية من عكل وعرينة وعند ابن جرير وأبي عوانة كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل فكان الثامن ليس من القبيلتين فلم ينسب. فقدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتكلموا بالإسلام. وفي رواية: فبايعوه على الإسلام وكان بهم سقم. وعند أبي عوانة أنه كان بهم هزال شديد وصفرة شديدة وعظمت بطونهم. فقالوا يا رسول اللَّه آونا وأطعمنا. فكانوا في الصّفّة. فلما صلحوا اجتووا- وفي لفظ- استوخموا المدينة. وعند ابن إسحاق فاستوبأوا وطحلوا. وفي رواية: ووقع بالمدينة الموم وهو البرسام وقالوا: «هذا الوجع قد وقع وإن المدينة وخمة وإنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فابغنا رسلا» . قال: «ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذّود» . وفي رواية: «نعم لنا» فأخرجوا فيها. وفي رواية: «فأمرهم أن يلحقوا برعاء فيفاء الخبار» وفي رواية: «فأمر لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بذود» . وفي رواية: «فرخّص لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها» . فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فلما صحّوا ورجعت إليهم أبدانهم وانطوت بطونهم كفروا بعد إسلامهم عدوا على اللّقاح فاستاقوها. فأدركهم مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسار ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات. وفي رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس عند مسلم: «ثم مالوا على الرّعاء فقتلوهم» [ (3) ] بصيغة الجمع. ونحوه لابن حبّان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس، وانطلقوا بالسّرح، وفي لفظ: الصّريخ عند أبي عوانة، فقتلوا الراعيين وجاء الآخر فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل. وعند محمد بن عمر: فأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 177 باب إذا حرق المشرك المسلم (3018) . [ (2) ] أخرجه البخاري 12/ 239 باب القسامة (6899) . [ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب القسامة 3/ 296 (9- 1671) .

فمرّت بيسار تحت شجرة، فلما رأته ومرّت به وقد مات رجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر، فخرجوا حتى جاءوا بيسار إلى قباء ميتا. وعند مسلم: «وكان عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسلهم» . وفي رواية: «فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أثرهم عشرين فارسا سمّي منهم: سلمة بن الأكوع كما عند محمد بن عمر، وأبو رهم وأبو ذر الغفاريّان، وبريدة بن الحصيب، ورافع بن مكيث وأخوه جندب، وبلال بن الحارث، وعبد اللَّه بن عمرو ابن عوف المزنيّان، وجعال بن سراقة الثعلبي، وسويد بن صخر الجهني، وهؤلاء من المهاجرين. فيحتمل إن يكون من لم يسمّه محمد بن عمر من الأنصار، فأطلق في رواية الأنصار تغليبا، أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الأعم. واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري. وروى الطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد اللَّه البجلي رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثه في آثارهم، وسنده ضعيف. والمعروف أن جريرا تأخّر قدومه عن هذا الوقت بنحو أربعة أعوام. وبعث معهم قائفا يقوف أثرهم ودعا عليهم فقال: «أعم عليهم الطريق واجعله عليهم أضيق من مسك جمل» . فعمّى اللَّه عليهم السبل، فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا. فلما ارتفع النهار جريء بهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وقال محمد بن عمر: فخرج كرز وأصحابه في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرّة ثم أصبحوا ولا يدرون أين سلكوا فإذا بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها فقالوا: ما هذا؟ قالت: مررت بقوم قد نحروا بعيرا فأعطوني هذه الكتف وهم بتلك المفازة إذا وافيتم عليها رأيتم دخانهم. فساروا حتى أتوهم حين فرغوا من طعامهم. فسألوهم أن يستأسروا فاستأسروا بأجمعهم لم يفلت منهم أحد. فربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا المدينة فوجدوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرغابة. فخرجوا بهم نحو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال أنس كما عند ابن عمر: خرجت أسعى في آثارهم مع الغلمان حتى لقي بهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرغابة بمجتمع السيول، فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها. وفي رواية فسمرهم. وفي رواية فسمر أعينهم. قال أنس كما عند مسلم: «إنما سمل النبي صلى اللَّه عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرّعاء» . وفي رواية: «فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم وتركهم في الحرّة حتى ماتوا» . وفي رواية: «وسمرت أعينهم وألقوا في الحرّة يستسقون فلا يسقون» . قال أنس: «فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش» . وفي رواية: «ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة حتى ماتوا ولم يحسمهم» قال أبو قلابة: «فهؤلاء قتلوا وسرقوا وكفروا بعد إسلامهم وحاربوا اللَّه ورسوله» .

تنبيهات

قال ابن سيرين: كانت هذه القصة العرنيّين قبل أن تنزل الحدود. وعند ابن عوانة عن ابن عقيل عن أنس أنه صلب اثنين وسمل اثنين قال الحافظ: كذا ذكر ستة فقط فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزّعة. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [المائدة 33] . فلم يسمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عينا ولم يقطع لسانا ولم يزد على قطع اليد والرّجل ولم يبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثا بعد ذلك إلا نهاهم عن المثلة. وكان بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة. قال محمد بن عمر وابن سعد: كانت اللّقاح خمس عشرة لقحة ذهبوا منها بالحناء. تنبيهات الأول: تقدم أن نفرا من عكل وعرينة بالواو العاطفة من غير شك. قال الحافظ: «وهو الصواب. وهي رواية البخاري في المغازي وإن وقع غيرها بأو» وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل» . قال الحافظ. «وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان: عكل قبيلة من تيم الرّباب بكسر الراء وتخفيف الموحدة: الأولى من عدنان، وعرينة من قحطان في بجيلة وقضاعة. فالذي في بجيلة- وهو المراد هنا- عرينة بن نذير- بفتح النون وكسر الذال المعجمة- ابن قسر- بقاف مفتوحة فسين مهملة ساكنة فراء- ابن عبقر، وعبقر أمّه بجيلة. والعرن حكّة تصيب الخيل والإبل في قوائمها. ووقع عند عبد الرزاق بسند ساقط أن عكلا وعرينة من بني فزارة وهو غلط لأن بني فزارة من مضر، لا يجتمعون مع عكل وعرينة أصلا. الثاني: ذكر ابن إسحاق أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست. وذكرها البخاري بعد الحديبية، وكانت في ذي القعدة منها. وذكر محمد بن عمر إنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد، وابن حبّان وغيرهما. الثالث: اختلف في أمير هذه السرية فقال ابن إسحاق والأكثرون: كرز- بضم الكاف وسكون الراء وزاي- ابن جابر الفهري- بكسر الفاء. وقال موسى بن عقبة إن أميرها سعيد- كذا عنده بزيادة ياء تحتية- والذي ذكره غيره سعد- بسكون العين- ابن زيد الأنصاري الأشهلي. قال الحافظ، فيحتمل أنه كان رأس الأنصار، وكان كرز أمير الجماعة. وذكر بعضهم أن أمير هذه السرية جرير بن عبد اللَّه البجليّ، وتعقب بأن إسلامه كان بعد هذه السرية بنحو أربع سنين.

الرابع: ظاهر بعض الروايات أن اللّقاح كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وصرّح بذلك في رواية البخاري في المحاربين فقال: إلا أن تلحقوا بإبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وفي رواية: «فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة» . والجمع بينهم أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل، فأمرهم أن يخرجوا مع راعية، فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا، وظهر مصداق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن المدينة تنفي خبثها. الخامس: احتج من قال بطهارة بول ما أكل لحمه بما في قصة العرنيّين من أمره لهم بشرب ألبانها وأبوالها، وهو قول الإمام مالك وأحمد، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبّان والاصطخري والروياني. وذهب الإمام الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره. واحتج ابن المنذر بقوله توزن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة. قال: ومن زعم أن هذا خاصّ بأولئك الأقوام لم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل. قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل ظاهر قال الحافظ: وهو استدلال ضعيف لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته. وقد دلّ على نجاسة الأبوال حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: « [دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ] . وكان القاضي أبو بكر بن العربي الذي تعلق بهذا الحديث ممن قال بطهارة أبوال الإبل، وعورض بأنه أذن لهم في شربها للتداوي. وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب، فكيف يباح الحرام بما لا يجب؟ وأجيب بمعنى أنه ليس بحال ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقد تأوّله لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام 119] فما اضطرّ إليه المرء فهو غير محرّم عليه كالميتة للمضطر، واللَّه تعالى أعلم. قال الحافظ وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح ولا الأمر واجب غير مسلم فإن الفطر في رمضان حرام، ومع ذلك فيباح لأمر جائز كالسّفر مثلا. وأما قول غيره: ولو كان نجسا ما جاز التداوي به لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: «أن اللَّه تعالى لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها» . رواه أبو داود من حديث أم سلمة: فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار. وأما في حالة الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، ولا يردّ قوله صلى اللَّه عليه وسلم في الخبر إنها ليست بدواء، إنها داء في سؤال من سأل من التداوي بها فيما رواه مسلم فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق بها غيرها من المسكر. والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات أن الحديث باستعماله في حالة الاختيار دون غيره

ولأن شربه يجرّ إلى مفاسد كثيرة لأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم. قاله الطحاوي بمعناه. قال الشيخ تقي الدين السبكي: كان في الخمر منفعة في التداوي بها فلما حرّمت نزع اللَّه الدواء منها، وأما أبوال الإبل فقد روى ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إن في أبوال الإبل شفاء للذّربة بطونهم» . والذّرب بذال معجمة فساء المعدة. فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، وبهذا الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها. السادس: لم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذكره في الإفراد، وكذا مسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس: «ثم مالوا على الرّعاء فقتلوهم» بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس. فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم مع راعي اللّقاح، فاقتصر بعض الرواة على راعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر بعضهم معه غيره. ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوّز في الإتيان بصيغة الجمع. قال الحافظ: وهو الراجح لأن أصحاب المغازي لم يؤكد أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار واللَّه تعالى أعلم. السابع: في صحيح مسلم فيمن أرسلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في طلب العرنيّين أنهم من الأنصار، فأنطلق الأنصار تغليبا، وقيل للجميع أنصار بالمعنى الأعمّ. الثامن: استشكل القاضي عدم سقيهم بالماء بالإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع. وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا وقع منه نهي عن سقيهم. قال الحافظ: وهو ضعيف جدا لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كان في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدل عليه أن من ليس معه إلا ماء لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيممّ بل يستعمله ولو مات مطلقا. وقيل أن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دعا بالعطش على من عطّش آل بيته، في قصة رواها النّسائي، فيحتمل أنهم تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة كما ذكر ابن سعد. التاسع: في رواية: «سمّر أعينهم» ، بتشديد الميم. وفي رواية بالتخفيف. ولم تختلف روايات البخاري في أنها بالراء ووقع عند مسلم: «فسمل» باللام. قال الخطّابي: «السّمل» هو فقء العين بأي شيء كان. والسّمر لغة في السّمل ومخرجهما متقارب وقد يكون من المسمار

يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت كما في رواية الصحيح: فكحلهم بها. فهذا يوضّح ما تقدم ولا يخالف رواية السّمل لأنه فقء العين بأي شيء كان. العاشر: في بيان غريب ما سبق: محارب: بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء وبالموحدة. يسار: بفتح التحتية والسين المهملة وبالراء. اللّقاح: بكسر اللام جمع لقحة بفتح اللام وكسرها وسكون القاف: الناقة ذات اللّبن. قال أبو عمر: ويقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر. الحمى: بكسر الحاء المهملة وفتح الميم المخففة. عكل: بضم العين المهملة وسكون الكاف بعدها لام. عرينة: بعين مهملة فراء فتحتية فنون فهاء تأنيث مصغّر. السّقم: بفتح السين المهملة وضمها طول مدة المرض. الهزال: بضم الهاء وتخفيف الزاي ضدّ السّمن. عظمت بطونهم: انتفخت. الصّفّة: بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء والمراد ههنا موضع مظلّل في آخر المسجد النبوي في شماليّة يسكنه الغرباء ممن ليس لهم موضع يأوون إليه ولا أهل اجتووا المدينة: قال الفزاري لم يوافقهم طعامها وقال أبو بكر بن العربي: هو بمعنى استوخموا. وقال غيره: داء يصيب الجوف. استوخموا المدينة: لم يوافق هواؤها أبدانهم. طحلوا: بضم الطاء وكسر المهملتين وباللام: أعيوا وهزلوا. الموم: بضم الميم وسكون الواو [وهو] البرسام بكسر الموحدة سرياني معرّب، يطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وورم الصدر والمراد هنا الأخير. الضّرع: بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء وبالعين المهملة وهو لذات الظّلف كالثّدي للمرأة. ابغنا: اطلب. الرّسل: بكسر الراء وسكون السين المهملة وباللام: اللّبن. الذّود: بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة وهو [الإبل إذا كانت] ما

بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل غير ذلك. فيفاء: بفاءين الأولى مفتوحة بينهما تحتية ساكنة وبالألف الممدودة موضع ويقال له فيفاء الخبار كغزال وفيف من غير إضافة. والخبار: بخاء معجمة مفتوحة فموحدة مخففة. وبعد الألف راء. قال في النهاية: وبعضهم يقول بالحاء المهملة والتحتية المشددة. عدوا عليه: ظلموه. استاقوا: من السّوق وهو السير العنيف. السّرح: بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة: المال السائم، وسرحتها أرسلتها ترعى. الصّريخ: بفتح الصاد وكسر الراء المهملتين وبالخاء المعجمة، فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالإعلام بما وقع منهم. وهذا الصارخ أحد الراعيين. آثارهم: جمع أثر أي: بقية الشيء أي في طلبهم. الأكوع: بفتح أوله وسكون الكاف وفتح الواو وبعين مهملة. أبو رهم: بضم الراء وسكون الهاء. الغفاري: بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء. أبو ذرّ: بفتح الذال المعجمة. بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية وبالدال المهملة. مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة. جعال: بجيم مكسورة فعين مهملة فلام ككتاب. سويد: بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وبالدال المهملة. كرز: بضم الكاف وسكون الراء فزاي. القايف: بالقاف والتحتية والفاء: الذي يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه والجمع القافة، يقال: قال الرجل الأثر قوفا من باب قال.. المسك: بفتح الميم وسكون السين المهملة: الجلد. أدركوا: بالبناء للمفعول. الحرّة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها أقرب إلى المكان

الذي فعلوا فيه ما فعلوا. الكتف: بفتح الكاف وكسر الفوقية والفاء: وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب. الرّغابة: بكسر الراء وبالغين المعجمة والموحدة: أرض متصلة بالجرف بضم الجيم والراء كما قاله أبو عبيد البكري والقاضي والحازمي، وقال المجد اللغوي: «واد رغيب ضخم كثير الأخذ واسع كرغب بضمتين» مجتمع الأسيال. سمّر: بفتح السين والميم المشددة وبتخفيفها ثم راء. كسمل: بفتح السين المهملة والميم وباللام: فقأ أعينهم بأي شيء كان. قطع يده ورجله من خلاف: أي إحداهما من جانب والأخرى من جانب آخر. نبذ الشيء: طرحه. كدم يكدم: بكسر الدال المهملة وضمها عضّ بمقدم أسنانه. لم يحسمهم: لم يقطع سيلان دمائهم بالكيّ. أبو قلابة: بكسر القاف والموحدة. سيرين: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وكسر الراء وتحتية وبالنون. المثلة: بضم الميم وسكون المثلثة ويروى بفتح أوله ويروى بضمهما معا: وهي ما يفعل من التشويه بالقتلى وجمعه مثلات بضمتين. وقال أبو عمر: المثلة بالضم فالسكون والمثل بفتح أوله وسكون ثانية قطع أنف القتيل وأذنه. الحنّاء: بحاء مهملة فنون مشددة.

الباب الرابع والثلاثون في بعثه صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه ليفتك بأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه.

الباب الرابع والثلاثون في بعثة صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أمية الضمري رضي اللَّه تعالى عنه ليفتك بأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه. روى البيهقي عن عبد الواحد بن عوف وغيره قالوا إن أبا سفيان قال لنفر من قريش: ألا أحد يغترّ محمدا فإنه يمشي في الأسواق. فأتاه رجل من الأعراب فدخل عليه منزله فقال: «قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدّهم بطشا وأسرعهم شدّا فإن أنت قوّيتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النّسر، فأسوره ثم آخذ في عير فأسير وأسبق القوم عدوا فإني هاد بالطريق خريت» . قال: «أنت صاحبنا» . فأعطاه بعيرا ونفقة وقال: «اطو أمرك» . فخرج ليلا فسار على راحلته خمسا وصبّح ظهر الحرّة صبح سادسة. ثم أقبل يسأل عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى دلّ عليه، فعقل راحلته ثم أقبل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في مسجد بني عبد الأشهل. فلما رآه النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إنّ هذا ليريد غدرا. واللَّه تعالى حائل بينه وبين ما يريد» . فذهب ليجني على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره، فإذا بالخنجر فسقط في يديه وقال: دمي دمي فأخذ أسيد بلببه فدعته، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اصدقني ما أنت؟» قال: «وأنا آمن» . قال: «نعم» . فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان. فخلّى عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأسلم وقال: «يا محمد واللَّه ما كنت أفرق الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الرّكبان ولم يعلمه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان» . فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتبسّم. فأقام الرجل أياما يستأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج ولم يسمع له بذكر [ (1) ] . وروى الإمام إسحاق بن راهويه عن عمرو بن أمية رضي اللَّه تعالى عنه قال: «بعثني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معي رجلا من الأنصار» - قال ابن هشام هو سلمة بن أسلم بن حريس اللَّه إلى أبي سفيان بن حرب وقال: «إن أصبتما فيه غرّة فاقتلاه» . وقال ابن إسحاق: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمرا بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه وبعث معه جبّار بن صخر الأنصاري فخرجا حتى قدما مكة وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج. ثم دخلا مكة ليلا فقال جبّار- أو سلمة- لعمرو: «لو أنّا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين» . فقال عمرو: «إن القوم إذا تعشّوا جلسوا بأفنيتهم وإنهم إن رأوني عرفوني فإني أعرف بمكة من الفرس الأبلق» . فقال: «كلا إن

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 68.

شاء اللَّه» . فقال عمرو: «فأبى أن يطيعني» . [قال عمرو] : فطفنا بالبيت وصلّينا ثم خرجنا نريد أبا سفيان، فو اللَّه إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة فعرفني. قال ابن سعد: هو معاوية بن أبي سفيان. فقال معاوية: «عمرو بن أمية فو اللَّه إن قدمها إلا لشرّ» . فأخبر قريشا بمكانه فخافوه وطلبوه وكان فاتكا في الجاهلية وقالوا: «ولم يأت عمرو بخير» . فحشدوا له وتجمعّوا. قال عمرو: «فقلت لصاحبي: «النجاء» . فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في جبل، وخرجوا في طلبنا حتى إذا علونا الجبل يئسوا منا فرجعنا فدخلنا كهفا في الجبل فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قريش. قال ابن سعد هو عبيد اللَّه بن مالك بن عبيد اللَّه التّميمي. قلت قال ابن إسحاق هو عثمان بن مالك أو عبد اللَّه. يقود فرسا له ويخلي عليها فغشينا ونحن في الغار، فقلت إن رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا. قال: ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة وصاح صحيحة فأسمع أهل مكة، وأرجع فأدخل مكاني. وجاءه الناس يشتدّون وهو بآخر رمق فقالوا: من ضربك؟ فقال عمرو بن أمية: وغلبه الموت فمات مكانه ولم يدلل على مكاننا. ولفظ رواية إسحاق بن راهويه: فما أدركوا منه ما استطاع أن يخبرهم بمكاننا. فاحتملوه فقلت لصاحبي لما أمسينا: النّجاء. فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي، فقال أحدهم: «واللَّه ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية لولا أنه بالمدينة لقلت هو عمرو بن أمية» . قال: فلما حاذى الخشبة شدّ عليها فاحتملها وخرجا شدّا، وخرجوا وراءه حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج، فرمى بالخشبة في الجرف فغيبّه اللَّه تعالى عنهم فلم يقدروا عليه. ولفظ رواية ابن إسحاق: ثم خرجنا فإذا نحن بخبيب على خشبة فقال لي صاحبي: «هل لك أن تنزل خبيبا عن خشبته؟» قلت: «نعم فتنحّ عني فإن أبطأت فخذ الطريق» فعمدت لخبيب فأنزلته عن خشبته، فحملته على ظهري، فما مشيت به عشرين ذراعا حتى نذر بي الحرس. ولفظ ابن أبي شيبة، وأحمد بن عمرو: «فخلّيت خبيبا، فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد فالتفت فلم أر خبيبا وكأنما الأرض ابتلعته فما رئي لخبيب رمّة حتى الساعة» . قال: «وقلت لصاحبي: «النجاء النجاء حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه وكان الأنصاري لا رجلة له» . قال: «ومضيت حتى أخرج على ضجنان، ثم أويت إلى جبل فأدخل كهفا فبينا أنا فيه إذ دخل على شيخ من بني الدّيل أعور في غنيمة له فقال: «من الرجل؟» فقلت: «من بني بكر فمن أنت؟» قال: «من بني بكر» . فقلت: «مرحبا» فاضطجع ثم رفع عقيرته فقال: ولست بمسلم ما دمت حيّا ... ولا دان بدين المسلمينا

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

فقلت في نفسي: سيعلم. فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي فجعلت سيتها في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم، ثم خرجت النجاء حتى جئت العرج، ثم سلكت ركوبة حتى إذا هبطت النّقيع إذا رجلان من مشركي قريش كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتجسسان، فقلت: «استأسرا» . فأبيا فأرمي أحدهما بسهم فأقتله، واستأسر الآخر، فأوثقته رباطا وقدمت به المدينة. وجعل عمرو يخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبره ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يضحك، ثم دعا له بخير. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: فتك به: يفتك بكسر الفوقية وضمّها فتكا بتثليث الفاء وسكون الفوقية قتله على غفلة. يغترّ: بفتح التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الفوقية وتشديد الراء: يأخذه غفلة. الشّدّ: بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال المهملة: هنا العدو والجري. اغتاله: أخذه من حيث لا يدري وكذلك غالة. الخنجر: بفتح الخاء المعجمة وكسرها وسكون النون وفتح الجيم وبالراء. خافية النّسر: بخاء معجمة وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية ساكنة فتاء تأنيث: ريشة صغيرة في جناحه، يريد أنه خنجر صغير. النّسر: بفتح النون وسكون السين المهملة فراء: طائر معروف والمجمع أنسر ونسور. أسوّره: بضم الهمزة وفتح السين المهملة وكسر الواو المشددة وبالراء فضمير غائب. عير بفتح العين المهملة وسكون التحتية وبالراء: جبل بالمدينة كما أخبر بذلك من عرفه، ولا يلتفت لقول من أنكر وجوده بالمدينة. الخرّيت: بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وسكون التحتية ففوقية مثنّاة. الحرّة: بفتح الحاء المهملة والراء المشددة فتاء تأنيث: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار والجمع حرار ككلاب وحرّتا المدينة لابتاها من جانبيها. دلّ عليه: بضم الدال المهملة وتشديد اللام مبني للمفعول. عبد الأشهل: بشين معجمة. الغدر: بغين معجمة مفتوحة فدال مهملة ساكنة فراء: ضد الوفاء. يجني عليه: يكسب. أسيد: بضم أوله وفتح السين المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة.

الحضير: بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء. داخلة الإزار: طرفه وحاشيته من داخل. بلببه: بموحدتين الأولى مفتوحة. فدعته: بدال مهملة وتعجم فعين مهملة ففوقية مفتوحات: خنقه أشدّ الخنق. ما أنت؟ ما صفتك؟ أو خاطبه خطاب ما لا يعقل لأن هذا فعل ما لا يعقل. آمن: بمدّ الهمزة وكسر الميم. أفرق الرجال: أخافهم. حريس: بحاء مهملة فراء فتحتية ساكنة فسين مهملة: قال الزمخشري في المشتبه: كل ما في الأنصار حريس فهو بالسين المهملة إلا حريش بن جحجبى بجيم مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فجيم مفتوحة فموحدة. غرّة: بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء فتاء تأنيث: غفلة. جبّار: بفتح الجيم وتشديد الموحدة. الشّعب: بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة فموحدة: الطريق في الجبل. يأجج: بتحتية فهمزة فجيمين الأولى مفتوحة وقد تكسر: مكان قرب مكة. الأفنية: جمع فناء ككتاب. الوصيلة: بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وهو سعة أمام البيت وقيل ما امتد من جوانبه. حشدوا: بالحاء المهملة والشين المعجمة: جمعوا له. النجاء: بالمدّ وقد تقصر: الإسراع في الذهاب. يخلى عليها: يجرّ لها الخلا بالخاء المعجمة والقصر: النبات الرّطب الرقيق ما دام رطبا. الرّمق: بفتح الراء والميم وبالقاف: بقية الحياة، وقد تطلق على القوة. الجرف: بضم الجيم والراء وسكونها: مكان يأكله السّيل. انتبذت: بفتح أوله وسكون النون وفتح الفوقية والموحدة وسكون الذال المعجمة: تنحّيت. ضجنان: بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم فنون فألف فنون: مكان قرب مكة. الدّيل: بكسر الدال المهملة وسكون التحتية وباللام.

العقيرة: بفتح العين المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وبالراء: وأصله أن رجلا قطعت رجله فكان يرفع المقطوعة على الصحيحة ويصبح من شدة وجعلها بأعلى صوته فقيل لكل رافع صوته رفع عقيرته. سية القوس: بكسر السين المهملة وفتح التحتية: ما عطف من طرفها والهاء عوض من الواو. العرج: بفتح العين المهملة وسكون الراء والجيم: قرية جامعة على نحو ثلاث من المدينة بطريق مكة. ركوبة: بفتح الراء وضم الكاف وسكون الواو وبالموحدة فتاء تأنيث. النّقيع: بفتح النون وكسر القاف وسكون التحتية وبالعين المهملة. العين: الجاسوس. يتجسّسان الأخبار: يتعرفانها.

الباب الخامس والثلاثون في سرية أبان بن سعيد بن العاص بن أمية رضي الله تعالى عنه قبل نجد في جمادى الآخرة سنة سبع

الباب الخامس والثلاثون في سرية أبان بن سعيد بن العاص بن أمية رضي اللَّه تعالى عنه قبل نجد في جمادى الآخرة سنة سبع روى أبو داود في سننه وأبو نعيم في مستخرجه وتمام الرازي في فوائده: موصولات البخاري في صحيحه تعليقا عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: «بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبان بن سعيد على سريّة من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها. وإن حزم خيلهم لليف. وفي رواية الليف قال أبو هريرة: «قلت يا رسول اللَّه: لا تقسم لهم» قال أبان: «وأنت بهذا يا وبر تحدّر من رأس ضأن» - وفي رواية «من رأس ضال» . فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «يا أبان اجلس» ، فلم يقسم لهم [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال الحافظ: لا أعرف هذه السريّة. الثاني: وقع في الصحيحين [ (2) ] عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: «أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما فتحها، فقلت: يا رسول اللَّه أسهم لي» . فقال بعض ولد سعيد بن العاص: «لا تسهم له يا رسول اللَّه» . فقلت: «هذا قاتل ابن قوقل» . فقال أبان بن سعيد بن العاص: «وا عجبا لوبر تدلّى علينا» . - وفي رواية: «وا عجبا لك وبر تدأدأ من قدوم ضأن ينعي عليّ قتل رجل أكرمه اللَّه على يدي ومنعه أن يهيني بيده» الحديث. وابن سعيد هذا هو أبان بلا شك ففي هذه الرواية أن أبا هريرة سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يسهم له. وفي الرواية الأولى أن أبان هو السائل وأن أبا هريرة أشار بمنعه فلذلك قيل وقع في إحدى الروايتين ما يدخل في قسم المقلوب. ورجّح الإمام محمد بن يحيى الذّهلي الرواية السابقة ويريد وقوع التصريح فيها بقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «يا أبان اجلس» ولم يقسم له. ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون أبان نعي عليه بأنه قاتل ابن قوقل وأن أبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد ليستحق بها النّفل فلا يكون فيه قلب. الثالث: في بيان غريب ما سبق: نجد: بفتح النون وسكون الجيم. أبان: بالصرف وعدمه ورجّحه ابن مالك.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 207. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 529 كتاب المغازي.

خيبر: تقدم الكلام عليها في غزوتها. حزم: بضم الحاء والزاي كما في الفتح وفي اليونينية بسكون الزاي جمع حزام. اللّيف: بتشديد اللام معروف. المسد: بفتح الميم وبالسين والدال المهملتين: حبل ليف أو من جلود [الإبل] والأول هو المراد هنا. وأنت بهذا المكان: المنزلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إنك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده. يا وبر: بفتح الواو وسكون الموحدة دابّة صغيرة كالسّنّور وحشيّة تسمى غنم بني إسرائيل، ونقل أبو علي القالي- بالقاف واللام- عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا. تحدّر: تدلّى بلفظ الماضي على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة. من رأس ضأن: بضاد معجمة ساقطة وبعد الهمزة نون: اسم جبل في أرض دوس قوم أبي هريرة، وقيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب مرعى الغنم. ضال: بضاد معجمة ساقطة ولام مخففة بدل النون من غير همز. قال الخطابي أراد تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع وأنه قليل القدرة على القتال. ابن قوقل: اسمه النّعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بصاد مهملة وزن أحمد، وقوقل: بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة وآخره لام وزن جعفر، لقب ثعلبة أو أصرم. وا عجباه: بفتح العين المهملة والجيم وبالموحدة والهاء الساكنة: اسم فعل بمعنى أعجب. تدأدأ: بفوقية ودالين مهملتين مفتوحتين بعد كل همزة الأولى ساكنة والثانية مفتوحة أي هجم علينا بغتة. وفي رواية تدارى براء بدل الدال الثانية بغير همز. قدوم: بفتح القاف لأكثر رواة الصحيح وضم الدال المهملة المخففة وسكون الواو، وبالميم: الطّرف- بالفاء- ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف. تنعى: بفتح الفوقية وسكون النون فعين مهملة مفتوحة: تعيب، يقال نعا فلان على فلان أمرا إذا عابه ووبّخه عليه يهنيّ: بالتشديد، أصله يهنني بنونين فأدغمت إحداهما في الأخرى أي لم يقدّر موتي كافرا.

الباب السادس والثلاثون في سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى تربة في شعبان سنة سبع

الباب السادس والثلاثون في سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى تربة في شعبان سنة سبع قال محمد بن عمر، وابن سعد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن بتربة، فخرج عمر معه دليل من بني هلال فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، فأتى الخبر إلى هوازن فهربوا وجاء عمر إلى محالّهم فلم يلق منهم أحدا. فانصرف راجعا إلى المدينة حين سلك النّجديّة، فلما كان بذي الجدر قال الهلالي لعمر: «هل لك في جمع آخر تركته من خثعم جاءوا سائرين قد أجدبت بلادهم؟» فقال عمر: «لم يأمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهم إنما أمرني أن أصمد لقتال هوازن بتربة، وانصرف عمر راجعا إلى المدينة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: تربة: بضم الفوقية وفتح الراء وبالموحدة وتاء التأنيث: واد بقرب مكة على يومين منها يصبّ في بستان ابن عامر، وقيل في مكان غير ذلك. عجز هوازن: بفتح العين المهملة وضمّ الجيم وبالزاي: عجز الشيء آخره، هوازن: بفتح الهاء وكسر الزاي وبالنون. محالّهم: بتشديد اللام المفتوحة جمع محلّة وهي منزل القوم. النّجديّة: نسبة إلى نجد وهو اسم للأرض التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام. الجدر: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالراء: مسرح الغنم على ستة أميال من المدينة بناحية قباء. خثعم: بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين. الجدب: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ضد الخصب. أصمد: بضم الميم: أقصد.

الباب السابع والثلاثون في سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب بنجد في شعبان سنة سبع.

الباب السابع والثلاثون في سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه إلى بني كلاب بنجد في شعبان سنة سبع. قال محمد بن عمر رحمه اللَّه تعالى: حدّثني أحمد بن عبد الواحد، وقال ابن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم [الكناني] قال حدثنا عكرمة بن عمّار [ (1) ] قال حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: «بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر وأمّره علينا قال حمزة: فسبينا هوازن، وقال هشام بن القاسم: فسبى ناسا من المشركين فقتلناهم، فكان شعارنا: أمت أمت، قال: فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين ثم روى ابن سعد من الطريق السالفة عن سلمة القصة السابقة في السرية إلى بني فزارة، وقتل أم قرفة بناحية وادي القرى، مع ذكره لها أولا، وتبعه على ذلك في العيون هنا، وشيخه الواقدي اقتصر على ما ذكرناه هنا عن سلمة فسلم من الوهم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: كلاب: بكسر الكاف وتخفيف اللام. الشّعار: بكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة. أمت أمت: مرتين: أمر بالموت والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشّعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل.

_ [ (1) ] عكرمة بن عمّار الحنفي العجلي أبو عمار اليمامي أحد الأئمة. عن الهرماس بن زياد ثم عن عطاء وطاوس. وعنه شعبة والسفيانان، ويحيى القطان، وابن المبارك، وابن مهدي وخلق. وثقه ابن معين والعجلي، وتكلم البخاري وأحمد والنّسائي في روايته عن يحيى بن أبي كثير، وأحمد في إياس بن سلمة. مات سنة تسع وخمسين ومائة (قلت) روايته عن يحيى في (خ) معلقة) الخلاصة 2/ 239.

الباب الثامن والثلاثون في سرية بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه إلى بني مرة بفدك في شعبان سنة سبع.

الباب الثامن والثلاثون في سرية بشير بن سعد رضي اللَّه تعالى عنه إلى بني مرة بفدك في شعبان سنة سبع. قال محمد بن عمر، وابن سعد رحمهما اللَّه تعالى: «بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرة بفدك، فخرج يلقي رعاء الشّاء فسأل عن الناس فقالوا هم في بواديهم- والناس يومئذ شاتون لا يحضرون الماء- فاستاق النّعم والشّاء وانحدر إلى المدينة، فخرج الصّريخ فأخبرهم فأدركه الدّهم منهم عند الليل، فباتوا يرامونهم بالنّبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير، وأصبحوا فحمل المرّيّون عليهم فأصابوا أصحاب بشير وولّي منهم من ولّى، وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ارتثّ، وضرب كعبه فقيل قد مات، ورجعوا بنعمهم وشائهم، وكان أول من قدم بخبر السريّة ومصابها علبة بن زيد الحارثي. واستمر بشير بن سعد في القتلى فلما أمسى تحامل حتى انتهى إلى فدك فأقام عند يهود بها أياما حتى ارتفع من الجراح ثم رجع إلى المدينة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بشير: بموحدة فشين معجمة فتحتية فراء وزن أمير. مرة: بضم الميم وتشديد الراء. فدك: بفتح الفاء والدال وبالكاف. البوادي: جمع بادية. الدّهم: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وبالميم: العدد الكثير، وجمعه الدهوم بضم الدال. ارتثّ: بضم أوله وسكون الراء وضم الفوقية وبالمثلثة: حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق. غلبة: بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الموحدة وتاء تأنيث.

الباب التاسع والثلاثون في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في رمضان سنة سبع.

الباب التاسع والثلاثون في سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي إلى الميفعة في رمضان سنة سبع. روى ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة رحمه اللَّه تعالى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال له مولاه يسار: «يا نبي اللَّه إني قد علمت غرة من بني عبد بن ثعلبة فأرسل معي إليهم» . فأرسل معه غالبا في مائة وثلاثين رجلا. قال ابن سعد رحمه اللَّه تعالى: قالوا بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غالب بن عبد اللَّه إلى بني عوال، وبني عبد بن ثعلبة وهم بالميفعة وهي وراء بطن نخل إلى النّقرة قليلا بناحية نجد [بينها وبين المدينة ثمانية برد] . بعثه في مائة وثلاثين رجلا، ودليلهم يسار مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فهجموا عليهم جميعا، ووقعوا في وسط محالّهم، فقتلوا من أشرف لهم، واستاقوا نعما وشاء فحدروه إلى المدينة ولم يأسروا أحد. تنبيهات الأول: ذكر ابن سعد وتبعه في العيون والمورد أن في هذه السريّة قتل أسامة بن زيد رضي اللَّه تعالى عنه نهيك، بن مرداس الذي قال: «لا إله إلا اللَّه» ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «ألا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟» [ (1) ] إلخ وسيأتي الكلام على ذلك في سريّة أسامة إلى الحرقات. الثاني: خلط البيهقي وتبعه في البداية هذه السريّة بالسرية الآتية بالباب [الثاني والأربعين] والصحيح أنها غيرها. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الميفعة: بميم مكسورة فتحتية ساكنة ففاء مفتوحة فعين مهملة فتاء تأنيث، قال في النور والقياس فيها فتح الميم: اسم موضع. يسار: بتحتية مفتوحة فسين مهملة. بنو عوال: بعين مهملة مضمومة فواو وبعد الألف لام. بنو عبد: بغير إضافة إلى معبود. ثعلبة: بالثاء المثلثة. نخل: بفتح النون فخاء معجمة ساكنة فلام: مكان من نجد من أرض غطفان ولا يخالف ذلك قول نصر والحازمي إنها بالحجاز. النّقرة: بفتح النون وسكون القاف، وقيل بكسر القاف. وسط: بفتح السين المهملة وبسكونها. لم يأسروا: بكسر السين المهملة.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 207 وابن سعد في الطبقات والطبري في التفسير 5/ 129.

الباب الأربعون في سرية بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه إلى يمن وجبار في شوال سنة سبع

الباب الأربعون في سرية بشير بن سعد رضي اللَّه تعالى عنه إلى يمن وجبار في شوّال سنة سبع قال ابن سعد رحمه اللَّه تعالى: قالوا بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن جمعا من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن الفزاري- أي قبل أن يسلم- ليكون معهم ليزحفوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بشير بن سعد فعقد له لواء، وبعث معه ثلاثمائة رجل، وخرج معه حسيل بن نويرة دليلا، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا يمن وجبار، وهما نحو الجناب- والجناب معارض سلاح- وخيبر ووادي القرى، فنزلوا سلاح ثم دنوا من القوم فأصابوا نعما كثيرا ونفر الرّعاء فحذروا الجمع وتفرقوا ولحقوا بعليا بلادهم. وخرج بشير بن سعد في أصحابه حتى أتى محالّهم، فيجدها وليس فيها أحد، فلقوا عينا لعيينة فقتلوه، ثم لقوا جمع عيينة وهو لا يشعر بهم فناوشوهم، ثم انكشف جمع عيينة، وتبعهم أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذوا منهم رجلين فأسروهما ورجع الصحابة بالنّعم والرجلين إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسلما فأرسلهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بشير: بالموحدة والشين المعجمة وزن أمير. يمن: بفتح الياء آخر الحروف أو ضمّها. ويقال أمن بفتح أوله أو ضمه وسكون الميم وبالنون. جبار: بفتح الجيم وبالموحدة والراء اسم موضع وصاحب القاموس يقتضي فتح الجيم. عيينة: بضم العين المهملة وكسرها فتحتية مفتوحة فأخرى ساكنة فنون فتاء تأنيث. حصن: بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين فنون. حسيل: بضم الحاء وفتح السين المهملتين وسكون التحتية وباللام، وقيل بالتكبير. نويرة: بضم النون وفتح الواو وسكون التحتية فراء فتاء تأنيث. سلاح: قال البكري: بكسر السين المهملة وبالحاء المهملة وتبعه في العيون وقال في القاموس كقطام فاقتضى فتح أوله. الرّعاء: بكسر الراء.

عليا بلادهم: بضم العين المهملة وسكون اللام وبالقصر: نقيض السّفلى. محالّهم: بفتح الميم والحاء المهملة وكسر اللام المشددة جمع محلّة وهي منزل القوم. العين: الجاسوس. ناوشهم: المناوشة في القتال تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا. انكشف جمعهم: انهزم.

الباب الحادي والأربعون في سرية الأخرم بن أبي العوجاء السلمي رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم في ذي الحجة سنة سبع.

الباب الحادي والأربعون في سرية الأخرم بن أبي العوجاء السّلمي رضي اللَّه تعالى عنه إلى بني سليم في ذي الحجة سنة سبع. قالوا: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابن أبي العوجاء السّلمي في خمسين رجلا إلى بني سليم، فخرج إليهم وتقدّمه عين لهم كان معه فحذرهم. فجمعوا له جمعا كثيرا فأتاهم ابن أبي العوجاء وهم معدون له، فدعاهم إلى الإسلام. فقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا. فتراموا بالنّبل ساعة وجعلت الأمداد تأتي حتى أحدقوا بهم من كل ناحية. فقاتل القوم قتالا شديدا حتى قتل عامتهم. وأصيب ابن أبي العوجاء جريحا مع القتلى، ثم تحامل حتى بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم قدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الأخرم: بخاء معجمة فميم. ابن أبي العوجاء: كذا ذكر ابن إسحاق وابن سعد [إثبات لفظ ابن وهو الذي عزاه في الإصابة والتجريد للزهري] وأغرب الذهبي في الكنى فقال «أبو العوجاء» ونقله عن الزهري. سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام. العين: هنا الجاسوس. معدون: بضم الميم وكسر العين وضم الدال المشددة المهملتين. الأمداد: الأعوان والأنصار.

الباب الثاني: والأربعون في سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني الملوح بالكديد في صفر سنة ثمان

الباب الثاني: والأربعون في سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي رضي اللَّه تعالى عنه إلى بني الملوّح بالكديد في صفر سنة ثمان روى ابن إسحاق والإمام أحمد وأبو داود من طريق محمد بن عمر، وابن سعد رحمهم اللَّه تعالى عن جندب بن مكيث الجهني رضي اللَّه تعالى عنه، قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غالب بن عبد اللَّه الليثي، ليث كلب بن عوف في سريّة كنت فيهم، وأمره أن يشنّ الغارة على بني الملوّح بالكديد، وهم من بني ليث. قال: فخرجنا حتى إذا كنّا بقديد لقينا الحارث بن البرصاء [الليثي] فأخذناه فقال: إنما جئت أريد الإسلام وإنما خرجت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقلنا لن يضرّك رباط يوم وليلة إن كنت تريد الإسلام وإن يكن غير ذلك فنستوثق منك. قال: فشددناه وثاقا وخلّفنا عليه رويجلا منا أسود، يقال له سويد بن منحر، وقلنا إن نازعك فاحترز رأسه. ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس، فكمنّا في ناحية الوادي، وبعثني أصحابي ربيئة لهم، فخرجت حتى أتيت تلّا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا أسندت فيه وعلوت رأسه انبطحت- وفي رواية، فاضطجعت على بطني- قال: فو اللَّه إني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له، فقال لامرأته: إني أرى على هذا التلّ سوادا ما رأيته عليه صدر يومي هذا فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرّت منها شيئا. قال: فنظرت فقالت: واللَّه ما أفقد من أوعيتي شيئا. فقال لامرأته: ناوليني قوسي ونبلي. فناولته قوسه وسهمين معها، فأرسل سهما فو اللَّه ما أخطأ به جنبي- ولفظ ابن إسحاق، وابن سعد: بين عينيّ- قال: فانتزعته وثبت مكاني. ثم رمى بالآخر فخالطني به- ولفظ ابن إسحاق، وابن سعد، فوضعه في منكبي- فانتزعته فوضعته وثبتّ في مكاني. فقال لامرأته: واللَّه لو كان ربيئة لقد تحرّك بعد، لقد خالطه سهمان لا أبالك، فإذا أصبحت فابتغيهما لا تمضغهما الكلاب. قال: ثم دخل الخباء، وراحت ماشية الحيّ من إبلهم وأغنامهم، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا فناموا شننّا عليهم الغارة فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية واستقنا النّعم والشّاء فخرجنا نحدرها قبل المدينة حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه واحتملنا صاحبنا وخرج صريخ القوم في قومهم فجاءنا ما لا قبل لنا به، فجاءنا القوم حتى نظروا إلينا ما بيننا وبينهم إلا الوادي وهم موجّهون إلينا إذ جاء اللَّه تعالى بالوادي من حيث شاء بماء يملأ جنبتيه، وأيم اللَّه ما رأينا قبل ذلك سحابا ولا مطرا فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا وقد أسندناها في المشلّل [نحدرها] وفي لفظ في المسيل- وفتناهم [فوتا] لا يقدرون فيه على طلبنا، ثم قدمنا

تنبيهان

المدينة، وروى محمد بن عمر، عن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: كنت معهم وكنا بضعة عشر رجلا وكان شعارنا: أمت أمت. تنبيهان الأول: نقل في البداية عن الواقدي أنه ذكر هذه القصة بإسناد آخر وقال فيه: وكان معه من الصحابة مائة وثلاثون رجلا. والواقدي ذكر ذلك في سرية لغالب غير هذه. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الملوّح: بميم مضمومة فلام مفتوحة فواو مشددة مكسورة. الكديد: بفتح الكاف وكسر الدال المهملة فتحتية ساكنة فدال مهملة. جندب: بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها. مكيث: بميم فكاف فتحتية فثاء مثلثة وزن أمير. يشنّ: يفرّق من كل وجه. الغارة: اسم من أغار ثم أطلقت الغارة على الخيل. لقينا: بسكون التحتية. الحارث: بالنصب مفعول لقينا. ابن البرصاء: اسم أبيه مالك. رويجلا: تصغير رجل. الرّبيئة: بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية وفتح الهمزة وبتاء التأنيث. الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه [ويقال للمناهل المحاضر للاجتماع والحضور عليها] قال الخطّابي: ربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور يقال نزلنا حاضر بني فلان فهو فاعل بمعنى مفعول. يطلعني: بضم أوله. أسندت: بفتح أوله وسكون السين المهملة وفتح النون وسكون الدال المهملة أي صعدت. الخباء: بكسر الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبالمدّ، بيت من بيوت الأعراب. لا أبا لك: بكسر الكاف هنا، ويذكر للحث على الفعل تارة بمعنى جدّ في أمرك وشمّر لأن من له أب اتكل عليه في بعض شأنه، وللمدح تارة أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر

في معرض الذّمّ [كما يقال لا أمّ لك] وقد يذكر في معرض التعجب ودفعا للعين كقولهم لله درك وقد تحذف اللام فيقال لا أباك بمعناه. تمضغهما: بضم الضاد المعجمة وفتحها. نحدرها: بضم الدال المهملة. واحتملنا صاحبنا: هو الرّويجل الأسود. أدركنا: بفتح الكاف والضمير في محل النصب. القوم: فاعل. بالوادي: أي بالسّبيل في الوادي. المشلل: بضم الميم وفتح الشين المعجمة وفتح اللام الأولى. المسيل: موضع سيل الماء. الشّعار: العلامة. أمت أمت: تقدم الكلام عليها في سرية أبي بكر.

الباب الثالث والأربعون في سرية غالب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد في صفر سنة ثمان

الباب الثالث والأربعون في سرية غالب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد في صفر سنة ثمان قال محمد عمر، وابن إسحاق في رواية يونس ومحمد بن سلمة رحمهم الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما حصل لبشير بن سعد وأصحابه هيّأ الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه وقال له: «سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد فإن أظفرك الله بهم فلا تبق فيهم» [ (1) ] وهيّأ معه مائتي رجل وعقد له لواء. فقدم غالب بن عبد الله اللّيثي من الكديد قد ظفره الله عليهم فقال صلى الله عليه وسلم للزبير: «اجلس» وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل فيهم أسامة بن زيد، وعلبة بن زيد الحارثي وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وكعب بن عجرة فلما دنا غالب منهم بعث الطلائع. فبعث علبة بن زيد في عشرة ينظرون إلى محالّهم، فأوفى على جماعة منهم ثم رجع إلى غالب فأخبره الخبر. فأقبل غالب يسير حتى إذا كان منهم بنظر العين ليلا وقد عطنوا وهدأوا قام غالب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وان تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا لى أمرا فإنه لا رأي لمن لا يطاع» . ثم ألف بينهم فقال: «يا فلان أنت وفلان، يا فلان أنت وفلان لا يفارق رجل منكم زميله، وإياكم أن يرجع إلى رجل منكم، فأقول: أين صاحبك؟ فيقول لا أدري فإذا كبّرت فكبّروا وجرّدوا السيوف. فلما أحاطوا بالحاضر كبّر غالب فكبّروا وجردوا السيوف فخرج الرجال فقاتلوا ساعة ووضع المسلمون فيهم السيف حيث شاءوا. وروى ابن سعد عن إبراهيم بن حويصة بن مسعود عن أبيه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية مع غالب بن عبد الله إلى بني مرة فأغرنا عليهم مع الصبح وقد أوعز إلينا أميرنا ألا نفترق وواخى بيننا فقال: لا تعصوني فإنّي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني» ، وإنكم متى ما عصيتموني فإنما تعصون نبيكم. قال: فآخى بيني وبين أبي سعيد الخدري. قال: فأصبنا القوم وكان شعارهم أمت أمت. قال محمد بن عمر: وفي هذه السرية خرج أسامة بن زيد في إثر رجل منهم يقال له نهيك بن مرداس أو مرداس بن نهيك وهو الصواب، فأبعد وقوي المسلمون على الحاضر وقتلوا من قتلوا، واستاقوا نعما وشاء. وذكر ابن سعد ذلك في سرية غالب إلى الميفعة. وتفقّد

_ [ (1) ] أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 10/ 151.

تنبيهان

غالب أسامة بن زيد، فجاء أسامة بعد ساعة من الليل فلامه الأمير لائمة شديدة وقال: ألم تر إلى ما عهدت إليك؟ فقال خرجت في إثر رجل منهم يقال له نهيك جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه قال: «لا إله إلا الله» . فقال الأمير: «أأغمدت سيفك» ؟ فقال: «لا والله ما فعلت حتى أوردته شعوب» . فقال: بئس ما فعلت وما جئت به تقتل امرءا يقول لا إله إلا الله. فندم أسامة وسقط في يده وساق المسلمون النّعم والشّاء والذّرية، وكانت سهمانهم عشرة أبعرة لكل رجل أو عدلها من الغنم وكانوا يحسبون الجزور بعشرة من الغنم. تنبيهان الأول: كذا ذكر ابن إسحاق في رواية يونس ومحمد بن عمر، أن قتلة أسامة لمرداس كانت في هذه الغزوة وسيأتي الكلام على ذلك في سرية أسامة بن زيد إلى الحرقات. الثاني: في بيان غريب ما سبق: مصاب: بضم الميم وبالصاد المهملة. بشير: بموحدة وشين معجمة كأمير. فدك: بفتح الفاء والدال المهملة. هيّأ: بفتح الهاء والتحتية المشددة وبالهمز. الكديد: بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الأولى. علبة: بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة وتاء التأنيث. عقبة: بالقاف. عجرة: بضم العين المهملة وسكون الجيم وبالراء وتاء التأنيث. الطلائع: جمع طليعة من يبعث ليطّلع طلع العدوّ للواحد والجمع. أوفى: أشرف. الزّميل: بفتح الزاي وكسر الميم وسكون التحتية وباللام، وهو هنا الرفيق في السفر الذي يعينك على أمورك. الحاضر: تقدم في الباب الذي قبله. حويّصة: بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتخفيف التحتية ساكنة وتشديدها مكسورة وبالصاد المهملة. مرة: بضم الميم وفتح الراء المشددة. أو عز إليه: بفتح أوله وسكون الواو وفتح العين المهملة والزاي تقدم. أمت أمت: تقدم الكلام عليه في سرية أبي بكر رضي الله عنه.

الباب الرابع والأربعون في سرية شجاع بن وهب الأسدي رضي الله تعالى عنه إلى بني عامر بالسي في ربيع الأول سنة ثمان.

الباب الرابع والأربعون في سرية شجاع بن وهب الأسدي رضي الله تعالى عنه إلى بني عامر بالسي في ربيع الأول سنة ثمان. روى محمد بن عمر رحمه الله تعالى عن عمر بن الحكم رحمه الله تعالى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلا إلى جمع من هوازن بالسّيّ ناحية ركبة من وراء المعدن وهي من المدينة على خمس ليال، وأمره أن يغير عليهم فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى صبّحهم وهم غارّون، وقد أوعز إلى أصحابه ألّا يمعنوا في الطلب، فأصابوا نعما كثيرا وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة، [واقتسموا الغنيمة] فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا لكل رجل وعدلوا البعير بعشر من الغنم، وغابت السرية خمس عشرة ليلة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: شجاع: بضم الشين المعجمة. السّيّ: بكسر السين المهملة ومدّ الهمزة. ركبة: بضم الراء وسكون الكاف وبالموحدة. المعدن: بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين وبالنون. غارّون: بالغين المعجمة وبعد الألف راء مشددة مضمومة فنون: غافلون. أوعز: بفتح أوله وسكون الواو وفتح العين المهملة والزاي، تقدم. أمعن في طلب العدو، بالغ وأبعد.

الباب الخامس والأربعون في سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه إلى ذات أطلاح في شهر ربيع الأول سنة ثمان

الباب الخامس والأربعون في سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه إلى ذات أطلاح في شهر ربيع الأول سنة ثمان قال محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام، فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم، ورشقوهم بالنّبل، فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا، وأفلت منهم رجل جريح في القتلى فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فشقّ ذلك عليه وهمّ بالبعث إليهم، فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم. قال محمد بن عمر حدثني ابن أبي سبرة عن الحرث بن فضيل قال: كان كعب بن عمير يمكن النهار ويسير الليل حتى دنا منهم فرآه صيدهم فأخذهم بعلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا إليهم على الخيول فقتلوهم قال أبو عمر: قتلوهم بقضاعة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عمير: بعين مهملة مضمومة فميم مفتوحة فتحتية ساكنة فراء. الغفاري: بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء. أطلاح: بفتح الهمزة وسكون الطاء وبالحاء المهملة وهو من وراء وادي القرى. محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الزهري يروى عنه. قتلوا: بالبناء للمفعول. أفلت: وتفلت وانفلت أي تخلص ونجا.

الباب السادس والأربعون في سرية مؤنة وهي بأدنى البلقاء دون دمشق في جمادى الأولى سنة ثمان

الباب السادس والأربعون في سرية مؤنة وهي بأدنى البلقاء دون دمشق في جمادى الأولى سنة ثمان قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل زيد بن حارثة، وقال: «إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم» [ (1) ] . قال محمد بن عمر رحمه الله عن عمر بن الحكم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلّى الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهضّ اليهودي فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فإن أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون رجلا منهم فليجعلوه عليهم» . فقال النعمان بن مهضّ: «يا أبا القاسم إن كنت نبيّا فسمّيت من سمّيت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا لأن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان ففلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا» ثم إن اليهودي جعل يقول لزيد بن حارثة: «اعهد فإنك لا ترجع إلى محمد إن كان نبيا» . قال زيد: «فاشهد أنه رسول صادق بارّ» . وعقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعينوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم. ذكر طعن الصحابة في إمارة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه روى البخاري عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد [ (2) ] فطعن [بعض] الناس في إمارته، وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «قد بلغني أنكم قلتم في أسامة، إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 583 (4261) . [ (2) ] (ع) أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو محمد وأبو زيد الأمير حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبّه وابن حاضنته أم أيمن. له مائة وثمانية وعشرون حديثا، اتفقا على خمسة عشر وانفرد كل منهما بحديثين، وعنه ابن عباس وابراهيم بن سعد بن أبي وقاص وعروة وأبو وائل وكثيرون أمّره النبي صلى الله عليه وسلم علي جيش فيهم أبو بكر وعمر، وشهد مؤتة، قالت عائشة: من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة. توفي بوادي القرى، وقيل بالمدينة سنة أربع وخمسين عن خمس وسبعين سنة الخلاصة 1/ 66.

ذكر مسير المسلمين ووداع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته إياهم

كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ وإن هذا لمن أحبّ النّاس إليّ بعده» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه، والبيهقي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال: «عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر فأن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» قال: فوثب جعفر رضي الله عنه وقال: [بأبي أنت وأمي] يا رسول الله ما كنت أرهب أن تستعمل عليّ زيدا) فقال: «امض فإنك لا تدري أي ذلك خير» [ (2) ] . ذكر مسير المسلمين ووداع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته إياهم قال عروة بن الزبير [ (3) ] : «فتجهّز الناس ثم تهيّئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف. فلما حضر خروجهم ودّع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّموا عليهم. فلما ودّع عبد الله رواحة مع من ودّع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى، فقالوا: «ما يبكيك يا ابن رواحة؟» فقال: «أما والله ما بي حبّ الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [مريم 71] فلست أدري كيف لي بالصّدر بعد الورود؟» فقال المسلمون: «صحبكم الله ودفع عنكم وردّكم إلينا صالحين» . فقال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه: لكنني أسأل الرّحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزّبدا أو طعنة بيدي حرّان مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتّى يقال إذا مرّوا على جدثي ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا قال ابن إسحاق: ثم إن القوم تهيّئوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودّعه ثم قال: فثبّت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا إنّي تفرّست فيك الخير نافلة ... الله يعلم أنّي ثابت البصر أنت الرّسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منك فقد أزري به القدر هكذا أنشد ابن هشام هذه الأبيات وأنشدها ابن إسحاق بلفظ فيه إقواء قال ابن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4468) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 299 والبيهقي في الدلائل 4/ 367 وأبو نعيم في الحلية 9/ 26 وابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 32. [ (3) ] عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وأحد علماء التابعين. [وقال الزهري: عروة بحر لا تكدره الدّلاء.] قال ابن شؤذب: كان يقرأ كل ليلة ربع القرآن، ومات وهو صائم. الخلاصة 2/ 231.

إسحاق: «ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيّعهم حتى إذا ودّعهم وانصرف عنهم قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: خلف السّلام على امرئ ودّعته ... في النّخل خير مشيّع وخليل» وروى محمد بن عمر عن خالد بن يزيد رحمه الله تعالى قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيّعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنيّة الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال: «اغزوا باسم الله فقاتلوا عدوّ الله وعدوّكم بالشام وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم وستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فافلقوها بالسيوف، لا تقتلنّ امرأة ولا صغيرا ضرعا ولا كبيرا فانيا ولا تقربن نخلا ولا تقطعنّ شجرا ولا تهدمنّ بيتا» [ (1) ] . وروى محمد بن عمر [الواقدي] عن زيد بن أرقم [رفعه] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا، اغزوا باسم الله في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيتم عدوّكم من المشركين فادعوهم إلى إحدى ثلاث فأيّتهنّ ما أجابوكم إليها فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم الأذى ثم ادعوهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين فإن فعلوا فأخبروهم أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبروهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله [الذي يجري على المؤمنين] ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن فعلوا فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم فإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم وقاتلوهم وإن حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم أن تجعلوا لهم ذمة الله وذمّة رسوله فلا تجعلوا لهم ذمّة الله ولا ذمّة رسوله ولكن اجعلوا لهم ذمّتكم وذمّة آبائكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله» . وذكر نحو ما سبق. وروى محمد بن عمر عن عطاء بن مسلم [ (2) ] رحمه الله تعالى قال: «لما ودّع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة قال ابن رواحة: يا رسول الله مرني بشيء أحفظه عنك قال: «إنك قادم غدا بلدا السجود فيه قليل فأكثر السجود» قال عبد الله بن رواحة: زدني يا رسول الله. قال: «اذكر الله فإنه عون لك على ما تطالب» . فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع فقال: يا رسول الله إن الله وتر يحب الوتر فقال: «يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجزنّ إن

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن 9/ 69. [ (2) ] عطاء بن أبي مسلم مولى المهلب بن أبي صغرة أبو أيوب الخراساني نزيل الشام واحد الأعلام عن أبي الدرداء ومعاذ، وابن عباس مرسلا وروى عن يحيى بن يعمر ونافع وعكرمة وعنه وابن جريج والأوزاعي، ومالك وشعبة وحمّاد بن سلمة قال عبد الرحمن بن يزيد: كان يحيي الليل. وثقه ابن معين وأبو حاتم. قال ابنه عثمان: مات سنة خمس وثلاثين ومائة، عن خمس وثمانين سنة. قاله أبو نعيم الخلاصة 2/ 231.

ذكر رجوع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ليصلي الجمعة

أسأت عشرا أن تحسن واحدة» [ (1) ] . قال ابن رواحة: لا أسألك عن شيء بعدها. ذكر رجوع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ليصلي الجمعة روى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول لله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مؤتة فاستعمل زيدا وذكر الحديث وفيه: فتخلّف ابن رواحة فجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه، فقال: «ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟» قال: أردت أن أصلّي معك الجمعة ثم ألحقهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت غدوتهم» . وفي لفظ: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» [ (2) ] . ذكر مسير المسلمين بعد وداع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: ثم مضى الناس. قال محمد بن عمر: قالوا: كان زيد بن أرقم يقول- وقال ابن إسحاق: حدّثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدّث عن زيد بن أرقم قال: «كنت يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة فلم أر وليّ يتيم كان خيرا منه فخرجنا إلى مؤتة فكان يردفني خلفه على حقيبة رحله فو الله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه: إذا أدّيتني وحملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك أنعم وخلاك ذمّ ... ولا أرجع إلى أهلي ورائي وآب المسلمون وغادروني ... بأرض الشّام مشتهي الثّواء وردّك كلّ ذي نسب قريب ... إلى الرّحمان منقطع الإخاء هنا لك لا أبالي طلع بعل ... ولا نخل أسافلها رواء قال: فلما سمعتهنّ منه بكيت فخفقني بالدّرّة وقال: «ما عليك بالكع أن يرزقني الله الشهادة فأستريح من الدنيا ونصبها وهمومها وأحزانها وترجع بين شعبتي الرّحل» . زاد ابن إسحاق: قال ثم قال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه في بعض شعره وهو يرتجز: يا زيد زيد اليعملات الذّبّل ... تطاول اللّيل هديت فانزل زاد محمد بن عمر: ثم نزل من الليل، ثم صلى ركعتين ودعا فيهما دعاء طويلا ثم قال: يا غلام. قلت: لبّيك. قال: هي إن شاء الله الشهادة. قالوا: ولما فصل المسلمون من المدينة سمع العدوّ بمسيرهم فتجمّعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع أكثر من مائة ألف،

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 3/ 189 وعزاه لابن عساكر. [ (2) ] أخرجه الترمذي (527) وأحمد في المسند 1/ 224 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 393.

ذكر التحام القتال

وقدّم الطلائع أمامه. فلما نزل المسلمون وادي القرى بعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين من المشركين فاقتتلوا وانكشف أصحاب سدوس وقد قتل، فشخص أخوه. ومضى المسلمون حتى نزلوا معان من أرض الشام. وبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليهم مائة ألف أخرى من لخم وجذام وقبائل قضاعة من بلقين وبهراء وبليّ عليهم ورجل من بليّ ثم أحد إراشة يقال له مالك بن رافلة. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بكثرة عدونا فإما أن يمدّنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له. فشجّع الناس عبد الله بن رواحة فقال: «يا قوم والله إن التي تكرهون للّتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوّة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة وليست بشرّ المنزلتين» . فقال الناس: صدق والله ابن رواحة. فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدوّ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها. فتعبّأ لهم المسلمون. وروى أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن القرّاب في تاريخه عن برذع بن زيد قال: قدم علينا وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مؤتة وعليهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وخرج معهم منا عشرة إلى مؤتة يقاتلون معهم. قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يأتوا فركبت القوم ضبابة فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة. وروى محمد بن عمر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «شهدت مؤتة فلما دنا العدوّ منا رأينا ما لا قبل لأحد به من العدد والعدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أقرم: «يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة» . قلت: نعم. قال: إنك لم تشهد معنا بدرا، إنّا لم ننصر بالكثرة. قال ابن إسحاق: وتعبّأ المسلمون للمشركين، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عباية بن مالك-[قال ابن هشام] ويقال له عبادة بن مالك. ذكر التحام القتال قال ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر: ثم التقى الناس واقتتلوا قتالاً شديداً. فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم. ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر أول رجل من المسلمين عرقب فرسا له في سبيل الله.

ذكر مقتل عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه

وروى ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرّة بن عوف، وكان في غزوة مؤتة قال: والله لكأني انظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول: يا حبّذا الجنّة واقترابها ... طيّبة وباردا شرابها والرّوم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها عليّ إذ لاقيتها ضرابها وهذا الحديث رواه أبو داود من طريق ابن إسحاق ولم يذكر الشعر وفي حديث أبي عامر رضي الله تعالى عنه عند ابن سعد أن جعفرا رضي الله تعالى عنه لبس السلاح ثم حمل على القوم حتى إذا همّ أن يخالطهم رجع فوحّش بالسلاح ثم حمل على العدو وطاعن حتى قتل. قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله تعالى عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء. ويقال: إن رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين. وروى البخاريّ والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وستين من طعنة ورمية، وفي رواية عنه قال: «وقفت علي جعفر بن أبي طالب يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين من طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره» . ذكر مقتل عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه روى ابن إسحاق [يحيى بن] عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه الذي أرضعه قال: فلما قتل جعفر أخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم قال: أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... طائعة أو لتكرهنّه أن أجلب النّاس وشدّوا الرّنّه ... مالي أراك تكرهين الجنّة قد طال ما قد كنت مطمئنّة ... هل أنت إلا نطفة في شنّه وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه: يا نفس إلّا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت وما تمنّيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت

ذكر تأمير المسلمين خالد بن الوليد بعد قتل أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهزمه المشركين، وإعلام الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح

يريد صاحبيه زيدا وجعفرا، ثم نزل. فلما نزل أتاه ابن عمر له بعرق من لحم فقال: «شد بهذا صلبك فإنك لقيت في أيامك هذه ما لقيت» . فأخذه من يده، ثم انتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال: وأنت في الدنيا؟ ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه. ووقع اللّواء من يده فاختلط المسلمون والمشركون وانهزم بعض الناس، فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا. قال سعيد بن أبي هلال رحمه الله تعالى: وبلغني أن زيدا وجعفرا وعبد الله بن رواحة دفنوا في حفرة واحدة. وفي حديث أبي عامر رضي الله تعالى عنه عند ابن سعد أن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه لما قتل «انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى لم أر اثنين جميعا. ثم أخذ اللواء رجل من الأنصار ثم سعى به حتى إذا كان أمام الناس ركزه ثم قال: إليّ أيها الناس. فاجتمع إليه الناس حتى إذا كثروا مشى باللواء إلى خالد بن الوليد. فقال له خالد: لا آخذه منك أنت أحقّ به فقال الأنصاري والله ما أخذته إلا لك» . ذكر تأمير المسلمين خالد بن الوليد بعد قتل أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهزمه المشركين، وإعلام الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح قال ابن إسحاق: ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل. فاصطلح الناس على خالد بن الوليد. وروى الطبراني عن أبي اليسر الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة فدفعت إلى خالد وقال [له ثابت بن أقرم] أنت أعلم بالقتال مني. قال ابن إسحاق: «فلما أخذ الراية خالد بن الوليد دافع القوم وحاشى بهم ثم انحاز وانحيز عنه وانصرف بالناس» . هكذا ذكر ابن إسحاق أنه لم يكن إلا المحاشاة والتخلص من أيدي الروم الذين كانوا مع من انضمّ إليهم أكثر من مائتي ألف والمسلمون ثلاثة آلاف. ووافق ابن إسحاق على ذلك شرذمة. وعلى هذا سمّي هذا نصرا وفتحا باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدوّ وتراكمهم وتكاثرهم عليهم وكان مقتضي العادة أن يقتلوا بالكلّيّة وهو محتمل لكنه خلاف الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: «حتى فتح الله عليكم» [ (1) ] . والأكثرون على أن خالدا ومن معه رضي الله تعالى عنهم قاتلوا المشركين حتى هزموهم. ففي حديث أبي عامر عند ابن سعد أن خالدا لما أخذ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 585 (4262) .

اللّواء «حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا» . وروى الطبراني برجال ثقات عن موسى بن عقبة قال: ثم اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد المخزومي فهزم الله تعالى العدوّ وأظهر المسلمين. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عطاف بن خالد لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم وقالوا وقد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين. قال: فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم. وذكر ابن عائذ في مغازيه نحوه. وروى محمد بن عمر عن الحارث بن الفضل رحمه الله تعالى: لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآن حمي الوطيس» [ (1) ] . وروى القرّاب في تاريخه عن برذع بن زيد رضي الله تعالى عنه قال: اقتتل المسلمون مع المشركين سبعة أيام. وروى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما وهذا الذي ذكره أبو عامر والزهري، وعروة، وابن عقبة، وعطّاف بن خالد، وابن عائذ وغيرهم هو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: «ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه» [ (2) ] . وفي حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً كما سيأتي. ثم أخذ خالد بن الوليد اللواء ولم يكن من الأمراء، هو أمّر نفسه. ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه، ثم قال: «اللهم إنه سيف من سيوفك فانصره» [ (3) ] . فمن يومئذ سمّي خالد بن الوليد «سيف الله» ، رواه الإمام أحمد برجال ثقات ويزيده قوّة ويشهد له بالصحة ما رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والبرقاني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه قال: «خرجت [مع من خرج] مع زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما في غزوة مؤتة ورافقتني مدديّ من المسلمين من اليمن، ليس معه غير سيفه. فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المدديّ طائفة من جلد، فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدّرقة، ومضينا ولقينا جموع الروم فيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهّب وسلاح مذهّب، فجعل الرومي يغزو المسلمين، فقعد له المدديّ خلف صخرة فمرّ به الرومي فعرقب فرسه بسيفه وخرّ الرومي فعلاه بسيفه فقتله وحاز سلاحه وفرسه. فلما فتح الله تعالى على المسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السّلب. قال عوف، فأتيت خالدا وقلت له: أما

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1398 كتاب الجهاد (76- 1775) من حديث عباس وأحمد في المسند 1/ 207 وعبد الرزاق (9741) . [ (2) ] أخرجه البخاري (4262) . [ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 368 وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 513.

ذكر بعض ما غنمه المسلمون يوم مؤتة

علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسّلب للقاتل؟ قال: بلى ولكني استكثرته. فقلت لتردّنّه أو لأعرفنّكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبي أن يرد عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المدديّ وما فعل خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما صنعت؟» قال: استكثرته. قال: «ردّ عليه ما أخذت منه» . قال عوف: دونكها يا خالد ألم أف لك؟ [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» فأخبرته] . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركون أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره» [ (1) ] . ذكر بعض ما غنمه المسلمون يوم مؤتة روى محمد بن عمر، والحاكم في الإكليل عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أصيب بمؤتة ناس من المسلمين، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين، وكان فيما غنموا خاتم جاء به رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلت صاحبه يومئذ فنفّلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقدم حديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه. وروى محمد بن عمر، عن خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: «حضرت مؤتة فبارزني رجل منهم يومئذ فأصبته وعليه بيضة له فيها ياقوتة، فلم تكن همّتي إلا الياقوتة، فأخذتها. فلما رجعنا إلى المدينة أتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفّلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل» . قال في البداية: «وهذا يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم» . وروى البخاري عن خالد رضي الله تعالى عنه قال: «لقد اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية» [ (2) ] وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم- إذ كان المسلمون ثلاثة آلاف والمشركون أكثر من مائتي ألف- وهذا وحده دليل مستقل والله أعلم. وقد ذكر ابن إسحاق أن قطبة بن قتادة العذري الذي كان على ميمنة المسلمين حمل على مالك بن رافلة ويقال ابن رافلة، وهو أمير أعراب النصارى، فقتله، وقال قطبة يفتخر بذلك: طعنت ابن رافلة ابن الإراش ... برمح مضى فيه ثمّ انحطم ضربت على جيده ضربة ... فمال كما مال غصن السّلم وسقنا نساء بني عمّه ... غداة رقوقين سوق النّعم وهذا يؤيد ما نحن فيه لأن من عادة أمير الجيش إذا قتل أن يفرّ أصحابه، ثم إنه صرّح في شعره بأنهم سبوا من نسائهم، وهذا واضح فيما ذكرناه. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1473 كتاب الجهاد (43- 1753) . [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 588 كتاب المغازي (4265) .

أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أصيب جعفر وأصحابه فقال: «ايتني ببني جعفر» . فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه، فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: «نعم أصيبوا هذا اليوم» . قالت: فقمت أصيح واجتمع إليّ النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: «لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم» . وروى البخاريّ والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس يوم أصيبوا قبل أن يأتيه خبرهم فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله عليهم» [ (1) ] . وروى النّسائي والبيهقي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الإمراء فانطلقوا فلبثوا ما شاء الله، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أخبركم عن جيشكم هذا. إنهم انطلقوا فلقوا العدوّ فقتل زيد شهيدا، فاستغفر له ثم أخذ اللواء جعفر فشدّ على القوم حتى قتل شهيدا، فاستغفر له، ثم أخذه خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، هو أمّر نفسه» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره» . فمن يومئذ سمّي خالد: «سيف الله» . وروى البيهقي عن ابن عقبة رحمه الله تعالى قال: «قدم يعلى بن أمية رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخبر أهل مؤتة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت أخبرني وإن شئت أخبرك، بخبرهم» . قال: بل أخبرني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كله فقال: «والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم ورأيتهم في المنام على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد اللَّه بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد بعض التردّد ثم مضى» [ (2) ] . وروى عبد الرزاق عن ابن المسيب رحمه اللَّه تعالى مرسلا قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «مثل جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من درّ، فرأيت زيدا، وابن رواحة في أعناقهما صدودا، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود، فسألت أو قيل لي إنهما حين غشيهما الموت اعتراضا أو كأنهما صدّا بوجهيهما وأما

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 92 وأحمد في المسند 3/ 113 والبيهقي في السنن 8/ 154 والحاكم في المستدرك 3/ 42 وابن سعد في الطبقات 4/ 1/ 25. [ (2) ] انظر البداية والنهاية 4/ 247.

ذكر من استشهد بمؤتة من المسلمين رضي الله تعالى عنهم

جعفر فإنه لم يفعل وأن اللَّه تعالى أبدله جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء» . وروى البخاري والنسائي عن عامر الشّعبي قال: «كان ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما إذا حيّا عبد اللَّه بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين» [ (1) ] . قال ابن إسحاق: «ولما أصيب القوم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- فيما بلغني-: «أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا» . قال: ثم صمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصاري وظنّوا أنه قد كان في عبد اللَّه بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال: «ثم أخذها عبد اللَّه بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا» ، ثم قال: «لقد رفعوا إليّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب» . فذكر مثل ما سبق. وروى ابن سعد عن أبي عامر رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما بلغه مصاب أصحابه شق ذلك عليه فصلّى الظهر ثم دخل وكان إذا صلى الظهر قام فركع ركعتين ثم أقبل بوجهه على القوم، فشق ذلك على الناس، ثم صلى العصر ففعل مثل ذلك، [ثم صلى المغرب ففعل مثل ذلك] ثم صلى العتمة ففعل مثل ذلك حتى إذا كان صلاة الصبح دخل المسجد ثم تبسّم، وكان تلك الساعة لا يقوم إليه إنسان من ناحية المسجد حتى يصلّي الغداة. فقال له القوم [حين تبسّم] : «يا نبي اللَّه بأنفسنا أنت لا يعلم إلا اللَّه ما كان بنا من الوجد منذ رأينا منك الذي رأينا» . قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «كان الذي رأيتهم مني أنه أحزنني قتل أصحابي حتى رأيتهم في الجنة إخوانا على سرر متقابلين، ورأيت في بعضهم إعراضا كأنه كره السيف ورأيت جعفرا ملكا ذا جناحين مضرّجا بالدماء مصبوغ القوادم» [ (2) ] . وروى الحكيم الترمذي في الثالث والعشرين بعد المائة من فوائده عن عبد الرحمن بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مؤتة. ذكر من استشهد بمؤتة من المسلمين رضي اللَّه تعالى عنهم جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة، ومسعود بن الأسود بن حارثة [بن نضلة] ، ووهب بن سعد بن أبي سرح، وعبّاد بن قيس- عبّاد بفتح المهملة وتشديد الموحدة، ويقال عبادة بضم أوله وتخفيف الموحدة وزيادة تاء التأنيث- والحارث بن النعمان [بن إساف بن نضلة] ، وسراقة بن عمرو بن عطية [بن خنساء] وزاد بن هشام نقلا عن ابن شهاب الزهري: أبا كليب- أو كلاب بكسر الكاف وتخفيف اللام- ابن عمرو بن زيد، وأخاه جابر بن عمرو بن زيد، وعمرو، وعامر ابنا سعد ابن الحارث [بن عباد بن سعد] وزاد الكلبي

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 94 (3709) . [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 99.

ذكر رجوع المسلمين إلى المدينة وتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لهم

والبلاذري: هوبجة بن بجير بن عامر الضّبي- هوبجة بفتح الهاء وسكون الواو وفتح الموحدة وبالجيم وتاء تأنيث، وبجير بضم الموحدة وفتح الجيم وسكون التحتية وبالراء، والضّبي بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة- ولما قتل فقد جسده، ولا ذكر لهوبجة فيما وقفت عليه من نسخ الإصابة للحافظ ولا للقاموس مع ذكر الذهبي له في التجريد وأن له وفادة وهجرة. وزاد ابن سعد، والعدوي، وابن جرير الطبري: زيد بن عبيد بن المعلّي الأنصاري. وزاد ابن إسحاق كما في الإصابة، وجزم به في الزهر: عبد اللَّه بن سعيد بن العاص بن أمية قال ابن الأثير، قتل باليمامة في الأكثر، وقال الذهبي الأصح ببدر وقيل باليمامة وقيل بمؤتة. وزاد ابن الكلبي، وابن سعد، والزبير بن بكّار: هبّار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي، وقال عروة، وابن شهاب الزهري وابن إسحاق وابن سعد استشهد بأجنادين، وقال سيف بن عمر: استشهد باليرموك. وزاد ابن عقبة: عبد اللَّه بن الربيع الأنصاري، ومعاذ بن ماعص- بالعين والصاد المهملتين، ووقع في نسخة من مغازي موسى بن عقبة أن الذي استشهد بمؤتة أخوه عبّاد. وقال في البداية بعد أن ذكر جميع من قتل بمؤتة من المسلمين: « [فالمجموع على القولين] اثنا عشر رجلا، وهذا عظيم جدا أن يتقاتل جيشان متعاديان في الدين أحدهما وهو الفئة التي تقاتل في سبيل اللَّه عدّتها ثلاثة آلاف، وأخرى كافرة عدّتها مائتا ألف مقاتل: من الروم مائة ألف، ومن نصارى العرب مائة ألف، يتبارزون ويتصاولون، ثم مع هذا كله لا يقتل من المسلمين سوى اثني عشر رجلا وقتل من المشركين خلق كثير هذا خالد وحده يقول: «لقد اندقّت في يدي يومئذ تسعة أسياف وما صبرت في يدي إلا صفيحة يمانية» . فماذا ترى قد قتل بهذه الأسياف كلها؟ دع غيره من الأبطال والشجعان من حملة القرآن وهذا مما يدخل في قوله تعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [آل عمران 13] . ذكر رجوع المسلمين إلى المدينة وتلقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمين لهم قال ابن عائذ رحمه اللَّه تعالى: وقفل المسلمون فمرّوا في طريقهم بقرية لها حصن كان [أهلها] قتلوا في ذهاب المسلمين رجلا من المسلمين فحاصروهم حتى فتحه اللَّه عليهم عنوة وقتل خالد مقاتلتهم. وروى إسحاق عن عروة قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمون معه. قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا

فرّار فررتم في سبيل اللَّه. قال: فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ليسوا بالفرّار ولكنهم الكرّار إن شاء اللَّه تعالى» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما قال: «كنت في سرية من سرايا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فحاص الناس وكنت فيمن حاص. وفي رواية: فلما لقينا العدوّ في أول غادية فأردنا أن نركب البحر فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة [قتلنا] ، فقدمنا المدينة في نفر ليلا فاختفينا. ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاعتذرنا إليه، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا. فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال: «من القوم؟» . قلنا نحن الفرّارون، قال: «بل أنتم الكرّارون وأنا فئتكم» . أو قال: «وأنا فئة كل مسلم» . قال: فقبّلنا يده [ (2) ] . وروى ابن إسحاق عن أم سلمة [زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم] رضي اللَّه تعالى عنهما أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومع المسلمين؟ قالت: واللَّه ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار فررتم من سبيل اللَّه، حتى قعد في بيته فما يخرج، وكان في غزوة مؤتة. وعن خزيمة بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه قال: «حضرت مؤتة وبرز لي رجل منهم فأصبته وعليه بيضة فيها ياقوتة فلم يكن همّي إلا الياقوتة فأخذتها. فلما انكشفنا رجعنا إلى المدينة فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنفّلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل» . رواه البيهقي. قال في البداية: لعل طائفة منهم فرّوا لما عاينوا كثرة جموع العدو على ما ذكروه مائتي ألف، وكان المسلمون ثلاثة آلاف، ومثل هذه يسوّغ الفرار، فلما فرّ هؤلاء ثبت باقيهم وفتح اللَّه عليهم وتخلّصوا من أيدي أولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره الزهري وموسى بن عقبة والعطّاف بن خالد، وابن عائذ، وحديث عوف بن مالك السابق يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدا رضي اللَّه تعالى عنه قال: «اندقت في يدي تسعة أسياف إلخ» يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 93. [ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 52 (2647) . والترمذي 4/ 186 (1716) . وأحمد في المسند 2/ 111 والبيهقي في السنن 9/ 78 وأبو نعيم في الحلية 9/ 57.

تنبيهات

تنبيهات الأول: مؤتة: بضم الميم وسكون الواو وبغير همز لأكثر رواة الصحيح وبه جزم المبرّد، ومنهم من همز وبه جزم ثعلب، والجوهري، وابن فارس، وحكى صاحب الوافي الوجهين. وأما الموتة التي وردت الاستعاذة منها وفسّرت بالجنون فهي بغير همز والأولى قرية من قرى البلقاء وهي كورة من أعمال دمشق. الثاني: المعروف بين أهل المغازي أن مسيرة مؤتة كانت سنة ثمان لا يختلفون في ذلك إلا ما ذكر خليفة بن خياط- بالخاء المعجمة وتشديد التحتية- في تاريخه أنها سنة سبع. الثالث: وقع في جامع الترمذي في الاستئذان وفي الأدب في باب ما جاء في إنشاد الشعر أن غزوة مؤتة كانت قبل عمرة القضاء، قال في النور: وهذا غلط لا شك فيه. قلت: وتقدم بيان ذلك مبسوطا في عمرة القضاء. الرابع: عقر جعفر رضي اللَّه تعالى عنه فرسه، رواه أبو داود من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق قال عن يحيى بن عبّاد عن أبيه عباد بن عبد اللَّه بن الزبير قال حدثني أبي الذي أرضعني فذكره وقال: ليس هذا الحديث بالقوي. وقد جاء نهي كثير من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، [عن تعذيب البهائم وقتلها عبثا] كذا قال أبو داود: إنه ليس بقوي وابن إسحاق حسن الحديث وقد صرح بالتحديث في رواية زياد البكّائي فقال حدثني يحيى بن عبّاد، ويحيى وأبوه ثقتان، وجهالة اسم الصحابي لا تضرّ، ورواه أيضاً عن ابن إسحاق عبد اللَّه بن إدريس الأودي كما في مستدرك الحاكم فسند الحديث قوي. وإنما عقره لئلا يظفر به العدوّ فيتقوى به على قتال المسلمين. واختلف العلماء في الفرس يعقره صاحبه لئلا يظفر به العدو، فرخصّ فيه مالك وكره ذلك الأوزاعي والشافعي، واحتجّ الشافعي بحديث النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «من قتل عصفورا فما فوقه بغير حقّه يسأله اللَّه تعالى عن قتله» . واحتجّ بنهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة. قال: وأما أن يعقر الفرس من المشركين فله ذلك لأن ذلك أمر يجد به السبيل إلى قتل من أمر بقتله. الخامس: في رواية سعيد بن أبي هلال كما في الصحيح عن أبي معشر كما في سنن سعيد بن منصور عن نافع عن ابن عمر أنه أخبره «أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها- أو قال فيها- شيء في دبره» . وفي رواية عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري كما في الصحيح والعمري كما عند

ابن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: «التمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى في جسده بضع وتسعون من طعنة ورمية» . فظهر ذلك التخالف، قال الحافظ: ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى أو الخمسين مقيّدة بكونها ليس فيها شيء في دبره أي ظهره، فقد يكون الباقي في بقية جسده، ولا يستلزم ذلك أنه ولّي دبره، وإنما هو محمول على أن الرّمي جاءه من جهة قفاه أو جانبيه، ولكن يريد الأول أن في رواية العمري عن نافع: فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده بعد أن ذكر العدد بضعا وتسعين. ووقع في رواية البيهقي في الدلائل بضع وسبعون- بتقديم السين على الموحدة- وأشار أن بضعا وتسعين بتقديم الفوقية على السين أثبت. السادس: قوله: «فأثابه اللَّه تعالى جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء» . أي عوّضه اللَّه تعالى جناحين عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت، ثم أخذه بشماله فقطعت ثم احتضنه فقتل. وروى البيهقي أحد رواة الصحيح عن البخاري أنه قال: يقال لكل ذي ناحتين جناحان، أشار بذلك إلى أن الجناحين ليس على ظاهرهما. وقال السهيلي: « [ومما ينبغي الوقوف عليه في معنى الجناحين أنهما] ليسا كما يسبق إلى الوهم على مثل جناحي الطائر وريشه، لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها ... فالمراد بالجناحين صفة ملكيّة وقوة روحانية أعطيها جعفر [كما أعطيتها الملائكة] وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى [طه 22] وقال العلماء في أجنحة الملائكة إنها ليست كما يتوهم من أجنحة الطير ولكنها صفات ملكّية لا تفهم إلا بالمعانية. فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح ولا يعد للطائر ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتها فيؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها» . انتهى. قال الحافظ: «وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة على ما ادعاه ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره لأن الصورة باقية» ، وقد روى البيهقي في الدلائل من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري أن جناحي جعفر من ياقوت وجاء في جناحي جبرئيل أنهما من لؤلؤ، أخرجه ابن مندة في ترجمة ورقة بن نوفل من كتاب المعرفة. السابع: أكثر الآثار تدل على أن المسلمين هزموا المشركين، وفي بعضها أن خالدا انحاز بالمسلمين، وقد تقدم بيان ذلك. قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يكون المسلمون

هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد أن يتكاثر الكفّار عليهم. فقد مرّ أنهم كانوا أكثر من مائتي ألف، فانحاز عنهم حتى رجع بالمسلمين إلى المدينة. وقال الحافظ ابن كثير في البداية يمكن الجمع بأن خالدا لما انحاز بالمسلمين بات ثم أصبح وقد غيّر بقيّة العسكر كما تقدم، وتوهم العدوّ أنهم قد جاءهم مدد، حمل عليهم خالد حينئذ فولّوا فلم يتبعهم، ورأى الرجوع بالمسلمين مع الغنيمة الكبرى. الثامن: إنما ردّ صلى الله عليه وسلم السّلب إلى خالد بعد الأمر الأول بإعطائه للقاتل نوعا من النكير، ودعا له، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة، وكان خالد مجتهدا في صنيعه ذلك، فأمضي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اجتهاده لما رأى في ذلك من المصلحة العامة بعد أن خطّأه في رأيه الأول، ويشبه أن يكون النبي صلى اللَّه عليه وسلم عوّض المدديّ من الخمس الذي هو له وأرضى خالدا بالصفح عنه وتسليم الحكم له في السّلب. التاسع: في بيان غريب ما سبق: أدنى البلقاء من أرض الشام: أي أقرب. البلقاء: بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف وألف تأنيث مقصورة كورة ذات قرى ومزارع من أعمال دمشق. لهب: بكسر اللام وسكون الهاء وبالموحدة: بطن من الأزد. تلك بصرى: اسمه: [الحارث بن أبي شمر الغسّاني] . غرض له: تصدّي له ومنعه من الذهاب. شرحبيل: بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة: اسم أعجمي لا ينصرف. الغسّاني: بفتح الغين المعجمة وبالسين المهملة المشددة. قتل صبرا: أمسك حيّا ثم رمي بشيء حتى مات. ندب الناس: دعاهم. الجرف: بضم الجيم والراء كما قال الحازمي وأبو عبيد البكري والقاضي وقال ياقوت وتبعه المجد اللغوي بالضم فالسكون: على ثلاثة أميال من المدينة لجهة الشام. رواحة: بفتح الراء وتخفيف الواو وبالحاء المهملة.

شرح غريب ذكر طعن بعض أصحابه في إمارة زيد بن حارثة وغريب ذكر سير المسلمين

شرح غريب ذكر طعن بعض أصحابه في إمارة زيد بن حارثة وغريب ذكر سير المسلمين قوله تطعنون: بضم العين وفتحها. وأيم اللَّه: من ألفاظ القسم كقولك: لعمر اللَّه، وفيها لغات، وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل وقد تقطع. لخليق: بفتح اللام والخاء المعجمة وكسر اللام الثانية وسكون التحتية وبالقاف أي حقيق وجدير. أرهب: أخاف. ودّع الناس: بالرفع فاعل. أمراء: بالنصب مفعول، وبالعكس فإن من ودعك فقد ودّعته والأول أولى لما سيأتي. ودّع عبد اللَّه: بالبناء للمفعول. أما واللَّه: بتخفيف الهمزة وتخفيف الميم. الصّبابة: بفتح الصاد المهملة: رقّة الشوق وحرارته، وهي بالرفع تقديره: ولا لي صبابة. الورود: في الآية [مريم 71] الحضور والموافاة من غير دخول أو الدخول، والعرب تطلق الورود على هذين المعنيين. الصّدر: بفتح الصاد والدال المهملتين وبالراء، اسم من قولك صدرت عن البلد أي رجعت. ذات فرغ: بفتح الفاء وسكون الراء وبالغين المعجمة: أي واسعة. تقذف: بالقاف والذال المعجمة والفاء: ترمي. الزّبد: بفتح الزاي والموحدة وبالدال المهملة ما يعلو الماء [من الرغوة وكذلك] الدم. حرّان: بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وبالنون: تلهّب الجوف. مجهزة: بميم مضمومة فجيم ساكنة فهاء مكسورة وبالزاي فتاء تأنيث: سريعة القتل. الأحشاء: جمع حشاً وهو ما في البطن. الجدث: بالجيم والدال المهملة وبالمثلثة: القبر والجمع أجداث وأجدث. رشد: بفتح الشين المعجمة وكسرها. نافلة: هبة من اللَّه وعطيّة منه، والنوافل العطايا والمواهب.

شرح غريب ذكر مسير المسلمين بعد الوداع

أزرى به القدر: قصّر به تقول أزريت بفلان إذا قصّرت به. خلف السّلام: دعاء منه للنبي صلى اللَّه عليه وسلم بالسلامة. ثنيّة الوداع: تقدم الكلام عليها في شرح غريب الهجرة، وفي هذا دليل على أنها شاميّ المدينة. المفاحص: جمع مفحص بفتح الميم والحاء المهملة بينهما فاء ساكنة، وبالصاد المهملة، وهو في الأصل مكان مجثم القطاة لتبيض، يقال فحصت القطاة فحصا من باب نفع حفرت في الأرض موضعا لتبيض فيه، فاستعير هنا لتمكن الشيطان منهم. الإفحاص: الحفر. الضّرع: بفتح الضاد المعجمة والراء والعين المهملة: والضارع بكسر الراء النحيف الضاوي الجسم. الذّمّة: الأمانة. غدا يغدو غدوّا من باب قعد: ذهب غدوة وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. الروحة: بفتح الراء وسكون الواو: وقت لما بين زوال الشمس إلى الليل. شرح غريب ذكر مسير المسلمين بعد الوداع أرقم: بفتح أوله وسكون الراء وبالقاف. الحقيبة: بفتح الحاء المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وبالموحدة وتاء تأنيث: ما يجعله الراكب وراءه. الحسا: بكسر احلاء وبالسين المهملتين والمدّ. قال في المصباح: اسم موضع. وقال في المراحل: مياه لبني فزارة بين الرّبذة ونخل يقال لمكانها ذو حسّ. وقال في الإملاء: الحساء جمع حسي وهو ماء يغور في الرّمل وإذا بحث عنه وجد. فشأنك: أمرك. أنعم: جمع نعمة أي إحسان. وخلاك ذمّ بالخاء في خلاك والذال في ذم المعجمتين: فارقك فلست بأهل له. ولا أرجع: مجزوم بالدعاء أي اللهم لا أرجع. آب: بالمد رجع. غادره: تركه.

مشتهي الثّواء: بضم الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الفوقية وكسر الهاء: أي لا أريد الرجوع، ومن رواه مستنهي بسين مهملة ففوقية فنون فهو مستفعل من النهاية والانتهاء حيث انتهى مثواه، والثّواء بالثاء المثلثة فواو فهمزة ممدودة: الإقامة. البعل: بفتح الموحدة وسكون العين المهملة وباللام: الذي يشرب بعروقه من الأرض. أسافلها رواء: من رواه بكسر الراء فمعناه ممتنعة من الماء ومن رواه بالرفع فهو إقواء. خفقني: ضربني. اللكع: بضم اللام: الأحمق والصغير وغير ذلك، والأول والثاني المراد به، كأنه قال: يا صبيّ. النّصب: بنون فصاد مهملة مفتوحتين فموحدة: التّعب. شعبتي الرّحل: طرفاه المقدّم والمؤخّر. يا زيد: أي ابن أرقم كما ذكر ابن إسحاق، وقال غيره: بل أراد زيد بن حارثة، ويجوز فيه الضمّ والنّصب، وزيد الثاني بالنّصب. اليعملات: بتحتية مفتوحة فعين مهملة ساكنة فميم مفتوحة جمع يعملة وهي الناقة النجيبة المطبوعة على العمل. الذّبل: بذال معجمة مضمومة فموحدة مشدّدة مفتوحة وباللام جمع ذابل وهي التي أضعفها السّير فقلّ لحمها. قال في النور فسرها بالفرد وفيه نظر. هديت: بضم الهاء وكسر الدال المهملة وفتح الفوقية على الخطاب. معان: بفتح الميم كما في المراحل والقاموس وفي عدة نسخ من معجم أبي عبيد البكري بضم الميم، ونقل عنه في الزهر بباء موحدة بعد الألف وبغير همز، كذا قال، ونص في المراحل على أنه مهموز. لخم: بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وبالميم. جذام: بضم الجيم وبالذال المعجمة وبعد الألف ميم. قضاعة: بضم القاف وبالضاد المعجمة وبعد الألف عين مهملة. بلقين: [وهم بنو القين من قضاعة] . بهراء: بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء ومدّ الهمزة. بليّ: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية.

شرح غريب ذكر التحام القتال

إراشة: [من بليّ] . رافلة: براء فألف ففاء مكسورة فلام فتاء تأنيث. يمدّنا: بضم التحتية وكسر الميم. التخوم: بضم الفوقية والخاء المعجمة جمع تخم بضم الفوقية وسكون الخاء المعجمة: الحدّ الذي يكون بين أرض وأرض. وقال ابن الأعرابي وابن السّكّيت: الواحد تخوم [والجمع تخم] كرسول ورسل. مشارف: بفتح الميم وبالشين المعجمة المخففة وبعد الألف راء مكسورة ثم فاء، وظاهر كلام ابن إسحاق أنها غير مؤتة. وقال في الزهر: وليس كذلك بل هما اسمان على مكان واحد. وقال المبرّد: المشرفية سيوف نسبت إلى المشارف من أرض الشام وهو الموضع الملقّب بمؤتة الذي قتل به جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه. الضّبابة: سحاب رقيق كالدخان. الكراع: وزن غراب، وهو هنا جماعة الخيل خاصة. برق بصره: بكسر الراء تحيّر فزعا وأصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره وقوي، برق بفتح الراء من البريق أي لمع. ثابت: بالثاء المثلثة فألف فموحدة ففوقية. أقرم: بفتح أوله وسكون القاف. فتعبّأ: بفتح الهمزة في آخره. عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء وتاء تأنيث. قطبة: بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة. عباية: بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة وبالتحتية آخره. شرح غريب ذكر التحام القتال شاط في رماح القوم: قتل برماحهم. ألحم الرجل واستلحم- بالبناء للمفعول- فيها إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصا وألحمه غيره فيها ولحم إذا قتل فهو ملحوم ولحيم. اقتحم الإنسان: رمى بنفسه في الأمر العظيم من غير رويّة، وقد قيل إن هذا يفعله الفارس من العرب إذا أرهق وعرف أنه مقتول فينزل ويجالد العدوّ راجلا.

عرقب الدّابّة: قطع عرقوبها وهو الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم وبالساق من ذوات الأربع، وهو من الإنسان فويق العقب. العقر: بفتح العين المهملة وسكون القاف وبالراء، وهو هنا ضرب قوائم الدّابّة وهي قائمة بالسيف. اختضنه بعضديه: أخذه بحضنه والحضن ما تحت العضد إلى أسفل منه. قطّعه: بفتح القاف والطاء المهملة المشدّدة، وقطعه بمعنى واحد. أجلب الناس: أصاحوا. الزنّة: بفتح الراء وبالنون المشدّدة الصوت بحزن. النّطفة: الشيء اليسير جدا من الماء. الشّنّة: بفتح الشين المعجمة والنون المشددة: السقاء البالي فيوشك أن تهراق النّطفة وينخرق السقاء، ضرب ذلك مثلا له لنفسه في جسده. الحمام: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم. صليت: بفتح الصاد المهملة وكسر اللام وسكون التحتية. أعطيت: بالبناء للمفعول. فعلهما: يعني زيد بن حارثة وجعفرا. العرق: بفتح العين وسكون الراء وبالقاف: العظم بما عليه من بقية اللحم. انتهس: بكسر أوله وسكون النون وفتح الفوقية وبالسين المهملة: أخذ اللحم بمقدم أسنانه. الحطمة: بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين: ازدحام الناس وحطم بعضهم بعضاً. ثابت: بثاء مثلثة وموحدة وفوقية. أقرم: بفتح أوله وسكون القاف وبالراء والميم. خاشى بهم: بالخاء والشين المعجمتين فاعل من الخشية أي أبقى عليهم وحذر [فانحاز] يقال خاشيت فلانا أي تاركته. انحاز: تنحّى عن موضعه وانحيز عنه بالبناء للمفعول. الشّرذمة: بالكسر القليل من الناس. العطّاف: كشدّاد الذي يكرّ مرة بعد أخرى.

ابن عايذ: بالتحتية والذال المعجمة. الوطيس: شبه التنور أو الضراب في الحرب. والوطيس الذي يطس الناس أي يدقهم وقال الأصمعي هو حجارة مدوّرة إذا حميت لم يقدر أحد يطؤها، ولم يسمع هذا الكلام من أحد قبل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [وهو من فصيح الكلام] عبّر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق. البرقاني: بضم الموحدة فراء فقاف. الأشجعي: [بفتح أوله فشين معجمة فعين مهملة فتحتية] . المددي: بدالين مهملتين جمعه أمداد، وهم من أهل اليمن أي الغزاة الذين يمدّون جيوش الإسلام. صفو الشيء: خلاصته بفتح الصاد لا غير، فإذا ألحقوا التاء ثلثوا الصاد ومنه لكم صفوة أمرهم يعني أن مقاساة جمع المال وحفظ البلاد ومداراة الناس على الأمراء، وللناس أعطياتهم، ثم ما كان من خطأ في ذلك أو غفلة أو سوء فإنه على الأمراء، والناس منه براء. الكدر: بفتح الكاف والدال المهملة ضد الصفاء. في يدي: بكسر الدال. اندقّت: انقطعت. الصفيحة: بصاد مهملة مفتوحة ففاء مكسورة فتحتية ساكنة فحاء مهملة: السيف العريض. يمانية: بتخفيف التحتية الثانية وحكي تشديدها. ابن زافلة: بزاي فألف ففاء مكسورة. الإراشة: منسوب إلى إراشة بكسر الهمزة وبالشين المعجمة. انحطم: انكسر. الجيد: العنق. السّلم: بفتح السين المهملة واللام ضرب من الشجر الواحدة سلمة. رقوقين: قال في الإملاء اسم موضع قال ويروى رقوفين بالفاء بعد الواو وقبل التحتية. قلت ولم أجد له ذكرا فيما وقفت عليه من أسماء الأماكن. يعلى: بفتح التحتية وسكون العين المهملة وفتح اللام. منية: بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية.

المعترك: بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية والراء وبالكاف: المعركة بفتح الميم موضع القتال. الازورار: العدول والانحراف. الصّدود: الإعراض. الفئة: بكسر الفاء وفتح الهمزة قال الراغب الطائفة المتضافرة التي يرجع بعضها إلى بعض، وقال ابن الأثير في الجامع: الفئة الجماعة الذين يرجع إليهم عن موقف الحرب، يجتمعون إليهم إي يفيئون إليهم، انتهى. ولا واحد لها من لفظها، وجمعها فئات، وقد تجمع بالواو والنون. حاص الناس: بحاء وصاد مهملتين: جاءوا منهزمين. العكّار: الكرّار إلى الحرب والعطّاف نحوها، يقال للرجل يولّي عن الحرب ثم يكرّ راجعا إليها عكر واعتكر.

الباب السابع والأربعون في سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان

الباب السابع والأربعون في سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان قال ابن عقبة وابن إسحاق، وابن سعد، ومحمد بن عمر رحمهم الله تعالى واللفظ له: «بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة يريدون أن يدنوا إلى أطراف مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص بعد إسلامه بسنة» . وعند ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرا يستنفر العرب إلى الشام، فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن مر به من العرب: من بليّ [ (1) ] ، وعذرة، وبلقين، وذلك أن عمرا كان ذا رحم فيهم، كانت أم العاص بن وائل بلويّة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بعمرو. وفي حديث بريدة عند إسحاق بن راهويه أن أبا بكر قال: «إن عمرا لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لعلمه بالحرب» . انتهى. وكان معه ثلاثون فرسا، فكان يكمن النهار ويسير الليل حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلاسل ويقال السّلسل وبذلك سمّيت الغزوة ذات السلاسل بلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث عمرو رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن لهم جمعا كثيرا ويستمده. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه، وعقد له لواء، وبعث معه سراة المهاجرين كأبي بكر وعمر بن الخطاب، وعدّة من الأنصار رضي الله تعالى عنهم. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة أن يلحق بعمرو بن العاص وأن يكونا جميعا ولا يختلفا- وكان أبو عبيدة في مائتي رجل حتى لحق بعمرو- فلما قدموا أراد أبو عبيدة أن يؤمّ الناس فقال عمرو: «إنما قدمت عليّ مددا لي وليس لك أن تؤمني وأنا الأمير» . فقال المهاجرون: «كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه» . فقال عمرو:، «لا، أنتم مدد لنا» . فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف وكان رجلا ليّنا حسن الخلق سهلا هيّنا عليه أمر الدنيا، يسعى لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده قال: «يا عمرو تعلمنّ أن آخر شيء عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: «إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك والله إن عصيتني لأطيعنّك» . وأطاع أبو عبيدة عمرا. فكان عمرو يصلي بالناس. وقال عمرو: «فإني الأمير عليك وأنت مددي» . قال: «فدونك» .

_ [ (1) ] انظر معجم البلدان 1/ 586.

وروى الإمام أحمد عن الشعبي مرسلا قال: «انطلق المغيرة بن شعبة إلى أبي عبيدة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعملك علينا وإن ابن فلان قد اتبع أمير القوم فليس لك معه أمر» . فقال أبو عبيدة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نتطاوع فإنا أطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عصاه عمرو» انتهى. فأطاع أبو عبيدة عمرا فكان عمرو يصلي بالناس، وصار معه خمسمائة، فسار حتى نزل قريبا منهم وهم شاقون، فجمع أصحابه الحطب يريدون أن يوقدوا نارا ليصطلوا عليها من البرد، فمنعهم، فشقّ عليهم ذلك، حتى كلمه في ذلك بعض المهاجرين فغالظه. فقال له عمرو: «قد أمرت أن تسمع لي» . قال: نعم. قال: فافعل. وروى ابن حبان، والطبراني برجال الصحيح عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في غزوة ذات السلاسل فسأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم. فكلّموا أبا بكر رضي الله تعالى عنه، فكلّمه فقال: «لا يوقد أحد منهم نارا إلا قذفته فيها» [ (1) ] . وروى الحاكم [ (2) ] عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص في سرية فيهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو ألّا يوقدوا نارا فغضب عمر بن الخطاب وهمّ أن يأتيه، فنهاه أبو بكر وأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب. فهدأ عنه، فسار عمرو الليل وكمن النهار حتى وطئ بلاد العدو ودوّخها كلها حتى انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان به جمع فلما سمعوا به تفرّقوا، فسار حتى إذا انتهى إلى أقصى بلادهم ولقي في آخر ذلك جمعا ليسوا بالكثير، فاقتتلوا ساعة وحمل المسلمون عليهم فهزموهم وتفرّقوا ودوّخ عمرو ما هنا لك وأقام أياما لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه [إلا قاتلهم] . وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنّعم فكانوا ينحرون ويأكلون ولم يكن أكثر من ذلك، لم يكن في ذلك غنائم تقسّم، كذا قال جماعة. قال البلاذري فلقي العدوّ من قضاعة وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين ففضّهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وغنم. وروى ابن حبان والطبراني عن عمرو أنهم لقوا العدوّ، فأراد المسلمون أن يتبعوهم فمنهم. وبعث عمرو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه بشيرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 323 وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال الأول رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه الحاكم 3/ 42 في كتاب المغازي وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

ذكر وصية أبي بكر رضي الله تعالى عنه لرافع بن أبي رافع بن عميرة الطائي رضي الله تعالى عنه

ذكر وصية أبي بكر رضي الله تعالى عنه لرافع بن أبي رافع بن عميرة الطائي رضي الله تعالى عنه روى ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، عن رافع رضي الله تعالى عنه قال: «كنت امرءا نصرانيا وسمّيت سرجس فكنت أدلّ الناس وأهداه بهذا الرمل، كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية، ثم أغير على إبل الناس فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه حتى أمرّ بذلك الماء الذي خبّأت في بيض النّعام فأستخرجه فأشرب منه. فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل» . قال: «فقلت والله لأختارنّ لنفسي صاحبا» . قال: «فصحبت أبا بكر رضي الله تعالى عنه فكنت معه في رحله. وكانت عليه عباءة فدكيّة فكان إذا نزلنا بسطها، وإذا ركبنا لبسها ثم شكّها عليه بخلال له. وذلك الذي يقول أهل نجد- حين ارتدّوا كفّارا- نحن نبايع ذا العباءة» . قال: «فلما دنونا من المدينة قافلين قلت: يا أبا بكر رحمك الله، إنما صحبتك لينفعني الله تعالى بك، فانصحني وعلّمني» . قال: «لو لم تسألني ذلك لفعلت. آمرك أن توحّد الله تعالى ولا تشرك به شيئا وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت وتغتسل من الجنابة ولا تتأمّرنّ على رجلين من المسلمين أبدا» . قال: «قلت يا أبا بكر: أما ما أمرتني به من توحيد الله عز وجل فإني والله لا أشرك به أحدا أبدا، وأما الصلاة فلن أتركها أبدا إن شاء الله تعالى، وأما الزكاة فإن يكن لي مال أؤدّها إن شاء الله تعالى، وأما رمضان فلن أتركه أبدا إن شاء الله تعالى، وأما الحج فإن أستطع أحجّ إن شاء الله تعالى، وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله تعالى، وأما الإمارة فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يصيبون هذا الشرف وهذه المنزلة عند الناس إلا بها فلم تنهاني عنها» ؟. قال: «إنك استنصحتني فجهدت لك نفسي وسأخبرك عن ذلك أن شاء الله أن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعا وكرها، فلما دخلوا فيه أجارهم الله من الظلم، فهم عوّاذ الله وجيرانه وفي ذمته وأمانته، فإياك أن تخفر ذمّة الله في جيرانه فيتبعك الله تعالى في خفرته فإن أحدكم يخفر في جاره فيظل ناتئا عضله غضبا لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير فالله أشدّ غضبا لجاره» . وفي لفظ: «فالله من وراء جاره» . قال: ففارقته على ذلك، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر على الناس قدمت عليه فقلت له: يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمّر على رجلين من المسلمين؟ قال: «بلى وأنا الآن أنهاك عن ذلك» . فقلت له: «فما حملك على أن تلي أمر الناس؟» قال: «اختلف

ذكر احتلام عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه

الناس وخشيت عليهم الهلاك» . وفي رواية: «الفرقة ودعوا إليّ فلم أجد بدّا من ذلك» . ذكر احتلام عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه روى محمد بن عمر، عن أبي بكر بن حزم رحمه الله تعالى قال: «احتلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه حين قفلوا في ليلة باردة كأشد ما يكون البرد، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قد والله احتملت فإن اغتسلت متّ. فدعا بماء وتوضأ وغسل فرجه وتيمّم، ثم قام وصلى بالناس، فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن صلاته فأخبره وقال: والذي بعثك بالحق إني لو اغتسلت لمتّ، لم أجد بردا قط مثله، وقد قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء 29] . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يبلغنا أنه قال له شيئا. وروى أبو داود عن عمرو نحوه وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟» [ (1) ] . ذكر قصة عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه في الجزور روى البيهقي من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب [ (2) ] قال: حدثت عن عوف بن مالك. ومن طريقين عن سعيد بن أبي أيوب [ (3) ] وابن لهيعة [ (4) ] عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط [ (5) ] أخبره عن مالك بن هرم أظنه عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه واللفظ لابن إسحاق، قال: «كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص، وهي غزوة ذات السلاسل، فصحبت أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فمررت بقوم وهم على جزور قد نحروها وهم لا يقدرون على أن يبعّضوها. وكنت امرأ [لبقا] جازرا. فقلت

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (334) وأحمد في المسند 4/ 203 والبيهقي في السنن 1/ 225 والدلائل 4/ 402 والحاكم في المستدرك 1/ 117 والدارقطني 1/ 178. [ (2) ] يزيد بن أبي حبيب مولى شريك بن الطّفيل الأزدي أبو رجاء المصري عالمها عن عبد الله بن الحارث بن جزء، وأبي الخير اليزني، وعطاء وطائفة. وعنه يزيد بن أبي أنيسة وحيوة بن شريح، ويحيى بن أيوب وخلعه قال ابن يونس: كان حليما عاقلا، وقال الليث: يزيد عالمنا وسيدنا. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث مات سنة ثمان وعشرين ومائة الخلاصة 3/ 167. [ (3) ] سعيد بن أبي أيوب الخزاعي مولاهم أبو يحيى بن مقلاص بكسر الميم، وسكون القاف وآخره صاد مهملة المصري. عن جعفر بن ربيعة ويزيد بن أبي حبيب. وعنه ابن جريج، وابن وهب، وثقه ابن معين. وقال ابن يونس: توفي سنة إحدى وستين ومائة. الخلاصة 1/ 374. [ (4) ] عبد الله بن لهيعة بن عقبة المصري الفقيه أبو عبد الرحمن قاضي مصر ومسندها. وروى عن عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، والأعرج، وخلق. وعنه الثوري، والأوزاعي، وشعبة وماتوا قبله، والليث وهو أكبر منه، وابن المبارك، وخلق. وثقه أحمد وغيره. وضعفه يحيى القطان وغيره. مات سنة أربع وسبعين ومائة طبقات السيوطي 107. [ (5) ] ربيعة بن لقيط، ذكره أبو الحسن العسكري في الأفراد انظر أسد الغابة 3/ 217.

تنبيهات

لهم: أتعطوني منها عشيرا على أن أقسمها بينكم؟ قالوا: نعم. فأخذت الشّفرة فجزأتها مكاني وأخذت جزءا، فحملته إلى أصحابي فاطّبخناه وأكلناه. فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما: أنى لك هذا اللحم يا عوف؟ فأخبرتهما. فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا. ثم قاما يتقيّآن ما في بطونهما منه. فلما قفل الناس [من ذلك السفر] . كنت أوّل قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم- وفي رواية مالك بن هرم: ثم أبردوني في فيج لنا فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئته وهو يصلّي في بيته فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال: «أعوف بن مالك؟» فقلت: نعم، بأبي أنت وأمي. فقال: «أصاحب الجزور؟» ولم يزدني على ذلك شيئا. وليس في رواية مالك بن هرم أنهما أكلا بل ذكر لأبي بكر فيها. زاد محمد بن عمر: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأخبرني» . فأخبرته بما كان من سيرنا وما كان بين أبي عبيدة بن الجرّاح وعمرو بن العاص ومطاوعة أبي عبيدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أبا عبيدة بن الجراح» [ (1) ] . وروى ابن حبان، والطبراني عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أن الجيش لما رجعوا ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منعي لهم من إيقاد النار ومن اتّباعهم العدوّ فقلت: يا رسول الله إني كرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوّهم قلتهم وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم. فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره. وروى البخاري عن أبي عثمان النهدي رحمه الله تعالى، موقوفا عليه، ومسلم والإسماعيلي والبيهقي عنه قال: سمعت عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل، وفي القوم أبي بكر، وعمر، فحدثت نفسي إنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة عنده. قال: فأتيته حتى قعدت بين يديه وقلت: يا رسول الله من أحبّ الناس؟ قال: «عائشة» . قلت: إني لست أسألك عن أهلك. قال: «فأبوها» . قلت: ثم من؟ قال: «عمر» . قلت: ثمّ من؟ حتى عدّ رهطا. قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا، وفي رواية الشيخين: فسكتّ مخافة أن يجعلني في آخرهم [ (2) ] . تنبيهات الأول: السلاسل بسينين مهملتين الأولى مفتوحة على المشهور الذي جزم به أبو عبيد البكري، وياقوت، والحازمي، وصاحب القاموس، والسيد وخلق لا يحصون، والثانية مكسورة واللام مخففة. وقال ابن الأثير بضم السين الأولى. وقال في زاد المعاد بضم السين وفتحها لغتان كذا قال. وصاحب القاموس مع اطلاعه لم يحك في الغزوة إلا الفتح، وعبارته: «السّلسل

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 402 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 50. [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 6 ومسلم في كتاب الفضائل (7) وأحمد في المسند 4/ 203 والبيهقي في السنن 6/ 170.

كجعفر وخلخال الماء العذب أو البارد كالسّلاسل بالضم» . ثم قال: «وتسلسل الماء جرى في حدور ... والسّلسلة اتصال الشيء بالشيء، والقطعة الطويلة من السّنام، ويكسر، وبالكسر دائر من حديد ونحوه. والسلاسل رمل يتعقد بعضه على بعض وينقاد.. وثوب مسلسل فيه وشيء مخطّط، وغزوة ذات السّلاسل هي وراء وادي القرى» . وقال النووي في التهذيب: أظن أن ابن الأثير استنبطه من صحاح الجوهري من غير نقل عنده فيه ولا دلالة في كلامه. قلت وعبارة الجوهري: «وماء سلسل وسلسال سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه، والسّلاسل بالضّمّ مثله، ويقال معنى يتسلسل أنه إذا جرى أو ضربته الريح يصير كالسّلسلة» . وقال ابن إسحاق وجمع: «هو ماء بأرض جذام وبه سمّيت الغزوة» . وقال أبو عبيد البكري: «ذات السّلاسل بفتح أوله على لفظ جمع سلسلة رمل بالبادية» . انتهى. فعلى هذا سمّي المكان بذلك لأن الرمل الذي كان به كان بعضه على بعض كالسّلسلة. وأغرب من قال: سميت الغزوة بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يغزوا. الثاني: ذكر الجمهور ومنهم ابن سعد إنها كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان. وقيل كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد في صحيح التاريخ. الثالث: نقل النووي في تهذيبه، والحافظ في الفتح عن الحافظ أبي القاسم بن عساكر أنه نقل الاتفاق، على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق قال قبلها قال الحافظ: وهو قضيّة ما ذكر عن ابن سعد وابن أبي خالد. قلت: أما أنه قضيّة ما ذكر عن ابن سعد فغير واضح فإن ابن سعد قال كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وذكر في غزوة مؤتة إنها كانت في جمادى الأولى سنة ثمان. وأما ما نقل عن ابن إسحاق فالذي في رواية زياد البكّائي تهذيب ابن هشام عن ابن إسحاق تأخر غزوة ذات السلاسل عن مؤتة بعدة غزوات وسرايا، ولم يذكر أنها كانت قبل مؤتة فيحتمل أنه نصّ على ما ذكره ابن عساكر في رواية غير زياد. الرابع: ليس في تأمير رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما تفضيله عليهما بل السبب في ذلك معرفته بالحرب كما ذكر ذلك أبو بكر لعمر كما في حديث بريدة، فإن عمرا كان أحد دهاة العرب، وكون العرب الذين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعين بهم أخوال أبيه كما ذكر في القصة فهم أقرب إجابة إليه من غيره. وروى البيهقي عن أبي معشر عن بعض شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّي لأؤمر الرجل على القوم وفيهم من هو خير منه لأنه أيقظ عينا وأبصر بالحرب» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 400.

الخامس: في حديث بريدة أن عمر أراد أن يكلم عمرا لما منع الناس أن يوقدوا نارا. وفي حديث عمرو أن أبا بكر كلّم عمرا في ذلك. ويجمع بين الحديثين بأن أبا بكر سلّم لعمرو أمره ومنع عمر بن الخطاب من كلامه، فلما ألحّ الناس على أبي بكر في سؤاله سأله حينئذ فلم يجبه ويحتمل أن منع أبي بكر لعمر بن الخطاب كان بعد سؤال أبي بكر لعمرو. السادس: قال في الروض: «إنما كره أبو بكر وعمر رضي اللَّه تعالى عنهما أجرة مجهولة لأن العشير واحد الأعشار على غير قياس. أو بمعنى العشر [كالثمين بمعني الثمن] ولكنه عاملهم عليه قبل إخراج الجزور من جلدها وقبل النظر إليها أو يكونا كرها أجر الجزّار على كل حال واللَّه أعلم» . السابع: في بيان غريب ما سبق: قضاعة: بضم القاف وبالضاد المعجمة والعين المهملة. السّراة: بفتح السين المهملة جمع سريّ بفتح أوله وكسر الراء وهو الشريف أو ذو المروءة والسخاء. بليّ: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية. عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء. بلقيسن: بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح القاف وسكون التحتية وبالسين والنون يعني بني القيس وهو من شواذ التخفيف وهم من بني أسد، وإذا نسبت إليهم قلت قيسيّ ولا تقل بقليس. كمن النهار: استتر فيه واختفى. رافع: بالراء والفاء. مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة. الجهني: بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون. المدديّ: منسوب إلى المدد وجمعه أمداد وهم الغزاة الذين يمدّون جيوش الإسلام. الشيّمة: بكسر الشين المعجمة: الغريزة والطبيعة والجبلّة التي خلق عليها الإنسان. يصطلون: يستدفئون والاصطلاء افتعال من صلا النار والتّسخن بها.

قذف: الشيء: رماه. بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية. هدأ عنه: بفتح الهاء والدال المهملة والهمز: سكن. دوّخ البلاد: بفتح الدال المهملة وتشديد الواو وبالخاء المعجمة: قهر واستولى. عاملة: بعين مهملة وبعد الألف ميم مكسورة حيّ من قضاعة. فضّهم: بفتح الفاء والضاد المعجمة الساقطة المشددة أي فرّق جمعهم وكسرهم. قفل: بفتح القاف والفاء واللام: رجع. والقفول بضم القاف والفاء: الرجوع. سرجس: بفتح السين المهملة وسكون الراء وكسر الجيم وبالسين المهملة: اسم أعجمي لا ينصرف. الرّحل: بفتح الراء وسكون الحاء المهملة وباللام، وهو هنا منزل الشخص ومسكنه وبيته الذي فيه أثاثه ومتاعه. العباية: بالمثناة التحتية والعباة والعبا ممدودين: كساء معروف. فدكيّة: من عمل فدك بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف. شكّها: انتظمها. الخلال: بالخاء المعجمة وزن كتاب: العود يخلّل به الثوب والأسنان وخللت الرداء خلّا من باب قتل ضممت طرفيه بخلال. جهدت لك نفسي: أي [بذلت وسعي] . العوّاذ: بضم العين المهملة وتشديد الواو وبالذال المعجمة: وهو (جمع العائذ) الملتجئ والمستجير. الذمّة: العهد والأمان. تخفر: بضم الفوقية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء وبالراء: تنقض العهد يقال أخفرته نقضت عهده. وخفرته أخفره بكسر الفاء وأخفره بالضمّ خفارة مثلثة أجرته من ظالم فأنا خفير، أمّنته ومنعته وبالعهد وفيت له فهو من الأضداد. يظلّ: بفتح التحتية والظاء المعجمة المشالة: يصير.

ناتئا: منتفخا مرتفعا. عضله: منعه ظلما، وعضل عليه ضيّق وبه الأمر اشتدّ. لهيعة: بفتح اللام وكسر الهاء وسكون التحتية وفتح العين المهملة فتاء تأنيث. ابن أبي حبيب: بالحاء المهملة. لقيط: بفتح اللام وكسر القاف وسكون التحتية وبالطاء المهملة. هرم: بفتح الهاء وكسر الراء. الجزور: بفتح الجيم وضم الزاي وسكون الواو وبالراء الإبل خاصة تقع على الذكر والأنثى إلا أن اللفظ مؤنثة والجمع جزر بضمّتين. بعّضوها: بعاضا أي أجزاء. ابن حبّان: بكسر الحاء المهملة وبالموحدة. النّهدي: بفتح النون المشددة وسكون الهاء وبالدال المهملة.

الباب الثامن والأربعون في سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه يرصد عيرا لقريش عند محمد بن عمر، وابن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله ومن معه لحي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر وتعرف بسرية الخبط وسرية سيف البحر. قال جمهو

الباب الثامن والأربعون في سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي اللَّه تعالى عنه يرصد عيرا لقريش عند محمد بن عمر، وابن سعد، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أرسله ومن معه لحي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر وتعرف بسريّة الخبط وسرية سيف البحر. قال جمهور أئمة المغازي كانت في رجب سنة ثمان. روى البخاري من طرق عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنهما، ومسلم من طرق أخر عنه، وابن إسحاق عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه تعالى عنه قال جابر رضي اللَّه تعالى عنه: «بعثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثمائة راكب، زاد محمد بن عمرو ابن سعد، والقطب من المهاجرين والأنصار فيهم عمر بن الخطاب» [ (1) ] . انتهى. قال جابر: وأمر علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح نرصد عيرا لقريش، وزوّدنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكنا ببعض الطريق، وفي رواية فأقمنا بالساحل نصف شهر ففني الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكن مزود تمر، وكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا. وفي رواية فكان يعطينا قبضة قبضة، ثم صار يعطينا تمرة تمرة حتى فني. قيل كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: كنّا نمصّها كما يمصّ الصبي [الثدي] ، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل. وفي رواية وهب بن كيسان قلت لجابر ما تغني عنكم تمرة، قال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. وفي حديث عبادة بن الصامت: فقسمها يوما بيننا فنقصت تمرة عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم فأصابنا جوع شديد وكنا نضرب بعصيّنا الخبط ثم نبلّه بالماء. وفي رواية عبادة بن الوليد [ (2) ] بن عبادة ابن الصامت، رضي اللَّه تعالى عنهما، وكان قوت كل منا في كل يوم تمرة فكان يمصّها ثم يصرّها في ثوبه، وكنا نخبط بقسيّنا ونأكل حتى تقرّحت أشداقنا. فأقسم أخطأها رجل منا يوما فإن انقلب به تنعشه، فشهدنا له أنه لم يعطها فأعطيها فقام فأخذها، انتهى، زاد محمد بن عمر: حتى أن شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير انتهى. فمكثنا على ذلك أياما، وعند أبي بكر، ومحمد بن الحسن بن علي المقري عن جابر: كنا نأكل الخبط ثلاثة أشهر، انتهى. حتى قال قائلهم لو لقينا عدوا ما كان بنا حركة إليه لما نالنا من الجهد.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (61/ 43) . [ (2) ] عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري المدني. عن جده، وأبيه، وأبي أيوب وجابر. وعنه يحيى بن سعيد، وعبيد اللَّه بن عمرو. وثقه أبو زرعة والنسائي. الخلاصة 2/ 33.

وفي مغازي محمد بن عمر، والغيلانيات: فقال قيس بن سعد بن عبادة [ (1) ] : من يشتري مني تمرا بجزور نحرها هاهنا وأوفيه الثمن بالمدينة؟ فجعل عمر بن الخطاب يقول: وا عجباه لهذا الغلام لا مال له يدين في مال غيره. فوجد قيس رجلا من جهينة فقال قيس: بعني جزورا وأوفيك ثمنه من تمر بالمدينة. قال الجهني: واللَّه ما أعرفك فمن أنت؟ قال: أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم. قال الجهنيّ: ما أعرفني: بنسبك إن بيني وبين سعد خلّة سيد أهل يثرب، فابتاع منه خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر، واشترط عليه البدوي تمر ذخرة من تمر آل دليم، فقال قيس: نعم. قال الجهني: أشهد لي. فأشهد له نفرا من الأنصار ومعهم نفر من المهاجرين. فقال عمر بن الخطاب: لا أشهد، هذا يدان ولا مال له إنما المال لأبيه. فقال الجهنيّ: واللَّه ما كان سعد ليخني بابنه في شقة من تمر وأرى وجها حسنا وفعلا شريفا. فأخذ قيس الجزر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة كل يوم جزورا. فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره وقال: تريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك. وفي حديث جابر عن الشيخين: نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم ثلاث جزائر ثم أن أبا عبيدة نهاه. وروى محمد بن عمر عن رافع بن خديج [ (2) ] رضي اللَّه تعالى عنه أن أبا عبيدة قال لقيس: عزمت عليك ألا تنحر، أتريد أن تخفر ذمّتك ولا مال لك؟ فقال قيس: يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس ويحمل الكلّ ويطعم في المجاعة لا يقضي عني شقّة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل اللَّه؟ فكاد أبو عبيدة يلين له وجعل عمر يقول أعزم عليه فعزم عليه وأبي عليه أن ينحر فبقيت جزوران فقدم بهما قيس المدينة يتعاقبون عليهما. وبلغ سعد بن عبادة ما كان أصاب الناس من المجاعة فقال: «إن يكن قيس كما أعرف فسوف ينحر القوم» انتهى. قال جابر: وانطلقنا على ساحل البحر فألقى إلينا البحر دابة يقال لها العنبر، وفي لفظ حوتا لم نر مثله كهيئة الكثيب الضخم، وفي رواية مثل الضريب الضخم فأتيناه فأكلنا منها. وفي لفظ منه نصف شهر. وفي رواية عند البخاري ثماني عشرة ليلة. وفي رواية عند مسلم شهرا، ونحن ثلاثمائة حتى سمنّا وادّهنّا من ودكه حتى ثابت منه أجسادنا وصلحت ولقد رأيتنا

_ [ (1) ] قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي أبو الفضل، صحابي له ستة عشر حديثا اتفقا على حديث، وانفرد البخاري له بطرف من حديث آخر. وعنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو تميم الجيشاني. قال: أنس كان قيس بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وقال عمرو بن دينار: كان إذا ركب الحمار خطبت رجلاه في الأرض. مات في خلافة معاوية بالمدينة. وله في الجود حكايات. الخلاصة 2/ 356. [ (2) ] رافع بن خديج بن رافع بن عديّ بن يزيد بن جشم بن حارثة الأوسي، صحابي شهد أحدا وما بعدها، له ثمانية وسبعون حديثا. اتفقا على خمسة. وانفرد (م) بثلاثة. وعنه ابنه رفاعة، وبشير بن يسار وسليمان بن يسار وطاوس. قال خليفة: مات سنة أربع وسبعين. الخلاصة 1/ 314.

تنبيهات

نغترف من وقب عينيه بالقلال: الدهن وأخرجنا من عينيه كذا وكذا قلّة ودك ونقطع منه القدر كالثور أو كقدر الثور. وأمر أبو عبيدة بضلع من أضلاعه فنصب. وفي رواية: ضلعين فنصبا، ونظر إلى أطول رجل في الجيش- أي وهو قيس بن سعد بن عبادة فيما يظنه الحافظ- وأطول جمل فحمله عليه ومرّ من تحته راكبا فلم يصبه أو يصبهما. وتزودنا من لحمه وسائق، وفي رواية أبي حمزة الخولاني وحملنا منه ما شئنا من قديد وودك في الأسقية انتهى. قال جابر: فلما قدمنا المدينة أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال: «رزق أخرجه اللَّه تعالى لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟» قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه فأكله، وفي رواية: فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله. وفي رواية أبي حمزة الخولاني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأجبنا لو كان عندنا منه» [ (1) ] . وفي مغازي محمد بن عمر، والغيلانيات: فلما قدم قيس بن سعد بن عبادة لقيه أبوه فقال: ما صنعت في مجاعة القوم حيث أصابتهم؟ قال: نحرت، قال أصبت ثم ماذا؟ قال نحرت قال: أصبت ثم ماذا؟ قال نهيت. وفي الصحيح عن أبي صالح ذكوان السّمّان إن قيس بن سعد بن عبادة قال لأبيه. وفي مسند الحميدي عن أبي صالح عن قيس قلت لأبي: كنت في الجيش فجاعوا. قال: أنحرت؟ قال: نحرت. قال ثم جاعوا قال: أنحرت؟ قال: نهيت. وفي مغازي محمد بن عمر، والغيلانيات قال: من نهاك؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح. قال: ولم؟ قال: زعم أنه لا مال لي وإنما المال لأبيك. قال: لك أربعة حوائط أدنى حائط منها تجد منه خمسين وسقا. وكتب بذلك كتابا وأشهد أبا عبيدة وغيره. وقدم الجهني مع قيس فأوفاه أو سقه وحمله وكساه. وعند ابن خزيمة عن جابر قال: بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل قيس فقال: «إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت» . انتهى. وجاء سعد بن عبادة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: من يعذرني من ابن الخطاب يبخل عليّ ابني [ (2) ] . تنبيهات الأول: قال جماعة من أهل المغازي كانت هذه السرية سنة ثمان. قال في زاد المعاد، والبداية والنور: وفيه نظر لما رواه الشيخان من حديث جابر رضي اللَّه تعالى عنه أن

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 311 عبد الرزاق (8668) . [ (2) ] ذكره العراقي في تخريجه على الأحياء 3/ 246 وقال: أخرجه الدارقطني وفيه من رواية أبي حمزة الحميري عن جابر ولا يعرف اسمه ولا حاله.

رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش، وظاهر هذا الحديث أن هذه السرية كانت قبل الهدنة بالحديبية، فإنه من حين صالح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قريشا لم يكن ليرصد لهم عيرا بل كان زمن أمن وهدنة إلى حين الفتح. ويبعد أن تكون سرية الخبط على هذا الوجه اتفقت مرتين مرة قبل الصلح ومرة بعده. قلت وسيأتي في الثالث من كلام الحافظ ما يروي الغليل. الثاني: قال في الهدي: قول من قال إنها كانت في رجب وهم غير محفوظ، إذ لم يحفظ عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه غزا في الشهر الحرام ولا أغار فيه ولا بعث فيه سرية، وقد عيّر المشركون المسلمين بقتالهم في أول رجب في قصة العلاء بن الحضرمي، وقالوا: استحل محمد الشهر الحرام وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة 217] ولم يثبت نسخ هذا بنصّ يجب المصير إليه ولا أجمعت الأمة على نسخة. قال [البرهان] في النور: وهو كلام حسن مليح لكنه على ما اختاره من عدم نسخ القتال في الشهر الحرام وسلفه عطاء وأهل الظاهر وشيخه أبي العبّاس بن تيمية وهو خلاف ما عليه المعظم. وقوله في قصة العلاء بن الحضرمي صوابه عمرو بن الحضرمي أخو العلاء والعلاء ليس صاحب هذه السرية بل صاحبها وأميرها عبد اللَّه بن جحش. الثالث: قال في الفتح: لا يغاير ما في الصحيح أن هذه السرية بعثها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لترصد عيرا لقريش، وما ذكره ابن سعد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثهم لحيّ من جهينة وأن ذلك كان في شهر رجب لإمكان الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيّا من جهينة، ويقوّي هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيدة اللَّه بن مقسم عن جابر قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثا إلى أرض جهينة، فذكر القصة. لكن تلقي عير قريش ما يتصوّر أن يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان لأنهم حينئذ كانوا في الهدنة بل يقتضي ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست، أو قبلها قبل الهدنة يحتمل أن يكون تلقّيهم العير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة. ولهذا لم يقع في شيء من طرق الخبر أنهم قاتلوا أحدا بل أنهم أقاموا نصف شهر وأكثر في مكان واحد واللَّه تعالى أعلم. الرابع: وقع في رواية أبي حمزة الخولاني عن جابر عن ابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة أن أمير هذه السرية قيس بن سعد بن عبادة. قال الحافظ: والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات الصحيحين أنه أبو عبيدة بن الجراح. وكان أحد الرواة ظنّ من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزاة ما صنع من نحر الإبل التي نحرها أنه كان أمير السرية وليس كذلك. الخامس: ظاهر قول جابر: «بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثا فخرجنا وكنا ببعض الطريق فني

الزاد إلخ» . أنه كان لهم زاد بطريق العموم وزاد بطريق الخصوص. فلما فني الذي بطريق العموم اقتضي رأي أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم ففعل فكان جميعه مزودا واحدا. ووقع عند مسلم في رواية الزبير عن جابر: «بعثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمّر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره. فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة [ (1) ] » . وظاهره مخالف لهذه الرواية. ويمكن الجمع بأن الزاد العام كان قدر جراب. فلما تعدد وجمع أبو عبيدة الزاد الخاص اتفق أنه صار قدر جراب، ويكون كل من الروايين ذكر ما لم يذكر الآخر. وأما تفرقة ذلك تمرة تمرة، فكان في ثاني الحال. وقد روى البخاري في الجهاد من طريق وهب بن كيسان عن جابر: «خرجنا ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا ففني زادنا حتى كان الرجل منا يأكل [كل يوم] تمرة» . وأما قول عياض: «يحتمل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور» فمردود لأن حديث جابر الذي صدر به البخاري صريح في أن الذي اجتمع من أزوادهم كان مزود تمر. ورواية أبي الزبير صريحة في أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم زوّدهم جرابا من تمر فيصح أن التمر كان معهم من غير الجراب. وأما قول غيره يحتمل أن يكون تفرقته عليهم تمرة تمرة كان من الجراب النبوي صلى اللَّه عليه وسلم قصدا للبركة، وكان يفرق عليهم من الأزواد التي اجتمعت أكثر من ذلك فبعيد من ظاهر السياق، بل في رواية هشام بن عروة عند ابن عبد البر. فقلّت أزوادنا حتى كان يصيب الرجل منا التمرة. السادس: في رواية وهب بن كيسان عن جابر: «فأكل منه القوم ثماني عشرة ليلة» . وفي رواية عمرو بن دينار: «فأكلنا منه نصف شهر» . وفي رواية أبي الزبير: «فأقمنا عليها شهرا» . ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال: ثماني عشرة، ضبط ما لم يضبط غيره أو أن من قال نصف شهر ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهرا جبر الكسر وضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها. ورجّح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة. قال ابن التين: إحدى الروايتين وهم. ووقع في رواية الحاكم: اثنا عشر يوما، وهي شاذّة وأشذ منها رواية الخولاني: أقمنا قبلها ثلاثا. ولعل الجمع الذي ذكرته أولى. السابع: لا تخالف رواية أبي حمزة الخولاني رواية أبي الزبير في لحم الحوت لأن رواية أبي حمزة تحمل علي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ذلك ازديادا منه بعد أن أحضروا له منه ما ذكر، أو قال ذلك قبل أن يحضروا له منه، وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه صلى اللَّه عليه وسلم.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1535 (17- 1935) .

الثامن: وقع في آخر صحيح مسلم من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم. فذكر الحديث، وفيه فرأينا جابر بن عبد الله في مسجده. الحديث. وفيه سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط. الحديث. وفيه سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكان قوت كل أحد منا في كل يوم تمرة. الحديث. وفي آخره: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «عسى اللَّه أن يطعمكم» . فأتينا سيف البحر، فزجر البحر زجرة فألقى دابّة، فأورينا على شقّها النار فاطّبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا. قال جابر: فدخلت أنا وفلان حتى عدّ خمسة في فجاج عينها ما يرانا أحد، وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوّمناه ودعونا أعظم رجل في الرّكب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطئ رأسه. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: وظاهر سياقه أن ذلك وقع في غزوة لهم مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لكن يمكن حمل قوله: فأتينا سيف البحر على أنه معطوف على شيء محذوف تقديره: فبعثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، في سفر فأتينا إلخ، فتتحد مع القصة التي في صحيح البخاري. التاسع: في بيان غريب ما سبق: يرصد: بفتح التحتية. العير: بكسر العين المهملة وبالراء الإبل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة. الحيّ الواحد من أحياء العرب يقع على بني أب كثروا أم قلّوا، وعلى شعب يجمع القبائل من ذلك. جهينة: بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون فتاء تأنيث. القبليّة: بفتح القاف والموحدة. ساحل البحر: شاطئه وهو جانبه. الخبط: بفتح الخاء المعجمة والموحدة ما سقط من ورق الشجر إذا خبط بالعصا لتعلفه الإبل. سيف البحر: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبالفاء جانبه. عبادة: بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة. الصامت: بلفظ اسم الفاعل. الجراب: بكسر الجيم، قال في التقريب وقد تفتح. المزود: بكسر الميم وعاء التمر من أدم.

يقوتنا، بفتح الفوقية وضم القاف والتخفيف من الثلاثي، وبضم التحتية والتشديد من التقويت ومنعه ابن السّكّيت- بكسر السين المهملة والكاف المشددة وسكون التحتية فتاء. العصيّ: بضم العين وكسر الصاد المهملتين جمع عصا. يمصّها: بفتح الميم وحكى ضمها. تخبط: الشجرة تضربها فيتحاتّ ورقها فتأكله (الإبل) . القسيّ: بكسر القاف جمع قوس. تقرّحت: تجرّحت من خشونة الورق وحرارته. الشدق: بفتح الشين المعجمة وكسرها وسكون الدال المهملة وبالقاف جانب الفم. فأقسم: أحلف. أخطأها: فاتته ومعناه أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم، فيعطي كل إنسان تمرة كل يوم، فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانا فلم يعطه تمرته وظنّ أنه أعطاه فتنازعا في ذلك، فذهبنا معه وشهدنا له أن لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة. فنعشه: فرفعه وتقيمه من شدة الضعف والجهد أو معناه تشد جانبه في دعواه وتشهد له. مشفر البعير: بكسر الميم كالجحفلة من الفرس وهو لذي الحافر كالشفة للإنسان. ناله: أصابه. الجهد: بفتح الجيم- وتضم- وبالدال: المشقة، وقيل بالفتح المشقة وبالضم الطاقة. الغيلانيات: أجزاء من الحديث منسوبة لابن غيلان من المحدثين. الجزور: بفتح الجيم من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى والجمع جزر بضمتين. شقّة من تمر [أي قطعة تشقّ منه] . دليم: بضم الدال المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وبميم. أما: بفتح الهمزة وتخفيف الميم. يخني به بضم التحتية وسكون المعجمة وبالنون يسلمه. فعلا: بكسر الفاء وسكون العين. وفي نسخة من العيون فعالا بفتح الفاء أي الكرم ولهذا وصفه بالمفرد فقال شريفا. ولو أراد الفعال بكسر الفاء الذي هو جمع فعل لقال شريفة. خديج: بخاء معجمة فدال مهملة فتحتية فجيم وزن عظيم.

عزم عليه: أمره أمر جدّ بكسر الجيم. أخفره: إذا نقض عهده واختفره إذا وفي له بالعهد والمراد الأول. الذّمّة: بكسر الذال المعجمة تفسّر تارة بالعهد والأمان وتارة بالضمان. أبو ثابت: بثاء مثلثة وموحدة: كنية سعد بن عبادة. الكلّ: بفتح الكاف وتشديد اللام: وهو الإعياء ثم استعمل في كل ضائع وأمر ثقيل. الدّابّة: بالدال المهملة وتشديد الموحدة: كل حيوان في الأرض ويطلق على الذكر والأنثى. العنبر: بلفظ المشموم: حوت كبير بليغ طوله خمسون ذراعا فأكثر. الحوت: اسم جنس لجميع السمك وقيل مخصوص بما عظم منها. الكثيب: بفتح الكاف وكسر الثاء المثلثة التّلّ من الرمل. الظّرب: بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر الراء وبالموحدة الجبل الصغير. الضّخم: بفتح الضاد وسكون الخاء المعجمتين: العظيم. الودك: بفتح الواو والدال المهملة: الشحم. ثابت: بثاء مثلثة وموحدة ففوقية: رجعت. الوقب: بفتح الواو وسكون القاف والموحدة النّقرة التي تكون فيها الحدقة. القلال: بكسر القاف جمع قلّة وهي هنا [الحبّ العظيم] . القدر: بكسر القاف وفتح الدال المهملة جمع قدرة بفتح فسكون: وهي القطعة من اللحم ومن غيره. الثّور: بالثاء المثلثة الذكر من البقر، والأنثى ثورة والجمع ثيران وأثوار وثيرة مثل عنبة. الضلع: بكسر الضاد المعجمة وسكون اللام تؤنّث وجمعها أضلع وضلوع وهي عظام الجنبين. وقوله بضلعين فنصبا، الوجه فنصبتا، وكأنه أوّله بعظمين أو عضوين. ونحو ذلك وأن التأنيث غير حقيقي فيجوز التذكير. لم يروح: لم ينتن. المجامعة: والمجموعة بفتح الميم من الجوع ضد الشّبع. نهيت: بالبناء للمفعول. ذكوان: بفتح الذال المعجمة.

الحوائط: جمع حائط وهو هنا البستان. أوفى: بمعنى أتمّ. يجذّ: يقال جذذت التمر وغيره قطعته وهذا زمن الجذاذ. الشّيمة: بكسر الشين المعجمة: الغريزة والطبيعة والجبلّة. يبخّل عليّ ولدي [أي رماه بالبخل] . الهدنة: بضم الهاء وسكون الدال المهملة وبضمها: الصلح والموادعة بين المتماريين. الغليل: بفتح الغين المعجمة. العطشان. مقسم: بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة. الكفل: بكسر الكاف وسكون الفاء وباللام هنا الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط.

الباب التاسع والأربعون في سرية أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى خضرة ووقعة ابن أبي حدرد في شعبان سنة ثمان.

الباب التاسع والأربعون في سرية أبي قتادة الأنصاري رضي اللَّه تعالى عنه إلى خضرة ووقعة ابن أبي حدرد في شعبان سنة ثمان. روى ابن إسحاق، والإمام أحمد، ومحمد بن عمر عن عبد اللَّه بن أبي حدرد الأسلمي رضي اللَّه تعالى عنه قال: تزوجت ابنة سراقة بن حارثة النّجّاري وقد قتل ببدر، فلم أصب شيئا من الدنيا كان أحب إلى من نكاحها، وأصدقتها مائتي درهم، فلم أجد شيئا أسوقه إليها، فقلت: على اللَّه تعالى ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم المعوّل. فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته، فقال: «كم سقت إليها؟» فقلت: مائتي درهم يا رسول اللَّه. فقال: «سبحان اللَّه واللَّه لو كنتم تغترفونه من ناحية بطحان- وفي رواية- «لو كنتم تغترفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم» . فقلت: يا رسول اللَّه أعنّي على صداقها. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكن قد أجمعت أن أبعث أبا قتادة في أربعة عشر رجلا في سرية فهل لك أن تخرج فيها؟ فإني أرجو أن يغنمك اللَّه مهر امرأتك» . فقلت: نعم [ (1) ] . وعند ابن إسحاق: فلبثت أياما ثم أقبل رجل من بني جشم حتى نزل بقومه وبمن معه الغابة يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وكان ذا اسم وشرف في جشم. فدعاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورجلين من المسلمين فقال: «اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوني منه بخبر وعلم» . وقدّم لنا شارفا عجفاء يحمل عليها أحدنا فو اللَّه ما قامت به [ضعفا] حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت، ثم قال: «تبلّغوا عليها واعتقبوها» . وفي حديث محمد بن عمر، وأحمد واللفظ للأول: فخرجنا ومعنا سلاحنا من النّبل والسيوف فكنا ستة عشر رجلا بأبي قتادة وهو أميرنا. فبعثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى غطفان نحو نجد. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «سيروا الليل واكمنوا النهار وشنّوا الغارة ولا تقتلوا النساء والصبيان» . قال: فخرجنا حتى جئنا ناحية غطفان. وفي حديث أحمد: فخرجنا حتى جئنا الحاضر ممسين، فلما ذهبت فحمة العشاء قال محمد بن عمر قال: وخطبنا أبو قتادة وأوصانا بتقوى اللَّه تعالى وألّف بين كل رجلين وقال: «لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إليّ فيخبرني خبره، ولا يأتينّ رجل فأسأله عن صاحبه فيقول لا علم لي به، وإذا كبّرت فكبّروا، وإذا حملت فاحملوا ولا تمعنوا في الطلب» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 448 والبيهقي في السنن 7/ 235 والحاكم في المستدرك 2/ 178 وذكره الهيثمي في المجمع 4/ 282.

فأحطنا بالحاضر، فسمعت رجلا يصرخ: يا خضرة، فتفاءلت وقلت: لأصيبن خيرا ولأجمعنّ إليّ امرأتي، وقد أتيناهم ليلا. قال فجردّ أبو قتادة سيفه وكبّر، وجردنا سيوفنا وكبّرنا معه فشددنا على الحاضر وقاتلنا رجالا، وإذا أنا برجل طويل قد جرد سيفه وهو يمشي القهقرى، مرة يقبل عليّ بوجهه، ومرّة يدبر عنّي بوجهه، كأنه يريد أن يستطردني فأتبعه، ثم يقول: يا مسلم هلم إلى الجنة فأتبعه، ثم قال: إن صاحبكم لذو مكيدة أمره هذا الأمر، وهو يقول الجنة الجنة، يتهكم بنا، فعرفت أنه مستقتل فخرجت في أثره وناديت أين صاحبي؟ لا تبعد فقد نهانا أميرنا عن أن نمعن في الطلب فأدركته وملت عليه فقتلته، وأخذت سيفه، وقد جعل زميلي يناديني أين تذهب؟ إني واللَّه إن ذهبت إلى أبي قتادة فسألني عنك أخبرته. قال: فلقيته قبل أبي قتادة. فقلت: أسأل الأمير عني؟ قال: نعم وقد تغيّظ عليّ وعليك. وأخبرني أنهم قد جمعوا الغنائم وقتلوا من أشرافهم. فجئت أبا قتادة فلا مني فقلت: قتلت رجلا كان من أمره كذا وكذا وأخبرته بقوله كله. ثم سقنا النعم وحملنا النساء وجفون السيوف معلّقة بالأقتاب، فأصبحت وبعيري مقطور بامرأة كأنها ظبي. فجعلت تكثر الالتفات خلفها وتبكي، فقلت: إلى أي شيء تنظرين؟ قالت: انظر واللَّه إلى رجل لئن كان حيا لاستنقذنا منكم. فوقع في نفسي أنه هو الذي قتلت. فقلت: قد واللَّه قتلته، وهذا واللَّه سيفه معلّق بالقتب. قالت: فألق إليّ غمده. فقلت: هذا غمد سيفه. قالت: فشمه إن كنت صادقا. قال: فشمته فطبّق. قال: فبكت ويئست. وفي حديث ابن إسحاق: قال عبد اللَّه بن أبي حدرد: فخرجنا ومعنا سلاحنا من النّبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر [عشيشية] مع غروب الشمس كمنت في ناحية وأمرت صاحبيّ فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم، وقلت لهما: إذا [سمعتماني قد] كبّرت وشددت في ناحية العسكر فكبّرا وشدّا معي. قال: فو اللَّه إنا لكذلك ننتظر غرّة القوم أو أن نصيب منهم شيئا غشينا الليل فذهبت فحمة العشاء، وكان راعيهم قد أبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه. فقام صاحبهم رفاعة بن قبس فأخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال: واللَّه لأتبعنّ أثر راعينا هذا فلقد أصابه شرّ. فقال بعض من معه. نحن نكفيك فلا تذهب. فقال: واللَّه لا يذهب إلا أنا. فقالوا: ونحن معك. قال: واللَّه لا ينبعني أحد منكم. وخرج حتى مرّ بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده فو اللَّه ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه وشددت في ناحية العسكر وكبّرت وشدّ صاحباي وكبّرا. فو اللَّه ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خفّ معهم من أموالهم واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة.

تنبيهان

وعند محمد بن عمر عن جعفر بن عمر: وقالوا: غابوا خمس عشرة ليلة وجاءوا بمائتي بعير وألف شاة وسبوا سببا كثيرا وجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه وعدل البعير بعشرين من الغنم. وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سرية قبل نجد فخرجت فيها فغنمنا إبلا وغنما كثيرة فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا فنفّلنا أميرنا بعيرا بعيرا كل إنسان، ثم قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقسم علينا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس، وما حاسبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع. وفي رواية نفلنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعيرا بعيرا فكان لكل إنسان ثلاثة عشر بعيرا [ (1) ] . قال عبد اللَّه بن أبي حدرد: فأتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وجئت برأس رفاعة أحمله معي فأعطاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من تلك الإبل ثلاثة عشرة بعيرا فدخلت بزوجتي ورزقني اللَّه خيرا كثيرا. وروى محمد بن عمر عن عبد اللَّه بن أبي حدرد قال: أصابنا في وجهنا أربع نسوة فيهن فتاة كأنها ظبي، بها من الحداثة والحلاوة شيء عجيب، وأطفال وجوار، فاقتسمنا السّبي وصارت تلك الجارية الوضيئة لأبي قتادة فجاء محمية بن جزء الزبيدي فقال: يا رسول اللَّه إن أبا قتادة قد أصاب في وجهه هذا جارية وضيئة، وقد كنت وعدتني جارية من أول فيء يفيء اللَّه به عليك. فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أبي قتادة. فقال: «هب لي الجارية» . فقال: نعم يا رسول اللَّه: فأخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدفعها إلى محمية بن جزء الزبيدي. تنبيهان الأول: جعل في العيون سرية أبي قتادة إلى خضرة غير سرية عبد اللَّه بن أبي حدرد التي سأل فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإعانة على مهر امرأته. وجعلهما محمد بن عمر [سرية] واحدة. الثاني: في بيان غريب ما سبق: خضرة: بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين: أرض لمحارب بنجد. حدرد: بمهملات وزن جعفر.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 653 كتاب المغازي (4338) ومسلم 3/ 1368 (37- 1749) وأبو داود وأحمد في المسند 2/ 10- 62.

سراقة: بضم السين المهملة. حارثة: بالحاء المهملة والثاء المثلثة. أسوقه إليها: أي أمهرها إياه. سبحان اللَّه: أتى هنا بالتسبيح للتعجب. بطحان: بضم الموحدة وسكون الطاء وبالحاء المهملتين، وقيل بفتح أوله وكسر ثانيه، وحكي فتح الأول وسكون الثاني: واد بالمدينة. أجمعت: عزمت. لبثت: بفتح اللام وكسر الموحدة وبالثاء المثلثة مكثت. جشم: بضم الجيم وفتح الشين المعجمة. الغابة: بالغين المعجمة وبالموحدة واد أسفل المدينة. الشارف: المسنّ من الدواب. العجفاء: بالمدّ المهزولة. دعمها الرجال: بدال فعين مهملتين: قوّموها بأيديهم. غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء. شنّ الغارة: فرّقها من كل وجه. الحاضر: القوم النّزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه. فحمة العشاء: يقال للظّلمة التي بين صلاتي العشاء. الزميل: العديل الذي حمله مع حملك على البعير، وقد زاملني عادلني، والزميل أيضا الرفيق في السفر الذي يعينك على أمورك، وهو الرديف أيضا. فصرخ رجل منهم: يا خضرة: «يا» حرف نداء، وخضرة منادى. ووقع في العيون ما خضرة. قال في النور: «أي من خضرة، وتقع «ما» مكان (من) ، و «من» مكان (ما) . ولكن الأكثر على إطلاق (من) على من يعقل، و (ما) على ما لا يعقل» . انتهى. قلت: والذي وقفت عليه من كتب المغازي: يا خضرة كما ذكرته أولا. القهقري: الرجوع إلى خلف. وفي النهاية المشي إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. استطرده: خادعه ليمسكه من طراد الصّيد.

قبل أبي قتادة: بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته. جفون السيوف: بضم الجيم والفاء وأغمادها، واحدها جفن بفتح الجيم وسكون الفاء. شام السّيف: سلّه وأغمده أيضا من الأضداد. طبق: بطاء مهملة فموحدة مشددة فقاف: ساوى. الغرّة: بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء: الغفلة. نفحه بسهم: بفتح النون والفاء وبالحاء المهملة: رماه به. عندك عندك: بمعنى الإغراء. فعدل: بالبناء للمفعول. البعير: بالرفع: نائب الفاعل. وضيئة بمدّ الهمزة المفتوحة: حسنة جميلة. محمية: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثانية وتخفيف التحتية. جزء: بفتح الجيم وسكون الزاي وبالهمزة. الزّبيدي: بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالدال المهملة. عشيشية: تصغير عشية. بطن: هو دون القبيلة.

الباب الخمسون في سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أيضا إلى بطن إضم في أول شهر رمضان قبل فتح مكة.

الباب الخمسون في سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أيضا إلى بطن إضم في أول شهر رمضان قبل فتح مكة. قال محمد بن عمر: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التوجه إلى مكة بعث أبا قتادة الحارث بن ربعيّ رضي الله تعالى عنه في ثمانية نفر إلى بطن إضم ليظنّ ظانّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجّه إلى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الأخبار. وروى محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر، وابن سعد، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في مكارم الأخلاق، والطبراني، وأبو نعيم والبيهقي في دلائلهما رحمهم اللَّه تعالى، عن عبد الله بن أبي حدرد، والطبراني عن جندب البجلي، وابن جرير عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهم، وابن أبي حاتم عن الحسن، وعبد الرزاق: وابن جرير عن قتادة رضي اللَّه تعالى عنه، قال: بعثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى إضم [في نفر من المسلمين] أميرنا أبو قتادة الحارث بن ربعيّ وفينا محلم بن جثامة الليثي وأنا، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له ومعه متيّع له ووطب من لبن. قال: فلما مرّ بنا سلّم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبين وسلبه بعيره ومتيّعه. فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء 94] . فانصرف القوم ولم يلقوا جمعا حتى انتهوا إلى ذي خشب. فبلغهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد توجه إلى مكة فأخذوا على يبين حتى لحقوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالسّقيا [ (1) ] . فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لمحلّم: «أقتلته بعد ما قال آمنت باللَّه؟» . وفي حديث ابن عمر، والحسن: فجاء محلّم في بردين، فجلس بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أقتلته بعد ما قال إني مسلم؟» قال: يا رسول اللَّه إنما قالها متعوّذا. قال: «أفلا شققت عن قلبه؟» قال: لم يا رسول اللَّه؟ قال: «لتعلم أصادق هو أم كاذب» . قال: وكنت عالما بذلك يا رسول اللَّه. هل قلبه إلا مضغة من لحم؟ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنما كان ينبئ عنه لسانه» . وفي رواية: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا ما في قلبه تعلم ولا لسانه صدّقت» . فقال: استغفر لي يا رسول اللَّه. فقال: «لا غفر اللَّه لك» . فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه. فما مضت سابعة حتى مات [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر مراصد الاطلاع 2/ 72. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 201 وعزاه لابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن الحسن.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق

وفي حديث ابن إسحاق: فما لبث أن مات فحفر له أصحابه، فأصبح وقد لفظته الأرض، ثم عادوا وحفروا له فأصبح وقد لفظته الأرض إلى جنب قبره. قال الحسن: فلا أدري كم قال أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كم دفناه مرتين أو ثلاثا. وفي حديث جندب وقتادة: أما ذلك فوقع ثلاث مرات، وكل ذلك لا تقبله الأرض، فجاؤوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: «إن الأرض تقبل من هو شرّ من صاحبكم ولكن اللَّه تعالى [يريد أن] يعظكم فأخذوا برجليه فألقوه في بعض الشّعاب وألقوا عليه الحجارة. وتقدم في غزوة حنين حكومته صلى اللَّه عليه وسلم بين عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس في دم عامر بن الأضبط. تنبيه: في بيان غريب ما سبق إضم: بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة وبالميم: واد وجبل بالمدينة بينه وبينها ثلاثة برد. محلم: بميم مضمومة وحاء مهملة مفتحة فلام مكسورة مشددة وبالميم. جثامة: بجيم مفتوحة فثاء مثلثة مشددة وبعد الألف ميم مفتوحة وبتاء تأنيث. عامر بن الأضبط: بضاد معجمة ساكنة وموحدة مفتوحة فطاء مهملة تابعي كبير لأنه لم ير النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقال له مخضرم. الوطب: بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وبالموحدة: زقّ اللّبن خاصة. فتبيّنوا: من التّبيّن، قال في الكشّاف: «وهما من التّفعّل بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الأمر [وثباته] ولا تقتحموه من غير رويّة» . وقرأ حمزة والكسائي: فتثبّتوا من التّثبّت والتأنّي. ألقى إليكم السلام: حيّاكم بتحية الإسلام، وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة: السلم بغير ألف أي الاستسلام والانقياد وفسّر به السلام أيضا. عرض الدنيا: ما كان من مال قل أو كثر. ذو خشب: بضم الخاء والشين المعجمتين وبالموحدة: واد على ليلة من المدينة. يين: بتحتانيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وبالنون، وضبطه الصغاني بفتح التحتانيتين: واد به عين من أعراض المدينة. السّقيا: بضم السين المهملة وسكون القاف قرية جامعة من عمل الفرع.

الباب الحادي والخمسون في بعث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما إلى الحرقات

الباب الحادي والخمسون في بعث أسامة بن زيد رضي اللَّه تعالى عنهما إلى الحرقات روى الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والشيخان، وأبو داود، والنّسائي عن أسامة بن زيد رضي اللَّه تعالى عنهما، وابن جرير عن السدي، وابن سعد عن جعفر بن برقان الحضرمي رجل من أهل اليمامة قال أسامة رضي اللَّه تعالى عنه: بعثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة. قال: فصبّحناهم، وكان رجل منهم- قال السّدّي- يدعى مرداس بن نهيك، انتهى، إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا وإذا أوبروا كان حاميتهم، فهزمناهم، فغشيته أنا ورجل من الأنصار. وقال السّدي. وكان مع مرداس غنيمة له وجمل أحمر، فلما رآهم آوى إلى كهف جبل وتبعه أسامة. فلما بلغ مرداس الكهف وضع غنمه. ثم أقبل إليهم. قال أسامة: فلما غشينا- قال السّدّي- قال: السلام عليكم. قال أسامة في رواية: فرفعت عليه السيف. فقال: لا إله إلا اللَّه- زاد السّدي- محمد رسول اللَّه. قال أسامة: فكفّ الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، أي رفع عليه السيف فلما لم يتمكن منه طعنه بالرمح. قال السّدّي: فشدّ عليه أسامة من أجل جمله وغنيمته. قال أسامة: فلما قدمنا بلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وفي رواية: فوقع في نفسي من ذلك. وعند محمد بن عمر: قال أسامة: فلما أصبت الرجل وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى رأيتني ما أقدر على أكل الطعام حتى قدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقبّلني واعتنقني. وقال السّدي: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا بعث أسامة أحب أن يثني عليه خيرا ويسأل عنه أصحابه. فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدّثون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويقولون: «يا رسول اللَّه لو رأيت أسامة، ولقيه رجل فقال الرجل لا إله إلا اللَّه فشدّ عليه وقتله» . وهو يعرض عنهم. فلما أكثروا عليه رفع رأسه إلى أسامة وقال: «يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا اللَّه؟» وفي رواية: «فكيف تصنع بلا إله إلا اللَّه؟» قال السّدّي: «كيف أنت ولا إله إلا اللَّه؟» قال أسامة: قلت يا رسول اللَّه إنما قالها خوفا من السلاح. وفي رواية: إنما كان متعوّذا من القتل. قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم؟» قال السّدّي: فنظرت إليه [ (1) ] ، وعن ابن سعد: «فتعلم أصادق هو أم كاذب؟» وعن ابن إسحاق: «فو الذي بعثه بالحق ما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ» وفي رواية «حتى تمنيت أني لم أسلم قبل ذلك اليوم» وعن ابن إسحاق «وإني لم أقتله» وعن ابن سعد قال أسامة: «لا أقاتل أحدا يشهد أن لا إله إلا اللَّه» وعن ابن إسحاق قلت: انظرني يا رسول اللَّه إني أعاهد اللَّه أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا اللَّه. قال: «تقول بعدي يا أسامة» . قال قلت: بعدك. قال السّدّي: فأنزل اللَّه تعالى خبر هذا وأخبر

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 183 ومسلم في كتاب الإيمان (159) وانظر البداية والنهاية 4/ 222.

تنبيهات

إنما قتله من أجل جمله وغنمه فذلك حين يقول: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فلما بلغ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يقول: فتاب اللَّه عليكم. فحلف أسامة أن لا يقاتل رجلا يقول لا إله إلا اللَّه بعد ذلك وما لقي من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيه. وروى ابن أبي حاتم رضي اللَّه تعالى عنهما قال: أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لأهل مرادس بديته ورد ماله إليهم. تنبيهات الأول: قال الحافظ ليس في قول أسامة تعشيا إلخ قد يدل على انه كان أمير الجيش كما هو ظاهر قول البخاري «باب بعث أسامة بن زيد إلى الحرقات» وقد ذكر أهل المغازي سرية غالب بن زيد وسرية غالب بن عبد اللَّه الليثي إلى الميفعة في رمضان سنة سبع وقالوا: إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية. قال: ثبت أن أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب، لأنه ما أمر إلا بعد قتل أبيه بغزوة مؤتة وذلك في رجب سنة ثمان، وإن لم يثبت أنه كان أميرها رجح ما قاله أهل المغازي. وقال في موضع آخر: هذه السرية يقال لها سرية غالب بن عبيد اللَّه، وكانت في رمضان سنة سبع فيما ذكره ابن سعد عن شيخه، وكذا ذكره ابن إسحاق في المغازي، قال: حدثني شيخ من أسلم عن رجال من قومه قالوا: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غالب بن عبيد اللَّه إلى أرض بني مرة وبها مرداس بن نهيك حليف لهم من بني الحرقة فقتله أسامة فهذا يبيّن السبب في قول أسامة «بعثنا إلى الحرقات [من جهينة والذي يظهر أن قصة الذي قتل ثم مات فدفن ولفظته الأرض غير قصة أسامة لأنه عاش بعد ذلك دهرا طويلا] وترجم البخاري في المغازي «باب بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة» فجرى الداودي في شرحه على ظاهره فقال فيه «تأمير من لم يبلغ» وتعقب من وجهين: أحدهما أنه ليس فيه تصريح بأن أسامة كان الأمير إذ يحتمل أن يكون جعل الترجمة باسمه لكونه وقعت له تلك الواقعة لا لكونه كان الأمير إلخ ما ذكره الحافظ قد قال بعض الشراح الصحيح ما ذكره أهل المغازي مخالفا لظاهر ترجمة البخاري أن أميرها أسامة ولعل المصير إلى ما في البخاري فهو الراجح بل الصواب انتهى. وروى ابن جرير عن السدي قال بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سرية عليها أسامة بن زيد فذكر القصة وروى ابن سعد عن جعفر بن برقان قال حدثنا الحضرمي رجل من أهل اليمامة قال بلغني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث أسامة بن زيد على جيش فذكر القصة.

الثاني: قال النووي الفاعل في قوله: «أقالها» هو القلب ومعناه: أنك إنما كلفت العمل بالظاهر وما ينطق به اللسان وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه العمل بما ظهر من اللسان فقال: «أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل كانت فيه حين قالها واعتقدها أولاد» والمعنى أنك إذا كنت لست قادرا على ذلك فاكتف منه باللسان. الثالث: قال الخطابي لعل أسامة تأوّل قوله تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ولذلك عذره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يلزمه دية ولا غيرها. وقال الحافظ: لعله حمل نص النفع على عمومه دنيا وأخرى، وليس ذلك المراد للفرق بين المقامين أنه في مثل تلك الحالة ينفعه نفعا مقيدا بأن يجب الكف عنه حتى يختبر أمره هل قال ذلك خالصا من قلبه أو خشية من القتل، وهذا الخلاف ما لو هجم عليه الموت [ووصل خروج الروح إلى الغرغرة، وانكشف الغطاء فإنه إذا قالها لم تنفعه بالنسبة لحكم الآخرة] وهو المراد من الآية. الرابع: قول الخطابي: لم يلزمه دية ولا كفارة فتوقف فيه الداودي وقال: لعله سكت عنه لعلم السامع أو كان قبل نزول آية الدية والكفارة. وقال القرطبي: لا يلزم من السكوت عدم الوقوع، لكن فيه بعد، لأن العادة جرت بعدم السكوت عن مثل ذلك إن وقع قال فيحتمل أنه لم يجب عليه شيء، لأنه كان مأذونا من أجل القتل فلا يضمن ما أتلفه من نفس ولا مال كالخائن والطبيب، ولأن المقتول كان من العدو ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته. قال وهذا يتمشى على بعض الآراء إلخ ما ذكره وتقدم عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر لأهل مرداس بدية. الخامس: قول أسامة: «حتى تمنيت أني لم أكن أسلم قبل ذلك اليوم» أي أن إسلامي كان ذلك اليوم، لأن الإسلام يجبّ ما قبله فتمنى أن يكون ذلك الوقت أول دخوله في الإسلام ليأمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد به تمنى أنه لا يكون مسلما قبل ذلك قال القرطبي وفيه إشعار بأنه كان استصغر ما سبق له قبل ذلك من عمل صالح في مقابلة هذه الفعلة لما سمع من الإنكار الشديد، وإنما أورد ذلك على سبيل المبالغة. السادس: في بيان غريب ما سبق: الحرقات: بضم الحاء المهملة وفتح الراء والقاف والفوقية بطن من جهينة نسبة إلى الحرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة الحضرمي بن جهينة قال ابن الكلبي: سمي بذلك لوقعة كانت بينهم وبين مرة بن عوف بن سعد فأحرقوهم بالسهام لكثرة من حرقوا منهم.

برقان: بضم الموحدة وسكون الراء وبالقاف. الحضرمي: بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء. صبحنا القوم: هجمنا عليهم صباحا قبل أن يشعروا بنا. مرداس: بكسر الميم. نهيك: بفتح النون وكسر الهاء وسكون التحتية وهذا القول جرى عليه ابن الكلبي وجزم به ابن بشكول، قال ابن عبد البر: مرداس بن عمرو الفدكي وبه جزم أبو الفضل بن طاهر. حاميتهم: ناصرهم ومانعهم. فغشينا: بفتح الغين وكسر الشين المعجمتين: لحقنا به حتى تغطى بنا. «أنا ورجل من الأنصار» قال الحافظ: لم أقف على اسم الأنصاري. غنيمة له: بالتصغير. آوى: لجأ الكهف. انظرني: أخرني.

الباب الثاني والخمسون في سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى

الباب الثاني والخمسون في سرية خالد بن الوليد رضي اللَّه تعالى عنه إلى العزّى قال ابن سعد: ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزّى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان، وكانت بيتا بنخلة. قال ابن إسحاق وابن سعد: وكان سدنتها وحجّابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، وكانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة. وذلك أن عمرو بن لحيّ كان قد أخبرهم أن الرّبّ يشتّي بالطائف عند اللات ويصيّف عند العزّى، فعظّموها وبنوا لها بيتا وكانوا يهدون إليها كما يهدون للكعبة. وروى البيهقي عن أبي الطفيل رضي اللَّه تعالى عنه: وكانت بيتا على ثلاث سمرات، انتهى. قال محمد بن عمر، وابن سعد: وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة خالد بن الوليد إلى العزّى ليهدمها. فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه. قال ابن إسحاق: فلما سمع سادتها السّلمي بسير خالد إليها علّق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول: يا عزّ شدّي شدّة لا شوى لها ... على خالد القي القناع وشمّري يا عزّ إن لم تقتلي المرء خالدا ... فبوئي بإثم عاجل أو تنصري قال أبو الطّفيل، ومحمد بن عمر، وابن سعد: فأتاها خالد فقطع السّمرات وهدمها ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره، فقال: «هل رأيت شيئا؟» قال: لا. قال: «فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها» . فرجع خالد وهو متغيّظ. فلما رأيت السدنة خالدا انبعثوا في الجبل وهم يقولون: يا عزّى خبليه، يا عزّى عوّريه ولا تموتي برغم، فخرجت إليه [امرأة عجوز] سوداء عريانة ثائرة الرأس، زاد أبو الطفيل: تحثوا التراب على رأسها ووجهها. فضربها خالد وهو يقول: يا عزّ كفر انك لا سبحانك ... إني رأيت اللَّه قد أهانك فجزّ لها اثنتين، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره فقال: «نعم، تلك العزّى قد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا» [ (1) ] . تنبيهان الأول: ذكر ابن إسحاق ومن تابعه هذه السرية بعد سرية خالد إلى بني جذيمة، وذكرها محمد بن عمر، وابن سعد، والبلاذري، وجرى عليه في المورد والعيون، وجزم به في الإشارة قبلها. وارتضاه في الزّهر وقال إن في الأول نظر من حيث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان قد وجد على خالد في أمر بني جذيمة ولا يتّجه إرساله بعد ذلك في بعث. والذي ذكره غير واحد،

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 110- 111.

منهم الواقدي وتلميذه محمد بن سعد أن سرية خالد إلى العزّى كانت لخمس ليال من شهر رمضان، وسرية خالد إلى بني جذيمة كانت في شوال سنة ثمان قلت إن صح ما ذكره ابن إسحاق من كون سرية خالد لهدم العزّى بعد سرية بني جذيمة فوجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي عليه وعذره في اجتهاده. الثاني: في بيان غريب ما سبق: العزّى: بضم العين المهملة وفتح الزاي. نخلة: بلفظ الشجرة. السّدنة: بفتح السين والدال المهملتين وبالنون: الخدمة. الحجّاب: البوّابون. شيبان: بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية. سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام. كنانة: بكسر الكاف. لحيّ: بضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية. يشتّي: بضم التحتية وفتح الشين المعجمة والفوقية المشددة. السّمرات: بفتح السين المهملة وضم الميم جمع سمرة بفتح السين وضم الميم وفتح الراء وتاء التأنيث. أسند في الجبل: ارتفع. لا شوى لها: لا بقيا لها. القناع: بكسر القاف. باء: رجع. انبعثوا: ذهبوا. خبّليه: الخبال بالفتح الجنون والفساد، وأصله من النّقصان، ثم صار الهلاك خبالا. الرغم: يقال رغم أنفه بفتح الراء وكسرها رغما، لصق بالرّغام بالفتح وهو التراب ذلا. جزّلها: بفتح الجيم والزاي المشددة: قطعها. أن تعبد: بالبناء للمفعول.

الباب الثالث والخمسون في سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لهدم سواع في شهر رمضان سنة ثمان في غزوة الفتح.

الباب الثالث والخمسون في سرية عمرو بن العاص رضي اللَّه تعالى عنه لهدم سواع في شهر رمضان سنة ثمان في غزوة الفتح. قال محمد بن عمر، وابن سعد: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن العاص إلى سواع صنم هذيل بن مدركة، وكان على صورة امرأة ليهدمه. قال عمرو: فانتهيت إليه وعنده السّادن. فقال: ما تريد؟ فقلت: أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أهدمه. قال: لا تقدر على ذلك. قلت: لم؟ قال: تمنع. قلت: حتى الآن أنت على الباطل ويحك، وهل يسمع أو يبصر؟ قال: فدنوت منه فكسرته، وأمرت أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئا. ثم قلت للسادن كيف رأيت؟ قال: أسلمت للَّه تعالى. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: سواع: بسين مضمومة وعين مهملتين بينهما ألف سمي سواع بن شيث بن آدم صلى اللَّه عليه وسلم. قال الجوهري [وسواع اسم صنم] كان لقوم نوح عليه السلام ثم صار لهذيل كان برهاط- بضم الراء قرية جامعة على ثلاثة أميال من مكة ساحل البحر- يحجّون إليه. هذيل: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية وباللام. السّادن: بسين ودال مكسورة مهملتين وبالنون الخادم. الخزانة: بكسر الخاء المعجمة.

الباب الرابع والخمسون في سرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله تعالى عنه إلى مناة وهو بالمشلل لست بقين من رمضان سنة ثمان في فتح مكة

الباب الرابع والخمسون في سرية سعد بن زيد الأشهلي رضي اللَّه تعالى عنه إلى مناة وهو بالمشلل لست بقين من رمضان سنة ثمان في فتح مكة قالوا: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة وكانت [بالمشلّل] للأوس والخزرج وغسّان. فلما كان يوم الفتح بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلي لهدمها فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن. فقال السّادن: ما تريد؟ قال: هدم مناة. قال: أنت وذاك. فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها. فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك ويضربها سعد بن زيد الأشهلي فقتلها. ويقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه. ولم يجد في خزانتها شيئا وانصرف راجعا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الأشهلي: بالشين المعجمة والهاء واللام والتحتية. مناة: بفتح الميم. المشلّل: بضم الميم وفتح الشين المعجمة فلام مفتوحة مشددة ثم لام أخرى: من ناحية البحر وهو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد. ثائرة: بثاء مثلثة أي منتشرة الشّعر. السادن: الخادم.

الباب الخامس والخمسون في بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى بني جذيمة من كنانة وكانوا أسفل مكة على ليلة بناحية يلملم في شوال سنة ثمان وهو يوم الغميصاء وذلك في غزوة الفتح.

الباب الخامس والخمسون في بعثة صلّى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد رضي اللَّه تعالى عنه إلى بني جذيمة من كنانة وكانوا أسفل مكة على ليلة بناحية يلملم في شوال سنة ثمان وهو يوم الغميصاء وذلك في غزوة الفتح. روى ابن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي اللَّه عنهم، ومحمد ابن عمر عن ابن سعد قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد- حين افتتح مكة- داعيا ولم يبعثه مقاتلا، وبعث معه ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار [ومعه قبائل من العرب] سليم بن منصور، ومدلج بن مرّة فوطئوا بني جذيمة [بن عامر بن عبد مناة بن كنانة] فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون قد صلّينا وصدّقنا وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذّنّا فيها. قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: «إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح» . فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. فقال رجل من بني جذيمة يقال له جحدم: «ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد، واللَّه ما بعد وضع السلاح إلا الإسار وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق، واللَّه لا أصنع سلاحي أبدا» أفأخذه رجال من قومه فقالوا: «يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس» . فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد. وروى الإمام أحمد، والبخاري والنسائي عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث خالدا إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم «أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره» . قال ابن عمر: «فقلت واللَّه لا أقتل أسيري ولا يقتل أحد أمن أصحابي أسيره» . قال أبو جعفر محمد بن علي رضي اللَّه عنهم: فلما وضعوا السلاح أمرهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم. وعند ابن سعد أنهم لما وضعوا السلاح قال لهم: استأسروا فاستأسر القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرّقهم في أصحابه. فلما كان السّحر نادى خالد: من كان معه أسير فليدافّه والمدافّة الإجهاز عليه بالسيف. فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم. وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم. قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «رأيت كأني لقيت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها فأدخل عليّ يده فنزعه» . فقال أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه:

يا رسول اللَّه هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهّله. قال ابن إسحاق: ولما أبي جحدم ما صنع خالد قال: يا بني جذيمة ضاع الضّرب قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه. قال وحدثني أهل العلم أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره الخبر فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «هل أنكر عليه أحد؟» قال: نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراعه فاشتدت مراجعتهما. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللَّه: أما الأول فابني عبد اللَّه وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة. قال عبد اللَّه بن عمر في حديثه السابق: «فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذكرنا ذلك له فرفع يديه وقال: «اللهم إني أبرأ إليك ممّا يصنع خالد» . مرتين رواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي. قال أبو جعفر محمد بن علي رضي اللَّه عنهم: فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علي ابن أبي طالب رضوان اللَّه عليه فقال: «يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك» . فخرج عليّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى إنه لودى لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقيّة من المال، فقال لهم عليّ حين فرغ منهم: «هل بقي لكم مال لم يؤدّ إليكم؟» قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم من هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مما لا يعلم ومما لا تعلمون» . ففعل ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره الخبر فقال: «أصبت وأحسنت» . ثم قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستقبل القبلة شاهرا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» [ (1) ] . ثلاث مرات. وروى ابن إسحاق عن ابن أبي حدرد الأسلمي، وابن سعد عن عبد اللَّه بن عصام [المزني] عن أبيه، والنسائي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهم قال ابن أبي حدرد: كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد. وقال عصام: لحقنا رجلا فقلنا له: كافر أو مسلم؟ فقال: إن كنت كافرا فمه؟ قلنا له: إن كنت كافرا قتلناك. قال: دعوني أقضي إلى النسوان حاجة. وقال ابن عباس: فقال إني لست منهم إني عشقت امرأة فلحقتها فدعوني انظر إليها نظرة ثم اصنعوا بي ما بدا لكم. وقال ابن أبي حدرد: فقال فتى من بني جذيمة- وهو في سنّي وقد جمعت يداه إلى عنقه برمّة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه- يا فتى. فقلت ما تشاء؟ قال: هل أنت آخذ بهذه الرّمّة فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضي إليهن حاجة، ثم تردّني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم؟

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 122 والنسائي 8/ 237 وأحمد في المسند 2/ 151 والبيهقي في السنن 9/ 115.

قال: قلت: واللَّه ليسير ما طلبت. فأخذت برمّته فقدته بها حتى أوقفته عليهن. قال عصام: فدنا إلى امرأة منهن. وقال: [سفيان] فإذا امرأة كثيرة النّحض- يعني اللحم-. وقال ابن عباس: فإذا امرأة طويلة أدماء فقال: اسلمي حبيش على نفد من العيش أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ألم يك أهلا أن ينوّل عاشق ... تكلّف إدلاج السّرى والودائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا ... أثيبي بودّ قبل إحدى الصّفائق أثيبي بودّ أن يشحط النّوى ... وينأى لأمر بالحبيب المفارق زاد ابن إسحاق، ومحمد بن عمر رحمها اللَّه تعالى: فإنّي لا ضيّعت سرّ أمانة ... ولا راق عيني عنك بعدك رائق سوى أنّ ما نال العشيرة شاغل ... عن الود إلا أن يكون التّوامق قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الأخيرين منها له. انتهى. ولفظ حديث ابن عباس: أما كان حقا أن ينوّل عاشق، أو أدركتكم بالخوانق. فقالت: نعم وأنت فحيّت سبعا وعشرا وترا وثمانيا تترى. قال ابن أبي حدرد: ثم انصرفت به فضربت عنقه. وقال عصام: فقرّبناه فضربنا عنقه، فقامت المرأة إليه حين ضربت عنقه فأكبّت عليه فما زالت تقبّله حتى ماتت عليه. وقال ابن عباس: فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت، فلما قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخبره الخبر فقال: «أما كان فيكم رجل رحيم» [ (1) ] . ذكر رجوع خالد بن الوليد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإنكار عبد الرحمن بن عوف على خالد بن الوليد رضي اللَّه عنهما. روى محمد بن عمر، وأبو النيسابوري في الشرف، والحاكم في الإكليل، وابن عساكر عن سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه قال: قدم خالد بن الوليد على النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد ما صنع ببني جذيمة ما صنع وقد عاب عبد الرحمن بن عوف على خالد ما صنع. قال: يا خالد، أخذت بأمر الجاهلية في الإسلام، قتلتهم بعمك الفاكه. وأعانه عمر بن الخطاب على خالد، فقال خالد: أخذتهم بقتل أبيك، وفي لفظ: فقال: إنما ثأرت بأبيك. فقال عبد الرحمن: كذبت واللَّه لقد قتلت قاتل أبي، وأشهدت على قتله عثمان بن عفان. ثم التفت إلى عثمان فقال: أنشدك اللَّه هل علمت أني قتلت قاتل أبي؟ فقال عثمان: اللهم نعم. ثم قال عبد الرحمن: ويحك يا خالد ولو لم أقتل قاتل أبي أكنت تقتل قوما مسلمين بأبي في الجاهلية؟ قال خالد: ومن أخبرك أنهم

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 118 والطبراني في الكبير 11/ 370.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

أسلموا؟ فقال: أهل السّريّة كلهم يخبرونا أنك قد وجدتهم بنوا المساجد وأقرّوا بالإسلام، ثم حملتهم على السيف. قال: جاءني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن أغير عليهم. وعند ابن إسحاق [وقد قال بعض من يعذر خالدا أنه] قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد اللَّه بن حذافة السّهمي وقال أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام، انتهى. فقال عبد الرحمن: كذبت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وغالظ عبد الرحمن قال ابن إسحاق: فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انتهى. فأعرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن خالد وغضب عليه وقال: «يا خالد ذر لي أصحابي، متى ينكأ المرء ينكأ المرء ولو كان لك أحد ذهبا تنفقه قيراطا قيراطا في سبيل اللَّه لم تدرك غدوة أو روحة من غدوات أو روحات عبد الرحمن» [ (1) ] . وعند ابن إسحاق: غدوة رجل من أصحابي. وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري- بالخاء المعجمة المضمومة وسكون الدال المهملة- رضي اللَّه عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تسبّوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جذيمة: بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة وبالتحتية. كنانة: بكسر الكاف ونونين فتاء تأنيث. يلملم: بفتح التحتية واللامين وإسكان الميم بينهما وبالميم في آخره. الغميصاء: بضم الغين المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية وبالصاد المهملة. موضع في بادية العرب قرب مكة كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر. سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام. مدلج: بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم. ما أنتم: قال في النهر: الظاهر أنه سألهم عن صفتهم: أي مسلمون أنتم أم كفّار؟ ولهذا أتى بما، ولو أراد غير ذلك لقال: من أنتم؟ وإنه استعمل «ما» فيمن يعقل وهو شائع. جحدم: بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبالدال [المهملة] . الإسار: بكسر الهمزة وهو القيد. وضعت الحرب أوزارها: كناية عن الانقضاء، والمعنى على حذف مضاف، والتقدير

_ [ (1) ] أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 103 وذكره المتقي الهندي في الكنز (33497) . [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب المناقب (3673) وأحمد في المسند 3/ 11 والبيهقي في السنن 1/ 203.

حتى تضع الحرب أثقالها، فأسند الفعل إلى الحرب مجازا وسمّى السلاح وزرا لثقله على لابسه. صبأنا: من دين إلى دين يصبأ مهموز بفتحتين: خرج، فهو صابئ، وأرادوا هنا دخلنا في دين محمد. كتف بعضهم بعضا. عرضهم على السيف: قتلهم. الدّفّ: بالدال المهملة وتعجم وبالفاء المشددة: الإجهاز على الأسير- بكسر الهمزة وسكون الجيم وبالزاي- الإسراع في قتله. الحيس: خلط الأقط بالتمر والسّمن يعجن حتى يندر النوى منه وربما يجعل فيه السّويق، والأقط شيء يعقد من اللّبن. الرّبعة من الرجال: بفتح الراء وسكون الموحدة وتفتح: المعتدل أي بين الطول والقصر. نهمه: بنون مفتوحة فهاء فميم: زجره. اجعل أمر الجاهلية تحت قدميك: ودى لهم قتلاهم: أعطاهم ديات قتلاهم لأنهم قتلوا خطأ. ميلغة الكلب: بميم مفتوحة فتحتية ساكنة فلام فغين معجمة: شيء يحفر من خشب ويجعل فيه الماء ليلغ الكلب فيه أي يشرب. المنكب: كمسجد مجتمع رأس العضد والكتف. أبو حدرد: بمهملات كجعفر. مه: اسم فعل بمعنى اكفف. ما بدا له: بغير همز: ظهر. الرّمّة: بضم الراء وفتح الميم المشدّدة: قطعة حبل بالية والجمع رمم ورمام وأصله أن رجلا دفع إلى رجل بحبل في عنقه فقيل لكل من دفع شيئا بجملته دفعه برمّته. النّحض [المكتنز من] اللحم. أدماء: بدال مهملة وبالمدّ. سمراء. اسلمي: دعا لها بالسلامة. حبيش: بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالشين المعجمة ترخيم

حبشيّة. النّفد: والنّفاد مصدر نفد الشيء كسمع نفادا ونفدا فني وذهب، وقال في الإملاء: على أنفد عيش، يريد على تمامه. حلية: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فمثناة تحتية فتاء تأنيث قال في الصحاح مأسدة بناحية اليمن. الخوانق: بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الواو وبعد الألف نون مكسورة وبالقاف: قال نصر: موضع عند طرف أجأ ملتقى الرمل والجلد. الإدلاج: سير الليل. السّرى: بضم السين المهملة وفتح الراء جمع سرية بضم السين وفتحها: الذهاب في الليل. الودائق: جمع وديقة بفتح الواو وكسر الدال المهملة وسكون التحتية وبالقاف وتاء التأنيث: وهي شدة الحر في الظهيرة. الصّفائق: بصاد مهملة مفتوحة ففاء فألف تحتية مكسورة وبالقاف: الحالات. الشّحط: بشين معجمة مفتوحة فحاء ساكنة فطاء مهملتين هنا البعد يقال شحط المزار. النّوى: بفتح النون: القصد والوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد وهي مؤنثة لا غير. ينأى: يبعد. راق: ماء الحجب كذا في نسختين من الإملاء ولم أفهمه. التوامق: بفوقية مفتوحة فواو فألف فميم مضمومة فقاف: الحبّ. تترى: بفوقيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة أي تتوالى. أثأر: بالهمز ويجوز تخفيفه يقال ثأرت القتيل وثأرت من باب نفع إذا قتلت قاتله.

الباب السادس والخمسون في سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس بين غزوة حنين وغزوة الطائف

الباب السادس والخمسون في سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس بين غزوة حنين وغزوة الطائف روى الجماعة عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وابن إسحاق عن رجاله عن سلمة بن الأكوع، وابن هشام عمّن يثق به من أهل العلم، ومحمد بن عمر، وابن سعد عن رجالهم أن هوازن لما انهزموا يوم حنين ذهبت فرقة منهم فيهم رئيسهم مالك بن عوف النصري فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا وصارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه، سرية وأمر عليهم أبا عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه. ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة إلى الطائف فحاصرها، وتقدم ذلك في غزوة الطائف. قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد وهزم الله تعالى أصحابه. قال أبو موسى بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي عامر، قال سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه، وابن هشام رحمه الله تعالى: لما نزلت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا عظيما وقد تفرّق منهم من تفرّق وقتل من قتل وأسر من أسر فانتهينا إلى عسكرهم، فإذا هم ممتنعون، فبرز رجل معلم يبحث للقتال: فبرز له أبو عامر فدعاه إلى الإسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل: اللهم لا تشهدوا عليّ. فكفّ عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد حسن إسلامه فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا رآه يقول: «هذا شريد أبي عامر» . وقال ابن هشام: ورمى أبا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه. قال أبو موسى: رمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي. وعند ابن عائذ، والطبراني بسند حسن عن أبي موسى رضي اللَّه تعالى عنه: قتل ابن دريد بن الصّمّة أبا عامر قال ابن إسحاق: اسمه سلمة ولم أر له إسلاما. وفي حديث سلمة أن العاشر ضرب أبا عامر فأثبته قال سلمة: فاحتملناه وبه رمق. وقال أبو موسى: فانتهيت إلى أبي عامر فقلت له: يا أبا عامر من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى وقال: ذاكه قاتلي الذي رماني. وفي حديث سلمة بن الأكوع أن أبا عامر أعلم أبا موسى أن قاتله صاحب العصابة الصفراء. قال أبو موسى: فقصدت له فلحقته فلما رآني ولّى فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت؟ فكفّ فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته. ثم قلت لأبي عامر: قتل اللَّه صاحبك. قال: فانزع هذا السهم فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: يا ابن أخي أقرئ النبي صلى اللَّه عليه وسلم

تنبيهات

السلام وقل له استغفر لي. قال أبو موسى: واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات. وفي حديث سلمة: وأوصى أبو عامر إلى أبي موسى ودفع إليه الراية وقال: ادفع فرسي وسلاحي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقاتلهم أبو موسى حتى فتح اللَّه تعالى عليه وانهزم المشركون بأوطاس وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا، وقتل قاتل أبي عامر وجاء بسلاحه وتركته وفرسه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: إن أبا عامر أمرني بذلك. وفي حديث أبي موسى رضي اللَّه تعالى عنه: «فرجعت فدخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته وهو على سرير مرمل وعليه فراش قد أثّر رمال السّرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له: استغفر لي، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: «اللهم اغفر لعبيد أبي عامر» ورأيت بياض إبطيه ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس» . فقلت: ولي فاستغفر فقال: «اللهم اغفر لعبد اللَّه بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» [ (1) ] . تنبيهات الأول: أوطاس: بفتح أوله وسكون الواو وبالطاء والسين المهملتين قال القاضي: هو واد في ديار هوازن وهو موضع قرب حنين. قال الحافظ: وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السّير والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين ويوضح ذلك ما ذكره ابن إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف وطائفة إلى نخلية وطائفة إلى أوطاس. قال أبو عبيد البكري رحمه اللَّه تعالى: أوطاس واد في ديار هوازن وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين. الثاني: أبو عامر اسمه عبيد- بالتصغير- ابن سليم- بضم السين وفتح اللام- ابن حضّار- بحاء مهملة مفتوحة وتشديد الضاد المعجمة الساقطة وبعد الألف راء- ابن حرب بن عنز- بفتح العين المهملة وسكون النون وبالزاي- ابن بكر- بفتح الموحدة وسكون الكاف- ابن عامر بن عذرة- بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة- ابن وائل- بكسر التحتية- ابن ناجية- بالنون والجيم والتحتية- ابن الجماهر- بالجيم والميم وكسر الهاء- ابن الأشعر، وهو عمّ أبي موسى. وقال ابن إسحاق هو ابن عمّه. قال الحافظ: والأول أشهر. الثالث: اختلف في اسم الجشميّ الذي رمى أبا عامر فقال ابن إسحاق: زعموا أنه سلمة بن دريد بن الصّمّة فهو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته. وعند ابن عائذ،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 41 ومسلم 4/ 1944 (165- 2498) .

والطبراني في الأوسط بسند حسن من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري قال: لما هزم اللَّه المشركين يوم حنين بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على خيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه، فقتل ابن دريد أبا عامر فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء. الرابع: قال الحافظ في الفتح كما رأيته بخطه إن ابن إسحاق ذكر أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة إخوة فقتلهم واحدا واحدا حتى كان العاشر، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه فقال الرجل: اللهم لا تشهد عليّ. فكفّ عنه أبو عامر ظنّا منه أنه أسلم، فقتله العاشر ثم أسلم بعد، فحسن إسلامه فكأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسميه: «شهيد أبي عامر» . ثم قال الحافظ: وهذا مخالف لحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبي عامر، وما في الصحيح أولى بالقبول، ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شرك في قتله. قلت: وما نقله الحافظ عن ابن إسحاق ليس في رواية البكّائي، وإنما زاده ابن هشام عن بعض من يثق به ولم يذكر أن العاشر قتل أبا عامر أصلا بل قال: ورمى أبا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث بن جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه. ثم ظهر لي أن الحافظ لم يراجع السيرة وإنما قلّد القطب في المورد فإنه ذكره كذلك. وجزم محمد بن عمر، وابن سعد بأن العاشر لم يسّلم وأنه قتل أبا عامر وتقدم ذلك في القصة. وفي خط الحافظ «شهيد» بلفظ شهيد المعركة والذي رأيته في نسخ السّيرة «الشريد» بعد الشين المعجمة راء فتحتية فدال مهملة. الخامس: قول ابن هشام: «وولّى الناس أبا موسى» يخالفه ما تقدم في القصة عن أبي موسى كما في الصحيح أن أبا عامر استخلفه، وكذا في حديث سلمة بن الأكوع وبه جزم ابن سعد. السادس: في بيان غريب ما سبق: مالك بن عوف: بالفاء. النضري: بالنون والضاد المعجمة. عسكروا: اجتمعوا. دريد: بمهملات تصغير أدرد. الصّمّة: بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم. قتل: بالبناء للمفعول. برز رجل: ظهر.

الشديد: الطويل. العلاء: بفتح العين. وأوفى: لم أر لهما إسلاما. جشم: بضم الجيم وفتح الشين المعجمة. فأثبته: بقطع الهمزة أي أثبت السّهم. الرّمق: بفتحتين وبالقاف: بقية الحياة. اختلفا ضربتين: ضرب كل واحد منهما الآخر في غير الموضع الذي ضرب فيه. تستحي: بكسر الحاء المهملة، وفي رواية تستحيي بسكونها وزيادة تحتية مسكورة: أي خجل. نزا منه الدم: سال. وقل له استغفر لي: بلفظ الطلب يعني أن أبا عامر سأل أبا موسى أن يسأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يستغفر له. سرير مرمل: بضم الميم الأولى وفتح الثانية بينهما راء ساكنة، وفي رواية بفتح الراء والميم الثانية مشدّدة أي منسوج بحبل ونحوه وهي حبال الحصر التي يضفّر بها الأسرّة. وعليه فراش: نقل السفاقسي عن أبي الحسن وأظنه ابن بطّال أو القابسي أنه قال: الذي أحفظه في هذا: ما عليه فراش، قال إن «ما» سقطت هنا وقال ابن التين: أنكر قوله: «وعليه فراش» أبو الحسن وقال الصواب: «ما عليه فراش» . قال الحافظ: وهو إنكار عجيب فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أنه لا يكون على سريره دائما فراش. قلت ويؤيد قول أبي الحسن قول أبي موسى: قد أثّر رمال السرير بظهره وجنبيه. واللَّه تعالى أعلم. مدخلا: بضم الميم وفتحها وكلاهما بمعنى المكان والمصدر. كريما: حسنا.

الباب السابع والخمسون في سرية الطفيل بن عمرو [الدوسي] رضي الله تعالى عنه إلى ذي الكفين في شوال سنة ثمان.

الباب السابع والخمسون في سرية الطّفيل بن عمرو [الدوسي] رضي اللَّه تعالى عنه إلى ذي الكفين في شوال سنة ثمان. قال ابن سعد: قالوا لما أراد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفّين صنم من خشب كان لعمرو بن حممة الدوسي، يهدمه، وامره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعا إلى قرية فهدم ذا الكفين وجعل يحيي النار في وجهه ويحرقه ويقول: يا ذا الكفين لست من عبّادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا إني حشوت النّار في فؤادكا وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدم بدبّابة ومنجنيق وقال: «يا معشر الأزد من يحمل رايتكم؟» فقال الطفيل: من كان يحملها في الجاهلية النعمان بن الرّازية اللهي. قال: «أصبتم» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الطّفيل: بضم الطاء وفتح الفاء وسكون التحتية. ذو الكفّين: بلفظ تثنية كفّ الإنسان وخفّف في العشر للوزن. حممة: بضم الحاء المهملة وفتح الميمين. الدوسي: بفتح الدال وسكون الواو وبالسين المهملتين. الدّبّابة: بدال مهملة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فموحدة فتاء تأنيث: آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيدبّون بها إلى الأسوار لينقبوها. الأزد: بفتح أوله وسكون الزاي. الرازية: براء فألف فزاي مكسورة فتحتية. اللهبي: بفتح اللام

الباب الثامن والخمسون في سرية قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما لصداء ناحية اليمن

الباب الثامن والخمسون في سرية قيس بن سعد بن عبادة رضي اللَّه تعالى عنهما لصداء ناحية اليمن قال ابن إسحاق لما رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن وأمره أن يطأ صداء، فعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين. فقدم رجل من صداء فسأل عن ذلك البعث فأخبر به فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «يا رسول اللَّه جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش فأنا لك بقومي» . فردّهم من قناة وخرج الصدائي إلى قومه، فقدم منهم بعد ذلك خمسة عشر [رجلا] فأسلموا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنك مطاع في قومك يا أخا صداء» . فقال: بل اللَّه هداهم. ثم وافاه في حجة الوداع بمائة منهم. وهذا الرجل هو الذي أمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر أن يؤذّن ثم جاء بلال ليقيم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن أخا صداء هذا أذّن ومن أذّن فهو يقيم» [ (1) ] . واسم أخا صداء هذا زياد بن الحارث، نزل مصر. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: صداء: بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وبالمدّ: حي من العرب. الجعرانة: بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء [أو كسر العين المهملة] وتشديد الراء. يطأ صداء: أي يدخل أرضهم. عسكر: جمع عسكرة. قناة: بفتح القاف وبالنون واد بالمدينة. أنا لك بقومي: أتكفّل لك بقومي أي بمجيئهم مسلمين وفي رواية: وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (514) والترمذي (199) وابن ماجة (717) وابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 63 والطحاوي في معاني الآثار 1/ 142 والبيهقي في الدلائل 4/ 127.

الباب التاسع والخمسون في سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي الله تعالى عنه إلى بني تميم في المحرم سنة تسع وكانوا فيما بين السقيا وأرض بني تميم.

الباب التاسع والخمسون في سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي اللَّه تعالى عنه إلى بني تميم في المحرم سنة تسع وكانوا فيما بين السقيا وأرض بني تميم. وسبب ذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث رجلاً من بني سعد هذيم على صدقاتهم وأمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يأخذ العفو ويتوقّى كرائم أموالهم. فخرج بشر بن سفيان الكعبي إلى بني كعب، فأمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، فحشرت عليهم خزاعة الصدقة في كل ناحية فاستكثرت ذلك بنو تميم فقالوا: ما لهذا يأخذ أموالكم منكم بالباطل؟ فشهروا السيوف. فقال الخزاعيون: نحن قوم ندين بدين الإسلام وهذا أمر ديننا. فقال التميميون: لا يصل إلى بعير منها أبدا. فهرب المصدّق وقدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره الخبر، فوثبت خزاعة على التميميين فأخرجوهم من محالهم وقالوا: لولا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم، ليدخلنّ علينا بلاء من محمد صلى اللَّه عليه وسلم حيث تعرّضتم لرسوله تردّونه عن صدقات أموالنا فخرجوا راجعين إلى بلادهم. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «من لهؤلاء القوم؟» فانتدب أول الناس عيينة بن حصن الفزاري فبعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحراء قد حلّوا [بها] وسرحوا مواشيهم. فلما رأوا الجمع دلّوا. فأخذ منهم أحد عشر رجلا ووجد في المحلّة إحدى وعشرين امرأة كذا في العيون. وقال محمد بن عمر وابن سعد وتبعهما في الإشارة والمورد إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا. فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث. فقدم فيهم عدّة من رؤسائهم كما سيأتي في الوفود في وفد بني تميم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: هذيم: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية. يأخذ العفو: ما فضل عن النفقة. كرائم أموالهم: نفائسها وخيارها. خزاعة: أبو حيّ من الأزد سمّوا به لأنهم تخزّعوا أي تقطّعوا عن قومهم وأقاموا بمكة. الحشر: الجمع مع سوق، والمراد هنا أنهم جمعوا ماشيتهم لتؤخذ منها الزكاة. شهروا السيوف: أخرجوها من أغمادها. المحلّة: بفتح الميم والحاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة. حبسوا: بالبناء للمفعول. رملة بنت الحارث بلفظ واحدة الرّمل: صحابية رضي اللَّه تعالى عنها.

الباب الستون في بعثه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عوسجة رضي الله تعالى عنه إلى بني حارثة بن عمرو في صفر سنة تسع.

الباب الستون في بعثة صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن عوسجه رضي الله تعالى عنه إلى بني حارثة بن عمرو في صفر سنة تسع. روى أبو سعيد النيسابوري في الشرف، وأبو نعيم في الدلائل من طريق محمد بن عمر عن شيوخه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عوسجة [إلى بني حارثة بن عمرو] يدعوهم إلى الإسلام. فأخذوا الصحيفة فغسلوها ورقعوا بها أسفل دلوهم، وأبوا أن يجيبوا فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لهم؟ ذهب الله بعقولهم» فهم إلى اليوم أهل رعدة وعجلة وكلام مختلط وأهل سفه. قال محمد بن عمر: قد رأيت بعضهم عييّا لا يحسن يبين الكلام. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عوسجة: بفتح العين والسين المهملتين بينهما واو، وبالجيم. الرّعدة: بكسر الراء اسم من رعد يرعد بضم العين، وارتعد اضطرب. العيّ: بكسر العين المهملة عدم الإفصاح بالكلام.

الباب الحادي والستون في سرية قطبة بن عامر بن حديدة رضي الله تعالى عنه إلى خثعم بناحية بيشة قريبا من تربة في صفر سنة تسع.

الباب الحادي والستون في سرية قطبة بن عامر بن حديدة رضي الله تعالى عنه إلى خثعم بناحية بيشة قريبا من تربة في صفر سنة تسع. قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلا إلى [حيّ من] خثعم، قال محمد بن عمر بناحية تبالة، وقال ابن سعد بناحية بيشة. وأمره أن يشنّ الغارة عليهم، فخرجوا على عشرة أبعرة يتعقبونها. فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم، وجعل يصيح بالحاضر ويحذّرهم فضربوا عنه. ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنّوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجراح في الفريقين جميعا، وقتل قطبة من قتل منهم وساقوا النّعم والشّاء والنساء إلى المدينة. وجاء سيل أتيّ فحال بينهم وبينه فما يجدون إليه سبيلا. وكانت سهمانهم أربعة [أبعرة] والبعير يعدل بعشر من الغنم بعد أن أخرج الخمس. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: قطبة: بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة. خثعم: بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة. بيشة: بكسر الموحدة وسكون التحتية وفتح الشين المعجمة وبتاء تأنيث وحكى الجوهري الهمز [بئشة [ (1) ]] . تربة: بضم الفوقية وفتح الراء وبالموحدة وتاء تأنيث. تبالة [ (2) ] : بفتح الفوقية وبالموحدة المخفّفة بلد باليمن حصينة. شنّ الغارة وأشنّها فرّق الجماعة من كل وجه. استعجم عليهم: سكت لم يعلمهم بالأمر. الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه.

_ [ (1) ] وبيشة: من عمل مكة مما يلي اليمن من مكة على خمس مراحل، وبها من النخل والفسيل شيء كثير، وفي وادي بيشة موضع مشجر كثير الأسد، قال السمهري: وأنبئت ليلى بالغريّين سلمت ... عليّ، ودوني طخفة ورجامها فإنّ التي أهدت، على نأي دارها، ... سلاما لمردود عليها سلامها عديد الحصى والأثل من بطن بيشة ... وطرفائها ما دام فيها حمامها معجم البلدان 1/ 628. [ (2) ] تبالة بالفتح، قيل: تبالة التي جاء ذكرها في كتاب مسلم بن الحجاج: موضع ببلاد اليمن وأظنها غير تبالة الحجاج بن يوسف، فإن تبالة الحجاج بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن قال المهلبي: تبالة في الإقليم الثاني، عرضها تسع وعشرون درجة، وأسلم أهل تبالة وجرش من غير حرب فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيدي أهلهما على ما أسلموا عليه. معجم البلدان 1/ 11110.

الباب الثاني والستون في سرية الضحاك بن سفيان الكلابي رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب.

الباب الثاني والستون في سرية الضحّاك بن سفيان الكلابي رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب. قال محمد بن عمر، وابن سعد سنة تسع. وقال: الحاكم في آخر سنة ثمان، وقال محمد بن عمر الأسلمي في صفر. وقال ابن سعد في ربيع الأول وجرى عليه في المورد والإشارة. قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى القرطاء عليهم الضحّاك بن سفيان الكلابي ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزّج زج لاوة بنجد فدعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزموهم. فلحق الأصيد أباه سلمة، وسلمة على فرس له في غدير بالزّجّ فدعا أباه إلى الإسلام وأعطاه الأمان، فسبه وسبّ دينه، فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه، فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء، ثم استمسك به حتى جاءه أحدهم فقتل سلمة ولم يقتله ولده. تنبيهان الأول: يشتبه بأصيد هذا أصيد بن سلمة السلمي أسلم هو وأبوه. ولم يذكر في التجريد تبعا لخلط ابن شاهين بالأول، والصواب التفرقة كما سيأتي بيان ذلك في الوفود. الثاني: في بيان غريب ما سبق: القرطاء: بضم القاف وفتح الراء والطاء المهملة، تقدم الكلام عليها في سرية محمد بن سلمة إليها. الأصيد: بالصاد والدال المهملتين بينهما تحتية وزن أحمد، وهو في اللغة الملك ومن رفع رأسه كبرا والأسد. الزّجّ: بضم الزاي وتشديد الجيم كما في المراصد والصحاح والنهاية والقاموس ووقع في العيون بالزاي والخاء المعجمة وهو سبق قلم وصوابه بالزاي المعجمة والجيم. لاوة: بفتح اللام والواو ولم أجد لها ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الأماكن. ارتكز على رمحه: أثبته في الأرض واستمسك به.

الباب الثالث والستون في سرية علقمة بن مجزز المدلجي رضي الله تعالى عنه إلى الحبشة

الباب الثالث والستون في سرية علقمة بن مجزز المدلجي رضي الله تعالى عنه إلى الحبشة قال ابن سعد في شهر ربيع الآخر [سنة تسع] وقال محمد بن عمر الأسلمي، والحاكم: في صفر. قال ابن سعد: قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل الشعيبة في ساحل جدّة بناحية مكة في مراكب. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزّز في ثلاثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم في البحر فهربوا منه، فلما رجع تعجّل بعض القوم إلى أهليهم فإذن لهم. وروى ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزّز. قال أبو سعيد الخدري وأنا فيهم حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة السهميّ. وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيه دعابة. فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها ويصطنعون. فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار. فقام بعضهم فتحجّزوا حتى ظنّ أنهم واثبون فيها. فقال لهم: اجلسوا إنما كنت أضحك معكم. فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه» [ (1) ] . وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا نارا. فأوقدوا نارا ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنا فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار. فكان كذلك حتى سكن غضبه، وطفئت النار. فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا» . وقال: «لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف» [ (2) ] رواه الشيخان. ورجع علقمة بن مجزّز هو وأصحابه ولم يلق كيدا. تنبيهان الأول: قول سيدنا علي رضي الله تعالى عنه: واستعمل عليهم رجلا من الأنصار [وهم من بعض الرواة وإنما هو سهميّ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 955 (2863) وابن حبان (1552) وابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 118 وذكره السيوطي في الدر 2/ 177. [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4340) وأحمد في المسند 1/ 124 والبيهقي في الدلائل 4/ 312 وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 177.

الثاني: في بيان غريب ما سبق: علقمة [ (1) ] : بعين مهملة فلام فقاف فميم فتاء تأنيث. مجزز: بميم مضمومة فجيم مفتوحة فزايين معجمتين الأولى مكسورة ثقيلة. المدلجي: نسبة إلى بني مدلج قبيلة من كنانة. الشّعبية: بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة فتاء تأنيث. جدّة: بضم الجيم وتشديد الدال المهملة. حذافة: بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة. السهمي: بفتح السين المهملة وسكون الهاء. الدعابة: بضم الدال وبالعين المهملتين وبالموحدة: المزاح. عزمت عليكم: أمرتكم أمرا جدا. تحجّزوا: شمّروا ثيابهم إلى موضع حجزهم وهو موضع معقد الإزار. تراءاهم: نظروهم ورأوهم. كيدا: حربا.

_ [ (1) ] علقمة بن مجزز بجيم وزايين معجمتين الأولى مكسورة ثقيلة- ابن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمر بن مدلج الكناني المدلجي ... انظر الإصابة 4/ 267.

الباب الرابع والستون في سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى الفلس صنم لطي ليهدمه في شهر ربيع الآخر سنة تسع.

الباب الرابع والستون في سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى الفلس صنم لطي ليهدمه في شهر ربيع الآخر سنة تسع. قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في خمسين ومائة رجل أو مائتين كما ذكره ابن سعد من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا، ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس ليهدمه فأغاروا على أحياء من العرب وشنّوا الغارة على محلّة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخرّبوه وملأوا أيديهم من السّبي والنّعم والشّاء وكان في السّبي سفّانة أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام، ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب والمخدم- كان الحارث بن أبي شمر قلّده إياهما- وسيف يقال له اليماني وثلاثة أدرع. واستعمل عليّ على السّبي أبا قتادة واستعمل على الماشية والرّقة عبد الله بن عتيك. فلما نزلوا ركك اقتسموا الغنائم وعزلوا للنبي صلى الله عليه وسلم صفيا رسوبا والمخذم ثم صار له بعد السيف الآخر، وعزل الخمس، وعزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة. ومرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأخت عدي بن حاتم، فقامت إليه وكلّمته أن يمن عليها فمنّ عليها فأسلمت وخرجت إلى أخيها فأشارت عليه بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه. وذكر ابن سعد في الوفود أن الذي أغار وسبى ابنة حاتم خالد بن الوليد. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الفلس: بالفاء واللام والسين المهملة قال في المراصد بضم أوله وسكون ثانيه وضبطه بعضهم بالفتح وسكون اللام قلت وضبطه بعضهم بضم أوله وسكون ثانية وجزم به في العيون والمورد. شنّ الغارة: فرّق الجيش في كل وجه. المحلّة: بفتح الميم مكان ينزل فيه القوم. سفّانة: بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف نون مفتوحة فتاء تأنيث. وجد: بالبناء للمفعول. في خزانته: بكسر الخاء المعجمة. رسوب: بفتح الراء وضم السين المهملة وسكون الواو وبالموحدة. المخذم: بكسر الميم وسكون الخاء وبالذال المعجمتين وبالميم.

شمر: بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وبالراء. الرّقة: بكسر الراء وفتح القاف المخففة وبتاء التأنيث: الفضّة والدراهم المضروبة منها. وأصل اللفظة الورق وهي الدراهم المضروبة خاصّة فحذفت الواو وعوّض عنها بالهاء. عتيك: بالكاف بوزن كثير. ركك: بفتح الراء والكاف الأولى. قال في المراصد: محلّة من محال سلمى أحد جبلي طيء. وقال الأصمعي اسم ماء، ووقع في كثير من نسخ السيرة غير مصروف فكأنه أريد به اسم البقعة.

الباب الخامس والستون في سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه إلى الجباب أرض عذرة وبلي في شهر ربيع الآخر سنة تسع.

الباب الخامس والستون في سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه إلى الجباب أرض عذرة وبلي في شهر ربيع الآخر سنة تسع. كذا ذكر ابن سعد ولم يرد وتبعه في العيون والمورد. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الجباب: بكسر الجيم وبموحدتين بينهما ألف. عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة: بطن من قضاعة بضم القاف وبالضاد المعجمة والعين المهملة. بليّ: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية قبيلة من قضاعة. الباب السادس والستون في سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى أكيدر بن عبد الملك روى البيهقي عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر، والبيهقي عن عروة بن الزبير، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة من تبوك بعث خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارسا في رجب سنة تسع إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل. وكان أكيدر من كندة وكان نصرانيا. فقال خالد: كيف لي به وسط بلاد كلب وإنما أنا في أناس يسيرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك ستجده [ليلا] يصيد البقر فتأخذه فيفتح الله لك دومة فإن ظفرت به فلا تقتله وائت به إليّ فإن أبي فاقتله» . فخرج إليه خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته الرّباب بنت أنيف بن عامر الكنديّة. فصعد أكيدر على ظهر الحصن من الحرّ، وقينة تغنّيه، ثم دعا بشراب. فأقبلت البقر الوحشية تحكّ بقرونها باب الحصن فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت ما رأيت كالليلة في اللحم. قال وما ذاك، فأخبرته فأشرف عليها. فقالت امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا. قالت: فمن يترك هذا؟ قال: لا أحد، قال أكيدر: والله ما رأيت بقرا جاءتنا ليلة غير تلك الليلة، ولقد كنت أضمّر لها الخيل، إذا أردت أخذها شهرا، ولكن هذا بقدر. ثم ركب بالرجال وبالآلة فنزل أكيدر وأمر بفرسه فأسرج وأمر بخيله فأسرجت وركب معه نفر من أهل بيته، معه أخوه حسّان ومملوكان له، فخرجوا من حصنهم بمطاردهم. فلما فصلوا من الحصن وخيل خالد تنظر إليهم لا يصون منها فرس ولا يجول،

فساعة فصل أخذته الخيل، فاستأثر أكيدر وامتنع حسّان وقاتل حتى قتل وهرب المملوكان ومن كان معه من أهل بيته، فدخلوا الحصن، وكان على حسّان قباء من ديباج مخصوص بالذهب، فاستلبه خالد. وقال خالد لأكيدر: هل لك أن أجبرك من القتل حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن تفتح لي دومة؟ فقال أكيدر: نعم. فانطلق به خالد حتى أدناه من الحصن. فنادى أكيدر أهله أن افتحوا باب الحصن، فأرادوا ذلك، فأبي عليهم مضادّ أخو أكيدر. فقال أكيدر لخالد: تعلم والله أنهم لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك فخلّ عنّي فلك الله والأمانة أن أفتح لك الحصن إن أنت صالحتني على أهلي. قال خالد: فإني أصالحك فقال أكيدر إن شئت حكّمتك وإن شئت حكّمتني. فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح، على أن ينطلق به وبأخيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم فيهما حكمه. فلما قاضاه خالد على ذلك خلّى سبيله، ففتح باب الحصن، فدخله خالد وأوثق مضادا أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح. ولما ظفر خالد بأكيدر وأخيه حسّان أرسل خالد عمرو بن أمية الضّمري بشيرا وأرسل معه قباء حسّان. قال أنس وجابر: رأينا قباء حسّان أخي أكيدر حين قدم به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من هذا؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذا» [ (1) ] . ثم إن خالدا لما قبض ما صالحه عليه أكيدر عزل للنبي صلى الله عليه وسلم صفيّة له قبل أن يقسم شيئا من الفيء، ثم خمّس الغنائم بعد. قال محمد بن عمر: كان صفيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة أو سيفا أو درعا أو نحو ذلك. ثم خمّس خالد الغنائم بعد، فقسمها بين أصحابه. قال أبو سعيد الخدريّ: أصابني من السلاح درع وبيضة وأصابني عشر من الإبل. وقال واثلة بن الأسقع: أصابني ست فرائض. وقال عبد الله بن عمرو بن عوف المازني: كنا مع خالد بن الوليد أربعين رجلا من بني مزينة وكانت سهماننا خمس فرائض لكل رجل مع سلاح يقسم علينا دروع ورماح. قال محمد بن عمر: إنما أصاب الواحد ستّا والآخر عشرا بقيمة الإبل. ثم إن خالدا توجّه قافلا إلى المدينة ومعه أكيدر ومضاد. وروى محمد بن عمر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت أكيدر حين قدم به خالد وعليه صليب من ذهب وعليه الديباج ظاهرا.

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (157) وأحمد في المسند 3/ 209 والحديث أخرجه البخاري 10/ 303 (5836) .

فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له، فأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده: لا لا مرّتين. وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هديّة فيها كسوة، قال ابن الأثير: وبغلة وصالحه على الجزية. قال ابن الأثير: وبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار وحقن دمه ودم أخيه وخلّى سبيلهما. وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه أمانهم وما صالحهم عليه، ولم يكن في يد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ خاتم فختم الكتاب بظفره. قال محمد بن عمر حدثني شيخ من أهل دومة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له هذا الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم» : هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: أنّ لنا الضّاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة [والسلاح] والحافر والحصن ولكم الضّامنة من النّخل والمعين من المعمور بعد الخمس ولا تعدل سارحتكم ولا تعدّ فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله تبارك وتعالى ومن حضر من المسلمين» [ (1) ] . وقال بجير بن بجرة الطائي يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم لخالد بن الوليد: «إنك ستجده يصيد البقر» . وما صنعت البقر تلك الليلة بباب الحصن تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبارك سائق البقرات إنّي ... رأيت الله يهدي كلّ هاد فمن يك حائدا عن ذي تبوك ... فإنّا قد أمرنا بالجهاد قال البيهقي بعد أن أورد هذين البيتين من طريق ابن إسحاق وزاد غيره وليس في روايتنا: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك» [ (2) ] . فأتى عليه تسعون سنة فما تحرّك له ضرس. وروى ابن منده وابن السكن وأبو نعيم، كلهم عن الصحابة، عن بجير بن بجرة قال: كنت في جيش خالد بن الوليد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة فقال له: «إنك تجده يصيد البقر» . فوافقناه في ليلة مقمرة وقد خرج كما نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذناه فلما أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدته أبياتا، فذكر ما سبق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك» . فأتت عليه تسعون سنة وما تحرّك له سنّ.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 54. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 251 وذكره ابن حجر في المطالب (4065) وابن كثير في البداية والنهاية 5/ 17.

تنبيهات

تنبيهات الأول: أكيدر: بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون التحتية وكسر الدال المهملة وبالراء، هو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجنّ. الثاني: روى البيهقي عن موسى بن بكير عن سعيد بن أوس العبسي- بالموحدة- من بلال بن يحي رحمه الله تعالى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على المهاجرين إلى دومة الجندل، وبعث خالد بن الوليد على الأعراب معه وقال: «انطلقوا فإنكم ستجدون أكيدر دومة يقنص الوحش فخذوه أخذا وابعثوا به إليّ ولا تقتلوه وحاصروا أهلها» [ (1) ] . الحديث ورواه ابن منده من طريق بلال بن يحيى عن حذيفة موصولا. قلت: وذكر أبي بكر في هذه السّريّة غريب جدا لم يتعرض له أحد من أئمّة المغازي التي وقفت عليها فاللَّه أعلم. الثالث: في بيان غريب ما سبق: رومان: براء مضمومة كعثمان. قفل: بفتح القاف والفاء واللام: رجع. دومة: بضم الدال المهملة وفتحها وسكون الواو فيهما. الجندل: [الصّخر العظيم] . كندة: بكاف مكسورة فميم ساكنة فدال مهملة فتاء تأنيث ويقال كنديّ لقب ثور ابن عفير، أبو حيّ من اليمن لأنه كند أباه النعمة ولحق بأخواله والكند القطع. وسط بلاد كعب- محرّكة ما بين طرفيها فإذا سكّنت كانت ظرفا. الرّباب: براء فموحدتين بينهما ألف: اسم امرأة لشبهها بالرّباب وهو السحاب الأبيض. أنيف: [بضم أوله وفتح النون وسكون التحتية وبالفاء تصغير أنف] . القينة: بقاف مفتوحة فمثناة تحتية فنون: الأمة المغنية أو أعمّ. أضمر لها الخيل وضمّرها أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف. أسرج له: بالبناء للمفعول. حسّان: قتل على شركه. المطارد: بميم مفتوحة مطرد كمنبر: رمح قصير يطعن به.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 253 والحاكم 4/ 519.

فصل: بفتح الفاء والصاد المهملة واللام: خرج. استأثر [أسلم نفسه أسيرا] . المخوّص: بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة وبالصاد المهملة: المنسوج فيه الذهب وقيل فيه طريق من ذهب مثل خوص النخل. مضادّ: [بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبالدال المهملة المشددة بعد ألف] . قدم به: بالبناء للمفعول. المناديل: جمع منديل بفتح الميم وكسرها: الذي يتمسّح به. الصّفيّ: بصاد مهملة مفتوحة ففاء، ما يختار من الغنيمة قبل القسم. واثلة: بواو فألف فمثلثة فلا فمثناة. الأسقع: بهمزة فسين مهملة فقاف فعين مهملة. الفرائض: جمع فريضة وهي هنا البعير المأخوذ في الزكاة سمّي فريضة لأنه فرض واجب على ربّ المال ثم أتّسع فيه حتى سمّي البعير فريضة في غير الزكاة. المازني: نسبة إلى مازن أبو قبيلة. ومزينة كجهينة قبيلة والنسبة إليها مزنّي. خلع بفتحات: نزع وترك. الأنداد: جمع ندّ وهو المثل. الأكناف: جمع كنف وهو ما أحاط بالشيء. الضّاحية: ما ظهر من البلاد. الضّحل: بضاد معجمة فحاء مهملة فلام المكان الذي يقلّ به الماء. البور: بموحدة مضمومة فواو فراء: الأرض قبل أن تصلح للزّرع أو التي تجمّ سنة لتزرع من قابل. الحلقة: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فقاف فتاء تأنيث: الدّرع. الحافر: المراد به هنا الخيل. الحصن: بحاء مكسورة فصاد ساكنة مهملتين: كل موضع حصين لا يوصل إلى جوفه. الضّامنة من النخل ما يكون في القرية أو ما أطاف به منها سورا للمدينة. المعين: بفتح الميم وكسر العين المهملة: الظاهر الجاري. لا تعدل: [سارحتكم: لا تمنع من المرعى] .

والسارحة بسين فراء فحاء مهملات: المال من النّعم. لا تعدّ [فاردتكم أي لا تعدّ مع غيرها فتضمّ إليها ثم تصدّق] . والفاردة المنفردة في المرعى. لا يحظر عليكم النبات: [أي لا تمنعون من الزّرع] . بجبير: كزبير. بجرة: بضم الموحدة وسكون الجيم. تبارك: تقدّس وتنزه. فضّ اللَّه فاه: بفاء فضاد معجمة: كسره وفرّقه. ابن مندة: بميم مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة فتاء. ابن السّكن: بسين مهملة فكاف مفتوحتين فنون. خيل رسول اللَّه: فرسان خيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.

الباب السابع والستون في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما لهدم الطاغية.

الباب السابع والستون في بعثة صلّى اللَّه عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي اللَّه تعالى عنهما لهدم الطاغية. روى البيهقي عن عروة، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن إسحاق عن رجاله، قالوا: إن عبد ياليل بن عمرو، وعمرو بن أمية أحد بني علاج الثقفيان لما قدما على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع وفد ثقيف وأسلموا قالوا: أرأيت الرّبّة ماذا نصنع فيها؟ قال: اهدموها. قالوا: هيهات لو تعلم الرّبّة أنّا أو ضعنا في هدمها قتلت أهلنا. قال عمر بن الخطاب: ويحك يا عبد يا ليل ما أجمعك إنما الرّبّة حجر لا تدري من عبده ممن لم يعبده. قال عبد يا ليل: إنا لم نأتك يا عمر. وقالوا: يا رسول اللَّه اتركها ثلاث سنين لا تهدمها. فأبى. فقالوا: سنتين فأبى فقالوا سنة. فأبى. فقالوا شهرا واحدا. فأبى أن يوقّت لهم وقتا، وإنما يريدون ترك الرّبّة خوفا من سفهائهم والنساء والصبيان، وكرهوا أن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام. وسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يعفيهم من هدمها. وقالوا: يا رسول اللَّه اترك أنت هدمها فإنا لا نهدمها أبدا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أنا أبعث أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة يهدمانها» . فذكروا الحديث [ (1) ] . فقال الوفد وأخبروا قومهم خبرهم وخبر الرّبّة. فقال شيخ من ثقيف قد بقي في قلبه شرك بعد: فذاك واللَّه مصداق ما بيننا وبينه، فإن قدر على هدمها فهو محقّ ونحن مبطلون، وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعد شيء. فقال عثمان بن أبي العاص رضي اللَّه عنه: «منّتك واللَّه نفسك الباطل وغرّتك الغرور الرّبّة، واللَّه ما تدري من عبدها ومن لم يعبدها» . وخرج أبو سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة وأصحابهما لهدم الرّبّة. فلما دنوا من الطائف قال المغيرة لأبي سفيان: تقدّم أنت على قومك. وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا يهدمون الرّبّة. فلما نزلوها عشاء باتوا ثم غدوا على الرّبّة يهدمونها. فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه: «لأضحكنّكم اليوم من ثقيف» . فاستكفّت ثقيف كلها: الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال حزنا يبكين على الطاغية، لا يرى عامة ثقيف أنها معدومة ويظنّون أنها ممتنعة. فقام المغيرة بن شعبة واستوى على رأس الدّابّة ومعه المعول، وقام معه بنو معتّب دريئة بالسلاح مخالفة أن يصاب كما فعل عمّه عروة بن مسعود. وجاء أبو سفيان وصمّم على ذلك فأخذ الكرزين وضرب المغيرة

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 302 وانظر البداية والنهاية 5/ 33.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

بالكرزين ثم سقط مغشيّا عليه يركض برجليه فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وقالوا: أسعد اللَّه المغيرة قد قتلتم الرّبّة. زعمتم أن الرّبّة لا تمتنع بل واللَّه لتمنعنّ، وفرحوا حين رأوه ساقطا، وقالوا: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها فو اللَّه لا يستطاع أبدا. فوثب المغيرة بن شعبة وقال: قبحكم اللَّه يا معشر ثقيف إنما هي لكاع، حجارة ومدر، فاقبلوا عافية اللَّه تعالى ولا تعبدوها ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم سوّرها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سوّوها بالأرض، وجعل السادن يقول: ليغضبنّ الأساس فليخسفنّ بهم. فلما سمع بذلك المغيرة حفر أساسها فخرّبه حتى أخرجوا ترابها وانتزعوا حليتها وكسوتها وما فيها من طيب وذهب وفضّة وثيابها. فبهتت ثقيف فقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع لم يحسنوا المصاع. وأقبل أبو سفيان والمغيرة وأصحابهما حتى دخلوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بحلّيها وكسوتها وأخبروه خبرهم، فحمد اللَّه تعالى على نصر نبيّه وإعزاز دينه، وقسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مال الطاغية من يومه، وسأل أبو المليح بن عروة بن [مسعود بن معتّب الثقفي] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن [يقضي] عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «نعم» . فقال له قارب بن الأسود، وعن الأسود يا رسول اللَّه فاقضه، وعروة والأسود أخوان لأب وأم. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن الأسود مات مشركا» . فقال قارب: يا رسول اللَّه لكن تصل مسلما ذا قرابة، يعني نفسه، إنما الدّين عليّ وإنما أنا الذي أطلب به. فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الطاغية: هي اللّات. ياليل: بتحتيتين وبينهما لام مكسورة وآخره لام. علاج: بكسر العين المهملة وبالجيم. أرأيت: أخبرني. الرّبّة: بفتح الراء. أوضعنا: بفتح أوله وسكون الواو وفتح الضاد المعجمة الساقطة وسكون العين المهملة: أسرعنا. ذو الهرم: بفتح الهاء وسكون الراء: مال كان لعبد المطلب أو لأبي سفيان بالطائف. استكفّ: اجتمع.

المعول: بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وباللام: الفأس التي يكسر بها الحجارة. معتّب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة. الكرزين: والكرزن بفتح الكاف وكسرها الفأس والكرزم بالميم لغة. يركض: يضرب الأرض برجله. ارتجّ: [افتعل من الرّج وهو الحركة الشديدة] . لكاع: بفتح اللام والكاف وكسر العين المهملة على البناء: لئيمة. المدر: بفتح الميم والدال المهملة وبالراء جمع مدرة وهو التراب المتلبّد. السّادن: بسين مهملة فألف فدال مهملة فنون. الخادم. بهت: بضم الموحدة وكسر الهاء وبالفوقية. هذه اللغة الفصحى ويجوز أن تفتح الموحدة وتكسر الهاء أي دهش وتحيّر. أبو المليح: بفتح الميم وكسر اللام وسكون التحتية وبالحاء المهملة. قارب: بالقاف وكسر الراء وبالموحدة. الحمق: بضمتين وتسكن الميم: قلة العقل.

الباب الثامن والستون في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما قبل حجة الوداع إلى اليمن.

الباب الثامن والستون في بعثة صلّى اللَّه عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنهما قبل حجة الوداع إلى اليمن. روى البخاري من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري، ومن طريق طارق بن شهاب كلاهما عن أبي موسى، ومن طريق عبد الملك بن عمير عن أبي بردة مرسلا. قال أبو موسى: أقبلت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخرة عن شمالي كلاهما يسأل العمل والنبي صلى اللَّه عليه وسلم يستاك، فقال: «ما تقول يا أبا موسى؟ أو قال: «يا عبد اللَّه بن قيس؟» قال: فقلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في نفسيهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل. قال: فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفتيه وقد قلصت. قال: «لن يستعمل على عملنا من يريده ولكن إذهب أنت يا أبا موسى، أو قال: يا عبد اللَّه بن قيس» . قال أبو موسى: فبعثني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعاذا إلى اليمن. قال أبو بردة: بعث كل منهما على مخلافه. قال: واليمن مخلافان، وكانت جهة معاذ العليا وجهة أبي موسى السفلى. قال أبو موسى: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ادعوا الناس وبشّرا ولا تنفّرا ويسّرا ولا تعسّرا وتطاوعا ولا تختلفا» . قال أبو موسى: يا رسول اللَّه أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن، قال: البتع وهو من العسل ينبذ ثم يشتد، والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ ثم يشتد. قال: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد اعطي جوامع الكلم وخواتمه. قال: «أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة» . وفي رواية: فقال: «كل مسكر حرام» [ (1) ] . قال: فقدمنا اليمن وكان لكل واحد منا قبّة نزلها على حدة. قال أبو بردة. فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه، وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلّم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه فإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه فقال له معاذ: يا عبد اللَّه بن قيس أيّم هذا؟ قال: هذا يهودي كفر بعد إسلامه، أنزل وألق له وسادة فقال: لا أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل. قال: إنما جيء به لذلك فانزل. قال: ما أنزل حتى يقتل، ثم نزل. فقال: يا عبد اللَّه كيف تقرأ القرآن؟ قال: «أتفوّقه تفوّقا. قال فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنا أوّل الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب اللَّه لى فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي» .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4344) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ألا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه فإن هم أطاعوا لك بذاك فأخبرهم إن اللَّه عز وجل قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم إن اللَّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم طاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين اللَّه حجاب» [ (1) ] . رواه الشيخان، وروى البخاري عن عمرو بن ميمون أحد كبار التابعين المخضرمين رحمه اللَّه تعالى أن معاذا لمّا قدم اليمن صلّى بهم الصّبح فقرأ سورة النساء فلما قرأ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء 125] قال رجل من القوم: لقد قرّت عين أم إبراهيم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العمل: بعين مهملة فميم مفتوحتين فلام: القيام بالأمور، والعامل للرجل القائم عنه في ملكه وعمله، ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: عامل. شعرت: بشين معجمة مفتوحة فعين مهملة تفتح وتكسر فراء: علمت. قلصت: بقاف مفتوحة فلام فصاد مهملة: ارتفعت. المخلاف: بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وبالفاء المكسورة: الإقليم والرّستاق بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح الفوقية، بلغة أهل اليمن. يسّرا ولا تعسّر وبشّرا، ولا تنفّرا. الأصل أن يقال: بشّر ولا تنذرا، وآنسا ولا تنفّرا، فجمع بينهما ليعمّ البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير، فهو من باب المقابلة [المعنوية] قاله الطيبي. قال الحافظ: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة وهو الأصل وبلفظ التنفير وهو اللازم، وأتى بالذي بعده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفى مطلقا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عن الإنذار وهو التنفير فكأنه قال: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير كقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً [طه 44] . تطاوعا: كونا متفقين في الحكم. البتع: بكسر الموحدة وسكون الفوقية فعين مهملة: نبيذ العسل. ينبذ: يطرح. يشتدّ: بشين معجمة يقوى.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 158 ومسلم في كتاب الإيمان (10) .

المزر: بكسر الميم وسكون الزاي فراء: نبيذ الشّعير. جوامع الكلم وخواتمه: يأتي الكلام على ذلك في الخصائص. أسكر عن الصلاة: ألهى عنها بعد صحوه. قبّة على حدة: بحاء مكسورة فدال مفتوحة مخففة: أي جانب متميّز عن صاحبه. أحدث به عهدا: أي في الزيادة. جمعت يداه إلى عنقه: [أي قيّدت] . أيّم هذا: بفتح التحتية والميم وبغير إشباع أي أيّ شيء هو؟ وأصلها أيّما وأيّ استفهامية وما بمعنى شيء، فحذفت الألف تخفيفا. وضمّ أبو ذر الهروي التحتية في روايته. الوسادة: بكسر الواو: المتّكأ. أتفوّقه: بفتح أوله والفوقية والفاء والواو المشددة وبالقاف: أي اقرأه شيئا بعد شيء في آناء الليل والنهار، بمعنى القراءة مرة واحدة، بل أفرّق قراءته على أوقات، مأخوذ من فواق الناقة وهو الحلب ثم تترك ساعة حتى تدرّ ثم تحلب. جزئي من النوم: بضم الجيم وسكون الزاي، بعدها همزة مكسورة فتحتية، أي أنه جزّأ الليل أجزاء جزءا للنوم وجزءا للقراءة والقيام. فأحتسب: نومتي كما أحتسب قومتي: بهمزة قطع، وكسر السين من غير فوقية في «أحتسب» في الموضعين في غير رواية أبي ذرّ، وبهمزة وصل وفتح السين وسكون الموحدة. وفي رواية أبي ذرّ عن الحموي والمستملي بصيغة الماضي فيهما. كرائم الأموال: نفائسها أي احذر أخذ نفائس أموالهم. قرّت عين [أم إبراهيم: أي سرّت بذلك وفرحت] .

الباب التاسع والستون في بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني عبد المدان، كذا عند ابن سعد في السرايا وهم من بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر.

الباب التاسع والستون في بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني عبد المدان، كذا عند ابن سعد في السرايا وهم من بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر. قالوا: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، ثلاثة أيام. فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم. فخرج إليهم خالد حتى قدم عليهم. فبعث الرّكبان يضربون في كل وجه، ويدعون إلى الإسلام ويقولون: «أيها الناس، أسلموا تسلموا» . فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه. فأقام فيهم خالد بن الوليد يعلّمهم شرائع الإسلام وكتاب الله عز وجل وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم [من خالد بن الوليد] السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو. أما بعد يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليك، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا قبلت منهم وعلّمتهم معالم الإسلام وكتاب اللَّه وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم. وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وبعث فيهم ركبانا ينادون: يا بني الحارث أسلموا تسلموا. فأسلموا ولم يقاتلوا، وإني مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم اللَّه به وأنهاهم عما نهاهم اللَّه عنه، وأعلّمهم معالم الإسلام وسنّة النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى يكتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [والسلام عليك يا رسول اللَّه ورحمته وبركاته] . فكتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول اللَّه إلى خالد بن الوليد. سلام عليك فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا وشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً عبده ورسوله، قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وأن قد هداهم اللَّه بهداه، فبشّرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عبد المدان: [المدان] كسحاب صنم بنجران. [نجران] : كفعلان موضع اليمن فتح سنة عشر، سمّى بنجران بن زيد بن سبا. الرّكبان: جمع لراكب البعير خاصّة. يضربون: يسيرون سراعا غازين.

الباب السبعون في سرية المقداد بن الأسود رضي الله عنه إلى أناس من العرب

الباب السبعون في سرية المقداد بن الأسود رضي اللَّه عنه إلى أناس من العرب روى البزار والدّارقطني في الإفراد، والطبراني والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، وابن أبي شيبة، وابن جرير عن سعيد بن جبير رحمه اللَّه تعالى، قال ابن عباس: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرّقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: «أشهد ألا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له» . فأهوى إليه المقداد فقتله. فقال له رجل من أصحابه: «قتلت رجلا شهد ألا إله إلا اللَّه، لأذكرنّ ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: يا رسول اللَّه إن رجلا شهد أن لا إله إلا اللَّه فقتله المقداد. فقال: «يا مقداد أقتلت رجلا يقول أن لا إله إلا اللَّه فكيف لك بلا إله إلا اللَّه غدا؟» فأنزل اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء 94] . قال: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم للمقداد: «كان رجلا مؤمنا يخفي إيمانه مع قوم كفّار، فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة» . وقال سعيد بن جبير: فنزلت هذه الآية: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني الغنيمة. تنبيهات الأول: تقدم في قصة أسامة قتله لمرداس: بن نهيك. الثاني: اختلف في سبب هذه الآية: [أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لحق ناس من المسلمين رجلا معه غنيمة له فقال: السلام عليكم. فقتلوه وأخذوا غنيمته، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا إلى قوله: عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا قال: تلك الغنيمة. قال: قرأ ابن عباس السَّلامَ. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني والترمذي وحسنه وعبد بن حميد وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يسوق غنما له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوّذ منا،

فعمدوا له فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فنزلت الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ ... الآية» . وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عبد اللَّه بن أبي حدود الأسلمي قال: «بعثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى إضم، فخرجت في نفر من المسلمين فيهم الحرث بن ربعي أبو قتادة، ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له، معه متيع له وقطب من لبن، فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه، فقتله وأخذ بعيره ومتاعه، فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ... الآية. وأخرج ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبغوي في معجمه من طريق يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط عن أبي حدرد الأسلمي عن أبيه نحوه، وفيه فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «أقتلته بعد ما قال: آمنت باللَّه!؟ فنزل القرآن» . وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: «بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليستغفر له فقال: «لا غفر اللَّه لك» . فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت به ساعة حتى مات ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاؤوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: «إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن اللَّه أراد أن يعظكم، ثم طرحوه في جبل وألقوا عليه الحجارة، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ ... الآية» .

الباب الحادي والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى همدان ثم بعثه عليا رضي الله عنهما.

الباب الحادي والسبعون في بعثة صلّى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد إلى همدان ثم بعثه عليا رضي اللَّه عنهما. روى البيهقي في السنن والدلائل والمعرفة عن البراء بن عازب رضي اللَّه تعالى عنهما قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام. قال البراء فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا. ثم إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب مكان خالد وأمره أن يقفل خالدا وقال: «مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقّب معك فليعقّب ومن شاء فليقبل» . قال البراء: فكنت فيمن عقّب مع عليّ. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلّى بنا عليّ ثم صفّنا صفّا واحدا ثم تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا. فكتب عليّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بإسلامهم. فلما قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الكتاب خرّ ساجدا ثم رفع رأسه وقال: «السلام على همدان» [ (1) ] مرتين رواه البخاري مختصرا. وعنده عن البراء قال: فغنمت أواق ذوات عدد» . وروى الترمذي وقال حسن غريب عن البراء رضي اللَّه تعالى عنه قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى اليمن جيشين وأمّر عليّا على أحدهما وعلي الآخر خالد بن الوليد. وقال: «إذا كان قتال فعليّ رضي اللَّه تعالى عنه الأمير» . قال: فافتتح عليّ حصنا فغنمت أواقي ذوات عدد، وأخذ عليّ منه جارية. قال: فكتب معي خالد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- الذي في جامع الترمذي «بشيء به» قال الترمذي: يعني النميمة- يخبره. قال: فلما قدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقرأ الكتاب رأيته يتغيّر لونه فقال: «ما ترى في رجل يحب اللَّه ورسوله ويحبّه اللَّه تعالى ورسوله؟» فقلت: أعوذ باللَّه من غضب اللَّه تعالى وغضب رسوله، إنما أنا رسول. فسكت. [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري والإسماعيلي، والنّسائي عن بريدة بن الحصيب رضي اللَّه تعالى عنه قال: «أصبنا سبيا فكتب خالدا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ابعث إلينا من يخمّسه» . وفي السّبي وصيفة هي من أفضل السّبي. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّا إلى خالد ليقبض منه الخمس، وفي رواية: ليقسم الفيء. فقبض منه فخمّس وقسم، واصطفى عليّ سبيّة، فأصبح وقد اغتسل ليلا. وكنت أبغض عليّا بغضا لم أبغضه أحدا، وأحببت رجلاً من قريش لم أحبّه إلا لبغضه عليّا. فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ وفي رواية: فقلت يا أبا الحسن

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن 2/ 366 وفي الدلائل 5/ 369 والبخاري 7/ 663 (4349) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 4/ 180 (1704) .

تنبيهات

ما هذا؟ قال ألم تر إلى الوصيفة فإنها صارت في الخمس ثم صارت في آل محمد ثم في آل عليّ فوقعت بها. فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذكرت له ذلك» [ (1) ] . وفي رواية: فكتب خالد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب وأقول صدق، فإذا النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد احمر وجهه فقال: «من كنت وليّه فعليّ وليّه» . ثم قال: «يا بريدة أتبغض عليّا؟» فقلت: نعم. قال: «لا تبغضه فإن له الخمس أكثر من ذلك» . وفي رواية: «والذي نفسي بيده لنصيب عليّ في الخمس أفضل من وصيفة وإن كنت تحبه فازدد له حبّا» . وفي رواية: «لا تقع في عليّ فإنه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي» [ (2) ] . قال بريدة: فما كان في الناس أحد أحب إلي من عليّ. تنبيهات الأول: قال ابن إسحاق وغيره: غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن مرّتين قال في العيون: ويشبه أن تكون هذه السرية الأولى، وما ذكره ابن سعد هي السرية الثانية كما سيأتي. الثاني: قال الحافظ: كان بعث عليّ بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة. الثالث: قال الحافظ أبو ذر الهرويّ: إنما أبغض بريدة عليّا لأنه رآه أخذ من المغنم فظنّ أنه غلّ. فلما أعلمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه أخذ أقلّ من حقه أحبّه. قال الحافظ. وهو تأويل حسن لكن يبعده صدر الحديث الذي رواه أحمد، فلعلّ سبب البغض كان لمعنى آخر وزال، ونهى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن بغضه. الرابع: استشكل وقوع علي رضي اللَّه تعالى عنه على الجارية وأجيب باحتمال أنها كانت غير بالغ، ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، أو أنها كانت حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها، أو كانت عذراء. الخامس: استشكل أيضا قسمته لنفسه، وأجيب بأن القسمة في مثل ذلك جائزة ممن هو شريكه فيما يقسمه كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم فكذلك ممن نصبه الإمام فإنه مقامه. السادس: في بيان غريب ما سبق: همدان: بسكون الميم وبالدال المهملة قبيلة معروفة. قال الأئمة الحفاظ: وليس في

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب النكاح (5210) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 356 وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 128 والمتقي الهندي في الكنز (42942) .

الصحابة ولا تابعيهم ولا أتباع الأتباع أحد من البلدة التي هي بفتح الميم وبالذال المعجمة. البراء: بفتح الموحدة وتخفيف الراء. عازب: بعين مهملة فألف فزاي مكسورة وبالموحدة: ضدّ متزوّج. أمره: بتخفيف الميم من الأمر. يقفل خالدا: بضم التحتية وسكون القاف وسكون الفاء يرجعه ويردّه. يعقّب: بضم التحتية وفتح العين المهملة وتشديد القاف: يرجع. أواق: مثل جوار، وفي لفظ أواقيّ بتحتية مشددة وتخفّف. ذوات عدد: [أي كثيرة] . بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية وبالدال المهملة. الحصيب: بحاء مضمومة فصاد مفتوحة مهملتين فتحتية ساكنة فموحدة. الوصيفة: بواو فصاد مهملة فتحتية ففاء الخادم. السّبيّة: بفتح السين المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية فهمزة: الجارية من السّبي. من كنت وليه فعليّ وليّه: قال الحافظ لهذا اللفظ طرق يقوي بعضها بعضا. وهو وليكم بعدي: [أي يلي أمركم] .

الباب الثاني والسبعون في سرية علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى اليمن المرة الثانية.

الباب الثاني والسبعون في سرية علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى اليمن المرة الثانية. قال محمد بن عمر، وابن سعد [ (1) ] رحمهما الله تعالى واللفظ للأول: قالوا-: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا إلى اليمن في رمضان وأمره أن يعسكر بقناة فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه. فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء وأخذ عمامته فلفها مثنية مربّعة فجعلها في رأس الرّمح ثم دفعها إليه وعمّمه بيده عمامة ثلاثة أكوار وجعل له ذراعا بين يديه وشبرا من ورائه وقال له: «امض ولا تلتفت» . فقال علي: يا رسول الله ما أصنع؟ قال: «إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك وادعهم إلى أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن قالوا نعم فمرهم بالصلاة فإن أجابوا فمرهم بالزكاة فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت» . فخرج عليّ في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد. فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج فرّق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم وسبايا نساء وأطفالا ونعما وشاء وغير ذلك. فجعل عليّ على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعا. ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا أصحابه بالنّبل والحجارة. فلما رأى أنهم لا يريدون إلا القتال صفّ أصحابه ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السّلمي فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن خزاعي فقتله الأسود وأخذ سلبه. ثم حمل عليهم عليّ وأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرّقوا وانهزموا وتركوا لواءهم قائما وكفّ عليّ عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا. وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الإسلام وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى. وجمع عليّ ما أصاب من تلك الغنائم، فجزّأها خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله ثم أقرع عليها، فخرج أول السّهمان سهم الخمس وقسم علي رضي الله تعالى عنه على أصحابه بقيّة المغنم، ولم ينفّل أحدا من الناس شيئا، وكان من كان قبله يعطون خيلهم الخاص دون غيرهم من الخمس ثم يخبرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يردّه عليهم فطلبوا ذلك من عليّ فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى فيه رأيه. وأقام فيهم يقرئهم القرآن ويعلّمهم الشرائع وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا مع

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 122.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره الخبر. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى عليّ بذلك فانصرف عليّ راجعا. فلما كان بالفتق تعجّل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر وخلّف على أصحابه والخمس أبا رافع، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج، وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة ونعم وشاء مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم. فسأل أصحاب عليّ أبا رافع إن يكسوهم ثيابا يحرمون فيها فكساهم منها ثوبين ثوبين. فلما كانوا بالسّدرة داخلين خرج عليّ ليتلقّاهم ليقدم بهم، فرأى على أصحابه الثياب فقال لأبي رافع: ما هذا؟ فقال: «كلّموني ففرقت من شكايتهم وظننت أن هذا ليسهل عليك وقد كان من قبلك يفعل هذا بهم» . فقال: «قد رأيت امتناعي من ذلك ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلّفت فتعطيهم» . فنزع عليّ الحلل منهم. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه، فدعا عليّا، فقال: «ما لأصحابك يشكونك؟» قال: ما أشكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا وحسبت الخمس حتى يقدم عليك فترى فيه رأيك. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: واحتفر قوم بئرا باليمن فأصبحوا وقد سقط فيها أسد، فنظروا إليه، فسقط إنسان بالبئر فتعلّق بآخر وتعلّق الآخر بآخر حتى كانوا في البئر أربعة فقتلهم الأسد، فأهوى إليه رجل برمح فقتله. فتحاكموا إلى علي رضي الله تعالى عنه. فقال: ربع دية وثلث دية ونصف دية ودية تامة: للأسفل ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف دية من أجل أنه هلك فوقه واحد، وللأعلى الدّية كاملة. فإن رضيتم فهو بينكم قضاء وإن لم ترضوا فلا حقّ لكم حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقضي بينكم. فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّوا عليه خبرهم، فقال: «أنا أقضي بينكم إن شاء الله تعالى» . فقال بعضهم: يا رسول الله إن عليّا قد قضى بيننا. قال: «فيم قضى؟» فأخبروه، فقال: «هو كما قضى به» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: يعسكر: يجمع عسكره أي جيشه. قناة: بفتح القاف وتخفيف النون وبعد الألف تاء تأنيث: واد من أودية المدينة. ثلاثة أكوار: جمع كورة العمامة وهي إدارتها. امض: بهمزة وصل. السّاحة: عرصة الدار والمراد هنا المكان. مذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبالجيم: قبيلة من اليمن.

أدنى الناحية: أقربها. النّهب: بفتح النون: غنائم [وغنائم] بدل من نهب فهو مجرور بالفتحة. جمع إليه: بالبناء للمفعول. السّبي: بسين مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة فتحتية: الحمل من بلد لآخر. الشّاء: بالمدّ جمع كثرة للشاة، وأما جمع القلّة فشياه. النّبل: بفتح النون وسكون الموحدة: السّهام العربية. مسعود بن سنان السّلمي. نسب أسليما ولذا فرّق بينهما ابن الأثير، وقال في الإصابة والنور لعله أسلمياف حليفا لبني سلمة بكسر اللام من الأنصار. برز: ظهر بعد اختفائه. البراز: بفتح الموحدة ثم راء: الخروج. ابن خزاعيّ: [بضم الخاء المعجمة وبالزاي فألف فعين مهملة مكسورة فتحتية] . السّلب: بالتحريك ما يؤخذ من القتيل. كفّ عنه: بفتح الكاف والفاء المشددة. على من وراءنا: بفتح الميم. جزّأها: بفتح الهمزة بعد الزاي. السّهمان: بضم السين المهملة جمع سهم وهو الحظ. ابن عوف: بالفاء. المزني: بضم الميم وفتح الزاي وبالنون فتحتية. يوافيه: [يأتيه] . الموسم: اجتماع الناس للحج. الفتق: بفاء ومثنّاة مضمومة فقال: مكان بالطائف. معكومة: مشدودة. النّعم: بفتح النون والعين المهملة وقد تكسر عينه: الإبل والشّاء أو خاصّ الإبل. السّدرة: [موضع قرب المدينة] . ففرقت من شكايتهم: بفاء مفتوحة فراء مكسورة فقال: فزعت. شكايتهم: بكسر الشين المعجمة أي ذكر ما بهم من مرض أو غيره. ما أشكيتهم أي ما أزلت شكايتهم أي ما يشكونه.

الباب الثالث والسبعون في سرية بني عبس.

الباب الثالث والسبعون في سرية بني عبس. ذكر ابن سعد في الوفود أن بني عبس وفدوا وهم تسعة. فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية لعير قريش، وذكر ابن الأثير أن فيهم ميسرة بن مسروق وأنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع ويأتي إن شاء الله تعالى في الوفود لذلك زيادة. الباب الرابع والسبعون في بعثة صلّى الله عليه وسلم سرية إلى رعية السّحيمي [ (1) ] رضي الله عنه قبل إسلامه. روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد بسند جيّد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا في أديم أحمر، فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقع به دلوه. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فلم يدعوا له سارحة ولا رائحة ولا أهلا ولا مالا إلا أخذوه، وانفلت عريانا على فرس له ليس عليه سترة حتى انتهى إلى ابنته وهي متزوجة في بني هلال وقد أسلمت وأسلم أهلها. وكان مجلس القوم بفناء بيتها، فدار حتى دخل عليها من وراء البيت. فلما رأته ألقت عليه ثوبا وقالت: ما لك؟ قال: «كل الشّرّ نزل بأبيك ما ترك له رائحة ولا سارحة ولا أهل ولا مال. قالت: دعيت إلى الإسلام؟. قال: أين بعلك؟ قالت: في الإبل. فأتاه. قال: مالك؟ قال: كل الشر نزل بي ما تركت لي رائحة ولا سارحة ولا أهل ولا مال وأنا أريد محمدا قبل أن يقسم أهلي ومالي. قال: فخذ راحلتي برحلها. قال: لا حاجة لي فيها. قال فخذ قعود الراعي. وزوّده إداوة من ماء. قال: وعليه ثوب إذا غطّي به وجهه خرجت استه وإذا غطّى استه خرج وجهه وهو يكره أن يعرف حتى انتهى إلى المدينة فعقل راحلته. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان بحذائه حيث يقبل. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصبح قال: يا رسول الله ابسط يدك أبايعك، فبسطها. فلما أراد أن يضرب عليها قبضها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ويفعله. فلما كانت الثالثة قال: «من أنت؟» قال: إنا رعية السّحيمي. قال: فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم عضده ثم رفعه ثم قال: «يا معشر المسلمين هذا رعية السّحيمي الذي بعثت

_ [ (1) ] انظر ترجمته في الإصابة 2/ 208.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

إليه كتابي فرقع به دلوه» . فأخذ يتضرع إليه. قلت: يا رسول الله أهلي ومالي. قال: «أمّا مالك فقدم قسّم وأمّا أهلك فمن قدرت عليه منهم» . فخرج فإذا ابنه قد عرف الراحلة وهو قائم عندها فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذا ابني. قال: «يا بلال أخرج معه فسله أبوك هو؟ فإذا قال نعم فادفعه إليه» . فخرج إليه فقال: أبوك هذا؟ قال: نعم. فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما رأيت أحدا منهما استعبر لصاحبه. قال: «ذاك جفاء الأعراب» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: رعية: بكسر الراء وسكون العين المهملتين وبالتحتية فتاء تأنيث، وقال الطبري بالتصغير. السحيمي: بمهملتين مصغّر.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 286.

الباب الخامس والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه إلى باهلة.

الباب الخامس والسبعون في بعثة صلّى الله عليه وسلم أبا أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه إلى باهلة. عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله عز وجل وأعرض عليهم شرائع الإسلام. فأتيتهم وقد سقوا إبلهم وجلبوها وشربوا. فلما رأوني قالوا: مرحبا بالصّدعي بن عجلان. وأكرموني وقالوا: بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل. فقلت: لا ولكن آمنت بالله ورسوله وبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أعرض عليكم شرائع الإسلام. فبينا نحن كذلك إذ جاءوا بقصعتهم فوضعوها واجتمعوا حولها يأكلونها وقالوا: هلمّ يا صديّ. قلت: ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرّم هذا عليكم إلا ما ذكّيتم كما قال الله تعالى. قالوا: وما قال؟ قلت: نزلت هذه الآية حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [المائدة 3] إلى قوله: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ، فجعلت أدعوهم إلى الإسلام فكذّبوني وزبروني وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد. فقلت لهم: ويحكم ايتوني بشربة من ماء فإني شديد العطش. قالوا: لا ولكن ندعك تموت عطشا. قال: فاعتممت وضربت برأسي في العمامة ونمت في حر شديد، فأتاني أت في منامي بقدح فيه شراب من لبن لم ير الناس ألذّ منه فشربته حتى فرغت من شرابي ورويت وعظم بطني. فقال القوم: أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم فرددتموه فاذهبوا إليه وأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي. فأتوني بالطعام والشراب فقلت: لا حاجة لي في طعامكم ولا شرابكم، فإن الله تعالى أطعمني وسقاني: فانظروا إلى الحال التي أنا عليها. فأريتهم بطني فنظروا فاسلموا عن آخرهم بما جئت به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو أمامة: ولا والله ما عطشت ولا عرفت عطشا بعد تيك الشّربة، رواه الطبراني من طريقين إحداهما سندها حسن.

الباب السادس والسبعون في سرية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه إلى ذي الخلصة.

الباب السادس والسبعون في سرية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه إلى ذي الخلصة. روى الشيخان عن جرير رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟» وكان بيتا لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد، تسمى الكعبة اليمانية. قال جرير: فنفرت في مائة وخمسين راكبا من أحمس وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري وقال: «اللهم ثبّته على الخيل واجعله هاديا مهديا» . قال: فأتيناه فكسرناه وحرّقناه وقتلنا من وجدنا عنده. وبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشّره يكنى أبا أرطاة. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم [والذي بعثك بالحق] ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب. قال: «فبرّك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات» . قال جرير: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لنا ولأحمس، فما وقعت عن فرس بعد [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: ذو الخلصة: محرّكة وبضمتين بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم كان فيه صنم اسمه الخلصة. ألا: بمعنى هلا. تريحني: أي تدخلني في الراحة وهي الرحمة. خثعم: بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة فميم. بجيلة: [كسفينة حيّ باليمن من معد] . نصب: بضمتين كل ما عبد من دون الله. تعبد: بضم الفوقية وسكون العين المهملة وفتح الموحدة. الكعبة: كل بيت مربع. اليمانية: منسوبة إلى اليمن، محرّكة. نفرت: بنون ففاء فراء: ذهبت.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4355) .

أحمس: تقدم تفسيره. لا أثبت على الخيل: [لا أتماسك عليها] . أبو أرطاة: [الأرطاة واحدة الأرطى وهو ضرب من الشجر يدبغ به] . كأنها جمل أجرب: أبي معبد. والجرباء الأرض المقحوطة. برّك: دعا بالبركة وهي النّماء والزيادة والسعادة.

الباب السابع والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن رضي الله عنهما.

الباب السابع والسبعون في بعثة صلّى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن رضي الله عنهما. روى محمد بن رمضان بن شاكر في مناقب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال: «وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن وقال: «إذا اجتمعنا فعليّ الأمير وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير» [ (1) ] . فاجتمعا. وبلغ عمرو بن معد يكرب. فابتدره عليّ مكانهما. فأقبل على جماعة من قومه. فلما دنا منهما قال: دعوني حتى آتي هؤلاء القوم فإني لم أسمّ لأحد قط إلا هابني. فلما دنا منهما نادى: أنا أبو ثور وأنا عمرو بن معد يكرب. فابتدره عليّ وخالد وكلاهما يقول لصاحبه: خلّني وإيّاه ويفديه بأمّه وأبيه. فقال عمرو إذ سمع قولهما: الغرب تفزع بي وأراني لهؤلاء جزرا. فانصرف عنهما. وكان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة وكان شاعرا محسنا» . وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طرق قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن وقال له: «إن مررت بقرية فلم تسمع أذانا فاسبهم» [ (2) ] فمرّ ببني زبيد فلم يسمع أذانا فسباهم. فأتاه عمرو بن معد يكرب فكلّمه فيهم فوهبهم له، فوهب له عمرو سيفه الصّمصامة فتسلمه خالد ومدح عمرو خالدا في أبيات له.

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 14. [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11441) .

الباب الثامن ومن السبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى خثعم.

الباب الثامن ومن السبعون في بعثة صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى خثعم. روى الطبراني برجال ثقات عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعثه إلى أناس من خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلهم فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف الدية ثم قال: «أنا بريء من كل مسلم أقام مع المشركين لا تراءى ناراهما» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: خثعم: تقدم الكلام عليها غير مرة. لا تراءى ناراهما: [لا تتراءى ناراهما] . الباب التاسع والسبعون في بعثة صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه إلى أبي سفيان بن الحارث قبل إسلامه. عن عمرو بن عمرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جهينة ومزينة إلى أبي سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب وكان منابذا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما ولّوا غير بعيد قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله بأبي أنت وأمي علام تبعث [هؤلاء] قد كادا يتفانيان في الجاهلية أدركهم الإسلام وهم على بقية منها. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردّهم حتى وقفوا بين يديه. فعقد لعمرو بن مرّة على الجيشين على جهينة ومزينة وقال: «سيروا على بركة الله» . فساروا إلى أبي سفيان بن الحارث. فهزمه الله تعالى وكثر القتل في أصحابه. فلذلك يقول أبو سفيان بن الحارث: [ ... ] [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 134. [ (2) ] بياض بالأصل لم نستطع تكملته.

الباب الثمانون في سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهم إلى أبني وهي بأرض الشراة بناحية البلقاء.

الباب الثمانون في سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهم إلى أبني وهي بأرض الشرّاة بناحية البلقاء. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بعد حجته بالمدينة بقية ذي الحجة، والمحرّم، وما زال يذكر مقتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، ووجد عليهم وجدا شديدا. فلما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتّهيّؤ لغزو الروم وأمرهم بالجدّ، ثم دعا من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر أسامة بن زيد فقال: «يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى [موضع] مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد ولّيتك هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى وحرّق عليهم وأسرع السّير تسبق الأخبار فإن أظفرك الله فأقلل اللّبث فيهم وخذ معك الأدلّاء وقدّم العيون والطلائع أمامك» . فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فحمّ وصدّع. فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده. ثم قال: «اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تتمنّوا لقاء العدوّ فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ولكن قولوا اللهم أكفناهم بما شئت واكفف بأسهم عنّا، فإن لقوكم قد جلبوا وضجّوا فعليكم بالسّكينة والصّمت ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وقولوا اللهم إنا نحن عبيدك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تغنيهم أنت واعلموا أن الجنة تحت البارقة» . فخرج أسامة رضي الله تعالى عنه بلوائه [معقودا] ، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من [وجوه] المهاجرين الأوّلين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله تعالى عنهم في رجال آخرين من الأنصار، عدّة مثل قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش. فاشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة فخرج عاصبا رأسه فقال: «أيها الناس أنفذوا بعث أسامة» ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رجل من المهاجرين- كان أشدهم في ذلك قولا- عياش بن أبي ربيعة [المخزومي] رضي الله تعالى عنه: «يستعمل هذا الغلام على المهاجرين» . فكثرت المقالة، وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بعض ذلك فردّه على من تكلم به، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب غضباً شديداً. وخرج يوم السبت عاشر المحرّم سنة إحدى عشرة وقد

عصّب رأسه بعصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد أيها الناس فما مقالة «قد بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ وإنهما لمخيلان لكل خير فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم» [ (1) ] . ثم نزل فدخل بيته، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ويمضون إلى العسكر بالجرف، ودخلت أم أيمن رضي الله تعالى عنها فقالت: «يا رسول الله لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه» . فقال: «أنفذوا بعث أسامة» . فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد. ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الذي لدّوه فيه، فدخل عليه وعيناه تهملان، وعنده الناس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة فقبّله والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة كأنه يدعو له. ورجع أسامة إلى معسكره. ثم دخل يوم الإثنين وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا وجاءه أسامة فقال له: «اغد على بركة الله» . فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا. ودخل أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: «يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله واليوم يوم ابنة خارجة فأذن لي» . فأذن له فذهب إلى السّنح. وركب أسامة إلى العسكر وصاح في أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهى إلى معسكره وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار. فبينا هو يريد أن يركب أتاه رسول أمه أم أيمن يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت فأقبل إلى المدينة وأقبل معه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم. ودخل المسلمون الذي عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة بن الحصيب باللواء معقودا فغرزه عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ليمضي لوجهه وألا يحله حتى يغزوهم وقال لأسامة: «أنفذ في وجهك الذي وجّهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم» . وأمر الناس بالخروج، فعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء. فلما ارتدت العرب كلّم أبو بكر في حبس أسامة فأبي.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 136 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (30266) .

تنبيهان

ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلّمه في أن يترك عمر وأن يأذن له في التخلف ففعل. وخرج ونادى مناديه عزمت لا يتخلّف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتي بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشيا. فلم يتخلّف عن البعث أحد. وخرج أبو بكر يشيّع أسامة فركب من الجرف لهلال ربيع الآخر في ثلاثة آلاف فيهم ألف فارس، وسار أبو بكر إلى جنبه ساعة وقال: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه إنما أنا منفّذ لأمر أمر به «رسول الله صلى الله عليه وسلم» - فخرج سريعا فوطئ بلادا هادية لم يرجعوا عن الإسلام جهينة وغيرها من قضاعة. حتى نزل وادي القرى، فسار إلى أبنى في عشرين ليلة. فقدم له عين له من بني عذرة يدعى حريثا، فانتهى إلى ابني، ثم عاد فلقي أسامة على ليلتين من أبنى فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم وحثّهم على السّير قبل اجتماعهم. فسار إلى أبني وعبأ أصحابه ثم شنّ عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليهم وحرّق بالنار منازلهم وحرثهم ونخلعهم فصارت أعاصير من الدواخين وأجال الخيل في عرصاتهم وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة على فرس أبيه سبحة وقتل قاتل أبيه في الغارة، وأسهم للفرس سهمين وللفارس سهما وأخذ لنفسه مثل ذلك. فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذّ السّير فورد وادي القرى في تسع ليال ثم بعث بشيرا إلى المدينة بسلامتهم ثم قصد بعد في السير فسار إلى المدينة ستّا حتى رجع إلى المدينة ولم يصب أحد من المسلمين. وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقّونهم سرورا بسلامتهم ودخل على فرس أبيه سبحة واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهى إلى باب المسجد فدخل فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته. وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. تنبيهان الأول: ذكر محمد بن عمر، وابن سعد أن أبا بكر رضي الله عنه كان ممّن أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم- بالخروج مع أسامة إلى أبنى، وجرى عليه في المورد وجزم به في العيون، والإشارة، والفتح في مناقب زيد بن حارثة. وأنكر ذلك الحافظ أبو العباس بن تيمية فقال في كتابه الذي ردّ فيه على ابن المطهّر الرافضي: «لم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم- أرسل أبا بكر وعثمان في جيش أسامة، فقد استخلفه يصلّي بالمسلمين مدة مرضه إلى أن مات وكيف يتصوّر أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس؟» وبسط الكلام على

ذلك. فقلت: وفيما ذكره نظر من وجهين أولهما قوله: لم ينقل أحد من أهل العلم إلخ فقد ذكره محمد بن عمر، وابن سعد وهما من أئمة المغازي: ثانيهما قوله: وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة؟ إلخ ليس بلازم، فإن إرادة النبي صلى الله عليه وسلم- بعث جيش أسامة كان قبل ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلما اشتد به المرض استثنى أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس. وقال ابن سعد: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال حدثنا المعمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعث سريّة فيها أبو بكر وعمرو استعمل عليهم أسامة بن زيد، وكان الناس طعنوا فيه أي في صغره، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلخ فذكر الحديث. الثاني: في بيان غريب ما سبق: أبنى: بضم الهمزة وسكون الموحدة وفتح النون فألف مقصورة. الشّراة: بفتح الشين المعجمة والراء المخففة: جبل. البلقاء: بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف والمدّ. أغر: بقطع الهمزة وكسر الغين المعجمة وبالراء: فعل أمر. تسبق: بالجزم جواب شرط محذوف وحرّك بالكسر طلبا للخفّة. اللّبث: بفتح اللام وسكون الموحدة الإقامة. العيون: جمع عين وهو الجاسوس. الأربعاء: بتثليث الموحدة والأفصح الكسر. بدئ: بالبناء للمفعول وهمز آخره أي ابتدئ. حمّ: بتشديد الميم والبناء للمفعول. صدّع: بضم الصاد وكسر الدال المشددة وبالعين المهملات أي حصل له صداع في رأسه أي وجع ما. فلما أصبح يوم الخميس: يجوز في «يوم» النّصب على الظرفية والرفع على أنه فاعل أصبح. عسكر: جمع عسكره أي جيشه. الجرف: بضم الجميم والراء وبالفاء موضع على ثلاثة أميال من المدينة. انتدب: أسرع الخروج. بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء.

الحصيب: بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالموحدة. حريش: بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية وبالشين المعجمة. عصّب: بتشديد الصاد المهملة. المقالة: بتخفيف اللام. القطيفة: كساء له خمل. وأيم الله: من ألفاظ القسم كقولك لعمرو الله، وفيها لغات كثيرة وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل وقد تقطع. الخليق: بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وسكون التحتية وبالقاف أي حقيق وجدير. لمخيلان: بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية أي لمظنة كل خير. أنفذوا: بقطع الهمزة. وكسر الفاء. المعسكر: بفتح الكاف: الموضع الذي فيه العسكر. لدّوه: بفتح اللام- الدّواء- الذي يصبّ من أحد جانبي الفم وهما لديداه ولددته فعلت به ذلك. طأطأ: بهمزة ساكنة بعد الطاء الأولى وهمزة مفتوحة بعد الطاء الثانية. وأمر النّاس بالرحيل: الناس منصوب مفعول أمر وفاعله عائد على أسامة. كلم أبو بكر: بالبناء للمفعول. شنّ عليهم الغارة: فرّق عليهم الرجال من كل وجه. حرّق: بتشديد الراء. أعاصير: جمع إعصار وهو ريح يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود. التّعبئة: بفتح الفوقية وسكون العين المهملة وكسر الموحدة وفتح الهمزة فتاء تأنيث. سبحة: بفتح السين المهملة وسكون الموحدة. أغذّ السّير: بفتح الهمزة والغين والذال المعجمتين: أسرع. وادي القرى: بضم القاف وفتح الراء والقصر. حمص: مدينة معروفة من مشارق الشام لا تنصرف للعجمية والتأنيث والعلمية. الرابطة: براء فألف فموحدة فطاء مهملة فتاء تأنيث: الجماعة الذين يحفظون من وراءهم من العدو.

الباب الحادي والثمانون في ذكر بعض ما فتحه - صلى الله عليه وسلم - من البلاد

الباب الحادي والثمانون في ذكر بعض ما فتحه- صلّى الله عليه وسلم- من البلاد البحرين: روى عبد الرزاق عن جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: إن أبا أسد جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- بسبي من البحرين، فنظر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى امرأة منهن تبكي، قال: «ما شأنك؟» قالت: باع ابني، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «أبعت ابنها؟» قال: نعم، قال: فيمن؟ قال: في بني عبس، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اركب أنت بنفسك، فأت به [ (1) ] والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين حمدا طيبا كثيرا» .

_ [ (1) ] ذكره الزيلعي في نصب الراية 4/ 24 وعزاه للبيهقي في المعرفة في كتاب السير

جماع أبواب بعض الوفود إليه - صلى الله عليه وسلم - وبارك عليه

جماع أبواب بعض الوفود إليه- صلّى الله عليه وسلم- وبارك عليه الباب الأول في بعض فوائد سورة النّصر قال ابن إسحاق: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف، وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه قال ابن هشام رحمه الله تعالى: حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع وأنها كانت تسمّى سنة الوفود. قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: وإنما كانت العرب تربّص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس وهاديهم، وأهل البيت والحرم [وضريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام] وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وخلافه، فما افتتحت مكة، ودانت له قريش، ودوّخها الإسلام، عرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولا عداوته، فدخلوا في دين الله كما قال الله عز وجل- أفواجا يضربون إليه من كل وجه. وفي صحيح البخاري عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: «وكانت العرب تلوّم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبيّ صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم» . وذكر الحديث. وقد أفرد الحافظ العلّامة الشيخ برهان الدين البقاعي رحمه الله تعالى الكلام على تفسير سورة النّصر إعلاما بتمام الدّين اللازم عن مدلول اسمها، اللازم عن موت النبي- صلى الله عليه وسلم- اللازم عنه العلم بأنه ما برز إلى عالم الكون والفساد إلا لإعلاء كلمة الله تعالى وإدحاض كلمة الشيطان، اللازم عنه أنه- صلى الله عليه وسلم- خلاصة الوجود وأعظم عبد للمولى الودود وعلى ذلك دلّ أيضا اسمها على التوديع وحال نزولها وهو أيام التشريق من سنة حجّة الوداع. بِسْمِ اللَّهِ الذي له الأمر كله فهو العليم الحكيم، الرَّحْمنِ الذي أرسلك رحمة للعالمين، فعمّهم بعد نعمة الإيجاد بأن بيّن لهم إقامة معاشهم ومعادهم بك طريق النّجاة وغاية البيان بما أنزل عليك من معجز القرآن الذي من سمعه فكأنما سمعه من الله الرَّحِيمِ الذي خصّ من أراده بالإقبال به إلى حزبه وجعله من أهل قربة [بلزوم الصراط المستقيم] لما دلّت التي قبلها على أن الكفار قد صاروا إلى حال لا عبرة لهم فيه ولا التفات إليهم، ولا خوف

بوجه منهم ما دام الحال على المتاركة كأنه قيل فهل يحصل نصر عليهم وظفر بهم [بالمعاركة] فأجاب بهذه الصورة بشارة للمؤمنين ونذارة للكافرين. ولكنه لما لم يكن ذلك بالفعل إلا عام حجّة الوداع يعني بعد فتح مكة بسنتين كان كأنه لم يستقرّ الفتح إلا حينئذ، فلم ينزل سبحانه هذه السورة إلا في ذلك الوقت وقبل منصرفه من غزوة حنين قبل ذلك. فقال تعالى: جاءَ] ولما كانت المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعيّنة لها، يسوقها إليها سائق القدرة فتقرب منها شيئا فشيئا كانت كأنها آتية إليها فلذلك حصل التّجوّز بالمجيء عن الحصول فقال] : جاءَ أي استقرّ وثبت في المستقبل لمجيء وقته المضروب له في الأزل، [وزاد في تعظيمه بالإضافة ثم بكونها إلى اسم الذات فقال] : نَصْرُ اللَّهِ أي الملك الأعظم الذي لا مثل له ولا أمر لأحد معه على جميع النّاس في كل أمر تريده، ولما كان النصر درجات وكان قد أشار سبحانه بمطلق الإضافة إليه ثم بكونها إلى الإسم الأعظم إلى أن المراد أعلاها صرّح به فقال: وَالْفَتْحُ أي الذي نزلت سورته بالحديبية مبشّرة بغلبة حزبه الذي أنت قائدهم وهاديهم ومرشدهم [لا سيما] على مكة التي بها بيته ومنها ظهر دينه، وبها كان أصله وفيها مستقرّ عموده وعزّ جنوده، فذلّ بذلك جميع العرب، [وقالوا: لا طاقة لنا بمن أظفره الله بأهل الحرم] ففرّوا بهذا الذّلّ حتى كان ببعضهم هذا الفتح، ويكون بهم كلهم فتح جميع البلاد، وللإشارة إلى الغلبة على جميع الأمم ساقه تعالى في أسلوب الشرط ولتحققها عبّر عنه ب إِذا. وَرَأَيْتَ النَّاسَ أي العرب كانوا حقيرين عند جميع الأمم فصاروا بك هم الناس وصار سائر أهل الأرض لهم أتباعا. يَدْخُلُونَ شيئا فشيئا محددا دخولهم مستمرا فِي دِينِ اللَّهِ أي شرع من لم تزل كلمته هي العليا في حال الخلق بقهره لهم على الكفر [الذي لا يرضاه لنفسه عاقل ترك الحظوظ] وفي حال طواعيتهم بقسره لهم على الطّاعة وعبّر عنه بالدّين الذي معناه الجزاء لأن العرب كانوا لا يعتقدون القيامة التي لا يتمّ الجزاء إلا بها. أَفْواجاً أي قبائل وزمرا، زمرا وجماعات كثيفة كالقبيلة بأسرها، أمّة بعد أمة، في خفّة وسرعة ومفاجأة ولين، واحدا واحدا أو نحو ذلك، لأنهم قالوا: أما أذا ظفر بأهل الحرم، وقد كان الله تعالى أجارهم من أصحاب الفيل [الذين لم يقدر أحد على ردّهم] فليس لنا به يدان [فتبيّن من هذا القياس المنتج هذه النتيجة البديهية بقصّة أصحاب الفيل ما رتّبه الله إلا إرهاصا لنبوّته وتأسيسا لدعوته فألقوا بأيديهم وأسلموا قيادهم حاضرهم وباديهم] . ولما كان التقدير: فقد سبّح الله تعالى نفسه بالحمد بإبعاد نجس الشّرك عن جزيرة العرب بالفعل قال: فَسَبِّحْ أي نزّه أنت بقولك وفعلك [بالصلاة وغيرها] موافقة لمولاك لما فعل تسبيحا ملبّسا بِحَمْدِ

أي بكمال رَبِّكَ [الذي أنجز لك الوعد بإكمال الدّين وقمع المعتدين] المحسن إليك بجميع ذلك لأن كلّه لكرامتك وإلا فهو عزيز حميد على كل حال تعجّبا [لتيسر الله على هذا الفتح ما لم يخطر بالبال] وشكرا لما أنعم به سبحانه عليه من أنه أراه تمام ما أرسل لأجله ولأن كل حسنة يعملها أتباعه له مثلها. «ولما أمره صلى الله عليه وسلم بتنزيهه عن كل نقص ووصفه بكل كمال مضافا إلى الرّبّ، أمره بما يفهم منه العجز عن الوفاء بحقّه لما له من العظمة المشار إليها بذكره مرّتين بالإسام الأعظم الذي له من الدلالة على العظيم والعلوّ إلى محلّ الغيب الذي لا مطمع في دركه مما تتقطّع الأعناق دونه فقال: وَاسْتَغْفِرْهُ أي اطلب غفرانه إنه كان غفّارا، إيذانا بأنه لا يقدر أحد أن يقدّره حقّ قدره لتقتدي بك أمّتك في المواظبة على الأمان الثاني لهم، فإن الأمان الأول الذي هو وجودك بين أظهرهم قد دنا رجوعه إلى معدنه في الرفيق الأعلى والمحلّ الأقدس، وكذا فعل صلى اللَّه عليه وسلم يوم دخل مكة مطأطئا رأسه حتى أنه ليكاد يمسّ واسطة الرّحل تواضعا للَّه تعالى وإعلاما لأصحابه أن ما وقع إنما هو بحول اللَّه تعالى، لا بكثرة من معه من الجمع وإنما جعلهم سببا لطفا منه بهم، ولذلك نبّه من ظنّ منهم أو هجس في خاطره أن للجمع مدخلا فيما وقع من الهزيمة في حنين أولا وما وقع بعد من النّصرة بمن ثبت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهم لا يبلغون ثلاثين نفسا. ولما أمر بذلك فأرشد السّياق إلى أن التقدير: وتب إليه، علّله مؤكدا لأجل استبعاد من يستبعد مضمون ذلك من رجوع الناس في الرّدّة ومن غيره بقوله: إِنَّهُ أي المحسن إليك بخلافته لك في أمّتك، ويجوز أن يكون التأكيد دلالة ما تقدم من ذكر الجلالة مرّتين على غاية العظمة والفوت على الإدراك بالاحتجاب بأردية الكبرياء والعزّة والتّجبّر والقهر، مع أن المألوف أن من كان على شيء من ذلك بحيث لا يقبل عذرا ولا يقيل نادما. كانَ أي لم يزل تَوَّاباً أي رجّاعا لمن ذهب به الشيطان من أهل رحمته. فهو الذي رجع بأنصارك عمّا كانوا عليه من الاجتماع على الكفر والاختلاف بالعداوات، فأيّدك بدخولهم في الدّين شيئا فشيئا حتى أسرع بهم بعد سورة الفتح إلى أن دخلت مكة في عشرة آلاف، وهو أيضا يرجع بك إلى الحال التي يزداد بها ظهور رفعتك في الرفيق الأعلى، ويرجع بمن تخلخل من أمّتك في دينه بردّة أو معصية دون ذلك [إلى ما كان عليه من الخير ويسير بهم أحسن سير] . «فقد رجع آخر السورة إلى أوّلها بأنه لولا تحقق وصفه بالتوبة لما وجد الناصر الذي وجد به الفتح، والتحم مقطعها أيّ التحام بمطلعها، وعلم أن كل جملة منها مسبّبة عما قبلها، فتوبة اللَّه تعالى على عبيدة نتيجة توبة العبد باستغفاره الذي هو طلب المغفرة بشروطه، وذلك ثمرة اعتقاده الكمال في ربه تبارك وتعالى، وذلك ما دلّ عليه إعلاؤه لدينه وفسّره للداخلين فيه

تنبيهات

على الدخول مع أنهم أشدّ الناس شكائم وأعلاهم همما وعزائم وقد كانوا في غاية الإباء له والمغالبة للقائم به، وذلك هو فائدة الفتح الذي هو آية النصر وقد علم أن بالآية الأخيرة من الاحتباك ما دلّ بالأمر بالاستغفار [على الأمر] بالتوبة وبتعليل الأمر بالتوبة على تعليل الأمر بالاستغفار» . انتهى ما أوردته من كلام الشيخ برهان الدين البقاعي، وتأتي بقيّته في الوفاة النبوية إن شاء اللَّه تعالى. تنبيهات الأول: هذه السورة مدنية بلا خلاف، والمراد بالمدني ما نزل بعد الهجرة ولو بمكة على المعتمد. وروى البزار، وأبو يعلى، والبيهقي في الدلائل عن أبي عمر رضي اللَّه عنهما قال: نزلت هذه السورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أوسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع، فأمر بناقته القصواء فرحلت، ثم فخطب خطبته المشهورة. الثاني: روى مسلم والنسائي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: آخر سورة نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وروى الترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح. قال الشيخ في الإتقان: يعني: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. قال الحافظ: والجمع بينهما أن آخر آية النصر نزولها كاملة بخلاف براءة. قلت: ولفظ حديث ابن عمر، وعند الطبراني: آخر سورة نزلت من القرآن جميعا: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. الثالث: سئل عن قول الكشّاف أن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق فكيف صدرت ب إِذا الدّالّة على الاستقبال؟ وأجاب الحافظ بضعف ما نقله، وعلى تقدير صحته فالشرط لم يكتمل بالفتح لأن مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقيّة الشرط مستقبل. وقد أورد الطّيبي السؤال وأجاب بجوابين أحدهما أن إِذا قد ترد بمعنى إذ كما في قوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً [الجمعة 11] الآية. ثانيهما أن كلام اللَّه تعالى قديم. قال الحافظ: وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى. الرابع: قال الحافظ ابن كثير: «والمراد بالفتح ههنا فتح مكة قولا واحدا فإن أحياء العرب كانت تتلوّم بإسلامها فتح مكة يقولون [دعوه وقومه] فإن ظهر عليهم فهو نبيّ. فلما فتح اللَّه عليه مكة دخلوا في دين اللَّه أفواجا فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة العرب إيمانا ولم يبق من سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام» . قلت: قد حكى غير واحد الخلاف في أن المراد فتح مكة أو فتح سائر البلاد.

الخامس: في بيان غريب ما سبق: تربّص: بمثناة فوقية فراء فموحدة مشددة مفتوحات فصاد مهملة مضمومة: تنتظر. القادة: بقاف فألف فدال مهملة فهاء: الأشراف الذين يقودون الناس بتبعهم لهم. نصبت الحرب: بنون فصاد مهملة فموحدة فمثناة فوقية: جدّت فيه. دوّخها الإسلام: بدال مهملة فواو فخاء معجمة استولى عليها. بدر: بموحدة فدال مهملة مفتوحات: عاجل. تلوّم: بفوقية فلام فميم مفتوحات: تنتظر. برز: بموحدة فراء فزاى مفتوحات: ظهر بعد خفاء. الكون: بكاف مفتوحة فواو ساكنة فنون: الوجود والاستقرار. أدحضه: بهمزة فدال فحاء مهملتين فضاد معجمة: أبطله. فسره: بقاف فسين مهملة فراء مفتوحات: قهره وغلبه. اليدان: القوّة. المعدن: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فدال مهملة مكسورة فنون: مركز كل شيء والموضع الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس. الرفيق الأعلى: جماعة الأنبياء يسكنون أعلى علّيّين. واسطة الرّحل: وسطه. هجس: بهاء فجيم فسين مهملة: خطر بباله. التحم: بفوقية فحاء مهملة فميم مفتوحات: اشتبك فلم يوجد له مخلص. المقطع: بميم مفتوحة فقاف ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فعين مهملة مصدر قطع إذا أبان. الشكائم: بشين معجمة جمع شكيمة، يقال فلان شديد الشكيمة إذا كان عزيز النفس أبيّا قويا، وأصله من شكيمة اللّجام فإن قوّتها تدل على قوة الفرس. الإباء: بهمزة مكسورة فموحدة: شدة الامتناع. الاحتباك: [الشّدّ والإحكام] . المطالع: بميم فطاء مهملة فألف فلام فعين مهملة: جمع مطلع بفتح اللام وكسرها مصدر طلع إذا ظهر. واسم لموضع الطلوع. النتيجة: بنون مفتوحة ففوقية مكسورة فتحتية ساكنة فجيم. العزائم: بعين مهملة فزاي مفتوحتين فألف فهمزة مكسورة فميم: الأمور الواجبة.

الباب الثاني في تحمله صلى الله عليه وسلم للوفود وإجازتهم ومعنى الوفد وفيه أنواع

الباب الثاني في تحمله صلى اللَّه عليه وسلم للوفود وإجازتهم ومعنى الوفد وفيه أنواع الأول: في تحمله صلى اللَّه عليه وسلم للوفود: عن جندب بن مكيث رضي اللَّه عنه قال: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا قدم عليه الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك، فرأيته وقد قدّم عليه وفد كندة وعليه حلّة يمانية، وعلى أبي بكر وعمر مثله» رواه محمد بن عمر الأسلمي، وأبو نعيم في المعرفة، وأبو الحسن بن الضّحّاك. وعن عروة بن الزبير رحمه اللَّه تعالى أن «ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الذي كان يخرج فيه للوفود حضرميّ طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق فطووه بثوب يلبسونه يوم الأضحى والفطر» . رواه ابن سعد. الثاني: في إجازتهم: الثالث: في معنى الوفد: قال في الصحاح: «وفد فلان على الأمير، أي ورد رسولا فهو وافد والجمع وفد مثل صاحب وصحب، وجمع الوفد أوفاد ووفود، والإسم الوفادة، وأوفدته أنا إلى الأمير أي أرسلته» وقال في المصباح: «وفد على القوم وفدا من باب وعد ووفودا فهو وافد وقد يجمع على وفّاد ووفد وعلى وفد مثل صاحب وصحب، وجمع الوفد أوفاد ووفود» . وقال في النهاية: «الوفد القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك تقول وفد يفد فهو وافد وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء فهو موفد «إذا أشرف» . وقال في المورد: الوفد الجماعة المختارة من القوم ينتقونهم للقاء العظماء. الرابع: قال الحافظ: «عقد ابن سعد في الترجمة النبوية من الطبقات بابا للوفود وكاد يستوعب ذلك بتخلّص حسن، وكلامه أجمع ما يكون في ذلك. ولم يقع له قصة نافع بن زيد الحميري مع أن ابن سعد ذكر وفد حمير» انتهى كلام الحافظ. قلت: قد ذكرت ما ذكره ابن سعد مع زيادة وفود كثيرة لم تقع له، ورتّبت جميع ذلك على الحروف ليسهل الكشف على من أراد شيئا من ذلك. ولمحمد بن عمر الأسلمي شيخ ابن سعد كتاب الوفود وفيه فوائد لم يلمّ بها ابن سعد. الخامس: وفد جماعة قبل سنة تسع. قال في البداية: «فيجب التمييز بين السابق من هؤلاء الوافدين على زمن الفتح ممّن يعدّ وفوده هجرة، وبين اللّاحق لهم بعد الفتح [ممّن وعد اللَّه خيرا وحسنى] قال اللَّه سبحانه وتعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ

تنبيهان

أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [الحديد 10] . تنبيهان الأول: اختلف في ابتداء الوفود عليه صلى اللَّه عليه وسلم فقيل بعد رجوعه من الجعرانة في آخر سنة ثمان وما بعدها، وقال ابن إسحاق: بعد غزوة تبوك، وقال ابن هشام: كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود. الثاني: في بيان غريب ما سبق: جندب: بجيم مضمومة فنون ساكنة فدال مهملة مضمومة وتفتح. مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة. كندة: تقدم تفسيره. الحلّة: بضم الحاء المهملة، يأتي الكلام عليها. حضرمي: بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة فراء فميم: نسبة إلى حضر موت. خلق: بخاء معجمة فلام فقاف مفتوحات: بلي.

الباب الثالث في وفد أحمس على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في وفد أحمس على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن سعد رحمه اللَّه تعالى: قدم قيس بن غربة [ (1) ] الأحمسيّ في مائتين وخمسين رجلا من أحمس فقال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من أنتم؟» فقالوا: نحن أحمس اللَّه، وكان يقال لهم ذلك في الجاهلية. فقال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «وأنتم اليوم للَّه» . وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لبلال: «أعط ركب بجيلة وابدأ، بالأحمسيين» . ففعل . وعن طارق بن شهاب رضي اللَّه تعالى عنه قال: قدم وفد بجيلة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اكتبوا البجليّين وابدأوا بالأحمسيين» . فتخلّف رجل من قيس، قال: حتى انظر ما يقول لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال فدعا لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسمّى مرات: «اللهمّ جد عليهم، اللهمّ بارك فيهم» . وفي رواية: قدم وفد أحمس ووفد قيس فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أبدأوا بالأحمسيّين قبل القيسيين» . ثم دعا لأحمس فقال: «اللهم بارك في أحمس وخيلها ورجالها» سبع مرات [ (2) ] ، رواه الإمام أحمد. تنبيه: في بيان غريب ما سبق. أحمس: بألف فمهملة فميم فسين مهملة، تقدم في بجيلة.

_ [ (1) ] قيس بن غربة بفتح المعجمة والراء بعدها موحدة ضبطه ابن الأثير وقيل بكسر الزاي بعدها مثناة تحتانية ثقيلة الأحمسي ... ذكره ابن السّكن في الصحابة وقال هو والد عروة بن قيس الذي روى عنه أبو وائل. الإصابة 5/ 262. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 78.

الباب الرابع في وفد أزد شنوءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في وفد أزد شنوءة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم روى ابن سعد رحمه اللَّه تعالى عن منير بن عبد اللَّه الأزدي قال: قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صرد بن عبد اللَّه الأزدي في وفد من الأزد بضعة عشر رجلا، فنزلوا على فروة بن عمرو فحباهم وأكرمهم وأقاموا عنده عشرة أيام فأسلموا، وكان صرد أفضلهم، فأمّره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بهم من يليه من أهل الشّرك من قبائل اليمن. فخرج صرد يسير بأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة حصينة مغلقة، وبها قبائل من اليمن قد تحصّنوا بها، وقد ضوت إليهم خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم. فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا، فحاصرهم شهرا أو قريبا منه، وكان يغير على مواشيهم فيأخذها. ثم تنحّى عنهم إلى جبل يقال له شكر فظنّوا أنه قد انهزم، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه. فصفّ صفوفه فحمل عليهم هو والمسلمون فوضعوا سيوفهم فيهم حيث شاءوا وأخذوا من خيلهم عشرين فرسا. فقاتلوهم عليها نهارا طويلا. وقد كان أهل جرش بعثوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلين منهم يرتادان وينظران. فبينما هما عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشيّة بعد العصر إذ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بأي بلاد اللَّه شكر» ؟ فقال الجرشيّان: يا رسول اللَّه ببلادنا جبل يقال له كشر بذلم يسمّيه أهل جرش. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ليس بكشر ولكنه شكر» . قالا: فما شأنه يا رسول اللَّه؟ قال: «إنّ بدن اللَّه لتنحر عنده الآن» . وأخبرهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بملتقاهم وظفر صرد بهم. فجلس الرجلان إلى أبي بكر وعثمان رضي اللَّه عنهما فقالا لهما: ويحكما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لينعي لكما قومكما فقوما إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلاه أن يدعو اللَّه أن يرفع عن قومكما. فقاما إليه فسألاه أن يدعو اللَّه أن يرفع عنهم، فقال: «اللهم ارفع عنهم» . فخرجا من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد اللَّه في اليوم الذي قال فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر. قال ابن سعد: فقصّا على قومهما [القصّة] فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسلموا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «مرحبا بكم أحسن النّاس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة، أنتم مني وأنا منكم» . وجعل شعارهم مبرورا وأحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس والراحلة [وللمثيرة] بقرة الحرث، فمن رعاه من الناس فماله سحت [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 372- 373 وابن هشام في سيرته 4/ 197.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الأزد: بألف مفتوحة فزاي فدال مهملة، ويقال بالسين بدل الزاي وفي القاموس هي أفصح. شنوءة: بشين معجمة مفتوحة فنون فهمزة بعد مدّ الواو، وقد تشدّد الواو قبيلة سميت بذلك لشنآن بينهم. منير: [بضم الميم فنون مكسورة فتحتية فراء] . صرد: وزن عمر لكنه ليس معدولا فهو مصروف. حباهم: بحاء مهملة فموحدة فألف: أعطاهم. جرش: بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة: مخلاف من مخاليف اليمن. وبفتحها بلدة بالشام. مغلقة: بالغين المعجمة. ضوى: بفتح الضاد المعجمة والواو: أوى. يرتادان: يطلبان الأخبار. شكر: بتقديم الشين المعجمة على الكاف المفتوحتين. كشر: بكاف فشين معجمة مفتوحتين. ويحه: بواو مفتوحة فتحتية ساكنة فحاء مهملة: كلمة ترحّم منصوبة بإضمار فعل. النّعي: بنون مفتوحة فعين ساكنة فتحتية: إذاعة الموت. راجعين: بفتح العين على التثنية لأنهما اثنان. وأصدقه كلاما: تقدم الكلام على مثل هذا.

الباب الخامس في وفد أزد عمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في وفد أزد عمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد رحمه الله تعالى: أسلم أهل عمان فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي يعلّمهم شرائع الإسلام ويصدّق أموالهم. فخرج وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أسد بن بيرح الطّاحي. فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يبعث معهم رجلا يقيم أمرهم. فقال مخربة العبدي- واسمه مدرك بن خوط- ابعثني إليهم فإن لهم عليّ منّة، أسروني يوم جنوب فمنّوا عليّ. فوجّهه معهم إلى عمان، وقدم سلمة بن عياذ الأزدي في أناس من قومه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمّا يعبد وما يدعو إليه فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «أدع الله لي أن يجمع كلمتنا وألفتنا» . فدعا لهم وأسلم سلمة ومن معه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الوفد الأزد، طيّبة أفواههم، برّة أيمانهم، تقيّة قلوبهم» . رواه الإمام أحمد بسند حسن. وعن طلحة بن داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم المرضعون أهل عمان» [ (1) ] . يعني الأزد. رواه الطبراني برجال ثقات. وعن بشر بن عصمة [الليثي] رضي الله تعالى عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأزد منّي وأنا منهم،. غضب لهم إذا غضبوا [ويغضبون إذا غضبت] وأرضى لهم إذا رضوا [ويرضون إذا رضيت] » [ (2) ] رواه الطبراني. وعن أبي لبيد قال: خرج رجل من أهل عمان يقال له بيرح بن أسد مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقدم المدينة فوجده قد توفي. فبينا هو في بعض طرق المدينة فرآه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال له من أنت؟ فقال: من أهل عمان. قال: من أهل عمان؟ قال: نعم فأخذ بيده فأدخله على أبي بكر، وقال: هذا من أهل الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أهلها من ... [ (3) ] فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر [بها حي من العرب] لو أتاهم رسولي لم يرموه بسهم ولا حجر» [ (4) ] . رواه الإمام أحمد وأبو يعلى برجال الصحيح.

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 373 وعبد الرزاق (13987) وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 50. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 2/ 52. [ (3) ] بياض في الأصول. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 44 وأبو يعلى في المسند 101/ 106) وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير لمازة بن زبار وهو ثقة.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عمان: بعين مهملة مضمومة فميم مخففة. بيرح: بموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فحاء مهملة. الطّاحي: بالطاء والحاء المهملتين نسبة إلى بني طاحية. مخربة: بميم مضمومة فخاء معجمة مشددة. خوط: بخاء معجمة مضمومة وطاء مهملة [بينهما واو] . يوم جنوب: بجيم مفتوحة فنون فواو فموحدة: من أيام العرب. منّوا عليّ: أعتقوني. عياذ: بعين مهملة مكسورة فتحتية فألف فذال معجمة.

الباب السادس في وفد بني أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في وفد بني أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قالا: قدم عشرة رهط من بني أسد بن خزيمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول سنة تسع، فيهم حضرمي بن عامر، وضرار بن الأزور، ووابصة بن معبد، وقتادة بن القائف، وسلمة بن حبيش، وطليحة بن خويلد، ونقادة ابن عبد الله بن خلف ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مع أصحابه، فسلّموا وقال متكلمهم: يا رسول الله، إنّا شهدنا ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله. وقال حضرمي بن عامر: «أتيناك نتدرّع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثا» ، فنزلت فيهم: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات 17] . وروى النسائي والبزار وابن مردويه عن ابن عباس، وسعيد بن منصور وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه بسند حسن عن عبد الله بن أوفى، قال الأوّلان: جاءت بنو أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب، وفي رواية بنو فلان. فأنزل الله تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا. قال ابن سعد: وكان معهم قوم من بني الزّنية وهم بنو مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم بنو الرّشدة» . فقالوا: لا نكون مثل بني محوّلة، يعنون بني عبد الله بن غطفان. ومما سألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم- يومئذ العيافة والكهانة وضرب الحصى فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن ذلك كله. فقالوا يا رسول الله إن هذه الأمور كنا نفعلها في الجاهلية، أرأيت خصلة بقيت؟ قال: «وما هي؟» قال [صلى الله عليه وسلم] : «الخطّ، علمه نبي من الأنبياء فمن صادف مثل علمه علم» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن رجال من بني أسد ثم من بني مالك بن مالك بن أسد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال لنقادة بن عبد الله بن خلف بن عميرة بن مريّ بن سعد بن مالك الأسدي: «يا نقادة ابغ لي ناقة حلبانة ركبانة ولا تولّهها على ولد» . فطلبها في نعمه فلم يقدر عليها. فوجدها عند ابن عم له يقال له سنان بن ظفير، فأطلبه إيّاها، فساقها نقادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فمسح ضرعها ودعا نقادة فحلبها حتى إذا أبقى فيها بقيّة من لبنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: أي نقادة أترك دواعي اللّبن» . فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وسقى أصحابه من

_ [ (1) ] أخرجه مسلم بنحوه في كتاب المساجد (33) وكتاب السلام (121) والنسائي 3/ 16 وأبو داود في كتاب استفتاح الصلاة باب (56) وأحمد في المسند 2/ 394 والبيهقي 2/ 250.

تنبيهات

لبن تلك الناقة، وسقى نقادة سؤره وقال: «اللهم بارك فيها من ناقة وفيمن منحها» . قال نقادة: قلت: وفيمن جاء بها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وفيمن جاء بها» [ (1) ] . تنبيهات الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم- في الخطّ: «علمه نبي من الأنبياء إلخ» الخط بفتح الخاء المعجمة وبالطاء المهملة. قال في المطالع والتقريب: «فسروه بخطّ الرّمل ومعرفة ما يدل عليه» . وقال في النهاية: [قال ابن عباس: الخطّ] «هو الذي يخطّه الحازي، وهو علم قد تركه الناس، يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا فيقول له اقعد حتى أخطّ لك، وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطا كثيرة بالعجلة لئلّا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطّين خطّين، وغلامه يقول للتفاؤل: «ابني عيان أسرعا البيان» . فإن بقي خطّان فهما علامة النجح، وإن بقي خطّ واحد فهو علامة الخيبة. وقال الحربي: الخط هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول يكون كذا وكذا، وهو ضرب من الكهانة» . قال ابن الأثير: الخطّ المشار إليه علم معروف، وللناس فيه تصانيف كثيرة وهو معمول به إلى الآن ولهم فيه أوضاع واصطلاح وأسام وعمل كثير ويستخرجون به الضمير وغيره وكثيرا ما يصيبون فيه. الثاني: ضرب الرّمل حرام صرّح به غير واحد من الشافعية والحنابلة وغيرهم. وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في كتاب الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة: [فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النّهي عنه الآن] . الثالث: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «علمه نبي من الأنبياء» في حفظي أنه سيدنا إدريس عليه السلام ولا أعلم من ذكره فيحرّر. الرابع: قوله: «فمن صادف مثل علمه فقد علم» وفي صحيح مسلم: «فمن وافق خطّه فذاك» أي فهو مباح له ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح [والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح] إلا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها وإنما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «فمن وافق خطّه فذاك» . ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهّم متوهم أن هذا النّهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخطّ، فحافظ النبي- صلى الله عليه وسلم- علي حرمة ذاك النبي مع بيان الحاكم في حقنا، فالمعنى أن ذاك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته ولكن لا علم لكم بها» .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 39.

الخامس: في بيان غريب ما سبق: القرظي: بقاف مضمومة فراء مفتوحة فظاء معجمة. السائب: بسين مهملة فألف فهمزة فموحدة. الحضرمي: تقدم قريبا. ضرار: بضاد معجمة مكسورة فراءين بينهما ألف. الأزور: بهمز فزاي فواو فراء، من الزّور وهو الميل. وابصة: بواو فألف فموحدة فصاد مهملة. معبد: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فموحدة مفتوحة فدال مهملة. قتادة: بقاف فمثناة فوقية مفتوحتين فألف فدال مهملة. القايف: بقاف فألف فتحتية ففاء. سلمة: بسين مهملة فلام فميم مفتوحات. حبيش: بحاء مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فشين معجمة. طليحة: بطاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فحاء مهملة فتاء تأنيث. خويلد: بخاء معجمة مضمومة فواو مفتوحة فتحتية ساكنة فلام مكسورة فدال مهملة. نتدرّع: بنون فمثناة فوقية فدال مهملة مفتوحات فراء مشددة مفتوحة فعين مهملة: أي نجعله درعا لنا. البهيم: بموحدة مفتوحة فهاء مكسورة فمثناة تحتية فميم: أي شديد الظلمة، وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه. السنة الشهباء: بشين معجمة مفتوحة فهاء ساكنة فموحدة أي ذات قحط وجدب، والشهباء الأرض البيضاء التي لا خضرة فيها لقلة المطر من الشّبهة وهي البياض [فسمّيت سنة الجدب بها] . بنو الزّنية: بزاي تفتح وتكسر فنون ساكنة فتحتية مفتوحة، وهي آخر ولد المرأة والرجل، ولذلك سمّي بنو مالك به. دودان: بدالين مهملتين أولاهما مضمومة فألف فنون. الرّشدة: بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح وسكون الشين المعجمة وفتح الدال المهملة.

بنو محوّلة: [بضم الميم وفتح الحاء المهملة والواو المفتوحة المشددة فلام فتاء تأنيث] . العيافة: بعين مهملة مكسورة فتحتية فألف ففاء: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها. الكاهنة: بكاف فهاء فألف فنون: تعاطي خبر الكائنات في مستقبل الزمان. حلبانة: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فموحدة فألف فنون: غزيرة تحلب. ركبانة: براء مفتوحة فكاف ساكنة فموحدة وألف فنون: ذلولة تركب. لا تولّهها: [بمثناة فوقية مضمومة فواو مفتوحة فلام مشددة مكسورة فهاءين أولاهما ساكنة أي لا تجعل ناقتك والهة بذبحك ولدها] . ظفير: [بظاء معجمة مضمومة ففاء مفتوحة فتحتية ساكنة فراء] . دواعي اللّبن: بدال مهملة فواو مفتوحتين فعين مهملة مكسورة: لبن قليل يبقى في الضّرع، يدع ما وراءه فينزله، وإذا استقضى كل ما في الضّرع أبطأ درّه على حالبه. السّؤر: بسين مهملة مضمومة فهمزة ساكنة فراء: بقية الطعام والشراب وغيرهما. منحها: بميم فنون فحاء مهملة فهاء مفتوحات: أعطى الناقة أو الشاة لينتفع بلبنها أو وبرها أو صوفها مدّة ثم يردّها.

الباب السابع في وفد أسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب السابع في وفد أسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قدم عمير بن أفصى في عصابة من أسلم فقالوا: «قد آمنّا بالله ورسوله واتّبعنا منهاجك فاجعل لنا عندك منزلة تعرف العرب فضيلتها فإنا إخوة الأنصار، ولك علينا الوفاء والنصر في الشّدّة والرخاء» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها» . وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لأسلم ومن أسلم من قبائل العرب ممّن يسكن السّيف والسّهل وفيه ذكر الصدقة والفرائض في المواشي. وكتب الصحيفة ثابت بن قيس بن شمّاس وشهد أبو عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب. [ (1) ] تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أفصى: [بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فصاد مهملة مفتوحة فألف مقصورة] . العصابة: بكسر العين المهملة: هنا الجماعة من الناس. المنهاج: بميم مكسورة فنون ساكنة فهاء فألف فجيم: الطريق. السّيف: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبالفاء: الجانب.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 2/ 116 وهو عند البخاري 2/ 33 ومسلم 4/ 1922.

الباب الثامن في قدوم أسيد بن أبي أناس.

الباب الثامن في قدوم أسيد بن أبي أناس. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه لما بلغه أنه هجاه، فأتى أسيد الطائف فأقام بها. فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج سارية بن زنيم إلى الطائف، فقال له أسيد: ما وراءك؟ قال: «قد أظهر الله تعالى نبيه ونصره على عدوّه، فاخرج يا ابن أخي إليه فإنه لا يقتل من أتاه» . فحمل أسيد امرأته وخرج وهي حامل تنتظر، وأقبل فألقت غلاما عند قرن الثعالب، وأتى أسيد أهله فلبس قميصا واعتمّ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسارية بن زنيم قائم بالسيف عند رأسه يحرسه، فأقبل أسيد حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد أهدرت دم أسيد؟ قال: «نعم» . قال: تقبل منه إن جاءك مؤمنا؟ قال: «نعم» . فوضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه يدي في يدك، أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد ألا إله إلا الله. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصرخ أن أسيد بن أبي أناس قد آمن وقد آمنة رسول الله. ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وألقى يده على صدره، فيقال إن أسيدا كان يدخل البيت المظلم فيضيء. وقال أسيد رضي الله تعالى عنه: أأنت الفتى تهدي معدّا لربّها ... بل الله يهديها وقال لك اشهد فما حملت من ناقةٍ فوق كورها ... أبر وأوفى ذمة من محمّد وأكسى لبرد الحال قبل ابتذاله ... وأعطى لرأس السّابق المتجرّد تعلّم رسول الله إنك قادر ... على كل حيّ متهمين ومنجد تعلّم بأنّ الرّكب ركب عويمر ... هم الكاذبون المخلفو كلّ موعد أنبوا رسول الله أن قد هجوته ... فلا رفعت سوطي إليّ إذا يدي سوى أنني قد قلت يا ويح فتية ... أصيبوا بنحس لا يطاق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم ... كفيئا فعزّت حسرتي وتنكّدي دويبا وكلثوما وسلما وساعدا ... جميعا بأن لا تدمع العين تكمد فلما أنشده: «أأنت الذي تهدي معدّا لدينها» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل الله يهديها» ، فقال الشاعر: «بل الله يهديها وقال لك اشهد» . رواه ابن شاهين عن المدائني عن رجاله من عدة طرق. تنبيهات الأول: هذه القصة والأبيات ذكرها الواقدي والطبراني لأنس بن زنيم قال الحافظ في

الإصابة: «وقد رويت نظير قصّته لأنس بن زنيم كما سيأتي في ترجمته ويحتمل وقوع ذلك لهما» . الثاني: قال دعبل بن علي في طبقات الشعراء قوله: فما حملت ناقة فوق كورها أعفّ وأوفى ذمة من محمد» . هذا أصدق بيت قالته العرب. الثالث: في بيان غريب ما سبق: أسيد: بفتح الهمزة كما ذكره العسكري والدّارقطني، وضمّها المرزبان، وردّه ابن ماكولا. أناس: بضم الهمزة وبالنون. زنيم: بزاي مفتوحة فنون فمثناة تحتية فميم: الدّعيّ في النسب الملحق بالقوم وليس منهم تشبيها له بالزّنمة وهو شيء يقطع من أذن الشاة ويترك معلّقا بها. قرن الثعالب: قرن بقاف مفتوحة فراء ساكنة فنون. والثعالب بمثلثة فعين مهملة مفتوحتين فألف فلام فموحدة: موضع يحرم منه أهل نجد.

الباب التاسع في وفد أشجع إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع في وفد أشجع إليه صلّى الله عليه وسلم قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قدمت أشجع على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الخندق وهم مائة ورأسهم مسعود بن رخيلة، فنزلوا شعب سلع. فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر لهم بأحمال التمر. فقالوا: «يا محمد لا نعلم أحدا من قومنا أقرب دارا منك منّا ولا أقلّ عددا، وقد ضقنا بحربك وبحرب قومك فجئنا نوادعك» . فوادعهم. ويقال بل قدمت أشجع بعد ما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة، وهم سبعمائة، فوادعهم ثم أسلموا بعد ذلك. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. أشجع: بهمزة فشين معجمة ساكنة فجيم فعين مهملة. رخيلة: براء مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فمثناة تحتية فلام. الباب العاشر في قدوم وفد الأشعريين إليه صلّى الله عليه وسلم وذكر إعلامه صلى الله عليه وسلم بقدومهم قبل وصولهم ودعائه لهم لما أشرفوا في البحر على الغرق. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في أصحابه يوما فقال: «اللهم انج أصحاب السفينة» . ثم مكث ساعة فقال: «استمدّت» . فلما دنوا من المدينة قال: «قد جاءوا يقودهم رجل صالح» قال: «والذين كانوا معه في السفينة الأشعريون والذين قادهم عمرو بن الحمق الخزاعي» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين جئتم؟» قالوا من زبيد. قال: «بارك الله في زبيد» . قالوا: وفي زمع. قال: «وبارك الله في زبيد» . قالوا وفي زمع. قال: في الثالثة: «وفي زمع» [ (1) ] . وروى ابن سعد والبيهقي وأحمد بن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا» . فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: غدا نلقى الأحبّة ... محمّدا وحزبه

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق (19890) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاكم أهل اليمن هم أرقّ أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان، والحكمة يمانية السكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدّادين من أهل الوبر» [ (1) ] . وعن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتاكم أهل اليمن كأنهم السّحاب وهم خيار من في الأرض» . فقال رجل من الأنصار: إلّا نحن يا رسول الله؟ فسكت ثم قال: ألا نحن يا رسول الله؟ فقال: «إلا أنتم كلمة ضعيفة» [ (2) ] . رواه في زاد المعاد عن يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه. قال: ولما لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلموا وبايعوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأشعريون في الناس كصرّة فيها مسك» [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الأشعريون: بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة فعين مهملة مفتوحة فراء فتحتية فواو فنون. الحمق: بحاء مهملة مفتوحة فميم مكسورة فقاف. الخزاعي: بخاء معجمة مضمومة فزاى فألف فعين مهملة نسبة إلى خزاعة قبيلة سمّيت بذلك لتفرقهم بمكة. زمع: [بفتح الزاي وسكون الميم وبالعين المهملة من منازل حمير باليمن] . الفخر: بفاء مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فراء: ادّعاء العظم والكبر والشرف. الخيلاء: والخيلاء بضم الخاء المعجمة وكسرها: الكبر والعجب. الفدّادون: بفاء مفتوحة فذال مهملة مفتوحة مشددة فألف فدال مهملة أخرى: الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم [واحدهم فدّاد يقال فدّ الرجل يفدّ فديدا إذا اشتدّ صوته] . وقيل هم المكثرون من الإبل وقيل هم الجمّالون والبقّارون والحمّارون والرّعيان. وقيل بتخفيف الدال جمع فدان وهي البقرة التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء وغلظة. الوبر: بواو فموحدة مفتوحتين فراء، للإبل بمنزلة الشعر لغيره.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 219 وأحمد في المسند 2/ 235 والطبراني في الكبير 2/ 134 والبيهقي في السنن 1/ 386 والخطيب في التاريخ 11/ 377. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 353. [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 79 وذكره المتقي الهندي في كنزل العمال (33975) .

الباب الحادي عشر في قدوم أعشى بني مازن على النبي صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي عشر في قدوم أعشى بني مازن على النبي صلى الله عليه وسلم روى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والشيرازي في الألقاب عن نضلة بن طريف، أن رجلا منهم يقال له الأعشى واسمه عبد الله بن الأعور كانت عنده امرأة يقال لها معاذة وخرج في رجب [يمير أهله من هجر فهربت امرأته بعده ناشزا عليه فعاذت برجل منهم يقال له مطرّف بن بهصل المازني فجعلها خلف ظهره فلما قدم لم يجدها في بيته وأخبر أنها نشزت عليه وأنها عاذت بمطرّف بن بهصل فأتاه فقال: يا ابن عمّ أعندك امرأتي معاذة فادفعها إليّ. قال: ليست عندي ولو كانت عندي لم أدفعها إليك. قال وكان مطرّف أعزّ منه. قال فخرج الأعشى حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فعاذ به وأنشأ يقول] : وروى عبد الله بن الإمام أحمد، وابن أبي خيثمة والحسن بن سفيان، وابن شاهين، وأبو نعيم عن الأعشى المازني أنه قال: أتيت نبي الله صلّى الله عليه وسلم فأنشدته: يا مالك النّاس وديّان العرب ... إنّي لقيت ذربة من الذّرب غدوت أبغيها الطّعام في رجب ... فخلّفتني في نزاع وهرب أخلفت العهد ولظّت بالذّنب ... وهنّ شرّ غالبا لمن غلب [فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مطرّف: «انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه» . فأتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه فقال: «يا معاذة هذا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فيك وأنا دافعك إليه. قالت: خذلي العهد والميثاق وذمة النبي صلى الله عليه وسلم إلا يعاقبني فيما صنعت. فأخذ لها ذلك ودفعها إليه فأنشأ يقول: لعمرك ما حبّي معاذة بالّذي ... يغيّره الواشي ولا قدم العهد ولا سوء ما جاءت به إذ أذلّها ... غواة رجال إذ يناجونها بعدي [ (1) ] تنبيه: في بيان غريب ما سبق: ديّان: بدال مهملة فمثناة تحتية مشددة فألف فنون. القهّار من دان النّاس إذا قهرهم، وقيل الحاكم والقاضي. ذربة: بذال معجمة مكسورة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة: فاسدة من ذرب المعدة وهو فسادها. غدوت: بغين معجمة فدال مهملة فواو فتاء، من الغدوّ وهو السّير أول النهار. أبغيها [الطعام] : بهمزة قطع فموحدة ساكنة فغين معجمة فمثناة تحتية أي أطلب لها. لظّت: بلام فظاء معجمة مشالة مفتوحتين [مع تشديد الظاء] فتاء: أكثرت وألحّت.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 5/ 74.

الباب الثاني عشر في قدوم الأشعث بن قيس عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه.

الباب الثاني عشر في قدوم الأشعث بن قيس عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه. قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس في وفد كندة في ثمانين راكبا من كندة. فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجّلوا جممهم وتكحّلوا عليهم جبب الحبرة، وقد كفّفوها بالحرير. فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تسلموا؟» قالوا: بلى. قال: «فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟» قال: فشقّوه منها، فألقوه. ثم قال له الأشعث بن قيس: يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار [وأنت ابن آكل المرار] . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «ناسبوا بهذا النّسب العباس بن عبد المطّلب، وربيعة بن الحارث» . وكان العباس وربيعة تاجرين، وكانا إذا شاعا في بعض العرب فسئلا ممّن هما، قالا: نحن بنو آكل المرار يتعزّزان بذلك. وذلك أن كندة كانوا ملوكا ثم قال لهم: «لا، بل نحن بنو النضر بن كنانة [لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا] [فقال الأشعث بن قيس الكندي: «هل فرغتم يا معشر كندة؟] والله لا أسمع رجلا يقولها إلا ضربته ثمانين» [ (1) ] . قال ابن هشام: الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل أمه، وآكل المرار: الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارك بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كنديّ، ويقال كندة. وإنما سمّي آكل المرار لأن عمرو بن الهبولة الغسّاني أغار عليهم. فأكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. رجّلوا: براء فجيم مشددة مفتوحتين فلام. جممهم: بجيم مضمومة فميمين مفتوحتين فهاء جمع جمّة وقد تقدم تفسيرها في أبواب صفة جسده الشريف. جبب: بجيم مضمومة فموحدة مفتوحة فأخرى جمع جبّة، تقدم تفسيرها وكذلك الحبرة مرارا. فكفّفوهما: بكاف ففاء مفتوحتين فأخرى مضمومة فواو [خاطوا حاشيتهما الخياطة الثانية بعد الشّل] . آكل: بهمزة مفتوحة فألف فكاف مكسورة فلام. المرار: بميم فراءين بينهما ألف. شاعا: بشين معجمة فألف فعين مهملة فألف [انتشرا] . الهبولة: [بهاء مفتوحة فموحدة مضمومة فواو فلام فتاء تأنيث] .

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 5/ 72 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 2/ 64.

الباب الثالث عشر في وفود بارق إليه صلى الله عليه وسلم.

الباب الثالث عشر في وفود بارق إليه صلى الله عليه وسلم. قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قدم وفد بارق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا وبايعوا، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق لا تجذّ ثمارهم ولا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلّا بمسألة من بارق ومن مرّ بهم من المسلمين في عرك أو جدب فله ضيافة ثلاثة أيام وإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللّقاط يوسع بطنه من غير أن يقتثم» شهد أبو عبيدة بن الجراح، وحذيفة بن اليمان وكتب أبي بن كعب [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بارق: بموحدة فألف فراء فقاف. مربع: بميم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة فعين مهملة: الموضع الذي ينزل فيه أيام الربيع، واسم جبل قرب مكة. وأما مربع بكسر الميم فمال بالمدينة في بني حارثة. مصيف: بميم مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فمثناة تحتية ففاء: مكان ينزل فيه أيام الصّيف. عرك: [تجريد الأرض من المرعى] . أينعت: بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فنون فعين مهملة: أدركت ونضجت. يقتثم: [يجتثّ ولم يبق له أصلا] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 115.

الباب الرابع عشر في وفود باهلة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع عشر في وفود باهلة إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن شاهين عن ابن إسحاق عن شيوخه، وابن سعد عن شيوخه قالوا: قد مطرّف بن الكاهن الباهلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح وافدا لقومه. فقال يا رسول الله أسلمنا للإسلام وشهدنا دين الله في سماواته وأنه لا إله غيره، وصدّقناك وآمنّا بكل ما قلت فاكتب لنا كتابا فكتب له:. «من محمد رسول الله لمطرّف بن الكاهن ولمن سكن بيشة من باهلة. إنّ من أحيا أرضا مواتا فيها مراح الأنعام فهي له، وعليه في كل ثلاثين من البقر فارض، وفي كل أربعين من الغنم عتود، وفي كل خمسين من الإبل مسنّة [وليس للمصدّق أن يصدّقها إلا في مراعيها وهم آمنون بأمان الله] [ (1) ] » الحديث ... وفيه فانصرف مطرّف وهو يقول: حلفت بربّ الرّاقصات عشيّة ... على كلّ حرف من سديس وبازل قال ابن سعد: ثم قدم نهشل بن مالك الوائلي من باهلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا لقومه فأسلم وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن أسلم من قومه كتابا فيه شرائع الإسلام وكتبه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. باهلة: بباء موحدة وهاء مكسورة ولام مفتوحة. مراح: [بضم الميم وفتح الراء فألف فحاء مهملة من أراح الإبل ردّها إلى المراح أي المأوى والماء] . فارض: بالفاء والراء بينهما ألف فضاد معجمة: المسنّة من الإبل وقيل من البقر وهو المراد هنا. عتود: بعين مهملة مفتوحة ففوقية مضمومة فواو ساكنة فدال مهملة: من أولاد المعز الصغير إذا قوي وأتى عليه حول. مسنّة: بميم مضمومة فسين مهملة مكسورة فنون مشددة: من البقر والغنم ما دخل في السنة الثانية.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 49.

الراقصات: قال في الإملاء أي الإبل ترقص في سيرها أي تتحرك والرّقصان ضرب من المشي. سديس: بسينين بعد الأولى دال مهملات فتحتية: ما دخل في السنة الثامنة من الإبل. بازل: بموحدة فألف فزاي فلام: هو من الإبل الذي تمّ ثماني سنين ودخل في التاسعة.

الباب الخامس عشر في وفود بني البكائي إليه صلى الله عليه وسلم.

الباب الخامس عشر في وفود بني البكّائي إليه صلى الله عليه وسلم. روى ابن سعد عن عبد الله بن عامر البكائي وعن الجعد بن عبد الله بن عامر البكائي عن أبيه، وابن شاهين عن يزيد بن رومان، وعن الحسن وعن السدي عن أبي مالك وعن رجال المدائني وابن منده، وأبو نعيم من طريق أخرى، وابن شاهين من وجه آخر عن بشر بن معاوية بن ثور، وابن شاهين، وثابت في الدلائل. قالوا: وفد من بني البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع ثلاثة نفر: معاوية بن ثور بن عبادة البكّائي وهو يومئذ ابن مائة سنة ومعه ابن له يقال له بشر، والفجيع بن عبد الله بن جندح بن البكاء، ومعهم عبد عمرو، وهو الأصمّ. فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزل وضيافة، وأجازهم، ورجعوا إلى قومهم. وقال معاوية للنبي صلى الله عليه وسلم: «إني أتبرّك بمسّك وقد كبرت وابني هذا برّبي فامسح وجهه» . فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه بشر بن معاوية وأعطاه أعنزا عفرا وبرّك عليهن. قال الجعد: فالسنة ربما أصابت بني البكاء ولا تصيب آل معاوية. وقال محمد بن بشر بن معاوية بن ثور بن عبادة بن البكّاء رضي الله تعالى عنه: وأبي الذي مسح الرسول برأسه ... ودعا له بالخير والبركات أعطاه أحمد إذ أناه أعنزا ... عفرا نواجل لسن باللجنات يملأن رفد الحي كل عشية ... ويعود ذاك الملء بالغدوات بوركن من منح وبورك مانحا ... وعليه مني ما حييت صلاتي وسمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد عمرو الأصم عبد الرحمن وكتب له بمائة الذي أسلم عليه بذي القصّة. وكان عبد الرحمن من أصحاب الظّلّة يعني الصّفّة صفّة المسجد. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الفجيع: بجيم مصغّر. جندح: بضم الجيم والدال المهملة وسكون النون بينهما وآخره [حاء] مهملة. العفر: بعين مهملة مضمومة ففاء ساكنة فراء: بياض ليس بالناصع. اللّجنات: القليلات اللّبن. ذو القصّة: بقاف فصاد مهملة مفتوحتين فتاء تأنيث موضع قريب من المدينة.

الباب السادس عشر في وفود بني بكر بن وائل إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس عشر في وفود بني بكر بن وائل إليه صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد: قدم وفد بكر بن وائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل منهم: هل تعرف قسّ بن ساعدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس هو منكم، هذا رجل من إياد تحنّف في الجاهلية فوافى عكاظا والناس مجتمعون فكلّمهم بكلامه الذي حفظ عنه» [ (1) ] . وقد تقدم ذكره في أوائل الكتاب. وكان في الوفد بشير بن الخصاصيّة، وعبد الله بن مرثد، وحسّان بن حوط [ (2) ] وقال رجل من ولد حسّان. أنا ابن حسّان بن حوط وأبي ... رسول بكر كلّها إلى النّبي وقد معهم عبد الله بن أسود بن شهاب بن عوف بن عمرو بن الحارث بن سدوس وكان ينزل اليمامة فباع ما كان له من مال باليمامة، وهاجر وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجراب من تمر، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: قسّ بن ساعدة وإياد وعكاظ: تقدم الكلام عليها أول الباب. الحصاصية: بحاء فصادين مهملات بينهما ألف فمثناة تحتية. حسّان: بفتح الحاء المهملة. حوط: [بفتح الحاء المهملة وسكون الواو فطاء مهملة] . سدوس: بسينين بعد الأولى دال مهملات فواو.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 79 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 10/ 166. [ (2) ] حسان بن خوط بن مسعر بن عنود بن مالك بن الأعور بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر الشيباني نسبه ابن الكلبي.. انظر الإصابة 2/ 9.

الباب السابع عشر في وفود بلي إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع عشر في وفود بليّ إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] عن رويفع بن ثابت البلويّ [ (2) ] رضي الله تعالى عنه قال: قدم وفد من قومي في شهر ربيع الأول سنة تسع فأنزلتهم في منزلي ببني جديلة، ثم خرجت بهم حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه في بيته في الغداة. فسلّمت. فقال: «رويفع» . فقلت: لبّيك. قال: «من هؤلاء القوم» . قلت: قومي. قال: «مرحبا بك وبقومك» . قلت: يا رسول الله قدموا وافدين عليك مقرّين بالإسلام وهم على من وراءهم من قومهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يهده للإسلام» . قال: فتقدّم شيخ الوفد أبو الضّبيب [ (3) ] فقال: «يا رسول الله إنّا قدمنا عليك لنصدّقك ونشهد أن ما جئت به حق، ونخلع ما كنا نعبد ويعبد آباؤنا» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار» . وقال له أبو الضّبيب: يا رسول الله إني رجل لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم وكل معروف صنعته إلى غنيّ أو فقير فهو صدقة» . قال: يا رسول الله ما وقت الضيافة؟ قال: «ثلاثة أيام فما بعد ذلك فصدقة ولا يحلّ للضيف أن يقيم عندك فيحرجك» . قال: يا رسول الله أرأيت الضّالّة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض. قال: «لك ولأخيك أو للذئب» . قال: فالبعير. قال: «مالك وله، دعه حتى يجده صاحبه» . [قال رويفع] : وسألوا عن أشياء من أمر دينهم فأجابهم. ثم رجعت بهم إلى منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي بحمل تمر يقول: «استعن بهذا التمر» . قال: فكانوا يأكلون منه ومن غيره. فأقاموا ثلاثا، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّعونه فأمر لهم بجوائز كما كان يجيز من كان قبلهم ثم رجعوا إلى بلادهم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. بليّ: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد الياء حيّ من قضاعة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 94. [ (2) ] رويفع بن ثابت البلوي ... ذكره الطبري في وفد بليّ وأنهم نزلوا عليه سنة تسع وهو غير رويفع بن ثابت الأنصاري قاله ابن فتحون. الإصابة 2/ 214. [ (3) ] أبو الضبيس البلوي ذكره محمد بن الربيع الجيزي فيمن دخل مصر من الصحابة وذكر الواقدي من طريق محمد بن سعد مولى بني مخزوم عن رويفع بن ثابت البلوي قال: قدم وفد قومي في شهر ربيع الأول سنة تسع فبلغني قدومهم فأنزلتهم علي فخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال شيخ منهم يقال: له أبو الضبيس يا رسول الله إني رجل أرغب في الضيافة فهل لي من أجر في ذلك قال: «نعم وكل معروف إلى غني أو فقير صدقة» الإصابة 7/ 1089.

رويفع: براء مضمومة فواو فتحتية ففاء فعين مهملة. أبو الضّبيب: بضم الضاد المعجمة الساقطة وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالموحدة. ويقال فيه أبو الضّبيس. فيحرجك: من الحرج أي يضيق صدرك وقيل يؤثّمك والحرج الإثم أي يعرّضك للإثم [حتى تتكلم فيه بما لا يجوز فتأثم] .

الباب الثامن عشر في وفود بهراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن عشر في وفود بهراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى محمد بن عمر عن كريمة بنت المقداد رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول: قدم وفد بهراء من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلاثة عشر رجلا. فأقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد بن عمرو، ونحن في منازلنا ببني حديلة. فخرج إليهم المقداد فرحّب وأنزلهم وقدم لهم جفنة من حبس. قالت ضباعة: كنّا قد هيّأناها قبل أن يحلّوا لنجلس عليها، فحملها المقداد وكان كريما على الطعام. فأكلوا منها حتى نهلوا وردّت إلينا القصة وفيها شيء فجمع في قصعة صغيرة ثم بعثنا بها مع سدرة مولاتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته في بيت أم سلمة. فقال صلى الله عليه وسلم: «ضباعة أرسلت بهذا؟» قالت سدرة: نعم يا رسول الله، قال: «ضعي» ثم قال: «ما فعل ضيف أبي معبد؟» قلت: عندنا. فأصاب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ومن معه في البيت حتى نهلوا وأكلت معهم سدرة. ثم قال: «اذهبي بما بقي إلى ضيفكم» . قالت سدرة: فرجعت بالقصعة إلى مولاتي. قالت: فأكل منها الضيف ما أقاموا. فردّدها عليهم وما تغيض حتى جعل الضيف يقولون يا أبا معبد إنك لتنهلنا من أحبّ الطعام إلينا وما كنا نقدر على مثل هذا إلا في الحين. وقد ذكر لنا أن بلادكم قليلة الطعام إنما هو العلق أو نحوه ونحن عندكم في الشّبع. فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل منها وردّها وهذه بركة أصابعه صلّى الله عليه وسلم. فجعل القوم يقولون: نشهد أنه رسول الله وازدادوا يقينا، وذلك الذي أراد صلى الله عليه وسلم فأتوه فأسلموا وتعلموا الفرائض وأقاموا أياما. ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّعونه فأمر لهم بجوائز وانصرفوا إلى أهليهم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بهراء: بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء والمدّ. بنو حديلة: بضم الحاء وفتح الدال المهملتين فتحتية ساكنة فلام. رحّب بهم: قال لهم: مرحبا. الجفنة: بفتح الجيم. الحيس: بفتح الحاء وسكون التحتية وبالسين المهملتين: الأقط بالتمر والسّمن. العلق: بعين مهملة مضمومة فلام ساكنة فقاف: جمع علقة وهي البلغة من الطعام.

الباب التاسع عشر في وفود تجيب - وهم من السكون - إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع عشر في وفود تجيب- وهم من السكون- إليه صلى الله عليه وسلم قدم وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة عشر رجلا، وساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عز وجل، فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم منزلهم. وقالوا: يا رسول الله سقنا إليك حقّ الله في أموالنا. فقال صلى الله عليه وسلم: «ردّوها فاقسموها على فقرائكم» . قالوا: يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل من فقرائنا. فقال أبو بكر: يا رسول الله ما قدم علينا وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تجيب. فقال صلى الله عليه وسلم: «أن الهدى بيد الله عز وجل، فمن أراد الله به خيرا شرح صدره للإيمان» . وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسّنن، فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رغبة وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم. فأقاموا أياما ولم يطيلوا اللّبث. فقيل لهم: ما يعجلكم؟ قالوا: نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامنا إيّاه، وما ردّ علينا ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّعونه فأمر بلالا فأجازهم بأرفع مما كان يجيز به الوفود وقال: «هل بقي منكم أحد؟» قالوا: غلام خلّفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنّا. قال: «أرسلوه إلينا» . فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام: انطلق إلى رسول الله فاقض حاجتك منه فإنّا قد قضينا حوائجنا منه وودّعناه. فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني غلام من بني أبذى من الرّهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي يا رسول الله. قال: «وما حاجتك؟» قال: «يا رسول الله إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وإن كانوا قد قدموا راغبين في الإسلام وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم وإني والله ما أعلمني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني وأن يجعل غناي في قلبي» . فقال: صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه» . ثم أمر به بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه. فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى سنة عشر فقالوا نحن بنو أبذى، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلام فقالوا: يا رسول الله: والله ما رأينا مثله قط ولا حدّثنا بأقنع منه بما رزقه الله، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا» . فقال رجل منهم: أو ليس يموت الرجل جميعا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «تشعّب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فلعل أجله يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيّها هلك» . قالوا فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وأزهده في الدنيا وأقنعه بما رزقه الله. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام في قومه فذكّرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد. وجعل أبو بكر

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

رضي الله تعالى عنه يذكره ويسأل عنه حتى بلغه حاله وما قام به. فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيرا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. تجيب: بضم الفوقية وفتحها وكسر الجيم وسكون التحتية وبالموحدة. السّكون: بفتح السين المهملة وضم الكاف وسكون الواو وبالنون: حيّ من اليمن. سرّ: بضم السين المهملة وفتح الراء المشددة. فضل: بفتح الضاد المعجمة وكسرها. اللّبث: بفتح اللام وسكون الموحدة وبالثاء المثلثة: المكث. يعجلك: بضم أوله وكسر الجيم. من وراءنا: بفتح الميم. برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: بفتح اللام، مفعول المصدر. خلّفناه: بتشديد اللام. بنو أبذى: بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الذال المعجمة وزن أعمى. مذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة فحاء مهملة مكسورة فجيم. موسم الحاجّ: بفتح الميم وسكون الواو وكسر السين المهملة وبالميم: معلم يجتمع إليه الناس، وكل مجمع من الناس موسم. أعلمني من بلادي: وهو من إعمال المطيّ وهو حثّها وسوقها يقال أعملت الناقة فعملت كأنه يقول ما حثّني وساقني إلا ما ذكرت. حدّثنا: بضم الحاء المهملة وكسر الدال المهملة مبني للمفعول. تشعّب: حذف منه إحدى التاءين أي تشعّب.

الباب العشرون في وفود بني تغلب إليه صلى الله عليه وسلم.

الباب العشرون في وفود بني تغلب إليه صلى الله عليه وسلم. روى ابن سعد عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفد بني تغلب ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث. فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم النصارى على أن يقرّهم على دينهم على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. تغلب: بمثناة فوقية مفتوحة فغين معجمة ساكنة فلام مكسورة فموحدة. يصبغوا أولادهم في النصرانية بتحتية مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فموحدة فغين معجمة مضمومتين: يغمسوا. الباب الحادي والعشرون في وفود بني تميم إليه صلى الله عليه وسلم وسبب مجيئهم أخذ عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري جماعة منهم كما تقدم في الباب السادس والخمسين من السرايا. فقدم فيهم عدّة من رؤساء بني تميم. فروى ابن إسحاق، وابن مردويه عن عطارد بن حاجب بن زرارة، والزّبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، والحبحاب بن يزيد، ونعيم بن يزيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصم، ورياح بن الحارث في وفد عظيم يقال: كانوا سبعين أو ثمانين رجلا. وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس كانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف، فلما قدم وفد بني تميم قدما معهم. قالوا: فدخلوا المسجد وأذّن بلال بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل وفد بني تميم واستبطئوه، فنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا، يا محمد اخرج إلينا، ثلاث مرات فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم. فخرج إليهم فقالوا: إن مدحنا لزين وإن ذمّنا لشين نحن أكرم العرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبتم بل مدحة الله عز وجل الزّين وذمّه الشّين، وأكرم منكم يوسف بن يعقوب» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن الأقرع بن حابس [ (2) ] ، وابن جرير بسند جيّد، وأبو القاسم

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر 6/ 87 وعزاه لابن إسحاق وابن مردويه. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 6/ 86 وعزاه لأحمد وابن جرير وابن القاسم البغوي وابن مردويه والطبراني بسند صحيح.

البغوي، والطبراني بسند صحيح، والترمذي وحسنه، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن البراء من عازب رضي الله تعالى عنهما قال البراء: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الأقرع إنه هو، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اخرج إلينا، فلم يجبه فقال: يا محمد إن حمدي لزين وإن ذمّي لشين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك الله عز وجل» . فقال: إنّا أتيناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا. قال: «قد أذنت لخطيبكم فليقل» . فقام عطارد بن حاجب فقال: «الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله، الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما، نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدّة، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو شئنا لأكثرنا الكلام ولكنا نستحي من الإكثار فيما أعطانا [وإنا نعرف بذلك] . أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا» . ثم جلس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث بن الخزرج: «قم فأجب الرجل في خطبته» . فقام ثابت فقال: «الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره ووسع كرسيّه علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا. وأفضله حسبا فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان به، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس أحسابا وأحسن الناس وجوها وخير الناس فعالا، ثم كان أول الخلق إجابة، واستجاب الله حين دعاه رسول الله نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ومن كفر جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم» . فقام الزّبرقان بن بدر فقال، وفي لفظ فقال الزبرقان بن بدر لرجل منهم: يا فلان قم فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقام فقال: نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا ... منّا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلّهم ... عند النّهاب وفضل العزّ يتّبع ونحن نطعم عند القحط مطعمنا ... من الشّواء إذا لم يؤنس القزع ونطعم النّاس عند المحل كلّهم ... من السّديف إذا لم يؤنس القزع بما ترى النّاس تأتينا سراتهم ... من كلّ أرض هويّا ثمّ نصطنع فنحر الكوم عبطا في أروقتنا ... للنّازلين إذا ما أنزلوا شبعوا

فلا ترانا إلى حيّ نفاخرهم ... إلّا استفادوا فكانوا الرّأس يقتطع فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه ... فيرجع القوم والأخبار تستمع إنّا أبينا ولا يأبى لنا أحد ... إنّا كذلك عند الفخر نرتفع قال ابن هشام: ويروى: «منّا الملوك وفينا تقسم الرّبع» . ويروى: «من كل أرض هوانا ثم متّبع» . رواه لي بعض بني تميم [وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان] . قال ابن إسحاق: وكان حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه غائبا فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال حسّان: جاءني رسوله فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بني تميم فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: منعنا رسول الله إذ حلّ وسطنا ... على أنف راض من معدّ وراغم منعناه لمّا حلّ بين بيوتنا ... بأسيافنا من كلّ باغ وظالم ببيت حريد عزّه وثراؤه ... بجابية الجولان وسط الأعاجم هل المجد إلّا السّؤدد العود والنّدى ... وجاه الملوك واحتمال العظائم فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسّان بن ثابت: «قم يا حسّان فأجب الرجل» فقام حسّان فقال: إنّ الذّوائب من فهر وإخوتهم ... قد بيّنوا سنّة للنّاس تتّبع يرضى بهم كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وكلّ الخير يصطنع قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوهم ... أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا سجيّة تلك منهم غير محدثة ... إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع إن كان في النّاس سبّاقون بعدهم ... فكلّ سبق لأدنى سبقهم تبع لا يرقع النّاس ما أوهت أكفّهم ... عند الدّفاع ولا يوهون ما رقعوا إن سابقوا النّاس يوما فاز سبقهم ... أو وازنوا أهل مجد بالنّدى متعوا أعفّة ذكرت في الوحي عفّتهم ... لا يطمعون ولا يرديهم طمع لا يبخلون على جار بفضلهم ... ولا يمسّهم من مطمع طبع إذا نصبنا لحىّ لم ندبّ لهم ... كما يدبّ إلى الوحشيّة الذّرع نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزّعانف من أظفارها خشعوا لا يفرخرون إذا نالوا عدوّهم ... وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع كأنّهم في الوغى والموت مكتنع ... أسد بحلية في أرساغها فدع خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا ... ولا يكن همّك الأمر الّذي منعوا

فإنّ في حربهم فأترك عداوتهم ... شرّا يخاض عليه السّمّ والسّلع أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفاوتت الأهواء والشّيع أهدى لهم مدحتي قلب يوازره ... فيما أحبّ لسان حائك صنع فإنّهم أفضل الأحياء كلّهم ... إن جدّ بالنّاس جدّ القول أو شمعوا قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد: يرضي بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الّذي شرعوا قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم أن الزبرقان بن بدر لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم قال: أتيناك كيما يعلم النّاس فضلنا ... إذا اختلفوا عند احتضار المواسم بأنّا فروع النّاس في كلّ موطن ... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم وإنّا نذود المعلمين إذا انتخوا ... ونضرب رأس الأصيد المتفاقم فإنّ لنا المرباع في كلّ غارة ... نغير بنجد أو بأرض الأعاجم فقام حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه فأجابه فقال: هل المجد إلّا السّؤدد العود والنّدى ... وجاه ملوك واحتمال العظائم نصرنا وآوينا النّبيّ محمّدا ... على أنف راض من معدّ وراغم بحيّ حريد أصله وثراؤه ... بجابية الجولان وسط الأعاجم نصرناه لمّا حلّ وسط ديارنا ... بأسيافنا من كلّ باغ وظالم جعلنا بنينا دونه وبناتنا ... وطبنا له نفسا بفيء المغانم ونحن ضربنا النّاس حتّى تتابعوا ... على دينه بالمرهفات الصّوادم ونحن ولدنا من قريش عظيمها ... ولدنا نبيّ الخير من آل هاشمٍ بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول من بين ظئر وخادم فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا ... ولا تلبسوا زيّا كزيّ الأعاجم قال ابن إسحاق: فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله قال الأقرع بن حابس: «وأبي إن هذا الرجل لمؤتّى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أعلى من أصواتنا» . فلما فرغ القوم أسلموا وجوّزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم. وكان عمرو بن

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

الأهتم قد خلّفه القوم في ظهرهم، وكان أصغرهم سنّا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم. وقال محمد بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز كل رجل منهم اثنتي عشرة أوقية إلا عمرو بن الأهتم فإنه أعطاه خمس أواق لحداثة سنة. قال ابن إسحاق: وفيهم نزل من القرآن: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات 4] [ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقال: «هم جفاة بني تميم، لولا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدّجّال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم» . وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن عاصم، والزّبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم التميميون. ففخر الزبرقان وقال: يا رسول الله أنا سيّد تميم والمطاع فيهم والمجاب منهم آخذ لهم بحقوقهم وأمنعهم من الظلم وهذا يعلم ذلك. وأشار إلى عمرو بن الأهتم. فقال عمرو بن الأهتم: إنه لشديد العارضة، مانع لجانبه، مطاع في أدانيه. فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال وما منعه أن يتكلم إلا الحسد. فقال عمرو ابن الأهتم: «أنا أحسدك، فو الله إنك للئيم الخال، حديث المال، أحمق الولد، مبغض في العشيرة، والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا وما كذبت فيما قلت آخرا، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت، ولقد صدقت في الأولى والأخرى جميعا» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: شرح غريب أبيات الزبرقان بن بدر رضي الله عنه تنصب: بضم الفوقية وسكون النون وفتح الصاد المهملة وبالموحدة المضمومة. البيع: نائب الفاعل جمع بيعة بكسر الموحدة وهي أماكن الصلوات والعبادات للنصارى. فسرنا: بالقاف والسين المهملة: قهرنا وأكرهنا. النّهاب: بنون مكسورة فهاء فألف فموحدة: جمع نهب بمعنى منهوب. يتّبع: بالبناء للمفعول. القزع: جمع قزعة وهي السحاب يعني إذا كان الجدب ولم يكن في السماء سحاب يتقزّع والقزع تفرّق السحاب.

السّراة: بفتح السين المهملة وتخفيف الراء: الأشراف جمع سريّ. هويّا: بضم الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية: سراعا. نصطنع: بالبناء للمفعول. الكوم: بضم الكاف وسكون الواو وبالميم جمع كوماء بفتح الكاف وسكون الواو وبالمدّ: وهي العظيمة السّنام. عبطا: بعين مفتوحة وطاء مهملتين وسكون الموحدة بينهما والاعتباط الموت في الحداثة. قال الشاعر: من لم يمت عبطة يمت هرما* للموت كأس والمرء ذائقها الأرومة: بفتح الهمزة وضم الراء: الأصل. أنزلوا: بالبناء للمفعول. استقادوا: بهمزة وصل فسين مهملة فمثناة فوقية فقاف، فدال مهملة طلبوا القود. يقتطع: بالبناء للمجهول. تستمع: بالبناء للمجهول كذلك. شرح غريب شعر حسان رضي الله عنه. أبينا: بهمزة مفتوحة فموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فنون: امتنعنا أشدّ الامتناع. الذّوائب: بذال معجمة جمع ذؤابة وهي الشّعر المضفور من شعر الرأس، وذؤابة الجبل أعلاه ثم استعير للعزّ والشرف والمرتبة أي من الأشراف وذوي الأقدار. فهر: بكسر الفاء وسكون الهاء وبالراء. الأشياع: بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة فتحتية فألف فمهملة. السّجيّة: بفتح السين المهملة وكسر الجيم وتشديد التحتية: الخلق والطبيعة. الخلائق: بخاء معجمة فلام مفتوحتين فألف فياء فقاف: وهم الناس والخليقة وهي البهائم وقيل هما بمعنى واحد. سبّاقون: [بسين مهملة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فقاف فواو فنون من سبقه يسبقه يسبقه تقدّمه ويقال سبّاق غايات أي حائز قصبات السّبق] . لا يرقع الناس: [بمثناة مفتوحة فراء فقاف فعين مهملة من رقع الثوب إذا رمّمه] . أوهت: بهمزة فواو ساكنة فهاء: أضعفت.

الرقاع: براء مكسورة وقاف وآخره عين مهملة ما يكتب فيه الحقوق. آذنوا: بهمزة مفتوحة ممدودة فذال معجمة فنون: أعلموا. المجد: بميم مفتوحة فجيم ساكنة فذال مهملة: الشرف الواسع. النّدى: بفتح النون وبالقصر: الجود والكرم. متعوا: ارتفعوا من متع النهار ارتفع. أعفّة: بهمزة مفتوحة فعين مهملة مكسورة ففاء جمع عفيف وهو الكافّ عن الحرام والسؤال من الناس. الذّرع: بفتح الذال المعجمة والراء وبالعين المهملة ولد البقرة الوحشية وجمعه ذرعان، وبقرة مذرع، إذا كانت ذات ذرع. ذكرت: بالبناء للمفعول. لا تطبعون: بتحتية فطاء مهملة ساكنة فموحدة مفتوحة فعين مهملة فواو: لا يتدنسون، والطبع بفتح الطاء: الدّنس، يقال فيه طبع يودي. نصبنا: أظهرنا العداوة ولم نسرّها. ندبّ: بفتح النون وكسر الدال المهملة [وتشديد الموحدة: أي ندرج رويدا] . الوحشيّة: بواو مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فشين معجمة مكسورة فتحتية مشددة [من الوحشة] ضدّ الأنس والوحشة الخلوة والهمّ. الزّعانف: بفتح الزاي والعين المهملة وبعد الألف نون مكسورة وبالفاء: وهم أطراف الناس وأتباعهم وأصله أطراف الأديم والأكارع. الخور: بضم الخاء المعجمة وسكون الواو وبالراء: الضعفاء. الهلع: بضم الهاء واللام الجبناء، الهلع أفحش الجزع. الوغى: بفتح الواو والغين المعجمة وبالقصر. وهو في الأصل الجلبة والأصوات، وقيل للحرب وغى لما فيها من ذلك. مكتنع: بميم مضمومة فكاف ساكنة ففوقية مفتوحة فنون مكسورة فعين مهملة. يقال اكتنع منه الموت إذا دنا منه وقرب. الأسد: جمع أسد. حلية: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فتحتية. هذا هو الصواب- وقيل بالموحدة بدل

التحتية- وحلية مأسدة بناحية اليمن. الأرساغ: بفتح أوله وسكون الراء وبالسين المهملة- ويقال بالصاد المهملة بدل السين- وبعد الألف غين معجمة جمع رسغ بضم الراء وهو مفصل ما بين الكف والساعد، ومجتمع الساق والقدم. الفدع: بفتح الفاء والدال وبالعين المهملتين: المعوجّ الرّسغ من اليد والرّجل، فيكون منقلب الكف، والقدم [إلى عظم الساق] . وذلك الموضع هو الفدعة. أتوا: أعطوا. عفوا: من غير مشقّة. شرّا: اسم «إن» والخبر «في حربهم» ، وما بينهما اعتراض. السّمّ: بالحركات الثلاث في سينه المهملة وتشديد الميم. السّلع: بسين فلام مفتوحتين فعين مهملتين: نبات مسموم. أهدى: بفتح الهمزة والدال المهملة فعل ماض. مدحتي: بميم مكسورة فدال مهملة فحاء مهملة فتاء تأنيث مفعول مقدّم. قلب: فاعل مؤخّر. يوازره: يعاونه. لسان: فاعل يوازره. صنع: بصاد مهملة فنون مفتوحتين فعين مهملة: حاذق. الجد: بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة: ضد الهزل. شمعوا: بشين معجمة فميم مفتوحتين وبالعين المهملة: ضحكوا ولعبوا ومنه الحديث: «من يتتبع المشمعة يشمّع الله به» . يريد من ضحك من الناس وأفرط في المزاح [أصاره الله إلى حالة يعبث به ويستهزأ منه فيها] . وشمعت الجارية شمعا، لعبت وامرأة شموع: مزاحة.

الباب الثاني والعشرون في وفود بني ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني والعشرون في وفود بني ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم روى محمد بن عمر، وابن سعد [ (1) ] عن رجل من بني ثعلبة [عن أبيه] قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر، وافدين مقرّين بالإسلام. فنزلنا دار رملة بنت الحارث، فجاءنا بلال فنظر إلينا فقال: أمعكم غيركم؟ قلنا: لا. فانصرف عنا، فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتانا بجحفة من ثريد بلبن وسمن، فأكلنا حتى نهلنا. ثم رحنا الظّهر، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء، فرمى ببصره إلينا، فأسرعنا إليه، وبلال يقيم الصلاة. فسلّمنا عليه وقلنا: يا رسول الله نحن رسل من خلفنا من قومنا ونحن [وهم] مقرّون بالإسلام وهم في مواشيهم وما يصلحها إلا هم، وقد قيل لنا يا رسول الله: «لا إسلام لمن لا هجرة له» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضرّكم» . وفرغ بلال من الآذان وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الظهر، لم نصل وراء أحد قط أتمّ صلاة ولا أوجه منه، ثم انصرف إلى بيته فدخل فلم يلبث أن خرج إلينا فقيل لنا: صلّى في بيته ركعتين. فدعا بنا فقال: «أين أهلكم؟» فقلنا قريبا يا رسول الله هم بهذه السرية، فقال: «كيف بلادكم؟» فقلنا مخصبون. فقال: «الحمد لله» . فأقمنا أياما وتعلمنا القرآن والسنين وضيافته صلى الله عليه وسلم تجري علينا، ثم جئنا نودّعه منصرفين فقال لبلال: «أجزهم كما تجيز الوفود» . فجاء بنقر من فضّة فأعطى كل رجل منا خمس أواق وقال: ليس عندنا دراهم فانصرفنا إلى بلادنا.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 63.

الباب الثالث والعشرون في وفد ثقيف إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والعشرون في وفد ثقيف إليه صلّى الله عليه وسلم قال في زاد المعاد: قال ابن إسحاق: وقدم في رمضان منصرفه من تبوك وفد ثقيف، وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم اتّبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهم قاتلوك» ، وعرف أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم. فقال عروة: يا رسول الله أنا أحبّ إليهم من أبكارهم. وكان فيهم كذلك محبّبا مطاعا. فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء إلّا يخالفوه لمنزلته فيهم. فلما أشرف لهم على علّية له، وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنّبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله. فقيل لعروة: ما ترى في دمك؟ قال: «كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إليّ، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم» . فدفنوه معهم، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: «إنّ مثله في قومه لكمثل صاحب يس في قومه» . ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا. وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كما أرسلوا عروة، فكلّموا عبد يا ليل بن عمرو بن عمير، وكان سنّ عروة بن مسعود وعرضوا عليه ذلك. فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به، إذا رجع كما صنع بعروة. فقال: لست فاعلا حتى ترسلوا معى رجالا. فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة فبعثوا مع عبد يا ليل: الحكم بن عمرو بن وهب، وشرحبيل بن غيلان. ومن بني مالك: عثمان بن أبي العاص، وأوس ابن عوف، ونمير بن خرشة. فخرج بهم عبد ياليل، فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة. فاشتدّ ليبشّر بهم النبي صلى الله عليه وسلم. فلقيه أبو بكر فقال: أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه. فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم. ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروّح الظّهر معهم. وعلّمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبوا إلا تحية الجاهلية. ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم قبّة في ناحية المسجد لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلّوا. وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب كتابهم بيده. وكانوا لا يأكلون طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا. وكان فيما سألوا أن يدع لهم الطاغية وهي اللّات ولا يهدمها ثلاث سنين حتى سألوه

شهرا فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمّى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم، ويكرهون أن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدمها. وقد كانوا سألوه أن يعفيهم من الصلاة وألّا يكسروا أوثانهم بأيديهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه» . فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، أمّر عليهم عثمان بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنّا، وذلك أنه كان من أحرصهم على التّفقّه في الإسلام وتعلّم القرآن. وكان كما رواه عنه الطبراني برجال ثقات- رضي الله عنه- قال: قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: من يمسك رواحلنا؟ فكل القوم أحبّ الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه، وكنت أصغرهم، فقلت إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكنّ لي إذا خرجتم، قالوا: فذلك لك. فدخلوا عليه ثم خرجوا، فقالوا: انطلق بنا. قلت: إلى أين؟ قالوا: إلى أهلك فقلت: «ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أأرجع ولا أدخل عليه؟ وقد أعطيتموني ما علمتم» . قالوا: فاعجل فإنا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئا إلا سألناه. فدخلت فقلت: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يفقهني في الدين ويعلّمني. قال: «ماذا قلت؟» فأعدت عليه القول. فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك» . وفي رواية: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته مصحفا فأعطانيه. ثم قال في زاد المعاد: لما توجه أبو سفيان والمغيرة إلى الطائف لهدم الطاغية أراد المغيرة أن يقدّم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال: ادخل أنت على قومك. وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم. فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول، وقام قومه دونه، بنو معتّب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة. فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل أبا سفيان بمجموع مالها من الذهب والفضة والجزع. وقد كان أبو المليح بن عروة، وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف- حين قتل عروة- يريدان فراق ثقيف وألّا يجامعاهم على شيء أبدا، فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تولّيا من شئتما» . فقالا: نتولّى الله ورسوله. فلما أسلم أهل الطائف سأل أبو المليح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي عن أبيه عروة دينا

كان عليه من مال الطاغية فقال له: «نعم» فقال له قارب بن الأسود: وعن الأسود يا رسول الله، فاقضه وعروة والأسود أخوان لأب وأمّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأسود مات مشركا» . فقال قارب يا رسول الله، لكن تصل مسلما ذا قرابة- يعني نفسه- وإنما الدّين عليّ وأنا الذي أطلب به. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا سفيان أن يقضي دينهما من مال الطاغية [ (1) ] . وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إنّ عضاه وجّ وصيده حرام لا يعضد [ولا يقتل صيده] فمن وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ومن تعدّى ذلك فإنه يؤخذ فيبلّغ النبي محمدا وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله وكتب خالد بن سعيد بأمر من محمد بن عبد الله رسول الله [فلا يتعدّه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله لثقيف] » . هذا خبر ثقيف من أوله إلى آخره، هذا لفظه في غروة الطائف. وذكر في وفد ثقيف زيادة على ما هنا قال: وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم ويخلّفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم لأنه أصغرهم. فلما رجعوا عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم، فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبّه. فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا. فقال كنانة بن عبد يا ليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ قال: نعم إن أنتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم وإلا فلا قضيّة ولا صلح بيني وبينكم. قالوا: أفرأيت الزنا؟ فإنا قوم نغترب لا بدّ لنا منه. قال: وهو عليكم حرام، إن الله عز وجل يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا [الإسراء 32] قالوا: أفرأيت الرّبا فإنه أموالنا كلّها؟ قال: لكم رؤوس أموالكم، أن الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة 278] . قالوا: أفرأيت الخمر فإنه لا بد لنا منها؟ قال: إن الله تعالى قد حرّمها وقرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة 90] . فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض وكلّمه إلا يهدم الرّبّة، فأبى، فقال ابن عبد يا ليل: إنا لا نتولّى هدمها. فقال: «سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها» . وأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص كما تقدم لما علم من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلّم سورا من القرآن قبل أن يخرج لما سألوه أن يؤمّر عليهم.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 5/ 370.

فلما رجع الوفد خرجت ثقيف يتلقّونهم فلما رآهم ساروا العنق وقطروا الإبل قال بعضهم لبعض ما جاء وفدكم بخير، وقصد الوفد اللّات، ونزلوا عندها. فقال ناس من ثقيف إنهم لا لا عهد لهم برؤيتنا، ثم رحل كل رجل منهم إلى أهله فسألوهم: ماذا جئتم به؟ قالوا: أيتنا رجلا فظّا غليظا قد ظهر بالسيف وداخ له العرب قد عرض علينا أمورا شدادا: هدم اللّات. فقالت ثقيف: والله نقبل هذا أبدا. فقال الوفد: أصلحوا السلاح وتهيّئوا للقتال. فمكثت ثقيف كذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقى الله في قلوبهم الرّعب، فقالوا: والله ما لنا به من طاقة فارجعوا فأعطوه ما سأل. فلما رأى الوفد إنهم قد رغبوا واختاروا الإيمان قال الوفد: فإنا قاضيناه وشرطنا ما أردنا ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه فاقبلوا عافية الله. فقالت ثقيف: فلم كتمتمونا هذا الحديث؟ فقالوا: أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما. ثم قدم رسل النبي صلى الله عليه وسلم وعمدوا إلى اللّات ليهدموها، وخرجت ثقيف كلها حتى العواتق من الحجال لا ترى أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة. فقام المغيرة فأخذ الكرزين فضرب ثم سقط فارتجّ أهل الطائف وقالوا: أبعد الله المغيرة قتلته الرّبّة وفرحوا وقالوا: والله لا يستطاع هدمها. فوثب المغيرة وقال: «قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلوا عافية الله واعبدوه» . ثم ضرب الباب فكسره ثم علا سورها وعلا الرجال معه يهدمونها حجرا حجرا حتى سوّوها. وقال صاحب المفتاح: ليغضبنّ الأساس فليخسفنّ بهم. فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد: دعني أحفر أساسها، فحفره حتى أخرجوا ترابها. وأقبل الوفد حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليّها وكسوتها، فقسمه من يومه، وحمد الله تعالى على نصرة نبيّه وإعزاز دينه. وقال عثمان بن أبي العاص، كما رواه عنه أبو داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم. وقال عثمان: إنما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري وقال: «يا شيطان اخرج من صدر عثمان» . فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه. وفي صحيح مسلم: قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، فقال: «ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا» . قال: ففعلت فأذهبه الله عني.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أثره: بضم الهمزة وتفتح وتكسر وسكون الثاء المثلثة. النّخوة: الكبر والعظمة. أبكارهم: بهمزة مفتوحة فموحدة ساكنة فكاف فألف فراء: أوّل أولادهم. العلّيّة: بضم العين المهملة وكسرها وتشديد التحتية: وهي الغرفة، والجمع العلاليّ بتشديد التحتية وتخفيفها. أوس بن عوف: أحد بني سالم. فليس فيّ: بتشديد ياء الإضافة. قتلوا: بالبناء للمفعول. مثله كمثل صاحب يس: قال في العروض: يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم: «كمثل صاحب يس» يريد به المذكور في سورة ياسين الذي قال لقومه: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [يس 20] فقتله قومه واسمه حبيب بن مرّي، ويحتمل أن يريد صاحب إلياس وهو اليسع فإن إلياس يقال في اسمه ياسين أيضا. وقال الطبري هو إلياس بن ياسين [وفيه قال الله تبارك وتعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ [الصافات 130] وقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ أيضا في صاحب مرّة بن الحارث لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني هلال فقتلوه. عبد يا ليل: بمثناة تحتية فألف فلامين بينهما مثناة تحتية. ابن عمرو بن عمير: كذا قال ابن إسحاق، وقال موسى بن عقبة، وابن الكلبي، وأبو عبيدة: مسعود بن عبد ياليل. أن يصنع به كما صنع بعروة بن مسعود: ببنائهما للمفعول. ابن معتّب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة، ويجوز فيه سكون العين وكسر الفوقية. شرحبيل: بشين معجمة فراء مفتوحتين فحاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة فمثناة تحتية فلام. ابن غيلان: بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية أسلم بعد، وكان تحته عشر نسوة، كذلك مسعود بن عمرو بن عمير، وعروة بن مسعود، وسفيان بن عبد الله، ومسعود بن معتب، وأبو عقيل بن مسعود بن عامر، وكلهم من ثقيف. وهب بن جابر: [بفتح الواو وسكون الهاء وبالموحدة] .

نمير بن خرشة: نمير بنون مضمومة فميم فمثناة تحتية فراء، خرشة: بخاء معجمة فراء فشين معجمة مفتوحات. قناة: بفتح القاف وتخفيف النون وبعد الألف تاء تأنيث: واد من أودية المدينة. ألفوا: بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الفاء وسكون الواو: وجدوا. اشتدّ: عدا. روح: بفتح الراء وتشديد الواو المفتوحة وبالحاء المهملة. الظهر: الإبل. تحية الجاهلية: عم صباحا محذوف من نعم ينعم بكسر الماضي وفتح المستقبل. لا يطمعون: بفتح التحتية والميم وسكون الطاء المهملة بينهما. الطاغية: ما كانوا يعبدون من الأصنام، والجمع الطواغي: والطاغوت جمعه طواغيت وهو الشيطان وما يزيّن لهم أن يعبدوه من الأصنام، والطاغوت يكون واحدا وجمعا. يدعها: بفتح أوله وبالدال والعين المهملتين: يتركها. يظهرون: بضم أوله وكسر الهاء: [يبيّنون] . يسلموا: بفتح التحتية واللام: من السلامة. الذّراري: بذال معجمة فراءين بينهما ألف فمثناة تحتية مشدّدة جمع ذرّيّة وهي اسم لنسل الإنسان من ذكر وأنثى: أصلها الهمز إلا أنهم لم يستعملوها إلا غير مهموزة. يروّعوا: بضم التحتية وتشديد الواو المكسورة من الرّوع وهو الفزع. فسنعفيكم منه: بضم النون وكسر الفاء. أمّر عليهم: من التأمير. تعلّم القرآن: بتشديد اللام المضمومة وهو مجرور. بذي الهرم: بفتح الهاء وإسكان الراء فميم. المعول: بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو فلام: الفأس العظيمة التي يقطع بها الصّخر والجمع المعاول. معتّب: تقدم ضبطه. أن يرمى: بالبناء للمفعول. أو يصاب: بالبناء للمفعول كذلك.

حسّرا: بضم الحاء وفتح السين المشددة وبالراء المهملات: متكشفات. واها: قيل معنى هذه الكلمة التلهف، وقد توضع موضع الإعجاب بالشيء يقال: واها له، وقد ترد بمعنى التّوجّع. حليّها: بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام. ومالها: أي الذي لها. الجزع: بسكون الزاي خرز معروف. أبو المليح بن عروة بن مسعود: بفتح الميم وكسر اللام وبالحاء المهملة بعد التحتية: صحابي ابن صحابي. قارب: بالقاف وبعد الألف راء مكسورة فموحدة: وهو ابن أخي عروة بن مسعود. قتل عروة: بالبناء للمفعول. وأطلب به: [بالبناء للمفعول] كذلك. العضاه: بكسر العين المهملة وبالضاد المعجمة وبالهاء لا بالتاء وهو جمع، وهو كل شجر ذي شوك الواحدة عضة «بالتاء حذفت منه الهاء كشفة ثم ردّت في الجمع فقيل عضاه ويقال عضاهة أيضا وهو أقبحها. وجّ: بفتح الواو وتشديد الجيم: قال في القاموس: «اسم واد بالطائف لا بلد به، وغلط الجوهري [وهو ما بين جبلي المحترق والاحيحدين] ومنه آخر وطأة وطئها الله تعالى بوجّ، يريد غزوة حنين لا الطائف وغلط الجوهري، وحنين واد قبل وجّ أما غزوة الطائف فلم يكن فيها قتال» . انتهى. قال في النور: قوله لم يكن فيها قتال فيه نظر إلا أن يريد توجهه [إلى موضع العدو وإرهابه] . مصدّق: بفتح الدال [والتشديد وهو صاحب الماشية الذي أخذت صدقة ماله، وبكسر الدال المشددة عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها] .

الباب الرابع والعشرون في وفود ثمالة والحدان إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع والعشرون في وفود ثمالة والحدّان إليه صلى الله عليه وسلم قالوا: قدم عبد الله بن علس الثّمالي، ومسلمة بن هاران الحدّاني على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من قومهما بعد فتح مكة، فأسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومهم. وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم كتبه ثابت بن قيس بن شماس، وشهد فيه سعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. ثمالة: بثاء مثلثة مضمومة فميم فألف فلام فتاء تأنيث. مسيلمة: بميم مضمومة فسين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية فلام فميم. هاران: بهاء فألف فراء فألف فنون. الباب الخامس والعشرون في قدوم الجارود بن المعلّى، وسلمة بن عياض الأسدي إليه صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيدة معمر بن المثنّى: قدم الجارود العبدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سلمة بن عياض الأسدي، وكان حليفا في الجاهلية، وذلك أن الجارود قال لسلمة بن عياض الأسدي: إن خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي، فهل لك أن نخرج إليه؟ فإن رأينا خيرا دخلنا فيه، فإنه إن كان نبيا فللسابق إليه فضيلة، وأنا أرجو أن يكون النبي الذي بشّر به عيسى ابن مريم. وكان الجارود نصرانيا قد قرأ الكتب. ثم قال لسلمة: «ليضمر كل واحد منا ثلاث مسائل يسأله عنها، لا يخبر بها صاحبه، فلعمري لئن أخبر بها إنه لنبيّ يوحى إليه» . ففعلا. فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الجارود: بم بعثك ربّك يا محمد؟. قال: «بشهادة ألا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله، والبراءة من كل ند أو وثن يعبد من دون الله تعالى، وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة بحقها وصوم شهر رمضان وحجّ البيت، مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت 46] » . قال الجارود: إن كنت يا محمد نبينا فأخبرنا عمّا أضمرنا عليه. فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنها سنة ثم رفع رأسه وتحدّر العرق عنه فقال: «أما أنت يا جارود فإنك أضمرت على أن

تسألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الجاهلية وعن المنيحة، ألا وإن دم الجاهلية موضوع وحلفها مشدود. ولم يزدها الإسلام إلا شدّة، ولا حلف في الإسلام، ألا وإنّ الفضل الصّدقة أن تمنح أخاك ظهر دابّة أو لبن شاة، فإنها تغدو برفد، وتروح بمثله. وأما أنت يا سلمة فإنك أضمرت على أن تسألني عن عبادة الأصنام، وعن يوم السّباسب وعن عقل الهجين، فأما عبادة الأصنام فإن الله تعالى يقول: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء 98] وأما يوم السباسب فقد أعقب الله تعالى منه ليلة خير من ألف شهر، فاطلبوها في العشر الأواخر من شهر رمضان فإنها ليلة بلجة سمحة لا ريح فيها تطلع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها، وأما عقل الهجين فإن المؤمنين إخوة تتكافأ دماؤهم يجير أقصاهم على أدناهم أكرمهم عند الله أتقاهم» . فقالا: نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله. وعند ابن إسحاق عمّن لا يتّهم عن الحسن أن الجارود لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّمه فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه، ورغّبة فيه. فقال: يا محمد إني كنت على دين وإني تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه» . فأسلم وأسلم أصحابه. ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقال: «والله ما عندي ما أحملكم عليه» . فقال: يا رسول الله فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس- وفي لفظ المسلمين- أفنتبلّغ عليها إلى بلادنا؟ قال: «لا، إيّاك وإيّاها فإنما تلك حرق النار» انتهى فقال: «يا رسول الله ادع لنا أن يجمع الله قومنا» . فقال «اللهم اجمع لهم ألفة قومهم وبارك لهم في برّهم وبحرهم» . فقال الجارود: يا رسول الله أيّ المال اتّخذ ببلادي؟ قال: «وما بلادك؟» قال: مأواها وعاء ونبتها شفاء، وريحها صبا ونخلها غواد. قال: «عليك بالإبل فإنها حمولة والحمل يكون عددا. والناقة ذودا» . قال سلمة: يا رسول الله أيّ المال اتّخذ ببلادي؟ قال: «وما بلادك؟» قال: مأواها سباح ونخلها صراح وتلاعها فياح. قال: «عليكم بالغنم فإن ألبانها سجل وأصوافها أثاث وأولادها بركة ولك الأكيلة والربا» . فانصرفا إلى قومهما مسلمين. وعند ابن إسحاق فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه وكان حسن الإسلام صليبا على دينه حتى مات وقد أدرك الرّدّة فثبت على إيمانه، ولما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينه الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام فقال: أيها الناس إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وأكفّر من لم يشهد. وقال الجارود:

تنبيهان

شهدت بأنّ الله حقّ ... بنات فؤادي بالشّهادة والنّهض فأبلغ رسول الله عنّي رسالة ... بأنّي حنيف حيث كنت من الأرض وأنت أمين الله في كل خلقه ... على الوحي من بين القضيضة والقضّ فإن لم تكن داري بيثرب فيكم ... فإنّي لكم عند الإقامة والخفض أصالح من صالحت من ذي عداوة ... وأبغض من أمسي على بغضكم بغضي وأدني الّذي واليته وأحبّه ... وإن كان في فيه العلاقم من بغض أذبّ بسيفي عنكم وأحبّكم ... إذا ما عدوكم في الرفاق وفي النّقض وأجعل نفسي دون كلّ ملمّة ... لكم جنّة من دون عرضكم عرضي وقال سلمة بن عياض الأسدي رضي الله تعالى عنه: رأيتك يا خير البرية كلّها ... نشرت كتابا جاء بالحقّ معلما شرعت لنا فيه الهدى بعد جورنا ... عن الحقّ لمّا أصبح الأمر مظلما فنورت بالقرآن ظلمات حندس ... وأطفأت نار الكفر لمّا تضرّ ما تعالى علوّ الله فوق سمائه ... وكان مكان الله أعلى وأكرما وروى سليمان بن عليّ عن علي بن عبد الله عن عبد اله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الجارود رضي الله تعالى عنه أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه في قومه: يا نبيّ الهدى أتتك رجال ... طعت فدفدا وآلا فآلا وطوت نحوك الصّحاصح طرّا ... لا تخال الكلال فيه كلالا كلّ دهناء يقصر الطّرف عنها ... أرقلتها قلاصنا إرقالا وطوتها الجياد تجمح فيها ... بكماة كأنجم تتلالا تبتغي دفع بوس يوم عبوس ... أوجل القلب ذكره ثمّ هالا تنبيهان الأول: وقع في العيون: الجارود بن بشر بن المعلّى. قال في النور: والصواب حذف «ابن» ، يبقى الجارود بشر بن المعلّى. الثاني: في بيان غريب ما سبق:. الجارود بن المعلّى ويقال ابن عمرو بن المعلّى أبو المنذر ويقال أبو غياث بمعجمة ومثلثة على الأصح وقيل بمهملة وموحدة ويقال اسمه بشر بن حنش بحاء مهملة ونون مفتوحتين فشين معجمة. أن قد: بفتح الهمزة.

ضوالّ: بفتح الضاد المعجمة وتخفيف الواو وتشديد اللام: جمع ضالّة وهي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره يقال ضلّ الشيء إذا ضاع وضلّ عن الطريق إذا حار، وهي في الأصل فاعلة ثم أتّسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنثى والاثنين. والجمع والمراد بها في هذا الحديث الضّالّة من الإبل والبقر ممّا يحمي نفسه ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم. حرق النّار: بفتح الحاء المهملة والراء وبالقاف: لهبها [وقد يسكّن] والمعنى أن ضالّة المؤمن إذا أخذها إنسان ليتملّكها أدّته إلى النار. صليبا على دينه: قويا ثابتا. مع الغرور بن المنذر: بغين معجمة بلا ميم في أوله خلافاً لما وقع في بعض نسخ العيون: أسلم [الغرور] ثم ارتد بعد ارتداده، واسمه المنذر وسمّي بالأول لأنه غرّة قومه. الفدفد: بفاءين مفتوحتين بعد كل فاء دال مهملة الأولى ساكنة: وهي الفلاة لا شيء فيها وقيل هي الأرض الغليظة ذات الحصى وقيل المكان المرتفع. الآل: السراب وقال في الصحاح [والآل الشخص، والآل الذي تراه في أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب] . الصّحاصح: جمع صحصح بفتح الصاد وبعد كل صاد حاء الأولى ساكنة وهي مهملات: وهو والصحصاح [والصّحصحة] والصحصحان ما استوى من الأرض. طرّا: بضم الطاء المهملة وتشديد الراء: جميعا. الدّهناء: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وبالنون والمدّ والقصر: موضع ببلاد بني تميم. الإرقال: بكسر الهمزة وإسكان الراء وبالقاف وباللام: وهو ضرب من العد وفوق الخبب، وقد أرقل البعير وناقة مرقل إذا كانت كثيرة الإرقال. القلاص: بكسر القاف وتخفيف اللام وبالصاد المهملة جمع قلوص بفتح القاف وضمّ اللام المخففّة: وهو الفتيّ من الإبل وهو في النّوق كالجارية في النساء. جمح: بفتح الجيم والميم والحاء المهملة: أسرع. الكماة: بضم الكاف وتخفيف الميم وبعد الألف بتاء [تأنيث] جمع كميّ وهو الشجاع المتكمي لأنه كمى نفسه أي سترها بالدّرع والبيضة. أوجل القلب ذكره: القلب مفعول ذكره. هاله: أفزعه.

الباب السادس والعشرون في وفود جذام إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس والعشرون في وفود جذام إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد عن رجاله [ (1) ] ، والطبراني عن عمير بن معبد الجذامي عن أبيه قال: وفد رفاعة بن زيد بن عمير بن معبد الجذامي، ثم أحد بني الضّبيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهدنة قبل خيبر، وأهدى له عبدا وأسلم. فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا: «هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد، إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى رسوله، فمن آمن- وفي لفظ فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر- وفي لفظ من أبي فله أمان شهرين» . فلما قدم على قومه أجابوه وأسلموا. زاد الطبراني: ثم سار حتى نزل حرّة الرّجلاء. ثم لم يلبث أن قدم دحية الكلبي من عند قيصر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بواد من أوديتهم يقال له شنار ومعه تجارة له أغار عليهم الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضّلعيّان- والضّليع بطن من جذام- فأصابا كل شيء كان معه. فبلغ ذلك قوما من الضّبيب رهط رفاعة بن زيد ممن كان أسلم وأجاب فنفروا إلى الهنيد وابنه، فيهم من بني الضّبيب النّعمان بن أبي جعال حتى لقوهم فاقتتلوا، ورمى قرّة ابن أشقر الضّلعي، النّعمان بن أبي جعال بسهم فأصاب ركبته فقال حين أصابه: خذها وأنا ابن لبنى. وقد كان حسّان بن ملّة الضّبيبي قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك وعلّمه أمّ الكتاب. واستنقذوا ما كان في أيديهم فردوه على دحية. ثم أن دحية قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فاستسقاه دم الهنيد وابنه عوص، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وبعث معه جيشا. وقد وجّهت غطفان من جذام ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم- حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا الحرّة حرّة الرّجلاء، ورفاعة بكراع الغميم ومعه ناس من بني الضّبيب بوادي مدار من ناحية الحرّة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. جذام: بضم الجيم. عمير: بعين مهملة مضمومة فميم فمثناة تحتية فراء. رفاعة: براء مكسورة ففاء فألف فعين مهملة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 117 وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 312 وعزاه للطبراني.

ابن زيد: وقع في سرية زيد بن حارثة إلى حسمى: فدخل زيد بن رفاعة فأسلم، والصحيح ما هنا. أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما: اسمه مدعّم كما سيأتي في ذكر مواليه صلّى الله عليه وسلم. حزب الله وحزب رسوله: بالزاي. الحرّة: بفتح الحاء المشددة المهملتين: أرض ذات حجارة سود. الرّجلاء: بفتح الراء وسكون الجيم وبالمد، قال: في الصحاح: وحرّة رجلاء أي مستوية كثيرة الحجارة يصعب المشي فيها.

الباب السابع والعشرون في وفود جرم إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع والعشرون في وفود جرم إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] عن سعد بن مرّة الجرميّ عن أبيه قال: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان منّا يقال لأحدهما الأصقع بن شريح بن صريم بن عمرو بن رياح، والآخر هوذة بن عمرو ابن يزيد بن عمرو بن رياح فأسلما. وكتب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا. وروى أيضا عن عمرو بن سلمة بن قيس الجرميّ رضي الله تعالى عنه أن أباه ونفرا من قومه وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم الناس وتعلموا القرآن وقضوا حوائجهم. فقالوا له: من يصلّي بنا أولنا؟ فقال: «ليصلّ بكم أكثركم جمعا أو أخذا للقرآن» . قال: فجاءوا إلى قومهم فسألوا فيهم فلم يجدوا أحدا أكثر وأجمع من القرآن أكثر مما جمعت أو أخذت. قال: «وأنا يومئذ غلام عليّ شملة، فقدّموني فصلّيت بهم، فما شهدت مجمعا من جرم إلا وأنا إمامهم إلى يومي هذا. قال: مسعر أحد رواته: وكان يصلي على جنائزهم ويؤمّهم في مسجدهم حتى مضى لسبيله. وروى البخاري، وابن سعد، وابن منده عن عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه قال: كنا بحضرة ماء ممر الناس عليه، وكنا نسألهم ما هذا الأمر؟ فيقولون: رجل يزعم أنه نبي وأن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا، فجعلت لا أسمع شيئا من ذلك إلا حفظته كأنما يغرى في صدري بغراء حتى جمعت فيه قرآنا كثيرا. قال: وكانت العرب تلوّم بإسلامها الفتح: يقولون انظروا فإن ظهر عليهم فهو صادق وهو نبي. فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، فانطلق بأبي بإسلام حوائنا ذلك وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقيم. قال: ثم أقبل فلما دنا منّا تلقّيناه، فلما رأيناه قال: جئتكم والله من عند رسول الله حقّا، ثم قال: إنه يأمركم بكذا وكذا وينهاكم عن كذا وكذا وأن تصلّوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا. قال: فننظر أهل حوائنا فما وجدوا أحدا أكثر قرآنا مني الذي كنت أحفظه من الرّكبان. فدعوني فعلموني الركوع والسجود، وقدموني بين أيديهم، فكنت أصلّي بهم وأنا ابن ست سنين. قال: وكان عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلّصت عنّي، فقالت امرأة من الحيّ: ألا تغطون عنّا است قارئكم؟ قال: فسكوني قميصا من معقد البحرين. قال: فما فرحت بشيء أشد من فرحي بذلك القميص.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 99.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جرم: بجيم مفتوحة فراء ساكنة فميم. الأصقع: بهمزة مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فقاف مفتوحة فعين مهملة. شريح: بشين معجمة مضمومة فراء فمثناة تحتية فحاء مهملة. صريم: بصاد مهملة مضمومة فراء مفتوحة فمثناة تحتية فميم. هوذة: بهاء مفتوحة فواو ساكنة فذال معجمة فهاء. يغري: بمثناة تحتية مضمومة فغين معجمة ساكنة فراء: أي يلصق. تلوّم: بمثناة فوقية فلام فواو مشددة مفتوحات فميم: أي تنتظر. تقلّصت: بمثناة فوقية فقاف فلام مشددة فصاد مهملة مفتوحات: أي ارتفعت.

الباب الثامن والعشرون في وفود جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن والعشرون في وفود جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه إليه صلى الله عليه وسلم روى الطبراني والبيهقي وابن سعد [ (1) ] عن جرير رضي الله تعالى عنه قال: بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال: «ما جاء بك؟» قلت: جئت لأسلم فألقى إلي كساءه وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدعوك إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تؤمن بالله واليوم الآخر، والقدر خيرة وشرّه، وتصلّي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان، وتنصح لكل مسلم، وتطيع الوالي وإن كان عبدا حبشيا» . وروى الإمام أحمد،: والبيهقي، والطبراني برجال ثقات عنه قال: لما دنوت من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أنخت راحلتي وحللت عيبتي ولبست حلّتي ودخلت المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فسلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمري شيئا؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذّكر، فبينا هو يخطب إذ عرض لك فقال: «إنه سيدخل عليكم من هذا الباب- أو قال- من هذا الفج من خير ذي يمن وإن على وجهه لمسحة ملك» . فحمدت الله على ما أبلاني. وروى البزار، والطبراني عن عبد الله بن حمزة والطبراني عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: بينا أنا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه أكثرهم اليمن إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيطلع عليكم من هذه الثّنية» - وفي لفظ: «من هذا الفجّ- خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك» . فما من القوم أحد إلّا تمنى أن يكون من أهل بيته، إذ طلع عليه راكب فانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل على راحلته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده وبايعه وقال: «من أنت؟» قال: جرير بن عبد الله البجلي. فأجلسه إلى جنبه ومسح بيده على رأس ووجهه وصدره وبطنه حتى انحنى جرير حياء أن يدخل يده تحت إزاره، وهو يدعو له بالبركة ولذرّيّته، ثم مسح رأسه وظهره وهو يدعو له ثم بسط له عرض ردائه وقال له: «على هذا يا جرير فاقعد» . فقعد معهم مليّا ثم قام وانصرف. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 110. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3712) والبيهقي في السنن 8/ 168 والطبراني في الكبير 2/ 370 والحاكم في المستدرك 4/ 292 وأبو نعيم في الحلية 6/ 205 وابن عدي في الكامل 1/ 181.

تنبيهات

وروى الطبراني برجال الصحيح عن جرير رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أبايعك على الهجرة. فبايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترط عليّ والنّصح لكل مسلم، فبايعته على هذا. قال ابن سعد: وكان نزول جرير بن عبد الله على فروة بن [عمرو] البياضيّ. تنبيهات الأول: قال الحافظ في الإصابة: روى الطبراني في الأوسط من طريق حصين بن عمرو الأحمسي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته فقال: «ما جاء بك؟ قلت: جئت لأسلم. فألقى إلي كساءه وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» . الحديث. قال الحافظ: «حصين فيه ضعف ولو صحّ لحمل على المجاز، أي [لمّا] بلغنا خبر بعث النبي صلى الله عليه وسلم أو على الحذف أي لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الله ثم قدم المدينة ثم حارب قريشا وغيرهم ثم فتح مكة ثم وفدت عليه الوفود» . قلت: هذا الحديث رواه البيهقي من هذا الطريق عن جرير بلفظ: «بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته» . وهذه الرواية لا إشكال فيها، ولم أر الحديث في مجمع الزوائد في مناقب جرير. الثاني: جزم أبو عمر بأن جريرا أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما قال الحافظ: وهو غلط ففي الصحيحين عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «استنصت الناس» [ (1) ] . الثالث: جزم محمد بن عمر الأسلمي بأنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر وأن بعثه إلى ذي الخلصة كان بعد ذلك، وأنه وافى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع من عامه. قال الحافظ: وعندي فيه نظر لأن شريكا حدّث عن الشيباني عن الشعبي عن جرير قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخاكم النجاشي قد مات» [ (2) ] . الحديث أخرجه الطبراني فهذا يدل على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشرة لأن النجاشي مات قبل ذلك. الرابع: في بيان غريب ما سبق:. البجليّ: بموحدة فجيم مفتوحتين فلام فياء نسب.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 41 ومسلم في كتاب الإيمان (118) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 2/ 367 والترمذي (1039) وابن ماجة (1535) والنسائي 4/ 69 وأحمد في المسند 4/ 360 وابن أبي شيبة 3/ 362.

العيبة: بعين مهملة مفتوحة وتحتية ساكنة بعدها موحدة فتاء تأنيث: ما يجعل المسافر فيه ثيابه. الحلّة: بحاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة مشددة: البرد من برود اليمن، ولا يسمّى حلّة إلا أن يكون ثوبين من جنس واحد. الحدق: بحاء فدال مهملتين مفتوحتين فقاف: جمع حدقة وهي العين. الفجّ: تقدم الكلام عليه. ذي يمن: [بمثناة تحتية وميم مفتوحتين فنون] . مشحة: بميم مفتوحة فسين مهملة ساكنة فحاء مهملة مفتوحة فتاء تأنيث أي أثر ظاهر منه.

الباب التاسع والعشرون في وفود جعدة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع والعشرون في وفود جعدة إليه صلى الله عليه وسلم [قال أخبرنا هشام بن محمد عن رجل من بني عقيل قال: وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرّقاد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب. وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفلج ضيعة وكتب لهم كتابا وهو عندهم] . الباب الثلاثون [في وفود جعفيّ إليه صلى الله عليه وسلم] قال ابن سعد [ (1) ] رحمه الله تعالى: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه، وعن أبي بكر بن قيس الجعفيّ قالا: كانت جعفيّ يحرّمون القلب في الجاهلية فوفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان منهم: قيس بن سلمة بن شراحيل من بني مرّان بن جعفي، وسلمة بن يزيد بن مشجعة بن المجمّع، وهما أخوان لأمّ، وأمّهما مليكة بنت الحلو بن مالك من بني حريم بن جعفريّ. فأسلما. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلغني أنكم لا تأكلون القلب» . قالا: نعم. قال: «فإنه لا يكمل إسلامكما إلا بأكله» ودعا لهما بقلب، فشوي، ثم ناوله سلمة بن يزيد، فلما أخذه أرعدت يده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كله» فأكله. وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيس بن سلمة كتابا نسخته: «كتاب من محمد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل أنّي استعملتك على مرّان ومواليها، وحريم ومواليها، والكلاب ومواليها، [من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصدّق ماله وصفّاه» . قال الكلاب أود، وزبيد] وجزء ابن سعد العشيرة، وزيد الله بن سعد، وعائذ الله بن سعد، وبنو صلاة من بني الحارث بن كعب.. ثم قالا: يا رسول الله إن أمّنا ملكية بنت الحلو كانت تفكّ العافي وتطعم البائس، وترحم المسكين، وإنها ماتت وقد وأدت بنيّة لها صغيرة فما حالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوائدة والموؤدة في النار» . فقاما مغضبين. فقال: «إلي فارّجعا» . فقال: «وأمّي مع أمّكما» . فأبيا ومضيا وهما يقولان: والله إن رجلا أطعمنا القلب وزعم أنّ أمّنا في النار لأهل ألّا يتّبع. وذهبا. فلما كانا ببعض الطريق لقيا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه إبل من إبل الصدقة فأوثقاه وطردا الإبل.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 89.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

فبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: «لعن اللَّه رعلا وذكوان وعصيّة ولحيان وابني مليكة بن حريم ومرّان» . وروى ابن سعد [ (1) ] عن أشياخ قالوا: وفد أبو سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد اللَّه الجعفي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ابناه سبرة وعزيز. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعزيز: «ما اسمك؟» قال عزيز. قال: «لا عزيز إلا اللَّه أنت عبد الرحمن» . فأسلموا. وقال أبو سبرة: يا رسول اللَّه إن بظهر كفي سلعة قد منعتني من خطام راحلتي. فدعا له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [بقدح، فجعل يضرب به على السّلعة ويمسحها فذهبت فدعا له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] ولابنيه، وقال له: يا رسول اللَّه أقطعني وادي قومي باليمن، وكان يقال له حردان. ففعل. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. قوله في هذا الخبر: «وأمّي مع أمّكما» ، سبق الكلام عليه في باب وفاة آمنة أم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، والإسناد واه بمرّة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 90.

الباب الحادي والثلاثون في وفود جهينة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والثلاثون في وفود جهينة إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] عن أبي عبد الرحمن المدنيّ قال: لمّا قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وفد إليه عبد العزى بن بدر بن زيد بن معاوية الجهنيّ من بني الرّبعة بن زيدان بن قيس بن جهينة، ومعه أخوه لأمه أبو روعة، وهو ابن عم له. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعبد العزّى: «أنت عبد اللَّه» . ولأبي روعة: «أنت رعت العدوّ إن شاء اللَّه» . وقال: «من أنتم؟» قالوا: بنو غيّان. قال: «أنتم بنو رشدان» . وكان اسم واديهم غوى، فسمّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: - رشدا- وقال لجبلي جهينة: «الأشعر والأجرد: هما من جبال الجنّة لا تطؤهما فتنة» . وأعطى اللواء يوم الفتح عبد اللَّه بن بدر وخطّ لهم مسجدهم، وهو أول مسجد خطّ بالمدينة. وروى ابن سعد عن رجل من جهينة من بني دهمان عن أبيه وقد صحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: قال عمرو بن مرّة الجهنيّ: كان لنا صنم وكنا نعظّمه وكنت سادنه، فلما سمعت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كسرته وخرجت حتى أقدم المدينة على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وآمنت بما جاء به من حلال وحرام، فذلك حين أقول: شهدت بأنّ اللَّه حقّ وأنّني ... لآلهة الأحجار أوّل تارك وشمّرت عن ساقي الإزار مهاجرا ... إليك أجوب الوعث بعد الدّكادك لأصحب خير النّاس نفساً ووالداً ... رسول مليّك الناس فوق الحبائك قال: ثم بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام فأجابوه إلا رجلاً واحداً، ردّ عليه قوله فدعا عليه عمرو بن مرة فسقط فوه فما كان يقدر على الكلام وعمي واحتاج. وعن عمران بن حصين رضي اللَّه تعالى عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «جهينة منّي وأنا منهم، غضبوا لغضبي ورضوا لرضائي، أغضب لغضبهم. من أغضبهم فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب اللَّه» . رواه الطبراني برجال ثقات غير الحارث بن معبد فيحرّر حاله [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. بنو الرّبعة: [بالتحريك حيّ من الأزد] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 97. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 18/ 108 وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 48.

زيدان: بلفظ تثنية زيد. أبو روعة: [بفتح الراء وسكون الواو، وبالعين المهملة فتاء تأنيث] . بنو غيّان: بغيم معجمة فمثناة تحتية مشددة فألف فنون. أجوب: بألف فجيم مضمومة فواو موحدة: أكشف. الوعث: [بفتح الواو وسكون العين المهملة وبالثاء المثلثة] . الدّكادك: [ما تلبّد من الرّمل بالأرض] . الحبائك: بحاء مهملة فموحدة مفتوحتين فألف فمثناة تحتية فكاف: الطرق واحدها حبيكة والمراد بها السماء لأن فيها طرق النجوم.

الباب الثاني والثلاثون في وفود جيشان إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني والثلاثون في وفود جيشان إليه صلى اللَّه عليه وسلم نقل ابن سعد [ (1) ] عن عمرو بن شعيب قال: قدم أبو وهب الجيشاني على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في نفر من قومه، فسألوه عن أشربة تكون باليمن. قال: فسمّوا له البتع من العسل والمرز من الشعير. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «هل تسكرون منها؟» قالوا: إن أكثرنا سكرنا. قال: «فحرام قليل ما أسكر كثيرة» وسألوه عن الرجل يتّخذ الشّراب فيسقيه عمّاله، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «كلّ مسكر حرام» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جيشان: [بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية فألف فنون: مخلاف باليمن] . البتع: بموحدة فمثناة فوقية ساكنة وقد تحرّك فعين مهملة: نبيذ التمر وهو خمر أهل اليمن. الباب الثالث والثلاثون في وفود الحارث بن حسان إليه صلّى اللَّه عليه وسلم روى الإمام أحمد، والترمذي والنسائي وابن ماجة عن الحارث بن حسان البكري قال: خرجت أشكو العلاء الحضرمي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمررت بالرّبذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت: يا عبد اللَّه إنّ لي إلى رسول اللَّه حاجة فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله وإذا راية سوداء تخفق وبلال متقلّد السيف بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها. قال: فجلست فدخل منزله فاستأذنت عليه فأذن لي. فدخلت فسلّمت فقال: «هل كان بينكم وبين تميم شيء؟» قلت: نعم، وكانت الدائرة عليهم ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب. فأذن لها فدخلت. فقلت: يا رسول اللَّه إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدّهناء. فحميت العجوز واستوفزت وقالت: يا رسول اللَّه أين يضطر مضرك؟ قال: قلت: إنّ مثلي ما قال الأول معزى حملت حتفها، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما أعوذ باللَّه ورسوله أن أكون كوافد عاد. قالت هي: وما وافد عاد؟ وهي

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 121.

أعلم بالحديث منه ولكن تستطعمه. قلت: إنّ عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم. فمرّ بمعاوية بن بكر. فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان. فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال: اللهم إنك تعلم لم أجيء إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه. فمرّت به سحابات سود، فنودي منها: اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها: خذها رمادا ورمددا، لا تبق من عاد أحدا. قال: فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا بقدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا. قال أبو وائل: وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا: لا يكن كوافد عاد.

الباب الرابع والثلاثون في وفود بني الحارث بن كعب إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع والثلاثون في وفود بني الحارث بن كعب إليه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن إسحاق رحمه اللَّه تعالى إن خالد بن الوليد رضي اللَّه تعالى عنه لما انقاد له بنو الحارث بن كعب بنجران كتب بذلك كتابا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فكتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يقبل ويقبل معه وفدهم، فأقبل وأقبل معه قيس بن الحصين ذي الغصّة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجّل، وعبد اللَّه بن قراد الزيادي، وشدّاد بن عبد اللَّه القناني، وعمرو بن عبد الله الضّبابي. وقال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟» قالوا: لم نكن نغلب أحدا. قال: «بلى [قد كنتم تغلبون من قاتلكم] » قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرّق، ولا نبدأ أحدا بظلم. قال: «صدقتم» . وأمّر عليهم قيس بن الحصين فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوّال أو في صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وكان بعث خالدا إليهم في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا فليقبل منهم وإلا فليقاتلهم فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الرّكبان في كل وجه يدعون إلى الإسلام ويقولون: أيها الناس أسلموا تسلموا» . فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه وأقام خالد فيهم يعلّمهم الإسلام. وكتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم [كتابا نسخته: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول اللَّه إلى خالد بن الوليد، سلام عليك فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك تخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبد اللَّه ورسوله وأن قد هداهم اللَّه بهداه فبشّرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته] » .

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 5/ 95.

الباب الخامس والثلاثون في وفود الحجاج بن علاط السلمي وما وقع فيه من الآيات.

الباب الخامس والثلاثون في وفود الحجّاج بن علاط السّلمي وما وقع فيه من الآيات. روى ابن أبي الدنيا في الهواتف وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع رضي اللَّه تعالى عنه قال: سبب إسلام الحجّاج بن علاط أنه خرج في ركب من قومه إلى مكة، فلما جنّ عليه الليل وهو في واد موحش مخوف فقال له أصحابه: قم يا أبا كلاب فخذ لنفسك ولأصحابك أمانا. فقام الحجّاج بن علاط يطوف حولهم يكلؤهم ويقول: أعيذ نفسي وأعيذ صحبي من كل جنّيّ بهذا النّقب حتى أؤوب سالما وركبي. فسمع قائلاً يقول: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ [الرحمن 33] . فلما قدم مكة أخبر بذلك قريشا فقالوا: [صبأت واللَّه يا أبا كلاب] إن هذا فيما يزعم محمد أنه أنزل عليه [فقال: واللَّه لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي] . فسأل عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقيل له بالمدينة، فأتاه فأسلم. الباب السادس والثلاثون في وفود حضرموت إليه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن سعد [ (1) ] : قالوا: وقدم وفد حضر موت مع وفد كندة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم بنو وليعة ملوك حضر موت: جمد، ومخوس، ومشرح، وأبضعة فأسلموا. وقال مخوس: يا رسول اللَّه ادع اللَّه، أن يذهب عني هذه الرّتّة من لساني. فدعا له وأطعمه طعمة من صدقة حضر موت. وروى ابن سعد عن أبي عبيدة من ولد عمار بن ياسر قال: وفد مخوس بن معدي كرب بن وليعة فيمن معه على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثم خرجوا من عنده فأصابت مخوس اللقوة، فرجع منهم نفر فقالوا: يا رسول اللَّه سيد العرب ضربته اللقوة فادللنا على دوائه. فقال: «خذوا مخيطا فاحموه في النار ثم اقلبوا شفر عينه ففيها شفاؤه وإليها مصيره فاللَّه أعلم ما قلتم حين خرجتم من عندي» . فصنعوا به فبرأ. وروى ابن سعد عن عمرو بن مهاجر الكندي قال: كانت امرأة من حضرموت ثم من تنعة يقال لها: تهناة بنت كليب صنعت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كسوة ثم دعت ابنها كليب بن أسد

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 112.

الباب السابع والثلاثون في وفود الحكم بن حزن الكلفي إليه صلى الله عليه وسلم

ابن كليب. فقالت: انطلق بهذه الكسوة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأتاه بها وأسلم، فدعا له وقال كليب حين أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. من وشز برهوت يهوي بي عذافرة ... إليك يا خير من يحفى وينتعل تجوب بي صفصفا غبرا مناهله ... تزداد عفوا إذا ما كلّت الإبل شهرين أعملها نصّا على وجل ... أرجو بذاك ثواب اللَّه يا رجل أنت النبيّ الذي كنّا نخبّره ... وبشّرتنا به التّوراة والرّسل الباب السابع والثلاثون في وفود الحكم بن حزن الكلفي إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى الإمام أحمد، وأبو داود، والبيهقي، وأبو نعيم، واللفظ له عن الحكم بن حزن رضي اللَّه تعالى عنه قال: قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فإذن لنا فدخلنا، فقلنا: يا رسول اللَّه أتيناك لتدعو لنا بخير، فدعا لنا بخير، وأمر بنا فأنزلنا وأمر لنا بشيء من تمر، والشّأن إذ ذاك دون، فلبثنا أيّاما فشهدنا بها الجمعة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقام متوكّئا على قوس أو عصا، فحمد اللَّه وأثنى عليه كلمات خفيفات طيّبات مباركات، ثم قال: «يا أيّها الناس إنكم لن تطيقوا أن تفعلوا كلّ ما أمرتم به ولكن سدّدوا وأبشروا» [ (1) ] .

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (5219) وأحمد في المسند 4/ 212.

الباب الثامن والثلاثون في وفود حمير ورسولهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن والثلاثون في وفود حمير ورسولهم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال الإمام الهمداني في الأنساب: كتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الحارث بن عبد كلال بن غرب وأخيه نعيم، وأمر رسوله أن يقرأ عليهما لم يكن. ووفد عليه الحارث فأسلم فاعتنقه وأفرشه رداءه، وقال قبل أن يدخل عليه: «يدخل عليكم من هذا الفجّ رجل كريم الجدّين صبيح الخدّين فكأنه» انتهى. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: «والذي تضافرت به الروايات أنه أرسل بإسلامه وأقام باليمن» . وروى ابن سعد رحمه اللَّه تعالى عن رجل من حمير أدرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ووفد عليه قال: قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مالك بن مرارة الرّهاوي رسول ملوك حمير بكتابهم [وإسلامهم] وهم الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنّعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، وذلك في شهر رمضان سنة تسع. وقال ابن إسحاق: مقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من تبوك. فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلالا أن ينزله ويكرمه ويضيّفه. وكتب إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أما بعد فإني أحمد إليكم اللَّه الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبّر عمّا قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، فإن اللَّه تبارك وتعالى قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم اللَّه ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغنم خمس اللَّه وخمس نبيّه وصفيّه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر. إن في الإبل الأربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة،: وإنها فريضة اللَّه التي فرض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له، ومن أدّى ذلك وأشهد على إسلامه، وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين: له ما لهم وعليه ما عليهم، وله ذمّة اللَّه وذمّة رسوله، وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يردّ عنها، وعليه الجزية على كل حالم- ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد- دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا، فمن أدّى ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإن له ذمّة اللَّه وذمّة رسوله، ومن منعه فإنه عدوّ للَّه ولرسوله. أما بعد فإن رسول اللَّه محمدا أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

بهم خيرا: معاذ بن جبل: وعبد اللَّه بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرارة، وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم، وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبنّ إلا راضيا. أما بعد فإن محمدا يشهد ألا إله إلا اللَّه وأنه عبده ورسوله، ثم إن مالك بن مرارة الرّهاويّ قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرا، ولا تخونوا، ولا تخاذلوا، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هو مولى غنيّكم وفقيركم، وإن الصّدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته إنما هي زكاة يزكّى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإن مالكا قد بلّغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيرا وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم وآمركم بهم خيرا فإنهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. حمير: بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وبالراء: أبو قبيلة من اليمن. وإن أردت القبيلة لم تصرفه، وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومنهم الملوك في الدهر الأول، واسم حمير العرنجج. كلال: بضم الكاف وتخفيف اللام. غريب: بغين معجمة وراء مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فموحدة. أفرشه رداءه: بسطه له. الفجّ: تقدم الكلام عليه. تضافرت به الروايات: [تظاهرت] . مرارة: بضم الميم وراءين مهملتين بينهما ألف، ووقع عند أبي عمر. مرّة وصوّبوا الأول. الرّهاوي: بفتح الراء نسبة إلى قبيلة، وبالضم الرّها بلد بالجزيرة وليس مرادا هنا. القيل: بفتح القاف وسكون التحتية وباللام وهو أحد ملوك اليمن دون الملك الأعظم، وفلان لا «ذو» له، وتقدّم الكلام عليها في الأسماء النبوية، وقيل ذو رعين أي ملكها، وهي قبيلة من اليمن تنسب إلى ذي رعين، وهو من «ذي» اليمن وملوكها قال في الصحاح: [وذو رعين ملك من ملوك حمير] ورعين حصن كان له، وهو من ولد الحارث بن عمرو بن حمير بن سبأ [وهم آل ذي رعين وشعب ذي رعين] ورعين تصغير رعن: أنف الجبل. معافر: بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء وبالراء: حيّ من اليمن. همدان: بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة.

زرعة: بضم الزاي وسكون الراء وفتح العين المهملة. ذو يزن: [يزن محرّكة واد، وبطن من حمير، وذو يزن ملك لحمير لأنه حمى ذلك الوادي] ووقع عند أبي عمر زرعة بن ذي يزن، وصوّب ابن الأمين إسقاط «ابن» . منقلبنا: بفتح اللام. فلقينا: بفتح التحتية، والضمير في محل نصب مفعول. قبلكم: بكسر القاف وفتح الموحدة. الصّفيّ: يأتي الكلام عليه في الخصائص. الغرب: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالموحدة: الدّلو. ابنة لبون: بلام مفتوحة فموحدة مضمومة فواو فنون: من الإبل ما أتى عليه سنتان ودخل في الثالثة فصارت أمه لبونا، أي ذات لبن. التّبيع: بفتح الفوقية وكسر الموحدة فمثناة تحتية فعين مهملة: ولد البقرة أوّل سنة. الجذع: بالجيم والذال المعجمة المفتوحتين وعين مهملة: من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والغنم ما دخل في السنة الثانية، وقيل البقر في الثالثة. سائمة وحدها: راعية وحدها. ظاهر: عاون. الذّمّة: الأمان والعهد. لا يردّ: بالبناء للمفعول. على كل حالم ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد: هذا لم يذكر له إسناد، ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه أن لا جزية على امرأة ولا من رقّ. رسلي: فاعل أتاكم. معاذ: ومن بعده بالرفع بدل من رسلي، أو بالجرّ بدل من بهم. عبادة والد مالك: بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة. مرارة: بضم الميم وتخفيف الراء. المخالف: بميم فخاء معجمة فألف فلام فتحتية ففاء: جمع مخلاف، وهو في اليمن كالرّستاق في العراق. أبشر بخير: بفتح الهمزة وكسر الشين المعجمة. آمرك: بمدّ الهمزة. لا تخاذلوا: بضم الفوقية وبالخاء والذال المكسورة المعجمتين أو بفتحهما.

الباب التاسع والثلاثون في وفود بني حنيفة ومسيلمة الكذاب معهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع والثلاثون في وفود بني حنيفة ومسيلمة الكذاب معهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زاد المعاد: [قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب الكذّاب] وكان منزلهم في دار امرأة من الأنصار من بني النجار، فأتوا بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستر بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه في يده عسيب من سعف النّخل، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلّمه وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتكه» [ (1) ] . قال ابن إسحاق: فقال لي شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة إن حديثه كان على غير هذا، زعم أنّ وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلّفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا: يا رسول الله إنا قد خلّفنا صاحبا لنا في رحالنا وركابنا، يحفظها لنا. فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر للقوم، وقال: «أما إنه ليس بشرّكم مكانا» [ (2) ] . يعني حفظه ضيعة أصحابه. [وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم] . قال: ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوا بالذي أعطاه. فلما قدموا اليمامة ارتدّ عدوّ الله وتنبّأ وقال: إنّي قد أشركت في الأمر معه، ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: «أما إنه ليس بشرّكم مكانا» ؟ وما ذاك إلا لما كان يعلم أنّي قد أشركت في الأمر معه. ثم جعل يسجع السّجعان فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا. ووضع عنهم الصلاة وأحلّ لهم الخمر والزّنا، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبيّ فأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك. قال ابن إسحاق: وقد كان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأمر، وليس قريش قوما يعدلون» . فقدم عليه رسوله بهذا الكتاب. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين» [ (3) ] . وكان ذلك في آخر سنة عشر.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 330 وابن كثير في البداية 5/ 50. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 331 وابن كثير في البداية 5/ 52. [ (3) ] ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 384.

قال ابن إسحاق: حدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذّاب بكتابه يقول لهما: «وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟» قال: نعم فقال: «أما والله لولا أنّ الرّسل لا تقتل لضربت أعناقكما [ (1) ] . وروى أبو داود والطياليسي في مسنده [عن عاصم] عن أبي وائل عن عبد الله [بن مسعود] قال: جاء ابن النّوّاحة، وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: «تشهدان أني رسول الله؟» فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمنت بالله ورسله، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما» [ (2) ] . قال عبد الله [بن مسعود: فمضت السنّة بأن] الرّسل لا تقتل» . وفي البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا به لحقنا بمسيلمة الكذّاب بالنار، وكنّا نعبد الحجر في الجاهلية، فإذا وجدنا حجرا هو أحسن منه ألقينا ذلك وأخذناه، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب، ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه ثم طفنا به، وكنّا إذا دخل رجب قلنا: جاء منصّل الأسنّة فلا ندع سهما فيه حديدة ولا حديدة في رمح إلا نزعناها وألقيناها [ (3) ] قلت: وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم مسيلمة الكذّاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن شمّاس، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: «لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدوا أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنّك الله وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني [ (4) ] . ثم انصرف عنه. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك أرى الذي أريت فيه ما رأيت» ، فأخبرني أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم رأيت في يديّ سوارين من ذهب فأهمّني شأنهما فأوحي إليّ في المنام أن أنفخهما فطارا، فأوّلتهما كذّابين يخرجان من بعدي أحدهما العنسي صاحب صنعاء والآخر مسيلمة صاحب اليمامة» [ (5) ] . وهذا أصحّ من حديث ابن إسحاق المتقدم.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (165) والبيهقي 9/ 211 وذكره المتقي الهندي في الكنز (14779) وابن كثير في البداية 5/ 51. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 396، 404. [ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 4 (4376) . [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 54 (3621) . [ (5) ] أخرجه البخاري 5/ 216 ومسلم (1781) وذكره المتقي الهندي في الكنز (38361) وابن كثير في البداية 5/ 49.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع في كفّي سواران من ذهب فكبرا عليّ فأوحي إليّ أن أنفخهما فنفختهما فذهبا، فأوّلتهما الكذّابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. حنيفة: أبو حيّ من اليمن. وهو حنيفة بن لجيم بن صعب بن بكر علي بن بكر بن وائل. منزلهم: بفتح الزاي والمراد هنا نزولهم. في درا امرأة من الأنصار من بني النجار: هي رملة بنت الحدث كان بيتها في بني قريظة. العسيب: بفتح العين وكسر السين المهملتين: الجريدة. أما: بفتح الهمزة وتخفيف الميم بمعنى «ألا» الاستفتاحية. إنه: بكسر الهمزة. الضيعة: بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية وبالعين المهملة والمراد بها هنا ظهرهم وحوائجهم. أشركت: بضم الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء بالبناء للمفعول والتاء فيه مضمومة لأنها للمتكلم.

الباب الأربعون في وفود خفاف بن نضلة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الأربعون في وفود خفاف بن نضلة إليه صلّى الله عليه وسلم روى أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى والبيهقي في دلائل النبوة عن ذابل بن الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد في مسجده منصرفه من الأباطح فقدم عليه خفاف بن نضلة بن عمرو بن بهدلة الثّقفي فأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم قد تحطّمت القلوص بي الدّجى ... في مهمة قفر من الفلوات فلّ من التّوريس ليس بقاعة ... نبت من الإسنات والأزمات إنّي أتاني في المنام مساعد ... من جنّ وجرة كان لي وموات يدعو إليك لياليا ... ثم احزألّ وقال لست بآت فركبت ناجية أضرّ بنيّها ... جمز تجب به على الأكمات حتّى وردت إلى المدينة جاهدا ... كيما أراك مفرّج الكربات قال: فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إن من البيان كالسّحر وإن من الشعر كالحكم» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. خفاف: بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفائين. نضلة: بالنون والضاد المعجمة. ذابل: بذال معجمة فألف فموحدة فلام. الدّوسي: بدال مهملة مفتوحة فواو فسين مهملة فياء نسب. بهدلة: بموحدة مفتوحة فهاء ساكنة فدال مهملة فلام. تحطّمت: تكسّرت. القلوص: من النّوق الشّابّة وهي بمنزلة الجارية من النساء. الدّجى: بدال مهملة مضمومة فجيم من دجا اللّيل إذا تمّت ظلمته، والدّياجي الليالي المظلمة والدّجنة الظلمة. المهمه: بميمين مفتوحتين بينهما هاء ساكنة: المفازة والبرّيّة. القفر: بقاف مفتوحة ففاء ساكنة فراء.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2055 (7/ 2670) والبخاري 10/ 537 (6145) .

الفلوات: [جمع فلاة وهي أرض لا ماء فيها] . الفلّ: بفاء مكسورة فلام: القوم المنهزمون من الفلّ الكسر وهو مصدر سمّي به يقع على الواحد والاثنين والثلاثة. من التّوريس: [من ورّس الثوب بالورس صبغه به] . بقاعه: [القاع المستوي من الأرض] . الإسنات: [من أسنتوا أي أجدبوا] . الأزمات: جمع أزمة وهي الشدّة. وجرة: [بواو مفتوحة فجيم ساكنة فراء مفتوحة فتاء تأنيث] . المواتي: [الموافق المطاوع] . احزألّ: بهمزة وصل مكسورة فحاء مهملة ساكنة فهمزة مفتوحة فلام مشددة: انفرد والاحزئلال الانفراد. النّاجية: [الناقة السريعة التي تنجو بصاحبها] . أضرّ نبيّها: [التي بفتح النون وتشديد المثناة التحتية الشحم وبكسر النون السّمن] . الجمز: بجيم فميم مفتوحتين فزاي: ضرب من السّير سريع فوق العنق. تجبّ: بمثناة فوقية فجيم موحدة: تقطع. الأكمات: جمع أكمة وهي الرابية. مفرّج: بميم مضمومة ففاء مفتوحة فراء مشددة فجيم. الكربات: بكاف وراء مضمومتين فموحدة فألف فتاء تأنيث.

الباب الحادي والأربعون في وفود خثعم إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والأربعون في وفود خثعم إليه صلى الله عليه وسلم وعن غيرهم من أهل العلم يزيد بعضهم على بعض، قالوا: وفد عثعث بن زحر، وأنس بن مدرك في رجال من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما هدم جرير بن عبد الله البجلي ذا الخلصة، وقتل من قتل من خثعم، فقالوا: آمنّا بالله ورسوله وما جاء [به] من عند الله فاكتب لنا كتابا نتّبع ما فيه. قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لخثعم: «هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لخثعم من حاضر بيشة وباديتها أن كلّ دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع، ومن أسلم منكم طوعاً أو كرهاً في يده حرث من خبار أو عزاز تسقيه السّماء أو يرويه اللّثى فزكا عمارة في غير أزمة ولا حطمة، فله نشره وأكله، وعليهم في كلّ سيح العشر وفي كلّ غرب نصف العشر، شهد جرير بن عبد الله ومن حضر» . الباب الثاني والأربعون في وفود خولان إليه صلى الله عليه وسلم قالوا: قدم وفد خولان وهم عشرة نفر في شعبان سنة عشر، فقالوا: يا رسول الله نحن مؤمنون بالله ومصدّقون برسوله، ونحن على من وراءنا من قومنا، وقد ضربنا إليك آباط الإبل، وركبنا حزون الأرض وسهولها، والمنّة لله ولرسوله علينا، وقدمنا زائرين لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما ما ذكرتم من مسيركم إليّ فإنّ لكم بكلّ خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة، وأمّا قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة» . فقالوا: يا رسول الله هذا السّفر الذي لا توى عليه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل عمّ أنس؟» وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه. قالوا: بشرّ وعرّ، أبدلنا الله به ما جئت به، ولو قد رجعنا إليه لهدمناه، وبقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قد قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى فقد كنا منه في غرور وفتنة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أعظم ما رأيتم من فتنته؟» قالوا: لقد رأيتنا وأسنتنا حتى أكلنا الرّمّة، فجمعنا ما قدرنا عليه وابتعنا مائة ثور ونحرناها لعمّ أنس قربانا في غداة واحدة، وتركناها تردها السّباع ونحن أحوج إليها من السّباع، فجاءنا الغيث من ساعتنا، ولقد رأينا العشب يواري الرجل، فيقول قائلنا: أنعم علينا عمّ أنس.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءا له وجزءا لله بزعمهم. قالوا: كنا نزرع الزّرع فنجعل له وسطه، فنسمّيه له، ونسمّي زرعا أخر حجرة لله، فإذا مالت الريح فالذي سميناه لله جعلناه لعمّ أنس، وإذا مالت الريح فالذي سميناه لعم أنس جعلناه لله. فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد أنزل عليه في ذلك: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الأنعام 136] . قالوا: وكنّا نتحاكم إليه فنكلّم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الشياطين تكلّمكم» . قالوا: إنا أصبحنا يا رسول الله وقلوبنا تعرف أنه كان لا يضرّ ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممّن لم يعبده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي هداكم وأكرمكم بمحمد صلى الله عليه وسلم» . وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء من أمر دينهم، فجعل يخبرهم بها وأمر من يعلّمهم القرآن والسّنن، وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة وحسن الجوار وألّا يظلموا أحدا. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظّلم ظلمات يوم القيامة [ (1) ] » . وأنزلوا دار رملة بنت الحدث، وأمر بضيافة، فأجريت عليهم، ثم جاءوا بعد أيّام يودّعونه، فأمر لهم بجوائز باثنتي عشرة أوقية ونشّا، ورجعوا إلى قومهم فلم يحلّوا عقدة حتى هدموا عمّ أنس وحرّموا ما حرّم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحلّوا ما أحلّ لهم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. خولان: بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو. من وراءنا: بفتح الميم. آباط الإبل: بهمزة مفتوحة فألف فموحدة فألف فطاء مهملة: جمع إبط. الحزون: بضم الحاء المهملة والزاي جمع حزن بفتح الحاء وسكون الزاي: ما غلظ من الأرض. الخطوة: بضم الخاء المعجمة وفتحها، فبالأول ما بين القدمين- وجمع القلّة خطوات والكثرة خطاء- وبالثاني المرّة الواحدة. الجواز: بكسر الجيم وضمها: الذّمام والعهد والتأمين.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 169 والترمذي (2030) وأحمد في المسند 2/ 137 والبيهقي 6/ 93.

التّوى: بفوقية فواو مفتوحتين فألف مقصورة: هلاك المال، يقال توي المال بالكسر يتوى بالفتح توى وأتوا، غيره. رأيتنا: بضم الفوقية. أسنتنا: بهمزة قطع مفتوحة فسين مهملة ساكنة فنون مفتوحة ففوقية فنون: أجد بنا بإصابة السّنة يقال أسنت فهو مسنت إذا أجدب. الرّمة: بكسر الراء وتشديد الميم المفتوحة فتاء التأنيث: العظام البالية. الزّعم: بتثليث الزاي. وسطه: بفتح السين المهملة وسكونها. الحجرة: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم: الناحية. فنكلّم: بضم النون وفتح اللام المشدّدة مبني للمفعول أي يكلّمنا.

الباب الثالث والأربعون في وفود خشين إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والأربعون في وفود خشين إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى ابن سعد عن محمد بن عمر قال أخبرنا عبد الرحمن بن صالح عن محجن بن وهب قال: قدم أبو ثعلبة الخشني على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يتجهز إلى خيبر فأسلم وخرج معه فشهد خيبر، ثم قدم بعد ذلك سبعة نفر من خشين فنزلوا على أبي ثعلبة فأسلموا وبايعوا ورجعوا إلى قومهم. الباب الرابع والأربعون في وفود الداريين إليه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: قدم وفد الداريين على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منصرفه من تبوك وهم عشرة نفر منهم تميم ونعيم ابنا أوس بن خارجة بن سواد بن جذيمة بن دارع بن عدي بن الدّار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم، ويزيد بن قيس بن خارجة، والفاكه بن النّعمان بن جبلة وأبو هند، والطّيب ابنا ذرّ، وهو عبد اللَّه بن رزين، وهانئ بن حبيب، وعزيز، ومرّة ابنا مالك بن سواد بن جذيمة. فأسلموا، وسمّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الطّيّب: عبد اللَّه، وسمّى عزيزا: عبد الرحمن. وأهدى هانئ بن حبيب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أفراسا وقباء مخوّصا بالذهب، فقبل الأفراس والقباء [وأعطاه العباس بن عبد المطلب] فقال: «ما أصنع به؟» قال: انتزع الذّهب فتحلّيه نساءك أو تستنفقه ثم تبيع الديباج فتّأخذ ثمنه. فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آلاف درهم. وقال تميم: لنا جيرة من الرّوم لهم قريتان يقال لإحداهما حبرى والأخرى بيت عينون، فإن فتح اللَّه عليك الشّام فهبهما لي. قال: «فهما لك» . فلما قام أبو بكر أعطاه ذلك وكتب له به كتابا [ (1) ] . وأقام وفد الداريّين حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأوصى لهم بجادّ مائة وسق أي من خيبر. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الدّاريّين: بدال مهملة فألف فراء فمثناتين تحتيتين فنون.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 107.

أوس: بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فسين مهملة. خارجة: بخاء معجمة فألف فراء فجيم. سواد: بسين مهملة مفتوحة فواو فألف فدال مهملة. جذيمة: بجيم مفتوحة فذال معجمة فمثناة تحتية فميم. دارع: بدال مهملة فألف فراء فعين مهملة. عديّ: بعين مفتوحة فدال مكسورة مهملتين فمثناة تحتية. حبيب: بحاء مهملة مفتوحة فموحدة فمثناة فموحدة. نمارة: بنون مضمومة فميم فألف فراء فتاء تأنيث. لخم: بلام مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فميم. الفاكه: بفاء فألف فكاف فهاء. جبلة: بجيم فموحدة فلام مفتوحات. مرّة: بميم مضمومة فراء فتاء تأنيث. مخوّصا بالذهب: بميم مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فواو مشدّدة فصاد مهملة أي منسوجا به كخوص النخل. الديباج: بدال مهملة مكسورة فمثناة تحتية فموحدة فألف فجيم، وهو الثياب المتخذة من الإبريسم، فارسي معرّب. حبري: بكسر الحاء المهملة وإسكان الموحدة وفتح الراء. بيت عينون: بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فنونين بينهما واو. جاد مائة وسق: بجيم فألف مهملة بمعنى المجدود أي نخل يجد منه ما يبلغ مائة وسق.

الباب الخامس والأربعون في وفود دوس إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس والأربعون في وفود دوس إليه صلى اللَّه عليه وسلم قال: قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أربعمائة من دوس فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «مرحبا أحسن الناس وجوها وأطيبهم أفواها وأعظمهم أمانة [ (1) ] » رواه الطبراني بسند ضعيف. قال في زاد المعاد: قال ابن إسحاق: كان الطفيل بن عمرو والدوسي [ (2) ] يحدّث أنه قدم مكة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بها. فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرّق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسّحر يفرّق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلّمه ولا تسمع منه. قال: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت ألّا أسمع منه شيئا ولا أكلّمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله. قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبى اللَّه إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي وا ثكل أمياه، واللَّه إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان ما يقول حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت. قال: فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته، دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فو اللَّه ما برحوا يخوّفوني أمرك حتى سددت أذنيّ بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبي اللَّه إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا فاعرض عليّ أمرك. فعرض على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإسلام وتلا عليّ القرآن فلا واللَّه ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت: يا نبي اللَّه إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع اللَّه لي أن يجعل لي آية تكون عونا لي عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: «اللهم اجعل له آية» . قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح قلت: اللهم في غير وجهي، إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 222 وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 50. [ (2) ] (الطفيل) بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسي ... وقيل هو ابن عبد عمرو ابن عبد اللَّه بن مالك بن عمرو بن فهم لقبه ذو النور قيل استشهد باليمامة قاله ابن سعد تبعا لابن الكلبي وقيل باليوموك قاله ابن حبان وقيل بأجناديين قاله موسى بن عقبة بن شهاب وأبو الأسود عن عروة. الإصابة 3/ 286، 288.

لفراقي دينهم. قال: فتحوّل فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلّق، وأنا أنهبط إليهم من الثّنيّة حتى جئتهم وأصبحت فيهم. فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا. فقلت: إليك عنّي يا أبت فلست منك ولست منّي. قال: ولم يا بنيّ، بأبي أنت وأمي. قلت: فرق الإسلام بيني وبينك فقد أسلمت وتابعت دين محمد صلى اللَّه عليه وسلم. قال: يا بنيّ فديني دينك. قال: فقلت: اذهب فاغتسل وطهّر ثيابك، ثم تعال حتى أعلّمك ما علمت. قال: فذهب فاغتسل وطهّر ثيابه. ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عنّي فلست منك ولست منّي. قالت: لم بأبي أنت وأمي؟ قلت: فرق الإسلام بيني وبينك أسلمت وتابعت دين محمد صلى اللَّه عليه وسلم. قالت: فديني دينك فقلت: اذهبي فاغتسلي ففعلت، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت. ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا عليّ فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فقلت: يا نبي اللَّه إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع اللَّه عليهم. فقال: «اللهم اهد دوسا» ثم قال: «ارجع إلى قومك فادعهم إلى اللَّه وارفق بهم» . فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى اللَّه. ثم قدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس. ثم لحقنا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين. قال ابن إسحاق: فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وارتدّت العرب خرج الطّفيل مع المسلمين حتى فرغوا من طليحة، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل، فقال لأصحابه: إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي: رأيت أن رأسي قد حلق وأنه قد خرج من فمي طائر، وأن امرأة لقيتني فأدخلتني في فرجها، ورأيت أن ابني يطلبني طلبا حثيثا، ثم رأيته حبس عنّي. قالوا: خيرا رأيت. قال: أما واللَّه إني قد أوّلتها. قالوا: وما أوّلتها؟ قال: أمّا حلق رأسي فوضعه، وأمّا الطائر الذي خرج من فمي فروحي، وأمّا المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض، تحفر فأغيب فيها، وأما طلب ابني إيّاي وحبسه عنّي فإني أراه سيجهد لأن يصيبه من الشهادة ما أصابني. فقتل الطّفيل شهيدا باليمامة، وجرح ابنه جرحا شديدا ثم قتل عام اليرموك شهيدا في زمن عمر رضي اللَّه تعالى عنهم.

الباب السادس والأربعون في قدوم ذباب بن الحارث عليه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس والأربعون في قدوم ذباب بن الحارث عليه صلى اللَّه عليه وسلم روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفيّ قال: لما سمعوا بخروج النبي صلى اللَّه عليه وسلم وثب ذباب- رجل من بني أنس اللَّه بن سعد العشيرة- إلى صنم كان لسعد العشيرة يقال له فرّاض فحطمه ثم وفد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقال: تبعت رسول اللَّه إذ جاء بالهدى ... وخلّفت فرّاضا بدار هوان شددت عليه شدّة فتركته ... كأن لم يكن والدّهر ذو حدثان ولمّا رأيت اللَّه أظهر دينه ... أجبت رسول اللَّه حين دعاني فأصبحت للإسلام ما عشت ناصرا ... وألفيت فيه كلكلي وجراني فمن مبلغ سعد العشيرة أنني ... شريت الّذي يبقى بآخر فاني وروى ابن سعد عن مسلم بن عبد الله بن شريك النّخعي عن أبيه قال: كان عبد اللَّه بن ذباب الأنسيّ مع علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه بصفّين فكان له غناء. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. ذباب: [بذال معجمة فموحدتين بينهما ألف] . فرّاض: [بفاء فراء مشددة فألف فضاد معجمة] . حطمه: بحاء فطاء مهملتين مفتوحتين فميم فهاء. الكلكل: [بكافين مفتوحتين بينهما لام ساكنة فلام أخرى: الصّدر أو ما بين التّرقوتين] . الجران: بجيم مكسورة فراء فألف فنون: باطن العنق.

الباب السابع والأربعون في وفود الرهاويين إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع والأربعون في وفود الرهاويّين إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى الطبراني برجال ثقات عن قتادة الرّهاوي رضي اللَّه تعالى عنه قال: «لما عقد لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على قومي، أخذت بيده فودّعته فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «جعل اللَّه التّقوى زادك، وغفر لك ذنبك ووجّهك للخير حيثما تكون» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن زيد بن طلحة التّيمي قال: قدم خمسة عشر رجلا من الرّهاويّين وهم حيّ من مذحج على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سنة عشر، فنزلوا دار رملة بنت الحدث، فأتاهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فتحدث عندهم طويلا وأهدوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هدايا منها فرس يقال له المرواح فأمر فشور بين يديه فأعجبه. فأسلموا وتعلّموا القرآن والفرائض، وأجازهم كما يجيز الوافد: أرفعهم اثني عشرة أوقية ونشّا وأخفضهم خمس أواق ثم رجعوا إلى بلادهم. ثم قدم منهم نفر فحجّوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من المدينة وأقاموا حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأوصى لهم بجادّ مائة وسق بخيبر في الكتيبة جارية عليهم وكتب لهم كتابا فباعوا ذلك في زمن معاوية. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. النّشّ: بالنون والشين المعجمة: نصف الأوقية وقيل النصف من كل شيء. الوسق: بفتح الواو وسكون السين المهملة وبالقاف: ستّون صاعا وقيل حمل بعير.

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 15 والبخاري في التاريخ 7/ 185 وذكره الهيثمي في المجمع 10/ 131 والسيوطي في الدر 1/ 221.

الباب الثامن والأربعون في وفود بني الرؤاس بن كلاب إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن والأربعون في وفود بني الرؤاس بن كلاب إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] عن أبي نفيع طارق بن علقمة الرّؤاسي قال: قدم رجل منا يقال له عمرو بن مالك بن قيس على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأسلم ثم أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: حتى نصيب من بني عقيل بن كعب مثلما أصابوا منا. فخرجوا يريدونهم، وخرج معهم عمرو ابن مالك فأصابوا منهم. ثم خرجوا يسوقون النّعم فأدركهم فارس من بني عقيل يقال له ربيعة بن المنتفق بن عقيل وهو يقول: أقسمت لا أطعن إلا فارسا ... إذا الكماة ألبسوا القلانسا قال أبو نفيع: فقلت نجوتم يا معشر الرّجّالة سائر اليوم. فأدرك العقيليّ رجلا من بني عبيد بن رؤاس يقال له المحرس بن عبد اللَّه [بن عمرو بن عبيد بن رؤاس] فطعنه في عضده فاختلّها، فاعتنق المحرس فرسه وقال: يا آل رؤاس. فقال ربيعة: رؤاس خيل أو أناس؟ فعطف على ربيعة عمرو بن مالك فطعنه فقتله. قال: ثم خرجنا نسوق النّعم، وأقبل بنو عقيل في طلبنا حتى انتهينا إلى تربة فقطع ما بيننا وبينهم وادي تربة، فجعلت بنو عقيل ينظرون إلينا ولا يصلون إلى شيء فمضينا. قال عمرو بن مالك: فأسقط في يدي وقلت قتلت رجلا وقد أسلمت وبايعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فشددت يديّ في غلّ إلى عنقي، ثم خرجت أريد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد بلغه ذلك. فقال: «لئن أتاني لأضربنّ ما فوق الغلّ من يده» . فأطلقت يديّ ثم أتيته فسلّمت عليه فأعرض عني، فأتيته عن يمينه فأعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت: «يا رسول اللَّه إن الرّبّ ليترضّى فيرضى فارض عنّي رضي اللَّه عنك» . قال: «قد رضيت عنك» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. بنو الرؤاس: [براء مضمومة فواو مهموزة فألف فسين مهملة] . نفيع: بنون مضمومة ففاء مفتوحة فمثناة تحتية فعين مهملة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 65. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 45.

عقيل: بعين مهملة مفتوحة فقاف فمثناة تحتية فلام. المنتفق: بميم مضمومة فنون ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة ففاء مكسورة فقاف. الكماة: جمع كمي كغنيّ لابس السلاح من أكمى نفسه سترها بالدّرع والبيضة. القلانس: جمع قلنسوة بفتح القاف واللام: ما يلبس على الرأس. المحرس: [بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء فسين مهملة] . الغلّ: بغين معجمة مضمومة فلام مشددة: الحديدة التي تجمع يديّ الأسير إلى عنقه. اختلّه: بخاء معجمة فمثناة فوقية أي أنفذ الطعنة من الجانب الآخر. تربة: [بمثناة فوقية مضمومة فراء فموحدة مفتوحتين فتاء تأنيث] .

الباب التاسع والأربعون في وفود زبيد إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع والأربعون في وفود زبيد إليه صلى اللَّه عليه وسلم ولما كانت السنة التي توفي فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، رأت زبيد قبائل اليمن تقدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقرّين بالإسلام مصدّقين برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يرجع راجعهم إلى بلادهم وهم علي ما هم عليه. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استعمل خالد بن سعيد بن العاص على صدقاتهم وأرسله مع فروة بن مسيك كما سيأتي فقال خالد: «واللَّه لقد دخلنا فيما دخل فيه الناس. وصدّقنا بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم، وخلّينا بينك وبين صدقات أموالنا، وكنا لك عونا على من خالفك من قومنا» . قال خالد: قد فعلتم. قالوا: فأوفد منّا نفرا يقدمون على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويخبرونه بإسلامنا ويقبسونا منه خيرا. فقال خالد: ما أحسن ما عدتم إليه وإنا أجيبكم، ولم يمنعني أن أقول لكم هذا إلا أني رأيت وفود العرب تمرّ بكم فلا يهيجنّكم ذلك على الخروج فسيأتي ذلك منكم حتى ساء ظنّي فيكم وكنتم على ما كنتم عليه من حداثة عهدكم بالشّرك فحسبت أن يكون الإسلام راسخا في قلوبكم. الباب الخمسون في وفود بني سحيم إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى المرشاطي عن أبي عبيدة رضي اللَّه تعالى عنه أن الأسود بن سلمة قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وفد بني سحيم فأسلم فردّهم إلى قومهم وأمرهم أن يدعوهم إلى الإسلام وأعطاهم إداوة ماء قد تفل فيها أو مجّ وقال: «فلينضحوا بهذه الإداوة مسجدهم وليرفعوا رؤوسهم» إذا رفعها اللَّه تعالى فما تبع مسيلمة منهم رجل ولا خرج منهم خارجيّ قط.

الباب الحادي والخمسون في وفود بني سدوس إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والخمسون في وفود بني سدوس إليه صلّى اللَّه عليه وسلم روى البزار عن عبد اللَّه بن الأسود رضي اللَّه تعالى عنه قال: كنّا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في وفد بني سدوس فأهدينا له تمرا فنثرناه إليه على نطع فأخذ حفنة من التّمر فقال: «أيّ تمر هذا؟» فجعلنا نسمي حتى ذكرنا تمرا فقلنا: هذا الجذامي، فقال: «بارك اللَّه في الجذاميّ وفي حديقة يخرج هذا منها أو جنّة خرج هذا منها» [ (1) ] . الباب الثاني والخمسون في وفود بني سعد هذيم إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى محمد بن عمر الأسلمي عن ابن النعمان عن أبيه قال: قدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافدا في نفر من قومي وقد أوطأ رسول اللَّه البلاد غلبة وأذاخ العرب، والناس صنفان: إما داخل في الإسلام راغب فيه، وإما خائف من السّيف، فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤمّ المسجد حتى انتهينا إلى بابه، فنجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي على جنازة في المسجد فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم وقلنا حتى نلقى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونبايعه، ثم انصرف صلى اللَّه عليه وسلم فنظر إلينا فدعا بنا فقال: «ممّن أنتم؟» قلنا: من بني سعد هذيم فقال: «أمسلمون أنتم؟» قلنا: نعم. قال: «فهلّا صلّيتم على أخيكم؟» قلنا: يا رسول اللَّه ظننا إن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «أينما أسلمتم فأنتم مسلمون» . قال: فأسلمنا وبايعنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأيدينا على الإسلام ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلّفنا عليها أصغرنا. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في طلبنا فأتي بنا إليه، فتقدّم صاحبنا فبايعه على الإسلام. فقلنا: يا رسول اللَّه إنه أصغرنا وإنه خادمنا، فقال: «أصغر القوم خادمهم، بارك اللَّه عليه» . قال: فكان واللَّه خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم له، ثم أمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علينا: فكان يومّنا. ولما أردنا الانصراف أمر بلالا فأجازنا بأواقيّ من فضّة لكل رجل منا فرجعنا إلى قومنا فرزقهم اللَّه عز وجل الإسلام. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. أوطأ: بفتح الهمزة في أوله وآخره وسكون الواو وبالطاء المهملة: أي قهرهم وجعلهم يوطأون قهرا وغلبة.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 43 وعزاه للبزار والطبراني بنحوه وقال: وفيه جماعة لم يعرفهم العلائي ولم أعرفهم.

أذاخ البلاد: بفتح الهمزة والذال المعجمة وبعد الألف خاء معجمة يذيخها إذا قهرها واستولى عليها وكذلك دوّخ البلاد. إمّا: بكسر الهمزة وتشديد الميم وكذا الثانية الآتية. نؤمّ: بفتح النون وضم الهمزة وتشديد الميم: نؤم المسجد أي نقصده. يصلّي على جنازة في المسجد: قال في النور: يحتمل أن صاحب الجنازة سهيل ابن بيضاء فإن قدوم هذا الوفد كان في سنة تسع وسهيل توفي فيها في مقدمة من تبوك ولا أعلمه صلى في جنازة في المسجد إلا عليه. ووقع في صحيح مسلم أنه صلى على سهيل وأخيه في المسجد ففيه أنه إن كان المراد به سهلا فلا يصح لأنه مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما قاله محمد بن عمر [الواقدي] وكونه صفوانا فيه نظر أيضا لأنه استشهد ببدر، والصواب حديث عبادة في مسلم الذي فيه إفراد سهيل لا الحديث الذي بعده. هذا في المسجد النبوي. وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني معاوية على أبي الربيع عبيد الله بن عبد الله بن ثابت بن قيس وكان قد شهد أحدا. خلّفنا: بتشديد اللام. أتي بنا: بالبناء للمفعول. أمّره: بتشديد الميم من التأمير. أواقيّ: بتشديد التحتية وتخفّف.

الباب الثالث والخمسون في وفود بني سلامان إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والخمسون في وفود بني سلامان إليه صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر رحمه الله تعالى: كان مقدمهم في شوال سنة عشر. وروى ابن سعد عن حبيب بن عمر والسلاماني كان يحدّث قال: قدمنا وفد سلامان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعة فصادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعي إليها فقلنا: السلام عليك يا رسول الله. فقال: «وعليكم من أنتم؟» فقلنا: نحن من سلامان قدمنا إليك لنبايعك على الإسلام ونحن على من وراءنا من قومنا. فالتفت إلى ثوبان غلامه فقال: «أنزل هؤلاء الوفد حيث ينزل الوفد» . فلما صلى الظهر جلس بين المنبر وبيته فتقدمنا إليه فسألناه عن أشياء من أمر الصلاة وشرائع الإسلام وعن الرقى، وأسلمنا وأعطى كل رجل منا خمس أواقيّ ورجعنا إلى بلادنا وذلك في شوال سنة عشر. وروى أبو نعيم من طريق محمد بن عمر عن شيوخه أن وفد سلامان قدموا في شوال سنة عشر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف البلاد عندكم؟» قالوا: مجدبة فادع الله أن يسقينا في موطننا. فقال: «اللهم اسقهم الغيث في دارهم» . فقالوا: يا نبي الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب، فتبسّم ورفع يديه حتى يرى بياض إبطيه، ثم رجعوا إلى بلادهم فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. سلامان: بفتح السين المهملة وتخفيف اللام. حبيب: بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة. أسقهم: يجوز جعله ثلاثيا ورباعيا فعلى الأول توصل الهمزة وعلى الثاني تقطع. ما أكثر هذا: منصوب على التعجب. وأطيبه: معطوف عليه. مطرت: يجوز بناؤه للفاعل والمفعول أيضا.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (160) وابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 43.

الباب الرابع والخمسون في وفود بني سليم إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع والخمسون في وفود بني سليم إليه صلّى الله عليه وسلم قالوا: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني سليم يقال له: قيس بن نسيبة فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه ووعى ذلك كله ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم ورجع إلى قومه بني سليم فقال: قد سمعت برجمة الروم وهينمة فارس وأشعار العرب وكهانة الكاهن وكلام مقاول حمير فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم فأطيعوني وخذوا نصيبكم منه. فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه بقديد وهم سبعمائة. ويقال كانوا ألفا وفيهم العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رعل، وراشد بن عبد ربه فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدّمتك واجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدّما. ففعل ذلك بهم فشهدوا معه الفتح والطائف وحنينا وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم راشد بن عبد ربه رهاطا وفيها عين يقال لها عين الرسول. وكان راشد يسدن لبني سليم فرأى يوما ثعلبين يبولان عليه فقال: أربّ يبول الثّعلبان برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب [ (1) ] ثم شدّ عليه فكسره. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «ما اسمك؟» قال: غاوي بن عبد العزى قال: «أنت راشد بن عبد ربه» . فأسلم وحسن إسلامه وشهد الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير قرى عربيّة خيبر وخير بني سليم راشد» [ (2) ] . وعقد له على قومه. وروى ابن سعد عن رجل من بني سليم من بني الشريد قالوا: وفد رجل منا يقال له قُدد بن عمّار على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلم وعاهده على أن يأتيه بألف من قومه على الخيل. ثم أتى قومه فأخبرهم الخبر فخرج معه تسعمائة وخلّف في الحيّ مائة فأقبل بهم يريد النبي صلى الله عليه وسلم فنزل به الموت فأوصى إلى ثلاثة رهط من قومه: إلى عباس بن مرداس وأمّره على ثلاثمائة، وإلى جبّار بن الحكم وهو الفرّار الشّريدي وأمّره على ثلاثمائة، وإلى الأخنس بن يزيد وأمّره على ثلاثمائة وقال: ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد الذي في عنقي، ثم مات. فمضوا حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أين الرجل الحسن الوجه الطويل اللسان الصادق الإيمان؟» قالوا: يا رسول الله دعاه الله فأجابه وأخبروه خبره فقال: «أين تكملة الألف الذين عاهدني

_ [ (1) ] البيت للعباس بن مرداس انظر ملحق ديوانه 151 ونسب أبي ذر انظر اللسان (ثعلب) وغيرهما انظر الدرر 4/ 104 جمهرة اللغة (1181) الهمع 2/ 22. [ (2) ] أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 3/ 141.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

عليهم؟» قالوا: قد خلّف مائة بالحيّ مخافة حرب كانت بيننا وبين كنانة قال: «ابعثوا إليها فإنه لا يأتيكم في عامكم هذا شيء تكرهونه» . فبعثوا إليها فأتته بالهدّة وهي مائة عليها المنقع بن مالك بن أمية، فلما سمعوا وئيد الخيل قالوا: يا رسول الله أتينا قال: «لا بل لكم لا عليكم هذه سليم بن منصور قد جاءت» . فشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح وحنينا [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: سليم: [بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة التحتية فميم] . نسيبة: [بضم النون وفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الموحدة فتاء تأنيث] . ترجمة: بمثناة فوقية مفتوحة فراء ساكنة فجيم فميم: نقل لغة إلى لغة أخرى. هينمة: بهاء مفتوحة ساكنة فنون فميم فتاء تأنيث: كلام خفيّ لا يفهم والياء زائدة. رهاط: [بضم أوله قرية على ثلاثة أميال من مكة] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 234.

الباب الخامس والخمسون في وفد بني شيبان إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس والخمسون في وفد بني شيبان إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد عن قيلة بنت مخرمة قالت: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد شيبان، وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشّعا في الجلسة أرعدت من الفرق. فقال جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظر إليّ وأنا عند ظهره: «يا مسكينة عليك السّكينة» . فلما قالها أذهب الله ما كان أدخل قلبي من الرعب. وتقدّم صاحبي أوّل رجل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدّهناء لا يجاوزنا إلينا منهم إلا مسافر أو مجاور. فقال: «يا غلام اكتب له بالدهناء» . فلما رأيته أمر له بأن يكتب له بها شخص بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله إنه لم يسألك السّويّة من الأرض إذ سألك، إنما هذه الدهناء عندك مقيّد الجمل ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك. فقال: «أمسك يا غلام، صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشّجر، ويتعاونان على الفتّان» . فلما رأى حريث أن قد حيل دون كتابه ضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: كنت أنا وأنت كما قيل: «حتفها تحمل ضأن بأظلافها» فقلت: أمّا والله إن كنت لدليلا في الظلماء، جوادا بذي الرّحل عفيفا عن الرفيقة حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا تلمني على حظّي إذ سألت حظّك. فقال: وما حظّك في الدهناء لا أبا لك؟ فقلت: مقيّد جملي تسأله لجمل امرأتك. فقال: لا جرم إني أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لك أخ ما حييت، إذ أثنيت هذا عليّ عنده فقلت: إذ بدأتها فلن أضيعها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيلام ابن ذه أن يفصل الخطّة وينتصر من وراء الحجرة» ، فبكيت ثم قلت: والله كنت ولدته يا رسول الله حازما فقاتل معك يوم الرّبذة، ثم ذهب يحيرني من خيبر فأصابته حمّاها وترك على النساء. فقال: «والذي نفس محمد بيده لو لم تكوني مسكينة لجرّرناك اليوم على وجهك أو لجررت على وجهك» شكّ عبد الله، «أيغلب أحيدكم أن يصاحب صويحبة في الدنيا معروفا فإذا حال بينه وبينه من هو أولى به منه استرجع» . ثم قال: «ربّ أنسني ما أمضيت وأعنّي على ما أبقيت، والذي نفس محمد بيده إن أحيدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه فيما عباد الله لا تعذّبوا إخوانكم» وكتب لها في قطعة من أديم أحمر لقيلة وللنّسوة بنات قيلة: «ألّا يظلمن حقّا ولا يكرهن على منكح، وكل مؤمن مسلم لهنّ نصير أحسنّ ولا تسئن» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 58 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 14، 15.

الباب السادس والخمسون في وفود صداء إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس والخمسون في وفود صداء إليه صلى الله عليه وسلم روى البغوي والبيهقي وابن عساكر وحسّنه عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام فأخبرت أنه قد بعث جيشا إلى قومي. قال ابن سعد رحمه الله تعالى: «لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن وأمره أن يطأ صداء، فعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين» انتهى. قال زياد بن الحارث الصدائي فقلت: يا رسول الله قد جئتك وافدا على من ورائي فارد الجيش وأنا لك بإسلامي قومي وطاعتهم. فقال لي: «اذهب فردّهم» . فقلت: يا رسول الله إن راحلتي قد كلّت. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فردّهم من صدر قناة قال زياد: وكتب إلى قومي كتابا فقدم وفدهم بإسلامهم. وعند ابن سعد: فقدم منهم بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا منهم. فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله دعهم ينزلوا عليّ فنزلوا عليه فحباهم وأكرمهم وكساهم ثم راح بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من وراءهم من قومهم انتهى. قال زياد: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك» . قال: فقلت: بل الله هداهم للإسلام. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلا أؤمّرك عليهم؟» فقلت: بلى يا رسول الله. فكتب لي كتابا أمّرني فيه. فقلت: يا رسول الله مر لي بشيء من صدقاتهم. قال: «نعم» فكتب لي كتابا آخر. قال زياد: وكان ذلك في بعض أسفاره. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون: أخذنا بكل شيء بيننا وبين قومه في الجاهلية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفعل ذلك؟» قالوا: نعم. فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: «لا خير في الإمارة لرجل مؤمن» . قال زياد: فدخل قوله في قلبي. ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله أعطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يسأل الناس عن غنى فصداع في الرأس وداء في البطن» . فقال السائل: اعطني من الصدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لم يرض فيها بحكم نبيّ ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزّأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك وإن كنت غنيّا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن» .

قال زياد: فدخل في نفسي أني سألته من الصدقات وأني غني. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتشى من أوّل الليل فلزمت [غرزه] وكنت قريبا منه فكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون عنه حتى إذا لم يبق معه أحد غيري فلما كان أذان صلاة الصبح أمرني فأذنت فجعلت أقوال أقم الصلاة يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ناحية المشرق إلى الفجر ويقول لا، حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب لحاجته، ثم انصرف إلى وتلاحق أصحابه فقال: «هل من ماء يا أخا صداء؟» فقلت: لا إلا شيء قليل لا يكفيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعله في إناء ثم ائتني به» . ففعلت، فوضع كفّه في الماء. فقال زياد: فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور. ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا صداء لولا إني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا ناد في أصحابي من له حاجة في الماء» . فناديت فيهم. فأخذ من أراد منهم شيئا. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن أخا صداء هذا أذّن فهو يقيم» . قال الصّدائي: فأقمت الصلاة. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أتيته بالكتابين فقلت: يا رسول الله اعفني من هذين الكتابين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بدا لك؟» فقلت: سمعتك يا رسول الله تقول: «لا خير في الإمارة لرجل مؤمن» وأنا مؤمن بالله تعالى ورسوله، وسمعتك تقول للسائل: «من سأل الناس عن غني فصداع في الرأس وداء في البطن» وقد سألتك وأنا غني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو ذاك فإن شئت فاقبل وإن شئت فدع» . فقلت: أدع. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فدلّني على رجل أؤمّره عليكم» . فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمّره عليهم. ثم قلنا: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها واجتمعنا عليها وإذا كان الصيف قلّ ماؤها فتفرقنا على المياه حولنا، وكلّ من حولنا لنا عدوّ فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرّق. فدعا بسبع حصيّات ففركهنّ بيده ودعا فيهن ثم قال: «اذهبوا بهذه الحصيّات فإذا أتيتم البئر فالقوا واحدة واحدة واذكروا اسم الله تعالى» [ (1) ] . قال زياد الصّدائي: ففعلنا ما قال فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها. وعند ابن سعد: ورجعوا أي الخمسة عشر إلى بلادهم ففشا فيهم الإسلام فوافى النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل منهم في حجة الوداع.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 63 والطبراني في الكبير 5/ 303 والبيهقي في الدلائل 5/ 355 وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 206 والمتقي الهندي في الكنز (37075) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. صداء: بضم الصاد وفتح الدال المهملتين والمدّ: حيّ من العرب، باليمن. الجعرانة وقناة: تقدم الكلام عليهما. فشا فيهم الإسلام: ظهر وذاع. الغرز: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالزاي: ركاب كور البعير إن كان من خشب أو جلد. الأداوى: جمع إداوة إناء صغير من جلد يتّخذ للماء كالسّطيحة ونحوها. القعب: بفتح القاف وسكون العين المهملة وبالموحدة: وهو القدح الضخم. الوضوء: بفتح الواو الماء وبالضم الفعل الذي هو المصدر ويجوز العكس، والله أعلم.

الباب السابع والخمسون في وفود الصدف إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع والخمسون في وفود الصّدف إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد عن جماعة من الصدف قالوا: قدم وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بضعة عشر رجلا، على قلائص لهم في أزر وأردية فصادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين بيته وبين المنبر فجلسوا ولم يسلّموا. فقال: «أمسلمون أنتم؟» قالوا: نعم. قال: «فهلّا سلّمتم؟» فقاموا قياما، فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقال: «وعليكم السلام، اجلسوا» . فجلسوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلاة فأخبرهم بها [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الصّدف: [بفتح الصاد وكسر الدال المهملتين ففاء] . الباب الثامن والخمسون في وفود أبي صفرة إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن منده، وابن عساكر، والدّيلمي عن محمد بن غالب بن عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة قال: حدثني أبي عن آبائه أن أبا صفرة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أن يبايعه، وعليه حلّة صفراء وله طول ومنظر وجمال وفصاحة لسان [فلما رآه أعجبه ما رأى من جماله] فقال له: «من أنت؟» قال: أنا قاطع بن سارق بن ظالم بن عمر بن شهاب بن مرة بن الهقام بن الجلند بن المستكبر الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا، أنا ملك ابن ملك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أبو صفرة دع عنك سارقا وظالما» . فقال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنك عبده ورسوله حقا حقا يا رسول الله، وإن لي ثمانية عشر ذكرا وقد رزقت بأخرة بنتا سمّيتها صفرة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنت أبو صفرة» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 248. [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (37573) .

الباب التاسع والخمسون في وفود ضمام بن ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع والخمسون في وفود ضمام بن ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي رحمهم الله تعالى من طريق سليمان ابن المغيرة عن ثابت، والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن شريك بن عبد اللَّه كلاهما عن أنس وأبو القاسم عبد اللَّه بن محمد البغوي عن الزهري، والإمام أحمد وابن سعد وأبو داود عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهم، قال أنس في رواية ثابت: «نهينا في القرآن أن نسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن شيء كان يعجبنا أن نجد الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع» . وفي رواية شريك: «بينا نحن جلوس مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم» ، وفي حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: «بينا النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع أصحابه متكئا، أو قال جالسا في المسجد إذ جاء رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله» وفي حديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: «بعث بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم دخل المسجد ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين فأقبل حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» قال أنس في رواية شريك: «فقال: أيّكم محمد؟» وفي حديث ابن عباس: «أيّكم ابن عبد المطلب؟» والنبي صلى اللَّه عليه وسلم متّكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الأبيض المتكئ» . وفي رواية: «جاءهم رجل من أهل البادية فقال: أيّكم ابن عبد المطلب؟ قالوا: هذا الأمغر المرتفق. قال: فدنا منه وقال: إني سائلك فمشدّد عليك- وفي لفظ- فمغلظ عليك- في المسألة، فلا تجد علي في نفسك، قال: «لا أجد في نفسي فسل عمّا بدا لك» قال أنس في رواية ثابت: فقال: يا محمد أتانا رسولك فقال لنا أنك تزعم أن اللَّه تعالى أرسلك؟ قال: «صدق» . قال: فمن خلق السماء؟ قال: «اللَّه» . قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «اللَّه» . قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: «اللَّه» . وقال أبو هريرة وأنس في رواية شريك، فقال. «أسألك بربّك وربّ من قبلك» ، وفي حديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: «فأنشدك اللَّه إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك» ، وفي رواية عن أنس فقال: «فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال» ، قال ابن عباس في حديثه: «اللَّه أمرك أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وأن ندع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ قال: «اللهم نعم» .

وفي رواية ثابت عن أنس فقال: «فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال» وفي حديث أبي هريرة ورواية شريك عن أنس: «أسألك بربّك وربّ من قبلك ورب من بعدك اللَّه أرسلك إلى الناس كلهم؟» فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اللهم نعم» . وفي رواية ثابت عن أنس قال: «وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا» . قال: «صدق» . قال: «فبالذي أرسلك» ، وفي رواية شريك عن أنس قال: «أنشدك باللَّه» . وفي حديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: «فأنشدك اللَّه إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك اللَّه أمرك أن تصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: «اللهم نعم» . وفي رواية ثابت عن أنس قال: «وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا» . قال: «صدق» . وفي حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: «أنشدك باللَّه اللَّه أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا؟» فقال: «اللهم نعم» . قال: «فبالذي أرسلك» ، وفي رواية شريك: «أنشدك اللَّه اللَّه أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟» فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اللهم نعم» . وفي رواية ثابت: «وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا» . قال: «صدق» . قال: «فبالذي أرسلك» ، وفي رواية شريك: «وأنشدك اللَّه اللَّه أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟» وفي حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: «من اثني عشر شهراً؟» فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اللهم نعم» . وفي رواية ثابت قال: «وزعم رسولك أن علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا» . قال: «نعم» . وفي حديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: «ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ينشده عن كل فريضة منها كما ينشده عن التي قبلها حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه وسأؤدّي هذه الفرائض وأجتنب ما تنهينّي عنه ثم لا أزيد ولا أنقص» . وفي رواية شريك: «آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر» . وفي حديث أبي هريرة: «وأمّا هذه الهناة فو اللَّه إن كنّا لنتنزّه عنها في الجاهلية» . وفي رواية ثابت: «ثم ولّى فقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهم ولا أنقص منهن شيئا» . فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن صدق ليدخلنّ الجنّة» . وفي حديث ابن عباس: «إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة» . وفي حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: «فلما أن ولى قال

تنبيهات

رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «فقه الرجل» . وقال: «فكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه يقول: «ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة» . فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به: بئست اللات والعزّى. فقالوا: مه يا ضمام! اتّق البرص، اتّق الجذام، اتّق الجنون. فقال: «ويلكم» ! إنهما واللَّه لا يضرّان ولا ينفعان، إن اللَّه قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فأستنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد ألا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه» . قال: «فو اللَّه ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل أو امرأة إلا مسلما» . زاد ابن سعد: «وبنوا المساجد وأذّنوا بالصلوات» . قال ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة. تنبيهات الأول: قال في البداية: وفي سياق حديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه ما يدل على أنه رجع إلى قومه قبل الفتح لأن العزّى هدمها خالد بن الوليد رضي اللَّه تعالى عنه أيام الفتح. الثاني: قال أبو الربيع: اختلف في الوقت الذي وفد فيه ضمام هذا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقيل سنة خمس ذكره الواقدي وغيره، وقيل سنة تسع، واللَّه أعلم أي ذلك كان. الثالث: قوله: «أن يحجّ هذا البيت من استطاع إليه سبيلا» ، قال في الهدي: ذكر الحج في هذه القصة يدل على أن قدوم ضمام كان بعد فرض الحجّ، وهذا بعيد، والظاهر أن هذه اللفظة مدرجة من كلام بعض الرواة. الرابع: في بيان غريب ما سبق:. ضمام: بضاد معجمة مكسورة فميمين بينهما ألف، وهو الذي قال فيه طلحة بن عبيد اللَّه: جاءنا أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دويّ صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام» . الحديث رواه مالك في الموطأ عن عمّه عن جده عن طلحة الجلد: بجيم مفتوحة فلام ساكنة فدال مهملة: صلب حديد. الغديرة: بغين معجمة مفتوحة فدال مهملة مكسورة فتحتية ساكنة فراء فتاء تأنيث. الأمغر: بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح الغين المعجمة وبالراء: الأبيض المشرب بحمرة.

المرتفق: بميم مضمومة فراء ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة ففاء مكسورة فقاف: المتّكئ، بهمزة في آخره. بدا لك: غير مهموز، أي ظهر لك. أنشدك: بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة: أي أسألك. آللَّه: بمدّ الهمزة على الاستفهام، وكذا ما بعده. الهناة: بفتح الهاء وتخفيف النون في آخره تاء: الفواحش. العقيصة: بعين مهملة مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية ساكنة فصاد مهملة: الشّعر المعقوص، أي الملتوي. فقه: الرجل بضم القاف وكسرها صار فقيها، واللَّه أعلم.

الباب الستون في وفود طارق بن عبد الله إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الستون في وفود طارق بن عبد الله إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى البيهقي رحمه اللَّه عن طارق بن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنه قال: «إني لقائم» . بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل عليه جبّة له وهو يقول: أيها الناس قولوا لا إله إلا اللَّه تفلحوا، ورجل يتبعه برميه بالحجارة يقول: أيها الناس إنه كذّاب فلا تصدّقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول اللَّه. قال: فقلت: من ذا الذي يفعل به هذا؟ قالوا: عمّه عبد العزّي. قال: فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الرّبذة نريد المدينة نمتار من تمرها. فلما دنونا من حيطانها ونخلها قلنا لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه، فإذا رجل في طمرين له فسلّم وقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا من الرّبذة. قال: وأين تريدون؟ قلنا: نريد المدينة. قال: ما حاجتكم فيها؟ قلنا: نمتار من تمرها. قال: معنا ظعينة لنا ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: أتبيعوني جملكم هذا؟ قالوا: نعم بكذا وكذا صاعا من تمر. قال: فما استوفينا مما قلنا شيئا حتى أخذ بخطام الجمل وانطلق به، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها قلنا ما صنعنا واللَّه ما بعنا جملنا ممّن نعرف ولا أخذنا له ثمنا. فقالت المرأة التي معنا: لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر بكم، واللَّه لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقّة القمر ليلة البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم، إذا أقبل رجل فقال: أنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليكم، هذا تمركم فكلوا واشبعوا واكتالوا واستوفوا: فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا واستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فلما دخلنا المسجد فإذا هو قام على المنبر يخطب الناس فأدركنا من خطبته وهو يقول: «تصدّقوا فإن الصدقة خبر لكم: اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول أمّك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك» فأقبل رجل في نفر من بني يربوع، أو قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه إن لنا في هؤلاء دما في الجاهلية فقال: «لا تجني أن على ولد» ثلاث مرات [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. ذو المجاز، والرّبذة، والرظعينة: تقدم الكلام عليها. بنو يربوع: [بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة فموحدة فواو فعين مهملة] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 25 وعزاه للطبراني وقال فيه أبو حباب الكلبي وهو مدلس وقد وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح.

الباب الحادي والستون في وفود طيء مع زيد الخيل إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والستون في وفود طيء مع زيد الخيل إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى ابن سعد عن أبي عمير الطائي، وكان يتيم الزّهري وعن عبادة الطائي عن أشياخهم قالوا: قدم وفد طيّء على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمسة عشر رجلا، رأسهم وسيّدهم زيد الخير، وهو زيد الخيل بن مهلهل من بني نبهان، وفيهم وزر بن جابر بن سدوس، وقبيصة بن الأسود بن عامر من جرم طيء، ومالك بن عبد اللَّه بن خيبري من بني معن، وقعين بن خليف من جديلة، ورجل من بني بولان فدخلوا المدينة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد، فعقلوا رواحلهم بفناء المسجد ثم دخلوا فدنوا من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم وأجازهم بخمس أواق فضة كل رجل منهم وأعطي زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية ونشّا، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما ذكر رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا ما كان من زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل ما فيه» . وسمّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زيد الخير، وقطع له فيد وأرضين وكتب له بذلك كتابا ورجع مع قومه، وفي لفظ: فخرج به من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راجعا إلى قومه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن ينج زيد من حمّى المدينة فإنه» ، قال بعض الشراح إن جواب إن ينج محذوف والتقدير فإنه لا يعاب. قال: في زاد المعاد، وفي العيون، لما أحسّ بالموت أنشد يقول: أمر تحل قومي المشارق غدوة ... وأترك في بيت بفردة منجد ألا ربّ يوم لو مرضت لعادني ... عوائد من لم يبر منهنّ بجهد فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له فردة- وفي لفظ فرد- أصابته الحمّى بها فمات هناك وعمدت امرأته بجهلها وقلة عقلها إلى ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كتب له به فحرقته بالنار. وذكر ابن دريد عن أبي محسن أن زيدا أقام بفردة ثلاثة أيام ومات، فأقام عليه قبيصة بن الأسود المناحة سنة، ثم وجّه براحلته ورحله وفيها كتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلما رأت امرأته الراحلة ليس عليها زيد ضرّمتها بالنار فاحترقت واحترق الكتاب. وروى الشيخان عن أبي سعيد [الخدري] رضي اللَّه تعالى عنه أن عليا كرم اللَّه وجهه «بعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها فقسمها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس وزيد الخيل وعلقمة بن غيلان» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 326 (4351) ومسلم 2/ 742 (144/ 1064) .

تنبيهان

وروى شاهين وابن عديّ، وقال منكر، وابن عساكر واللفظ لهما عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه قال: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأقبل راكب فأناخ فقال: يا رسول اللَّه إني أتيتك من مسيرة تسع أنضيت راحلتي وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري لأسألك عن خصلتين أسهرتاني فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما اسمك؟» فقال: أنا زيد الخيل. قال: «بل أنت زيد الخير، فسل، فربّ معضلة قد سئل عنها» . فقال: أسألك عن علامة اللَّه فيمن يريد وعن علامته فيمن لا يريد. فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «كيف أصبحت؟» فقال: أصبحت أحبّ الخير وأهله ومن يعمل به وإن عملت به أيقنت بثوابه، وإن فاتني منه شيء حننت إليه. فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «هذه علامة اللَّه فيمن يريد وعلامته فيمن لا يريد، ولو أرادك بالأهدى هيّأ لك لها ثم لا تبالي من أي واد هلكت» وفي لفظ «سلكت» [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الحلية عنه أن رجلا قال: يا رسول اللَّه أسألك عن علامة اللَّه فيمن يريد، وعلامته فيمن لا يريد [ (2) ] . وروى ابن سعد عن أشياخ من طيء قالوا: قدم عمرو بن المسبّح بن كعب بن طريف بن عصر الطائي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يومئذ بن مائة وخمسين سنة فسأله عن الصّيد فقال له: «كل ما أصميت ودع ما أنميت» [ (3) ] ، وكان من أرمى العرب. تنبيهان الأول: ذكر ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد أن زيدا توفي في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما سبق، وحكى أبو عمر أنه مات في خلافة عمر رضي اللَّه تعالى عنه، وأنشد له وثيمة بن موسى في الردّة قال وبعث بها إلى أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه. قال الحافظ: وهذا إن ثبت يدل على انه تأخرت وفاته حتى مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم. الثاني: في بيان غريب ما سبق:. زيد الخيل: قل له زيد الخيل لخمسة أفراس كانت لديه. سدوس: بسين مفتوحة فدال مضمومة فواو فسين مهملات. قبيصة: بقاف مفتوحة فموحدة فمثناة تحتية فصاد مهملة. بنو معن: بميم مفتوحة فعين مهملة فنون.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 4/ 109 وذكره الهيثمي في المجمع 7/ 197 وعزان للطبراني وقال وفيه عون بن عمارة وهو ضعيف وذكره المتقي الهندي في الكنز (30809) وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 6/ 37. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 376. [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 60 والطبراني في الكبير 12/ 27 وذكره الهيثمي في المجمع 4/ 162.

لم يبلغ: بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح اللام فغين معجمة. فيد: بفتح الفاء وإسكان التحتية وبالدال المهملة: اسم مكان. أرضين: بفتح الراء وتسكن في لغة. إن ينج: بضم التحتية وسكون النون وفتح الجيم، مبني للمفعول. أمّ ملدم: بكسر الميم وفتحها وسكون اللام وفتح الدال المهملة وأعجمها بعضهم: الاسم الذي للحمّى وتفسير الراوي أمّ كلبة كما نقل عن كتاب معارك الفرسان لأبي عبيدة وقيل سباط بسين مهملة فموحدة فألف فطاء مهملة. ذكره أبو عبيد البكري في إعجامه، وهو من اللّدم وهو شدّة الضّرب. ويحتمل أن تكون أم كلبة مغيّرة عن كلبة بضم الكاف [أي] شدة الرّعدة وكلب البرد شديده، وأمّ كلبة بالهاء هي الحمّى، وأمّا أمّ كلب فشجيرة لها أرز حسن، وهي إذا حرّكت انثنى شوكها. عمدت: بفتح الميم في الماضي وكسرها في المستقبل، ويجوز العكس. أصميت: بهمزة مفتوحة فصاد ساكنة مهملة فميم مفتوحة فياء ساكنة فتاء: قتلت مكانه فزهقت روحه بسرعة. مكنف: بضم الميم وسكون الكاف وكسر النون وبالفاء. الفردة: بفتح الفاء وسكون الراء وبالدال المهملة وتاء تأنيث. المناحة: [النّواح أو موضع النّوح] . ضرّمتها: بضاد معجمة مفتوحة فراء مشددة مفتوحة فميم ففوقية فهاء أي أو قدتها من أضرم النار إذا أوقدها.

الباب الثاني والستون في وفود بني عامر بن صعصعة إليه صلى الله عليه وسلم وقصة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس.

الباب الثاني والستون في وفود بني عامر بن صعصعة إليه صلى الله عليه وسلم وقصة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس. روى ابن المنذر، وابن حاتم، وأبو نعيم، وابن مردويه، والبيهقي عن موله بن [كثيف] ابن حمل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والحاكم عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه، وأبو نعيم عن عروة، والبيهقي عن ابن إسحاق. قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر، فيهم عامر بن الطفيل، وأربد ابن قيس، وجبّار بن سلمى، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم [فقدم عامر بن الطفيل عدوّ الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الغدر به]- قلت وجبّار بن سلمى هذا هو قاتل عامر بن فهيرة ببئر معونة وأسلم مع من أسلم من بني عامر والله أعلم- وقد قال لعامر بن الطّفيل قومه: يا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم. قال: والله لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، أفأتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال الأربد: إذا قدمنا على الرجل فسأشغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسّيف. وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فإن الناس إذا قتلت محمدا لم تزد على أن تلتزم بالدّية وتكره الحرب فسنعطيهم الدية، قال أربد: افعل. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: وانتهى إليه عامر وأربد، فجلسا بين يديه. قال ابن إسحاق. قال عامر بن الطفيل: يا محمد خالني. قال: «لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له» قال: يا محمد خالّني، وجعل يكلّمه وينتظر من أربد ما كان أمره به. لعل أربد لا يحير شيئا. وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن يد أربد يبست على السيف فلم يستطع سلّه. قال ابن إسحاق: فلما رأى عامر أربد ما يصنع شيئا قال: يا محمد خالني. قال: «لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له» . وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فقال عامر: ما تجعل لي يا محمد إن أسلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم» . قال عامر: أتجعل لي الأمر بعدك إن أسلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنّة الخيل» . قال: أنا الآن في أعنّة خيل نجد، أتجعل لي الوبر ولك المدر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا» . فلما قاما عنه قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمنعك الله عز وجل [ (1) ] » .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 5/ 319 وذكره ابن كثير في البداية 5/ 57 والهيثمي في المجمع 7/ 44 وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير بنحوه.

وفي حديث موله بن [كثيف] بن حمل: والله يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا ولأربطنّ بكل نخلة فرسا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اكفني عامرا» [ (1) ] . زاد موله: «واهد قومه» . قال ابن إسحاق: فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد: ويلك يا إربد: أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا. قال: لا أبالك لا تعجل علي، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟. وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فلما خرج أربد وعامر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بجرّة وأقم نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير فقالا: أشخصا يا عدوّا الله عز وجل لعنكما الله. فقال عامر: من هذا يا أربد؟ قال: هذا أسيد بن الحضير، فخرجا. وروى البيهقي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة رحمه الله، قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا: «اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث عليه داء يقتله» . حتى إذا كان بالرّقم بعث الله تعالى على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول. فجعل يمسّ فرحته في حلقه ويقول يا بني عامر أغدّة كغدّة البكر في بيت امرأة من بني سلول [ (2) ] ؟. زاد ابن عباس: يرغب أن يموت في بيتها. ثم ركب فرسه فأحضرها وأخذ رمحه وأقبل يجول، فلم تزل تلك حاله حتى سقط فرسه ميتا. قال ابن إسحاق: ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بني عامر شانّين. فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ قال: لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنّبل حتى أقتله. فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه، فأرسل الله عز وجل عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما. وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: حتى إذا كان بالرّقم أرسل الله تعالى عليه صاعقة فقتلته. قال ابن عباس وابن إسحاق: وأنزل الله عز وجل في عامر وأربد: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى [الرعد 8] من ذكر وأنثى وواحد ومتعدّد وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ أي ما

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 321 والطبراني في الكبير 6/ 155 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 126 وابن كثير في البداية 5/ 57. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 319.

تنبيهات

تنقص الأرحام من عدة الحمل وما تزداد منه. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ أي بمقدار واحد لا يتجاوزه. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ما غاب وما شهد الْكَبِيرُ العظيم الْمُتَعالِ على خلقه بالقهر- بياء ودونها- سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ أي مستتر بظلمة الليل وسارب أي ظاهر بذهابه في سربه أي طريقه بالنهار. لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ له أي للإنسان، معقّبات ملائكة تعتقبه بين يديه: قدّامه، ومن خلفه: ورائه، يحفظونه من أمر الله أي بأمره من الجنّ وغيره. إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ لا يسلبهم نعمته حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الحالة الجميلة بالمعصية. وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً عذابا فَلا مَرَدَّ لَهُ من المعقّبات وغيرها. وَما لَهُمْ أي إن أراد الله بهم سوءا مِنْ دُونِهِ أي غير الله مِنْ زائدة والٍ يمنعه عنهم هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً للمسافر من الصواعق وَطَمَعاً للمقيم في المطر وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ أي يخلق السحاب الثقال بالمطر. وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ الرعد هو ملك موكّل بالسحاب يسوقه يقول سبحان الله وبحمده يسبّح وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ أي من خشية الله تعالى. وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ وهي نار تخرج من السحاب فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ فيحرقه، نزل في رجل بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوه فقال: من رسول الله؟ ومن الله؟ أمن ذهب هو أم من فضّة أو نحاس؟ فنزلت به صاعقة فذهبت بقحف رأسه. وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وهم أي الكفّار، يجادلون أي يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم في الله وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ أي القوّة والأخذ. تنبيهات الأول: قد اختلف في سبب نزول قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ وقوله: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ وغير ذلك مما محلّه كتب التفسير. الثاني: قال في البداية: والظاهر أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على الفتح وإن كان ابن إسحاق والبيهقي قد ذكراها بعد الفتح. الثالث: من العجائب والغرائب ذكر الحافظ المستغفري أن عامر بن الطفيل هذا في الصحابة وغلطوه في ذلك، والموقع له فيه ما رواه من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عامر بن الطفيل أنه قال: يا رسول الله زوّدني كلمات [أعيش بهن] قال: «يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام واستحي من الله كما تستحي رجلا من أهلك وإذا أسأت فأحسن فإن الحسنات يذهبن السيِّئات» فعامر هذا أسلمي لا عامريّ. فقد روى البغوي عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال: حدثني عمّي عامر بن الطفيل فذكر حديثا فعرف أن الصحابي أسلمي وافق اسمه واسم أبيه

العامري فكان ذلك سبب وهم المستغفري فساق في نسب الصحابي نسب عامر بن الطفيل العامري. وعن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح وهو قبّة له حمراء فقال: «من أنتم» قلنا: بنوا عامر فقال: «مرحبا أنتم منّي» ، وفي رواية: «مرحبا بكم» ، وفي رواية «فأنا منكم» . رواه الطبراني أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير الحجّاج بن أرطاة فهو مدلّس [ (1) ] . الرابع: في بيان غريب ما سبق: أربد: بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الموحدة وبالدال المهملة: مات كافرا كما سيأتي. جبّار بن سلمى: جبّار بفتح الجيم وتشديد الموحدة وبالراء، سلمى بضم السين وسكون اللام. وقال في الإملاء يروى هنا بفتح السين وضمها والصواب بفتح السين قال كذا في النور، والذي أعرفه الضمّ. أسلم: بفتح أوله وسكون الميم فعل أمر. آليت: بمدّ الهمزة أقسمت وحلفت. خالني: بخاء معجمة وبعد الألف لام مشددة مكسورة من المخاللة وهي المصادقة أي اتخذني خليلا وصاحبا وروي بتخفيف اللام أي تفرد لي خاليا حتى اتخذك معي. لا يحير: بفتح التحتية وبحاء مهملة أي لا يصنع شيئا مما وعد به. في بيت مرأة من بني سلول بن صعصعة: وكان عامر بن الطفيل من بني عامر بن صعصعة فلذلك اختصّها لقرب النّسب بينهما حتى مات في بيتها قاله السّهيلي. وفي الاملاء ما سبق عامر على موته لأن بني سلول موصوفون عندهم باللؤم وليس ذلك في أصولهم. أغدّة بالنّصب أي أغدّ غدّة. وددت: بكسر الدال المهملة.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 54 وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط وأبو يعلى وقال: فيه الحجاج بن أرطاة وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح.

الباب الثالث والستون في وفود عبد الرحمن بن أبي عقيل إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والستون في وفود عبد الرحمن بن أبي عقيل إليه صلى الله عليه وسلم روى البخاري رحمه الله تعالى في التاريخ، والحارث بن أبي أسامة، وابن مندة، والطبراني، والبزار، والبيهقي، برجال ثقات عن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي رضي الله تعالى عنه قال: انطلقت في وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فأنخنا بالباب وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه فلما خرجنا بعد دخولنا عليه فخرجنا وما في الناس أحبّ إلينا من رجل دخلنا عليه قال: فقال قائل منا: يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان؟ قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «فلعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان عليه السلام، إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها، وإن الله عز وجل أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (1) ] » . الباب الرابع والستون في وفود بني عبد بن عديّ إليه صلى الله عليه وسلم روى المدائني، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وغيره قال: قدم وفد بني عبد بن عدي فيهم الحارث بن وهبان وعويمر بن الأخرم، وحبيب وربيعة ابنا ملّة ومعهم رهط من قومهم. فقالوا: يا محمد نحن أهل الحرم وساكنيه وأعزّ من به، ونحن لا نريد قتالك، ولو قاتلك غير قريش قاتلنا معك، ولكنا لا نقاتل قريشا، وإنا لنحبّك ومن أنت منه، وقد أتيناك فإن أصبت منا أحدا خطأ فعليك ديّته، وإن أصبنا أحدا من أصحابك فعلينا ديّته إلا رجلا منا قد هرب فإن أصبته أو أصابه أحد من أصحابك فليس علينا ولا عليك. فقال عويمر بن الأخرم: دعوني آخذ عليه. قالوا: لا، محمد لا يغدر ولا يريد أن يغدر به. فقال حبيب وربيعة: يا رسول الله أن أسيد بن أبي أناس هو الذي هرب وتبرأنا إليك منه وقد نال منك. فأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه، وبلغ أسيد أقوالهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى الطائف فأقام به. فلما كان عام الفتح كان أسيد بن أبي أناس فيمن أهدر دمه. فخرج سارية بن زنيم إلى الطائف فقال له أسيد: ما وراءك؟ قال:

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 374 وعزاه للطبراني والبزار وقال: ورجالهما ثقات.

أظهر الله تعالى نبيه ونصره على عدوه فاخرج يا بن أخي إليه فإنه لا يقتل من أتاه. فحمل أسيد امرأته وخرج وهي حامل تنتظر، وألقت غلاما عند قرن الثعالب وأتى أسيد أهله فلبس قميصا واعتمّ ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسارية قائم بالسيف عند رأسه يحرسه. فأقبل أسيد حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد أهدرت دم أسيد؟ قال: «نعم» قال: أتقبل منه إن جاء مؤمنا؟ قال: «نعم» . فوضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه يدي في يدك أشهد أنك رسول الله وألا إله إلا الله. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصرخ أن أسيد بن أبي أناس قد آمن وأمّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح وجهه وألقى يده على صدره. ويقال إن أسيد كان يدخل البيت المظلم فيضيء. وقال أسيد بن أبي أناس: أأنت الّذي تهدي معدّا لدينها ... بل الله يهديها وقال لك أشهد فما حملت من ناقةٍ فوق كورها ... أبر وأوفى ذمة من محمّد وأكسى لبرد الحال قبل ابتذاله ... وأعطى لرأس السّابق المتجرّد تعلّم رسول الله إنك قادر ... على كل حيّ متهمين ومنجد تعلّم بأنّ الرّكب ركب عويمر ... هم الكاذبون المخلفو كلّ موعد أنبوا رسول الله أن قد هجوته ... فلا رفعت سوطي إلي إذن يدي سوى أنّني قد قلت ويل أمّ فتية ... أصيبوا بنحس لا يطاق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم ... كفيئا فعزّت حسرتي وتنكدي ذؤيب وكلثوم وسلمى تتابعوا ... جميعا فإن لا تدمع العين تكمد فلما أنشده: أأنت الذي يهدي معدّا لدينها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل الله يهديها» . فقال الشاعر: «بل الله يهديها وقال لك اشهد» .

الباب الخامس والستون في وفود عبد القيس إليه صلى الله عليه وسلم وإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلوعهم قبل قدومهم.

الباب الخامس والستون في وفود عبد القيس إليه صلى الله عليه وسلم وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلوعهم قبل قدومهم. روى أبو يعلى، والطبراني بسند جيد، والبيهقي عن مزيدة بن مالك العصريّ، وأبو يعلى عن الأشجّ العبدي رضي الله تعالى عنهما [ (1) ] ، قال الأول: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث أصحابه إذ قال لهم: «سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق» . فقام عمر رضي الله تعالى عنه فتوجّه نحوهم فلقي ثلاثة عشر راكبا فقال: «من القوم؟» فقالوا: من بني عبد القيس. قال: «فما أقدمكم ألتجارة؟» قالوا: لا. قال: أما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكركم آنفا فقال خيرا. ثم مشوا معه حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر للقوم: هذا صاحبكم الذي تريدون، فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم فمنهم من مشى ومنهم من هرول ومنهم من سعى حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فابتدره القوم ولم يلبسوا إلا ثياب سفرهم، فأخذوا بيده فقبّلوها، وتخلّف الأشجّ وهو أصغر القوم في الرّكاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث الزّارعي بن عامر العبدي عند البيهقي: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبّل يد رسول الله ورجله، وانتطر المنذر الأشجّ حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه. وفي حديث عند الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه: فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبّلها، وكان رجلا دميما، فلما نظر صلى الله عليه وسلم إلى دمامته قال: يا رسول الله أنه لا يستقى في مسوك الرجال إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه وقلبه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن فيك خصلتين يحبّهما الله ورسوله الحلم والأناة» . قال: يا رسول الله أنا أتخلّق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: «بل الله تعالى جبلك عليهما» . قال: الحمد لله الذي جبلني على خلّتين يحبّهما الله تعالى ورسوله. قال: «يا معشر عبد القيس ما لي أرى وجوهكم قد تغيّرت؟» قالوا: يا نبي الله نحن بأرض وخمة وكنا نتخذ من هذه الأنبذة ما يقطع من بطونها، فلما نهيتنا عن الظروف فذلك الذي ترى في وجوهنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الظروف لا تحلّ لا تحرّم ولكن كل مسكر الحرام وليس أن تجلسوا فتشربوا حتى إذا ثملت العروق تفاخرتم فوثب الرجل على ابن عمّه بالسيف فتركه أعرج» . قال: وهو يومئذ في القوم الأعرج الذي أصابه ذلك. وأقبل القوم على تمرات لهم

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 327 وانظر البداية والنهاية 5/ 47.

يأكلونها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لهم هذا كذا وهذا كذا، قالوا: أجل يا رسول الله ما نحن بأعلم بأسمائها منك. وقالوا لرجل منهم: أطعمنا من بقية الذي بقي في نوطك فقام وجاءه بالبرنيّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا البرنيّ أمسى من خير ثمراتكم» . وروى ابن سعد [ (1) ] عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى قال: وحدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه، قالا: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين أن يقدم عليه عشرون رجلا منهم، فقدم عليه عشرون رجلا رأسهم عبد الله بن عوف الأشجّ، وفيهم الجارود، ومنقذ بن حيّان، وهو ابن أخت الأشجّ، وكان قدومهم عام الفتح، فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء وفد عبد القيس. قال: «مرحبا بهم نعم القوم عبد القيس» . قال: ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأفق صبيحة ليلة قدموا وقال: «ليأتينّ ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام قد أنضوا الرّكاب وأفنوا الزاد بصاحبهم علامة، اللهم اغفر لعبد القيس، أتوني لا يسألوني مالا، هم خير أهل المشرق» . قال: فجاءوا عشرين رجلا ورأسهم عبد الله بن عوف الأشجّ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسلّموا عليه، وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّكم عبد الله الأشجّ؟» فقال: أنا يا رسول الله، وكان رجلا دميما، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه لا يستقى في مسوك الرجال، إنما يحتاج من الرجال إلى أصغريه لسانه وقلبه» . وذكر نحو ما سبق. وروى الإمام أحمد عن الزّارع بن عامر أنه قال: يا رسول الله إن معي رجلا خالا لي، مصابا فادع الله تعالى له. فقال: «أين هو؟ ائتني به» . قال: فصنعت مثل ما صنع الأشجّ، ألبسته ثوبيه وأتيته به، فأخذ طائفة من ردائه فرفعها حتى بان بياض إبطه، ثم ضرب ظهره وقال: «اخرج عدو الله» . فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده بين يديه فدعا له وشجّ وجهه، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه. وروى الشيخان [ (2) ] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من القوم؟» قالوا: من ربيعة. قال: «محراب بالقوم غير خزايا ولا ندامى» . فقالوا: يا رسول الله إنا نأتيك من شقّة بعيدة وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفّار مضر وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، وفي رواية: لا نستطيع أن نأتيك إلا في الأشهر الحرم فمرنا بأمر فصل إن عملنا به دخلنا الجنّة. قال: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع» قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال: «هل تدرون ما الإيمان بالله؟» . [قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:] «شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 54. [ (2) ] أخرجه البخاري (7266) ومسلم 1/ 47 (24- 17) .

الخمس من المغنم، وأنهاكم عن أربع: عن الدّباء والحنتم والمزفّت والنّقير- وربما قال المقيّر- فاحفظوهنّ وادعوا إليهن من وراءكم» . قالوا: يا نبي الله ما علمك بالنّقير؟ قال: «بلى جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء» - أو قال: «من التمر- ثم تصبّون فيه من الماء حتى إذا سكن غليانه شربتموه حتى أن أحدكم ليضرب ابن عمّه بالسيف» . قال: وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك. قال: وكنت أخبأها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: «في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها» . فقالوا: يا رسول الله إن أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية الأدم [فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلم] : «وإن أكلتها الجرذان» ، مرتين أو ثلاثا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله ورسوله الحلم والأناة» . وروى الإمام أحمد [ (1) ] عن شهاب بن عبّاد أنه سمع بعض وفد عبد القيس يقول: قال الأشج: يا رسول الله إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيجت ألواننا وعظمت بطوننا فرخّص لنا في هذه وأومأ بكفّيه. فقال: «يا أشجّ إني إن رخّصت لك في مثل هذه» - وقال بفكيه هكذا- «شربته في مثل هذه» - وفرّج يديه وبسطهما يعني أعظم منها- «حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمّه فهزر ساقه بالسيف» . وكان في القوم رجل يقال له الحارث قد هزرت ساقه في شراب لهم في بيت من الشعر تمثّل به في امرأة منهم، فقال الحارث: لما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت أسدل ثوبي فأغطّي الضربة بساقي وقد أبداها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم. وروى الحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن وفد عبد القيس من أهل هجر قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هم عنده إذا أقبل عليهم فقال: «لكم تمرة تدعونها كذا، وتمرة تدعونها كذا» . حتى عدّ ألوان تمرهم أجمع. فقال له رجل من القوم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لو كنت ولدت في هجر ما كنت بأعلم منك الساعة، أشهد أنك رسول الله فقال: «إن أرضكم رفعت لي منذ قعدتم إليّ فنظرت من أدناها إلى أقصاها، فخير تمركم البرني الذي يذهب بالداء ولا داء معه» [ (2) ] . وروى البخاري [ (3) ] رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «إن أوّل

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 207 وذكره المتقي الهندي في الكنز (13252) . [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 204 وذكره المتقي في الكنز (35315) . [ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة (892) .

تنبيهات

جمعة جمّعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين» . وروى أيضا عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخّر الركعتين بعد الظهر بسبب اشتغاله بوفد عبد القيس حتى صلّاهما بعد الظهر في بيتها. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أهل المشرق عبد القيس» ، رواه البزّار، والطبراني برجال ثقات غير وهب بن يحيى. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير أهل المشرق عبد القيس» ، رواه الطبراني برجال ثقات. وعن نوح بن مخلد رضي الله تعالى عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فسأله: «ممن أنت؟» فقال: أنا من بني ضبيعة بن ربيعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير ربيعة عبد القيس ثم الحيّ الذي أنت منهم» . رواه الطبراني وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا حجيج من ظلم عبد القيس» ، رواه الطبراني [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال في البداية في سياق حديث ابن عباس ما يدل على أن قدوم وفد عبد القيس كان قبل فتح مكة لقولهم: وبيننا وبينك هذا الحي من مضر ولا نصل إليك إلا في شهر حرام. قال الحافظ: هذا الحديث دليل على تقدم إسلام عبد القيس على قبائل مضر الذين كانوا بينه وبين المدينة، وكانت مساكن عبد القيس بالبحرين وما والاها من أطراف العراق، ولهذا قالوا كما في رواية شعبة عن أبي جمرة في العلم: وإنّا نأتيك من شقّة بعيدة. ودلّ على سبقهم في الإسلام أيضا ما رواه العقديّ في الجمعة من طريق أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن أوّل جمعة جمّعت بعد جمعة في المسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين» - وجواثى بضم الجيم فواو بعد الألف مثلثة مفتوحة- وإنما جمّعوا بعد رجوع وفدهم إليهم، فدلّ على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام. الثاني: قال النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم: «أن وفد عبد القيس كانوا أربعة عشر راكبا: الأشجّ العصري رئيسهم، واسمه المنذر بن عائذ، بالذال المعجمة، وقيل: عائذ بن المنذر، وقيل: ابن عبيد. والعصري بفتح العين والصاد المهملتين وبالراء. ومنقذ ابن حبّان. ومزيدة بن مالك المحاربي. وعبيدة بن همام المحاربي. وصحار بن عبّاس المري صحار بصاد وحاء مهملتين- وعمرو بن مرجوم العصري. والحارث بن شعيب العصري. والحارث بن جندب من بني عائش. ولم نثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء» .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 52 وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط وقال: وفيه من لم أعرفهم.

وقال الحافظ: «ومنهم عقبة بن جورة، وجويرية العبدي، والجهم بن قثم، ورسيم العبدي» . وما ذكره من الوفد كانوا أربعة عشر راكبا، لم يذكر دليلهم. وفي المعرفة لابن مندة من طريق هود [بن عبد الله] العصري- بعين وصاد مهملتين مفتوحتين نسبة إلى عصر بطن من عبد القيس- عن جده لأمّه مزيدة قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث أصحابه إذ قال لهم: «سيطلع لكم من هذا الوجه ركب هم خير أهل المشرق» . فقام عمر رضي الله تعالى عنه فلقي ثلاثة عشر راكبا فرحب وقرب وقال: من القوم؟ قالوا: وفد عبد القيس. فيمكن أن يكون أحد المذكورين كان غير راكب أو مردونا. وأما ما رواه الدّلابي وغيره من طريق أبي خيرة- بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وبعد الراء هاء- الصّباحي- وهو بضم الصاد المهملة بعدها موحّدة خفيفة وبعد الألف حاء مهملة- قال: «كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم- من وفد عبد القيس- وكنّا أربعين راكبا» . فيمكن الجمع بينه وبين الرواية الأخرى، وبأن الثلاثة عشر كانوا رؤوس الوفد فلهذا كانوا ركبانا وكان الباقون أتباعا، ومنهم أخو الزارع، واسمه مطر، وابن أخته لم يسمّ، وجابر بن الحارث، وخزيمة بن عبد عمرو، وجارية بن جابر، وهمام بن ربيعة، ونوح بن مخلّد جدّ أبي جمرة. وإنما أطلت في هذا الفصل لقول صاحب المحرّر إنه لم يظفر بعد طول التّتبّع على غير ما ذكره، وما ذكره ابن سعد من أنهم عشرون مجمع عليه وليس ثلاثة عشر، فإن البقية أتباع. الثالث: قولهم: إلّا في شهر حرام، وفي لفظ: الشهر الحرام، والمراد به شهر رجب وكانت مضر تبالغ في تعظيمه ولذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة حيث قال: رجب مضر. والظاهر أنهم كانوا يخصّونه بمزيد التعظيم مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخر، ولذا ورد في بعض الروايات: الأشهر الحرم، وفي بعضها: إلّا في كل شهر حرام. الرابع: قال الحافظ: كيف قال آمركم بأربع؟ والمذكورة خمس. وقد أجاب عنه القاضي عياض تبعا لابن بطال: كان الأربع ما عدا أداء الخمس. قال: وكأنه أراد إعلامهم بقواعد الإيمان وفروض الأعيان، ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع لهم جهاد، لأنهم كانوا بصدد محاربة كفّار مضر، ولم يقصد إلى ذكرها بعينها لأنها مسبّبة عن الجهاد، ولكن الجهاد إذ ذاك كان فرض عين. قال: وكذلك لم يذكر الحجّ لأنه لم يكن فرض. ثم قال بعد أن ذكر غير ذلك، وما ذكره القاضي عياض رحمه الله تعالى المعتمد، والمراد شهادة ألا إله إلا الله، أي مع وأن محمدا رسول الله، كما صرح به في رواية عبّاد بن عبّاد في المواقيت. الخامس: قال الحافظ: إنما أخبرهم ببعض الأوامر لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنّة، فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال، ولم يقصد إعلامهم بجميع

الأحكام التي تجب عليهم فعلا وتركا، ويدلّ على ذلك اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية، مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ لكن اقتصر منها عليها لكثرة تعاطيهم لهذا. السادس: قوله: «وأنهاكم عن أربع» جوابا عن الأشربة من إطلاق المحلّ وإرادة الحال، أي ما في الحنتم ونحوه. قال الحافظ: وصرّح بالمراد في رواية النّسائي من طريق قرّة فقال: «وأنهاكم عن أربع ما ينبذ في الختم» . الحديث. السابع: سبب وفودهم أن منقذ بن حبّان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية، فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها. فبينا منقذ قاعد إذ مرّ به النبي صلى الله عليه وسلم، فنهض منقذ إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمنقذ بن حبان كيف جميع هيأتك وقومك؟» ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل، يسمّيهم بأسمائهم. فأسلم منقذ وتعلّم سورة الفاتحة واقرأ باسم ربك، ثم رحل قبل هجر. فكتب النبي صلى الله عليه وسلم معه إلى جماعة عبد القيس كتابا، فذهب به وكتمه أياما، ثم اطّلعت عليه امرأته وهي بنت المنذر بن عائذ- بالذال المعجمة- ابن الحارث، والمنذر هو الأشجّ سمّاه النبي به لأثر كان في وجهه. وكان منقذ رضي الله تعالى عنه يصلّي ويقرأ، فأنكرت امرأته ذلك، وذكرته لأبيها المنذر، فقالت: «أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب، إنه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة تعني القبلة، فيحني ظهره مرّة، ويضع جبينه مرّة، ذلك ديدنه منذ قدم» فتلاقيا فتجاريا ذلك. فوقع الإسلام في قلبه. ثم سار الأشجّ إلى قومه عصر ومحارب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه عليهم فوقع الإسلام في قلوبهم وأجمعوا على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار الوفد فلما دنوا من المدينة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجلسائه: «أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق [وفيهم الأشجّ العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين إذ لم يسلم قوم حتى وتروا] » . الثامن: في بيان غريب ما سبق:. الأشجّ: بهمزة فشين معجمة مفتوحتين فجيم. عبد القيس: بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة. ابن أفصى: بفتح الهمزة وبالفاء والصاد المهملة. ابن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وكانوا ينزلون البحرين: الخطّ والقطيف والسّفار والظّهران إلى الرّملة ما بين هجر إلى حد أطراف الدهناء.

الرّكاب: تقدم الكلام عليها غير مرّة. هرول: بهاء مفتوحة فراء ساكنة فواو فلام مفتوحتين: أي أسرع إسراعا بين المشي والعدو. العيبة: تقدم الكلام عليها. يستقى: بضم المثناة التحتية وسكون السين المهملة فمثناة فوقية فقاف. المسوك: بميم مضمومة فسين مهملة فواو فكاف جمع مسك وهو الجلد. الخلّة: بخاء معجمة مضمومة فلام مفتوحة فتاء تأنيث: الصداقة. الحلم: بحاء مهملة مكسورة فلام ساكنة فميم العقل. الأناة: بهمزة فنون مفتوحتين فألف فتاء تأنيث: التثبت وترك العجلة. جبلني: بجيم فموحدة فلام مفتوحات: خلقني. ثملت العروق: بمثلة مفتوحة فميم مكسورة فلام فمثناة فوقية: أي امتلأت. النّوط: بنون مضمومة فواو ساكنة فطاء مهملة: الجلّة الصغيرة التي يكون فيها التّمر. البرني: [بموحدة مفتوحة فراء ساكنة فنون مكسورة فمثناة تحتية: ضرب من. أنضوا: بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فضاد معجمة فواو] . الحيّ: اسم لمنزل القبيلة لأن بعضهم يحيا ببعض ربيعة: فيه التعبير بالبعض عن الكلّ لأنهم بعض ربيعة. مرحبا: منصوب بفعل مضمر أي صادفت رحبا بضم الراء أي سعة والرّحب بالفتح الشيء الواسع، وأوّل من قالها سيف بن ذي يزن. غير خزايا: نصب على الحال: وخزايا بخاء معجمة وزاي جمع خزيان وهو الذي أصابه خزي، والمعنى أنهم أسلموا طوعا من غير حرب أو شيء يخزيهم ويفضحهم، ولا ندامي: أصله نادمين جمع نادم لأن ندامى جمع ندمان خرج على الإتباع وحكى الفراء والجوهري وغيرهما من أهل اللغة أنه يقال نادم وندمان بمعنى فعلي هذا فهو على الأصل ولا إتباع فيه. الوازع: بواو فألف فزاي فعين مهملة. الشّقّة: بشين معجمة مضمومة فقاف مفتوحة مشدّدة فتاء تأنيث أي المسافة البعيدة، والسّفر الطويل أيضا. الدبّاء: بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة وبالمدّ: القرع.

الحنتم: بحاء مهملة مفتوحة فنون ساكنة ففوقية مفتوحة فميم: جرار خضر مطليّة الواحدة حنتمة. النّقير: بنون مفتوحة وقاف: أصل النخلة ينقر وينبذ فيه. المزفّت: بزاي وفاء مشددة ورعاء يطلى بالزّفت. المقيّر: بميم مضمومة فقال مفتوحة ومثناة تحتية مشددة مفتوحة وراء: طلي بالقير وهو نبت يحرق ويطلى به السّقاء وغيره كما يطلى بالزّفت. قال الحافظ: وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي بكرة قال عن أبي بكرة قال: «أما الدّئل فإن أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيخلطون فيه العنب حتى يهدر ثم يمرث، وأما الحنتم فجرار كانت تحمل إلينا فيها الخمر، وأما المزفت فهذه الأوعية التي طليت بالزفت» . انتهى. وتعبير الصحابي أولى أن يعتمد عليه من تعبير غيره فإنه أعلم بالمراد، ومعنى النّهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها لأنه يسرع إليها الإسكار، فربما شرب منها من لا يشعر بذلك. الجذع: بجيم فذال معجمة مفتوحتين فعين مهملة: الشاب. القطيعاء: بقاف مضمومة فطاء مهملة مفتوحة فتحتية فعين مهملة فألف نوع من النّمر صغار يقال له الشهريز بالشين المعجمة والمهملة وبضمهما وبكسرهما. هجر: بهاء فجيم فراء مفتوحات قرية من قرى المدينة تنسب إليها القلال الهجريّة، واسم بلد بالبحرين، وهو مذكّر مصروف. الأدم: بهمزة فدال مهملة مضمومتين جمع أديم وهو الجلد الذي تمّ دباغه. ثلاث: بتحتية مضمومة فلام مفتوحة فألف فمثلثة أي يلفّ الخيط على أفواهها ويربط به. وضبطه العبدري بالفوقية أي تلفّ الأسقية على أفواهها. الجرذان: بجيم مكسورة فراء ساكنة فذال معجمة: جمع جرذ كصرد نوع من الفأر وقيل الذّكر منه. جواثى: بجيم مضمومة فواو مفتوحة وبعدها ألف فثاء مثلثة: قرية بالبحرين.

الباب السادس والستون في وفود بني عبس إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس والستون في وفود بني عبس إليه صلى الله عليه وسلم قالوا: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رهط من بني عبس، وكانوا من المهاجرين الأولين:. 1- ميسرة بن مسروق. 2- الحارث بن الربيع وهو الكامل. 3- وقنان بن دارم. 4- بشر بن الحارث بن عبادة. 5- هدم بن مسعدة. 6- سباع بن زيد. 7- أبو الحصن بن لقمان. 8- عبد الله بن مالك. 9- وقرّة بن الحصين بن فضالة. فأسلموا فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال: «ابغوني رجلا يعشركم أعقد لكم لواء» ، فدخل طلحة بن عبيد الله التّيميّ فعقد لهم لواء وجعل شعارهم: يا عشرة. وروى ابن سعد عن عروة بن أذينة اللّيثي قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش أقبلت من الشام فبعث بني عبس في سريّة وعقد لهم لواء، فقالوا: يا رسول الله كيف تقسم غنيمة إن أصبناها ونحن تسعة؟ فقال: «أنا عاشركم» . وروى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قدم ثلاثة نفر من بني عبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: إنه قدم علينا قرّاؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له، ولنا أموال ومواش هي معاشنا فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتّقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئا ولو كنتم بصمد وجازان» وسألهم عن خالد بن سنان فقالوا: لا عقب له. فقال: «نبيّ ضيّعه قومه» . ثم أنشأ يحدّث أصحابه حديث خالد بن سنان [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. عبس: بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وبالسين المهملة. يلتكم: بفتح التحتية وكسر اللام وبالفوقية: ينقصكم. خالد بن سنان: تقدم له ذكر والمراد ليس بينه وبين عيس عليه السلام نبي مرسل. أنشأ: بهمزة آخره: ابتدأ.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 41 وانظر البداية والنهاية 5/ 88.

الباب السابع والستون في وفود عدي بن حاتم إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع والستون في وفود عدي بن حاتم إليه صلّى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه عن عباد بن حبيش، والبيهقي عن أبي عبيدة بن حذيفة عن رجل، والطبراني عن الشّعبي، والبيهقي عن علي، كلّهم عن عدي بن حاتم، والبيهقي عن ابن إسحاق واللفظ له. قال عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنّبوّة ولا أعلم أحدا من العرب كان أشدّ كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به منّي، أما أنا فكنت أمرأ شريفا وكنت نصرانيا، وكنت أسير في قومي بالمرباع، وكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته أشد ما كرهت شيئا، فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي: لا أبالك أعدد لي من إلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطيء هذه البلاد فآذنّي. ففعل. ثم إنه أتاني ذات غداة فقال: يا عديّ ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني رأيت رايات فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد، فقلت: قرب إليّ أجمالي، فقرّبها فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام، فسلكت الجوشيّة. وفي حديث أبي عبيدة رضي الله تعالى عنه: فخرجت إلى أقصى العرب مما يلي الروم، ثم كرهت مكاني أشد ما كرهت مكاني الأول. وعند ابن إسحاق قال عديّ: وخلّفت بنتا لحاتم في الحاضر. وفي حديث: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا عمّي وناسا. قال: فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيّء، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام. قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها، فمرّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة. وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه: لمّا أتي بسبايا طيّء وقفت جارية جمّاء حمراء، لعساء، ذلفاء، عيطاء، شمّاء الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خدلّجة السّاقين، لفّاء الفخذين، حميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين. قال: فلما رأيتها أعجبت بها وقلت: لأطلبنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في فيئي. فلما تكلّمت أنسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها. فقالت: يا محمد إن رأيت أن تخلّي عنا ولا تشمت بنا أحياء العرب فإني ابنة سيّد قومي، وإنّ أبي كان يحمي الذّمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضّيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحّمنا عليه خلّوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق» . وفي حديث ابن إسحاق: فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد فامنن عليّ من الله عليك. قال: «من وافدك؟» قالت: عدي بن حاتم. قال: «الفار من الله ورسوله» . قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني، حتى إذا كان من الغد مرّ بي فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس. قالت: حتى إذا كان الغد مرّ بي وقد يئست منه فأشار إلى رجل من خلفه أن قومي فكلّميه. قالت: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك. فقال صلى الله عليه وسلم: «قد فعلت فلا تعجلني بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلّغك إلى بلادك ثم آذنيني» . فسألت عن الرجل الذي أشار إليّ أن أكلّمه فقيل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة. قلت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام. قالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام. قال عديّ: فو الله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوّب إليّ تؤمّنا. قال: فقلت: ابنة حاتم قال: فإذا هي هي. قال: فلمّا وقفت عليّ انسلحت تقول: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك وتركت بقيّة والدك عورتك. قال: قلت: أي أخيّة لا تقولي إلا خيرا فو الله ما لي من عذر، لقد صنعت ما ذكرت. قال: ثم نزلت فأقامت عندي. فقلت لها، وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا، فإن يكن الرجل نبيّا فللسابق إليه فضله، فقد أتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه، وإن يكن ملكا فلن تذلّ في عزّ اليمن وأنت أنت. قال: قلت: والله إن هذا للرّأي. وفي حديث الشّعبي: قال: فلما بلغني ما يدعو إليه من الأخلاق الحسنة وما قد اجتمع إليه من الناس خرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده وعنده امرأة وصبيان أو صبيّ. وذكر قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر، فسلّمت عليه فقال: «من الرجل؟» فقلت: عدي بن حاتم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بي إلى بيته، فو الله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته، فوقف لها طويلا فكلّمته في حاجتها فقلت في نفسي: والله ما هذا بملك. قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوّة ليفا فقدمها إليّ فقال: «اجلس على هذه» . قال: قلت: يا رسول بل أنت فاجلس عليها، قال: «بل

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

أنت» فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض. فقال: «يا عديّ أخبرك ألا إله إلا الله، فهل من إله إلا الله؟ وأخبرك أن الله تعالى أكبر، فهل من شيء هو أكبر من الله عز وجل؟» ثم قال: «يا عديّ اسلم تسلم» . فقلت: إني على ديني. فقال: «أنا أعلم منك بدينك» . فقلت: أنت أعلم منّي بديني؟ قال: «نعم» يقولها ثلاثا. «ألست ركوسيّا؟» فقلت: بلى. قال: «ألست ترأس قومك؟» قلت: بلى. قال: «أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟» قلت: بلى والله، وعرفت أنه نبيّ مرسل يعلم ما يجهل. قال: «فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك» . ثم قال: «يا عديّ لعلّك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدّين أن رأيت خصاصة من عندنا، فو الله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلّة عددهم، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخالف» . وفي رواية قال: «هل رأيت الحيرة؟» قلت: لم أرها وقد علمت مكانها. قال: «فإن الظعينة سترحل من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار لا تخاف أحدا إلا الله عز وجل والذئب على غنمها» . قال: فقلت في نفسي فأين ذعار طيء الذين سعروا البلاد؟ قال: «فلعلّك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم والله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم» . وفي رواية: «فتفتحنّ عليهم كنوز كسرى بن هرمز» . قلت: كنوز كسرى بن هرمز. قال: «كنوز كسرى بن هرمز» . وفي رواية: «ولئن طالت بك حياة لتريّن الرجل يخرج بملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنّم وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم، فاتّقوا النار ولو بشقّ تمرة فإن لم تجدوا شقّ تمرة فبكلمة طيبة» . قال عدي رضي الله تعالى عنه: فأسلمت فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استبشر فقد رأيت الظعينة ترحل من الكوفة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله عز وجل، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي [بن أخزم بن أبي أخزم] بن ربيعة بن جرول- بفتح الجيم وسكون الراء- ابن ثعل- بضم الثاء المثلثة وفتح العين المهملة- ابن عمرو بن الغوث بن طيء الطائي، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان سنة تسع كما ذكره الماوردي في حاويه، شهد مع علي رضي الله تعالى عنه حروبه، مات

بالكوفة سنة تسع أو ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين أو مائة وثمانين. قال ابن قتيبة رحمه الله تعالى: «ولم يبق له عقب إلا من جهة ابنتيه [أسدة] وعمرة، وإنما عقب حاتم الطائي من ولده عبد الله بن حاتم» . المرباع: بكسر الميم وسكون الراء: ربع الغنيمة كان سادات الجاهلية يأخذونه. لا أبالك: بهمزة فموحدة مفتوحتين، أكثر ما يستعمل في المدح، وقد يذكر في معرض الذّم والتعجب، وبمعنى جدّ في أمرك وشمّر لأن من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام فيقال: أباك. ذللا: بضم الذال المعجمة واللام جمع ذلول بفتح الذال المعجمة فلامين بينهما واو من الذّل بكسر الذال المعجمة: اللّيّن ضد الصّعب. آذنّي: بمدّ الهمزة: أعلمني. ألحق: بفتح الهمزة والحاء المهملة مرفوع، فعل مضارع. خلّفت: بتشديد اللام. بنتا لحاتم: اسمها سفّانة بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف نون مفتوحة فتاء تأنيث. الحاضر: بالحاء المهملة والضاد المعجمة: الجماعة النزول على الماء. قدم بها: بضم القاف وكسر الدال المهملة: مبني للمفعول. فجعلت ابنة حاتم: بالبناء للمفعول. الحظيرة: بحاء مهملة وظاء معجمة مشالة: شيء يعمل للإبل من شجر ليقيها البرد والحر والريح. تحبس: بالبناء للمفعول. جزلة: بفتح الجيم وسكون الزاي: عاقلة. جمّاء: بجيم فميم مشددة مفتوحتين: التي لا قرن لها. حمراء: بحاء مهملة مفتوحة فميم ساكنة فراء: بيضاء. لعساء: بلام مفتوحة فعين مهملة ساكنة فسين مهملة فهمزة ممدودة: في لونها سواد ومشربة بالحمرة، ويقال أيضا لمن في شفتها سواد، وللرجل ألعس. ذلفاء: بذال معجمة مفتوحة فلام ساكنة ففاء فألف: من الذّلف وهو بالتحريك صغر الأنف واستواء الأرنبة وقيل ارتفاع في طرفه مع صغر أرنبته.

عيطاء: بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فطاء مهملة فهمز ممدود: أي طويلة العنق في اعتدال. شمّاء الأنف: بشين معجمة فميم فألف: أي مرتفعة قصبة الأنف مع استواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا. درماء الكفّين: بدال مهملة مفتوحة فراء ساكنة فميم فألف: لا حجم لعظامها. خدلّجة الساقين: بخاء معجمة فدال مهملة مفتوحتين فلام مشددة مفتوحة فجيم: متدانيتهما من السّمن. لفّاء الفخذين: بلام ففاء مشددة مفتوحتين فهمز ممدود: متدانيتهما من السّمن. خميصة الخصرين: بخاء معجمة مفتوحة فميم مكسورة فمثناة تحتية فصاد مهملة فتاء: أي ضامرتهما. ضامرة الكشحين: بضاد معجمة فألف فميم فراء فتاء تأنيث: أي قليلة لحمهما غير مرهّلة. مصقولة المتنين: بميم فصاد مهملة فقاف فواو فلام أي مضمرتهما. الدّمار: بدال مهملة فميم مفتوحتين فألف فراء: الهلاك. عاب الوافد: بالواو والفاء، قال في العيون: وقال بعض الناس لا معنى له إلا على وجه بعيد، ووجدت الوقار بفتح الواو وبالقاف، وهو ذكره في كتابه بالراء وهو أشبه. الفارّ: بتشديد الراء. وأشار إلى رجل من خلفه: هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. من بليّ: بوزن عليّ. الرّهط: ما دون العشرة من الرجال. الظّعينة: بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر العين المهملة المرأة، والراحلة التي يرحل عليها ويظعن أي يسار. تؤمنا: أي تقصدنا. ابنة حاتم: بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه ابنة حاتم. انسحلت: تقول إن كانت هذه اللفظة بالجيم فيقال أسجلت الكلام أي أرسلته، وإن

كانت بالحاء المهملة يقال انسحل الخطيب بالكلام إذا جرى به وركب مسحله إذا مضى في خطبته، قاله في الصحاح. وقال أبو ذر في الإملاء قال في النور: ينبغي أن يحرّر هذه اللفظة، والظاهر أنها بالجيم يقال سجلت الماء فانسجل أي صببته فانصبّ ويحتمل أن يكون من أسجلت الكلام إذا أرسلته. الرّكوسيّ: بفتح الراء وضم الكاف وتشديد التحتية نسبة إلى فرقة من النصارى والصابئين. ترأس: بفتح المثناة الفوقية وسكون الراء وهمزة فسين مهملة أي تصير رئيسا. خصاصة: بخاء معجمة وصادين مهملتين بينهما ألف: أي حاجة وفقر، وأصل الخصاس الخلل والفرج ومنه خصاص الأصابع وهي الفرج بينها. القاطع الظّالم: بالرفع أي أنت القاطع أنت الظّالم. عورتك: بالنّصب بدل من «بقيّة» ، وهو منصوب على أنه مفعول: «تركت» ، والعورة كل ما يستحى منه. وقول سفّانة أخته: «فإن لم يكن نبيا» ، قالته على سبيل العرض والتنزل لتحرّضه على مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنها قد أسلمت، ثم أطلقت. إيه إيه: اسم سمّي به تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه بكسر الهاء. قال ابن السّكّيت فإن وصلت نوّنت فقلت: إيه حدّثنا. قال الزجّاج رحمه الله: إذا قلت إيه يا رجل فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت: هات الحديث، وإن قلت إيه كأنك قلت هات حديثا إما لأن التنوين تنكير، قال في النور: والظاهر أن إيه في هذا المكان بالتنوين. قلت وكذلك هو في نسخ السّيرة. أجل: كنعم وزنا ومعنى. لم يجهل: بالبناء للمفعول. القادسيّة: بالقاف وبعد الألف دال فسين مكسورتين مهملتين فتحتية مشددة فتاء تأنيث: بينها وبين الكوفة نحو مرحلتين. الحيرة: بكسر الحاء المهملة: البلد القديم بظهر الكوفة ومحلّة معروفة بنيسابور. ذعار: بذال معجمة مضمومة فعين مهملة فألف فراء: الذين يفزعونهم. سعروا: بفتح السين والعين والمهملتين: أوقدوا. بابل: بموحدتين الثانية مكسورة. فتحت: بالبناء للمفعول وكذلك ما بعده [لتفتحن] .

الباب الثامن والستون في وفود بني عذرة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن والستون في وفود بني عذرة إليه صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر، وابن سعد رحمهما الله تعالى: قالوا: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر سنة تسع وفد بني عذرة اثنا عشر رجلا فيهم جمرة بن النعمان العذري، وسليم، وسعد ابنا مالك، ومالك بن أبي رباح، فنزلوا دار رملة بنت الحديث النّجّارية. ثم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلّموا بسلام أهل الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من القوم؟» فقال متكلمهم: من لا ننكر، نحن بنو عذرة إخوة قصي لأمه، [نحن الذين عضدوا قصيّا] وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر ولنا قرابات وأرحام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرحبا بكم وأهلا، ما أعرفني بكم فما يمنعكم من تحية الإسلام؟» قالوا: كنّا على ما كان عليه آباؤنا، فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولقومنا. وقالوا: إلام تدعو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وان تشهدوا أني رسول الله إلى الناس جميعا» أو قال: «كافّة» . فقال متكلمهم: فما وراء ذلك من الفرائض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وان تشهدوا الصلوات تحسن طهورهن وتصليهن إلى مواقيتهن فإنه أفضل العمل» . ثم ذكر لهم سائر الفرائض من الصيام والزكاة والحج. فقال المتكلم: الله أكبر، نشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله، قد أجبناك إلى ما دعوت إليه ونحن أعوانك وأنصارك، يا رسول الله إن متجرنا الشام وبه هرقل فهل أوحى إليك في أمره بشيء؟ فقال: «أبشروا فإن الشام ستفتح عليكم ويهرب هرقل إلى ممتنع بلاده» . ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن سؤال الكاهنة. فقد قالوا: يا رسول الله إن فينا امرأة كاهنة قريش والعرب يتحاكمون إليها فنسألها عن أمور. فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسألوها عن شيء» . فقال متكلمهم: الله أكبر، ثم سأله عن الذّبح الذي كانوا يذبحون في الجاهلية لأصنامهم. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها. وقال: «لا ذبيحة لغير الله عز وجل، ولا ذبيحة عليكم في سنتكم إلا واحدة» . قال: وما هي؟ قال: «الأضحيّة ضحية العاشر من ذي الحجة، تذبح شاة عنك وعن أهلك» . وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء من أمر دينهم فأجابهم فيها. وأقاموا أياما. ثم انصرفوا إلى أهليهم وأمر لهم بجوائز كما كان يجيز الوفد، وكسا أحدهم بردا. وروى ابن سعد رحمه الله تعالى عن مدلج بن المقداد بن زمل العذريّ وغيره قالوا: وفد زمل بن عمرو العذريّ على النبي صلى الله عليه وسلم فعقد له لواء على قومه وأنشأ يقول حين وفد على النبي صلى الله عليه وسلم: إليك رسول الله أعملت نصّها ... أكلّفها حزنا وقوزا من الرّمل لأنصر خير النّاس نصرا مؤزّرا ... وأعقد حبلا من حبالك في حبلي وأشهد إن الله لا شيء غيره ... أدين له ما أثقلت قدمي نعلي

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء: قبيلة من اليمن. جمرة بن النّعمان: بفتح الجيم والراء. قصيّ: بضم القاف وفتح الصاد المهملة وتشديد التحتية: وهو أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم. أزاحوا: بالزاي بعدها ألف وحاء مهملة وواو: أذهبوا. مرحبا بكم وأهلا: أتيتم سعة وأهلا فاستأنسوا ولا تستوحشوا. الذّبح: بكسر الذال المعجمة، ما يذبح مصدر بمعنى اسم المفعول. الحزن: بحاء مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فنون: المكان الغليظ الخشن. القوز: بقاف مفتوحة فواو ساكنة فزاي: العالي من الرّمل كأنه جبل.

الباب التاسع والستون في وفود بني عقيل بن كعب إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع والستون في وفود بني عقيل بن كعب إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] رحمه الله تعالى عن رجل من بني عقيل عن أشياخ قومه قالوا: وفد منا من بني عقيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيع بن معاوية بن خفاجة بن عمرو بن عقيل، ومطرّف بن عبد الله بن الأعلم بن عمرو بن ربيعة بن عقيل، وأنس بن قيس بن المنتفق بن عامر بن عقيل، فبايعوا وأسلموا، وبايعوه على من وراءهم من قومهم، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم العقيق، عقيق بني عقيل، وهي أرض فيها عيون ونخل، وكتب لهم بذلك كتابا في أديم أحمر: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيعا ومطرّفا وأنسا، أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا وأطاعوا» . ولم يعطهم حقّا لمسلم [وكان الكتاب في يد مطرّف] . قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حرب بن خويلد بن عامر بن عقيل فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وعرض عليه الإسلام. فقال: أما وأيم الله لقد لقيت الله أو لقيت من لقيه، وإنك لتقول قولا لا نحسن مثله، ولكني سوف أضرب بقداحي هذه على ما تدعوني إليه وعلى ديني الذي أنا عليه، وضرب بالقداح فخرج عليه سهم الكفر، ثم أعاده فخرج عليه ثلاث مرات. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هذا إلا ما ترى. ثم رجع إلى أخيه عقال بن خويلد، فقال له: قلّ خيسك هل لك في محمد بن عبد الله يدعو إلى دين الإسلام ويقرأ القرآن وقد أعطاني العقيق إن أنا أسلمت. فقال له عقال: أنا والله أخطّك أكثر ممّا يخطّك محمد. ثم ركب فرسه وجرّ رمحه على أسفل العقيق فأخذ أسفله وما فيه من عين. ثم إن عقالا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليه الإسلام، وجعل يقول له: «أتشهد أن محمدا رسول الله؟» فيقول: أشهد أن هبيرة بن المفاضة نعم الفارس، يوم قرني لبان. ثم قال: «أتشهد أن محمدا رسول الله؟» قال: أشهد أن الصّريح تحت الرّغوة. ثم قال له الثالثة: «أتشهد؟» قال: فشهد وأسلم. قال: وابن المفاضة هبيرة بن معاوية بن عبادة بن عقيل، ومعاوية هو فارس الهرّار، والهرّار اسم فرسه، ولبان اسم موضع. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. خفاجة: بخاء معجمة ففاء مفتوحتين فألف فجيم فتاء تأنيث. المنتفق: بميم مضمومة فنون ساكنة ففاء فمثناة فوقية فقاف.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 66- 67.

قل خيسك: بقاف مفتوحة فلام مشددة وخيسك بخاء معجمة مكسورة فتحتية ساكنة فسين مهملة: أي قلّ خيرك. أحظّك: بهمزة فحاء مهملة فظاء معجمة مشالة. الصّريح تحت الرّغوة: الصريح بصاد مهملة فراء فمثناة تحتية فحاء مهملة: اللّبن المحض الخالص، والرّغوة براء مضمومة فغين معجمة ما يعلو الّلبن من الزّبد، والله تعالى أعلم.

الباب السبعون في وفود عمرو بن معدي كرب الزبيدي إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السبعون في وفود عمرو بن معدي كرب الزبيدي إليه صلى الله عليه وسلم قدم عمرو بن معدي كرب في أناس من بني زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي- وقيس بن أخته- يا قيس إنك سيّد قومك، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبيّ فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيّا كما يقول فإنه لن يخفى عنك، إذا لقيناه اتّبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه. فأبي عليه قيس ذلك وسفّه رأيه، فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وصدّقه وآمن به فلما بلغ ذلك قيسا أوعد عمرا [وتحطّم عليه وقال خالفني وترك رأيي] فقال عمرو في ذلك شعراً أوّله: أمرتك يوم ذي صنعا ... ءأمرا باديا رشده قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: فأقام عمرو بن معدي كرب في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّ عمرو. قال ابن سعد: ثم رجع إلى الإسلام وأبلى يوم القادسية وغيرها. وذكر أبو عمرو من طريق ابن عبد الحكم قال: حدثنا الشافعي قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن وقال: «إذا اجتمعتما فعليّ الأمير، وإذا افترقتما فكل واحد منكما أمير» . فاجتمعا. وبلغ عمرو بن معدي كرب مكانهما، فأقبل في جماعة من قومه فلما دنا منهما قال: «دعوني حتى آتي هؤلاء القوم فإني لم أسمّ لأحد قط إلا هابني. فلما دنا منهما نادى: أنا أبو ثور أنا عمرو بن معدي كرب. فابتدره عليّ وخالد رضي الله تعالى عنهما، وكلاهما يقول لصاحبه: خلّني وإياه، ويفديه بأبيه وأمّه. فقال عمرو، إذ سمع قولهما: العرب تفزّع بي وأراني لهؤلاء جزرة. فانصرف عنهما. وكان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة، وكان شاعرا محسنا فمما يستجاد من شعره قوله: أعاذل عدتي يزني ورمحي ... وكلّ مقلّص سلس القياد أعاذل إنّما أفنى شبابي ... إجابتي الصّريخ إلى المنادي مع الإبطال حتى سلّ جسمي ... وأقرح عاتقي ثقل النّجاد ويبقى بعد حلم القوم حلمي ... ويفني قبل زاد القوم زادي تمنّى أن يلاقيني قييس ... وددت وأينما منّي ودادي فمن ذا عاذري من ذي سفاه ... يرود بنفسه شرّ المراد

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد يريد قيس بن مكشوح وأسلم قيس بعد ذلك، وله ذكر في الصحابة، وقيل كان إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شجاعا فارسا شاعرا وكان يناقض عمرا وهو القائل لعمرو: فلو لاقيتني لاقيت قرنا ... وودّعت الحبائب بالسّلام لعلّك موعدي ببني زبيد ... وما قامعت من تلك اللئام ومثلك قد قرنت له يديه ... إلى اللّحيين يمشي في الخطام تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. المكشوح: بفتح الميم وسكون الكاف وضم الشين المعجمة وبالواو والحاء المهملة. بنو زبيد: بضم الزاي وفتح الموحدة. لم أسمّ: بضم الهمزة وفتح السين المهملة وتشديد الميم المفتوحة، مجزوم حرّك بالفتح طلبا للخفّة. جزرة: بفتح الجيم وسكون الزاي وبالراء فتاء تأنيث وهي الشاة المسمّنة. يستجاد: بالبناء للمفعول. يزنيّ: أي برمح يزنيّ نسبة إلى ذي يزن، وفي بعض نسخ العيون بدني، قال في النور: ولعلها الصواب والبدن الدّرع. مقلّص: بكسر اللام المشددة وبالصاد المهملة: مشمّر طويل القوائم. قييس: تصغير قيس وهو ابن المكشوح. الوداد: بكسر الواو. حباءه: بكسر الحاء المهملة وبالموحدة، وبالمدّ: العطاء. عذيرك من فلان: بعين مهملة مفتوحة فذال معجمة فياء تحتية وفتح الراء: مفعول بفعل مقدّر أي هات من يعذرك، فعيل بمعنى فاعل. القرن: بكسر القاف وسكون الراء وبالنون كف الشخص في الشجاعة.

الباب الحادي والسبعون في وفود عنزة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والسبعون في وفود عنزة إليه صلى الله عليه وسلم عن سلمة بن سعد رضي الله تعالى عنه أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وجماعة من أهل بيته وولده فاستأذنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلوا فقال: «من هؤلاء؟» . فقيل له: هذا وفد عنزة. فقال: «بخ بخ بخ بخ» - أربعا- «نعم الحيّ عنزة، مبغيّ عليهم منصورون، مرحبا بقوم شعيب وأختان موسى، سل يا سلمة عن حاجتك» . قال: جئت أسألك عما افترضت عليّ في الإبل والغنم. فأخبره، ثم جلس عنده قريبا ثم استأذنه في الانصراف. فما عدا أن قام لينصرف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزق عنزة كفانا لا فوت ولا إسراف» . رواه الطبراني، والبزار، باختصار، وعنده: «اللهم ارزق عنزة لا فوت ولا سرف فيه» [ (1) ] . وعن حنظلة بن نعيم رضي الله تعالى عنه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر قومك عنزة ذات يوم فقال أصحابه: وما عنزة فأشار بيده نحو المشرق فقال: «حيّ ههنا مبغيّ عليهم منصورون» . رواه أبو يعلى برجال ثقات، والبزار، والطبراني والإمام أحمد رحمهم الله تعالى إلا أنه قال عن الغضبان بن حنظلة إن أباه وفد إلى عمر ولم يذكر حنظلة [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. عنزة: بفتحات: الحربة. بخ: بموحدة فخاء معجمة. كلمة عند المدح والرضا بالشيء وتكرّر للمبالغة وفيها لغات: إسكان الخاء وكسرها ومنوّنة وبغير تنوين، وبتشديدها وساكنا ومنوّنا واختار الخطّابي إذا كرّرت تنوين الأولى وتسكين الثانية. أختان: بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فمثنّاه فوقية فألف فنون: من قبل المرأة، والأحماء من قبل الرجل، والصّهر يجمعهما.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 54 وعزاه للطبراني والبزار. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 54 وعزاه لأبي يعلى في الكبير والبزار بنحوه باختصار عنه والطبراني في الأوسط وأحمد وقال: وأحد إسناده أبي يعلي رجاله ثقات كلهم.

الباب الثاني والسبعون في وفود رجل من عنس إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني والسبعون في وفود رجل من عنس إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] [قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، أخبرنا أبو زفر الكلبي] عن رجل من عنس بن مالك من مذحج قال: كان منا رجل وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه وهو يتعشّى فدعاه إلى العشاء، فجلس. فلما تعشّى أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؟» فقال: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. فقال: «أراغبا جئت أم راهبا؟» فقال: أمّا الرّغبة فو الله ما في يديك مال، وأمّا الرّهبة فو الله إني لببلد ما تبلغه جيوشك، ولكني خوّفت فخفت وقيل لي آمن بالله فآمنت. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم فقال: «ربّ خطيب من عنس» . فمكث يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يودّعه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخرج» وبتّته أي أعطاه شيئا، وقال: «إن أحسست شيئا فوائل إلى أدنى قرية» فخرج فوعك في بعض الطريق، فوأل إلى أدنى قرية فمات رحمه الله واسمه ربيعة. ورواه الطبراني عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رحمه الله، قال: إن ربيعة بن رواء العنسي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجده يتعشّى، الحديث. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. عنس: [بعين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فسين مهملة لقب زيد بن مالك بن أدد أبو قبيلة من اليمن ومخلاف عنس مضاف إليه وائل إلى أدنى قرية: [بواو فألف فهمزة مكسورة فلام ساكنة أي ألجأ] وقد [وأل] يئل فهو وائل أي التجأ إلى موضع ونجا] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 106.

الباب الثالث والسبعون في وفود غامد إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والسبعون في وفود غامد إليه صلى الله عليه وسلم قال في زاد المعاد: قال الواقديّ رحمه الله تعالى: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد غامد سنة عشر، وهم عشرة فنزلوا ببقيع الغرقد وهو يومئذ أثل وطرفاء ثم انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخلّفوا عند رحلهم أحدثهم سنّا، فنام عنه، وأتى سارق فسرق عيبة لأحدهم فيها أثواب له. وانتهى القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّموا عليه وأقرّوا له بالإسلام وكتب لهم كتابا فيه شرائع من شرائع الإسلام وقال لهم: «من خلّفتم في رحالكم؟» قالوا: أحدثنا سنّا يا رسول الله. قال: «فإنه قد نام عن متاعكم حتى أتى آت أخذ عيبة أحدكم» فقال رجل من القوم: يا رسول الله ما لأحد من القوم عيبة غيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقد أخذت وردّت إلى موضعها» . فخرج القوم سراعا حتى أتوا رواحلهم، فوجدوا صاحبهم فسألوه عما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فزعت من نومي ففقدت العيبة فقمت في طلبها، فإذا رجل قد كان قاعدا، فلما رآني صار يعدو منّي فانتهيت إلى حيث انتهى فإذا أثر حفر وإذا هو قد غيّب العيبة فاستخرجتها. فقالوا: نشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد أخبرنا بأخذها وأنها قد ردّت. فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه، وجاء الغلام الذي خلّفوه، فأسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه فعلّمهم قرآنا وأجازهم صلى الله عليه وسلم كما كان يجيز الوفود وانصرفوا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: غامد: بعين معجمة فألف فميم فدال مهملة. العيبة: تقدم تفسيرها. الباب الرابع والسبعون في وفود غافق إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] : قالوا: وفد جليحة بن شجّار بن صحار الغافقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من قومه فقالوا: يا رسول الله نحن الكواهل من قومنا، وقد أسلمنا وصدقاتنا محبوسة بأفنيتنا. فقال: «لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم» . فقال: عوذ بن سرير الغافقي: آمنّا بالله واتّبعنا رسوله. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: غافق: بغيم معجمة فألف ففاء فقاف.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 115.

الباب الخامس والسبعون في وفود غسان إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس والسبعون في وفود غسّان إليه صلى الله عليه وسلم قال في زاد المعاد: وقدم وفد غسّان على النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر، وهم ثلاثة نفر، فأسلموا وقالوا: لا ندري أيتّبعنا قومنا أم لا، وهم يحبّون بقاء ملكهم وقرب قيصر، فأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز وانصرفوا راجعين، فقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم وكتموا إسلامهم. حتى مات منهم رجلان على الإسلام وأدرك الثالث منهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عام اليرموك فلقي أبا عبيدة فأخبره بإسلامه، فكان يكرمه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. اليرموك: [واد بناحية الشام في طرف الغور يصبّ في نهر الأردن] . الباب السادس والسبعون في وفود فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان بإسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: وبعث فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء، وكان فروة عاملا لقيصر ملك الروم على من يليه من العرب، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام. فلما بلغ الروم ذلك من أمر إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه عندهم فقال في محبسه شعرا على قافية النون وهو ستة أبيات: طرقت سليمي موهنا أصحابي ... والرّوم بين الباب والقروان صدّ الخيال وساءه ما قد رأى ... وهممت أن أغفي وقد أبكاني لا تكحلنّ العين بعدي إثمدا ... سلمى ولا تدننّ للإتيان ولقد علمت أبا كبيشة أنني ... وسط الأعزة لا يحصّ لساني فلئن هلكت لتفقدنّ أخاكم ... ولئن بقيت لتعرفنّ مكاني ولقد جمعت أجلّ ما جمع الفتى ... من جودة وشجاعة وبيان فلما أجمعت الروم على صلبه على ماء لهم بفلسطين يقال له عفراء قال: ألا هل أتى سلمى بأنّ حليلها ... على ماء عفرى فوق إحدى الرّواحل على ناقة لم يضرب الفحل أمّها ... مشذّبة أطرافها بالمناجل فزعم الزّهريّ بن شهاب أنهم لما قدّموه ليقتلوه قال: أبلغ سراة المسلمين بأنّني ... سلم لربّي أعظمي ومقامي ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء، والله تعالى أعلم.

الباب السابع والسبعون في وفود فروة بن مسيك إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع والسبعون في وفود فروة بن مسيك إليه صلّى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر رحمهما الله تعالى: قدم فروة بن مسيك المراديّ رضي الله تعالى عنه وافدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا لملوك كندة ومتابعا للنبي صلى الله عليه وسلم وقال في ذلك: لما رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرّجل خان الرّجل عرق نسائها قرّبت راحلتي أؤمّ محمّدا ... أرجو فواضلها وحسن ثرائها ثم خرج حتى أتى المدينة، وكان رجلا له شرف، فأنزله سعد بن عبادة عليه ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فسلّم عليه ثم قال: يا رسول الله أنا لمن ورائي من قومي. قال: «أين نزلت يا فروة؟» قال: على سعد بن عبادة. وكان يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما جلس ويتعلّم القرآن وفرائض الإسلام وشرائعه. وكان بين مراد وهمدان قبيل الإسلام وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا حتى أثخنوهم في يوم يقال له يوم الرّدم. وكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك في ذلك اليوم. قال ابن هشام: الذي قاد همدان في ذلك اليوم بن حريم الهمداني. قال ابن إسحاق: فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فروة، هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم؟» قال: يا رسول الله، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوءه ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا» [ (1) ] . وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك: مررن على لفات وهنّ خوص ... ينازعن الأعنّة ينتحينا فإن نغلب فغلّابون قدما ... وأن نغلب فغير مغلّبينا وما إن طبّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا كذاك الدّهر دولته سجال ... تكرّ صروفه حينا فحينا فبينا ما نسرّ به ونرضى ... ولو لبست غضارته سنينا إذا انقلبت به كرّات دهر ... فألفيت الألى غبطوا طحينا فمن يغبط بريب الدّهر منهم ... يجد ريب الزمان له خؤونا فلو خلد الملوك إذا خلدنا ... ولو بقي الكرام إذا بقينا

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 5/ 71.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

فأفنى ذلكم سروات قومي ... كما أفنى القرون الأولينا واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة بن مسيك على مراد وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصّدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. فروة: بفاء مفتوحة فراء ساكنة فواو وفتاء تأنيث. مسيك: بضم الميم وفتح السين المهملة وسكون التحتية وبالكاف. النّساء: بفتح النون وبالسين المهملة، مقصور، وجاء مدّه في الشّعر، وأنكره بعضهم وربما صحّ في الحديث عرق النّساء، ويقول فروة بإن العرق أعمّ من نساء فهو من إضافة الشيء إلى محلّه وموضعه. أؤمّ محمدا: أي أقصده. أرجو فواضلها: يعني الرّاحلة. همدان: بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة: قبيلة معروفة. وأما همذان بفتح الهاء والميم وبذال معجمة: قبيلة معروفة بالعجم. وقال الأئمة الحفّاظ رحمهم الله: ليس في الصحابة ولا تابعيهم ولا أتباع التابعين أحد من هذه البلدة وأكثر المتأخرين منها. الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار منه والمراد به المبالغة في القتل. الّردم: بفتح الراء وسكون الدال المهملة وبالميم. الأجدع بن مالك بن حريم: حريم بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين كما ذكره الأمير والزمخشري وغيرهما وليس هو جدّ مسروق كما يذكره الوقشي وخطّأ من قال هو أبوه. وقول العيون: «قيل هو والد مسروق بن الأجدع» . وإنما قيل إنه جدّه، والجدأب. [كما ورد في القرآن] : وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي [يوسف 38] يا بَنِي آدَمَ [الأعراف 35] . ناشح: بنون وبعد الألف شين معجمة فحاء مهملة: جشم بن خيوان: خيوان بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية. بنو معمر: بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة. مثل ما أصاب: فاعل يصيب. لا يسؤه: بفتح التحتية فسين مهملة وهمزة مضمومة قبل الواو. زبيد: بضم الزاي: قبيلة معروفة. مذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبالجيم: قبيلة معروفة والله تعالى أعلم.

الباب الثامن والسبعون في وفود فزارة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن والسبعون في وفود فزارة إليه صلّى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] ، والبيهقي عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السّعدي رضي الله تعالى عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وكانت سنة تسع قدم عليه وفد بني فزارة، بضعة عشر رجلا، فيهم خارجة بن حصن، والحرّ بن قيس بن حصن وهو أصغرهم- وهم مسنتون- على ركاب عجاف، فجاءوا مقرّين بالإسلام. فنزلوا دار رملة بنت الحديث. وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحدهم: يا رسول الله، أسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابنا، وغرث عيالنا، فادع لنا ربّك يغيثنا، واشفع لنا إلى ربّك، وليشفع لنا ربّك إليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، ويلك، هذا أنا أشفع إلى ربي عز وجل فمن ذا الذي يشفع ربّنا إليه؟ لا إله إلا هو العليّ العظيم وسع كرسيّه السموات والأرض فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئطّ الرّحل الجديد» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل ليضحك من شففكم وأزلكم وقرب غياثكم» . فقال الأعرابي: يا رسول الله، ويضحك ربّنا عز وجل؟ فقال: «نعم» . فقال الأعرابي: لن نعدمك من ربّ يضحك خيرا. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، وصعد المنبر فتكلم بكلمات، وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء. فرفع يديه حتى رئي بياض إبطيه وكان مما حفظ من دعائه: «اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميّت، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا طبقا واسعا، عاجلا غير آجل، نافعا غير ضارّ، اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء» . فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله، التّمر في المربد، وفي لفظ المرابد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اسقنا» فعاد أبو لبابة لقوله، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعائه. فعاد أبو لبابة أيضا فقال: التمر في المربد يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسدّ ثعلب مربده بإزاره» . قالوا: ولا والله ما نرى السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل التّرس، فلما توسّطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا. وقام أبو لبابة عريانا يسدّ ثعلب مربده بإزاره لئلّا يخرج التمر منه. فجاء ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السّبل فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا،

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 143. وابن سعد في الطبقات 2/ 92. وانظر البداية والنهاية 6/ 105.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

اللهم على الآكام والظّراب وبطون الأودية ومنابت الشّجر فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثّوب» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. خارجة: بالخاء المعجمة وبعد الألف راء مكسورة فجيم. ابن حصن: بالحاء والصاد المهملتين وزن علم- ابن بدر. الحرّ: بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، ابن أخي عيينة، بالرفع بدل من الجر، وهو مرفوع على معطوف على المبتدأ قبله. مشتون: بميم مضمومة فشين معجمة فتاء أي دخلوا في الشتاء وقيل بسين مهملة ساكنة فنون مكسورة: مسنتون. عجاف: بكسر العين المهملة وتخفيف الجيم، والعجفاء هي التي بلغت في الهزال النهاية. رملة بنت الحارث بن ثعلبة. غرث: بفتح الغين المعجمة وكسر الراء وبالثاء المثلثة، يغرث بفتح الراء فهو غرثان إذا جاع، وقوم غرثى وغراثى وامرأة غرثى ونسوة غراث، والغرث بفتح أوله وثانية الجوع. انجابت: بفتح الجيم وبعد الألف موجدة. الجناب: ما قرب من محلّة القوم والجمع أجنبة يقال أخصب جناب القوم وفلان خصيب الجناب. يغيثنا: بفتح أوله من الغيث، أو بضمّ التحتية من الإغاثة والإجابة. شفعت: بفتح الفاء خلافا لمن أخطأ فكسرها. وسع كرسيّه السّموات والأرض: بسطت الكلام على الكرسيّ في كتاب: «الجواهر والنّفائس في تكبير كتاب العرائس» . بما يراجع منه. والصواب أن الكرسي غير العلم خلافا لمن زعم أنه العلم. تئطّ: بفتح الفوقية وكسر الهمزة وطاء مهملة مشددة، والأطيط صوت الرّحل والأقتاب، يعني أن الكرسي ليعجز عن حمله وعظمه، إذا كان معلوما أن أطيط الرّحل بالرّاكب إنما يكون لقوّة ما فوقه وعجزه عن احتماله، وهذا مثل لعظمة الله تعالى وجلاله، وإنما لم يكن أطيط

وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى، والرّحل بالحاء المهملة. شففكم: بفتح الشين المعجمة والفاء: اسم من الشّفّ، والشفف هنا أقصى ما وجدوه من الضيق. الأزل: بفتح الهمزة وسكون الزاي وباللام: الضيق، وقد أزل الرجل بفتح الزاي يأزل بكسرها أزلا بإسكانها صار في ضيق وجدب. لن نعدمك: بفتح النون وسكون العين وفتح الدال المهملتين. صعد: بكسر العين المهملة في الماضي وفتحها في المستقبل. وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلى آخره: قد بسطت الكلام على ذلك في كتابي: «جامع الخيرات في الأذكار والدعوات» . وخلاصة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الدعاء في الصحيحين أو أحدهما في نحو ثلاثين حديثا، وأجاب العلماء رحمهم الله تعالى بأن المراد لا يرفع يديه الرفع البالغ أو أن المراد لم يره رفع، أو أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الاستسقاء، يعني ظهور كفيه إلى السماء، كما في مسلم، فيكون الحديث لا يرفع هذا الرفع إلا في الاستسقاء. حتى رئى بياض إبطيه: بكسر الراء وفتح الهمزة، ورئي بضم الراء وكسر الهمزة وعليها فهو مبني للمفعول. الغيث: بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية فثاء مثلثة. اسق: يجوز فيه وصل الهمزة وقطعها أسق ثلاثي ورباعي، كذا ما بعده. الريّ: [بكسر الراء وفتحها وتشديد التحتية] . مريعا: بفتح الميم وكسر الراء وسكون التحتية وبالعين المهملة من الرّيع وهو الخصب وروي مربعا بضم الميم وسكون الراء وبالموحدة المكسورة وبالعين المهملة. [وروي] مرتعا بالمثناة الفوقية من رتعت الدّابّة إذا أكلت ما شاءت. طبقا: بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة وبالقاف أي مستوعبا للأرض منطبقا عليها. أبو لبابة: بضم اللام وفتح الموحدتين بينهما ألف. المربد: بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة وبالدال المهملة والجمع مرابد بفتح الميم، والمربد هو الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف كالبيدر للحنطة.

ثعلب: بلفظ اسم الحيوان المعروف، وهو مخرج ماء المطر من جرين التمر. القزعة: بفتح القاف والزاي: القطعة الرقيقة من السحاب. سلع: بفتح أوله وإسكان ثانيه: جبل بالمدينة. ما رأينا الشمس سبتا: قال في المطالع أي مدّة. قال قاسم بن ثابت: والناس يحملونه على انه من سبت إلى سبت، وإنما السّيف قطعة من الدهر. وقال في النهاية: قيل أراد أسبوعا من السبت إلى السبت فأطلق عليه اسم اليوم، وقيل أراد بالسبت مدة من الزمان قليلة كانت أو كثيرة. فجاء ذلك الرجل أو غيره: قال في النور إنه هو، وذلك لأن في الصحيح ما يؤيده ويرشد إلى أنه الرجل الأول، وقد سمّاه بعض حفّاظ هذا العصر خارجة بن حصن بن حذيفة، أخا عيينة بن حصن. الأكمة: تل وقيل شرفة كالرابية وهو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد وربما غلظ وربما لم يغلظ والجمع أكم وأكمات مثل قصبة [وقصب] وقصبات، وجمع الأكم إكام مثل جبل وجبال وجمع الإكام أكم بضمتين مثل كتاب وكتب، وجمع الألم آكام مثل عنق وأعناق. الظّراب: بكسر الظاء المعجمة المشالة جمع ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي الروابي الصغيرة. انجابت: انقطعت والجوب القطع.

الباب التاسع والسبعون في وفود بني قشير إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع والسبعون في وفود بني قُشير إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] عن علي بن محمد القرشيّ ورجل من بني عقيل قالا: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من بني قشير فيهم ثور بن عزرة بن عبد الله بن سلمة بن قشير فأسلم فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيعة وكتب له كتابا، ومنهم حيدة بن معاوية بن قشير، وذلك قبل حجة الوداع وبعد حنين، ومهم قرنة بن هبيرة بن سلمة الخير بن قشير، فأسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساه بردا وأمره أن يتصدّق على قومه أي يلي الصّدقة فقال قرّة حين رجع: حباها رسول الله إذ نزلت به ... وأمكنها من نائل غير منفد فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة ... وقد أنجحت حاجاتها من محمّد عليها فتى لا يردف الذّمّ رحله ... تروك الأمر العاجز المتردّد تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. قشير: بقاف مضمومة فشين معجمة مفتوحة فمثناة تحتية فراء. عزرة: [بعين مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فراء فتاء تأنيث] . حيدة: [بحاء مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فدال مهملة] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 67.

الباب الثمانون في وفود قيس بن عاصم إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثمانون في وفود قيس بن عاصم إليه صلّى الله عليه وسلم عن غالب بن أبجر [المزني] قال: ذكرت قيس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله قيسا» . قيل: يا رسول الله أنترحّم على قيس قال: «نعم إنه كان على دين أبينا إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، إن قيسا فرسان الله تعالى في الأرض، والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان ليس لهذا الدين ناصر غير قيس، إن قيسا خير الله تعالى في الأرض» [ (1) ] . يعني أسد الله. رواه الطبراني برجال ثقات والبزار. وروى الطبراني [ (2) ] بسند جيّد عن قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال: «هذا سيّد أهل الوبر» . فلما نزلت أتيته فجعلت أحدّثه، فقلت: يا رسول الله، ما المال الذي ليست عليّ فيه تبعة من ضيف ضافني أو عيال كثروا عليّ؟ قال: «نعم المال الأربعون، والأكثر الستّون، وويل لأصحاب المئين إلا من أعطى من رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها [ومنح غزيرتها] ونحر سمينها وأطعم القانع والمعترّ» . قال: يا رسول الله، ما أكرم هذه وأحسنها، إنه لا يحلّ بالوادي الذي أنا فيه لكثرة إبلي. فقال: «فكيف تصنع بالطّروقة؟» قال: قلت تغدو الإبل ويغدو الناس، فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به. قال: «فكيف تصنع في الإفقار؟ قلت: إني لأفقر النّاب المدبرة والضّرع الصغير. قال: «فكيف تصنع في المنيحة؟» قلت: إني لأمنح في كل سنة مائة. قال: «فمالك أحب إليك أم مال مواليك؟» قلت: لا، بل مالي. قال: «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وسائره لمواليك» . فقلت: والله لئن بقيت لأقلّنّ عددها. قال الحسن البصريّ رحمه الله تعالى: فعل والله، فلما حضرت قيسا الوفاء جمع بنيه فقال: يا بني خذوا عنّي فإنكم لن تأخذوا من أحد هو أنصح لكم مني. إذا أنا متّ فسوّدوا أكابركم ولا تسوّدوا أصاغركم فتسفهكم الناس وتهونوا عليهم وعليكم بإصلاح المال فإنه سعة للكريم ويستغنى به عن اللئيم، وإيّاكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء، وإذا أنا متّ فلا تنوحوا عليّ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه وقد سمعته ينهى عن النّياحة، وكفّوني في ثيابي التي كنت أصلّي فيها وأصوم وإذا دفنتموني فلا تدفنوني في موضع يطّلع عليه أحد، فإنه قد كان بيني وبين بني بكر بن وائل حماسات في الجاهلية فأخاف أن ينبشوني فيصيبون في ذلك ما

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 52 وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 18/ 339.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

يذهب فيه دينكم ودنياكم. قال الحسن رحمه الله تعالى: نصح لهم في الحياة ونصح لهم في الممات. تنبيه: في بيان غريب ما سبق. الوبر: بواو فموحدة مفتوحتين فراء: شعر الإبل، وأهل الوبر أهل البوادي لأن بيوتهم يتخذونها منه. رسلها: براء مكسورة فسين مهملة ساكنة فلام: الّلبن: والهينة والرّفق. نجدتها ورسلها: بنون فجيم فدال مهملة ففوقية أي الشدة والرخاء، يقول: يعطي وهي سمان حسان يشتدّ عليه إخراجها فتلك نجدتها، ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة، قاله في النهاية. والأحسن أن يكون المراد بالنّجدة: الشّدة والجدب، وبالرّسل الرّخاء والخصب، لأن الرّسل اللبن وإنما يكثر في حال الرّخاء والخصب فيكون المعنى أنه يخرج حق الله تعالى في حال الضّيق والسّعة، والجدب والخصب. أفقر ظهرها: بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فقاف فراء. القانع: بقاف ثم نون: هو السائل. المعتر: بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية: الذي يعتريك أي يلم بك لتعطيه ولا يسأل. الدبرة: بفتح الدال المهملة والموحدة وتسكن فراء مفتوحة فتاء تأنيث: الدولة والظفر والعزيمة ويقال على من الدبرة أي الهزيمة. سوّدوا: بسين مهملة فواو مكسورة مشددة فدال مهملة أي اجعلوه سيّدا. حماسات: بحاء مهملة مفتوحة فميم فألف فسين مهملة فتاء حماسة وهي الشدة والشجاعة.

الباب الحادي والثمانون في وفود بني كلاب إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والثمانون في وفود بني كلاب إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد في الطبقات [ (1) ] عن خارجة بن عبد الله بن كعب قال: قدم وفد بني كلاب في سنة تسع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ثلاثة عشر رجلا فيهم لبيد بن ربيعة، وجبّار بن سلمى فأنزلهم دار رملة بنت الحدث، وكان بين جبّار وكعب بن مالك خلّة، فبلغ كعبا قدومهم فرحّب بهم وأهدى لجبّار وأكرمه، وخرجوا مع كعب فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّموا عليه بسلام الإسلام، وقالوا: إن الضحّاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وبسنّتك التي أمرت بها، وإنه دعانا إلى الله فاستجبنا لله ولرسوله وإنه أخذ الصّدقة من أغنيائنا فردّها على فقرائنا. الباب الثاني والثمانون في وفود بني كلب إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (2) ] عن رجل من بني ماويّة من كلب عن أبي ليلى بن عطية الكلبي عن عمه قالا: قال عبد عمرو بن جبلة بن وائل بن الجلاح الكلبي: شخصت أنا وعاصم- رجل من بني رقاش من بني عامر- حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علينا الإسلام فأسلمنا وقال: «أنا النبي الأمّيّ الصادق الزّكيّ، والويل كلّ الويل لمن كذّبني وتولّى عنّي وقاتلني، والخير كلّ الخير لمن آواني ونصرني، وآمن بي وصدّق قولي، وجاهد معي» . قالا: فنحن نؤمن بك ونصدّق قولك، وأنشأ عبد عمرو ويقول: أجبت رسول الله إذ جاء بالهدى ... وأصبحت بعد الجحد بالله أوجرا وودّعت لذّات القداح وقد أرى ... بها سدكا عمري وللهو أهدرا وآمنت بالله العليّ مكانه ... وأصبحت للأوثان ما عشت منكرا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. أوجر: بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فجيم فراء، يقال وجرته بالسيف وجرا أي طعنته. قال في النهاية: والمعروف في الطّعن أوجرته الرّمح ولعله لغة فيه. القداح: بقاف مكسورة فدال مهملة فألف فحاء مهملة جمع قدح بكسرها أيضا وهو السّهم الذي كانوا يستقسمون به وهو المراد هنا وهو السّهم الذي يرمى به عن القوس. سدكا: بسين فدال مهملتين فكاف أي مولعا. أهدر: بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة فدال مهملة فراء: أي أبطل.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 64. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 98.

الباب الثاني والثمانون في وفود بني كنانة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني والثمانون في وفود بني كنانة إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد في الطبقات عن خالد الحذّاء عن أبي قلابة، في رجال آخرين من أهل العلم يزيد بعضهم على بعض فيما ذكروا من وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: وفد واثلة بن الأسقع الليثي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يتجهّز إلى تبوك فصلّى معه الصبح، فقال له: «ما أنت وما جاء بك وما حاجتك؟» فأخبره عن نسبه وقال: أتيتك لأؤمن بالله ورسوله، قال: «فبايع على ما أحببت وكرهت» ، فبايعه ورجع إلى أهله فأخبرهم، فقال له أبوه: والله لا أكلمك كلمة أبدا، وسمعت أخته كلامه فأسلمت وجهزته، فخرج راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده قد صار إلى تبوك، فقال: من يحملني عقبه وله سهمي؟ فحمله كعب بن عجرة حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد معه تبوك، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع خالد بن الوليد إلى أكيدر، فغنم فجاء بسهمه إلى كعب بن عجرة، فأبى أن يقبله وسوّغه إيّاه وقال: إنما حملتك لله. الباب الثالث والثمانون في وفود كندة إليه صلّى الله عليه وسلم منهم الأشعث بن قيس. قال في زاد المعاد: قال ابن إسحاق: حدثني الزّهري قال: قدم الأشعث بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين أو ستين راكبا من كندة، فدخلوا عليه مسجده، قد رجّلوا جممهم واكتحلوا ولبسوا جباب الحبرات مكثّفة بالحرير. فلما دخلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو لم تسلموا؟» قالوا: بلى. قال: «فما هذا الحرير في أعناقكم؟» فشقّوه ونزعوه وألقوه. ثم قال الأشعث بن قيس: يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «ناسب بهذا النّسب ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب» . قال الزهري وابن إسحاق: كانا تاجرين، وكانا إذا سارا في أرض العرب فسئلا: من أنتما؟ قالا: نحن بنو آكل المرار، يتعزّزان بذلك في العرب ويدفعان به عن نفسيهما لأن بني آكل المرار من كندة كانوا ملوكا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، بل نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا» . وفي المسند من حديث حماد بن سلمة، عن عقيل بن طلحة، عن مسلم بن مسلم عن الأشعث بن قيس قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد كندة ولا يرون إلا أنّي أفضلهم، قلت: يا رسول الله، ألستم منّا؟ قال: «لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا» . فكان الأشعث يقول: لا أوتى برجل نفى رجلاً من قريش من النضر بن كنانة

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

إلا جلدته الحدّ. وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، والحارث، والبارورديّ، ويسمّونه، وابن سعد، والطّبرانيّ في الكبير، وأبو نعيم، والضياء عن الأشعث بن قيس الكندي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في وفد كندة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من ولد؟» . قلت: غلام ولد مخرجي إليك من ابنة فلان ولوددت أن يشبع القوم. فقال: «لا تقولنّ ذا فإن فيهم قرّة عين وأجرا إذا قبضوا» . ثم قال: «إنهم لمجبنة مبخلة» [ (1) ] . وروى العسكري عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «ما فعلت بنت عمّك؟» قلت: نفست بغلام والله لوددت أن لي سبية. فقال: «إنهم لمجبنة مبخلة وإنهم لقرّة العين وثمرة الفؤاد» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. رجلوا: بالجيم أن سرّحوا ونظّفوا شعورهم. الجمم: جمع جمّة وهي من شعر الرأس ما سقط من المنكبين. الحبرة: بالحاء المهملة والموحدة وزن عنبة وهي من البرود وما كان موشّى مخطّطا يقال له حبرة، وبرد حبرة على الوصف والإضافة، وهو برد يمانيّ. كفّفوها بالحرير: أي جعلوا لكل جبّة كفّة من حرير وهي بضم الكاف وتشديد الفاء فتاء تأنيث وهي السّجاف. بنو آكل المرار: وهو الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية من كندة ولقب بذلك لأكله المرار هو وأصحابه، والمرار شجر معروف. وللنبي صلى الله عليه وسلم جدّة من كندة وهي أمّ كلاب بن مرة واسمها دعد بنت شريد بن ثعلبة بن الحارث الكندي، وقيل بل هي جدّة كلاب أمّ أمّه هند. لا نفقوا أمنا ولا ننتفي من أبينا: أي لا نتهمها ولا نقذفها وقيل معناه: لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمهات. القادسية: قرية قرب الكوفة [ (1) ] . جلولاء: بفتح الجيم وضم اللام وبالمد نهاوند: [بفتح أوله ورابعه مدينة عظيمة في قبلة همذان] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 158 وعزاه لأحمد والطبراني وقال: وفيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

الباب الرابع والثمانون في وفادة أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع والثمانون في وفادة أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي إليه صلى الله عليه وسلم روى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والطبراني عن لقيط بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: خرجت أنا وصاحبي نهيك بن عاصم [بن مالك بن المنتفق] حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في الناس خطيبا فقال: «يا أيها الناس، ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لتسمعوا الآن، ألا فهل من امرئ قد بعثه قومه؟» فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ثم رجل لعلّه أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه ضال، ألا وإني مسؤول هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا» . فجلس الناس، وقمت أنا وصاحبي، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك فقال: «لعمر الله» . وهزّ رأسه وعلم أني أبتغي سقطه، فقال: «ضنّ ربّك عز وجل بمفاتيح خمسة من الغيب لا يعلمها إلا الله» . وأشار بيده، فقلت: وما هي يا رسول الله؟ فقال: «علم المنية، قد علم متى منيّة أحدكم ولا تعلمونه، وعلم ما في غد، وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم المني حين يكون في الرّحم قد علمه ولا تعلمونه، وعلم الغيث يشرف عليكم آزلين مسنتين، فيظلّ يضحك قد علم أن غوثكم قريب» . قال لقيط: قلت: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا يا رسول الله قال: «وعلم يوم الساعة» . قلت: يا رسول الله، إني سائلك عن حاجتي فلا تعجلني، قال: «سل عمّا شئت» . قال: قلت يا رسول الله، علّمنا ممّا لا يعلم الناس وممّا تعلم فإنّا من قبيل لا يصدّقون تصديقنا أحدا، من مذحج التي تدنو إلينا، وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم تلبثون ما لبثتم، يتوفّى نبيّكم، ثم تبعث الصّائحة، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات، والملائكة الذين مع ربك، فيصبح ربّك عز وجل يطوف في الأرض قد خلت عليه البلاد، فيرسل ربّك السماء تهضب من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميّت إلا شقّت القبر عنه حتى تخلفه من قبل رأسه، فيستوي جالسا، فيقول ربّك: مهيم- لما كان فيه- فيقول: يا ربّ، أمس اليوم ولعهده بالحياة يحسبه حديث عهد بأهله» . فقلت: يا رسول الله، فكيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلي والسباع؟ فقال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، أشرقت على الأرض وهي مذرة بالية، فقلت لا تحيا هذه أبدا، ثم أرسل ربّك عليها فلم تلبث إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة، ولعمر إلهك لهو أقدر على

أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء، ومن مصارعكم فتنظرون إليه وينظر إليكم» . قال: قلت: يا رسول الله، كيف ونحن ملء الأرض وهو عز وجل شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه؟ قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله عز وجل: الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة [ولعمر إلهك أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم] لا تضارّون- وفي لفظ: لا تضامّون- في رؤيتهما» . قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال: «تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه أحد منكم قطرة، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة البيضاء. وأما الكافر فتنضحه أو قال: فتحطمه بمثل الحمم الأسود، ثم ينصرف نبيّكم ويتفرّق على أثره الصالحون فتسلكون جسرا من النار، فيطأ أحدكم الجمر فيقول: حسّ، فيقول ربّك عز وجل: أو إنّه ألا فتطلعون على حوض نبيّكم لا يظمأ والله ناهله قط فلعمرو إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهّره من الطّوف والبول والأذى، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا» . قال: قلت يا رسول الله، فبم نبصر يومئذ؟ قال: «بمثل بصرك ساعتك هذه وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض وواجهته الجبال» . قال: قلت: يا رسول الله، فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال: «الحسنة بعشر أمثالها، والسّيّئة بمثلها إلا أن يعفو» . قال: قلت: يا رسول الله، فما الجنة وما النار؟ قال: «لعمر إلهك إن النار لها سبعة أبواب، ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن للجنّة ثمانية أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما» . قال: قلت: يا رسول الله، فعلام نطّلع من الجنة؟ قال: «على أنهار من عسل مصفّى وأنهار من خمر ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة، ولعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه أزواج مطهّرة» . قال: قلت: يا رسول الله، أو لنا فيها أزواج أو منهنّ صالحات قال: «المصلحات للصالحين» ، وفي لفظ: «الصالحات للصالحين تلذّون بهن مثل لذّاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد» . قال لقيط: قلت: يا رسول الله، أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه. فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: يا رسول الله، علام أبايعك؟ قال: فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلّم يده وقال: «على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وزيال الشّرك فلا تشرك بالله إلها غيره» . قال: فقلت: يا رسول الله، وإن لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وظنّ أني أشترط عليه شيئا لا يعطينه.

تنبيهات

قال: قلت: نحلّ منها حيث شئنا ولا يجني على امرئ إلا نفسه؟ فبسط إليّ يده وقال: «ذلك لك، تحلّ حيث شئت ولا يجزي عنك إلا نفسك» . قال: فانصرفنا عنه. فقال: «ها إن ذين ها إن ذين، مرّتين، من أتقى الناس في الأولى والآخرة» . فقال له كعب بن الخداريّة، أحد بني بكر بن كلاب: من هم يا رسول الله؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك منهم» . قال: فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت: يا رسول الله، هل لأحد ممّن مضى من خير في جاهليتهم؟ فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار، قال: فلكأنّه وقع حرّ بين جلدة وجهي ولحمه مما قال لأبي، على رؤوس الناس، فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله، ثم إذا الأخرى أجمل، فقلت: يا رسول الله وأهلك. قال: «وأهلي لعمر الله حيث ما أتيت على قبر عامري أن قرشي أو دوسيّ قل أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسؤك تجرّ على وجهك وبطنك في النار» . قال: قلت: يا رسول الله وما فعل بهم ذلك؟ وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وكانوا يحسبون أنهم مصلحون. قال صلى الله عليه وسلم: «ذلك بأن الله تعالى بعث في آخر كل سبع أمم نبيا، فمن عصى نبيّه كان من الضالّين ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين» . رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والطبراني. وقال الحافظ أبو الحسن الهيثمي رحمه الله تعالى: أسنادها متصلة ورجالها ثقات. وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط. وقال في زاد المعاد: «هذا حديث كبير جليل تنادى جلالته وفخامته وعظمته على أنه خرج من مشكاة النّبوّة، رواه أئمة السّنّة في كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحد من رواته» . وسرد [ابن القيّم] من رواه من الأئمة، منهم البيهقي في كتاب البعث. تنبيهات الأول: قال في زاد المعاد: « قوله عليه الصلاة والسلام: «فيظلّ يضحك» ، هذا من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته كصفات ذاته، وقد وردت هذه القصة في أحاديث كثيرة لا سبيل إلى ردّها، كما لا سبيل إلى تشبيهها وتحريفها وكذلك قوله: «فأصبح ربّك يطوف في الأرض» ، هو من صفات أفعاله كقوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر 22] ، وقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام 158] . وينزل ربّنا كل ليلة إلى السماء الدنيا [ويدنو عشيّة عرفة فيباهي بأهل الموقف الملائكة] ، والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم، إثبات بلا تمثيل وتشبيه، وتنزيه بلا تحريف وتعطيل.

الثاني: قوله: «ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين مع ربّك» ، قال في زاد المعاد: لا أعلم موت الملائكة جاء في حديث صريح إلا في هذا الحديث، وحديث إسماعيل بن رافع الطويل وهو حديث الصّور، وقد يستدلّ عليه بقوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر 68] . الثالث: قوله: «فلعمر إلهك» ، هو قسم بحياة الله تعالى، وفيه دليل على جواز الإقسام بصفاته، وانعقاد اليمين بها وأنها قديمة وإنه يطلق عليه منها أسماء المصادر، ويوصف بها، وذلك قدر زائد على مجرّد الأسماء وأن الأسماء الحسنى مشتقّة من هذه المصادر دالة عليها. الرابع: في بيان غريب ما سبق: لقيط: بلام مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية ساكنة فطاء مهملة. نهيك: بفتح النون وكسر الهاء وسكون التحتية وكاف. السقط من القول بسين مهملة فقاف مفتوحتين فطاء مهملة: رديئة. ضنّ ربّك: بضاد معجمة فنون مفتوحتين أي لم يطّلع غيره عليها. يشرف عليكم: بتحتية مضمومة فشين معجمة ساكنة فراء مكسورة ففاء. آزلين: بهمزة مفتوحة فزاي مكسورة فلام فتحتية ساكنة فنون، من الأزل الشّدة والضيق. مشفقين: بميم مضمومة فشين معجمة ساكنة ففاء مكسورة فقاف فتحتية ساكنة فنون، أي خائفين من الإشفاق وهو الخوف. إن غوثكم قريب: بغين معجمة مفتوحة فواو ساكنة فثاء مثلثة: أي إعانتكم. خثعم: بخاء معجمة مفتوحة فمثلثة ساكنة فعين مهملة مفتوحة فميم. تهضب: بمثناة فوقية مفتوحة فهاء ساكنة فضاد معجمة مكسورة فموحدة: مطرت. تخلفه من قبل رأسه: بفتح المثناة الفوقية وسكون الخاء المعجمة فلام مضمومة ففاء، أي تبقى بعده، من الخلف بالتحريك والسكون وهو كل من يجيء بعد من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير وبالتسكين في الشّر. مهيم: بميم مفتوحة فهاء ساكنة فتحتية مفتوحة فميم، كلمة يمانية معناها ما الأمر وما الشأن؟.

أنبئك: بهمزة مضمومة فنون ساكنة فموحدة فهمزة: أخبرك. آلاء الله: بألف فهمزة فلام مفتوحتين فهمزة أي نعمه. مذرة: بميم مفتوحة فذال معجمة مكسورة فراء فتاء تأنيث، أي فاسدة بالية. شربة واحدة: قال القتيبي: إن كان بالسكون فإنه أراد أن الماء قد كثر فمن حيث أردت أن تشرب شربت. الأصواء: بالهمزة المفتوحة والصاد المهملة: القبور. لا تضامّون في رؤيتهما: بفتح المثناة الفوقية والضاد المعجمة فألف فميم فواو فنون. صفحاتكم: جمع صفحة وهي أحد جانبي الوجه، وهي بصاد مهملة ففاء فحاء مهملة مفتوحات جمع صفحة. ينضخ: بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فضاد معجمة فخاء معجمة: أي يرش قليلا من الماء. الرّيطة: براء مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فطاء مهملة فتاء تأنيث: كل ملاءة ليست بلفقين وقيل: كل ثوب رقيق ليّن. الحميم الأسود: دخان أسود. الجسر: الصّراط. حسّ: بحاء مكسورة فسين مشددة مهملتين: كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضّه وأحرقه غفلة كالجمرة والضّربة ونحوهما. فيقول ربّك عز وجل: أو إنه: [أي وإنّه كذلك أو إنه على ما تقول وقيل إن بمعنى نعم والهاء للوقف] .

الباب الخامس والثمانون في وفود محارب إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس والثمانون في وفود محارب إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] رحمه الله تعالى عن أبي وجرة السعدي قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر منهم سواء بن الحارث، وابنه خزيمة بن سواء، فأنزلوا دار رملة بنت الحدث، وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الظهر إلى العصر، فأسلموا وقالوا: نحن على من وراءنا، ولم يكن أحد في تلك المواسم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه فيها على القبائل يدعوهم إلى الله ولينصروه، أفظّ ولا أغلظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. وكان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمدّه النظر، فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال: كأنك يا رسول الله توهمني، قال: «لقد رأيتك» . قال المحاربي: أي والله لقد رأيتني وكلّمتني وكلّمتك بأقبح الكلام ورددت عليك بأقبح الرّدّ بعكاظ وأنت تطوف على الناس. فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم» فقال المحاربي [يا رسول الله ما كان في أصحابي أشدّ عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني] فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدّقت بك، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم. فقال صلى الله عليه وسلم: «أن هذه القلوب بيد الله عز وجل» . فقال: يا رسول الله، استغفر لي من مراجعتي إياك. فقال صلى الله عليه وسلم: «أن الإسلام يجبّ ما كان قبله من الكفر» . ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة بن سواء فكانت له غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد وانصرفوا إلى أهليهم. وروى ابن شاهين وأبو نعيم في معرفة الصحابة، وأبو بكر بن خلّاد النصيبي في الجزء الثاني من فوائده عن أبان المحاربي ويقال له أبان العبدي قال: «كنت في الوفد فرأيت بياض إبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع يديه يستقبل بهما القبلة» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. أغلظ العرب وأفظّه: بالظاء المعجمة المشالة هما بمعنى شدّة الخلق وخشونة الجانب. نائبين: بالنون في أوله من النيابة. توهمني: حذف منه إحدى التاءين أي تتوهّمني. رأيتك: بضم الفوقية. ورأيتني وكلّمتني: بفتح الفوقية فيهما على الخطاب. عكاظ: بعين مهملة مضمومة وكاف مخففة وبعد الألف ظاء معجمة مشالة. فأحمد الله: بفتح الهمزة والميم. يجبّ: بفتح التحتية وضم الجيم وتشديد الموحدة يقطع.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 436.

الباب السادس والثمانون في وفود مرة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس والثمانون في وفود مرة إليه صلّى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] رحمه الله تعالى عن أشياخ من بني مرة قالوا: قدم وفد بني مرّة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من تبوك سنة تسع وهم ثلاثة عشر رجلا رأسهم الحارث بن عوف، فقالوا: يا رسول الله، إنا قومك وعشيرتك، ونحن قوم من بني لؤي بن غالب ... فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «أين تركت أهلك؟» قال: بسلاح وما والاها. قال: «وكيف البلاد؟» قال: والله إنهم لمسنتون فادع الله لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اسقهم الغيث» . فأقاموا أياما ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مودّعين له، وأمر بلالا أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواق فضّة، وفضّل الحارث بن عوف فأعطاه اثنتي عشرة أوقية، ورجعوا إلى بلادهم فوجدوها قد أمطرت. فسألوا متى مطرتم؟ فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقدم عليه وهو يتجهز لحجة الوداع قادم منهم فقال: يا رسول الله، رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مصبوبة مطرا في ذلك اليوم الذي دعوت لنا فيه، ثم قلّدتنا أقلاد الزّرع في كل خمس عشرة [ليلة] مطرة جودا ولقد رأيت الإبل تأكل وهي بروك، وإن غنمنا ما توارى من أبياتنا فترجع فتقبل في أهلنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي هو صنع ذلك» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. مرّة: بميم مضمومة فراء مشددة فتاء تأنيث. الحارث: بحاء مهملة فألف فراء فمثلثة. ابن عوف: بعين مهملة فواو ففاء. سلاح: بسين مهملة مكسورة فلام فألف فحاء مهملة: ما أعددته للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به، والسّيف وحده يسمى سلاحا. وما والاها: يقال رباعيّا وثلاثيا. الأوقيّة: أربعون درهما جمعها أواقي بالتشديد والتخفيف. بروك: بموحدة فراء مضمومة فواو فكاف أي باركة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 63.

الباب السابع والثمانون في وفود مزينة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع والثمانون في وفود مزينة إليه صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد [ (1) ] ، والطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم عن النعمان بن مقرّن رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من مزينة وجهينة، فأمرنا بأمره، فقال القوم: يا رسول الله ما لنا من طعام نتزوّده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه: «زوّد القوم» . فقال: يا رسول الله ما عندي إلا فضلة من تمر وما أراها تغني عنهم شيئا. قال: «انطلق فزوّدهم» . فانطلق بنا إلى علّية فإذا تمر مثل البكر الأورق. فقال: خذوا. فأخذ القوم حاجتهم. قال: وكنت في آخر القوم فالتفتّ وما أفقد موضع تمرة، وقد احتمل منه أربعمائة وكأنّا لم نرزأه تمرة. وفي لفظ: فنظرت وما أفقد موضع تمرة من مكانها. وروى ابن سعد [ (2) ] عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة، وذلك في رجب سنة خمس فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة في دارهم وقال: «أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم» ، فرجعوا إلى بلادهم. وقال [ابن سعد: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي أخبرنا أبو مسكين وأبو عبد الرحمن العجلاني قالا] : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من مزينة منهم خزاعيّ بن عبد نهم، فبايعه على قومه مزينة، وقدم معه عشرة منهم، فيهم بلال بن الحارث، والنّعمان بن مقرّن، وأبو أسماء، وأسامة، وعبد الله بن بردة، وعبد الله بن درّة وبشر بن المحتفز، وكان منهم دكين ابن سعيد، وعمرو بن عوف. قال: وقال هشام في حديثه: ثم إن خزاعيّا خرج إلى قومه فلم يجدهم كما ظنّ، فأقام، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه فقال: «اذكر خزاعيا ولا تهجه» [ (3) ] فقال حسان بن ثابت: ألا أبلغ خزاعيّا رسولا ... بأنّ الذّمّ يغسله الوفاء وأنّك خير عثمان بن عمرو ... وأسناها إذا ذكر السّناء وبايعت الرّسول وكان خيرا ... إلى خير وأدّاك الثّراء

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 445. [ (2) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 38 وأحمد 4/ 55. [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 38.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

فما يعجزك أو ما لا تطقه ... من الأشياء لا تعجز عداء قال: وعداء بطنه الذي هو منه. قال: فقام خزاعيّ فقال: يا قوم، قد خصّكم شاعر الرجل، فأنشدكم الله. قالوا: فإنا لا ننبو عليك. قال: وأسلموا ووفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء مزينة يوم الفتح إلى خزاعيّ، وكانوا يومئذ ألف رجل وهو أخو المغفل أبي عبد الله بن المغفل، وأخو عبد الله ذي البجادين. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. البكر: بموحدة مفتوحة وكاف ساكنة فراء: الفتيّ من الإبل. الأورق: بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فراء فقاف هو الأسمر. نرزأه: بنون مفتوحة فراء ساكنة فزاي مفتوحة فهمزة فهاء أي ننقصه.

الباب الثامن والثمانون في وفود معاوية بن حيدة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن والثمانون في وفود معاوية بن حيدة إليه صلّى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد، والبيهقي [ (1) ] عن معاوية بن حيدة رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال: «أما إني سألت الله عز وجل إن يعينني عليكم بالسنة فتحفيكم وبالرعب أن يجعله في قلوبكم» . فقال معاوية بن حيدة بيديه جميعا: أما أنّي خلقت هكذا وهكذا، أي لا أؤمن بك ولا أتبعك، فما زالت السنة تحفيني، وما زال الرّعب يرعب في قلبي حتى وقفت بين يديك فبالله الذي أرسلك بماذا بعثك الله به عز وجل؟ قال: «بعثني بالإسلام» . قال: وما الإسلام؟ قال: «شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه» . قال: قلت: يا رسول الله، ما حقّ زوج أحد منّا عليه؟ قال: «يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبّح ولا تهجر إلا في المبيت» . وفي رواية: ما تقول: في نسائنا؟ قال: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة 223] . قال: فينظر أحدنا إلى عورة أخيه. قال: «لا» . قال: فإذا تفرّقا. قال: «فضمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى فخذيه على الأخرى، ثم قال: «ههنا تحشرون ههنا تحشرون ههنا تحشرون- ثلاثا- يعني الشام- ركبانا ومشاة وعلى وجوهكم موفون يوم القيامة سبعين أمّة، أنتم آخر الأمم وأكرمها على الله تعالى، وعلى أفواهكم الفدام، وأول ما يعرب عن أحدكم فخذه» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. حيدة: بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فدال مهملة فتاء تأنيث. تحفيكم: بفوقية مضمومة فحاء مهملة ساكنة ففاء فتحتية: تستأصلكم. الفدام: بفاء مكسورة فدال مهملة فألف فميم: ما يشدّ على فم الإبريق والكوز من خرقة لتصفية الشّراب الذي فيه، والمعنى أنهم يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم فشبّه ذلك بالفدام.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن 7/ 295 والدلائل 5/ 278 وأحمد في المسند 5/ 3.

الباب التاسع والثمانون في وفود مهرة إليه صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع والثمانون في وفود مهرة إليه صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد [ (1) ] رحمه الله تعالى: قالوا: قدم وفد مهرة عليهم مهريّ بن الأبيض فعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلموا ووصلهم وكتب لهم: «هذا كتاب من محمد رسول الله لمهري بن الأبيض على من آمن به من مهرة ألّا يؤكلوا ولا يعركوا وعليهم إقامة شرائع الإسلام، فمن بدّل فقد حارب، ومن آمن به فله ذمّة الله وذمة رسوله، الّلقطة مؤدّاة، والسّارحة مندّاة، والنّفث السّيّئة، والرّفث الفسوق» . وكتب محمد بن مسلمة الأنصاري. وروى ابن سعد عن معمر بن عمران المهري عن أبيه قال: وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مهرة يقال له زهير- وفي لفظ: ذهبن- ابن قرضم بن العجيل [ابن قثات] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيه ويكرمه لبعد مسافته، فلما أراد الانصراف بتّته وحمله، وكتب له كتابا فكتابه عندهم [إلى اليوم] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. مهرة: [بميم مفتوحة فهاء ساكنة فراء فتاء تأنيث] . لا يؤكلوا: أي لا يغار عليهم. ولا يعركوا: [من عركت الماشية النبات أكلته أي يؤكل نباتهم] . السّارحة: بسين مهملة مفتوحة فألف فراء فحاء مهملة فتاء تأنيث: الماشية تسرح إلى المرعى. مندّاة: [التّندية أن يورد الرجل الإبل والخيل فتشرب قليلا ثم يردّها إلى المرعى ساعة ثم تعاد إلى الماء] . زهير: [بضم الزاي وفتح الهاء فمثناة تحتية ساكنة فراء] . ذهبن: [بذال معجمة مفتوحة فهاء ساكنة فموحدة مفتوحة فنون] . قرضم: [بقاف مكسورة فراء ساكنة فضاد معجمة مكسورة فميم] . العجيل: [بضم العين المهملة وفتح الجيم فمثناة تحتية ساكنة فلام] .

_ [ (1) ] انظر الطبقات 2/ 117.

الباب التسعون في قدوم نافع بن زيد الحميري عليه زاده الله تعالى فضلا وشرفا لديه.

الباب التسعون في قدوم نافع بن زيد الحميري عليه زاده الله تعالى فضلاً وشرفاً لديه. ذكر ابن شاهين نافع بن زيد الحميري في الصحابة، وأخرج من طريق زكريا بن يحيى ابن سعيد الحميري عن إياس بن عمرو الحميري أن نافع بن زيد الحميري قدم وافدا على النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من حمير، فقالوا: أتيناك لنتفقّه في الدين ونسأل عن أول هذا الأمر، قال: «كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق القلم فقال: اكتب ما هو كائن، ثم خلق السموات والأرض وما بينهما، واستوى على عرشه» . الباب الحادي والتسعون في وفود علماء نجران إليه صلى الله عليه وسلم وشهادتهم له بأنه النبي الذي كانوا ينتظرونه وامتناع من امتنع عن ملاعنته. روى البيهقي عن يونس بن بكير [عن سلمة بن يسوع] عن أبيه عن جدّه- قال يونس وكان نصرانيا فأسلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه: طس [النمل 1] إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل 30] ، يعني النمل، «بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عباده العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام» . فلما أتي الأسقف الكتاب وقرأه قطع به وذعرا شديدا، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة، وكان من همدان. ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة إلا الأيهم وهو السيّد والعاقب. فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل وقرأه، فقال الأسقف: يا أبا مريم، ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما تؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل، ليس لي في النّبوّة رأي، ولو كان أمرا من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأي وجهدت لك. فقال له الأسقف: تنحّ فاجلس ناحية. فتنحّى شرحبيل فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير، فأقرأه الكتاب وسأله ما الرأي؟ فقال نحوا من قول شرحبيل بن وداعة. فقال له الأسقف: تنحّ فاجلس، فتنحّى فجلس ناحية. ثم بعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يدعى

جبّار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل بن وداعة، وعبد الله بن شرحبيل، فأمره الأسقف فجلس ناحية. فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به، ورفعت النيران السرج في الصوامع وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا نهارا فإن فزعوا بالليل ضربوا بالناقوس ورفعوا النيران في الصوامع. فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت السّرج أهل الوادي أملاه وأسفله، وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع، وفيه ثلاث وسبعون قرية، ومائة ألف مقاتل، فقرأ عليهم الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه. فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني، وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي، وجبّار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران، ستون راكبا، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم منهم العاقب وهو عبد المسيح والسّيّد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، وبنيه وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويحنس، منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمه عبد المسيح والسّيّد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم. وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم، وصاحب مدراسهم، وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرّفوه وموّلوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم. فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السّفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرّونها من حبرة وتختّموا بالذهب. وفي لفظ: دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده [في المدينة] حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات: جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب. فقال بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: ما رأينا وفدا مثلهم. وقد حازت صلاتهم. فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّون نحو المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم» . ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّموا عليه فلم يردّ عليهم السلام، وتصدّوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلّمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذّهب. فانطلقوا يتّبعون عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما وكانوا

يعرفونهما، فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا لهما: يا عثمان ويا عبد الرحمن، أن نبيّكما كتب إلينا كتابا فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلّمنا عليه فلم يردّ سلامنا، وتصدّينا لكلامه نهارا طويلا فأعيانا أن يكلّمنا فما الرأي منكما؟ أنعود إليه أم نرجع إلى بلادنا؟. فقالا لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وهو في القوم: ما الرأي في هؤلاء القوم يا أبا الحسن؟ فقال لهما: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إليه. ففعل وفد نجران ذلك ووضعوا حللهم ونزعوا خواتيمهم ولبسوا ثياب سفرهم ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّموا عليه فردّ عليهم سلامهم ثم قال: «والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وأن إبليس لمعهم» . ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم وفد نجران إلى الإسلام وما دار بينه وبينهم: روى الحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وابن سعد، وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وفد نجران إلى الإسلام فقال العاقب السيد، عبد المسيح، وأبو حارثة بن علقمة: قد أسلمنا يا محمد، فقال: «إنكما لم تسلما» . قالا: بلى قد أسلمنا قبلك. قال: «كذبتما، يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما: عبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير وزعمكما أن لله ولدا» . ثم سألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى، يسرّنا إن كنت نبيا أن نعلم قولك فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى» . وروى ابن جرير عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثبت بيني وبين أهل نجران حجاب فلا أراهم ولا يروني» ، من شدّة ما كانوا يمارون رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى. وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وابن سعد عن الأزرق بن قيس، وابن جرير عن السّدّي، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي جريج: أن نصارى نجران قالوا: يا محمد، فيم تشتم صاحبنا؟ قال: «من صاحبكم» ؟ قالوا: عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد. قال: «أجل إنه عبد الله وروحه وكلمته، ألقاها إلى مريم وروح منه» . فغضبوا وقالوا: لا ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره، فهل رأيت قط إنسانا خلق من غير أب؟. فأنزل الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة 17]

وأنزل الله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران 59] أي في كونه خلق من غير أب كمثل آدم خلقه من تراب يابس فجعله بشرا: لحما ودما ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ مثل عيسى عند الله كمثل آدم أي شأنه الغريب كشأن آدم عليهما السلام. خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ جملة مفسّرة للتمثيل لما له من الشّبه وهو أنه تعالى خلق آدم من تراب بلا أب ولا أمّ فشبّه حاله بما هو أغرب إفحاما للخصم وقطعا لمواد الشبهة، والمعنى خلق قالبه من تراب ثم قال له: كُنْ أي أنشأه بشرا سويا بقوله: كُنْ كقوله تعالى: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون 14] . ويجوز أن تكون «ثمّ» لتراخي الخبر لا المخبر فيكون حكاية حال ماضية. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [آل عمران 60] خبر محذوف أي الحقّ من الله عز وجل، فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لزيادة الثّبات أو لكل سامع. فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات فأبوا أن يقرأوا. وفي ذكر طلبه صلى الله عليه وسلم مباهلة أهل نجران بأمر الله تعالى وامتناعهم من ذلك قال الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران 61] أي جادلك من النصارى في عيسى من بعد ما جاءك من البيّنات الموجبة للعلم. فَقُلْ تَعالَوْا [آل عمران 61] هلمّوا بالرّأي والعزم نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران 61] أي يدع كلّ منا ومنكم نفسه وعزّة أهله وألصقهم بقلبه أي المباهلة، وإنما قدّم على النّفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم، ثم نتباهل أي يلعن الكاذب منّا، والبهلة بالضّمّ [والفتح] اللّعنة وأصله التّرك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار. ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [آل عمران 61] عطف فيه بيان. إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران 62] أي ما ذكره من شأن عيسى حقّ دون ما ذكروه وما بعده خبر، واللام لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر وأصلها أن تدخل على المبتدأ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران 62] صرّح فيه «بمن» المزيدة للاستقراء تأكيدا للرّدّ على النصارى في تثنيتهم. وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لا أحد يساويه في القدرة الثابتة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران 63] وعيد لهم وضع لهم موضع التميز ليدل على أن التّولّي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدّين والاعتقاد المؤدّي إلى فساد العلم. وروى الحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن جابر، وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والبيهقيّ عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جدّه والشيخ،

والترمذي، والنسائي عن حذيفة، وابن سعد عن الأزرق بن قيس، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم عن ابن عباس في الدلائل عن قتادة، وابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم عن الشعبي رضي الله تعالى عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآيات دعا وفد نجران إلى المباهلة فقال: «إن الله تعالى أمرني أن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم» . فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا. وفي حديث ابن عباس عن أبي نعيم في الدلائل: فقالوا: أخّرنا ثلاثة أيام، فخلا بعضهم إلى بعض وتصادقوا. فقال السيد العاقب: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبيّ مرسل ولئن لاعنتموه ليخسفنّ بأحد الفريقين إنه للاستئصال لكم، وما لا عن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم. وفي رواية: فقال شرحبيل: لئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلا عنّاه لا يبقى على وجه الأرض منّا شعر ولا ظفر إلا هلك. وفي رواية: لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، وفي رواية: لئن لاعنتموه ليخسفنّ بأحد الفريقين. قالوا: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا. فقال السّيّد: فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم. فلما انقضت المدة أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة، وله يومئذ عدة نسوة. فقال صلى الله عليه وسلم: «أن أنا دعوت فأمّنوا أنتم» . وروى مسلم، والترمذي، وابن المنذر، والحاكم في السنن عن سعد بن أبي وقّاص عن علي بن أحمر قالا: لما نزلت آية المباهلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي [ (1) ] » . انتهى. فتلقّى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك. فقال: «وما هو؟» فقال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فما حكمت فينا فهو جائز. وأبوا أن يلاعنوه. وروى عبد الرزاق، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال: لو باهل أهل نجران رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا. وروي عن الشعبي مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أراني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشّجر ولو تمّوا على الملاعنة» . وروي عن قتادة مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران، أن لو فعلوا لاستؤصلوا من الأرض» .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 4/ 1871 (32- 2404) .

ذكر مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران بعثه معهم أبا عبيدة:

ذكر مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران بعثه معهم أبا عبيدة: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلاعنهم حتى إذا كان من الغد كتب لهم هذا الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما كتب محمد النبي رسول الله لأهل نجران- إذا كان عليهم حكمه- في كل ثمرة وفي كل صفراء وبيضاء ورقيق فأفضل ذلك عليهم، وترك ذلك كله [لهم] على ألفي حلّة من حلل الأواقي في كل رجب ألف حلّة، وفي كل صفر ألف حلّة، مع كل حلّة أوقيّة من الفضّة، فما زادت على الخراج أو نقصت عن الأواقي فبالحساب، وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عروض أخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مؤنة رسلي ومتعتهم ما بين عشرين يوما فما دون ذلك، ولا تحبس رسلي فوق شهر. وعليهم عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا إذا كان كيد ومعرّة، وما هلك ممّا أعاروا رسلي من دروع أو خيل أو ركاب [أو عروض] فهو ضمين على رسلي حتى يؤدّوه إليهم. ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملّتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم [وصلواتهم] [وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير] وألا يغيّروا مما كانوا عليه بغير حق من حقوقهم ولا ملّتهم، ولا يغيّر أسقف عن أسقفيّته ولا راهب من رهبانيته، وليس عليهم دنيّة ولا دم جاهلية ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقا فبينهم النّصف غير ظالمين ولا مظلومين. [على ألا يأكلوا الربا] فمن أكل الربا من ذي قبل فذمّتي منه بريئة ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمّة النبي محمد رسول الله أبدا حتى يأتي الله بأمره ما نصحوا وأصلحوا ما عليهم غير مثقلين بظلم» . شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف النّصري، والأقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة بن شعبة. وفي لفظ: أن الأسقف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيد العاقب ووجوه قومه وأقاموا عنده يستمعون ما ينزل الله عز وجل فكتب للأسقف هذا الكتاب ولأساقفة نجران بعده يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول الله للأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وأهل بيعهم ورقيقهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغيّر أسقف من أسقفيته وراهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته، ولا يغيّر حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا مما كانوا عليه، لهم على ذلك جوار الله تعالى ورسوله أبدا، ما نصحوا وأصلحوا غير مثقلين بظلم ولا ظالمين» . وكتب المغيرة بن شعبة. فلما قبض الأسقف الكتاب استأذن في الانصراف إلى قومه ومن معه فأذن لهم فانصرفوا.

ذكر محاجة أهل نجران ويهود المدينة في إبراهيم وما نزل في ذلك من الآيات

وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن مسعود أن السيد العاقب وأبا الحارث بن علقمة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعناه، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فو الله لئن كان نبيا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. فقالا: يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأبعثنّ معكم رجلا أمينا حقّ أمين» فاستشرف لها أصحابه. فقال: «قم يا أبا عبيدة بن الجراح» . فلما قام قال: «هذا أمين هذه الأمة» . ورواه البخاري في صحيحه من حديث حذيفة بنحوه [ (1) ] . ذكر محاجّة أهل نجران ويهود المدينة في إبراهيم وما نزل في ذلك من الآيات قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصاري: ما كان إلا نصرانيا. فأنزل الله عز وجلّ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران 65- 68] . فقال رجل من الأحبار: أتريد منا يا محمد إن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ وقال رجل من نصارى نجران: أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني ولا أمرني» . فأنزل الله عز وجل في ذلك: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران 79- 80] . ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه وإقرارهم به على أنفسهم، فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب أخبار الآحاد (7254) .

ذكر رجوع وفد نجران إلى بلادهم وما وقع في ذلك من الآيات

رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران 81] . ذكر رجوع وفد نجران إلى بلادهم وما وقع في ذلك من الآيات ثم لما قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة. فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف فبينا هو يقرأه، وأبو علقمة معه، وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعس بشر غير أنه لا يكنّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الأسقف عند ذلك: قد والله تعست نبيا مرسلا. فقال له بشر: لا جرم والله لا أحلّ عقدا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثنى الأسقف ناقته عليه. فقال له: افهم عنّي إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يقولوا إنا أخذنا حقّه [أو رضينا بصورته] أو نجعنا بما لم تنجع به العرب، ونحن أعزّهم وأجمعهم دارا. فقال له بشر: لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا، فضرب بشر ناقته، وهو مولّي الأسقف ظهره وارتجز يقول: إليك تعدو قلقا وضينها ... معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النّصارى دينها حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك. قال: ودخل الوفد نجران فأتى الراهب ليث بن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته. فقال له: إن نبيّا بعث بتهامة، فذكر ما كان من وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبوا وإن بشر بن معاوية دفع إليه فأسلم. فقال الراهب: أنزلوني وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة. قال: فأنزلوه فانطلق الراهب بهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء والعقب والعصا. فأقام الراهب مدّة بعد ذلك يسمع الوحي والسنن والفرائض والحدود، ثم رجع إلى قومه ولم يقدّر له الإسلام ووعد أنه سيعود فلم يعد حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

الباب الثاني والتسعون في وفود النخع إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني والتسعون في وفود النّخع إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] عن أشياخ من النّخع قالوا: بعثت النخع رجلين منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وافدين بإسلامهم: أرطأة بن شراحيل بن كعب بن بني حارثة بن سعد بن مالك بن النّخع، والجهيش واسمه الأرقم من بني بكر بن عوف بن النّخع. فخرجها حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهما الإسلام فقبلاه وبايعاه على قومهما، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنهما وحسن هيئتهما، فقال: «هل خلّفتما وراء كما قومكما مثلكما؟» فقالا: يا رسول الله، قد خلّفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلا كلّهم أفضل منا، وكلّهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء ما يشاركوننا في الأمر إذا كان. فدعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقومهما بخير وقال: «اللهم بارك في النّخع» . وعقد لأرطأة لواء على قومه، فكان في يده يوم الفتح، وشهد به القادسية، فقتل يومئذ فأخذه أخوه دريد فقتل رحمهما الله فأخذه سيف بن الحارث من بني جذيمة فدخل به الكوفة. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحيّ من النّخع، أو قال: يثني عليهم، حتى تمنّيت أني رجل منهم. رواه الإمام أحمد برجال ثقات، والبزار والطبراني. قصة أخرى: قال محمد بن عمر الأسلمي: كان آخر من قدم من الوفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد النّخع، وقدموا من اليمن للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة، وهم مائتا رجل، فنزلوا دار رملة بنت الحدث ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرّين بالإسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن، فكان فيهم زرارة بن عمرو. قال: أخبرنا هشام بن محمد هو زرارة بن قيس ابن الحارث بن عديّ، وكان نصرانيا. وروى ابن شاهين من طريق أبي الحسن المدائني عن شيوخه، ومن طريق ابن الكلبي قال: حدثني رجل من جرم عن رجل منهم قال: وفد رجل من النخع يقال له زرارة بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رأيت في سفري هذا رؤيا هالتني، وفي رواية: رأيت عجبا. قال: «وما رأيت؟» قال: رأيت أتانا تركتها في الحيّ كأنها ولدت جديا أسفع أحوى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لك من أمة تركتها مصرّة حملا؟» قال: نعم تركت أمة لي أظنّها قد حملت قال: «فإنها قد ولدت غلاما وهو ابنك» . فقال: يا رسول الله، ما باله أسفع أحوى؟ قال: «ادن مني» فدنا منه. فقال: «هل بك برص تكتمه؟» قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّا

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 109.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

ما علم به أحد ولا اطّلع عليه غيرك. قال: «فهو ذلك» . قال: يا رسول الله، ورأيت النعمان بن المنذر وعليه قرطان ودملجان ومسكتان. قال: «ذلك ملك العرب عاد إلى أحسن زيّه وبهجته» . قال: يا رسول الله، ورأيت عجوزا شمطاء خرجت من الأرض قال: «تلك بقية الدنيا» . قال: ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له عمرو، ورأيتها. تقول: لظى لظى، بصير وأعمى، أطعموني آكلكم آكلكم، أهلككم وما لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تلك فتنة في آخر الزمان» . قال: وما الفتنة يا رسول الله؟ قال: «يقتل الناس إمامهم ثم يشتجرون اشتجار أطباق الرأس وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه- يحسب المسيء أنه محسن ودم المؤمن عند المؤمن أحلى من شرب الماء، إن مات ابنك أدركت الفتنة وإن متّ أنت أدركها ابنك» . فقال: يا رسول الله، ادع الله ألا أدركها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا يدركها» . فمات وبقي ابنه، وكان ممن خلع عثمان رضي الله تعالى عنه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. النّخع: بفتح النون والخاء المعجمة وبالعين المهملة. أرطاة: بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فطاء مهملة فألف فتاء تأنيث. الأتان: بفتح الهمزة ففوقية فألف فنون: الأنثى من الحمر. المسكة: بفتح الميم والسين المهملة والكاف فتاء تأنيث: السّوار والخلاخيل من الذّبل وهي قرون الأوعال قاله ابن سيده.

الباب الثالث والتسعون في وفود بني هلال بن عامر إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والتسعون في وفود بني هلال بن عامر إليه صلى الله عليه وسلم قالوا: وفد زياد بن عبد الله بن مالك على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل المدينة توجه إلى منزل ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت خالة زياد- أمّه عزّة بنت الحارث- وهو يومئذ شاب. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندها. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب فرجع فقالت: يا رسول الله هذا ابن أختي فدخل إليها ثم خرج حتى أتى المسجد ومعه زياد، فصلّى الظهر ثم أدنى زيادا فدعا له ووضع يده على رأسه ثم حدّرها على طرف أنفه فكانت بنو هلال تقول ما زلنا نعرف البركة في وجه زياد وقال الشاعر لعلي بن زياد: يا بن الذي مسح النبيّ برأسه ... ودعا له بالخير عند المسجد أعني زيادا لا أريد سواءه ... من غائر أو متهم أو منجد ما زال ذاك النّور في عرنينه ... حتى تبوأ بيته في الملحد وروى ابن سعد عن علي بن محمد القرشي قال: قالوا: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من بني هلال فيه عبد عوف بن أصرم بن عمرو، فسأله عن اسمه فأخبره فقال: «أنت عبد الله» ، فأسلم، ومنهم قبيصة بن المخارق قال: يا رسول الله، إني حملت عن قوي حمالة فأعنّي فيها قال: «هي لك في الصّدقة إذا جاءت» [ (1) ] . وروى مسلم عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله تعالى عنه قال: تحمّلت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: «أقم حتى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها» قال: ثم قال: «يا قبيصة إنّ المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالة فحلّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش- أو قال سدادا من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش- أو قال: سدادا من عيش- فما سواهنّ [من المسألة] يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. عزّة: بعين مهملة مفتوحة فزاي مشددة فتاء تأنيث. متهم: بميم مضمومة فمثناة فوقية ساكنة فهاء مكسورة فميم: يقال للذي أتى تهامة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 74. [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الزكاة (109) وأبو داود (1640) والنسائي 5/ 89.

غائر: [بغين معجمة فألف فهمزة مكسورة فراء يقال للذي أتى الغور] . منجد: بميم مضمومة فنون ساكنة فجيم مكسورة فدال مهملة: من أنجد أتى نجدا أو خرج إليه. العرنين: بعين مهملة مكسورة فراء ساكنة فنونين بينهما تحتية: العرنين الأنف وقيل رأسه. الملحد: [بميم مفتوحة فلام ساكنة فحاء مفتوحة فدال مهملتين: الملتجأ] . المخارق: [بميم مضمومة فخاء معجمة فألف فراء ساكنة فقاف] . الحمالة: حاء مهملة فميم مفتوحتين فألف فلام فتاء تأنيث: ما يتحمّله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة مثل أن يقع حرب بين فريقين يسفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل يتحمّل ديات القتلى ليصلح ذات البين، والتّحمّل أن يحملها عنهم على نفسه. الفاقة: بفاء فقاف مفتوحتين بينهم ألف وآخرها تاء تأنيث: الفقر. الحجى: بحاء مهملة مكسورة فجيم [فألف مقصورة] العقل لأنه يمنع الإنسان من الفساد ويحفظ من التّعرّض للهلاك. القوام من العيش: بقاف مكسورة فواو فألف فميم: ما يقوم بحاجته لضرورته. السّحت: بسين مضمومة فحاء ساكنة مهملتين وبضمّهما أيضا وآخره تاء مثناة فوقية: هو الحرام وقيل: الخبيث من المكاسب.

الباب الرابع والتسعون في وفود همدان إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع والتسعون في وفود همدان إليه صلى الله عليه وسلم قالوا: قدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم مقطّعات الحبرات مكفّفة بالديباج، وفيهم حمزة بن مالك من ذي مشعار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الحيّ همدان ما أسرعها إلى النّصر وأصبرها على الجهد ومنهم أبدال وأوتاد الإسلام» . فأسلموا وكتب لهم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا بمخلاف خارف، ويام، وشاكر، وأهل الهضب، وحقاف الرّمل من همدان لمن أسلم منهم [ (1) ] . وفي زاد المعاد: «وقدم عليه وفد همدان منهم مالك بن النّمط، ومالك بن أيفع، وضمام بن مالك، وعمرو بن مالك فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من تبوك وعليهم مقطّعات الحبرات والعمائم العدنية برحال الميس على الرواحل المهريّة والأرحبيّة، ومالك بن النّمط يرتجز بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إليك جاوزن سواد الرّيف ... في هبوات الصّيف والخريف مخطّمات بحبال اللّيف وذكروا له كلاما حسنا فصيحا، فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا أقطعهم فيه ما سألوه وأمّر عليهم مالك بن النّمط واستعمله على من أسلم من قومه، وأمره بقتال ثقيف وكان لا يخرج لهم سرح إلا أغاروا عليه. وقد روى البيهقي بإسناد صحيح من حديث ابن إسحاق عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام. قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام. فلم يجيبوه، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأمره أن يعقّب خالدا إلا رجلا ممّن كان مع خالد أحبّ أن يعقّب مع عليّ فليعقّب معه. قال البراء: فكنت فيمن عقّب مع عليّ. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا- فصلّى بنا عليّ ثم صفنا صفّا واحدا ثم تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا. فكتب. عليّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خرّ ساجدا ثم رفع رأسه فقال: «السلام على همدان السلام على همدان» . وأصل الحديث في صحيح البخاري [ (2) ] وهذا أصحّ مما تقدّم. ولم تكن همدان أن تقاتل ثقيفا ولا تغير على سرحهم فإن همدان باليمن وثقيفا بالطائف» . وقال ابن إسحاق: «فقام مالك بن نمط بين يديه فقال: يا رسول الله نصيّة من همدان

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 74 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 4/ 440 وذكره المتقي الهندي في الكنز (34030) . [ (2) ] أخرجه البيهقي في السنن 2/ 266 وفي الدلائل 5/ 369 وأصله في البخاري كتاب المغازي 7/ 663.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواح [متّصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائم من مخلاف خارف، ويام] وشاكر، أهل السّواد والقود، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا الآلهات والأنصاب، عهدهم لا ينقض [عن سنّة ما حل، ولا سوداء عنقفير] ما أقام لعلع، وما جرى اليعفور بصيلع» . فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمخلاف خارف، وأهل جناب الهضب، وحقاف الرّمل، مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط، ومن أسلم من قومه أن لهم فراعها ووهاطها وعزازها] ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون ظلافها، ويرعون عفاءها [لنا من دفئهم وصرامهم ما سلّموا بالميثاق والأمانة ولهم من الصّدقة الثّلب والتّاب والفصيل والفارض والدّاجن والكبش الحوريّ وعليهم فيها الصّالغ والقارح] لكم بذلك عهد الله وذمام رسوله، وشاهدكم المهاجرون والأنصار» فقال في ذلك مالك بن نمط: ذكرت رسول الله في فحمة الدّجى ... ونحن بأعلى رحرحان وصلدد وهنّ بنا خوص طلائع تغتلي ... بركبانها في لا حب متمدّد على كلّ فتلاء الذّراعين جسرة ... تمرّ بنا مرّ الهجف الخفيدد حلفت بربّ الرّاقصات إلى منى ... صوادر بالرّكبان من هضب قردد بأنّ رسول الله فينا مصدّق ... رسول أتى من عند ذي العرش مهتد فما حملت من ناقةٍ فوق رحلها ... أشد على أعدائه من محمّد وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه ... وأمضى بحدّ المشرفيّ المهنّد تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. همدان: بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة: قبيلة معروفة. وقال الأئمة الحفّاظ: ليس في الصحابة ولا تابعيهم ولا أتباع التابعين أحد من البلدة: [همذان] التي بفتح الميم وبالذال المعجمة. المقطّعات: ثياب قصار لأنها قطعت عن بلوغ التمام، وقيل المقطّع من الثياب كل ما يفصّل ويخاط من قميص وغيره وما لا يقطع منها كالأزر والأردية. الحبرات: بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة وبالراء جمع مصبغ باليمن. الدّيباج: بدال مهملة مكسورة الثياب المتّخذة من الإبريسم فارسي معرّب وقد تفتح داله. مشعار: بميم مكسورة وشين معجمة ساكنة وعين مهملة أو معجمة. مخلاف: بميم مكسورة فخاء معجمة ساكنة فلام فألف ففاء، من اليمن كالرّستاق في العراق.

خارف: بخاء معجمة مفتوحة فألف فراء ففاء: قبيلة. يام: بمثناة تحتية فألف فميم: بطن من همدان. شاكر: [بطن من ولد مالك بن زيد بن كهلان] . حفاف: الرّمل بحاء مهملة مكسورة ففاءين بينهما ألف من أسماء بلادهم. النّمط: بنون فميم مفتوحتين فطاء مهملة: نوع من البسط. الخارفي واليامي: نسبة إلى خارف ويام. الأرحبي: بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الحاء المهملة وبالموحدة نسبة إلى قبيلة من همدان. أيفع: بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة ففاء فعين مهملة. النّاعطي: بنون وبعد الألف عين مهملة مكسوة فطاء مهملة. السّلماني: بفتح السين المهملة وسكون اللام. عميرة: بفتح العين المهملة وكسر الميم فمثناة تحتية فراء فتاء تأنيث. العدنيّة: بفتح العين والدال المهملتين: نسبة إلى عدن البلد المشهور. الرّواحل: بفتح الراء وكسر الحاء المهملة وباللام جمع راحلة وهو البعير القويّ على الأحمال والأسفار والذي يختاره الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل فمركب، والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء في راحلة للمبالغة. المهريّة: بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الراء نسبة إلى مهرة. حيدان بن عمرو بن الحافي بن قضاعة: حيدان بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة وبعدها ألف ونون. الأرحبيّة: نسبة إلى أرحب بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الحاء المهملة وبالموحدة. يرتجز: أي يقول الرّجز وهو شعر على الصحيح. السّواد: هنا القرى الكثيرة الشّجر. الرّيف: براء مكسورة فتحتية ساكنة وآخره فاء: ما قارب الماء في أرض العرب وقيل هو الأرض التي فيه الزّرع والخصب وقيل غير ذلك. الهبوات: بفتح الهاء والموحدة: جمع هبوة وهي الغبرة. مخطّمات: جعل لها خطام وهي الجبال التي تشدّ في رؤوس الإبل وتميل أنوفها. ليف النّخل: معروف. سرح: بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السائم أي الراعي.

فحمة: بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة فميم مفتوحة فتاء تأنيث. الدّجى: بدال مهملة مضمومة وجيم مفتوحة فألف مقصورة: ظلمة الليل. رحرحان: براءين مفتوحتين بعد كل منهما حاء مهملات الحاء الأولى ساكنة: جبل بقرب عكاظ. صلدد: بصاد مهملة مفتوحة فلام ساكنة فدالين مهملتين وزن جعفر: موضع باليمن. خوص: بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالصاد المهملة. قلائص: بقاف فلام فهمزة مكسورة فصاد مهملة: جمع قلوص وهو من النّوق الشّابّة وهي بمنزلة الجارية من النساء. تغتلي: بغيم معجمة: تشتدّ في سرها، والاغتلاء الإسراع. اللّاحب: بتشديد اللام وكسر الحاء المهملة وبالموحدة، واللّحب الطريق الواضح، واللاحب مثله وهو الأعلم بمعنى مفعول أي ملحوب. الفتل: بفاء ففوقية مفتوحتين فلام: تباعد ما بين المرفقين عن جنبي البعير. الجسر: بفتح الجيم وسكون السين المهملة وراء، العظيم من الإبل وغيرها والأنثى جسرة، قاله الجوهري رحمه الله، وفي الإملاء الجسرة الناقة القوية على السّير. الهجفّ: بكسر الهاء وفتح الجيم وبالفاء المشددة، وهو كما في الصّحاح: الهجفّ من النّعام ومن الناس الجافي الثقيل. الخفيدد: بفتح الخاء المعجمة، والفاء وسكون التحتية فدالين مهملتين الأولى مفتوحة: الخفيف من الظّلمان. الرّاقصات: قال في الإملاء: هي الإبل ترقص في سيرها أي تتحرك، والرّقصان ضرب من المشي. صوادر: أي رواجع. الهضب: بفتح الهاء وسكون الضاد المعجمة وبالموحدة وهضبات جمع هضبة: الجبل المنبسط على وجه الأرض. قردد: بفتح القاف وسكون الراء فدالين مهملتين الأولى مفتوحة: هو المكان الغليظ المرتفع من الأرض. العرف: بضم العين المهملة وسكون الراء وبالفاء: ضدّ النّكر. المشرفي: بفتح الميم. المهنّد: بفتح النون المشددة. الظّليم: بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر اللام: الذّكر من النعام والجمع ظلمان.

الباب الخامس والتسعون في قدوم وائل بن حجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس والتسعون في قدوم وائل بن حجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى البخاري رحمه الله تعالى في التاريخ، والبزار، والطبراني [ (1) ] ، والبيهقي عن وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه قال: بلغنا ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في بلد عظيم ورفاهة عظيمة فرفضت ذلك، ورغبت إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قدمت عليه أخبرني أصحابه أنه بشّر بمقدمي عليهم قبل أن أقدم بثلاث ليال. قال الطبراني: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّمت عليه فردّ عليّ، وبسط لي رداءه وأجلسني عليه، ثم صعد منبره وأقعدني معه ورفع يديه وحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس إليه فقال لهم: «يا أيها الناس، هذا وائل بن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة، من حضر موت، طائعا غير مكره، راغبا في الله وفي رسوله وفي دين بيته، بقيّة أبناء الملوك» . فقلت: يا رسول الله، ما هو إلا أن بلغنا ظهورك، ونحن في ملك عظيم وطاعة، وأتيتك راغبا في دين الله. فقال: «صدقت» . وعن وائل بن حجر قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذا وائل بن حجر جاء حبا لله ولرسوله» وبسط يده وأجلسه وضمّه إليه وأصعده المنبر، وخطب الناس فقال: «ارفقوا به فإنه حديث عهد بالملك» . فقلت إن أهلي غلبوني على الذي لي فقال: «أنا أعطيكه وأعطيك ضعفه» . الحديث. وذكر ابن سعد، وأبو عمر رحمهما الله بأبسط من هذا، زاد أحدهما على الآخر. قال أبو عمر: هو وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل الحضرمي يكنى أبا [هنيدة، الحضرمي] وكان قيلا من أقيال حضر موت، وكان أبوه من ملوكهم، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال إنه بشّر به أصحابه قبل قدومه فقال: «يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضر موت طائعا راغبا في الله عز وجل وفي رسوله وهو بقية أبناء الملوك» . فلما دخل عليه رحب به وأدناه من نفسه على مقعده. وروى الطبراني، وأبو نعيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصعده إليه على المنبر، ودعا له، ومسح رأسه وقال: «اللهم بارك في وائل وولد ولده» [ (2) ] . ونودي: الصلاة جامعة، ليجتمع الناس سرورا بقدوم وائل بن حجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان أن ينزله منزلا بالحرّة فمشى معه، ووائل راكب، فقال له معاوية: أردفني خلفك [وشكا إليه حرّ

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 378 وعزاه للطبراني في الصغير والكبير وقال: وفيه محمد بن حجر وهو ضعيف. [ (2) ] ذكره ابن كثير في البداية 5/ 79.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

الرّمضاء] قال: لست من أرداف الملوك. قال: فألق إليّ نعليك. قال: لا، أني لم أكن لألبسهما وقد لبستهما. قال: إن الرّمضاء قد أحرقت قدميّ. قال: امش في ظلّ ناقتي، كفاك به شرفا. فلما أراد الشخوص إلى بلاده كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يأتي ذكره في مكاتباته صلى الله عليه وسلم. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. وائل بن حجر: [حجر بتقديم الحاء المهملة المضمومة على الجيم الساكنة فراء] . الرّمضاء: بفتح الراء وسكون الميم، الأرض الشديدة الحرارة من وقع الشمس عليها.

الباب السادس والتسعون في وفود واثلة بن الأسقع إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس والتسعون في وفود واثلة بن الأسقع إليه صلّى الله عليه وسلم روى ابن جرير عن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال: خرجت من أهلي أريد الإسلام فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فوقفت في آخر الصفوف وصلّيت بصلاتهم. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة انتهى إليّ وأنا في آخر الصلاة. فقال: «ما حاجتك؟» قلت: الإسلام. قال: «هو خير لك» ثم قال: «وتهاجر» قلت: نعم. قال: «هجرة البادي أو هجرة الباني؟» قلت: أيهما خير. قال: «هجرة الباني أن يثبت مع النبي وهجرة البادي أن يرجع إلى باديته» . وقال: «عليك بالطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك» قلت: نعم، فقدّم يده وقدّمت يدي. فلما رآني لا أستثني لنفسي شيئا، قال: «فما استطعت» . فقلت: فيما استطعت فضرب على يدي [ (1) ] . الباب السابع والتسعون في وفود الجن إليه صلى الله عليه وسلم قال الحافظ أبو نعيم رحمه الله تعالى: كان إسلام الجنّ ووفادتهم على النبي صلى الله عليه وسلم كوفادة الإنس فوجا بعد فوج وقبيلة بعد قبيلة بمكة وبعد الهجرة. وروى أبو نعيم من طريق عمرو بن غيلان الثّقفي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن أهل الصّفّة أخذ كل رجل منهم رجلا وتركت فأخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى إلى حجرة أم سلمة، ثم انطلق بي حتى أتينا بقيع الغرقد، فخطّ بعصاه خطّا ثم قال: «اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك» . ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه من خلال الشّجر، حتى إذا كان من حيث أراه ثارت مثل العجاجة السوداء، فقلت: ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أظن هذه هوازن مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه فأسعى إلى البيوت فأستغيث بالناس، فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني ألا أبرح مكاني الذي أنا فيه. فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعهم بعصاه ويقول: «اجلسوا» . فجلسوا حتى كاد ينشقّ عمود الصّبح ثم ثاروا وذهبوا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أولئك وفد الجنّ سألوني المتاع والزاد فمتّعهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة فلا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يومن أكل ولا روثة إلّا وجدوا عليها حبّها الذي كان يوم أكلت» [ (2) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 255 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. [ (2) ] انظر نصب الراية 1/ 145 تفسير ابن كثير 7/ 282.

قصة أخرى: روى أبو نعيم عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في مسجد المدينة فلما انصرف قال: «أيّكم يتبعني إلى وفد الجنّ الليلة؟» فخرجت معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها وأفضينا إلى أرض فإذا رجال طوال كأنهم الرماح مستثفرين ثيابهم من بين أرجلهم. فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة حتى ما تحملني رجلاي من الفرق، فلما دنونا منهم خطّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبهام رجله خطّا. فقال: «اقعد في وسطه» فلما جلست ذهب عني كل شيء كنت أجده من ريبة، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينهم، فتلا قرآنا وبقوا حتى طلع الفجر ثم أقبل. فقال: «الحقني» . فمشيت معه فمضينا غير بعيد فقال لي: «التفت وانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد؟» فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض عظما وروثة ثم رمى بهما وقال: «إنهم سألوا الزاد فقلت لهم لكم كل عظيم وروثة» [ (1) ] . قصة أخرى: روى الإمام أحمد والترمذي ومسلم عن علقمة قال: قلت لابن مسعود رضي الله تعالى عنه: هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم من أحد ليلة الجنّ؟ قلت: ما صحبه منا أحد ولكن فقدناه ذات ليلة فالتمسناه في الأودية وفي الشّعاب فقلنا: اغتيل؟ استطير؟ ما فعل؟ فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. فقلنا: يا رسول الله، فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم، فقال: «إنه أتاني داعي الجنّ فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن. قال: فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزّاد فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابّكم» ، قال: «فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجنّ» وقال الشعبي رحمه الله تعالى: وكانوا من جن الجزيرة. وفي رواية ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بت الليلة أقرأ على الجنّ واقفا بالحجون» [ (2) ] . وقوله أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم أصحّ مما رواه ابن جرير على الزهري قال: أخبرنا أبو عثمان بن سنّة- بفتح المهملة وتشديد النون- الخزاعي أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو بمكة: «من أحبّ منكم أن يحضر الليلة أثر الجنّ فليفعل» . فلم يحضر معهم أحد غيري. قال: فانطلقنا فإذا كنا بأعلى مكة خطّ لي برجله خطّأ ثم أمرني أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى إذا قام فافتتح القرآن

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 215 وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن ليس فيه غير بقية وقد صرح بالتحديث. [ (2) ] أخرجه الطبري في التفسير 26/ 21 وأحمد في المسند 1/ 416 وذكره ابن كثير في التفسير 7/ 275.

الباب الثامن والتسعون فيما روي عن اجتماع إلياس به إن صح الخبر، صلى الله عليه وسلم

[فجعلت أري أمثال النّسور تهوي وتمشي في رفرفها وسمعت لغطا وغمغمة حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم] . وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطّعون مثل قطع السحاب ذاهبين [ (1) ] . وقد تقدّم بأبسط من هذا في باب إسلام الجنّ في أوائل الكتاب قبيل أبواب المعراج والله أعلم. الباب الثامن والتسعون فيما روي عن اجتماع إلياس به إن صح الخبر، صلى الله عليه وسلم قال أنس- واللفظ للحاكم- قال لي إلياس: من أنت؟ قلت: أنا أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأين هو؟ قلت: هو يسمع كلامك. قال: «فأته فأقرئه مني السلام وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام» . قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا معه حتى إذا كنا قريبا منه تقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأخرت. فتحدثا طويلا. ولفظ الحاكم: «حتى جاءه فعانقه وسلّم عليه، ثم قعدا يتحدثان. فقال إلياس: «يا رسول الله، إني إنما آكل في السنة يوما، وهذا يوم فطري، فآكل أنا وأنت» . فنزل عليهم من السماء شبه السّفرة. قال ابن أبي الدنيا. فيها كمأة ورمّان وكرفس. وقال الحاكم: عليها خبز وحوت وكرفس. فأكلا وأطعماني وصلّيا، ثم ودّعه، وجاءت سحابة فاحتملته. وكنت انظر إلى بياض ثيابه تهوي به قبل الشام» . الحديث في سنده يزيد بن يزيد الموصلي التيمي [مولى لهم] . قال ابن الجوزي والذهبي إنه حديث باطل واتهما به يزيد. قال الذهبي: إنما استحى الحاكم من الله تعالى أن يصحح مثل هذا الحديث، وقال في تلخيص المستدرك: هذا موضوع، قبّح الله من وضعه وما كنت أحسب أن الجهل يبلغ بالحاكم أن يصحح مثل هذا، وهو مما افتراه يزيد الموصلي. قلت: كما أن البيهقي ذكره في الدلائل وقال: هذا الذي روي في هذا الحديث في قدرة الله جائز، وما خصّ الله به رسوله من المعجزات يثبته، إلا أن إسناد هذا الحديث ضعيف بما ذكرته ونبهت على حاله. ورواه ابن شاهين، وابن عساكر بسند فيه مجهول عن واثلة بن الأسقع أطول مما هنا وفيه ألفاظ منكرة. وعلى كل حال لم يصح في هذا الباب شيء. قال الشيخ في النكت البديعات: أخرجه الحاكم، والبيهقي في الدلائل وقال إنه ضعيف.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 503 وأبو نعيم في الدلائل (129) .

الباب التاسع والتسعون فيما ورد من اجتماع الخضر به إن صح الخبر، صلى الله عليه وسلم.

الباب التاسع والتسعون فيما ورد من اجتماع الخضر به إن صح الخبر، صلّى الله عليه وسلم. روى ابن عدي والبيهقي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، فسمع كلاما من ورائه فإذا هو بقائل يقول: اللهم أعنّي على ما تنجّيني مما خوّفتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك: «ألا يضمّ إليها أختها» فقال الرجل: اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوّقتهم إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس: «اذهب إليه فقل له: «يقول لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تستغفر له» . فجاءه أنس فبلّغه. فقال الرجل: يا أنس، أنت رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ؟ قال: نعم. قال: ذهب له إن الله عزّ وجلّ فضّلك على الأنبياء بمثل ما فضّل رمضان على سائر الشهور، وفضّل أمّتك على سائر الأمم بمثل ما فضّل يوم الجمعة على سائر الأيام، فذهب ينظر إليه فإذا هو الخضر عليه السلام [ (1) ] . وروى الدارقطني في الإفراد، والطبراني في الأوسط، وابن عساكر من ثلاث طرق عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: خرجت ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم أحمل الطهور فسمع [مناديا ينادي فقال لي: «يا أنس صه» فسكتّ، فاستمع فإذا هو] يقول: اللهم أعنّي على ما ينجّيني مما خوّفتني منه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [لو قال أختها معها» . فكأن الرجل لقّن ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوّقتهم إليه] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أنس دع الطهور وائت هذا فقل له: ادع لرسول الله أن يعينه على ما ابتعثه الله على ما ابتعته، وادع لأمّته أن يأخذوا ما آتاهم به نبيّهم من الحقّ» قال: فأتيته [فقلت: رحمك الله، ادع الله لرسول الله أن يعينه به وادع لأمّته أن يأخذوا ما آتاهم به نبيّهم من الحق. فقال لي: ومن أرسلك؟ فكرهت أن أخبره ولم أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت له: رحمك الله ما يضرّك من أرسلني؟ ادع بما قلت لك. قال: لا، أو تخبرني من أرسلك. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، أبي أن يدعو لك بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلني. فقال: «ارجع إليه فقل له أنا رسول الله» ] فرجعت إليه فقلت له فقال لي: «مرحبا برسول [رسول] الله إنا كنت أحقّ أن آتيه، اقرأ على رسول الله مني السلام وقل له: الخضر يقرأ عليك السلام ويقول لك: أن الله تعالى فضلك على النّبيّين كما فضّل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضّل أمّتك على الأمم كما فضّل يوم الجمعة على سائر الأيام» قال: فلما ولّيت سمعته يقول: «اللهم اجعلني من هذه الأمة المرشدة المرحومة المتاب عليها [ (2) ] » .

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في اللآلئ 1/ 164 ووضعه. [ (2) ] ذكره السيوطي في اللآلئ 1/ 85 وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 194.

قال الشيخ في النّكت البديعات: أورده البيهقي من طريق عمرو بن عوف المزني وقال فيه بشير بن جبلة عن أبيه عن جدّه، نسخة موضوعة، وعبد الله بن نافع متروك، ومن حديث أنس قال فيه الوّضّاح بن عبّاد الكوفي متكلّم فيه، قلت: حديث عمرو بن عوف أخرجه البيهقي في الدلائل وقال إنه ضعيف، وحديث أنس له طرق أخرى ليس فيها الوّضّاح بن عبّاد، وقال رياح [بن عبيدة] : رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز [معتمدا على يده فقلت في نفسي أن هذا الرجل جاف، فلما صلّى قلت: يا أبا حفص، من الرجل الذي كان معك معتمدا على يدك آنفا؟ «قال وقد رأيته يا رياح؟» قلت نعم. قال: «إني لأراك رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر، بشّرني أني سألي فأعدل» ] ، حديث [رياح] كالرّيح. قلت: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هذه القضية أصحّ ما ورد في بقاء الخضر عليه السلام.

الباب الموفي المائة فيما ورد من قدوم هامة بن أهيم بن لا قيس بن إبليس وإسلامه إن صح الخبر.

الباب الموفي المائة فيما ورد من قدوم هامة بن أهيم بن لا قيس بن إبليس وإسلامه إن صح الخبر. روى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد، والعقيلي في الضعفاء، وابن مردويه في الفسير من طريق أبي سلمة محمد بن عبد اللَّه الأنصاري أحد الضعفاء، عن محمد بن أبي معشر، عن عبد العزيز بن أبي بجير أحد المتروكين، ثلاثتهم عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر، رضي اللَّه تعالى عنهم، وأبو نعيم في الحلية من طريق ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، وأبي نعيم، والبيهقي معا في الدلائل، والمستغفري [في الصحابة وإسحاق بن إبراهيم] المنجنيقي من طريق أبي محصن الحكم بن عمار [عن الزهري عن سعيد بن المسيّب] قال: عمر بن الخطاب. وأخرجه الفاكهي في كتاب مكة من طريق عزيز الجريجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان على جبل من جبال تهامة خارج مكة إذ أقبل شيخ متوكّئ على عصا- وفي لفظ: بيده عصا- فسلم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فردّ عليه السلام، وقال: «نغمة الجنّ ومشيتهم» - وفي رواية: «جنّي ونغمته- من أنت؟» قال: أنا هامة بن الهيم بن لا قيس بن إبليس. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ليس بينك وبين إبليس إلا أبوان» قال: نعم. قال: «فكم أتى عليك الدهر؟» قال: قد أفنت الدنيا عمرها إلا قليلا. كنت ليالي قتل قابيل هابيل غلاما ابن أعوام، أفهم الكلام، وأمرّ على الآكام، وآمر بإفساد الطعام وقطيعة الأرحام وأ أرشّ بين الناس [وأغري بينهم] فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بئس لعمر اللَّه عمل الشيخ المتوسّم والفتى المتلوّم» . قال: دعني من اللّوم، فقد جرت توبتي على يدي نوح عليه السلام، وكنت معه فيمن آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني، وقال: لا جرم، إني على ذلك من النّادمين وأعوذ باللَّه أن أكون من الجاهلين. وفي رواية عمر: قلت: يا نوح، إني ممّن شرك في ذم السعيد الشهيد هابيل ابن آدم فهل تجد لي من توبة؟ قال: يا هام، همّ بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة، إني قرأت فيما أنزل اللَّه عزّ وجلّ على أنه ليس من عبد تاب إلى اللَّه بالغا ذنبه ما بلغ إلا تاب اللَّه عليه، قم فتوضّأ واسجد للَّه سجدتين. قال: ففعلت من ساعتي ما أمرني به، فناداني: ارفع رأسك فقد أنزلت توبتك من السماء. فخررت للَّه ساجدا. وكنت مع هود عليه السلام في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكي عليهم وأبكاني، فقال: لا جرم، إني على ذلك من النادمين وأعوذ باللَّه أن أكون من الجاهلين. وكنت أزور يعقوب، وكنت مع يوسف بالمكان المكين وكنت ألقى إلياس في الأودية

وأنا ألقاه الآن. وكنت مع إبراهيم خليل الرحمن لما ألقي في النار، فكنت بينه وبين المنجنيق حتى أخرجه اللَّه منه، ولقيت موسى بن عمران فعلّمني من التوراة وقال لي: إن أنت لقيت عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام. وكنت مع عيسى فقال: إن لقيت محمدا فأقرئه مني السلام، وأنا يا رسول اللَّه قد بلّغت وآمنت بك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «وعلى عيسى السلام» - وفي لفظ: - «وعليك يا هامة، ما حاجتك» فقال: موسى علّمني من التوراة، وعيسى علّمني من الإنجيل فعلّمني من القرآن فعلّمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سورة المرسلات وعمّ يتساءلون وإذا الشمس كوّرت والمعوذتين وقل هو اللَّه أحد وفي لفظ عمر رضي اللَّه تعالى عنه: إذا وقعت الواقعة. وفي رواية علّمه عشر سور. وفي لفظ عمر: «وعليك يا هامة بأدائك الأمانة» . قال: يا رسول اللَّه، افعل بي ما فعل موسى بن عمران فإنه علّمني من التوراة. فعلّمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: «ارفع إلينا حاجتك يا هامة ولا تدع زيارتنا» . وقال عمر بن الخطاب: فقبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم ينعه إلينا ولسنا ندري أحيّ هو أو ميّت. وقال البيهقي بعد أن رواه من طريق محمد بن أبي معشر عن أبيه أبي معشر: «روى عنه الكبار ألا إن أهل الحديث ضعّفوه» . قال: «وقد روي من وجه آخر أقوى منه» . وقال شيخنا رحمه اللَّه تعالى في الجامع الكبير: «طريق البيهقي أقواها وطريق العقيلي أوهاها» . وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق العقيلي فلم يصب وله شواهد من غريب أنس، وابن عباس وغيرهما تأتي في محلها. وقد بسط الكلام عليه في اللآلئ المصنوعة. وقال في النّكت البديعات: أورده من طريق عمر، وقال فيه إسحاق بن بشر الكاهلي كذّاب، وقال فيه محمد بن عبد اللَّه الأنصاري: لا يحتج به. قلت: أخرج البيهقي في الدلائل حديث عمر من وجه آخر ليس فيه إسحاق بن بشر الكاهلي، وقال عقبة في هذا الإسناد أبو معشر، روى عنه الكبار ألا إن أهل الحديث ضعّفوه. قال: وقد روي من وجه آخر أقوى منه، فأشار بذلك إلى طريق إسحاق، وله طريق ثالث عن عمر أخرجه أبو نعيم في الدلائل، ولحديث أنس طريق ثان ليس فيه أبو سلمة، أخرجه أبو نعيم. وبمجموع هذه الطرق يعلم أن الحديث ضعيف لا موضوع.

الباب الحادي والمائة في وفود السابع إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والمائة في وفود السابع إليه صلى اللَّه عليه وسلم روى أبو سعيد بن منصور، والبزار، وأبو يعلى، والبيهقي عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: جاء ذئب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأقعى بين يديه وجعل يبصبص بذنبه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا» . فقالوا: لا واللَّه يا رسول اللَّه، لا نجعل له من أموالنا شيئا. فقام إليه رجل من الناس، ورماه بحجر، فسار وله عواء [ (1) ] . وروى أبو نعيم، والبيهقي من طريق الزّهري عن حمزة بن أبي أسيد قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في جنازة رجل فإذا ذئب مفترشا ذراعيه على الطريق فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا معترض فافرضوا له» . قالوا: ما نرى يا رسول اللَّه. قال: «من كل سائمة شاة في كل عام» . قالوا: كثير فأشار إلى الذئب أن خالسهم، فانطلق الذئب. وروى ابن سعد، وأبو نعيم عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: بينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس بالمدينة في أصحابه إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعوى [بين يديه] فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا وافد السّباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه وتحرّرتم منه فما أخذ فهو رزقه» . فقالوا: يا رسول اللَّه، ما تطيب أنفسنا له بشيء. فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأصابعه أن خالسهم فولّى وله عسلان [ (2) ] . وروى الدارمي، وابن منيع في مسنده. وأبو نعيم من طريق شمر بن عطية عن رجل من مزينة أو جهينة قال: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الفجر، فإذا هو بقريب من مائة ذئب قد أقعين [وكانوا] وفود الذئاب فقال لهم رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: «هؤلاء وفود الذئاب سألتكم أن ترضخوا لهم شيئا من فضول طعامكم وتأمنوا على ما سوى ذلك» فشكوا إليه حاجة، قال: «فادنوهنّ» . فخرجن ولهم عواء. وروى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن سليمان بن يسار مرسلا قال: أشرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي الحرّة فإذا ذئب واقف بين يديه فقال: «هذا يسأل من كل سائمة شاة» . فأبوا فأومأ إليه بأصابعه، فولّى.

_ [ (1) ] انظر البداية والنهاية 6/ 166. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 86 وأبو نعيم في الدلائل (133) وانظر البداية والنهاية 5/ 95.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. أقعى: بهمزة مفتوحة فقاف ساكنة فعين مهملة وبالمدّ. هو إلصاق الألية بالأرض ونصب الساق والفخذ ووضع اليدين على الأرض. يبصبص: بتحتية مضمومة فموحدة مفتوحة فصادين مهملتين بينهما موحدة مكسورة أي يحرّك ذنبه. عواء: بعين مهملة مضمومة فواو وبالمدّ، أي صوت السّباع وكأنه بالذئب والكلب أخصّ. خالسهم: بخاء معجمة فألف فلام فسين مهملة. أي اذهب على غفلة. عسلان: بعين فسين مهملتين فلام مفتوحة فألف فنون وهو سرعة المشي. الحرّة: بحاء وراء مهملتين مفتوحتين هي أرض ذات حجارة سود، واللَّه أعلم. نجز الجزء الثاني يتلوه جماع أبواب صفاته المعنوية، والصلاة والسلام على خير البريّة محمد النبي الأمي صلى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين، آمين والحمد للَّه رب العالمين.

المجلد السابع

[المجلد السابع] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب صفاته المعنوية صلى الله عليه وسلم الباب الأول في وفور عقله صلى الله عليه وسلم قال وهب بن منبه رحمه الله تعالى: قرأت في واحد وسبعين كتاباً، فوجدت في جميعها: «أن الله تبارك وتعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وسلم إلّا حبّة رمل من بين جميع رمال الدنيا، وان محمدا صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا» . رواه الحكيم الترمذي وأبو نعيم، وابن عساكر رحمهم الله تعالى. وروى داود بن المحبر [ (1) ] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رفعه: «أفضل الناس أعقل الناس» ، قال ابن عباس: وذلك نبيك صلى الله عليه وسلّم. ونقل عن العوارف عن بعض الأكابر قال: اللّبّ، والعقل مائة جزء: تسعة وتسعون في النبي صلى الله عليه وسلم، وجزء في سائر الناس. قال القاضي رحمه الله تعالى: ومن تأمل تدبيره صلى الله عليه وسلّم أمر بواطن الخلق، وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلّم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة. ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرّأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة، والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه صلى الله عليه وسلّم. ومن تأمل حسن تدبيره للعرب الذين كالوحش الشارد، والطبع المتنافر المتباعد، كيف ساسهم؟ واحتمل جفاهم، وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم: آباءهم، وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم، وأحبابهم، من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلّم منها سنن الماضين، فتحقّق أنه صلى الله عليه وسلم أعقل الناس، ولما كان عقله صلى الله عليه وسلّم أوسع العقول لا جرم اتسعت أخلاق نفسه الكريمة اتساعا لا يضيق عن شيء.

_ [ (1) ] داود بن المحبر بن قحذم، أبو سليمان البصري صاحب العقل، وليته لم يصنّفه. روى عن شعبة، وهمام، وجماعة، وعن مقاتل بن سليمان. وعنه أبو أمية، والحارث بن أبي أسامة، وجماعة. قال أحمد: لا يدري ما الحديث. وقال ابن المديني: ذهب حديثه، وقال أبو زرعة وغيره: ضعيف. وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، غير ثقة. وقال الدارقطني: متروك. توفي سنة ست ومائتين. ميزان الاعتدال 2/ 20.

تنبيهات

تنبيهات الأول: العقل مصدر في الأصل مأخوذ من عقل البعير، وهو منعه بالعقال من القيام، أو مأخوذ من الحجر وهو المنع: قال تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر: 5] لأنه يعقل صاحبه، ويحجره عن الخطأ، وهو مع البلوغ مناط التكليف. الثاني: اختلف في محله، فالجمهور من المتكلمين والشافعية أنه في القلب. روى البخاري رحمه الله تعالى في الأدب والبيهقي في الشعب، بسند جيد، عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال، والنّفس في الرّئة [ (1) ] . وأكثر الأطباء والحنفية أنه في الدماغ، واستدل الأولون بقوله تعالى: فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها [الحج 46] وقال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق 37] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» [ (2) ] فجعل صلى الله عليه وسلّم صلاح الجسد وفساده تابعا للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد، ويجاب عن استدلال الأطباء أنه في الدماغ بأنه إذا فسد فسد العقل، بأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ، مع أن العقل ليس فيه، ولا امتناع في هذا. الثالث: اختلف في ماهيته فقيل: هو التثبت في الأمور لأنه يعقل صاحبه عن التورّط في المهالك، وقيل: هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان. وقال المحاسبي [ (3) ] رحمه الله تعالى: هو نور يفيد الإدراك، وذلك النور يقل، ويكثر، فإذا قوي منع ملاحقة الهوى. وقال إمام الحرمين رحمه الله تعالى: العقل علوم ضرورية، يعطيها حواس السمع والبصر، والنطق، أو لا يكون كسبها من الحواس. وقال صاحب القاموس العقل: العلم بصفات الأشياء من حسنها، وقبحها، وكمالها، ونقصانها، أو العلم بخير الخيرين وشرّ الشرين، أو يطلق لأمور لقوة بها يكون التمييز بين القبح والحسن، ولمعان مجتمعه في الذّهن، يكون بمقدمات تستتبّ بها الأغراض والمصالح، ولهيئة محمودة في الإنسان، في حركاته وسكناته، والحق أنه نور روحاني، به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (547) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 270. [ (3) ] الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي. أحد مشايخ الصوفية، وشيخ الجنيد إمام الطريقة، ويقال إنما سمي المحاسبي لكثرة محاسبته نفسه. مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين. انظر طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 59، 60.

الرابع: قال بعض العلماء رحمه الله تعالى: العقل أنواع:. الأول: غريزي: وهو في كل آدمي مؤمن وكافر. الثاني: كسبي: وهو الذي يكتسبه المرء من معاشرة العقلاء، ويحصل للكافر أيضا. الثالث: عطائي: وهو عقل المؤمن الذي اهتدى به للإيمان. الرابع: عقل الزّهاد، وذكر الفقهاء: لو أومئ لأعقل الناس صرف للزهاد. الخامس: شرفي: وهو عقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أشرف العقول. الخامس: اختلف في التفضيل بين العقل والعلم. قال الشيخ الإمام العلامة محيي الدين الكافيجي [ (1) ]- وهو بفتح الفاء-: التحقيق أن العلم أفضل باعتبار كونه أقرب منه بالإفضاء إلى معرفة الله تعالى وصفاته، والعقل أفضل باعتبار كونه أصلا ومنبعا للعلم انتهى. ما في شرح الأسماء. السادس: حديث أول ما خلق الله تعالى العقل، فقال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك، فبك آخذ، وبك أعطي» - رواه ابن عدي والعقيلي في الضعفاء عن أبي أمامة وأبو نعيم عن عائشة، قلت: وهو من الأحاديث الواهية الضعيفة وقد بينته. السابع: في بيان غريب ما سبق. اللّبّ: بضم اللام وتشديد الموحدة: هو العقل السليم من شوائب الوهم. الثّقوب: قوة الإدراك للطائف العلوم، ومهمات الأمور، وملمات الأحوال، كأنه يثقبها كما يثقب النجم الظلام بقوة ضوئه. الفطنة: تهيؤ قوة النفس لتصوّر ما يرد عليها من المعاني. السياسة: الملك للناس بقرائن العقل، ولهجته الصدق، ونهج الحق في القيام عليهم بما يصلحهم. الرّذائل: الأفعال الرديئة، وتجنبها بمخالفة الهوى، والميل إلى منهج الهدى.

_ [ (1) ] محمد بن سليمان بن سعيد بن مسعود المحيوي أبو عبد الله الرومي الحنفي ويعرف الكافياجي. وتوفي صبيحة يوم الجمعة رابع جمادى الثانية. انظر ترجمته في الضوء اللّامع 7/ 259.

الباب الثاني في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ن 4] وروى ابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب المفرد، ومسلم والترمذي والنسائي، وابن المنذر، والحاكم، والبيهقي، وابن مردويه عن يزيد بن بابنوس- وهو بموحدتين، بينهما ألف، ثم نون مضمومة، وواو ساكنة، وسين مهملة- أن عائشة رضي الله تعالى عنها لما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم» ، وفي لفظ: «كأن أحسن الناس خلقاً كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، لم يكن فاحشا ولا متفاحشا ولا سخّابا في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح» ، ثم قالت: اقرأ سورة المؤمنين اقرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون 1] إلى العشر، فقرأ السائل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن المبارك وعبد الله بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في الدلائل عن عطية العوفي: في الآية مثال على أدب القرآن. وروى الإمام أحمد والخرائطي، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق [ (1) ] » رواه الإمام مالك عنه بلفظ: بعثت لأتمّ حسن الأخلاق» ورواه البزّار بلفظ بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» . وروى ابن سعد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي [ (2) ] » . وروى البزار عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى لم يبعثني متعنّتا ولكن بعثني معلّما وميسرا [ (3) ] » . وروى الشّعبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى [ (4) ] » ، وفي رواية مسلم

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 381 والبخاري في الأدب المفرد (273) وابن أبي شيبة 11/ 500 وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 128 وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 191. وذكره المتقي الهندي في الكنز (31996) . [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 98 وابن السني (160) . [ (3) ] أخرجه مسلم من حديث جابر 2/ 1104 (29/ 1478) والبيهقي 7/ 38 وذكره المتقي الهندي في الكنز (31989، 32092) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 250 (4785) .

قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا بيده، ولا ضرب مولى له، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى، وما نيل منه شيء فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله تعالى [ (1) ] » . وروى يعقوب بن سفيان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفاحشا ولا صخابا في الأسواق [ (2) ] » . وروى الإمام أحمد والشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفاحشا وكان يقول: «إنّ خياركم أحسنكم أخلاقا [ (3) ] » . وروى البخاري عنه أيضا قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم موصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، فذكر الحديث، وفيه: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح» . وروى الإمام أحمد والشيخان والخرائطيّ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وفي لفظ: إحدى عشرة سنة، وأنا ابن ثمان سنين، في السفر والحضر، والله ما قال لي: أفّ قط، ولا لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا؟ ولا لشيء صنعته: أسأت صنعته، أو لبئس ما صنعت، ولا عاب عليّ شيئا قط، ولا أمرني بأمر فتوانيت عنه، أو ضيعته فلا مني، ولا لامني أحد من أهله إلا قال دعوه فلو قدّر أو قال قضي أن يكون كان، وأرسلني في حاجة يوما فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت على صبيان وهم يلعبون في السوق، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه، وهو يضحك، فقال: «يا أنس، اذهب حيث أمرتك» فقلت له: أنا أذهب يا رسول الله [ (4) ] . وروى البخاري عنه أيضا قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبّابا ولا لمّاما ولا فاحشا، وكان يقول لأحدنا عند المعاتبة: «ماله ترب جبينه [ (5) ] » . وروى الإمام أحمد والبخاري عنه أيضاً قال: كانت الأمة- زاد البخاري والعبد- لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت، ويجيب إذا دعي [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1814 (79/ 2328) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 4/ 324 (2016) . [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 470 (6035) والبيهقي 5/ 352/ 6/ 21 وذكره المتقي الهندي في الكنز (5205) . [ (4) ] أخرجه البخاري 10/ 471 (6038) . [ (5) ] أخرجه البخاري 10/ 467 (6031) . [ (6) ] أخرجه البخاري 10/ 504 (6072) .

وروى أبو داود عنه قال: ما رأيت رجلا التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحى رأسه عنه، حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، وما رأيت رجلا أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك يده، حتى يكون الرجل هو الذي ينزع [ (1) ] . وروى مسلم والحارث بن أبي أسامة عن معاوية بن الحكم رضي الله تعالى عنه قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الصلاة إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فحدّقني القوم بأبصارهم، قال: فقلت: يرحمك الله، فحدّقني القوم بأبصارهم، قال: قلت: وثكل أماه، ما لهم ينظرون إليّ، قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم قال: فلمّا رأيتهم يسكّتوني سكتّ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته دعاني، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله، ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما ضربني، ولا سبّني، ولا نهرني، ولكن قال: «إن صلاتك هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن [ (2) ] » رواه مسلم. وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام شاب فقال: يا رسول الله ايذن لي في الزنا، فصاح الناس وقالوا: مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أتحبّه لأمّك؟» فقال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، قال: أتحبه لعمتك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم، فاكره لهم ما تكره لنفسك، وأحبّ لهم ما تحب لنفسك [ (3) ] » وذكر الحديث رواه أبو نعيم. وروى أيضا عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ثيابنا في الجنة ننسجها بأيدينا أم تشقق من ثمر الجنة؟ فضحك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال الأعرابي: ممّ يضحكون؟ من جاهل يسأل عالما؟ فقال: صدقت يا أعرابي، ولكنها تشقق من ثمر الجنة [ (4) ] . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالوا: «السلام عليك» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم» ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ففهمنا فقلت: السّلام إلا عليكم، واللعنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مهلا يا عائشة إن الله تعالى يحب الرفق في

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 251 (4794) . [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 381 (33/ 537) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 256/ 257 والطبراني في الكبير 8/ 190/ 215. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 417/ 418 وعزاه لأبي يعلى والبزار.

الأمر كله» ، قالت: يا رسول الله ألم تسمع لما قالوا؟ قال: «قد قلت: «عليكم» ، رواه عبد الرحمن بن حميد [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه كان يخطب فقال: أما والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويشيّع جنائزنا ويغدو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير. وروى ابن أبي شيبة والبخاري، وأبو الشيخ، والبيهقي عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: كان رجل من الأنصار يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك الرجل عقد له عقدا، فألقاه في بئر، فصرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه ملكان يعودانه، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا، وهي في بئر فلان، وقد اصفرّ من شدة عقده، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليا فاستخرج العقد، فوجد العاقد اصفر، فحل العقد، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فما ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا رآه في وجهه قط، ولم يعاتبه حتى مات، وفي رواية: فلم يذكر له شيئا، ولم يعاتبه فيه، وفي رواية: فما رأيته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ذكره له حتى مات. وروى يعقوب بن سفيان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل لا ينزع يده من يده، حتى يكون الرجل ينزع، وإن استقبله بوجهه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له [ (2) ] . وروى الخطيب في الرواية عن مالك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب الرفق في الأمور كلها. وروى البيهقي عن ابن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دمثا، ليس بالجافي ولا المهين، لا يقوم لغضبه شيء إذا تعرض الحق، حتى ينظر له، وفي رواية لا تغضبه الدنيا، وما كان لها، فإذا تعرّض الحقّ لم يعرف أحدا، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها [ (3) ] . وروى الشيخان وابن سعد وأبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه: قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، قال أنس: حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرت بها حاشية الثوب، من

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 241 وذكره في كشف الخفا 2/ 227. [ (2) ] أخرجه البيهقي في السنن 10/ 192 وفي دلائل النبوة 1/ 320. [ (3) ] ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 37.

شدة جبذته، فقال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، وأمر له بعطاء [ (1) ] . وروى الطبراني بسند حسن عن صفية رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (2) ] . وروى الإمامان والشافعي وأحمد والبخاري والأربعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أن أعرابياً دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى ركعتين فقال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد تحجّرت واسعا» ، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «تزرموه» ، فقضى حاجته، حتى فرغ من بوله وقال: «إنّما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسّرين، علموا، ويسروا، ولا تعسروا، صبّوا عليه سجلا من ماء» زاد ابن ماجة: فقال الأعرابي بعد أن فقه: فقام إليّ بأبي وأمي صلى الله عليه وسلّم، فلم يؤنّب فقال: إن هذا المسجد لا يبال فيه، إنما بني لذكر الله تعالى وللصلاة [ (3) ] . وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: مه مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه، إنما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسرين» ، فتركوه، حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعاه فقال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، والقذر، إنما هي لذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، ثم أمر رجلا فجاءه بدلو من ماء فشنّه عليه [ (4) ] » . وروى الإمام أحمد والشيخان عنه قال: جاء الطفيل بن عمرو الدّوسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله تعالى عليهم، فاستقبل القبلة، فرفع يده فقال الناس: هلكوا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد دوسا، وأت بهم جميعا، ثلاثا [ (5) ] » .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 519 (6088) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 18 وعزاه للطبراني في الأوسط وأبي يعلى باختصار ورجالهما ثقات إلا أن الربيع ابن أخي صفية بنت حيي لم أعرفه. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 541 (6128) وأبو داود 1/ 103 (380) وأحمد 2/ 239، 283 والترمذي (147) والشافعي (43) والنسائي 3/ 14 والبيهقي 2/ 428 وعبد الرزاق (1658) وذكره المتقي الهندي في الكنز (3299) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 387 (220) ومسلم 1/ 236، 237 (100/ 285) . [ (5) ] أخرجه البخاري 11/ 199 (6397) ومسلم 4/ 1957 (197/ 2524) وأحمد 2/ 243، 448، 502 وابن عساكر 7/ 65، 66 والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 359، 362 وابن سعد في الطبقات 4/ 1/ 176 وذكره المتقي الهندي في الكنز (34010) .

وروى أبو الشيخ وأبو الحسن بن الضحاك عنه أيضاً قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء فقال: يا محمد أعطني، فإنك لا تعطيني من مالك، ولا من مال أبيك. فأعطاه شيئاً، ثم قال: «أحسنت إليك؟» قال لا ولا أجملت، فغضب المسلمون، وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفّوا، ثم قام فدخل منزله، ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت، فأعطاه شيئا، فقال: «أرضيت؟» فقال: لا، ثم أعطاه أيضا، فقال: «أرضيت؟» فقال: نعم، نرضى، فقال: «إنك جئتنا، فسألتنا، فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس المسلمين شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب عن صدورهم ما فيها» ، قال: نعم، فلما كان الغداة أو العشيّ جاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن صاحبكم هذا كان جائعا فسألنا، فأعطيناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟» فقال الأعرابي: «أي نعم، فجزاك الله تعالى عن أهل وعشيرة خيرا» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن مثلي ومثلكم كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه، فأتّبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحب الناقة: خلّوا بيني وبين ناقتي، فأنا أرفق بها، فتوجه لها صاحبها بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فجاءت واستناخت، فشد عليها رحلها، واستوى عليها، وأنا لو تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار، فما زلت حتى فعلت ما فعلت [ (1) ] » . وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجيب دعوة العبد، ويعود المريض، ويركب الحمار [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصّفا ذهبا، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزرعون، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن نعطيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم، قال: بل أستأني بهم [ (3) ] . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قيل يا رسول الله ادع على

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 18، 19 وعزاه للبزار وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك. [ (2) ] أخرجه أبو يعلى 7/ 238 (1488/ 4243) وإسناده ضعيف لضعف مسلم بن كيسان البراد الملائي الأعور وأخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلّم وآدابه ص 64 وأبو نعيم في «حلية الأولياء» 8/ 131 من طريق أبي يعلى هذه والطيالسي 2/ 119 (2425) والبغوي في شرح السنة 13/ 241 (3673) من طريق شعبة والترمذي (1017) وفي الشمائل (325) وابن ماجه مختصرا (2296) وفي الزهد (4178) وأبو الشيخ ص (61، 62) من طرق عن جرير كلاهما عن مسلم البراد، بهذه الإسناد وقال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس ومسلم الأعور يضعّف وهو مسلم بن كيسان. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 7/ 53 وقال بعد ذكره رواية أخرى: ورجال الروايتين رجال الصحيح إلا أنه وقع في أحد طرقه عمران بن الحكم وهو وهم وفي بعضها عمران أبو الحكم وهو ابن الحارث وهو الصحيح وراه البزار بنحوه.

المشركين فقال: «لم أبعث لعّانا، وإنما بعثت رحمة [ (1) ] » . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن زيد بن أسلم مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يتدافعون حجرا بينهم، وكأنه كره ذلك منهم، فلما جاوزهم رجع إليهم مستفسرا فقال: «ما هذا الحجر» فقالوا: يا رسول الله هذا حجر الأسد، فقال بعض أصحابه: لو نهرتهم يا رسول الله قال: «إنما بعثت ميسّرا، ولم أبعث منفرا» . وروى الإمام أحمد عن تمّام بن العباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصفّ عبد الله وعبيد الله وكثيرا أبناء العباس رضي الله تعالى عنهم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سبق إليّ فله كذا وكذا وقال فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره فيقبّلهم ويلتزمهم [ (2) ] » . وروى ابن مردويه، وأبو نعيم، والواحدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ما دعاه أحد من أصحابه، ولا من أهل بيته إلا قال: لبّيك، فلذلك أنزل الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ن 4] . وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فقد رجلا من أصحابه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده [ (3) ] . وروى ابن سعد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة، قال: فرأيت صبيانا فقعدت معهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم على الصبيان. وروى البيهقي عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: كنت جار النبي صلى الله عليه وسلّم، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وعن غيرها أن أبا بكر قال: يا رسول الله- لمّا أراد حجّة الوداع- عندي بعير نحمل عليه زادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فذاك إذن، فكانت زاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاملة أبي بكر رضي الله تعالى عنه واحدة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بزاد دقيق وسويق، فجعل على بعير أبي بكر، وأعطاه أبو بكر لغلام له. فنام الغلام في بعض الطريق فذهب البعير، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2006، 2007 (87/ 2599) . [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 214 والطبراني في الكبير 19/ 188 وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 163. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 298 وذكره المتقي الهندي في الكنز (18483) وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 386 وانظر كشف الخفا 2/ 98.

تنبيهات

الغلام، وليس معه شيء، فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه أين البعير؟ فقال: ضل، فقام إليه يضربه، ويقول: بعير واحد ضل منك لو لم يكن إلا أنا لهان الأمر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأهله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، ويقول: ألا ترون إلى هذا المحرم وما يصنع؟ فحمل جماعة جفنة من حيس وأقبلوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى وضعوها بين يديه، فجعل يقول: يا أبا بكر هلمّ، فقد جاءك الله تعالى بغذاء طيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هوّن عليك، فإن الأمر ليس عليك، ولا إلينا معك، قد كان الغلام حريصا أن لا يضل بعيره، وهذا خلف مما كان معه» ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأهله، ومن كان معه وكل من كان يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى شبعوا، ذكر في سيرته الحديث. وذكر المحب الطبري رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، وأمر أصحابه بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله على ذبحها، وقال آخر: يا رسول الله عليّ سلخها، وقال آخر: يا رسول الله عليّ طبخها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وعليّ جمع الحطب» فقالوا يا رسول الله: نكفيك العمل، فقال: «قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، وأن الله تعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه» . تنبيهات الأول: حقيقة حسن الخلق قوى نفسانية تسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة، والآداب المرضية، فيصير ذلك كالخلقة في صاحبه، ويدخل في حسن الخلق التّحرّز عن الشّح، والبخل، والكذب، وغير ذلك من الأخلاق المذمومة، ويسهل في حسن الخلق التحبب إلى الناس بالقول والفعل، والبذل، وطلاقة الوجه، مع الأقارب، والأجانب، والتساهل في جميع الأمور، والتسامح فيما يلزم من الحقوق، وترك التقاطع، والتهاجر، واحتمال الأذى من الأعلى والأدنى، مع طلاقة الوجه، وإدامة البشر- في هذه الخصال تجمع محاسن الأخلاق، ومكارم الأفعال، ولقد كان جميع ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا وصفه الله تعالى بقوله عز وجل: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ن 4] . الثاني: على في هذه الآية للاستعلاء، فدل اللفظ على أنه كان مستعليا على هذه الأخلاق، ومستوليا عليها، قال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: وإنما كان خلقه عظيما لأنه لم يكن له همّة سوى الله تعالى. قال الإمام الحليمي عفا الله عنه: وإنما وصف خلقه بالعظم مع أن الغالب وصف الخلق بالكرم لأن كرم الخلق يراد به السّماحة والدّماثة، ولم يكن صلى الله عليه وسلّم مقصورا على ذلك، بل كان رحيما بالمؤمنين، رفيقا بهم، شديدا على الكفار، غليظا عليهم، مهيبا في صدورهم،

منصورا عليهم بالرعب من مسيرة شهر، وكان وصف خلقه بالعظم ليشمل الإنعام والانتقام، وقيل: إنما وصف بالعظم لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، فإنه صلى الله عليه وسلّم أدّب بالقرآن، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فيما تقدم أول الباب. وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما يرجع إلى قوته العلمية أنه عظيم: فقال تعالى وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء 113] ووصفه بما يرجع إلى قوته العلمية بأنه عظيم: فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فدل مجموع هاتين الآيتين على أن روحه فيما بين الأرواح البشرية عظيمة الدرجة عالية. الثالث: الخلق بضم أوله، وثانيه، ويجوز إسكانه: ملكة نفسية تسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة. قال الإمام الراغب رحمه الله تعالى: الخلق والخلق- بالفتح والضم في الأصل- بمعنى واحد كالشّرب والشّرب، لكن خص الخلق الذي بالفتح بالهيئات والصور المدركة بالبصر وخص الخلق الذي بالضم بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة، واختلف هل حسن الخلق بالضم غريزة أو مكتسب، وتمسك من قال بأنه غريزة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه «أن الله تعالى قسّم بينكم أخلاقكم كما قسّم أرزاقكم [ (1) ] » رواه البخاري. وقال القرطبي رحمه الله تعالى: الخلق جبلّة في نوع الإنسان، وهم في ذلك متفارقون، فمن غلب عليه شيء منها كان محمّدا محمودا، وإلا فهو المأمور بالمجاهدة فيه حتى يصير محمودا، وكذا إن كان ضعيفا، فيرتاض صاحبه حتى يقوى. وروى الإمام أحمد والنّسائي والتّرمذي وابن حبان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال للأشج- أشجّ عبد القيس-: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله تعالى ورسوله: الحلم والأناة» ، قال: يا رسول الله قديما كان أو حديثا؟ قال: «قديما» ، قال: الحمد لله الذي جبلني على جبلّتين يحبّهما الله تعالى » فترديد السؤال، وتقريره عليه، يشعر بأن من الخلق ما هو جبليّ وما هو مكتسب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي» رواه الإمام أحمد وابن حبّان رحمة الله عليهما، وكان يقول في دعاء الافتتاح: «واهدني لأحسن الأخلاق، إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت» . رواه مسلم. الرابع: قال بعض العلماء: جعل الله تعالى القلوب محل السرور، والإخلاص الذي هو

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 48 (25/ 17) والترمذي (2011) وأبو داود (5225) وابن ماجة (4187) ومسند أحمد 3/ 23، 50، 4/ 206 والبيهقي 7/ 102 وابن حبّان (1393، 2267) وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 388 والطبراني في الكبير 12/ 230 وذكره المتقي الهندي في الكنز (5811) .

سر الله تعالى، يودعه قلب من شاء من عباده، فأول قلب أودعه قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أول الأنبياء خلقا، وصورته آخر صورة ظهرت من صور الأنبياء، عليهم السلام، فهو أولهم وآخرهم، وقد جعل الله تبارك وتعالى أخلاق القلوب للنفوس أعلاما على أسرار القلوب، فمن تحقق قلبه بسر الله تعالى اتسعت أخلاقه لجميع خلق الله تعالى، ولذلك جعل الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم جثمانية اختص بها من بين سائر العالمين، فتكون علامات اختصاص جثمانية آيات دالة على أحوال نفسه الشريفة، وعظم خلقه، وتكون علامات عظم أخلاقه آيات على أسرار قلبه المقدس. الخامس: قال الشيخ شهاب الدين السّهروردي رحمه الله تعالى في العوارف: لا يبعد أن قول عائشة رضي الله تعالى عنها: كان خلقه القرآن- فيه أمر غامض وإيماء خفي إلى الأخلاق الرّبّانية، فاحتشمت من الحضرة الإلهية أن تقول: كان متخلّقا بأخلاق الله تعالى، فعبرت عن المعنى بقولها: كان خلقه القرآن، استحياء من سبحات الجلالة، وسترا للحال بلطف المقال، وهذا من موفور عقلها، وكما أدبها، وقال غيره: أرادت بذلك اتصافه بما فيه من الاجتهاد في طاعة الله تعالى، والخضوع له، والانقياد لأمره، والتشديد على أعدائه، والتواضع لأوليائه، ومواساة عباده، وإرادة الخير لهم، إلى غير ذلك من أخلاقه الفاضلة. وقال آخر: فكما أن معاني القرآن لا تتناهي فكذلك أوصافه الحميدة الدالة على حسن خلقه العظيم لا تتناهى، إذ في كل حال من أحواله يتجدد له الكثير من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشّيم، وما يفيضه الله عز وجل عليه من معارفه، وعلومه، مما لا يعلمه إلا الله تعالى، فإذن التعرض لحصر جزئيات أخلاقه الحميدة تعرض لما ليس من مقدور الإنسان، ولا من ممكنات عادته. السادس: قول عائشة رضي الله تعالى عنها: ما انتقم صلى الله عليه وسلّم لنفسه أي خاصة، فلا يرد أمره بقتل عبد الله بن خطل، وعقبة بن أبي معيط [ (1) ] ، وغيرهما ممن كان يؤذيه، لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله تعالى. وقيل أرادت أنه لا ينتقم إذا أوذي من جفاء من رفع صوته عليه، والذي جبذ بردائه، حتى أثر في كتفه، وحمل الدّاودي عدم الانتقام على ما يختص بالمال، قال: وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه قال: واقتص ممن لدّه في مرضه بعد نهيه صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، بأن أمر بلدّهم،

_ [ (1) ] عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس: من مقدّمي قريش في الجاهلية. كنيته أبو الوليد، وكنية أبيه أبو معيط. كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر وقتلوه ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام. توفي 2 هـ. الأعلام 4/ 240.

مع أنهم كانوا من ذلك تأولوا، إنما نهاهم على عادة البشرية من كراهة النفس للدواء قال الحافظ رحمه الله تعالى: كذا قال. السابع: في بيان غريب ما سبق: الفاحش: أي ليس ذا فحش في كلامه. ولا سخّابا: أي لا يرفع صوته بكثرة الصياح، لحسن خلقه، وكرم نفسه، وشرف طبعه، وروي بالصاد وهو بمعناه. ليس بفظ: بالظاء المعجمة المشالة: أي ليس بسيّء الخلق، والخشن من القول. الغليظ: بالمعجمة المشالة أي الجافي. الدّمث: السهل اللين، وليس بالجافي، ولا المهين بضم الميم: يريد أنه لا يحقر الناس ولا يهينهم، ويروى ولا المهين بفتح الميم، فإن كانت الرواية هكذا فإنه أراد ليس بالفظ الغليظ الجافي، ولا الحقير الضعيف. لا تزرموه: بفوقية مضمومة، فزاي فراء مكسورة، فميم: أي لا تقطعوا بوله. السّجل: بسين مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة: فلام: الدّلو الملأى. يؤنب: بالبناء للمفعول: يلوم. قمام الأرض: هو جمع قمامة: ما تقمقمه من المرعى وأصله الكناسة. لدّه: بلام فدال مهملة مفتوحتين، فهاء: سقاه في أحد شقي الفم، والله تعالى أعلم.

الباب الثالث في حلمه وعفوه مع القدرة له صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في حلمه وعفوه مع القدرة له صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه وتعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الأعراف 199] وقال عز وجل: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران 159] . روى أبو نعيم عن قتادة رحمه الله تعالى قال: طهر الله تعالى رسوله من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبا، رؤوفا بالمؤمنين رحيما [ (1) ] . وروى ابن مردويه عن جابر وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الشّعبي قال: لما أنزل الله عز وجل: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ الآية، قال: ما تأويل هذه الآية يا جبريل؟ قال: لا أدري حتى أسأل العالم، فصعد، ثم نزل، فقال: يا محمد أن الله تبارك وتعالى أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك. وروى البخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما في الآية مسائل: الأولى: قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بالعفو عن أخلاق الناس [ (2) ] . وروى البخاري عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلما قفل معه أدركتهم القائلة في واد كثير العضاة فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم تحت سمرة فعلق سيفه، ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: «إن هذا اخترط عليّ سيفي، وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده فقال: من يمنعك مني؟» فقلت: الله ثلاثا، ولم يعاقبه وجلس [ (3) ] .

_ [ (1) ] ومعنى الآية: أنه عليه السلام لما رفق بمن تولى يوم أحد ولم يعنّفهم بيّن الرب تعالى أنه إنما فعل ذلك بتوفيق الله تعالى إياه. وقيل: «ما» استفهام. والمعنى: فبأيّ رحمة من الله لنت لهم، فهو تعجيب. وفيه بعد، لأنه لو كان كذلك لكان «فبم» بغير ألف. لِنْتَ من لان يلين لينا وليانا بالفتح. والفظ الغليظ الجافي. فظظت تفظّ فظاظة وفظاظا فأنت فظّ. والأنثى فظّة والجمع أفظاظ. وفي صفة النبي عليه السلام ليس بفظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق، وأنشد المفضّل في المذكّر: وليس بفظّ في الأدانيّ والأولى ... يؤمّون جدواه ولكنّه سهل وفظّ على أعدائه يحذرونه ... فسطوته حتف ونائله جزل وقال آخر في المؤنث: أموت من الضّرّ في منزلي ... وغيري يموت من الكظّه ودنيا تجود على الجاهلين ... وهي على ذي النهى فظّه وغلظ القلب عبارة عن تجهّم الوجه، وقلّة الانفعال في الرّغائب، وقلة الإشفاق والرحمة، ومن ذلك قول الشاعر: يبكى علينا ولا نبكي على أحد؟ ... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل [ (2) ] أخرجه البخاري في التفسير 8/ 155 (4643، 4644) . [ (3) ] تقدم.

وروى الإمام أحمد والطبراني عن جعدة [ (1) ] رضي الله تعالى عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل فقال: هذا أراد أن يقتلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لن تراع، لو أردت ذلك لم يسلطك الله عليّ» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد وعبد بن حميد ومسلم والثلاثة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم، فأخذهم سلما فعفا عنهم، واستحياهم [ (3) ] . وروى النّسائي، وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، ثم قام فقمت حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه، فجذبه بردائه، فحمّر رقبته، وكان رداؤه خشنا، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الأعرابي: احملني على بعيري هذين، فإنك لا تحملني من مالك، ولا من مال أبيك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله لا أحملك حتى تقيدني من جبذتك» وكل ذلك يقول الأعرابي: والله لا أقيدكها، فذكر الحديث، وفيه: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمر رضي الله تعالى عنه فقال: احمل له على بعيريه هذين- على بعير تمرا، وعلى الآخر شعيرا، - ثم التفت إلينا، فقال: «انصرفوا على بركة الله تعالى [ (4) ] » . وروى أبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت وصلّى ركعتين، ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: «ما تقولون؟ وما تظنون؟» قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم قالوا ذلك ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أقول كما قال أخي يوسف لإخوته» - عليه السلام- لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف 92] فخرجوا، فكأنما نشروا من القبور، فأسلموا [ (5) ] . وروى ابن عساكر عن الزهري عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: لما كان يوم فتح مكة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية، وأبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، قال عمر رضي الله تعالى عنه فقلت: قد أمكنني الله عز وجل منهم اليوم، لأعرفنهم بما صنعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثلكم كما قال يوسف عليه السلام لإخوته» :

_ [ (1) ] جعدة بن خالد بن الصمّة الجشميّ، من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، حديثه في البصريين. أسد الغابة 1/ 339. [ (2) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9/ 2170/ 10/ 200 وانظر الشفاء 1/ 226. [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1442 (133/ 1808) . [ (4) ] أبو داود (4775) . [ (5) ] تقدم.

لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فانفضحت حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلّم كراهية أن يكون يدري، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال [ (1) ] . وروى أبو الشيخ، وابن حبان عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقبض يوم حنين من فضة في ثوب بلال، ويفرقها، فقال له رجل: يا رسول الله أعدل، فقال: «ويحك، من يعدل إذا أنا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن كنت لا أعدل» فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ألا أضرب عنقه فإنه منافق؟ فقال: «معاذ الله أن يتحدث أني أقتل أصحابي [ (2) ] » . وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة ليؤلفهم، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى ناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: إن هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله تعالى، قال: فقلت: والله لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته، فأخبرته بما قال، فتغير وجهه حتى كان كالصّرف، ثم قال: «فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟ ثم قال: يرحم الله موسى عليه السلام، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر [ (3) ] » . وروى ابن حبان، والحاكم، عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه: أن زيد بن سعية- وهو أحد علماء أهل الكتاب من اليهود- وقال النووي رحمه الله تعالى: هو أحد أحبار اليهود الذين أسلموا- قال: إنه لم يبق من علامات النّبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: أن يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه، فابتعت منه تمرا معلوما إلى أجل معلوم، وأعطيته الثمن، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، أتيته، فأخذت بجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، فقلت: يا محمد ألا تقضيني حقي؟ فو الله إنكم يا بني عبد المطلب لمطل، وقد كان لي بمخالطتكم علم فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أي عدوّ الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ فو الله لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون، وتؤدة، وتبسم، ثم قال: «أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التّباعة اذهب يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعا، مكان ما رعته» ، ففعل عمر رضي الله تعالى عنه، فقلت:

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه مسلم في الزكاة (142) وأحمد 3/ 353 والطبراني في الكبير 2/ 201 وابن أبي عاصم 2/ 460 والبيهقي في الدلائل 5/ 186. [ (3) ] تقدم.

يا عمر، كلّ علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فقد خبرتهما، فأشهدك أني رضيت بالله تعالى ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلّم نبيا [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذّخيرة، فجاء منزله، فالتمس التمر، فلم يجده، فخرج إلى الأعرابي فقال: «عبد الله، إنا قد ابتعنا منك جزورك هذا بوسق، من تمر الذّخيرة، ونحن نرى أن عندنا، فلم نجده» فقال الأعرابي: وا غدراه وا غدراه، فوكزه الناس وقالوا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تقول هذا؟ فقال: «دعوه، فإن لصاحب الحقّ مقالا» فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: «اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية فقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لك إن كان عندك وسق من تمر الذّخيرة فسلفينا حتى نؤديه إليك إن شاء الله تعالى» فذهب إليها الرجل ثم رجع قال: قالت: نعم هو عندنا يا رسول الله، فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم للرجل: «اذهب فأوفه الذي له» فذهب، فأوفاه الذي له، قال فمر الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيرا، فقد أوفيت وأطيبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أولئك خيار الناس الموفون المطيّبون [ (2) ] » . وروى الشيخان عن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ له، فهمّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، ثم قال: أعطوه شيئا مثل سنّه» ، فقالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أفضل من سنه، قال: «أعطوها، وخيركم أحسنكم قضاء [ (3) ] » . وروى البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها فجيء بها، فقيل: ألا تقتلها فقال: «لا» [ (4) ] . وروى الشيخان عن عائشة وابن أبي حاتم عن عكرمة وروى أبو الحسن بن الضحاك عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أبصرت عيناي، وسمعت أذناي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان بالجعرّانة [ (5) ] ، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفضّها على الناس، فيعطيهم، فقال له

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 2/ 3232/ 605 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 23 وابن كثير في البداية 2/ 310. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 140. [ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 483 (2306) ومسلم 3/ 1225 (120/ 1601) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] الجعرّانة لا خلاف في كسر أوّله. وأصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه، وأهل الأدب يخطئونهم ويسكّنون العين ويخفّفون الراء. والصحيح أنهما لغتان جيدتان.

تنبيهات

رجل: يا رسول الله اعدل، فقال: «ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل» فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «معاذ الله أن يتحدث الناس أنني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلوقهم أو قال: حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية [ (1) ] » . وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد، والبخاري والنسائي وأبو الشيخ، والبيهقي عن زيد ابن أرقم رضي الله تعالى عنه: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أياما، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال إن رجلا من اليهود سحرك، فعل لذلك عقدا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليا رضي الله تعالى عنه فاستخرجها، فجاء بها فجعل كل ما حل عقدة وجد لذلك خفّة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه [ (2) ] . وروى البيهقي في شعب الإيمان، مرسلا عن عبد الله بن عبيد مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيّته، وشجّ وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه، وقالوا: لو دعوت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إني لم أبعث لعّانا، ولكن بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون [ (3) ] » ، ورواه موصولا عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه مختصرا: «اللهم: اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون» ، ولله در القائل حيث قال. وما الفضل إلا أنت خاتم فضة ... وعفوك نقش الفصّ فاختم به عذري ومن رحمته ورأفته صلى الله عليه وسلّم بأمته تخفيفه وتسهيله عليهم، وكراهيته أشياء مخافة أن تفرض عليهم ، كقوله صلى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء، ومع كل صلاة، ولأخّرت العشاء إلى ثلث الليل» ، وخبر قيام رمضان، ونهيه عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سبّته ولعنته رحمة لمن سبه وزكاة وطهورا. تنبيهات الأول: الحلم حالة توقير، وثبات في الأمور، وتصبّر على الأذى، لا يستثير صاحبه الغضب عند الأسباب المحركة، ولا يحمله على انتقام، وهو شعار العقلاء، وقد كان صلى الله عليه وسلم منه بالمحل الأعظم، كما يشهد له قول أبي سفيان وقد قال له: يا عمّ أما آن لك أن تسلم؟ «بأبي

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد (6163) (3933) (3610) ومسلم 2/ 744 (148/ 1064) وأحمد 3/ 56، 353، 355 والبيهقي في الدلائل 5/ 185، 187 وابن ماجة (172) وانظر الدر المنثور 3/ 350. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] وهو عند مسلم 4/ 2007 والبخاري في الأدب (321) والطبراني في الكبير 19/ 189 وانظر الدر المنثور 4/ 342.

أنت وأمي ما أحلمك!» ، ولا تزيده كثرة الأذى إليه إلا حلما، بشهادة ما تقدم ومما حصل له يوم أحد. الثاني: الصبر على الأذى جهاد النفس، وقد جبل الله تعالى النفس على التألم بما يفعل بها، ولهذا شقّ عليه صلى الله عليه وسلّم نسبة بعض المنافقين له الجور في القسمة، لكنه حلم وصبر لما علم من جبريل ثواب الصابرين، وأن الله تعالى يأجرهم بغير حساب، وصبره صلى الله عليه وسلّم على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه، وأما إذا كان لله تعالى فإنما يمتثل فيه أمر الله تعالى من الشدة، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم 9] وقد وقع أنه صلى الله عليه وسلّم غضب لأسباب مختلفة، مرجعها إلى أن ذلك في أمر الله تعالى، وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد في الزّجر، فصبره وعفوه إنما كان يتعلق بنفسه الشريفة صلّى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما شجّ المشركون وجهه: «اللهم اهد قومي» وقال حين شغلوه عن الصلاة: «ملأ الله قلوبهم نارا» ، فتحمّل الشّجّة الحاصلة في وجه جسده الشريف، وما تحمّل الشّجّة الحاصلة في وجه دينه المنيف، فإن وجه الدين هو الصلاة، فرجح حق خالقه على حقه صلى الله عليه وسلّم. الثالث: قال القاضي في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» : انظر ما في هذا القول من إجماع الفضل، ودرجات الإحسان، وحسن الخلق، وكرم النفس، وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلّم على السكوت عنهم، حتى عفا، ثم أشفق عليهم، ورحمهم، ودعا، وشفع لهم، فقال: «اللهم اهد واغفر» ، ثم أظهر الشفقة والرحمة بقوله: «لقومي» ، ثم اعتذر عنهم لجهلهم، فقال: «إنهم لا يعلمون» . الرابع: في بيان غريب ما سبق: العفو: المساهلة، وترك المؤاخذة، والبحث عن مذامّ الأخلاق: أي أخذ ما سهل من أخلاق الناس، وأفعالهم، من غير كلفة، ولا طلب ما يشقّ عليهم حذرا من أن ينفروا من حوله. السّمرة: بسين مهملة مفتوحة، فميم مضمومة، فراء، فتاء تأنيث ضرب شجر الطّلح. الغرّة: بغين معجمة مكسورة، فراء مشددة: الخدعة. الصّرف: بصاد مهملة مكسورة، فراء ساكنة، ففاء: شجر أحمر يدبغ به الأديم. زيد بن سعنة: بسين مهملة، فعين، فنون مفتوحتين، كما قيده به الحافظ عبد الغني، وجرى عليه الدّارقطني والأمير وبالمثناة التحتية ثبت في نسخ الشّفا، وأن مصنفه صحح عليه، وهو الذي ذكره ابن إسحاق، قال الذهبي في التجريد: والأول أصح. تمر الذّخيرة: بذال، وخاء معجمتين، قال في النهاية: هو نوع من التمر معروف. الرميّة تقدم الكلام عليها والله أعلم.

الباب الرابع في حيائه صلى الله عليه وسلم وعدم مواجهته أحدا بشيء يكرهه

الباب الرابع في حيائه صلى الله عليه وسلم وعدم مواجهته أحدا بشيء يكرهه روى الشيخان، وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وجه رجل صفرة فقال: لو أمرتم هذا أن يغسل هذه الصفرة، وكان لا يكاد يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه» [ (2) ] . ورواه البخاري في الأدب بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يواجه الرجل بشيء يكرهه، فدخل عليه يوما رجل وعليه أثر صفرة، فلما قام قال لأصحابه: لو غيّر، أو نزع هذه الصّفرة [ (3) ] . وروى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شيئا لم يقل له: قلت: كذا وكذا قال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا [ (4) ] » . وروى عبد بن حميد، وأبو الشيخ عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيياً لا يسأل عن شيء إلا أعطى [ (5) ] . وروى البيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خافض الطّرف، جل نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة [ (6) ] . وروى البخاري في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا فرخص فيه، فتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخطب، فحمد الله تعالى، ثم قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشيء أصنعه؟ فو الله إني لأعلمهم بالله تعالى، وأشدهم له خشية» [ (7) ] . وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 566 في المناقب (3562) (6102) ومسلم 4/ 1809 (67/ 2320) . [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 154، 160 وأبو داود (4789) والبيهقي في الدلائل 1/ 317 والبداية والنهاية 6/ 44. [ (3) ] البخاري في الأدب المفرد (433) . [ (4) ] النسائي 6/ 60 وانظر الدر المنثور 2/ 307. [ (5) ] انظر أخلاق النبوة (40) . [ (6) ] تقدم. [ (7) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (436) .

تنبيهان:

من العواتق في خدورها [ (1) ] ورواه الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي سعيد بلفظ من العذارى. تنبيهان: الأول: الحياء بالمد، وهو من الحياة، ومنه الحيا للمطر، لكن هذا المقصور، وعلى حسب حياة القلب يكون في قوم خلق الحياة، وقلة الحياء من موت القلب والروح، وكلّما كان القلب حيّا كان الحياء أتمّ وهو في اللغة: تغيّر، وانكسار، يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه، وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع عن التقصير في حق ذي الحق. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الخدر: بكسر الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة: السّتر، وهو من باب التعميم لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر ما تكون خارجة منه، لكون الخلوة مظنّة وقوع الفعل بها، فالظاهر أن المراد تقييده إذا دخل عليها في خدرها، لا حيث تكون منفردة فيه. خفض الطرف: ضد رفعه. جل الشيء بضم الجيم: معظمه. الملاحظة: أن ينظر بلحظ عينه، هو شقها الذي يلي الصدغ والأذن، ولا يحدق إلى الشيء، وكانت الملاحظة معظم نظره، وهو دليل الحياء والكرم.

_ [ (1) ] انظر الدر المنثور 6/ 251 وأخرجه البيهقي 10/ 192 وفي الدلائل 1/ 216 وأحمد 3/ 91271.

الباب الخامس مداراته، وصبره على ما يكره صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس مداراته، وصبره على ما يكره صلى الله عليه وسلم روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: جاء مخرّق بن نوفل يستأذن، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم صوته قال: «بئس أخو العشيرة الحديث» . وروى الشيخان، والإمامان مالك وأحمد، والتّرمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، فلما دخل عليه ألان له القول وتطلّق في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قلت: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت: كذا وكذا، فلما دخل ألنت له القول، وتطلّقت في وجهه، وانبسطت إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: «متى عهدتني فاحشا إن شر الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه» وفي رواية اتقاء شرّه [ (1) ] . وروى ابن الأعرابي عن صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الغنم، وأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل [ (2) ] . وروى ابن عدي، والحكيم والترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بالفرائض [ (3) ] » . وروى ابن سعد عن إسماعيل بن عياش- بالتحتية والشين المعجمة- رحمه الله تعالى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبر الناس على أقذار الناس [ (4) ] . وروى النّسائي، وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كنا قعودا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فإذا قام قمنا، فقام يوما، وقمنا معه، حتى بلغ وسط المسجد فأدركنا رجل، فجبذ بردائه من ورائه، وكان رداؤه خشنا، فحمّر رقبته فقال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين الحديث [ (5) ] . تنبيهات الأول: هذا الرجل المبهم- قال ابن بطال والقاضي، والقرطبي، والنووي رحمهم الله

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (6054) (6131) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] ابن عدي 2/ 447 والذهبي في الميزان (1205) وابن حجر في اللسان 2/ 93 وانظر الدر المنثور 2/ 90. [ (4) ] ابن سعد 1/ 2/ 99 وانظر الكنز (17818) . [ (5) ] تقدم.

تعالى هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يقال له: الأحمق المطاع. الثاني: قال الخطابي: جمع هذا الحديث علما، وأدبا، وليس قوله صلى الله عليه وسلم لأمته في الأمور التي ينصحهم بها، ويضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض، بل الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك، ويفصح به، ويعرف الناس أمرهم، فإن ذلك من باب النصيحة، والشفقة على الأمة، ولكنه لما جبل عليه من الكرم، وأعطيه من حسن الخلق، أظهر له البشاشة ولم يجبهه بالمكروه ليفتدي به أمته في اتقاء شرّ من هذا سبيله، وفي مداراته، ليسلموا من شره وغائلته. الثالث: قال القرطبي: في هذا الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق، أو بالفحش، ونحو ذلك مع جواز مداراته اتقاء شره، ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى، ثم قال تبعا للقاضي الحسين: الفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه. حسن عشرته، والرفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه حق، وفعله معه حسن معاشرته، فيزول بهذا التقدير الإشكال. وقال القاضي رحمه الله تعالى: لم يكن عيينة والله أعلم حينئذ أسلم، فلم يكن القول فيه غيبة، أو كان أسلم، ولم يكن إسلامه ناصحا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه، وقد كانت منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلّم، وبعده، أمور تدل على ضعف إيمانه، فيكون ما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلّم من علامات النبوة، وأما إلانة القول له بعد أن دخل فعلى سبيل التألف له قال الحافظ: وقد ارتد عيينة في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه وحارب، ثم رجع، وأسلم، وحضر بعض الفتوح في عهد عمر رضي الله تعالى عنه. الرابع: في بيان غريب ما سبق: المداراة: بميم مضمومة، فدال مهملة، فألف فراء، فألف، فتاء تأنيث غير مهموز، وقد يهمز: ملاينة الناس، وحسن صحبتهم، واحتمالهم، لئلا ينفروا عنك. الصبر: حبس النفس عند الجزع من المصيبة، بأن يتصور ما خلق لأجله ورجوعه إلى ربه عز وجل، وتذكره للمنّة عليه، فيرى أن ما أبقى له أضعاف ما استرده منه، فيهون بذلك على نفسه. تطلّق: بمثناة فوقية، فطاء مهملة، فلام مشددة فقاف مفتوحات: تسهّل، وانبسط وجهه، واستبشر. الفحش: بفاء مضمومة، فحاء مهملة ساكنة، فشين معجمة،: التعدي في القول والجواب، والكثرة والزيادة من الكلام. الأقذار: جمع قذر، بذال معجمة: الأوساخ، والأدناس حسية ومعنوية.

الباب السادس في بره وشفقته، ورحمته، وحسن عهده صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في برّه وشفقته، ورحمته، وحسن عهده صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء 107] قال بعض العارفين: من رحمه الله تعالى خلق الله عز وجل الأنبياء من الرحمة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وعليهم، عين الرحمة، وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه: قام صلى الله عليه وسلّم ليلة، فقرأ آية يردّدها، يركع بها، ويسجد، وبها يقوم، ويقعد، حتى أصبح إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة 118] فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، قال: «فإني سألت ربي الشفاعة لأمتي، وهي نائلة- إن شاء الله تعالى- من لم يشرك بالله تعالى شيئا» قلت: فما أجبت؟ قال: «أجبت بالذي لو اطّلع كثير منهم لتركوا» ، قال: فإذا أبشّر الناس، قال: بلى، فقال عمر يا رسول الله إنك إن بعثت إلى الناس بهذا يتكلوا عن العبادة، فناداه أن ارجع [ (1) ] . وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعباد من رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وروى الشيخان عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجدانه من بكائه [ (2) ] . وروى مسلم، وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم 36] وقال في عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة 118] فرفع يديه، وقال: «اللهم أمتي، أمتي، وبكى» فقال الله عز وجل: «يا جبريل اذهب إلى محمد، فقل له، واسأله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلّم بما قال، وهو أعلم، فقال الله عز وجل: «يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نشوؤك صلى الله عليه وسلّم» [ (3) ] . وروى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها، والإمام أحمد عن زيد بن ثابت

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 149 والنسائي 2/ 177 وابن ماجة 1/ 429 (1350) والحاكم 1/ 241. [ (2) ] سيأتي. [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 191 والبيهقي 70/ 205 والطبري 13/ 151 وعبد الرزاق (2697) .

رضي الله تعالى عنهما قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل يصلي في المسجد، فصلى رجال صلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، ففقدوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل بعضهم يتنحنح، ليخرج إليهم، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى صلاته أقبل على الناس، ثم تشهد وقال: «أمّا بعد: فإنه لم يخف عني شأنكم الليلة، ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة، فتعجزوا عنها، فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» [ (1) ] . وروى الشيخان، والنسائي، وأبو الشيخ عن مالك بن الحويرث- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما، رفيقا، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا، فسألنا عمن تركنا عند أهلنا، فأخبرناه، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا عندهم» [ (2) ] . وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فخرج حسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، فعثر، فسقط على وجهه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر يريده، فأخذه الناس، فأتوه به فقال: «قاتل الله الشيطان، إن الولد فتنة، والله: ما علمت أني نزلت من المنبر حتى أوتيت به» [ (3) ] . وروى الطبراني عن زيد بن هالة عن أبيه رضي الله تعالى عنه أنه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو راقد، فاستيقظ، فقام هالة إلى صدره، وقال: هالة، هالة، كأنه سرّ به لقرابته من خديجة [ (4) ] . وروى البخاري في الأدب عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا فأخذ رجل بيض حمّرة، فجاءت ترفّ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «أيكم فجع هذه في بيضها؟» فقال رجل: أنا يا رسول الله أخذت بيضها، فقال: «اردده، رحمة لها» [ (5) ] . وروى ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأقصر سورتين في القرآن، فلما قضى الصلاة، قال له أبو سعيد أو معاذ:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 214 (731) ومسلم 1/ 539 (213/ 781) . [ (2) ] أخرجه البخاري (631) (7246) مسلم في المساجد (2920) وابن خزيمة (397) والشافعي في المسند كما في البدائع 1/ 273 وأحمد 3/ 436 والدارقطني 1/ 273 والبيهقي 3/ 54. [ (3) ] الطبراني في الكبير 3/ 34 وانظر المجمع 8/ 155 والدر المنثور 6/ 248. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الصغير 1/ 195 وانظر المجمع 9/ 377 والحاكم 3/ 640. [ (5) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 32 والبداية 6/ 173.

صليت صلاة ما رأيتك صليت مثلها قط، قال: «أنا سمعت بكاء الصبي خلفي وترصّف النساء، أردت أن تفرغ له أمه» . وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الحسن ابن علي رضي الله تعالى عنهما، وعنده الأقرع بن حابس التّميمي فقال الأقرع: لي عشرةً من الولد، ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إن من لا يرحم لا يرحم» [ (1) ] . ورويا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تقبّلون الصبيان، وما نقبلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أو أملك لك أن نزع الله تعالى الرحمة من قلبك» [ (2) ] . وروى محمد بن عمر الأسلمي في مغازيه عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم رضي الله تعالى عنه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرج في فتح مكة رأى كلبة تهرّ على أولادها وهن حولها يرضعنها، فأمر رجلا من أصحابه يقال له جعيل بن سراقة أن يقوم حذاءها، لا يعرض أحد من الجيش لها، ولا لأولادها. وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأحببت ألّا أتخلف خلف سرية تخرج في سبيل الله، ولكن لا أجد ما أحملهم عليه، ولا يجدون ما يتحملون عليه، وشق عليهم أن يتخلفوا بعدي. الحديث» [ (3) ] . وروى الإمام مالك رحمه الله تعالى وغيره عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء، ومع كل صلاة» [ (4) ] . وروى ابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم استعذر أبا بكر من عائشة ولم يظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينال منها بالذي نال منها، فرفع أبو بكر يده، فلطمها، وصكّ في صدرها، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وقال: «يا أبا بكر ما أنا بمستعذرك أبدا» [ (5) ] . وروى مسلم وغيره عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل معه على ابنه إبراهيم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه، وروى ما شاء الله أن يقول، قال أنس: فلقد رأيته، وهو يكبد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 426 (5997) ومسلم 4/ 1808 (65/ 2318) . [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 426 (5998) والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 100. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 16، 4/ 64 طبعة دار الفكر وأحمد 2/ 384، 9/ 39 وعبد الرزاق (5929) والبيهقي. [ (4) ] سيأتي. [ (5) ] أخرجه ابن حبان وذكره الهيثمي في الموارد (1314) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

«تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربّنا، وإنّا بك با إبراهيم محزونون» [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو؟ فأغضباه، فلعنهما، وسبهما، فلما خرج قلت له: يا رسول الله من أصاب منك خيرا فما أصاب هذان منك خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أو ما علمت ما عاهدت عليه ربي عز وجل؟» . قالت: قلت: وما عاهدت عليه ربك؟ قال: «قلت اللهم أيّما رجل سببته أو لعنته، أو جلدته فاجعلها له مغفرة، وعافية وكذا وكذا» [ (2) ] . وروى الترمذي وصحّحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما غرت على أحد من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها، وما ذلك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم لها، وإن ليذبح الشاة فيتبع بها صدائق خديجة رضي الله تعالى عنها فيهديها لهن [ (3) ] . وروى أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لقد دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «صنعت اليوم شيئا، وددت أني لم أصنعه، دخلت البيت، فأخشى أن يجيء رجل من أفق من الآفاق، فلا يستطيع دخوله، فيرجع، وفي نفسه منه شيء» [ (4) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: البرّ: بكسر الموحدة: كل فعل مرض. الشفقة: بشين معجمة، ففاء، فقاف مفتوحتين، فتاء تأنيث. الرحمة: الرفق والتعطف، فهو صلى الله عليه وسلّم رحيم بالمؤمنين. العهد: بعين مهملة مفتوحة، فهاء ساكنة، فدال: الوصية، والتقدم إلى المرء في الشيء والموثق واليمين. فقام هالة إلى صدره: أي ضمه. حمّرة: بحاء مهملة مضمومة، فميم مشددة، فراء مفتوحتين، فتاء تأنيث: طائر صغير كالعصفور. ترصّف النساء: بمثناة فوقية فراء مفتوحتين، فصاد مهملة مشددة ففاء: وجدهن على أولادهن. كلبة تهرّ على أولادها تقدم الكلام عليه. يكبد بنفسه: بتحتية مفتوحة، فكاف ساكنة، فموحدة مكسورة، فدال مهملة: أي يحصل له بسبب طلوعها ضيق وشدة.

_ [ (1) ] سيأتي. [ (2) ] انظر مسند أحمد 3/ 391 والبيهقي 7/ 61. [ (3) ] أخرجه الترمذي (2017) (3875) . [ (4) ] ابن نعيم في الحلية 7/ 115.

الباب السابع في تواضعه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع في تواضعه صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء 215] يعني ليّن جانبك، وأرفق بهم، أمره الله تبارك وتعالى بالتواضع، واللين، والرفق لفقراء المؤمنين، وغيرهم من المسلمين. وروى أبو نعيم وابن عساكر من طرق عن ابن عباس موقوفا، وابن سعد عن عائشة، وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينما هو جالس، ومعه جبريل عليه السلام، إذ انشق أفق السماء، فأقبل جبريل يدنو من الأرض، ويدخل بعضه في بعض، ويتضاءل فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: إن الله سبحانه تعالى أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة حجزته تساوي الكعبة، ما هبط على نبي قبلي، ولا يهبط على أحد بعدي، وهو إسرافيل عليه السلام، فقال: «السلام عليك يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، أنا رسول ربك إليك، أمرني أن أخيرك: إن شئت نبيا عبدا، وإن شئت نبيا ملكا» ، فنظرت إلى جبريل عليه السلام كالمستشير، فأشار إليّ جبريل بيده، إن تواضع، فقلت، «بل نبيا عبدا، يا عائشة لو قلت: نبيا ملكا، ثم شئت لسارت معي الجبال ذهبا» ، قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يأكل متكئا ويقول: «آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» للحديث طرق تأتي في باب زهده صلى الله عليه وسلم. وروى ابن سعد عن حمزة بن عبيد الله بن عتبة قال: كانت في رسول الله خصال ليست في الجبّارين، كان لا يدعوه أحمر، ولا أسود، إلا أجابه، وكان ربما وجد تمرة ملقاة فيأخذها، فيرمي بها إلى فيه، وإنه ليخشى أن تكون من الصدقة، وكان يركب الحمار عريا، ليس عليه شيء. وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلّم حمارا وأردفني خلفه. وروى ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عقد عباءة بين كتفيه فلقيه أعرابي فقال: لم لبست هذا يا رسول الله؟ فقال: «ويحك، إنما لبست هذا لأقمع به الكبر» [ (1) ] . وروى أبو داود والتّرمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم

_ [ (1) ] ذكره الذهبي في الميزان (4530) (8790) وابن حجر في اللسان 6/ 340.

أخذ بيد مجذوم، فأدخله معه في القصعة، ثم قال له: «كل باسم الله، وثقة بالله، وتوكلا عليه» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة وعلي بن عبد القدير البغوي عن عبد الرحمن بن جبر الخزاعي قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي مع أصحابه إذ أخذّ رجل منهم، فستره بثوب فلما رأى ما عليه، رفع رأسه، فإذا هو علاه قبلي ستر، فقال: «مه» ، فأخذ الثوب، فوضعه، وقال: «إنما أنا بشر مثلكم» [ (2) ] . وروى الحارث بن أبي أسامة عن يزيد الرّقاشي رضي الله تعالى عنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رثّ وقطيفة تساوي أربعة دراهم، وقال: «اللهم حجة مبرورة، لا رياء فيها، ولا سمعة» [ (3) ] . وروى بقي بن مخلد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقود راحلته، ويمشي هنيهة. وروي أيضا عنه قال ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا قط، ولا حملت معه طنفسة. وروى ابن الأعرابي عن أبي المثنى الأملوكي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قبله من الأنبياء عليهم السلام يمشون على العصا، يتوكئون عليها، تواضعا لله عز وجل. وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويردف بعده، ويجيب دعوة المملوك [ (4) ] . وروى الحاكم عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويعقل الشاة، ويأتي مدعاة الضعيف [ (5) ] . وروى البخاري عن البزّار رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التراب بياض إبطه.

_ [ (1) ] الترمذي (1817) وابن أبي شيبة 8/ 130 وابن السني (457) وانظر الدر المنثور 4/ 216. [ (2) ] انظر المجمع 9/ 21. [ (3) ] انظر ابن ماجة (2890، 2993) وأبو نعيم في الحلية 3/ 54 وابن أبي شيبة 4/ 106 وابن سعد 2/ 1/ 27 والعقيلي في الضعفاء 2/ 8 وابن سعد 2/ 1/ 27. [ (4) ] بنحوه عند أحمد 3/ 122 وانظر المجمع 6/ 59 وابن سعد 1/ 2/ 94. [ (5) ] أخرجه الحاكم 1/ 61 والبيهقي في الدلائل 1/ 229، 230 والبداية 6/ 52 والمجمع 9/ 20.

وروى الدّارمي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف، ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين يقضي لهما حاجتهما [ (1) ] . وروى الخرائطي عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يستنكف أن يمشي مع الضعيف، والأرملة، فيفرغ لهم من حاجاتهم [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل متّكئا، ولا يطأ عقبه رجلان [ (3) ] . وروى أبو الشيخ عن ابن عباس، وابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك، زاد أنس: ويقول: «لو دعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدي إليّ كراع لقبلت [ (4) ] . وروى الخطيب في الرّواية عن مالك عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد إلى أي طعام دعا، ويقول: «لو دعيت إلى كراع لأجبت [ (5) ] » . وروى الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يركب الحمار، ويعود المريض، ويشهد الجنازة، ويأتي دعوة المملوك، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف، على إكاف من ليف [ (6) ] . وروى الترمذي- وصحّحه- والبيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه وعن أمّه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبدأ من لقيه بالسلام [ (7) ] . وروى الإمام أحمد في الزهد، وابن عساكر- وقال هذا حديث مرسل- وقد جاء معناه في الأحاديث المسندة عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: والله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم

_ [ (1) ] أخرجه النسائي في كتاب الجمعة باب (30) والحاكم 2/ 614 والبيهقي في الدلائل 1/ 329 والخطيب في التاريخ 8/ 5 وابن كثير في البداية 6/ 52. [ (2) ] مكارم الأخلاق (18) والحاكم 2/ 614 وابن كثير في البداية 6/ 25. [ (3) ] أحمد 2/ 165، 167 وأبو داود 4/ 141 (3770) وابن ماجة 1/ 89 وابن ماجة (244) . [ (4) ] أخرجه البغوي في شرح السنة 1/ 288 وأحمد في الزهد (392) وانظر المعجم 9/ 20. [ (5) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 95 وابن أبي شيبة 3/ 64 وابن ماجة (2296) والحاكم 2/ 466 وأبو نعيم في الحلية 7/ 312. [ (6) ] أخرجه الترمذي 3/ 337 (1017) وابن ماجة 2/ 1398 (4178) والحاكم في المستدرك 2/ 466 والبيهقي في الدلائل 4/ 204. [ (7) ] انظر مناهل الصفا (20) وتقدم حديث هند.

تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب، ولا يغدى عليه بالجفان، ولا يراح بها عليه، ولكنه كان بارزا، من أراد أن يلقى نبي الله صلّى الله عليه وسلم لقيه، كان يجلس على الأرض، ويطعم ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويردف خلفه، ويلعق يده. وروى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلّم رجلا فأرعد، فقال: «هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن عبد الله بن بسر قال: أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم شاة فجثا على ركبتيه، فأكل، فقال أعرابي: يا رسول الله ما هذه الجلسة؟ فقال: «إن الله عز وجل جعلني عبدا كريما، ولم يجعلني جبارا عنيدا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كانت امرأة في عقلها شيء قالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: «يا أم فلان انظري أي الطرق شئت» قال: «أقضي لك حاجتك» ، فقام معها يناجيها، حتى قضت حاجتها [ (3) ] . وروى أبو بكر الشافعي وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في طريق، ومعه ناس من أصحابه، فتعرضت له امرأة فقالت: يا رسول الله لي إليك حاجة، فقال: «يا أم فلان اجلسي في أدنى نواحي السكك، حتى أجلس إليك، ففعلت، فجلس إليها، حتى قضى حاجتها» [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة عن يعقوب بن يزيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتّبع غبار المسجد بجريدة [ (5) ] . وروى البخاري في الأدب عن عدي بن حاتم أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا عنده امرأة وصبيان، أو صبي، فذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فعرفت أنه ليس ملك كسرى وقيصر. وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ينزع يده من يدها، حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في الحاجة.

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3312) والخطيب في التاريخ 6/ 277، 279 وانظر المجمع 9/ 20. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3773) وابن ماجه (3263) والبيهقي في الدلائل 6/ 34، 134. [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1812 في الفضائل (76) وأحمد في المسند 3/ 285 وابن كثير في البداية 6/ 46. [ (4) ] أحمد في المسند 3/ 214 والكنز (32008) . [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 398 وانظر الدر المنثور 5/ 51. أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 3/ 7 وانظر الكنز (42869) والتمهيد 6/ 253.

وروى عبد بن حميد عن عدي بن حاتم قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد فقال القوم: هذا عديّ، وجئت بغير أمان ولا كتاب، فلما دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك: إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي قال: فقام معي فلقيته امرأة وصبي معها فقالا: لنا إليك حاجة، فقام معهما، حتى قضى حاجتهما. وروى أبو ذر الهروي في دلائله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أخبره أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعود المساكين، ويسأل عنهم. وروى الإمام أحمد والبخاري وابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: إن كانت الأمة من المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق بها في حاجتها فلم ينزع يده من يدها، حتى تذهب به حيث شاءت [ (1) ] . وروى ابن إسحاق الزجاجي في تاريخه عن عكرمة رحمه الله تعالى: قال العباس رحمه الله تعالى: يا رسول الله إني أراهم قد آذوك، وآذاك غبارهم، فلو اتخذت عريشا تكلمهم فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا أزال بين أظهرهم يطئون عقبي وينازعوني ثوبي، ويؤذيني غبارهم، حتى يكون الله هو الذي يرحمني منهم» [ (2) ] . وروى أبو داود، وابن ماجة، وابن حبّان، وقاسم بن ثابت، والطبراني عن أبي سعيد وغيره من الصحابة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بغلام- زاد الطّبراني أنه معاذ بن جبل يسلخ شاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «تنحّ حتى أريك، فإني لا أراك تحسن تسلخ» ، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم، فدخس بها حتى ترادّت إلى الإبط، ثم قال: «يا غلام هكذا فاسلخ» [ (3) ] . وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاءه خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه، فربما جاءوه في الغداة الباردة، فيغمس يده فيها [ (4) ] . وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبيان، فسلم عليهم [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 489 (6072) . [ (2) ] أخرجه الدارمي 1/ 36 وابن أبي شيبة 13/ 257 وانظر المجمع 9/ 21 والكنز (10992) (10993) . [ (3) ] أخرجه أبو داود (185) وابن ماجه (3179) والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 22 وانظر الكنز 27542. [ (4) ] أخرجه مسلم 4/ 1812 (74/ 2324) . [ (5) ] ومسلم وأبي هريرة (13/ 2167) .

وروى البخاري في الأدب المفرد عن حسنة بن خالد وسواء بن خالد رضي الله تعالى عنهما: أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعالج حائطا، أو بناء له. وروى الحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة، وذقنه على رحله متخشّعا [ (1) ] . وروى أبو يعلى عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكة استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله متخشعا [ (2) ] . وروى الحاكم عن عبد الله بن بريدة رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحمار، وهو يمشي، فقال له: اركب يا رسول الله، فقال: «إن صاحب الدابة أحق بصدر دابته، إلا أن يجعل له» ، قال: قد فعلت [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وابن عدي وابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه، ويخصف نعله، وفي رواية لأحمد ويرقع دلوه، وعنده أيضا: يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه [ (4) ] . وروى البخاري في الأدب عن حسنة بن خالد وسواء بن خالد أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعالج حائطا له، فأعاناه، وهذا يتعين حمله على أوقاته، فإنه ثبت إنه لو كان له خدم كفوه فتارة يكون بنفسه، وتارة يكون بغيره، وتارة يكون بالمشاركة. وروى ابن عدي عن أنس أنه سئل عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويلبس الصوف، وإن أهدي إليه كراع قبل، وإن دعي إلى ذراع أجاب، وكان يعتقل البعير [ (5) ] . وروى أبو داود عنه رضي الله تعالى عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يهنأ بعيرا له. وروى ابن أبي شيبة عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتبع الجنازة، ويعود المريض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر على حمار، ويوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف، وتحته إكاف من لبد.

_ [ (1) ] الحاكم في المستدرك 45/ 317. [ (2) ] وأخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 571) وانظر مجمع الزوائد 6/ 196. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 19 والحاكم 2/ 64 وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب (2615) وانظر الكنز (25000) . [ (4) ] أخرجه احمد 6/ 121، 260 وابن سعد 1/ 2/ 9 وانظر الكنز 8/ 185. [ (5) ] تقدم وانظر المجمع 9/ 20.

وروى ابن المبارك عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يجلس للأكل محتفزا [ (1) ] . وروى أبو داود الطيالسي عن ابنة خباب أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة، فاعتقلها فحلبها، وقال: «ائتني بأعظم إناء لكم» فأتيناه بجفنة العجين، فحلب فيها حتى ملأها، قال: «اشربوا أنتم وجيرانكم» [ (2) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن عبد العزيز العمري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مهما استكفى أهله من شيء لم يكن يستكفيهم صب الوضوء لنفسه، وإعطاءه المسكين بيده، ويكفيهم إجّانة الثياب. وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت يا رسول الله كل جعلني الله فداك متكئا، فإنه أهون عليك، قال: «آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» [ (3) ] . وروى الإمام البخاري في الأدب، وفي الصحيح عن أنس قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم ولد، والنبي صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا له. وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو الشيخ عن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخيط ثوبه، ويخدم نفسه، ويخصف نعله، ويعمل ما تعمل الرجال في بيوتهم، ويكون في مهنة أهله، يعنى خدمة أهله، فإذا سمع المؤذن خرج إلى الصلاة [ (4) ] . وروى ابن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم سعدا فقال عنده، فلما أبردوا جاءوا بحمار لهم عربيّ قطوف قال: فغطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقطيفة عليه، وركب، فأراد سعد أن يردف ابنه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليرد الحمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنت باعثه فاحمله بين يدي» ، قال: بل خلفك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الدابة هم أولى بصدرها» ، فقال سعد: لا أبعثه معك، ولكن ردّ الحمار، قال: «فنرده وهو هملاج فريغ لا يسابق» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن المبارك في الزهد 2/ 53 وابن سعد 1/ 2/ 95. [ (2) ] الطيالسي كما في المنجة (2457) والبيهقي في الدلائل 6/ 138. [ (3) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 95. [ (4) ] الحديث عند أحمد 6/ 256 والبخاري في الأدب المفرد ص 188 (541) والترمذي في الشمائل (181) حديث (335) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 524 (2136) وأبو نعيم في الحلية 8/ 331 (428) . [ (5) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 116.

وروى الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل وصافحه، لا ينزع يده من يده، حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه، حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له [ (1) ] . وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل عمل البيت أكثر ما يعمل الخياطة [ (2) ] . وروى أبو ذر الهروي في دلائله، وابن عساكر من طرق عن ابن عباس والإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وابن عساكر عن عائشة، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وجبريل معه على الصّفا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد كفّ سويق، ولا سفة من دقيق» ، فلم يكن كلامه بأسرع من أن يسمع هدّة من السماء أفظعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أمر الله تعالى القيامة أن تقوم؟» فقال: لا ولكن هذا إسرافيل نزل إليك حيث سمع الله تعالى كلامك هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة، وفي حديث ابن عباس، فأقبل جبريل يدنو من الأرض، ويدخل بعضه في بعض، ويتضاءل، قال أبو هريرة: فأتاه إسرافيل، وفي حديث عائشة: أتاني ملك حجزته تساوي الكعبة فقال: إن الله تعالى سمع كلامك، وأمرني أن أعرض عليك- إن أحببت- أن أسير معك جبال تهامة زمردا، وياقوتا، وذهبا، وفضة فعلت، فإن شئت نبيا ملكا، وإن شئت نبيا عبدا، فالتفت إلى جبريل كالمستشير له، فأشار إليه جبريل بيده إن تواضع لربك، فعرفت أنه ناصح لي وقلت بل نبيا عبدا، ثلاث مرات، فشكر لي ربي عز وجل ذلك، فقال «أنت أول من تشق عنه الأرض، وأول شافع» قال ابن عباس وعائشة: فما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم طعاما متّكئا حتى لقي ربه [ (3) ] . وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام، فقلت: ألا تأكل وأنت متكئ أهون عليك؟ قالت فأصغى بجبهته، حتى كاد يمسح بها الأرض، قال: «آكل كما يأكل العبد، وأنا جالس» ، فما رأيته أكل متكئا حتى مضى لسبيله [ (4) ] . وروى الدارقطني في الإفراد، وابن عساكر عن الحسن عن أنس رضي الله تعالى عنه

_ [ (1) ] والبيهقي 10/ 192 والدلائل 1/ 320 وابن المبارك في الزهد (132) والطحاوي في المعاني 1/ 54. [ (2) ] ابن سعد 1/ 2/ 91 وانظر الكنز (18520) . [ (3) ] انظر اتحاف السادة المتقين 9/ 333. [ (4) ] تقدم.

قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف واحتذى المخصوف، وأكل بشعا، ولبس خشنا، قال الحسن: البشع غليظ الشعير. وروى ابن عساكر عن حبيب بن أبي ثابت رحمه الله تعالى قال: قلت لأنس بن مالك: حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحدثنا عن غيره، وفي رواية عنه قال: سئل أنس عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان يلبس الصوف، ويركب الحمار، ويجلس على الأرض، ويعتقل العنز، ويحلبها، ويأكل على الأرض، ويقول: إنما أنا عبد، أجلس كما يجلس العبد، - وسمعته يقول: «لو دعيت إلى كراع لقبلت» ، وثيابه عليها، قال: وأحسبه: ينام عليها. وروى ابن عدي بسند ضعيف عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل متكئا، فقال: المتكئ من النعمة فاستوى قاعدا، فما رؤي بعد ذلك متّكئا، وقال: «إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأشرب كما يشرب العبد» . وروى ابن عساكر- من طرق حسنها- عن يحيى بن سعد الأنصاري عن علي بن حسين رضي الله تعالى عنهما مرسلا قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا لك شيئا ترتفع عليه، تكلّم الناس، فقال: «لا أزال بينكم تطئون عقبي، حتى يكون الله عز وجل يرفعني، ثم قال: لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله عز وجل اتخذني عبدا قبل أن يتخذني رسولا» قال يحيى: فذكرتها لسعيد بن المسيّب فقال: صدق، إن كان نبيا عبدا، وبعد ما اتخذه نبيا، كان عبدا. وروى أيضا عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس الصوف، ويركب الحمار، ويأتي مدعاة الضعيف [ (1) ] . وروى أيضا وأبو يعلى عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس الصوف، ويركب الحمار، ويخصف النعل، ويرقع القميص، ويقول: «من رغب عن سنتي فليس مني» [ (2) ] . وروى أيضا وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويركب الحمار، ويردف معه، ويجيب دعوة المسكين ويوضع طعامه بالأرض، ويلعق أصابعه، وكان يوم خيبر على حمار، ويوم بني قريظة والنّضير على حمار خطامه من حبل من ليف، وتحته إكاف من ليف [ (3) ] . وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 150. [ (2) ] انظر كنز العمال (18146) . [ (3) ] انظر الشمائل للترمذي (173) .

خصال ليست في الجبارين، كان يركب الحمار وكان لا يدعوه أسود ولا أحمر إلا أجابه، وكان يجد التّمرة ملقاة، فيلقيها في فيه [ (1) ] . وروى ابن عساكر عنه قال: كان العبد الأسود يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيأخذ بيده، فيمضي به حيث شاء، إلا قفل بحاجته. وروى البخاري وابن عساكر عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويواسينا بالقليل والكثير. وروى عن البيهقي وابن عساكر عن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم [ (2) ] . وروى ابن منده وابن عساكر عن عاصم بن حدرة قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على خوان قط، ولا مشى معه بسواد وما كان له بواب قط. وروى ابن عساكر- وقال هذا حديث غريب جدا من حديث جرير- عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقام بين يديه، فاستقبلته رعدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هوّن عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: قلت لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: ما ترى فيما قد ظهر من هذا الملبس، والمشرب، والمطعم؟ فقال: يا ابن أخي: كل لله، واشرب لله، والبس لله، واركب لله، وكل شيء من ذلك دخله هوى ومدح، أو مباهاة، أو رياء، أو سمعة فهو معصية وسرف، وتعالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعالج في بيته، كان يعلف الناضح، ويعتقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا دعاه، ويشتري التمر من السوق، فلا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده، أو يجعله في طرف ثوبه، فيبلغ به إلى أهله، ويصافح الغني والفقير والصغير والكبير، ويسلم مبتدئا على من استقبله من صغير أو كبير، أسود أو أحمر، حر أو عبد، من أهل الصلاة لا يستحي أن يجيب إذا دعي، وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقر ما دعى إليه، وإن لم يجد إلا حشفة لا يرفع عشاء لغذاء، ولا غذاء لعشاء، يصبح سبعة أبياته ما بات لهم كسرة خبز، ولا شربة سويق، هيّن المؤنة، لين الخلق،

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 69. [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 466 وانظر الكنز (18491، 18647) .

تنبيهان

كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طليق الوجه، بسّام من غير ضحك، محزون من غير عبوس، شديد من غير عنف، متواضع في غير مذلّة، جواد في غير سرف، رحيم بكل ذي قربى ومسلم، رقيق القلب، دائم الإطراق، لم يبشم قط من شبع، ولم يمد يده إلى طمع قط، قال أبو سلمة: فحدثت عائشة بهذا الحديث كله عن أبي سعيد فقالت: ما أخطأك حرفا، ولقد قصّر أما أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يمتلئ شبعا قط، ولم يبث إلى أحد شكوى، وإن كانت الفاقة أحب إليه من اليسار، والغنى، إن كان ليظل جائعا يلتوي ليلته حتى يصبح فلا يمنعه ذلك من صيام يومه، ولو شاء أن يسأل ربه فيؤتى بكنوز الأرض وثمارها، ورغد عيشها، من مشارقها ومغاربها لفعل، قالت: وربما بكيت رحمة مما أراني له من الجوع فأمسح بطنه بيدي وأقول: نفسي لك الغداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك، ويمنع الجوع، ويقول: يا عائشة: إن إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا على حالهم، فقدموا على ربهم، فأكرم مثابهم، وأجزل ثوابهم، أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي دونهم فالصبر أياما يسيرة أحب إلي مما ينقص حظي غدا في الآخرة، فما من شيء أحب إلي من اللّحوق إلى إخواني في سنده ميسرة بن عبد ربه. تنبيهان الأول: تقدم في حديث حسن أنه لم يكن له صلى الله عليه وسلّم بوّاب، عن أنس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بامرأة، وهي تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله، واصبري» ، قالت: إليك عني، فإنك تخلو من مصيبتي، قال: فجاوزها، ومضى، فمر بها رجل فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قالت: ما عرفته؟ قال: إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاءت إلى بابه، فلم تجد عليه بوابا ... الحديث، ولا يخالف هذا حديث أبي موسى أنه كان بوابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن في شغل من أهله، ولا انفراد من أمره، يرفع الحجاب بينه، وبين الناس، ويبرز لطالب الحاجة إليه، وفي حديث عمر بن الخطاب حين استأذن له الأسود في قصة حلف ألا يدخل على نسائه شهرا، ففيه أنه كان في وقت خلوته بنفسه يتخذ بوابا، ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه، ولم يحتج إلى قوله: يا رباح استأذن لي، ويحتمل أن يكون سبب استئذان عمر أنه خشي أن يكون وجد عليه بسبب ابنته، فأراد أن يختبر ذلك باستئذانه عليه، فلما أذن اطمأن قاله الحافظ. الثاني: في بيان غريب ما سبق: التواضع: مصدر تواضع: هو هضم النفس من الملكات المرضية المورثة للمحبة من الله ومن خلقه.

يتضاءل: بتحتية ففوقية فبضاد معجمة ممدودة فهمزة مهملة، فلام. حجزته: بحاء مهملة مضمومة، فجيم، فزاي، موضع شد الإزار ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة. الأحداث: بهمزة مفتوحة، فحاء ساكنة، فدال مهملة، فألف فمثلثة: جمع حدث بفتح المهملتين الشاب أول عمره. القطيفة: كساء له خمل، يجعل دثارا. هنيهة: بهاء فنون مفتوحة فتحتية ساكنة، فهاء مفتوحة، فتاء تأنيث قليلا. الطّنفسة: بتثليث الطاء، والفاء أيضا وقد تفتح الطاء وتكسر الفاء: اسم للبساط، ويطلق على حصير من سعف يكون عرضه ذراعا. الكراع: بضم أوله، وهو ما دون الركبة من ساق الإنسان، وما فوق الخف والظلف والحافر من غيره. جثى: بجيم مفتوحة فمثلثة مفتوحة: جلس. تسلخ: بضم اللام وفتحها. تنحى: بفتح النون، فحاء مهملة مشددة، أي زال عن مكانه. أريك: أعلمك. دحس: بمهملات مفتوحات، والدّحس بسكون الحاء: إدخال اليد بين جلد الشاة، وصفاقها: وهو الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر. توارت: أي استترت بالجلد الذي عليها. مهنة أهله: بفتح الميم وكسرها: أي خدمتهم. يفلي: بياء تحتية مضارع [فلي] فلام ثلاثيا: أي يزيل قمله. يخصف: يخرز طاقا على طاق، من الخصف، وهو الجمع والضم، ومنه وطفِقا يَخْصِفان [طه 121] . الإكاف: بكسر الهمزة وضمها: البردعة، أو ما يشد فوقها. اللبد: بلام مكسورة، فموحدة ساكن، فدال مهملة: ما يلبّد من شعر أو صوف. محتفزا: بحاء فمثناة فوقية، ففاء، فزاي مستعجلا. الهملاج: بهاء مضمومة، فميم ساكنة، وآخره جيم واحدة الهماليج: البرذون الحسن المشي بسرعة فارسي معرب. الفريغ: بغين معجمة: أي واسع المشي. هدّة: بهاء فدال، فمثناة فوقية: صوت يشبه الرعد.

أفظعة: بهمزة مفتوحة، ففاء ساكنة، فظاء مشالة معجمة، فعين مهملة مفتوحتين: اشتد عليه وهابه. احتذى: بهمزة مكسورة، فمهملة ساكنة، ففوقية، فذال معجمة مفتوحتين: انتعل. المخصوف: بميم مفتوحة، فخاء معجمة ساكنة، فصاد مهملة، فواو، ففاء: من الخصف وهو الضم. بشعا: بموحدة مفتوحة، فشين مكسورة، فعين مهملة: الخشن تقدم وهنا: غليظ الشعير. مدعاة الضعيف. الخوان: بخاء معجمة مكسورة، فواو فألف، فنون: ما يوضع عليها الطعام عند الأكل. مشى بسواد: بسين مهملة، فواو مفتوحتين، فألف، فدال مهملة. الرّعدة بكسر الراء وفتحها، وسكون العين المهملة، وبالدال: الاضطراب. القديد: اللحم المملوح المجفف فعيل بمعنى مفعول. الناضح: بنون فألف فضاد معجمة، فحاء مهملة، الجمل يسقى عليه الماء. يقمّ البيت: بفتح التحتية، وضم القاف، وتشديد الميم: يكنسه. حشف: بمهملة فمعجمة مفتوحتين ففاء،: الفاسد اليابس. والدّقل: بمهملة فقاف مفتوحتين، فلام: الرديء من التمر. طليق الوجه: بطاء مهملة مفتوحة، فلام مكسورة فتحتية فقاف: منبسط متهلل. بسّام: بفتح الموحدة، وتشديد المهملة: كثير التبسم. العنف: بعين مهملة مضمومة، فنون ساكنة ففاء: الشدة والمشقة، وكل ما فيه الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله. لم يبشم: بتحتية مفتوحة فموحدة ساكنة فشين معجمة مفتوحة فميم: من البشم، وهي التخمة. خلو من مصيبتي: بخاء معجمة مكسورة، فلام ساكنة، فواو: فارغ البال منها. القف: بقاف مضمومة، ففاء مشددة: هنا: الدّكّة تجعل حول البئر وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع حول البئر ويكون يابسا في الغالب، والقف أيضا: واد من أودية المدينة، عليه مال لأهلها.

الباب الثامن في كراهيته للإطراء، وقيام الناس له صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن في كراهيته للإطراء، وقيام الناس له صلى الله عليه وسلم روى الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا تطروني كما أطرى النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» [ (1) ] . وروى أحمد، والنّسائي وأبو القاسم البغوي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال: يا محمد يا سيّدنا وابن سيدنا، وخيرنا، وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أيها الناس، قولوا بقولكم، ولا يستهويّنكم الشيطان» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري في الأدب، والترمذي، وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهته لذلك [ (3) ] . وروى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقمنا إليه، فقال: «لا تقوموا كما يقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضا» [ (4) ] . وروى الحافظ وأبو نعيم عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا ترفعوني فوق حقّي، وفي لفظ: قدري أن الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا» [ (5) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الإطراء: قال في النهاية مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه. استهواه الشيطان: ذهب به، وقيل استماله، وأضله، فهدى إلى ما دعاه إليه: أي أسرع في الجري.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 478 (3445) (6830) ومسلم 3/ 317 (5/ 1691) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 25 وأبو داود 5/ 154 (4806) والنسائي في عمل اليوم والليلة ص 248 (245، 247) . [ (3) ] الترمذي 5/ 90 (2754) وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه. [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 253 وأبو داود (5230) وابن ماجة 2/ 1261 (3836) في إسناده أبو غالب واسمه: حزور ويقال: نافع، ويقال سعيد بن الحزدر قال أبو حاتم: ليس بالقوي. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الكبير 3/ 139 وانظر المجمع 9/ 21.

يستجريّنّكم: بفتح المثناة التحتية، وسكون السين المهملة، وفتح المثناة الفوقية، وسكون الجيم، وكسر الراء أو فتحها، وتشديد المثناة التحتية الجريّ وهو الوكيل، يقال أجريت جريّا، واستجريت جريّا أي اتخذت وكيلا، يقول: تكلموا بما يحضركم من القول: ولا تتنطّعوا، ولا تسجعوا كأنكم تنطقون عن نيابة الشيطان. الطول: بطاء مهملة مفتوحة، فواو ساكنة، فلام: الفضل والعلو. الجفنة: بفتح الجيم، وسكون الفاء، قال ابن قتيبة: العرب تقول للسيد المطعم الطعام جفنة لأنه يضعها، ويطعم فيها، وإنما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا منه لأنه تحية أهل الجاهلية، كانوا يثنون بها على رؤسائهم، فقال لهم: قولوا بقولكم أي بقول أهل دينكم، أمرهم أن يثنوا عليه بالدين، وأن يخاطبوه بالنبي والرسول، وقد يكون معناه كراهة التشديق في الخطب، وأمرهم بالاقتصاد في القول، وهذا كما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقبل الثناء إلا من مكافئ، قال ابن قتيبة معناه إذا أنعم. الغراء البيضاء: أي أنها مملوءة بالشحم والدهن.

الباب التاسع في شجاعته، وقوته صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع في شجاعته، وقوته صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه وتعالى: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 84] استنبط بعض السلف من الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مأمور أن لا يفرّ من المشركين إذا واجهوه، ولو كان وحده. وروى أبو زرعة الرازي في دلائل النبوة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الناس بشدة البطش» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن محمد بن الحنفيّة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وقال: فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، ما وجدت من شيء، وقال للفرس: وجدناه بحرا، وإنه لبحر، قال: وكان فرسه بطيئا فيه قطاف فما سبق بعد، وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم كونه ركب فرسا قطوفا بطيئا فعاد بحرا لا يسابق، ولا يجارى [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه [ (3) ] . وروى عنه أيضاً قال: لما كنا يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسا يومئذ، وما كان أحد أقرب من المشركين منه. وروى ابن أبي شيبة عن البراء سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يفر، كانت هوازن ناسا رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، وأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، وهو يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» انتهى، وهذا ما يكون في غاية من الشجاعة التامة لأنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغي، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا مع بغلة ليست للجري، ولا تصلح لكر ولا فر ولا هرب، وهو مع ذلك يركضها إلى وجوههم، وينوّه باسمه، ليعرفه من ليس يعرفه صلى الله عليه وسلّم.

_ [ (1) ] الخطيب في التاريخ 8/ 70 وأورده ابن الجوزي 1/ 169 وانظر المجمع 8/ 269، 92/ 13 والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 213 وفي الدلائل 5/ 475 وانظر البداية 6/ 70. [ (2) ] الحديث عند البخاري 5/ 240 (2627، 6033) ومسلم 4/ 1802 حديث (48/ 2307) وأحمد 3/ 147، 261. [ (3) ] انظر الجامع الكبير للسيوطي 2/ 302.

تنبيهان

وروى أبو الشيخ عن عمران بن حصين: ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلّم كتيبة إلا كان أول من يضرب. وروى الدارميّ عن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود، ولا أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وروى الإمام أحمد، ومسلم عن العباس رضي الله تعالى عنه قال: لقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث، وهو على بغلة شهباء، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكفها، وهو لا يألوها، يسرع للمشركين، وأبو سفيان آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل المسلمون واقتتلوا هم والكفار ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال هذا حين حمي الوطيس وذكر الحديث في غزوة حنين ويأتي. وروى ابن أبي خيثمة عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحفر الخندق عرض لنا فيه صخرة عظيمة شديدة، لا يأخذ فيها المعول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلما رآها أخذ ثوبه، وأخذ المعول، فقال: «باسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، ثم ضرب الثانية فثلغ الثلث الآخر» ثم ضرب الثالثة، فثلغ ثلث الصخر - الحديث، ويأتي بكماله في المعجزات، وتقدم في واقعة الخندق، وقصة مصارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقدمت أوائل الكتاب. وروى مسلم عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: كنا إذا اشتد البأس، وحمي الوطيس، استقبلنا القوم بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع منا ليحاذي الذي يحاذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الطبراني عن علي لما سئل عن موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال: «كان أشدّنا من حاذى ركبته صلى الله عليه وسلّم. تنبيهان الأول: قال القاضي وغيره من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلّم هزم يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل، ولا يجوز ذلك عليه، إذ هو على بصيرة من أمره، ويقين من عصمته، وفرقوا بينه وبين من قال: إنه جرح أو أوذي بأن الإخبار عن الأذى نقص لا يحسب عليه والإخبار بالانهزام نقص له صلى الله عليه وسلم لأنه فعله، كما أن الأذى فعل المؤذي.

وقال ابن دحية فإن قيل: كيف تغّيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار؟ وظاهر: بين درعين يوم أحد قلنا: أما قصة الغار فلم يكن أذن له في قتال الكفار بعد، أما المظاهرة بين درعين فهو من باب الاستعداد للإقدام، وليقتدي به أصحابه، والمنهزم خارج عن الإقدام جملة، بخلاف المستعد له. [ (1) ] الثاني: في بيان غريب ما سبق: الشجاعة: انقياد النفس في إقدامها مع قوة غضبية وملكة يصدر عنها انقيادها على ما ينبغي في زمن ينبغي، وحال ينبغي. القوة: تمكن من مزاولة أفعال شاقة لاعتدال في الأعضاء. البطش: بموحدة مفتوحة، فطاء مهملة ساكنة، فمعجمة: الأخذ القوي الشديد. فرس بحر: إذا كان واسع الجري. وفرس قطوف إذا ضايق بين خطوه في المشي، قال الأصمعي: فرس بحر إذا كان جوادا وقال أبو عبيدة: البحر: الفرس الذي كلما بعد جرى حتى آخر النجدة، وتثنيتها يبذلها عند طلب التثبيت والسكون إلى الفوت حيث يحمد فعلها. بلا خلاف. الكتيبة: بمثناة فوقية: جماعة عظيمة من الجيش. الوطيس: بواو مفتوحة، وطاء مكسورة ومثناة تحتية ساكنة، وسين مهملة، شيء يشبه التّنّور وقيد ذلك. النجدة: بنون، فجيم: الشجاعة، وقوة البطش.

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 12 والكنز (29940) .

الباب العاشر في كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم

الباب العاشر في كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم وروي عن الشيخين والإمام أحمد وابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا» [ (1) ] ، ولله در الفرزدق حيث قال: ما قال لا قطّ إلّا في تشهّده ... لولا التّشهّد كانت لاؤه نعم وروى الخرائطي، والطبراني عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شيء فأراد أن يفعله قال: «نعم» وإن أراد ألا يفعله سكت، وكان لا يقول لشيء لا [ (2) ] . وروى أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي في دلائله عن محمد بن السّري العسقلاني [قال] : كنت أنا ورجل من أهل عسقلان نطلب المشايخ نقرأ عليهم القرآن فرأيت كأني وصاحبي اختلفنا في آية وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب 68] وقال صاحبي: كثيرا، فلقيت آدم بن أبي إياس فقلنا: نسألك، فقال: وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقلت: يا رسول الله ادع لي، فسكت، فقلت: يا رسول الله، ما لك لا تدعو لي؟ فو الله لقد حدثني سفيان بن عيينة عن محمد بن المنذر عن جابر أنك ما سئلت عن شيء قط فقلت: لا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا لي، فقلت: يا رسول الله: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب 68] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كبيرا كبيرا كبيرا» . وروى الإمام أحمد، ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ما سئل رسول الله شيئاً إلا أعطاه ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى أهله فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمداً صلّى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وإن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما يريد بذلك إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا وما بينها [ (3) ] ، ويرحم الله تعالى أبا عبد الله محمد المعروف بابن جابر حيث قال: هذا الّذي لا يخش فقرا إذا ... يعطي ولو كثر الأنام وداموا هذا من الأنعام أعطى أملا ... فتحيّرت لعطائه الأفهام وأعطاه صلى الله عليه وسلّم ذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام علم أن داءه لا يزول إلا بهذا الدواء، وهو الإحسان، فعالجه به حتى برأ من داء الكفر، وهذا من كمال شفقته، ورحمته ورأفته صلى الله عليه وسلّم، أي

_ [ (1) ] أخرجه من حديث جابر البخاري 10/ 455 (6034) ومسلم 4/ 1805 (56/ 2311) . [ (2) ] انظر المجمع 9/ 10213/ 171. [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1806 (58/ 2312) .

عامله بكمال الإحسان، وأبعده من حر النيران، إلى برد لطيف الجنان. وروى الدارمي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيياً لا يسأل شيئاً إلا أعطى [ (1) ] ولقد أحسن ابن جابر حيث قال:. يروى حديث النّدى والبشر عن يده ... ووجهه بين منهلّ ومنسجم من وجه أحمد لي ندى ومن يده ... بحر ومن فمه درّ لمنتظم يمّم نبيا يباري الرّيح نافلة ... والمزن من كل هامي الورد خير همي لو عامت الفلك فيما فاض من يده ... لم تلق أعظم بحرا منه أن تعم يحيط كفّاه بالبحر المحيط فلذ ... به ودع كلّ طامي الموج ملتطم لو لم تحط كفّه بالبحر ... ما اشتملت كلّ الأنام وروّت قلب كلّ ظمي وروى الترمذي عن الربيع بن عفراء قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقناع من رطب، وجرو زغب، فأعطاني ملء كفي حليّا، أو ذهبا، ويرحم الله ابن جابر حيث قال:. لقد كان فعل الخير قرّة عينه ... فليس له فيما سواه مجال فلو سألوا من كفّه ردّ سائل ... أجابهم هذا السؤال محال ولو عرف المحتاج قبل سؤاله ... كفاه، وأغنى أن يكون شؤال يبادر للحسنى ويبذل زاده ... ولو بات مسّ الجوع منه ينال وروى البخاري، وابن ماجة، وابن سعد، والطبراني، والإسماعيلي والنّسائي عن سهل ابن سعد رضي الله تعالى عنه أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلّم ببردة منسوجة فيها حاشيتها، قال سهل: أتدرون ما البردة؟ قالوا، الشّملة، قال: نعم، قالت نسجتها بيدي لأكسوكها فخذها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلّم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها لإزاره فقال الأعرابي: يا رسول الله بأبي أنت وأمي هبها لي وفي لفظ، فقال: «نعم» ، فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع فطواها فأرسل بها إليه، ثم سأله، وعلم أنه لا يرد سائلا، وفي لفظ: لا يسأل شيئا فيمنعه قال: والله إني ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني، رجوت بركتها حين لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سهل: فكانت كفنه، زاد الطبراني: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع له غيرها، فمات قبل أن تنزع [ (2) ] . وروى الطبراني عن أم سنبلة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهدية، فأبى أزواجه أن يقبلنها، فأمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذنها، ثم أقطعها واديا.

_ [ (1) ] انظر أخلاق النبوة (40) . [ (2) ] أحمد في المسند 5/ 333.

وروى الدّارمي عن هارون بن أبان قال: قدّم للنبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألف درهم، وهو أكثر مال أتي به قط، فوضع على حصير من المسجد، ثم قام بنفسه، فما رد سائلا، حتى فرغ منه، قالوا: ويحتمل أن يكون المراد بهذه الكثرة الدراهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قسم بين رجلين من النّعم والشاء ما هو أكثر من هذا المال المذكور في هذا الحديث، وذكر ابن فارس في كتابه أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: أنّه في يوم حنين جاءت امرأة، فأنشدت شعرا تذكره أيام رضاعه في هوازن، فرد عليهم ما أخذ، وأعطاهم عطاء كثيرا، حتى قوّم ما أعطاهم فكان خمسمائة ألف، قال ابن دحية: وهذا نهاية الجود الذي لم يسمع بمثله في الجود ... وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمال من البحرين فقال: انظروا يعني صبّوه في المسجد، وكان أكثر مال أتى به صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد، ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلا أعطى إلى أن جاء العباس فقال: يا رسول الله أعطني، فإني فأديت نفسي، وفأديت عقيلا، فقال: «خذ» فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقلّه فلم يستطع، فقال: يا رسول الله مر بعضهم يرفعه إليّ قال: «لا» ، قال: فارفعه أنت، قال: «لا أستطيع» ، ثم نثر منه، ثم ذهب يقلّه فلم يستطع، فقال: يا رسول الله: مر بعضهم يرفعه عليّ، قال: «لا» ، قال: فارفعه أنت» ، قال: «لا» ثم نثر منه فاحتمله، فألقاه على كاهله، فانطلق فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجبا منه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وثمّ منها درهم، ورواه ابن أبي شيبة من طريق حميد ابن هلال مرسلا أنه كان أرسل به العلاء بن الحضرمي من خراج البحرين قال: وهو أول مال حمل إليه. وروى الشيخان عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فمر النبي صلى الله عليه وسلّم فضربه، ودعا له، فسار سيرا لم يسر مثله، ثم قال: «بعنيه بوقيّة» ، قلت: لا، ثم قال: «بعنيه بوقيّة» ، فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا المدينة أتيته بالجمل، ونقد لي ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل إلي فقال: «ما كنت لآخذ جملك، هو لك» وفي لفظ البخاري قال صلى الله عليه وسلّم لجابر في سفر: «بعني جملك» ، فقال: هو لك يا رسول الله، بأبي وأمي، فقال: «بعنيه» فباعه إياه، وأمر بلالا أن ينقده ثمنه، فأنقده ثم قال صلى الله عليه وسلم: «اذهب بالثمن والجمل بارك الله لك فيهما» ، انتهى، فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكافأة لقوله: بل هو لك، فأعطاه الثمن، ورد عليه الجمل، وزاد الدعاء بالبركة. وروى الشيخان عن أبي عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقى جبريل، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان،

فيدارسه في القرآن. فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة [ (1) ] . وروى التّرمذي والخرائطي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندي شيء أعطيك، ولكن استقرض، حتى يأتينا شيء فنعطيك، فقال عمر: ما كلفك الله هذا، أعطيت ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تكلف، قال: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عمر، حتى عرف في وجهه، فقال الرجل: يا رسول الله، بأبي وأمي أنت، فأعط، ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال: «بهذا أمرت» . وروى ابن سعد عن أنس والتّرمذي عن علي قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس [ (2) ] . وروى بقي بن مخلد وأبو يعلى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم عن الأجود؟ الله الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل تعلم علما فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاهد في سبيل الله حتى يقتل» [ (3) ] . وروى ابن أبي خيثمة عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان أجود الناس كفا. وروى ابن أبي شيبة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس [ (4) ] . وروى بزّار عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل [ (5) ] . وروى ابن أبي الدّنيا وغيره عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: دخل رجلان على رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسألانه عن ثمن بعير فأعانهما بدينارين، فخرجا من عنده، فلقيا عمر بن الخطاب، فأثنيا خيرا، وقالا معروفا، وشكرا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهما، فدخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لكن فلانا أعطيته ما بين العشرة والمائة فلم يقل ذلك، إن أحدهم يسألني فينطلق بمسألته يتأبّطها، وما هي إلا نار» ، فقال عمر يا رسول الله، فلم تعطهم ما هو نار؟ فقال: «يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل» [ (6) ] . وروى الإمام والخمسة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، وقال: «ما يكون عندي من خير فلن أدّخره

_ [ (1) ] سيأتي في الصيام. [ (2) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 93 والترمذي في الشمائل (190) . [ (3) ] ذكره الحافظ الهيثمي في المجمع 1/ 166، 92/ 13 وفي المطالب (3077) والكنز (28771) وأخرجه ابن حبان في المجروحين 2/ 301 وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 123. [ (4) ] ابن أبي شيبة 9/ 102 ابن سعد 1/ 2/ 99 وانظر المجمع 3/ 150. [ (5) ] وبنحوه أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 23. [ (6) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد 849، 2074) وانظر جمع الجوامع للسيوطي 1/ 1095، 2/ 657.

تنبيهات

عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير، وأوسع من الصبر» . وروى ابن عدي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن لي مثل جبال تهامة ذهبا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني كذوبا ولا بخيلا» [ (1) ] . وروى البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أنه بينما هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومعه الناس، مقبلا من حنين علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاة نعم لقسمته عليكم لا بخيلا، ولا كذابا، ولا جبانا» [ (2) ] . وروى أبو جعفر بن جرير الطبري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: حكيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلّة أنمار صوف أسود، فجعل حاشيتها بيضاء، وقام فيها إلى أصحابه، فضرب بيده إلى فخذه فقال: «ألا ترون إلى هذه ما أحسنها!» فقال أعرابي: يا رسول الله بأبي أنت وأمي هبها لي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يسأل شيئاً أبدا فيقول: لا، فقال: «نعم» ، فأعطاه الجبة. وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما لأناس، فقلت: يا رسول الله لغير هؤلاء كانوا أحقّ بهذا القسم، فقال: «إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني، ولست بباخل» [ (3) ] . وروى ابن الأعرابي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأله الناس، فأعطاهم من البقر والغنم والإبل، حتى لم يبق من ذلك شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ماذا تريدون؟ أتريدون أن تبخّلوني؟ فو الله ما أنا ببخيل، ولا جبان، ولا كذوب» ، فجذبوا ثوبه حتى بدت رقبته، فكأنما أنظر- حين مدّ يدا من منكبه- شقة القمر من بياضه [ (4) ] . تنبيهات الأول: قال الحافظ: قوله: ما قال: لا، ليس المراد أنه يعطي ما طلب منه جزما، بل المراد أنه لا ينطق بالرد بلا، إن كان عنده أعطاه، إن كان إلا إعطاء سابغا، وإلا سكت، قال:

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي 3/ 964. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 35 (2821) (3148) . [ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الزكاة (127) وأحمد 1/ 35 وابن عساكر كما في التهذيب 6/ 212 وانظر الكنز (16712) . [ (4) ] ابن عساكر كما في التهذيب 3/ 4289/ 133.

وقد روينا بيان ذلك في حديث مرسل لابن الحنفية عند ابن سعد ولفظه: إذا سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت،. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام لم يقل: لا، منعا للإعطاء، ولا يلزم من ذلك أن يقولها اعتذارا كما في قوله تعالى: «لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة 92] ولا يخفى الفرق بين قوله: (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ وهو نظير ما في حديث أبي موسى الأشعري لما سأله الأشعريون الحملان فقال صلى الله عليه وسلم: «ما عندي ما أحملكم» لكن يشكل عليه أنه صلى الله عليه وسلم حلف لا يحملهم فقال: «والله لا أحملكم» ، فيمكن أن يخص من عموم حديث جابر ما إذا سئل ما ليس عنده، والسائل يتحقق أنه ليس عنده ذاك، حيث كان المقام لا يقتضي الاقتصار على السكوت من الحالة الواقعة، أو من حال السائل كأن لم يعرف العادة، فلو اقتصر على السكوت مع حاجة السائل تمادى في السؤال ويكون القسم على ذلك تأكيدا لقطع طمع السائل، والسر في قوله: «لا أجد ما أحملكم» وقوله: «والله لا أحملكم» أن الأول لبيان أن الذي سأله لم يكن موجوداً عنده، والثاني أنه يتكلف الإجابة إلى ما سئل بالقرض مثلا، أو بالاستيهاب، إذ لا اضطرار حينئذ. الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: فخصها فلانا أفاد المحب الطبري في كتاب الأحكام له أن الرجل السائل عبد الرحمن بن عوف، وعزاه للطّبراني، قال الحافظ: ولم أجد ذلك في معجمه الكبير، لا في مسند سهل، ولا في عبد الرحمن، نعم رواه الطبراني، وقال في آخره: قال قتيبة هو سعد بن أبي وقاص، وقد يقال: تعددت القصة، وفيه بعد. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: الأجود أفعل تفضيل من جاد يجود، جوداً فهو جواد، بتخفيف الواو، وقومٌ جودٌ، وأجاود، وأجواد. قال النحاس: الجواد: الذي يتفضل على من يستحقّ، ويعطي من لا يسأل، ويعطي الكثير، ولا يخاف الفقر، من قولهم مطر جواد إذا كان كثيراً، وفرس جواد يعدو كثيراً، قبل أن يطلب منه، ثم قيل: هو مرادفٌ للسّخاء، والأصحّ أن السخاء أدنى منه، ولذا يوصف الله تعالى به، والسخي اللّين عند الحاجات، من أرضٌ سخاوية: لينة التراب، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى: قال القوم من أعطى البعض فهو سخيّ، ومن أعطى الأدنى، وأبقى لنفسه شيئاً، فهو جواد، ومن قاسى الضر، وآثر غيره بالبلغة فهو مؤثر، وقال السّهروردي في عوارفه: السخاء صفة غريزية، وفي مقابله الشّح. والشح من لوازم صفة النفس قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن 16] فحكم بالفلاح لمن وقي الشّحّ، وحكم بالفلاح أيضا لمن أنفق وبذل فقال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة 5] والفلاح اسم لسعادة الدارين، وليس الشح من الآدمي بعجيب لأنه جبليّ فيه، وإنما العجب وجود السخاء في الغريزة، والسخاء أتم وأكمل من الجود. وفي مقابله البخل، وفي مقابلة السخاء الشح، والجود

والبخل يتطرق إليهما الاكتساب بطريق العادة، بخلاف السخاء إذا كان ذلك من ضرورة الغريزة، فكل سخي جواد، وليس كل جواد سخي، والجود يتطرق إليه الرّياء، ويأتي به الإنسان متطلعا إلى غرض الخلق أو الحقّ، بمقابلة من الثناء، أو غيره من الخلق، أو الثواب من الله تعالى، ولا يتطرق الرياء من السخاء لأنه يقع من النفس الزكية المرتفعة عن الأغراض. الرابع: في بيان غريب ما سبق: الكرم: بفتحات الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم قدره. الجود: بضم الجيم: تجنب اكتساب ما لا يحمد وهو ضدّ التقتير. الفاقة: بفاء فألف، فقاف: فقد الدنيا. المنهل: بميم مفتوحة فنون ساكنة فهاء مفتوحة فلام: كل ما يطؤه الطريق، وما كان على غير الطريق لا يدعى منهلا، ولكن يضاف إلى موضعه، أو إلى من هو مختص به، فيقال منهل بني فلان، أو مشربهم، ومواضع نهلهم. المنسجم: بميم مضمومة، فنون ساكنة، فسين مهملة فجيم فميم: السائل. يباري: بتحتية مضمومة، فموحدة فألف فراء فتحتية: يعارض ويجاري ويسابق. المزن: بميم مضمومة، فزاي ساكنة، فنون: الغيم والسحاب وقيل السحاب الأبيض. الطّامي: بطاء مهملة فألف فميم: الكثير. الملتطم: بميم مضمومة، فلام ساكنة، ففوقية مفتوحة، فطاء مهملة مكسورة، فميم: دخل بعضه في بعض لكثرته. القناع: بكسر القاف: طبق يؤكل عليه. الجرو: بجيم مكسورة، فراء ساكنة، فواو: صغار القثاء وقيل الرمان أيضا. زغب: بزاي، وغين معجمة، فباء: صغار عليها زغب أي وبر. المجال: المجال. الكاهل: بكاف فألف فهاء مكسورة فلام: أعلى الظهر. الخراج. البحرين: معروفة. الريح المرسلة: السريعة النفع، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الأعراف 57] . البخل: بموحدة مضمومة، فخاء معجمة، فلام: ضد الكرم. الجبن: بجيم مضمومة، فموحدة ساكنة، فنون: ضد الشجاعة. حلّة أنمار: بهمزة مفتوحة، فنون، وآخره راء: بردة من صوف يلبسها الأعراب.

الباب الحادي عشر في خوفه، وخشيته، وتضرعه صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي عشر في خوفه، وخشيته، وتضرعه صلى الله عليه وسلّم وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «قاربوا، وسدّدوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله» وفي لفظ: لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» . ورويا أيضا عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم صنع شيئا فرخّص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فخطب، فحمد الله، ثم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدّهم له خشية» . وروى ابن سعد عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرسل وصيفة له فأبطأت عليه، فقال: «لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك» [ (1) ] . وروى الإمام مالك عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع: يا رسول الله إني أصبحت جنبا، وأنا أريد الصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وأنا أصبح جنبا، وأنا أريد الصوم، فأغتسل وأصوم» ، فقال له الرجل: يا رسول الله إنك لست مثلنا، قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي» [ (2) ] . وروى مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أيقبّل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «سل هذه لأم سلمة» ، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصنع ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أنا، والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له» [ (3) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن صفوان بن عوف قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتأوه ويقول: «أوه من عذاب الله أوه من قبل أن لا تنفع أوه» . وروى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم علي ركبته، وقال: «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» [ (4) ] .

_ [ (1) ] وأخرجه الخطيب في التاريخ 2/ 40 وانظر المطالب (2211) والمجمع 10/ 352. [ (2) ] وسيأتي في الصيام. [ (3) ] سيأتي في الصيام. [ (4) ] سيأتي.

وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح، أو سمع صوت الرعد تغير لونه، حتى عرف ذلك في وجهه [ (1) ] . وروى سعيد بن منصور، والإمام أحمد وعبد بن حميد والشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا، حتى ترى لهواته إنما كان يتبسم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا رأى غيما تلون وجهه، وتغير، ودخل، وخرج، وأقبل، وأدبر، فإذا أمطرت سرّي عنه، قالت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيت فيما عرف في وجهك الكراهة، فقال: «يا عائشة، وما يؤمنني أن يكون عذاب؟ قد عذب الله عز وجل قوما بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا [ (2) ] [الأحقاف 24] وفي لفظ: وما يدريك كما قال قوم فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ [الأحقاف 24] . وروى الترمذي- وحسنه هو والحافظ المنذري وصححه الحاكم- عن ابن عباس وسعيد بن منصور، وابن عساكر عن أنس، والترمذي في الشمائل وأبو يعلى- برجال ثقات- عن أبي جحيفة، وابن عساكر عن عمران بن حصين، وابن سعد عن محمد بن علي بن الحسين، والطبراني وابن مردويه- بسند صحيح- قال ابن عباس: أن أبا بكر قال: وقال أنس: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا رسول الله شبت، قال: «شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشّمس كوّرت» [ (3) ] . وهذا الحديث له طرق، وقد أخطأ من ذكره في الموضوعات [ (4) ] . وروى البيهقي وابن عساكر عن أبي علي الشّبولي- بضم الشين المعجمة، والموحدة- أحد رواة الصحيح قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله ما روي عنك أنك قلت: شيبتني هود؟ قال: «نعم» قلت: ما الذي شيبك منها؟ قصص الأنبياء، وهلاك الأمم؟ قال: «لا، ولكن فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ [ (5) ] [هود 112] . وروى ابن مردويه، والطبراني- بسند صحيح- عن عقبة بن عامر أن رجلا قال: يا

_ [ (1) ] انظر الدر المنثور 4/ 51 وتاريخ أصفهان 1/ 130. [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 504 (6092) ومسلم 2/ 616 (16/ 899) . [ (3) ] أخرجه التّرمذي (3297) والشمائل 27 والحاكم 2/ 343 والبيهقي في الدلائل 1/ 358 وابن أبي شيبة 10/ 554 وابن سعد 1/ 2/ 138 وانظر المجمع 7/ 37 وابن كثير في التفسير 4/ 2236 7/ 487 وفي البداية 6/ 69 وابن حجر في المطالب (3650) والدر المنثور 3/ 119. [ (4) ] انظر تذكرة الموضوعات (82) . [ (5) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 1/ 358.

رسول الله قد شبت، قال: «شيبتني هود وأخواتها» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «شيبتني هود وأخواتها، وذكر القيامة وقصص الأنبياء والأمم» [ (2) ] . وروى ابن أبي حاتم عن الحسن رحمه الله تعالى قال: لما نزلت هذه الآية فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «شمروا وأثمروا فما رئي ضاحكا» . وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس، وسعيد بن منصور، والإمام أحمد، والترمذي- وحسنه- عن أبي سعيد، وأبو نعيم عن جابر رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنعم، وصاحب الصور قد التقم القرن، وحنى جبهته، وأصغى بسمعه، ينتظر متى يؤمر فينفخ؟» قالوا: وماذا نقول يا رسول الله؟ قال: «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل» [ (4) ] . وروى الحاكم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم هَلْ أَتى [الإنسان 1] حتى ختمها، ثم قال: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السّماء، وحقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى، والله إني لوددت أني شجرة تعضد» . قال بعض الحفاظ قوله: لوددت أني إلخ مندرج في الخبر من قول أبي ذرّ [ (5) ] . وروى أبو عبيدة في فضائله، وأحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين،

_ [ (1) ] انظر تفسير ابن كثير 4/ 236 والدر المنثور 3/ 2319 6/ 153. [ (2) ] انظر المجمع 7/ 37 والطبراني في الكبير 6/ 183 17/ 287 والخطيب في التاريخ 3/ 145 والبغوي في التفسير 3/ 260 وابن سعد 1/ 2/ 138. وعبد الرزاق في المصنف (5997) وأبو نعيم في الحلية 4/ 350. [ (3) ] أخرجه البخاري 11/ 319 (6485) (6637) . [ (4) ] من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أحمد في المسند 3/ 7157 والترمذي 4/ 620 (2431) وفي التفسير (3243) وأخرجه أبو يعلى في مسنده 2/ 340 (110/ 1084) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 637 حديث (2569) والحاكم 4/ 559. [ (5) ] أخرجه الترمذي (2312) وأحمد 5/ 173 والحاكم 2/ 42510/ 544، 579 وابن ماجة (4190) وأبو نعيم في الدلائل 158 وفي الحلية 2/ 238.

تنبيهات

وابن جرير، وابن أبي داود في الشريعة [ (1) ] ، وابن عدي، وابن نصر، والبيهقي في الشعب عن حمران بن أعين [ (2) ] عن أبي حرب بن المسوّر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سمع رجلا يقرأ ولفظ هنّاد وعبد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرأ إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً، وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً [المزمل 12، 13] فلما بلغ إليها صعق. وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات، والطبراني عن أبي سعيد، وابن أبي الدّنيا عن أنس رضي الله تعالى عنهما، قال أبو سعيد: إنا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرأيناه كئيبا، فقال بعضنا: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «سمعت هدّة، ولم أسمع مثلها، فأتاني جبريل فسألته عنها، فقال: هذه صخرة هدّت من شفير جهنم، من سبعين خريفا، فهذا حين بلغت قعرها، أحبّ أن يسمعك صوتها» ، فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضاحكا ملء فيه حتى قبضه الله تعالى [ (3) ] . وروى الحارث بن أبي أسامة عن النواس بن سمعان [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا مقلّب القلوب، ثبت قلبي على دينك» [ (5) ] . تنبيهات الأول: روى عبد بن حميد عن الحسن رحمه الله تعالى قال: لما أنزل الله تعالى: (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [الأحقاف 9] عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخوف فلما نزلت: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 1، 2] الآية اجتهد، فقيل له: تجهد نفسك، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟.

_ [ (1) ] عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، أبو بكر بن أبي داود: من كبار حفاظ الحديث. له تصانيف. كان إمام أهل العراق، وعمي في آخر عمره. ولد بسجستان، ورحل مع أبيه رحلة طويلة، وشاركه في شيوخه بمصر والشام وغيرهما، واستقر وتوفي ببغداد. من كتبه «المصاحف» و «المسند» و «السنن» و «التفسير» و «القراآت» و «الناسخ والمنسوخ» . توفي 316. الأعلام 4/ 91. [ (2) ] حمران بن أبان مولى عثمان كان من النمر بن قاسط سبي بعين التمر فابتاعه عثمان من المسيب بن نجبة فأعتقه. أدرك أبا بكر وعمر روى عن عثمان ومعاوية. انظر تهذيب التهذيب 3/ 25. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 92 أو ابن حجر في المطالب 4671. [ (4) ] النواس بن سمعان بن خالد الكلابي أو الأنصاري، صحابي مشهور سكن الشام. التقريب 2/ 300. [ (5) ] ابن حجر في المطالب (462، 4940) وهو عند الترمذي (214، 3522، 3587) وأحمد 3/ 112، 257، 6/ 91 والحاكم 2/ 288، 289 وابن أبي شيبة 10/ 36، 37، 209، 210، 11/ 37 والطبراني في الكبير 1/ 234، 72/ 375 وابن أبي عاصم 1/ 104 والطبري في التفسير 3/ 25 وابن ماجة (199) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2419) وعبد الرزاق (19646) وأبو نعيم في الحلية 8/ 22 والدولابي في الكنز 2/ 91.

الثاني: روى الترمذي وغيره عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوصلا لإخوانه، ليست له راحة، قال ابن القيم في زاد المعاد: وأما بكاؤه فكان من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق، ولا رفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كان تدمع عيناه حتى يهملا، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفا على أمته، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، يصاحب الخوف والخشية. الثالث: قوله: «وأشدّهم له خشية» ، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: في هذا الحديث إشكال لأن الخوف والخشية حالةٌ تنشأ عن ملاحظة شدّة النّقمة الممكن وقوعها بالخائف، وقد دلّ القاطع على أنه صلى الله عليه وسلم غير معذّب، وقال تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ [التحريم 8] فكيف يتصوّر منه الخوف؟ فكيف أشد الخوف؟ قال: والجواب أن الذهول جائز عليه صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل الذهول عن موجبات نفي العقاب حدث له الخوف، ولا يقال: إن إخباره بشدة الخوف، وعظم الخشية عظم بالنوع لا بكثرة العدد، أي إذا صدر منه الخوف، ولو في زمن فرد كان أشدّ من خوف غيره. الرابع: في بيان غريب ما سبق: الخوف: بخاء معجمة مفتوحة، فواو ساكنة، ففاء: الفزع. الخشية: بخاء معجمة مفتوحة، فشين معجمة، فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث: الخوف. التضرع: بمثناة فوقية، فضاد معجمة مفتوحة، فراء، فعين مهملة: التذلل، والمبالغة في السؤال والرغبة. الفضل: بفاء مفتوحة، فضاد معجمة ساكنة، فلام: الإعطاء لا عن إيجاب ولا وجوب. الوصيفة: بواو فصاد مهملة مكسورة، فتحتية، ففاء فتاء تأنيث: الأمة. أوه: بهمزة مفتوحة وواو ساكنة، فهاء مكسورة، وربما قلبوا الواو فقالوا: آه من كذا، وربما شدّدوا الواو وكسروها، وسكنوا فقالوا: أوّه، وربما حذفوا الهاء فقالوا: أوّ، وبعضهم بفتح الواو مع التشديد فيقول: أوهّ: وهي كلمة تقال عند الشكاية والتوجع. خشي العارض: بعين مهملة، فألف، فراء مكسورة، فضاد معجمة: هنا السحاب الذي يعترض في الأفق. أطّت: بهمزة مفتوحة، فمهملة مشددة: ملئت لكثرة ما فيها من الملائكة. الصّعدات: الصّعدات بضم الصاد، والعين المهملة، وفتح: الطرقات. تجأرون: بمثناة فوقية، فجيم، فهمزة مفتوحة: تتضرعون رافعي أصواتكم. اللهوات: يأتي الكلام عليه في باب ضحكه.

الباب الثاني عشر في استغفاره، وتوبته صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني عشر في استغفاره، وتوبته صلى الله عليه وسلم وروى البخاري والترمذي والطّبراني بأسانيد حسنة، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة» [ (1) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم مائة مرة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أستغفرك ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وأنت، المؤخر، وأنت على كل شيء قدير» ، وفيه راو لم يسم، وهو في الصحيح بلفظ: اللهم اغفر لي ما قدمت إلى آخره [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب، ومسلم في الصحيح عن الأغرّ رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله تعالى، فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة» [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والحاكم عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين أنت من الاستغفار يا حذيفة؟ إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة، وأتوب إليه» [ (5) ] . وروى النّسائي- بسند جيد- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه» قبل أن يقوم من المجلس، مائة مرة [ (6) ] . وروى ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب، وأبو داود والترمذي، وابن ماجة، والنسائي

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 282 وأبو داود في الدعاء باب (4) والترمذي (3259) والبغوي في التفسير 6/ 80 وابن ماجة (3816) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (3456، 2458) أبو نعيم في الحلية 2/ 188 والطحاوي في المعاني 4/ 289. [ (2) ] الطبراني في الكبير 2/ 397، 402 وانظر المجمع 10/ 208 وابن ماجة (3815) وابن أبي شيبة 10/ 297، 13/ 461. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 391 والحاكم 1/ 511 وانظر المجمع 10/ 209. [ (4) ] أخرجه مسلم في الصحيح في كتاب الذكر (42) وابن ماجة (78، 1081) وأحمد 4/ 211، 260. [ (5) ] ابن أبي شيبة 10/ 297، 13/ 461 والحاكم 2/ 457. [ (6) ] وأخرجه ابن السني (123، 134) وابن عساكر في التهذيب 5/ 142.

تنبيهات

أيضا قال: إنا كنا نعد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس: «رب اغفر لي، وتب عليّ، إنّك أنت التواب الرحيم، مائة مرة» ، وفي لفظ: التواب الغفور. وروى ابن أبي شيبة ومسلم والأربعة عن الأغرّ بن مزينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله، وفي لفظ: وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» ، وفي رواية: سمعته يقول: «توبوا إلى ربكم، فو الله إني لأتوب إلى ربي عز وجل مائة مرة في اليوم» . وروى محمد بن يحيى بن عمر برجال ثقات عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات قبل موته بسنة: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك» ، قالت فقلت: يا رسول الله لقد لزمت هذه الكلمات، قال: «إن ربي عهد إلي عهدا أو أمرني بأمر، فأنا أتّبعه» ، ثم قرأ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ حتى ختم السورة. تنبيهات الأول: استشكل وقوع الاستغفار منه صلى الله عليه وسلم، وهو معصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية، وأجيب بأجوبة منها: أنه رأى الاشتغال بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو مخالطة الناس، والنظر في مصالحهم، ومحاربة عدوهم تارة، ومداراته أخرى، وتأليف المؤلفة، وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله تعالى، والتضرع إليه، ومشاهدته، ومراقبته، ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي، وهو الحضور في حظيرة القدس، ومنها: أن استغفاره تشريع لأمته، أو من ذنوب لأمته، فهو كالشفاعة لهم. وقال الشيخ شهاب الدين السّهروردي لما كانت روح النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل في الترقي إلى مقامات القرب تستتبع القلب، والقلب يستتبع النفس، ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس، وكانت خطى النفس تقصر عن مداهما في العروج، فمما نهضت به الحكمة إبطاء حركة القلب لئلا تتقطع علاقة النفس عنه، فيبقى العباد محرومين فكان صلى الله عليه وسلّم يفزع إلى الاستغفار، لقصور النفس عن ترقي القلب، ومنها: أن في الاستغفار والتوبة معنى لطيفا، وهو استدعاء لمحبة الله تعالى، فإحداثه الاستغفار والتوبة في كل حين استدعاء لمحبة الله تعالى. الثاني: الغين، قال شعبة: سألت الأصمعي ما معنى ليغان على قلبي؟ فقال: عمّن يروى ذلك؟ قلت: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لو كان قلب غير النبي صلى الله عليه وسلم لفسرته، وأما قلبه صلى الله عليه وسلم فلا أدري، كان شعبة يتعجب منه، وسئل أبو عبيدة عنه فلم يفسره. وقال الجنيد: لولا أنه حال النبي صلى الله عليه وسلم لتكلمت فيه، ولا يتكلم على حال إلا من كان

مشرفا عليها، وجملة حاله لا يشرف على نهايتها أحد من الخلق، ونقل الإمام الرافعي رحمه الله تعالى في أماليه عن سيدنا الصديق رضي الله تعالى عنه، أنه مع علو مرتبته تمنى أن يشرف عليها، فقال: ليتني شهدت ما استغفر منه صلى الله عليه وسلم انتهى، وتكلم في معناه آخرون بحسب ما انتهى إليه فهمهم، ولهم منهجان: أحدهما حمل الغين على حالة جميلة، ومرتبة عالية اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد من استغفاره: خضوعه، وإظهار حاجته إلى ربه، وملازمته للعبودية، قال أبو سعيد الخرّاز [ (1) ] فيما نقله عنه الإمام الرافعي: الغين شيء لا يجده إلا الأنبياء، وأكابر الأبرار والأولياء، لصفاء أسرارهم، وهو كالغيم الرقيق الذي لا يدوم. قال الرافعي [ (2) ] : وحمله على عارض غيره أكمل منه، فيبادر إلى الاستغفار، وعلى هذا كثرت التنزيلات والتأويلات، فقيل كان سبب الغين النظر في حال الأمة، واطّلاعه على ما يكون منهم، فكان يستغفر لهم. وقيل: سببه ما يحتاج إليه من التبليغ، ومشاهدة الخلق، فيستغفر منه ليصل إلى صفاء وقته مع الله تعالى. وقيل: ما كان يشغله من تمادي قريش وطغيانهم. وقيل: ما كان يجده من محبة إسلام أبي طالب. وقيل: لم يزل صلى الله عليه وسلّم مترقيا من رتبة إلى رتبة، فكلما رقي درجة التفت إلى ما خلفها، وجد منها وحشة لقصورها بالإضافة إلى التي انتهى إليها، وذلك هو الغين، فيستغفر منه، قال: وهذا ما كان يستحسنه والدي رحمه الله تعالى ويقرره. ومن هؤلاء من نزل الغين على السكينة والاطمئنان، قال البيهقي في الشّعب: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سهل: يعني الصّعلوكي [ (3) ] أحد أئمة الشافعية يقول: في قوله: ليغان على قلبي وأيد أنّ أحدهما يختص به أهل الإشارة، وهو حملهم إياه على غشية السّكرة التي هي الصحو في الحقيقة، ومعنى الاستغفار على التجسر للكشف

_ [ (1) ] أحمد بن عيسى الخراز، أبو سعيد: من مشايخ الصوفية بغدادي. نسبته إلى خيرز الجلود. قيل أنه أول من تكلم في علم الفناء والبقاء. له تصانيف في علوم القوم منها كتاب الصدق، أول الطريق إلى الله. ومن كلامه: إذا بكت أعين الخائفين، فقد كاتبوا الله بدموعهم. توفي 286 هـ. الأعلام 1/ 191. [ (2) ] عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن، الإمام العلامة إمام الدين، أبو القاسم القزويني الرافعي، صاحب الشرح المشهور كالعلم المنشور والذي نقوم بتحقيقه، وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار، في غالب الأقاليم والأمصار، ولقد برز فيه على كثير ممن تقدمه، وحاز قصب السبق، فلا يدرك شأوه إلا من وضع يديه حيث وضع قدمه. توفي في ذي القعدة سنة ثلاث، وعمره نحو ست وستين. الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 75، 76. [ (3) ] محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون الإمام، أبو سهل الصعلوكي الحتمي نسبا، ثم العجلي، النيسابوري. الفقيه، المفسر، الأديب، اللغوي، النحوي، الشاعر، المفتي، الصوفي، حبر زمانه، وبقية أقرانه- هذا قول الحاكم فيه. ولد سنة ست وتسعين ومائتين. وأخذ عن ابن خزيمة ثم عن أبي علي الثقفي وأفتى ودرس بنيسابور نيفا وثلاثين سنة. انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 150.

عنها، وأهل الظاهر يحملونها على الخطرات العارضة للقلب، والطلبات الواردة الشاغلة له بهذه الغشية الملابسة. وقال القاضي: هو ما يستغشي القلب، ولا يغطيه كل التغطية، كالغيم الرقيق الذي لا يمنع ضوء الشمس، ثم لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة، وإنما هذا عدد الاستغفار لا الغين، فيكون المراد بهذا الغين الإشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهوها عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق، لما كان صلى الله عليه وسلم من مقامات البشر، وسياسة الأمة، ومعاناة الأهل، ومقاومة الولي والعدو، ومصلحة النفس، وأعباء الرسالة، وحمل الأمانة، وهو في هذا كله في طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لمّا كان صلى الله عليه وسلّم أرفع الخلق عند الله تعالى مكانة، وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حالة عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه أرفع حاليه، رأى حاله فترته عنها، وشغله بسواها، غمضا من علّي حاله، ورفيع مقامه، فاستغفر من ذلك. وقال الشيخ شهاب الدين السّهروردي: لا تعتقد أن الغين حاله نقص، بل هو حالة كمال، ثم مثل بجفن العين حين يسيل الدمع القذى عن العين مثلا، فإنه يمنع العين عن الرؤية، فهو من هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة هو كمال، هذا محصل كلامه بعبارة طويلة، قال: فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغبرة الثائرة من أنفاس الأخيار، فدعت الحاجة إلى ستر حدقة بصيرته، صيانة لها، ووقاية عن ذلك، وقيل: هو حالة الخشية، وإعظام الاستغفار شكرها، ومن ثم قال المحاسبي: خوف المقربين خوف إجلال وإعظام، وقيل: هو السكينة التي تغشي قلبه، والاستغفار لإظهار العبودية والشكر لما أولاه. وذكر ابن عطاء الله في كتاب لطائف المنن: أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي [ (1) ] قدس الله سره قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسألته عن حديث: إنه ليغان على قلبي، فقال: «يا مبارك ذلك غين الأنوار» . الثالث: في بيان غريب ما سبق: الاستغفار: استدعاء المغفرة، وطلبها من الشفاعة، وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة. المقدّم: بميم مضمومة، فقاف مفتوحة، فدال مهملة مكسورة، فميم: الذي يقدم الأشياء، ويضعها في مواضعها: ضد المؤخر، فمن استحق التقديم قدمه. المؤخر: بميم مضمومة، فهمزة مفتوحة، فخاء معجمة مكسورة، فراء: الذي يؤخر

_ [ (1) ] علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف بن هرمز الشاذلي المغربي، أبو الحسن: رأس الطائفة الشاذلية، من المتصوفة، وصاحب الأوراد المسماة «حزب الشاذلي» . انظر الأعلام 4/ 305.

الأشياء فيضعها في مواضعها: ضد المقدم. القدير: القادر قدرة تصلح للخلق، قال: يوصف تعالى بالقدرة على الخلق، بخلاف قدرة المخلوقين، إذ أقدرهم على الكسب لا الخلق، وحقيقتها ما يتقدّر بها المواد المزاد على حسب تقدم الفاعل في الوقوع، فمن عرف أنه عز وجل قادر خشي من سطوات عقوبته عند مخالفته، وأمل لطائف نعمته ورحمته عند سؤاله وحاجته، لا بوسيلة طاعته، بل بكرمه ومنته، ولذلك من عرف أنه قادر سكن عن الانتقام، لعلمه بأن انتقامه وانتصاره له أتم من انتقامه لنفسه، ولذا قيل: احذروا من لا ناصر له غير الله. الحيّ والحياة: صفة من صفات ذاته زائدة على بقائه، فهو الدائم الباقي، الذي لا سبيل عليه للفناء. القيّوم: القديم الدائم الذي لا يزول، وليس عن قيامه على رجل. التواب: بمثناة فوقية، فواو مشددة، فألف، فموحدة: الموفق لعباده التوبة والرجاع عليهم بفعله. الرحيم: العظيم الرحمة. الغفور: الكثير المغفرة، الساتر لذنوب عباده.

الباب الثالث عشر في قصر أمله صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث عشر في قصر أمله صلّى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد، وابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يريد الماء فيتمسح بالتراب، فأقول: يا رسول الله إن الماء قريب، فيقول: «وما يدريني لعلي لا أبلغه؟» [ (1) ] . وروى ابن أبي الدّنيا في قصر الأمل، وبقي بن مخلد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر؟ إن أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى أقبض، ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت» ، ثم قال: «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده» إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [ (2) ] [الأنعام 134] . وروى الإمام أحمد، والبخاري، والنسائي، وابن سعد والبرقاني عن عقبة بن الحارث قال: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم من صلاة العصر فأسرع، ولم يدركه أحد، فعجب الناس من سرعته، فلما رجع إليهم عرف ما في وجوههم، فقال: «كان عندي تبر فكرهت أن أبيته عندي، فأمرت بقسمته» [ (3) ] . وروى ابن سعد عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوما فعرف في وجهه أنه بات قد أهمه أمر، فقيل: يا رسول الله إنا لا نستنكر وجهك، كأنك قد أهمّك الليلة أمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ذاك من أوقيتين من ذهب الصدقة باتتا عندي، لم أكن وجهتهما» [ (4) ] . وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية دراهم بعد أن أمسى، فلم يزل قائما وقاعدا لا يأتيه النوم، حتى سمع سائلا يسأل، فخرج من عندي، فما عدا أن دخل، فسمعت غطيطه فلما أصبح قلت: يا رسول الله رأيتك أو الليلة قائما وقاعدا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 288. [ (2) ] أبو نعيم في الحلية 6/ 91 وابن عساكر في التهذيب 2/ 399 والدر المنثور 3/ 47 والترغيب والترهيب 4/ 242. [ (3) ] سيأتي. [ (4) ] ابن سعد 2/ 2/ 33.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

لا يأتيك نوم، حتى خرجت من عندي، فما عدا أن دخلت فسمعت غطيطك قال: «أجل، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية دراهم بعد أن أمسى، فما ظنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لو لقي الله وهي عنده» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى، وقاسم بن ثابت، برجال الصحيح عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ساهم الوجه، فحسبت ذلك من وجع، فقلت يا رسول الله: ما لك ساهم الوجه؟ قال: «من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا أمس أمسينا وهي في خصم الفراش، فأتتنا، ولم ننفقها» . وروى الحميدي برجال ثقات- عن عائشة رضي الله تعالى عنها: ذهبا كانت أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتثاقل من الليل وهي أكثر من السبعة، وأقل من التسعة، فلم يصبح حتى قسمها، فقال: «ما ظنّ محمد بربه لو مات وهذه عنده» [ (2) ] . وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في غريبه والخلعي عن الحسن بن محمد رحمه الله تعالى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل ما لا عنده، ولا يبيته، قال ابن سلام: يعني إن جاءه غدوة لم ينتصف النهار حتى يقسمه، وإن جاءه عشيّة لم يبت حتى يقسمه [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الأمل: كجبل: الرجاء. الوليدة: بواو فلام مكسورة، فمثناة تحتية، فدال مهملة: واحدة الولائد. أسيغها: بهمزة مضمومة فسين مهملة، فتحتية، فغين معجمة: أي لم يدخل في حلقي سهلا. أغص بهمزة مضمومة، فغين معجمة مفتوحة، فصاد مهملة: أشرق به، ويقف في حلقي. الغطيط: بغين معجمة، وروي بخاء معجمة، وأنكرها ابن بطّال: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم. ساهم الوجه: بالمهملة: متغير اللون. خصم الفراش: بمعجمة فمهملة: طرفه.

_ [ (1) ] احمد 6/ 49، 6/ 86 وابن سعد 2/ 2/ 33 وانظر المجمع 10/ 240 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2141) وابن كثير في البداية 6/ 63. [ (2) ] البيهقي في السنن الكبرى 6/ 357 والدولابي في الكنز 2/ 99. [ (3) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 357.

الباب الرابع عشر في إعطائه القود من نفسه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع عشر في إعطائه القود من نفسه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد- بسند رجاله ثقات- عن عمرو بن شعيب قال: لمّا قدم عمر الشام أتاه رجل يستأذنه على أمير ضربه، فأراد عمر أن يقيده، فقال له عمرو بن العاص: أتقيده منه؟ قال: نعم، قال: فلا نعمل لك عملا، قال: لا أبالي أن أقيده منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعطي القود من نفسه، قال: أفلا نرضيه؟ قال: أرضوه إن شئتم. وروى إبراهيم الحربي عن عطاء قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيده قضيب، فأصاب بطن الأعرابي، وزحم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي فخدشه، فقال: «اقتص» ، فأبى، فقال: «لتقصن، أو لتأخذن تبعة الغير» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن سعيد بن المسّيب قال: أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه وأقاد أبو بكر من نفسه وأقاد عمر من نفسه. وروى ابن عساكر والحاكم عن حبيب بن مسلمة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده، فأتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا، ولا متكبرا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأعرابي فقال: «اقتص مني» ، فقال الأعرابي: قد أحللتك، بأبي وأمي، وما كنت لأفعل ذلك أبدا، ولو أتيت على نفسي، فدعا له بخير [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، وأبو الحسن بن الضحاك عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقتص من نفسه، وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن رجل من العرب قال: زحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت بها على رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفحني بسوط في يده، وقال: «باسم الله أوجعتني» ، فبت لائما نفسي، أقول: أوجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا فإذا رجل يقول: أين فلان؟ فقلت هذا والله الذي كان مني بالأمس، فانطلقت، وأنا متخوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنك وطئت بنعلك رجلي بالأمس فأوجعتني، فنفحتك بسوط فهذه ثمانون نعجة فخذها بها» [ (3) ] . وروى ابن حبان في صحيحه، وأبو الحسن بن الضحاك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في الجهاد، فاجتمعوا عليه حتى غمّوه، وفي يده

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 1/ 175 والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 49. [ (2) ] أخرجه الحاكم 3/ 288، 4/ 331 وأبو نعيم في الحلية 6/ 137 والكنز (40217) . [ (3) ] أخرجه الدارمي 1/ 35.

جريدة سلّاها، وبقيت هكذا سلاة، ثم لم ينظروا إليها فقال: أخّروا عني، لهذا غميتموني، فأصاب النبي صلى الله عليه وسلّم بطن رجل فأدماه، فخرج الرجل، وهو يقول: هذا فعل نبيك، فسمعه عمر فقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان هو أصابك فسوف يعطيك من نفسه الحق، وإن كنت كذبت لأرغمك بعمامتك حتى يتحدث، فقال الرجل: انطلق بسلام، فلست أريد أنطلق معك، قال: ما أنا بوادعك، فانطلق، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحقا أنا أصبتك؟» قال: نعم، قال: «فما تريد؟» قال: فأستقيد منك، فأمكنه من الجريدة، وكشف عن بطنه، فألقى الجريدة من يده، وقبّل سرّته، وقال: «هذا أردت، لكي ما يقمع الجبار من بعدك» ، فقال عمر: أنت كنت أوثق عملا مني [ (1) ] . وروى الدارمي وعبد بن حميد، وعبد الرزاق عن أبي هريرة أو أبي سعيد قال: كان رجل من المهاجرين، وكان ضعيفا، وكان له حاجة إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يلقاه على خلاء فيسأل حاجته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم معسكرا بالبطحاء [ (2) ] ، وكان يجيء من الليل، فيطوف البيت، حتى إذا كان في وجه السّحر صلّى بهم صلاة الغداة، فحبسه الطّواف ذات ليلة حتى أصبح، فما استوى على راحلته عرض له الرجل، فأخذ بخطام ناقته، فقال: يا رسول الله، لي إليك حاجة، قال: إنك ستدرك حاجتك، فأبى، فلما خشي أن يحبسه خفقه بالسوط، ثم مضى، فصلى بهم صلاة الغداة، فلما انفتل أقبل بوجهه إلى القوم، وكان إذا فعل ذلك عرفوا أنه قد حدث أمر، فاجتمع القوم حوله، فقال: أين الرجل الذي جلدت آنفا؟ فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الرجل يقول: أعوذ بالله، ثم برسول الله، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «ادنه ادنه» ، حتى دنا منه، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين يديه، وناوله السوط، فقال: «خذ بمجلدك فاقتص» . فقال: أعوذ بالله أن أجلد نبيه، فقال: «إلا أن تعفو» ، فألقى السوط وقال: قد عفوت يا رسول الله، فقام إليه أبو ذرّ فقال: يا رسول الله، تذكر ليلة العقبة، وأنا أسوق بك، وأنت نائم، كنت إذا سقتها أبطأت، وإذا سقتها اعترضت، فخفقتك خفقة بالسوط، وقلت: قد أتاك القوم، وقلت: «لا بأس عليك» ، فدعا برسول الله أن يقتص، قال: «قد عفوت» ، قال: اقتص، فهو أحب إليّ، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد رأيته يتضوّر من جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «أيها الناس اتقوا الله، فو الله لا يظلم مؤمن مؤمنا إلا انتقم الله تعالى منه يوم القيامة» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه

_ [ (1) ] انظر المجمع 6/ 289. [ (2) ] انظر مراصد الاطلاع 1/ 203. [ (3) ] انظر جمع الجوامع للسيوطي (9638) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما أقبل رجل عليه، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه، فجرح في وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «تعال فاستقد» [ (1) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الرحمن بن جبير الخزاعي قال: طعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في بطنه، إما بقضيب، أو بسواك، قال: أوجعتني، فأقدني، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم العود الذي كان معه، ثم قال: «استقد، فقبّل بطنه» ، وقال: بل أعفو عنك، لعلك أن تشفع في يوم القيامة [ (2) ] . وروى ابن قاسم وأبو الحسن بن الضحاك عن سواد بن عمرو قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا متخلّق بخلوق فقال ورس: حطّ حطّ، وغشيني بقضيب في يده في بطني فأوجعني، فقلت: يا رسول الله القصاص، فكشف لي عن بطنه، فأقبلت أقبّله، فقلت يا رسول الله: دعني وأخّرها شفاعة لي يوم القيامة. وروى ابن قانع عن عبد الله بن أبي الباهلي قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع فألقيته واقفا على بعيره، فكأنّ ساقه في غرزة الجمّارة، فاحتضنتها فقرعني بالسوط، فقلت: القصاص يا رسول الله، فرفع السّوط، فقبلت ساقه ورجله، وذكر محمد بن عمر الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينما هو يسير في الطائف إلى الجعرّانة، وأبو رهم إلى جنبه على ناقته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته، قال أبو رهم: فوقع حرف نعلي على ساقه، فأوجعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أوجعتني، أخر رجلك، وقرع رجلي بالسوط» ، فأخذني من الهم ما تقدم، وما تأخر، وخشيت أن ينزل في قرآن، لعظم ما صنعت، فلما أصبحنا بالجعرّانة خرجت أرعى ظهري، وما هو يومي، فرقا أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلّم يطلبني، فلما روّحت بالركائب سألت، فقالوا: طلبك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئته، وأنا أرتقب، فقال: «إنك أوجعتني برجلك، فقد نحيتك بالسوط، فخذ هذه الغنم عوضا من ضربتي» ، قال: فرضاه أحب إلي من الدنيا وما فيها. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: القود: بقاف، فواو مفتوحتين، فدال مهملة: القصاص. القضيب: بقاف مفتوحة، فضاد معجمة مكسورة، فمثناة تحتية، فموحدة: الغصن. زحم: بزاي فحاء مهملة مفتوحتين فميم. خدشه: بخاء معجمة، فدال مهملة، فشين معجمة مفتوحات: قشره. الغير: بكسر المعجمة، وفتح التحتية، قال ابن الأعرابي: الأرش والدية دون القود.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (4536) وأحمد 3/ 28 والنسائي في القسامة باب (22) وأحمد 3/ 28 والبيهقي 8/ 43، 48. [ (2) ] البيهقي في السنن الكبرى 8/ 48 وانظر المجمع 6/ 289.

السّوط: بسين مهملة مفتوحة، فواو ساكنة، فطاء مهملة: ما يجلد به. غمّوه: بغين معجمة مفتوحة، فميم، فواو فهاء: حبسوا نفسه عن الخروج. سلاها: بسين مهملة مضمومة فلام فألف: شوك النخل. البطحاء: بموحدة مفتوحة، فطاء مهملة ساكنة، فحاء مهملة، فألف: الحصى اللين، والمراد بها بطحاء مكة. الخطام: بخاء معجمة مكسورة، فطاء مهملة، فألف، فميم: ما يقاد به البعير. خفقه: بخاء معجمة، ففاء، فقاف مفتوحات، فهاء: ضربه. الشّراك: بشين معجمة مكسورة، فراء، فألف، فكاف: أحد سيور النعل. غشيه: بغين مفتوحة، فشين مكسورة معجمة، فتحتية فهاء: جاءه. الغرز: بغين، فزاي معجمتين، وبينهما راء مهملة: ركاب الرحل إذا كان من جلد. الجمّارة: بجيم مضمومة، فميم، فراء: شحم النخل. قرعني: بقاف، فراء، فعين مهملة مفتوحات، فنون: ضربني. العرجون: بعين مهملة مضمومة، فراء ساكنة، فجيم، فواو فنون: شماريخ العذق. الطائف والجعرّانة: تقدم الكلام عليهما. الظهر: بظاء معجمة، فهاء ساكنة، فراء: الركاب. فرقا: بفاء فراء فقاف مفتوحات: خوفا.

الباب الخامس عشر في بكائه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس عشر في بكائه صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود والنسائي عن مطرف بن الشخير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء، ولفظ النّسائي: ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني من البكاء [ (1) ] . وروى أبو الشيخ عن علي رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيتنا وما فينا قائم يصلي إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم تحت شجرة يصلي، وهو يبكي حتى أصبح يعني ليلته. وروى عبد بن حميد، وأبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلتي حتى دخل معي في لحافي، وألزق جلده بجلدي، فقال: «يا عائشة ائذني لي في ليلتي لربي» ، فقلت: إني لأحب قربك، فقام إلى ربه في البيت، فما أكثر صب الماء، ثم قام، فقرأ القرآن، ثم بكى، حتى رأيت دموعه قد بلغت حجره، ثم اتكأ على جنبه الأيمن، ثم وضع يده اليمنى تحت خده، ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض، قالت: فجاء بلال فأذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله أتبكي وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا، وقال: ألا أبكي وقد أنزل الله تعالى الليلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إلى قوله فَقِنا عَذابَ النَّارِ؟ وويل لمن قرأ هذه الآيات ولم يتفكر فيها. وروى عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً الآية فاضت عيناه [ (2) ] . وروى الحكيم الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما قدم وفد اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالوا: أسمعنا بعض ما أنزل عليك، فقرأ: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا حتى بلغ إلى قوله: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ، فإنّ ما يبيضّ عرق وإن دموعه لتسبقه إلى لحيته، فقالوا له: إنا نراك تبكي، أمن خوف الذي بعثك تبكي؟ قال: «بلى، من خوف الذي بعثني أبكي، إنه بعثني على طريق مثل حد السيف، إن زغت عنه هلكت، ثم قرأ: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الآية. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن صالح بن الخليل قال: ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] سيأتي في أدب تلاوة القرآن الكريم.

مبتسما أو ضاحكا، منذ أنزلت هذه الآية: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ. وروى أيضاً ابن عديّ- بسند ضعيف- عن حمران بن أعين رحمه الله تعالى قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجالا يقرؤون: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً، وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ، وَعَذاباً أَلِيماً فصعق رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وروى ابن أبي الدّنيا وأبو الحسن بن الضحاك عن طريق الوليد بن مسلم قال: أخبرنا أبو سلمة ثابت الدّوسي، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما- وسنده أبو الوليد جيد- قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزقني عينين هطّالتين، تبكيان تذرفان الدموع، وتشبعاني من خشيتك، قبل أن تكون الدموع دما، والأضراس جمرا» [ (2) ] . وروى أبو بكر الشافعي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون بعد موته، حتى رأيت دموعه تسيل على عينيه [ (3) ] . وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعوده مع أسامة بن زيد فلما دخل وجده في غاشية أهله فقال: قد قضى؟ قالوا: لا فبكى [ (4) ] . وروى ابن عدي بسند ضعيف عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: لما جرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بكى، فلما رأى ما مثّل به شهق. وروى أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا، فالتفت فإذا هو بعمر يبكي، فقال: «يا عمر ههنا تشكب العبرات» [ (5) ] . وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم صلى الله عليه وسلّم: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (6) ] [إبراهيم 36] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه ابن المبارك في الزهد (165) وأبو نعيم في الحلية 2/ 96 وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 368. [ (3) ] سيأتي في الجنائز. [ (4) ] سيأتي. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (2945) والحاكم 1/ 454 وانظر نصب الراية 3/ 38 والدر المنثور 1/ 135. [ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 191 (346/ 202) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى الشيخان وأبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ القرآن، فقلت: يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: أشتهي أن أسمعه من غيري [ (1) ] . وروى أبو يعلى، وابن أبي شيبة، والنّسائي في الكبير عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: اقرأ، فافتتح النساء حتى انتهى إلى قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً الآية، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «حسبك» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الأزيز: بزاءين بينهما مثناة تحتية: صوت ينشأ عن البكاء من كثرة الحزن. الرّحى: براء، فحاء مهملتين: معروفة، مقصورة، مؤنثة، وتثنيتها رحيان والجمع: أرحاء، وأرح، وأنكر أبو حاتم أرح، ومن مد قال: رحاء ورحاءان وأرحية مثل غطاء، وغطاءان، وأغطية. المرجل: بميم مكسورة، فراء ساكنة، فجيم مفتوحة: قدر من نحاس. الشّهاب: بكسر المعجمة: الكوكب. الثّاقب: المضيء. هطّالتين: بهاء، فطاء مهملة مفتوحتين، فلام: بكاءين بدمع متتابع. تذرف: بمثناة فوقية مفتوحة، فذال معجمة ساكنة، فراء، ففاء: يجري دمعها. الثرى: بالمثلثة التراب.

_ [ (1) ] سيأتي. [ (2) ] سيأتي.

الباب السادس عشر في زهده في الدنيا صلى الله عليه وسلم، وورعه، واختياره الفقر، وسؤاله ربه تبارك وتعالى أن يكون مسكينا

الباب السادس عشر في زهده في الدنيا صلى الله عليه وسلّم، وورعه، واختياره الفقر، وسؤاله ربه تبارك وتعالى أن يكون مسكينا قال الله سبحانه وتعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ، زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى. وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب» [ (1) ] . وروى أبو يعلى، وابن عساكر، والشيخان، والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» [ (2) ] . وروى ابن سعد، والتّرمذي، وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وابن سعد وابن حبان عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب، ولكني أجوع يوما، وأشبع يوما، فإذا شبعت حمدتك، وشكرتك، وإذا جعت تضرعت إليك، ودعوتك» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، فقال: «والذي نفسي بيده ما يسرني أن أحدا يحوّل لآل محمد ذهبا، أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت ما أدع منه دينارين، إلا دينارين أعدّهما لدين إن كان» [ (4) ] . وروى البيهقي، وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو عندي مثل أحد ذهبا ما سرني أن يأتي علي ثلاث ليال، وعندي منه شيء إلا شيئا أرصده لدين» . وروى البخاري، وغيره عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جلس على المنبر فقال: «إن عبدا خيّره الله تعالى أن يؤتيه من زهرة الدنيا وما عنده، فاختار ما عنده» ، فبكى أبو بكر، وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا له فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 101 والبغوي في التفسير 5/ 95 وانظر المجمع 9/ 19. [ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 283 (6460) ومسلم 4/ 2281 (18/ 1055) . [ (3) ] أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 54 غضب حديث (196) وأحمد في المسند 5/ 254 والترمذي 4/ 575 (2347) وقال: حسن. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 530، 5/ 149 والطبراني في الكبير 11/ 328 وانظر المجمع 3/ 120، 123، 10/ 239.

يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيّر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا به [ (1) ] . وروى أبو ذر الهروي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على وسادة حشوها ليف، فقام وقد أثر بجلده، فبكيت فقال: «يا أم سلمة ما يبكيك؟» قلت: ما أرى من أثر هذه، فقال: «لا تبكي، لو أردت أن تسير معي هذه الجبال لسارت» . وروى عن عطاء بن يسار رحمه الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتتني الدنيا خضرة حلوة، ورفعت إلى رأسها، وتزينت لي، فقلت لها: إني لا أريدك لا حاجة لي فيك، فقالت: إنك إن نلت مني لم ينفلت مني غيرك» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وابن حبان عن أبي هريرة، ويعقوب بن سفيان وابن مردويه عن ابن عباس أن جبريل جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليهما، فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: إن هذا ملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أن الله تعالى يخيرك بين أن تكون نبيا عبدا أو تكون نبيا ملكا، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تواضع لربك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بل أكون نبيا عبدا» ، قال ابن عباس: فما أكل بعد تلك طعاما متكئا حتى لقي ربه» [ (3) ] . وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي، ولا يهبط على أحد بعدي، وهو إسرافيل، فقال: أنا رسول ربك إليك أمرني أن أخيرك: إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا، فنظرت إلى جبريل فأومأ إلي أن تواضع، فلو أني قلت: نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا» [ (4) ] . وروى البرقاني وابن أبي شيبة، وابن جرير، عن خيثمة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن شئت أعطيناك خزائن الأرض، ومفاتيحها، ما لم يعط شيء قبلك، ولا نعطيها أحدا بعدك، ولا ينقصك ذلك مما عند الله شيئا، وإن شئت جمعتها لك في الآخرة، فقال: «اجمعوها لي في الآخرة» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 327 (1465) ومسلم 2/ 728 (123/ 1052) . [ (2) ] ذكره الرازي في العلل (1930) وأحمد في الزهد (399) . [ (3) ] ابن المبارك في الزهد (265) والطحاوي في المشكل 3/ 16 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 49 وابن كثير في البداية 6/ 56. [ (4) ] الطبراني في الكبير 12/ 348 وأبو نعيم في الحلية 3/ 256 وانظر المجمع 9/ 19. [ (5) ] أخرجه ابن جرير في التفسير 18/ 140 وابن كثير 6/ 104.

وروى ابن المبارك عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: يا رب، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما، أو قال: ثلاثة، أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت حمدتك، وشكرتك. وروى ابن المبارك والترمذي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: أحبّوا المساكين، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين» [ (1) ] . وروى ابن عدي عنه أيضاً قال: يا أيها الناس، لا يحملنكم العسر على طلب الرزق من غير حلّه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم توفّني فقيرا، ولا توفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين، فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا، وعذاب الآخرة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، وتمّام الرازي، وابن عساكر وأبو داود الطّيالسي، والترمذي- وصححه- عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح عنه، فقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا فبسطت شيئا يقيك منه، تنام عليه، فقال: «ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فقال تحت شجرة ثم راح وتركها» [ (3) ] . وروى الشيخان وأبو الحسن بن الضحاك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمال حصير قد أثر في جنبه، فرفعت رأسي في البيت، فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر، إلا أهب ثلاثة معلقة، وصبرة من شعير، فهملت عينا عمر فقال: ما لك؟ فقلت يا رسول الله أنت صفوة الله من خلقه، وكسرى وقيصر فيما هما فيه؟ فجلس محمرا وجهه، فقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ثم قال: أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟» قلت: بلى، يا رسول الله، فأحمد الله عز وجل، زاد أبو الحسن بن الضحاك: يا عمر لو شاء أن يسيّر الجبال الراسيات معي ذهبا لسارت [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة عن رجل من بني سالم أو فيهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتي بهدية،

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] ابن عدي 3/ 884 وانظر الميزان للذهبي (2475) . [ (3) ] ابن المبارك ص 54 (195) وأحمد 1/ 391 والترمذي 45/ 588 (2377) وقال حسن صحيح وابن ماجه 2/ 1376 (4109) والحاكم 4/ 310 وانظر كنز العمال (6142) . [ (4) ] مسلم في الطلاق (34) وأحمد 1/ 34 وانظر الدر المنثور 6/ 242 والبداية لابن كثير 6/ 57.

فنظر، فلم يجد شيئا يجعلها فيه، فقال: «ضعه في الحضيض، فإنما هو عبد يأكل كما يأكل العبد، ويشرب كما يشرب العبد، لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها ماء [ (1) ] . وروى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: خرج أبو بكر في الهاجرة إلى المسجد فسمع بذلك عمر فخرج، فقال: يا أبا بكر ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: لا، والله ما أخرجني إلا الجوع، فقال: أنا والذي نفسي بيده، ما أخرجني غيره، فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» ] فقالا: الجوع فقال: «أنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غيره،» فقاموا، فانطلقوا حتى أتوا باب أبي أيوب الأنصاري، فذكر الحديث في إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر بيت أبي أيوب وذبحه لهم شاة، وطبخه لها، قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الشاة، ووضعه على رغيف، وقال: «يا أبا أيوب أبلغ هذا فاطمة، فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام» [ (2) ] . وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في المسجد يتقلب على ظهر لبطن وأظنه جائعا وذكر الحديث. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الدنيا، ولا أعجبه شيء من أمر الدنيا إلا أن يكون ذا تقى [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبيهقي بسند جيد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمول بالشّريط، وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، فدخل عمر بن الخطاب في نفر معه، فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انحرافة، فلم ير عمر بين جنبيه وبين الشريط ثوبا، وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك يا عمر؟ فقال: والله ما أبكي إلا لكوني أعلم أنك رسول الله، أكرم على الله من كسرى وقيصر، وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه، وأنت رسول الله بالمكان الذي أرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة،» قال: بلى، قال: «فإنه كذلك» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخل عمر على

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 225 وانظر المجمع 5/ 24 والمطالب العالية (3855) . [ (2) ] مسلم 3/ 1609 (140/ 2038) . [ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 69. [ (4) ] أحمد 3/ 140 أو ابن سعد 1/ 2/ 158 وفي الدلائل للبيهقي 1/ 337 وانظر المجمع 10/ 326 والبداية 6/ 57.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متكئ على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا أدثر من هذا، فقال: «ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب استظل في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها» [ (1) ] . وروى البزار عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إذا استسقى، فأتي بماء وعسل، فلما وضعه على يديه بكى وانتحب، حتى ظننا أن به شيئا، ولا نسأله عن شيء، فلما فرغ قلنا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما حملك على هذا البكاء؟ قال: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأيته يدفع عن نفسه شيئا ولا أرى شيئا، فقلت: يا رسول [الله] ما الذي أراك تدفع عن نفسك، ولا أرى شيئا؟ قال: «الدنيا تطلعت لي،» فقلت: إليك عني، فقال لي: «أما إنك لست بمدركي،» قال أبو بكر: فشق عليّ، وخشيت أن أكون قد خالفت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولحقتني الدنيا [ (2) ] . وروى الحسن بن عرفة [ (3) ] في جزئه المشهور، وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة خشنة، فانطلقت، فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا عائشة؟» فقلت: يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت، فرأت فراشك، فذهبت، فبعثت إليّ بهذا الفراش، فقال: «ردّيه،» قالت: فلم أردّه، وقد أعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك مرات، فقال: «ردّيه يا عائشة، فو الله لو شئت لأجرى الله معي الجبال ذهبا وفضة» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد في الزهد عن إسماعيل بن أميّة قال: صنعت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراشين، فأبى أن يضطجع على واحد. وروى ابن مردويه عن ابن مسعود، وابن مردويه والدّماميني عن أبي الدرداء، وأبيّ ذر، وسعيد بن منصور، وابن المنذر عن أبي مسلم الخولاني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أوحى الله إلى أن أجمع المال، وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إلي أن» فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [ (5) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] انظر مجمع الزوائد 10/ 254 والمنذري في الترغيب 4/ 207 والمتقي الهندي في الكنز (18597) . [ (3) ] الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي، أبو علي البغدادي، صدوق، من العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين، وقد جاوز المائة. التقريب 1/ 168. [ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 1/ 345 والخطيب في التاريخ 11/ 102 وانظر فتح الباري 11/ 292 والترغيب والترهيب 4/ 202 والبداية 6/ 62. [ (5) ] أحمد في الزهد (391) وأبو نعيم في الحلية 2/ 231 والبغوي في التفسير 4/ 78 وابن عدي 5/ 1897، 3/ 939 والسيوطي في الدر المنثور 4/ 109.

وروى الإمام أحمد، وابن عساكر عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال وهو يعظ: لقد أصبحتم، وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يزهد فيه، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة من زهده إلا كان الذي عليه أكثر من الذي له. وروى ابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: اتخذت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراشين حشوهما ليف وإذخر فقال: «يا عائشة ما لي وللدنيا أنما أنا والدنيا بمنزلة رجل نزل تحت شجرة في ظلها، حتى إذا فاء الفيء ارتحل، فلم يرجع إليها أبدا [ (1) ] » . وروى الإمام أحمد عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتّقي إلى فرش قط، إلا أني أذكر أن يوم مطر ألقينا تحته بتا فكأني أنظر إلى خرق فيه ينبع منه الماء [ (2) ] . وروى سعيد بن منصور عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراش رثّ غليظ، فأردت أن أجعل له فراشا آخر ليكون أوطأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلته فقال: ما هذا يا عائشة؟» فقلت: رأيت فراشك رثّا غليظا، فأردت أن يكون هذا أوطأ لك، فقال: «أخّريه، اثنتين، والله لا أقعد عليه حتى ترفعيه قال: فرفعت الأعلى الذي صنعت» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء، وكان عامة خبزهم الشعير [ (4) ] . وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير، قد أثر الشريط في جنبه، فقلت: لو نمت يا رسول الله على ما هو ألين من هذا، فقال: «ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب مر بأرض فلاة، فرأى شجرة، فاستظل تحتها، ثم راح وتركها» [ (5) ] . وروى أبو عبد الرحمن السّلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير، قد أثر في جنبه، فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا ألين من هذا، فقال: «ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سار في يوم صائف، حتى أتى شجرة، ثم راح» . وروى الإمام أحمد، والبيهقي في الشعب عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: كان

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أحمد 6/ 58. [ (3) ] البيهقي في الدلائل 1/ 345. [ (4) ] أخرجه الترمذي (2360) وابن ماجة (3347) وأحمد 1/ 255، 374 والبغوي في التفسير 6/ 162 وابن سعد 1/ 2/ 113 وأحمد في الزهد (30) . [ (5) ] تقدم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة، فقدم من غزاة له، فأتاها، فإذا هو بمسح على بابها، ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضة، فرجع، ولم يدخل لها، فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل عليها من أجل ما رأى، فهتكت الستر، ونزعت القلبين من الصبيين، فقطعتهما، فبكى الصبيّان، فقسمته بينهما، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهما يبكيان، فأخذه صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا ثوبان، اذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارا من عاج قال: هؤلاء أهل بيتي، ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والبيهقي في الشعب، وابن أبي حاتم والدّيلمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما، ثم طوى، ثم ظل صائما، قال: «يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها، والصبر على محبوبها، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم، فقال: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ واللَّه لأصبرن جهدي، ولا قوة إلا بالله» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيب التّمرة فيقول: «لولا أخشى أنها من الصدقة لأكلتها» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجد تمرة تحت جنبه من الليل فأكلها، فلم ينم تلك الليلة، فقالت بعض نسائه: يا رسول الله أرقت البارحة، قال: «إني وجدت تمرة فأكلتها، وكان عندي تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه» [ (4) ] . وروى الطبراني عن ابن حازم الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم بدر بنطع فقيل استظل به يا رسول الله فقال: «أتحبون أن أستظل بينكم بظل من نار يوم القيامة» [ (5) ] . وروى الحميدي عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 275. [ (2) ] أخرجه البغوي في التفسير 6/ 171 وابن كثير 7/ 288 والسيوطي في الدر المنثور 6/ 45. [ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 293 (2055) ومسلم 2/ 752 (164/ 1071) . [ (4) ] احمد 2/ 183، 193 وابن سعد 1/ 2/ 107 والحاكم 2/ 14 وانظر المجمع 3/ 89. [ (5) ] انظر المجمع 5/ 339 والترغيب والترهيب 2/ 310.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

شئت أعطيناك خزائن الدنيا [ (1) ] ، ومفاتيحها لم نعطها أحدا قبلك، ولا نعطيها أحدا بعدك، لا ينقصك ذلك عند الله شيئا، فقال: «اجمعوها لي في الآخرة» ، فأنزل الله تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن عطاء بن يسار قال: تعرضت الدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لست أريدك، قالت: إن لم تردني فسيريدني غيرك» [ (3) ] . وروى أبو القاسم البغوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرشا فأبى أن يقبله، وقال: «لو [شئت] أن تسير معي جبال الذهب والفضة لسارت» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، عن أم عبد الله بنت شداد بن أوس رضي الله تعالى عنها أنها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقدح لبن عند فطره، وهو صائم فرد إليها رسولها، أنى لك هذا اللبن؟ قالت: من شاة لي، فرد إليها رسولها، أنى لك الشاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي، فشرب منه، فلما كان من الغد أتته أم عبد الله، فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بلبن، فرددت إليّ الرسول فيه، فقال لها: «بذلك أمرت الرسل لا تأكل إلا طيبا، ولا تعمل إلا صالحا، ونسأل الله التوفيق ويرحم الله «البوصيري» حيث قال: وراودته الجبال الشّم من ذهب ... عن نفسه فأراها أيّما شمم وأكّدت زهده فيها ضرورته ... إنّ الضّرورة لا تعدو على العصم وكيف تدعو إلى الدّنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدّنيا من العدم تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الزهد: بزاي مضمومة، فهاء ساكنة، فدال: زهد في الشيء تركه مع الرغبة فيه. الورع: بفتح الواو والراء: التحرّج ليخرج من الإثم والكف عما هو قاصده. الفقر: بفاء مفتوحة، فقاف ساكنة، فراء: ضد الغنى، والفقير: من لم يجد كفاية عياله، أو لم يجد القوت، والمسكين: من أذله الفقر أو غيره من الأحوال، أو الصغير السن الذي لا حرفة له أوله حرفة لا تقع بحاجته موقعا، والمسكين: السائل، وله حرفة تقع موقعا ولا تغنيه، أو الفقير: من له بلغة والمسكين: لا شيء له، أو هو أحسن حالا من الفقير، أو هما سواء.

_ [ (1) ] في أ: خزائن الأرض. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] ابن أبي شيبة 13/ 217، 250. [ (4) ] الحاكم 4/ 125، 126 والبخاري في التاريخ 6/ 133، 139، 339 وانظر الكنز (9250) .

القوت: بقاف مضمومة، فواو ساكنة، فمثناة فوقية: المسكة من الرزق. زهرة الدنيا: بزاي مفتوحة، فهاء ساكنة، فراء، فتاء تأنيث: حسنها، وبهجتها أو من خيرها. الوسادة: بواو مكسورة، فسين، فدال مهملتين فمثناة فوقية: المتّكأ والمخدة، وجمعها وسد، ووسائد. اللّيف: بلام مكسورة، فمثناة تحتية، ففاء: ورق النخل. خضرة: بخاء مضمومة، فضاد ساكنة معجمتين، فراء مهملة، فتاء: معروفة، واحدة الخضر. حلوة: بحاء مهملة مضمومة، فلام ساكنة، فواو مفتوحة، فتاء تأنيث: خزائن الأرض ومفاتيحها. أرمال حصير: الرّمل: نسج الحصير، أو السرير بالسعف، وكلاهما يؤثر في جنب النائم من غير وطاء. أهبة: بهمزة مضمومة، فهاء ساكنة، فموحدة مفتوحة، فتاء تأنيث: العدة. الصّبرة: بصاد مهملة مضمومة فموحدة ساكنة، فراء مهملة، فمثناة فوقية: ما جمع من الطعام بغير كيل. الحضيض: بحاء مهملة مفتوحة، فضادين معجمتين، أولاهما مكسورة، وبينهما تحتية: قرار الأرض، وأسفل الجبل. الرّقم: براء مفتوحة فقاف ساكنة فميم: النقش. الاضطجاع: بهمزة مكسورة، فضاد معجمة ساكنة، فطاء مهملة، فجيم، فألف فعين مهملة: النوم. الشريط أدثر: بهمزة مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فمثلثة فراء: أي أقدم. الإذخر: بهمزة مكسورة، فذال ساكنة، فخاء مكسورة معجمتين، فراء: حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب وهمزتها زائدة. الفيء: بفاء مفتوحة، فتحتية ساكنة، فهمزة مضمومة: الظل بعد الزوال، لأنه يرجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق.

البتّ: قال مالك بن مغول [ (1) ] أحد رواته البت النطع. الرّتّ: براء فمثلثة: الخلق البالي. المسح: بكسر الميم وسكون المهملة لباس من شعر. قلبين: بقاف فلام مضمومتين، فمفتوحة موحدة تثنية قلب بضمتين: وهو سوار المرأة. القلادة: بقاف مكسورة فلام فألف فدال مهملة فتاء تأنيث. العصب: بعين مهملة مفتوحة، فصاد ساكنة مهملتين، فموحدة قال الخطابي أن لم يكن البنات اليمانية، فلا أدري ما هي، وما أدري أن القلادة تكون منها، وقال أبو موسى: يحتمل عندي أن الرواية إنما هي العصب بفتح الصاد: وهي أطناب الحيوانات، وهي شيء معدّ يحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الظاهرة، فيقطعونه، ويجعلونه شبه الخرز، فإذا يبست يتخذون منه القلائد، قال في النهاية: ثم ذكرني بعض أهل اليمن أن العصب من دابة بحرية تسمى فرس فرعون، يتخذ منها الخرز، ونصاب سكين وغيره وقيل الشيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية ويكون أبيض، فأما العاج بعين مهملة، فألف فجيم الذي هو عظم الفيل فنجس عند الشافعي، وطاهر عند أبي حنيفة.

_ [ (1) ] مالك بن مغول، بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الواو، الكوفي، أبو عبد الله، ثقة ثبت، من كبار السابعة، مات سنة تسع وخمسين على الصحيح. التقريب 2/ 226.

الباب السابع عشر في قناعته باليسير وسؤاله ربه تبارك وتعالى أن يجعل رزقه قوتا، ورغبته أن يكون مسكينا

الباب السابع عشر في قناعته باليسير وسؤاله ربه تبارك وتعالى أن يجعل رزقه قوتا، ورغبته أن يكون مسكينا وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» [ (1) ] . وروى بقي بن مخلد في مسنده عن يونس بن أبي يعقوب عن أبيه عن ابن عمر أن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه دخل عليه وهو على مائدته، فأوسع له عن صدر المجلس فقال: باسم الله، ثم ضرب بيده، ولقم لقمة ثم ثنى بأخرى، ثم قال: إني لأجد طعم دسم، ما هو بدسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه فوجدته غاليا، فاشتريت من المهزول بدرهم، وإني عملت عليه بدرهم سمنا، فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم قط إلا أكل أحدهما، وتصدق بالآخر، فقال عبد الله يا أمير المؤمنين: فلن يجتمعا عندي إلا فعلت ذلك، قال: ما كنت بالذي تفعل. وروى ابن الجوزي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشاء لغذاء، ولا غذاء لعشاء، ولا يتخذ من شيء زوجين، لا قميصين، ولا رداءين، ولا إزارين، ولا من النعال، ولا رئي فارغا قط في بيته، إمّا يخصف نعلا لرجل مسكين أو يخيط ثوبا لأرملة [ (2) ] . وروى ابن المبارك في الزهد عن الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبالي ما رددت به عن الجوع» [ (3) ] . وروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة على أم هانئ بنت أبي طالب، وكان جائعا فذكر الحديث، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هل عندك طعام آكل» فقالت: إن عندي لكسرة يابسة، وإني أستحي أن أقدمها، قال: «هلمّيها فكسرها في ماء» ، فجاءته بملح، فقال: «ما من أدم؟» فقالت: ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل، فقال: «هلمّيه» ، فلما جاءت صبّه على طعامه، وأكل، ثم حمد الله تعالى، ثم قال: «نعم الأدم الخل يا أم هانئ لا يفتقر بيت فيه خل» [ (4) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] انظر الوفا لابن الجوزي 2/ 476. [ (3) ] ذكره العراقي في تخريجه على الإحياء 1/ 314 وانظر اتحاف السادة المتقين 7/ 101. [ (4) ] تقدم.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن السائب بن يزيد عن خالته قالت: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين يديه طبق خوص، فيه خبز وقديد، قالت: فلما فرغ انحرف إلى فخّارة فتوضأ منها، فابتدرنا وضوءه، فمنا من مضمض، ومنّا ما سكب على وجهه. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عتبة بن غزوان رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وما لنا طعام إلا أوراق الشجر، حتى تقرّحت أشداقنا. وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت عميس، وكانت صاحبة عائشة التي خبّأتها فأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في نسوة، فما وجدنا عنده إلا قوتا، إلا قدحا من لبن، فتناول فشرب منه، ثم ناوله عائشة فاستحيت منه، فقلت: لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأخذته فشربته، ثم قال: «ناولي صواحبك» ، فقلت: لا نشتهيه، فقال: «لا تجمعن كذبا وجوعا» ، فقلت: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهي، أيعد ذلك كذبا؟ فقال: «إن الكذب يكتب كذبا، حتى الكذيبة تكتب كذيبة» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الرّغبة: براء مفتوحة، فغين معجمة ساكنة، فموحدة مفتوحة، فتاء تأنيث: الحرص على الشيء، والطمع فيه، والرغبة والسؤال والطلب. الرّزق: براء مكسورة، فزاي ساكنة، فقاف: ما ينتفع به. المائدة: سيأتي الكلام عليها مبسوطا. الرّداء: براء مكسورة، فدال مهملة، فألف، فهمزة وهو ممدود: الثوب يجعله الإنسان على عاتقيه، وبين كتفيه فوق ثيابه. الإزار: بهمزة مكسورة فزاي فألف فراء: الملحفة. الأرملة: بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فميم فلام مفتوحتين فتاء تأنيث: التي مات زوجها غنية كانت أو فقيرة. الفخّارة: بفاء مفتوحة، فخاء معجمة، فراء: الجرّة. ابتدرنا: بهمزة وصل فموحدة، فمثناة فوقية، فدال مهملة: عاجلنا. تقرحت أشداقنا: بمثناة فوقية، فقاف، فراء، فحاء مهملتين: تخرقت. القدح: بقاف فدال مفتوحتين، فحاء مهملة: آنية تروي الرجلين، أو اسم جمع يجمع الصغار والكبار.

_ [ (1) ] أخرجه الحميدي (367) وأحمد 6/ 438، 452، 453، 458، 459 وانظر المجمع 4/ 51.

الباب الثامن عشر في أنه كان لا يدخر شيئا لغد، وما جاء أنه ادخر قوت سنة لعياله صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن عشر في أنه كان لا يدّخر شيئاً لغد، وما جاء أنه ادخر قوت سنة لعياله صلى الله عليه وسلّم روى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يدّخر شيئاً لغد [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أحد فقال: «ما يسرني أنه ذهب لآل محمد، أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران، إلا دينارين أعدهما للدّين إن كان» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يوما: «ما عندك شيء تطعمنا؟» قلت: نعم يا رسول الله، فضل من الطعام الذي كان أمس، قال: «ألم أنهك أن تدع طعام يوم لغد؟» . وروى ابو سعد الماليني [ (3) ] ، والخطيب عنه أيضاً قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم طائران، وفي لفظ: طيران فقال: «ما هذا؟» قال بلال: خبأته لك يا رسول الله، فقال: «يا بلال لا تخف من ذي العرش إقلالا. أن الله تعالى سيأتي برزق كل غد، ألم أنهك أن تدخر شيئا لغد؟» [ (4) ] . وروى ابن حبان والبيهقي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه قالت: حسبت ذلك من وجع، قلت: ما لي أراك صلى الله عليه وسلّم ساهم الوجه؟ قال: «من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا بالأمس، ولم نقسمها» [ (5) ] . وروى البيهقي، والبزار، والطبراني، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على بلال فوجد عنده صبرة من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال؟» فقال: تمر أدخره، فقال: «ويحك يا بلال، أو ما تخاف أن يكون له بخار في النار؟ أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» . وروى ابن سعد والبيهقي أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لأبي أمامة بن سهل بن

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 4/ 580 (2362) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2139) . [ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 467. [ (3) ] أبو سعد الماليني نسبة إلى مالين قرية مجتمعة من أعمال أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي الحافظ الثقة المتقن طاووس الفقراء قال الخطيب كان ثقة متقنا صالحا وقال غيره: سمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر وحدث عن أبي أحمد بن عدي وطبقته وكتب الكتب الطوال وأكثر التطواق إلى أن مات بمصر في سابع عشر شوال سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. شذرات الذهب 3/ 195. [ (4) ] انظر الكنز (16189) . [ (5) ] تقدم.

حنيف، وعروة بن الزبير: لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له، وكانت عندي ستة دراهم أو سبعة، قالت: فأمرني نبي الله صلّى الله عليه وسلم أن أفرقها، قالت: فشغلني وجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله، ثم سألني عنها، فقال: «ما فعلت، أكنت فرقت الستة الدنانير أو السبعة؟» فقلت: لا، والله، لقد كان شغلني وجعك، قالت: فدعا بها، فوضعها في كفه، فقال: «ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده؟» وتقدمت أحاديث في باب فقراء مكة. وروى البزار عن أبي سعيد، والبزار، والطّبراني عن سمرة بن جندب، والطبراني، والبزّار بسند حسن- والإمام أحمد، وأبو يعلى- برجال ثقات- والبزّار والإمام أحمد- بسند حسن- عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج على أصحابه ذات يوم، وفي يده قطعة من ذهب، فقال لعبد الله بن عمر: ما كان قال لربه إذا مات وهذه عنده؟ فقسمها قبل أن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتفت إلى أحد، فقال: «والذي نفسي بيده ما يسرني أن يحول هذا ذهبا وفضة لآل محمد، أنفقه في سبيل الله، أبقي بعد صبح ثلاثة، وعندي منه شيء، إلا شيئا أعده لدين» ، وفي لفظ: «أموت يوم أموت أدع منه دينارين، إلا دينارين أعدهما لدين أن كان» ، قال ابن عباس: فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ترك دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا وليدة، وترك درعه مرهونة عند رجل من اليهود رهنا بثلاثين صاعا من شعير، كان يأكل منها ويطعم عياله [ (1) ] . وروى الطبراني والبزّار عن بلال رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعندي شيء من تمر، فقال: «ما هذا؟» فقلت: ادخرنا لشتائنا، فقال: «أما تخاف أن ترى له بخارا في جهنم؟» [ (2) ] . وروى البزار، والطبراني- بسند حسن- عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على بلال، وعنده صبرة من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال» ، قال: أعددت ذلك لأضيافنا، قال: «أما تخشى أن يكون له بخار في نار جهنم؟ أنفق بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» . وروى أبو ذر الهروي في دلائله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال أطعمنا» ، قال: ما عندي إلا صبرة من خبز. خبأته لك، قال: «أما إن الله يجعل له بخارا في نار جهنم أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا» . وروى البخاري عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في صرّة المدينة فاستقبلنا أحدا، فقال: يا أبا ذر» ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «ما يسرني أن

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 1/ 324. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 1/ 258.

تنبيهات

عندي مثل أحد ذهبا، تمضي على ثلاثة، وعندي منه دينار، إلا شيئا أرصده لدين، إلا أن أقول في عباد الله هكذا، وهكذا» ، وروي عن أبي هريرة نحوه. وروى أبو بكر الحميدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر، ويأكل، فقال لي: «يا ابن عمر ما لك لا تأكل؟» قلت يا رسول الله لا أشتهيه، قال: «لكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة لم أذق طعاما، ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يحبون رزق سنتهم ويضعفون؟ قال: فو الله ما برحنا، ولا زمنا حتى نزلت: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت 60] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا اتباع الشهوات، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية، فإن الحياة بيد الله، ألا وإني لا أكنز دينارا، ولا درهما، ولا أخبّىء رزقا لغد» . تنبيهات الأول: قال الحافظ بن عبد الله البجلي: سألت نعيم بن حماد قلت: جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لم يشبع في يوم من خبز مرتين، وجاء عنه أنه كان يعد لأهله قوت سنة، فكيف هذا؟ قال: كان يعد لأهله قوت سنة، فتنزل النازلة، فيقسمه، فيبقى بلا شيء. الثاني: قال الحافظ بن كثير: المراد أنه كان لا يدخر شيئا مما يسرع إليه الفساد كالأطعمة ونحوها، لما ثبت في الصحيحين عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، فكان يعزل نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقي من الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل، ومما يؤيد ما قلناه ما رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى- برجال ثقات- عن أنس قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة طوائر فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتته به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد؟ فإن الله تعالى يأتي برزق كل غد» . الثالث: في بيان غريب ما سبق: الادخار: تقدم الكلام عليه. ساهم الوجه: بالمهملة: متغيره، وقد تقدم الكلام عليه. البخار: بموحدة مضمومة، فخاء معجمة: النتن في الفم، وكل رائحة ساطعة بحدة. الدرع: تقدم الكلام عليه. الصاع: بصاد فألف، فعين مهملتين: خمسة أرطال وثلث أو ثمانية أرطال. أرصده: بهمزة مفتوحة، فراء ساكنة، فصاد مضمومة، فدال مهملات.

الباب التاسع عشر في نفقته صلى الله عليه وسلم

الباب التاسع عشر في نفقته صلّى الله عليه وسلم وروى أبو داود والبيهقي عن أبي عامر عبد الله قال: لقيت بلالا مؤذن النبي صلى الله عليه وسلّم بحلب فقلت: حدثني كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان له شيء من ذلك، إلا أني الذي كنت آتي ذلك منه منذ بعثه الله تعالى، إلى أن توفي، فكان إذا أتاه الإنسان فرآه عاريا يأمرني فأنطلق، فأستقرض، فأشتري البردة، والشيء، فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال إن عندي سعة، فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت، فلما كان ذات يوم توضأت، ثم قمت لأؤذن بالصلاة، فإذا المشرك في عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي قلت: لبيك فتجهّمني، وقال قولا غليظا، فقال: ألا ترى كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربع ليال، فآخذك بالذي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك، ولا من كرامة صاحبك، ولكن أعطيتك لتصير لي عبدا، فأذرك ترعى الغنم، كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت، ثم أذنت بالصلاة، حتى إذا صليت العتمة، رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أهله، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إن المشرك الذي قلت لك إني كنت أتديّن منه قد قال: كذا وكذا وليس عندك ما تقضي عني، ولا عندي، وهو فاضحني، فأذن لي أن آتي بعض هؤلاء الأحياء الذين أسلموا حتى يرزق الله تعالى رسوله ما يقضي عني، فخرجت حتى أتيت منزلي فحملت سيفي وجرابي ورمحي، ونعلي عند رأسي، واستقبلت بوجهي الأفق، فكلما نمت انتبهت، فإذا رأيت عليّ ليلا نمت، حتى انشق عمود الصبح الأول، فأردت أن أنطلق، فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت، حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبشر يا بلال، فقد جاءك الله تعالى بقضائك، فحمدت الله تعالى» ، فقال: ألم تمر على الركائب المناخات الأربع؟ قال: فقلت: بلى؟ قال: فإن لك رقابهن، وما عليهن، فإذا عليهن كسوة، وطعام، أهداهن له عظيم فدك قال: فاقبضهن إليك، ثم اقض دينك، قال: ففعلت، فحططت عنهن أحمالهن، ثم عقلتهن، ثم عدت إلى تأذين صلاة الصبح، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلاة الصبح، خرجت إلى البقيع، فجعلت أصبعي في أذني، فناديت، وقلت: من كان يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلّم دينا فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلّم دين في الأرض، حتى فضل عندي أوقيتان، أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد وحده

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

فسلمت عليه، فقال لي: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلم يبق شيء، فقال: «فضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منها، فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منها، فلم يأتنا أحد» ، فبات في المسجد، حتى أصبح، وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى إذا كان في آخر النهار جاء راكبان، فانطلقت بهما فكسوتهما وأطعمتهما، حتى إذا صلّى العتمة دعاني، فقال: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قد أراحك الله منه، فكبر، وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم تبعته حتى جاء أزواجه، فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العصابة: بعين مكسورة، فصاد مفتوحة مهملتين، فموحدة: الجماعة من الناس. تجّهمني: أي تلقاني بوجه كريه، وأغلظ عليّ القول. العتمة: بعين مهملة، فمثناة فوقية، فميم مفتوحات، فتاء تأنيث: العشاء، سميت بذلك لأنها تعتّم، أي تطلق أعتمة الليل، وهي ظلمته. جرابي: بجيم مكسورة، ولا تفتح أوله فيما حكاه النووي، والقاضي المذود أو الوعاء. الركائب: براء فكاف مفتوحتين، فهمزة فموحدة: واحده ركاب ككتاب [وهي الرواحل] واحدها راحلة. فدك: بفاء، فدال مهملة، فكاف مفتوحات: قرية بخيبر.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 81 وفي الدلائل 1/ 260 والطبراني في الكبير 1/ 350 وانظر البداية والنهاية 6/ 65.

الباب العشرون في صفة عيشه في الدنيا صلى الله عليه وسلم

الباب العشرون في صفة عيشه في الدنيا صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان يأتي علينا الشهر، وما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحم، وفي رواية: ما شبع آل محمد من خبز برّ ثلاثة، وفي رواية: أيام متتابعات، حتى قبض صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلا إحداهما تمر، وفي رواية: أنها كانت تقول لعروة: يا ابن أختي، إنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت: يا خالة فما كان يعيّشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ألبانها، فيسقيناه، وفي رواية قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين شبع الناس من الأسودين، التمر والماء، وفي رواية، قالت: ما شبعنا من الأسودين التمر والماء، وفي رواية لمسلم، والإمام أحمد وابن سعد، قالت: والله لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما شبع من خبز، وزيت في يوم واحد مرتين، وفي رواية عند الإمام أحمد أنها كانت تقول لعروة وايم الله، يا ابن أختي إن كان يمر على آل محمد الشهر لم يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم نار، لا يكون إلا أن حوالينا أهل دور من الأنصار- جزاهم الله خيرا في الحديث والقديم- فكل يوم يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغزيرة شياههم، فينال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما في رفّى من طعام يأكله ذو كبد إلا قريبا من شطر شعير، فأكلت منه حتى طال عليّ، لا تغني وكلته عني، فيا ليتني لم آكله، وأيم الله، وكان ضجاعه من أدم حشوه ليف [ (1) ] . وروى ابن عساكر عنها قالت: ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم غداء لعشاء، ولا عشاء لغداء قط، ولا اتخذ من شيء زوجين لا قميصين، ولا رداءين، ولا إزارين، ولا من النعال ولا رئي فارغا قط في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين أو يخيط ثوبا لأرملة [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: والذي نفسي بيده، ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة، حتى فارق الدنيا [ (3) ] .

_ [ (1) ] البخاري 11/ 287 (6458) . البخاري 9/ 49، (5416) ومسلم 4/ 2282 (2970 26) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (5414) ومن حديث عائشة أخرجه البخاري 9/ 460 (5416، 6454) ومن حديث أبي هريرة مسلم 4/ 2281 (32/ 2976) .

وروى التّرمذي رضي الله تعالى عنه قال: ما كان يفضل عند أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبز الشعير [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات غير سليمان بن رومان بنحو رجاله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما رأى منخلا، ولا أكل خبزا منخولا، منذ بعثه الله إلى أن قبض، قيل، كيف كنتم تصنعون؟ قالت: كنا نقول أفّ أفّ [ (2) ] . وروى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: لم يكن ينخل لرسول الله صلى الله عليه وسلم دقيق قط [ (3) ] . وروى البزار- بسند جيد- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يشبع هو، ولا أهله من خبز الشعير [ (4) ] . وروى الطبراني عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شبعتين حتى فارق الدنيا [ (5) ] . وروى أبو يعلى برجال الصحيح غير طلحة النّضري مولى عبد الله بن الزبير فيجّر رجاله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في قميص القطن [ (6) ] . وروى الطبراني في الأوسط- بسند حسن- عنها قالت: ما كان يبقى على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير قليل ولا كثير، وفي رواية، عنه: ما رفعت مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه، وعليها فضلة من طعام قط [ (7) ] . وروى البخاري ومسلم والبيهقي عنها قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله. وروى الإمام أحمد، وابن سعد والترمذي- وصححه- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير [ (8) ] .

_ [ (1) ] الترمذي (2359) . [ (2) ] انظر المجمع 10/ 312. [ (3) ] انظر المجمع 10/ 312. [ (4) ] انظر المجمع 10/ 312. [ (5) ] المجمع 10/ 312 وفيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف. [ (6) ] قال الهيثمي- طلحة- لم أعرفه المصدر السابق. [ (7) ] انظر المصدر السابق. [ (8) ] الترمذي (2360) وابن ماجة (3347) وأحمد 1/ 255 وابن سعد 1/ 2/ 113 وأحمد في الزهد (30) وقد تقدم.

وروى الإمام احمد وابن سعد والترمذي- وصححه- عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: ما كان يفضل من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز الشعير [ (1) ] . وروى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما أكل محمد صلى الله عليه وسلم في يوم أكلتين إلا إحداهما تمر، وفي رواية: ما شبع محمد من خبز مأدوم حتى لقي الله تعالى [ (2) ] . وروى مسلم والبيهقي عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: ألستم في طعام وشراب ما شئتم، لقد سمعت ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلّم يلتوي من الجوع، وما يجد من الدّقل ما يملأ بطنه [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن عمران بن حصين: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم حتى مضى لسبيله. وروى الطبراني عنه قال: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غداء وعشاء حتى لقي ربه [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وابن سعد وأبو داود، والحارث بن أبي أسامة- برجال ثقات- عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن فاطمة رضي الله تعالى عنها جاءت بكسرة خبز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذه الكسرة؟» قالت: قرصة خبزتها، فلم تطب نفسي إلا أن آتيك بهذه الكسرة، فقال: «أمّا إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام [ (5) ] » . وروى البيهقي عن ابن مسعود، وأبو داود الطيالسي، وابن سعد عن واثلة بن الأسقع قال أضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضيفا، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فقال: «اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت،» ، فأهديت إليه شاة مصليّة ورغف، فأكل منها أهل الصّفّة حتى شبعوا، فقال: «إنا سألنا الله تعالى من فضله ورحمته- فهذا فضله، وقد ادخر لنا رحمته» ، وفي لفظ: ونحن ننتظر الرحمة [ (6) ] . وروى ابن عساكر عن مسروق قال: دخلت على عائشة يوما، فدعت بطعام فقالت لي: كل فلقلّ ما أشبع من طعام، فأشاء أن أبكي إلا بكيت، قال: قلت لم يا أم المؤمنين؟ قالت: أذكر الحال التي فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين من خبز شعير- وفي لفظ: خبز- برّ حتى لحق بالله.

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 2284 (34/ 2977) والدقل: التمر الرديء. [ (4) ] وأخرجه عبد الرزاق (20620) المجمع 10/ 313. [ (5) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 114. [ (6) ] البيهقي 2/ 441، 442 وانظر البداية 6/ 138.

وروى عنها قالت: ما شبع آل محمد ثلاثة أيام من خبز البرّ حتى ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، وما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات أنصبت علينا صبا. وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وأبو يعلى، والترمذي في الشمائل، وابن سعد- بإسناد صحيح- عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف [ (1) ] . وروى الطّبراني، واللفظ له، والبزّار، ورواته ثقات- عن طلحة بن عمرو، والطبراني عن فضالة الليثي رضي الله تعالى عنهما قالا: كان الرجل إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن له عريف في المدينة نزل بأصحاب الصّفّة، قال الأول: وكان لي بها قرناء، وقال الثاني: نزلت الصّفّة، قال الأول: فكان يجري علينا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم اثنين مدّان من تمر، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الصلوات إذ ناداه مناد- وقال الثاني: - يوم الجمعة- فقال: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصلاة قام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر ما لقي من قومه من الشدة، قال: «مكثت أنا وصاحبي بضعة عشر يوما، ما لنا طعام غير البرير حتى قدمنا على إخواننا من الأنصار فواسونا في طعامهم ومعظم طعامهم التمر واللبن، والذي لا إله إلا هو، لو أجد لكم الخبز واللحم لأطعمتكموه دثورا الحديث» [ (2) ] . وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لو أردت أن أخبركم بكل شبعة شبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، لفعلت. وروى أيضا عنها قالت: إنه ليأتي على آل محمد الشهر ما يختبزون خبزا ولا يطبخون طبخا. وروى ابن سعد والإمام أحمد برجال الصحيح وابن عساكر وابن الجوزي عنها قالت: أهديت لنا ذات يوم يد شاة من بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فو الله إني لأمسكها على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويحزّها، أو يمسكها على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأحزّها، قيل على غير مصباح؟ قالت: لو كان عندنا دهن مصباح لأكلناه، إن كان ليأتي على آل محمد الشهر ما يخبزون فيه خبزا، ولا يطبخون فيه برمة.

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 20. [ (2) ] انظر المجمع 10/ 322 وأحمد 3/ 487.

وروى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يشبع هو، ولا أهله من خبز الشعير. وروى ابن سعد عنه قال: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكسر اليابسة، حتى فارق الدنيا، وأصبحتم تهذرون الدنيا. وروى ابن أبي الدنيا عن أم أيمن [ (1) ] رضي الله تعالى عنها أنها غربلت دقيقا تصنعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما هذا؟» قالت: طعام نصنعه في أرضنا، فأحببت أن أصنع لك رغيفا، قال: «ردّيه [ (2) ] » . وروى أبو الحسن بن الضحاك وابن سعد عن الحسن رحمه الله تعالى قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: «والله ما أمسى في آل محمد صاع من طعام لتسعة أبياته، والله ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم استقلالا لرزق الله تعالى، ولكن أراد أن تتأسى به أمته» . وروى مسلم والبخاري، وأبو الشيخ، والبرقاني عن قتادة عن أنس قال: مشيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بخبز شعير وله هالة ولقد سمعته يقول: «ما أصبح لآل محمد، ولا أمسى في آل محمد إلا صاع، وإنهن يومئذ لتسعة أبيات» [ (3) ] . وروى الترمذي وابن سعد عن نوفل بن إياس الهذلي قال: أتينا في بيت عبد الرحمن ابن عوف بصحيفة فيها خبز ولحم، فلما وضعت بكى عبد الرحمن، قلت: ما يبكيك؟ فقال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يشبع هو ولا أهله من خبز الشعير، ولا أرانا أخّرنا لما هو خير لنا. وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: شهدت وليمة للنبي صلى الله عليه وسلم ما فيها خبز ولا لحم. وروى أيضا أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه مر بالمغيرة بن شعبة وهو يطعم الطعام، فقال: ما هذا الطعام؟ قال: خبز النّقي واللحم للمسلمين قال: وما النقي؟ قال: الدقيق، فعجب أبو هريرة، ثم قال: عجبا لك يا مغيرة، رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضه الله تعالى، وما شبع من الخبز والزيت مرتين في يوم، وأنت وأصحابك تهذرون ههنا الدنيا بينكم ونقد بإصبعه، يقول كأنكم صبيان. وروى أبو بشر محمد بن أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لقد رأيتنا نحبس

_ [ (1) ] أم أيمن، مولاة النبي صلى الله عليه وسلّم وحاضنته.. قال أبو عمر اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان وكان يقال لها أم الظباء. [ (2) ] ابن سعد 1/ 2/ 157. [ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 302 (2069) .

الكراع يعني من لحوم الأضاحي، فنأكله بعد خمسة عشر يوما، قال عابس [ (1) ] : فقلت: فما كان يحملكم على ذلك؟ فضحكت، وقالت: ما شبع آل محمد من خبز البرّ مأدوما يومين، حتى لحق بالله تعالى. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن يزيد الرّقاشي قال: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وفد من قبل البصرة فيهم الأحنف بن قيس، فرأوا طعاما خشنا وثوبين خلقين، فكلموا حفصة أن تكلمه في ذلك، فكلمته، فجعل عمر رضي الله تعالى عنه يناشدها الله، هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث عشرين سنة لم يشبع من خبز الشعير؟ لم يشبع ثلاثين يوما تباعا. وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وما شبعنا من الأسودين. وروى ابن سعد والدارقطني في الإفراد، وصححه عن أبي حازم [ (2) ] قال: قلت لسهل بن سعد: أكانت المناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما رأيت منخلا في ذلك الزمان، وما أكل النبي صلى الله عليه وسلّم الشعير منخولا حتى فارق الدنيا، فإن قلت: كيف تصنعون؟ قال: «كنا نطحنها، ثم ننفخ قشرها، فيطير ما طار، ويتمسك ما استمسك» [ (3) ] . وروى ابن سعد عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلتوي يومه من الجوع، ما يجد من الدّقل ما يملأ به بطنه [ (4) ] . وروى ابن سعد، والإمام أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة في المصنف عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال: احمدوا الله عز وجل فربما أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم اليوم يظل يلتوي ما يشبع من الدّقل، ولفظ ابن أبي شيبة ألستم في طعام وشراب ما شئتم فقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلّم وما يجد الدّقل ما يملأ به بطنه. وروى ابن أبي الدّنيا وأبو سعد الماليني وأبو الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي جالسا، قلت: يا رسول الله ما أصابك؟ قال: «الجوع» ، فبكيت قال: «لا تبك يا أبا هريرة، فإن شدة الجوع لا تصيب الجائع- يعني يوم القيامة- إذا احتسب في دار الدنيا» .

_ [ (1) ] عابس بن ربيعة بن عامر العطيفي. الإصابة 4/ 2. [ (2) ] أبو حازم واسمه عوف بن عبد الحارث بن عوف بن حشيش بن هلال بن الحارث بن رزاح بن كلب بن عمرو بن لؤي ابن دهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن بجيلة وهو أبو قبيس بن أبي حازم. طبقات ابن سعد 6/ 110. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم.

وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين، حتى لقي الله تعالى، ولا رفعنا له فضل طعام عن شبع، حتى لقي الله، إلا أن يرفعه لغائب، فقيل لها: ما كانت معيشتكم؟ قالت: الأسودان الماء والتمر، قالت: وكان لنا جيران من الأنصار لهم ربائب منائح يسقونا من لبنها، جزاهم الله تعالى خيرا. وروى الشيخان والإمام احمد وابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعا، حتى مضى لسبيله، زاد ابن سعد، والإمام أحمد: وما رفع عن مائدته كسرة قط حتى قبض [ (1) ] . وروى أبو داود الطّيالسي، ومسلم، وابن سعد عنها قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض، زاد ابن سعد: وإن كان ليهدي لنا قناع فيه كعب من إهالة فنفرح به. وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوما بطعام سخين، فأكل، فلما فرغ قال: «الحمد لله ما دخل بطني طعام سخين منذ كذا وكذا» [ (2) ] . وروى عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فأرسل إلى أخرى، فقالت: مثل ذلك، حتى قال كلهن مثل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضيف هذا الليلة رحمه الله تعالى؟» فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فانطلق به إلى رحله. فقال لامرأته: أعندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني [ (3) ] . قال وروى ابن سعد عن مسروق قال: دخلت على عائشة، وهي تبكي، فقلت: يا أم المؤمنين ما يبكيك؟ قالت: ما ملأت بطني من طعام فشئت أن أبكي إلا بكيت، أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان فيه من الجهد [ (4) ] . وروى عنه قال: دخلت على عائشة وهي تبكي، فقلت: يا أم المؤمنين ما يبكيك؟ قالت: ما أشبع فأشاء أن أبكي إلا بكيت، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز برّ [ (5) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (4150) وانظر البداية والنهاية 6/ 61. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 42 ومسلم في الأشربة 172 والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 185 والبغوي في التفسير 7/ 62. [ (4) ] انظر المجمع 5/ 301. [ (5) ] تقدم.

وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما شبع آل محمد غذاء ولا عشاء من خبز الشعير ثلاثة أيام متتابعات- رضي الله تعالى عنها- حتى لحق بالله عز وجل. وروى الإمام أحمد، والبزار- بسند حسن- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان يمر بآل محمد صلى الله عليه وسلّم الهلال، ثم الهلال، لا يوقد في شيء من بيوته نار، لا لخبز، ولا لطبخ، قالوا: بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة؟ قال: بالأسودين التمر والماء، قال: فكان لهم جيران من الأنصار- جزاهم الله خيرا- لهم منائح يرسلون بشيء من اللبن [ (1) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات غير عثمان بن عطاء عنه قال: إن كان لتمر بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأهلّة ما يسرج في بيت واحدة منهن بسراج، ولا يوقد فيه نار، وإن وجدوا زيتا أدهنوا به وودكا أكلوه. وروى البزار- بسند حسن- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ابن عمر قال له: قد علمت أن محمدا وأهله كانوا يأكلون القدّ قلت: بلى والله ... الحديث. وروى أبو داود عن أبي صالح مرسلا قال: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام فأكل فلما فرغ حمد الله تعالى ثم قال: «ما أكلت طعاما سخينا، أو ما ملأت بطني من طعام سخين منذ كذا وكذا» . وروى سعيد بن منصور عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية من خبز برّ منذ هاجر إلى المدينة، حتى مضى لسبيله، لو شئت أن أحدثكم- وأعدّها عليكم- بكل شبعة شبعوها من خبز البرّ منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحدثتكم، فقال بعض القوم: أي أكل يا أم المؤمنين؟ قالت: يوم أجلى الله تعالى بني النّضير فتركوا البيوت مملأة من التمر والسلاح، خرجوا على أقدامهم، قالت: فشبع جميع المسلمين يومئذ من التمر عبدهم وحرّهم ذكرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بشعا ولبس خشنا، فسئل أبو الحسن ما البشع؟ قال: غليظ الشعير، وما كان يسفّه إلا بجرعة من ماء. وروى أيضا عن جعفر بن سليمان عن الجريري [ (2) ] رحمه الله تعالى قال: بلغني أن

_ [ (1) ] انظر المجمع 10/ 315. [ (2) ] سعيد بن إياس الجريري، بضم الجيم، أبو مسعود البصري، ثقة، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وأربعين. التقريب 1/ 291.

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع رجل من أصحابه، فغمز رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه، فقال له الرجل: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أتشتكي بطنك؟ فقال: «لا، إنما هو جعار الجوع» ، فقام الرجل ليدخل حيطان الأنصار، فرأى رجلا من الأنصار يسقي سقاية فقال له: هل لك أن أسقي لك بكل سقاية تمرة جيدة؟ قال نعم، قال: فوضع الرجل كساءه، ثم أخذ يسقي وهو رجل قوي، فسقي مليا، حتى ابتهر وعي فجعل يتروّح، ثم فتح حجره، وقال: عدّ لي تمري، قال: فعدّ له نحوا من المدّ فجاء به، حتى نثره بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم منه قبضة، ثم قال: اذهبوا بهذا إلى فلانة، واذهبوا بهذا إلى فلانة، فقال الرجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أراك تأخذ منه، ولا ينقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ألست تقرأ هذه الآية؟» قال فقلت آيّة آية يا رسول الله؟ قال: قول الله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ- 39] قال أشهد أنما هو من الله تعالى. وروى أيضاً وابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ربما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة هلمي إلى غذاءك المبارك، وربما لم يكن إلا التمرتين» . وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ما أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى رغيفا مرقّقا بعينه، حتى لحق بربه، ولا شاة سميطا قط. وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما اجتمع في بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامان قط، إن أكل لحما لم يزد عليه، وإن أكل تمرا لم يزد عليه، وإن أكل خبزا لم يزد عليه. وروى عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يشبع من خبز الشعير، فما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا. وروى الطبراني- بسند جيد- عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرأيته متغيرا، فقلت: بأبي أنت وأمي، ما لي أراك متغيرا؟ قال: «ما حصّل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث» قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له، فسقيت له كل دلو بتمرة، فجمعت تمرا، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من أين لك هذا يا كعب؟ فأخبرته فذكر الحديث» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى- برجال الصحيح- عن عليّ بن رباح رحمه الله

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع وقال الهيثمي 10/ 316 إسناده جيد.

تعالى قال: كنت بالإسكندرية مع عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، فذكروا ما هم فيه فقال رجل من الصحابة: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وما شبع أهله من الخبز الغليث قال موسى ابن علي: يعني الشعير والسّلت إذا خلطا [ (1) ] . وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حائطا من حيطان المدينة، فجعل يأكل بسرا أخضر، فقال: «كلّ يا ابن عمر» ، فقلت ما أشتهيه يا رسول الله، قال: «ما تشتهيه؟ إنه لأول طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أربعة أيام» [ (2) ] . وروى الحسن بن الضحاك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن كنا لنرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الكراع فيأكله بعد شهر. وروى الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه عن عتبة بن غزوان رضي الله تعالى عنه، قال: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما طعامنا إلا ورق الحبلة حتى تقرّحت أشداقنا [ (3) ] . وروى ابن سعد رضي الله تعالى عنه عن عمران بن زيد المدني قال: حدثني أبي قال: دخلت على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الدنيا، ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين، كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير، وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر. وروى أيضا عن الأعرج قال: قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوع، قلت لأبي هريرة: وكيف ذلك الجوع؟ قال: لكثرة من يغشاه، وأضيافه، وقوم يلزمونه لذلك، فلا يأكل طعاما قط إلا ومعه أصحابه، وأهل الحاجة يشبعون في المسجد، فلما فتح الله عز وجل خيبر اتسع الناس بعض الاتساع، وفي الأمر بعض ضيق، والمعاش شديد، وهي بلاد لا زرع فيها، إنما طعام أهلها التمر، وعلى ذلك أقاموا. وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق. وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع. ذكر الحديث. وروى البيهقي وابن عساكر عن جبير بن نفير قال: قال أبو البجير رضي الله تعالى عنه: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الجوع، فوضع على بطنه حجرا، وقال: «يا ربّ نفس ناعمة طاعمة، جائعة عارية يوم القيامة» .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 198. [ (2) ] انظر المجمع 10/ 321 والبغوي في التفسير 5/ 199. [ (3) ] تقدم.

وروى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشد حبليه بالحجر من الغرث [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو يعلى- بسند جيد- وأبو نعيم في الحلية عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وهم يحفرون الخندق ثلاثا لم يذوقوا طعاما، قال جابر: فحانت مني التفاتة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد شد على بطنه حجرا من الجوع، ولفظ أبي نعيم في الحلية. نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجدته قد وضع بينه وبين إزاره حجرا ليقيم به صلبه من الجوع [ (2) ] . وروى التّرمذي- بسند جيد قوي- عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الجوع، ورفعنا عن حجر حجر، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن حجرين، وذكر الحافظ رحمه الله تعالى في تخريج أحاديث المشكاة أن التّرمذي صححه، ولم أقف على ذلك في النسخة التي وقفت عليها من التّرمذي. وروى ابن أبي الدّنيا، والبيهقي في الزهد، وابن عساكر عن أبي البجير رضي الله تعالى عنه قال: أصاب النبي صلى الله عليه وسلّم جوع يوما، فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه. وروى مسلم والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب على بطنه بعصابة، قال أسامة: أنا أشدّ على حجر، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه؟ قالوا: من الجوع ... الحديث [ (3) ] . وروى أبو نعيم وابن عساكر عن حصين بن يزيد الكلبي رضي الله تعالى عنه قال: ربما شد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطنه الحجر من الجوع، ويرحم الله تعالى الإمام ابن جابر حيث قال: طوى كشحه تحت الحجارة من طوى ... وإحسانه ما قلّ منه مثال كأنّ عيال النّاس طراّ عياله ... فكلّهم ممّا لديه يعال يبيت على فقر، ولو شاء حوّلت ... له ذهبا محضا ربى وجبال وما كانت الدّنيا لديه بموقع ... فقد صرمت فيها لديه حبال رأى هذه الدّنيا سريعا زوالها ... فلم يرض شيئا يعتريه زوال

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 114 وانظر كنز العمال (18415) . [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 456 (4101) . [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1612 (143/ 2039) وأحمد 1/ 51، 65.

لعمرك ما الأعمار إلّا قصيرة ... ولكنّ آمال الرّجال طوال أتته مفاتيح الكنوز فردّها ... وعافت يمين مسّها وشمال وكان يفيض المال بين عفاته ... كما فضّت التّرب المهال شمال فما كان للمال الشّديد بمائل ... وكم غرّ أرباب العقول فمالوا به فرّج الله المضايق كلّها ... وبان حرام للورى وحلال فأنصف مظلوما وأمّن خائفا ... وأغنم محتاجا ونعم مآل بشير نذير صادق القول صادع ... لكلّ كلام جاء عنه كمال بليغ يصوغ القول كيف يريده ... لكلّ مقام ينتحيه مقال جميل جليل مانح غير مانع ... عليه وقار ظاهر وجلال إذا أبصرته العين هابت فلم تكن ... لتملأ منه العين حين تجال شفيع رفيع ناصر ناصح لنا ... رحيم رحيب العفو حين ينال حبيب إلى ربّ الأنام محبّب ... إلى الخلق إلّا من لديه ضلال لقد شهدت حتّى الوحوش ببعثه ... وصدّق ذيب قوله وغزال وكان مصونا بالغمام مظلّلا ... إذا النّاس مالوا للظّلال وقالوا وروى مسلم والأربعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، والبزّار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وابن حبان عن ابن عباس وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» قالا: الجوع يا رسول الله، قال: «والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، فقوما» ، فقاما معه، فأتى منزل أبي أيوب الأنصاري، وقال ابن عمر منزل أبي الهيثم بن التّيهان، فلما انتهوا إلى داره قالت امرأته: مرحبا بنبي الله، وبمن معه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أين أبو أيوب؟» فقالت امرأته: يا نبي الله يأتيك الساعة، انطلق يستعذب الماء، فجاء أبو أيوب رضي الله تعالى عنه، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني فانطلق فقطع عذقا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أردت تقطع لنا هذا إلا اجتنيت لنا من تمره» ، قال: أحببت يا رسول الله أن تأكلوا من تمره، وبسره، ورطبه، ثم أخذ المدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إياك والحلوب» ، فذبح لهم، فشوى نصفه، وطبخ نصفه، فلما وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذ من الجدي، فجعله في رغيف، وقال: «يا أبا أيوب أبلغ بهذا فاطمة لأنها لم تصب مثل هذا منذ أيام» ، فذهب به أبو أيوب إلى فاطمة، فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا لهو النعيم الذي تسألون عنه، قال الله تعالى: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ

تنبيهات

النَّعِيمِ [التكاثر 8] فهذا النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة» ، فكبر ذلك على أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا باسم الله، فإذا شبعتم فقولوا الحمد لله الذي هو أشبعنا، وأنعم علينا وأفضل، فإن هذا كفاف لهذا» فأخذ عمر رضي الله تعالى عنه العذق فضرب بها الأرض حتى تناثر البسر، ثم قال: يا رسول الله وأنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: «نعم، إلا من ثلاث: كسرة يسد بها الرجل جوعته، أو ثوب يستر به عورته، أو حجر يدخل فيه من القرّ والحرّ» [ (1) ] . تنبيهات الأول: أنكر الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبّان رحمه الله تعالى هذه الأحاديث التي في شده صلى الله عليه وسلّم الحجر على بطنه عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم: «لست كأحدكم، إني أطعم وأسقى» ، قال: لأن الله تعالى كان يطعم رسوله، ويسقيه إذا واصل، فكيف يتركه جائعا حتى يحتاج إلى شد الحجر على بطنه؟ ثم قال: وماذا يغني الحجر من الجوع؟ ثم ادعى أن ذلك تصحيف ممن رواه، وإنما هي الحجز بالزاي جمع حجزة، قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: قد أشكل الأمر في شده الحجر على البطن من الجوع على قوم، فتوهموا أنه تصحيف، وزعموا أنه الحجز- بضم الحاء وفتح الجيم، بعدها زاي- جمع الحجزة، وهي التي يشدّ بها الوسط، ومن أقام بالحجاز، وعرف عادتهم، عرف أن الحجر واحد الحجارة، وذلك أن المجاعة تعتريهم كثيرا، فإذا خوى البطن لم يمكن معه الانتصاب، فيعمل الشخص حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف، أو أكثر، فيربطها على بطنه، ويشدها بعصابة فوقها، فتعتدل قامته بعض الاعتدال، والاعتماد بالكبد على الأرض مما يقارب ذلك، قال الحافظ رحمه الله تعالى: قد أكثر الناس من الرد على ابن حبان في جميع ذلك، فأبلغ ما يردّ به عليه أنه أخرج في صحيحه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أبا بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال: «ما أخرجكما؟» قالا: ما أخرجنا إلا الجوع، فقال: «أنا والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الجوع» ، الحديث، فهذا يردّ ما تمسك به، وأما قوله: «وما يغني الحجر من الجوع؟» فجوابه: أنه يقيم الصلب، لأن البطن إذا خلا ربما ضعف صاحبه على القيام لانثناء بطنه، فإذا ربط عليه الحجر اشتد، وقوي صاحبه على القيام، حتى قال بعض من وقع له ذلك: كنت أظن أن الرّجلين تحملان البطن، فإذا البطن هو الذي يحمل الرجلين. وقال الحافظ رحمه الله تعالى في موضع آخر من الفتح: قال العلماء رحمهم الله تعالى:

_ [ (1) ] تقدم.

فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال، وعلى الانتصاب، والمنع من كثرة التحلل من الغثاء الذي في البطن، يكون الحجر بقدر البطن، فيكون الضعف أقل، أو لتقليل حرارة الجوع، ببرد الحجر، أو كان فيه إشارة إلى كسر النفس. قلت وسيأتي الكلام على حديث: إني لست كأحدكم، إني أطعم وأسقى، في باب وصاله من أبواب صيامه، ويدل على أن شد الحجر على البطن من عادة العرب، ما رواه الإمام أحمد، والبخاري، عن عبد الله بن عتيق قال: أقمت مع أبي هريرة رضي الله تعالى عنه سنة، فقال: لو رأيتنا، وإننا ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه، حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه، ثم يشده بثوبه، ليقيم به صلبه. قلت: وروى أبو داود الطيالسي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: أصابني جوع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شددت على بطني حجرا ... الحديث. وروى الحارث بن أبي أسامة عن عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية نخلة ومعنا عمرو بن سراقة، وكان رجلا لطيف البطن طويلا، فجاع، فانثنى صلبه، وكان لا يستطيع أن يمشي، فسقط علينا، فأخذنا صفحة من حجارة فربطناها على بطنه، ثم شددنا إلى صلبه، فمشى معنا، فجئنا حيا من العرب، فضيّفونا، فمشى معنا، قال: كنت أحسب الرّجلين تحملان البطن، فإذا البطن يحمل الرّجلين. الثاني: قال العلماء رحمهم الله تعالى كان فقر النبي صلى الله عليه وسلّم اختياريا. الثالث: في بيان غريب ما سبق: البرّ: بباء مضمومة، فراء: الحنطة. جيران: بكسر الجيم. المنائح: بحاء مهملة: جمع منيحة وهي عند العرب على وجهين: أحدهما العطية، كالهبة والصلة، والأخرى تختص بذوات الألبان، وهو أن يعطيه الشاة مثلا لينتفع بلبنها ويردها. الغزيرة: بالغين المعجمة، والزاي: الكثيرة اللبن. يمنحون: بفتح أوله وثالثه، ويجوز ضم أوله وكسر ثالثه: أي يجعلونها. يعيشكم: بضم أوله: يقال أعاشه الله تعالى عيشة، وضبطه النووي بالمثناة التحتية. الرّف: براء مفتوحة، ففاء مشددة، خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يوقي به ما يوضع عليه. شطر: بشين معجمة مفتوحة، فطاء مهملة ساكنة، فراء: قيل أراد نصف مكّوك وقيل أراد نصف وسق.

الحنطة: بحاء مهملة مكسورة، فنون ساكنة، فطاء مهملة، فتاء تأنيث: البرّ. الخميص: بخاء معجمة مفتوحة، فميم مكسورة، فتحتية ساكنة، فصاد مهملة: أي ضامر البطن. المائدة: كل شيء يمد ويسط، وسيأتي له بسط كلام. الدّقل: بدال مهملة، فقاف: حشف التمر. المصليّة: بميم مفتوحة، فصاد مهملة ساكنة، فلام مكسورة، فتحتية مفتوحة مشددة، فتاء تأنيث: أي مشوية. الكدرة: بكاف مفتوحة، فدال مهملة، فراء فتاء تأنيث: ضد الصافية. الضفف: بضاد معجمة، ففاء مفتوحتين، ففاء أخرى: الجوع. العريف: بعين مهملة مفتوحة، فراء مكسورة، فتحتية: القيم بأمور القبيلة، أو الجماعة من الناس يلي أمورهم، ويتعرف الأمير منه أحوالهم، فعيل بمعنى فاعل، والعرافة عمله، والمراد هنا: لم يكن له بالمدينة من هو عارف له أي من يعرفه. القرناء: بقاف مضمومة، فراء مفتوحة، فنون، فألف: جمع قرين وهو الكفء والنظير. المصباح: بكسر الميم: سراج مضيء. البرمة: بموحدة مضمومة أو مكسورة فراء ساكنة، فميم، فتاء تأنيث: القدر مطلقا. تهذرون: بفوقية مفتوحة، فهاء ساكنة، فذال معجمة، فراء: أي تتوسعون فيها، وتبذرونها، وتفرقونها في كل وجه، وروي: تهزون الدنيا، قال في النهاية وهو أشبه بالصواب، يعني تقتطعونها إلى أنفسكم، وتجمعونها، أو تسرعون إنفاقها. الإهالة: بكسر الهمزة: كل ما يوقد به من الأدهان. سنخة: بسين مهملة، فنون مكسورة فخاء معجمة، فتاء تأنيث: المتغيرة الرائحة. نقد بإصبعه: بنون فقاف، فدال مهملة، مفتوحات: أي نقر. قناع: بقاف مكسورة، فنون، فألف، فعين مهملة: أي طبق. كعب من إهالة: بكاف مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فموحدة: قطعة من السمن والدهن. المجهود: بميم مفتوحة، فجيم، فهاء مضمومة، فواو فدال مهملة: واجد المشقة. الودك: بواو، فدال مهملة مفتوحتين، فكاف: دسم اللحم، ودهنه الذي يستخرج منه القدّ: الجلد. جعار الجوع: بجيم مكسورة، فعين مهملة، فألف فراء: يبس الطبيعة بأن ييبس الثّفل في الدبر.

ابتهر: بهمزة وصل، وموحدة ساكنة، فمثناة فوقية، فهاء، فراء: أي عسىّ. رغيفا مرققا: براء فقافين، أي لم يكن يعمل له رقاق، لأنه لا يكون من شعير، وإنما يكون من البرّ. السّلت: بسين مهملة مضمومة، فلام ساكنة، فمثناة فوقية: الشعير، أو ضرب منه أو الحامض. ورق الحبلة: بحاء مهملة مضمومة، فموحدة ساكنة: ثمر السّمر يشبه اللوبياء وقيل هو ثمر العضاة. البرير: بموحدة مفتوحة، فراءين: أولاهما ساكنة، وبينهما تحتية كأمير: الأول من ثمر الأراك. تقرحت أشداقنا: تقدم الكلام على مثله. الغرث: بغين معجمة مفتوحة، فراء مهملة ساكنة فمثلثة: الجوع. الكشح: بكاف مفتوحة، ثم شين معجمة ساكنة، فحاء مهملة: ما بين الخاصر إلى الضلع الخلف. ربى: براء مضمومة، فموحدة: جمع ربوة: بضم الراء، وسكون الموحدة: وهي ما ارتفع من الأرض. العذق: بكسر العين المهملة، وإسكان الذال المعجمة، بعدها قاف: القنو وبفتح العين: النخلة. المدية: بميم مضمومة، فدال مهملة ساكنة، فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث: السكين والشفرة. الحلوب: بحاء مهملة مفتوحة، ولام مضمومة، وواو، وموحدة: الحلوبة والله أعلم.

الباب الحادي والعشرون في هيبته، ووقاره صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي والعشرون في هيبته، ووقاره صلى الله عليه وسلم وروى ابن سعد، وابن جرير عن قيلة بنت مخرمة قالت: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم متخشعا في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم- «ولم ينظر إلي، وأنا عند ظهره- يا مسكينة، عليك بالسكينة» ، فلما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهب الله تعالى ما دخل قلبي من الرعب [ (1) ] . وروى محمد بن أبي عمر، وأبو داود، والنسائي، والترمذي- وصححه- وابن حبّان عن يزيد بن الأسود السّوائي رضي الله تعالى عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حجّة الوداع، فصلى بنا صلاة الصبح فانحرف فاستقبل الناس بوجهه صلى الله عليه وسلم فإذا هو برجلين من وراء الناس لم يصليا مع الناس فقال: «ائتوني بهذين الرجلين،» فأتي بهما ترعد فرائضهما، فقال: ما منعكما أن تصليا مع الناس؟» قالا يا رسول الله، إنا قد صلينا في رحالنا، فقال: «فلا تفعلا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معهم، فإنها له نافلة» [ (2) ] . وروى أبو داود، وابن ماجة- بسند لا بأس به- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: كنا نجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكلم النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فأرعد، فقال: «هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» [ (3) ] . وروى ابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنا نجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا أحد، إلا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما [ (4) ] . وروى ابن سعد عن أبي رمثة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعي ابني، فقال: يا بني هذا نبي الله صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه أرعد من هيبته. وروى يعقوب بن سفيان عنه أيضاً قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته، قال: هل تدري من هذا؟ قلت: لا قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس فإذا هو بشر. وروى الترمذي في الشمائل عن علي رضي الله تعالى عنه قال: من رأى

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 58 وانظر المجمع 6/ 11 والكنز (6403) والشفا 1/. 199 [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف 2/ 421 (3934) وأحمد 4/ 160، 161 والدارمي 1/ 317 وأبو داود 1/ 386 (575) والترمذي 1/ 424 (219) والنسائي 2/ 112 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (434) والحاكم 1/ 44. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] ابن عدي في الكامل 5/ 1817 وانظر مجمع الزوائد 9/ 53.

رسول الله صلى الله عليه وسلّم بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه. وروى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه [ (1) ] . وروى ابن حبّان والحاكم، والذهبي، وأقره، عن أسامة بن شريك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتكلم منا متكلم، كأن على رؤوسنا الرّخم، ورواه الطبراني بسند صحيح بلفظ: كأنما على رؤوسنا الطير، ما منا متكلم [ (2) ] ، ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة بلفظ: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأصحابه حوله، وعليهم السكينة، كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت، ثم قعدت، وذكر الحديث، ورواه الطيالسي بسند صحيح، وابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولمّا يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير. وروى ابن حبان، والحاكم، وصححه الذهبي، وأقره، عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم ترتفع رؤوسنا إليه إعظاما له. وروى التّرمذي، والحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد لم يرفع أحد منا إليه رأسه غير أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما، فإنهما كانا يبتسمان إليه، ويبتسم إليهما. وروى الحاكم، وصححه الذهبي، وأقره، عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنه كان في عصابة يذكرون الله تعالى، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بعضهم، فجاء نحوهم قاصدا، حتى دنا منهم، فكلفوا عن الحديث إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن سعد عن قيس بن أبي حازم، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقام بين يديه، فأخذه من الرّعدة شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هوّن عليك، فإني لست ملكا، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» [ (3) ] . وروى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد ألقيت عليه المهابة. وروى قاسم بن ثابت عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل، ولا بالقصير، من رآه هابه: أي أكبره وعظمه.

_ [ (1) ] لم أجده في صحيح مسلم في مظانه. [ (2) ] انظر المجمع 9/ 53. [ (3) ] تقدم.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى وصححه الذهبي عن أبي مسعود، قال: إني كنت أضرب غلاما لي، إذ سمعت صوتاً من خلفي: أعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك عليه قال: فجعلت لا ألتفت إليه من الغضب، حتى غشيني، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلما رأيته وقع السوط من بين يدي من هيبته. وروى البيهقي عن أم معبد رضي الله تعالى عنها عنه صلى الله عليه وسلم: أن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، له رفقاء يحفّون به، أن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر ابتدروا إلى أمره، محفود محشود لا عابس ولا معتد. وروى أيضا عن هند بن أبي هالة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخما مفخّما [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الهيبة: بهاء مفتوحة، فمثناة تحتية ساكنة، فموحدة: المخافة والتّقية. الوقار: بواو، وقاف مفتوحتين، وراء: الرزانة. قيلة: بفتح القاف، وسكون المثناة التحتية، بعدها لام. مخرمة: بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة. متخشعا: بميم مضمومة، ففوقية، فخاء معجمة مفتوحتين، فشين معجمة، فعين مهملة: من الخشوع، وهو في الصوت، والبصر، كالخضوع في البدن: وهو الانقياد والطاعة. الفرق: بفاء، فراء مفتوحتين، فقاف: الخوف والفزع. السكينة: تقدم الكلام عليها، أوائل الكتاب، عند شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلّم. الرعب: بضم الراء، وسكون المهملة، وبالباء الموحدة: الفزع. الفرائص: بفاء، فراء مفتوحتين، فألف فهمزة مكسورة، فصاد مهملة: جمع فريصة: وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها، لا تزال ترعد. اقشعررت: بهمزة، فقاف، فشين معجمة، فعين مهملة، فراءين: ارتعد جلدي. البديهة: مفاجأة وبغتة: يعني من لقيه قبل الاختلاط به هابه لوقارة وسكونه، وإذا جالسه وخالطه بأن له حسن خلقه. محفود: بميم، فمهملة، ففاء، وآخره دال مهملة: مخدوم. محشود: بميم مفتوحة، فمهملة، فمعجمة، فواو فمهملة: مطاع. العابس: بعين مهملة، فألف، فموحدة، فسين مهملة. معتد: بميم مضمومة، فعين مهملة ساكنة وتجاوز الحد. فخما مفخما: بفاء فخاء معجمة أي عظيما معظما.

_ [ (1) ] تقدم.

الباب الثاني والعشرون في مزاحه، ومداعبته صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني والعشرون في مزاحه، ومداعبته صلى الله عليه وسلم وروى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس، ورواه ابن الجوزي وزاد: مع صبي [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن حبشي بن جنادة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكه الناس خلقا [ (2) ] . وروى الطبراني في الكبير، قال الذهبي رحمه الله تعالى- إسناده قريب من الحسن- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا» ، ورواه الخطيب عن أنس [ (3) ] . وروى أبو الشيخ عن عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت أحداً أكثر مزاحا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وروى المعافي بن زكريا وفيه انقطاع عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مازحا، وكان يقول: «أن الله تعالى لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزاحه» . وروى ابن ناصر الدين عن أم نبيط [ (4) ] رضي الله تعالى عنها قالت: أهدينا جارية لنا من بني النّجار إلى زوجها، وكنت مع نسوة من بني النجار، ومعي دف أضرب به، وأنا أقول: أتيناكم أتيناكم، فحيونا نحييكم، ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم، فقالت: فوقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا أم نبيط؟» فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جارية من بني النجار نهديها إلى زوجها، قال: «فتقولين ماذا؟» قلت: فأعدت عليه قولي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم» . وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب، والتّرمذي، وصححه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال: «إني لا أقول إلا حقا» [ (5) ] . وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النّغير؟ [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الصغير 2/ 39 وابن السني (413) والبيهقي في الدلائل 1/ 331 وابن كثير في البداية 6/ 53. [ (2) ] انظر كنز العمال (17819) . [ (3) ] الطبراني في الكبير 12/ 391 وانظر المجمع 9/ 17. [ (4) ] أم نبيط اختلف في اسمها، ذكر أبو نعيم أنّ اسمها نائلة بنت الحصاص انظر الإصابة 8/ 285. [ (5) ] أخرجه أحمد 2/ 340، 360 والترمذي 4/ 357 (1990) والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 248. [ (6) ] أخرجه البخاري 10/ 526 (6129، 6203) ومسلم 3/ 1692 (30/ 2150) .

وروى الحسن بن الضحاك عن أبي محمد عبد الله بن قتيبة قال: أخبرنا محمد بن عائشة منقطعا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب بلالا، ويمازحه، فرآه يوما وقد خرج بطنه، فقال: «أمّ حسّ» . وروى أبو سعيد بن الأعرابي، وأبو الحسن بن الضحاك، عن علي رضي الله تعالى عنه قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أين لكع؟ ههنا لكع؟» قال: فخرج إليه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، وعليه لحاف قرنفلي، وهو مادّ يده، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده والتزمه، وقال: بأبي أنت وأمي، من أحبني فليحب هذا. وروى الزبير بن بكّار في كتاب الفاكه، عن عطاء بن أبي رباح رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمزح؟ فقال ابن عباس: نعم، فقال الرجل: فما كان مزاحه؟ فقال ابن عباس: إنه كسا ذات يوم امرأة من نسائه ثوبا، فقال لها: «البسيه واحمدي الله وجدي منه ذيلا كذيل الفرس» . وروى فيه أيضاً عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها مزحت عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت: أمها يا رسول الله بعض دعابات هذا الحي من بني كنانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بل بعض مزحنا هذا الحي من قريش» . وروى ابن إسحاق عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في غزوة ذات الرّقاع: «أتبيعني جملك؟» قال: قلت يا رسول الله، بل أهبه لك، قال: «لا، ولكن بعنيه» ، قلت: فسمنيه، قال: «قد أخذته بدرهم» ، قلت: لا، إذن تغبنني يا رسول الله، قال: «فبدرهمين» ، قلت: لا، فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى بلغ الأوقية، فقال: «أفقد رضيت؟» فقلت: رضيت، قال: «نعم» ، قلت هو لك، قال «قد أخذته» . وفي رواية فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمني ويمازحني، ثم قال: «يا جابر، هل تزوجت بعد؟» قلت: نعم يا رسول الله، قال: «أثيبا أم بكرا؟» قلت: بل ثيبا، قال: «أفلا جارية تلاعبك وتلاعبها» ، قلت: يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا، فنكحت امرأة تجمع رؤوسهن، وتقوم عليهن، قال: أصبت إن شاء الله، أما إنّا لو قد جئنا صرارا أمرنا بجزور فنحرت، وأقمنا عليها يومنا ذلك، وسمعت بنا امرأتك فنفضت نمارقها، قلت: يا رسول الله ما لنا نمارق، قال: «إنها ستكون، فإذا أنت قدمت فاعمل عملا كيّسا» ، قال: فلما جئنا صرارا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بجزور فنحرت، وأقمنا عليها يومنا ذلك، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل، ودخلنا، فحدثت المرأة الحديث، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فدونك سمعا وطاعة [ (1) ] .

_ [ (1) ] انظر السيرة لابن هشام 2/ 206.

وروى البزار، وأبو الحسن بن الضحاك عن زياد بن سبرة قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى وقف على أناس من أشجع وجهينة، فمازحهم، وضحك معهم، قال: فوجدت في نفسي، قلت: يا رسول الله تضاحك أشجع وجهينة؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ورفع يده تحت منكبي، ثم قال: «أما إنهم خير من بني فزارة، ومن بني بدر، وخير من بني الشّريد، وخير من قومك، أو لا أستغفر الله» فلما كانت الردة لم يبق من أولئك الذين خبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحد إلا ارتد، قال: وجعلت أتوقع قومي، أهمني ذلك مخافة أن يرتدوا، فأتيت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وكان لي صديقا، فقصصت عليه الحديث، والأمر الذي أخافه، فقال: لا تخافن أما سمعته يقول: «أو لا أستغفر الله» . وروى أبو بكر الشافعي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا بني» . وروى أيضا عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: له «مرحبا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب، وأبو داود والترمذي وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستحمله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنا حاملوك على ولد الناقة» ، فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وهل تلد الإبل إلا النّوق» . وروى أبو داود والترمذي- وقال حسن غريب- عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا ذا الأذنين» [ (2) ] . وروى البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أضع تحت رأسي خيطين، فلم يتبين لي شيء، فقال: «إنك لعريض الوسادة» ، وفي لفظ: لعريض القفا يا ابن حاتم، هو بياض النهار من سواد الليل، ورواه أبو نعيم، وأدخله في باب مداعبته من أخطأ ليزول عن المخطىء بذلك الخجل [ (3) ] . وروى أبو داود بإسناد جيد عن أسيد بن الحضير رضي الله تعالى عنه أن رجلا من الأنصار كان فيه مزاح فبينا هو يحدث القوم يضحكهم إذ طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود كان في يده، فقال: يا رسول الله أصبرني، قال: «اصطبر» قال إن عليك قميصا، وليس

_ [ (1) ] أحمد 3/ 267 وأبو داود 5/ 270 (4998) والترمذي 4/ 357 (1991) وفي الشمائل ص 120 (238) والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 248. [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 127، 260 وأبو داود 5/ 272 (5002) والترمذي 4/ 358 (1992) وفي الشمائل ص 11 (235) والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 248. [ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 157 (1916، 4509، 4510) .

علي قميص، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فاحتضنه، وجعل يقبل كشحه، قال: أردت هذا يا رسول الله [ (1) ] ، فقال أبو محمد الحسن: أخبرنا ابن شهاب عن سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه عن أبي الزبير به وروى الإمام أحمد وأبو يعلى- برجال الصحيح- وصححه الذهبي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «فأتني أزيهر أزيهر» وهو يقوم يبيع متاعه في السوق، وكان رجلا دميما، فاحتضنه من خلفه، ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره لصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله إذن والله تجدني كاسدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ولكن عند الله لست بكاسد» ، أو قال: «ولكن أنت عند الله تعالى غالب» . وروى ابن عساكر، وأبو يعلى، برجال الصحيح، غير محمد بن عمرو بن علقمة، قال الهيثمي: وحديثه حسن عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحريرة قد طبختها، فقلت لسودة، والنبي صلى الله عليه وسلّم بيني وبينها: كلي، فأبت أن تأكل، فقلت: لتأكلين أو لألطّخنّ وجهك، فأبت فوضعت يدي فيها، فلطختها، وطليت وجهها فوضع فخذه لها وقال لها: «لطخي وجهها» فلطخت وجهي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمر عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا عبد الله، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل، فقال: «قوما، فاغسلا وجوهكما» ، فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لعائشة رضي الله تعالى عنها: «ما أكثر بياض عينيك» [ (2) ] . وروى الزبير بن بكّار في كتاب الفاكه عن زيد بن أسلم مرسلا أن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: «من هو؟ أهو الذي بعينيه بياض؟» فقالت: أيّ يا رسول الله؟ والله ما بعينيه بياض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بل إن بعينيه بياضا» ، فقالت: لا ولله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وهل من أحد وإلا وبعينيه بياض؟» ، وجاءته امرأة أخرى فقالت: يا رسول الله احملني على بعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «احملوها على ابن بعير» ، فقالت: ما أصنع به وما يحملني يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هل يجيء بعير إلا ابن بعير؟» وكان مزح معها. وروى الطبراني وابن عساكر برجال ثقات عن خوّات بن جبير، رضي الله تعالى عنه

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في الأدب باب (160) عن عمرو بن عون، عن خالد، عن حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيّد به. [ (2) ] ذكره الذهبي في الميزان (390) وابن حجر في اللّسان 3/ 870.

قال: نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرّ الظّهران فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت، وأخرجت حلّة لي، فلبستها، ثم جلست إليهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبّته، فقال: «أبا عبد الله ما يجلسك إليهن؟» قال فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلطت، وقلت: يا رسول الله جمل لي شرود فأنا أبتغي له قيدا، قال: «فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته، فألقى إلي رداءه، ودخل في الأراك، فكأني أنظر إلى بياض قدميه في خضرة الأراك، فقضى حاجته، ثم توضأ، ثم جاء، فقال: «أبا عبد الله ما فعل شراد جملك؟» ثم ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في مسير إلا قال: «السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد جملك؟» قال: فتعجلت إلى المدينة، واجتنبت المسجد، ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما طال علي ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد، فأتيت المسجد فجعلت أصلي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بعض حجره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين، ثم جلس، وطولت الصلاة، رجاء أن يذهب، ويدعني، فقال: «طول أبا عبد الله ما شئت فلست بقائم حتى تنصرف» ، فقلت: والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فانصرفت، فقال: «السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد جملك؟» فقلت: والذي بعثك بالحق نبيا ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت، فقال: «رحمك الله مرتين أو ثلاثا» ، ثم أمسك عني، فلم يعد لشيء مما كان [ (1) ] . وروى ابن أبي خيثمة عن عون بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «عون؟» قلت: نعم يا رسول الله قال: «ادخل» ، قلت: كلي؟ قال: «كلك» . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله تعالى عنهما قال: بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقطف من عنب فأكلته، فسألت أمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا» ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا رآني قال: «غدر غدر» . وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم، ولم أبدن، فقال للناس: «تقدموا» ، فتقدموا، ثم قال: «تعالي حتى أسابقك» ، فسابقته، فسبقته، فسكت عني، حتى حملت اللحم، وبدنت، ونسيت، ثم خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: «تقدموا» ، ثم قال: «تعالي أسابقك» ، فسبقني، فجعل يضحك، ويقول: «هذه بتلك» [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 407. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 39، 264 والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 18.

وروى ابن عساكر، وابن الجوزي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لعائشة ذات يوم: «ما أكثر بياض عينك!» . وروى ابن الجوزي عن ابن أبي الورد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه قال: فرأى رجلا أحمر، فقال: «أنت أبو الورد» . وروى الترمذي، وابن الجوزي، عن أنس رضي الله تعالى عنهما أن عجوزا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسألته عن شيء فقال لها ومازحها: «لا يدخل الجنة عجوز» ، وحضرت الصلاة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الصلاة، وبكت بكاء شديدا، حتى رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالت عائشة: يا رسول الله إن هذه المرأة تبكي لما قلت لها: لا يدخل الجنة عجوز، فضحك، وقال: «أجل لا يدخل الجنة عجوز، ولكن الله تعالى قال: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً [الواقعة 35] وهذا لعجائز الرّمص» ، ورواه الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب، ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة، يكنى أبا عمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فرآه حزينا فقال: «ما لي أرى أبا عمير حزينا؟» قالوا: يا رسول الله مات نغره الذي كان يلعب به فجعل يقول: «أبا عمير ما فعل النغير؟» . وروى الحاكم في علوم الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما فيرفعه على باطن قدميه ويقول: «حزقّة حزقّة ترقّ عين بقه، اللهم إني أحبه فأحبه» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة، وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي فيرى الصبي لسانه فيهش إليه [ (2) ] . وروي عن أبي هريرة قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فثقل على القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه عليّ فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنت زاملة» . وروى البخاري في الأدب وابن عساكر عن سفينة رضي الله تعالى عنه قال: ثقل على القوم متاعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ابسط كساءك» ، فجعلوا فيه متاعهم فقال

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 176 وابن عساكر كما في التهذيب 4/ 205. [ (2) ] انظر اتحاف السادة المتقين 7/ 501.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احمل فأنت [ (1) ] سفينة» ، قال: فلو حملت من يومئذ وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة- حتى بلغ سبعة- ما ثقل علي [ (2) ] . وروى أبو بكر الشافعي عن سفينة رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان إذا أعيا بعض القوم ألقى علي سيفه، ألقى علي ترسه، حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنت سفينة» [ (3) ] . وروى أبو بكر بن أبي خيثمة، وأبو سعيد بن الأعرابي، وأبو بكر الشافعي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ذا الأذنين» . وروى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن ابن عليّ على ظهره، فإذا سجد نحاه. وروي عن أبي ابن ليلى [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجاء الحسن، فأقبل، ثم تمرغ عليه، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم قميصه فقبل زبيبته. وروى ابن عساكر وأبو الحسن بن الضحاك، والحاكم عن أبي جعفر الخطمي أن رجلا كان يكنى أبا عمرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم عمرة» فضرب الرجل بيده إلى مذاكره، فقال: والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي يا أم عمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنما أن بشر أمازحكم» . وروى الطبراني عن حصين والد عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها فخرج إليه الحسن أو الحسين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ارق بأبيك عين بقّة» ، وأخذ بإصبعه يرقى على عاتقه، ثم خرج الآخر: الحسن أو الحسين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرحبا ارق، بأبيك عين بقّة» ، وأخذ بإصبعه، فاستوى على عاتقه الآخر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأقفيتهما حتى وضع أفواههما على فيه، ثم قال: «اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما» [ (5) ] . وروى أبو محمد الرّامهرمزي بسنده قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن يحيى

_ [ (1) ] في: فإنما أنت. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 221 والطبراني في الكبير 7/ 97 والبيهقي في الدلائل 6/ 47 وانظر المجمع 9/ 366. [ (3) ] أحمد 5/ 220 والطبراني في الكبير 7/ 97. [ (4) ] عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، المدني، ثم الكوفي، ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم، سنة ست وثمانين، وقيل: غرق. التقريب 1/ 496. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الكبير 3/ 42 وانظر المجمع 9/ 180.

تنبيهات

المرسي، حدثنا أبو خالد يزيد بن خالد عن عبد الله بن وهب المصري حدثنا سروح بن شهاب عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على ظهره، وهو يقول: «نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما» ، وقال أبو محمد: هذا من مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي منقبة تفرد بها الحسن والحسين، وتضمن من الفقه اطلاق تشبيه الإنسان بالبهيمة إذا شاركها في بعض فعلها. وقال ابن عدي: حدثنا عمران بن موسى بن فضالة قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن سليمان قال: أخبرنا ابن شهاب عن سفيان الثوري عن أبي الزبير به. تنبيهات الأول: قال الخطّابي فيما رواه ابن عساكر: سئل بعض السلف عن مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت له مهابة، فكان يبسط الناس بالدّعابة، وأنشد ابن الإعرابي في نحو هذا يمدح رجلا: يتلقّى النّدى بوجه صبيح ... وصدور القنا بوجه وقاح فبهذا وذا تتمّ المعالي ... طرق الجدّ غير طرق المزاح الثاني: قال في المورد: رأيت بخط بعض المحدثين أن العجوز المذكورة في حديث أنس هي صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الثالث: في بيان غريب ما سبق: المزاح: بضم الميم وبالزاي: قال في الصحاح: المزاح الدّعابة، وقد مزح يمزح والاسم المزاح بالضم والمزاحة أيضا، أما المزاح بالكسر فهو مصدر مازحه. المداعبة: بميم مضمومة، فدال مهملة، فألف فعين مهملة، فموحدة الممازحة. أفكه الناس: بهمزة مفتوحة، ففاء ساكنة، فكاف مفتوحة، فهاء: أكثرهم مزاحا، والفاكه: المازح، والاسم الفكاهة. جبشي: بجيم مضمومة، فموحدة ساكنة، فشين معجمة، فتحتية. جنادة: بجيم مضمومة، فنون، فألف فدال مهملة، فتاء تأنيث. جزء: بجيم مفتوحة فزاي ساكنة فهمزة. الدف: بدال مضمومة مهملة، ففاء: آلة من آلات الملاهي المعروفة. الحنطة: تقدم. السمراء: تقدم.

العذاري: بمهملة مفتوحة، فمعجمة، فألف، فراء، فياء تحتية، جمع عذراء وهي الجارية البكر. نغير: تصغير نغر بفتح النون والغين: عصفور صغير. أمّ حس: بحاء مكسورة، فسين مهملتين، وجع يأخذ المرأة عند الولادة، وبعدها، أي أنه أشبه بمن ستلد، ويأخذها ذلك. لحاف قرنفلي صرارا: بصاد مهملة، فراء، فألف، ثم راء: بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة في طريق العراق وقيل موضع. النمارق: بنون، فميم مفتوحتين، فألف، فراء، فقاف: جمع نمرقة: بضم النون والراء، وبكسرهما: بهاء وبغير هاء: الوسادة. الخجل: بخاء معجمة، فجيم مفتوحتين، فلام: الكسل والتواني لأن الخجل يسكت ويسكن ولا يتحرك، وقبل أن يلتبس عليه أمره، فلا يدري كيف المخرج منه. الخاصرة: بخاء معجمة فألف فصاد مهملة مكسورة فتاء تأنيث. اصبرني: أي أقدني من نفسك. اصطبر: أي استقد. كشحه: بفتح الكاف، وسكون الشين المعجمة، وفتح الحاء المهملة: وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. الدّميم: بالدال المهملة في صورة الخلق، وبالمعجمة من الخلق. الكاسد: بكاف، فألف، فسين مهملة مكسورة فدال، أي غير نافق. الخزيرة: بخاء معجمة ثم زاي، وروي بحاء وراء مهملتين، الأولى من النخالة، والثانية من اللبن. الأراك: بهمزة مفتوحة، فراء، فألف، فكاف: شجر معروف له حمل كعناقيد العنب اسمه الكباث بفتح الكاف، وبمثلثة وإذا يبس سمي المرد. شراد جملك: بشين معجمة مكسورة، فراء، فألف، فدال مهملة. قطف: بقاف مكسورة، فطاء مهملة، ففاء: العنقود. الرّمص: براء مضمومة، فميم ساكنة، فصاد مهملة: من الرّمص: وهو البياض الذي تقطعه العين، ويجتمع في زوايا الأجفان، والرّمص: الرطب منه، والغمص: اليابس.

النغير: بنون مضمومة، فغين معجمة مفتوحة، فتحتية ساكنة، فراء: طائر يشبه العصفور أحمر المنقار، ويجمع على نغران. الحزقّة: المقارب الخطا، والقصير الذي تقرب خطاه. عين بقّة: إشارة إلى البقة التي تطير، ولا شيء أصغر من عينها، قال الحاكم: في علوم الحديث، وأخبرني بعض الأدباء أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالبقة فاطمة رضي الله تعالى عنه فقال للحسن: يا قرّة عين بقة. يدلع: بتحتية مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فلام، فعين مهملة: يخرج. يهش: بتحتية مفتوحة، فهاء مكسورة فشين معجمة: يفرح، ويستبشر، ويرتاح ويخف للشيء. الزاملة: بزاي، فألف، فميم مكسورة، فلام مفتوحة، فتاء تأنيث: البعير الذين يحمل عليه الطعام والمتاع، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار. وقر بعير: بواو مكسورة، فقاف ساكنة، فراء: حمل جمل.

الباب الثالث والعشرون في ضحكه صلى الله عليه وسلم، وتبسمه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث والعشرون في ضحكه صلى الله عليه وسلّم، وتبسّمه صلى الله عليه وسلم وروى التّرمذي- وصححه- وابن سعد عن الحارث بن جزء رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسما [ (1) ] . وروى الشيخان وسعيد بن منصور، وأحمد وعبد وأبو داود وابن المنذر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى ترى لهواته إنما كان يبتسم [ (2) ] . وروى الترمذي والبيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان جل ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام [ (3) ] . وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا ضحك يتلألأ في الجدر [ (4) ] . وروى الخرائطي عن عمرة قالت: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا خلا؟ قالت: كان كالرجل من رجالكم، إلا أنه كان أكرم الناس خلقا، كان ضاحكا بساما، ورواه أبو الحسن بن الضحاك بلفظ- قالت: كان ألين الناس، وأكرم الناس، ضحاكا بساما. وروى أبو نعيم وابن عساكر عن حصين بن يزيد الكلبي رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضاحكا، ما كان إلا مبتسما. وروى الإمام أحمد عن أمّ الدرداء رضي الله تعالى عنها قالت: كان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه لا يحدث بحديث إلا تبسم فيه، فقلت: إني أخشى أن يحمقك الناس فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسم [ (5) ] . وروى ابن المبارك عن عون بن عبد الله بن عتيبة بن مسعود رحمه الله كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسما، ولا يلتفت إلا جميعا [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 190 والترمذي 5/ 601 (3642) . [ (2) ] البخاري 10/ 504 (6092) ومسلم 2/ 616 حديث (16/ 899) . [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] انظر مجمع الزّوائد 1/ 131. [ (6) ] ابن المبارك في الزّهد (47) وأحمد 5/ 97، 105 والترمذي (3645) وفي الشمائل (114) وابن أبي شيبة 9/ 114 وابن سعد 1/ 2/ 227 والحاكم 2/ 606.

وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ [يس 65] قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، حتى بدت نواجذه، ثم قال: «أتدرون مم ضحكت؟» فذكر الحديث. وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأعلم أول رجل يدخل الجنة، وآخر رجل يخرج من النار، يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: أعرضوا عليه صغار ذنوبه، ويخبّا عنه كبارها، فيقال له: عملت كذا وكذا، وهو يقرّ، لا ينكر، وهو يشفق من كبارها، فيقال: أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة، قال: فيقول أي ربّ، إن لي ذنوبا ما أراها ههنا» ، قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضحك، حتى بدت نواجذه. وروى ابن أبي شيبة وأبو نعيم عن جرير رضي الله تعالى عنه قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني قط إلا تبسم في وجهي [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت، قال: «ويحك، وما شأنك؟» قال: وقعت على أهلي في رمضان، قال: «أعتق رقبة» ، قال: لا أجد، قال: «فصم شهرين متتابعين» ، قال: ما أطيقه، قال: «فأطعم ستين مسكينا» ، ثم قال: ما بين ظهري المدينة أحوج إليه مني، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «خذه، واستغفر ربك» [ (2) ] . وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه [ (3) ] . وروى ابن أبي الدّنيا عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ما أضحكك بأبي أنت وأمي؟ قال: «رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب، خذلي مظلمتي من أخي، قال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته، فيقول: يا رب لم يبق من حسناتي شيء، قال: يا رب فليحمل من أوزاري، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالبكاء، فقال: إن ذلك اليوم يوم عظيم، يوم يحتاج الناس فيه أن يحمل عنهم من أوزارهم، قال: فيقول الله تعالى: ارفع رأسك فانظر إلى الجنان،

_ [ (1) ] الترمذي (3821، 3830) وابن أبي شيبة 12/ 152. [ (2) ] وأخرجه البخاري 4/ 163 (1936) (6087) (6709) 6710) 6711) ومسلم 2/ 781 (81/ 1111) . [ (3) ] البخاري 9/ 44 وأخرجه مسلم في الإمارة باب 49 (160) والترمذي (1645) والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 165.

فرفع رأسه فقال: يا رب، أرى مدائن من فضة، وقصورا من ذهب، مكلّلة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صدّيق هذا؟ قال الله تعالى: هذا لمن أعطاني الثمن، قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: خذ بيد أخيك فادخله الجنة» ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله، وأصلحوا ذات ببينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة» . وروى عن العباس بن مرداس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ربّه عشية عرفة لأمته. وروى ابن عدي، وأبو بكر الشافعي عن حميد الطويل عن أبي الورد رضي الله تعالى عنه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرآني رجلا أحمر، فقال: «أنت أبو الورد» . وقال لخادمه أنس ابن مالك يمازحه: «يا ذا الأذنين» . وروى قاسم بن ثابت في دلائله عن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقباء وبين أيديهم تمر وبسر تمر، وأنا أشتكي إحدى عيني، فرفعت التمر آكله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أتأكل التمر على عينيك وأنت رمد؟» فقلت: إنما آكل على شقي الصحيح، وأنا أمزح مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى نظرت إلى نواجذه. وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما فقيل. وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد في الزهد عن صالح أبي الخليل قال: لما نزلت: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ [النجم 59، 60] فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا تبسّما، ولفظ عبد بن حميد: فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضاحكا، ولا مبتسما حتى ذهب من الدنيا. وروى أبو الشيخ وابن حبان عن صهيب قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. وروى ابن أبي شيبة وأبو نعيم عن جرير بن عبد الله قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك [ (1) ] .

_ [ (1) ] تقدم.

تنبيهات

تنبيهات الأول: تقدم في أسمائه صلى الله عليه وسلم أن منها الضّحوك. روى ابن الفارس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: اسمه في التوراة أحمد الضحوك، قال ابن الفارس: وإنما سمي الضحوك لأنه صلى الله عليه وسلم كان طيّب النّفس فكهاً، على كثرة من ينتابه ويفد عليه من جفاة العرب، وأجلاف أهل البوادي، لا يراه أحد ذا ضجر، ولا قلق، ولا جفاء، ولكن لطيفاً في المنطق، رفيقا في المساءلات. الثاني: وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن مسعود، وأبو الحسن بن الضحاك عن ... قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أخذه، وفي لفظ، إذا جرى به الضحك وضع يده على فيه وروى ابن عدي عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبسم وضع يده على فيه، ويقول: «سمعت جبريل عليه السلام يقول ما ضحكت منذ خلقت جهنم» ، قال: فما رأيت نواجذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك بعد ذلك، حتى قبضه الله عز وجل. وروى أيضا عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه قال: أكثر ما كان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تبدو رباعيته أو ترى. الثالث: قال أبو الحسن بن الضحاك رحمه الله تعالى: صحت الأخبار، وتظاهرت، بضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير موطن، حتى تبدو نواجذه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يضحك إلا تبسما، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن التبسم كان الأغلب عليه، فيمكن أن يكون الناقل عنه أنه كان لا يضحك إلا متبسما لم يشاهد من النبي صلى الله عليه وسلم غير ما أخبر عنه، ويكون من روي أنه ضحك، حتى بدت نواجذه قد شاهد ذلك في وقت ما فنقل ما شاهد، فلا اختلاف بينهما، لاختلاف المواطن والأوقات ويمكن أن يكون في ابتداء أمره كان يضحك حتى تبدو نواجذه في الأوقات النادرة، وكان آخر أمره لا يضحك إلا متبسما، وقد وردت عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على ذلك، ويمكن أن يكون من روى عنه أنه كان لا يضحك إلا متبسما شاهد ضحكه، حتى بدت نواجذه نادرا، فأخبر عن الأكثر، وغلبته على القليل النادر، على أن أهل اللغة قد اختلفوا في النواجذ ما هي؟ فقال جماعة: إن النواجذ أقصى الأضراس من الفم، موضعا، فعلى هذا تتحقق المعارضة، ويمكن الجمع بين الأحاديث بما قلناه، ومنهم من قال: النواجذ: هي الأنياب، وقال آخرون: هي الضواحك، فعلى هذا لا يكون في ظاهر الأخبار معارضة، لأن المتبسم يلزمه ذلك، قال في النهاية: النواجذ بكسر الجيم، وبالذال المعجمة، وهي من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان، والمراد الأول لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أضراسه، كيف وتقدم أن جل

ضحكه التبسم؟ وإن أريد به الأواخر فالوجه فيه أن يراد به مبالغة مثله في ضحكه، من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك، وهو أقيس القولين، لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان. الرابع: في بيان غريب ما سبق: الضحك: بضاد معجمة مفتوحة، فحاء مهملة، فكاف: التبسم. مستجمعا: أي ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكا تاما، مقبلا بكليته على الضحك. اللهوات: بفتح اللام: جمع لهاة، وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم، وهذا لا ينافيه، ما في حديث أبي هريرة من قصة المواقع أهله في رمضان بضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، رواه البخاري وهي بالجيم والذال المعجمة: الأضراس، ولا تكاد تظهر إلا عند المبالغة في الضحك، لأن عائشة رضي الله تعالى عنها إنما نفت رؤيتها، وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه أخبر بما شاهد، والمثبت مقدم على النافي، وقد قال أهل اللغة: التبسم: مبادئ الضحك، والضحك: انبساط الوجه، حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت، وكان بحيث يسمع من بعيد فهو: القهقهة، وإلا فالضحك، وإن كان بلا صوت فهو: التبسم. يفترّ: أي يتبسم. حب الغمام: البرد، شبه ثغره الشريف به. نختم: الختم التغطية على الشيء، والاستيثاق من أن لا يدخله شيء. الجدر: بجيم، ودال مضمومتين: جمع جدار وهو الحائط، والله تعالى أعلم

الباب الرابع والعشرون في معرفة رضاه، وسخطه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع والعشرون في معرفة رضاه، وسخطه صلى الله عليه وسلم وروى أبو الشيخ عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه، كأنه دارة القمر [ (1) ] . وروى أيضا عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمر وجهه [ (2) ] . وروى عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم، إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه. وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته [ (3) ] . وروى قاسم بن ثابت في غريبه عنها أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد وجده مسح بيده على رأسه ولحيته، وتنفس الصّعداء، وقال: «حسبي الله ونعم الوكيل» فيعرف بذلك شدة غمه. وروى البيهقي عن هند بن أبي هالة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم واسع الجبينين، أزج الحواجب، في غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب، إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه [ (4) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه، كأنما ألقي على وجهه حبّ الرمّان، حتى أقبل علينا فقال: «أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم أن لا تفعلوا» . وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه [ (5) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] انظر اتحاف السادة المتقين 7/ 137. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] تقدم.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كنا جلوسا بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: ألم يقل الله تعالى: كذا وكذا، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فخرج فكأنما عصر على وجهه حبّ الرمان، فقال: «أبهذا أمرتم؟ أو لهذا خلقتم؟ لا تضربوا كتاب الله تعالى بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا وانظروا إلى الذين نهيتم عنه فانتهوا عنه» [ (1) ] . وروى الإسماعيلي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بما يستطيعون من العمل قالوا: يا رسول الله، إنا لسنا كهيأتك، أن الله تعالى قد غفر لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر، فيغضب حتى يعرف ذلك في وجهه، ثم يقول: «أنا أتقاكم، وأعلمكم بالله» . وروى الترمذي عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني عبد الأشهل على الصدقة فلما قدم سأله إبلا من الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى عرف الغضب في وجهه- أن تحمر عيناه- ثم قال: «إن الرجل ليسألني ما لا يصلح لي ولا له، فإن منعته كرهت المنع، وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي، ولا له» ، فقال الرجل: يا رسول الله لا أسألك شيئا منها [ (2) ] . وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم منتصرا لنفسه قط، وكان إذا انتهك من محارم الله كان أشدهم في ذلك. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الرضا: مصدر رضي وهي في حق المخلوق: ميل النفس وانبساطها، وفي حق القديم: عبارة عن إرادته تنعّم المرضي عنه. السّخط: بضم السين المهملة، وسكون الخاء المعجمة، والقياس ضمها: تغير النفس، وانقباضها لأخذ الثأر، وفي حق الخالق تعالى: عبارة عن إرادته لتعذيب المغضوب عليه، فإرادته تعالى واحدة، قديمة متعلقة بما يتناهى من الإرادات، كما أن علمه واحد، ومعلوماته لا تتناهى. الوجد: الغم: بغين معجمة مفتوحة فميم.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 4/ 386 (2133) ابن أبي عاصم 1/ 177 وابن حجر في المطالب (2933، 2924) وانظر المجمع 7/ 202. [ (2) ] مالك في الموطأ (1000) .

المس: التغطية. الصّعداء: بضم الصاد، وفتح العين والدال المهملات: تنفس طويل. الحواجب: تقدم الكلام عليه. أشاح: بهمز وشين معجمة، وحاء مهملة بعد الألف: إذا بالغ في الإعراض، وجدّ فيه، ويقال أشاح إذا عدل بوجهه، وهذا معنى هذا الحرف في هذا الموضع وقيل الشيح البالغ في كل أمر أي إذا بلغ لم يكن ينتقم، ويؤاخذ، بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه، وغض الطرف عند الفرح على نفي البطر والأشر. غض طرفه بغين وضاد معجمتين: أي خفضه، ولم يرفعه من الحياء والخفر.

جماع أبواب سيرته في كلامه وتحريكه يده حين يتكلم، أو يتعجب ونكشه الأرض بعود، وتشبيكه أصابعه وتسبيحه، وتحريكه رأسه، وعض شفتيه، وضربه بيده على فخذه عند التعجب صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب سيرته في كلامه وتحريكه يده حين يتكلم، أو يتعجب ونكشه الأرض بعود، وتشبيكه أصابعه وتسبيحه، وتحريكه رأسه، وعض شفتيه، وضربه بيده على فخذه عند التعجب صلّى الله عليه وسلم الباب الأول في صفة كلامه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: النوع الأول: في ترتّله. روى أبو داود، وابن سعد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيلا أو ترسيلا [ (1) ] . وروى الترمذي، وابن سعد، والشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسرد الحديث كسردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام فصل، يحفظه من يجلس إليه، لو عده العادّ لأحصاه [ (2) ] . وروى أبو داود عنها قالت: كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا، يفهمه كل من يسمعه [ (3) ] . وروى الخلعي عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم نزرا، وأنتم تنثرون الكلام نثرا [ (4) ] . النوع الثاني: في إعادته صلى الله عليه وسلّم الكلمة ثلاثا لتعقل، وصح. عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه. وروى أبو داود عن رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث حديثا أعاده ثلاث مرات [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (4838) . [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 567 (3568) ومسلم 4/ 1940 (160/ 2493) وأبو داود (3655) . [ (3) ] أخرجه أبو داود (4839) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 35 وأحمد 3/ 313 والطبراني في الكبير 8/ 342 والحاكم 4/ 273. [ (5) ] أخرجه أبو داود (3653) . [ (6) ] أخرجه البخاري 1/ 234، 8/ 67 والترمذي (2723) .

النوع الثالث: في تبسمه صلى الله عليه وسلم في حديثه.

وروى ابو سعد النيسابوري في شرف النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث بالحديث، أو سئل عنه كرره ثلاثا ليفهم عنه. وروى أبو بكر الشافعي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا [ (1) ] . النوع الثالث: في تبسمه صلى الله عليه وسلّم في حديثه. روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث حديثا إلا وهو يتبسم في حديثه [ (2) ] . وروى البخاري وابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم يرى كالنور من بين ثناياه. النوع الرابع: في رفعه صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء إذا حدث. روى أبو داود وقاسم بن إصبع، وبقيّ بن مخلد عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حدّث، وفي لفظ: إذا جلس يتحدث، يكبر ويرفع طرفه إلى السماء [ (3) ] . النوع الخامس: في طول صمته، وقلة تكلمه لغير حاجة. وروى التّرمذي وأبو الشيخ والبيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم في غير حاجة، طويل السّكت، يفتتح الكلام، ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصلا لا فضول فيه، ولا تقصير [ (4) ] . وروى الحارث بن أبي أسامة والبيهقي عن أم معبد رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سماه وعلاه البهاء، كان حسن المنطق. وروى الإمام أحمد وأبو بكر الشافعي عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم كثير الصمت وفي لفظ طويل الصمت [ (5) ] . النوع السادس: في كنايته صلى الله عليه وسلّم عما يستقبح ذكره. وروى ابن ماجه ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة رفاعة القرظي جاءت

_ [ (1) ] بنحوه عند أحمد 3/ 221. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه أبو داود (4837) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 91 وانظر المجمع 10/ 297.

النوع السابع: في قوله صلى الله عليه وسلم مرحبا.

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أن رفاعة طلقني، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزّبير، وإنما معه مثل الهدبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة،؟ لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك» [ (1) ] . النوع السابع: في قوله صلى الله عليه وسلم مرحبا. روى البخاري في الأدب عن علي رضي الله تعالى عنه قال: استأذن عمّار على النبي صلى الله عليه وسلم فعرف صوته، فقال: «مرحبا بالطّيّب المطيّب» [ (2) ] . وروى فيه أيضاً عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أقبلت فاطمة رضي الله تعالى عنها تمشي- مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال: «مرحبا» ، ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله [ (3) ] . تنبيهات الأول: أراد هند رضي الله تعالى عنه بكونه صلى الله عليه وسلّم يفتح الكلام بأشداقه: رحب شدقيه، وأما ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في المتشدّقين، فإنه أراد به الذين يتشدقون إذا تكلموا فيميلون أشداقهم يمينا وشمالا، ويتنطعون في القول. الثاني: قال في زاد المعاد: كان صلى الله عليه وسلّم أفصح خلق الله وأعذبهم كلاما وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، حتى كان كلامه يأخذ بالقلوب، وينعش الأرواح، وشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام فصل مفصل. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الترتيل: بفوقية مفتوحة، فراء ساكنة، ففوقية، فتحتية، فلام: التأني. الترسيل: بفوقية مفتوحة، فراء ساكنة، فسين مهملة، فتحتية، فلام: الهنة والرفق والتأني. يسرد الحديث: يسوق سياقا جيدا. بكلام فصل: بفاء فصاد مهملة: بيّن ظاهر محكم، لا يعاب قائله، وحقيقته الفاصل بين الحق والباطل، والخطأ والصواب.

_ [ (1) ] أخرجه من حديث ابن عباس البخاري 9/ 395 (5273) . [ (2) ] أخرجه الترمذي (3798) وابن ماجة (146) والطبراني في الصغير 1/ 87 والحاكم 3/ 388 والخطيب في التاريخ 1/ 151، 6/ 155، 13/ 315 وأبو نعيم في الحلية 7/ 35. [ (3) ] بنحوه أخرجه البخاري 4/ 248، 8/ 79 ومسلم 4/ 1905 (99) وابن ماجه (2621) وأحمد 6/ 282 والبخاري في الأدب المفرد (1030) وابن سعد 2/ 2/ 40 والطحاوي في المشكل 1/ 48 والبيهقي في الدلائل 6/ 364، 7/ 165 وأبو نعيم في الحلية 2/ 40.

النزر: بنون فزاي: القليل. السّكت: بفتح السين المهملة: السكون. جوامع الكلم: القليلة الألفاظ، الكثيرة المعاني، جمع جامعة: وهي اللفظة الجامعة للمعاني، لا فضول فيه، والفضول من الكلام ما زاد على الحاجة وفضل، ولذلك عطف ولا تقصير. الهدبة: بهاء مضمومة، فدال مهملة ساكنة، فموحدة: خمل الثوب. عسيلته: بعين مهملة مضمومة، فسين مهملة مفتوحة، فتحتية ساكنة، فلام، فتاء تأنيث، وإنما أنث لأنه أراد قطعة من العسل، شبه لذة الجماع بذوق العسل، فاستعار لها ذوقا، وقيل على إعطائها معنى النّطفة، وقيل العسل في الأصل مذكر ومؤنث، فمن صغّره مؤنّثا قال عسيلة كقويسة وسمينة، وإنما صغره إشارة إلى النّزر القليل الذي يحصل به الحبل. مرحبا: بميم مفتوحة، فراء ساكنة، فحاء مهملة، فباء موحدة: لقيت سعة.

الباب الثاني في تكليمه بغير لغة العرب صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في تكليمه بغير لغة العرب صلى الله عليه وسلّم روى البخاري رحمه الله تعالى في باب من تكلم بالفارسية والرّطانة وأبو الشيخ وابن حبّان في باب تكلمه صلى الله عليه وسلّم بالفارسية من كتاب أخلاق النبوة [ (1) ] . عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قلت يا رسول الله: ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعا من شعير، فتعال أنت، ونفر، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سورا فحيّ هلا بكم» [ (2) ] . وروى أيضا عن أم خالد بنت خالد بن سعيد رضي الله تعالى عنهما قالت: قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع أبي، وعليّ قميص أصفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «سنه سنه» ، وفي لفظ: «سناه سناه» ، وهي بالحبشية حسنة قالت فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «دعها» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي» قال عبد الله بن خالد بن سعيد- أحد رواته- فبقيت حتى ذكر [ (3) ] . وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه إن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كخ كخ، ألقها، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة؟» . وروى الإمام أحمد وابن ماجه، وأبو الشيخ، بسند ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وأنا أشتكي بطني فقال: «يا أبا هريرة أشكنب درد» ، قلت: نعم، قال: «قم فصل فإن في الصلاة شفاء» [ (4) ] . تنبيهات الأول: قال الإمام النووي، والطبري، والطيبي، وأبو الحسن بن الضحاك رحمهم الله تعالى: إن سورا لفظة فارسية، وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بألفاظ فارسية، وهو يدل على جوازه، قال الطبري: السّور بغير همز الصنيع من الطعام الذي يدعى

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 290، 7/ 191، 197 وأبو داود (4024) وأحمد 6/ 365 وابن سعد 4/ 1/ 72، 8/ 170 وابن السني 264 والحاكم 2/ 63، 4/ 188 وابن عساكر كما في التهذيب 5/ 50. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] ذكره الذهبي في الميزان (2698) وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 170، 171.

إليه، وقيل الطعام مطلقا، وهو بالفارسية، وقيل بالحبشية، وبالهمز بقية الشرب، والأول: هو المراد هنا، قال الإسماعيلي: السّور كلمة بالفارسية والعربية فقيل له: أليس هو الفضلة؟ فإن لم يكن هناك شيء فضل ذلك منه إنما هو بالفارسية من أتى دعوة. الثاني: قال الحافظ رحمه الله تعالى: أشار البخاري رحمه الله تعالى إلى ضعف ما ورد من الأحاديث في كراهة الكلام بالفارسية كحديث: كلام أهل النار بالفارسية، وكحديث من تكلم بالفارسية زادت، أو نقصت مروءته، رواه الحاكم في مستدركه، وروى عنه أيضاً عن عمر مرفوعا من أحسن العربية فلا يتكلم بالفارسية وسنده واه. الثالث: نازع الكرماني رحمه الله تعالى في كون هذه الألفاظ الثلاثة عجمية، لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين، والثاني يجوز أن يكون أصله حسنة، فحذف أوله إيجازا والثالث من أسماء الأصوات. وأجاب ابن المنير عن الآخر فقال: وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلّم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل فهو كمخاطبة الأعجمي بما لا يفهم مما لا يكلمه من لقيه، قال الحافظ: وبهذا يجاب عن الباقي، ويزاد بأن تجويز حذف أول جزء من كلمة لا يعرف. الرابع: قوله لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أشكنب درد قال الشّمنّي في حاشيته الشفا: بفتح الهمزة، وسكون المعجمة، وفتح الكاف بعدها نون ساكنة، فموحدة، كذلك، فدالين مهملتين، أولاهما مفتوحة وبينهما راء: وأشكنب معناه بالفارسية البطن ودرد الوجع، لم يتعرض ابن الملقّن، ولا شيخنا الجلال الأسيوطي، في تعليقهما على سنن ابن ماجه بصحة ذلك، ولا ذكر له في النهاية لابن الأثير. الخامس: قال أبو الفرج بن الجوزي في الجامع حديث أبي هريرة أي الأخير قد روي من طريق لا يعرف مدارها على ليث بن سليم، وكان قد اختلط في آخر عمره. قال ابن الإصبهاني: ليس له، بل أبو هريرة لم يكن فارسيا، وإنما مجاهد فارسي، فعلى هذا يكون المتكلم بالفارسية أبو هريرة مع مجاهد، وقوله أشكنب درد فارسية ومعناها اشتكيت بطنك؟ انتهى، قلت: فيما قاله نظر، لأن في قوله أن أبا هريرة، لم يكن فارسيا، ثم قال: فعلى هذا يكون المتكلم بالفارسية أبا هريرة مع مجاهد تناقض فليتأمل. السادس: في بيان غريب ما سبق: الفارسية: بفاء، فألف، فراء، فسين مهملة مكسورة، فتحتية مفتوحة: لغة منسوبة إلى

فارس، وهم جيل من الناس معروف. الرّطانة: براء بفتح وبكسر، فطاء مهملة، فألف، فنون، فتاء تأنيث: كلام لا يفهمه الجمهور، إنما هو ملصق بين اثنين، أو جماعة، والعرب تحقق به كلام العجم. سورا: بسين مهملة مضمومة، فواو، فألف: طعاما لفظة فارسية. زبرني: بزاي، فموحدة، فراء مفتوحات، فنون، فتحتية، انتهرني، وأغلظ لي في القول. أبلي وأخلقي كخ كخ: بفتح الكاف وكسرها، وسكون المعجمة، مثقّلا، ومخففا، وبكسرها منونة، وغير منونة فيخرج من ذلك ست لغات، والثاني، وهي كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر، وقيل: عربية، وقيل: أعجمية وزعم بعضهم أنها معربة، أوردها البخاري في باب من تكلم بالفارسية.

الباب الثالث في تحريكه يده حين يتكلم، أو يتعجب، وتسبيحه، وتحريكه رأسه، وعضه شفتيه، وضربه يده على فخذه عند التعجب، ونكشه الأرض بعود، ومسحه الأرض بيده وتشبيكه أصابعه

الباب الثالث في تحريكه يده حين يتكلم، أو يتعجب، وتسبيحه، وتحريكه رأسه، وعضه شفتيه، وضربه يده على فخذه عند التعجب، ونكشه الأرض بعود، ومسحه الأرض بيده وتشبيكه أصابعه وفيه أنواع: الأول: في تحريكه يده حين يتكلم أو يتعجب. روى الترمذي في الشّمائل وابن سعد، والبيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وفي رواية: يضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى [ (1) ] . الثاني: في تسبيحه عند التعجب. روى البخاري عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجر» - يريد به أزواجه، حتى يصلين؟ «رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» [ (2) ] . الثالث: في تحريكه رأسه وعضه شفته عند التعجب. الرابع: في ضربه يده على فخذه عند التعجب. روى الشيخان وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم طرقه، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تصلون؟» فقلت: يا رسول الله فإذا شاء الله أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك، ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه، ويقول: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف 54] . الخامس: في نكشه الأرض بعود. روى البخاري عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم عود يضرب به في الماء، وفي لفظ: بين الماء والطين، فذكر الحديث. وروي أيضاً عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجعل ينكش الأرض بعود، فقال: «ليس منكم من أحد إلا وقد فرغ من مقرّه في الجنة أو النار»

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه البخاري 13/ 20 (7069) وسيأتي.

السادس: في مسحه الأرض بيده.

فقالوا: أفلا نتكل؟ قال: «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى الآية [ (1) ] [الليل 5] . السادس: في مسحه الأرض بيده. روي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كذب عليّ فليشهد بجنبيه مضجعا من النار» وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ذلك، ويمسح الأرض بيده. السابع: في إشارته صلى الله عليه وسلم بإصبعيه السبابة والوسطى. وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن مسعود، والإمام أحمد برجال الصحيح، والبزّار عن بريدة، والإمام أحمد، والبزار، والطبراني برجال ثقات عن وهب السّوائي والطبراني عن سهل ابن سعد، والطبراني عن أنس والطبراني بسند جيد عن أبي جبيرة الأنصاري رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت أنا والسّاعة جميعا كهاتين وفي لفظ كهذه من هذه» ، وجمع بين السبابة والوسطى، وأشار بهما، «وإن كادت تسبقني» [ (2) ] . الثامن: في تشبيكه أصابعه صلّى الله عليه وسلم. روى البخاري عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه [ (3) ] . روى الشيخان والبيهقي، والبخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، فصلى بنا ركعتين، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه. وروى مسلم أيضا قال: شبّك بيدي أبو القاسم، وفي لفظ أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «خلق الله الأرض يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين والمكروه يوم الثلاثاء، والنّور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة» . وروى البخاري في رواية حمّاد بن شاكر والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 211، 212، 8/ 59، 154 ومسلم في القدر 6/ 7 وأبو داود في الستة باب (16) والترمذي (2136) (3344) وأحمد 1/ 82، 140، 153 والطبراني في الكبير 4/ 280 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1809) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] البخاري 10/ 449 في الأدب (6026) ومسلم 4/ 1999 في كتاب البر (65/ 2585) .

قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا- زاد البيهقي وشبك بين أصابعه. وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة، ويبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا، وكانوا هكذا؟» وشبك بين أصابعه [ (1) ] . وروى البزار عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأيمانهم وأماناتهم وصاروا هكذا؟» وشبك بين أصابعه [ (2) ] . وروى الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «كيف ترون إذا أخرجتم في زمان حثالة من الناس قد مرجت عهودهم ونذورهم فاشتبكوا فكانوا هكذا؟» وشبك بين أصابعه، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «تأخذون ما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، ويقبل أحدكم على خاصّة نفسه، ويذر أمر العامة» [ (3) ] . وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس، واختلفوا حتى يكونوا هكذا؟» وشبك بين أصابعه، قال: الله ورسوله أعلم، قال: «خذ ما تعرف ودع ما تنكر» [ (4) ] . وروى الإمام الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح على شرط مسلم عن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنا نحن وبنو المطلب شيء واحد» ، وشبك بين أصابعه. وروى البيهقي في الزهد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس؟» وشبك بين أصابعه، قلت: يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: «اصبر اصبر اصبر» ثلاثا، «خالقوا الناس بأخلاقهم، وخالفوهم في أعمالهم» . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دفن العبد الكافر يقول له القبر لا مرحبا ولا أهلا، ثم يلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه» ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابع يديه فشبكها [ (5) ] . وروى مسلم وأبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه جاء في حديث الحج قال: قام

_ [ (1) ] أبو داود في كتاب الملاحم باب (17) وابن ماجة (3957) . [ (2) ] انظر المجمع 7/ 283 والكنز (31142) . [ (3) ] الطبراني في الكبير 6/ 253 وأبو داود في الملاحم وابن ماجة (3957) وانظر المجمع 7/ 279. [ (4) ] انظر المجمع 7/ 275، 279 والعزلة للخطابي ص 9. [ (5) ] أخرجه الترمذي (2460) .

تنبيهات

سراقة فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى، وقال: «دخلت العمرة في الحج مرتين» [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي المؤمنين أحلم؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «إذا اختلفوا» ، - وشبك بين أصابعه- «وأبرّهم أبصرهم بالحق، وإن كان في عمله تقصير، وإن كان يزحف زحفا» [ (2) ] . تنبيهات الأول: وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يده فإنه في صلاة، وفي رواية للإمام أحمد عن كعب بن عجرة قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقد شبكت بين أصابعي، فقال لي: «يا كعب إذا كنت في المسجد فلا تشبك بين أصابعك، فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة» . الثاني: قال الحافظ حديث أبي موسى دال على جواز التشبيك مطلقا، وحديث أبي هريرة دال على جوازه في المسجد، وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز، وبسط الكلام على ذلك، وقد ذكرته مع كلام غيره في كتاب سفينة السلامة. الثالث: قال ابن المنير: التحقيق أنه ليس بين الأحاديث تعارض إذا النهي عن فعله على وجه العبث، جمع الإسماعيلي بأن النهي يقيد بما إذا كان في صلاة، أو قاصدا إليها، إذ منتظر الصلاة في حكم المصلى، وقيل إن حكمة النهي عنه لمنتظر الصلاة أن التشبيك يجلب النوم، وهو من نظام الحديث، وقيل: إن صورته تشبه صورة الاختلاف، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في النهي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين: «ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» ، وقال الحافظ مغلطاي في شرح البخاري: زعم بعضهم أن هذه الأحاديث التي أوردها البخاري في هذا الباب معارضة بحديث النهي قال ابن بطال: إن حديث النهي يساوي هذه الأحاديث في الصحة، قال: الأكثر حديث النهي مخصوص بالصلاة، وهو قول مالك، روي عنه أنه قال: إنهم ينكرون تشبيك الأصابع في المسجد، وما به بأس، وإنما يكره في الصلاة، ورخص فيه ابن عمر، وسالم ابنه، وكانا يشبكان بين أصابعهما في الصلاة، ثم قال مغلطاي: والتحقيق أنه ليس بين حديث النهي عن التشبيك وبين تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه معارضة، لأن النهي إنما ورد

_ [ (1) ] سيأتي في الحج. [ (2) ] أحمد 4/ 244 والطبراني في الكبير 19/ 153 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (315) والبيهقي في السنن الكبرى 3/ 231.

فعله في الصلاة أو في المضي إليها، وفعله صلى الله عليه وسلّم ليس في صلاة، ولا في المضي إليها، ويبقى كل حديث على حياله انتهى. الرابع: في بيان غريب ما سبق: براحته: براء فألف فحاء مهملة مفتوحة فتاء تأنيث. السّبّابة: بسين مهملة فموحدتين بينهما ألف مفتوحات فتاء تأنيث: الإصبع التي بين الوسطى والإبهام، سميت بذلك لأن العرب تشير بها عند السب. فناء الكعبة: بفاء مكسورة فنون فألف: المتسع أمامها. الاحتباء: بحاء مهملة فمثناة فوقية فموحدة فألف ممدودة، قال القاضي عياض: الاحتباء الجلوس قائم الركبتين جامعا يديه على ركبتيه، مشبكا بين أصابعهما، أو جامعا إحداهما بالأخرى، زاد غيره: أو بسيف أو بثوب أو غير ذلك. الحثالة: بحاء مهملة مضمومة فمثلثة فألف فلام فتاء تأنيث الرديء من كل شيء. مرجت عهودهم: بميم مفتوحة فراء مكسورة فجيم فتاء تأنيث: اختلطت.

الباب الرابع في بعض ما ضربه من الأمثال صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في بعض ما ضربه من الأمثال صلّى الله عليه وسلم وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم غرز بين يديه غرزا، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز إلى جنبه الثالث فأبعده، ثم قال: «هل تدرون ما هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هذا الإنسان، وهذا أجله، وهذا أمله، يتعاطى الأمل يختلجه الآجل دون ذلك» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي رزين العقيلي رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال: «أمررت بأرض من أرضك مجدبة ثم مررت بها مخصبة؟» قال: نعم، قال: «كذلك النشور» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سار في الشتاء، والورق يتهافت فقال: «يا أبا ذر» ، فقلت: لبّيك يا رسول الله قال: «إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله فتهافت عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذه الشجرة» [ (3) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب مثل الرزق كمثل حائط له باب فما حول الباب سهولة، وما حول الحائط وعر وعث فمن أتاه من قبل بابه أصابه كلّه وسلّم، ومن أتاه من قبل حائطه وقع في الوعر والوعث حتى إذا انتهى إليه لم يكن له إلا الرزق الذي يسره الله تعالى له. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: علقت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ألف مثل. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: يختلجه الأجل: بتحتية مفتوحة فخاء معجمة ساكنة ففوقية فلام فجيم فهاء: أي يقتطعه، بمعنى أنه ينقطع وينقضي سريعا.

_ [ (1) ]- أخرجه أحمد 3/ 18. [ (2) ] ابن المبارك 2/ 31 وابن كثير في التفسير 5/ 394. أحمد 5/ 179. [ (3) ] انظر المجمع 2/ 248.

الغصن: بغين معجمة مضمومة فصاد مهملة ساكنة فنون: واحد الأغصان، ويجمع أيضا على غصن، وهي أطراف الشجر ما دامت فيها ثابتة. وعر: بواو مفتوحة فعين مهملة فراء ضد السهل. وعث: بواو فعين مهملة مفتوحتين فمثلثة المكان السهل الدّهس تغيب فيه الأقدام والطريق العسر ككتف كالوعث.

الباب الخامس في قوله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه، ويحك وويلك، وتربت يداك، وأبيك، وغير ذلك مما يذكر

الباب الخامس في قوله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه، ويحك وويلك، وتربت يداك، وأبيك، وغير ذلك مما يذكر وروى البخاري في الأدب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يسوق بدنة فقال: «اركبها» ، فقال: يا رسول الله إنها بدنة فقال: «اركبها» ، فقال: إنها بدنة، فقال في الثالثة والرابعة: «اركبها ويحك» [ (1) ] . وروى البخاري في الأدب عن حمنة بنت جحش رضي الله تعالى عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هي يا هنتاه؟» [ (2) ] . وروى البخاري في الأدب عن أبي عقرب [ (3) ] رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم قال: «صم يوما من كل شهر» ، قلت: بأبي أنت وأمي زدني، زدني قال: «صم يومين من كل شهر» ، قلت: بأبي أنت وأمي زدني، فإني أجدني قويا، قال: «إني أجدني قويا، إني أجدني قويا فأفحم حتى ظننت أنه يردّني» ، ثم قال: «صم ثلاثة من كل شهر» [ (4) ] . وروى البخاري في الأدب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل أجرا؟ قال: «أمّك، وأبيك لتنبأنّ أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» [ (5) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: حمنة: بحاء مفتوحة فميم ساكنة فنون فتاء تأنيث. يا هنتاه: بهاء مفتوحة فنون تفتح وتكسر ففوقية فألف فهاء تسكن وتضم: أي يا هذه قاله الجوهري، وهذه التحتية للنداء وقيل معناها يا بلهاء. شحيح: بخيل.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 536 (1689) ومسلم 2/ 960 (371/ 1322) . [ (2) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (797) . [ (3) ] أبو عقرب البكري.. من بني عريج بمهملة وجيم مصغرا ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة وقيل فيه ليثي وهو غلط مختلف في اسمه فقيل خالد بن بحير وقيل عويج بفتح أوله وبالواو ابن خالد. [ (4) ] أخرجه النسائي 4/ 225 وأحمد 5/ 67. [ (5) ] البخاري 3/ 284 (1419) ومسلم 2/ 716 (92/ 1032) .

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في الاستئذان والسلام والمصافحة والمعانقة والتقبيل - زاده الله شرفا وفضلا لديه

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في الاستئذان والسلام والمصافحة والمعانقة والتقبيل- زاده الله شرفاً وفضلاً لديه الباب الأول في آدابه في الاستئذان وفيه أنواع: الأول: في أنه لم يكن يستقبل الباب بوجهه: روى الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم يمشي مع الجدار، ولم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: «السلام عليكم» ، فإن أذن له وإلا انصرف، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور [ (1) ] . الثاني: في تعليمه من لا يحسن الاستئذان، وكراهته قول المستأذن أنا فقط. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن حراش قال: جاء رجل من بني عامر فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في البيت فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم أأدخل؟» فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر دين كان على أبي، فدفعت الباب فقال: «من ذا؟» فقلت: أنا، فخرج وهو يقول: «أنا أنا» كأنه يكرهه [ (3) ] . وروى الترمذي- وحسنه- والنّسائي عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبن وجذابة وضعابيس، والنبي صلى الله عليه وسلّم بأعلى الوادي، قال: فدخلت ولم استأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فقل السلام عليكم أأدخل؟» [ (4) ] . الثالث: في إرادته صلى الله عليه وسلّم فقأ عين من اطلع من خصاصة الباب من غير استئذان. روى البخاري في الأدب عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أعرابيا أتى بيت

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (5186) وانظر الدر المنثور 5/ 39 وابن كثير في التفسير 6/ 37. [ (2) ] أخرجه أبو داود (5177) والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 340. [ (3) ] أخرجه البخاري 11/ 35 (6250) ومسلم 3/ 1697 (38/ 2155) . [ (4) ] أبو داود (5176) والترمذي (2710) أحمد 3/ 414 والبيهقي 8/ 340 وابن السني 658 والبخاري في الأدب (1081) وفي التاريخ 7/ 241 وانظر الدر المنثور 5/ 38.

الرابع: في كيفية استئذانه.

رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاستفتح من خصاصة الباب، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم سهما أو عودا محدّدا فتوخّى الأعرابي ليفقأ عين الأعرابي، فذهب فقال: «أما إنك لو ثبت لفقأت عينك» [ (1) ] . وروى البخاري في الأدب عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رجلا اطلع من جحر في باب النبي صلى الله عليه وسلّم، ومع النبي صلى الله عليه وسلّم مدرى يحك به رأسه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك» ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الاستئذان من أهل البصر» [ (2) ] . الرابع: في كيفية استئذانه. روي عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ، فرد سعد ردا خفيّا قال: فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذره يكثر علينا من السلام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «قضينا ما علينا» [ (3) ] . الخامس: في رجوعه إذا استأذن ثلاثا فلم يؤذن له. روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أم طارق مولاة سعد رضي الله تعالى عنه قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فاستأذن فسكت سعد، ثم أعاد فسكت سعد، ثم أعاد فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأرسلني سعد إليه وقال إنه لم يمنعنا أن نأذن لك إلا أردنا أن تزيد الحديث. السادس: في قوله صلى الله عليه وسلّم لبيك لمن استأذن عليه. وروى أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاثا، كل ذلك يرد عليه: «لبيك لبّيك» [ (4) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الجدار: بجيم مكسورة فدال مهملة فألف فراء: الحائط. الستر: بسين مهملة مفتوحة فمثناة فوقية ساكنة فراء: التغطية. الجذابة: بجيم فذال فموحدة مفتوحات فتاء تأنيث الجذب، وهو شحم النخل أحدها جذبة. ضعابيس: بضاد معجمة فعين مهملة فألف فموحدة مكسورة فتحتية فسين مهملة: صغار القثّاء واحدها ضعبوس. الخصاصة: بخاء معجمة فصادين مهملتين بينهما ألف فتاء تأنيث: الفرجة. توخى: بفوقية فواو فخاء مفتوحات فتحتية: قصد.

_ [ (1) ] النسائي 8/ 60 والبخاري في الأدب (1091) والطبراني في الكبير 1/ 227 والطحاوي في المشكل 1/ 405. [ (2) ]- البخاري في الأدب المفرد (1070) ومسلم في الأدب باب 9 (41240) . والحميدي (924) والدارمي 2/ 198. والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 338. والشافعي كما في البدائع (1445) . [ (3) ]- البخاري في الأدب المفرد (1073) . [ (4) ]- انظر المجمع 9/ 20.

الباب الثاني في آدابه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في آدابه صلّى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: في تكريره السلام. روى البخاري والترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا حتى يفهم عنه [ (1) ] . الثاني: في سلامه على الأطفال والنساء. وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفعله [ (2) ] . وروى أبو داود عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلمان يلعبون فسلم عليهم [ (3) ] . وروي أيضا عنه قال: انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام في غلمان فسلم علينا، فأخذ بيدي، فأرسلني برسالة، وقعد في جدار، أو قال إلى جدار حتى رجعت [ (4) ] . وروى أيضاً وابن ماجة عن أسماء بنت يزيد قالت: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في نسوة فسلم علينا [ (5) ] . وروى التّرمذي والبخاري في الأدب عنها قالت: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد يوما ونحن عصبة من النساء قعود فألوى بيده في التسليم [ (6) ] . وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مر بنساء فسلم عليهن [ (7) ] . وروى البخاري في الأدب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا في جوار أتراب لي فسلم علينا. الثالث: فيما كان يقوله إذا بلّغ السلام عن أحد.

_ [ (1) ]- تقدم. [ (2) ]- تقدم. [ (3) ]- قدم. [ (4) ]- تقدم. [ (5) ]- أخرجه أبو داود (5204) ومن حديث جزير أخرجه أحمد 4/ 357 وابن السني ص 63 (224) . [ (6) ]- الترمذي (2697) والبيهقي في السنن الكبرى 3/ 24. [ (7) ]- أحمد 4/ 357 وابن السني ص 63 (224) .

الرابع: في كيفية رده على اليهود.

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن غالب القطّان عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يقرأ عليك السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «عليك وعلى أبيك السلام» [ (1) ] . الرابع: في كيفية رده على اليهود. وروى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: السام عليك، فقال: «عليكم» ، فقالت عائشة: السّام عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والفحش» ، قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟ أنا رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» [ (2) ] . وروى البخاري في الأدب عن أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في المسجد وعصبة من النساء قعود قال بيده اليمنى بالسلام- الحديث [ (3) ] . وروى مسدد مرسلا برجال ثقات عن أبي برزة رحمه الله تعالى إن رجلا من المشركين كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالسلام فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليه السلام. الخامس: في إشارته بيده بالسلام. روى البخاري في الأدب عن أسماء رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في المسجد وعصبة من النساء قعود قال بيده اليمنى بالسلام. السادس: في تركه السلام وعدم رده على من اقترف ذنبا حتى يتبين توبته. وروي عن أبي برزة رحمه الله تعالى إن رجلا من المشركين كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالسلام فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليه السلام. وروى البخاري عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال في حديث تخلفه عن تبوك قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، وكنت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأسلم عليه فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أو لا؟ حتى قال حين ليلة، وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الصبح. وروى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: مر رجل عليه ثوبان أحمران فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يرد عليه.

_ [ (1) ] أبو داود (5231) وأحمد 5/ 366 والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 361 وابن السني (234) وابن أبي شيبة 9/ 122 وأبو نعيم في الحلية 7/ 258. [ (2) ]- أخرجه البخاري 11/ 200 (6401) . [ (3) ]- أخرجه النسائي 3/ 40، 41.

السابع: في تبلغيه السلام.

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي فضمّخوني بالزعفران فعدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسلمت عليه، فلم يرد علي، ولم يرحب بي، وقال: «اغسل هذا عنك» ، قال: فذهبت فغسلته، ثم جئت فسلمت عليه فرد علي ورحب بي، وقال: «إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر ولا المتضمّخ بالزعفارن ولا الجنب» . وروى البخاري في الأدب عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: أقبل رجل من البحرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم فلم يرد عليه، وفي يده خاتم ذهب وعليه جبة حرير، فانطلق الرجل محزونا فشكا إلى امرأته فقالت: لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم جبتك وخاتمك فألقها، ثم عد، ففعل فرد عليه السلام فقال جئتك آنفا فأعرضت عني، قال: «كان في يدك جمر من نار» . الحديث. وروي أيضاً في الأدب عن علي رضي الله تعالى عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قوم فيهم رجل متخلّق بخلوق فنظر إليهم وسلّم عليهم وأعرض عن الرجل، فقال الرجل: أعرضت عني، فقال: «بين عينك جمرة» . السابع: في تبلغيه السلام. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتاني جبريل فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه طعام وإدام وشراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربها السلام ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه. ولا نصب» . وروى النسائي والحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أن الله تعالى يقرأ على خديجة السلام، فقالت: إن الله عز وجل هو السلام وعلى جبريل السلام ورحمة الله وبركاته. الثامن: في رده من دخل ولم يسلم. روى البخاري في الأدب عن كلدة بن حنبل [ (1) ] أن صفوان بن أمية [ (2) ] بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الفتح بلبن وجذابة وضعابيس، قال أبو عاصم، يعني البقل، والنبي صلى الله عليه وسلّم بأعلى الوادي قال: فدخلت ولم أسلم، ولم أستأذن، فقال: «ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟» وذلك بعد ما أسلم صفوان [ (3) ] .

_ [ (1) ] كلدة بن الحنبل، ويقال ابن عبد الله بن الحنبل الجمحي، المكّي، صحابي، له حديث، وهو أخو صفوان بن أمية لأمّه. التقريب 2/ 136. [ (2) ] صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن قدامة، بن جمح القرشي، الجمحي المكي، صحابي من المؤلفة، مات أيام قتل عثمان، وقيل سنة إحدى واثنتين وأربعين، في أوائل خلافة معاوية التقريب 1/ 367. [ (3) ] أخرجه البخاري في الأدب (1081) وفي التاريخ 7/ 241 وأبو داود (5176) والترمذي (2710) وأحمد 3/ 414.

التاسع: في رجوعه إذا سلم ثلاثا فلم يؤذن له.

التاسع: في رجوعه إذا سلم ثلاثا فلم يؤذن له. روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أم طارق مولاة سعد رضي الله تعالى عنهما قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فاستأذن فسكت سعد ثم أعاد فسكت سعد ثم أعاد فسكت سعد فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأرسلني سعد إليه أنه لم يمنعنا أن نأذن لك إلا أنا أردنا أن تزيد الحديث. وروى البخاري في الأدب عن أبي موسى وابن مسعود وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم قالوا: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد سعيد بن عبادة حتى أتاه فسلم فلم يؤذن له ثم سلم الثانية ثم الثالثة فلم يؤذن له فقال: قضينا ما علينا ثم رجع فأذن له سعد فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا ما سلمت من مرة إلا وأنا أسمع وأرد عليك، ولكن أحببت أن تكثر من السلام عليّ وعلى أهل بيتي. العاشر: في صفة سلامه على المستيقظ بحضرة النائم. روى البخاري في الأدب عن المقداد بن الأسود [ (1) ] رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان [ (2) ] . تنبيه: في بيان ما سبق: العصبة: بعين مضمومة، فصاد ساكنة مهملتين، فموحدة: الجماعة من العشرة إلى الأربعين. تراب: بكسر المثناة الفوقية وأتراب جمع ترب بكسر المثناة الفوقية وسكون الراء: اللّدة والسن: أي كلهم من عمر واحد. السّام: بفتح المهملة وسكون الألف: الحجارة. ضمّخوني: بضاد معجمة فميم مفتوحتين، فخاء معجمة فواو فنون: نفحه أهله بالطيب. آنفا: بهمزة ممدودة وكسر النون: أي الساعة أي في أول وقت يقرب منا. القصب: بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة أي قصب اللؤلؤ. الصّخب: بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة فموحدة الصياح والمنازعة برفع الصوت. النّصب: بفتح النون والصاد المهملة فالموحدة التعب.

_ [ (1) ] المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني ثم الكندي، ثم الزهري، حالف أبوه كندة، وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه، صحابي مشهور، من السابقين، لم يثبت أنه كان ببدر فارس غيره، مات سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة. التقريب 2/ 272. [ (2) ] انظر فتح الباري 11/ 18.

الباب الثالث في آدابه في المصافحة والمعانقة والتقبيل

الباب الثالث في آدابه في المصافحة والمعانقة والتقبيل وفيه أنواع: الأول: في مصافحته. روى الإمام أحمد عن أبي إسحاق قال: لقيت البراء بن عازب فسلم علي وأخذ بيدي وضحك في وجهي، وقال: أتدري لم فعلت هذا بك؟ قلت: لا أدري، ولكن لا أراك فعلت إلا الخير، قال: إنه لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ففعل بي مثل الذي فعلت بك، فسألني فقلت مثل الذي قلت لي، فقال: «ما من مسلمين يلتقيان فسلم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذ بيده إلا الله، فلا يفترقان حتى يغفر لهما» [ (1) ] . وروى النسائي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا لقي الرجل من أصحابه مسحه ودعا له [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن رجل من عنزة أنه قال لأبي ذر حين سيّر من الشام: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله قال أبو ذر: إذن أخبرك إلا أن يكون سرا، قلت: إنه ليس بسر، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلى يوما ولم أكن في البيت فلما جئت أخبرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو على سرير، فالتزمني فكأنه تلك أجوب أجود [ (3) ] . الثاني: في تقبيله وتقبيل يده ورجله. روى ابن ماجة عن صفوان بن عسّال أن قوما من اليهود قبلوا يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجليه [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الحسن بن علي [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قالوا: نعم قالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولذلك أن الله تعالى نزع منكم الرحمة» [ (6) ] .

_ [ (1) ]- أخرجه أحمد 4/ 289، 303. [ (2) ]- أخرجه النسائي في الطهارة باب 169. [ (3) ]- تقدم وانظر المسند 5/ 168. [ (4) ]- ابن ماجة 1/ 1221 (3705) . [ (5) ]- تقدم. [ (6) ]- تقدم.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى الشيخان في الأدب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه حديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كانت إذا دخلت عليه قام إليها ورحب بها وقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده، ورحبت به، وقبلته وأجلسته في مجلسها، فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فرحب بها وقبلها [ (1) ] . وروى البخاري في الأدب وأبو يعلى وابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنا في غزاة فحاص الناس حيصة قلنا: كيف نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فررنا؟ فنزلت: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ [الأنفال 16] فقلنا: لا نقدم المدينة، فلا يرانا أحدا، فقلنا: لو قدمنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر فقلنا: يا رسول الله نحن الفرارون، قال: «أنتم العكارون» فقلنا: بلى قال: «أنا فئتكم» [ (2) ] . وروى البخاري في الأدب عن الوازع بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قدمنا فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخذنا بيديه ورجليه نقبلهما [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: المصافحة: بميم مضمومة فصاد مهملة فألف ففاء فحاء مهملة: الأخذ باليد. التّرمني: اعتنقني. التقبيل: القبلة اللّثمة والجمع قبل وفعله التقبيل. حاص: بحاء فصاد مهملتين بينهما ألف: جال جولة عظيمة. المتحرف: تقدم الكلام عليه في باب المغازي. الناس: الجماعة.

_ [ (1) ]- البخاري في الأدب (321) . [ (2) ]- أحمد 2/ 100 والبخاري في الأدب (972) والدر المنثور 3/ 174. [ (3) ]- انظر الأدب المفرد ص (339) .

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في جلوسه واتكائه وقيامه ومشيه

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في جلوسه واتكائه وقيامه ومشيه الباب الأول في آداب جلوسه واتكائه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: النوع الأول: في جلوسه حيث انتهى به المجلس. روى أبو نعيم رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى به المجلس جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. النوع الثاني: في صفة جلسته واحتبائه وآدابه في ذلك وفيه أنواع:. الأول: في قعوده القرفصاء. روى البخاري في الأدب وأبو يعلى عن قيلة- بفتح القاف وسكون المثناة التحتية بعدها لام- بنت مخرمة رضي الله تعالى عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قاعدا القرفصاء [ (1) ] . وروى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس القرفصاء. الثاني: في تربعه. روى البخاري في الأدب عن حنظلة بن خذيم رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته جالسا متربعا [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن صخرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا. الثالث: في احتبائه. روى البخاري في الأدب عن سليم بن جابر الهجيمي رضي الله تعالى عنه قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محتب في بردة فإن هدّابها لعلى قدميه» الحديث. وروى البخاري في الأدب والنسائي والبزار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن

_ [ (1) ]- أبو داود 5/ 176 (4847) والترمذي (2814) . [ (2) ]- وأخرجه أبو داود (4846) .

النوع الثالث: في اتكائه.

رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل يوما المسجد، وأنا معه، فجلس فاحتبى الحديث. وروى أبو داود والترمذي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيديه، زاد البزّار ونصب ركبتيه. وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا. وروى الحسن بن سفيان عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحتبي على ركبتيه، وكان لا يتكئ. وروى ابن عدي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في مجلس احتبى بيديه. وروى أبو نعيم عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس احتبى بيديه، وقال بعض رواته بثوبه. وروى الطبراني برجال ثقات غير أبي عروبة محمد بن موسى فيجر رجاله عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الكعبة محتبيا بيديه. الرابع: في رفعه بصره إلى السماء إذا جلس يتحدث. روى البيهقي عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا جلس كثيرا يتحدث رفع طرفه إلى السماء. النوع الثالث: في اتكائه. روى ابن سعد عن زر بن حبيش قال: جاء رجل من مراد يقال له صفوان بن عسّال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو متكئ على برد له أحمر. وروى الدارمي والترمذي وصححه وأبو عوانة وابن حبان وابن سعد وابن عدي عن جابر ابن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئا على وسادة على يساره. وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم متكئا على وسادة فيها صور. النوع الرابع: في توسده صلى الله عليه وسلّم ببردته. روى ابن أبي شيبة عن خبّاب رضي الله تعالى عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة. الحديث. الخامس: في جلوسه صلى الله عليه وسلم على شفير البئر، وإدلائه رجليه في البئر، وكشفه عن ساقيه.

السادس: في جلوسه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.

وروى البخاري في الأدب عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى حائط من حوائط الحاجة وخرجت في أثره، فلما دخل الحائط جلست على بابه، وقلت لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته، وجلس على قفّ البئر وكشف عن ساقيه، وأدلاهما في البئر. وروى الطبراني في الأوسط برجال موثّقين عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأعواف وبلال معه، فدلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن، فقال: يا بلال ائذن له، وبشره بالجنة، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخذه، ثم جاء عمر يستأذن، فقال: يا بلال ائذن له، وبشره بالجنة، فدخل، فجلس عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخذه، ثم جاء عثمان، فقال: ائذن له يا بلال، وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه، فدخل عثمان فجلس، فعدله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر وكشف عن فخذه. السادس: في جلوسه صلى الله عليه وسلّم مع أصحابه. روى ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: ما أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه بين يدي جليس له قط، ولا يبادر يده أحد قط فيتركها حتى يكون هو يدعها، وما جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحد قط فقام حتى يقوم، وما وجدت شيئا قط أطيب ريحا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. السابع في أين يجلس من أصحابه صلى الله عليه وسلم؟. روى أبو الحسن بن الضحاك عن كعب بن زهير رضي الله تعالى عنه قال: كان يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه مكان المائدة من القوم حلقة ثم حلقة، وهو في وسطهم، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم، ثم على هؤلاء، ثم على هؤلاء. وروى النسائي عن أبي هريرة، وأبي ذر رضي الله تعالى عنهما قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجلس بين ظهراني أصحابه فتجيء العرب فلا تدري أين هو؟ حتى تسأل، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نجعل له محلا فتعرفه العرب إذا رأوه، فبنينا له دكّانا من طين فكان يجلس عليه، وكنا نجلس بجانبه سماطين. وروى أبو الحسن بن الضحاك رضي الله تعالى عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله. الثامن: في استلقائه صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى.

التاسع: فيما كان يقوله في مجلسه.

التاسع: فيما كان يقوله في مجلسه. روى الترمذي- وحسنه- وابن السّنّي [ (1) ] والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلسه حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتّعنا بأسماعنا وبأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا» [ (2) ] . تنبيهان الأول: قال القوساني استشكل العلماء هذا الحديث فقالوا: كيف يكون سمعه وبصره يرثانه بعده دون سائر أعضائه؟ فتأولوه على أنه أراد بذلك الدعاء لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، بدليل أنهما من الدين بمنزلة السمع والبصر من الرأس، فكأنه دعا بأنه تمتع بهما في حياته، وأن يرثا خلافة النبوة بعد وفاته، ولم يجد العلماء رحمهم الله تعالى لهذا الحديث وجها ولا تأويلا غير هذا. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه إذا جلس، ويجمعهما بثوب إلى ظهره، ويشده عليه، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب. القرفصاء: بضم القاف والفاء، بينهما راء ساكنة، ثم صاد مهملة ومد. قال الفراء رحمه الله تعالى إذا ضممت القاف والفاء مددت أو كسرت قصرت، قال أبو عبيدة وهي جلسة المحتبي، ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه، وجزم بذلك البخاري رحمه الله تعالى. التربع: بفوقية فراء مفتوحتين فموحدة مضمومة فعين مهملة: معروف خلاف الجثي والإقعاء. البردة: بموحدة مضمومة فراء ساكنة فدال مهملة مفتوحة فتاء تأنيث: الشملة المخططة وقيل كساء أسود مربع فيه صفرة تلبسها الأعراب جمعها برد. الهدّاب: بهاء مضمومة فدال مهملة فألف فموحدة.

_ [ (1) ] ابن السنّي الحافظ الإمام الثقة أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط الدّينوري. مولى جعفر بن أبي طالب، صاحب «عمل اليوم والليلة» وراوي «سنن النسائي» ، كان دينا صدوقا، اختصر السنن وسماه «المجتبى» . مات سنة أربع وستين وثلاثمائة عن بضع وثمانين سنة. طبقات الحفاظ للسيوطي 380. [ (2) ]- سيأتي في الدعوات.

الطّرف: بطاء مهملة فراء مفتوحتين ففاء وهو الآخر. الوسادة: بكسر الواو، ما يوضع عليه الرأس وقد يتوكأ عليها وهو المراد هنا قال في الهدى ربما اتكأ على الوسادة على يساره، وربما اتكأ على يمينه، وكان إذا احتاج في خروجه توكأ على أصحابه من ضعف، قال في زاد المعاد وكان صلى الله عليه وسلّم يجلس على الأرض، وعلى الحصير وعلى البساط. قف البئر: تقدم تفسيره. مائدة: يأتي الكلام عليها. الدّكّان: بدال مهملة مضمومة فكاف فألف فنون الدكة المبنية للجلوس عليها، واختلف: هل النون أصلية أم زائدة. الخشية: بخاء معجمة مفتوحة، فشين معجمة ساكنة، فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث: الخوف. الثأر: بمثلثة فألف فراء: أصله طلب الدم، والمراد به هنا طلب الحق ممن ظلم. السّماط: بسين مهملة مكسورة فميم فألف فطاء مهملة: الجماعة من الناس والنحل.

الباب الثاني في قيامه

الباب الثاني في قيامه وفيه نوعان: الأول: فيما كان يفعله إذا قام وأراد العود. روى أبو يعلى بسند ضعيف وأبو داود والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلسنا حوله فأراد أن يعود ترك نعليه أو بعض ما يكون معه فيعرف بذلك أصحابه، فيثبتون، وأنه قام وترك نعليه فأخذت ركوة ماء فتتبعته فرجع، ولم يقض حاجته، قلت: يا رسول الله ألم تكن لك حاجة؟ قال: بلى، ولكن أتاني آت من ربي عز وجل فقال: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء- 110]- وقد كانت شقّت عليهم الآية التي قبلها مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ-[النساء 123] فأردت أن أبشر أصحابي، قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن زنا وإن سرق وإن زنا وإن سرق، ثم استغفر غفر له؟ قال: «نعم» ، قلت: يا رسول الله وإن زنا وإن سرق ثم استغفر غفر له؟ قال: «نعم» ، ثم ثلثت قال: «نعم على رغم أنف عويمر» [ (1) ] . الثاني: فيما كان يقوله ويفعله إذا قام من المجلس. وروى عبد الرزاق في الجامع عن أبي عثمان الفقير، وابن أبي شيبة وأبو داود، والنسائي والحاكم، وابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي، وابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن رجل من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والطبراني برجال ثقات عن رافع بن خديج، وابن أبي شيبة عن أبي العالية، قال أبو عثمان وأبو العالية: إن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول وقال أبو برزة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك» [ (2) ] زاد أبو برزة فقال رجل: يا رسول الله إنك تقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى؟ أكفارة لما يكون في المجلس؟ زاد الرجل: كلمات علمنيهن جبريل كفارات لخطايا المجلس. وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر برجال ثقات وابن أبي الدّنيا والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات، فسألته عن الكلمات فقال: «إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة، وإن تكلم بشر كان كفارة له، سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك» ، وزاد الأخير: أن يقولها حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في المجلس.

_ [ (1) ] المجمع 7/ 10. [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 450، 4/ 420 والترمذي (3433) وعبد الرزاق (2879) والطبراني في الصغير 1/ 222 والدّارمي 2/ 283 وابن سعد 2/ 2/ 1.

الباب الثالث في مشيه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في مشيه صلّى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: في هيأته. روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت أحدا أسرع مشية من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكأنما الأرض تطوى له: كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا وأنه لغير مكترث [ (1) ] . وروى أبو بكر بن أبي شيبة عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في جنازة، أمشي فإذا مشيت سبقني فأهرول فأسبقه، فالتفت إلى رجل لجنبي فقلت: تطوى الأرض له وللخليل إبراهيم عليهما السلام. وروى أبو داود عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى يتوكأ. وروى ابن سعد وأبو الحسن بن الضحاك عن أبي الحكم سيار بن أبي سيار قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى مشي السّوقي، ليس بالعاجز ولا الكسلان [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل [ (3) ] . وروى ابن سعد عن مرثد بن أبي مرثد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل فلا يدركه [ (4) ] . وروى ابن سعد عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى كأنما يتقلّع من صخرة [ (5) ] . وروى البخاري في الأدب وابن سعد عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى فكأنما يمشي في صعد [ (6) ] . وروى ابن سعد عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحطّ من صبب [ (7) ] .

_ [ (1) ]- أحمد 2/ 350. [ (2) ]- ابن سعد 3/ 48. [ (3) ]- أحمد 1/ 328 وانظر المجمع 8/ 281. [ (4) ]- ابن سعد 1/ 2/ 100. [ (5) ]- انظر الإتحاف للزبيدي 7/ 54 والبداية لابن كثير 6/ 19- 21. [ (6) ] انظر البداية 6/ 8. [ (7) ]- أخرجه أحمد 3/ 270 والحاكم 2/ 606.

الثاني: في التفاته.

وروي أيضا عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تقلّع كأنما ينحدر من صبب [ (1) ] . وروى أيضا عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ. وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ. وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ حين يمشي في صعود. وروى البيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى مال تقلّعا يتكفّأ تكفّؤا، ويمشي هونا ذريع المشية كأنما ينحط من صبب، وفي لفظ كأنما يهوي في صبب، إذا التفت التفت جميعا، يسوق أصحابه ويبدر، وفي لفظ: يبدأ من لقيه بالسلام. وروى ابن الضحاك في الشمائل عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تقلّع كأنما يمشي في صعد. وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل. وروى أيضا عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى هرول الناس وراءه. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عبد الله بن عمر [و] عمر رضي الله تعالى عنهما قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم المغرب فرجع من رجع، وعقّب من عقّب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم مسرعا قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه، فقال: «أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة» ، يقول: انظروا عبادي قد قضوا فريضة ربهم ينتظرون أخرى [ (2) ] . الثاني: في التفاته. روى ابن سعد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إذا مشى، وكان ربما تعلق رداؤه بالشجرة أو بالشيء فلا يلفت، وكانوا يضحكون، وكانوا قد أمنوا التفاته. وروى البخاري في الأدب، وابن سعد عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا التفت التفت جميعا.

_ [ (1) ]- الترمذي في الشمائل (60) . [ (2) ]- أخرجه ابن ماجة (801) وأحمد 2/ 197.

الثالث: في مشيه صلى الله عليه وسلم حافيا وناعلا.

وروى ابن سعد عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل جميعا، ويدبر جميعا. وروى أيضا عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التفت التفت جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التفت التفت جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا. وروى أبو الحسن بن الضحاك عنها أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلمح بمؤخر عينيه ولا يلفت. وروى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل معا، ويدبر معا. وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التفت التفت جميعا. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إلا جميعا. الثالث: في مشيه صلّى الله عليه وسلم حافيا وناعلا. روى البزار برجال ثقات عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمشي حافيا وناعلا. الرابع: في مشيه القهقرى لأمر. روي عن علي رضي الله تعالى عنه وروى الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: جئت يوما من خارج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت، والباب عليه مغلق فاستفتحت فتقدم ففتح لي، ثم رجع القهقرى إلى الصلاة، فأتم صلاته. الخامس: في مشيه صلّى الله عليه وسلم آخذا بيد أصحابه، ومتكئا على بعضهم. روى الإمام أحمد برجال ثقات عن بريدة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: خرجت ذات يوم في حاجة، وإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم يمشي بين يديّ، فأخذ بيدي، فانطلقنا نمشي جميعا فذكر الحديث. وروي أيضاً عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا أمامة: من المؤمنين من يلين له قلبي» [ (1) ] .

_ [ (1) ]- الطبراني في الكبير 8/ 177 وانظر المجمع 10/ 276.

السادس: في مشيه صلى الله عليه وسلم وراء أصحابه.

وروى أيضا عن أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأشار إلي فأتيته فأخذ بيدي فانطلقنا نمشي جميعا، وذكر الحديث. وروى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى بعد وذكر الحديث. وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن بشير بن الخصاصية رضي الله تعالى عنه قال: كنت أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بيده، فقال: «يا ابن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تبارك وتعالى، وأصبحت تماشي رسوله آخذا بيده؟» قلت: ما أصبحت أنقم على الله تعالى شيئا، قد أعطاني الله تعالى كل خير [ (1) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد أبي ذر رضي الله تعالى عنه، فقال: «يا أبا ذر أعلمت أن بين أيدينا عقبة كؤودا لا يصعدها إلا المخفّون الحديث» [ (2) ] . السادس: في مشيه صلّى الله عليه وسلّم وراء أصحابه. روى أبو بكر بن أبي شيبة، والإمام أحمد، والحارث بن أبي أسامة عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون أمامه ويدعون ظهره للملائكة [ (3) ] . وروى أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امشوا خلفي أو خلّوا ظهري للملائكة» [ (4) ] . السابع: في إسراعه صلى الله عليه وسلّم المشي. روى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدار مائل فأسرع المشي فقيل له، فقال: «إني أكره موت الفوات» [ (5) ] . وروى البخاري في الأدب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا، ونحن قعود حتى أفزعنا سرعته إلينا فلما انتهى إلينا سلّم، ثم قال: «قد

_ [ (1) ] أحمد 5/ 84283 والطبراني في الكبير 2/ 31 وانظر المجمع 9/ 398 والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 80 والبخاري في الأدب (429) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (790) (1946) . [ (2) ] انظر المجمع 10/ 263. [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 302. [ (4) ] أبو نعيم في الحلية 7/ 117 وجمع الجوامع (4469) والكنز (41618) . [ (5) ] أخرجه أحمد 2/ 356 وانظر المجمع 2/ 318 والعقيلي في الضعفاء 2/ 61 والمجروحين لابن حبّان 1/ 105 والميزان للذهبي (34، 165) .

تنبيهات

أقبلت إليكن مسرعا لأخبركم بليلة القدر فنسيتها فيما بيني وبينكم، فالتمسوها في العشر الأواخر» [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال في زاد المعاد كان صلى الله عليه وسلم يمشي حافيا ومنتعلا، قلت: أما مشيه منتعلا فهو أكثر مشيه، وأما حافيا فذكره الإمام الغزالي في الإحياء أيضا، واستدل له الحافظ العراقي بما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في عيادته صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشي في السباخ، وكان يماشي أصحابه فرادى وجماعة، يمشون بين يديه، وهو خلفهم ويقول: «دعوا ظهري للملائكة» ، ومشى في بعض غزواته مرة فأصاب حجر أصبعه فسال منه الدم، فقال: «هل أنت إلا أصبع دميت؟ وفي سبيل الله ما لقيت، وكان في السفر يعقب جميع أصحابه، ويقوى الضعيف أو يدعو له، ويحمل المنقطعين، ويردفهم بعض الأحيان خلفه» . الثاني: دلت الأحاديث السابقة على أمرين أن مشيته صلى الله عليه وسلّم لم تكن مشية بتماوت ولا. بمهانة. الثالث: أراد بقوله: التفت جميعا أنه لا يسارق النظر، وقيل: لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة إذا نظر إلى الشيء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف، ولكن كان يقبل جميعا، ويدبر جميعا- قاله في النهاية-: وفيه أيضا حكمة طبية لأن الالتفات ببعض الجسد ربما كان سببا للقوة. الرابع: في بيان غريب ما سبق: مكترث: بميم مضمومة فكاف ساكنة فبمثناة فوقية فمثلثة: غير مبال. الهرولة: بهاء مفتوحة فراء ساكنة فواو فلام مفتوحتين فتاء تأنيث: بين المشي والعدو. التّكفّؤ: تمايل الماشي إلى قدام كالغصن إذا ذهبت به الريح. السوقي: بسين مهملة مضمومة فواو ساكنة فقاف فتحتية. الكسل: بكاف فسين مهملة مفتوحتين فلام: الفتور. الصّبب: بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة الأولى: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه، لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه. وصبوب: بضم الصاد المهملة جمع صبب: وهو المنحدر من الأرض، وبفتح الصاد:

_ [ (1) ]- البخاري في الأدب المفرد (813) .

اسم لما يصب على الإنسان من ماء أو غيره. التّقلّع: الانحدار من الصّبب، والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحالة استعجال، ومبادرة شديدة، وأراد به قوة المشي، وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا، لا كمن يمشي اختيالا، ويقارب خطوه، فإن ذلك من مشي النّساء. الصّعد: بمهملات: المكان المرتفع. الهون: بفتح الهاء وسكون الواو: المشي في لين ورفق، غير مختال، ولا معجب. الذّريع: السريع أي أنه كان واسع الخطو، فيسرع مشيه، وربما يظن أن هذا غير الأول، ولا تضاد فيه، لأن معناه أي كأنه كان مع تثبته في المشي يتابع بين الخطوات، ويوسعها فيسبق غيره. يهوي: يسقط من موضع عال. الصوت: بمهملة مفتوحة فواو ساكنة فموحدة. يسوق أصحابه: أن يقدّمهم أمامه، ويمشي وراءهم، ولهذا مزيد بسط في الخصائص أن شاء الله تعالى. يبدر: بمثناة فموحدة فدال فراء: يعاجل. كئود: بكاف مفتوحة فهمزة فواو فدال مهملة: صعبة والله تعالى أعلم .

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في أكله وذكر مأكولاته

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في أكله وذكر مأكولاته الباب الأول في آداب جامعة وفيه أنواع: الأول: في أمره صلى الله عليه وسلم من أتى له بهدية أن يأكل منها قبل أن يأكل هو صلى الله عليه وسلم. روى البزّار والطبراني ورجال ثقات عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت إليه بخيبر [ (1) ] . وروى بقي بن مخلد والحميدي والحارث بن أبي أسامة عن ابن الحوتكية، قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فسألته عن الصيام فقال: من كان معنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالقاحة إذ أهدى الأعرابي الأرنب؟ فقال القوم جميعا: نحن كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: حدثوا حديثه، قالوا: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالقاحة [ (2) ] إذ أتاه أعرابي بأرنب قد شواها وأطابها، فأهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «كل منها» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يأكل هدية أهديت إليه بعد الشاة التي أهديت له بخيبر حتى يأكل منها صاحبها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل منها» قال: إني صائم. الحديث [ (3) ] . الثاني: في صفة قعوده صلى الله عليه وسلّم حالة الأكل. وروى البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن سعد عن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل عنده: «لا آكل متكئا» أو قال: «وأنا متكئ» [ (4) ] . وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن بشر رضي الله تعالى عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه فأكل، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: «إن الله تعالى جعلني عبدا كريما، ولم يجعلني جبارا عنيدا» .

_ [ (1) ]- انظر المجمع 5/ 8221/ 296 والكنز (18187) . [ (2) ] انظر معجم البلدان 4/ 329، 3301. [ (3) ]- انظر الكنز (24613، 24631) . [ (4) ]- تقدم.

الثالث: في أكله صلى الله عليه وسلم متكئا وقتا يسيرا ثم تركه.

وروى النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الله تبارك وتعالى أنزل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة ومعه جبريل فقال الملك: إن الله تعالى يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير فأشار جبريل بيده إن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بل أكون عبدا نبيا» ، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا. وروى الترمذي عن عبد الله بن عبيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بطعام فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: يا نبي الله لو أكلت وأنت متكئ كان أهون عليك، فأصغى بجبهته إلى الأرض حتى كاد يمس بها الأرض، وقال: «بل آكل كما يأكل العبد وأنا جالس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد» قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحتفز. وروى سعيد بن منصور مرسلا وابن سعد عن عطاء بن يسار رضي الله تعالى عنه أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة يأكل متّكئا فقال له: يا محمد أأكل الملوك؟ فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل متكئا. الثالث: في أكله صلّى الله عليه وسلّم متكئا وقتا يسيرا ثم تركه. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن خبّاب رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل قديدا في طبق متكئا، ثم قام إلى فخّارة فيها ماء فشرب. وروى الحارث بن أبي أسامة عن عبد الله بن سعد عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: كنت دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يأكل متكئا. وروى الطبراني من طريق بقيّة وهو غير ثقة مدلس عن عمر الشامي فيجر رجاله- وبقية رجاله ثقات- عن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر جعلت له مائدة فأكل متكئا وأصابته الشمس فلبس الظلة. وروى أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقم أول لقمة قال: «يا واسع المغفرة» . وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتمر هدية فجعل يقسمه، وهو محتفز يأكل منه أكلا ذريعا. وفي رواية رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم جالسا مقعيا يأكل تمرا. وروى مسلم وأبو داود عن مصعب بن سليم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتمر فرأيته يأكل متكئا.

الرابع: في أمره بتكثير المرق وإطعام الجيران صلى الله عليه وسلم.

الرابع: في أمره بتكثير المرق وإطعام الجيران صلى الله عليه وسلم. روى أبو بكر بن أبي شيبة والإمام أحمد والبزّار عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشترى لحما قال لأهله: «أكثروا المرق» ، زاد الإمام أحمد والبزار «وتعاهد جيرانك» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعجبه الثّقل، قال عباد: يعني ثفل المرق [ (2) ] . وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عملت مرقة فأكثر ماءها واغرف لجيرانك منها» [ (3) ] . الخامس: في أحب الطعام إليه صلى الله عليه وسلم. روى أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن أحب الطعام إليّ ما كثرت عليه الأيدي» [ (4) ] . السادس: في غسله يديه صلى الله عليه وسلم قبل الأكل. روى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل غسل يديه [ (5) ] . السابع: في مائدته وسفرته صلى الله عليه وسلّم. روى البخاري في تاريخه وأبو الشيخ عن فرقد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل على مائدته. وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على خوان ولا في سكرجّه، ولا خبز له مرقق، قال يونس فقلت لقتادة: فعلام كانوا يأكلون؟ قال على هذه السفرة قال البيهقي وأنس أخبر بما بلغه [ (6) ] . وقد روينا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة الضب قال: وأكل

_ [ (1) ]- أخرجه أحمد 3/ 52377/ 149، 156. [ (2) ]- أحمد 3/ 220 والحاكم 4/ 115، 116. [ (3) ]- ابن ماجة (3362) وانظر مسلم 1/ 142 والدارمي 2/ 108 والبخاري في الأدب المفرد (114) . [ (4) ]- أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1983 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 81 والذّهبي في الميزان (5183) . [ (5) ]- انظر سنن أبي داود في الطهارة باب (88) وابن ماجة (591) وأحمد (19216) وعبد الرزاق (1085) والطحاوي في المعاني 1/ 128. [ (6) ]- أخرجه البخاري 9/ 530 (5386) (5415) .

الثامن: في قصعته صلى الله عليه وسلم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الضب تقذرا، قال ابن عباس: وأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما ما أكل على مائدته، وفي هذا دليل على جواز الأكل على المائدة. ورواه الحارث بن أبي أسامة. الثامن: في قصعته صلى الله عليه وسلم. روى أبو الشيخ عن عبد الله بن بسر قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جفنة لها أربع حلق. وروى أبو داود وأبو بكر الشافعي عن عبد الله بن بشر رضي الله تعالى عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم شاة، والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: «اطبخوا هذه الشاة، وانظروا إلى هذا الدقيق فاخبزوه، واطبخوا وأثردوا عليه» ، قال: وكانت للنبي صلى الله عليه وسلّم قصعة يقال لها الغرّاء، يحملها أربعة رجال، فلما أصبح وسبّحوا سبحة الضحى أتي بتلك القصعة، والتقوا عليها فإذا أكثر الناس حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أعرابي ما هذه الجلسة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى جعلني عبدا كريما، ولم يجعلني جبارا عنيدا» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك لكم فيها» ، ثم قال: «خذوا فكلوا فو الذي نفسي بيده لتفتحن عليكم أرض فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم الله تعالى» [ (1) ] . التاسع: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في الطعام الحار. روى الطبراني بسند فيه راو لم يسم وبقيته بسند حسن عن جويرية رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الطعام الحار حتى يذهب فوره ودخانه [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه أعظم للبركة» [ (3) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح والبيهقي عن خولة بنت قيس رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت له خزيرة فقدمتها إليه. فوضع يده فيها فوجد حرها، فقبضها فقال: «يا خولة لا نصبر على حر ولا برد» ، وفي رواية فقربت له عصيدة في تور، فلما

_ [ (1) ]- وأخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 1/ 89، 7/ 310 وانظر الكنز (41707) وأبو داود في الأطعمة باب (18) وابن ماجة (3275) والحاكم 4/ 116. [ (2) ] انظر المجمع 5/ 19. [ (3) ]- أخرجه أحمد 6/ 350 والحاكم 4/ 118 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1344) والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 280 وانظر المجمع 5/ 19.

العاشر: في أكله صلى الله عليه وسلم ماشيا.

وضع يده فيها احترقت فقال: «حسّ» ثم قال: «إن ابن آدم إن أصابه حر قال حس، وإن أصابه برد قال: حس» [ (1) ] . وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتى بصحفة تفور فأسرع يده فيها، ثم رفع يده فقال: «إن الله عز وجل لم يطعمنا نارا» [ (2) ] . وروى أيضا في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه والدّيلمي في مسند الفردوس عن ابن عمرو الحاكم وصححه عن جابر، وعن أسماء، ومسدد عن أبي يحيى، وأبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبردوا بالطعام الحار، فإن الطعام الحار لا بركة فيه» [ (3) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينفخ في الطعام ولا في الشراب [ (4) ] . العاشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم ماشيا. روى الطبراني برجال الصحيح خلا ابن لهيعة وسنده حسن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا لبعض الأنصار فجعل يأكل الرطب فيأكل وهو يمشي وأنا معه [ (5) ] . وروى الحارث بن أبي أسامة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل قائما وقاعدا وينصرف عن يمينه وشماله. الحادي عشر: في كراهته صلى الله عليه وسلّم أن يشم الطعام - إن صح الخبر. روى ابن عدي بسند ضعيف عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كره شم الطعام وقال: «إنما يشم السباع» . الثاني عشر: في آلات أكله صلّى الله عليه وسلّم وأمره بتغطية الإناء وأكله على الأرض. روى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى

_ [ (1) ]- انظر المجمع 5/ 22. [ (2) ]- الطبراني في الصغير 2/ 58 وابن عساكر كما في التهذيب 10/ 391 وانظر المجمع 5/ 20. [ (3) ]- ذكره الهيثمي في المجمع وعزاه للطبراني في الأوسط وقال: فيه عبد الله بن يزيد البكري وقد ضعفه أبو حاتم المجمع 5/ 23. [ (4) ]- الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: فيه حفص بن سليمان الأسدي وهو متروك ونقل عن وكيع أنه قال فيه ثقة ولكنه ضعيف جدا. [ (5) ]- وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 28.

عنه قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على خوان، ولا في سكرجّة ولا خبز له مرقق، قال يونس فقلت لقتادة فعلام كان يأكل؟ قال على هذه السفرة [ (1) ] . وروى البخاري في تاريخه وأبو الشيخ عن فرقد رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت على مائدته. وروى الحارث بن أبي أسامة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أكل الضّبّ على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (2) ] . وروى أبو الشيخ عن عبد الله بن بسر قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جفنة لها أربع حلق. وروى النسائي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيدي إلى منزله، فلما انتهينا أخرجوا لنا طبقا عليه فلق من خبز قال: «ما من أدم؟» قالوا: لا شيء غير خل، قال: «نعم الأدم الخل» ، قال جابر رضي الله تعالى عنه: فما زلت أحبه منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (3) ] . وروى أبو داود عن عبد الله بن بسر قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال. وروى الإمام أحمد والشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها قالت: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر سفرة- في بيت أبي بكر- حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، فلم نجد لسفرته ولا لسقايته ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئا أربط به إلا نطاقي، قال: شقيه باثنين فاربطي بواحد السقاء، وبواحد السفرة، ففعلت ذلك، فلذلك سميت ذات النطاقين [ (4) ] . وروى أبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعب في الجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة فدعوناه فأكل معنا ولم يمس ماء [ (5) ] . وروى البزار بسند فيه عبد الله بن زيد وأبي عبيد البصري ومجّاعة البصري بنحو رجالهم، وبقية رجاله ثقات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا جاء إلى

_ [ (1) ]- البخاري (5386، 5415، 6450) . [ (2) ]- بنحوه عند البخاري (9/ 441، 5389) . [ (3) ]- وأخرجه مسلم 3/ 1622 (166/ 2052) والنّسائي في الإيمان باب (21) . [ (4) ]- أخرجه البخاري 9/ 440 (5388) . [ (5) ]- أخرجه أبو داود في الأطعمة باب (12) وأحمد (3/ 397) .

الثالث عشر: في تسميته صلى الله عليه وسلم عند إرادة الأكل وأمره بها، وقبضه يد من لم يسم عند الأكل.

رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: ضعه بالحضيض أو بالأرض [ (1) ] . وروى بسند ضعيف عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل على الأرض ويقول: أنا عبد آكل كما يأكل العبد. وروى أبو يعلى برجال ثقات عن جابر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن رجلا يقال له أبو حميد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإناء فيه لبن من النقيع نهارا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هلّا خمّرته؟ ولو أن تعرض عليه بعود» [ (2) ] . الثالث عشر: في تسميته صلى الله عليه وسلم عند إرادة الأكل وأمره بها، وقبضه يد من لم يسم عند الأكل. وروى الإمام أحمد عن رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعامه قال: «باسم الله» . وروى أبو الحسن بن الضحاك من طريق ميسرة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأكل طعاما، يسمي عند ثلاث لقم، عند كل لقمة مرة، ثم يمضي فيه حتى يأتي عليه. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه لو سمّى لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله فليقل: باسم الله أوله وآخره» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي رمثة وحبشي بن حرب رضي الله تعالى عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: «لعلكم تتفرقون» ، قالوا: نعم، قال: «اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله تبارك وتعالى يبارك لكم فيه» . وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن حذيفة [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال: كنا إذا

_ [ (1) ]- أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 225 وانظر المجمع 5/ 24 والمطالب (3855) . [ (2) ]- الحديث عن مسلم 3/ 593 (94/ 2011) (95/ 2011) . [ (3) ]- أخرجه أحمد 6/ 208، 246، 265 والدارمي 2/ 94 وأبو داود 4/ 139 (3767) والترمذي 4/ 288 (1858) والنسائي في عمل اليوم والليلة ص 261 (281) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 326 (1341) والحاكم وصححه 4/ 108. [ (4) ]- أخرجه أحمد 3/ 501 وأبو داود 4/ 138 (3764) وابن ماجة 2/ 1093 (3286) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 327 (1345) والحاكم في المستدرك 2/ 103.

الرابع عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم بثلاث أصابع - ولعقهن إذا فرغ، وأمره بلعق الصفحة - وبيده اليمنى، وأمره بذلك ودعائه على من أكل بشماله.

حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم طعاما لم يضع أحد منّا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، ولقد حضرنا معه مرة طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فذهب ليضع يده في الطعام فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يستحل الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه يستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء هذا الأعرابي يستحل به فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع أيديهما» [ (1) ] . الرابع عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم بثلاث أصابع- ولعقهن إذا فرغ، وأمره بلعق الصفحة- وبيده اليمنى، وأمره بذلك ودعائه على من أكل بشماله. روى البزار عن عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ويلعقهن إذا فرغ [ (2) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير محمد بن كعب بن عجرة، والحسين بن إبراهيم العامري وابن سعد وأبو بكر الشافعي عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث حين أراد أن يمسحها، قبل أن يمسحها، ويلعق الوسطى، ثم التي تليها، ثم الإبهام [ (3) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أكل لعق أصابعه، وقال: «آه لعق الأصابع بركة» . وروى مسلم وابن أبي شيبة وابن سعد وأبو بكر الشافعي عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها، ولفظ أبي بكر: يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها [ (4) ] . وروى عبد الرزاق عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم [ (5) ] كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث: الإبهام واللتين تليها. وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله

_ [ (1) ]- مسلم 3/ 1597 (102/ 2017) . [ (2) ]- ذكره الهيثمي في المجمع وأعله بعاصم بن عبيد الله 5/ 28. [ (3) ]- انظر المجمع 5/ 31. [ (4) ]- أخرجه مسلم 3/ 1605 (131/ 2032) . [ (5) ]- أخرجه البخاري 9/ 577 (5456) ومسلم 3/ 1605 (129/ 2031) (130/ 2031) .

تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها أو يلعقها» . وروى الطبراني برجال الصحيح غير المسيّب بن واضح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الصحفة. وروى أبو سعيد بن الأعرابي والحكيم التّرمذي عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل بثلاث أصابع، قال هشام بن عروة: الإبهام، والتي تليها، والوسطى. وروى أبو بكر الشافعي عن عبد الله بن عامر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أكل بثلاث أصابع، ويستعين بالرابعة. وروى مسلم والثلاثة والبرقاني في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث، وقال: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان» ، وأمر بسلت القصعة وقال: «إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» [ (1) ] . وروى ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل الطعام والإدام أكل بثلاث أصابع. وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى برجال ثقات عن حفصة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكله وشربه ووضوئه وثيابه وأخذه وعطائه، وكان يجعل شماله لما سوى ذلك [ (2) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله [ (3) ] . وروى الإمام مالك ومسلم واللفظ له عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة، أو يشتمل بالعمامة أو يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه [ (4) ] .

_ [ (1) ]- أخرجه مسلم 3/ 1607 وأخرجه من حديث جابر رضي الله عنه (135/ 2033) . [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 288. [ (3) ]- أخرجه مسلم 3/ 1598 (105/ 2020) . [ (4) ]- أخرجه مسلم 3/ 1598.

الخامس عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم مما يليه إذا كان جنسا واحدا ونهيه عن مخالفة ذلك في الطعام، وعن الأكل من وسط القصعة.

وروى الإمام أحمد وابن ماجة واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليأكل أحدكم بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه، وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، ويأخذ بشماله، ويعطي بشماله» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد ومسدّد عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد رحمهما الله تعالى أن امرأة منهم قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل بشمالي، وكنت امرأة عشراء فضرب يدي، فسقطت اللقمة فقال: «لا تأكلي بشمالك، قد أطلق الله عز وجل لك يمينك، فتحول شمالي يمينا» ، فما أكلت بها بعد [ (2) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه أن رجلا يسمى بسر بن راعي العير أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع قال: «لا استطعت» - ما منعه إلا الكبر- فما رفعها إلى فيه [ (3) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن حمزة بن عمر الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم طعاما فقال: «كل بيمينك، وكل مما يليك، واذكر اسم الله» [ (4) ] . الخامس عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلم مما يليه إذا كان جنسا واحدا ونهيه عن مخالفة ذلك في الطعام، وعن الأكل من وسط القصعة. روى الستة عن عمرو بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنهما قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام سم اسم الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي» [ (5) ] . وروى التّرمذي- واستغربه- وابن ماجة عن عبد الله بن عكراش بن ذؤيب عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى بيت أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: «هل من طعام» فأوتينا بجفنة كثيرة الثّريد والودك فأكلنا منها، فخبطت بيدي في نواحيها، وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى، ثم قال: «يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد» ، فأوتينا بطبق فيه ألوان التمر أو الرطب

_ [ (1) ]- أخرجه ابن ماجة (3266) وابن عدي في الكامل (6/ 2305) . [ (2) ]- أخرجه أحمد 4/ 5269/ 380 وانظر المجمع 5/ 26. [ (3) ]- أخرجه مسلم 3/ 1599 (107/ 2021) وهذا الرجل هو بسر بن راعي العير الأشجعي كما ذكر ذلك النووي نقلا عن ابن مندة وأبي نعيم الأصبهاني وابن ماكولا وآخرين وهو صحابي مشهور. [ (4) ]- انظر المجمع 5/ 29. [ (5) ]- أخرجه البخاري 9/ 521 (5376) ومسلم 3/ 1599 (108/ 2022) .

السادس عشر: في قطعه صلى الله عليه وسلم اللحم بالسكين.

- شك عبد الله- فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الطبق فقال: «يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد» [ (1) ] . وروى الطبراني عن الحكم الغفاري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع يده في القصعة أو في الإناء لم تجاوز أصابعه موضع كفه [ (2) ] . وروى البزار عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل الطعام لا تعدو يده ما بين عينيه إلى ما بين يديه، فإذا أتى بتمر جالت يده [ (3) ] . وروى أبو بكر الشافعي وابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل الطعام مما يليه، فإذا جيء بالتمر جالت يده. وروى الطبراني برجال ثقات عن سلمى رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يأخذ من رأس الطعام [ (4) ] . السادس عشر: في قطعه صلى الله عليه وسلّم اللحم بالسكين. روى البخاري عن عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه أن أباه أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحتزّ من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين الذي يحتز بها، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوي، فأخذ الشفرة فجعل يحزّ لي منه، فجاء بلال رضي الله تعالى عنه يؤذنه بالصلاة، فألقى الشفرة وقال: ما له تربت يداه، وقام يصلي وكان شاربي وفاء، فقصه لي على سواك، أو قال أقصه لك على سواك [ (6) ] . السابع عشر: في إخراجه صلى الله عليه وسلّم السوس من التمر حين أراد أكله. وروى أبو داود وابن ماجة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بتمر عتيق، فجعل يفتّشه بإصبعه يخرج السوس منه [ (7) ] .

_ [ (1) ]- أخرجه الترمذي 4/ 283 (1848) وقال حديث غريب وابن ماجة 2/ 1089 (3274) . [ (2) ]- انظر المجمع 5/ 30 وقال فيه النعمان بن شبيل وهو ضعيف. [ (3) ]- قال الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل وهو متروك. المصدر السابق. [ (4) ]- انظر المجمع 5/ 30. [ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 311 (208) (5408) ومسلم 1/ 274 (93/ 355) . [ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 252 وأبو داود 1/ 131 (188) والترمذي في الشمائل ص 79 حديث (168) والنسائي كما في التحفة 8/ 492. [ (7) ] أخرجه أبو داود 4/ 174 (3832) وابن ماجة 2/ 1106 (3333) .

الثامن عشر: في كيفية إلقائه صلى الله عليه وسلم نوى التمر.

الثامن عشر: في كيفية إلقائه صلى الله عليه وسلّم نوى التمر. روى مسلم والترمذي والنّسائي عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي، فقربنا إليه طعاما ورطبا فأكل منهما [ (1) ] . التاسع عشر: في أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن لينفخ في الطعام والشراب ونهيه عن ذلك. روى الطبراني وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الإناء [ (2) ] . العشرون: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن القران في التمر. روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين تمرتين إلا أن يستأذن أصحابه، قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما [ (3) ] . الحادي والعشرون: في نهيه صلّى الله عليه وسلم أن يقام عن الطعام حتى يرفع. روى ابن ماجة والبيهقي في الشعب، وقال: أنا أبرأ من عهدته عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يقام عن الطعام حتى يرفع [ (4) ] . وروى أيضاً بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا وضعت المائدة فليأكل الرجل مما يليه، ولا يأكل مما بين يدي جليسه ولا من ذروة القصعة، فإنما تأتيه البركة من أعلاها، ولا يقوم رجل حتى ترفع المائدة، ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم، وليعذر، فإن ذلك يخجل جليسه، فيقبض يده، وعسى أن تكون له في الطعام حاجة» . الثاني والعشرون: في عرضه صلّى الله عليه وسلّم الطعام على نسوة. وروى ابن ماجه عن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله تعالى عنهما قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بطعام فقلنا لا نشتهيه، فقال: «لا تجمعن كذبا وجوعا» . الثالث والعشرون: في قوله صلى الله عليه وسلم لمن تجشّأ عنده: «اكفف عنا جشاءك» . روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: تجشأ رجل عند

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1615 (146/ 2042) . [ (2) ] انظر المجمع 5/ 23. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 131 (2489) ومسلم 3/ 1617 (151/ 2045) . [ (4) ] ضعيف أخرجه ابن ماجة (3294) .

الرابع والعشرون: في أمره صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب الذي يقع في الطعام فيه.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة» [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير محمد بن خالد الكوفي بنحو رجاله عن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه قال: أكلت ثريدة بلحم سمين فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشّأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اكفف عنا جشاءك، أبا جحيفة فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة» ، فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا، وكان إذا تغذى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغذى [ (2) ] . الرابع والعشرون: في أمره صلى الله عليه وسلّم بغمس الذباب الذي يقع في الطعام فيه. روى البخاري وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء» [ (3) ] . وروى الطبراني والإمام أحمد والنّسائي وأبو يعلى والحاكم والضياء عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فيه، فإن في أحد جناحيه سما، وفي الآخر شفاء، وإنه يقدم السم، ويؤخر الشّفاء» [ (4) ] . وروى ابن حبّان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فيه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء، وإنه يبقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله، ثم لينزعه» [ (5) ] . الخامس والعشرون: في أنه لم يكن يذم طعاما. روى الخمسة والشيخان والحارث بن أبي أسامة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله، وإلا تركه [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2478) والرازي في العلل (1861) وابن ماجة (3350) . [ (2) ] انظر المجمع 5/ 31 وانظر الميزان للذهبي (9391) وابن حجر في اللسان 6/ 794. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 250 (5782) وأحمد 3/ 340 وأبو داود (3844) . [ (4) ] أخرجه الطيالسي في المسند ص 291 (2188) وأحمد 3/ 67 وابن ماجة 2/ 1159 (3504) . [ (5) ] انظر المصادر السابقة. [ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 547 (5409) ومسلم 3/ 1632 (187/ 2064) .

السادس والعشرون: في أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم.

وروى الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه. وروى الترمذي في الشّمائل عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذم ذواقا ولا يمدحه، أي كان لا يصف الطعام بطيب أو فساد، إن كان فيه والله أعلم. السادس والعشرون: في أكله صلّى الله عليه وسلم مع المجذوم. روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة وقال: «كل ثقة بالله تعالى، وتوكّلا عليه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم والبيهقي عن الشّريد بن سويد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنا قد بايعناك» . السابع والعشرون: في أكله مع امرأة من غير زوجاته في إناء واحد. روى البخاري في الأدب عن أم صبيّة خولة بنت قيس رضي الله تعالى عنها قالت: اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في إناء واحد والله أعلم. الثامن والعشرون: في امتناعه صلّى الله عليه وسلم من استعمال الجمع بين أدمين. روى الطبراني برجال ثقات غير محمد بن عبد الكبير بن شعيب بنحو رجاله عن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإناء أو قعب فيه لبن وعسل فقال: «أدمان في إناء لا آكله ولا أحرّمه» [ (2) ] . التاسع والعشرون: في أمره صلى الله عليه وسلّم بالائتدام. روى الطبراني برجال ثقات غير عزيز بن سفيان بنحو رجاله عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ائتدموا ولو بالماء» [ (3) ] . الثلاثون: في غسل اليد والفم قبل الطعام وبعده. روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: قرأت في

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 239 (3925) والترمذي 4/ 266 (1817) وابن ماجة 2/ 1172 (3542) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 346 (1433) . [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 122 وانظر المجمع 5/ 34 والسيوطي في اللآلي 2/ 128. [ (3) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 7/ 340 وانظر الكنز (40987) .

الحادي والثلاثون: في مسحه صلى الله عليه وسلم يديه بالحصباء بعد فراغه من الطعام.

التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال: «بركة الطعام بالوضوء قبله والوضوء بعده» [ (1) ] . وروى ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا معه فلما طعم غسل يده أو قال يديه. وروى الترمذي وابن ماجة وأبو بكر الشافعي عن عكراش بن ذؤيب رضي الله تعالى عنه أنه أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثريدا كثير الودك ثم أكل عقبه تمرا، قال: ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم مسح ببل كفيه ووجهه وذراعيه ورأسه. وروى ابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه، وإذا رفع» [ (2) ] المراد بالوضوء هنا: غسل اليدين فقط. وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم كتف شاة فمضمض وغسل يديه. الحادي والثلاثون: في مسحه صلى الله عليه وسلّم يديه بالحصباء بعد فراغه من الطعام. روى الشيخان وابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الوضوء مما مست النار قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم وقليلا ما نجد الطعام، فإذا وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفّنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ. الثاني والثلاثون: فيما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أكله. روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي في الشّمائل وابن ماجة والنسائي في عمل اليوم والليلة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه، وفي لفظ: إذا أكل أو شرب قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وأسقانا، وجعلنا مسلمين» [ (3) ] . وروى أبو داود والنسائي عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أو شرب قال: «الحمد لله الذي أطعم، وسقى وسوّغه وجعل له مخرجا» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان والأربعة عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 441 وأبو داود 4/ 136 (3761) والترمذي 4/ 281 (1846) والحاكم 4/ 106- 107. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3260) وابن عدي في الكامل 6/ 2084. [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 32، 98 وأبو داود 4/ 187 (3850) والترمذي 5/ 508 (3456) وفي الشمائل ص 89 (193) والنّسائي في عمل اليوم والليلة ص 265 وابن ماجة 2/ 1092 (3283) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 187 (3851) والنسائي في عمل اليوم والليلة ص 264 (285) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 329 (1351) .

الثالث والثلاثون: فيما كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا أكل عند أحد.

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه» ، وفي رواية: «الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفي، ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: «اللهم أطعمت وأسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت» [ (2) ] . وروى البزار عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، الحمد لله الذي كفانا وآوانا، الحمد لله الذي أنعم علينا وأفضل، أسألك برحمتك أن تجيرنا من النار» [ (3) ] . وروى الطبراني عن الحارث بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند فراغه من طعامه: «اللهم لك الحمد، أطعمت وسقيت، وأرويت، لك الحمد غير مكفور، ولا مودّع، ولا مستغنى عنك ربنا» [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة والبزار عن أبي سلمة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا فرغ من طعامه: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، الحمد لله الذي كفانا وآوانا، والحمد لله الذي أنعم علينا وأفضل، نسأله برحمته أن يجيرنا من النار، فربّ غير مكفيّ لا يجد منقلبا ولا مأوى» [ (5) ] . وروى النّسائي والحاكم وابن عدي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: دعا رجل من الأنصار أهل قباء رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا، فلما طعم وغسل يديه قال: «الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله الذي غير مودّع ربي، ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العري، وهدانا من الضلال، وبصّرنا من العمى، وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا، الحمد لله رب العالمين» [ (6) ] . الثالث والثلاثون: فيما كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا أكل عند أحد.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 581 (5458) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 62، 327 وابن السني (459) . [ (3) ] انظر المجمع 5/ 29. [ (4) ] الطبراني في الكبير 3/ 304 وعبد الرزاق في المصنف (2842) وانظر المجمع 5/ 29. [ (5) ] انظر المجمع 5/ 29. [ (6) ] أخرجه معمر بن راشد في الجامع 10/ 381 (19425) وأحمد 3/ 138 والبيهقي 7/ 287.

تنبيهات

روى أبو داود عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه فجاء بخبز وزيت فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما قال: نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث. وفيه فقال أبي: ادع لنا، فقال: «اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم» [ (2) ] . تنبيهات الأول: اختلف في إنكار سيدنا جبريل الأكل متكئا فقال القاضي عياض في الشّفاء رحمه الله تعالى: التمكن للأكل، والتقعد للجلوس له كالتّربع وشبهه من تمكّن الجلسات التي يعتمد فيها الجالس على ما تحته قال: والجالس على هذه الهيئة يستدعي الأكل ويستكثر منه، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان جلوسه للأكل جلوس المستوفز مقعيا، قال: وليس معنى الحديث في الاتكاء الميل على شق عند المحققين، وبما فسر به الاتكاء حكاه في الإكمال عن الخطّابي وقال: إنه خالف في هذا التأويل أكثر الناس، وإنهم إنما حملوا الاتكاء على أنه الميل على أحد الجانبين انتهى، وبهذا جزم ابن الجوزي رحمه الله تعالى، وعبارة ابن الأثير: المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا، والعامة لم تعرف المتّكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه، ثم قال: ومن فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب أهل الطب، قال ابن القيم: وهو يضر بالآكل، فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي على هيئته، ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة بضغط المعدة، فلا تستحكم فتحها للغذاء، وأما الاعتماد على الشيء فهو من جلوس الجبابرة المنافي للعبودية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلّم: «آكل كما يأكل العبد» ، فإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس كما نقل عن الخطّابي فيكون المعنى: أني إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوطئة والوسائد كفعل الجبابرة، ومن يريد الإكثار من الأكل لكن آكل بلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا. وفي حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع، وفي رواية وهو محتفز. رواه مسلم. والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن.

_ [ (1) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1352) وابن السني (479) والحاكم 1/ 546 وأبو نعيم في الحلية 6/ 242. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3854) وابن ماجة (1747) وأحمد 3/ 118 وعبد الرزاق (7907) وابن حبان الموارد (1353) وأبو نعيم في الحلية 3/ 72 وابن أبي شيبة 3/. 100

واختلف السلف رحمهم الله تعالى في كراهة الأكل متمكنا: قال الخطّابي: إذا ثبت كونه مكروها أي خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو يجلس وينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في الهدى: ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس متورّكا على ركبتيه، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر اليمنى تواضعا لله تعالى، وأدبا بين يديه، قال: وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه انتهى. الثاني: قال ابن القيّم: في كونه صلى الله عليه وسلّم يأكل بثلاث أصابع، وهذا أنفع ما يكون في الأكلات فإن الأكل بالأصبع الواحدة من أكل التكبر، ولا يستلذ به الآكل ولا يمريه ولا يسيغه إلا بعد طول، ولا يفرج آلات الطعام والمعدة بما ينويها في كل أكلة، فيأخذها على إغماض، كما يأخذ الرجل حقه حبة حبة أو نحو ذلك، فلا تلتذ بأخذه، والأكل بالخمسة والراحة يوجب ازدرام الطعام على آلاته، وعلى المعدة، وربما اشتدت الآلات فمات، وتغصب الآلات على دفعه، والمعدة على احتماله، ولا تجد له لذة ولا استمراء، فأنفع الأكل أكله صلّى الله عليه وسلّم وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث، ولا عبرة بكراهة الجهال للعق الأصابع استقذارا، نعم لو كان ذلك في أثناء الأكل فينبغي اجتنابه، لأنه يعيد أصابعه، وعليها أثر ريقه، قلت: وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، ووقع عند سعيد بن منصور عن ابن شهاب مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل يأكل بخمس، فيجمع بينه وبين ما تقدم باختلاف الحال. الثالث: قول أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط: قال في زاد المعاد: كان صلى الله عليه وسلم لا يرد موجودا، ولا يتكلف مفقودا، وما قرب إليه شيء من الطعام إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم، ولا عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، ولم يكن من عادته صلى الله عليه وسلّم حبس نفسه الشريفة على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى غيره، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدا، ولو أنه أطيب، بل كان صلى الله عليه وسلّم يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم والفاكهة والخبز والتمر كما سيأتي، وكان صلى الله عليه وسلّم يراعي صفات الأطعمة، وطبائعه، واستعماله على قاعدة الطب فإذا كان في أحد الطعامين ما يحتاج إلى كسر وتعديل كسره وعدله بضده إن أمكن، كتعديله حرارة الرطب بالبطيخ كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، ولم تكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم، ولم تكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا.

الرابع: في بيان غريب ما سبق: القاحة: بقاف فألف فحاء مهملة مفتوحة فتاء تأنيث. الأرنب: معروف يقال للذكر والأنثى. الذريع: بذال معجمة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية فعين مهملة: السريع. الإقعاء: بكسر الهمزة وسكون القاف وعين مهملة: أن يلزق الرجل إلييه بالأرض، وينصب ساقيه ويضع يديه بالأرض كما يقعي الكلب، وفسره الفقهاء رحمهم الله تعالى بأن يضع إلييه على عقبيه بين السجدتين، قال أبو عبيدة والأول هو الأولى. الفور: بفاء مفتوحة فواو ساكنة فراء: وهجها وغليانها. الخزيرة: بخاء معجمة مفتوحة، ثم زاي مكسورة، وبعد التحتية الساكنة راء: ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة، لكنه أرق قاله الطبري، وقال ابن فارس: دقيق يخلط بشحم، وقال العتبي وتبعه الجوهري: أن يؤخذ اللحم فيقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق، فإن لم يكن لحم فهي عصيدة وقيل مرقة تصفى من سلالة النّخالة، وقيل الخزيرة بالإعجام من العجين والنّخالة، وبالإهمال من اللبن. حسّن: بحاء مفتوحة فسين مهملتين: توجع. الخوان: ما يؤكل عليه معرب وفيه ثلاث لغات كسر الخاء وهي أكثر، وضمها، وإخوان بهمزة مكسورة، قال الحكيم الترمذي: وهو شيء محدث فعلته الأعاجم، وكانت العرب يأكلون على السّفر واحدها سفرة، وهي التي تتخذ من الجلود، ولها معاليق تنضم، وتنفرج بالانفراج، سميت سفرة لأنها إذا حلّت معاليقها انفرجت، وأسفرت عما فيها فقيل سفرة. السّكرّجة: بسين مهملة، فكاف مضمومتين، فراء مشددة مفتوحة، فجيم، فتاء تأنيث: إناء صغير نأكل فيه بشيء من الأدم، لأنها أوعية الأصباغ، وهي الألوان ولم يكن من شأنهم الألوان، إنما كان طعامهم الثّريد عليها مقطّعات اللحم. ولا خبز مرقّق: بميم مضمومة فراء فقافين: أي لأن عامة خبزهم كان الشعير، وإنما يتخذ الرّقاق من دقيق البرّ، وقلّ ما يمكن اتخاذه من الشعير. المائدة قال في الصحاح: ماده ميدا أعطاه والمائدة مشتقة من ذلك، وهي فاعلة بمعنى مفعولة لأن المالك مادها للناس أي أعطاهم إياها، وقيل مشتقة من ماد يميد إذا تحرك، فهي فاعلة على الباب.

قال الحكيم الترمذي رحمه الله تعالى: المائدة كل شيء يمد ويبسط مثل المنديل والثوب والسفرة، نسب إلى فعله فقيل مائدة، وكان حقه أن يكون مادّة- الدال مضاعفة فجعلوا إحدى الدالين ياء فقيل مايدة، والفعل واقع به، وكان ينبغي أن يكون ممدودا، ولكن خرج مخرج فاعل، كما قالوا: سرّ كاتم، وهو مكتوم، وعيشة راضية وهي مرضيّة. السّقاء: بسين مهملة مكسورة فقاف فألف فهمزة: ظرف الماء من الجلد. النّطاق: بنون فطاء فألف فقاف وتقدم تفسيره أوائل الكتاب. الشّعب: بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة. التّرس: بمثناة فوقية مضمومة فراء ساكنة فسين مهملة: معروف واحد الأتراس. الحضيض: بحاء مهملة مفتوحة فضادين معجمتين بينهما تحتية ساكنة: قرار الأرض، وأسفل الجبل. الصّحفة: بصاد مهملة مفتوحة فحاء ساكنة ففاء فتاء تأنيث: إناء كالقصعة المبسوطة. الوطيئة: بالياء المثناة التحتية والهمزة بوزن سفينة يأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى. الجشاء: بجيم مضمومة فشين معجمة فألف فهمزة: تنفس المعدة. الذوّاق: بذال معجمة: ما يذاق باللسان. المنديل: الأكف: بهمزة مفتوحة فكاف مضمومة ففاء جمع كف وهو اليد أو إلى الكوع. الساعد: بسين مهملة فألف فعين فدال مهملتين: الذراع والله تعالى أعلم.

الباب الثاني في صفة خبزه وأمره بإدام الخبز، ونهيه عن إلقائه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في صفة خبزه وأمره بإدام الخبز، ونهيه عن إلقائه صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كنت جالسا في ظل داري فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأشار إليّ فأتيته فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه: زينب بنت جحش أو أم سلمة رضي الله تعالى عنهما، فدخل ثم أذن لي فدخلت، وعليها الحجاب، فقال: «هل من غذاء؟» قالوا: ثلاثة أقرصة من شعير فوضعت على شيء، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ الآخر فوضعه بين يدي، ثم أخذ الثالث فكسره ثنتين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه الآخر بين يدي، وذكر الحديث [ (1) ] . وروى ابن ماجة والحكيم التّرمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم البيت فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: «يا عائشة أحسني جوار نعم الله، فإنها قلّ ما نفرت عن أهل بيت فكادت ترجع إليهم» ، وفي رواية: «عن قوم فعادت إليهم» [ (2) ] . وروى الطبراني عن أبي سكينة [ (3) ] والبزار والطبراني عن عبد الله بن أم حرام أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «أكرموا الخبز، زاد أبو سكينة: فإن الله تعالى أكرمه، فمن أكرم الخبز أكرمه الله تعالى، زاد عبد الله: فإن الله تعالى أنزله من بركات السماء وسخر له بركات الأرض، ومن يتبع ما يسقط من السفرة غفر له» [ (4) ] . وروى البزار بسند ضعيف والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه» [ (5) ] . قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أحد رواته: سمعت بعض أهل العلم يفسرها قال: هنا تصغير الأرغفة، وقال في النهاية وحكي عن الأوزاعي أنه تصغير الأرغفة. روى البخاري والترمذي عن سهل بن سعد أنه قيل له: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبز

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الأشربة (169) وابن ماجة (3318) وانظر المجمع 5/ 36. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (353) وضعفه البوصيري وذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة 2/ 236 وانظر الكنز (6455) وكشف الخفاء 1/ 194. [ (3) ] أبو سكينة مصغرا وقيل بفتح أوله، ذكره عبد الصمد بن سعيد فيمن نزل حمص من الصحابة وقال اسمه محلم بن سوار الإصابة 7/ 88. [ (4) ] أخرجه البخاري في التاريخ 8/ 12 وذكر الفتني في تذكرة الموضوعات (144) وابن الجوزي في الموضوعات 2/ 290، 291 والحاكم 4/ 122 وانظر المجمع 5/ 34. [ (5) ] انظر المجمع 5/ 38.

تنبيه:

النقي؟ فقال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم النقي حتى لقي الله، فقيل: هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كانت لنا مناخل، قيل: كيف كنتم تصنعون بالشعير؟ قال: كنا ننفخه فيطير منه ما يطير ثم نعجنه [ (1) ] . وروى الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبزا مرقّقا [ (2) ] . وروى أبو داود والترمذي في الشمائل عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال: «هذه أدم هذه» ، وروى ابن سعد عن سهل بن سعد أنه أهدي له صحفة نقي يعني حوّاري فقال: ما هذا؟ إن هذا الطعام ما رأيته، قيل: ما كان يأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، ولا رآه بعينه، إنما كان يطحن له الشعير، فينفخ نفختين، ثم يوضع فيأكله. وروى أيضا عن سلمى قالت: ما كان لنا مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كنا ننسف الشعير إذا نسفنا نسفا. وروى أيضا عن أم رومان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كانوا يأكلون الشعير غير منخول والله تعالى أعلم. تنبيه: قال شيخنا أبو الفضل أحمد بن الخطيب رحمه الله تعالى: قد تتبعت هل كانت أقراص خبزه صلى الله عليه وسلّم صغارا أم كبارا؟ فلم أجد في ذلك شيئا بعد الفحص، وأما حديث صغّروا الخبز، وأكثروا عدده يبارك لكم فيه فرواه الدّيلمي وسنده واه والله أعلم [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 549 (5413) وأحمد 5/ 332. [ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 575 (3259) (3830) والترمذي في الشمائل ص 86 (185) . [ (3) ] ذكره السيوطي في اللآلئ 2/ 117 وابن الجوزي في الموضوعات 2/ 292 وانظر تنزيه الشريعة 2/ 245 والأسرار المرفوعة 150، 151، 232 والتذكرة للفتني 143.

الباب الثالث فيما أكله صلى الله عليه وسلم من لحوم الحيوانات

الباب الثالث فيما أكله صلّى الله عليه وسلم من لحوم الحيوانات وفيه أنواع: الأول: في أكله لحم الشاة وما كان يختاره من الأعضاء. روى البخاري والترمذي في الشمائل- وصححه-، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها. وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذراع ذراع الشاة، وكان يعجبه الذراع [ (1) ] . وروى البزار برجال ثقات عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تذبح شاة فيقسمها بين الجيران قال: فوزعها بين الجيران، ورفعت الذراع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان أحب الشاة إليه الذراع، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ما بقي عندنا منها إلا الذراع، قال: «بقي كلها إلا الذراع» [ (2) ] . وروى الترمذي- وحسنه- عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان الذراع أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يجد اللحم إلا غبّا وكان يعجل إليه لأنه أعجله نضجا [ (3) ] . وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الكتف [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: ما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لحم قط إلا أجاب، ولا أهدي له لحم إلا قبله [ (5) ] . وروى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بلحم بقر فقيل: هذا ما تصدق به على بريرة فقال: «هو لها صدقة ولنا هدية» [ (6) ] . وروى عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأتى بلحم فجعل القوم يلقمونه اللحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أطيب اللحم لحم الظهر» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في الأطعمة باب (21) . [ (2) ] انظر ابن القيسراني (562) . [ (3) ] أخرجه الترمذي (1839) . [ (4) ] انظر اتحاف السادة المتقين 7/ 120 وانظر الكنز (18169) . [ (5) ] ضعيف أخرجه ابن ماجة 2/ 1099 (3305) . [ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 404 (5279) ومسلم 2/ 1144 (14/ 1504) . [ (7) ] أخرجه ابن ماجة (3308) وأحمد 1/ 204، 205 والحاكم 4/ 111 وانظر المجمع 9/ 170 والحميدي (539) .

الثاني: في أكله صلى الله عليه وسلم القديد.

وروى الحاكم والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قدمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم عناقا فنظر إلي وقال: «قد علمت حبنا اللحم» . وذكر الحديث. وروى أبو نعيم عن أنس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قالا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراعان والكتف [ (1) ] . وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقدّمها [ (2) ] . وروى الشيخان والحميدي عن عمر بن أمية أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحتز من كتف شاة في يده، يأكل منها، فدعي إلى الصلاة فألقاها، وألقى السكين التي كان يحتز بها، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ. وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي عن ضبيعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنها، أنها ذبحت في بيتها شاة، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أطعمينا من شاتكم، فقالت للرسول: ما بقي عندنا إلا الرقبة، وإني لأستحي أن أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالرقبة، فرجع الرسول فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «ارجع إليها فقل: أرسلي بها فإنها هادية الشاة، وأقرب الشاة إلى الخير وأبعدها من الأذى» [ (3) ] . الثاني: في أكله صلّى الله عليه وسلّم القديد. روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لطعام صنعه، فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقرب إليه خبزا من شعير، ومرقا فيه دبّاء وقديد [ (4) ] . وروى النسائي عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحوم الأضاحي، قالت: كنا نخبئ الكراع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا ثم يأكله [ (5) ] . وروى ابن ماجه عنها قالت: لقد كنا نرفع الكراع فيأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خمسة عشر يوما من الأضاحي [ (6) ] . وروى أبو الشيخ عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أكلنا القديد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (18171) . [ (2) ] انظر المجمع 5/ 36. [ (3) ] أحمد في المسند 6/ 361. [ (4) ] أخرجه البخاري 4/ 318 (2092) (5379، 5436) ومسلم 3/ 1615 (144/ 2041) . [ (5) ] أخرجه النسائي 7/ 236. [ (6) ] أخرجه الترمذي (1511) .

الثالث: في أكله صلى الله عليه وسلم الشواء.

وروى الأربعة عن رجل قال: ذبحت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون، فقال: «أصلح لحمها، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة» [ (1) ] . الثالث: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الشّواء. روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي في الشمائل عن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله تعالى عنه قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد لحما قد شوي، فمسحنا أيدينا بالحصباء، ثم قمنا نصلي ولم نتوضأ [ (2) ] . وروى أبو يعلى والنسائي في الكبرى عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: أمر أبي بحريرة فصنعت، ثم أمرني فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيته وهو في المسجد، فقال لي: «ماذا معك يا جابر؟ ألحم ذا؟» قلت: لا، فأتيت أبي، فقال: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قلت: نعم، قال لي: يا جابر ألحم ذا؟ قال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اشتهى اللحم، قال: فأمر بشاة لنا داجن فذبحت ثم أمر بها فشويت، ثم أمرني، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «ماذا معك يا جابر؟» فأخبرته، فقال: «جزى الله تعالى الأنصار عنا خيرا ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما» . وروى الشيخان والنسائي عن أبي رافع رضي الله تعالى عنه قال: أشهد لكنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ. وروى الترمذي- وحسنه- عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة وما توضأ. وروى عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: ضفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّبها منه، فجاء بلال رضي الله تعالى عنه فأذنه بالصلاة، فألقى الشّفرة وقال: «ما له تربت يداه» . الرابع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم لحم الجزور. روى النّسائي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان علي رضي الله تعالى عنه قدم بهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الهدي الذي قدم به صلى الله عليه وسلم، وعلى رضي الله تعالى عنه من اليمن مائة بدنة، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا وستين، ونحر علي رضي الله تعالى عنه سبعا وثلاثين، وأشرك عليا رضي الله تعالى عنه في بدنة، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في الضحايا باب (11) والحاكم في المستدرك 4/ 230 وهو عند مسلم في الأضاحي (35، 36) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1097 (3300) (3311) .

الخامس: في أكله صلى الله عليه وسلم سمك البحر المالح.

قدر فطبخت، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعلي رضي الله تعالى عنه من لحمها وشربا من مرقها [ (1) ] . الخامس: في أكله صلّى الله عليه وسلّم سمك البحر المالح. روى الشيخان وابن أبي عمر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: غزونا جيش الخبط وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه فجعنا جوعا شديدا فألقى لنا البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر، فقال أبو عبيدة: كلوا منه فأكلنا وادّهنّا، وأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته، وكان يجلس النفر الخمسة في موقع عينيه، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «كلو رزقا أخرجه الله تعالى لكم، وأطعمونا، إن كان معكم» ، فأتاه بعضهم بشيء فأكله. وروى الدارقطني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: غزونا فجعنا حتى إنا لنقسم التمر التمرة والتمرتين، فبينا نحن على شط البحر إذ رمى البحر بحوت ميتة، فاقتطع الناس ما شاءوا من شحم لحم، وهو مثل الظّرب فبلغني أن الناس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخبروه فقال لهم: «معكم منه شيء؟» فقالوا: نعم، فأعطوه منه فأكله. السادس: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الجراد. روى الخمسة وأبو نعيم في الطب وابن حبان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبع غزوات أو ست غزوات فكنا نأكل معه الجراد [ (2) ] . وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبعثني فألتقط لهن الجراد فيقلينه بالزيت ثم يطعمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. السابع: فيما جاء في لحم الفرس. روى الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أنهم نحروا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأكلنا نحن، وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الثامن: في أكله صلّى الله عليه وسلّم لحم الدجاج. روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل لحم الدّجاج [ (3) ] .

_ [ (1) ] سيأتي في الحج. [ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 620 (5495) ومسلم 3/ 1546 (52/ 1952) . [ (3) ] أخرجه البخاري 9/ 645 (5517) ومسلم 3/ 1270 (9/ 1649) .

التاسع: في أكله صلى الله عليه وسلم لحم الحبارى.

وروى ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما، ثم يأكلها بعد ذلك. وروى أبو الحسن بن الضحاك عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل الدجاج حبسه ثلاثة أيام. وروى الشيخان عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل لحم الدجاج. التاسع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم لحم الحبارى. روى أبو داود والتّرمذي والبيهقي والمحاملي وابن عدي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحم حبارى [ (1) ] . وروى الدارقطني في الإفراد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: بعثتني أمي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بطير مشوي، ومعه أربعة أرغفة، فأتيته به فقال: «يا أنس ادع لنا من يأكل معنا من هذا الطير» ، فذكر الحديث، ويأتي في مناقب علي رضي الله تعالى عنه، قال أبو الحسن ابن الضحاك: قد ذكر عن أنس أن الطير كان حبارى مفسرا ولم يرد هنا مفسرا. العاشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الأرنب. روى الستة عن أنس رضي الله تعالى عنه نفجنا أرنبا بمر الظّهران فسعى القوم فلغبوا، فأدركتها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها بمروة وشويتها فبعث معي أبو طلحة بعجزها، وفي لفظ بوركها، وفي لفظ بفخذها، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقبلها، ولفظ البخاري- في الهبة- فأكلها. وفي لفظ: فأكله، قيل له: أكله؟ قال: «قبله» [ (2) ] . وروى الدّارقطني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أرنب وأنا نائمة، فخبأ لي منها العجز، فلما قمت أطعمني. روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأرنب وأنا جالس، فلم يأكلها، ولم ينه عنها، وذكر أنها تحيض [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن خزيمة بن جزء رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله ما تقول في الأرنب؟ قال: «لا آكله، ولا أحرمه» ، قلت: فإني آكل ما لم تحرم، قلت: ولم يا رسول الله؟

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 155 (2797) والترمذي 4/ 272 (1828) . [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 202 (2572) ومسلم 3/ 1547 (53/ 1953) . [ (3) ] أبو داود (3792) .

الحادي عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم الحجل.

قال: «إن لها دما وقال في زاد المعاد:» أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحبارى ولحم حمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر [ (1) ] . الحادي عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الحجل. روى الترمذي والحاكم، وصححه، وابن السّني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حجل مشوي فقال: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير» ، فجاء علي رضي الله تعالى عنه فأكل منه [ (2) ] . الثاني عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم لحم شاة من الأروي. روى أبو إسحاق المذكي في أماليه انتقاء الدارقطني عن حازم رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيد صدته: شاة من الأرويّ فأهديتها إليه فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل منها وكساني عمامة عدنيّة وقال لي: «ما اسمك؟» قلت: حازم، قال: «لست بحازم، ولكنك مطعم» . الثالث عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم لحم حمار الوحش. روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: كنت جالسا مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل بطريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم، فأبصروا حمارا وحشيا، وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، فالتفت فأبصرته، فقمت إلى الفرس، فأسرجته: ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء، فغضبت، فنزلت، فأخذتهما، ثم ركبت وشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكّوا في أكلهم إياه وهو حرم فرحنا، وخبأت العضد معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن ذلك فقال: «معكم شيء؟» قلت: نعم، فناولته العضد، فأكلها حتى نفذها وهو محرم [ (3) ] . الرابع عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم المخ. روى أبو بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري في المجالسة عن معن بن كثير عن أبيه أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه- قال- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة وجفنة مملوءة

_ [ (1) ] ابن ماجة (3245) . [ (2) ] الترمذي (3721) والطبراني في الكبير 1/ 226، 7/ 96 والخطيب في التاريخ 9/ 369 والحاكم 3/ 130 والبخاري في التاريخ 1/ 358، 2/ 3. [ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 22 (1821، 2854، 5490، 5491) ومسلم 2/ 855 (63/ 1196) .

تنبيهات

مخّا، فقال: «يا أبا ثابت ما هذا؟» فقال: والذي بعثك بالحق لقد نحرت وذبحت أربعين ذات كبد، فأحببت أن أشبعك من المخ، قال: فأكل، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، بخير قال إبراهيم بن حبيب: سمعت أن الخيزران حدثت بهذا الحديث، فقسمت قسما من مالها على ولد سعد بن عبادة، وقالت: أكافئ ولد سعد عن فعله برسول الله صلى الله عليه وسلم. تنبيهات الأول: الشك في عدد الغزوات في أكله صلّى الله عليه وسلّم الجراد من شعبة أحد رواة الحديث. الثاني: قال التّوربشتي والحافظ وغيرهما يحتمل أنه يريد بالمعية مجرد الغزوات دون ما يتبعه من أكل الجراد، وقال التّروبشتي: أي أكلوه وهم معه، ويحتمل أنه يريد مع أكله، ويدل له رواية أبي نعيم عن ابن أبي أوفى السابقة، ورجح التروبشتي الأول لخلو أكثر الروايات عن هذه الزيادة، ولما رواه أبو داود عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد، فقال: لا آكله ولا أحرمه. قال الحافظ والصواب أنه مرسل فإن قيل: كيف يترك الحديث الصحيح بمثل هذا الحديث؟ قلنا: لم نتركه، وإنما أولناه لما فيه من الاحتمال كي يوافق سائر الروايات، ولا يرد الحديث الذي أوردناه- وهو من الواضح الكلي- بما فيه خفاء والتباس. قال الطّيّبي: التأويل الأول بعيد لأن المعية تقتضي المشاركة في الفعل كما في قوله: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد صرح به صاحب الكشاف، والرواية الخالية عنه مطلقة تحتمل الأمرين وهذه مقيّدة تحمل على المقيّد، وحديث سلمان ضعفه البغوي، ورواية من روي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل الجراد إخبار عن عدم الأكل بأنه لم يكن معه، فلم يشاهد فيبقى الكلام في لفظة معه. الثالث: روى ابن عدي من طريق ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضّبّ فقال: «لا آكله ولا أحرمه» ، وسئل عن الجراد فقال: مثل ذلك، قال الحافظ: هذا الحديث ليس بثابت، لأن ثابتا قال فيه النّسائي: إنه ليس بثقة. الرابع: نقل النووي رحمه الله تعالى الإجماع على حل أكل الجراد، لكن فصّل ابن العربي في شرح التّرمذي بين جراد الحجاز وبين جراد الأندلس، فقال: في جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض. قال الحافظ: إن ثبت أنه يضر آكله بأن يكون فيه سمة تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه.

الخامس: ادعى ابن الجوزي أن حديث أكله صلّى الله عليه وسلّم الحجل موضوع، ورد عليه الحافظ صلاح الدين العلاثي، وقال: إن له طرقا كثيرة وغالبها واه، ومنها ما فيه ضعف قريب، وربما يقوي بعضها بعضا إلى أن تنتهي إلى درجة الحسن، وقال: والحكم على الحديث بالوضع بعيد جدا، وبسط الحكم على ذلك. السادس: في بيان غريب ما سبق: الذراع: بذال معجمة مكسورة فراء فألف مهملة: هو الساعد. العراق: بضم العين: جمع عرق بفتحها، فإسكان الراء: وهو العظم إذا خلى عنه معظم اللحم. الغب: بغين معجمة مكسورة فموحدة من الزيارة كل أسبوع، ومن الحمّى ما تأخذ يوما بعد يوم. والغبة: بالضم البلغة من العيش، وهو المناسب هنا والأولى. العناق: بعين مهملة فنون مفتوحتين فألف فقاف: الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. الدّبّاء: بالمد تقدم الكلام عليها. القديد: بقاف مفتوحة فدالين أولاهما مكسورة بينهما مثناة تحتية: اللحم المملوح المجفف في الشمس فعيل بمعنى مفعول. الشّواء: الحصباء بحاء مفتوحة وصاد ساكنة مهملتين وموحدة وبالمد: الحصى. الداجن: بدال مهملة فألف فجيم فنون الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم. الجنب: بجيم مفتوحة ونون ساكنة وموحدة والجانب والجنبة محركة: شق الأسنان. الخبط: بخاء معجمة مفتوحة ثم باء موحدة مفتوحة: الورق المخبوط، وسمي الجيش به لأنه لما اشتد جوعهم كانوا يضربون الخبط بعصيهم، ويبلونه ويأكلونه. الدجاج: بفتح الدال وكسرها وحكى الضم أيضا. الحبارى: بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وفتح الراء مقصور: طائر معروف نفجنا أرنبا بنون ففاء فجيم أي أثرناه من مكانه. الحجل: بحاء مهملة فجيم فلام مفتوحات طائر معروف. الأروى: بهمزة مضمومة فراء ساكنة فواو فتحتية جمع أروية وهي الشاة الواحدة من شياه الجبل، وهي أنثى الوعول وهي تيوس الجبل والله تعالى أعلم.

الباب الرابع في أكله صلى الله عليه وسلم أطعمة مختلفة

الباب الرابع في أكله صلّى الله عليه وسلّم أطعمة مختلفة وفيه أنواع: الأول: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الطّفيشل. قال الحافظ أبو الحسن البلاذري رحمه الله تعالى في تاريخه قيل لأم أيوب رضي الله تعالى عنها أي الطعام كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما رأيته أمر أن يصنع له طعام، ولا رأيته ذم طعاما قط، ولكن أبا أيوب أخبرني أنه تعشى معه ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنها طفيشل، فرآه ينهكها نهكا، لم يره ينهك غيرها، فكنا نعمله له. الثاني: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الهريسة. قال أبو الحسن بن الضحاك حدثنا عبد الصمد بن أحمد بن سعيد وأحمد بن محمد قالا: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ: حدثنا أحمد حدثنا صهيب حدثنا يحيى أبو محمد حدثنا عمران بن خالد الخزاعي عن مطر الورّاق [ (1) ] رحمهم الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا احتجم صنعت له هريسة، ونقل الحافظ البلاذري في تاريخه عن أم أيوب قالت: كنا نعمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الهريس فنراه يعجبه، وكان يحضر عشاءه الخمسة إلى الستة إلى العشرة. وقال محمد بن عمر الأسلمي: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي القرى أهدى له بنو عريض اليهودي هريسا فأكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعمهم أربعين وسقا فهي جارية عليهم، تقول امرأة من يهود: لهذا الذي صنع لهم محمد خير مما ورثوه من آبائهم، لأن هذا لا يزال جاريا عليهم إلى يوم القيامة. وروي أن أسعد بن زرارة كان يتخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الهريس ليلة وليلة، فإذا كانت الليلة التي يتوقعها منها قال: «هل جاءت قصعة أسعد؟» فيقال: نعم، فيقول: «هلموا» ، فنعلم أنها تعجبه. الثالث: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الحيس والوطيئة. روى الحميدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هل من طعام؟» فقلت: نعم، فقربت إليه قعبا من حيس خبأناه له، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يده فأكل.

_ [ (1) ] مطر، بفتحتين، ابن طهمان الورّاق، أبو رجاء السّلمي مولاهم الخراساني، سكن البصرة، صدوق، كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، من السادسة، مات سنة خمس وعشرين، ويقال سنة تسع التقريب 2/ 252.

الرابع: في أكله صلى الله عليه وسلم الجشيشة.

وروي عنها قالت: أهدي لنا حيس فخبأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وكان يحب الحيس فقلت: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فخبأت لك منه فقال: «أذنيه، أما إني أصبحت وأنا صائم، وأكل منه» ، ثم قال: «إنما مثل صوم التطوّع مثل الرجل يخرج من ماله صدقة إن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها» . وروى مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن بسر قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي فقرب إليه طعاما ووطيئة فأكل منها. الرابع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الجشيشة. روى مسلم عن عتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله أن بصري قد ساءني وذكر الحديث وفيه فحبسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جشيشة صنعناها له [ (1) ] . وروى أبو نعيم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: صنعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخّارة فيها دشيشة. الخامس: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الحريرة والعصيدة. روى الطبراني برجال ثقات عن سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورضي الله عنها أنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حريرة وقربتها إليه فأكل، ومعه ناس من أصحابه فبقي منها قليل، فمر بالنبي صلى الله عليه وسلّم أعرابي، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخذها الأعرابي كلها بيده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ضعها ثم قل: باسم الله، وكل من أدناها فشبع منها، وفضل منها فضلة» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أدعوه إلى طعام، فجاء معي، فلما دنوت من المنزل أسرعت فأعلمت أبويّ فخرجا، فتلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحبا به ووضع له قطيفة كانت عندنا زبيرية فقعد عليها، ثم قال أبي لأمي: هاتي طعامك، فجاءت بقصعة، فيها دقيق قد عصدته بماء وملح، فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «خذوا باسم الله من جوانبها، وذروا ذروتها فإن البركة فيها» ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأكلنا منه، وفضل منها فضل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك عليهم، ووسع عليهم في أرزاقهم» [ (2) ] . السادس: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الثّريد. روى أبو داود والحاكم- وصححه- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في المساجد (265) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 188.

السابع: في أكله صلى الله عليه وسلم الجبن الذي من عمل النصارى.

أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الثريد من الخبز، والثريد من الحيس [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعجبه الثّفل قال البيهقي: بلغني عن ابن خزيمة أن الثّفل- وقال غيره- هو الدقيق وما لا يشرب [ (2) ] . وروى البخاري عنه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغلام له خياط، فقدم إليه قصعة فيها ثريد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع الدّبّاء الحديث. وروى ابن عدي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقصعة من ثريد فقال: «كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها فإن البركة تنزل في وسطها» ، ورواه أبو القاسم البغوي عن ابن عباس. روي عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: لم يدخل منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية أي في قدومه المدينة، أول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرودة خبزا وسمنا فأضعها بين يديه، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال: «بارك الله فيك، وفي أمك» ، فدعا أصحابه فأكلوا. وروى أبو بكر الشافعي عن عكراش بن ذؤيب رضي الله تعالى عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلق إلى منزل أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: «هل من طعام؟» فأوتينا بجفنة كثيرة السمن والودك فأقبلنا نأكل منها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم مما بين يديه وجعلت أخبط في نواحيها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى، ثم قال: «يا عكراش كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد» . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال: كنت من أهل الصّفّة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوما بقرص فكسره في الصحفة ثم وضع فيها ماء سخنا ثم وضع فيها ودكا ثم سفسفها ثم لبّقها ثم صعنبها ثم قال: «اذهب فأت بعشرة، وأنت عاشرهم» ، فجئت بهم، وذكر الحديث [ (3) ] . ورواه ابن عساكر وابن النجار عنه قال: كنت من أهل الصفة ... إلخ. السابع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الجبن الذي من عمل النصارى.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 147 (3783) والحاكم 4/ 116. [ (2) ] أحمد 3/ 220 والترمذي في الشّمائل ص 87 (186) الحاكم 4/ 116 وقال الترمذي الثفل: قال عبد الله- شيخ الترمذي- يعني ما بقي من الطّعام. [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 490.

الثامن: في أكله صلى الله عليه وسلم خبز الشعير مع الإهالة السنخة.

روى مسدد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بجبنة في تبوك من عمل النصارى فقيل: هذا طعام تصنعه المجوس فدعا بسكين فسمى وقطع. وروى الطيالسي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما فتح مكة رأى جنبة فقال: «ما هذا؟» فقالوا: طعام يصنع بأرض العجم فقال: «ضعوا فيه السكين وكلوا» . وروى الإمام أحمد ومحمد بن عمر الأسلمي والبيهقي عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبنة في غزاة تبوك، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني صنعت هذه؟» قالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة فقال صلى الله عليه وسلّم: «أطعموا» . وفي رواية: «ضعوا فيها السكين، واذكروا اسم الله تعالى وكلوا» . الثامن: في أكله صلّى الله عليه وسلّم خبز الشعير مع الإهالة السّنخة. روى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى خبز الشعير وإلى إهالة سنخة [ (1) ] . التاسع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الخزيرة. روى البخاري والبرقاني عن عتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أنكرت بصري وإن السيل يأتيني فيحول بيني وبين مسجد قومي، ويشق علي اجتيازه فإن رأيت أن تأتي فتصلي في بيتي في مكان أتخذه مصلى فأصلي فيه، فقال: «أفعل» ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعد ما استمد النهار، فاستأذن، فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: «أين تحب أن تصلي من بيتك؟» فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكبر، وصففنا خلفه، فصلى لنا ركعتين، ثم احتبسته على خزيرة صنعت لهم- الحديث. العاشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الزبد مع التمر. روى أبو داود وابن ماجة عن ابني بسر السّلميّين رضي الله تعالى عنهما قالا: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقدمنا إليه زبدا وتمرا، وكان يحب الزبد والتمر [ (2) ] . الحادي عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم اللبن بالتمر. روى الإمام أحمد وأبو نعيم بسند حسن عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمجّع اللبن بالتمر ويسميها الأطيبين [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في البيوع باب (14) وأحمد 3/ 133 والترمذي في البيوع (7) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 176- 177 (3837) وابن ماجة 2/ 1106 (3334) . [ (3) ] قال الهيثمي في المجمع 5/ 44 رجاله رجال الصحيح خلا أبا خالد وهو ثقة.

الثاني عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم الفلفل والزيت.

وروى ابن السّني وإبراهيم والحاكم- وصححه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسمي التمر واللبن الأطيبين [ (1) ] . الثاني عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الفلفل والزيت. وروى أبو يعلى، والطبراني- بإسناد جيد، والترمذي، عن عبد الله بن علي رحمه الله تعالى أن جدته سلمى رضي الله تعالى عنها أخبرته قالت: دخل علي الحسن بن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، فقالوا: اصنعي لنا طعاما مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحسن أكله فقالت للحسن: يا بني لا تشتهيه اليوم، فأخذت شعيرا ونسفته، وجعلت منه خبزة، ثم جعلته في تور، وجعلت أدمه الزيت، ونثرت عليه فلفلا [ (2) ] ، وقربته إليهم، وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب هذه، ويحسن أكلها. الثالث عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الحلوى والعسل. روى الترمذي- وصححه- وابن ماجة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب الحلوى والعسل [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عسل، فقسم بيننا لعقة لعقة فأخذت لعقتي، ثم قلت: يا رسول الله أزداد أخرى، قال: «أخرى؟» قلت: نعم [ (4) ] . الرابع عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم المنّ. روى ابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن أكيدر [ (5) ] دومة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم جرّة من منّ، فأعطى أصحابه قطعة قطعة، ثم رجع إلى جابر فأعطاه قطعة أخرى، فقال: يا رسول الله قد أعطيتني فقال: «هذه لبنات عبد الله» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 4/ 16 وانظر الكنز (18209) . [ (2) ] انظر المطالب العالية للحافظ ابن حجر (3149) . [ (3) ] الحديث عند البخاري 9/ 557 (5431) ومسلم 2/ 1101 حديث (21/ 1474) . [ (4) ] ابن ماجة 2/ 1142 (3451) . [ (5) ] أكيدر بن عبد الملك الكندي: ملك دومة الجندل [الجوف] في الجاهلية كان شجاعا مولعا باقتناص الوحش له حصن وثيق وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في (420) فارسا من المدينة فلما قارب حصنه رآه في نفر من رجاله يطاردون بقر الوحش فأحاط به، فاستأسر فأوثقه خالد فأقبل به على الحصن فافتتحه صلحا، وعاد خالد بالأكيدر إلى المدينة فقيل: أسلم ورده رسول الله إلى بلاده بعد أن كتب له كتابا يمنع المسلمين من التعرض لقومه ما داموا يؤدون الجزية ولما قبض رسول الله نقض أكيدر العهد فأمر أبو بكر خالد أن يسير إليه فقصده خالد وقتله وفتح دومة الجندل توفي سنة 12 هجرة الأعلام 2/ 6. [ (6) ] أخرجه في المجمع 4/ 53، 5/ 44.

الخامس عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم الخبيص.

الخامس عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الخبيص. روى الحارث بسند منقطع عن عبد الله بن أبي عبد الله قال: صنع عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه خبيصا بالعسل والسمن والبر، فأتى به في قصعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا؟» قال: هذا شيء يا رسول الله تصنعه الأعاجم من البرّ والسمن والعسل، تسميه الخبيص قال: فأكل. وروى الطبراني في الثلاثة ورجال الصغير والأوسط ثقات، وبقيّ بن مخلد والحاكم- وصححه- عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المربد فرأى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقود ناقة تحمل دقيقا حوّارى وسمنا وعسلا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنخ» فأناخ، فدعا فيها بالبركة، ثم دعا ببرمة فنصبت على النار، وجعل فيها من السمن والعسل والدقيق، ثم أمر فأوقد عليها حتى نضج أو كاد ينضج، ثم أنزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كلوا» ، ثم أكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «هذا شيء تسميه أهل فارس الخبيص» [ (1) ] . السادس عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم السكر. روى البرقاني- بسند واه- عن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل بطيخا بسكر. السابع عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الخل. روى ابن أبي شيبة، ومسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به قال: فأشار إلي، فقمت إليه، فأخذ بيدي، فانطلقنا حتى دخل بعض حجر نسائه، فدخل، ثم أذن لي فدخلت وعليها الحجاب، فقال: «لأهله هل من غداء؟» قالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقراص، فوضعن على شيء فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا فوضعه بين يدي ثم أخذ الثالث فكسره بالثنتين، فجعل بعضه بين يديه، وبعضه بين يدي، ثم قال: «هل من أدم؟» فقالوا: ما عندنا إلا الخل، فدعا به، فجعل يأكل، ويقول: «نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل» ، قال جابر رضي الله تعالى عنه: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (2) ] . وروى مسلم والترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الأدم أو الإدام الخل» .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 17/ 336 والحاكم 4/ 110. [ (2) ] أخرج مسلم 3/ 1622 (166/ 2052) وقد تقدم.

الثامن عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم السويق.

وروى الترمذي- وحسنه- عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هل عندكم شيء؟» فقلت: لا، إلا كسر يابسة وخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «قربوه، فما أقفر بيت من إدام فيه خل» [ (1) ] . وروى أحمد بن منيع عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم خلّ خمر. وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان أحب الصّباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الخل. الثامن عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم السّويق. روى الحميدي والبخاري والنسائي عن سويد بن النّعمان الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر حتى إذا كنا بالصّهباء أو بيننا وبينها روحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالزاد، فلم يؤت إلا بسويق فلاكه صلى الله عليه وسلّم ولكناه معه، ثم مضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضمضنا معه، ثم صلّى المغرب، وصلينا معه، ولم نتوضأ. التاسع عشر: في أكله صلّى الله عليه وسمل التمر بالخبز. روى أبو يعلى والإمام أحمد عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخذ كسرة من خبز شعير، ثم أتى بتمرة فوضعها عليها، ثم قال: «هذه إدام هذه» [ (2) ] . وروى الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الخبز بالتمر، ويقول: «هذا إدام هذا» . العشرون: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الكسب والسّمسم. روى أبو نعيم في الطّب عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم سعد ابن معاذ رضي الله تعالى عنه على أتان، فأنزله وقرب إليه شيئا من سمسم، وشيئا من تمر، حتى إذا أكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأراد أن يقوم دعا له. وروى فيه عنه أيضاً قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله أعدل إلى المنزل، فعدل معه، فأتى بتمر وكسب، ثم أتاه بقدح من لبن فشرب منه.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 4/ 279 (1841) . وقال حسن غريب ومن حديث جابر عند البيهقي في السنن الكبرى 6/ 38 وانظر التلخيص 3/ 35. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3259) والترمذي في الشمائل 94 والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 63.

الحادي والعشرون: في أكله صلى الله عليه وسلم السمن والأقط.

الحادي والعشرون: في أكله صلّى الله عليه وسلّم السمن والأقط. وروى الشيخان والبرقاني وابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم سمن وأقط وأضب، فأكل من السمن والأقط، ولم يأكل من الأضب تقذرا ثم قال: «إن هذا الشيء ما أكلته قط، فمن شاء أن يأكله فليأكله» ، قال: وأكل على خوانة [ (1) ] . وروى إبراهيم الحربي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم أكل ثور أقط ثم صلى، ولم يتوضأ، وقال الحربي: الثور من الأقط كهيئة اللقمة. تنبيهات الأول: حديث حذيفة مرفوعا أن جبريل أطعمني الهريسة يشد بها ظهري لقيام الليل رواه الطبراني من طريق محمد بن الحجاج اللّخمي وهو الذي اختلقه، وحديث أبي هريرة رواه الدّارقطني وقال: حديث منكر باطل، وموسى بن إبراهيم ومن دونهم ضعفاء لا يحتج بهم، وقال الخطيب: موسى بن إبراهيم مجهول، والحديث باطل، وحديث معاذ بن جبل وحديث جابر بن سمرة رواهما. الثاني: قال الخطابي والقاضي في حديث نعم الأدم الخل معناه مدح الاقتصاد في المأكل، ومنع النفس من ملاذ الأطعمة، تقديره: ائتدموا بالخل، وما في معناه، مما تخف مؤنته، ولا يعز وجوده، ولا تنافسوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن، وتعقبه النووي رحمه الله تعالى فقال: الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصاد في المطعم، وترك الشهوات فمعلوم من قواعد آخر، وقال ابن القيم، هذا ثناء عليه بحسب مقتضى الحال الخاص، لا تفضيل له على غيره، كما ظنه بعضهم. الثالث: قال أبو سليمان: إنما أورد أبو داود حديث ابن عمر من أجل أن الجبن كان يعمله قوم من الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالأنافح وكان من المسلمين من شاركهم في صنعة الجبن، فأباحه صلى الله عليه وسلّم على ظاهر الحال، ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه، قال: في الأمتاع: في دعوى أبي سليمان رحمه الله تعالى أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن يتوقف على النقل، ولم يكن إذ ذاك بفارس والشام أحد من المسلمين فتأمله، قلت: وهو ظاهر لا شك فيه. الرابع: الحلوى بالقصر والمد: كل حلو، قال الخطابي رحمه الله تعالى: الحلوى لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة، قال ابن سيده هي ما عولج من الطعام، وقد يطلق على الفاكهة،

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1544 (46/ 1947) وأحمد 1/ 259 والخطيب في التاريخ 4/ 85.

قال الخطابي: ولم يكن حبه للحلوى على معنى كثرة التشهي، وشدة نزاع النفس إليها، وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا فيعلم بذلك أنها تعجبه، قال الحافظ: ووقع في كتاب فقه اللغة للثعالبي أن حلوى النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع- بالميم والجيم بوزن عظيم- وهو: تمر يعجن باللبن. الخامس: في بيان غريب ما سبق: الطفيشل: بوزن سميدع نوع من الطعام كالهريسة. الحيس: بحاء مهملة وتحتية وسين مهملة تمر وأقط معجون بسمن. الوطيئة: بالواو والطاء والمثناة والهمزة على وزن سفينة: التمر يستخرج نواه ويعجن باللبن، والوطيئة الأقط بالسكر قال ابن دريد: رحمه الله تعالى، وقال في التقريب: الوطيئة طعام من التمر مطبوخ، وقيل مثل الحيس: تمر وأقط معجون بسمن، ومنه فقرّب إليه طعاما ووطيئة إلخ وضبطه النووي رحمه الله تعالى بالواو وإسكان الطاء وبعدها موحدة. القعب: بقاف فعين مهملة، فموحدة: القدح الضخم الجافي، أو إلى الصغر أو يروي واحدا. الجشيشة: بجيم مفتوحة فشينين، بينهما ياء تحتية، أولاهما مكسورة: هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا، ثم تجعل في القدور، ويلقى عليها لحم أو تمر ويطبخ، وقد يقال لها: الدشيشة بالدال المهملة. الحريرة: بحاء مهملة وراءين مهملات، بينهما تحتية: شيء يصنع من اللبن. العصيدة: بعين مفتوحة، وصاد مهملتين، ومثناة تحتية، فدال مهملة فتاء تأنيث: شيء يعمل من الدقيق معروف. الزبيرية: بزاي مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فتحتية فتاء تأنيث. الذّروة: بذال معجمة، فراء ساكنة، فواو، فتاء تأنيث، هي أعلى سنام البعير. الثّريد: بفتح المثلثة: أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم. الخزيرة: بخاء معجمة مفتوحة، ثم زاي مكسورة، وبعد التحتية الساكنة راء تقدم الكلام عليها قريبا. الزّبد: بزاي مضمومة، فموحدة ساكنة، فدال مهملة، وكرمان: زبد اللبن. الفلفل اللّعقة: بلام مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فقاف، فتاء تأنيث: المرة من اللعق، وهو لعق ما في الأصابع والصحفة من أثر الطعام.

المن: بميم مفتوحة، فنون: أي العسل الحلو الذي ينزل من السماء عفوا بلا علاج. الخبيص الحوّار: بحاء مهملة فواو مشددة فألف فراء الدقيق الذي يحلّى مرة بعد أخرى. السّويق: كأمير معروف يجعل من الشعير. لاكه: بلام فألف فكاف فهاء أداره في فمه. الكسب: بكاف مفتوحة فمهملة ساكنة، فموحدة: الرزق واكتسب طلبه. السّمسم: بسين مهملة فميم ثم سين مهملة فميم حب معروف. الأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف، وتضم أيضا، وبكسر الهمزة والقاف معا، وبفتحها: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي، والمراد هنا بالثور القطعة منه. الأضب: جمع ضب والله تعالى أعلم.

الباب الخامس فيما أكله صلى الله عليه وسلم من الفواكه والقلوبات

الباب الخامس فيما أكله صلّى الله عليه وسلم من الفواكه والقلوبات وفيه أنواع: الأول: فيما كان يقول ويفعل إذا أتي بالباكورة من الفاكهة. روى مسلم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بأول الثّمر فيقول: «اللهم كما أريتنا أوله أرنا آخره» [ (1) ] . وروى أبو سعيد بن الأعرابي واللفظ له والدّارقطني عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بباكورة الفاكهة وضعها على عينيه، ثم على شفتيه ثم قال: «اللهم كما أريتنا أوله أرنا آخره ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان» . وروى الطبراني في الكبير والصغير من طرق- رجال طريقين منها رجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالباكورة من الثمار قبلها، ووضعها على عينيه، ثم قال: «اللهم كما أطعمتنا أوله فأطعمنا آخره» ، ثم يأمر به للمولود من أهله، وفي رواية أصغر من يحضره من الولدان [ (2) ] . وروى البرقاني برجال ثقات عن ابن شهاب رحمه الله تعالى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالباكورة قبلها، ووضعها على عينه، أو على عينيه. الثاني: فيما روي من أمره صلى الله عليه وسلّم بتهنئته إذا جاء الرطب. روى البزار من طريق حسان بن سياه وفيه عن أنس وابن لال في مكارم الأخلاق عن أنس وعائشة معا رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله تعالى عنها: «إذا جاء الرطب فهنئيني» ، وفي لفظ: «فنبئوني وإذا ذهب فعزوني» [ (3) ] . الثالث: في أكله صلّى الله عليه وسلّم التمر. روى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بيت لا تمر فيه جياع أهله، وبيت لا خل فيه قفار أهله، وبيت لا صغار فيه لا بركة فيه، وخيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الحج باب 85 (474) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 116 وانظر المجمع 5/ 39. [ (3) ] ذكره الشوكاني في الفوائد (181) وانظر المجمع 5/ 39 والميزان للذهبي (1806) وابن حبان في المجروحين 1/ 268 والسيوطي في اللآلي 2/ 232.

الرابع: في أكله صلى الله عليه وسلم العنب.

وروى أبو داود الطيالسي بسند صحيح، وأبو يعلى عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه قال: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقت له أمي قطيفة فجلس عليها فأتته بتمر فجعل يأكل ويقول بالنوى هكذا، يضع النواة على السبابة والوسطى» . وروى أبو داود عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضعها على تمرة، وقال: «هذه إدام هذه» ، ورواه الطبراني عن عبد الله بن سلام، ورواه أيضاً عن زيد بن ثابت وعن عائشة. وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم تمر، فأخذ يهديه، ثم قال: رأيته يأكل مقعيا من الجوع [ (1) ] . وروى أيضا عن علي بن الأثير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل تمرا، فإذا مر بحشفة أمسكها بيده فقال له قائل: أعطني هذه التي بقيت، فقال: «إني لست أرضي لكم ما أسخطه لنفسي» . وروى ابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان أحب التمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم العجوة [ (2) ] . وروى أبو داود وابن ماجة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتمر عتيق فجعل يفتشه ويخرج السّوس منه. الرابع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم العنب. روى ابن ماجة عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عنب من الطائف فدعاني فقال: «خذ هذا العنقود فأبلغه أمك» ، فأكلته قبل أن أبلغه إياها، فلما كان بعد ليال قال لي: «ما فعل العنقود؟ هل أبلغته إلى أمك؟» قلت: لا، فسماني غدر [ (3) ] . وروى الطبراني وابن عدي وأبو بكر الشافعي بسند واه جدا، وأبو الشيخ والبيهقي- وقال إسناده قوي- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطا، وجاء في بعض الروايات بالصاد، ومعناهما واحد، وهو أن يأخذ العنقود ويضعه في فيه ويخرطه من حبه فيأكل الحب، ويخرج العرجون عاريا.

_ [ (1) ] بنحوه أخرجه مسلم 3/ 1616 (148/ 2044) . [ (2) ] انظر كنز العمال (18217) . [ (3) ] ابن ماجة 2/ 117 (3368) .

الخامس: في أكله صلى الله عليه وسلم التين.

وروى ابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب عن أمية بن زيد العبسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يحب من الفاكهة العنب والبطيخ [ (1) ] . الخامس: في أكله صلّى الله عليه وسلّم التين. روى ابن السّنيّ وأبو نعيم كلاهما في الطب عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وسلم طبق من تين، فقال لأصحابه: «كلوا فلو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين، وإنه يذهب بالبواسير ينفع من النّقرس» . السادس: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الزبيب. روى الإمام أحمد عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه، أو غيره من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل بيت سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه فقرب إليه زبيبا، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلما فرغ قال: «أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون» . السابع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم السّفر جل. روى الطبراني برجال ثقات خلا على القرشي الراوي عن عمر بن دينار بنحو رجاله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسفرجلة قدم بها من الطائف فناوله إياها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنه ليذهب بطخاءة الصدر ويجلو الفؤاد» [ (2) ] . وروى الطبراني والحاكم والضياء في المختارة وصححاه، عن طلحة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده سفرجلة، فرماها إليّ، وقال لي: «دونكها يا طلحة، فإنها تجلو الفؤاد» ، وفي لفظ: «فإنها تشد القلب، وتطيب النفس، وتذهب بطخاءة الصدر» . وروى ابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفرجلة من الطائف فأكلها، وقال: «كلوه، فإنه يجلو الفؤاد، ويذهب بطخاءة الصدر» الثامن: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الرمان. روى ابن حبان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم أتى برمّان يوم عرفة فأكل.

_ [ (1) ] انظر الكنز (18204) والعراق على تخريج الإحياء 2/ 368. [ (2) ] الطبراني من رواية علي القرشي عن عمرو بن دينار قال الهيثمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات المجمع 5/ 48.

التاسع: في أكله صلى الله عليه وسلم التوت.

التاسع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم التوت. روى الخطيب عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل توتا في قصعة. العاشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الكباث. روى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عن جابر بن عبد الله عنهما قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمر الظّهران نجني الكباث، وهو ثمر الأراك، وهو يقول: «عليكم بالأسود منه فإنه أطيب» - زاد ابن حبان وإني كنت آكله، زمن كنت أرعى، فقلت: أكنت ترعى الغنم؟ قال: «وهل من نبي إلا رعاها» [ (1) ] . الحادي عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الزّنجبيل. روى الترمذي، وابن السنّي وأبو نعيم، وأبو سعيد بن الأعرابي رضي الله تعالى عنه وأبو أحمد الحاكم- وصححه- وابن عدي من طرق عن عمرو بن حكام قال: أخبرنا شعبة عن علي ابن زيد عن أبي المتوكل النّاجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: أهدى ملك الهند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم هدايا، فكان فيما أهدي له جرة فيها زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة قطعة، وأطعمني قطعة. الثاني عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الفستق واللّوز. روى ابن عساكر من طريق السّبكي وسنده واه عن دحية قال: قدمت من الشام وأهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك فقال: «اللهم ائتني بأحب أهلي يأكل معي» ، فطلع العباس رضي الله تعالى عنه فقال: «ادن يا عم» فجلس فأكل. الثالث عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الجمار. روى البرقاني وأبو القاسم البغوي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يأكل جمّار، فقال: «إني لأعرف شجرة تؤتي أكلها كل حين مثل المؤمن. وروى البخاري وعبد الرحمن بن حميد، وأبو سعيد بن الأعرابي والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمّار نخل، وفي رواية قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل جمارة نخل [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 575 (5453) ومسلم 3/ 1621 (163/ 2050) . [ (2) ] أخرجه البخاري في العلم باب 14 وفي البيوع باب (94) وفي الأطعمة باب (42) ومسلم في المنافقين باب (63) وأحمد 2/ 12.

الرابع عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم الرطب مفردا أو مع البطيخ.

الرابع عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم الرطب مفردا أو مع البطيخ. روى الإمام أحمد وابن ماجة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: بعثتني أمي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقناع عليه رطب فجعل يقبض قبضة فيبعث بها إلى بعض أزواجه، ثم جلس، وأكل بقيته أكل رجل يعلم أنه يشتهيه. وروى الإمام أحمد عن أم المنذر سلمى بنت قيس الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه علي رضي الله تعالى عنه وعلى ناقه من مرض، ولنا دوال معلّقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل منها، وقام علي رضي الله تعالى عنه يأكل منها الحديث [ (1) ] . وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم طبق من رطب، فجثى على ركبتيه، فأخذ يناولني قبضة قبضة، ويرسل بها إلى نسائه، فأكلها أكل رجل يعلم أنه يشتهيه، وكان يلقي النوى بشماله، فمرت داجنة، فناولها فأكلت. وروى أبو داود والترمذي- وحسنه- والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل البطيخ بالرطب، ويقول: «يكسر حرّ هذا برد هذا» [ (2) ] . وروى ابن ماجة عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كان يأكل الرطب بالبطيخ [ (3) ] . وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكل عندهم رطبا وشرب ماء وقال: «هذا من النعيم الذي تسألون عنه» [ (4) ] . وروى أبو يعلى والإمام أحمد والترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى والحاكم وابن سعد وسنده جيد بسند رجاله ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجمع بين البطيخ والرطب [ (5) ] . وروى البرقاني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب الفاكهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الرطب والبطيخ.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 364 وأبو داود 4/ 193 (2856) والترمذي 4/ 382 (2037) وابن ماجة 2/ 1139 (3442) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 176 (3836) والترمذي 4/ 280 (1843) وقال حسن غريب والنسائي كما في التحفة 12/ 101. [ (3) ] ابن ماجة (3326) البيهقي 7/ 281. [ (4) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2531) والطبراني في الصغير 1/ 69 والطحاوي في المشكل 1/ 95. [ (5) ] أخرجه الحميدي (255) .

الخامس عشر: في أكله صلى الله عليه وسلم القثاء مفردا، ومع الرطب، ومع الملح، ومع الثفل بالمجاج.

وروى النّسائي والإمام أحمد وابن السنّي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجمع بين الخربز والرطب ويقول: «يكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا [ (1) ] » . وروى ابن حبان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب أو البطيخ، والشك من شيخ شيخه أحمد بن جنيد. وروى أبو الشيخ عنه قال: كنت إذا قدمت الرطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكل الرطب وترك المذنّب. وروى الطبراني وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي- وضعفه- عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه، ورواه ابن عدي من طريق يوسف بن عطية الصّفار وهو متروك [ (2) ] . وروى ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان أحب الفاكهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الرطب والبطيخ [ (3) ] . الخامس عشر: في أكله صلّى الله عليه وسلّم القثّاء مفردا، ومع الرطب، ومع الملح، ومع الثّفل بالمجّاج. روى الإمام مالك عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار، فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله هلم إلى الظل، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقمت إلى غرارة لنا فالتمست فيها شيئا فوجدت جرو قثّاء فكسرته، ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من أين لكم هذا؟» فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة. وروى الترمذي في الشمائل والطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب القثّاء [ (4) ] . وروى بقي بن مخلد والتّرمذي عن الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه القثّاء.

_ [ (1) ] انظر الكنز (18202) . [ (2) ] انظر المجمع 5/ 38. [ (3) ] ابن القيسراني 869 وانظر الكنز 8/ 182. [ (4) ] الترمذي في الشمائل (102) وانظر المجمع 8/ 113 والمطالب (3867) .

تنبيهات

وروى الإمام أحمد وأبو داود والطّيالسي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجمع بين الرطب والخربز زاد الطّيالسي رحمه الله تعالى: ويقول: هما الأطيبان. وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل القثّاء بالرطب [ (1) ] . وروى ابن عدي بسند ضعيف عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل القثّاء إذا أكله إلا بالملح. وروى الخطّابي في غريبه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يأكل القثّاء والثّفل بالمجّاج. تنبيهات الأول: قال البيهقي في الشعب: الحكمة في إلقائه صلى الله عليه وسلّم النوى بإصبعيه نهيه صلّى الله عليه وسلم أن يجعل الأكل النوى على الطبق، وعلله الحكيم التّرمذي: بأنه قد يخالطه الريق ورطوبة الفم فإذا خالط ما في الطبق عافته الأنفس. الثاني: حديث أتى جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقطف من عنب، وقال أن الله تعالى يقرئك السلام، وأرسلني إليك بهذا القطف لتأكله، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلّم- رواه الطبراني من طريق حفص بن عمر بن أبي العطّاف عن أنس، وعن ابن عباس، وحفص قال فيه: وحديث أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه، رواه الطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن عطية الصّفار وهو متروك قال فيه، ورواه عن عبد الله بن جعفر، وفي سنده أصرم بن حوشب وهو متروك قال فيه. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الباكورة: بموحدة فألف فكاف فواو فراء: المعجل الإدارك من كل شيء من الفاكهة. قفار: بقاف ففاء مفتوحتين فراء أي غير مأدوم. القطيفة: تقدم الكلام عليها. السّبّابة: تقدم تفسيرها.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 564 (5440) ومسلم 3/ 616 (147/ 2043) .

الوسطى: بواو مضمومة، فسين مهملة ساكنة، فطاء مهملة. العنقود: معروف. غدر: بمعجمة مضمومة، فدال مهملة فراء كصرد، والغدر ضد الوفاء. العرجون: بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فجيم فواو فنون: العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق. البواسير: بموحدة فواو فألف فسين فراء مهملتين بينهما تحتية علة تحدث بالمقعدة، ومن داخل الاست وتقال بالسين والصاد، وبالباء، والنون، فبالباء عجمي: وجع بالمقعدة وتورّمها من داخل، وخروج الثّآليل، وبالنون عربي: انفتاح عروقها وجريان مادتها. النّقرس. السفرجل. طخاءة الصدر: الطخاء بطاء فخاء معجمة مفتوحتين: ثقل وغشاء، وأصله الظلمة والغنم. تجم- بفوقية مفتوحة فجيم مضمومة فميم، الفؤاد: صلاحه، ونشاطه: أي تريحه، وقيل تجمعه وتكمله. الكباث: كسحاب: النّضيج من ثمر الأراك. الخربز: بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الموحدة بعدها زاي نوع من البطيخ الأصفر، وبهذا يتبين أن المراد بالبطيخ في هذا الحديث الأصفر، وتعقّب بأن الأصفر فيه حرارة كما في الرطب، وأجيب بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة، وإن كان لحلاوته طرف حرارة. المذنّب: بميم مضمومة، فدال معجمة مفتوحة، فنون مشددة، فباء موحدة: الذي نصفه بسر. جرو القثّاء: بجيم مكسورة فراء ساكنة فواو صغار القثّاء. الثّفل: بثاء مثلثة ففاء الثريد. المجّاج: بميم مضمومة فجيمين بينهما ألف: العسل، لأن النحل تمجّه أي تلقيه وتقذفه، وقيل: لا يكون مجّا حتى يتباعد به.

الباب السادس فيما أكله صلى الله عليه وسلم من الخضراوات وما يلتحق بها

الباب السادس فيما أكله صلّى الله عليه وسلم من الخضراوات وما يلتحق بها وفيه أنواع: الأول: في أكله صلّى الله عليه وسلّم البقل. روى أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم البقل، كذا أورده ابن الجوزي [ (1) ] رحمه الله تعالى، والظاهر أنه بالثاء المثلثة، وهو الثريد والله أعلم، رواه الحاكم عن أنس بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الثّفل، ثم قال: سمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثّفل: هو الثريد. الثاني: في أكله صلّى الله عليه وسلّم البصل مطبوخا. وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود والنّسائي والترمذي في الشمائل عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: آخر طعام أكله صلى الله عليه وسلّم كان فيه البصل، زاد البيهقي أنه كان مشويا في قدر أي مطبوخا [ (2) ] . وروى البخاري في المفرد وأبو الحسن بن الضحاك عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكل البصل مشويا قبل أن يموت بجمعة. الثالث: في أكله صلّى الله عليه وسلّم القلقاس. قال في الإمتاع: قاله الدّولابي [ (3) ] : أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم القلقاس فأكله وأعجبه، وقال: «ما هذا؟» فقالوا شحمة الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: «أن شحمة الأرض لطيبة» . الرابع: في أكله صلّى الله عليه وسلّم القرع. روى الإمامان مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لطعام صنعه، قال أنس رضي الله تعالى عنه: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى ذلك الطعام فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبزا من شعير، ومرقا فيه دبّاء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتتبع الدّبّاء من حول الصحفة، فجعلت أتتبعه، وأضعه بين يديه ولا أطعمه، فلم أزل أحب الدّبّاء من يومئذ.

_ [ (1) ] انظر تخريج الإحياء للحافظ العراقي 2/ 369 وكشف الخفا 1/ 560. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 89 وأبو داود 4/ 173 (3829) والنسائي كما في التحفة 11/ 394 (16068) . [ (3) ] محمد بن الصّباح الدّولابي، أبو جعفر البغدادي، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة سبع وعشرين، وكان مولده سنة خمسين. / ع التقريب 2/ 171.

الخامس: في أكله صلى الله عليه وسلم السلق مطبوخا مع الزيت، والفلفل، والتوابل، ودقيق الشعير.

وروى الترمذي عن أبي طالوت [ (1) ] قال: دخلت على أنس وهو يأكل قرعا، وهو يقول: يا لك من شجرة ما أحبّك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وابن شيبة والنّسائي وأبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي حكيم جابر بن مشرّق ويقال له جابر بن طارق رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده الدّبّاء تقطع، فقلت: ما هذا؟ فقال: «نكثر به طعامنا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي خيثمة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان أعجب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الدّبّاء [ (4) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا عائشة: إذا طبخت فأكثري فيه الدّبّاء فإنه يشد قلب الحزين» ، ورواه أبو بكر الشافعي من طريق آخر. وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: إذا كان عندنا دبّاء آثرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وروى الديلمي عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من أكل الدّبّاء فقال: «إنه يكثر دهن الدماغ، ويزيد في العقل» [ (5) ] . الخامس: في أكله صلّى الله عليه وسلّم السّلق مطبوخا مع الزيت، والفلفل، والتوابل، ودقيق الشعير. روي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: كنا نفرح بيوم الجمعة، قلنا: لم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلي بضاعة فتأخذ من أصول السّلق فتطرحه في القدر وتكركر عليه حبات من شعير، والله ما فيه لحم ولا ودك فإذا صلينا الجمعة انصرفنا. وروى الترمذي عن أم المنذر رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي رضي الله تعالى عنه ولنا دوال معلقّة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي يأكل معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعلي: «مه يا علي، فإنك ناقه» فجلس علي رضي الله تعالى عنه والنبي صلى الله عليه وسلّم يأكل، فجعلت لهم سلقا وشعيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا علي من هذا، فأصب، فإنه أوفق لك» .

_ [ (1) ] أبو طالوت الشامي. عن أنس في أكل القرع. وعنه معاوية بن صالح الحضرمي. قلت: قال الذهبي: لا يدرى من هو. تهذيب التهذيب 12/ 136. [ (2) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 108 والترمذي (1849) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 2/ 289 والحميدي (860) والترمذي في الشمائل (84) . [ (4) ] أخرجه أحمد 3/ 153. [ (5) ] انظر الكنز (41808) .

تنبيهات

تنبيهات الأول: قال الحافظ أبو بكر البرقاني سألني الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر إسماعيل رحمه الله تعالى كيف يجمع بين تتبع النبي صلى الله عليه وسلّم الدّبّاء في القصعة من حواليها، وبين قوله عليه السلام: «كل مم يليك؟» فلم يحضرني شيء فقلت: ما يقول: الشيخ؟ فقال: إن حديث الدّبّاء كان الرجل الخياط أصلح ذلك الطعام خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما كان هذا سبيله فجائز أكله على طريق التتبع، وما لم يكن كذلك فالأكل مما يلي الآكل. وقال أبو الحسن بن الضحاك رحمه الله تعالى: ويحتمل أن يقال في الجمع بينهما إن النهي عن ذلك إنما هو من طريق التّقزز الذي يصيب من يأكل مع آخر في صحفة واحدة، والنبي صلى الله عليه وسلّم يتبرك بموضع يده حيث حل، وترجى بركتها، ويحرص على ملاقاتها للطعام حيث كان، ويتنافس في الأكل من الموضع الذي حلت فيه يده، فشتان بين يد طهرها بارئها، وكرمها خالقها ومنشئها، وبين يد لا تشاركها إلا في الاسمية، وتباعد منها في كل فضيلة سنية، والله تعالى يختص برحمته من يشاء، لا إله غيره انتهى. الثاني: قال الحافظ أبو عمرو: من طريق الإيمان حبّ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى أن قول أنس فلم أزل أحب الدّبّاء بعد ذلك اليوم. الثالث: في بيان غريب ما سبق: السّلق. التوابل.

الباب السابع فيما كان أحب الطعام إليه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع فيما كان أحب الطعام إليه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: الثّريد. روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الثّريد من الخبز والثريد من الحيس. الثاني: القرع. روى الحارث بن أبي أسامة عن معاوية بن صالح قال: كان أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يحب القرع، فقيل له: ما أشد حبك للقرع! فقال: إن شدة حبي له لما رأيت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه. وروى أيضا عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان القرع يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الإمام أحمد عنه رضي الله تعالى عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانت تعجبه الفاغية، وكان أحب الطعام إليه الدّبّاء، وروى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يحب الدّبّاء. الثالث: الحلوى والعسل. روى البخاري وأبو بكر الشافعي وأبو سعيد بن الأعرابي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب الحلوى والعسل. الرابع: الزبد والتمر. روى أبو داود عن ابني بسر السلميين رضي الله تعالى عنهما قالا: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقدمنا له زبدا وتمرا. الخامس: لحم الذراع. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه الحديث. السادس: لحم الظهر. روى الحميدي والطبراني عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير أو أطيب اللحم لحم الظهر» . وروى النسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عراق الشاة والجنب.

السابع: في أحب الفواكه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرطب والبطيخ.

وروى ابن السني وأبو نعيم في الطبّ، والبيهقي عن مجاهد مرسلا، والطبراني عن عبد الله بن محمد قال: كان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقدّمها. السابع: في أحب الفواكه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الرطب والبطيخ. روى ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان أحب الفواكه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الرطب والبطيخ، ورواه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. تنبيهان الأول: حديث بريدة مرفوعا: سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية، - رواه الطبراني برجال ثقات غير سعيد بن عتيبة القطان فيجر رجاله. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الفاغية: بفاء فألف فغين معجمة مكسورة فتحتية فتاء تأنيث نور الحنّاء، وقيل نور الرّيحان، وقيل نور كل نبت من أنواع نبات الصحراء التي لا تزرع، وقيل فاغية كل نبت نوره. العراق: بعين مهملة مضمومة فراء فألف فقاف جمع عرق بفتح وسكون وهو العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم، وهو جمع نادر.

الباب الثامن فيما كان صلى الله عليه وسلم يعافه من الأطعمة

الباب الثامن فيما كان صلى الله عليه وسلّم يعافه من الأطعمة وفيه أنواع: الأول: فيما كرهه صلّى الله عليه وسلم من الخضراوات. روى الإمام أحمد ومسلم واللفظ له عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على مزرعة بصل بخيبر هو وأصحابه، فنزل ناس منهم، فأكلوا، ولم يأكل آخرون، فرجعنا إليه، فدعا الذين لم يأكلوا، وأخر الآخرين حتى ذهب ريحها وتجمعا. وروى الدّارقطني في «غرائب ملك» ، وابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الثوم، ولا الكراث، ولا البصل، من أجل أن الملائكة عليهم السلام تأتيه، ومن أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام [ (1) ] . وروى ابن سعد عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرسل إليه بطعام يعني حضره، وفيه بصل وكراث ولم ير فيها أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أستحي من الملائكة وليس بمحرم» [ (2) ] . وروى عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام أصاب منه، ثم بعث به إلينا، فبعث إلينا بطعام لم يصب منه فقلت إن لهذا الطعام لشأنا، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أنه لم يكن يأتينا من قبلك شيء إلا وقد أصبت منه ما شاء الله، فقال: «إن هذه بقلة أكرهها، ولكن كلوها» ، قال: إني أكره ما كرهت يعني الثوم. وروى ابن سعد عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقصعة فيها ثوم، فوجد ريح الثوم، فكفّ يده، وكف معاذ رضي الله تعالى عنه يده، فكف القوم أيديهم، فقال لهم: «ما لكم؟» فقالوا: كففت يدك، فكففنا أيدينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كلوا باسم الله، فإني أناجي ما لا تناجون» [ (3) ] . وروى ابن سعد عن عبد الله بن وهب قال: سمعت أبا صخر، وعن يزيد بن قسيط قالا: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسويق لوز، فلما خيض له قال: «ماذا؟» قالوا: سويق اللوز قال: «أخروه عني هذا شراب المترفين» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أبو نعيم في الحلية 6/ 332 والخطيب في التاريخ 2/ 265 وابن عبد البر في التمهيد 6/ 418. [ (2) ] الطبراني في الكبير 4/ 188 وابن خزيمة (1670) . [ (3) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 110. [ (4) ] أخرجه ابن المبارك 2/ 55 وأحمد في الزهد (6) وابن سعد 1/ 2/ 110.

الثاني: فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعافه من اللحوم.

الثاني: فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعافه من اللحوم. روى الطبراني وابن عدي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكره من الشاة سبعا: المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدّة والدم [ (1) ] . وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكره من الشاة سبعا: المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم، وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقدّمها. وروى ابن السني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الكليتين لمكانهما من البول [ (2) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من لحوم الطير والوحش ما أكل الجيفة. وروى مسدد برجال ثقات عن رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل أدنى القلب. وروى ابن أبي شيبة بسند ضعيف عن خزيمة بن جزء رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله جئتك أسألك عن أجناس الأرض فما تقول في الضب؟ قال: «لا آكله ولا أحرمه» ، قلت: فإني آكل ما لم تحرم، ولم يا رسول الله؟ قال: «فقدت أمة من الأمم، ورأيت خلقا رابني» قال: قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب؟ قال: «لا آكله ولا أحرمه» ، قال: قلت يا رسول الله فإني آكل ما لم تحرم، ولم يا رسول الله؟ قال: «نبئت أنها تدمي» الحديث. وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: جيء بأرنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنا جالس عنده، فلم يأكلها، ولم ينه عن أكلها، وقال: «إنها تحيض» . وروى الإمام مالك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، وكانت خالتها، فأتي بضبّ محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيده فقال بعض النسوة في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه، فقيل له: إنه ضبّ يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يده، فقيل: أحرام هو يا

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 10/ 7 وانظر المجمع 5/ 36 وعبد الرزاق (8771) . [ (2) ] ذكره الفتني في التّذكرة (145) والعراقي 2/ 370.

رسول الله؟ قال: «لا، ذلك لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه» ، فاجترّه خالد فأكله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر [ (1) ] . وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم سمن وأقط وضب فأكل من السمن والأقط، وقال: «الضب، هذا شيء ما أكلته قط، فمن أراد أن يأكله فليأكله» ، قال: فأكل على خوانه. وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسبعة أضبّ في جفنة، وقد صب عليها سمن قال: «كلوا» ، ولم يأكل، فقال: يا رسول الله أنأكل، ولا تأكل؟ قال: «إني أعافها» . وروى الطّبراني، ورجاله رجال الصحيح، عن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بضب فقال: «كلوه، لا بأس به، ولكنه ليس من طعام قومي» [ (2) ] . وروى قاسم بن اصبغ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذات يوم ليت عندنا خبزة بيضاء من برّة سمراء ملبّقة بسمن فنأكلها، فقام رجل فعملها، ثم جاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: «فيم كان سمنك؟» قال: في عكّة ضب، فعافه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الطبراني من طريقين عن ميمونة أنها أهدي لها ضب، فأتاها رجلان من قومها، فأمرت به فصنع ثم قربته إليهما، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهما يأكلان، ثم أخذ ليأكل فلما أخذ اللقمة إلى فيه، قال: «ما هذا؟» قلت: ضب أهدي لنا، فوضع اللقمة، وأراد الرجلان أن يطرحا ما في أفواههما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تفعلا، إنكم أهل نجد تأكلونها وأما نحن أهل تهامة نعافها» . وروى الشيخان والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب، وهو على المنبر، قال: «لا آكله ولا أحرمه» [ (3) ] . وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا، وخالد بن الوليد، على ميمونة بنت الحارث فقالت: ألا أطعمكم من هدية أم عتيق؟ فقال: بلى قال فجيء بضبين مشويين فتبزّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد رضي الله تعالى عنه: كأنك تقذره قال: «أجل» .

_ [ (1) ] الحديث عند البخاري 9/ 662 (5537) ومسلم 3/ 1542 (44/ 1946) . [ (2) ] انظر المجمع 4/ 38 والكنز (40954) . [ (3) ] البخاري 9/ 662 (5536) ومسلم 3/ 1542 (40/ 1943) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى أيضا عن محمد بن سيرين رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فقال: «إنا قوم قرويون وإنا نعافه» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: المزرعة. الثوم. المثانة: بميم مفتوحة فمثلثة فألف فتاء تأنيث العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف. الحياء: الفرج من ذوات الخف والظلف. الكلية:. والغدة: بغين معجمة مضمومة، فدال مهملة، قيل: يأتيها طاعون الإبل وقلما تسلم منه. البرّة: بضم الموحدة، فراء مشددة مفتوحة: تأنيث البرّ وهو القمح. السمراء: بسين مهملة مفتوحة فميم ساكنة فراء فألف: نوع منه. العكّة: بعين مهملة مضمومة فكاف مشددة مفتوحة فتاء تأنيث: وعاء من جلد مستدير يختص بالسمن والعسل، وهو بالسمن أخص. تبزق: تنزه.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في شربه وذكر مشروباته

جماع أبواب سيرته صلّى الله عليه وسلم في شربه وذكر مشروباته الباب الأول فيما كان يستعذب له الماء، وذكر الآبار التي شرب وبصق فيها، ودعا فيها بالبركة صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: في أنه كان يستعذب له الماء. روى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبّان، والحميدي والبزّار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستسقى له الماء العذب من بئر أو بيوت السّقيا، زاد فيه أبو داود: فقال قتيبة: وهي عين بينها وبين المدينة يومان، وزاد ابن حبان وأبو الشيخ: والسّقيا من أطراف الحرّة عند أرض بني فلان [ (1) ] . وروى عن جعفر بن محمد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستعذب له من بئر غرس، ومنها غسّل [ (2) ] . وروى ابن سعد ومحمد بن عمر الأسلمي عن سلمى امرأة أبي رافع قالت: كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء من بئر مالك بن النضر والد أنس، ثم كان أنس وهند وجارية أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السّقيا، وكان رباح الأسود مولاه يستسقي له من بئر غرس مرة وبيوت السّقيا مرة. وروى ابن سعد عن الهيثم بن نصر بن رهم الأسلمي قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتيه بالماء من جاسم بئر أبي الهيثم بن التّيّهان، وكان ماؤها طيبا. الثاني: في شربه من المطاهر. وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين. الثالث: في الآبار التي شرب منها وبصق فيها ودعا فيها بالبركة.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 100 وأبو داود 4/ 119 (3735) والحاكم 4/ 138. [ (2) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 185.

جملة الآبار التي ورد فيها ذلك إحدى وعشرون. الأولى: بئر أريس كجليس نسبة إلى رجل من يهود اسمه أريس، وهو الفلاح بلغة أهل الشام قديما، وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء. وروى البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك، فدللته عليها، فقال: لقد كانت هذه، وإن الرجل لينضح حماره فتنزح فيستخرجها له، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأمر بذنوب للسقي فإما أن يكون توضأ منه أو تفل فيه، ثم أمر به فأعيد في البئر فما نزحت بعد. قال السيد السّمهودي رحمه الله تعالى في تاريخه ولم يعد ابن شبّة ولا ابن زبالة بئر [أريس من الآبار التي كانت يستسقي منها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكرها] ابن شبّة رحمه الله تعالى في حديقة عثمان، وهذه البئر المعروفة اليوم تعد من أعذب آبار المدينة الشريفة. انتهى. الثانية: بئر الأعواف إحدى الصدقات النبوية. روى ابن شبّة عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على شفة بئر الأعواف، صدقته، وسال الماء فيها، ونبتت نابتة على أثر وضوئه، ولم تزل فيها حتى الساعة، قال السيد: قلت: والأعواف اليوم اسم لجزع كبير في قبلته المربوع، وفي شامية خفافة، وفيه آبار متعددة، فلا يعرف البئر المذكورة منها ولم يذكر المطري [ (1) ] ومن تبعه هذه البئر، ولا الثلاثة بعدها لسكوت ابن النجار عنها. الثالثة: بئر أنا بضم الهمزة، وتخفيف النون كهنا، وقيل: بالفتح وكسر النون المشددة بعدها مثناة تحتية، وقيل: بالفتح والتشديد كحتى وضبطه في النهاية: بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة كحتى، أو النون الخفيفة، وذكره في القاموس أيضا، وذكره ياقوت في المشترك له، وقال: كذا هو مضبوط بخط ابن الحسين بن الفرات، ثم قال: وذكر آخرون أنها بئر أنا بضم الهمزة والنون الخفيفة. روى ابن زبالة [ (2) ] عن عبد الحميد بن جعفر قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّته حين حاصر بني قريظة على بئر أنا، وصلّى في المسجد الذي هناك وشرب من بئر [أنا] وربط دابته بالسّدرة التي في أرض مريم ابنة عثمان.

_ [ (1) ] محمد بن أحمد بن محمد بن خلف الخزرجي الأنصاري السعدي المدني، أبو عبد الله، جمال الدين المطري: فاضل، عارف بالحديث والفقه والتاريخ وهو من أهل المدينة المنورة، ولي نيابة القضاء فيها، وألف لها تاريخا سماه «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة ومات فيها سنة 741 هجرة» الأعلام 5/ 325. [ (2) ] انظر ترجمته في التهذيب 9/ 115.

قال ابن إسحاق: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني قريظة نزل على بئر من آبارها، وتلاحق الناس وهي بئر أنا. وقال السيد رحمه الله تعالى: قلت: وهي غير معروفة اليوم، وناحية بني قريظة عند مسجدهم. الرابعة: بئر أنس بن مالك بن النضر وتضاف أيضا لأبيه رضي الله تعالى عنه. وروى ابن سعد عن مروان بن سعد بن العلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يشرب من بئر مالك بن النضر بن ضمضم، وهي التي يقال لها: بئر أبي أنس. وروى أيضا عن محمود بن الربيع أنه يعقل مجّة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو من بئر أنس. وروى ابن زبالة عن أنس رضي الله تعالى عنه بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم استسقى فنزع له دلو من بئر دار أنس، فسكب على اللبن، فأتي به فشرب، وعمر بين يديه، وأبو بكر عن يساره، وأعرابي عن يمينه الحديث، وهو في الصحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه بلفظ: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فاستسقى، فحلبنا له شاة لنا ثم شبته من بئرنا هذه، فأعطيته الحديث. وروى ابن شبّة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم شرب من بئر أنس رضي الله تعالى عنه. وروى أبو نعيم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بزق في بئر داره، فلم تكن بالمدينة بئر أعذب منها، قال: وكانوا إذا حوصروا استعذب لهم منها، وكانت تسمى في الجاهلية البرود. قال السيد وهي غير معروفة اليوم، لكن تقدم عن ابن شبة في الأخبار أنه كان له شرب يخرج عند دار أنس بن مالك في بني جديلة. الخامسة: بئر أهاب. قال السيد: وفي نسخة عن ابن زبالة بئر ألهاب، والأول هو الصواب الذي اعتمده المحب. روى ابن زبالة عن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بئر أهاب بالحرة وهي يومئذ لسعد بن عثمان فوجد ابنه عبادة بن سعد مربوطا بين القرنين يفتل، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يلبث سعد أن جاء، فقال لابنه: هل جاءك أحد؟ قال: نعم، ووصف له صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحقه، فخرج عبادة حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلّم على رأس عبادة رضي الله تعالى عنه، وبرّك فيه،

فقال: فمات وهو ابن ثمانين، وما شاب، قال: وبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئرها. قال المطري: إن ابن زبالة رحمه الله تعالى ذكر عدة آبار أتاها النبي صلى الله عليه وسلّم، وشرب منها، وتوضأ لا يعرف الآن شيء منها. قال: ومن جملة ما ذكر بئر بالحرة الغربية في آخر منزلة السّقيا، ومنها بئر أخرى، [إذا] وقفت على جادة الطريق كانت السّقيا على يسارك، وهذه عن يمينك بعيدة عن الطريق في سند من الحرة، قد حوط حولها بناء مجصص، لم يزل أهل المدينة يتبركون بها، ويشربون من مائها، وينقل إلى الآفاق منها كما ينقل من ماء زمزم، ويسمونها زمزم أيضا لبركتها، ولم أعلم أحداً ذكر فيها أثرا يعتمد عليه. السادسة: بئر البصة بضم الموحدة وبالصاد المهملة. قال المجد اللغوي [ (1) ] : إنها مشددة، قال السيد رحمه الله تعالى: الدائر على ألسنة أهل البلد تخفيفها. قال المجد رحمه الله تعالى كأنه من بص الماء بصّا إذا رشح قال: وإن روي بالتخفيف فمن وبص يبص وبصا وبصة كوعد يعد وعدا أوعدة، ومن وبص لي من المال أي أعطاني. روى ابن زبالة، وابن عدري من طريقه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأتي الشهداء وأبناءهم ويتعاهد عيالاتهم، قال: فجاء يوما أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال: هل عندك من سدر أغسل به رأسي فإن اليوم الجمعة؟ قال: نعم، فأخرج له سدرا، وخرج معه إلى البصة، فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وصب غسالة رأسه ومراقة شعره في البصة. قال ابن النجار [ (2) ] رحمه الله تعالى: وهذه البئر قريبة من البقيع على طريق الماضي إلى قباء. السابعة: بئر بضاعة بضم الموحدة على المشهور، وحكي كسرها، وبفتح الضاد

_ [ (1) ] محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي، مجد الدين، ابن الظهير: شاعر، أديب. من فقهاء الحنفية، ولد بإربل، وتنقل في العراق والشام، ومات بدمشق، له «تذكرة الأريب وتبصرة الأديب» و «مختصر أمثال الشريف الرضي» و «ديوان شعر» توفي 677 هجرة الأعلام 5/ 323. [ (2) ] الحافظ الإمام البارع مؤرخ العصر مفيد العراق محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن بن النجار البغدادي صاحب التصانيف ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ألف كتاب «القمر المنير في المسند الكبير» ذكر كل صحابي وما له من الحديث، وكتاب «كنز الإمام في السنن والأحكام» وكتاب «أنساب المحدثين إلى الآباء والبلدان» وغير ذلك توفي في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة رحمه الله تعالى تذكرة الحفّاظ 4/ 1428.

المعجمة، وأهملها بعضهم، وبالعين المهملة ثم هاء. روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد المعلّى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يشرب من بئر بضاعة، وبصق فيها وبرّك فيها. وروى ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثني أبي عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه، قال: سمعت عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو أسيد وأبو حميد وسهل ابن سعد رضي الله تعالى عنهم يقولون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتى بئر بضاعة فتوضأ في الدلو، ورده في البئر، ومج في الدلو مرة أخرى، وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في عهده يقول: اغسلوه من بضاعة، فيغسل كأنما حل من عقال. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: لو أني سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، قد- والله- سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مائها. وروى الطبراني عنه رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في بئر بضاعة وبصق فيها. وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي أسيد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن له بئرا بالمدينة يقال لها: بئر بضاعة، قد بصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهي يتبرك بها، ويتيمن بها، وبئر جاسوم، ويقال جاسم بالجيم والسين المهملة فيهما. وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب من جاسم بئر أبي الهيثم بن التّيّهان براتج. وروى محمد بن عمر الواقدي عن الهيثم بن نصر الأسلمي رضي الله تعالى عنه، قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلّم، ولزمت بابه، فكنت آتيه بالماء من بئر جاسم، وهي بئر أبي الهيثم بن التّيّهان، وكان ماؤها طيبا. الثامنة: بئر جمل بلفظ الجمل من الإبل. قال المجد رحمه الله تعالى وهي بئر معروفة بناحية الجرف بآخر العقيق، وعليها مال من أموال أهل المدينة، يحتمل أنها سميت بجمل مات فيها، أو برجل اسمه جمل حفرها. قال السيد رحمه الله تعالى قلت: وهي غير معروفة اليوم، ولم أر من سبق المجد بكونها بالجرف غير ياقوت، وقوله: بآخر العقيق لم أره في السنن الصغرى للنّسائي، ويبعده ما رواه ابن زبالة عن عبد الله بن رواحة، وأسامة بن زيد قالا: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى بئر جمل، وذهبنا

معه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ودخل معه بلال، فقلنا: لا نتوضأ حتى نسأل بلالا كيف توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح على الخفين والخمار- في صحيح البخاري حديث أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل مسلم عليه الحديث. وفي رواية للدارقطني رحمه الله تعالى: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل، وفي أخرى له أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذهب نحو بئر جمل ليقضي حاجته، فلقيه رجل، وهو مقبل، فسلم عليه، وفي رواية للنّسائي أقبل من نحو بئر جمل بالعقيق. وقال المطري عقب ذكر الآبار التي اقتصر عليها ابن النجار، ولم يعلم أنها ست والسابعة لا تعرف اليوم إلا ما يسمع من قول العامة إنها بئر جمل، ولم يعلم أين هي؟ ولا من ذكرها غير ما ورد في حديث البخاري رحمه الله تعالى، وذكر ما تقدم. التاسعة: بيرحاء بكسر الباء وفتحها ممدودا اسم لحديقة نخل بقرب المسجد كانت لأبي طلحة، وقيل بفتح الموحدة والراء مقصورا والأول تصحيف، وروي بضم الراء في الرفع، وفتحها في النصب، وكسرها في الجر، على حسب العامل، وكسر مرخما، وجاء على هذا كما قيل: اسم رجل تنسب إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس رضي الله تعالى عنه فلما نزلت هذه الآية قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أن الله تبارك وتعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب مالي إليّ بيرحاء وإنها صدقة لله عز وجل أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» ، وفي رواية: «فقراء أقاربك» ، فقال أبو طلحة رضي الله تعالى عنه: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، وفي رواية فجعلها لحسان، وأبي بن كعب. العاشرة: بئر حلوة بالحاء المهملة لم يذكرها ابن النجار وذكرها ابن زبالة. فروي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورا فبعث إلى بعض نسائه منها بالكتف، فتكلمن في ذلك بكلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنتن أهون على الله تعالى من ذلك» ، وهجرهن، وكان يقيل تحت أراكة على حلوة: بئر كانت في الزّقاق الذي فيه دار آمنة بنت سعد، وبه سمي الزقاق زقاق حلوة، ويبيت في مشربة له، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها

فقالت: يا رسول الله إنك آليت شهرا قال: «إن الشهر يكون تسعا وعشرين» . قال السيد: قلت: وهذه البئر غير معروفة اليوم بعينها. الحادية عشرة: بئر ذرع بالذال المعجمة وهي بئر بني خطمة. روى ابن زبالة حديث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني خطمة، فصلى في بيت العجوز، ثم خرج منه فصلى في مسجد بني خطمة، ثم مضى إلى بئرهم، ذرع، فجلس في قفّها، فتوضأ وبصق فيها. وروى ابن شبّة عن الحارث بن الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من ذرع بئر بني خطمة التي بفناء مسجدهم، وفي رواية فصلى في مسجدهم، وفي رواية عن رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم بصق في بئر بني خطمة، قال السيد رحمه الله تعالى: وهذه البئر غير معروفة اليوم. الثانية عشرة: بئر رومة بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم بعدها هاء، وقيل رؤمة بهمزة ساكنة بعد الراء. وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب من بئر رومة بالعقيق. وروى ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر رومة، وكانت لرجل من مزينة يسقي عليها بأجر، فقال: «نعم صدقة المسلم هذه، من رجل يبتاعها من المزني فيتصدق بها؟» فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه بأربعمائة دينار، فتصدق بها، فلما علق عليها العلق مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسأل عنها، فأخبر أن عثمان اشتراها وتصدق بها فقال: «اللهم أوجب له الجنة» ، ودعا بدلو من مائها فشرب منه، وقال صلى الله عليه وسلم: «هذا المتاع أما إن هذه الوادي ستكثر مياهه، وتعذب، وبئر المزني أعذبها» . وروى أيضا عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ببئر المزني، وله خيمة إلى جنبها، وجرة فيها ماء بارد، فسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء باردا في الصيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هذا العذب الزلال» . في أسانيد الجميع محمد بن عمر. وروى البخاري عن عبد الرحمن السّلمي أن عثمان رضي الله تعالى عنه حيث حوصر أشرف عليهم فقال: أنشدكم الله تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حفر رومة فله الجنة» ، فحفرتها الحديث، قال: وفيه فصدقوه بما قال، وللنّسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك سعد بن أبي وقاص وعليّ بن أبي طالب وطلحة والزبير.

وبئر زمزم: على يمين السالك إلى العقيق سميت بذلك لبركتها، ولم تزل أهل المدينة قديما وحديثا يتبركون بها، ويشربون من مائها، وينقل إلى الآفاق منها، كما ينقل من زمزم بئر الحرم المكي. الثالثة عشرة: بئر السّقيا بسين مهملة مضمومة فقاف ساكنة فتحتية. روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب منها. وروى ابن شبّة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقى له الماء العذب من بئر السّقيا، وفي رواية من بيوت السّقيا، رواه أبو داود بهذا اللفظ، وسنده جيد، وصححه الحاكم. الرابعة عشرة: بئر العقبة بالعين المهملة ثم القاف قال المجد رحمه الله تعالى ذكرها رزين العبدري في آبار المدينة، وقال: هي التي أدلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أرجلهم فيها، ولم يعين لها موضعا، والمعروف أن هذه القصة إنما كانت في بئر أريس، قال السيد رحمه الله تعالى: والذي رأيته في كتاب رزين في تعداد الآبار المعروفة بالمدينة ما لفظه: وبئر أريس التي سقط فيها الخاتم، وبئر العقبة التي أدلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر أرجلهم فيها انتهى، قال: وقد قدمنا في بئر أريس ما يقتضي تعدد الواقعة. الخامسة عشرة: بئر أبي عنبة بلفظ واحدة العنب. قال ابن سيّد الناس في خبر نقله عن ابن سعد في غزوة بدر ما لفظه: وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره على بئر أبي عنبة، وهي على ميل من المدينة، فعرض أصحابه، وردّ من استصغر، ونقل الحافظ عبد الغني المقدسيّ رحمه الله تعالى أنه عرض جيشه عند بئر أبي عنبة بالحرة فوق هذه البئر أي السّقيا إلى الغرب، ونقل أنها على ميل من المدينة، قال السيد رحمه الله تعالى: قلت: ولعل العرض وقع أولا عند مرورهم بالسّقيا، ثم لما ضرب عسكره على هذه البئر أعاد العرض فرد من استصغر. وقد روى ابن زبالة أن عمر وجدّته اختصما إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابني ويستسقي لي من بئر أبي عنبة، فدل على أن الماء كان يستعذب منها، قال المجد رحمه الله تعالى: وقد جاء ذكر هذه البئر في غير ما حدّثت والله تعالى أعلم بالصواب. السادسة عشرة: بئر العهن بكسر العين المهملة، وسكون الهاء ونون. لما ذكر المطري الآبار التي ذكرها ابن النجار، وهي أريس والبصة وبضاعة، ورومة

والغرس وبيرحاء قال: والسابعة لا تعرف اليوم ثم قال: رأيت حاشية بخط الشيخ أمين الدين ابن عساكر على نسخة من الدرر الثمينة في أخبار المدينة للشيخ محب الدين بن النجار ما مثاله: العدد يقتصر على المشهورة وبقيت بئر واحدة لأن المثبت ست، والمشهور سبع، والسابعة بئر العهن، ولها اسم آخر مشهورة به، قال المطري: عنبة، وبئر العهن هذه بالعوالي وهي بئر مليحة جدا، منقورة في الجبل، ولا يكاد ينزف ماؤها، قال السيد رحمه الله تعالى: قلت: ولم يذكروا شيئا يتمسك به في فضلها، ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم يزل الناس يتبركون بها، والذي ظهر لي بعد التأمل أنها بئر اليسيرة الآتي ذكرها وأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليها، وتوضأ منها، وبصق فيها لأن اليسيرة بئر بني أمية من الأنصار عند منازلهم، وبئر العهن عند منازلهم. السابعة عشرة: بئر غرس بضم الغين المعجمة وبالراء والسين المهملة. روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب منها وبرّك فيها، وقال: «هي عين من عيون الجنة» . وروى أيضاً عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على شفير بئر غرس: «رأيت الليلة أني جالس على عين من عيون الجنة» ، يعني هذه البئر. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئر غرس من عيون الجنة» . وروى أيضاً عن عمر بن الحاكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم البئر غرس، هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستعذب له منها، وغسل منها. وروى أيضا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم قباء فانتهينا إلى بئر غرس، وإنه ليستقي منها على حمار، ثم يقوم عامة النهار ما يجد فيها ماء، فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو، ورده فيها، فجاشت بالرّواء. في أسانيده هذه كلها محمد بن عمر الأسلمي. الثامنة عشرة: بئر القرضافة. قال السيد رحمه الله تعالى: لعلها بالقاف والراء كما رأيت في بعض النسخ، وفي بعضها بعين بدل القاف. روى ابن زبالة عن جابر بن عبد الله أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه عرض على غرماء

تنبيهات

أبيه القرضافة بما عليه من الدين فأبوا فقال: «دعهم حتى إذا كان جذاذها، فجذها في أصولها، ثم ائتني» ، فجاءه فأعلمه، فخرج صلى الله عليه وسلم فبصق في بئرها ودعا الله تعالى أن يؤدي عن عبد الله، قال السيد: ويؤيده أن أصل حديث جابر في أرضه مذكور في الصحيح بطرق، وفي بعضها: وكانت لجابر البئر التي بطريق رومة، وهذه الجهة بطريق رومة. التاسعة عشرة: بئر القريصة بقاف وصاد مهملة مصغرة. روى ابن زبالة عن سعد بن حرام، والحارث بن عبيد قالا: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بئر في القريصة، بئر بني حارثة أي شرب منها وبصق فيها، وسقط فيها خاتمه، فنزع، ثم روى عقبة سقوط الخاتم في بئر أريس. العشرون: بئر اليسيرة من اليسر ضد العسر. وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من العسيرة بئر بني أمية بن زيد، وقف على يسارها فبصق فيها، وشرب منها، وبارك فيها، وسأل عن اسمها فقيل: العسيرة، فسماها: اليسيرة. تنبيهات الأول: قال ابن بطال رحمه الله تعالى: استعذاب الماء لا ينافي الزهد، ولا يدخل في التّرفّه المذموم، بخلاف تطييب الماء بالمسك ونحوه، فقد كرهه مالك رحمه الله تعالى، لما فيه من السرف، وأما شرب الماء الحلو وطلبه فمباح، وليس في شرب الماء الملح فضيلة. الثاني: الذي اشتهر معرفته من الآبار سبع، ولذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: وكذلك تقصد الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتوضأ منها، ويغتسل، ويشرب، وهي سبع آبار طلبا للشفاء، وتبركا به صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ العراقي في المغني: وهي بئر أريس، وبير حاء، وبئر رومة، وبئر غرس، وبئر بضاعة، وبئر البصة، وبئر السّقيا، أبو بئر العهن أو بئر جمل، فجعل السابعة مترددة بين الآبار الثلاثة، قال السيد رحمه الله تعالى: والمشهور اليوم عند أهل المدينة أن السابعة هن العهن، ولذا قال أبو اليمن المراغي شعرا: إذا رمت آبار النّبيّ بطيبة ... فعدّتها سبع مقالا بلا وهن أريس وغرس بضاعة ... كذا بصة قل بير حاء مع العهن الثالث: بئر إهاب بهمزة. قال ابن بطال رحمه الله تعالى: قول البخاري: عثمان اشتراها- قال الحافظ بن حجر

رحمة الله تعالى: والمشهور في الروايات كما قال، لكن لا يتعين الوهم لحديث: وكانت لبني عمار عين يقال لها: رومة، فقال عليه الصلاة والسلام: «لعينها عين في الجنة» ، وذكر الحديث ثم قال: وإذا كانت أولا عينا فلا مانع من أن يحفر فيها عثمان رضي الله تعالى عنه بئرا، ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها، أو طولها، فنسب حفرها إليه انتهى. الرابع: قال السيد رحمه الله تعالى: وقال أبو داود عقب روايته لحديث استعذاب الماء من بيوت السّقيا: عين بينها وبين المدينة يومان قلت: وما ذكره صحيح إلا أنه غير مراد هنا، وكأنه لم يطلع على أن بالمدينة بئرا تسمى بذلك، وقد اغتر به المجد فقال: السقيا قرية جامعة من عمل الفرع ثم أورد حديث أبي داود، وقول صاحب النهاية: السقيا منزل بين مكة والمدينة قيل على يومين إلخ مردود مع أن المعتمد عندي أن السّقيا التي جاء حديث الاستعذاب منها إنما هي سقيا المدينة لوجوده، فانظرها فيه إن شئت والله أعلم .

الباب الثاني في الآنية التي شرب منها صلى الله عليه وسلم، وما كره الشرب منه،

الباب الثاني في الآنية التي شرب منها صلّى الله عليه وسلم، وما كره الشرب منه، وفيه أنواع: الأول: في شربه من القوارير. روى البزار وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدح قوارير، فكان يشرب منه [ (1) ] . الثاني: في شربه من الفخّار. روى ابن منده عن عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده خبّاب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأكل قديدا ثم يشرب من فخارة. الثالث: في شربه من القدح الخشب. روى البخاري عن عاصم الأحول عن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: رأيت قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وكان قد انصدع، فسلسله بفضة قال: وهو قدح عريض من فخّار، قال أنس رضي الله تعالى عنه: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. وروى عنه ابن سيرين أنه كان في حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من فضة أو ذهب فقال أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه. وروى ابن الجوزي عن عيسى بن طهمان قال: أخرج أنس بن مالك قدحا من خشب غليظا مضبّبا بحديد فقال: يا ثابت هذا قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الترمذي في الشمائل والبرقاني، وأبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح الشراب كله، اللبن والنبيذ والعسل والماء. وروى أبو يعلى عن محمد بن إسماعيل رحمه الله تعالى قال: دخلت على أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه فرأيت في بيته قدحا من خشب كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب منه ويتوضأ.

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة في الأشربة (3435) وإسناده ضعيف.

الرابع: في شربه صلى الله عليه وسلم من النحاس.

وروى النسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان لأم سليم قدح فقالت: سقيت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عن حازم بن القاسم قال: رأيت أبا عسيب يشرب في قدح من خشب فقلت: ألا تشرب في أقداحنا هذه الرقاق؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب، يعني فيها. وروى ابن شاذان [ (1) ] عن زهير بن محمد رحمه الله تعالى قال: اسم قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم القمر. الرابع: في شربه صلى الله عليه وسلّم من النحاس. روى الطبراني بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان لمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قدح من صفر نحاس، فيه يسقي النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرب وفيه يوضئه إذا توضأ. الخامس: في شربه من القربة بيانا للجواز وهو قائم. روى الإمام أحمد برجال الصحيح خلا البراء بن زيد ولم يضعف عن أم سليم وفي رواية كبشة امرأة كان في بيتها قربة معلقة قالت: فشرب من القربة قائما، فعمدت إلى فم القربة فقطعتها، وزاد فيه التّرمذي، فقمت إلى فمها فقطعتها، وقال: حسن صحيح، وابن ماجة، وعنده: فقطعت فم القربة تتبعا موضع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الترمذي وضعفه عن ابن عبد الله بن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قام إلى قربة فخنثها فشرب من فمها. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن كبشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فشرب من فم قربة، فقامت إليه، فقطعته فأمسكته. وروى ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سليم، وفي البيت قربة معلقة، فشرب منها، وهو قائم، فقطعت أم سليم فم القربة، وكان عندها. وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على امرأة من الأنصار وفي البيت قربة معلقة فاختنثها فشرب وهو قائم.

_ [ (1) ] أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان أبو بكر البزاز: محدّث بغداد في عصره. مولده ووفاته فيها، وأصله من دورق (من أعمال الأهواز) كان يتجر بالبزّ إلى مصر وغيرها له «مسلسلات» في الحديث توفي 383 هجرة انظر الأعلام 1/ 86.

السادس: في شربه صلى الله عليه وسلم من الدلو ومجه في بعض الآنية.

وروى مسدد مرسلا برجال ثقات عن عيسى الأنصاري رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعا يوم أحد بماء، فأتاه رجل بإداوة من ماء، فقال: اجتث فم القربة واشرب، ورواه أبو داود موصولا من طريق عبيد الله بن عمر عن عيسى بن عبد الله- رجل من الأنصار- عن أبيه. السادس: في شربه صلى الله عليه وسلّم من الدلو ومجّه في بعض الآنية. وروى البزار برجال ثقات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزلنا، فناولته دلوا فشرب، ثم مجّ في الدلو. السابع: فيما كره صلى الله عليه وسلّم الشرب منه. روى محمد بن عمر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتقي أن يشرب من الإناء العاري. تنبيهات الأول: قال في زاد المعاد كان له صلى الله عليه وسلم قدح يسمى الذّبال، ويسمى مغيثا، وركوة تسمى الغار. الثاني: ورد النهي عن اختناث الأسقية، فقد روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن اختناث الأسقية، قال في النهاية: إنما نهى عنه لأنه ينتنها، فإن إدارة الشرب هكذا مما يغير ريحها، وقيل لئلا يترشرش الماء على الثوب لسعة فم السّقاء، والمحذور على الأول مأمون، فإن نكهته الشريفة صلى الله عليه وسلم أطيب من كل طيب، ولا يخشى منه ما في غيره من تغير السّقاء ونتنه، وورد النهي عن الشرب من فم السّقاء، فقد روى الطبراني برجال ثقات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يشرب من السقاء قال: الخطابي رحمه الله تعالى: إنما كرهه من أجل ما يخاف من أذى عساه يكون فيه لا يراه الشارب حتى يدخل في جوفه، فاستحب أن يشرب في إناء طاهر يبصره. الثالث: روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: لقد شرب رجل من فم سقاء فانساب في بطنه جان، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية، ومن هذا استفيد سبب النهي. قال البيهقي رحمه الله تعالى: وأما ما روي في الرخصة في ذلك فأخبار النهي أصح إسنادا، وقد حمله بعض أهل العلم على ما لو كان السّقاء معلقا فلا يدخله هوام الأرض.

الرابع: إنما قطعت أم سليم رضي الله تعالى عنها فم القربة رجاء بركتها، أو لئلا يتبدل موضع فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنعت ذلك تكرمة له. الخامس: في بيان غريب ما سبق:. القوارير: بقاف فواو فراءين مهملتين بينهما تحتية: الزجاج. النضار: بنون فضاد معجمة فألف فراء: الذهب. القمر: بقاف مضمومة فميم ساكنة فراء. السقيا: تقدم تفسيره. الاختناث: بخاء معجمة فمثناة فوقية فنون فألف فمثلثة قال الخطابي: هو أن تنثني رؤوسها، وتعطف، ثم يشرب منها، وقال في النهاية اختنثته: إذا ثنيت فمه إلى خارج، وشربت منه، وقبعته: إذا ثنيته إلى داخل، وقال أبو الفرج الاختناث في الأسقية أن تنثني أفواهها، ثم تشرب منها وفي ذلك ثلاث آفات. الأولى: أنه ينتنها. الثانية: أنه ربما كان فيها هامة أو شيء فيسبق إلى حلقه. الثالثة: أنه ربما أسرع جريان الماء فيحصل منه الشّرق.

الباب الثالث في شربه صلى الله عليه وسلم قاعدا كثيرا وشربه قائما،

الباب الثالث في شربه صلى الله عليه وسلّم قاعدا كثيرا وشربه قائماً، وفيه أنواع: الأول: في شربه قاعدا وقائما. روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد بسند جيد عن علي رضي الله تعالى عنه، ومحمد بن أبي عمر وابن أبي شيبة عن ميسرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: لئن شربت قائما، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب قائما وإن شربت قاعدا لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب قاعدا. وروى الترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب قائما وقاعدا [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات وأبو الشيخ وأبو الحسن بن الضحاك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب قائما وقاعدا. الثاني: في شربه قائما للجواز. روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماء زمزم فشرب وهو قائم [ (2) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائما. وروى محمد بن عمر وابن أبي شيبة عن ميسرة رحمه الله تعالى قال: رأيت عليا رضي الله تعالى عنه يشرب قائما، فقلت له: تشرب قائما؟ قال: إن أشرب قائما فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب قائما، وإن أشرب قاعدا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب قاعدا. وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة رضي الله تعالى عنها، والطبراني عن أبي هريرة وأحمد من طريق آخر عنه برجال ثقات عن سعد بن أبي وقّاص، والبزار، وأبو يعلى برجال الصحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه، والطبراني برجال الصحيح عن أبي سعيد الخدري،

_ [ (1) ] وفيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أحمد 2/ 12، 24، 29، 108 والدارمي 2/ 120 والترمذي 4/ 300 (1880) وقال حسن غريب وابن ماجة 2/ 98 (3301) . [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 492 (1637) (5617) ومسلم 3/ 1602 (120/ 2027) .

تنبيه

والبخاري عن علي، وأبو بكر الشافعي عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب قائما [ (1) ] . وروي نهيه عن الشرب قائما. وروى البخاري وغيره عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما [ (2) ] . وروى مسدد والإمام أحمد وابن أبي شيبة والبزار برجال ثقات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يشرب قائما، قال: «قئ» ، قال: لم؟ قال: «أتحب أن يشرب معك الهرّ؟» قال: لا، قال: «قد شرب معك شر منه الشيطان» . وروى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الذي يشرب قائما ما يجعل في بطنه لاستقاء» . تنبيه لا يكون مكروها بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلّم. وقوله فيء محمول على الاستحباب، والندب، فيستحب لمن شرب قائما أن يتقايأ للأحاديث الصحيحة، قاله الإمام النووي رحمه الله تعالى، ومن نظم الحافظ رحمه الله تعالى عليه: إذا رمت تشرب فاقعد تقرّ ... بسنّة صفوة أهل الحجاز وقد صحّحوا شربه قائما ... ولكنّه لبيان الجواز وقال ابن القيم في الهدي: من هديه صلى الله عليه وسلّم الشرب قاعدا، كان هديه المعتاد، وصح عنه أنه نهى عن الشرب قائما، وصح عنه أنه شرب قائما، فقالت طائفة: لا تعارض بينهما أصلا، فإنما شرب قائما للحاجة فإنه جاء إلى زمزم، وهم يستقون منها، فاستقى فناوله الدلو فشرب وهو قائم، وهذا كان موضع الحاجة. وللشرب قائما آفات عديدة: منها أنه لا يحصل الرّي التام ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء، وينزله بسرعة وحدة إلى المعدة، فيخشى منه أن يبرّد حرارتها، ويسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج، وكل هذا يضر بالشارب، فأما إذا، فعله نادرا أو لحاجة فلا، ولا يعترض على هذا بالعوائد فلها طبائع ثوان، ولها أحكام أخرى، وهي بمنزلة الخارج عن القياس عند الفقهاء رحمهم الله تعالى.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 18 (5616) . [ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 600 (113/ 2024) .

الباب الرابع في آدابه صلى الله عليه وسلم في شربه،

الباب الرابع في آدابه صلّى الله عليه وسلم في شربه، وفيه أنواع: النوع الأول: في اختياره الماء البائت، وإرادته الكرع بفيه صلى الله عليه وسلّم. روى البخاري والإمام أحمد وأبو داود والبرقاني عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل حائطا من الأنصار، ومعه رجل من أصحابه، وهو يحوّل الماء في حائطه فقال: «إن كان عندك ماء بات وإلا كرعنا» ، قال: عندي ماء بات في شن فانطلق إلى العريش فصب منه في قدح، وحلب عليه داجنا- يعني شاة- فسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى العريش، ففعل مثل ذلك فسقى صاحبه [ (1) ] . النوع الثاني: في أحب الشراب إليه صلى الله عليه وسلم. روى مسدّد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشراب أحب إليك؟ قال: «الحلو البارد» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح- ولم يسم التّابعي- عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي الشراب أطيب؟ قال: «الحلو البارد» . وروي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في شجاب أو على جمارة من جريد. النوع الثالث: في مناولته الإناء من عن يمينه. روى البخاري وأبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه حلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة داجنا، وهو في دار أنس بن مالك ثم شاب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلّم يشرب منه، وعلى يساره أبو بكر، وعلى يمينه أعرابي، فجاء عمر رضي الله تعالى عنه، وخاف أن يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي، فقال: «أعط أبا بكر يا رسول الله، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأعرابي الذي على يمينه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الأيمن فالأيمن» [ (2) ] . وروى الشيخان عنه أيضا قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فحلبنا له شاة ثم شبته

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 75 (5613) (5621) . [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 201 (2571) ومسلم 3/ 1604 (126/ 2029) .

النوع الرابع: في بدئه صلى الله عليه وسلم بالأكابر.

من ماء بئرنا هذه، فأعطيته، وأبو بكر عن يساره، وعمر تجاهه، وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال عمر رضي الله تعالى عنه: هذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه، فأعطى الأعرابي، وقال: الأيمنون الأيمنون، قال أنس رضي الله تعالى عنه: فهي سنة [ (1) ] . وروى الحميدي، ومحمد بن أبي عمر، والإمام أحمد، وابن سعد، وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا وخالد بن الوليد على ميمونة رضي الله تعالى عنها، فجاءتنا بإناء من لبن، وفي رواية قالت: ألا أسقيكم من لبن أهدته لنا أم عقيق؟ كذا رواه، والمحفوظ أم حميد أو حفيد، قال: بلى فجيء بإناء من لبن، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا عن يمينه، وخالد عن شماله، فقال: «المشربة لك، فإن شئت آثرت بها خالدا» ، فقلت: ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطعمه الله طعاما فليقل الّلهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإني لا أعلم شيئا يجزئ عن الطعام والشراب غيره» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني بسند جيد عن محمد بن إسماعيل رحمه الله تعالى قال: قيل لعبد الله بن أبي حبيبة: ما أدركت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا بقباء، وأنا غلام، حتى جلست عن يمينه، وجلس أبو بكر رضي الله تعالى عنه عن يساره، ثم دعا بشراب فشرب منه، ثم أعطانيه، وأنا عن يمينه، فشربت منه، ثم قام فصلى فرأيته يصلي في نعليه. النوع الرابع: في بدئه صلى الله عليه وسلّم بالأكابر. روى الطبراني برجال الصحيح وأبو يعلى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: «ابدؤوا بالكبرى أو قال بالأكابر» . وروى الطبراني بسند جيد إلا أبا عبد الملك علي بن زيد الأزدي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة في نفر الصحابة رضي الله تعالى عنهم إذ أتى بقدح فيه شراب، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة، فقال أبو عبيدة: أنت أولى به يا نبي الله، قال: خذ فأخذ أبو عبيدة القدح قال له قبل أن يشرب: خذ يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اشرب، فإن البركة مع أكابرنا، فمن لم يرحم صغيرنا، ويجل كبيرنا فليس منا» . وروى ثابت بن قاسم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: جلس

_ [ (1) ] انظر المصادر السابقة.

النوع الخامس: في أمره صلى الله عليه وسلم بالبداءة بمن انتهى إليه القدح.

رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقيفته التي عند المسجد، قال سهل بن سعد: فاستسقاني فقدمت له وطبة فشرب، ثم قال: «كانت الأولى أطيب من الأخرى» فقلت يا رسول الله هما من شنّ واحد، ثم نادى أبا بكر فشرب، وعمر عن يمينه. النوع الخامس: في أمره صلى الله عليه وسلّم بالبداءة بمن انتهى إليه القدح. روى الإمام أحمد برجال الصحيح- وفيه راو لم يسم- عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه عذق تمر نعلله به، وطبخت له، وسقيناهم، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسقى الذي عن يمينه، ثم أخذت القدح حين نفذ ما فيه فجئت بقدح آخر، وكنت أنا الخاتم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أعط القدح الذي انتهى» . النوع السادس: في شربه صلى الله عليه وسلّم بعد أصحابه إذا سقاهم. روى الإمام أحمد وأبو يعلى برجال ثقات عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عطش فنزلنا منزلا، فأتي بإناء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقي أصحابه، وجعلوا يقولون: اشرب، فيقول صلى الله عليه وسلّم: «ساقي القوم آخرهم شربا» حتى سقاهم كلهم [ (1) ] . وروى أبو الشيخ وابن حبان عن أنس رضي الله تعالى عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسقي أصحابه، قالوا: يا رسول الله لو شربت، فقال: «ساقي القوم آخرهم» . وروى أبو يعلى عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فبعث إليه امرأة مع ابن لها شاة، فحلب، ثم قال: «انطلق به إلى أمك» ، فشربت حتى رويت، ثم جاء بشاة أخرى، فحلب ثم سقي أبا بكر، ثم جاءه بشاة أخرى، فحلب، ثم شرب. النوع السابع: في شربه مصّا وتنفسه ثلاثا. وروى الطبراني عن بهز قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستاك عرضا ويشرب مصّا، ويتنفس ثلاثا ويقول: «هو أهنأ وأمرأ وأبرأ» [ (2) ] . وروى أيضا عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعبّ يشرب مرتين أو ثلاثا. وروى أبو بكر الشافعي عن ربيعة بن أكثم رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا، ويشرب مصّا، ويقول: هو أهنأ» .

_ [ (1) ] وروي من حديث أبي قتادة أخرجه مسلم 1/ 474 (311/ 681) . [ (2) ] وبنحوه أخرجه البخاري 10/ 92 (5631) ومسلم 3/ 1602 (123/ 2028) .

النوع الثامن: في مضمضته إذا شرب اللبن.

وروى البغوي وابن القانع والطبراني في الكبير، وابن السّني وأبو نعيم في الطّب عن بهز والبيهقي عن ربيعة بن أكثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستاك عرضا ويشرب مصّا، ويتنفس ثلاثا، ويقول: «هو أهنأ وأمرأ وأبرأ» . وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس إذا شرب ثلاثا، زاد التّرمذي ومسلم: ويقول: «إنه أروى وأمرأ» [ (1) ] . وروى عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب يوما، فشرب في ثلاثة أنفاس، فقلت: يا رسول الله تشرب الماء في ثلاثة أنفاس؟ فقال: «هو أشفى وأمرأ وأبرأ» . وروى البزار، والطبراني، وأبو الحسن بن الضحاك عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا، يحمد الله تعالى في كل نفس، ويشكره عند آخرهن. وروى ابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب جرعة، ثم قطع، ثم سمّى، ثم سمّى، ثم جرع، ثم قطع، ثم سمى، الثالثة: ثم جرع، ثم مضى فيه حتى فرغ منه، فلما شرب حمد الله تعالى عليه. وروى أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا قط إلا تنفس فيه ثلاثا، كلها يقول: «باسم الله والحمد لله» . وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتنفس في طعام ولا شراب، ولا يتنفس في الإناء. وروى البزار برجال ثقات عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتنفس في الإناء ثلاثا. وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وعن نوفل بن معاوية الدّيلمي، والطبراني والبزّار عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب بثلاثة أنفاس، يسمي الله تعالى في أولها إذا أدنى الإناء من فيه، ويحمده في آخرها إذا أخره. النوع الثامن: في مضمضته إذا شرب اللبن. روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فدعا بماء فمضمض، فقال: «إن له دسما» .

_ [ (1) ] انظر التخريج السابق.

النوع التاسع: في شربه صلى الله عليه وسلم ولم يتمضمض.

وروى البخاري وابن ماجة والبرقاني في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلب شاة، وشرب من لبنها، ودعا بماء فمضمض فاه، وقال: «إن له دسما» . النوع التاسع: في شربه صلى الله عليه وسلّم ولم يتمضمض. روى أبو الحسن بن الضحاك بسند فيه ضعف عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب ولم يتمضمض، ولم يتوضأ. النوع العاشر: في شربه صلى الله عليه وسلّم من الإناء. روى الطبراني برجال ثقات غير يحيى بن مطيع بنحو رجاله عن جرير رضي الله تعالى عنه روى: دخل عيينة بن حصن رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل فاستسقى، فأتى بماء فستره فشرب فقال: ما هذا قال: «الحياء والإيمان إن منحتموها أو منعتموها» . النوع الحادي عشر: في أمره صلى الله عليه وسلّم بتخمير الإناء. روى أبو يعلى برجال عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا يقال له أبو حميد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإناء فيه لبن من النّقيع نهارا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا خمّرته ولو أن تعرض عليه بعود» . النوع الثاني عشر: في كراهته صلى الله عليه وسلّم أن ينفخ في شرابه. روى الطبراني برجال ثقات إلا صالح مولى التّوأمة فإنه اختلف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كره أن ينفخ في شرابه. تنبيهات الأول: قال المهلب: الحكمة في طلب الماء البائت أن يكون أبرد وأصفى، وأما مزج اللبن بالماء البائت فلعل ذلك كان في يوم حار كما وقع في قصة أبي بكر مع الدّيلمي أي السابق في حديث الهجرة. قال الحافظ رحمه الله تعالى لكن القصتان مختلفتان، فصنيع أبي بكر رضي الله تعالى عنه باللبن لشدة الحر، وصنيع الأنصاري رضي الله تعالى عنه أراد ألا يسقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء صرفا، فأراد أن يضيف إليه اللبن، فأحضر له ما طلبه منه، وزاد عليه من جنس جرت عادته بالرغبة فيه. الثاني: روى ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: مررنا على بركة نكرع فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تكرعوا، ولكن اغسلوا أيديكم، ثم اشربوا بها» - في سنده

ضعيف فإن كان محفوظا فالنهي للتنزيه، وأراد الفعل لبيان الجواز، وحديث جابر رضي الله تعالى عنه قيل: قبل النهي، أو النهي في غير حال الضرورة، وهل الفعل كان لضرورة شرب الماء ليس ببارد فيشرب بالكرع. وروى ابن ماجه أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب على بطوننا، وهو الكرع، وسنده أيضا ضعيف، فهو إن ثبت احتمل أن يكون نهيا خاصا بهذه الصورة، وهو أن يكون الشارب مضطجعا، ويحمل حديث جابر رضي الله تعالى عنه على الشرب بالفم من مكان عال لا يحتاج إلى الانبطاح. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الكرع: بالراء تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف، وإنما سمي كرعا لأنه فعل البهائم لشربها بأفواهها، والغالب أنها تدخل كراعها حينئذ في الماء. الشّن: بمعجمة مفتوحة والنون مشددة: القربة العتيقة. الداجن: الشاة الملازمة للبيت. العريش: بعين مهملة مفتوحة، فراء مكسورة، فتحتية، فمعجمة: كل ما يستظل به. الشّجب: بمعجمة فجيم فموحدة وبالسكون السقاء الذي خلق وبلى وصار شنّا. الجمّارة من الجريد: هي ثلاث خشبات تسمر في رؤوسها، بعضها في بعض، وتقام ويعلق المسافر فيها قربته ومتاعه، وتسميها العامة سيباه. السؤر: بمهملة فهمز فراء: فضلة الشراب. الجرعة: بجيم مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث: اسم للشرب اليسير وبفتح الجيم الواحدة.

الباب الخامس في ذكر مشروباته صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في ذكر مشروباته صلّى الله عليه وسلم وفيه أنواع: النوع الأول: في كراهته حلب المرأة. وروى ابن أبي شيبة عن أبي شيخ قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر [محارب] نصركم الله لا تسقوني حلب المرأة» [ (1) ] . النوع الثاني: في شربه صلى الله عليه وسلّم اللبن الخالص. روى الإمام مالك والبخاري عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله تعالى عنها أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: بعضهم هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه أم الفضل بقدح لبن، وهو واقف على بعيره، فشرب بعرفة. وروى ابن أبي شيبة عن عمر بن الحكم رضي الله تعالى عنه قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم متعه بشبابه» [ (2) ] . وروى أبو الشيخ وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم اللبن. وروى البخاري عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه معه، قال أبو بكر: مررنا براعي غنم، وقد عطش رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فحلبت كثبة من لبن في قدح، فشرب حتى رضيت. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب لبنا فمضمض، وقال: «إن له دسما» . وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران: فالنيل والفرات، وأما الباطنان فنهران في الجنة، فأوتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن، فشربت، فقيل: لقد أصبت الفطرة والله أعلم» . النوع الثالث: في شربه صلى الله عليه وسلّم اللبن المشوب بالماء. وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب لبنا، وأتى دارنا، فحلبت شاة، فشبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من البئر، فتناول القدح فشرب، وعن يساره أبو بكر

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 6/ 28 وانظر المجمع 5/ 83. [ (2) ] انظر المجمع 9/ 406 والمطالب (4087) والكنز (37288) .

النوع الرابع: في شربه صلى الله عليه وسلم النبيذ وهو المعروف الآن بالأقسما، وصفته، وتحريم الخمر عليه أول ما بعث قبل تحريمها على الأمة.

رضي الله تعالى عنه، وعن يمينه أعرابي، وفي رواية: وأبو بكر تجاهه، فقال عمر رضي الله تعالى عنه- وخاف أن يعطيه الأعرابي: أعط أبا بكر، وفي رواية: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي فضله، ثم قال: الأيمن فالأيمن. وروى محمد بن عمر عن أبي الهيثم بن نصر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل في يوم صائف، ومعه أبو بكر على أبي الهيثم، فقال: «هل من ماء بارد؟» فأتاه بشجب ماء كأنه الثلج، فصب منه على لبن عنز له وسقاه. فائدة: روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا ثلاثة لا ترد: اللبن والوسادة والدّهن وأنشد بعضهم يقول في ذلك: قد كان من سيرة خير الورى ... صلّى عليه الله طول الزّمن ألّا يردّ الطّيب والمتّكا ... واللّحم أيضا يا أخي واللّبن النوع الرابع: في شربه صلى الله عليه وسلّم النبيذ وهو المعروف الآن بالأقسما، وصفته، وتحريم الخمر عليه أول ما بعث قبل تحريمها على الأمة. روى أبو سعيد بن الأعرابي عن أم سليم رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أنبذ في جرار خضر فيجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشرب منها. وروى أبو القاسم البغوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من الحجارة. وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم عن أبي الدرداء وابن ماجة، عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء، فإذا لم يجد سقاء ينبذ له في تور من الحجارة، وفي لفظ برام. وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه قال: كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من الحجارة. وروى أبو القاسم البغوي عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان ينبذ له في تور من حجارة زاد ابن أبي شيبة في المصنف قال أشعث: والتور من لحاء الشجر. وروى الطبراني برجال ثقات غير مزاحم بن عبد العزيز الثقفي فيجر رجاله عن عمير بن مسلم قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة خضراء فيها كافور، فقسمها بين المهاجرين والأنصار وقال: «يا أم سليم انتبذي لنا فيها» .

وروى البخاري، عن سهل بن سعد قال: أتى أبو أسيد السّاعدي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عرسه فكانت امرأته خادمتهم، وهي العروسة، فقالت: أتدرون ما سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألقيت له تمرات من الليل في تور من حجارة. وروى الإمام أحمد والأربعة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى عليه، فنأخذ قبضة من زبيب، أو قبضة من تمر، فنطرحها في السقاء، ثم نصب عليها الماء ليلا، فيشرب نهارا، أو نهارا فيشربه ليلا، وزاد أو داود: فإن فضل مما شرب على عشائه مما انتبذنا له بكرة سقاه أحدنا، ثم ننبذ له بالليل، فيشربه على غذائه، قال: وكنا نغسل السقاء غدوة وعشية مرتين في يوم. وروى مسلم والنسائي عن ثمامة بن حزن رحمه الله تعالى أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبيذ، فدعت جارية حبشية فقالت: سل هذه، فإنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت الحبشية: كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء من الليل فأوكيه وأعلقه فإذا أصبح شرب منه. وروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينبذ له زبيب من الليل، فيجعل في سقاء، فيشربه يومه ذلك، والغد بعد الغد، فإذا كان في آخر الثالثة سقاه أو شربه، فإذا أصبح منه شيء أهريق. وروى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة ويشربه عشية، وننبذ له عشية ويشربه غدوة [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير شيخه العباس بن الفضل الأسنائي فيجر رجاله عن المطلب بن أبي وداعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بإناء نبيذ فصب عليه الماء حتى تدفق، ثم شرب منه. وروى أيضا برجال ثقات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه رضي الله تعالى عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشرب نبيذا فوق ثلاث. وروى الطبراني عن الفضل بن عباس قال: كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلّم فيشربه الغد، وليلة الغد، وليلة اليوم الثالث ثم يمسك. وروى البزار عن أبي الدرداء ومعاذ بن جبل، والطبراني عن أم سلمة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول شيء نهاني ربي بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر غيبات الرجال. وروى الإمام أحمد والطّبراني، وفيه عبيد الله بن زحر عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تبارك وتعالى حرم عليّ الخمر

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1590 (85/ 2005) .

النوع الخامس: في شربه صلى الله عليه وسلم سويق الشعير.

والكوبة، والقنّينات، وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم» . وروى البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، والبيهقي عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي حرّم عليّ الخمر والميسر والقنّين والكوبة» ، والقنين: العود. النوع الخامس: في شربه صلى الله عليه وسلّم سويق الشعير. روي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنت أسقي [ (1) ] ... النوع السادس: في رده صلى الله عليه وسلّم سويق اللوز. وروى ابن سعد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، وأبي صخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتى بسويق لوز فلما خيض له قال: «ماذا؟» قالوا: سويق اللوز، قال: «أخروه عني، هذا شراب المترفين» . النوع السابع: في شربه صلى الله عليه وسلّم العسل. روى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زبيب بنت جحش فيشرب عندها عسلا. وروى مسلم والبرقاني عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القدح الشراب كله: العسل واللبن والماء المخلوط بالعسل. روى برجال ثقات غير نعيم بن مورّع- وثقه ابن حبان، وضعفه غيره- عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه لبن وعسل فقال: «شربتين في شربة، في قدح، لا حاجة لي به، أما أني لا أزعم أنه حرام، أكره أن يسألني ربي عن فضول الدنيا، أتواضع لله فمن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن ذكر الموت أحبه الله» . وروى الإمام أحمد والتّرمذي والحاكم عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الحلو البارد، زاد ابن السّنّي وأبو نعيم في الطّب: بالعسل وقال: إنه يبرد فؤادي ويجلو بصري. تنبيهات الأول: إنما كانوا- يمزجون اللبن بالماء لأن اللبن يكون عند الحلب حارا، وتلك البلد في الغالب حارة، فكانوا يكسرون حر اللبن بالماء البارد. الثاني: روى مسلم وأبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيّت له الزبيب من الليل في السقاء، فإذا أصبح شربه يومه وليلته، ومن الغداء، فإذا كان مساء شربه، أو سقاه الخدم، فإذا فضل شيء أراقه. قال الحافظ أبو بكر بن المنذر رحمه الله تعالى الشرب في المدة التي ذكرتها عائشة يشرب حلوا، وأما الصفة التي ذكرها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ينتهي إلى الشدة والغليان لكن بحمل ما ورد من أمر الخدم بشربه على أنه لم يبلغ ذلك، ولكن قرب منه، لأنه لو بلغ ذلك لأسكر، ولو أسكر حرم تناوله مطلقا. وقال الحافظ: ثبت أنه بدا فيه بعض تغير في طعمه بالحامض أو نحوه، فسقاه الخدم، وإلى هذا أشار أو داود فقال: بعد أن رواه: قوله سقاه الخدم يريد أنه يبادر به الفساد انتهى، ويحتمل أن تكون أوفي الخبر للتنويع، لأنه قال: سقاه الخدم وإن كان اشتد أمر بإهراقه، وبه جزم النووي رحمه الله تعالى فقال: هو على اختلاف حالتيه، إن ظهر فيه شدة صبه، وإن لم تظهر شده سقاه الخدم، لئلا يكون فيه إضاعة مال، وإنما يتركه هو تنزها، وجمع بين حديث ابن عباس وعائشة بأن شرب النّقيع في يومه لا يمنع شرب النقيع في أكثر من يوم، ويحتمل أن يكون باختلاف حال أو زمان، ويحمل الذي يشرب في يومه على ما إذا كان قليلا، وذاك على ما إذا كان كثيراً، فيفضل منها ما يشربه فيما بعد، وأمّا ما يكون في شدة الحر مثلا فيسارع إليه الفساد، وذلك في شدة البرد فلا يسرع إليه الفساد. الثالث: قال في الهدي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا شرب ناول من على يمينه، وإن كان من على يساره أكبر منه، قلت: ويدل عليه الأحاديث السابقة. الرابع: في بيان غريب ما سبق: الكثبة: بكاف مضمومة فمثلثة ساكنة فموحدة فتاء تأنيث: كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك. الشّجب: بشين معجمة فجيم ساكنة فموحدة السّقاء الذي قد أخلق وبلى وصار شنا. التّور: بمثناة فوقية مفتوحة فواو ساكنة، فراء إناء من صفر أو حجارة كالإجانة. البرام: بموحدة مكسورة فراء فألف فميم جمع برمة بموحدة مضمومة وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف من أرض الحجاز واليمن. أوكئه: بهمزة مضمومة، فواو ساكنة، فكاف مكسورة، فهمزة فهاء: أي أشد رؤوسها بالوكاء لئلا يدخلها حيوان، أو يسقط فيها شيء. الكوبة: بكاف مضمومة فواو ساكنة فموحدة: الطبل الصغير المخصّر والفهر والبربط والرّند والشّطرانج. الغبيراء: بغين معجمة مضمومة فمثناة فراء فألف وبالمد: السّكركة وهي من الذرة.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه الباب الأول في سيرته صلّى الله عليه وسلم قبل نومه وفيه أنواع: الأول: في مسامرته أهله عند النوم صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نساءه حديثا فقالت امرأة منهن: كأن هذا الحديث حديث خرافة فقال: «أتدرون ما حديث خرافة؟ كان رجل من بني عذرة أسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهم دهرا، ثم ردوه إلى الإنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس هذا خرافة» [ (1) ] . الثاني: في سمره صلى الله عليه وسلّم عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه في الأمر من أمور المسلمين. روى مسدد برجال ثقات عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يسمر عند أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معه. الثالث: فيما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس في بيت مظلم إلا أن يسرج له فيه. روى البزار عن شيخه إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، وأبو الحسن بن الضحاك من طريق محمد بن عمار القرظي قالا: أخبرنا يحيى بن اليمان قال: حدثنا سفيان عن جابر عن أبي إسحاق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس في بيت مظلم إلا أن يسرج له فيه [ (2) ] . وروى ابن سعد عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقعد في بيت مظلم حتى يضاء له بالسراج. الرابع: فيما كان يفعل إذا أراد أن يرقد بالليل وهو جنب. روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام، وهو جنب، غسل فرجه، وتوضأ للصلاة [ (3) ] زاد البيهقي: وتيمم، ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء، وقيل غير ذلك.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 157 وذكره الهيثمي في المجمع 4/ 315. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 64 وقال: رواه البزار وفيه بن جابر يزيد الجعفي وهو متروك. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 132 (288) .

الخامس: في وضوئه قبل النوم.

الخامس: في وضوئه قبل النوم. روى أبو الشيخ وابن الجوزي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أن ينام يتوضأ وضوءه للصلاة. وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قام من الليل فدخل الخلاء فقضى حاجته، ثم غسل وجهه وكفيه ثم نام. السادس: في اكتحاله عند نومه. روى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم كحل أسود، فكان إذا أوى إلى فراشه اكتحل في ذي العين ثلاثا، وفي ذي العين ثلاثا. روى الإمام أحمد وابن ماجة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال [ (1) ] . وروى أبو بكر بن أبي شيبة عنه قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلّم مكحلة يكتحل منها عند النوم في كل عين ثلاثا، وفي هذا أحاديث تأتي في أبواب زينته. السابع: في خروجه من البيت في الصيف، ودخوله إياه في الشتاء. روى أبو الشيخ وابن حبان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الصيف خرج من البيت ليلة الجمعة، وإذا كان الشتاء دخل البيت ليلة الجمعة [ (2) ] . الثامن: في استلقائه على ظهره ووضعه إحدى رجليه على الأخرى. روى الإمام مالك والإمام أحمد والخمسة عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مضطجعا في المسجد رافعا إحدى رجليه على الأخرى. التاسع: في ركضه برجله من اضطجع على بطنه. روى البخاري في الأدب عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل في المسجد منبطحا لوجهه فضربه برجله، وقال: «قم نومة جهنمية» . العاشر: في صفة نومه.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 354 والحاكم 4/ 408. [ (2) ] ذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 208.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

روى البخاري في الأدب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استثقل ورأيته ينفخ. وروى الإمام أحمد عنها قالت: ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء، ولا سمر بعده. وروى الحميدي عنها قالت: ما كنت ألقى النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل عندي إلا نائما. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: خرافة: بخاء معجمة مضمومة، فراء فألف، ففاء، فتاء تأنيث: هو رجل من بني عذرة استهوته الجن فكان يحدث بما رأى، فكذبوه، وقالوا حديث خرافة. السّمر: بسين مهملة فميم مفتوحتين فراء: الحديث بالليل. الإثمد: بهمزة مكسورة فمثلثة ساكنة فميم فدال مهملة: حجر الكحل. الميل: بميم مكسورة، فتحتية، فلام هنا: الذي يكتحل به.

الباب الثاني فيما كان يقوله ويفعله إذا أراد النوم

الباب الثاني فيما كان يقوله ويفعله إذا أراد النوم روى الإمام أحمد والتّرمذي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ ألم تَنْزِيلُ [السجدة 1] ، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك 1] . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ كل ليلة ألم تَنْزِيلُ السجدة [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اضطجع للنوم يقول: «باسمك ربي وضعت جنبي، فاغفر لي ذنبي [ (2) ] . وروى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضطجعه يقول: «الحمد لله الذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، والحمد لله» [ (3) ] . وروى مسلم وأبو داود والترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أوى إلى فراشه: «الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وآوانا وكم ممّن لا مكافئ له ولا مؤوي» [ (4) ] . وروى الإمامان مالك وأحمد، والشيخان، وأبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وقال: «باسمك اللهم أحيا وأموت» [ (6) ] .

_ [ (1) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية (3700) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 126 وقال: رواه أحمد وإسناده حسن. [ (3) ] أخرجه أبو داود (5058) وأحمد 2/ 117 والحاكم 1/ 545 وابن حبان (2357) . [ (4) ] أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء (64) والترمذي (3396) 3457 وأبو داود في كتاب الأدب باب (106) وابن ماجة (3283) وأحمد 3/ 32، 98. [ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 233 وأبو داود (5056) والترمذي (3402) . [ (6) ] سيأتي.

وروى الإمام أحمد والتّرمذي عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، والإمام أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وقال: «رب قني عذابك يوم تبعث» ، أو قال: «تجمع عبادك» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وحسنه- والنسائي عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبّحات قبل أن يرقد، وقال: «إنّ فيهن آية أفضل من ألف آية» ، ورواه ابن الضّريس عن يحيى بن أبي كثير مرسلا، وزاد قال يحيى فزادها الآية التي في آخر الحشر. وروى الترمذي- وحسنه- عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ الزّمر، وبني إسرائيل. وروى أبو داود عن أبي الأزهر الأنماري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ مضطجعه من الليل: «باسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي وأخسئ شيطاني، وفك رهاني واجعلني في النّديّ الأعلى» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن حفصة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه اضطجع على يده اليمنى، وفي رواية: وضع يده اليمنى تحت خده، ثم قال: «رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاث مرات» . وروى أبو داود عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضطجعه: «اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وبكلماتك التامات، من كل دابة أنت آخذ بناصيتها، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم، اللهم لا ينهزم جندك، ولا يخلف وعدك، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ، سبحانك اللهم وبحمدك» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ومسلم وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم: «اللهم رب السموات السبع، وربّ العرش العظيم، ربّنا وربّ كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحبّ والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرّ كلّ شيء، أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر ليس فوقك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر» . وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بفراشه فيفرش له، فيستقبل القبلة، فإذا أوى إليه توسد كفه اليمنى، ثم همس، لا ندري ما يقول، فإذا كان في

تنبيهان

آخر ذلك رفع صوته فقال: «اللهم رب السموات السّبع، وربّ العرش العظيم، إله أو رب كل شيء، منزل التّوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحبّ والنّوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر، فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر» . وروى الطبراني عن خبّاب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت فراشه قط إلا قرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ حتى يختمها. ورواه أيضاً عن عباد بن أخضر أو أحمر. وروى الطبراني برجال الصحيح غير حي بن عبد الله المعافري- وثقه جماعة وضعفه آخرون- عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يريد أن ينام: «اللهم، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء، وإله كل شيء، أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وان محمدا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك، والملائكة يشهدون، اللهم أعوذ بك من الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي إثما أو أجرّه على مسلم» . وروى الإمام أحمد بإسناد حسن عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اضطجع للنوم يقول: «باسمك ربي فاغفر لي ذنبي» . وروى البزار بسند حسن عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام قال: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك» . وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشر وأعوذ بك من الجوع ضجيعا» . وروى الطبراني برجال ثقات عن علي رضي الله تعالى عنه قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكنت أسمعه إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه يقول: «اللهم أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، اللهم لا أستطيع ثناء عليك ولو حرصت، لكن أنت كما أثنيت على نفسك. تنبيهان الأول: قال: النّسائي رحمه الله تعالى عن معاوية بن صالح أن بعض أهل العلم يقولون: المسبّحات ست سور: الحديد والحشر والحواريّون وسورة الجمعة والتّغابن وسبّح اسم ربّك الأعلى.

قال الحافظ ابن كثير: الآية المشار إليها من قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قلت: وكذا قال يحيى بن كثير أحد رواته كما رواه ابن الضّريس كما تقدم. الثاني: في بيان غريب ما سبق: أوى: بهمزة، وواو مفتوحتين، غير ممدود: أراد المبيت. الهمس: الصوت الخفي. الولوع: بواو فلام مضمومتين فعين مهملة: الإغراء. النّديّ الأعلى: بالتشديد: القوم المجتمعون في مجلس، فإن تفرقوا فليس بنديّ والمراد به الملأ الأعلى كما في الروايات الأخرى.

الباب الثالث فيما كان يقوله ويفعله إذا استيقظ

الباب الثالث فيما كان يقوله ويفعله إذا استيقظ روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن حذيفة ومسلم عن البراء رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور» . وروى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا استيقظ من الليل قال: «لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم أستغفرك لذنوبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب» . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل يصلي يقول: «الحمد لله رب العالمين، القوي» ، ثم يقول: «سبحان الله وبحمده القوي» .

الباب الرابع فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح، وإذا أمسى

الباب الرابع فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح، وإذا أمسى روى مسدد والإمام أحمد والنّسائي في اليوم والليلة برجال ثقات عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وملة أبينا إبراهيم عليه السلام، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين» . وروى عبد بن حميد عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «أصبحنا وأصبح الملك لله، الكبرياء والعظمة والخلق والليل والنهار، وما سكن فيها لله تعالى، وحده لا شريك له، اللهم اجعل هذا النهار أوله فلاحا، وأوسطه صلاحا، وآخره نجاحا، وأسألك خير الدنيا وخير الآخرة» . وروى مسدد برجال ثقات عن عبد الله بن سعيد قال: سمعت أبي يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النّشور» ، وإذا أمسى قال: «اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا وبك نموت، وإليك النشور» . وروى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات إذا أصبح، وإذا أمسى: «اللهم إني أعوذ بك من فجاءة الخير، وأعوذ بك من فجاءة الشّر» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير» . وروى البزار بسند حسن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح: «أصبحنا والملك والحمد لله، لا شريك له، لا إله إلا هو، وإليه المصير» . وروى الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدركه المساء في بيتي يقول: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد والحول والقوة والسلطان في السموات والأرض، وكل شيء لله رب العالمين، اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور» . وروى أيضا عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أصبح وأمسى: «أصبحنا وأصبح الملك لله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الّلهم إنا نسألك

خير هذا اليوم، وخير ما بعده، ونعوذ بك من شر هذا اليوم، وشر ما بعده، اللهم إني أعوذ بك من شر الكبر وأعوذ بك من عذاب النار» . وروى أيضا عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أصبح: «أصبحت وأصبح الملك لله تعالى، والكبرياء والعظمة والخلق والنهار والليل وما سكن فيهما لله وحده، لا شريك له، اللهم اجعل أول هذا النهار فلاحا، وأوسطه صلاحا، وآخره نجاحا، أسألك خير الدنيا والآخرة، يا أرحم الراحمين» . وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يدعو بهذه الدعوات إذا أصبح وإذا أمسى: «اللهم إني أعوذ بك من فجاءة الخير، وأعوذ بك من فجاءة الشر» . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبزى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وأمسينا على فطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم عليه السلام، حنيفا مسلما، وما كان من المشركين» . وروى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وأمسى دعا بهذا الدعاء: «اللهم إنك أحقّ من ذكر، وأحقّ من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا يهلك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون التّصوّر، وأخذت بالنّواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال، القلوب لك مفضية، والسّر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما أحرمت، والدين ما أشرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله رؤوف رحيم، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت به السموات والأرض، بكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك، أن تقبلني بهذه القراءة، أو في هذه العيشة، وأن تجيرني من النار بقدرتك» . وروى أيضا عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله الواحد القهار، الحمد لله الذي ذهب بالنهار، وجاء بالليل ونحن في عافية، اللهم هذا خلقك قد جاء، فما عملت فيه من سيئة فتجاوز عنها، وما عملت فيه من حسنة فتقبلها، وضعّفها أضعافا مضاعفة، اللهم إنك بجميع حاجتي عالم، وإنك على نجحها قادر، اللهم أنجح الليلة كل حاجة لي، ولا تزدني في دنياي، ولا تنقصني في آخرتي» ، وإذا أصبح قال: مثل ذلك والله أعلم.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، وذكر بعض مناماته

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في الرؤيا، وذكر بعض مناماته الباب الأول في تقسيمه صلى الله عليه وسلّم الرؤيا، وأن الرؤيا الصالحة من أجزاء النبوة، وإنها من المبشّرات، وما يتعلق بالرؤيا من الآداب وفيه أنواع:. النوع الأول: في تقسيمه الرؤيا صلى الله عليه وسلم. روى الإمام إسحاق عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «الرؤيا على ثلاثة منازل، منها ما يحدث المرء نفسه وليس بشيء، ومنها ما يكون من الشيطان، فإذا رأى شيئا يكرهه فليستعذ بالله من الشيطان، وليبصق عن يساره، فإنها لن تضره من بعد ذلك، ومنها بشرى من الله تعالى، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، فليعرضها على ذي رأي ناصح، فليقل خيرا، وليتأوله خيرا» ، فقال عوف بن مالك: إذا كانت حصاة واحدة من عدد الحصى لكانت كثيرا، ورواه الشيخان من طريق باختصار، وفي هذا السياق زيادة ليست عندهم، ولا عندهم قول عوف. وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، والإمامان مالك وأحمد، والشيخان وابن ماجة عن أنس رضي الله تعالى عنه، والإمام أحمد والشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، والإمامان مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رؤيا الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس، والإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة» [ (2) ] . النوع الثاني: في أن الرؤيا الصالحة من المبشرات. روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل والإمام مالك والبخاري وأبو داود عن أبي هريرة،

_ [ (1) ] أخرجه من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه البخاري 12/ 373 (6987) ومسلم 4/ 1774 (7/ 2264) . [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1775 (9/ 2265) .

النوع الثالث: في تحذيره صلى الله عليه وسلم من الكذب في الرؤيا.

والإمام أحمد والترمذي عن أنس، وابن ماجه عن ابن عباس، والإمام أحمد عن عائشة، والإمام أحمد عن ابن عمر والبزار رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي» ، لكن المبشّرات قالوا: يا رسول الله وما المبشّرات؟ قال: «الرؤيا الحسنة الصالحة يراها الصالح أو ترى له» [ (1) ] . النوع الثالث: في تحذيره صلى الله عليه وسلّم من الكذب في الرؤيا. روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الفراء من يقول على ما لم أقل، ومن أرى عينيه في النوم ما لم تريا، ومن ادعى إلى غير أبيه» [ (2) ] . النوع الرابع: في أمره صلى الله عليه وسلم من رأى رؤيا يكرهها ما يقوله ويفعله. روى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتحول عن يساره، وليسأل الله تعالى خيرها، وليتعوذ بالله تعالى من شرها» [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن للرؤيا كنّى، ولها أسماء، فكنوها بكناها، واعتبروها بأسمائها، والرؤيا لأول عابر» [ (4) ] . النوع الخامس: في أمره صلى الله عليه وسلّم بقص الرؤيا على عالم أو ناصح أو لبيب، وأنها على رجل طائر. روى ابن ماجة عن أبي رزين العقيلي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها، فإذا حدث بها وقعت، فلا تحدث بها إلا عالما، أو ناصحا أو لبيبا، وفي لفظ أو ذا رأي» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة 12/ 375 (6990) وابن عباس عند مسلم 1/ 348 (208/ 479) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 106 وانظر الكنز (41456) . [ (3) ] وهو عند مسلم من رواية جابر بن عبد الله 4/ 1772 (5/ 2262) . [ (4) ] انظر جمع الجوامع (7006) . [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 65 والترمذي 4/ 540 (2288) .

الباب الثاني فيما عبر صلى الله عليه وسلم من الرؤيا، أو عبر بين يديه وأقره

الباب الثاني فيما عبر صلى الله عليه وسلّم من الرؤيا، أو عبّر بين يديه وأقره روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأحمد بن منيع وعبد بن حميد والحارث والنسائي في الكبرى، وابن حبان عن خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين رضي الله تعالى عنه أنه رأى في النوم كأنه يسجد على جبين، - وفي لفظ- جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الروح لا تلقى الروح» فأقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وفي لفظ فاضطجع له رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأمره فسجد من خلفه، وقال: صدق رؤياك فسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاما شابا عزبا أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (2) ] . وروى أبو يعلى والإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، أنه رأى في المنام كأن في إحدى أصبعيه عسلا، وفي الأخرى سمنا، فكان يلعقهما بإصبع، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عشت تقرأ الكتابين التوراة والفرقان» ، فكان يقرؤهما [ (3) ] . وروى ابن السّكن الحراني والطبراني من طريق سليمان بن عطاء القريشي الحرّاني عن سلمة بن عبد الله الجهني، قال الحافظ في الإصابة [ (5) ] : في إسناده ضعف، عن ابن زمل واسمه عبد الله، وقيل عبد الرحمن وقيل الضحاك الجهني رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قال- وهو ثان رجله-: «سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، إن الله كان توابا، سبعين مرة» ، ثم يقول سبعين بسبعمائة،: «لا خير فيمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة» ، ثم يستقبل الناس بوجهه، وكان يعجبه الرؤيا، ثم يقول: «هل رأى أحد منكم شيئا؟» فقال ابن زمل فقلت: أنا يا نبي الله، قال: «خير تلقاه، وشر توقاه، وخير لنا، وشرّ لأعدائنا، والحمد لله رب العالمين، اقصص رؤياك» فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب، والناس على الجادة منطلقين، فبينما هم كذلك إذا أنا بذلك الطريق على

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 214، 215 وابن سعد 4/ 2/ 91. [ (2) ] أخرجه البخاري (7030) . [ (3) ] انظر المجمع 7/ 187. [ (5) ] انظر الإصابة 4/ 72.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

مرج لم تر عيني مثله، يرف رفيفا، يقطر ماؤه، وفيه من أنواع الكلأ، فكأني بالرعلة الأولى حين أشنفوا على المرج كبروا، ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ومضوا على ذلك، ثم قدم عظم الناس، فلما أشفوا على المرج كبروا، وقالوا: هذا خير المنزل، وكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج، فإذا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة، وإذا عن يمينك رجل آدم مسبّل أقنى، إذا هو يتكلم يفرع الرجال طولا وإذا عن يسارك رجل ربعة نار أحمر كثير خيلان الوجه، كأنما عمّم شعره بالماء، إذا هو تكلم أصغيتم له إكراما له، وإذا أمامكم رجل شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها، كلكم تؤمونه تريدونه، وإذا أمامه ناقة عجفاء شارف، فإذا بك أنت يا رسول الله، كأنك تبعثها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب فذاك ما حملتكم عليه من الهدي الذي أنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشتها، مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها بشيء ولم تتعلق منا ولم نردها ولم تردنا، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا، وهم أكثر أضعافا، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ونجوا على ذلك، ثم جاء عظم الناس فمالوا على المرج يمينا وشمالا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأما أنت فمضيت على طريقة صالحة، فلم تزل عليها حتى تلقاني، وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة، فالدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا في آخرها ألفا، وأما الرجل الذي رأيت عن يميني الآدم المسبّل فذاك موسى بن عمران عليه السلام، إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله تعالى إياه، والرجل الذي رأيت عن يساري التار والرّبعة الكثير خيلان الوجه فذاك عيسى ابن مريم عليهما السلام، نكرمه لإكرام الله تعالى إياها، وإن الشيخ الذي رأيته أشبه الناس بي خلقا ووجها، فذاك أبي إبراهيم عليه السلام، كلنا نؤمه ونقتدي به، وأما الناقة التي رأيتها ورأيتني أبعثها فهي الساعة علينا تقوم، لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: رحب: براء مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فموحدة: الواسع. السّهل: بسين مهملة مفتوحة فهاء ساكنة فلام هنا: ضد الحزن. اللاحب: بلام فألف ساكنة فمهملة فموحدة: الواضح. الجادّة: بجيم فألف، فدال مهملة مفتوحة مشددة، فتاء تأنيث: السّواء والوسط. المرج: بميم مفتوحة فراء ساكنة فجيم: الموضع ترعى فيه الدواب. يرف: بتحتية مفتوحة، فراء مكسورة، ففاء: كثر ماؤه. الكلأ: بكاف، فلام مفتوحتين، فهمزة مضمومة: العشب، والنبات رطبه ويابسه.

الرّعلة: براء مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فلام، فتاء تأنيث: القطعة من الفرسان، ويقال لجماعة الخيل رعيل. أشفوا: بهمزة مفتوحة، فشين معجمة ساكنة، ففاء، فواو: أي أشرفوا. المرتع: بميم مضمومة، فراء ساكنة، ففوقية مكسورة، فعين مهملة: الذي يخلي ركابه ترتع. الضّغث: بضاد معجمة مكسورة، فغين معجمة ساكنة، فمثلثة: قبضة من حشيش مختلط، والضّغث الخلط، وأضغاث أحلام: أي أخلاط. الآدم والمسبّل والأقنى والربعة والتار والخيلان: تقدم تفسيرها في أبواب المعراج. العجفاء: بعين مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة، ففاء، فهمزة، بالمد: المهزولة من الغنم وغيرها. الشّارف: بشين معجمة، فألف، فراء ففاء: الناقة المسنّة. الغضارة: بغين، فصاد معجمتين، فألف، فراء، فتاء تأنيث: الطّيّب واللذة والخصب والخير انتهى.

الباب الثالث في بعض مناماته صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في بعض مناماته صلى الله عليه وسلم وروى أحمد بن منيع عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «رأيتني أدخلت الجنة فسمعت خشفة بين يديّ، فقلت: ما هذا؟ فقيل: هذا بلال، فنظرت، فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين، وذراري المسلمين، ولم أر أقلّ فيها من الأغنياء والنساء، فقلت: ما لي لا أرى فيها أقل من الأغنياء والنساء؟ فقيل لي: أما النّساء فألهاهنّ الأحمران: الذهب والحرير، وأما الأغنياء فهم هاهنا بالباب يحاسبون، ويمحّصون، فخرجت من أحد أبواب الجنة الثمانية، فجيء بكفة فوضعت فيها، وجيء بجميع أمتي فوضعت في كفة فرجحتها، ثم جيء بأبي بكر رضي الله تعالى عنه فوضع في كفة، وجميع أمتي في كفة، فرجحها أبو بكر، ثم جيء بعمر رضي الله تعالى عنه فوضع فيها فرجحها، فجعلت أمتي تمر عليّ أفواجا، حتى استبطأت عبد الرحمن بن عوف، فمر بي بعد الناس، فقال: بأبي وأمي، ما كدت أخلص إليك إلا من بعد المشاق، فقلت: لم ذاك؟ قال: من كثير مالي، ما زلت أحاسب بعدك وأمحّص» [ (1) ] . وروى عبد بن حميد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات غدوة فقال: «رأيت قبل صلاة الصبح كأني أعطيت المقاليد والموازين فأما المقاليد: فهذه المفاتيح، وأما الموازين: فهي التي يوزن بها، فوضعت في إحدى الكفتين، ووضعت أمتي في الأخرى، فوزنتهم ورجحتهم، ثم جيء بأبي بكر، فوزن، فوزنهم، ثم جيء بعمر، فوزن، فوزنهم، ثم جيء بعثمان فوزن، فوزنهم، ثم استيقظت فرفعت» [ (2) ] . وروى أبو يعلى والبزار عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أن أنزع الليلة إذا وردت على غنم سود وعفر، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا، أو ذنوبين فيهما ضعف، والله تعالى يغفر له، ثم عمر فاستحالت غربا تملأ الحياض، وأروى الواردة، فلم أر عبقريا من الناس أحسن نزعا منه، فأوّلت الغنم السود: بالعرب والعفر: بالعجم» [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر، فأولت الدرع: بالمدينة والبقر بقر والله خير الحديث» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 150. [ (2) ] المجمع 9/ 58 والبداية 7/ 205. [ (3) ] المجمع 7/ 186 وقال فيه علي بن زيد وهو ثقة سيء الحفظ. [ (4) ] أحمد 3/ 351 والدّارمي 2/ 129 وابن سعد 2/ 1/ 31.

وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا، وكأن مقبض سيفي انكسر، فأولت أني أقتل صاحب الكتيبة، وأوّلت» ... قال عفان كان بعد هذا شيء لا يدري ما هو [ (1) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى في المنام أن بني الحكم ينزون على منبره فأصبح كالمتغيظ، وقال: «ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو الغدرة» قال: فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا بعد ذلك حتى مات [ (2) ] . وروى الطبراني في الكبير [ (3) ] برجال الصحيح، والبيهقي في كتاب عذاب القبر، والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد صلاة الصبح فقال: «إني رأيت رؤيا هي حق تعقلونها، أتاني جبريل عليه السلام، فأخذ بيدي، فاستتبعني حتى أتى بي جبلا طويلا وعرا، فقال لي: ارق، فقلت: لا أستطيع، فقال: سأسهّله لك، فجعلت كلما رقت قدمي وضعتها على درجة، حتى استوينا، على سواء الجبل، فانطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، فقلت: من هؤلاء قال: هؤلاء الذين يقولون ما لا يعلمون، ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء ممدودة أعينهم وآذانهم، قلت: ما هؤلاء؟ قال: الذي يرون أعينهم ما لا يرون، ويسمعون آذانهم ما لا يسمعون، ثم انطلقنا. فإذا نحن بنساء معلقات بعراقيبهن، مصوبة رؤوسهن، تنهش أثداءهن الحيات، فقلت: ما هؤلاء؟ قال: الذين يمنعن أولادهم من ألبانهن، ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء معلقات بعراقيبهن، مصوّبات رؤوسهن، يلحسن من ماء قليل وحمأة قلت: ما هؤلاء؟ قال: الذين يصومون ويفطرون قبل تحلة صومهم، ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرا وأقبحه لبوسا، وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزناة، ثم انطلقنا، فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى الكفار، ثم انطلقنا، فإذا نحن نرى دخانا، ونسمع عواء، قلت: ما هذا؟ قال: هذه جهنم، فدعها، ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجرة، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين، ثم انطلقنا، فإذا نحن بجوار وغلمان أحسن شيء وجها، وأحسنه لبوسا، وأطيبه ريحا، كأن وجوههم القراطيس، قلت ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون، ثم انطلقنا، فإذا نحن بثلاثة نفر

_ [ (1) ] أحمد 3/ 267 وابن أبي شيبة 11/ 69. [ (2) ] انظر المجمع 5/ 244 والمطالب العالية (4535) . [ (3) ] الطبراني في الكبير 8/ 182 وانظر المجمع 1/ 76.

يشربون خمرا، ويلعبون، فقلت: ما هؤلاء؟ فقال: ذاك زيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، فملت قبلهم، فقالوا: قدنا لك، قدنا لك، ثم رفعت رأسي، فإذا ثلاثة نفر تحت العرش قلت: ما هؤلاء؟ قال: ذاك أبوك إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام، وهم ينتظرونك صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» . وروى ابن عدي عن بكر بن سعيد بن قيس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لن يدخل النار من يراني في المنام» . وروى الحارث مرسلا برجال ثقات عن أبي مجلز رحمه الله تعالى قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت في المنام أن رأسي قطع، وأني جعلت أنظر إليه، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «بأي عين كنت تنظر إلى رأسك إذا قطع؟» فلم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا قليلا حتى توفي، قال: فأولوا قطع رأسه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظره باتباع سنته [ (1) ] . وروى الطيالسي وأبو داود السّجستاني والترمذي عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعجبه الرؤيا الصالحة، ويسأل عنها فقال رجل: يا رسول الله، رأيت رؤيا، رأيت كأن ميزانا دلّي من السماء، فوزنت أنت بأبي بكر، فرجحت، ثم وزن أبو بكر بعمر، فوزن أبو بكر عمر، ثم وزن عمر بعثمان، فرجع عثمان، ثم رفع الميزان فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «خلافة نبويّة، ثم يؤتي الله تعالى الملك من يشاء» [ (2) ] . وروى البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة: «إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي الصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده هاهنا، فيتبع الحجر، فيأخذه، فما يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه ليفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال: قلت لهما: سبحان الله، ما هذا؟ قالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم على رأسه بكلّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينيه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل به في المرة الأولى قال: قلت سبحان الله! ما هذا؟ قالا لي: انطلق، انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التّنّور فإذا فيه لغط

_ [ (1) ] انظر المطالب العالية (2827) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 44، 50 وابن ابن شيبة 11/ 61 والطّحاوي في المشكل 4/ 312.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وأصوات، قال: فاطّلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضؤوا قال: قلت: ما هؤلاء؟ قال: انطلق، انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح ما سبح، ثم يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه، فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع فغر له فاه.. فألقمه حجرا، قلت: ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء، وإذا هو عنده نار له يحشّها، ويسعى حولها، قلت لهما: ما هذا؟ قالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قالا لي: انطلق، فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها، ولا أحسن، قالا لي: ارق فيها، فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة بلبن من ذهب، ولبن من فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فإذا نهر معترض يجري، كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، قد ذهب السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، فسما بصري صعدا، فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء، قالا لي: هذاك منزلك، قلت لهما: بارك الله تعالى فيكما، دعاني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله، قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا، فما هذا الذي رأيت؟ قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل الذي يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، يفعل به إلى يوم القيامة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشر شر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التّنّور فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر، ويأكل الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها فإنه مالك خازن النار، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا، وآخر سيّئا، فجاوز الله عنهم، وأنا جبريل وأنا ميكائيل عليهما السلام» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الخشفة: بخاء فشين معجمتين ففاء مفتوحات، فتاء تأنيث: الحركة، وبسكون الشين:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 12/ 439 (7048) .

الحس والحركة، وقيل: هو الصوت، وبالتحريك: الحركة، وقيل هما بمعنى. يمحّصون: بميم فحاء مفتوحتين، فصاد مهملة، فواو، فنون: أي يخلصون. العفر: بضم العين المهملة، وسكون الفاء، وبالراء: ليست بالشديدة البياض. الذّنوب بذال معجمة مفتوحة، فنون، فواو، فموحدة: الدلو وفيها ماء أو دون الملأى. الغرب: بغين معجمة مفتوحة، فراء ساكنة، فموحدة الرواية، أو الدلو العظيمة. العبقري: بمهملة فموحدة، فقاف، فراء: طنافس ثمان، قال أبو عبيدة رحمه الله تعالى: تقول العرب لكل شيء من البسط عبقري، ويقال عبقر: أرض يعمل فيها الوشي، فنسب إليها كل شيء جيد، ويقال العبقري: الممدوح الموصوف من الرجال والفرش. ينزون: بتحتية مفتوحة، فنون ساكنة، فزاي، فواو، فنون: يثبون. الغدر: عدم الوفاء والغدر ثابت في الدين، زاد مسلم هو في الحديث، أو قاله ابن سيرين. يهوى: بضم أوله. يثلغ: بمثلثة ومعجمة بوزن يعلم: يشدخ. التّدهده: بدالين مهملتين بينهما هاء: الدفع من علو إلى أسفل. يشرشر: بمعجمتين وراءين: يقطع شقّا. ضوضؤوا: بهمز، وبدونه: ماض من الضوضأة، وهي أصوات الناس ولغطهم. يسبح: بمهملتين بينهما موحدة مفتوحة: أي يعوم. فغر: بفاء ومعجمة وراء: فتح وزنا ومعنى. المرآة: بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة: المنظر. يحشها: بفتح أوله وضم الحاء المهملة وتشديد المعجمة: يوقدها. معتمة: بضم أوله وسكون المهملة وكسر المثناة، وتخفيف الميم، أي شديدة الخضرة. معترض: بكسر الراء: عرضا. المحض: بفتح الميم وسكون المهملة ومعجمة: اللبن الخالص من الماء. سما: بالتخفيف نظر إلى فوق. صعدا: بضم المهملتين يعني: ارتفاعا كثيرا. الرّبابة: بفتح الراء وتخفيف الموحدتين: السحابة والله تعالى أعلم بالصواب.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في لباسه وذكر ملبوساته

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في لباسه وذكر ملبوساته الباب الأول في آدابه صلّى الله عليه وسلم في لباسه، وفيه أنواع: الأول: في بداءته بميامنه. روى التّرمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا لبس قميصا بدأ بميامنه [ (1) ] . الثاني: في وقت لبسه صلّى الله عليه وسلّم الثوب الجديد. روى أبو الشيخ وأبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة [ (2) ] . الثالث: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا. روى الإمام أحمد وأبو يعلى عن علي رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول عند الكسوة- وفي لفظ إذا لبس ثوبا جديدا: «الحمد لله الذي رزقني من الرّياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي» [ (3) ] . وروى الطبراني عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا لبس ثوباً جديدا قال: «الحمد لله الذي وارى عورتي، وجمّلني في عباده» [ (4) ] . الرابع: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم لمن رأى عليه ثوبا جديدا. روى أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد، والإمام أحمد والنّسائي في اليوم والليلة، وابن ماجة، والطبراني والدّعّاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر رضي الله تعالى عنه قميصا أبيض غسيلا فقال: «ثوبك هذا غسيل أم جديد؟» فقال: لا،

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (1766) . [ (2) ] ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 193 والمتقي الهندي في الكنز (18268) . [ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 158 وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 119 وابن كثير في البداية 8/ 4 والمتقي الهندي في الكنز (41129، 41837) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 122 وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو داود الأعمى وهو متروك.

الخامس: في كيفية ائتزاره وموضع إزاره عليه السلام.

بل غسيل يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «البس جديدا وعش حميدا ومت» ، وفي لفظ: «وتوفي شهيدا، يرزقك الله تعالى قرّة عين في الدنيا والآخرة» [ (1) ] . الخامس: في كيفية ائتزاره وموضع إزاره عليه السلام. روى الحسن بن سفيان وبقيّ بن مخلد عن عكرمة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان إذا ائتزر أرخى مقدم إزاره، حتى تقع حاشيته على ظهر قدميه، ويلفع الإزار من ورائه، فقلت له: لم تأتزر هكذا؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأتزر هذه الإزرة [ (2) ] . وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أم الحصين الأحمسيّة رضي الله تعالى عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ببرد، قد التفع به من تحت إبطيه. وروى النسائي عن الأشعث بن سليم قال: سمعت عمن يحدث عن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا إزاره إلى نصف الساق. وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب متوشّحا فلم ينل طرفاه، فعقده [ (3) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله تعالى عنها قالت: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه متوشحا به [ (4) ] . وروى ابن ماجة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسب أحدا، ولا يطوى له ثوب [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 89 وابن ماجة (3558) وعبد الرزاق (20382) وابن حبان 2183 وابن السني في عمل اليوم والليلة (262) والطبراني 12/ 284. [ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 458 (4096) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 53 وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لم أجد من ترجمة. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 52 وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (3554) .

الباب الثاني في سيرته صلى الله عليه وسلم في العمامة والعذبة والتلحي

الباب الثاني في سيرته صلّى الله عليه وسلم في العمامة والعذبة والتلحّي وفيه أنواع: الأول: في صفة عمامته صلى الله عليه وسلم. قال في زاد المعاد: كانت له عمامة تسمى السّحاب، كساها عليا قلنسوة. روى الطبراني والبيهقي وأبو موسى المدني- وإسناده على شرط الصحيح- إلا أبا عبد السلام- وهو ثقة- عن أبي عبد السلام بن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: قلت لابن عمر رضي الله تعالى عنهما: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعتمّ؟ قال: كان يدير كور العمامة على رأسه يقرنها، وفي رواية ويغرزها من ورائه، ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه [ (1) ] . وروى ابن عساكر قال: أخبرنا أبو سعيد بن البغدادي أخبرنا أبو المظفّر محمود بن جعفر بن محمد، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلمة قالا: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي، أخبرنا أبو سمرة حدثنا: موسى بن نصر عن أبيه عن أبي هريرة عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم جمعة إلا وهو معتم، وربما خرج في إزار ورداء، وإن لم تكن عمامته وصل الخرقة بعضها على بعض، واعتم بها، ورواه ابن عدي [ (2) ] الهيثم بن جميل عن موسى بن مطير عن أبيه عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة فذكره، قال ابن عساكر: هذا الإسناد أشبه، وكان الأول عن أبي هريرة، وبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسقطت الواو. الثاني: في لبسه صلّى الله عليه وسلم العمامة السوداء، والدّسمة والحرقانية وغير ذلك. روى الخطّابي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم معتمّا بعمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين يديه. وروى الحارث بن أبي أسامة، وأبو القاسم البغوي، وابن عدي، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء- زاد في رواية: بغير إحرام [ (3) ] . وروى ابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعتم بعمامة سوداء [ (4) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 123 وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا أبا عبد السلام وهو ثقة. [ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2338. [ (3) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 5/ 67. [ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2328.

الثالث: في لبسه صلى الله عليه وسلم العمامة الصفراء وعصبه رأسه.

وروى مسلم والأربعة والترمذي في الشمائل عن عمرو بن حريث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء، ولمسلم: قد أرخى طرفها بين كتفيه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم الناس وعليه عمامة دسمة. وروى أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء [ (2) ] . وروى النسائي عن عمر بن حريث رضي الله تعالى عنه قال: رأيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة حرقانية. وروى ابن عدي- بسند ضعيف- عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عمامة سوداء يلبسها في العيدين، ويرخيها خلفه. وروى أبو داود عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة مطوية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدّم رأسه، ولم ينقض العمامة. وروى ابن سعد عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: كانت عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء [ (3) ] . الثالث: في لبسه صلّى الله عليه وسلم العمامة الصفراء وعصبه رأسه. قال الإمام الغزالي في الإحياء: وربما لم تكن العمامة فيشد صلى الله عليه وسلّم العصابة على رأسه، وعلى جبهته. روى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة دسماء [ (4) ] . وروى عن الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، وعلى رأسه عصابة صفراء فسلمت عليه، فقال: «يا فضل» ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «اشدد بهذه العصابة رأسي» ، ففعلت، ثم قعد، فوضع كفه على منكبي، ثم قام، فدخل المسجد الحديث [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 990 (453/ 1359) وأبو داود في كتاب اللباس (20، 21) والترمذي في كتاب اللّباس (11) والنسائي في كتاب المناسك (107) وابن ماجة في كتاب اللباس (14) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 4/ 197 (1735) . [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 8/ 234. [ (4) ] أخرجه البخاري في كتاب اللباس 10/ 285. [ (5) ] أخرجه الترمذي في الشمائل 66، 80.

الرابع: في سيرته صلى الله عليه وسلم في العذبة.

وروى الحاكم والطّبرانيّ عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثوبين مصبوغين بزعفران: رداء وعمامة [ (1) ] . وروى ابن سعد عن يحيى بن عبد الله بن مالك مرسلا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران: قميصه ورداءه وعمامته [ (2) ] . وروى أيضا عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة [ (3) ] . وروى ابن عساكر من طريق سليمان بن أرقم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه قميص أصفر، ورداء أصفر، وعمامة صفراء. وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصبغ ثيابه بالصّفرة. وروى ابن عساكر عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر عليهم عمائم صفر، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة صفراء. الرابع: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في العذبة. روى الترمذي وحسنه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسدل عمامته بين كتفيه [ (4) ] . وروى مسلم وأبو داود وابن حبان عن عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- زاد أبو داود: على المنبر- انتهى وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه [ (5) ] . وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء- زاد النّسائي: قد أرخى طرف العذبة بين كتفيه [ (6) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 132 بنحوه وعزاه للطبراني في الصغير وعزاه بلفظ المصنف لأبي يعلى. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 149. [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 149. [ (4) ] أخرجه الترمذي 4/ 197 (1736) . [ (5) ] أخرجه مسلم 2/ 990 (453/ 1359) . [ (6) ] أخرجه مسلم 2/ 990 (451/ 1358) والبيهقي في الدلائل 5/ 67 وابن أبي شيبة 8/ 237.

الخامس: في سيرته صلى الله عليه وسلم في التلحي وأمره صلى الله عليه وسلم بالتلحي ونهيه عن الاقتعاط.

وروى النسائي عن عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه قال: كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المنبر وعليه عمامته السوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه. وروى الطبراني من طرق الحجاج بن رشدين بن سعد عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه [ (1) ] . وروى أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرسل لها ذؤابة من خلفه. وروى الطبراني من طريق عيسى بن يونس عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالعمائم فإنها سيماء الملائكة، وأرخوها خلف ظهوركم» [ (2) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يولي واليا حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن [ (3) ] . الخامس: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في التلحّي وأمره صلى الله عليه وسلّم بالتلحي ونهيه عن الاقتعاط. قال في زاد المعاد: كان صلى الله عليه وسلّم يتلحى بالعمامة تحت الحنك انتهى. روى التّرمذي والنّسائي عن بلال رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار [ (4) ] . وروى ابن سعد بسند جيد عن ابن طاوس عن أبيه إنه كان يعتم، ولا يجعل تحت حلقه ولحيته من العمامة شيئا. وروى عبد الرزاق عنه أنه كان يكره أن يعتم، ولا يجعل تحت ذقنه شيئا، ويقول: «تلك لبسة الشيطان» . السادس: لبس العمامة وإرخاء طرفها من سيماء الملائكة عليهم السلام. قال الله سبحانه وتعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران 125] ، ذكر غير واحد من المفسرين أن السّومة- بضم السين- السّيماء: وهي العلامة. روى الطبراني بسند فيه شهر بن حوشب- حسن له الترمذي وغيره وبقية رجاله ثقات-

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 123 وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه الحجاج بن رشدين وهو ضعيف. [ (2) ] أخرجه الطبراني 12/ 383 وابن عدي 1/ 1/ 470 وذكره المتقي الهندي في الكنز (41140) والهيثمي في المجمع 5/ 123. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 123. [ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 14، 15 والطبراني 1/ 334، 349 وابن عساكر 3/ 462.

السابع: في تعميمه صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه.

عن عائشة قالت: رأيت جبريل عليه عمامة حمراء مرخيها بين كتفيه [ (1) ] . وروى ابن جرير بسند حسن عن أبي أسيد السّاعدي، وهو بدري، قال: خرجت الملائكة يوم بدر في عمائم صفر، قد طرحوها بين أكتافهم. وروى الحاكم في اللباس في مستدركه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم على برذون وعليه عمامة حمراء قد أرخى طرفها بين كتفيه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هل رأيتيه؟» قلت: نعم، قال: «ذاك جبريل عليه السلام فأمرني أن أمضي إلى بني قريظة» . وروى أيضا عنها قالت: رأيت رجلا يوم الخندق على صورة دحية بن خليفة الكلبي على دابة يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة قد أسدلها خلفه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ذاك جبريل أمرني أن أخرج إلى بني قريظة» انتهى [ (2) ] . السابع: في تعميمه صلى الله عليه وسلّم بعض أصحابه. روى أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وابن منيع والبيهقي في الشعب عن علي رضي الله تعالى عنه قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير [ (3) ] خمّ بعمامة سدلها خلفي [ (4) ] . وروى أبو يعلى والبزار برجال ثقات، وابن أبي الدنيا والطبراني، والبيهقي في الزهد- وحسن إسناده أبو الحسن الهيثمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية يبعثه عليها فأصبح عبد الرحمن وقد اعتم بعمامة كراديس سوداء، فنقضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعممه وأرخى له أربع أصابع، أو قريبا من شبر، ثم قال: «هكذا فاعتم يا ابن عوف، فإنه أعرب وأحسن» [ (5) ] . وروى الطبراني من طريق مقدام بن داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: عمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عوف، وأرخى له أربع أصابع، قال: «إني لمّا صعدت إلى السماء رأيت أكثر الملائكة عليهم السلام معتمّين» [ (6) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 133 وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه شهر بن حوشب وحديثه حسن وقد ضعف، وبقية رجاله ثقات. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 144 وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه مقدام بن داود وهو ضعيف. [ (3) ] انظر مراصد الاطلاع 2/ 985. [ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 4/ 1490. [ (5) ] أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 91 وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 123 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 123 وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه مقدام بن داود وهو ضعيف.

تنبيهات

تنبيهات الأول: قال العلماء رحمهم الله تعالى لم تكن عمامة النبي صلى الله عليه وسلّم بالكبيرة، التي تؤذي صاحبها، وتضعفه، وتجعله عرضة للآفات كما يشاهد من حال أصحابنا، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسطا بين ذلك. قال الحافظ رحمه الله تعالى في فتاويه: لا يحضرني في طول عمامة النبي صلى الله عليه وسلّم قدر محدود، وقد سئل عنه الحافظ عبد الغني فلم يذكر شيئا في فتاويه. وقال الشيخ رحمه الله تعالى في ذلك لم يثبت في مقدار العمامة الشريفة حديث، ثم أورد الحديث السالف أول الباب، ثم قال: وهذا يدل على أنها عدة أذرع، والظاهر أنها كانت نحو العشرة أو فوقها بيسير. وقال الحافظ أبو الخير السخاوي رحمه الله تعالى في فتاويه: رأيت من نسب لعائشة رضي الله تعالى عنها أن عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر كانت بيضاء، وفي الحضر كانت سوداء، وكل منهما سبعة أذرع. قال السّخاوي: وهذا شيء ما علمناه. قال ابن الحاج في المدخل: وردت السّنّة بالرّداء والعمامة والعذبة، وكان الرداء أربعة أذرع ونصف، ونحوها، والعمامة سبعة أذرع ونحوها، يخرجون منها التّلحية والعذبة، والباقي عمامة على ما نقله المطريّ في كتابه. الثاني: قال في زاد المعاد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس العمامة بغير قلنسوة، وكان إذا اعتمّ أرخى طرف عمامته بين كتفيه، كما في حديث عمرو بن حريث، وفي حديث جابر السابق رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة، وعليه عمامة سوداء، ولم يذكر في حديثه الذّؤابة، فدل على أن العذبة لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه، قال وقد يقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه أهبة القتال، والمغفر على رأسه، فلبس في كل موطن ما يناسبه، قلت: لم يستحضر رحمه الله تعالى أن النسائي رحمه الله تعالى رواه- وزاد- قد أرخى طرف العذبة بين كتفيه، كما تقدم، ولا مخالفة بين هذا الحديث، وحديث البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، لاحتمال أن يكون وقت دخوله كان على رأسه المغفر، ثم أزاله، ولبس العمامة بعد ذلك، فحكى كل منهما ما رآه، ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه أنه خطب عند باب الكعبة، وذلك بعد تمام دخوله، قال القاضي وقال غيره يجمع، بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر، وقاية لرأسه من صدأ الحديد.

الثالث: قال في زاد المعاد أيضا كان شيخنا أبو العباس في تيهته رحمه الله تعالى يذكر في سبب الذؤابة شيئا بديعا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه بالمدينة، لما رأى رب العزة تبارك وتعالى فقال: «يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفيّ فعلمت ما بين السماء والأرض» الحديث. رواه الترمذي، وقال إنه سأل البخاري عنه فصححه، قال أبو العباس رحمه الله تعالى: فمن تلك الغداة أرخى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذؤابة بين كتفيه صلى الله عليه وسلّم، وهذا من العلم الذي تنكره ألسنة الجهّال وقلوبهم، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ولم أر هذه الفائدة في شأن الذؤابة لغيره، وقال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى: لم نجد لما ذكره أصلا. وقال الحافظ أبو ذرعة بن الحافظ أبي الفضل العراقيّ رحمهما الله تعالى في تذكرته بعد أن ساق ما تقدم عن ابن تيميّة، إن ثبت ذلك فهو وصفه، وليس يلزم منه التجسيم، لأن الكف يقال فيه ما قاله أهل الحق في اليد، فهم ما بين متأوّل وساكت عن التأويل، مع نفي الظاهر، كيفما كان فهو نعمة عظيمة، ومنّة جسيمة، حلّت بين كتفيه فقابلها بإكرام ذلك المحلّ الذي حطت فيه تلك النعمة، والمراد بالذؤابة ههنا القامّة لموافقة الحديث الذي قبله وأكثر اشتهارها على شعر الرأس، وقد تطلق على المتدلي من غيره. الرابع: قال شيخ الإسلام كمال الدين بن أبي شريف رحمه الله تعالى في كتابه صوبة الغمامة، في إرساله طرف العمامة: إسبال طرف العمامة مستحبّ مرجح فعله على تركه، كما يؤخذ من الأحاديث السابقة خلافا لما أوهمه كلام النووي رحمه الله تعالى من إباحته بمعنى استواء الطرفين. قال الإمام النووي في شرح المهذب: يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها، بغير إرساله، ولا كراهة في واحد منهما، وذكر معناه في الروضة باختصار. قال في شرح المهذب: ولم يصح في النهي عن ترك الإرسال شيء، وذكر أنه صحّ في الإرخاء حديث عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه أي السابق- هذا كلام الإمام النووي رحمه الله تعالى. قال ابن أبي شريف رحمه الله تعالى: ولم أر من تعقّبه، ويمكن أن يقال قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه بإرخاء طرف العمامة، وعلّله صلى الله عليه وسلّم لأنه أعرب وأحسن، فهو مستحب وأولى، وتركه خلاف الأولى والمستحب. والظاهر أن الإمام النووي أراد بالمكروه ما ورد فيه نهي مقصود، وليس الترك مكروها بهذا المعنى، ولا يمتنع كون الإرسال أولى أو مستحبا، وأما إن أراد بالمكروه ما يتناول خلاف الأولى، كما هو اصطلاح متقدمي الأصوليين، فلا نسلم كون الترك غير مكروه بهذا المعنى بل هو مكروه.

بمعنى أنه خلاف الأولى كما بيّنّاه. الخامس: قال صاحب القاموس رحمه الله تعالى في شرح البخاري كما نقل عنه أنه قال فيه: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عذبة طويلة نازلة بين كتفيه، وتارة على كتفيه، وأنه ما فارق العذبة قط، وأنه قال: «خالفوا اليهود ولا تصمّموا فإن تصميم العمائم من زيّ أهل الكتاب» ، وأنه قال: «أعوذ بالله من عمامة صمّاء» ، قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه التي بخط الشيخ عبد الجبار رحمه الله تعالى قوله: طويلة لم أره، لكن يمكن أن يؤخذ من أحاديث إرخائها بين الكتفين، وقوله: بين، وتارة على كتفه لم أقف عليه من لبسه، لكن من إلباسه، أي كما سيأتي في تعميمه عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وعليا رضي الله تعالى عنه، وأما حديث خالفوا اليهود إلخ، وحديث أعوذ بالله من عمامة صمّاء، فلا أصل لهما. قال الشيخ في الفتاوى المذكورة: من العلم أن العذبة سنة وتركها استنكافا عنها إثم، أو غير مستنكف فلا. السادس: اختلف في مكان العذبة على أقوال: الأول: إرسالها من بين يديه، ومن خلفه. روى الطبراني بسند ضعيف عن ثوبان رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه. وروى أبو موسى المدنيّ بسند ضعيف عن الحسن بن صالح، قال: أخبرني من رأى عمامة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قد أرخاها من بين يديه ومن خلفه. وروى أبو داود بسند ضعيف عن ابن خيربوذ قال: حدثنا شيخ من أهل المدينة قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه يقول: عمّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يديّ، ومن خلفي. وورد من عدّة طرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمّا عمّم عبد الرحمن بن عوف أرسل العذبة من خلفه. وروى ابن سعد بسند ضعيف من طريق أبي أسد بن كريب عن أبيه قال: رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعتمّ فيرخي من عمامته شبرا بين كتفيه، ومن بين يديه. وروى أبو موسى المدني عن محمد بن قيس قال: رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يعتمّ بعمامة قد أرسلها بين يديه ومن خلفه، فلا أدري أيّهما أطول. قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: أنه لم ير أحدا ممّن أدركه يرخيها بين كتفيه إلا بين

يديه، ونقله ابن الحاج في المدخل، وهذا يدل على أن عمل التابعين على إرسال العذبة من بين أيديهم. قال أبو عبد الله بن الحاج في المدخل: والعجب من قول بعض المتأخرين إن إرسال الذّؤابة بين اليدين بدعة، مع وجود هذه النصوص الصحيحة الصريحة من الأئمة المتقدمين عن السلف، فيكون هو قد أصاب السنة، وهم قد أخطئوها وابتدعوا، وتوقف بعض الحفّاظ في جعلها من قدّام لكونها من سنّة أهل الكتاب، وهدينا مخالف لهديهم وقولهم: بين يديه، ومن خلفه: يحتمل أن يكون بالنظر لطرفيها حيث يجعل أحدهما خلفه والآخر بين يديه ويحتمل أنه إرسال الطرف الواحد بين يديه، ثم ردّه من خلفه بحيث يكون الطرف الواحد بعضه بين يديه، وبعضه خلفه، كما يفعله كثيرون، ويحتمل أن يكون فعل كل واحد منهما في مرّة، وقد تكون العذبة من طرف العمامة، أو من غيرها، ويغرزها فيها، فقد نقل الحافظ أبو الخير السخاوي رحمه الله تعالى في فتاويه أن بعضهم نسب إلى عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت العذبة في السفر من غير العمامة وفي الحضر منها، قال السخاوي: وهذا شيء ما علمناه. الثاني: إرسالها من الجانب الأيمن. روى الطبراني بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يولّي واليا حتى يعمّمه بعمامة، ويرخي لها عذبة من الجانب الأيمن نحو الأذن. الثالث: إرسالها من الجانب الأيسر، وعليه عمل كثير من السادات الصوفية، لما قام عندهم في ذلك. روى الطبراني بسند حسن، والضياء المقدسيّ رحمه الله تعالى في صحيحه عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليا رضي الله تعالى عنه إلى خيبر فعمّمه بعمامة سوداء، ثم أرسلها من ورائه، أو قال: على كتفه اليسرى، لكن روايه تردّد وما جزم بالثاني. وسئل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في مسند الصوفية في إرخاء العذبة على الشّمال فقال: لا يلزمهم بيانه، لأن هذا من جملة الأمور المباحة، فمن اصطلح على شيء منها لم يمنع منه، ولا سيّما إذا كان شعارا لهم انتهى. الرابع: إرسالها خلف ظهره بين كتفيه، وهو الأكثر الأشهر الصحيح على تقدير صحته

بأنه لم يرخ العذبة بين الكتفين، بل يقدّمها إلى جهة الكتف اليمنى أو اليسرى، وقولهم: بين كتفيه: المراد به إرسالها من خلف لا من قدام، ويستحب إرخاء العذبة للصلاة، ويكره تركها. وندر تركه سدل العذبة في العمامة حال الصلاة. التنبيه الخامس: اختلف في قدر العذبة على أنواع: الأول: قدر أربع أصابع أو نحوها، وهو أكثر ما ورد في ذلك وأمثل إسنادا. روى الطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمّر عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه على سريّة فأصبح عبد الرحمن وقد اعتم بعمامة من كراديس سوداء. الثاني: إلى موضع الجلوس حكاه شرّاح الكنز. الثالث: إلى الكعبين. روى أبو موسى المدني عن خطّاب الحمصيّ قال: حدثنا بقيّة بن الوليد عن مسلم بن زياد القرشي رضي الله تعالى عنه قال: رأيت أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أبهر بن مالك، وأبا المنبعث، وفضالة بن عبيد، وروح بن سيّار أو سيّار بن روح رضي الله تعالى عنهم يلبسون العمائم ويرخونها من خلفهم، وثيابهم إلى الكعبين، قلت: تحرّر هل المراد الثياب إلى الكعبين أو العذبة؟. السادس: قال الحافظ الذهبي في أحاديث اعتمامه بعمامة صفراء: لعل ذلك قبل أن ينهي عنه، وسيأتي بيان هذا في نوع ما لبس من الألوان. السابع: فيما قيل من إدخال طرفها في العمامة. روى أبو موسى المدني رحمه الله تعالى عن الحسن بن صالح عن أبيه قال: رأيت على الشّعبي عمامة بيضاء قد أدخل طرفها فيها. قال الشيخ إبراهيم القدري رحمه الله تعالى: لم أقف على نقل في إدخال العذبة في العمامة، ولا نقل عن أحد من السلف إلا ما نقلوا عن الشعبي. قال أبو عبيدة في الأمر بالتلحي والنهي عن الاقتعاط- أصل هذا في لبس العمائم، وذلك أن العمامة يقال لها: المقطّة فإذا لبسها المعتم على رأسه، ولم يجعلها تحت الحنك قيل اقتعطها، فهو المنهي عنه، فإذا أدارها تحت الحنك قيل: تلحاها، وهو المأمور بها، وكان طاوس رحمه الله تعالى يقول تلك عمّة الشيطان يعني الأولى. التاسع: التلحي سنة فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح. قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: أدركت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين محنّكا أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أمينا، وفي لفظ لو استسقى بهم القطر لسقوا.

وقال أبو عبد الله بن الحاج أحد أئمة المالكية بعد أن نقل كلام أئمة اللغة رحمهم الله تعالى في معنى الاقتعاط: قال القاضي أبو الوليد بن رشد رحمه الله تعالى: سئل مالك رضي الله تعالى عنه عن المعتم، ولا يدخل تحت ذقنه من العمامة شيئا، فكره ذلك، قال القاضي أبو الوليد: إنما كره ذلك مالك لمخالفته فعل السلف الصالح. وقال الإمام أبو بكر الطّرطوشي [ (1) ] رحمه الله تعالى: اقتعاط العمائم هو التعميم دون حنك، وهو بدعة منكرة، وقد شاعت في بلاد الإسلام، ونظر مجاهد رضي الله تعالى عنه يوما إلى رجل معتم ولم يحتنك، فقال: اقتعاط كاقتعاط الشيطان تلك عمة الشيطان، وعمائم قوم لوط. قال عبد الملك بن حبيب في كتابه الواضحة: ولا بأس أن يصلي الرجل في داره وبيته بالعمامة دون التلحي، فأما بين الجماعات والمساجد فلا ينبغي ترك الالتحاد، فإن تركه من بقايا عمائم قوم لوط عليه السلام قال بعضهم: وقد شدد العلماء في الكراهة في ترك التحنيك، قال صاحب الجواهر وفي المختصر: روى ابن وهب عن مالك رحمه الله تعالى أنه سئل عن العمامة يعتم بها الرجل، ولا يجعلها تحت حلقه، فأنكرها، وقال: إنها من عمل القبط، قيل له: فإن صلّى بها كذلك؟ قال: لا بأس، وليست من عمل الناس، وقال أشهب رحمه الله تعالى: كان مالك رضي الله تعالى عنه إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه، وأسدل طرفها بين كتفيه، وقال القاضي عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه المدوّنة: من المكروه ما يخالف زي العرب، وأشبه زيّ العجم، كالتعجم بغير حنك، قال: وقد روي أنها عمّة الشيطان. وقال الحافظ عبد الحق الإشبيلي رحمه الله تعالى: وسنة العمامة بعد فعلها أن يرخي طرفها، ويتحنك به، فإن كان بغير طرف ولا تحنيك، فذلك يكره عند العلماء، والأولى أن يدخلها تحت حنكه، فإنها تقي العنق الحر والبرد، وهو أثبت لها عند ركوب الخيل والإبل والكرّ والفرّ، وقد أطنب ابن الحاج في المدخل في استحباب التحنك، ثم قال: وإذا كانت العمامة من باب المباح فلا بد فيها من فعل سنن تتعلق بها، من تناولها باليمين، والتسمية، والذكر الوارد إن كانت مما يلبس جديدا، أو امتثال السنة في صفة التعميم، من فعل التحنيك، والعذبة، وتصغير العمامة يعني سبعة أذرع أو نحوها، يخرجون منها التحنيك، والعذبة، فإن زاد من العمامة قليلا لأجل حر أو برد، فيتسامح فيه، ثم قال: فعليك أن تتعمم قائما وتتسرول قاعدا.

_ [ (1) ] محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي، أبو بكر الطرطوشي، ويقال له ابن أبي رندقة: أديب، من فقهاء المالكية، الحفاظ من أهل طرطوشة من كتبه «سراج الملوك» و «التعليقة» وفي الخلافيات، وغير ذلك توفي 520 هجرة الأعلام 7/ 133، 134.

قال الشيخ برهان الدين الباجي حافظ الشام في كتابه قلائد العقيان فيما يورث الفقر والنسيان: إن التعمم قاعدا والتسرول قائما يورثان الفقر والنسيان. وقال بعض العلماء رحمهم الله تعالى: السنة في العمامة أن يسدل طرفها إن شاء أمامه، وإن شاء بين يديه، وإن شاء خلفه بين كتفيه، قال: ولا بد من التحنك في الهيئتين. وفي كتاب الفروع لابن مفلح [ (1) ] والإنصاف للمرداوي [ (2) ] رحمهم الله تعالى، من كتب الحنابلة، قال غير واحد من الأصحاب: يسن أن تكون العمامة محنّكة، وكره أحمد، والأصحاب رحمهم الله تعالى لبس زيّ الأعاجم كعمامة صمّاء. وقال الشيخ عبد القادر الكيلاني [ (3) ] رحمه الله تعالى ونفع به في كتابه الغنية: يكره الاقتعاط، وهو التعمم بغير حنك، ويستحب التلحي، ويكره كلّ ما خالف زي العرب، وشابه زي العجم. في فتاوى الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: النهي عن الاقتعاط محمول على الكراهة لا على التحريم. وقال القرافي [ (4) ]- بالقاف وبعد الألف فاء-: إنه ما أفتى به مالك رحمه الله تعالى حتى أجازه سبعون محنّكا، وذلك دليل على أن العذبة دون تحنيك يخرج بها عن المكروه لأن وصفهم بالتحنيك دليل على أنهم قد امتازوا به دون غيرهم، وإلا فما كان لوصفهم بالتحنيك فائدة، إذ الكل مجتمعون فيه، قد كان سيدي أبو محمد رحمه الله تعالى يقول: إنما المكروه

_ [ (1) ] محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الراميني ثم الصالحي: أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولد ونشأ في بيت المقدس، وتوفي بصالحية دمشق، من تصانيفه «كتاب الفروع والنكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية» و «أصول الفقه» و «الآداب الشرعية الكبرى- توفي 763 هجرة الأعلام 7/ 107. [ (2) ] علي بن سليمان بن أحمد المرداوي ثم الدمشقي: فقيه حنبلي، من العلماء. ولد في مردا (قرب نابلس) وانتقل في كبره إلى دمشق فتوفي فيها. من كتبه «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. توفي 885 الأعلام 4/ 292. [ (3) ] عبد القادر بن موسى بن عبد الله بن جنكي دوست الحسني، أبو محمد، محيي الدين الجيلاني، أو الكيلاني، أو الجيلي: مؤسس الطريقة القادرية، من كبار الزهاد والمتصوفين. ولد في جيلان (وراء طبرستان) وانتقل إلى بغداد شابا، سنة 488 هجرة، فاتصل بشيوخ العلم والتصرف، وبرع في أساليب الوعظ، وتفقه، وسمع الحديث، وقرأ الأدب، واشتهر. له كتب، منها «الغنية لطالب طريق الحق و «الفتح الرباني» و «فتوح الغيب» و «الفيوضات الربانية» توفي 561 هجرة الأعلام 4/ 47. [ (4) ] أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، أو العباس، شهاب الدين الصنهاجي القرافي: من علماء المالكية نسبته إلى قبيلة صنهاجة (من برابرة المغرب) وإلى القرافة (المحلة المجاورة لقبر الإمام الشافعي) بالقاهرة. وهو مصري المولد والمنشأ والوفاة، له مصنفات جليلة في الفقه والأصول، منها «أنوار البروق في أنواء الفروق» أربعة أجزاء، و «الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرف القاضي والإمام» و «الذخيرة» في فقه المالكية، وغير ذلك. توفي 684 هجرة الأعلام 1/ 94، 95.

في العمامة التي ليست بهما فإن كانا معا فهو الكمال في امتثال الأمر، وإن كان أحدهما فقد خرج به عن المكروه. العاشر: قال شيخ شيوخنا الإمام العلامة الشيخ كمال الدين بن الهمام [ (1) ] أحد أئمة السادة الحنفية في كتابه المياسرة: من استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه كفر، قاله تلميذه الإمام العلامة كمال الدين بن أبي شريف رحمه الله تعالى في شرحها. الحادي عشر: في بيان غريب ما سبق: العمامة: بالكسر المغفر والبيضة، وما يلف على الرأس، والجمع عمائم، وعمام، وقد اعتم وتعمم واستعم. الذّؤابة: بذال معجمة فواو، وبعد الألف، موحدة: ما يرخى من شعر الرأس، وقد يطلق على كل ما يرخى. الدّسمة: بدال مفتوحة، فسين مفتوحة، مهملتين، فميم، فتاء تأنيث: أي سوداء. الحرقانية: بحاء مهملة مضمومة، فراء ساكنة، فقاف، فألف، فنون فتحتية فتاء تأنيث: سوداء، قال الزمخشري رحمه الله تعالى: هي التي على لون ما أحرقته النار كأنها منسوبة، بزيادة الألف والنون إلى الحرق بفتح الحاء والراء. التّلحّي: بفوقية فلام فحاء مهملة: جعل طرف العمامة تحت الحنك. الخمار: بخاء معجمة وآخره راء: المراد به هنا العمامة، لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها، وذلك إذا كان قد اعتم عمة العرب، فأدارها تحت الحنك، فلا يستطيع نزعها في كل وقت، فتصير كالخفين، غير أنه يحتاج إلى مسح القليل من الرأس، ثم يمسح على العمامة، بدل الاستيعاب، وقد أشعر كلام ابن الأثير رحمه الله تعالى في تفسير الخمار بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على التلحي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن دائما يمسح على الخمار، بل كان يمسح جميع رأسه. الاقتعاط: بهمزة مكسورة مهملة، فقاف ساكنة، ففوقية مكسورة، فعين مهملة وبعد الألف طاء مهملة: أن يتعمم من غير تحنيك.

_ [ (1) ] محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود، السيواسي ثم الإسكندري، كمال الدين، المعروف بابن الهمام: إمام، من علماء الحنفية، عارف بأصول الديانات والتفسير والفرائض والفقه والحساب واللغة والموسيقى والمنطق. أصله من سيواس، ولد بالإسكندرية، ونبغ في القاهرة، وأقام بحلب مدة. وجاور بالحرمين، ثم كان شيخ الشيوخ بالخانقاه الشيخونية بمصر. وكان معظما عند الملوك وأرباب الدولة. توفي بالقاهرة، من كتبه «فتح القدير في شرح الهداية» و «التحرير في أصول الفقه» و «المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة» و «زاد الفقير» توفي 861 هجرة الأعلام 6/ 255.

الباب الثالث في قلنسوته صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في قلنسوته صلى الله عليه وسلم روى أبو داود والبزّار بسند ضعيف عن ركانة [ (1) ] رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الفرق بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس» [ (2) ] . وروى أبو يعلى وأبو الشيخ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس قلنسوة بيضاء [ (3) ] . وروى أبو علي بن السّكن في المعرفة عن فرقد- رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم قال: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ورأيت عليه قلنسوة بيضاء، وفي رواية ورسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قلنسوة بيضاء شاميّة. وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس من القلانس في السفر ذوات الآذان، وفي الحضر المشمرة يعني الشامية [ (4) ] . وروى ابن عساكر عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس من القلانس من ذوات الآذان. وروى عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلنسوة بيضاء يلبسها [ (5) ] . وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث قلانس، قلنسوة بيضاء مصريّة، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، ربما وضعها بين يديه إذا صلّى [ (6) ] . وروى الأربعة وأبو الشيخ وابن حبّان عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وله قلنسوة مصريّة، وقلنسوة لها آذان، وقلنسوة لاطئة.

_ [ (1) ] ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي مات في خلافة عثمان انظر الإصابة 2/ 212. [ (2) ] أخرجه أبو داود في كتاب اللباس باب (24) والترمذي (1784) والحاكم 3/ 452 والطبراني في الكبير 5/ 68. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 124 وقال: رواه الطبراني وفيه عبد الله بن خراس وثقه ابن حبان وقال ربما أخطأ، وضعفه جمهور الأئمة، وبقية رجاله ثقات. [ (4) ] انظر أخلاق النبوة 119. [ (5) ] ذكره أبو حنيفة في جامع المسانيد 1/ 198. [ (6) ] ذكره الفتني في تذكرة الموضوعات 155.

تنبيهان

وروى الدّمياطي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كمّة بيضاء بطحاء. وروى أبو الحسن البلاذري رحمه الله تعالى في تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلنسوة أسماط، يعني جلودا، وكان فيها ثقبة. وروى الطبراني وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس كمّة بيضاء [ (1) ] . وروى ابن عساكر بسند ضعيف عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس كمّة بيضاء، ورواه أيضاً عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وروى أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس القلانس البيض، والمزرورات، وذوات الآذان. تنبيهان الأول: قال في الإحياء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس القلانس تحت العمامة، وبغير عمامة، وربما نزع قلنسوة من رأسه، فيجعلها سترة بين يديه، ثم يصلي إليها، قال في زاد المعاد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة. الثاني: في بيان غريب ما سبق: القلنسوة والقلنسية إذا فتحت ضممت السين، وإذا ضممت كسرتها، تلبس في الرأس، والجمع قلانس وقلانس وقلنس، وأصله قلنسو إلا أنهم رفضوا الواو لأنه ليس اسم آخره حرف علة قبلها ضمة فصار آخره ياء مكسور ما قبلها، فكان كقاض، وقلاسيّ وقلاس وتصغيره قلينسة وقلينيسة وقليسية وقليسيّة، وقلنسته وقليسته فتقلنس وتقلسى: ألبسته إياها فلبس. وقال محمود بن خطيب الدّهشة في التقريب [ (2) ] : بفتحتين وسكون النون وضم السين، والقلنسية بضم القاف بوزنها تلبس في الرأس، وجمعها قلانس وقلائس وقلاس.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 124 وقال رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن حنيفة الواسطي وهو ضعيف ليس بالقوى. [ (2) ] محمود بن أحمد بن محمد، الشيخ الإمام العلامة، القاضي، المصنف نور الدين الحموي المشهور بابن خطيب الدّهشة، قاضي حماة وعالمها ولد سنة ستين وسبعمائة، واشتغل ببلده على جماعة، فمن تصانيفه مختصر القوت للأذرعي سماه إعانة المحتاج إلى شرح المنهاج، ومختصر المطالع، وشرح الكافية لابن مالك، والتقريب في علم الغريب وغير ذلك ابن قاضي شهبة 4/ 108.

قال القزّار [ (1) ] : غشاء مبطن يستر به الرأس. شامية: نسبة إلى الشام. المشمرة: بميم مضمومة، فمعجمة ساكنة، فميم، فراء المهيأة. مصرية. برد: بموحدة مضمومة، فراء ساكنة، فمهملة: ثوب مخطط. حبرة: بحاء مكسورة، فموحدة، وراء مفتوحتين، عصب اليمن، وقال الداودي الحبرة ثوب أخضر. لاطية: أي لاصقة بالرأس، أشار بذلك إلى قصرها، وإنما حدثت القلانس الطّوال في أيام الخليفة المنصور في سنة ثلاث وخمسين ومائة، أو نحوها، وفي ذلك يقول الشاعر: وكنّا نرجّي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى في القلانس الكمّة: بضم الكاف وتشديد الميم قال العراقي رحمه الله تعالى: جمعها كمام بكسر الكاف، وهي القلنسوة، قال في المورد: هي قلنسوة منبطحة غير منبسطة. بطحاء: بضم الموحدة، وسكون الطاء، وبالحاء المهملتين، وهي لازقة بالرأس غير ذاهبة في الهواء، هكذا فسره الهروي رحمه الله تعالى. وقال في النهاية: يعني أنها كانت منبطحة غير منتصبة. قال العراقي: وأما تفسير الترمذي لها بالواسعة فليس بجيد، وكأنه حمل الكمام هنا على أنه جمع كمّ القميص، وكذا فعل أبو الشيخ، وفي ذلك منهما نظر، والمعروف ما قدمناه. الثقبة: الخرق النافذ. أسماط بهمزة مفتوحة، فسين مهملة ساكنة، فميم، فألف فطاء مهملة لا وسم عليها أو لبس لها بطانة.

_ [ (1) ] محمد بن جعفر التميمي، أبو عبد الله، القزاز: أديب، عالم باللغة من أهل القيروان، مولدا ووفاة. رحل إلى الشرق، وخدم العزيز بالله الفاطمي (صاحب مصر) وصنف له كتبا، وعاد إلى القيروان، فتصدر لتدريس العربية والأدب إلى أن توفي من كتبه «الجامع» في اللغة، كبير، و «الحروف عدة مجلدات في النحو» ، و «ضرائر الشعر» توفي سنة 415 هجرة الأعلام 6/ 71، 72.

الباب الرابع في تقنعه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في تقنعه صلى الله عليه وسلم روى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: بينا نحن جلوس في بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه في نحو الظّهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنّعا [ (1) ] . وروى البخاري والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحجر قال: لا تسكنوا، ولا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم، ثم تقنّع بردائه، وهو على الرّحل [ (2) ] . وروى الترمذي في الشّمائل، وابن سعد، والبيهقي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر القناع [ (3) ] . وروى ابن سعد والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر التقنّع، وفي لفظ القناع [ (4) ] . وروى البلاذري عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر على بغلة شهباء، وعليه ممطر سيجان، وعليه عمامة، وعلى العمامة قلنسوة من الممطر السّيجان، قال هشام بن عمار: الساج الطيلسان الأسود. وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر تسريح لحيته ورأسه بالماء، ثم تقنع كأن ثوبه ثوب زيّات [ (5) ] . وروى بقي بن مخلد عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر التّقنّع، وهو من أخلاق الأنبياء، أو لبسة الأنبياء عليهم السلام، وقال ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم القناع عن رأسه، وأخرج وجهه، ثم قال: «هكذا الإيمان» ، ثم قنع رأسه وغطى وجهه، وأخرج إحدى عينيه وقال: «هكذا النفاق» . وروى أبو عوانة في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «كنت ألعب مع

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 453 (4083) . [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 731 (4419) . [ (3) ] الترمذي في الشمائل (61) وانظر الكنز (18278) والبداية 6/ 53. [ (4) ] ابن سعد 1/ 2/ 154. [ (5) ] انظر إتحاف السادة 4/ 241 والشمائل للترمذي (23) وابن سعد 1/ 2/ 170.

الصبيان إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد قنّع رأسه بثوب، فسلم عليّ، ثم دعاني فبعثني في حاجة، وقعد في نخل حائط» الحديث. وقال ابن سعد رحمه الله تعالى: أخبرنا الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب قال: حدثنا موسى الحارثي في زمن بني أميّة قال: وصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطّيلسان فقال: «هذا ثوب لا يؤدّى شكره» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني بسند حسن- عن أمامة بن زيد رضي الله تعالى عنه قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أدخل عليّ أصحابي» ، فدخلوا عليه، فكشف القناع، ثم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» [ (2) ] . وروى أبو عبيدة في غريبه عن يحيى بن أبي كثير رحمه الله تعالى قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على إبل لحيّ يقال لهم بنو الملوّح، أو بنو المصطلق قد عبست في أبوالها من السّمن، فتقنّع بثوبه، ثم قرأ قول الله تعالى: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ الآية. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه، وعرفنا ذلك منه، فتنحى منتبذا خلفنا، وجعل يغطّي رأسه بثوبه، فأتانا، فأخبرنا أنه قد أنزل عليه الوحي: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم متقنّعا بثوبه فقال: «يا أيها الناس، إن الناس يكثرون، وإن الأنصار يقلّون، فمن ولي منكم أمرا ينفع فيه أحد، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم» [ (4) ] . وروى الطبراني عن زيد بن سعد عن أبيه رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نعيت إليه نفسه خرج متقنّعا، حتى جلس على المنبر، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثم قال: «أيّها الناس احفظوني في هذا الحي، من الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، أقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 155. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 218، 518، 2/ 216، 5/ 204، 6/ 34، 121، 255. وأبو عوانة 1/ 399 وهو عند البخاري 1/ 116، 2/ 11، 128 ومسلم في المساجد باب 3 (19، 21) . [ (3) ] أحمد 1/ 564، 5/ 317، 318. [ (4) ] أحمد 1/ 289. [ (5) ] الطبراني في الكبير 6/ 40.

تنبيهات

وروى البلاذري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقنّع رأسه حتى ينظر إلى حاشية ثوبه. وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الأردية ألبسة العرب، والالتفاع لبسة الإيمان» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتلفّع. وروى ابن عدي عن عون بن سلّام عن معلّى بن هلال [ (1) ] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الله رضي الله تعالى عنهم قال: التلفّع والتّقنّع من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتقنّع والأحاديث في هذه كثيرة. تنبيهات الأول: قال الحافظ رحمه الله تعالى: قول عائشة متقنّعا أي مطيلسا رأسه، وهو أصل في لبس الطّيلسان، وقال أيضاً في موضع آخر من الفتح: التّقنّع تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره. وقال التّوربشتي في قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما تقنّع: أي لبس قناعا على رأسه، وهو شبه الطّيلسان. الثاني: قول ابن القيم رحمه الله تعالى: لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبسه أي الطّيلسان، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدّجال، فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود إصبهان عليهم الطيالسة، ورأى أنس رضي الله تعالى عنه جماعة عليهم الطّيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر، ومن هنا كرهه جماعة من السلف، والخلف، لما روى أبو داود والحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» وفي التّرمذي: «ليس منّا من تشبّه بغيرنا» وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه متقنّعا بالهاجرة فإنما فعله صلى الله عليه وسلّم تلك الساعة ليختفي بذلك للحاجة، ولم تكن عادته التقنع، وقد ذكر أنس رضي الله تعالى عنه أن كان صلى الله عليه وسلّم يكثر القناع، وهذا إنما كان يفعله للحاجة من حر ونحوه- انتهى كلامه، وهو مردود من وجوه: التنبيه الأول: قوله لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلّم لبسه يرده ما رواه الترمذي في الشّمائل، وابن سعد والبيهقي عن يزيد بن أبان والخطيب عن الحسن بن دينار عن قتادة كلاهما عن أنس رضي الله تعالى عنهم، والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يكثر التّقنّع، ولفظ التّرمذي وسهل: القناع، ولفظ الخطيب: ما رأيت أدوم قناعا من

_ [ (1) ] معلّى بن هلال بن سويد، أبو عبد الله الطحّان الكوفي، اتفق النقاد على تكذيبه. التقريب 2/ 266.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد أنس حتى كأنّ ثوبه ثوب زيّات أو دهّان. ولفظ الخطيب كأن ملحفته ملحفة زيّات، وهذا الحديث باعتبار طرقه، وما له من الشواهد السابقة حسن، كما قاله الشيخ رحمه الله تعالى، وقال ابن سعد أخبرنا الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب قال: حدثني موسى الحارثي في زمن بني أمية قال: وصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطّيلسان فقال: «هذا ثوب لا يؤدّى شكره- هذا مرسل» . التنبيه الثاني: قوله: ولا أحد من أصحابه، يردّه أنه ورد فعله عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بحضرته صلى الله عليه وسلّم وبعد وفاته، منهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وروى أبو يعلى وابن عساكر من طريق عبد الملك بن عمير عن ابن أبي المعلّى قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: «إن رجلي على ترعة من ترع الحوض» ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت المنبر متوافرون، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه مقنّع في القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن عبدا من عبيد الله تعالى خيّره ربّه أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها، وأن يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه» ، فلم يفطن أحد من القوم لما قال صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر رضي الله تعالى عنه فانتحب باكيا، وروى ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: يا معشر المسلمين: استحيوا من الله تعالى، فو الذي نفسي بيده إني لأظلّ حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنّعا بثوبي استحياء من الله عز وجل، ولفظ ابن أبي شيبة مغطيا رأسه وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. روى ابن عساكر عن زرّ بن حبيش رحمه الله تعالى قال: خرجنا مع أهل المدينة في يوم عيد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو يمشي متلثما ببرد قطريّ، وعثمان رضي الله تعالى عنه. وروى ابن أبي شيبة في مسنده والتّرمذي، والحاكم، وصححه والبيهقي عن مرة بن كعب أو كعب بن مرة رضي الله تعالى عنه وابن عساكر عن عبد الله بن حوالة، والطبراني عن ابن عمر، والإمام أحمد عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنهم، واللفظ لابن حوالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «يا عبد الله كيف إذا ظهرت فتنة في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟» قلت: ما خار الله تعالى ورسوله، قال: «فكيف بك يا عبد الله إذا ظهرت فتنة أخرى كأنها انتفاجة أرنب؟» قلت: ما خار الله تعالى ورسوله، ولفظ الباقين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتنة، قالوا كلهم: ومرّ رجل مقنّع بثوب، - وفي لفظ بردائه- فقال: هذا يومئذ على الهدى، قال ابن حوالة رحمه الله تعالى: فتبعته فأخذت بثوبه فأقبلت بوجهه على النبي صلى الله عليه وسلم فكشف قناعه قلت: هذا قال: هذا، فإذا هو عثمان رضي الله تعالى عنه، فقال ابن عجرة: فانطلقت حتى

أخذت بضبعيه فحولت وجهه إليه، وكشفت عن رأسه فإذا هو عثمان رضي الله تعالى عنه. وروى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الأم، وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن التّيمي قال: قلت: لأغلبنّ الليلة على المقام، فقمت فإذا رجل يزحمني متقنّعا فنظرت فإذا هو عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه، والآثار في تقنّع عثمان كثيرة، والحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما. روى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد في الطبقات عن العلاء قال: رأيت الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما يصلّي، وهو مقنّع رأسه. وروى ابن سعد عن سليمان بن المغيرة قال: رأيت الحسن يلبس الطّيالسة. وروى أيضا عن عمارة بن زادان قال: رأيت على الحسن طيلسانا أندقيّا، والآثار في ذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كثيرة. وأما عن التابعين فكثير منهم طاوس، قد قال هانئ بن أيوب الجعفي كان طاوس يتقنّع، رواه ابن سعد من طرق عنه، وعمر بن عبد العزيز رواه ابن سعد وابن عساكر، والحسن البصريّ، رواه ابن سعد من طرق، ومحمد بن واسع رواه ابن عساكر، وإبراهيم النّخعي رواه ابن أبي شيبة وميمون بن مهران رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، ومسروق رواه ابن أبي شيبة، وسعيد بن المسيّب رواه ابن أبي شيبة. وروى البيهقي في الشّعب عن خالد بن خداش قال: جئت إلى مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه فرأيت عليه طيلسانا فقلت: يا أبا عبد الله، هذا شيء أحدثته أم رأيت الناس عليه؟ قال: لا بل رأيت الناس عليه، والآثار عن السلف في ذلك كثيرة لا تنحصر وقد ذكر الشيخ منها جملة في كتابه الأحاديث الحسان، في فضل الطّيلسان، فمن أراد الزيادة على ما هنا فليراجعه. الثالث: قال الحافظ رحمه الله تعالى: ما ذكره من قصة اليهود إنّما يصلح الاستدلال به في الوقت الذي تكون الطّيالسة من شعارهم، وقد ارتفع في هذه الأزمنة فصار داخلا في عموم المباح. وقيل: إنما أنكر أنس رضي الله تعالى عنه ألوان الطيالسة لأنها كانت صفراء، وقال الحافظ- بعد أن أورد حديث أنس-: لا يلزم من ذلك كراهة لبس الطيلسان. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهو واضح لأن الكراهة تحتاج إلى نهي خاص ولا وجود لها، وإذا لبس الكفار ملبوس المسلمين لا يكره للمسلمين لبسه. قال الحافظ: وقيل المراد بالطّيالسة الأكسية، غير أن المراد في حديث أنس، وحديث سهل بن سعد الطّيلسان المقوّر.

قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهذا أصحّ القول في الحديثين، ويؤيد أن هذا هو المراد في الثاني ما أخرجه أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدّجّال فقال: «يكون معه سبعون ألفا من اليهود مع كل رجل منهم ساج وسيف» . وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى في النهاية: الساج الطيلسان الأخضر، وقيل هو الطيلسان المقوّر، ينسج كذلك. وقال القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي رحمه الله تعالى: لا يمنع أهل الذّمّة من الطّيلسان، وهو المقوّر الطرفين، المكفوف الجانبين، الملفوف بعضها إلى بعض، ما كانت العرب تعرفه، وهو لباس اليهود قديما، والعجم أيضا، والعرب تسميه ساجا، ويقال إن أول من لبسه من العرب جبير من مطعم، وكان ابن سيرين رحمه الله تعالى يكرهه. وقال الزركشي رحمه الله تعالى في الخادم: ذكر جماعات من أهل اللغة أن الطّيلسان نوع من الثياب، وهو المراد من لبس اليهود في حديث الدّجّال، وليس هو معروف الآن. الرابع: قوله لم يكن يفعل التّقنّع عادة بل للحاجة تعقبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بأن في حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يكثر التّقنّع، أخرجه الترمذي في الشمائل وتقدم وذلك. التنبيه الثالث: قال القاضي رحمه الله تعالى في شرح مسلم في حديث تحويل الرداء في الاستسقاء، فيه دليل أن لبس النبي صلى الله عليه وسلّم للرداء كان على نحو لباس أهل بغداد ومصر والأندلس من كونه على رأسه ومنكبيه غير مشتمل به، ولا متعطف ثم قال: وقد جاء ما يصحح هذا، فقد ذكر أبو سعد عبد الملك صاحب شرف المصطفى أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ألا أخبركم بلبسة أهل الإيمان» ، فلبس رداءه، وألقاه على رأسه، وتقنّع به، ورفع بيده اليمنى على منكبه الأيسر انتهى. التنبيه الرابع: قال الحكيم الترمذي رحمه الله تعالى عقب إيراد حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: الأردية ألبسة أهل الإيمان إلخ- الالتفاع والالتحاف بمعنى واحد، وهو استتار، وإنما قيل ألبسة أهل الإيمان لأنه يقدر مع ذلك على التّقنّع، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر التّقنّع، وذلك أن الذي يعلوه الحياء من ربه يلجأ إلى ذلك لأن الحياء في العين والفم، وهما من الرأس والحياء من عمل الروح، وسلطان الروح في الرأس. وروي في الخبر أن أخلاق النبيين التّقنّع، فهذا من الحياء، وكذلك أهل اليقين من بعدهم، وهم الأولياء رضي الله تعالى عنهم، وهذا دأبهم وشأنهم.

وقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: إني لأدخل الخلاء فأقنّع رأسي حياءً من الله تعالى، فهذا لأهل اليقين، لأنهم أبصروا بقلوبهم أن الله تعالى يراهم، فقال صلى الله عليه وسلّم: «الالتفاع أي الالتحاف بالثوب متقنّعا لبسة اهل الإيمان، وذلك أن الحياء من الإيمان، وما ازداد عبد بالله تعالى علما إلا ازداد منه حياء، فمن تقنّع فمن الحياء منه تقنع، لعلمه بأن الله تعالى يراه علم يقين لا علم تعليم» . الخامس: قال الشيخ رحمه الله تعالى: حيث أطلق العلماء الطّيلسان وقالوا: إنه بدعة أو شعار اليهود فالطّرحة المراد لا الالتفاع، وتارة يقولون: المقوّر، وتارة يقولون: السّاج، والكل بمعنى، والطّرحة كانت غطاء القضاة في أوائل الدولة العباسية، وهلمّ جرّا فاحتاج العلماء يبينون أنها بدعة لا أصل لها في السنة، وقال في موضع آخر: قد كان الخلفاء أحدثوا ألبسة الطّرح السوداء على العمامة للخطباء، واستمر ذلك إلى زماننا فرأيناهم كثيرا يلبسونها في الأعياد فهذا هو الذي تكلم عليه ابن عطّار، حيث قال في شرح العمدة بعد أن نقل عن الأصحاب أن الإمام في الجمعة يزيد في التزين بالرداء ونحوه: وليس من زينته الطّيلسان، فإنه ليس شعار الإسلام، بل من شعار اليهود، وإلا فقد نص على استحباب الطيلسان أي التّقنّع من أصحابنا القاضي الحسين في تعليقه. السادس: قال الثعالبي في فقه اللغة: أصغر ما يغطى به الرأس يقال له البخنق وهو خرقة تغطي ما أقبل من الرأس وما أدبر ثم الغفارة فوقها دون الخمار، ثم الخمار أكبر منها ثم المقنعة، ثم النّصيف، وهو كالنّصيف من الرّداء أو أكبر من المقنعة، ثم المعجر. وهو أكبر من المقنعة، وأصغر من الرداء، ثم القناع والرداء. السابع: في بيان غريب ما سبق: قال الحافظ في كتاب البيان معنى قوله: كأن ثوبه ثوب زيّات: معناه أنه كان يدهن شعر رأسه، ويتقنّع، وكأن الموضع الذي يصيب رأسه من ثوبه ثوب دهان. نحو الظهيرة. الممطر: بميمين الأولى مكسورة، والثانية ساكنة، فطاء مهملة، فراء: ثوب صوف يتوقّى به من المطر. معافري: بميم مفتوحة، ولا يضم فعين فألف ففاء مكسورة، فراء: نسبة إلى معافر حيّ من همدان. مثلبة: بميم مفتوحة، فمثلثة، فلام مفتوحة، وتضم، فموحدة: اللوم والعيب.

الباب الخامس في قميصه، وإزاره، وجيبه صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في قميصه، وإزاره، وجيبه صلى الله عليه وسلم روى أبو داود والترمذي- وحسنه- عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان كمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرّسغ [ (1) ] . وروى الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبس قميصا وكان فوق الكعبين، وكان كمّه إلى الأصابع [ (2) ] . ولفظ أبي الشيخ يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمّين بأطراف الأصابع. وروى ابن ماجه، وابن سعد، وابن عساكر عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس قميصا قصير اليدين والطول [ (3) ] . وروى ابن سعد، ومسدّد، وأحمد بن منيع، وسعيد بن منصور، وأبو الشيخ، والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص من قطن، قصير الطول قصير الكم [ (4) ] . وروى البزار برجال ثقات عن أنس ورواه أبو سعيد بن الأعرابي عن ابن عباس والنّسائي عن أسماء، وابن الأعرابي عن يزيد العقيلي رضي الله تعالى عنهم قالوا: كان كمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. وروى ابن عدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبس قميصا، وكان كمّاه مع الأصابع. وروى ابن الأعرابيّ عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمّين بأطراف أصابعه. وروى عبد بن حميد وابن عساكر وأبو طاهر المخلّص عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له قميص قبطيّ قصير الطول قصير الكمّين. وروى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميص واحد [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي في السنن (1765) وابن سعد 1/ 2/ 153 وابن أبي شيبة 8/ 211. [ (2) ] وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 347. [ (3) ] ابن ماجة (3577) وابن سعد 1/ 2/ 153. [ (4) ] انظر أخلاق النبوة (101، 102) . [ (5) ] انظر المجمع 5/ 121.

تنبيهات

وروى أبو داود، وابن ماجه، وأبو القاسم البغوي في معجمه وابن حبان عن معاوية بن مرّة- رحمه الله تعالى- عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه، وإن قميصه لمطلق الإزار، ولفظ البغوي: لمحلول الإزار. وروى أبو يعلى، والبزّار، وابن خريمة، والبيهقي، وابن حبان عن زيد بن أسلم- رحمه الله تعالى- قال: رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما محلول الإزار، فسألته عن ذلك فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلّي كذلك. وروى أبو نعيم، وأبو الحسن بن الضّحاك- من طريقه- عن عطاء بن أبي رباح، رحمه الله تعالى قال: قلت لعبد الله بن عمر أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن، وجبّة محشوّة، ورداء وسيف، ورأيت النّعمان ابن مقرّن المزني قائما على رأسه، والناس يبايعونه. وروى أبو الشيخ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصا فيه زرّ. وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثوبان غليظان، فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ثوبيك هذين خشنان ترشح فيهما فيثقلان عليك. وروى أبو داود، والترمذي- وصححه- وابن حبّان عن قرّة بن إياس رحمه الله تعالى قال: لما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم. تنبيهات الأول: قال الشيخ في شرع السنن: وهذا الحديث أي حديث الكم إلى الرسغ مخصوص بالقميص الذي كان يلبسه في السفر، وكان يلبس في الحضر قميصا من قطن فوق الكعبين، وكمّاه مع الأصابع، ثم أورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما السابق. الثاني: قال البخاري رحمه الله تعالى في الصحيح: باب جيب القميص عند الصدر وغيره، فأورد فيه حديث الجبّتين في مثل المتصدّق والبخيل، وفيه يقول بإصبعه هكذا في جيبه. قال الحافظ: الظاهر أنه كان لأنس قميص، وكان في طوقه فتحة إلى صدره بل استدل به ابن بطال رحمه الله تعالى على أن الجيب في ثياب السلف كان عند الصدر قال ابن بطال رحمه الله تعالى، وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد أن يخرج يده أمسكت في الموضع

الذي ضاق عليها، وهو الثدي والتراقي، وذلك في الصدر فقال لأنه لو كان في غيره لم يضطر يداه إلى ثديه وتراقيه. قال الحافظ رحمه الله تعالى بعد إيراده: وفي حديث قرة بن إياس ما يقتضي أن جيبه كان في صدره لأن في أول الحديث إنه رآه مطلق القميص أي غير مزرور. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الرّصغ: بضم الراء، وسكون الصاد المهملة، وغين معجمة: لغة في الرسغ، وهو مفصل ما بين الكف والساعد. الكعب: بكاف فعين مهملة، وآخره باء، معروف، وهو العظم الخارج آخر الساق.

الباب السادس في لبسه صلى الله عليه وسلم الجبة

الباب السادس في لبسه صلّى الله عليه وسلّم الجبة وفيه نوعان: الأول: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الجبة الرومية الضيقة الكمين في السفر. روى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وعليه جبّة شاميّة ضيّقة الكمّين. وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه جبّة روميّة من صوف ضيّقة الكمّين فصلّى بنا فيها، ليس عليه شيء غيرها. وروى الإمام أحمد، والشيخان، وابن عساكر عن المغيرة بن شعبة، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه، وعليه جبّة شاميّة، وفي لفظ: رومية، ضيقة الكمّين فذهب ليخرج يده من كمها، فضاقت فأخرج يده من أسفلها. وروى أبو الشيخ عن دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جبّة من الشام. وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليه جبّة شاميّة، مفترق خصرها. الثاني: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الجبة غير الرومية. روى مسلم والنسائي وابن سعد، عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم قال: أخرجت إلينا أسماء جبة من طيالسة لها لبنة من ديباج كسروانيّ وفي لفظ كسروانيّة وفروجها مكفوفة به، وفي لفظ وفرجاها مكطوفان بالديباج فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يلبسها، فلما توفي كانت عند عائشة، فلما توفيت عائشة قبضتها، نحن نغسلها للمريض منا إذا اشتكى، وفي لفظ للمرض، ونستشفي بها. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أسماء رضي الله تعالى عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جبّة طيالسة مكفوفة بالدّيباج، فكان يلقى فيها العدوّ. وروى ابن أبي شيبة عن المغيرة بن زياد مولى أسماء قالت: رأيت ابن عمر رضي الله

تعالى عنهما اشترى عمامة لها علم، فدعا بالجلمين فقصّه، فدخلت على أسماء، فذكرت ذلك لها فقالت: بؤسا لعبد الله، يا جارية هاتي جبّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمّين والجيب والفرج بالدّيباج. وروى أيضا عن ابن عمر أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها أخرجت جبة مزرّرة بالديباج، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس هذه إذا لقي العدو. وروى أبو القاسم البغوي، وابن عساكر، وأبو الحسن بن الضحاك عن طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء. وروى أبو داود الطّيالسي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وله جبة صوف في الحياكة. وروى أبو الشيخ عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار فلبسها، فما أعجب بثوب ما أعجب به، فجعل يمسه بيده ويقول: «انظروا ما أحسنه!» وفي القوم أعرابي فقال: يا رسول الله هبها لي، فخلعها، فدفعها في يده. وروى النّسائي، وأبو سعيد بن الأعرابي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أهدي له أكيدر دومة جبّة من سندس منسوج فيها الذهب، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب الناس منها فقال: «أتعجبون من هذه؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل سعد ابن معاذ في الجنة أحسن منها» ، وأهداها إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله أتكرهها وألبسها، فقال: «يا عمر إنما أرسلت بها لتبيعها» وذلك قبل أن ينهي عن الحرير. وروى ابن سعد عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم جبّة من سندس فلبسها، فكأني أنظر إلى يديها متدليتين من طولهما، فجعل القوم يقولون: يا رسول الله أنزلت عليك من السماء؟ فقال: «وما تعجبون منها؟ فو الذي نفسي بيده إن منديلا من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها» ، ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلبسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إني لم أعطكها لتلبسها» ، قال: فما أصنع؟ قال: «ابعث بها إلى أخيك النجاشي» . وروى ابن قانع عن داود بن داود أن قيصر أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جبّة من سندس، فاستشار أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقالا: يا رسول الله، نرى أن تلبسها، يكبت الله بها عدوّك، ويسر المسلمين، فلبسها، وصعد المنبر فخطب، وكان جميلا يتلألأ وجهه فيها، ثم نزل فخلعها، فلما قدم عليه جعفر وهبها له.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى الطبراني عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبّة من سندس، فما رأيناه منذ زمان أحمد منه في ذلك اليوم، فقام فنزعها، ثم خرج في برد حبرة فقال: «الحرير لباس أهل الجنة، فمن لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» . وروى الإمام أحمد- بسند جيد- عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن راهبا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جبة سندس فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتى البيت فوضعها، وأحس بوفد، فأمر عمر رضي الله تعالى عنه أن يلبسها لقدوم الوفد فقال: «لا يصلح لنا لباسها في الدنيا، وتصلح لنا في الآخرة» الحديث. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الجبة: بجيم مضمومة فموحدة: ثوب معروف واحدة الجباب والجبب. خصرها: وسطها. طيالسة: هي نوع من الثياب لها علم. الديباج: بمهملة مكسورة فمثناة تحتية فموحدة فألف فجيم: معرب وهو السندس. مكفوفة: أي عمل على جيبها وكميها وفرجها كفاف من حرير وكفّة كل شيء بالضم طرفه وحاشيته. الجلمان: المقراضان.

الباب السابع في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة

الباب السابع في لبسه صلّى الله عليه وسلّم الحلة روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحسن ما يكون من الحلل. ورواه بقي بن مخلد- بلفظ: أحسن ما يكون من اليمنية. وروى الترمذي- وحسنه- عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعليه حلّة حمراء، وتقدم مبسوطا في باب حسنه صلى الله عليه وسلم. وروى البزار وأبو القاسم البغوي عن قدامة الكلابي رضي الله تعالى عنه قال: رأيت عشية عرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلّة حبرة. وروى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن مالكا ذا يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم حلّة أخذها بثلاثة وثلاثين ناقة فقبلها. وروى الشيخان عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مربوعا، وقد رأيته في حلّة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه صلى الله عليه وسلم. وروى أبو الشيخ عن عبد الله بن الحارث قال: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلّة بسبع وعشرين ناقة فلبسها. ورواه ابن سعد عن علي بن زيد عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بلفظ: بسبع وعشرين أوقيّة، ورجاله ثقات إلا عليا وكذلك إسحاق، وعليّ متكلّم فيه. وروى ابن سعد بسند رجاله ثقات، وهو مرسل، عن ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلّة، وإما قال: ثوبا بتسع وعشرين ناقة. وروى الشيخان عن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت بلالا رضي الله تعالى عنه جاء بعنزة فركزها، ثم أقام الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حلّة حمراء سمراء الحديث. وروى الزبير بن بكّار عن يزيد بن عياض رحمه الله تعالى قال: أهدى حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبين قريش حلّة ذي يزن اشتراها بثلاثمائة دينار، فردّها عليه، وقال: «إني لا أقبل هديّة مشرك» ، فباعها حكيم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم من اشتراها له فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حكيم قال له: يحبس الحكّام بالفضل بعد ما ... بدا سابق ذو غرّة وجحول

تنبيهان

وروى مسلم وابن عساكر رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يلبسها الحبرة. تنبيهان الأول: قال ابن القيّم: وغلط من ظن أن الحلّة كانت حمراء بحتا لا يخالطها غيرها، وإنما الحلّة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط، وإلا فالأحمر البحت نهى عنه أشد النهي، وقال النووي رحمه الله تعالى: اختلف العلماء، رحمهم الله تعالى، في الثياب المعصفرة وهي المصبوغة بعصفر، فأباحها جميع العلماء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك رحمهم الله تعالى ولكنه قال: غيرها أفضل منها، وجاءت رواية عنه أنه أجاز لباسها في البيوت وأفنية الدور، وكرهه في المحافل والأسواق، وقال جماعة: هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا لأنه صلى الله عليه وسلّم لبس حلّة حمراء. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صبغ بالصّفرة، وحمل بعضهم النهي على المحرم بالحج والعمرة، وقد أتقن البيهقي رحمه الله تعالى المسألة في معرفة السنن له فقال: نهى الشافعي رضي الله تعالى عنه الرجل عن المزعفر، وأباح له المعصفر، قال الشافعي: وإنما رخّصت في المعصفر لأني لم أجد أحدا يحكي عنه صلى الله عليه وسلّم النهي عنه، إلا ما قال على: أنه صلى الله عليه وسلم نهاني. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الحلّة: قال في القاموس: بالضم إزار ورداء برد أو غيره، ولا تكون حلّة إلا من ثوبين، أو ثوب له بطانة. الحبرة: بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة: ثوب أخضر قال الداودي رحمه الله تعالى، وقال غيره: هي برود يؤتى بها من اليمن مخططة والله أعلم.

الباب الثامن في لبسه صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن في لبسه صلّى الله عليه وسلم وفيه نوعان: الأول: في لبسه صلّى الله عليه وسلّم قباء الدّيباج المفرّج- قبل التحريم- ثم تركه له. روى عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فرّوج حرير فلبسه، فصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال: «لا ينبغي هذا للمتقين» . وروى مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء ديباج أهدي له ثم أوشك أن نزعه فأرسل به إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقيل: قد أوشك ما نزعته يا رسول الله، فقال: «نهاني عنه جبريل عليه السلام» ، فجاءه عمر يبكي، فقال: يا رسول الله، كرهت أمرا وأعطيتنيه فما لي؟ فقال: «إني لم أعطكه لتلبسه، إنما أعطيتكه لتبيعه» ، فباعه عمر رضي الله تعالى عنه بألفي درهم. الثاني: في إعطائه القباء لغيره. روى النّسائي عن المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية، ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بنيّ انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي، فدعوته، فخرج إليه وعليه قباء، فقال: خبّأت هذا لك، قال: فنظر إليه فقال: «رضي مخرمة» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: القباء فرّوج: بفاء فراء مشددة فواو وآخره جيم: القباء المفرّج من خلف. وهذا الحديث أصل في لبس الخلفاء له، وإنما نزعه لكونه كان حريرا، وكان لبسه له قبل تحريم الحرير، فنزعه لمّا حرّم، وقد تقدم في حديث مسلم إنه صلى الله عليه وسلم قال حين نزعها: «نهاني عنه جبريل» .

الباب التاسع في إزاره وملحفته وكسائه وردائه وبردته وخميصته وشملته

الباب التاسع في إزاره وملحفته وكسائه وردائه وبردته وخميصته وشملته روى الحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وهو متكئ على أسامة بن زيد، وعليه ثوب قطريّ قد توشح به، فصلّى بهم. وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه ملحفة متغطيا بها على منكبيه، وعليه عمامة دهماء. وروى ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ملحفة مصبوغة بورس، كان يلبسها في بيته، ويدور فيها على نسائه، ويصلي فيها. وروى أيضا عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ملحفة مورّسة يدور بها بين نسائه، فربّما نضحت بالماء ليكون أزكى لريحها. وروى أبو الحسن البلاذري عن بكر بن عبد الله المزني قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ملحفة مصبوغة بورس وزعفران أو بزعفران، فإذا كان يوم إحداهن، يعني نساءه ذهب إليها، ورشّ عليها الماء لتوجد رائحتها. وروى أبو داود عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يأتزر فيضع حاشية إزاره من مقدمه على ظهره، ويرفع مؤخّره، قلت: لم تأتزر هذه الإزرة؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأتزرها. وروى ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرخي الإزار من بين يديه، ويرفعه من وراءه. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرخى مقدّم إزاره حتى تقع حاشيتاه، ويرفع الإزار مما وراءه. وروى أيضاً بسند فيه مبهم عنه: قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزر تحت سرّته، وتبدو سرّته، ورأيت عمر رضي الله تعالى عنه يأتزر فوق سرته. وروى أيضا عن عثمان، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتزر إلى أنصاف ساقيه. وروى البزار عن عثمان رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتزر على نصف الساق. وروى الشيخان وابن عساكر من طرق عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه قال: أخرجت

إلينا عائشة رضي الله تعالى عنها إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه التي تدعى الملبّدة فأقسمت لي لقبض النبي صلى الله عليه وسلّم فيهما. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن شهر بن حوشب رحمه الله تعالى قال: جئت أم سلمة أعزّيها بالحسين، رضي الله تعالى عنه، فحدثتنا أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فصنعت له فاطمة رضي الله تعالى عنها سخينة وجاءته بها فقال: «انطلقي فادعي ابن عمّك، وابنيك» ، فجاءته بهم، فأكلوا معه من ذلك الطعام، قالت: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فضل كساء لنا خيبريّ كان تحته، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: «اللهم هؤلاء عترتي، وأهل بيتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» ، فقلت: يا رسول الله وأنا من أهلك؟ قال: «وأنت إلى خير» . وروى الحارث بن أبي أسامة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في كساء أبيض في غداة، تارة يتقي بالكساء برد الأرض ليديه ورجليه. وروى الترمذي عن الأشعث بن سليم قال: سمعت عمتي تحدّثت عن عمّها قال: بينا أن أمشي في المدينة إذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك، فإنّه أنقى، وأبقى فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنما هي بردة قال: «أما لك فيّ أسوة؟» فنظرت، فإذا إزاره إلى نصف ساقيه. وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: دخل جرير بن عبد الله البجلي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعنده أصحابه، فظل كلّ رجل بمجلسه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم رداءه، فألقاه إليه، فتلقّاه بنحره ووجهه فقبّله، ووضعه على عينيه، وقال: أكرمك الله يا رسول الله. وروى ابن سعد عن داود بن الحصين عن شيخه ابن عبد الأشهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلّى في مسجد بني الأشهل ملتحفا بكساء، فكان يضع يديه على الكساء يقيه برد الحصى إذا سجد. وروى الشيخان وابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه رداء نجرانيّ غليظ الحاشية. وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد- برجال ثقات- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يرى عضلة ساقه من تحت إزاره. وروى الحارث بن أبي أسامة عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: «أتيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في ظلّ الكعبة متوسّدا برداء له» ، الحديث. وروى ابن عدي عن صفوان بن عسّال رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكئ على رداء له أحمر- الحديث. وروى الحميدي عن خبّاب، رضي الله تعالى عنه قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظلّ الكعبة» ، الحديث. وروى ابن أبي خيثمة عن سليم بن جابر رضي الله تعالى عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو محتب في بردة له، إنّ هدبها على قدميه. وروى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعلينا شعارنا، وقد ألقينا فوقه كساء، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة، الحديث. وروى أبو داود وأبو الشيخ- واللفظ له عن سليم بن جابر رضي الله تعالى عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في أصحابه، وإذا هو محتب، ببردة قد وقع هدبها على قدميه. وروى البخاري، وأبو داود، والنّسائي، وأبو بكر الإسماعيلي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببردة، قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم، هي الشّملة، منسوج في حاشيتها، قالت: يا رسول الله إنّي نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا، وإنها لإزاره، فطلبها رجل من القوم فقال: «يا رسول الله أكسنيها» الحديث. وروى أبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة، قد رقع هدبها على قدميه. وروى ابن أبي شيبة والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبس بردة سوداء، فقالت عائشة: ما أحسنها عليك يا رسول الله، يشرب بياضك سوادها، ويشرب سوادها بياضك، فبدت منها ريح الصوف فألقاها وكان يحب الريح الطّيّبة. وروى الإمام مالك رحمه الله تعالى قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شاميّة لها علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: «ردّوا هذه الخميصة إلى أبي جهم، فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 349 وابن سعد 1/ 2/ 151.

وروى البخاري عنها رضي الله تعالى عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما سلم قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، فإنها ألهتني عن صلاتي، وائتوني بانجبانية أبي جهم» [ (1) ] . وروى البخاري عن ابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهما، قالا: لمّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حذيفة طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه. وروى أيضا عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنذرتكم النار، حتى أن رجلا لو كان بالسوق لسمعه من مقامي له، حتى وقعت خميصة له كانت على عاتقه» [ (2) ] . وروى أبو نعيم وابن عدي وابن الأعرابي من طريق الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شملة أراد أن يتوشّح بها فضاقت، فعقدها في عنقه هكذا وأشار عبادة إلى قفاه ليس عليه غيرها. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن الغسيل قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر العباس رضي الله تعالى عنه فقال: يا عمّ اتبع بنيك، فقال له الهيثم بن عتبة بن أبي لهب: يا عمّ انتظرني حتى أجيئك، فلم يأتهم، فانطلق بستة من بنيه: الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، وعبد الرحمن، قال: فأدخلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وغطّاهم بشملة له سوداء مخطّطة بحمرة ثم قال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي، وعترتي فاسترهم من النار كما سترتهم بهذه الشّملة» ، فما بقي في البيت مدرة ولا باب إلا أمّن [ (3) ] . وروى أبو داود عن جابر بن سليم الهجيمي رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محتب بشملة قد وقع هدبها على قدميه. وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان طول ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع وشبرا في ذراع وشبر. وروى عبد الله بن المبارك في الزهد عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنه أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج به للوفد- رداؤه ثوب حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، وهو عند خلق بطّنوه بثوب يلبسونه يوم الفطر والأضحى.

_ [ (1) ] وهو عن مسلم في كتاب المساجد (62) وأحمد 2/ 199 وعبد الرزاق (1389) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 268، 272 والدارمي 2/ 330 والطيالسي كما في المنحة (693) والحاكم 1/ 287 والبيهقي في الكبرى 3/ 207. [ (3) ] ابن عساكر كما في التهذيب 4/ 318 والسيوطي في الدر 5/ 198.

تنبيهان

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم البغويّ رحمه الله تعالى قال: رأيت بمعدموق وهو حصن قرب مدينة صور على الساحل سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة بردة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي على صبيّ من ولد مبرور الأزدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهي ألوان مسمرّة نظيفة، ذكروا أن النجاشي كان أهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكساه إياها، وقد تقطع بعضها، وذكروا إن رجلا من الولاة أراد أخذها، فأدخلت في مطمورة تحت الأرض، فتقطعت، وإلا كانت صحيحة، وألوانها بحسنها، ولا ندري من أي شيء هي إن كانت قطنا أو وبرا أو حريرا، وما حقيقة الثوب. تنبيهان الأول: قال الإمام سراج الدين بن الملقّن وتلميذه الحافظ كلاهما في شرح البخاري: ذكر الواقديّ رحمه الله تعالى أن طول رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع، وطول إزاره أربعة أذرع وشبران في ذراع وشبر، كان يلبسها في الجمعة والعيدين، قالا: ووقع في شرح الأحكام لابن بريدة ذرع الرداء كالذي ذكره الواقدي في ذرع الإزار، قال الحافظ رحمه الله تعالى: والأول أولى انتهى. وروى ابن سعد عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنه أن طول رداء النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر. وروى ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس رداء مربعا. الثاني: في بيان غريب ما سبق: قطري: بكسر القاف وسكون الطاء وقد تخفف. ومع التخفيف: هو ضرب من البرود فيه حمرة، لها أعلام، فيها بعض الخشونة، وفسره بعضهم بأنه غليظ من قطن. الملحفة الإزار: بهمزة مكسورة فزاي فألف فراء: الملحفة الملبّدة، عضلة ساقه. الخميصة: بفتح الخاء والمعجمة، وبالصاد المهملة: ثوب بعلم من خزّ أو صوف. انبجانية أبي جهم. الشّملة: بشين معجمة، وميم: كساء أصفر من القطيفة يتشح بها.

الباب العاشر في سراويله صلى الله عليه وسلم

الباب العاشر في سراويله صلّى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد والأربعة وصححه، والترمذي وابن حبان عن سويد بن قيس رضي الله تعالى عنه قال: جلبت أنا ومخرمة العبداني البزّ من هجر، فأتينا مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنىّ، فساومنا سراويل، فبعناه منه بوزن ثمنه، قال للذي يزن: «زن وأرجح» [ (1) ] . وروى النسائي والحاكم وأبو الحسن بن الضحاك عن أبي صفوان مالك بن عميرة الأسدي رضي الله تعالى عنه أنه باع من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر أو يرحل سراويل، فلما وزن له أرجح له. وروى أبو يعلى بسند ضعيف وتابع ابن الجوزي رحمه الله تعالى فأورده في الموضوعات ونازعه في ذلك الشيخ، واقتصر الحافظ في الفتح، وغير واحد على تضعيفه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم اشترى سراويل بأربعة دراهم، فقلت: يا رسول الله إنّك لتلبس السراويل، فقال: «نعم في السفر والحضر، وبالليل والنّهار، فإني أمرت بالسّتر، فلم أجد شيئا أستر منه» . تنبيهان الأول: قال ابن القيم في حديث شرائه السراويل: والظاهر أنه اشتراه ليلبسه. قال الحافظ رحمه الله تعالى: ويحتمل أنه اشتراه لغيره، وفيه بعد انتهى. ويؤيد كلام ابن القيم أن البيهقي في الشعب وابن الجوزي في الوفاء وغيرهما من العلماء رحمهم الله تعالى أوردوا الحديث في باب ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبسه. الثاني: في بيان غريب ما سبق: البزّ: بموحدة مفتوحة، فزاي مشددة: الثياب، أو متاع البيت من الثياب ونحوها وبائعه البزّاز، وحرفته البزازة. هجر: بهاء، فجيم، فراء مفتوحة: بلدة باليمن بينه وبين عفر يوم وليلة مذكّر مصروف، وقد يؤنّث ويمنع، والنسبة إليه هجريّ والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أحمد 4/ 352 وأبو داود (3336، 3337) والترمذي (1305) وابن ماجة (2220) والدارمي 2/ 260 والحاكم 2/ 30، 4/ 192 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1440) وابن أبي شيبة 6/ 586.

الباب الحادي عشر في أنواع من ملابسه غير ما تقدم

الباب الحادي عشر في أنواع من ملابسه غير ما تقدم وفيه أنواع: الأول: في لبسه الفروة. روى ابن عساكر عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلّي على الفراء، ويستحبّ أن يصلّى على الفروة المدبوغة [ (1) ] . الثاني: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الصوف والشعر. روى الطيالسي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كانت الأنبياء عليهم السلام يركبون الحمر، ويلبسون الصوف، ويحتلبون الشاة. وروى ابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف، واحتذى المخصوف ولبس خشنا. وروى الطيالسي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وله جبّة صوف في الحياكة. وروى ابن عدي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصبح في شملة من صوف يتعقدها هكذا، وأشار يعني إلى قفاه [ (2) ] . وروى أبو داود وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: صنعت للنبي صلى الله عليه وسلّم بردة سوداء فلبسها، فلما عرق فيها وجد منها ريح الصّوف، فقذفها، وأحسبه قال: وكان يعجبه الريح الطيبة. وروى ابن ماجه برجال ثقات عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبّة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه. وروى مسلم وأبو داود والترمذي- وليس عنده مرحل- عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خر ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود [ (3) ] .

_ [ (1) ] ابن عساكر كما في التهذيب 2/ 314 وبنحوه أخرجه أبو داود في الصلاة باب (91) والترمذي (331) والنسائي 2/ 57 وابن ماجة (1028) وأحمد 1/ 269، 309 وابن أبي شيبة 1/ 398 والطبراني في الصغير 1/ 211 وعبد الرزاق (1538) وأبو نعيم في الحلية 8/ 123 وفي التاريخ 2/ 141 وابن سعد 1/ 2/ 160. [ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 1/ 405، 406. [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1649 (36- 2081) .

الثالث: في لبسه صلى الله عليه وسلم النمرة.

وروى الشيخان عن أبي برزة رحمه الله تعالى قال: دخلت على عائشة، فأخرجت إلينا كساء ملبّدا. وروى ابن سعد عن الحسن قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ليلة باردة فصلّى في مرط امرأة من نسائه، مرط والله- يعني من صوف، ولا كشف ولا لبس. وروى أيضا عن أبي بردة قال: دخلت على عائشة، فأخرجت إلينا كساء غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه البلدة، فأقسمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبض فيها، وتقدّم حديث سهل بن سعد في جبّته. الثالث: في لبسه صلّى الله عليه وسلم النمرة. وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الله بن سرجس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلّى يوما وعليه نمرة، فقال لرجل من أصحابه: «اعطني نمرتك، وخذ نمرتي» فقال: يا رسول الله نمرتك أجود من نمرتي قال: «أجل، ولكن فيها خيط أحمر، فخشيت أن أنظر إليها، فتفتنني في صلاتي» . وروى الطبراني برجال ثقات عن زمعة بن صالح، وأبو نعيم، وابن عساكر عن سهل بن سعد قال: حيكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلّة من أنمار من صوف أسود، وجعل لها ذؤابتان من صوف أبيض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المجلس وهي عليه، فضرب على فخذه وقال: «ألا ترون ما أحسن هذه الحلة!» فقال أعرابي: يا رسول الله ألبسني هذه الحلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سئل شيئا لم يقل لشيء يسأله لا قال: «نعم» ، فدعا بقطريتين فلبسهما، وأعطى الأعرابي الحلّة، وأمر بمثلها تحاك، فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في الحياكة. الرابع: في لبسه صلّى الله عليه وسلم البرنس. روى الطبراني برجال ثقات عن عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجدتهم يصلّون في البرانس والأكسية، وأيديهم فيها. الخامس: في لبسه صلّى الله عليه وسلم القطن والكتان. روى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب قطن، وفي يده عنزة وهو متكئ على أسامة بن زيد، ركزها بين يديه ثم صلى إليها. وروى البزار برجال الصحيح عن أنس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه متوكئا على أسامة بن زيد، مرتديا ثوب قطن، فصلّى بالناس.

السادس: في لبسه صلى الله عليه وسلم الثوب المرقع.

وروى البخاري عن ابن سيرين قال: حدثني من لا أتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يلبس القطن، والكتان، واليمانية زاد أبو الشيخ: وسنة نبينا أحقّ أن تتّبع. السادس: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الثّوب المرقّع. روى ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يواسي الناس بنفسه، حتى جعل يرقع إزاره بالأدم، وما جمع بين غداء وعشاء ثلاثة أيام حتى قبضه الله تعالى [ (1) ] . السابع: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الحبرة. روى البزار عن قدامة الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشية عرفة، وعليه حلّة حبرة. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن الحسن أن عمر أراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنه تصبغ بالبول، فقال أبي: ليس ذلك لك، قد لبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبسناهن في عهده. تنبيهات الأول: قال الهيثمي إن الحسن لم يسمع من عمر، قلت: الحسن هذا هو ابن علي بن أبي طالب، يدل على ذلك فقال له أبي، وقال الهيثمي إن أبي الذي هو بفتح الهمزة قد أتى بضمها وليس كذلك، وقد سمع الحسن من جده. الثاني: قال في زاد المعاد: كان أغلب لبسه صلّى الله عليه وسلم ما نسج بالقطن، وربما لبس من الصوف والكتان. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الريح الطيبة. النمرة: بفتح النون، وكسر الميم: بردة من صوف يلبسها الأعراب. العنزة: عصا في قدر نصف الرمح أو أكثر فيها سنان مثل سنان الرمح.

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 257.

الباب الثاني عشر في ألوان الثياب التي لبسها صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني عشر في ألوان الثياب التي لبسها صلّى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: في لبسه صلّى الله عليه وسلّم الأخضر. روى البزار والطبراني برجال ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان أحبّ الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الخضرة [ (1) ] . وروى الثلاثة عن أبي رمثة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان، وفي لفظ بردان أخضران. وروى بقي بن مخلد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعجبه الخضرة [ (2) ] . وروى النسائي عن أبي راشد قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه ثوبان أخضران. وروى أبو داود عن يعلى بن أمية قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يطوف بالبيت مضطبعا ببرد أخضر [ (3) ] . وروى ابن سعد عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له ثوب أخضر يلبسه للوفود. الثاني: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الأحمر. وروى مسدّد والحاكم، والبيهقي عنه، وابن سعد، وابن عساكر عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة [ (4) ] . وروى مسدد برجال ثقات عن عامر بن عمرو الذي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمنى يخطب على بغلة، وعليه برد أحمر وعليّ أمامه يعبّر عنه ما يقول. وروى مسدد والإمام أحمد عن الأشعث بن سليمان عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سوق ذي المجاز، وعليه أحمران. وروى ابن أبي شيبة عن أبي رمثة قال: حججت فقدمت المدينة، ولم أكن رأيت

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (18263) . [ (2) ] ذكره الفتني في تذكرة الموضوعات 162. [ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 378. [ (4) ] أخرجه البيهقي 3/ 247، 280 وابن أبي شيبة 2/ 156 وابن سعد 1/ 2/ 148 وذكره المتقي الهندي في الكنز 18281.

الثالث: في لبسه صلى الله عليه وسلم البياض، وأمره به.

رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخرج وعليه ثوبان بردان أحمران. وروى ابن سعد عن شيخ من كنانة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أحمران. وروى وكيع بن الجراح عن طارق بن عبد الله المحاربيّ رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز وعليه جبّة حمراء. الثالث: في لبسه صلّى الله عليه وسلم البياض، وأمره به. روى ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن طارق بن عبد الله المحاربيّ رضي الله تعالى عنه قال: أقبلنا في ركب من الرّبذة حتى نزلنا قريبا من المدينة، ومعنا ظعينة لنا، فبينما نحن قعود إذ أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان أبيضان. وروى الطبراني، والبزار، برجال ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالثياب البيض، فألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم» [ (1) ] . الرابع: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الأسود. روى مسلم والترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، وعليه مرط من شعر أسود. وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة ومسلم والأربعة عن جابر، وابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وأبو بكر بن أبي حارث عن أنس رضي الله تعالى عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل يوم الفتح مكة، وعليه عمامة سوداء. وروى مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي وابن ماجة عن جعفر بن عمرو ابن حريث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم خطب الناس وعليه عمامة سوداء. وروى ابن سعد وابن أبي شيبة عن الحسن قال: كانت عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء. وروى ابن سعد عمّن سمع الحسن يقول: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء تسمّى العقاب، وعمامته سوداء [ (2) ] . وروى ابن عدي عن جابر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين، ويرخيها خلفه.

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 266 والطبراني في الكبير 7/ 284 والبيهقي في السنن الكبرى 3/ 404. [ (2) ] انظر ابن أبي شيبة 12/ 512 والمجمع 5/ 321.

الخامس: في لبسه صلى الله عليه وسلم البرود الحمر.

وروى أيضا عن أنس أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعتم بعمامة سوداء. وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن زيد المازنيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فقلبها عليه، الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن. الخامس: في لبسه صلّى الله عليه وسلم البرود الحمر. روى أبو داود عن هلال بن عامر عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعلي رضي الله تعالى عنه أمامه يعبّر عنه. وروى ابن سعد عن محمد بن هلال قال رأيت على هشام، يعني ابن عبد الملك، برد النبي صلى الله عليه وسلم من جبرة له حاشيتان. وروى أيضاً بسند صحيح عن أبي جحيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في قبّة له حمراء، وعليه حلّة حمراء فكأني أنظر إلى بريق ساقيه. السادس: في لبسه صلّى الله عليه وسلم المصبوغ بالزّعفران والورس. وروى الطبراني وأبو يعلى في مسنده عبد الله بن مصعب اليزيدي عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه ثوبان مصبوغان بالزّعفران، رداء وعمامته. وروى محمد بن سعد والطبراني وابن حبان في الثقات قال: حدثنا عبد الله بن جابر بطرسوس حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا ابن أبي فديك حدثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن وكيع بن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن أمه عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: ربّما صبغ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ورداءه وإزاره بزعفران أو ورس، ثم يخرج فيها. وروى ابن سعد عن هشام بن سعيد عن يحيى بن عبد الله بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصبغ ثيابه بالزعفران قميصه ورداءه وعمامته. وروى أيضا عن هاشم بن القاسم قال: حدثنا عاصم بن عمر عن عمر بن محمد عن زيد ابن أسلم رحمه الله تعالى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة. وروى ابن وهب في موطّئه عن يحيى بن عبد الله بن مالك الدّاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث بقميصه وعمامته إلى بعض أزواجه فيصبغ له بالزعفران، وكان يحبّ الزّعفران.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى النسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يرسل بثيابه قميصه ورداءه وإزاره إلى بعض أهله، وأحبّهم إليه الذي يصبغها بالزّعفران. وروى الترمذي والنّسائي عن قيلة بنت مخرمة رضي الله تعالى عنها قالت: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قاعد القرفصاء، وعليه أسمال مليّتين كانتا بزعفران، وقد نقصا. وروى الطبراني من طريق نوفل بن إسماعيل عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مصبوغة بالورس والزّعفران، يدور بها على نسائه، فإن كانت ليلة هذه رشها بالماء، وإن كانت ليلة هذه رشها بالماء. وروى أيضاً بسند ضعيف عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مصبوغة بورس، فكان يلبسها في بيته، ويدور فيها على نسائه، ويصلّي فيها. وروى ابن سعد عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعنا له غسلا فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة ورسيّة، فاشتمل بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنة. وروى أيضا عن بكر بن عبد الله المزني رضي الله تعالى عنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مورّسة، فإذا دار على نسائه رشّها بالماء. وروى أيضاً بسند ضعيف عن إسماعيل بن أمية قال: رأيت ملحفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصبوغة بورس. وروى أيضاً بسند جيّد عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه رداء وعمامة مصبوغين بالعسير، قال مصعب: والعسير عندنا الزعفران. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الظعينة. الورس. أسمال مليّتين. الغسل. العكن.

الباب الثالث عشر فيما كرهه صلى الله عليه وسلم من الألوان والملابس

الباب الثالث عشر فيما كرهه صلّى الله عليه وسلم من الألوان والملابس روى الإمام أحمد عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الحمرة قد ظهرت فكرهها. وروى أيضا وأبو داود عنه أيضاً قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عهن حمر، فقال: «إن هذه الحمرة قد علتكم» ، فقمنا سراعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفرت إبلنا، فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على رجل صفرة فكرهها الحديث، وتقدم في باب حيائه صلى الله عليه وسلم. وروى الطبراني من طريقين في أحدهما يعقوب بن خالد بن نجيح البكريّ العبدي، وفي الآخر بكر بن محمد يرويان عن سعيد بن قتادة بنحو رجالهما عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إياكم والحمرة فإنّها أحبّ الزينة إلى الشيطان» . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن وكيع عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الحمرة، ويحبّ الخضرة، قال وكيع: وحدثني مبارك عن الحسن رحمه الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمرة من زينة الشيطان، والشيطان يحبّ الحمرة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن أبي عمر عن رجال ثقات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتبع الحرير من الثوب فينزعه. وروى الإمام أحمد برجال ثقات، وأبو يعلى والبزار والحاكم، وصححه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجاءه رجل من أهل البادية عليه جبّة من سيجان مزرورة بالدّيباج، فقام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ صاحبكم هذا يريد أن يرفع كلّ راع ابن راع، ويضع كلّ فارس ابن فارس، قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمجامع جبته وقال: «اجلس فإني أرى عليك ثياب من يعقل، ما بعث الله تعالى نبيا قبلي إلا وقد رعى» ، قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: «نعم، على قراريط، وأنصاف قراريط» - الحديث [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (19975) وانظر فتح الباري 10/ 306 وكنز العمال (41162) . [ (2) ] انظر المطالب العالية للحافظ ابن حجر (3862) .

الباب الرابع عشر في خفيه ونعليه

الباب الرابع عشر في خفيه ونعليه وفيه نوعان: الأول: في خفيه. روى الطبراني من طريق يحيى بن الضّريس عن عنبسة بن سيد عن الشّعبي غير عنبسة ابن سعيد بنحو رجاله وبقية رجال ثقات عن دحية رضي الله تعالى عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبّة صوف وخفّين، فلبسهما حتى تخرّقا، ولم يسأل أذكيّان هما أم لا. وروى ابن أبي شيبة، والحارث بن أبي أسامة، والدّارقطني في الأفراد، والإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وحسنه- وابن سعد وأبو الشيخ عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن أبيه أن النّجاشيّ أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خفّين أسودين ساذجين فلبسهما، ومسح عليهما. وروى الترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: أهدى دحية بن خليفة الكلبيّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفّين فلبسهما حتى تخرقا، لا يدري النبي صلى الله عليه وسلّم أذكيان هما أم لا. وروى أبو داود عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم توضأ ومسح على الجوربين والنّعلين. وروى الطبراني بسند جيد- وصححه- والهيثمي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بخفّين يلبسهما، فلبس إحداهما ثم جاء غراب فاحتمل الأخرى فرمى بها، فخرجت منها حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبسنّ خفيه حتى ينفضهما» [ (1) ] . وروى الشيخان عن جرير رضي الله تعالى عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم توضأ ومسح على خفيه. الثاني: في نعليه. روى ابن عساكر وأبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان. وروى أيضا عن همام قال: نظر هشام بن عروة إلى نعل الصّلت بن دينار ولهما قبالان، قال هشام رحمه الله تعالى: عندنا نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معقّبة، مخصرة ملسّنة.

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 162 وانظر المجمع 5/ 140 والكنز (41612) .

وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان. وروى الطبراني- وحسن الحافظ ابن الحسن بن الهيثمي إسناده- عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعله مشى في نعل واحدة، والأخرى في يده، حتى يجد شسعا. وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن القاسم قال: كان عبد الله رضي الله تعالى عنه يقوم إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزع نعليه من رجليه، ويدخلهما في ذراعيه، فإذا قام ألبسه إياهما، فيتمشى بالعصا أمامه، حتى يدخله الحجرة. وروى مسدد عن معتمر عن أبيه قال: حدثني رجل قال: رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معقّبة لها قبالان. وروى الحارث بن أبي أسامة عن أبي عمر زياد قال: دخلنا على شيخ يقال له مهاجر، وعليّ نعل له قبالان قال: وكنت قد تركته لشدّته فقال: ما هذا؟ فقلت: أردت تركه لشدته، قال: لا تتركه، فإن نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت هكذا. وروى أيضا عن ابن عون رحمه الله تعالى قال: أتيت حذّاء بالمدينة قلت: أحذّ نعلي، فقال: إن شئت حذوتها هكذا، وإن شئت حذوتها كما رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: وأنيّ رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: رأيتها في بيت فاطمة، قال: حسبة؟ قال: في بيت فاطمة بنت عبد الله بن العباس، قال: أحذّهما كما رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحذاها لها قبالان. وروى النّسائي، وأبو نعيم عن عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعلين مخصوفتين. وروى البخاري عن عيسى بن طهمان قال: أخرج إلينا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه نعلين جرداوين لهما قبالان، قال: هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافيا، ومنتعلا [ (1) ] . وروى الترمذي رحمه الله تعالى في الشمائل، وابن ماجة بسند قوي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لنعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثنّى شراكهما. وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن مطرف بن الشّخّير قال: قال أعرابي لنا: رأيت نعلي نبيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوفة.

_ [ (1) ] ابن أبي شيبة 2/ 415.

وروى ابن سعد رحمه الله تعالى عن جابر أن محمد بن علي رضي الله تعالى عنهما أخرج نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراني معقّبة مثل الحضرمية، لها قبالان. وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: احتذى رسول الله صلى الله عليه وسلم المخصوف. وروى الطبراني برجال ثقات، والبزار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان، ولنعل أبي بكر رضي الله تعالى عنه قبالان، ولنعل عمر رضي الله تعالى عنه قبالان، وأول من عقد عقدة واحدة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. وروى الطبراني رحمه الله تعالى عن ضباعة بنت الزبير رضي الله تعالى عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم نعل، لها خنصران. وروى الإمام مالك والبخاري رحمه الله تعالى عليهما عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السّبتية التي ليس لها شعر، ويتوضأ فيها. وروى البخاري والنّسائي والإمام مالك رحمهم الله تعالى عن عبيد بن جريج رحمه الله تعالى أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تلبس النعال السّبتية، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس النعال السّبتية التي ليس بها شعر، ويتوضأ فيها، وأنا أحب أن ألبسها. وروى ابن أبي خيثمة عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله تعالى عنه قال: قمت عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم نصف شهر فرأيته يصلي، وعليه نعلان متقابلتان. وروى النّسائي رحمه الله تعالى عن عمرو بن أوس رضي الله تعالى عنه قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان، ولنعل أبي بكر رضي الله تعالى عنه قبالان، ولنعل عمر رضي الله تعالى عنه قبالان. وروى الطبراني رحمه الله تعالى عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعله بالسّبّابة من أصبعه اليسرى. وروى ابن شاذان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بزمامين، وأول من شسّع عثمان رضي الله تعالى عنه. وروى أبو الحسن بن الضحاك رحمه الله تعالى عن عبد الله بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: كانت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها زمامان شراكها مثنّى. وروى الحارث بن أبي أسامة رحمه الله تعالى عن حميد رحمه الله تعالى عليه قال:

حدثني من سمع الأعرابي يقول: رأيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نعلين من بقر. وروى أبو الحسن بن الضحاك رحمه الله تعالى عن إسماعيل بن أمية رضي الله تعالى عنه قال: كانت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصّرة معقّبة، لها قبالان، سبتيّة. وروى ابن عدي رحمه الله تعالى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كانت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابلتين، وقال مرة أخرى: مقابلين، قال ابن بكير رحمه الله تعالى: يعني بزمامين [ (1) ] . وروى الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه- برجال الصحيح- عن يزيد بن الشخير رضي الله تعالى عنه عن الأعرابي رضي الله تعالى عنه أن نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مخصوفة. وروى أبو الشيخ رحمه الله تعالى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعلين مخصوفتين من جلود البقر. وروى أيضا عن ثابت بن يزيد عن التّيمي رضي الله تعالى عنه قال: أخبرني من أبصر نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهما قبالان معقّبين. وروى الإمام أحمد في الزهد وأبو القاسم بن عساكر رحمهم الله تعالى عن زياد بن سعيد رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يطلع من نعله شيء عند قدومه [ (2) ] . وروى أبو الشيخ رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس نعليه بدأ باليمين، وإذا خلع خلع اليسرى [ (3) ] . وروى ابن سعد رحمه الله تعالى قال: أخبرنا عتّاب بن زياد عن عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا مالك بن أنس رضي الله تعالى عنهم عن النّضر رضي الله تعالى عنه قال: انقطع شراك نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصله بشيء جديد، فجعل ينظر إليه، فلما قضى صلاته قال لهم: «انزعوا هذا، واجعلوا الأول مكانه» ، قيل: كيف يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «إني كنت أنظر إليه، وأنا أصلي» . وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينتعل قائما، وقاعدا.

_ [ (1) ] بنحوه عن أحمد 3/ 122، 245، 269. [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1521) وابن عساكر كما في التهذيب 7/ 357. [ (3) ] انظر المجمع 5/ 171 وأخلاق النبوة 136.

تنبيهات

وروى أيضا قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثنا المنهال بن عمرو رحمه الله تعالى قال: كان أنس رضي الله تعالى عنه صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإداوته. تنبيهات الأول: ورد مشيه صلّى الله عليه وسلم في نعل واحدة، وقد ورد أيضا النهي عن المشي في نعل واحدة فيحتمل أن يقال: إنما فعله بيانا للجواز، والضرورة. قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في التمهيد: ربما انقطع شسع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتمشى في النعل الواحدة حتى يصلح. الثاني: ورد أن طول نعله صلى الله عليه وسلّم كان شبرا، وأصبعين، وعرضه أو عرضها: مما يلي الكعبين سبع أصابع، وبطن القدم خمسة، وفوقها ستة، ورأسها محدد، وعرض ما بين القبالين أصبعان. قال الحافظ الكبير زيد الدين العراقي رحمه الله تعالى في ألفية السيرة الشريفة النبوية صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم: ونعله الكريمة المصونة ... طوبى لمن مسّ بها جبينه لها قبالان بسير وهما ... سبتيّان سبقوا شعرهما وطولها شبر وأصبعان ... وعرضها مما يلي الكعبان سبع أصابع وبطن القدم ... خمس وفوق ذا ستّ فاعلم ورأسها محدّد وعرض ما ... بين القبالين أصبعان ضبطهما وهذه مثال تلك النّعل ... وذرعها أكرم بها من نعل الثالث: في بيان غريب ما سبق: الخف: معروف. النعل: معروف. القبال: بكسر القاف، وتخفيف الموحدة، وآخره لام، وهو السير الذي يعتقل فيه الشسع الذي يكون بين الأصابع الوسطى والتي تليها. والشّراك: بكسر الشين المعجمة، فراء: هو أحد السيور التي تكون في النعل على ظهر القدم، والمراد أن لكل فردة قبالين، بدليل ما روى الطبراني برجال ثقات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فيما تقدم قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان، ولنعل أبي بكر

رضي الله تعالى عنه قبالان، ولنعل عمر رضي الله تعالى عنه قبالان، وأول من عقد عقدة واحدة عثمان رضي الله تعالى عنه، والنعل الأجود الذي ليس عليه شعر انتهى. الجورب: بجيم مفتوحة، فواو ساكنة، فراء، فموحدة: ما كان علي شكل الخف. المعقّبة: التي لها عقب. المخصرة: بميم مكسورة، فمعجمة ساكنة، فمهملة، فراء: ما يتوكأ عليه كالعصا. الشسع. الحضرمية. السّبتية: بكسر المهملة، وسكون الموحدة، بعدها مثناة: جلود البقر المدبوغة بالقرظ، تتخذ منها النعال، سميت بذلك لأن شعرها قد سبت عنها أي حلق وأزيل، وقيل لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت، والله تعالى أعلم.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في خاتمه الذي في يده

جماع أبواب سيرته صلّى الله عليه وسلم في خاتمه الذي في يده الباب الأول في أمر الله تبارك وتعالى له باتخاذ الخاتم- إن صح الخير- وسبب اتخاذه روى الطبراني، والخطيب من طريق عمرو بن هارون- وهو ضعيف- عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت باتخاذ الخاتم والنعلين» [ (1) ] . وروى ابن عدي عن أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبي عن حاتم الرازي، عن عبيد ابن أحمد السّكّري، عن خالد بن مجدوع أبي روح عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل عليه السلام بخاتم، فلبسه في يمينه، وقال: لا تخف شيئا ما دام في يمينك. وروى البخاري وغيره عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى أو قيصر، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما- الحديث. وروى أبو مسلم الكجّي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة نقشه: «محمد رسول الله» ، كأني أنظر إلى بصيصه. وروى البخاري وأبو القاسم البغوي، من شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنهم قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم قيل: إنهم لا يقرؤون كتابا إلا أن يكون مختوما، فاتخذ خاتما من فضة فكأني أنظر إلى بياضه في يده. تنبيه: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في لبس الخاتم في الجملة، فأباحه كثيرون من غير كراهة، وبعضهم كرهه.

_ [ (1) ] الطبراني في الصغير 2/ 203 والخطيب في التاريخ 8/ 448 وذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 203 وابن عدي في الكامل 1/ 205 والذهبي في الميزان (530) وابن حجر في اللسان 1/ 795.

الباب الثاني في لبسه صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب، ثم تركه له، وتحريمه لبسه

الباب الثاني في لبسه صلّى الله عليه وسلم خاتم الذهب، ثم تركه له، وتحريمه لبسه روى ابن سعد والأئمة إلا الإمام الشافعي، والدّارقطني، وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، فلبسه ثلاثة أيام، فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه في يده اليمنى، فصنع الناس خواتيم من ذهب، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المنبر فنزعه، وقال: «كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصه في باطن كفي، فرمى به، وقال: والله لا ألبسه أبدا» ، ونبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم، فنبذ الناس خواتيمهم، زاد النّسائي: ولبسه ثلاثة أيام [ (1) ] . ورواه البزّار وأبو مسلم الكجّي والطبراني بلفظ جيد بلفظ: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثلاثة أيام، فلما رأى أصحابه فشت عليهم خواتيم الذهب رمى به، فلم يدر ما فعل، فاتخذ خاتما من فضة، وأمر أن ينقش فيه «محمد رسول الله» ، فكان في يد النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، وفي يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه حتى مات، وفي يد عمر رضي الله تعالى عنه حتى مات، وفي يد عثمان رضي الله تعالى عنه سنتين من عمله، فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار، فكان يختم به، فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط منه، فلم يوجد، فأمر بخاتم مثله، ونقش عليه «محمد رسول الله» صلى الله عليه وسلم انتهى.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 165 ومسلم في كتاب اللباس (53) والنسائي في كتاب الزينة باب (77) .

الباب الثالث في أي يد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم؟

الباب الثالث في أيّ يد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم؟ فورد تختمه في يمينه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عند البخاري، وأنس عند مسلم، وابن عباس وعبد الله بن جعفر عند الترمذي، وجابر عنده في الشمائل، وعلي عند أبي داود والنّسائي، وعائشة عند البزّار، وأبي أمامة عند الطبراني، وأبي هريرة عند الدّارقطني في الغرائب، فهؤلاء تسعة من الصحابة. روى أبو داود والنسائي عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يتختم في يمينه، وفي رواية كأني أنظر إلى بياض خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في أصبعه اليسرى الخنصر [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن جعفر كان يتختم في يمينه. وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه. وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه. وروى ابن عدي عن الحسين بن علي عن معمر بن سهل عن سلمة بن عثمان عن سليمان بن محمد بن عبد الله بن عطاء عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه، ثم حوله في يساره. وروى الحارث بن أبي أسامة عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس خاتمه في كفه اليمنى [ (2) ] . وروى إسحاق عن عقيل بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه تختم في يمينه، وقال تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه. وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (4226) والترمذي 1744 وابن ماجة 3647 والنسائي في كتاب الزينة باب 45 وأحمد 1/ 204، 205 والطبراني في الكبير 8/ 291 وانظر المجمع 5/ 153 وابن أبي شيبة 8/ 286 وابن سعد 1/ 2/ 166. [ (2) ] ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب (2221) .

تنبيه:

وروى مسلم وأبو ذر الهروي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبس خاتم فضة في يمينه [ (1) ] . وروى الدّارقطني في غرائبه عن مالك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه حتى قبض. وورد التختم في اليسار من حديث أنس عند مسلم، وابن عمر عند أبي داود، وأبي سعيد عند ابن سعد. وروى عبد بن حميد- بسند صحيح- عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: هكذا كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيساره، ووضع إبهامه على ظهر خنصره. وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره [ (2) ] . وروى النسائي وابن عدي عن ثابت رضي الله تعالى عنه أنهم سألوا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كأني أنظر إلى وبيص حلقة من فضة، وروى: في أصبعه اليسرى الخنصر، وعند ابن عدي: ورفع أنس يده اليسرى. وروى ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فصّه منه، وكان يلبسه في خنصره اليسرى، ويجعل فصه مما يلي كفه. تنبيه: قال الحافظ: وردت رواية ضعيفة أنه كان تختم أولا في اليمين، ثم حوله إلى اليسار. رواه ابن عدي من حديث ابن عمر، واعتمد عليها البغوي في شرح السنة، فجمع بين الأحاديث المختلفة بأنه تختم أولا في يمينه، ثم تختم في شماله، وكان ذلك آخر الأمرين، وقال ابن أبي حاتم: رسالة أبي زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك فقال: لا يثبت هذا، ولكن يمينه أكثر. وقال البيهقي في الأدب: يجمع بين الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، كما صرح به في حديث ابن عمر، والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة، وجمع غيره: بأنه لبس الخاتم أولا في يمينه، ثم حوله إلى يساره، وفي المسألة عند الشافعية اختلاف، والأصح اليمين، قال الحافظ: ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف الفعل، فإن كان اللبس

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1656 (2092) . [ (2) ] أبو داود (4227) .

للتّزيّن فاليمين أفضل، وإن كان للختم فاليسار أولى، لأنه يكون كالمودع فيها، ويحصل تناوله باليمين، وكذا وضعه فيها، ويترجح الختم في اليمين مطلقا لأن اليسار آلة الاستنجاء، فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة، ويترّجح الختم باليسار بما أشرت إليه من التناول، ونقل النووي وغيره الإجماع على الجواز، ثم قال: ولا كراهة عند الشافعية، وإنما الاختلاف في الأفضل، والله تعالى أعلم.

الباب الرابع فيما روي إلى أي جهة صلى الله عليه وسلم كان يجعل فص خاتمه

الباب الرابع فيما روي إلى أي جهة صلى الله عليه وسلّم كان يجعل فص خاتمه روى مسلم وأبو بكر الإسماعيلي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فص حبشيّ، كان يجعل فصه في بطن كفه. وروى ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة، فصه منه، وكان يلبسه في خنصره اليسرى، ويجعل فصه مما يلي كفه. وروى ابن أبي شيبة عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، ثم ألقاه، فاتخذ خاتما من ورق، ونقش على فصه «محمد رسول الله» وقال: «لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا» ، فكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه، وقد ورد جعله مما يلي ظهر كفه، قال شيخنا رحمه الله في شرح السنن: قال العلماء رحمهم الله تعالى: جعله صلى الله عليه وسلّم فص الخاتم في بطن كفه أصح وأكثر.

الباب الخامس فيما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لبس الخاتم يوما واحدا، ثم تركه

الباب الخامس فيما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لبس الخاتم يوماً واحداً، ثم تركه روى البخاري ومسلم من طريق زياد بن سعد، وأبو داود، والنسائي، من طريق إبراهيم ابن سعد، عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم خاتما من ورق يوما واحدا، فصنع الناس، فلبسوا، وطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطرح الناس، وقال رواه عن الزهري زياد ابن سعد، وشعيب، وابن مسافر، كلهم قال: من ورق. وقال غير أبي داود، وكذلك قال الليث، وعقيل، ومحمد بن أبي عتيق، وموسى بن عقبة، وابن شهاب مثل ما تقدم. وقال ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب خاتما من ذهب، ولم يتابع عليه، قال أبو الحسن بن الضحاك: والصواب ما روته الجماعة، قلت: وقد تقدم في الباب الثاني من هذا الجمّاع أن الحافظ ذكر عن هذا الحديث أجوبة فانظره. وروى النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم اتخذ خاتما فلبسه، ثم قال: «شغلني عنكم اليوم، إليه نظرة، وإليكم نظرة» ، ثم ألقاه [ (1) ] . الباب السادس في آداب تتعلق بالخاتم روى الأربعة وابن حبان، والحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 8/ 195 وأحمد 1/ 322 وابن حبان. ذكره الهيثمي في الموارد (1468) والطبراني في الكبير 2/ 40. [ (2) ] أخرجه أبو داود (19) والترمذي (1746) والنسائي 8/ 178 وابن ماجه (303) والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 95.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في سيرته وخصال الفطرة

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في سيرته وخصال الفطرة الباب الأول في خاتمه صلّى الله عليه وسلم وفيه أنواع غير ما تقدم: الأول: الفضة. روى الإمام أحمد والشيخان وابن سعد والبرقاني عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، أو إلى الروم، ولم يختمه، فقيل له: إن كتابك لا يقرأ إلا أن يكون مختوما، فاتخذ خاتما من فضة فنقشه، ونقش «محمد رسول الله» فكأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وروى ابن سعد عنه قال: اصطنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه كله من فضة، وقال: «لا يصنع أحد على صنعته» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري [ (3) ] وابن سعد عنه قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة منه، زاد ابن سعد: قال زهير: فسألت حميدا عن الفص كيف هو؟ فأخبرني أنه لا يدري كيف هو؟. وروى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة نقش فيه محمد رسول الله، فجعل فصه في بطن كفه [ (4) ] . وروى ابن سعد من طريق عبد الله بن وهب عن أسامة بن زميل عن محمد بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لما قدم من اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها قدم وفي يده خاتم من ورق نقشه «محمد رسول الله» صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا الخاتم؟» قال: يا رسول الله إني كنت أكتب إلى الناس، فأفرق أن يزاد فيها، وينقص منها، فاتخذت خاتما أختم به قال: «وما نقشه؟» قال: «محمد رسول الله» صلى الله عليه وسلّم، فقال

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 324 (5875) ومسلم 3/ 1657 (58/ 2092) . [ (2) ] ابن سعد 1/ 2/ 162. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 322 (5870) . [ (4) ] ابن سعد 1/ 2/ 65.

الثاني: في خاتمه صلى الله عليه وسلم الفضة الذي كان فصه منه.

رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «آمن كل شيء من معاذ حتى خاتمه» ، ثم أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتختمه [ (1) ] . وروى ابن عساكر قال: أخبرنا أبو غالب بن البنّاء، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو الحسن بن عساكر عن علي بن محمد بن لؤلؤ [ (2) ] ، أخبرنا أحمد بن الوليد الأزدي، حدثنا الهيثم بن عدي، حدثنا يونس بن يزيد عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بخاتم من اليمن، من ورق فصه حبشي، فكتب عليه «محمد رسول الله» فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتختم به، ويختم به أبو بكر، ويختم به عمر، ويتختم به عثمان ست سنين من إمارته، فبينا هو على بئر أريس إذ سقط من يده فترحت إليه فلم يوجد، قلت: قوله: بعث به أقرب إلى الصواب لأن معاذا لم يقدم من اليمن إلا بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن أبيه عمر رضي الله تعالى عنهما قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر بعده، ثم كان في يد عمر بعده، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع في بئر أريس نقشه «محمد رسول الله» . الثاني: في خاتمه صلّى الله عليه وسلّم الفضة الذي كان فصه منه. روى أبو داود والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة فصه منه. وروى ابن عديّ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فصه منه فكان يلبسه في خنصره اليسرى، ويجعل فصه مما يلي كفه. الثالث: في نقش خاتمه صلّى الله عليه وسلم. روى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما استخلف بعثه، وكتب له هذا الكتاب، وختمه بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر [ (3) ] . وروى ابن سعد عن ابن سيرين قال: كان في خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم «باسم الله محمد رسول الله» [ (4) ] ، قال الحافظ رحمه الله تعالى: ولم يتابع على هذه الزيادة.

_ [ (1) ] تقدم عند البخاري. [ (2) ] علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق. وثقه الأزهري وغيره. وقال البرقاني كان يأخذ على الرواية، وكان رديء الكتاب. ميزان الاعتدال 3/ 154. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 328 (5878) . [ (4) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 164.

الرابع: في نهيه صلى الله عليه وسلم أن ينقش أحد خاتمه على نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى أبو الشيخ من طريق عروة بن السّرية عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان فص خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبشيا، مكتوبا عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله» [ (1) ] ، قال الحافظ وهذه زيادة شاذة. وروى ابن سعد عن أبي العالية قال: كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق الله» ثم ألحق الخلفاء بعد «محمد رسول الله» [ (2) ] . الرابع: في نهيه صلّى الله عليه وسلم أن ينقش أحد خاتمه على نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه «محمد رسول الله» وقال: «إني اتخذت خاتما من ورق، فلا ينقش أحد نقشه» . وروى النسائي عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اتخذ حلقه من فضة فقال: «من أراد أن يصوغ عليه فليفعل، ولا تنقشوا على نقشه» . وروى ابن سعد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع خاتما فقال: «إنا قد اصطنعنا خاتما، ونقشنا نقشا، فلا ينقش أحد عليه» [ (3) ] . الخامس: في معرفة من صنع خاتم النبي صلى الله عليه وسلم. روى أبو الحسن علي بن محمد بن بشر أن الدّارقطني في الإفراد عن يعلى بن منيه قال: أنا صنعت للنبي صلى الله عليه وسلّم خاتما لم يشركني فيه أحد، نقش فيه «محمد رسول الله» صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ فيستفاد منه اسم الذي صاغ الخاتم. السادس: فيما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له خاتم يتختم به فيه تمثال أسد. روى عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه أخرج خاتما فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم به فيه تمثال أسد. السابع: في خاتمه الحديد الملوي عليه فضة. روى أبو داود والنسائي بسند جيد وله شواهد عند ابن سعد، وابن سعد عن إبراهيم رحمه الله تعالى عن معيقب رضي الله تعالى عنه قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، قال: فربما كان في يدي، وقال: وكان معيقب على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أنه كان أمينا عليه [ (4) ] .

_ [ (1) ] انظر أخلاق النبوة (128) وفتح الباري 10/ 322. [ (2) ] ابن سعد 1/ 2/ 164، 165. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 268 وأبو نعيم في التاريخ 2/ 70. [ (4) ] أخرجه أبو داود (4224) والنسائي في الزينة باب (46) .

الثامن: في خاتمه الفضة الذي فصه حبشي.

وروى ابن سعد عن مكحول قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، غير أن فصه باد [ (1) ] . وروى أيضاً وابن أبي خيثمة عن إسحاق بن سعيد عن أبيه عن خالد بن سعيد قال: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخاتم؟» فقال: خاتم اتخذته، فقال: «اطرحه إليّ» فطرحته، فإذا هو خاتم من حديد علوي عليه فضة، فقال: «ما نقشته؟» فقال: «محمد رسول الله» فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو الذي كان في يده. وروى ابن سعد قال أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكّي، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص حين قدم من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟» فقال: هذه حلقة يا رسول الله قال: «فما نقشها؟» قال: محمد رسول الله، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتختمه، فكان في يده حتى قبض، ثم في يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه حتى قبض ثم في يد عمر رضي الله تعالى عنه حتى قبض، ثم لبسه عثمان رضي الله تعالى عنه فبينا هو جالس على شفتها يأمر بحفرها إذ سقط الخاتم، وكان عثمان يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله، فالتمسوه فلم يقدروا عليه. الثامن: في خاتمه الفضة الذي فصه حبشي. روى مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق، وكان فصه حبشيا [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن أنس قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم فضة، فيه فص حبشي، كان يجعل فصه في بطن كفه. وروى أبو القاسم البغوي، وابن عساكر عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق، له فص حبشيّ، ونقشه «محمد رسول الله» . وروى أبو يعلى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبس خاتما من فضة في يمينه، فيه فص حبشي، كان يجعل فصه في بطن كفه. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن علي بن زيد قال: قال أنس بن مالك: حدثني ابني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يلبس الخاتم، ويجعل فصه من غيره. قلت: وهو حديث غريب تضمن شيئين غريبين: أحدهما: رواية الأب عن ابنه.

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 163 وابن أبي شيبة 8/ 286. [ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1658 (62/ 2094) .

التاسع: في اتخاذه صلى الله عليه وسلم خاتما من حديد، ثم من نحاس أصفر، ثم طرحه لهما.

الثاني: رواية الرجل عمن يروي عن نفسه. التاسع: في اتخاذه صلى الله عليه وسلّم خاتما من حديد، ثم من نحاس أصفر، ثم طرحه لهما. روى ابن عدي من طريق خالد بن النّضر القرشي عن محمد بن موسى الحرشيّ عن عبد الله بن عيسى بن خالد عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب كتابا إلى الأعاجم، يدعوهم إلى الله تعالى فقال رجل: يا رسول الله: إنهم لا يقرؤون كتابا إلا مختوما، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يعمل له خاتم، فعمل له خاتم من حديد، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال انبذه من أصبعك، فنبذه من أصبعه، وأمر بخاتم آخر يصاغ له فعمل له خاتم من نحاس، فجعله في أصبعه، فقال له جبريل: انبذه من أصبعك فنبذه، وأمر بخاتم يصاغ له من ورق، فجعله في أصبعه، فأقره جبريل عليه السلام. الحديث. تنبيهات الأول: قال العراقي لم ينقل كيف كانت صفة الخاتم أمربّعا أم مثلّثا أم مدوّرا؟ إلا أن التربيع أقرب إلى النقش فيه، وحميد الراوي للحديث سئل عن ذلك، فلم يدر كيف كان، رواه أبو الشّيخ في الأخلاق النبوية. الثاني: ما روى ابن سعد عن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي حدثنا عطاف بن خالد [ (1) ] عن عبد الأعلى بن أبي فروة عن سعيد بن المسيب قال: ما تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر حتى لقي الله تعالى. وروى البزار والطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، ولا عمر، يلبسون خواتيمهم حتى قدم أبان على عمر رضي الله عنه بعد أن كانوا يتخذونها، ولا يلبسونها- رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة. قال أبو الحسن الهيثمي: وهو وإن كان حسن الحديث ما يحتمل هذا منه، كما خالف فيه الأثبات الذين رووا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم. وروى الطبراني برجال الصحيح غير ابن لهيعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر ولا عمر يلبسون الخواتم، ولا يطبعون كتابا حتى كتب زياد بن أبي سفيان إلى عمر: إنك تكتب إلينا بأشياء ما نجد لها طوابع، فاتخذ عند ذلك خاتما

_ [ (1) ] عطّاف، بتشديد الطاء، ابن خالد بن عبد الله بن العاص المخزومي، أبو صفوان، المدني، صدوق يهم، من السابعة، مات قبل ذلك. التقريب 2/ 24.

فطبع به. قال الهيثمي: وهو مخالف للأحاديث الصحيحة. الثالث: قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلّى الله عليه وسلم من السّر شيء، كما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان رضي الله تعالى عنه لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلّم انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك ابتداء الفتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان. الرابع: قال الحافظ: ونسبة سقوط الخاتم من عثمان رضي الله تعالى عنه مجازية، وإنما سقط من يد معيقيب فقد أخرج النّسائي عن نافع، وقال فيه: وكان في يد عثمان ست سنين من عمله، فلما كثر عليه الفتن دفعه إلى رجل من الأنصار، كان يختتم به، فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط منه فلم يوجد، وفي رواية أيوب بن موسى عن نافع عنه قال: وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس. الخامس: قال الحافظ: في كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر كما تقدم، ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك، وأنه على هذا الترتيب لكن لم تكن كتابته على الترتيب العادي، فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة ملوية ليطبع الختم مستويا، وأما قول بعض الشيوخ: إن كتابته كانت من فوق، يعني الجلالة أعلى الأسطر الثلاثة، ومحمد أسفلها، فلم أر التصريح بذلك من شيء من الأحاديث، بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك، فإنه قال: محمد سطر، والسطر الثاني رسول والثالث الله. السادس: قال الحافظ: لا تعارض بين حديث الخاتم الذي فصه حبشي، والخاتم الذي فصه منه لأنه إما أن يحمل على التعدد، وحينئذ فمعنى قوله: حبشي أي كان حجرا من بلاد الحبشة أو على لون الحبشة أو كان جزعا أو عقيقا لأن ذلك يؤتى به من بلاد الحبشة، ويحتمل أن يكون فصه منه، ونسب إلى الحبشة لصفة فيه، إما الصناعة وإما النقش، قلت: والأول أظهر، والله تعالى أعلم، لما قال البيهقي: هذا يدل على انه صلى الله عليه وسلم كان له خاتمان، أحدهما فصّه حبشي، والآخر فصّه منه، إن كان الزّهري حفظ حديث من ورق، والأشبه بسائر الروايات أن الذي كان فصه حبشيا هو الخاتم الذي اتخذه من ذهب، ثم طرحه، واتخذ خاتما من ورق انتهى، وذكر أنه لا يسمى خاتما إلا إذا كان له فص، فإن كان بلا فص فهو حلفة، والفص: مثلث الفاء كما ذكره ابن مالك رحمه الله تعالى في مثلثه. السابع: ما رواه الأربعة وصححه ابن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وأخرجه الضياء في المختارة برجال الصحيح إلا عبد الله بن مسلم المعروف بأبي طيبة قال الحافظ في التقريب: صدوق اتهم، وعلى كل حال فالحديث حسن كما أشار إليه الحافظ في فتاويه عن

بريدة بن الحصيب، واللفظ للأربعة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاتم مشبّه فقال: «ما لي أرى عليك ريح الأصنام؟» فطرحه، ثم جاء، وعليه خاتم من حديد، فقال: «ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ فقال: يا رسول الله من أي شيء اتخذه؟ قال: «اتخذه من ورق، ولا تتمه مثقالا فإن كان محفوظا حمل المنع على ما كان جديدا صرفا» . وقد قال التّيفاشي في كتاب الأحجار: خاتم الفولاذ مطردة للشياطين إذا كان عليه فضة، فهذا يؤيد المغايرة في الحكم، والأصل في النهي كونه للتحريم، لأن الأصل في استعمال الفضة للرجال التحريم، إلا ما رخّص فيه، فإذا حدّ فيه حدّ وجب الوقوف عنده، وبقي ما عداه على الأصلي لكن قال الحافظ العراقي في شرح التّرمذي إن النهي في قوله: ولا تتمه مثقالا محمول على التنزيه، فيكره أن يبلغ به وزن مثقال، قال وفي رواية أبي داود عن الخطابي: ولا تتمه مثقالا، ولا قيمة مثقال أوّلت هذه الزيادة أنه ربما وصف الخاتم بالنفاسة في صنعته إلا أن تكون قيمته قيمة مثقال فهو داخل في النهي أيضا انتهى. وأفتى شيخ الإسلام سراج الدين العبادي بأنه يجوز أن يبلغ به مثقالا، وإن ما زاد عليه حرام، وظاهر صنيع الشيخ سراج الدين بن الملقن في شرح المنهاج يقتضيه. وقال الأزرقي: لم يتعرض أصحابنا رحمهم الله تعالى لمقدار الخاتم، ولعلهم اكتفوا بالعرف فما خرج عنه كان إسرافا، والصواب الضبط بما نص عليه في الحديث وليس في كلامهم ما يخالفه، وقال ابن المعاد في التّعقّبات: وإذا جاز لبس الخاتم فشرطه أن لا يبلغ به مثقالا انتهى.

الباب الثاني في استعماله صلى الله عليه وسلم الطيب ومحبته له

الباب الثاني في استعماله صلّى الله عليه وسلم الطيب ومحبته له وفيه أنواع: الأول: في كراهته صلى الله عليه وسلّم أن يوجد منه إلا ريح الطّيب. روى ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكره أن يخرج إلى أصحابه يوجد منه إلا ريح طيبة [ (1) ] . وروى أبو نعيم عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يخرج إلى أصحابه تفل الريح، وكان إذا كان في آخر الليل مس طيبا. وروى البزار عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل استنجى وتوضأ، ثم بعث يطلب الطيب من رباع نسائه [ (2) ] . الثاني: في كونه من سنن الأنبياء. روى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من سنن الأنبياء الختان والسواك والتّعطّر والنكاح» [ (3) ] . وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن مليح بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والتعطر والسّواك» [ (4) ] . الثالث: في أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب، وأمره بعدم رده. روى البخاري والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب [ (5) ] . وروى الطّيالسي والبزار وأبو يعلى بسند حسن عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليه طيب قط فرده. وروى مسلم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف الحمل طيب الريح» [ (6) ] .

_ [ (1) ] انظر أخلاق النبوة (98) . [ (2) ] انظر المجمع 2/ 263. [ (3) ] الطبراني في الكبير 4/ 19 وأحمد 5/ 421. [ (4) ] الطبراني في الكبير 11/ 186 انظر المجمع 2/ 99، 5/ 92 والدولابي 1/ 44 في الكنى. [ (5) ] انظر الترمذي (2789) وأحمد 3/ 133 وابن سعد 1/ 2/ 113 وأبو نعيم في الحلية 9/ 46. [ (6) ] مسلم في الأدب (20) .

الرابع: في محبته صلى الله عليه وسلم للطيب وغيره من الرياحين.

وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا ترد الوسادة والدّهن والطيب» [ (1) ] . وروى الحارث مرسلا بسند حسن عن أبي عثمان [ (2) ] رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ناول أحدكم ريحانا فلا يرده، فإنه خرج من الجنة» [ (3) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم بالحلو فليأكل ولا يردها، وإذا أتى أحدكم بالرائحة الطيبة فليشمها» [ (4) ] . الرابع: في محبته صلى الله عليه وسلّم للطيب وغيره من الرياحين. وروى النسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «حبب إلي [من] دنياكم ثلاث: النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعجبه من الدنيا ثلاث: الطعام، والنساء، والطيب، فأصاب اثنتين، ولم يصب واحدة أصاب النساء والطيب، ولم يصب الطعام [ (6) ] . وروى أيضا برجال ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفاغية [ (7) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح غير عبد الله ابن الإمام أحمد، وهو ثقة مأمون، عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «سيد ريحان أهل الجنة الحنّاء» [ (8) ] .

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (25385) . [ (2) ] عبد الرحمن بن ملّ بضم أوله وكسر اللام، ابن عمرو بن عدي النّهدي أبو عثمان الكوفي. أسلم وصدق ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم. عن عمر وعلي وأبي ذر. وعنه قتادة وأيوب وأبو التّيّاح والجريري وخلق. وثقه ابن المديني وأبو حاتم والنسائي. قال سليمان التّيمي: إني لأحسب أبا عثمان كان لا يصيب ذنبا، كان ليله قائما ونهاره صائما. وقيل إنه حج واعتمر ستين مرة. قال عمرو بن علي: مات سنة خمس وتسعين. وقال ابن معين: سنة مائة، عن أكثر من مائة وثلاثين سنة. الخلاصة 2/ 153. [ (3) ] الترمذي (2791) وأحمد 2/ 320. [ (4) ] انظر جمع الجوامع (989) . [ (5) ] أخرجه النسائي 7/ 61 وأحمد 3/ 128 والحاكم 2/ 60 وانظر التلخيص الجبير 3/ 116. [ (6) ] أحمد في المسند 6/ 72 وانظر المجمع 10/ 315. [ (7) ] انظر المجمع 5/ 157 والكنز (18295) . [ (8) ] الخطيب في التاريخ 5/ 56 وابن عدي 7/ 2498 والسيوطي في اللآلي 2/ 145 وانظر المجمع 5/ 157.

الخامس: في استعماله صلى الله عليه وسلم الطيب وما كان يتطيب به.

وروى الطبراني بسند متماسك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بورد الحناء فقال: «يشبه ريحان الجنة [ (1) ] » . الخامس: في استعماله صلّى الله عليه وسلم الطيب وما كان يتطيب به. روى النسائي، وابن سعد عن محمد بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتطيب؟ قالت نعم بذكاوة الطيب، قلت: وما ذكاوة الطيب؟ قالت المسك والعنبر [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة وأبو داود والنّسائي وبقيّ بن مخلد عن أنس رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانت له سكّة يتطيب منها [ (3) ] . وروى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أبو الحسن بن الضحاك عنها قالت: لقد رأيت وبيص الطيب في رأس وفي رواية، في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثالثة وهو محرم. وروى أيضا عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأطيب ما كنت أقدر عليه قبل أن يحرم. وروى الشيخان عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينضح طيبا عند إحرامه. وروى الحارث بن أبي أسامة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال: رأيت المسك في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام. الخامس: في أن أطيب الطيب كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسك والعود. قال في زاد المعاد: كان أحب الطيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسك، وكان يعجبه الفاغية وهو نور الحنّاء. وروى الثلاثة وابن سعد والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن امرأة من بني إسرائيل اتخذت خاتما من ذهب، وحشته مسكا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هو أطيب الطيب» ، ولفظ الثلاثة، وابن سعد أذكى المسك عند

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 11/ 106. [ (2) ] النسائي 8/ 150. [ (3) ] أبو داود في كتاب الترجل باب (2) .

السابع: في تطيبه صلى الله عليه وسلم بالغالية.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أو ليس من أطيب الطيب؟» . وروى ابن سعد عن عبيد بن جريج قال: قلت لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تحب هذا الخلوق، فقال كان أحب الطيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أبو القاسم البغوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان أحب الطيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم العود. وروى ابن عدي عنها قالت: كان أحب الطيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسك والعود. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان أحب العود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم القماري. وروى مسلم والنسائي عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا استجمر استجمر بالألوّة غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوّة، ثم قالت: هكذا كان يستجمر صلى الله عليه وسلم. السابع: في تطيبه صلى الله عليه وسلّم بالغالية. روى أبو الحسن بن صخر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أهدى النّجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قارورة وكانت أول ما عملت له. تنبيهات الأول: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فجاء رجل في يده حزمة من ريحان، فطرحها بين يديه، فلم يمسها، ثم جاء رجل بحزمة من ريحان مزرنجوش فطرحها بين يديه، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فتناولها، ثم شمها، ثم قال: «نعم الريحان، نبت العرش، وماؤه شفاء من العين، رواه أبو جعفر العقيلي من طريق يحيى بن عباد كذبوه» . وذكر ابن الجوزي حديثه في الموضوعات، وأقره الحافظ من بعده، وحديث دينار قال: أعجبني حديث حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «أعجبني نبات رأيته ليلة أسري بي نبات حول العرش وهو المزرنجوش» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بمرزنجوش شمه وأحبه، وقال: «رأيته نابتا حول العرش» . رواه من طريق دينار بن عبد الله وفي مسنده أيضا أحمد بن محمد بن غالب غلام خليل يعرف بوضع الحديث- أقر بذلك- وحديث الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالورد بكلتا يديه فلما أدنيته من أنفي قال: «أما إنه سيد ريحان الجنة بعد الآس» .

رواه أبو الحسن بن الضحاك من طريق قاسم بن أصبغ قال: حدثنا محمد بن غالب حدثنا محمد بن يزيد الأزدي، حدثنا محمد بن موسى البصري قال: أخبرنا حاتم بن عبيد الله الأدمي قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن إسحاق عن أبيه عن جده الحسن به. الثاني: قال الشيخ في فتاويه في حديث أنس رضي الله تعالى عنه: جنب إلي من دنياكم ثلاث، السابق: لما كان المقصود من سياق الحديث بيان ما أصابه النبي صلى الله عليه وسلم من متاع الدنيا بأدبه كما قال في الحديث الآخر: «ما أصابنا من دنياكم هذا إلا النساء» ، ولما كان الذي حبب إليه من متاع الدنيا هو أفضلها وهو النساء بدليل قوله في الحديث الآخر: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» ناسب أن يضم إليه أفضل الأمور الدينية، وذلك الصلاة، فإنها أفضل العبادات بعد الإيمان، فكان الحديث على أسلوب البلاغة من جمعه بين أفضل أمور الدنيا، وأفضل أمور الدين، وفي ذلك ضم الشيء إلى نظيره، وعبر في أمر الدين بعبارة أبلغ مما عبر في أمر الدنيا، وحيث اقتصر في أمر الدنيا على مجرد التحبب، وقال في أمر الدين «جعلت قرة عيني في الصلاة» ، فإن في قرة العين من التعظيم في المحبة ما لا يخفى. الثالث: في بيان غريب ما سبق: تفل الريح: بمثناة فوقية مفتوحة، ففاء مكسورة، فلام، من تفل بفتح المثناة الفوقية، وسكون الفاء: وهي الريح الكريهة. يرتضح: بتحتية مفتوحة، فراء ساكنة، فمثناة فوقية مفتوحة، فصاد فحاء معجمتين. الذّريرة: بذال مفتوحة، فراء مكسورة، ثم أخرى مفتوحة، بينهما تحتية ساكنة، فتاء تأنيث: نوع من الطيب مجموع من أخلاط. السّكّة: بضم السين: نوع من الطيب معروف. الاستجمار: التبخر، وهو استعمال من المجمرة التي توضع فيها النار والبخور. الألوّة: بفتح الهمزة، وضمها: العود الذي يتبخر به. المطرّاة: هو العود المطرّي أي الطيب المربّى والله تعالى أعلم.

الباب الثالث في خضابه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في خضابه صلّى الله عليه وسلم وفيه نوعان: الأول: في كونه خضب. رواه الإمام أحمد عن أبي رمثة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختضب بالحناء والكتم [ (1) ] . ورواه النسائي بلفظ: أتيت أنا، وأبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان وقد لطّخ لحيته بالحناء، وفي رواية قد لطخ لحيته بالصفرة. وروى يعقوب بن سفيان والحاكم عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه بردان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء. وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخضب بالصفرة. وروى يعقوب بن سفيان عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته بالورس. وروى الإمام أحمد والبخاري عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: أرسلني أهلي بقدح من ماء إلى أم سلمة رضي الله تعالى عنها فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الإنسان إذا أصابه عين أو شيء بعث إليها بإناء فخضخضت له فشرب منه، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمر. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنحر، ورجل من قريش، وهو يقسم أضاحي فلم يصبه شيء ولا صاحبه، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه، فقسم منه على رجال، وقلم أظافره، فأعطاه صاحبه قال: «فإنه لعندنا مخضوبا بالحناء والكتم» . وروى ابن سعد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قيل له: هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم. ورواه الطبراني بلفظ: في أصداغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحنّاء. وروى الشيخان وأبو يعلى عن ابن سيرين قال: سألنا أنسا هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخضب؟ قال: نعم، بالحناء والكتم، وفي لفظ قال: لم يبلغ الشيب إلا قليلا، وقد اختضب أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بالحنّاء والكتم.

_ [ (1) ] أحمد في المسند 3/ 223، 227، 262، 4/ 163.

الثاني: في كونه لم يخضب.

وروى ابن سعد عن أبي جعفر قال: شمط عارض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخضبه بحناء وكتم. وروى الإمام أحمد وابن سعد وابن ماجة والترمذي في الشمائل عن عثمان بن عبد الله ابن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضي الله تعالى عنها. فأخرجت إلينا صرة فيها شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا بالحناء، وفي لفظ بالحناء والكتم. وروى ابن سعد عن أبي رمثة رضي الله تعالى عنه أنه وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذو وفرة فيها ردع من حنّاء. وروى النسائي وابن عساكر عن عبيد بن جريج قال: رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يصفر لحيته، فقلت له في ذلك، فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته. ورواه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي من طريق مالك في حديثه، وفيه: ورأيتك تصبغ بالصّفرة فقال: وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصبغ بها. وروى ابن سعد عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يصفر لحيته بالخلوق، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصفر. وروى أيضا عن عبد الرحمن الثّماني قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يغير لحيته بماء السّدر ويأمر بتغيير الشعر مخالفة للأعاجم. وروى الطبراني برجال ثقات غير أبي توبة بشير بن عبد الله بنحو رجاله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخضب أخذ شيئا من دهن، وزعفران فرشه بيده، ثم يمرسه على لحيته. وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يلبس النعال السّبتيّة، ويصفر لحيته بالزعفران والورس، وكان ابن عمر يفعل ذلك. وروى النسائي عن زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق فقيل له: يا أبا عبد الرحمن إنك تصفر لحيتك بالخلوق، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر بها لحيته، ولم يكن شيء من الصبغ أحب إليه منها، ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها. وروى النسائي عن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عبيد هو ابن جريج قال: رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يصفر لحيته فقلت له في ذلك فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصفر لحيته. وروى أبو داود والنسائي عن أبي رمثة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قد علاه الشيب. وقد غيره بالحنّاء. الثاني: في كونه لم يخضب. روى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخضب.

تنبيهات

وروى أيضا عن عبد الله بن همّام قال: يا أبا الدّرداء بأي شيء يخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يا ابن أخي يا بني ما كان بلغ من الشيب أن يختضب به، ولكن قد كان منه شعرات، وكان يغسله بالحناء والسّدر. وروى أيضاً بسند ضعيف عن بشر مولى الرّقاشيين قال: سألت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ما كان شيبه يحتاج إلى الخضاب، كان وضح في عنفقته وناصيته، لو أردنا أن نحصيها أحصينا. وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلّم شعرات بيض، وفي رواية عنده لم ير من الشيب إلا قليلا، وفي أخرى لو شئت أعد شمطات كن في رأسه، ولم يخضب، وفي رواية لم يخضب، إنما كان البياض في عنفقته، وفي الصدغين، وفي الرأس نبذ [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال الشيخ عبد الجليل القصري: إنما صبغ صلى الله عليه وسلّم لأن النساء غالبا يكرهن الشيب، ومن كره من رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا فقد كفر. الثاني: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ قال القاضي رحمه الله تعالى: الأكثرون- وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى أنه لم يخضب وقال النووي: المختار أنه صبغ في وقت، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى، وهو صادق، قال: وهذا التأويل كالمتعين، فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين لا يمكن تركه، ولا تأويل له قال الحافظ: والجمع بين حديث أبي رمثة وابن عمر، وحديث أنس أن يحمل حديث أنس على غلبة الشيب، حتى يحتاج إلى خضابه، ولم يتفق أنه رآه، وهو يخضب ويحمل حديث من أثبت الخضاب على أنه فعله، لإرادة الجواز، ولم يواظب عليه، وأما ما رواه الحاكم عن عائشة [أنها] قالت: «ما شانه الله تعالى ببيضاء» المحمول على أن تلك الشّعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنه صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر الإمام أحمد إنكار أنس، وذكر حديث ابن عمر، ووافق الإمام مالك أنسا في إنكار الخضاب، وتأول ما ورد، قلت: وفي التأويل بعد. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الخضاب: ككتاب: ما يختضب به. نبذ: بضم النون، وفتح الموحدة، وبفتح النون، وإسكان الموحدة: أي شعرات متفرقات.

_ [ (1) ] مسلم في الفضائل باب (29) رقم (101) وأحمد 4/ 190 وابن أبي شيبة 8/ 258 وابن سعد 1/ 2/ 137.

الباب الرابع في استعماله صلى الله عليه وسلم المشط، ونظره في المرآة واكتحاله

الباب الرابع في استعماله صلّى الله عليه وسلّم المشط، ونظره في المرآة واكتحاله روى الطبراني والبيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خمس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدعهن في سفر ولا حضر المرآة والمكحلة والمشط والدهن والسّواك [ (1) ] . وروى عنها أيضا قالت: كنت أزود رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره دهنا ومشطا ومرآة ومقصّا ومكحلة وسواكا. وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل استاك، وتوضأ، وامتشط. وروى أيضاً ابن سعد عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر تأثير رأسه، ولحيته بالماء. وروى الترمذي في الشمائل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته [ (2) ] . وروى أيضاً بسند صحيح أو حسن عن صحابي لم يسم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يترجل غبّا [ (3) ] . وروى أحمد بن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان لا يفارق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: سواك، وكان ينظر في المرآة أحيانا، ويسرح لحيته أحيانا ويأمر به [ (4) ] . وروى الخطيب في الجامع عن الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يسرح لحيته بالمشط [ (5) ] . وروى البيهقي وقاسم بن ثابت عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع عليه، وبيده مدرى يحك بها رأسه- الحديث- قال قاسم: المراد هو المشط. وروى ابن سعد عن خالد بن معدان مرسلا قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مشط من عاج يتمشط به يسافر بالمشط والمرآة والدّهن والسواك والكحل.

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 171. [ (2) ] أخرجه الترمذي في الشمائل 23 وابن سعد 1/ 2/ 170. [ (3) ] أخرجه الترمذي في الشمائل 25. [ (4) ] انظر المجمع 9/ 22. [ (5) ] ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة (199) .

وروى أبو الحسن البلاذري عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسرح لحيته بالماء في كل يوم. وروى ابن سعد عن ابن جرير قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مشط من عاج يتمشط به. وروى البزار عن أنس والطبراني من طريق آخر عنه رجاله ثقات غير هاشم بن القاسم فيجر رجاله وأبو يعلى، والطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: «الحمد لله الذي حسن خلقي وخلقي وزان مني ما شان من غيري» [ (1) ] . وروى الحسن بن الضحاك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: «اللهم حسّنت خلقي فحسن خلقي، وأوسع علي في رزقي» . روى أبو حميد بن عديّ والخرائطي عن أم سعد قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر لم تفارقه مكحلة ومرآة يكونان معه. وروى أيضا أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: سبع لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفارقهن في حضر ولا سفر القارورة والمشط والمكحلة والمقراض والسّواك والمدرى وفي لفظ ومقصّان، قال حسن بن علوان: قلت لهشام المنذري: ما باله قال حدثني أبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له وفرة إلى شحمة أذنه، وكان يحركها بالمدرى؟. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن خالد بن يزيد قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مكحلة ومرآة. وروى الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: اطلع رجل في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلّم مدرى يحك به رأسه، فقال: «لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» . وروى ابن الجوزي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال: «الحمد لله الذي سوّى خلقي فعدّله، وكرّم صورة وجهي وحسنها، وجعلني من المسلمين» [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 170، 10/ 139. [ (2) ] ابن السني (160) وانظر المجمع 10/ 139.

تنبيهان

وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أزوّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزاه أزوّده دهنا ومشطا ومرآة ومقصين ومكحلة وسواكا. وروى الطبراني بسند ضعيف عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دهن لحيته بدأ بعنفقته [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة والنسائي عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبدأ بمقدم رأسه، فكان إذا دهن ثم امتشط لم يتبين، وإذا شعث رأسه. وروى أبو الحسن الحنفي وأبو الحسن بن الضحاك بسند جيد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كحل أسود، إذا أوى إلى فراشه اكتحل في ذي العين ثلاثا وفي ذي العين ثلاثا. وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا في كل عين [ (2) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك بسند جيد له مرسل عن عمران بن أبي أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكتحل بالإثمد في اليمين ثلاثا، وفي اليسرى. وروى أبو أحمد بن عدي عن ابن سيرين قال: سألنا أنسا عن كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان يكتحل في اليمين اثنتين، وفي اليسرى اثنتين، وواحد بينهما. تنبيهان الأول: قال الشيخ في فتاويه لم يرد شيء عند القراء عن تسريح الذقن. الثاني: في بيان غريب ما سبق: المرآة: بميم مكسورة، فراء ساكنة، فهمزة ممدودة، فتاء تأنيث. يترجل غبّا: قال ابن الأثير في النهاية: في الحديث الترجيل غبّا، والترجيل تسريح الشعر، وتضفيره، وتحسينه كأنه كره كثرة الترفه، والتنعم، قال: زر غبّا في الحديث تزدد حبّه. الغبّ أي بكسر الغين في أوراد الإبل أن ترد الماء يوما، وتدعه يوما، فنقله إلى الزيارة، وإن جاء بعد أيام يقال: غبّ الرجل إذا جاء زائرا بعد اليوم، فقال الحسن في كل أسبوع. المقتّت: بميم وقاف وتاءين.

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 170. [ (2) ] الترمذي (2048) .

الباب الخامس في قصه صلى الله عليه وسلم شاربه، وظفره، وكذا أخذه من لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم إن صح الخبر، وسيرته في شعر رأسه

الباب الخامس في قصه صلى الله عليه وسلّم شاربه، وظفره، وكذا أخذه من لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم أن صح الخبر، وسيرته في شعر رأسه روى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقص، أو يأخذ شاربه، ويقول: «إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يقص شاربه» [ (1) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف عن أم عيّاش رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفي شاربه- أيضاً بسند ضعيف عن عبد الله بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحف شاربه. وروى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفي شاربه. وروى أيضا عن عبد الرحمن بن زياد عن أشياخ لهم قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأخذ الشارب من أطرافه [ (2) ] . وروى البيهقي عن أبي جعفر مرسلا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستحب أن يأخذ أظفاره وشاربه يوم الجمعة. وروى أيضا في الشعب عن أبي هريرة. وروى ابن سعد عن عبد الله بن عبد الله قال: جاء مجوسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أعفى شاربه، وأعفى لحيته، فقال: «من أمرك بهذا؟» قال: أبي، قال: لكن أبي أمرني أن أحفّ شاربي وأعفي لحيتي. وروى أبو يعلى وابن عدي واللفظ له عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته، من طولها وعرضها بالسوية، ورواه الترمذي دون قوله بالسوية وقال: غريب وسمعت محمدا يقوله [ (3) ] . روى أبو الحسن [بن] الضحاك عن أبي رمثة رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقص أظفاره وشاربه يوم الجمعة [ (4) ] .

_ [ (1) ] أحمد 1/ 301. [ (2) ] ابن سعد 1/ 2/ 147. [ (3) ] أخرجه الترمذي (2762) وانظر الفتح 10/ 350. [ (4) ] انظر تفسير القرطبي 2/ 104.

روى البزار والطبراني وابن قانع عن سهل بن مسرّح الأشعري قال: رأيت أبي يقلم أظافره، ويدفنها وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفعل ذلك. وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من الفطرة الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط» [ (1) ] . وروى البيهقي في شعب الإيمان- وصححه- من طريق سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وأول من رأى الشيب، وأول من جزّ شاربه، وأول من قلم أظافره وأول من استحدّ [ (2) ] . وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: وقّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط ألا نترك أكثر من أربعين يوما [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي في الشمائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون [ (4) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله أن يسدلها، ثم فرق بعد. وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. قال رجل في زاد المعاد كان هديه صلى الله عليه وسلّم تركه كله، أو حلقه كله، ولم يكن يحلق بعضه، ولم يحفظ أنه صلى الله عليه وسلّم حلق رأسه إلا في نسك انتهى. فعلى هذا الخلاف فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه الشريفة بعد الهجرة أربع مرات كما ذكره الحافظ أبو الخير السّخاوي في فتاويه. الأولى والثانية: في الحديبية، وعمرة القضاء، والمباشر لذلك منها خراش بن أمية بن ربيعة بن الفضل الخزاعي حليف بني مخزوم رضي الله تعالى عنه، ذكر جماعة منهم أبو عمر

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في الترجل باب (16) والترمذي (2756) والنسائي 1/ 14، 7/ 129 وابن ماجة (292) وأحمد 2/ 229 والحميدي (936) وعبد الرزاق (20243) وأبو عوانة 1/ 190 وابن أبي شيبة 1/ 195، 9/ 58 والبخاري في الأدب المفرد (1257، 1293) . [ (2) ] انظر الدر المنثور 1/ 115. [ (3) ] وانظر الترمذي (2758) وابن ماجة (295) والبيهقي 1/ 150. [ (4) ] البخاري 4/ 230 والنسائي 8/ 184 وأحمد 1/ 287 والطحاوي في المشكل 4/ 320 وفي المعاني 1/ 489.

تنبيهات

ابن عبد البر، والنّووي: أن خراشا حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية. وروى ابن السّكن عنه قال: إنما حلقت رأس رسول الله صلى الله عليه وسلّم عند المروة في عمرة القضاء. الثالثة: في غزوة الجعرّانة والمباشر لذلك- كما قال الحافظ أبو عبد الله الحاكم في الإكليل- أبو الهند الحجام مولى بني بياضة رضي الله تعالى عنه. الرابعة: في حجّة الوداع والمباشر لذلك معمر بن عبد الله بن فضلة- بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة- ابن نافع بن عوف- بالفاء- ابن عبيد بن جريج بن عدي القرشي العدوي رضي الله تعالى عنه. وروى الإمام أحمد والطبراني عنه قال: لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه من منى أمرني أن أحلقه، فأخذت الموسى فقمت إلى رأسه، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي وقال لي: «يا معمر أمكنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمة أذنه وفي يدك الموسى» ، فقلت: أما والله يا رسول الله إن ذلك لمن نعمة الله تعالى على ومنّه قال: «إذا ترى ذلك» ، ثم حلقت رأس رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قلت: قوله: «إذا ترى ذلك» بتنوين إذا كما في بعض نسخ المسند، ومعناه أنك ترى ثمرة معرفتك إن هذه من الإكرام والإنعام، وفي بعضها مصححا عليه: «إذا أقرد لك» بتنوين إذا وفتح همزة أقرد، وسكون القاف، وكسر الراء، وبالدال المهملة: مضارع أقرد أي سكن، ولك جار ومجرور، والمعنى على هذه النسخة أسكن لك حتى تحلقني، والله تعالى أعلم أي ذلك قيل. وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه، وكان أبو طلحة أول من أخذ شعره، ولفظ مسلم إن النبي صلى الله عليه وسلّم ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم جاء أبو طلحة فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: «احلق» فحلقه فأعطاه أبا طلحة، فقال: «اقسمه بين الناس» . تنبيهات الأول: ذكر الحافظ بن بشكوال [ (1) ] ، بفتح الموحدة، وسكون الشين المعجمة، وضم الكاف، وفتح الواو، وباللام- رحمه الله تعالى في مبهماته أن الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خراش بن أمية، والذي جزم به البخاري في تاريخه الكبير، والحافظ أبو

_ [ (1) ] خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الخزرجيّ الأنصاري الأندلسي، أبو القاسم: مؤرخ بحاثة، من أهل قرطبة، ولادة ووفاة. ولي القضاء في بعض جهات إشبيلية. له نحو خمسين مؤلفا، أشهرها «الصلة» ، في تاريخ رجال الأندلس، جعله ذيلا لتاريخ ابن الفرضي. ومن كتبه «تاريخ» في أحوال الأندلس، نقل عنه صاحب نفح الطيب كثيرا، والغوامض والمبهمات. توفي 578 هـ. الأعلام 2/ 311.

الباب السادس في تفلية أم حرام رأسه صلى الله عليه وسلم

الفضل بن طاهر في مبهماته أنه معمر بن عبد الله، وقال النووي في شرح مسلم: إنه الصحيح المشهور، وجرى على ذلك خلائق لا يحصون. الثاني: قال الطّيّبي: لا منافاة بين حديث الأخذ من لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلّم وبين قوله اعفوا اللحيات، النهي عنه هو قصها كفعل الأعجام، والأخذ من الأطراف قليلا لا يكون من القص في شيء. الثالث: قال في كتاب الأسفار عن قلم الأظفار: قال النووي في شرح التنبيه: قد ذكر الغزالي لتقليم الأظافر كيفية حسنة في الإحياء، وروى فيها حديثا وهو أنه يبدأ بالمسبّحة من اليد اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، ثم الخنصر من اليد اليسرى، ثم البنصر، ثم الوسطى، ثم السّبّابة، ثم الإبهام، ثم يرجع إلى الإبهام اليمنى، ثم يبدأ بخنصر رجله اليمنى، ثم البنصر، ثم الوسطى إلى آخرها، ثم يبدأ بخنصر اليسرى إلى آخرها، ولقد روى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] فعل ذلك، ثم ذكر الحكمة في ذلك، وحاصل ما ذكره أن تقليم الأظافر يعتبر بطونها، وقد ذكر فيه غير هذه الهيئات، وأنكرها كلها ابن دقيق العيد، وقال: الاستحباب حكم شرعي لا بد له من دليل، وليس تسلسلها لذلك بصواب، وقال ابن دقيق العبد يحتاج لدليل شرعي استحباب تقديم اليد في القصّ على الرجل، فإن الخلاف يأبى ذلك، قال الحافظ ابن حجر أن يوجه بالقياس على الوضوء والجامع التنظيف. الرابع: في بيان غريب ما سبق: يحفّ: يأخذ منه ما تهيأ أو ما أمكن أخذه. الباب السادس في تفلية أم حرام رأسه صلّى الله عليه وسلم روى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه.

الباب السابع في استعماله صلى الله عليه وسلم النورة

الباب السابع في استعماله صلّى الله عليه وسلّم النورة روى ابن سعد وابن ماجة من طريقين قال ابن كثير: في كل منهما إسناده جيد عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى بدأ بعورته فطلاها بالنّورة وسائر جسده أهلة ورواه عبد الرزاق، من طريق النووي مرسلا، وإسناده جيد ورواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق من طريق آخر. [ (1) ] . وروى الخرائطي عن سليمان بن ناسرة قال: سمعت محمد بن زياد الألهاني يقول: كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم جارا لي، فكان يدخل الحمام، فقلت: وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم تدخل الحمام؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدخل الحمام، وكان ينوّر، ورواه يعقوب بن سفيان عنه، ورواه ابن عساكر في تاريخه عن واثلة بن الأسقع قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر جعلت له مائدة فأكل متمكنا وأطلى، وأصابته الشمس، ولبس الظّلّة. وروى سعيد بن منصور عن أبي معشر عن إبراهيم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطّلى ولي عانته بيده. وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن هشيم وشريك كلاهما عن أبي، وروى ابن منصور عن مكحول مرسلا قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أكل متكئا بنور. وروى أبو داود في مراسيله عن أبي معشر عن زياد بن كليب أن رجلا نوّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ العانة كف الرجل ونوّر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه. وروى ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتنوّر كل شهر ويقلم أظافره كل خمسة عشر. تنبيهات الأول: لا يعارض هذا بما رواه ابن أبي شيبة عن الحسن قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يطّلون فإن مراسيل الحسن تكلم فيها، وكذا ما رواه البيهقي عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم تنوّر، ورواه أبو داود في مراسيل عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يتنوّر ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، وكلاهما منقطع، وروى البيهقي من طريق مسلم الملائي عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يتنور، فإذا كثر شعره حلقه قال ابن الجوزي والكلام فيه كالكلام في

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (18314) وابن سعد 1/ 2/ 142.

الخضاب يعني استعمل هذا مرة، وهذا مرات، واستعمل الحلق في أكثر أوقاته، قال البيهقي: أولا: مسلم الملائي ضعيف. وثانيا: معارض بالأحاديث السابقة وهي أقوى منه سندا وأكثر عددا. وثالثا: أن تلك مثبتة هنا قال: والقاعدة الأصولية عند التعارض تقديم المثبت على النافي. ورابعا: أن التي روت الإثبات باشرت الواقعة. وخامسا: وهي من أمهات المؤمنين، وهي أجدر بهذه القضية، فإنها مما تفعل في الخلوة غالبا لا بين أظهر الناس، وكل هذا من وجوه الترجيحات فهذه خمسة أجوبة. وسادسا: وهو أنه على حسب قتادة كان يتنوّر، وتارة كان يحلق ولا ينوّر. الثاني: روى الخرائطي في مساوئ الأخلاق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أيها الناس اتقوا الله، ولا تكذبوا فو الله ما أطّلى نبي قط، قال ابن الأثير وصاحب القاموس وغيرهما من أئمة اللغة: إنه لما مال إلى هواه وأصله من ميل الطّلى، وهي الأعناق، واحدهما طلاة يقال أطلى الرجل إطلاء إذا مالت عنقه إلى أحد الشقين انتهى. وهذا الاختلاف فيه بين أئمة اللغة والغريب، وفي هذا النوع أحاديث وآثار أعرضنا عنها لأجل الاختصار. الثالث: قال الشيخ في فتاويه، روى البخاري في تاريخه، وابن عدي في الكامل، والطبراني في الكبير، والأوسط عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من صنعت له النّورة، ودخل الحمام، سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام» . وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة بلقيس: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها فإذا هي شعراء فقال سليمان ما يذهبه المواسي، قال أثر المواسي قبيح، فجعلت الشياطين النّورة، فهو أول من جعلت له النّورة. وروى سعد بن منصور وابن أبي شيبة عن عبد الله بن شداد وله طرق عن مجاهد وغيره. وروى ابن أبي حاتم عن السدي في القصة أن الشياطين صنعوا له نورة من أصداف فطلوها فذهب الشعر.

جماع أبواب آلات بيته صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب آلات بيته صلّى الله عليه وسلم الباب الأول في سريره، وكرسيّه صلّى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد برجال الصحيح غير مبارك بن فضالة- وثقه جماعة وضعفه آخرون. وروى البخاري في الأدب عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على سرير مرمول بشريط، تحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، ما بين جلده وبين السرير ثوب، الحديث، وتقدم بتمامه في باب زهده. وروى الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم سرير مشبك بالبردي، عليه كساء أسود. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن محمد بن مهاجر الأنصاري عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان عنده سرير النبي صلى الله عليه وسلّم، وعصاه، وقدحه، وجفنة، ووسادة حشوها ليف، وقطيفة ورحل، فكان إذا دخل عليه نفر من قريش قال: «هذا ميراث من أكرمكم الله تعالى به، وأعزكم به، وفعل وفعل» . وروى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي وسط السرير، وأنا مضجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة، فأكره أن أقوم، فأستقبله، فأنسل انسلالا. وروى الإمام أحمد ومسلم، وابن الجوزي في الأدب، والحارث بن أبي أسامة عن أبي رفاعة العدوي رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكرسي- خلت قوائمه حديدا- زاد أحمد قال حميد- زاد خشبا أسود حسبه حديدا- قعد عليه فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل. وروى البلاذري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت قريش بمكة وليس شيء أحب إليها من السّرر تنام عليها، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة نزل منزل أبي أيوب، قال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيوب أما لكم سرير؟» قال: لا والله، فبلغ أسعد بن زرارة ذلك، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسرير له عامود، وقوائم صاج، فكان ينام عليه حتى توفي، وصلّى عليه، وهو فوقه، فطلب الناس يحملون موتاهم عليه، فحمل عليه أبو بكر وعمر والناس طلبا لبركته.

تنبيهان

وروى أبو الشيخ عن عمر بن مهاجر قال: كان متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز في بيت ينظر إليه كل يوم، وكانت إذا اجتمعت إليه الوفود أدخلهم ليروا تلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم الله تعالى، وأعزكم به، قال: وكان سريرا مرملا بشريط، ومرقعة من أدم محشوّة بليف وجفنة وقدحا، وقطيفة صوف، ورحىّ، وكنانة فيها أسهم، وكان في القطيفة أثر عرق رأسه، فأصيب رجل فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك العرق فيسقّط به فذكر ذلك لعمر فسقطه فبرأ. تنبيهان الأول: قال الواقدي: أجمع أصحابنا بالمدينة لا اختلاف بينهم في أن سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه عبد الله بن إسحاق الأسجاني- من موالي معاوية بأربعة آلاف درهم. الثاني: في بيان غريب ما سبق: البردي: نبت معروف واحدته بردية. خلت: بكسر الخاء وبالمثناة الفوقية، قال أبو محمد بن قتيبة رحمه الله تعالى، وهو الصواب، وصحفه بعضهم، فقال: خلب بضم الخاء وبالموحدة وفسره مصحّفه بالليف، قال ابن الجوزي، ولولا ما ذكرناه عن حميد لكان الأليق أن يكون من ليف قوائمه من جريد بالراء والجريد هو السعف والله تعالى أعلم.

الباب الثاني في حصيره، وفراشه، ولحافه، ووسادته، وقطيفته، وبساطه، ونطعه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في حصيره، وفراشه، ولحافه، ووسادته، وقطيفته، وبساطه، ونطعه صلى الله عليه وسلّم روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجز حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار، فيجلس عليه. وروى ابن المبارك في الزهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر الحصير بجلده، فلما استيقظ جعلت أمسح عنه وأقول: يا رسول الله ألا أخبرتنا قبل أن تنام على هذا الحصير نبسط لك شيئا يقيك منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا، ما أنا إلا كراكب استظل تحت، أو في ظل شجرة، ثم راح وتركها» . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخل عمر ابن الخطاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نائم على حصير، فأثر في جنبه، فقال: يا رسول الله، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا، فقال: «ما لي وللدنيا، والذي نفسي بيده، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة، ثم راح وتركها» ، تقدم في باب زهده بطرقه. وروى سعيد بن منصور عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم رثّا غليظا، فأردت أن أجعل له فراشا آخر ليكون أوطأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلته، فجاء فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قلت: يا رسول الله رأيت فراشك رثّا غليظا فأردت أن يكون هذا أوطأ لك، فقال: «أخّريه اثنتين، والله لا أقعد عليه حتى ترفعيه» قالت: فرفعت الأعلى الذي صنعت. وروى أبو بكر البزّار عنها قالت: ما رأيت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكيت، أو ما كان إلا أدما حشوه ليف. وروى مسلم وأبو مسلم الكجّي، والبرقاني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالت: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه من أدم، حشوه ليف. وروى أبو داود بلفظ: كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم، حشوها ليف. وروى ابن سعد وأبو الشيخ والحسن بن عرفة عنها قالت: دخلت على امرأة من الأنصار، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت، فبعثت إليّ فراشا حشوه الصوف،

فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قلت: إن فلانة الأنصارية دخلت عليّ فرأت فراشك، فذهبت فبعثت إليّ بهذا فقال: «ردّيه» فلم أردّه، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال لي ذلك ثلاث مرات، فقال: «ردّيه يا عائشة، فو الله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة» ، قالت فرددته. وروى ابن عدي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بارد في حاجة، فجئت، ومعه بعض نسائه في لحاف، فأدخلني في لحافه. وروي عن أبي قلابة عن بعض آل أم سلمة قال: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا مما يوضع للإنسان في قبره، وكان المسجد عند رأسه. وروى أبو بشر الدّولابي وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه بالليل وسادة من أدم، حشوها ليف. وروى أبو بشر الدّولابي وأبو الشيخ وغيرهما عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رثّ وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم، وقال: «اللهم حجّة لا رياء فيها ولا سمعة» . وروى أبو نعيم عن أبي ذر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قال: إنا لجلوس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه، إذا أقبل رجل من أحسن الناس وجها، وأطيب الناس ريحا، وأنقى الناس ثيابا، كأن ثيابه لم تدنّس، حتى سلم من طرف البساط، فقال: السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام، وذكر الحديث في مجيء جبريل عليه السلام. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم اضطجع على نطع فعرق، فقامت أم سليم فصنعته، فجعلته في قارورة، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا الذي تصنعين يا أم سليم؟» قالت: أجعل عرقك في طبي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أيضاً عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل من مراد يقال له صفوان ابن عساكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو متكئ على بردعة حمراء في المسجد- الحديث. وروى ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتّكئ عليها من أدم، حشوها ليف. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، وذكر الحديث، وفيه قام بي حتى أتى داره، فألقت وليدة له وسادة، فجلس عليها، وجلست بين يديه.

وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخل سلمان على عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو متكئ على وسادة، فألقاها له فقال سلمان: الله أكبر صدق الله ورسوله فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد الله قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على وسادة، فألقاها إلي، ثم قال: «يا سلمان ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقي له وسادة إكراما له إلا غفر الله له» . وروى عبد بن حميد وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: إنه استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: فدخلت وإنه لعلى خصفة مضطجع، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا، وإن فوق رأسه لإهاب- الحديث. وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة. وروى عنه أيضاً قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئا على مرقعة. وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو على حصير قد أثر في جنبه، وإذا تحت رأسه مرقعة من أدم حشوها ليف، وتقدم في صفة جلسته أحاديث فلتراجع. وروى أبو الشيخ عن الربيع بن زياد أن عمر بن الخطاب قال لحفصة: أخبريني بألين فراش فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان لنا كساء من هذه المائدة أصبناه يوم خيبر، فكنت أفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة فينام، وإني ثنيته له ذات ليلة فلما أصبح قال: «ما كان فراش البارحة؟» قلت: فراشك كل ليلة، إلا أني ثنيته الليلة قال: «أعيديه لحالته الأولى فإنه منعني وطأته البارحة من الصلاة» فأرسل عمر عينيه بالبكاء. وروى الترمذي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: سألت عائشة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف، وسألت حفصة: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: مسح ثنيته ثنيّتين، فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته له بأربع كان أوطأ له، فثنيته بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: «ما فرشتم لي الليلة؟» قلنا: هو فراشك إلا أنا ثنيناه لأربع ثنيات، قلنا هو أوطأ لك قال: «ردّوه لحاله الأولى، فإنه منعني وطاءته صلاتي الليلة» . وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تفرش للنبي صلى الله عليه وسلّم عباءة

باثنتين، فجاء ليلة وقد ربّعتها فنام عليها، فقال: «يا عائشة مال فراشي الليلة ليس كما يكون؟» قلت: يا رسول الله أربعتها لك قال: «فأعيديه كما كان» . وروى أبو يعلى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه طرف اللحاف، وعلى عائشة طرفه. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه بات عند خالته ميمونة فجاءت بكساء فطرحته، وفرشته للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت ميمونة بخرقة عند رأس الفراش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صلّى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ الخرقة التي عند رأس الفراش فأتزر بها، وخلع ثوبه، فعلقها، ثم دخل معها في لحافها. وروى الطبراني عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بساط يسمى الكنّ. وروى عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له بساط يسمى الكنّ، وكانت له عباءة تسمى النمرة، وكانت له ركوة تسمى الصادرة، وكانت له مرآة تسمى المرآة، وكان له مقراض يسمى الجامع، وكان له قضيب يسمى الممشوق.

الباب الثالث في كراهته صلى الله عليه وسلم ستر الجدار، وكذا الباب بشيء فيه صورة حيوان

الباب الثالث في كراهته صلى الله عليه وسلّم ستر الجدار، وكذا الباب بشيء فيه صورة حيوان روى أبو بكر الشافعي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها نصبت سترا فيه تصاوير، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فنزعه، قالت: فقطعه وسادتين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يترفق عليهما. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة، فوجد على بابها سترا، فلم يدخل، قال: وقلّ ما كان يدخل إلا بدأ بها، فجاء عليّ فرآها معتمة فقال: إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها فلم تدخل عليها، فقال: «ما أنا والدنيا» ، أو «ما أنا الرّقم» ، فذهب عليّ إلى فاطمة، فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تأمرني؟ قال: «قل لها فلترسل به إلى بني فلان» ، ورواه من طريق آخر، فقيل للحسن، وما كان ذلك الستر؟ قال: قرام عربي ثمنه أربعة دراهم، كانت تنشره في مؤخر البيت. وروى البخاري وأبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا هتكه، أو قال قصّه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عنها قالت لامرأة عليها خمرق فيها صليب: انزعي هذا من ثوبك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رآه في ثوب قصه. وروى الإمام أحمد والخمسة عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من سفر وقد سترت على بابي درنوكا، وفي لفظ نمطا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فلما قدم ورأى النّمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه، وقال: «إن الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين» ، قالت: فقطعنا منها وسادتين، وحشوتهما ليفا، فلم يعب ذلك عليّ [ (2) ] . ورواه الإمام أحمد، والبيهقي عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهد بإنسان من أهله فاطمة، وأول من يدخل عليها إذا قدم فاطمة، فقدم من غزاة له فأتاها، فإذا هو بمسح على بابها، فرجع ولم يدخل عليها- الحديث، وتقدم بتمامه في باب زهده. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الدّرنوك: بدال مهملة مضمومة، فراء ساكنة فنون مضمومة، فواو، فكاف: ستر له خمل، وجمعه درانك، وفي رواية درموك، وهو على التعاقب. النّمط: بنون، فميم مفتوحتين، فطاء مهملة: ضرب من البسط.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 385 (5952) . [ (2) ] البخاري 10/ 386 (5954) ومسلم 3/ 1666 (2107) .

الباب الرابع في آنيته، وأثاثه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في آنيته، وأثاثه صلّى الله عليه وسلم روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري أو قالت: في حجري، فدعا بالطّست فلقد انخنث في حجري، فما شعرت أن مات، وكان له صلى الله عليه وسلم قدح يسمى: الرّيّان، وآخر يسمى: مغيثا، وقدح مضبّب بسلسلة من فضة في ثلاثة مواضع. وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: إن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر فأخذ مكان الشّعب سلسلة من فضة. وروى الحافظ الضّياء في الأحكام قيل: إن الذي سلسله أنس، وفي رواية الإمام أحمد رأيت عند أنس أربع حلق يحملها أربعة رجال. وروى أبو الشيخ عن عبد الله بن بشر قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم جفنة لها أربع حلق. وروى أبو داود يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال، وتور من حجارة يسمى المخضّب وركوة تسمى الصّادرة. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ركوة تسمى الصادرة، وقدح من خشب. وروى أبو يعلى عن محمد بن إسماعيل رحمه الله تعالى قال: دخلت على أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه فرأيت في بيته قدحا من خشب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب منه ويتوضأ، وآخر من زجاج. وروى والبزّار وابن ماجة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدحا من قوارير، فكان يشرب منه وآخر من فخار. وروى ابن منده عن عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده خبّاب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشرب من فخار وكان له تور من حجارة يسمى المخضّب، ومخضّب من نحاس، ومغتسل من صفر، ومدهن، وربعة انكسرت رأيته يجعل فيها المرآة أهداها له المقوقس مع مارية أم إبراهيم، ومشط من عاج. وروى ابن سعد عن ابن جريج قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مشط من عاج يتمشط به والمكحلة والمقراض. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مقراض يسمى الجامع والسّواك وصاع ومدّ.

جماع أبواب آلات حربه صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب آلات حربه صلى الله عليه وسلم الباب الأول في قسيّه صلّى الله عليه وسلم وهي ست الأولى: الرّوحاء. الثانية: شوحط: بشين معجمة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم حاء مهملة وكانت تدعى البيضاء. الثالثة: الصفراء- من نبع كسرت يوم أحد فأخذها قتادة بن النعمان. روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد المعلّى، وأبو الحسن بن الضحاك عن أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة قالا: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة من سلاح بني قينقاع. الرابعة: السّداس: ذكرها جماعة وأسقطها غيرهم من السيوف. روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم قوس يسمى السّداس. الخامسة: الزّوراء. السادسة: الكتوم لانخفاض صوتها إذا رمى عنها، كسرت يوم أحد، فأخذها قتادة بن النعمان. وروى ابن ماجه عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس عربية، فرأى رجلا بيده قوس فارسية فقال: «ما هذه القناة؟ عليكم بهذه وأشباهها، ورماح القنا، فإنما يؤيد الله بكم الدين، ويمكن لكم في البلاد» . وروى ابن عدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما على قوسه. وروى أبو بكر الشافعي عن سعد القرظ رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يخطب الناس في الحرب إذا خطب، وهو متكئ على قوسه. وروى ابن أبي شيبة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابتنا حاجة شديدة وأصبنا غنما فانتهبنا قبل أن نقسم وإن قدورنا لتغلي فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه نحونا، فكفأها بقوسه، وقال: «ليست النّهبى بأحل من الميتة» .

الباب الثاني في سيوفه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في سيوفه صلّى الله عليه وسلم وفيه نوعان: الأول: في تحليته بعض سيوفه صلّى الله عليه وسلم. روى أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كانت قبضة قوس رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، ورواه ابن سعد بلفظ: كانت نصل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبضته من فضة، وما بين ذلك حلق فضة. وروى الترمذي- وقال غريب- عن بريدة القصري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة. وروى ابن سعد عن جعفر بن محمد بن أبيه قال: كانت نصل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبضته من فضة. الثاني: في عدد سيوفه وهي أحد عشر سيفا: الأول: المأثور- وهو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه، وقدم به المدينة، وهو الذي يقال إنه من عمل الجنّ. وروى ابن سعد عن عبد المجيد بن سهل قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في الهجرة بسيف كان لأبي [قثم] مأثور يعني أباه. الثاني: ذو الفقار بكسر الفاء يقال بفتحها كان في وسطها مثل الفقرات غنمه يوم بدر- وكانت للقاضي ابن منبّه السهمي- وكان لا يكاد يفارقه في حروبه، وكان قائمته وقبضته وذؤابته وبكراته ونصله من فضة. وروى ابن سعد والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم غنم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وزاد في روايته: وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. وروى نحوه أيضا عن ابن المسيّب، وزاد فأقر النبي صلى الله عليه وسلّم اسمه. وروى نحوه أيضا عن الشعبي قال: أخرج علي بن الحسين سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قبضته من فضة، وإذا حلقته التي يكون فيها الحمائل من فضة، وسلسلة، وإذا هو قد نحل كان لمنبه بن الحجاج السهمي، أصابه يوم بدر. وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي الحكم الصّيقل رضي الله تعالى عنه أنه صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار، وكانت له قبضة من فضة، وكان يسمى ذا الفقار.

تنبيه: روى ابن عدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الحجّاج بن علاط أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ذا الفقار. الثالث والرابع والخامس: أصابهم من سلاح بني قينقاع. وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: قلعيّة: بفتح القاف واللام ثم عين مهملة نسبة إلى مرج القلعة بالبادية، وسيف يدعى البتار، والبتار القاطع، وسيف يدعى الحتف: بالحاء المهملة، ثم تاء مثناة فوقية، ثم فاء. روى ابن سعد عن مجاهد وزياد بن أبي مريم قالا: كان سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم الحتف له قرن. السادس والسابع: أصابهما من صنم لطي. وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيف يدعى المخذم، وسيف يدعى رسوبا أصابهما من الفلس، بضم الفاء، وسكون اللام: صنم لطي. الثامن: العضب: بفتح العين المهملة، وسكون الضاد المعجمة، أرسل إليه به سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه عند توجهه إلى بدر. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي بكر بن أبي خيثمة أنه قال في تاريخه: يقال أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، ومعه سيفان يقال لأحدهما العضب شهد به بدرا. التاسع: القضيب بالقاف، والضاد المعجمة: أصابه من سلاح بني قينقاع. العاشر: الصّمصامة: كانت لعمرو بن معد كرب الزّبيدي، فوهبها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي استعمله صلى الله عليه وسلّم وكانت مشهورة عند العرب. الحادي عشر: اللّحيف وقد نظم بعض ذلك الحافظ أبو الفتح من قصيدة في ديوانه فقال: وإذا هزّ حساما هزّه حتف الكماة ... من قضيب ورسوب رأس في الضّربات أبيض البتّار قدّ حدّ الباترات ... خلت لمع البرق يبدو من سناء الفقرات ولنار المخذم الماضي لهيب الجمرات ... وبما الحتف والعضب ظهور المعجزات تنبيه: في بيان غريب ما سبق: القيعة: بقاف مفتوحة، فمثناة، بعدها عين مهملة، قال ابن السّكّيت هي ما على رأس مقبض السيف من فضة أو حديد. بكرة السيف بموحدة فكاف فراء الحلقة التي تكون في حلبة السيف.

الباب الثالث في رماحه صلى الله عليه وسلم وحرابه وعنزته ومحجنه وقضيبه ومخصرته

الباب الثالث في رماحه صلّى الله عليه وسلّم وحرابه وعنزته ومحجنه وقضيبه ومخصرته وفيه أنواع: الأول: في عدد رماحه وهي خمسة: الأول: المثوي من المثوي أي المطعون به. الثاني: المنثني. الثالث والرابع والخامس: ثلاثة رماح أصابها صلى الله عليه وسلّم من سلاح بني قينقاع، ذكره ابن أبي خيثمة في تاريخه. فائدة: روى الإمام أحمد بسند جيد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الصّغار على من خالف أمري» . النوع الثاني: في عدد الحراب وهي خمس: الأولى: حربة يقال لها النّبعة. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم حربة تسمى النّبعة. الثانية: البيضاء، وهي أكبر من الأولى. روى النسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان يركز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة في العيد فيصلي إليها. الثالثة: العنزة، وهي صغيرة شبه العكّازة يمشي بها بين يديه في الأعياد، حتى تركز أمامه، فتتخذ سترة يصلي إليها، وكان يمشي بها أحيانا. وروى البلاذري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: لما هاجر الزبير إلى أرض الحبشة خرج النجاشي يقاتل عدوا له، فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة يقاتل بها، فطعن بها عدّة حتى ظهر النجاشي على عدوه، وقدم الزبير بها فشهد بها بدرا، وأحدا وخيبر، ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ منصرفه من خيبر، فكانت تحمل بين يديه يوم العيد، يحملها بلال ابن رباح، ويخرج بها في أسفاره، فتركز بين يديه يوم العيد، يحملها بلال بن رباح يصلي إليها. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم تغرز له العنزة، ويصلي إليها قال عبد الله: وهي الحربة.

النوع الثالث: في محجنه وقضيبه ومخصرته وعصاته.

الرابعة: الهدّ. الخامسة: القمرة. روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم حربة تسمى القمرة [ (1) ] . النوع الثالث: في محجنه وقضيبه ومخصرته وعصاته. روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له محجن يسمى الدّقن قدر ذراع، أو أطول، يمشي به، ويركب، ويلقى بين يديه على بعيره [ (2) ] . وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قضيب يسمى الممشوق قيل: وهو الذي كان يتداوله الخلفاء. وروى الترمذي عن قيلة بنت مخرمة رضي الله تعالى عنها أنها رأت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم عسيب نخلة. وروى البخاري عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مخصرة فجعل ينكث بمخصرته ... الحديث. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة، وهو يتكئ على عسيب له. وروى أبو مسلم الكجّي عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وبيده عصا فرأى أقناء معلّقة فطعن في قنو منها فإذا فيه حشف- الحديث. وروى النسائي عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن رجلا كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه خاتم من ذهب، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم مخصرة أو جريدة فضرب بها نبي الله صلّى الله عليه وسلم أصبعه- الحديث. وروي أيضاً عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يده خاتما من ذهب فجعل يقرعه بقضيب في يده معه فلما غفل النبي صلى الله عليه وسلّم ألقاه، قال: «ما أرانا إلا أوجعناك وأغرمناك» . وروى الحميدي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه هذه العراجين، يمسكها في يده، ويدخل المسجد، وهي في يده- الحديث.

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 272. [ (2) ] انظر المصدر السابق.

تنبيهان

وروى أبو أحمد بن عدي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ألقى سوطه في السفر فصلى عليه. تنبيهان الأول: حديث جعفر بن نسطور الرومي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فسقط منه السوط فدفعته إليه فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «مد الله في عمرك» ، ومد بها صوته- حديث باطل، ونسطور هذا ادعى الصحبة بسنة فكذبوه. وروى الترمذي عن قيلة بنت مخرمة رضي الله تعالى عنها أنها رأت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم عسيب نخلة. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم قضيب وسط يسمى الممشوق. وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: التوكؤ على العصاة من أخلاق الأنبياء، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عصاة يتوكأ عليها، ويأمر بالتوكؤ عليها. وروى أبو داود والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب العراجين، ولا يزال في يده منها. وروى البزار والطبراني- بسند ضعيف- عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أتخذ العصا فقد اتّخذها أبي إبراهيم» . وروى ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو متكئ على عصاه. وروى الطبراني عن عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه أنه أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عصا يتخصّر بها فناوله إياها. الثاني: في بيان غريب ما سبق: المحجن: بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة، بعدها جيم مفتوحة: عصى ثخينة الرأس وهي العنزة.

الباب الرابع في دروعه، ومغفره، وبيضته، ومنطقته صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في دروعه، ومغفره، وبيضته، ومنطقته صلى الله عليه وسلّم كانت دروعه صلى الله عليه وسلّم سبعا: الأولى: السّغديّة بضم السين المهملة، وسكون الغين المعجمة: وهي درع داود التي لبسها حين قتل جالوت. الثانية: فضّة. روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعد بن المعلّى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصابها والتي قبلها من سلاح بني قينقاع. الثالثة: ذات الفضول: بالضاد المعجمة: سميت بذلك لطولها، أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر، وكانت من حديد، وهي التي رهنها عند أبي الشّحم اليهودي على شعير، وكان ثلاثين صاعا، وكان الدين إلى سنة. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له درع موشّحة بنحاس، تسمى ذات الفضول. وروى قاسم بن ثابت عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه وأبو الحسن الخلعي عن علي رضي الله تعالى عنه قالا: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم درع يقال له ذات الفضول. الرابعة: ذات الوشاح. الخامسة: ذات الحواشي. السادسة: البتراء سميت بذلك لقصرها. السابعة: الخرنق. روى الإمامان الشافعي وأحمد، وأبو داود، وابن ماجة، عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ظاهر بين درعين يوم أحد. وروى ابن سعد، وقاسم بن ثابت في غريبه عن الشعبي قال أخرج إلينا علي بن الحسين درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يمانية رقيقة، ذات ذرافتين، إذا علقت بذرافتها شمّرت، وإذا أرسلت مست الأرض. وروى ابن سعد عن محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين إحداهما ذات الفضول، ورأيت عليه يوم حنين درعين: ذات الفضول والسّغديّة.

وروى الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلّم درعان يوم أحد. وروى ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان درع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة عند موضع الصدر، وفي لفظ الصدر، وحلقتان خلف ظهره من فضة، قال جعفر: فلبستها فخبطت في الأرض. وروى أيضاً عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإن درعه لمرهونة في ثلاثين صاعا، وفي رواية بستين صاعا من شعير رزقا لعياله. وروى ابن سعد عن أسماء بنت يزيد قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم توفي ودروعه مرهونة عند رجل من اليهود بوسق من شعير، وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر، وهو ما يلبسه الدّارع على رأسه من الزّرد وغيره، كان له صلى الله عليه وسلم مغفر يقال له: السّبوغ أو ذا السّبوغ بالسين المهملة، ثم باء موحدة، ثم واو وغين معجمة، وآخر يسمى الموشّح وبيضة. وروى الإمام مالك، والشيخان، وابن ماجه، وأبو الحسن بن الضحاك، وغيرهم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه مغفر من حديد- الحديث وله طرق كثيرة. وروى الإمامان الشافعي وأحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ظاهر بين درعين يوم أحد، وكان له صلى الله عليه وسلم منطقة، وهي التي يشد بها الوسط من أديم منشور، فيها ثلاث حلق من فضة، والإبزيم الذي في رأس المنطقة من فضة، والطرف من فضة، ذكر ذلك الحافظ الدّمياطي.

الباب الخامس في أتراسه وجعبته وسهامه صلى الله عليه وسلم كان له ثلاثة أتراس

الباب الخامس في أتراسه وجعبته وسهامه صلى الله عليه وسلم كان له ثلاثة أتراس الأول: الزّلوق. الثاني: الفتق. الثالث: كان فيه تمثال كبش أو عقاب. روى البيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ترس فيه تمثال عقاب، أو كبش، فكرهه صلى الله عليه وسلّم، فأصبح وقد أذهبه الله تعالى. وروى ابن سعد وابن أبي شيبة عن مكحول قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترس فيه رأس كبش فكره صلى الله عليه وسلّم مكانه، فأصبح وقد أذهبه الله تعالى. وروى أبو الحسن بن الضحاك رضي الله تعالى عنه عن حصين رحمه الله تعالى قال: كان ترس رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثال عقاب فطمس. وروى ابن داود عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله تعالى عنه قال: انطلقت أنا وعمرو ابن العاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه درقة استتر بها. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له ترس يسمى الجمع. وروى الشيخان عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق- كل منهما حديث صاحبه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم زمن الحديبية وذكر الحديث بكماله، وفيه نزل أقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتربضه الناس تربضا، فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش بالرّيّ حتى صدروا. وروى أبو القاسم البغوي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فجاء رجل فاطلع في بيته، فأخذ سهما من كنانته، فسدده إليه، وانصرف الرجل. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الزّلوق: بزاي مفتوحة، فلام مضمومة، فواو، فقاف أي يزلق عنه السلاح فلا يخرقه. الفتق. الثمد: بمثلثة مفتوحة، وميم ساكنة، وتحرك، وككتابه القليل لا مادّ له أو ما يبقى في الأرض وما يظهر في الشتاء، ويذهب في الصيف.

الباب السادس في ألويته، وراياته، وفسطاطه، وقبته صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في ألويته، وراياته، وفسطاطه، وقبّته صلّى الله عليه وسلم كان له صلى الله عليه وسلم لواء أبيض مكتوب عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وآخر أسود، وآخر أغبر، وكان له صلى الله عليه وسلم راية سوداء ربعة من صوف، لونها لون النّمرة، وتسمى العقاب، وأخرى صفراء كما في سنن أبي داود عن سماك بن حرب عن رجل من قومه عن آخر منهم. وروى الإمام أحمد، والترمذي بسند جيد والطبراني- برجال الصحيح- غير حبّان بن عبيد الله عن بريدة وابن عباس، وابن عدي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قالوا: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض، زاد أبو هريرة وابن عباس- كما عند الطبراني- مكتوب فيه «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ، رواه أبو الشّيخ عن ابن عباس. وروى الترمذي وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة، ولواؤه أبيض. وروى ابن عدي وأبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض، مكتوب فيه «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ورواه ابن عدي عن أبي هريرة أيضا. وروى مسدد عن عون قال: حدثني شيخ أحسبه من بكر بن وائل قال: أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم شقّة خميصة سوداء ذات يوم فعقدها على رمح، ثم هزها فقال: «من يأخذها بحقها» ، فهابها المسلمون من أجل الشرط، فقال إليه رجل فقال: أنا آخذها بحقها، فما حقها؟ قال: «تقاتل مقدما ولا تغرب بها من كافر» . وروى الطبراني- برجال ثقات- غير شريك النّخعي، وثّق وضعّف، عن جابر رضي الله تعالى عنه أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء. وروى أيضا برجال ثقات- غير محمد بن الليث الهدّاري فيجر رجاله- عن مزيدة العبدي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عقد رايات الأنصار، فجعلهن صفرا. وروى أيضا عن يزيد بن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عقد راية لبني سليم حمراء. وروى الإمام أحمد، برجال الصحيح، غير عثمان بن زفر الشّامي، وهو ثقة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استحر القتال كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مما يكون تحت راية الأنصار. وروى البخاري عن الحارث بن حسان قال: دخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس،

وإذا رايته سوداء، قلت: ما شأن الناس اليوم؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبعث عمرو بن العاص. وروى البخاري عن نافع بن جبير قال: سمعت العباس يقول للزبير: يقول: هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية. وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء مربعة لون نمرة. وروى أبو داود عن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرط أسود مرحّل كان لعائشة رضي الله تعالى عنها، وراية الأنصار يقال لها العقاب. وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن الحارث بن حسان قال: قدمت المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر، وبلال بين يديه، متقلدا سيفا، وإذا راية سوداء فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا عمرو بن العاص، قدم من غزاة. وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استحرّ القتال كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مما يكون تحت راية الأنصار. وروى أبو داود- وحسنه- عن يونس بن عبيد الله- مولى محمد بن القاسم- قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء عن عازب لأسأله عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربعة. وروى البخاري عن عون بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من آدم. وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في قبة حمراء مربعة. وروى النسائي عن صفوان بن معلّى عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: ليس أرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينزل عليه، فبينما نحن بالجعرّانة والنبي صلى الله عليه وسلم في قبّة فأتاه الوحي، فأشار إلى عمران، فقال: فأدخلت رأسي في القبّة. وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن النبي أمر بقبة من شعر- الحديث.

تنبيهات

وروى الحاكم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو من أربعين رجلا فقال: «إنه مفتوح لكم، وإنكم منصورون وممضيون، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف وينه عن المنكر، وليصل رحمه، ومثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل البعير يتردى، فهو يمد بذنبه» . وروى مسدد وابن أبي شيبة وابن حبان عن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عامر في الأبطح في قبة له حمراء فقال: «ممن أنتم؟» فقلنا من بني عامر، فقال: «مرحبا بكم أنتم مني» . تنبيهات الأول: قال الحافظ: الراية بمعنى اللواء، وهو العلم الذي يحمل في الحرب يعرف به صاحب الجيش، وقد يدفعه ليقدم العسكر، وصرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، والأحاديث السابعة تدل على التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية. الثاني: ذكر عروة في رواية أبي الأسود، وابن إسحاق، ومحمد بن عمرو وابن سعد أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل إلا الألوية. الثالث: روى الطبراني برجال ثقات عن محارب قال: كتب معاوية إلى زياد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العدو لا يظهر على قوم أراهم» ، أو قال: «رأيتهم مع رجل من بني بكر بن وائل» . الرابع: روى أبو الحسن بن الضحاك عن زهير بن محمد قال: راية رسول الله صلى الله عليه وسلم العقاب، وفرسه المرتجز، وناقته العضباء والقصواء والجدعاء، وحماره: يعفور والسيف: ذو الفقار، والدرع: ذات الفضول، والرداء: الفتح والقدح: الغمر. الخامس: في بيان غريب ما سبق: اللواء: بلام مكسورة، فواو، فألف ممدودة: الراية. الجعرّانة: ماء بين الطائف ومكة. النمر: ككتف، وبكسر فسكون: سبع معرف. مرحّل: فيه صور الرحال. استحر القتال: بهمزة وصل، فسين مهملة ساكنة، فمثناة فوقية، فحاء مهملة، فراء مفتوحات: اشتد وكثر.

الباب السابع في سرجه وإكافه وميثرته وغرزه صلى الله عليه وسلم

الباب السابع في سرجه وإكافه وميثرته وغرزه صلّى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد وأبو داود وابن الجوزي عن أبي عبد الرحمن الفهري رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: «اسرج لي الفرس» ، قال: فأخرج سرجا دفتاه من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر. وروى الطبراني رضي الله تعالى عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرج الدّاج الموجز. وروى الطبراني بسند جيد عن جريز أو حريز رضي الله تعالى عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فوضعت يدي على ميثرة رحله، فوجدته من جلد شاة ضائنة. وروى ابن سعد والبغوي عن أبي ليلى الكندي قال: حدثني صاحب هذا الدار جريز أو حريز قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بمنى فوضعت يدي على رحله فإذا ميثرته جلد ضائنة. تنبيه في بيان غريب ما سبق: الدّفّة: الجنب من كل شيء. الأشر: بهمزة فشين معجمة، مفتوحتين فراء: المرح. البطر: بفتحات: النشاط والأشر، وقلة احتمال النعمة، والدّهش، والحيرة، والطغيان بالنعمة، وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهة. الداج الموجز: اسم سرج الرسول. الميثرة. الغرز: بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء، بعدها زاي: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب وقيل بل من أي شيء كان.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في ركوبه

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلّم في ركوبه الباب الأول في آدابه في ركوبه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع والله أعلم الباب الثاني في حمله صلى الله عليه وسلم معه على الدابة واحدا أمامه والآخر خلفه روى ابن أبي شيبة، وابن منده عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقّي بصبيان أهل بيته، وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة، فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. وروى مسدد عن مورّق عن مولى لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدم من سفره فاستقبله عبد الله بن جعفر، والحسين بن علي، فحمل أكبرهما خلفه، وحمل أصغرهما بين يديه. وروى الإمام أحمد، والشيخان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد حمل قثما بين يديه، والفضل خلفه. وروى ابن المبارك في الزهد عن عكرمة رضي الله تعالى عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلّم دابة وأركب قثما بين يديه وأردف الفضل خلفه، والله تعالى أعلم.

الباب الثالث فيمن حمله صلى الله عليه وسلم وهم نحو الخمسين أفرد أسماءهم الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ الكبير ابن عبد الله بن مندة رحمهم الله تعالى في جزء لطيف وبلغ بهم أني زدت إليهم جماعة مزجت أسماءهم بصورة

الباب الثالث فيمن حمله صلى الله عليه وسلم وهم نحو الخمسين أفرد أسماءهم الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ الكبير ابن عبد الله بن مندة رحمهم الله تعالى في جزء لطيف وبلغ بهم أني زدت إليهم جماعة مزجت أسماءهم بصورة وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر، وغزا أردف كل يوم رجلا من أصحابه. الأول: جبريل. الثاني: أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. وروى الإمام أحمد والبخاري عن محمد بن يحيى بن عمر وابن أبي شيبة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر فذكر حديث الهجرة وتقدم. الثالث: أبو ذر رضي الله تعالى عنه. وروى أبو داود عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار، والشمس عند غروبها فقال: «هل تدري أين تذهب» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تغرب في عين حمئة» . الرابع: عثمان. روى ابن منده عن خالد الزياد عمن أخبره أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء عند مقدمه من بدر فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من غرز الرّكاب، وقال لعثمان: «اركب فردفه» ، فنفخ عثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اسكت» ، قال يوسف البهلول أحد رواته أي اسكت، فإن الله تعالى زوجك أختها. الخامس: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. روى عن عرفة بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأتي بالبدن فقال: «ادعوا لي أبا الحسن» ، فدعى علي رضي الله تعالى عنه فقال: خذ بأسفل الحربة، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأعلاها، فطعن بها البدن، فلما فرغ ركب البغلة، وأردف عليا رضي الله تعالى عنه. وروى عن عمرو بن رافع المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعد الظهر على بغلة، ورديفه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.

السادس: عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما. وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال: أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابته، فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، وحمد ثلاثا، وسبح ثلاثا. وهلل الله تعالى واحدة. السابع: أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما. روى البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلة مردفا أسامة بن زيد وذكر الحديث. وروى الإمام أحمد والشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركب على حمار عليه إكاف تحته قطيفة فركبه، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود عبادة بن الصامت في بني الحارث من الخزرج- الحديث. الثامن: أبو المليح بن أسامة رضي الله تعالى عنه وروى الحاكم في المستدرك والنّسائي واللفظ له عن أبي المليح بن أسامة رضي الله تعالى عنه، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعثر بعيرنا فقلت: تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل تعس الشيطان، فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت، ويقول: بقوتي صرعته ولكن قل: باسم الله، فإنه يصغر حتى يصير مثل الذباب.» التاسع: زيد بن ثابت. العاشر: سهيل بن بيضاء رضي الله تعالى عنه وهو وهب بن ربيعة بن هلال بن وهب ابن ضبة توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد رضي الله تعالى عنه. وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير، وابن أبي شيبة، وابن مندة، وعبد بن حميد وابن حبّان عنه قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنا رديفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا سهيل بن بيضاء» ورفع صوته مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يجيبه سهيل، فسمع الناس صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه يريدهم فحبس من كان بين يديه، ولحقه من كان خلفه حتى إذا اجتمعوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنه من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله عز وجل على النار، ووجبت له الجنة» . الحادي عشر: معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. وروى البزار بسند رجاله ثقات عن أبي هريرة، والإمام أحمد، والشيخان عن أنس، والإمام أحمد، والشيخان، والترمذي عن معاذ رضي الله تعالى عنهم أن معاذا كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، ليس بينه، وبينه شيء إلا مؤخرة الرحل، فقال: «يا

معاذ» فقال: لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: «يا معاذ بن جبل» : قال لبيك يا رسول الله، وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» : فقال: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: هل تدري ما حق الله تعالى على العباد؟ قال معاذ: الله ورسوله أعلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «فإن حق الله عز وجل على العباد أن العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا» ، ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «هل تدري ما حق العباد على الله؟» قال: الله ورسوله أعلم قال: «حق العباد على الله عز وجل ألا يعذبهم» قال: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما. الثاني عشر: حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما. روى البزار برجال ثقات عنه رضي الله تعالى عنه قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا حذيفة: أتدري ما حق الله تعالى على العباد» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً» ، ثم قال: «يا حذيفة» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: أتدري ما حق العباد على الله تعالى إذا فعلوا ذلك؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: «يغفر لهم» . الثالث عشر: الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما. روى الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: لما كان في حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو مردف الفضل بن العباس، فقال: «يا أيها الناس خذوا مني العلم، قبل أن يقبض العلم، أو قبل أن يرفع العلم» . وروى الأئمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجاءته امرأة من خثعم- الحديث ويأتي بتمامه في حجّة الوداع وفي النكاح إن شاء الله تعالى. الرابع عشر: عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما. وروى الإمام أحمد، ومسلم وأبو داود، وابن ماجه عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إليّ حديثا، لا أحدث به أحدا من الناس. الخامس عشر: أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، ذكر المحب الطبري في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركب حمارا عربا إلى قباء، وأبو هريرة معه، فقال: «يا أبا هريرة أحملك؟» فقال: ما شئت يا رسول الله، قال: «اركب» ، فوثب أبو هريرة ليركب فلم يقدر، فاستمسك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقعا جميعا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «يا أبا هريرة أحملك؟» فقال: ما شئت يا رسول الله، قال: «اركب» ، فوثب أبو هريرة ليركب، فلم يقدر أبو هريرة على

ذلك، وتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا، ثم قال: «يا أبا هريرة أحملك؟» ، فقال: لا، والذي بعثك بالحق نبيا، لا أرميك ثلاثا. روى عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا هريرة» ، أو «يا أبا هرّ هلك الأكثرون، إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال: بالمال هكذا وهكذا» . السادس عشر: قثم كما تقدم في باب حمله صلى الله عليه وسلّم واحدا أمامه، وواحدا خلفه، عن ابن عباس في رواية الإمام أحمد والشيخان حيث قال: أو قثم خلفه، والفضل بين يديه. السابع عشر: زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه. روي عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مردفني إلى نصب من الأنصاب وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، وهو مردفني خلفه، فلما كان بأعلى مكة لقيه زيد بن عمرو بن نفيل فذكر الحديث. الثامن عشر: ثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاري الأشهلي أبو زيد رضي الله تعالى عنه [قال] أبو زرعة الرازي- وهو من أهل الصفة، وممن بايع تحت الشجرة، وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الخندق، ودليله إلى حمراء الأسد. التاسع عشر: الشّريد بن سويد الثقفي أبو عمرو رضي الله تعالى عنه. روى البخاري في الأدب عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما تروي لأمية بن أبي الصّلت» قلت: بلى قال: «هيه» . العشرون: سلمة بن عمرو بن وهب بن سنان، وهو الأكوع الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة. وروى الطبراني، برجال ثقات، عن سلمة رضي الله تعالى عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا، ومسح رأسي مرارا، واستغفر لي، ولذريتي عدد ما بيدي من الأصابع. الحادي والعشرون: علي بن أبي العاص بن الربيع، قال مصعب الزبيري: أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقال الزبير بن بكّار: حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أردف علي بن أبي العاص على راحلته يوم الفتح. الثاني والعشرون: غلام من بني عبد المطلب. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكة يوم الفتح استقبله غلامان من بني عبد المطلب، فحمل أحدهما بين يديه والآخر خلفه. الثالث والعشرون: عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما عن أبي مليكة أن ابن

الزبير قال لعبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما: أتذكر يوم تلقانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملني وتركك. الرابع والعشرون: أسامة بن عمير الهذلي رضي الله تعالى عنه. وروى الطبراني، برجال الصحيح، عنه قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فعثر بعيرنا فقلت: تعس الشيطان فقال: «لا تقل تعس الشيطان، فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت، ويقول: بقوتي صرعته ولكن قل: باسم الله، فإنه يصير مثل الذباب» . الخامس والعشرون: رجل لم يسمّ يحتمل أنه أسامة الذي قبله، ويحتمل أنه غيره. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم علي حمار فعثر فقلت تعس الشيطان- الحديث. السادس والعشرون: رجل آخر لم يسم. روى أبو داود عن عبد الرحمن بن يعمر الدّيلي قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فجاءه ناس. السابع والعشرون: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله تعالى عنه. روى عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، فجعلت فمي على خاتم النبوة، فجعل ينفخ عليّ مسكا، ولقد حفظت منه تلك الليلة سبعين حديثا، ما سمعها أحد معي. الثامن والعشرون: عبيد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله أن أمه عجوز كبيرة إن حرمها خشي أن يقتلها، وإن حملها لم تستمسك فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج عنها. التاسع والعشرون: عقبه بن عامر. الثلاثون: أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله عز وجل» . الحادي والثلاثون: أبو الدرداء عويمر بن مالك، ويقال ابن ثعلبة ابن مالك، ويقال غير ذلك رضي الله تعالى عنه قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا الدّرداء، من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة» . الثاني والثلاثون: أبو إياس رضي الله تعالى عنه. روى ابن مندة، والحارث بن أبي أسامة رضي الله تعالى عنه قال: كنت ردف

رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «قل» ، فقلت: ما أقول؟ فقال: «قل هو الله أحد» حتى ختمها، وقال: «قل أعوذ برب الفلق» وقال: «قل أعوذ برب النّاس» ثم قال: «يا أبا إياس ما قرأ الناس بمثلهن» . الثالث والثلاثون: قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم دار سعد فقام على بابها فسلم فرد سعد وخافت، ثم سلم فرد سعد وخافت، ثم سلم فرد سعد وخافت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذلك انصرف راجعا، وخرج سعد يسعى في أثره، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما منعني أن أرد عليك إلا لتكثر لنا من السلام، فأدخل يا رسول الله فدخل فوضع له ماء يستبرد به، فاغتسل، ثم جلس فقال: «اللهم صلي على الأنصار، وعلى ذرية الأنصار، وعلى ذرية ذرية الأنصار» ، فلما أراد أن يرجع أتي بحمار وجعلت عليه قطيفة- ما هي بخز- وقرام عربي فأرسل ابنه معه ليرد الحمار، قال: «احمله بين يدي» ، فقال: سبحان الله يا نبي الله أحمله بين يديك؟ قال: «نعم، هو أحق بصدر حماره» ، قال: هو لك يا رسول الله قال: «احمله إذا خلفي» . الرابع والثلاثون: خوّات بن جبير الأنصاري رضي الله تعالى عنه، قال ابن مندة كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر، فرده من الرّوحاء لأنه اشتكى هذا آخر ما أورده ابن منده رحمه الله تعالى. الخامس والثلاثون: الحسن أو الحسين رضي الله تعالى عنهما. السادس والثلاثون: معاوية. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أردف معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فقال له: «ما يليني منك يا معاوية؟» قال: بطني، قال: «اللهم املأه حلما» ، قال ابن عائذ: فذاكرت به أبا مسهر فقال: نعم فيه من صدقه أنه حشي حلما. وروي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان معاوية رضي الله تعالى عنه ردف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما يليني منك؟» قال: بطني قال: «ملأ الله بطنك حلما» . السابع والثلاثون: صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أقبلنا من خيبر، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفيّة بنت حييّ قد حازها، وكنت أراه يجري، وأراه بعباءة، أو بكساء، ثم يردفها. وروي عنه: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو وأصحابه فعثرت برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته وصفيّة رديفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثب أبو طلحة فقال: «أضررت؟ فقال: «لا» ، عليك بالمرأة» ، قال: فألقيت على وجهي ثوبا، فألقيته عليها.

الثامن والثلاثون: امرأة من بني غفار رضي الله تعالى عنها. روى الإمام أحمد وأبو داود عنها رضي الله تعالى عنها قالت: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، فو الله لا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ وتوليت من حقيبة رحله وإذا بها دم، وكانت أول حيضة حضتها قالت: فتقبّضت إلى الناقة، واستحيت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما بي ورأى الدم، قال: «لعلك نفست؟» قلت: نعم، قال: «فأصلحي من شأنك، ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك» قالت: فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلّم خيبر وهب لنا من الفيء. التاسع والثلاثون ... الأربعون: بريرة. الحادي والأربعون: خولة بنت قيس. الثاني والأربعون: آمنة كما ذكر في النظم الآتي. وقد نظم أسماءهم بعضهم فقال: وإردافه جمّ غفير فمنهم ... عليّ وعثمان سويد وجبريل أسامة والصّدّيق ثمّ ابن جعفر ... وزيد وعبد الله ثمّ سهيل معاوية قيس بن سعد صفيّة ... وسبطاه ماذا عنهم سأقول معاذ أبو الدّرد بريدة عقبة ... وآمنة إن قام ثمّ دليل وأولاد عبّاس كذا قال شارح ... أسامة والدّوسيّ فهو نبيل كذلك خوّات حذيفة سلمة ... كريم وأمّا وجهه فجميل كذا بنت قيس خولة وابن أكوع ... وقدرهم في العالمين جليل كذلك غلمان ثلاث وزاد أبا ... إياس وحسبي الله فهو وكيل كذلك زيد جابر ثمّ ثابت ... فعن حبّهم والله لست أحول وقد ذيلها بعضهم فقال: هناك رجال لم يسمّوا حذيفة ... غفاريّة فاعلمه ثمّ أقول صدي بن عجلان سويد أبو ذر ... فذلك حاز الفضل وهو جزيل كذاك أبو هر رووه فكن له ... سميعا رواة النّقل ثمّ عدول وعقبة بن عامر لم يروا له ... عليك بها يدعى لديّ نبيل

جماع أبواب دوابه صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب دوابّه صلى الله عليه وسلم الباب الأول في محبته للخيل وإكرامه إياها ومدحه لها ووصيته بها ونهيه عن جز نواصيها وأذنابها، وما حمده أو ذمه من صفاتها وفيه أنواع: الأول: في محبته للخيل وإكرامه إياها. روى النّسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد النساء من الخيل، ولفظ من الخيل اللهم إلا النساء [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، وأبو يعلى- برجال ثقات- عن معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الخيل اللهم إلا الإبل والنساء [ (2) ] . وروى الإمام مالك في الموطأ، عن يحيى بن سعيد، عن أنس، ووصله أبو عبيدة في كتاب الخيل من طريق يحيى بن سعيد، عن شيخ من الأنصار، ورواه أبو داود وفي المراسيل عن نعيم بن أبي هند: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يمسح وجه فرسه بردائه، فسئل عن ذلك فقال: «إن عوتبت الليلة في الخيل» . وروى ابن أبي سعد عن عبد الله بن واقد: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام فرسه فمسح وجهه بكم قميصه. وروى أبو داود عن نعيم بن أبي هند رحمه الله تعالى قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بفرس، فقام إليه، فمسح وجهه، وعينيه، ومنخريه بكم قميصه، فقيل يا رسول الله: تمسح بكم قميصك؟ فقال: «إن جبريل عاتبني في الخيل» . وروى الحارث بن أبي أسامة عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمسح وجه فرسه بكمه. وروى أبو داود الطيالسي برجال ثقات، عن عروة البارقي رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي يمسح خد فرسه، فقيل له ذلك، فقال: «إن جبريل عاتبني في الفرس» . وروى أبو عبيدة عن عبد الله بن دينار رحمه الله تعالى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رئي يمسح

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 258. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 258.

وجه فرسه بردائه فقيل له ذلك، فقال: «إن جبريل بات الليلة يعاتبني في إذالة الخيل» ، أي امتهانها. وروى الإمامان مالك وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلوي ناصية فرسه بإصبعه، ويقول: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . وروى الطبراني عن سوادة بن الربيع الجرمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر لي بزود وقال: «عليك بالخيل» قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . وروى أبو مسلم الكجّي [ (1) ] في سننه عن عيينة بن عبد الله السّلمي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . وروى أبو مسلم والنّسائي عن سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها» ، ولفظ ابن مندة: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، والمنفق عليها كباسط كفيه بالصدقة» . وروى أحمد عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير أبدا إلى يوم القيامة، فمن ربطها عدة في سبيل الله، وأنفق عليها إحسانا في سبيل الله فإن شبعها، وجوعها وريّها، وظمأها، وأرواثها، وأبوالها حسنات في ميزانه يوم القيامة» . وروى ابن أبي عاصم في الجهاد والقاضي عمر بن حسن الأشناني [ (2) ] ، في بعض تخاريجه- واللفظ له- عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فخذوا بنواصيها، وادعوا لها بالبركة وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار» . وروى أبو عبيدة بن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الغنم بركة موضوعة، والإبل

_ [ (1) ] الحافظ المسند إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز البصري صاحب كتاب السنن وبقية الشيوخ سمع أبا عاصم النبيل والأنصار والأصحاب وبدل بن المحبر ومسلم بن إبراهيم وخلقا كثيرا حدث عنه النجاد وفاروق الخطابي وحبيب القزاز وأبو بكر القطيعي وأبو القاسم الطبراني وأبو محمد بن ماسي وخلائق. وثقه الدارقطني وغيره، وكان سريا نبيلا عالما بالحديث مات ببغداد في المحرم سنة اثنتين وتسعين ومائتين وحمل إلى البصرة وقد قارب المائة. تذكرة الحفاظ 2/ 620، 621. [ (2) ] عمر بن الحسن الأشناني القاضي، أبو الحسن ذاك المجلس. روى عن موسى الوشّاء، وابن أبي الدنيا. وعنه ابن بشران، وأبو الحسن بن مخلد ضعفه الدارقطني، والحسن بن محمد الخلال. مات في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. انظر ميزان الاعتدال 3/ 185.

جمال لأهلها، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . وروى البزار عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الغنم بركة، والإبل عز لأهلها، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعبدك أخوك، فأحسن إليه، وإن وجدته مغلوبا فأعنه» . وروى الشيخان والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «البركة في نواصي الخيل» . وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فرس فوهبه لرجل من بني الأنصار، وكان يسمع صهيله ثم إنه فقده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل فرسك؟» قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم خصيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الخيل في نواصيها الخير، والمغنم إلى يوم القيامة، نواصيها وفاؤها، وأذنابها مذابّها» . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا جروش من جرش- حيّ من اليمن- فأعطاه رجلا من الأنصار فقال: «إذا نزلت فانزل قريبا مني فإني أنشرح إلى صهيله» ، فقعد ليلة يسأله عنه فقال: يا رسول الله إنا خصيناه، فقال: «فعلت به، الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، أعرافها أدفاؤها، وأذنابها مذابّها التمسوا نسلها، وباهوا بصهيلها المشركين» . وروى أبو عبيدة عن مكحول قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن جزّ أذناب الخيل، وأعرافها، ونواصيها، وقال: «أما أذنابها فمذابّها، وأما أعرافها فأدفاؤها، وأما نواصيها ففيها الخير» . وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تهلّبوا أذناب الخيل، ولا تجزوا أعرافها ونواصيها، فإن البركة في نواصيها وأذنابها مذابّها» . وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود بنواصي الخير إلى يوم القيامة، ومثل المنفق عليها كالمستكفّ بالصدقة» . وروى البزار برجال ثقات عن سواد بن الربيع رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي كبشة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير، وأهلها معانون، والمنفق عليها كالباسط يديه بالصدقة» . وروى أبو داود وأبو طاهر المخلّص عن ابن الحنظلية رضي الله تعالى عنه قال: سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وصاحبها معان عليها كالباسط يده بالصدقة، لا يقبضها» . وروى مسلم وأبو مسلم الكجّي عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلوي ناصية فرسه بإصبعه وقال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . عن عمارة بن غزيّة رحمه الله تعالى قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح ذات ليلة فقام إلى فرسه، فمسح عنقه، ووجهه بطرف ردائه، أوبكم قميصه، فقال له بعض أصحابه: صنعت اليوم شيئا ما رأيناك تصنعه، قال: «إنني بت الليلة وجبريل يعاتبني في سياسة الخيل» . وروى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ربما فتل عرف فرس بيده. وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عروة بن الجعد ويقال ابن أبي الجعد البارقي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير، والأجر، والمغنم إلى يوم القيامة» . وروى الإمام أحمد والطبراني باختصار برجال ثقات عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الخيل في نواصيها الخير، والنّيل إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها، وادعوا لها بالبركة، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار» . وروى الإمام أحمد، والنسائي عن أبي وهب الجشمي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها» ، وقال: «وأكفالها، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار» . وروى أبو عبيدة في كتاب الخيل عن راشد بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قلدوا الخيل، ولا تقلدوها أوتار القسيّ خوفا عليها من الاختناق بها» . روى مالك في الموطأ، وأحمد في مسنده والشيخان رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، أما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج والروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنّت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له فهي كذلك أجر له، ورجل ربطها تعففا ونفقة ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء لأهل الإسلام، فهي عليه وزر» ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال: «ما أنزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الخيل فقال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، والخيل لثلاثة هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله، ويعدها له، فلا يغيّب شيئا في بطونها إلا كتب له بها أجر، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر حتى ذكر الأجر في أبوالها وأرواثها، ولو استنّت شرفا أو شرفين كتب له بكل خطوة تخطوها أجر، وأما الرجل الذي له ستر فالرجل يأخذها تعففا، وتكرما، وسترا، ولم ينس حق ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها، وأما الذي عليه وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء الناس فذاك الذي هي عليه وزر» ، قيل: يا رسول الله فالحمر قال: «ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذّة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» . وروى الطبراني بسند ضعيف عن خبّاب بن الأرت رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخيل ثلاثة، ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فما اتّخذ في سبيل الله، وقوتل عليه أعداء الله تعالى، وأما فرس الإنسان فما استبطن، ويحمل عليه، وأما فرس الشيطان فما روهن عليه وقومر عليه» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل ثلاثة، فرس يتربّطه الرجل في سبيل الله عز وجل فثمنه أجر، وركوبه وعلفه أجر، وفرس يغالق عليه الرجل ويقامر عليه ويراهن عليه، فثمنه وزر وعلفه وزر، وركوبه وزر، وفرس للاستبطان فعسى أن يكون سترا من الفقر إن شاء الله تعالى» [ (1) ] . وروى أيضا برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يتربّط في سبيل الله عز وجل، فعلفه وبوله وروثه، وذكر ما شاء الله، وأما فرس الشيطان فالذي يقامر عليه، ويراهن عليه، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها يلتمس بطنها، فهي ستر من فقر» . وروى ابن سعد في الطبقات، وابن أبي عاصم في الجهاد عن عريب المليكي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها، وأبوالها وأرواثها عند الله تعالى يوم القيامة كذكي المسك» . وروى البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من

_ [ (1) ] أحمد 4/ 69.

احتبسها في سبيل الله إيمانا وتصديقا بوعد الله كان سعيه وروثه حسنات في ميزانه يوم القيامة» . وروى الواقدي عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حبس فرسا في سبيل الله كان ستره من النار» . وروى ابن أبي عاصم في الجهاد عن يزيد بن عبد الله عن عريب المليكي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل وأبوالها وأرواثها كفّ من مسك الجنة. وروى ابن أبي عاصم وابن ماجة عن تميم الداري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ارتبط فرسا في سبيل الله فعالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة» ، ورواه أحمد [ (1) ] وابن أبي عاصم بلفظ ما من امرئ مسلم ينقي لفرسه شعيرا ثم يعلفه عليه إلا كتب الله تعالى له بكل حبة حسنة. وروى أبو عبيدة عن معاوية بن حديج قال: مر معاوية بأبي ذر بمصر وهو يمرغ فرسا له، فسلم عليه ووقف، ثم قال: ما هذا الفرس؟ قال: فرس لي لا أراه إلا مستجاب قال: وهل تدعو الخيل فتجاب؟ قال: ليس من ليلة إلا والفرس يدعو فيها ربه فيقول: رب إنك سخّرتني لابن آدم وجعلت رزقي في يده اللهم فاجعلني أحب إليه من أهله، وولده فمنها مستجاب ومنها غير المستجاب، ولا أرى فرسي هذا إلا مستجابا ورواه النسائي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من فرس عربي إلا يؤذن له عند كل سحر» ، وفي رواية- فجر- بدعوتين: اللهم خوّلتني من خولتني من بني آدم، وجعلتني له، فاجعلني أحب أهله وماله إليه، أو من أحب أهله وماله إليه. وروى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: بلغني أن الله تعالى لما أراد أن يخلق الفرس قال لريح الجنوب: إني خالق منك خلقا أجعله عزا لأوليائي، ومذلّة لأعدائي، هي لأهل طاعتي، فقبض من الريح قبضة، فخلق منها فرسا، فقال: سميتك فرسا عربيا، الخير معقود بنواصيك والغنائم مجموعة على ظهرك والغنى معك وعطفت عليك صاحبك حيث كنت أرعاك بسعة الرزق على غيرك من الدواب، وجعلتك لها شبها، أو جعلتك تطير بلا جناحين، فأنت للطلب، وأنت للرّهب، وسأجعل عليك رجالا يسبحوني فتسبح بحمدي معهم إذا سبحوا، ويهللوني فتهلل معهم إذا هللوا، ويكبروني فتكبر معهم إذا كبروا، فلما هلل الفرس، قال: باركت عليك أرهب بهيأتك المشركين، أملأ منك آذانهم، وأرعب منك قلوبهم، وأذل أعناقهم، فلما عرض الخلق على آدم وسماهم قال الله: يا آدم اختر من

_ [ (1) ] أحمد 5/ 162، 170.

الثاني: فيما حمده من صفاتها.

خلقي ما أحببت فاختار الخيل فقال الله تعالى: اخترت عزك وعز ولدك باقيا معهم ما بقوا، بركتي عليك وعليهم أولادا أولادا. وروى محمد بن يعقوب الختلي في كتاب الفروسية أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أرجم بالليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اربط فرسا عتيقا» قال فلم يرجم بعد ذلك. الثاني: فيما حمده من صفاتها. وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي وهب الجشمي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بكل كميت أغرّ محجّل، أو أشقر أغرّ محجل أو أدهم أغرّ محجّل» . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي وهب الكلاعي رحمه الله تعالى أنه سئل لم فضل الأشقر؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث سرية فكان أول من جاء بالفتح صاحب الأشقر. وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أردت أن تغزو فاشتر فرسا أغر محجلا مطلق اليمين، فإنك تسلم وتغنم» . وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم وصححه عن علي بن رباح عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل فقال: «أحسنها الأدهم الأقرح الأرثم المحجّل ثلاثا، مطلق اليمين أو كميت على هذا الشبه» ، وفي لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم، ثم الأقرح المحجّل، طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم فكميت» [ (1) ] . وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خير الخيل الشّقر والأقارح أغر محجل ثلاثا طلق اليمين» . وروى سليمان بن بنين النحوي المصري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق تبوك، وقد قل الماء، فبعث الخيل في كل وجه يطلبون الماء فكان أول من طلع بالماء صاحب فرس أشقر، والثاني صاحب أشقر، وكذلك الثالث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك في الشّقر» . وروى الخطّابي وأبو عبيدة، وأبو الحسن بن الضحاك عن عطاء رحمه الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خير الخيل الحوّ» .

_ [ (1) ] أحمد 4/ 345.

الثالث: فيما كرهه من صفاتها.

وروى ابن عرفة من طريق الواقدي عن نافع بن جبير رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليمن في الخيل في كل أحوى أحمّ» . وروى أبو عبيدة عن الشعبي مرسلا، وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الأرثم المحجّل الثلاث، المطلق اليد اليمنى» . الثالث: فيما كرهه من صفاتها. وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكره الشّكال من الخيل، والشّكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض. وفي يده اليسرى، أو في يده اليمنى، وفي رجله اليسرى، قال أبو داود أي مخالف، رواه النسائي وقال: والشّكال من الخيل أن يكون ثلاث قوائم محجلة، وواحدة مطلقة، أو تكون الثلاث مطلقة، وواحدة محجلة، وليس يكون الشّكال إلا في الرجل، ولا يكون في اليد [ (1) ] . وروى الإمام أحمد بسند جيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إياكم والخيل المنفّلة، فإنها إن تلق العدو تفر، وإن تغنم تغلل» [ (2) ] . وروى الحافظ أبو الحسن الهيثمي، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد بالخيل أصحاب الخيل، والله تعالى أعلم. الرابع: في آداب متفرقة. روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا [ (3) ] . روى الإمام أحمد والنسائي عن علي رضي الله تعالى عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها فقال: «لو حملت الحمير على الخيل لكانت لنا مثل هذه» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» [ (4) ] . روى أبو داود في مراسيله عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أكرموا الخيل وجلّلوها» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في الإمارة باب (27) رقم (101، 102) وأبو داود في الجهاد باب (46) والنسائي في الخيل باب 4 وابن ماجة (2790) وأحمد 2/ 250 والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 330. [ (2) ] أحمد 2/ 356. [ (3) ] أبو داود (2541) والحاكم 2/ 144 والبيهقي 6/ 330. [ (4) ] أبو داود (2565) والنسائي 6/ 224 وأحمد 1/ 98، 158، 4/ 311 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1639) وابن أبي شيبة 12/ 540 والطحاوي في المشكل 1/ 83 وابن سعد 1/ 2/ 175. [ (5) ] انظر الدر المنثور 3/ 197.

تنبيهات

وروى الحسن بن عرفة عن مجاهد قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضرب وجه فرسه ولعنه، فقال: «هذه متع معك لتمسّنّك النار إلا أن تقاتل عليه في سبيل الله» ، فجعل الرجل يقاتل عليه، ويحمل عليه إلى أن كبر وضعف. وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خصاء الخيل والبهائم [ (1) ] . وروى أبو علي بن شاذان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن خصاء الخيل. وروى البزار برجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن صبر الروح وعن خصاء البهائم، نهيا شديدا [ (2) ] . وروى أبو عبدة عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء الخيل، والإبل، والغنم [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن دحية رضي الله تعالى عنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحمل لك حمارا على فرس؟ قال: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» . وروى الطبراني بسند ضعيف عن أسامة، وابن منده عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي الدّحداح فلما رجع من الجنازة أتى بفرس، وفي لفظ، حصان معرور، وفي لفظ عري، فعقله رجل، فركبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتوقّص، فأقبل نتابعه، وفي رواية ونحو نتبعه، نسعى خلفه. وروى الشيخان والنسائي في اليوم والليلة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس قلبا، يخرج وقد فزع أهل المدينة، فركب فرسا لأبي طلحة عريا ثم رجع، وهو يقول: «لم تراعوا لم تراعوا» ثم قال «إني وجدته بحرا» . تنبيهات الأول: قال أبو الفرج بن الجوزي: في هذا- أي في حديث النهي عن تقليدها بالأوتار- ثلاثة أقوال: أحدها: لا تقلدوها بالأوتار فتختنق.

_ [ (1) ] ابن أبي شيبة 12/ 226 والمجمع 5/ 265 والدر المنثور 2/ 223. [ (2) ] البيهقي 10/ 24 وأحمد 5/ 422 وابن ماجة (3186) . [ (3) ] أخرجه ابن عدي 4/ 1482.

الثاني: أنهم كانوا يقلدونها بالأوتار لئلا تصيبها العين، فأعلمهم إن ذلك لا يرد القدر. الثالث: لا تطلبوا عليها الذحول التي وترتم بها في الجاهلية. الثاني: قال بعض العلماء: وإن كان الخير في نواصيها فيبعد أن يكون فيها شؤم، فأما ما أخرجه مالك وعبد الرزاق في جامعه، والشيخان والنسائي عن ابن عمر، وأبو داود عن سعد ابن أبي وقاص، والشيخان عن سهل بن سعد، ومسلم والنسائي عن جابر رضي الله تعالى عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار، وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار، والمرأة، والفرس» ، فحمله على ظاهره، قال: «سمعت من يقر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا كان يغز عليها، وشؤم الدار جار السوء» ، وكذلك حمله مالك منه، قال ابن القاسم: سئل مالك عن الشؤم في الفرس والدار، قال: كم دار سكنها ناس فهلكوا ثم سكنها آخرون فهلكوا. الثالث: في بيان غريب ما سبق: السياسة: بسين مهملة مكسورة، فتحتية، فألف، فسين مهملة، فتاء تأنيث: القيام على الشيء بما يصلحه. الكميت: بضم الكاف، وفتح الميم: الفرس الذي ليس بأشقر، ولا أدهم، بل يخالط حمرته سواد. الأغر: بهمزة، فغين معجمة، فراء: الأبيض من كل شيء. المحجل: بميم مضمومة، فحاء مهملة، فجيم مفتوحتين، فلام: وهو بياض يسير دون الغرة. الأدهم: بهمزة مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فهاء، فميم: الأسود. الأشقر: بمعجمة، فقاف، من الدواب الأحمر حمرة يحمرّ منها السبيب والعرف والناصية. الأقرح الحوّ: بالواو سواد ليس بالشديد والنّعت منه أحوى، وهو الكميت الذي يعلوه سواد. الأحم بالحاء المهملة: أقل سوادا من الحوّ. والأحوى الأحم: المشاكل للدهمة والخضرة. الشّية: بمعجمة، فتحتية، كل لون يخالط لون الفرس.

الباب الثاني في رهانه عليها صلى الله عليه وسلم ومسابقته بها

الباب الثاني في رهانه عليها صلى الله عليه وسلّم ومسابقته بها روى الإمام أحمد برجال ثقات عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سابق بين الخيل وراهن [ (1) ] . وروى أبو داود والدارقطني قال: سابق نبي الله صلّى الله عليه وسلم بين القرّح، وفضل القرّح في الغابة. وروى الإمام أحمد وأبو داود والدّارقطني عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضمّر الخيل، زاد الأخير أن يسابق بها [ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح والختلي في كتاب الفروسية عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم سابق بين الخيل، وجعل بينها سبقا، وجعل فيها محلّا، وقال: «لا سبق إلا في حافر أو نصل» . وروى الإمام مالك، وأبو داود والترمذي والنّسائي والإمام أحمد عنه قال: أجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضمّر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمّر من الثنية إلى مسجد بني زريق، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى قال سفيان: من الحفياء إلى الثّنيّة خمسة أميال، وفي رواية ستة أو سبعة، ومن الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه، وعند الإمام أحمد، قال عبد الله: وكنت فارسا يومئذ فسبقت الناس فطفّف، وفي لفظ: فطفر بي الفرس مسجد بني زريق، وفي لفظ: اقتحم بي جرفا فصرعني، وفي لفظ: وثب بي المسجد، وكان جداره قصيرا. وروى أبو عبيدة عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبّق بين الخيل وأعطى السّبق وأمر بها أن تضمّر، وجعل غايته الرّبع والخداع من القائمة، وأجرى التخرج من الحفياء وجعل الغاية المعلّى. وروى الإمام أحمد برجال ثقات، والدارقطني، والطبراني عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم راهن على فرس يقال لها سبحة فجاءت سابقة، فهش لذلك وأعجبه. وروى الطبراني عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمّر الخيل، وسابق بينها.

_ [ (1) ] أبو داود (2575) وانظر المشكاة (3870) . [ (2) ] أحمد 2/ 86 وأبو داود (2576) وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 124.

تنبيهان

وروى البزار عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: ضمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل، ووقت لإضمارها وقتا، وقال: «يوم كذا وكذا، وموضع كذا وكذا» ، وأرسل الخيل التي ليست مضمّرة من دون ذلك. وروى الإمام أحمد، والطبراني- برجال ثقات- عن أبي لبيبة رضي الله تعالى عنه قال: راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال لها سبحة، فسبق الناس، فهش لذلك، وأعجبه. وروى الطبراني عن عروة بن مضرّس، رضي الله تعالى عنه أنه كان يسوق فرسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبارك الذي كفت حوافرهن، وسوافلهن» . وروى الطبراني عن أبي عن حثمة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركب فرسا فجرى به، فرجع إلينا فقال: «وجدناه بحرا» . وروى أيضا عن عبد الله بن معقل رضي الله تعالى عنه قال: بينا نحن جلوس بالمدينة إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له، فانطلق حتى خفي علينا، ثم أقبل وهي تعدو- الحديث. وروى الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي في فوائده عن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال: أجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه الأدهم في خيول المسلمين في المحصّب بمكة، فجاء فرسه سابقا، فجثا على ركبتيه حتى إذا سرّ به، قال: «إنه لبحر» فقال ابن الخطاب في قوله: ولو كان صابرا أحد عن الخيل لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك حيث يقول: وإنّ جياد الخيل لا تستفزّني ... ولا جاعلات العاج فوق المعاصم تنبيهان الأول: قال ابن عابدين: سابق صلى الله عليه وسلّم بين الخيل على حلل أثنية من اليمن، فأعطى السابق ثلاث حلل، والمصلّي حلّتين، والثالث حلّة، والرابع دينارا والخامس درهما، والسادس قطعة، وقال: «بارك الله فيك، وفي كلكم» . وروى أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري عن ابن سعد عن أبيه عن جده قال: أجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل، فسبقت على فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم الظّرب، فكساني بردا يمانيا، قال: «وقد أدركت بعضه عندنا» . وروى أيضا من هذا الطريق عن الزبير بن المنذر أن أبا أسيد السّاعدي سبق على فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم لزاز فأعطاه حلّة يمانية.

وروى الختلي عن أبي علقمة- مولى بني هاشم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر بإجراء الخيل، وسبقها ثلاثة أعذق، من ثلاث نخلات، أعطى السابق عذقا، وأعطى المصلّي عذقا، ثم أعطى الثالث عذقا، قال: «وذلك رطب» . وروى أيضا عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أجرى الخيل يوما، فجاء فرس له أدهم سابقا، وأشرف على الناس، فقالوا: الأدهم الأدهم مرتين، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ركبته، ومر به وقد انتشر ذنبه، وكان معقودا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنه لبحر» . الثاني: في بيان غريب ما سبق: القرّح: بضم القاف، وفتح الراء المشددة، وبالحاء المهملة: يقال قرح الحافر قروحا إذا انتهت أسنانه، وإنما تنتهي في خمس سنين، لأنه في السنة الأولى حولي ثم جذع ثم ثنى ثم رباع ثم قارح، يقال أجذع المهر وأثنى وقرّح وأربع هذا بغير ألف، والفرس قارح، والجمع قرّح. راهن: يقال: راهنت فلانا على كذا مراهنة: خاطرته، وأرهنته به ولديّ إرهانا: أخطرته به خطرا. السّبق: بسين مفتوحة مهملة فموحدة مفتوحة: وهو الجعل الذي يقع عليه السباق. والسّبق بإسكان الموحدة: مصدر سبقه قال الخطابي: والرواية الصحيحة بفتح الموحدة، يريد أن العطاء والجعل لا يستحق إلا في سباق هذا الأشياء. وحكى ابن دريد في الجمهرة لغتين في السبق بمعنى الجعل، فتح الباء، وإسكانها. والخف: كناية عن الإبل والحافر كناية عن الخيل والنصل: كناية عن السهم، وذلك على حذف مضاف أي ذو خف، وذو حافر، وذو نصل. والخطر بتحريك الطاء: السّبق الذي يتراهن عليه. الحفياء: يمد ويقصر موضع بالمدينة. اقتحم: بهمزة، فقاف ساكنة، فمثناة فوقية، فحاء مهملة. الجرف: بجيم فراء مضمومتين: ما يجرفه السيل من الأودية.

الباب الثالث في عدد خيله صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في عدد خيله صلّى الله عليه وسلم وفيه نوعان الأول المتفق عليه: الأول: السكب بفتح السين المهملة وسكون الكاف وبالموحدة. روى ابن سعد عن محمد بن يحيى بن سهل عن أبي حثمة- بحاء مهملة، فثاء مثلثة ساكنة، فميم فتاء تأنيث عن أبيه قال: أول فرس ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشر أواق، وكان اسمه عند الأعرابي: الضّرس، فسماه النبي صلى الله عليه وسلّم السّكب، فكان أول ما غزا عليه أحدا، ليس مع المسلمين فرس غيره، وفرس لأبي بردة بن نيار يقال له: ملاوح، وروى أيضا عن يزيد بن حبيب قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فرس يدعى السّكب. وروى أيضا عن علقمة بن أبي علقمة قال: بلغني أن اسم فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم السّكب، وكان أغّر محجّلا طلق اليمين، قال محمد بن حبيب البغدادي في كتابه في أخبار قريش: كان السّكب أغرّ محجّلا، مطلق اليمين، وذكر هو وابن عبدوس أنه كان كميتا قال: وكان هو الذي يتمطّى عليه ويركب، وقال الإمام عز الدين علي بن محمد الأثير: كان أدهم، ويؤيده ما رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس أدهم يسمى السّكب، قال أبو منصور عبد الملك بن محمد الثّعالبي: إذا كان الفرس خفيف الجري سريعه فهو فيض، وسكب، شبّه بفيض الماء وإسكابه، وبه سمي أحد أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثاني: سبحة: بفتح السين المهملة، وسكون الموحدة، وبالحاء. روى ابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال له السّبحة، فجاءت سابقة، فهش لذلك، وأعجبه. قال ابن بنين: هي فرس شقراء ابتاعها من أعرابي من جهينة بعشر من الإبل، وسابق عليها يوم خميس، ورد الخيل بيده، ثم خلى عنها، وسبح عليها، فأقبلت الشقراء- حتى أخذ صاحبها العلم- وهي تغبّر في وجوه الخيل، فسميت سبحة قال: غيره سبحة من قولهم فرس سابح إذا كان حسن مد اليدين في الجري، وسبح الفرس جريه قال: سبحة من سبح إذا علا علوا في اتساع، ومنه سبحان الله، وسبحان الله عظمته وعلوه، لأن الناظر المفكر في سبحاته يسبح في بحر لا ساحل له.

الثالث: المرتجز: روى ابن سعد، والطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فرس يقال له: المرتجز. وروى أبو الحسن الخلعي عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الرتجز. وروى ثابت بن قاسم في دلائله عن عبد بن حميد قال: كان اسم فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم المرتجز. وروى ابن سعد عن محمد بن يحيى بن سهل عن أبي حثمة قال: المرتجز هو الذي اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي هو الذي شهد له فيه خزيمة بن ثابت، وكان الأعرابي من بني مرّة، رواه أبو بكر بن أبي حثمة عن يزيد بن أبي جبير، وذكر العلماء أن الأعرابي اسمه سواء بن الحارث أو المحارب بن خصفة- بخاء معجمة، فصاد مهملة، ففاء مفتوحات، من قيس عيلان، ومرّة هو ابن عوف بن سعد بن ذبيان- بضم الذال المعجمة وكسرها-، قال ابن الأثير: كان أبيض، وقال بعض العلماء إنما سمي المرتجز لحسن صهيله، وهو مأخوذ من الرّجز الذي هو ضرب من الشّعر يقال: رجز الرّاجز وارتجز. وقيل: شبه بارتجاز الرعد. الرابع: لزاز. روى أبو سعيد بن الأعرابي عن ربىّ بن عباس بن سهل بن حنيف عن أخيه مصدّق بن عباس عن أبيه هكذا قال: إنه كان للنبي صلى الله عليه وسلّم فرس يقال له الظّرب وآخر يقال له: اللّزاز وسيأتي، وفي اللّحيف أن المقوقس أهداه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن بنين: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم به معجبا لشدة دموجه، وكان عليه في كثير من غزواته، وذكر أيضا أنه كان عليه يوم بدر، وهو غير منجد لأن غزاة بدر كانت في السنة الثانية، وبعثه صلى الله عليه وسلّم للمقوقس، وغيره من الملوك كان حين رجوعه من الحديبية من ذي الحليفة سنة ست وحينئذ بعث إليه المقوقس ممّا بعث اللّزاز بكسر اللام، وبزاءين، بينهما ألف: من قولهم لأززته أي لاصقته، كأنه يلتزق بالمطلوب لسرعته، وقيل لاجتماع خلقه، واللّزاز المجتمع والخلق الشديد الأسر، قال السهيلي: معناه لا يسابق شيئا إلا لزّه أي أثبته. الخامس: الظّرب بكسر الظاء المعجمة، وسكون الراء، وبالباء: وهو الكريم من الخيل، يقال فرس ظرب وخيل ظروب قاله الأصمعي، وقال أبو زيد: هو نعت للذكر خاصة، والظّرب أيضا: الكريم من الفتيان ويقال: الظّرب أيضا بظاء معجمة مفتوحة مشددة، فراء مكسورة، فموحدة واحد الظراب، وهي الروابي الصغار سمي به لكبره وسمنه، وقيل: لقوته وصلابة

النوع الثاني: في المختلف فيه:

حافره، وسيأتي في اللّحيف أن مهديه فروة بن عمرو الجذامي. السادس: اللّحيف بفتح اللام المشددة المفتوحة، وكسر الحاء المهملة، وسكون التحتية وبالفاء، فعيل بمعنى فاعل، كان يلحف الأرض بذنبه لطوله أي يغطيها، ويقال بالخاء المعجمة، حكاه البخاري في الصحيح، ويقال فيه اللّحيف بضم اللام، وفتح الحاء، وروي بالنون بدل اللام من النحافة. روى البخاري عن ابن عباس بن سهل بن سعد بن مالك عن أبيه عن جده قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له: اللّحيف. وروى الطبراني عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي ثلاثة أفراس: لزاز والظّرب واللّحيف، فأما لزاز فأهداه له المقوقس، وأما اللّحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب، وأما الظّرب فأهداه له فروة ابن عمرو الجذامي. وروى ابن منده من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عن سهل بن سعد، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميهن اللّزاز والظّرب واللّحيف قال ابن بنين والظّرب أهداه له فروة بن عمرو، من أرض البلقاء، ثم حكى أن ابن أبي براء أهداه له. السابع: الورد بفتح الواو، وسكون الراء، وبالدال المهملة: وهو بين الكميت الأحمر والأشقر. روى ابن سعد عن ابن عباس بن سهل عن أبيه عن جده أن تميما الدّاري أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فرسا يقال له الورد، فأعطاه عمر، فحمل عليه عمر في سبيل الله فوجده يباع برخص. النوع الثاني: في المختلف فيه: الأول: النّجيب كالكريم لفظا ومعنى. الثاني: البحر عدّه ابن بنين في خيل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اشتراه من شعراء قدموا من اليمن، فسبق عليه مرات فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، ومسح وجهه، وقال: ما أنت إلا بحر، قال ابن الأثير: كان كميتا وقال الحافظ أبو محمد الدّمياطي: والظاهر أنه الأدهم، قال الثعالبي: إذا كان الفرس لا ينقطع ماؤه يسمى بحرا وأرمل من تكلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في وصف فرس ركبه.

الثالث: ذو اللّمة بكسر اللام وفتح الميم المشددتين، وذكره ابن حبيب في خيله صلّى الله عليه وسلّم واللّمّة: بين الوفرة والجمّة، فإذا وصل شعر الرأس إلى شحمة الأذن فهو وفرة، فإن زادت حتى ألمت بالمنكبين فهي لمّة، فإذا زادت: فهي حمّة. الرابع: ذو العقّال بضم العين المهملة، وتشديد القاف، وتحقّق، ذكره بعض العلماء في خيله صلّى الله عليه وسلّم والعقّال: طلع يوجد في قوائم الدابة. الخامس: السّجل بكسر السين المهملة، وسكون الجيم، قال أبو محمد الدّمياطي: كذلك ألفيته مضبوطا، فإن كان محفوظا غير مصحف فلعله مأخوذ من قولك سجلت الماء فانسجل أي صببته فانصب وأسجلت الحوض ملأته. السادس: الشّحّاء بالشين المعجمة والحاء المهملة المشددة المفتوحتين عده ابن الأثير في خيله صلّى الله عليه وسلّم، مأخوذ من قولهم فرس بعيد الشّحوة أي بعيد الخطوة، وجاءت الخيل شواحي فاتحات أفواهها، وشحا فاه يشحو شحوا إذا انفتح، يتعدى ولا يتعدى، قال أبو محمد الدّمياطي: وأخاف أن يكون السّجل مصحفا من الشّحّاء. السابع: السّرحان عده ابن بنين نقلا عن ابن خالويه في خيله صلّى الله عليه وسلّم والسّرحان الذئب وهذيل تسمى الأسد سرحانا. الثامن: المرتجل: بضم الميم، وسكون الراء وفتح الفوقية، وكسر الجيم، وباللام، ذكره ابن بنين نقلا عن ابن خالويه يقال: ارتجل الفرس ارتجالا إذا خلط العنق بشيء من الهملجة، فراوح بين شيء من هذا، وشيء من هذا، والعنق: بفتح العين، والنون: يباعد بين خطاه، ويتوسع في جريه، والهملجة: أن يقارب بين خطاه من الإسراع. التاسع: الأدهم ذكره ابن بنين نقلا عن ابن خالويه. العاشر: اليعسوب ذكره قاسم بن ثابت، وابن خالويه في خيله صلّى الله عليه وسلّم واليعسوب: طائر أطول من الجرادة، ولا يضم جناحيه إذا وقع، تشبه به الخيل في الضّمر. الحادي عشر: اليعبوب واليعبوب الفرس الجواد، وجدول يعبوب: شديد الجري، قال يعقوب هو البعيد العدو في الجري، قال النّخعي هو الطويل أيضا. الثاني عشر: الأبلق حمل عليه بعض أصحابه، والبلق سواد في بياض. الثالث عشر: الكميت. الرابع عشر: النّجيب ككريم لفظا ومعنى. الخامس عشر: ملاوح والضّامر الذي يسمن، والسريع العدو، والعظيم الألواح، وهذا

هو الملواح أيضا، روى أبو داود عن الهذلي والنّسائي عن الزّهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلّم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم في المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يساومون بالفرس، ولم يشعروا أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم أن كنت مبتاعا هذه الفرس فابتعه، وإلا بعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل قد ابتعته» ، فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلّم وبالأعرابي وهما يتراجعان فجاء خزيمة بن ثابت فسمع مراجعة النبي صلى الله عليه وسلّم ومراجعة الأعرابي فطفق الأعرابي يقول: هلمّ شهيدا يشهد أني قد بعتك، فقال خزيمة: أنا أشهد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخزيمة: «بم تشهد؟» فقال: بتصديقك يا رسول الله، وفي رواية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحضرتنا يا خزيمة؟» فقال: لا، فقال: «كيف شهدت بذلك؟» قال بأبي أنت وأمي أصدّقك على أخبار السماء، وما يكون في ابتياعك هذا الفرس؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: «إنك لذو الشهادتين يا خزيمة» [ (1) ] . السادس عشر: الطّرف بكسر الطاء المهملة، وتقدم في الظرب. السابع عشر: الضّرس: بفتح الضاد المعجمة المشددة: الصّعب، السيء الخلق، روى ابن سعد أنه أول فرس ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم بتمامه أول الباب. الثامن عشر: مندوب، روى الشيخان عن حماد بن زيد، والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما. التاسع عشر: المرواح بكسر الميم، من أبنية المبالغة، مثل الملقام والمقدام، وهو مشتق من الريح، وأصلها الواو، وإنما جاءت الياء لانكسار ما قبلها، فيحتمل أنه سمي بذلك لسرعته كالريح، أو لتوسعه في الجري كالرّوح، وهو السعة أو لأنه يستراح به من الراحة، أو قولهم راح الفرس يراح راحة: إذا تحصّن، أي صار فحلا. وروى ابن سعد عن زيد بن طلحة أن وفد الرّهاويين أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا منها فرس يقال لها: المرواح فسر به فشور بين يديه، فأعجبه وذكر ابن الكلبي في الجمهرة أن مرداس بن مؤيلك بن واقد رضي الله تعالى عنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأهدى له فرسا. وروى الطبراني في الصّغير أن عياض بن حمار المجاشعي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فرسا قبل أن يسلم، فقال: «إني أكره زبد المشركين وقال إن المهدي له نجيبة وكان صديقا له، إذا قدم عليه مكة لا يطوف إلا في ثيابه» ، فقال: أسلمت، قال: «إن الله تعالى نهاني عن زبد

_ [ (1) ] أحمد 5/ 215.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

المشركين» ، فأسلم فقبلها منه، وقال يا رسول الله: الرجل من قومي أسفل مني يشتمني، فأنتصر منه، فقال عليه الصلاة والسلام: «المستبّان شيطانان يتهاتران يتكاذبان» . وقد نظم الحافظ الكبير أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي رحمه الله تعالى أسماء ما وقف عليه من أسماء خيله صلّى الله عليه وسلّم وصدر بالسبعة المتفق عليها فقال. خيل النبيّ عدّة لم تختلف ... في السّبع الأولى كلّها مركوب سكب لزاز ظرب مرتجز ... ورد لحيف سبحة مندوب أبلق ذو العقّال بحر ضرس ... مرتجل ذو اللّمّة اليعسوب أدهم سرحان الشّحا مراوح ... سجل نجيب طرف اليعبوب ملاوح عدّة أربعة تلي ... عشرين لم يحظ بها مكتوب وقد نظم بعض ذلك الحافظ أو الفتح بن سيد الناس [ (1) ] فقال: لم يزل في حربة ... ذا ثبات وثبات ومضاء قصرت عنه ... مواضي المرهفات كلفا بالطّعن والضّرب ... وحبّ الصّافنات من لزاز ولحيف ... ومن السّكب المؤات ومن المرتجز السّابق ... سبق الذّاريات ومن الورد ومن سبحة ... مثل العاديات تنبيه: في بيان غريب ما سبق: السّكب: الخفيف الجري السريعة ويسمى القضّ قال أبو منصور الثّعالبي: شبه بقض الماء وإسكابه، وبه سمّي أحد أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم. فزارة: بفاء فزاي فألف فراء مفتوحات فتاء تأنيث. يتمطى: بتحتية ففوقية فميم فطاء مفتوحات: يتمدد. فهش، لذلك يهشّ هشّا إذا ارتاح له، وخف إليه، وكذلك هششت بفلان، بالكسر، أهشّ له هشاشة إذا خففت إليه وارتحت له ورجل هشّ. شوّر: بضم الشين المعجمة، وكسر الواو المشددة، من قولهم شوّرت الدابة شورا

_ [ (1) ] محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيّد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين: مؤرخ، عالم بالأدب. من حفاظ الحديث، له شعر رقيق. أصله من إشبيلية، مولده ووفاته في القاهرة. من تصانيفه «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير» ومختصره «نور العيون وبشرى اللبيب في ذكرى الحبيب وتحصيل الإصابة في تفضيل الصحابة» . توفي سنة 734 هـ. انظر الأعلام 7/ 34، 35.

عرضتها على البيع، أقبلت بها وأدبرت، والمكان الذي تعرض فيه الدابة مشوّرا. سبحة: سمي بذلك من قولهم فرس سابح إذا كان حسن مدّ اليدين في الجري. المرتجز: قال ابن الأثير: كان أبيض وإنما سمي بذلك لحسن صهيله. اللّزاز: تقدم تفسير ابن بنين، وقال الدّمياطي: اللّزاز من لاززته أي لاصقته، كان يلتزق بالمطلوب لسرعته، وقيل لاجتماع خلقه، ولملزّز المجتمع الخلق الشديد الأسر. الظّرب: إنما سمي بذلك لكبره وسمنه، وقيل لقوته وصلابة حافره.

الباب الرابع في بغاله، وحميره صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في بغاله، وحميره صلّى الله عليه وسلم وفيه نوعان: الأول: في بغاله صلى الله عليه وسلّم وهن سبع: الأولى: دلدل لم يمت صلى الله عليه وسلّم عن شيء سواها. وروى ابن سعد عن الزهري قال: أهدي دلدل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة بن عمرو الجذامي انتهى، كذا في هذه الرواية، والمشهور أن الذي أهداها له المقوقس كما سيأتي. وروى أيضا عن علقمة بن أبي علقمة قال: بلغني والله أعلم أن اسم بغلة النبي صلى الله عليه وسلّم الدّلدل، وكانت شهباء، وكانت بينبع حتى ماتت. وروى أيضا عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: كانت دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة رئيت في الإسلام، أهداها له المقوقس، بقيت حتى كانت زمن معاوية. وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بغلة شهباء، فهي أول بغلة كانت في الإسلام، فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجته أم سلمة، فأتته بصوف، وليف ثم فتلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلّم لها رسنا وعذارا، ثم دخل البيت، فأخرج عباءة مطرّفة فثناها، ثم ربّعها على ظهرها، ثم سمى وركب، وردفني خلفه. وروى ابن عساكر- من طرق- أنها بقيت حتى قاتل عليها علي بن أبي طالب في خلافته الخوارج، وذكر ابن إسحاق إنها كانت في منزل عبد الله بن جعفر يجشّ، أو يدق لها الشعير، وقال الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد القدسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يركب دلدل في الأسفار، وعاشت بعده حتى كبرت، رأيت أسنانها، وكان يجش لها الشعير، وماتت بينبع [ (1) ] ، والدّلدل: عظيم القنافذ والدّلدال: الاضطراب وقد تدلدل الشيء: أي تحرك متدليا. الثانية: فضّة. روى ابن سعد عن زامل بن عمرو إن فروة بن عمرو الجذامي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بغلة يقال لها فضّة، فوهبها لأبي بكر. وروى عبد بن حميد عن كثير بن العباس رضي الله تعالى عنهما قال: لزمنا

_ [ (1) ] (ينبع) : بالفتح، ثم السكون، والباء موحدة مضمومة، وعين مهملة، مضارع نبع: حصن وقرية غنّاء على يمين رضوى لمن كان منحدرا من أهل المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارق يعني يوم حنين، وهو على بغلة شهباء، وفي لفظ: بيضاء أهداها له فروة بن نعامة الجذامي. وروى ابن أبي شيبة عن ابن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن ملك أيلة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وروى عمر بن عبد الله الأنصاري في جزئه عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأخذ القوم في عقبة، أو ثنية قال: فكان الرجل إذا ما علاها قال: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أيها الناس إنكم لا تدعون أصم، ولا غائبا» ، وهو على بغلة يعرضها، فقال: «يا أبا موسى» ، أو «عبد الله بن قيس، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟» قلت: بلى، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» [ (1) ] . الثالثة: بغلة أهداها ابن العلماء وهو بفتح العين المهملة، وإسكان اللام، وبالمد، قاله النووي، والقرطبي، وزاد وهو تأنيث الأعلم، مشقوقة الشفة العليا. وروى مسلم أول الفضائل والبخاري في كتاب الجزية والموادعة بعد الجهاد عن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتبوك فذكر الحديث، وقال فيه وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأهدى له بردة رواه أبو نعيم في المستخرج، ولفظه وأهدى ملك أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغلة بيضاء، فكساه برداء، وقال أبو نعيم: بردة، وكتب له ببحرهم، قال علي بن محمد بن الحسين بن عبدوس: كانت طويلة محذوفة، كأنما تقوم على رمال، حسنة السير فأعجبته، ووقعت منه، وهي التي قال له فيها علي بن أبي طالب حين خرج عليها: كأن هذه البغلة قد أعجبتك يا رسول الله، قال: «نعم» ، قال: «لو شئت لكان لك مثلها» ، قال: وكيف؟ قال: «هذه أمها عربية، وأبوها حمار ولو أنزينا حمارا على فرس لجاءت بمثل هذه» ، فقال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. وروى ابن سعد عن علي رضي الله تعالى عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة، فقلنا: يا رسول الله إنا أنزينا الحمر على خيلنا فجاءتنا بمثل هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» . الرابعة: بغلة أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر، ثم أردف ابن العباس خلفه رواه في تفسير قوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ من سورة الأنعام، قال

_ [ (1) ] أحمد 4/ 407، 418.

النوع الثاني: في حميره صلى الله عليه وسلم وهي أربعة:

الحافظ أبو محمد الدّمياطي: وهو بعيد، لأنه مزّق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأمر عامله باليمن بقتله، وبعث رأسه إليه فأهلكه الله تعالى بطغيانه وكفره، وأخبر عليه الصلاة والسلام عامله بقتله ليلة قتل، قلت: فيحتمل- إن صح ما ذكره الثعلبي- أن يكون الذي أرسل بالبغلة ولد المقتول وفي سند الثّعلبي عبد الله بن ميمون القداح- أبو حاتم متروك، وقال البخاري ذاهب الحديث. الخامسة: من دومة الجندل [ (1) ] . روى ابن سعد في آخر غزوة بني قريظة: بعث صاحب دومة الجندل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة وجبّة من سندس، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتعجبون من حسن الجبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه» . وروى الإمام إبراهيم الحربي في كتاب الهدايا عن علي رضي الله تعالى عنه قال: أهدى يوحنا بن رؤبة بغلة بيضاء. السادسة: من عند النجاشي. السابعة: تسمى حمارة شامية. روى ابن السكن عن بسر والد عبد الله المازني أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم، وهو راكب على بغلته البيضاء، ولم يمت صلى الله عليه وسلّم عن شيء منهن سوى الشهباء. النوع الثاني: في حميره صلى الله عليه وسلّم وهي أربعة: الأول: عفير، بضم العين المهملة، وفتح الفاء، وقيل بالغين المعجمة، قال النووي والحافظ: وهو غلط، مأخوذ من العفرة، وهو لون التراب، كأنه سمي بذلك لكون العفرة حمرة يخالطها بياض، أهداه له المقوقس قال ابن عبدوس: كان أخضر، قال أبو محمد الدّمياطي: عفير تصغير عفر مرخما مأخوذ من العفرة، وهو لون التراب، كما قالوا في تصغير أسود أسيود، وتصغيره غير مرخم أعيفر كأسيود. وروى أبو داود الطيالسي وابن سعد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كانت الأنبياء يلبسون الصوف، ويحلبون الشاة ويركبون الحمير، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يقال له عفير. وروى ابن أبي شيبة، والبخاري، والبرقي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال:

_ [ (1) ] دومة الجندل بالضم، ويفتح. وأنكر ابن دريد الفتح، وعدّه من أغلاط المحدثين، وجاء في حديث الواقدي دوما الجندل. قيل: هي من أعمال المدينة، حصن على سبعة مراحل من دمشق بينها وبين المدينة. مراصد الاطلاع 24/ 542.

كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، وكان يسمى به تشبيها في عدوه باليعفور، وهو الظبي، وقيل: الخشيف: ولد البقرة الوحشية أيضا، العفير من الظباء التي يعلو بياضها حمرة، وهو أضعف الظباء عدوا، وعفير أهداه له المقوقس، وأما يعفور فأهداها له فروة ابن عمرو الجذامي، ويقال: إن حمار المقوقس يعفور، وحمار فروة عفير. الثاني: يعفور بسكون العين المهملة وضم الفاء، وهو اسم ولد الظبي، سمي بذلك لسرعته، أهداه له فروة بن عمرو الجذامي. روى ابن سعد عن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة بن عمرو الجذامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماره يعفورا، ويقال: بل أهدى الأول، وأهدى المقوقس الثاني، قال الحافظ: وهو عفير المتقدم، قال محمد بن عمر: نفق يعفور منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، وذكر السّهيلي أن اليعفور طرح نفسه في بئر يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم فمات. الثالث: حمار أعطاه له سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه، وذكر أبو زكريا بن مندة في كتاب أسامي من أردفه صلّى الله عليه وسلم من طريق عمرو بن سرجيس. الرابع: حمار أعطاه له بعض الصحابة. روي عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ جاء رجل معه حمار فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم اركب فتأخر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، أنت أحق بصدر دابتك مني إلا أن تجعله لي» قال: فإني قد جعلته لك، قال: فركب [ (1) ] .

_ [ (1) ] أحمد 5/ 353.

الباب الخامس في لقاحه وجماله صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في لقاحه وجماله صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: في لقاحه صلى الله عليه وسلم. روى ابن مسعود عن معاوية بن عبد الله بن أبي رافع قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح وهي التي أغار عليها القوم بالغابة وهي عشرون لقحة، وكانت التي يعيش بها أهل محمد صلى الله عليه وسلّم، يراح إليه كل ليلة بقربتين من لبن، وكان فيها لقائح لها غرز كما في الهدى- خمس وأربعون، لكن المحفوظ من أسمائهن سنذكره. الأولى: الحناء. الثانية: السّمراء. الثالثة: العريس. الرابعة: السعدية. الخامسة: البعوم، بالباء الموحدة، والعين المعجمة. السادسة: اليسيرة كانت هي والسمراء والعريس يحلبن، ويراح إليه لبنهن كل ليلة، وكان فيها غلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى يسارا، فاستاقها العيّرنون وقتلوا يسارا ونحروا الحناء. السابعة: الرّيّاء. الثامنة: بردة كانت تحلب كما تحلب لقحتان غزيرتان، أهداها له الضحّاك بن سفيان الكلابي. التاسعة: الحفدة. العاشرة: مهرة أرسل بها سعد بن عبادة من نعم بن عقيل. الحادية عشرة: الشقراء أو الرّيّاء ابتاعها بسوق النّبط من بني عامر، وقيل كانت له لقحة تدعى سورة. روى ابن سعد عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان عيشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أو قالت: كان أكثر عيشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقائح بالغابة، كان قد فرقها على نسائه، فكانت لي منها لقحة تسمى العريس فكان لنا منها ما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة لقحة تسمى السّمراء غزيرة، ولم تكن كلقحتي، فقرب راعيهن اللّقاح إلى مرعى الغابة

النوع الثاني: في ركائبه صلى الله عليه وسلم.

تصيب من أثلها وطرفائها فكانت تروح على أبياتنا، فنؤتى بها فيحلبان فيأخذ لقحته يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أغزر منها بمثل لبنها أو أكثر [ (1) ] . وروى عنها أيضا قالت: أهدى الضحّاك بن سفيان الكلابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة تدعى بردة لم أر من الإبل شيئا قط أحسن منها، وتحلب ما تحلب لقحتان غزيرتان، فكانت تروح على أبياتنا ترعاها هند وأسماء يعتّقانها بأحد مرة وبالبيضاء مرة ثم تأوي إلى منزلنا معه وقد ملأ ثوبه بما يسقط من الشجر، ومما يهشّ من الشجر فتبيت في علق حتى الصباح، فربما أتى عليّ الضيافة، فيشربون حتى ينهلوا غبوقا، ويفرّق علينا بعض ما فضل، وحلابها صبوحا حسن. وروى أيضا عن عبد السلام بن جبير عن أبيه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبع لقائح تكون بذي الجدري، وتكون بالحمى، وكان لبنها يأتي إلينا، لقحة تسمى: مهرة، وأخرى تدعى: الشّقراء، وأخرى تدعى الرّيّاء، وأخرى: تدعى بردة، والسمراء والعريس والحناء. النوع الثاني: في ركائبه صلى الله عليه وسلم. روى ابن سعد عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كان القصواء من نعم بني الحريش ابتاعها أبو بكر بأربعمائة، وكانت عنده حتى نفقت، وهي التي هاجر عليها، وكانت حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة رباعية، وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء. وروى أيضا عن ابن المسيب قال: كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع وكانت تسبق كلما وقعت في سباق. وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي وابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء، لا تسبق، فقدم أعرابي على قعود له فسبقها، فسبقت، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «حقّ على الله تعالى أن لا يرفع شيئا في الدنيا إلا وضعه» ، ورواه الدّارقطني ولفظه قال: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيّ فسبقه، وكأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك، فقال: «حقّ على الله تعالى أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه» ، ورواه أيضاً عن أبي هريرة، لكنه قال: القصواء وفي رواية العضباء [ (2) ] . وروى ابن سعد نحوه عن سعيد بن المسيّب وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا

_ [ (1) ] ابن سعد 2/ 82 ومغازي الواقدي 2/ 537. [ (2) ] الحديث عند أبي داود (4802) والنسائي 6/ 228 والشافعي كما في البدائع (1189) والدارقطني 4/ 303 وابن أبي شيبة 12/ 58.

النوع الثالث: في جماله صلى الله عليه وسلم.

رفعوا شيئا أو أرادوا رفع شيء وضعه الله تعالى» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن قدامة بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّته يرمي على ناقة صهباء. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي كاهل رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالناس يوم عيد على ناقة مخضرمة ورقاء، وحبشي يمسك بخطامها، قال وكيع: مخضرمة يقول: مقطوع طرف أذنها. وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع. وروى ابن عبدوس: وكانت العضباء شهباء. النوع الثالث: في جماله صلى الله عليه وسلم. روى ابن سعد عن سلمة بن نبيط عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حجته بعرفة على قعود أحمر. وروى ثابت بن قاسم- في دلائله- عن عبد الملك بن عمير رضي الله تعالى عنه قال: كان اسم جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكرا، وذكر أبو إسحاق التّغلبي في تفسيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث يوم الحديبية خراش بن أميّة الخزامي قبل عثمان إلى قريش بمكة، وحمله على جمل له يقال له الثّعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما أجاء به، فعقروا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله، فمنعته الأحابيش فخلوا سبيله. وروى الطبري في غزوة بدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم غنم جمل أبي جهل، وكان سهريا أي منسوبا إلى سهرة بن حيدان، فكان يغزو عليه، ويضرب في لقاحه. وروى ابن إسحاق عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أهدى عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل، في رأسه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: اللّقاح: جمع لقحة بالكسر والفتح: الناقة القريبة العهد بالنّتاج، وناقة لقوح إذا كانت غزيرة اللبن. الغابة: بغين معجمة، فموحدة، فتاء: موضع بالحجاز.

_ [ (1) ] الدارقطني 4/ 302 ابن سعد 1/ 2/ 177.

الحناء العريس السّعدية الرّيّاء الحفدة: أسماء لقاح الرسول. ينهلوا: بتحتية، فنون ساكنة، فهاء، فلام: يشربوا حتى يرووا لبنا منها. الرّيّان والعطشان من الأضداد. غبوقا: بغين معجمة مفتوحة، فموحدة مضمومة، فواو فقاف. صبوحا: بصاد مهملة مفتوحة، فموحدة مضمومة، فواو فحاء. العضباء: كحمراء: المقطوع من طرف أذنها، قال الجوهري: ولم يكن بها عضب ولا جذع. ذي الجدر. نفقت: بنون، ففاء، فقاف مفتوحات: ماتت. العضباء: بعين مهملة، فضاد معجمة، فموحدة: المشقوقة الآذان. الجذعاء: بجيم، فذال معجمة: المقطوعة الأنف أو اليد أو الشفة، ولم تكن عضباء، وإنما كان ذلك اسما لها، قال الجوهري: ولم تكن مقطوعة الأذن. القعود: بقاف مفتوحة، فعين مهملة مضمومة، فواو، فدال مهملة: هي الإبل ما أمكن أن يركب، وأدناه أن يكون له سنتان، ثم قعود إلى أن يدخل في السنة السادسة ثم هو جمل.

الباب السادس في شياهه، ومنائحه، صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في شياهه، ومنائحه، صلى الله عليه وسلّم وفيه نوعان: الأول: في فضل الغنم. روى أبو يعلى برجال ثقات عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: الغنم بركة. وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «عليكم بالغنم، فإنها من دواب الجنة، فصلوا في مراحها، وامسحوا رعامها» قلت: ما الرّعام؟ قال: «المخاط» . وروى البزار عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الفخر، والخيلاء في أهل الإبل، والسكينة، والوقار في أهل الغنم» ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعث موسى، وهو يرعى غنما على أهله، وبعثت أنا، وأنا أرعى غنما لأهلي بجياد» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح والطبراني عن وهب بن كيسان قال: مر أبي على أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أين تريد؟ قال: غنيمة لي قال: نعم، امسح رعامها، وأطب مراحها، وصل في جانب مراحها، فإنها من دواب الجنة، وأيسر بها. وروى الإمام أحمد، وابن ماجة عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «اتخذ غنما يا أم هانئ، فإنها تروح، وتغدو بخير» . وروى البزار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «أكرموا المعز، وامسحوا رعامها، فإنها من دواب الجنة» . وروى أيضاً عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسنوا إلى المعز، وأميطوا عنها الأذى، فإنها من دواب الجنة» . وروى أيضاً بإسناد لا بأس به عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السكينة في أهل الشاة، والبقر» . وروى أيضا مرفوعا وموقوفا عن علي رضي الله تعالى عنه قال: ما من قوم في بيتهم، أو عندهم شاة إلا قدّسوا كلّ يوم مرتين، وبورك عليهم مرتين، يعني شاة لبن.

الثاني: في عدد شياهه، ومنائحه صلى الله عليه وسلم.

وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالمعز خيرا، فإنها مال رقيق، وهو في الجنة، وأحب المال إلى الله تعالى الضأن» . وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أتقاه، ما أنقاه، راعي غنم على رأس جبل، يقيم الصلاة» . الثاني: في عدد شياهه، ومنائحه صلى الله عليه وسلّم. روى الإمامان الشافعي، وأحمد، وأبو داود عن لقيط بن صبرة رضي الله تعالى عنه قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نصادفه في منزله وصادفنا عائشة، فأوتينا بقناع فيه تمر، والقناع الطّبق، وأمرت لنا بخزيرة، فصنعت لنا، ثم أكلنا، فلم نلبث أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال: «هل أكلتم شيئا؟ هل أمر لكم بشيء؟» فقلنا: نعم، فلم نلبث أن دفع الراعي غنمه إلى المراح فإذا شاة تيعر، فقال: «هيه يا فلان ما ولّدت؟» قال: بهمة، قال: «فاذبح لنا مكانها شاة» ، ثم انحرف إلي فقال: «لا تحسبنّ أن من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة، لا نريد أن تزيد، فإذا ولّد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة» . وروى ابن سعد عن إبراهيم بن عبد، من ولد عتبة بن غزوان قال: كانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم عشرا. الأولى: عجوة. الثانية: زمزم. الثالثة: سقيا. الرابعة: بركة. الخامسة: ورسة. السادسة: إطلال. السابعة: إطراف. الثامنة: قمرة. التاسعة: غوثة أو غوثيّة، قال ابن الأثير: كانت له صلى الله عليه وسلم شاة تسمى غوثة، وقيل غيثة، وعنز تسمى اليمن. روى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعنز

تنبيهان

منائح، ترعاهن أم أيمن. وروى أيضا عن محمد بن عبد الله بن الحصين قال: كانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بأحد وتروح كل ليلة على البيت الذي يدور فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم منها شاة تسمى قمرا، ففقدها يوما، فقال: «ما فعلت؟» فقالوا: ماتت يا رسول الله، قال: «ما فعلتم بإهابها؟» قالوا ميتة، قال: «دباغها طهورها» . تنبيهان الأول: قال في العيون: وأما البقر فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ملك منها شيئا قلت: قد ورد أنه صلى الله عليه وسلّم ضحى عن نسائه بالبقر، فيحتمل إن يكون اشتراها حين إرادة الأضحية. الثاني: في بيان غريب ما سبق: تيعر: بفوقية مفتوحة، فتحتية ساكنة، فعين مهملة مكسورة. هيه بهمة: بموحدة مفتوحة، فهاء ساكنة، فميم: الذكر والأنثى من ولد الضائنة.

الباب السابع في ديكته صلى الله عليه وسلم

الباب السابع في ديكته صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الديك: بكسر جمعه ديوك، وأدياك، وديكة كقردة، وقد يطلق على الدجاجة. الأول: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن سب الديك. روى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة بسند جيد عن زيد بن خالد الجهمي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة» . وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ديكا خرج عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فسبه رجل، فلعنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تلعنه، ولا تسبّه، فإنه يدعو إلى الصلاة» . وروى الطيالسي برجال ثقات عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا الديك، فإنه يدعو إلى الصلاة» . وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة» . الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بالدعاء عند صياح الديك. روى الشيخان، والثلاثة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله تعالى من فضله، فإنها رأت ملكا» . الثالث: في أمره صلى الله عليه وسلم باتخاذ الديك. وروى البيهقي عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ الديك الأبيض، فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان، ولا ساحر، ولا الدّويرات حولها. وروى البيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: الديك يؤذن للصلاة، من اتخذ ديكا أبيض حفظه الله تعالى من ثلاثة: من شرّ كلّ شيطان، وساحر وكاهن. أسانيد هذه الأحاديث ضعيفة. الرابع: في سبب صياح ديكة الأرض. روى ابن عدي، والبيهقي في الشعب من طريق ابن أبي عليّ المهلّبي- وهو متروك- عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تعالى ديكا عنقه منطوية تحت العرش، ورجلاه تحت التّخوم، فإذا كانت هدأة من الليل صاح سبّوح قدّوس فصاحت الدّيكة» .

وروى ابن عدي- من طريق يحيى بن رهم بن الحارث الغفّاري- قال ابن حبان: روى عن أبيه نسخة موضوعة لا يحل كتابتها إلا على جهة التعجب- وقال ابن عديّ: أرجو أنه لا بأس به، وقال أبو حاتم: أرجو أن يكون صدوقا، وقال الحافظ في حديث أعلّه به الذهبي: لعل الآفة من غيره- عن العرس بن عميرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تعالى ديكا براثنه في الأرض السفلى، وعرفه تحت العرش، يصرخ عند مواقيت الصلاة، ويصرخ له ديك السموات سماء سماء، ثم يصرخ بصراخ ديك السموات ديكة الأرض، سبّوح سبّوح قدّوس رب الملائكة والروح» . وروى أبو الشيخ في كتاب العظمة، بسند جيد قوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لله عز وجل ديكا، رجلاه تحت سبع أرضين، ورأسه قد جاوز سبع سموات، يسمع في أوان الصلوات، فلا يبقى ديك من ديكة الأرض إلا أجابه» . وروى الطبراني وأبو داود وأبو الشيخ في العظمة، وأبو نعيم في تاريخه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تعالى ديكا أبيض، جناحاه مشوبان بالزبرجد، واللؤلؤ، جناح له بالمشرق، وجناح له بالمغرب، ورأسه تحت العرش، وقوائمه في الهواء» ، وفي لفظ «في الأرض السفلى، يؤذن في كل سحر» ، ولفظ أبي الشيخ «فإذا كان في السحر الأعلى خفق بجناحيه، ثم قال سبّوح قدّوس، ربنا الذي لا إله غيره، فيسمع تلك الصيحة أهل السموات وأهل الأرض إلا الثقلين الإنس والجن، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: ضم جناحيك واخفض صوتك، فيعلم أهل السموات وأهل الأرض أن القيامة قد اقتربت» . وروى أبو الشيخ في العظمة عن أبي راشد الحبراني قال: إن لله عز وجل ديكا- الحديث، فذكر من عظمة خلقه أمرا عظيما، سبح الله تعالى، يقول: سبحان الملك القدوس، الملك الدّيّان، فإذا انتفض صرخت الديوك في الأرض. وروى أبو الشيخ، والطبراني، برجال الصحيح، والحاكم- وصححه- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله عز وجل أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض، ورأسه مثبتة تحت العرش، وهو يقول: سبحانك، ما أعظمك ربنا، فيرد عليه ما يعلم ذلك من حلف كاذبا» . وروى أبو الشيخ- من طريق أيوب بن سويد- ضعفه أحمد وجماعة، وتركه النّسائي، وقال أبو حاتم: لين الحديث، وقال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، وبقية رجاله ثقات- عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن لله عز وجل ديكا براثنه في

الخامس: في محبته صلى الله عليه وسلم الديك.

الأرض السفلى، وعنقه مثنى تحت العرش، وجناحاه في الهواء يخفق بهما سحرا ويقول: القدوس ربنا الرحمن، لا إله غيره» . وروى أيضا من طريق رشدين بن سعد- قال الحافظ ضعيف، قال ابن يونس: كان صالحا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن لله ديكا جناحاه مشوبان بالزّبرجد، واللؤلؤ، والياقوت، جناح له بالمشرق، وجناح له بالمغرب، وقوائمه في الأرض السفلى، ورأسه منثنية تحت العرش- لا إله غيره- فإذا كان في السّحر الأعلى خفق بجناحيه، ثم قال سبّوح قدّوس، ربنا الذي لا إله غيره فعند ذلك تضرب الدّيكة بأجناحها وتصيح، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: ضمّ جناحك، وغضّ صوتك، فيعلم أهل السموات والأرض أن الساعة قد اقتربت. وروى أيضا الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما خلق الله تعالى ديكا براثنه في الأرض السابعة وعرفه منطو، تحت العرش، قد أحاط جناحاه بالأفقين، فإذا بقي ثلث الليل الآخر ضرب بجناحيه، ثم قال: سبّوح، سبّحوا الملك القدّوس، سبحوا ربّنا الملك القدّوس، سبحان ربّنا الملك القدّوس، لا إله لنا غيره، فيسمعها من بين الخافقين إلا الثقلين، فيرون أن الدّيكة إنما تضرب بأجنحتها، وتصرخ إذا سمعت ذلك» ، قال شيخنا رحمه الله تعالى: في هذا الطريق أنه حسن صحيح، إذا علم ذلك تبين أن قول من قال: إن هذا الحديث موضوع ليس بصحيح، وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب الفوائد المجموعة، في بيان الأحاديث الموضوعة، أعان الله تعالى على إكماله وتحريره. الخامس: في محبته صلى الله عليه وسلم الديك. روى الحارث بن أبي أسامة عن عائشة، والحارث العقيلي عن أنس بن مالك، وابن حبان في الضعفاء عن ابن عمر وأبو بكر البرقي عن أبي زيد الأنصاري، وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الديك الأبيض الأفرق صديقي، وصديق صديقي، وعدو عدوي» ، زاد أبو زيد الأنصاري: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبيته معه في بيته- هذه الطرق كلها ضعيفة، وإذا ضم بعضها إلى بعض أفاد قوة، ولم يوافق ابن الجوزي على وضعه كما بينت ذلك في الفوائد. تنبيهات الأول: قال الحافظ: زعم أهل التجربة أن الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لم يزل ينكب في ماله.

الثاني: روى أبو القاسم علي بن محمد بن عبدوس العوفي في فوائده، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: أخبرني واقد أن جنّيا عشق جارية لا أعلمه إلا قال: منهم أو من آل عمر، قال: وإذا في دراهم ديك، فلما جاءها صاح الديك، فهرب فتمثل في صورة إنسان، ثم خرج حتى لقي شيطانا من الإنس، فقال له: اذهب فاشتر لي ديك بني فلان بما كان، وأت به في مكان كذا، فذهب الرجل، فأغلى لهم في الديك فباعوه، فلما رآه الديك صاح فهرب وهو يقول: اخنقه، فخنقه خنقة صرعت الديك، فجاء، فحز رأسه، فلم يلبثوا يسيرا حتى صرعت الجارية. وروى أيضا عن عثمان بن الهيثم المؤذن، قال: خرجت سحرا أؤذن في المنارة فإذا فتى عليه ثياب بياض، فقال: يا عثمان لي حاجة، لم أجد لها أهلا غيرك، قال قلت: ما هي؟ قال: فإن عندنا عليلا، وقد وصف له ديك أفرق، وقد طفت الجدارين فما أصبت له ديكا أفرق، وقد بلغني أن عند جيران لك ديكا، فاشتره لي منهم، قلت: ومن أنت؟ وأين أراك؟ وأين أكون عندك في هذه الليلة؟ حتى أجيئك من هذا الوقت بواحد، فلما أصبحت جئت إلى القوم فقالوا: ما جاء بك، فأخبرتهم، فقالوا: أي وكرامة، فأخذته منهم، وجئت به إلى منزلي فأسقيته وأطعمته، فلما كان في الوقت الذي أخرج فيه أخذته، وخرجت، فلما صرت إلى باب المنارة لأصعد إذا هو قد وثب لي في تلك الصورة، فأخذت الديك، وسلمته إليه، فلما تناوله من يدي مال برأس الديك، فقطعها، ورمى به، فسمعت الصراخ في الدار التي كان فيها الديك، فدخلت المسجد فزعا لذلك، فلما صليت خرجت، فإذا الحصير على جدار القوم، والناس عليها، فقاموا لي فقالوا: كانت عندنا صبيّة مريضة فورثت الديك، فلما كان وقت أذانك طفيت. وقال أبو الفرج في كتاب العرائس: إن بعض طلبة العلم سافر فرافق شخصا في الطريق، فلما كان قريبا من الطريق التي قصدها قال له: صار لي عليك حق، وذمام، وأنا رجل من الجان، ولي إليك حاجة قال: ما هي؟ قال: إذا دخلت إلى مكان كذا فإنك تجد فيه دجاجا، بينهن ديك أبيض، فاسأل عن صاحبه، واشتره واذبحه، فهذه حاجتي، فقلت: يا أخي، وأنا أسألك حاجة، قلت: إذا كان الشّيطان ماردا لا تعمل فيه العزائم، وإذا ألح بالآدمي فما دواؤه؟ قال: يؤخذ له وتر جلد يحمور، فيشد به إبهام المصاب من يده شدّا وثيقا، ويؤخذ من دهن السّداب البري فيقطر في أنفه الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا، فإن السالك له يموت، ولا يعود إليه أحد بعده، قال: فلما دخلت المدينة أتيت إلى ذلك المكان فوجدت الديك لعجوز فسألتها بيعه، فأبت، فاشتريته بأضعاف ثمنه، فذبحته، فخرج عند ذلك رجال ونساء يضربوني،

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

ويقولون: يا ساحر، فقلت: لست بساحر، فقالوا: إنك منذ ذبحت الديك أصيبت شابة عندنا بجني، فطلبت منه وترا من جلد يحمور، ودهن السّداب البرّي، فلما فعلت به ذلك صاح وقال: إنما علمتك على نفسي، ثم قطرت في أنفه الدهن فخر ميتا من ساعته، وشفى الله تلك المرأة، ولم يعاودها بعده شيطان. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: التّخوم: بمثناة فوقية، فخاء معجمة مضمومة، فواو، فميم: مقابلها وحدودها واحدها تخم بفتح التاء، وسكون الخاء. هدأة: بهاء مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فهمزة مفتوحة، فتاء تأنيث: السكون عن الحركات بعد ما يسكن الناس عن المشي والاختلاف في الطريق. براثنه: بموحدة فراء مفتوحتين، فألف، فمثلثة، فنون: جمع برثن وهو المخلب. عرفه: عرف الديك والفرس والدابة: منبت الشعر والريش من العنق.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في السفر والرجوع منه

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في السفر والرجوع منه الباب الأول في اليوم الذي كان يختاره للسفر صلّى الله عليه وسلم وما كان يقوله إذا أراد السفر، وإذا ركب دابته روى البخاري والطبراني وأبو داود والخرائطي عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، وفي رواية عنه قال: فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخرج في سفر إلا يوم الخميس، وفي رواية عن أبي طاهر المخلّص عنه أنه كان يقول: فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخرج إلى سفر، ولا يبعث عنه بعثا إلا يوم الخميس. وروى الطبراني، وأبو الشيخ عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يسافر يوم الخميس. وروى أبو يعلى عن بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب إذا أراد سفرا أن يخرج يوم الخميس، رواه الطبراني بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا خرج يوم الخميس. وروى الإمام أحمد، والشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر حمد الله عز وجل، وسبح، وكبر ثلاثا، ثم قال: «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ» الّلهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعد الأرض، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آئبون عابدون، لربنا ساجدون» . وروى التّرمذي عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلّم وجيوشه إذا علوا الثّنايا كبروا، وإذا هبطوا سجدوا فوضعت الصلاة على هذا. وروى الإمام مالك بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد السفر يقول: «باسم الله، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اطولنا

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

الأرض، وهوّن علينا السفر، اللهم أعوذ بك من وعثاء السفر، ومن كآبة المنقلب، ومن سوء المنظر في الأهل والمال» . وروى البزّار، والإمام أحمد- برجال ثقات- عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا قال: «اللهم بك أصول، وبك أجول، وبك أسير» . وروى مسدد وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والطبراني، والبزار عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج في السفر قال: «اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك الضّبنة في السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعث السفر، وكآبة المنقلب، اللهم اقبض لنا الأرض، وهون علينا السفر» . وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى سفر قال: «اللهم بلّغ بلاغا يبلغ خيرا، ومغفرة منك ورضوانا، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم هون علينا السفر، واطولنا الأرض، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب» . وروى أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا قط إلا قال حين ينهض من جلوسه: «اللهم بك انتشرت، وإليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم أنت رجائي، اللهم اكفني ما أهمّني، وما لا أهتم له، وما أنت أعلم به مني، وزودني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير حيث ما توجهت» . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أردفه على دابته، فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، وحمد ثلاثا، وسبح ثلاثا وهلل الله واحدة، ثم استلقى عليه يضحك، ثم أقبل عليه، فقال: «ما من راكب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله عز وجل يضحك إليه» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بعد الأرض: بموحدة مضمومة، فعين ساكنة: ضد القرب. وعث: بواو مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، وبالثاء المثلثة: الشدة. الضّبنة: بفتح الضاد المعجمة، وسكون الموحدة، وفتح النون: عيال لأنهم في ضبنة، والضّبن ما بين الكشح والإبط. الكآبة: بالمد: تغير النفس من حزن ونحوه. المنقلب: المرجع.

الباب الثاني في صفة سيره، وشفقته على الضعيف

الباب الثاني في صفة سيره، وشفقته على الضعيف روى الشيخان عن عروة بن الزبير قال: سئل أسامة وأنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسير في حجة الوداع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نصّ، قال هشام: والنص فوق العنق. وروى الإمام أحمد، عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد أكمة ونشزا قال: «اللهم لك الشّرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال» . وروى أبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتخلف في السير فيرجئ الضيف، ويردفه ويدعو لهم. وروى أحمد، ومسلم، وأبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا جاء رجل على راحلة، فجعل يصرف بعيره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له» ، فذكر من أصناف المال ما ذكره، حتى يرينا أنه لا حق لأحد منه في فضل. وروى الطبراني من طريق محمد بن علي المروزي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر في السفر مشى. وروى النسائي عن عقبة رضي الله تعالى عنه قال: بينما أقود رسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النّقاب إذا قال: «ألا تركب يا عقبة؟» فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه، قال: «ألا تركب عقبة؟» فأشفقت أن يكون معصية، فنزل وركبت هنيهة، ونزلت، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العنق: بالتحريك: نوع من السير في إسراع. الفجوة: بفاء مفتوحة، فجيم ساكنة، فواو: المتسع من الأرض. النص: بنون مفتوحة: تحريك الدابة إلى أقصى سيرها. الأكمة: بهمزة، فكاف، فميم مفتوحات فتاء تأنيث [الموضع الذي هو أشد ارتفاعا مما حوله] . النّشز: مشددة فألف، فموحدة فتحتية. الرّابية: براء: المكان المرتفع.

الباب الثالث فيما كان يقوله إذا أدركه الليل في السفر، وما كان يقوله ويفعله إذا نزل منزلا، وصفة نومه في السفر، وما كان يقوله في السحر، وفيه أنواع

الباب الثالث فيما كان يقوله إذا أدركه الليل في السفر، وما كان يقوله ويفعله إذا نزل منزلاً، وصفة نومه في السفر، وما كان يقوله في السحر، وفيه أنواع الأول: فيما كان يقوله إذا أدركه الليل. روى الخرائطي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر، فأدركه الليل قال: «يا أرض: ربي وربّك الله، أعوذ بالله من شرك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما دب عليك، أعوذ بالله من شرّ كلّ أسد، وأسود، وحيه، وعقرب، ومن شر ساكن البلد، ومن والد وما ولد» . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا علا نشزا من الأرض يقول: «اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال» . الثاني: فيما كان يقوله ويفعله إذا نزل منزلا. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والطبراني بسند جيد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى قرية يريد دخولها قال: «اللهم بارك لنا فيها ثلاث مرات، اللهم ارزقنا جناها، وحببنا إلى أهلها، وحبب صالح أهلها إلينا» . وروى الطبراني بسند جيد عن أبي لبابة بن عبد المنذر، والطبراني برجال ثقات- فيهم راو لم يسم- عن أبي معتّب بن عمرو الطبراني- برجال ثقات- عن كعب الأحبار عن صهيب، وأبو يعلى والنسائي في الكبرى عن صهيب رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدخل قرية لم يدخلها حتى يقول- ولفظ أبي معتّب أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه وأنا معهم: «تقدموا فقال: ثم اتفقوا، اللهم رب السموات السبع وما أقلت- ولفظ الآخرين- وما أظللت، ورب الأرضين السبع وما أقلت- ولفظهما وما أقللن- ورب الشياطين وما أضلت- ولفظهما وما أضللن- ورب الرياح وما ذرت- ولفظهما وما ذرين- إني أسألك خير هذه القرية، وخير أهلها وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها زاد صهيب: اقدموا باسم الله» . وروى ابن أبي شيبة، وأبو يعلى، والبيهقي في الكبرى، والحاكم من طريقين، والخرائطي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا لم يرتحل منه حتى يودّعه بركعتين.

الثالث: في صفة نومه في السفر.

وروى الطبراني عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا في سفر أو دخل بيته لم يجلس حتى يركع ركعتين. وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل حتى يصلي الظهر، قيل: يا أبا حمزة، وإن كان نصف النهار؟ قال: وإن كان نصف النهار. وروى البزار والطبراني، والإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح إلا محمد بن ربيعة- وهو ثقة- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة قال: «اللهم منايانا بها حتى تخرجنا منها» ، كره صلى الله عليه وسلّم أن يموت في غير دار هجرته. الثالث: في صفة نومه في السفر. روى مسلم عن أبي قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فعرّس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرّس قبل الصبح نصب ذراعيه، ووضع رأسه على كفيه. الرابع: فيما كان يقوله في السحر. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: «سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا اللهم ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النار» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: السحر: آخر الليل قبيل الصبح أو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر. أقلّت: بهمزة مفتوحة، فقاف، فلام مفتوحتين: حملت. التّعريس: نزول المسافر بالليل للنوم والراحة، والله أعلم.

الباب الرابع فيما كان يقوله إذا رجع من سفره، وما كان يفعله إذا قدم وما كان يقوله إذا دخل على أهله صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع فيما كان يقوله إذا رجع من سفره، وما كان يفعله إذا قدم وما كان يقوله إذا دخل على أهله صلى الله عليه وسلّم وروى الإمام أحمد، والشيخان، والإمام مالك، وأبو داود، والترمذي وغيرهم بدل «ساجدون: سائحون» ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل من سفر غزو أو حج، أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آئبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» . وروى البزار- برجال ثقات- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخرج من باب الشّجرة، ويخرج من طريق المعرّس. وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يطرق أهله طروقا. وروى الإمام أحمد، والطّبراني، وزاد يدخل غدوة أو عشيّا. وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من حجّته دخل المدينة، وأناخ على باب مسجده، ثم دخل، فركع فيه ركعتين، ثم انصرف إلى بيته. وروى الطّبراني والبزّار والإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الرجوع قال: «تائبون عابدون لربنا حامدون» ، فإذا دخل على أهله قال: «توبا توبا لربنا أوبا لا يغادر علينا حوبا» . وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بات بالمعرّس حتى يتغدى. وروى البخاري، وأبو داود عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلما دنا من المدينة قال: «آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال» . وروى البزار والطبراني عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل راجعا إلى المدينة يقول: «آئبون، لربنا حامدون، لربنا عابدون» .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: باب الشجرة: موضع يضاف إليه مسجد ذي الحليفة. المعرّس: بميم مضمومة، فعين مهملة، فراء مفتوحتين، فسين مهملة: مكان بذي الحليفة عرس به النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيه الصبح، ثم رحل، والتعريس نزول المسافر آخر الليل، والمعرّس مكان التّعريس. الطّروق: بطاء مهملة فراء مضمومة فواو فقاف. حوباء: بحاء مهملة مفتوحة فواو ساكنة فموحدة: إثما.

الباب الخامس في آداب متفرقة تتعلق بالسفر

الباب الخامس في آداب متفرقة تتعلق بالسفر وفيه أنواع: الأول: في وداعه من أراد سفرا. روى الإمام أحمد، وأبو يعلى- بسند جيد- عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم معه يوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راحلته- الحديث. وروى مسدد عن رجل من الأنصار، عن أبيه رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ودع رجلا، فقال: «زوّدك الله التقوى، وغفر لك، ويسر لك الخير حيث ما كنت. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي- وقال حسن صحيح- والنسائي، والحاكم، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يودعنا، وفي رواية عنه أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فأخذ بيدي، وقال: «أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك» . وروى الطبراني برجال ثقات عن قتادة الرّهاوي رضي الله تعالى عنه، قال: لما عقد لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قومي أخذت بيده فودعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «جعل الله التقوى رداءك، وغفر ذنبك، ووجهك للخير حيث ما توجهت» . وروى أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية للحج، قال: فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إليه، فقال: «يا غلام زودك الله التقوى، ووجهك في الخير» ، في رواية: «للخير، وكفاك الهم» . وروى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «استودعك الله الذي لا تضيع وودائعه» . وروى الإمام أحمد، والترمذي- وحسنه- والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: «عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف» ، فما ولّى الرجل قال: «اللهم أطوله البعيد، وهوّن عليه السفر» . وروى الترمذي- وحسنه- قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد سفرا فزوّدني قال: «زودك الله التقوى» ، قال: زوّدني قال: «وغفر ذنبك» ، قال: زودني، بأبي أنت وأمي، قال: «ويسر لك الخير حيث ما كنت» .

الثاني: في سيرته صلى الله عليه وسلم في سلامه على من قدم من سفر.

الثاني: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في سلامه على من قدم من سفر. وروى الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قدم زيد بن حارثة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتى زيد، فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم عريانا، يجر ثوبه، والله ما رأيته عريانا قبلها، ولا بعدها، فاعتنقه، وقبله. وروى أبو داود عن الشعبي مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلقى جعفر بن أبي طالب، فالتزمه، وقبل ما بين عينيه. وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن غلاما حج، فلما قدم سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فرفع رأسه إليه، وقال: «يا غلام قبل الله حجك، وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك» . الثالث: في سؤاله صلى الله عليه وسلّم الدعاء من بعض المسافرين. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي- وقال حسن صحيح- وابن ماجة عن أنس وابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن له، وقال: «يا أخي: أشركنا في صالح دعائك، ولا تنسنا» . الرابع: في جعله صلى الله عليه وسلّم آخر عهده بفاطمة. وروى الإمام أحمد، والبيهقي في الشعب عن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة- الحديث. الخامس: في اتخاذه الدليل، والحادي في السفر. وروى الطبراني عن حسن بن خارجة الأشجعي رضي الله تعالى عنه قال: قدمت المدينة في جلب أبيعه فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أجعل لك عشرين صاعا من تمر، على أن تدل أصحابي على طريق خيبر» ، ففعلت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم خيبر وفتحها جئت فأعطاني العشرين، ثم أسلمت. السادس: في تنقله صلى الله عليه وسلّم على الراحلة. وروى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته، ثم كبر، ثم صلى، وجه ركابه. وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يسبح على ظهر ناقته حيث كان وجهه، يومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله.

المجلد الثامن

[المجلد الثامن] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب سيرته صلّى الله عليه وسلم في الطهارة للصلاة الباب الأول في البئر التي توضأ أو اغتسل- صلى الله عليه وسلّم- منها وفيه أنواع: الأول: في تطهّره [ (1) ]- صلى الله عليه وسلّم- من بئر بضاعة [ (2) ] . وروى الشافعي، وأحمد والثلاثة، وصحّحه أحمد، وابن منيع، وابن حزم، والبغوي في شرح السنة، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه، وقاسم بن أصبغ [ (3) ] في مصنّفه، وصحّحه هو وابن القطّان، وصحّحه في مواضع أخر، وصوّبه عن سهل القطب الخيضريّ [ (4) ] في جزء جمعه في بئر بضاعة عن سهل بن سعد- رضي الله عنهما- قالا: قيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنّه يستسقى لك من بئر بضاعة، ويلقى فيه لحوم الكلاب، وخرق الحائض، وعذر النّساء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الماء طهور لا ينجّسه شيء» [ (5) ] .

_ [ (1) ] قوله: (الطهارة) : هي في اللغة، النظافة، وفي اصطلاح الفقهاء رفع حدث وإزالة نجس، أو ما في معناهما، وهو تجديد الوضوء، والأغسال المسنونة، والغسلة الثّانية والثّالثة في الوضوء، والنجاسة، والتيمم، وغير ذلك مما لا يرفع حدثا ولا نجسا، ولكنه في معناهما. [ (2) ] انظر معجم البلدان 1/ 24. [ (3) ] قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف البياني القرطبي: محدّث الأندلس. أصله من بيّانة، من أعمال قرطبة. سكن قرطبة ومات بها. وكان جده من موالي بني أمية. له «مسند مالك» و «بر الوالدين» و «الصحيح» على هيئة صحيح مسلم، و «الأنساب» و «أحكام القرآن» و «الناسخ والمنسوخ» و «بديع الحسن» و «المجتبى» على نحو كتاب المنتقى لابن الجارود، و «فضائل قريش» توفى 340 هـ- انظر الأعلام 5/ 173. [ (4) ] محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر، قطب الدين أبو الخير ابن الخيضري الزّبيدي الدمشقي الشافعي: قاض، من العلماء بالتراجم والأنساب والحديث. أصله من عرب البلقاء. ولد في بيت لهيا (من قرى دمشق) وقرأ بدمشق وبعلبك والقدس ومصر ومكّة. وولي قضاء الشافعية وكتابة السر بدمشق، وتوفي بالقاهرة. له كتب، منها «الاكتساب في تلخيص كتب الأنساب- و «اللفظ المكرم بخصائص النبي الأعظم و «شرح ألفية العراقي» و «طبقات الشافعية» و «البرق اللموع» في الأحاديث الموضوعة، الأعلام 7/ 51، 52. [ (5) ] أخرجه الشافعي عن ترتيب المسند 1/ 21، كتاب الطهارة باب في المياه، (35) . وأحمد في المسند 3/ 31، 86 في مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأبو داود في السنن 1/ 53، 54، كتاب الطهارة (1) ، باب ما جاء في بئر بضاعة (34) ، (66) . والترمذي في السنن 1/ 95- 96، كتاب الطهارة (1) ، باب أن الماء لا ينجسه شيء (49) ، (66) وقال: (حديث حسن) والنسائي في المجتبى من السنن 1/ 174 كتاب المياه (2) ، باب ذكر بئر بضاعة (1) . وابن ماجة في السنن 1/ 173، كتاب الطهارة (1) ، باب الحياض (76) (519) والدارقطني في السنن 1/ 31،

الثاني: في استعماله - صلى الله عليه وسلم - سؤر السباع.

وروى ابن ماجة، عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «الماء لا ينجّسه شيء إلّا ما غلب على طعمه وريحه ولونه» [ (1) ] . ورواه الدارقطني بلفظ: «إلّا ما غيّر ريحه أو طعمه» . قال الشافعي: هذا الحديث لا يثبت أهل الحديث مثله: ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا. قال أبو حاتم الرازي: الصحيح أنّه مرسل على راشد بن سعد [ (2) ] . الثاني: في استعماله- صلّى الله عليه وسلّم- سؤر السّباع. روى الدارقطني بسند ضعيف، فيه محمد بن علوان عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فسار ليلا فمرّوا على رجل جالس عند مقراة له، فقال له عمر: [يا صاحب المقراة أو لغت السّباع عليك اللّيلة في مقراتك؟ فقال له النبي- صلى الله عليه وسلّم-] : «يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلّف، لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور» [ (3) ] . وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الحياض الّتي تكون بين مكة والمدينة وقيل له: إنّ السّباع والكلاب ترد عليها، فقال: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور» [ (4) ] . وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الحياض الّتي تكون بين مكة والمدينة، [وقالوا]-: تردها السّباع

_ [ () ] كتاب الطهارة، باب الماء المتغير، (15) ، واللفظ للترمذي. [ (1) ] رواه ابن ماجة في الطهارة باب الحياض 1/ 174 والدارقطني 1/ 28 والبيهقي 1/ 259 وعزاه الحافظ في التلخيص 1/ 26 إلى الطبراني ورواه عبد الرزاق في المصنف 1/ 80 مرسلا وكذلك الطحاوي في شرح الآثار 1/ 16 وفيه رشدين بن سعد ضعفه عامة العلماء وقال ابن حجر في التلخيص 1/ 26 متروك وفي التقريب 1/ 251 ضعيف. مات سنة 188 وانظر ميزان الاعتدال 2/ 49 والحديث ضعفه أبو حاتم والشافعي والدارقطني والطحاوي وقال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه. انظر تلخيص الحبير 1/ 26 وبلوغ المرام ص 3 ونصب الراية 1/ 94. [ (2) ] راشد بن سعد المقرائي ويقال الحبراني الحمصي. روى عن ثوبان وسعد بن أبي وقاص وأبي الدرداء وعمرو بن العاص وذي مخبر الحبشي. قال الأثرم عن أحمد لا بأس به وقال الدارميّ عن ابن معين ثقة وكذا قال أبو حاتم والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي وقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد هو أحب إلي من مكحول وقال المفضل الغلابي من أثبت أهل الشام وقال ابن سعد كان ثقة مات سنة 108. التهذيب 3/ 225، 226. [ (3) ] أخرجه الدارقطني 1/ 26 وفي إسناده محمد بن علوان قال أبو الفتح الأسدي: متروك انظر ميزان الاعتدال (7960) . [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 31 بلفظ (ما في بطونها لها وما بقي فهو لنا طهور) .

الثالث: في وضوئه - صلى الله عليه وسلم - بسؤر الهرة.

والكلاب والحمر- وعن الطّهارة بها، فقال: «لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر» [ (1) ] . وروى الدارقطني- وضعفه- عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قيل يا رسول الله أنتوضّأ بما أفضلت الحمر؟ قال: «نعم. وما أفضلت السّباع» [ (2) ] . الثالث: في وضوئه- صلى الله عليه وسلّم- بسؤر الهرّة. روى ابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنه- قالت: «كنت أتوضّأ أنا ورسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من إناء واحد، قد أصابت منه الهرّة قبل ذلك» [ (3) ] . وروى الطبراني برجال ثقات، والدارقطني عنها قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تمرّ به الهرّة فيصغى له الإناء فيشرب منه ويتوضّأ بفضله» ورواه الدّارقطنيّ بلفظ: تمرّ به فيصغي لها [ (4) ] . وروى أحمد وابن منيع والبخاري وأبو داود وابن ماجة عن عائشة ومسدد وأصحاب السنن وابن حبان عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ من إناء شربت منه الهرّة» [ (5) ] وروى أبو داود والدارقطني عنها قالت: «ليست بنجسة وإنما هي من الطّوّافين عليكم وقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتوضّأ بفضلها: يعني الهرّة» .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 1/ 258 وقال هكذا رواه إسماعيل بن أبي أويس عن عبد الرحمن وروى عن ابن وهب عن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة وعبد الرحمن بن زيد ضعيف لا يحتج بأمثاله وقد روي من وجه آخر عن ابن عمر مرفوعا وليس بمشهور. [ (2) ] أخرجه الشافعي في الأم 1/ 6 كتاب الطهارة باب الماء الراكد والدارقطني في السنن 1/ 62 كتاب الطهارة، باب الآسار (2) و (3) والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 249- 250، كتاب الطهارة باب سؤر سائر الحيوانات سوى الكلب والخنزير. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 131 (368) وقال البوصيري في الزوائد 1/ 155 هذا إسناد ضعيف لضعف حارثة بن أبي الرجال ورواه أبو داود والدارقطني من هذا الوجه بغير هذا اللفظ وله شاهد من حديث أبي قتادة رواه الترمذي وقال حسن صحيح فهو أحسن شيء في هذا الباب قال وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلّم- والتابعين ومن بعدهم الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأسا. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 16 وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 221 وعزاه البزار والطبراني في الأوثق وقال رجاله موثقون. قلت بل في رجال البزار مندل بن علي وهو ضعيف وله إسناد آخر فيه محمد بن عمر الواقدي وهو أضعف من مندل. [ (5) ] أخرجه مالك في الموطأ 1/ 22- 23 كتاب الطهارة (2) باب الطهور للوضوء (3) الحديث (13) والشافعي في الأم 1/ 6- 7، كتاب الطهارة باب الماء الراكد وأحمد في المسند 5/ 303 في مسند أبي قتادة رضي الله عنه والدارمي في السنن 1/ 187- 188 كتاب الوضوء باب الهرة إذا ولغت في الإناء وأبو داود في السنن 1/ 60 كتاب الطهارة (1) ، باب سؤر الهرة (38) (75) والترمذي في السنن 1/ 153- 154 كتاب الطهارة (1) باب في سؤر الهرة (69) (92) والنسائي في المجتبى من السنن 1/ 55 كتاب الطهارة (1) باب سؤر الهرة (54) وابن ماجة في السنن 1/ 131 كتاب الطهارة باب الوضوء بسؤر الهرة (32) (367) ولفظ والطوافات عند أحمد في رواية وأبي داود والنسائي واللفظ عند الباقين أو الطوافات.

الرابع: في استعماله فضل طهور المرأة:

الرابع: في استعماله فضل طهور المرأة: روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما قال: اغتسل بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- من جنابة في جفنة، فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليتوضّأ أو يغتسل، فقالت: إنّي كنت جنبا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّ الماء لا يجنب» [ (1) ] ، ورواه الإمام أحمد برجال ثقات، وعنده لا ينجّسه شيء. وروى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها اغتسلت في قصعة ثمّ جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاغتسل فقالت: إنّي كنت جنبا فقال: «إنّ الماء لا يجنب» . وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يغتسل من فضل ميمونة [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، وأبو يعلى برجال ثقات عن أمّ صبيّة- خولة بنت قيس الجهنيّة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «اختلفت يدي ويدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الوضوء من إناء واحد» [ (3) ] «تنبيه» وروى الإمام أحمد عن رجل من الصحابة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «نهى أن يغتسل الرّجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرّجل» . الخامس: في وضوئه- صلى الله عليه وسلّم- بما يقع فيه تمرات إن صح الخبر: روى الترمذي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-[ (4) ]

_ [ (1) ] أخرجه من رواية ابن عباس عن ميمونة: أحمد في المسند 6/ 230 في مسند ميمونة بنت الحارث زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- والدارقطني في السنن 1/ 52، كتاب الطهارة، باب استعمال الرجل فضل وضوء المرأة، (3) وبمعناه مختصر أخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 132، كتاب الطهارة (1) ، باب الرخصة بفضل وضوء المرأة (33) ، (372) ومن حديث ابن عباس قال «أجنب النبي- صلى الله عليه وسلّم- وميمونة فاغتسلت ميمونة في جفنة..» أخرجه أحمد في المسند 1/ 337، في مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنه. وعنه مختصرا «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يغتسل بفضل ميمونة» أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 257، كتاب الحيض (3) ، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة ... وغسل أحدهما بفضل الآخر (10) (48/ 323) . [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 436 كتاب الغسل باب الغسل بالصاع (253) ومسلم 1/ 257 في كتاب الحيض باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (48- 323) . [ (3) ] أخرجه أبو داود 1/ 20 حديث (78) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 450 في مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأبو داود في السنن 1/ 66 كتاب الطهارة (1) باب الوضوء بالنبيذ (42) الحديث (84) ولم يذكر «فتوضأ منه» والترمذي في السنن 1/ 147 كتاب الطهارة (1) باب الوضوء بالنبيذ (65) الحديث (88) وقال وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا تعرف له رواية غير هذا الحديث وابن ماجة في السنن 1/ 135 كتاب الطهارة (1) باب الوضوء بالنبيذ (37) الحديث (384) .

السادس: في وضوئه من ماء زمزم:

ليلة الجنّ: «ما في إداوتك أو ركوتك» ؟، قلت: نبيذ، قال: «تمرة طيّبة وماء طهور، فتوضّأ منه» ، ورواه أبو داود ولم يذكر: فتوضّأ منه. السادس: في وضوئه من ماء زمزم: روى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده في رواية المسند عن علي- رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أتى في حجة الوداع بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضّأ [ (1) ] . السابع: في وضوئه- صلى الله عليه وسلّم- بفضل سواكه: روى البزار بسند ضعيف عن أنس- رضي الله تعالى عنه-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يتوضّأ بفضل سواكه» [ (2) ] . الثامن: فيما يحمل الخبث من الماء: روى الإمام الشافعي، وأحمد والأربعة وابن خزيمة وأبو داود والنسائي والحاكم وقال: على شرط البخاري ومسلم وصحّحه الخطّابيّ، والطحاوي والبيهقي، عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من الدّواب والسّباع فقال: «إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث» [ (3) ] . وفي لفظ لابن ماجة «لم ينجّسه شيء» . ولأبي داود «ولم ينجس» . ورواه ابن عدي بلفظ [ (4) ] : «إذا بلغ الماء قلّتين بقلال هجر لم ينجّسه شيء» وليس في إسناده سوى المغيرة بن صقلاب [ (5) ] بكسر الصاد المهملة. وفي رواية الشافعي قال ابن جريج: وقد رأيت قلال هجر، فالقلّة تسع قربتين أو قربتين وشيئا.

_ [ (1) ] أخرجه في زوائد المسند 1/ 76. [ (2) ] أخرجه البزار كما في كشف الأستار 1/ 144 حديث (274) . قال البزار: رواه سعد بن الصلت عن الأعمش عن مسلم قال الهيثمي رواه البزار والأعمش لم يسمع من أنس وجمع الزوائد ص 216 ج 1. [ (3) ] أخرجه الشافعي في الأم 1/ 4 كتاب الطهارة باب الماء الراكد وأخرجه أحمد في المسند 2/ 27 في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما- بلفظ «لم ينجسه شيء» والدارمي في السنن 1/ 187 كتاب الوضوء باب قدر الماء الذي لا ينجس وأبو داود في السنن 1/ 51 كتاب الطهارة (1) باب ما ينجس الماء (33) الحديث (63) والترمذي في السنن 1/ 97 كتاب الطهارة (1) باب الماء لا ينجسه شيء (50) الحديث (67) والنسائي في المجتبى من السنن 1/ 46 كتاب الطهارة (1) باب التوقيت في الماء (44) كلهم بلفظ «لم يحمل الخبث» وابن ماجة في السنن 1/ 172 كتاب الطهارة (1) باب مقدار الماء الذي لا ينجس (75) الحديث (517) و (518) . [ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 359 (220/ 1841) . [ (5) ] مغيرة بن سقلاب. عن ابن إسحاق. قال أبو جعفر النفيلي: لم يكن مؤتمنا. وقال ابن عدي: حراني منكر الحديث.

التاسع: في الماء المشمس والمسخن.

التاسع: في الماء المشمّس والمسخّن. روى الدارقطني من طريق خالد بن إسماعيل المخزومي- وهو متروك- عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: دخلت علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد سخّنت ماء في الشّمس فقال: «لا تفعلي يا حميراء فإنّه يورث البرص» [ (1) ] . وروى أيضا من طريق عمرو بن محمد [ (2) ] وقال: - منكر الحديث- عنها قالت: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يتوضّأ بالمشمّس أو يغتسل به، وقال: «إنّه يورث البرص» [ (3) ] . وروى أيضا وصححه المحب الطبري عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: «لا تغتسلوا بالماء المشمّس فإنّه يورث البرص» [ (4) ] ، قال صاحب الغرام: وأنّى له بالصحة مع الجهل باتصاله إلى عمر، فإن حسّان بن أزهر راويه عنه، وإنه ذكره ابن حبان في الثقات فقد قال الحافظ أبو الحجّاج المزّيّ، كما نقله عد الزركشي: إنه يجهّل، وإنّه لم يدرك عمر. وروى أيضا وصححه عن أسلم رحمه الله تعالى، مولى عمر بن الخطاب، أنّ عمر كان يسخّن له الماء في قمقم ويغتسل به [ (5) ] .

_ [ () ] الوليد بن عبد الملك الحراني، حدثنا المغيرة بن سقلاب، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر- مرفوعاً: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء. والقلة أربعة آصع. أبو همام السكوني، حدثنا مغيرة بن سقلاب، عن معقل بن عبيد الله، عن عمرو بن دينار، عن جابر- مرفوعا: ما من صدقة أفضل من قول. قال الأبار: سألت علي بن ميمون الرقي عن المغيرة بن سقلاب، فقال: كان لا يسوي بعرة. ميزان الاعتدال 4/ 163. [ (1) ] رواه الدارقطني 1/ 38 وقال غريب جدا خالد بن إسماعيل متروك ورواه البيهقي 1/ 6 وقال هذا لا يصح وأورده السيوطي في اللآلي المصنوعة 2/ 5 وأودعه الشوكاني فوائده المجموعة ص 8 وقال له طرق لا تخلو من كذاب أو مجهول. [ (2) ] عمرو بن محمد الأعسم. عن سليمان بن أرقم. قال الدارقطني: منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يروى عن الثقات المناكير. ويضع أسامي المحدثين. روي عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة- مرفوعا: من أتى امرأته وهي حائض فجاء ولده أجذم فلا يلومن إلا نفسه. روى عنه أحمد بن الحسين بن عباد البغدادي أحاديث كلها موضوعة. قال الخطيب: كان ضعيفا. وقال محمد بن حسان الأزرق: حدثنا عمرو بن محمد بن الحسن البصري، عن مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: من بنى لله مسجدا فليس له أن يبيعه ولا يبدله، ولا يمنع أحدا يصلي فيه إلا صاحب هوى أو بدعة. ميزان الاعتدال 3/ 286. [ (3) ] أخرجه البيهقي 1/ 7 وقال عمرو بن محمد الأعسم منكر الحديث ولم يروه عن فليح غيره ولا يصح عن الزهري وقال الذهبي في المهذب قلت الأعسم منهم. [ (4) ] أخرجه العقيلي في الضعفاء 2/ 176 وقال وليس في الماء المشمس شيء يصح مسند إنما يروى فيه شيء عن عمر رضي الله عنه. وانظر نصب الراية 1/ 102 وتلخيص الحبير 1/ 21 والموضوعات لابن الجوزي 2/ 79 والفوائد المجموعة للشوكاني (8) . [ (5) ] أخرجه البيهقي 1/ 6 قال أبو الحسن هذا إسناد صحيح.

العاشر: في الماء المستعمل ونية الاغتراف:

العاشر: في الماء المستعمل ونية الاغتراف: روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدّائم وهو جنب» ، فقيل: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا [ (1) ] . وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعودني وأنا مريض، لا أعقل، فتوضّأ، وصبّ وضوءه عليّ [ (2) ] . تنبيه في بيان غريب ما سبق: بئر بضاعة: حكى الجوهري وابن فارس كسر الموحدة وضمّها واقتصر. عذر النّساء: بعين مهملة مفتوحة، وكسر الذال المعجمة، وروي أيضا بكسر العين وفتح الذال، وضم العين تصحيف والمراد بذلك الغائط. مقراة: الحوض يجتمع فيه الماء. الإداوة: بكسر الهمزة ودال مهملة إناء صغير من جلد. السّجل- بفتح السين المهملة، وسكون الجيم. هو الدلو الممتلئ ماء. قلال هجر: بقاف مكسورة، فلام، فألف فلام: جمع قلة وهي الحب- بالحاء المهملة- العظيم. وسميت القلة لأنها تقلّ وتحمل. وهجر قرية من المدينة وليست هجر البحرين.

_ [ (1) ] متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 346 كتاب الوضوء (4) باب البول في الماء الدائم (68) الحديث (239) ومسلم في الصحيح 1/ 235، كتاب الطهارة (2) باب النهي عن البول في الماء الراكد (28) الحديث (96/ 282) . [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 360 حديث (194) أطرافه في: 4577، 5651، 5664، 5676، 6723، 6743، 7309 وأخرجه مسلم 3/ 1234 (5- 1616) .

الباب الثاني في آدابه - صلى الله عليه وسلم - عند قضاء الحاجة

الباب الثاني في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- عند قضاء الحاجة وفيه أنواع: الأول: في بعده عن الناس، في الصحراء: روى أبو داود، والنسائي، والحاكم بسند صحيح على شرط مسلم- وأقره الذهبي- عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب المذهب أبعد» [ (1) ] . وروى أبو داود وابن ماجة [عن جابر وابن ماجة عن يعلى بن مرة، وأبو يعلى عن أنس وابن ماجة] عن بلال بن الحارث والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- والإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وقال: حسن صحيح- عن المغيرة بن شعبة وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله تعالى عنهم، قالوا: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا أنطلق لحاجته تباعد حتّى لا يراه أحد» [ (2) ] . وروى أبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يذهب لحاجته إلى المغمّس» [ (3) ] . قال نافع: «وهو نحو ميلين عند مكة» . وروى ابن ماجة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يأتي البراز حتّى يتغيّب فلا يرى [ (4) ] . الثاني: في تبوئه لبوله: روى ابن سعد والحارث بن أبي أسامة والطبراني برجال ثقات غير يحيى بن عبيد وأبيه فيحرر حالهما عن يحيى بن عبيد الجهضميّ عن أبيه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتبوّأ لبوله كما يتبوّأ لمنزله» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 1 حديث (1) والنسائي في الطهارة 1/ 21 وابن خزيمة حديث (50) وابن ماجة (331- 333) وأحمد في المسند (4/ 284) والبيهقي 1/ 93. [ (2) ] أخرجه أبو داود في السنن 1/ 14 كتاب الطهارة (1) باب التخلي عند قضاء الحاجة (1) الحديث (2) وابن ماجة في السنن 1/ 121 كتاب الطهارة (1) باب التباعد للبراز في الفضاء (22) الحديث (335) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 1/ 451 وقال الهيثمي في المجمع بعد عزوه له في الكبير والأوسط رجاله ثقات من أهل الصحيح انظر مجمع الزوائد 1/ 208 أول كتاب الطهارة. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 131 حديث (335) أخرجه ابن سعد في الطبقات. [ (5) ] أخرجه ابن حجر في المطالب العالية 1/ 15 حديث 36 وهو عند الطبراني في الأوسط من رواية يحيى بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة كما يظهر من مجمع الزوائد (1/ 204) قال الهيثمي لم أر من ذكرهما يعني يحيى بن عبيد بن دجى (كذا) وأباه قلت ذكر ابن أبي حاتم عدة ممن اسمه يحيى بن عبيد وكل واحد منهم روى عن أبيه.

الثالث: في لبسه نعله وتغطية رأسه، ووضعه خاتمه قبل الدخول وغير ذلك مما يذكر:

وروى الحارث بن أبي أسامة وأبو داود في المراسيل عن طلحة بن أبي قنان [ (1) ] بقاف مفتوحة فنونين بينهما ألف: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يتبوّأ [قرارا عزازا] من الأرض أخذ عودا فنكت به الأرض حتّى يثير التّراب ثمّ يبول فيه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دمثا في أصل جدار فبال، ثم قال: «إذا أراد أحدكم أن يبول، فليرتد لبوله» [ (3) ] . الثالث: في لبسه نعله وتغطية رأسه، ووضعه خاتمه قبل الدخول وغير ذلك مما يذكر: روى ابن سعد عن حبيب بن صالح [ (4) ]- رحمه الله تعالى- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد دخول المرفق لبس حذاءه وغطّى رأسه» [ (5) ] . وروى الاربعة وابن حبان والحاكم وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» [ (6) ] . وروى البيهقي بسند ضعيف، والترمذي- وقال: حسن صحيح غريب- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء غطّى رأسه، وإذا أتى أهله غطّى رأسه» [ (7) ] .

_ [ (1) ] طلحة بن أبي قنان. أرسل عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا أراد أن يبول فأتى عزازا من الأرض أخذ عودا فنكت به حتى يثرى ثم يبول ولا يدري من طلحة. ميزان الاعتدال 2/ 342. [ (2) ] أخرجه أبو داود في المراسيل ص 71 حديث (1) وذكره ابن حجر في المطالب العالية 1/ 15 ونسبه للحارث بن أبي أسامة والحديث رجاله ثقات غير طلحة بن أبي قنان وهو العبدري الدمشقي فلم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل وقال أبو الحسن القطان لا يعرف. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 396 في مسند أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأبو داود في السنن 1/ 15 كتاب الطهارة (1) باب الرجل يتبوأ لبوله (2) الحديث (3) قال المنذريّ في مختصر سنن أبي داود 1/ 15 فيه مجهول. [ (4) ] (د ت ق) حبيب بن صالح الطائي أبو موسى الحمصي. عن عبد الرحمن بن سابط، ويحيى بن جابر. وعنه حريز بن عثمان وبقية قال أبو زرعة: مشهور في بلده بالعلم والفضل. قال أبو داود: شيوخ حريز كلهم ثقات. قيل: توفي سنة سبع وأربعين ومائة. الخلاصة 1/ 193. [ (5) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 103. [ (6) ] أخرجه أبو داود في السنن 1/ 25 كتاب الطهارة (1) باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل الخلاء (10) الحديث (19) وقال هذا حديث منكر والترمذي في السنن 4/ 229 كتاب اللباس (25) باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين الحديث (1746) وقال هذا حديث حسن غريب والنسائي في المجتبى من السنن 8/ 178 كتاب الزينة (48) باب نزع الخاتم عند دخول الخلاء (53) وابن ماجة في السنن 1/ 110 كتاب الطهارة (1) باب ذكر الله عز وجل على الخلاء والخاتم في الخلاء (11) الحديث (303) . [ (7) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/ 96 وقال وهذا الحديث أحد ما أنكر على محمد بن يونس الكديمي.

الرابع: فيما كان يستتر به:

الرابع: فيما كان يستتر به: روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان أحبّ ما استتر به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لحاجته هدف أو حائش نخل. يعني حائط نخل» [ (1) ] . وروى أبو داود والنسائي وابن حبان عند عبد الرحمن بن حسنة [ (2) ] رضي الله تعالى عنه- (وفي رواية الأوّلين عن عبد الرحمن عن أبي موسى) قال: «انطلقنا أنا وعمرو بن العاص إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخرج ومعه درقة، ثمّ استتر بها ثمّ بال» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وسنده جيد عن يعلى ابن سيابة- بسين مهملة مكسورة وتخفيف التحتية وهي أمه واسم أبيه مرّة بن وهب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مسيرة له، فأراد أن يقضي حاجته فأمر ودبّتين فانضمّت (إحداهما) إلى الأخرى- ثمّ أمرهما فرجعتا إلى منابتهما» [ (4) ] . وروى ابن ماجه عنه أيضا: عن أبيه قال: كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فأراد أن يقضي حاجته فقال: «ائت تلك الاشاءتين، فقل لهما: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمركما أن تجتمعا» ، فاجتمعتا، فاستتر بهما فقضى حاجته ثمّ قال: «ائتهما فقل لهما: لترجع كلّ واحدة منكما إلى مكانها» ، فقلت لهما فرجعتا [ (5) ] . الخامس: فيما كان يقوله إذا أراد قضاء الحاجة وأراد به عند الجلوس: روى الجماعة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» [ (6) ] . وروى الطبراني في الأوسط عن جابر والترمذي وأبو داود عن أنس وابن عمر- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 68، حديث 79/ 342 وأحمد في المسند 1/ 204. [ (2) ] عبد الرحمن بن حسنة أخو شرحبيل صحابي له حديث. وعنه زيد بن وهب. الخلاصة 2/ 130. [ (3) ] أخرجه أبو داود 1/ 6 حديث ص 22 والنسائي 1/ 28 وابن ماجة 1/ 124- 346. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 172. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 122 حديث 339 وقال البوصيري في الزوائد 1/ 144 هذا إسناد ضعيف لأن المنهال بن عمرو لم يسمع من يعلى بن مرة قال المزي في الأطراف رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع فلم يقل عن أبيه وهو الصواب قال البخاري: قال وكيع عن يعلى عن أبيه وهو وهم انتهى وله طرق أخرى عند أحمد من رواية يعلى ابن سيابة نحوه باسناد لا بأس به ويعلى ابن سيابة هو يعلى بن مرة سيابة أمه وله شاهد من حديث أنس ومن حديث ابن عمر رواهما الترمذي في الجامع. [ (6) ] البخاري في الصحيح 1/ 242 كتاب الوضوء (4) باب ما يقول عند الخلاء (9) الحديث (142) ومسلم في الصحيح 1/ 283 كتاب الحيض (3) باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء (32) الحديث (122- 375) .

السادس: في استقبال القبلة واستدبارها في البنيان:

تعالى عنهم- قالوا: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد قضاء الحاجة، لم يرفع ثوبه حتّى يدنو من الأرض» [ (1) ] . السادس: في استقبال القبلة واستدبارها في البنيان: روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وحسنه- وابن ماجة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي- وضعّفه- عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبول مستقبل القبلة» [ (3) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقضي حاجته مستقبل الشّام، مستدبر القبلة [ (4) ] . وفي رواية «رأيته على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته» . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث الزبيدي قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مستقبل القبلة، وأنا أول من حدّث النّاس بذلك» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة والدارقطني، من عدة طرق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ذكر عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: «أراهم قد فعلوها، حوّلوا بمقعدتي القبلة» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في السنن 1/ 25 كتاب الطهارة (1) باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل الخلاء (10) الحديث (19) وقال هذا حديث منكر والترمذي في السنن 4/ 229 كتاب اللباس (25) باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين (16) الحديث (1746) وقال هذا حديث حسن غريب والنسائي في المجتبى من السنن 8/ 178 كتاب الزينة (48) باب نزع الخاتم عند دخول الخلاء (53) وابن ماجة في السنن 1/ 110 كتاب الطهارة (1) باب ذكر الله عز وجل على الخلاء والخاتم في الخلاء (11) الحديث (303) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 4 حديث (13) وأخرجه الترمذي 1/ 15 حديث (9) وابن ماجة 1/ 117 حديث 325 وقال الترمذي وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار بن ياسر. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 300 والترمذي 1/ 15 حديث (10) وقال الترمذي وحديث جابر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أصح من حديث ابن لهيعة. وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه. [ (4) ] أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 250 كتاب الوضوء (4) باب التبرز في البيوت (14) الحديث (148) ومسلم في الصحيح 1/ 225 كتاب الطهارة (2) باب الاستطابة (17) الحديث (62/ 266) [ (5) ] أحمد في المسند 4/ 190. [ (6) ] أحمد في المسند 6/ 37 وابن ماجة 1/ 117 (324) والدارقطني 1/ 59.

السابع: في بوله قاعدا وكذا قائما لعذر:

وروى الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كنيفه مستقبل القبلة [ (1) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مستقبل القبلة بعد النّهي لغائط أو بول» [ (2) ] . السابع: في بوله قاعدا وكذا قائما لعذر: روى ابن سعد والحاكم (وقال: على شرطهما) عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما بال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما منذ أنزل [عليه] القرآن» [ (3) ] . وروى الترمذي عنها قالت: «من حدّثكم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يبول قائما فلا تصدّقوه، ما كان يبول إلّا قاعدا» [ (4) ] . ورواه النسائي بلفظ: «إلّا جالسا» [ (5) ] . وروى الجماعة عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سباطة قوم» وفي رواية: كناسة قوم فبال قائما فتنحّيت عنه فقال: «ادنه فدنوت حتّى قمت عند عقبه» [ (6) ] . وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «بال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما من جرح بمأبضه» [ (7) ] . وروى الطبراني عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبول قائما» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتى سباطة بني فلان، وفي رواية سباطة قوم فبال قائما [ (9) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الدارقطني في السنن 1/ 60. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير كذا ذكره الهيثمي في المجمع (1/ 210) وقال فيه جعفر بن الزبير اجمعوا على ضعفه. [ (3) ] الحاكم في المستدرك 1/ 181. [ (4) ] أخرجه الترمذي 1/ 17 حديث (12) . [ (5) ] انظر السنن 1/ 27. [ (6) ] أخرجه البخاري 1/ 328 حديث (224) ومسلم 1/ 228 حديث (73/ 273) . [ (7) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 182 وصححه وتعقّبه الذهبي بقوله حماد ضعفه الدارقطني. [ (8) ] أخرجه الطبراني في الكبير 6/ 210 وقال الهيثمي 1/ 210 في المجمع بعد عزوه له في الأوسط فيه إبراهيم بن حماد ولم أر من ذكره. [ (9) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 246 وابن ماجة 1/ 111 حديث (306) .

الثامن: في بوله في إناء:

وروى مسدد عن مجاهد- رحمه الله تعالى- مرسلاً، قال: «ما بال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما غير مرّة في كثيب أعجبه» [ (1) ] . الثامن: في بوله في إناء: روى أبو داود والنسائي، وابن حبان، والحاكم وصححه، عن حكيمة بنت أميمة- بضم أوله وفتح الميم الأولى وسكون التحتية- بنت رقيقة بقافين وزن ما قبله- رضي الله تعالى عنهما- قالت: «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه من الليل» [ (2) ] . وروى الشيخان والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «يقولون أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أوصى إلى عليّ، لقد [دعا بالطّست ليبول فيها، فانخنثت نفسه] وما أشعر، فإلى من أوصى؟» [ (3) ] . التاسع: في شدة تفريجه- صلى الله عليه وسلّم- بين وركيه حال قضاء الحاجة: روى ابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «عدل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الشّعب فبال حتّى أنّي آوي له من فكّ وركيه حين بال [ (4) ] . وروى الطبراني عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يبول قاعدا، قد جافى بين فخذيه حتّى جعلت آوي له من طول الجلوس، ثمّ جاء قابضا بيده على ثلاث وستّين، فقال: إنّ صاحب بني إسرائيل كان أشدّ على البول منكم، فإنّ معه مقراضا، فإذا أصاب ثوبه شيء من البول قصّه» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 123. [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 7 حديث (24) والنسائي 1/ 31. قال السندي في حاشيته على سنن النسائي 1/ 31، 32 من عيدان اختلف في ضبطه أهو بالكسر والسكون عيدان جمع عود أو بالفتح والسكون عيدان جمع عيدانة بالفتح وهي النخلة الطويلة المتجردة من السعف من أعلاه إلى أسفله وقيل الكسر أشهر رواية وورد بأنه خطأ معنى لأنه جمع عود وإذا اجتمعت الأعواد لا يتأتى منها قدح لحفظ الماء بخلاف من فتح العين فإن المراد حينئذ قدح من خشب هذه صفته ينقر ليحفظ ما يجعل فيه قال القارئ في المرقاة 1/ 295 والصواب الذي عليه المحققون أنها عيدان بفتح العين المهملة. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 420 (2741، 4459) ومسلم 3/ 1257 (19/ 1636) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 123 حديث (341) وقال البوصيري في الزوائد 1/ 144 هذا إسناد ضعيف محمد بن ذكوان قال فيه البخاري منكر الحديث وذكره ابن حبّان في الثقات ثم أعاد في الضعفاء وقال يسقط للاحتجاج به وضعفه النسائي والساجي والدارقطني. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 209.

العاشر: في استنجائه بشماله ودلكها بالأرض وما كان يستنجي به، ورشه فرجه بعد وضوئه بالماء، وغير ذلك مما يذكر:

العاشر: في استنجائه بشماله ودلكها بالأرض وما كان يستنجي به، ورشّه فرجه بعد وضوئه بالماء، وغير ذلك مما يذكر: روى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كانت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يجعل يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وعطائه، ويجعل شماله لما سوى ذلك» [ (2) ] . وروى الطبراني عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا استجمر استجمر وترا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام معنا إداوة من ماء» . يعني يستنجي به [ (4) ] . وفي رواية «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء وعنزة يستنجي بالماء» . وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أتى الخلاء، أتيته بماء في تور وركوة فاستنجى ثمّ مسح يده بالأرض، ثمّ أتيته بإناء آخر فتوضّأ» [ (5) ] . وروى النسائي وابن ماجة عن جرير- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتى الخلاء فقضى حاجته، ثم قال: يا جرير هات طهورا، فأتيته بالماء فاستنجى، وقال بيده فدلك بها الأرض» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 265 وأبو داود 1/ 32 حديث (33) والبيهقي 1/ 113 وانظر التلخيص 1/ 111. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 287 وأبو داود حديث (32) . [ (3) ] الطبراني في الكبير 17/ 338 وفي إسناده ابن لهيعة انظر المجمع 1/ 213. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 250 حديث (150) (500) ومسلم 1/ 227 حديث (70/ 271) وأحمد في المسند 3/ 203. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 12 حديث (45) والنسائي 1/ 41 وابن ماجة 1/ 128 حديث (358) . [ (6) ] أخرجه النسائي 1/ 41 وابن ماجة 1/ 129 (359) .

وروى النسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا استنجى دلك بيده الأرض» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن رجل من ثقيف- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم «إذا بال توضّأ ونضح فرجه» [ (2) ] . [وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن الحكم بن سفيان، أو سفيان بن الحكم- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا بال توضّأ وتنضّح» ] [ (3) ] . وفي رواية: «إذا توضّأ أخذ جفنة من ماء، فقال بها هكذا نضح به فرجه» [ (4) ] . وروى الشيخان والترمذي والنسائي والحاكم والدارقطني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثّالث فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الرّوثة، وقال: «إنّها ركس» [ (5) ] . زاد الحاكم بعد قوله: وألقى الروثة: «وائتني بحجر» . وفي لفظ للدارقطني «ائتني بغيرها» . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «اتّبعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد خرج لحاجته، وكان لا يلتفت، فدنوت منه، فقال: «ابغني أحجارا أستنفض بها أو نحوه، ولا تأتني بعظم ولا روث، فأتيته بأحجار بطرف ثيابي، فوضعتها إلى جنبه، وأعرضت عنه، فلمّا قضى حاجته أتبعه بهنّ» [ (6) ] . وروى النسائي والترمذي- وقال: حسن صحيح، عن معاذة- رحمها الله تعالى- أن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: مروا أزواجكنّ أن يستطيبوا بالماء فإنّي أستحييهم، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يفعله» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه النسائي في السنن 1/ 41. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 410 وابن ماجه 1/ 157 من حديث الحكم بن سفيان الثقفي وأبو داود 1/ 117 حديث (166) وقال المنذريّ في مختصر مسند أبي داود 1/ 126 واختلف في سماع الثقفي هذا من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- [ (3) ] انظر التخريج السابق. [ (4) ] أخرجه النسائي 1/ 73. [ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 308 (156) والترمذي 1/ 25 (16) والنسائي 1/ 36. [ (6) ] أخرجه البخاري (1/ 307) (115 و 3860) . [ (7) ] أخرجه النسائي 1/ 39 والترمذي 1/ 30 حديث (19) والبيهقي 1/ 106.

الحادي عشر: فيما كان يقوله ويفعله إذا فرغ من قضاء الحاجة:

وروى ابن ماجه عنها قالت: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرج من غائط قطّ إلّا مسّ ماء» [ (1) ] وفي رواية: «كان يغسل مقعدته ثلاثا» [ (2) ] . الحادي عشر: فيما كان يقوله ويفعله إذا فرغ من قضاء الحاجة: روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وحسنه- وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من الغائط قال: «غفرانك» [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الّذي أذهب عنّي الأذى وعافاني» [ (4) ] . الثاني عشر: في تركه- صلى الله عليه وسلّم- رد سلام من سلّم عليه وهو يقضي حاجته: روى الطيالسي عن حنظلة بن الراهب- رضي الله تعالى عنه- «أن رجلا سلّم على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلم يردّ عليه حتّى مسح وردّ عليه» [ (5) ] . وروى الإمام الشافعي ومسلم والأربعة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنّ رجلا مر برسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يبول فسلّم عليه فلم يردّ عليه» [ (6) ] . وروى ابن ماجة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أنّ رجلا مرّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يبول فسلّم عليه، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلّم عليّ، فإنّك إن فعلت ذلك لم أردّ عليك» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، عن المهاجر بن قنفذ- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 127 (354) . [ (2) ] انظر المصدر السابق (356) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 155 والدارمي 1/ 174 وأبو داود 1/ 30 حديث 30 والترمذي 1/ 12 حديث (7) وقال حسن غريب وابن ماجة 1/ 110 حديث (300) والحاكم 1/ 158 وقال صحيح ووافقه الذهبي. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 110 حديث (301) وقال الشهاب البوصيري (1/ 129) هذا حديث ضعيف ولا يصح فيه بهذا اللفظ عن النبي- صلى الله عليه وسلم- شيء. وإسماعيل بن مسلم المكي متفق على تضعيفه. [ (5) ] أخرجه الطيالسي في كما في المنحة (1/ 46) حديث (139) . [ (6) ] أخرجه مسلم (1/ 281) (115/ 370) وأبو داود 1/ 5 (17) والترمذي 1/ 150 حديث (90) وقال حسن صحيح. [ (7) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 126 حديث (352) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 148) هذا إسناد حسن، لأن سويدا لم ينفرد به، فله متابع عن عيسى بن يونس في مسند أبي يعلى وغيره.

تنبيهات

تعالى عنه- أنه أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يبول فسلّم عليه فلم يردّ عليه حتّى توضّأ، ثمّ اعتذر إليه، فقال: «إنّي كرهت أن أذكر الله تعالى ألا على طهر» أو قال: «على طهارة» [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال في زاد المعاد: «كان- صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب في سفر للحاجة انطلق حتى يتوارى عن أصحابه، وربما يبعد الميلين، وكان يستتر للحاجة بالهدف تارة وبحشائش النخل تارة وبشجر الوادي تارة، وكان إذا أراد أن يبول في عزاز من الأرض- وهو الموضع الصلب- أخذ عودا من الأرض فنكث به حتى يثير التراب، ثم يبول وكان يرتاد لبوله الموضع الدّمث- وهو اللّيّن الرّخو من الأرض- وأكثر ما كان يبول وهو قاعد، حتى قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: من حدّثكم أنّه كان يبول قائما فلا تصدّقوه، وما كان يبول إلّا قاعدا، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة أنّه بال قائما، فقيل كان لبيان الجواز، وقيل: بل لوجع كان بمأبضه وقيل بل فعله استشفاء. قال الشافعي: والعرب تستشفي من وجع الصلب بالبول قائما. وقول صاحب الهدي: «الصحيح. إنما فعله تنزيها وبعدا من إصابة البول» إلى آخره. فيه نظر، بل البول قائما في المكان الصلب مما ينجس القدمين بالرشاش. وكان إذا بال نثر ذكره ثلاثا، وكان إذا سلّم عليه أحد وهو يبول لم يرد عليه [ ذكره مسلم في صحيحه عن ابن عمر، وروى البزار في مسنده في هذه القصة أنه رد عليه ثم قال: «إنّما رددت عليك خشية أن تقول: سلّمت عليه فلم يردّ عليّ سلاما فإذا رأيتني هكذا فلا تسلّم عليّ فإنّي لا أردّ عليك» . وكان إذا استنجى بالماء ضرب بيده بعد ذلك على الأرض، وكان إذا جلس لحاجته لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. الثاني: قول عائشة- رضي الله تعالى عنها-: «من حدّثكم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بال قائما فلا تصدّقوه» محمول على من اعتقد أن ذلك كان عادة له- صلى الله عليه وسلم-، وإلا فقد فعله- صلى الله عليه وسلّم- مرارا لضرورة، إذ كان يغشاه الوفود والناس، ويقوم بأمر الأمة، فينزل به من ذلك ما يضر به الصبر إلى وصوله إلى بيته أو لا يستطيع إمساكه.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 345، أخرجه أبو داود 1/ 5 حديث (17) والنسائي 1/ 34 والبيهقي 1/ 90 وانظر كلام الحافظ ابن القيّم في زاد المعاد (1/ 173) .

الثالث: روى الطبراني في الأوسط بسند حسن عن عبد الله بن يزيد قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول لا ينقع بول في طست في البيت فإنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول مستنقع» . الرابع: في بيان غريب ما سبق: المذهب- بميم مفتوحة فذال معجمة ساكنة فهاء مفتوحة وآخره موحدة مصدر ميمي بمعنى الذّهاب. البراز- بموحدة مفتوحة الفضاء الواسع كناية عن الخارج من الدّبر. التّبوّء- بمثناة مشددة فموحدة مفتوحتين فواو فهمزة مضمومتين الاتخاذ. والقرار الدّمث بدال مهملة مفتوحة فميم مكسورة اللين الرخو من الأرض. فليرتد: فليطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله. المرفق: بميم مكسورة فراء ساكنة ففاء فقاف الكنيف. الحذاء: بحاء مهملة مكسورة فذال معجمة ممدودة النعل. الهدف: بهاء فدال مهملة مفتوحتين ففاء، كل بناء مرتفع مشرف. الحايش: بحاء مهملة مفتوحة فألف فياء مثناة تحتية فشين معجمة. النخل الملتف المجتمع، كأنه بالتفافه يحوش بعضه إلى بعض. الإشاءتين- بهمزة مكسورة فشين معجمة فهمزة مفتوحة ففوقية فتحتية فنون تثنية إشاءة وهي صغار النخل. الخبث- بخاء معجمة وموحدة مضمومتين جمع خبيث، والمراد ذكران الشياطين، والخبائث جمع الخبيثة قال الشيخ في مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود: قال الخطابي: وعامة أصحاب الحديث يقولون: الخبث بسكون الموحدة، وهو غلط، والصواب: الخبث بضم الموحدة، زاد في إصلاح غلط رواة الحديث فقال: بعد أن ذكر أن أصحاب الحديث يروونه منه بإسكان الباء، ولذلك رواه أبو عبيد في كتابه بالضم قال الشيخ: واتفق من بعد الخطّابي على تغليطه في تغليط المحدثين. قال النووي في شرح مسلم: هذا الذي غلّطهم فيه ليس بغلط، ولا يصح إنكاره جواز الإسكان ولعل الخطابي، أراد أن ينكر على من يقول أصله الإسكان انتهى ملخصا.

اللّبن: بلام مفتوحة، فموحدة مكسورة، فنون: جمع لبنة، وهو الطوب النيء سباطة- بضم السين المهملة بعدها موحدة، هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدّور. كثيب أعجبه [ (1) ] بكاف مفتوحة فمثلثة مكسورة فتحتية فموحدة الرمل المستطيل المحدودب وأعجبه [ (1) ] . العيدان بفتح العين المهملة النخلة الطويلة. الشّعب- تقدم الكلام عليه.

_ [ (1) ] وردت لفظة الحجية هنا ومن قبل، والذي أثبتناه من ابن أبي شيبة وزهر الربى ص 17.

الباب الثالث في إزالته النجاسة والمستقذر - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثالث في إزالته النجاسة والمستقذر- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: في بول الطفل: روى الإمام مالك وأحمد والستة عن أم قيس بنت محصن- رضي الله تعالى عنها- أنها «أتت بابن لها صغير لم يأكل الطّعام إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأجلسه- صلى الله عليه وسلم- في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه عليه، ولم يغسله» [ (1) ] . وفي رواية: «فدعا بماء فرشّه» . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها: «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بالصّبيان فيبرّك عليهم، ويحنّكهم، فأتي بصبي، فبال عليه، فدعا بماء، فأتبعه بوله، ولم يغسله» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن لبابة بنت الحارث- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان الحسين بن علي في حجر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبال على ثوبه، فقلت يا رسول الله: ألبس ثوبا فأعطني إزارك حتّى أغسله، قال: «إنّما يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذّكر» [ (3) ] . وروى أبو داود والنسائي والبيهقي عن أبي السّمح- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- فأتى بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: «يغسل بول الجارية، ويرشّ بول الغلام» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والبيهقي عن أم كرز الخزاعيّة [ (5) ]- رضي الله تعالى عنها- قالت:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 390 في الوضوء (223) ومسلم 1/ 238 في الطهارة (103/ 287) . [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 389 في الوضوء حديث (222، 5468، 6002، 6355) ومسلم (1/ 237) حديث (101/ 286) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 339 وأبو داود (375) والحاكم في المستدرك 1/ 165 والطبراني في الكبير 3/ 5 والبغوي في شرح السنة 2/ 86 وانظر التلخيص 1/ 38. [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 102 (386) والنسائي 1/ 29 والبيهقي 2/ 415. [ (5) ] (ام كرز) الخزاعية ثم الكعبية. قال ابن سعد المكية أسلمت يوم الحديبية والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقسم لحوم بدنه فماتت ولها حديث في العقيقة أخرجه أصحاب السنن الأربعة روى عنها ابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد وسباع بن ثابت وعروة وغيرهم واختلف في حديثها على عطاء فقيل عن قتادة عنه عن ابن عباس عنها وقيل عن ابن جريج ومحمد بن إسحاق وعمرو بن دينار ثلاثتهم عن عطاء عن قتيبة بن ميسرة بن أبي حبيب عنها وقيل عن

الثاني في دم الحيض:

«أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بغلام فبال عليه فأمر به فنضح، وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسله» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن زينب بنت جحش- رضي الله تعالى عنها-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان نائما عندها، فجاء حسين حين درج، فقلت اعبر، فدخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجلس على بطنه فبال، فانطلقت لآخذه، فاستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «دعيه» ، فتركته حتّى فرغ، ثمّ دعا بماء، فقال: «إنّه يصبّ من بول الغلام، ويغسل من الجارية» [ (2) ] . وروى الإمام عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «إن أم الفضل بنت الحارث- رضي الله تعالى عنها- جاءت بأمّ حبيبة بنت عبّاس فوضعتها في حجر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبالت فاختلجتها أمّ الفضل ثمّ لكمت بين كتفيها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أعطني قدحا من ماء فصبّه على مبالها» [ (3) ] . الثاني في دم الحيض: روى البخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أنا ورسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نبت في الشّعار الواحد وأنا طامث، فإن أصابه منّي شيء غسل مكانه، لم يعده، ثمّ صلّى فيه» [ (4) ] .

_ [ () ] حجاج بن أرطاة عن عطاء عن عبيد بن عمير عنها وقيل عن حجاج عن عطاء عن ميسرة بن أبي حبيب عنها وقيل عن أبي الزبير ومنصور بن زاذان وقيس بن سعد ومطر الوراق أربعتهم عن عطاء بلا واسطة وزاد حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء طاوسا ومجاهدا ثلاثتهم عن ام كرز ولم يذكر الواسطة وقيل عن قيس بن سعد عن عطاء عن أم عثمان بن خيثم عن أم كرز وقيل عن يزيد بن أبي زياد عن عطاء عن سبيعة بنت الحارث كما تقدم في حرف السين المهملة وقيل عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن عطاء عن جابر وقيل عن محمد بن أبي حميد عن عطاء عن جابر وأقواها رواية ابن جريج ومن تابعه وصححها ابن حبان ورواية حماد بن سلمة عند النسائي ورواه عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت عنها نحوه وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قلت ووقع عند إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج بسنده فقال عن أم بني كرز الكعبين وكذا أخرجه ابن حبان من طريقه ويمكن الجمع بأنها كانت تكنى أم كرز وكان زوجها يسمى كرزا والمراد ببني كرز بنو ولدها كرز كانوا ينسبون إلى جدتهم هذه فالله أعلم ولها حديث آخر من رواية عبد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت أتيت النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم- وهو بالحديبية أسأله عن لحوم الهدي فسمعته يقول أقروا الطير على مصافها أخرجه النسائي بتمامه وأبو داود مختصرا وكذا الطحاوي وصححه ابن حبان وزاد بعضهم في السند عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه وأخرج ابن ماجة بهذا السند عنها حديث ذهبت النبوات وبقيت المبشرات وصححه ابن حبان أيضا الإصابة 8/ 271، 272. [ (1) ] أحمد في المسند 6/ 427. [ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي ليلى 1/ 120. [ (3) ] أحمد في المسند 1/ 302. [ (4) ] أخرجه أبو داود (1/ 70) حديث (269) والنسائي (1/ 154) .

الثالث: في المني [3] :

وروى مسلم عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلّي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعليّ مرط وعليه بعضه إلى جنبه» [ (1) ] . وروى أبو داود والترمذي بسند حسن صحيح، والنسائيّ عنها قالت: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعلينا شعار، وقد ألقينا فوقه كساء، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخذ الكساء فلبسه، ثمّ خرج إلى الصّلاة فصلّى الغداة ثمّ جلس فقال رجل: يا رسول الله، هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما يليها فبعث بها إليّ مصرورة في يد الغلام، فقال: «اغسلي هذه وأجفّيها وأرسلي بها إليّ» فدعوت بقصعتي فغسلتها، ثمّ أجففتها، فأحرتها إليه، فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نصف النّهار وهي عليه [ (2) ] . الثالث: في المنيّ [ (3) ] : روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغسل المنيّ، ثمّ يخرج إلى الصلاة في ذلك الثّوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عنها، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسلت المنيّ من ثوبه بعرق الإذخر، ثمّ يصلّي فيه، ويحتّه من ثوبه يابسا، ثمّ يصلّي فيه» [ (5) ] . وروى مسلم عنها قالت: «لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فركا فيصلّي فيه» [ (6) ] . الرابع: في المخاط: روى مسدّد مرسلا وموصولا، وابن أبي شيبة وابن ماجه، وأبو يعلى وابن حبان عن

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 367) حديث (274/ 514) والمرط من أكسية النساء والجمع مروط قال ابن الأثير: ويكون من صوف، وربما كان من خز أو غيره. [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 105 حديث (388) والنسائي 1/ 123. [ (3) ] (المني) سمي منيا لأنه يمنى أي يصب. وسميت (منى) لما يراق بها من الدماء. ويقال (أمنى) و (منّى) بتشديد النون: ثلاث لغات. وبالأولى جاء القرآن، قال الله تعالى أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ [الواقعة 56/ 58] . ومني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة. ويخرج بشهوة، ويتلذذ بخروجه، ويعقب خروجه فتور. ورائحته كرائحة طلع النخل، قريبة من رائحة العجين، وإذا يبس كانت كرائحة البيض. وقد يفقد بعض هذه الصفات مع أنه مني موجب للغسل، بأن يرق ويصفر لمرض، أو يخرج بلا شهوة ولا لذة لاسترخاء وعائه، أو يحمر لكثرة الجماع ويصير كماء اللحم. وربما خرج دما عبيطا. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 332 حديث (230) ومسلم 1/ 239 حديث (108/ 289) . [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند (243) . [ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 238 (105/ 288) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تهيّئ من أمر أسامة شيئا، إمّا مخاط، فكأنّها كرهته، فانتزعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منها وتولّى ذلك» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: النّضح بنون مفتوحة 7 فضاد معجمة ساكنة وبعدها حاء مهملة، قال الخطابي هو الغسل. وقال القرطبي المراد به الرّشّ. اختلجها بخاء معجمة فلام فجيم فمثناة فوقية، انتزعها. الشّعار- بكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة ما يلي بدن الإنسان من ثوب وغيره. طامث- بطاء مهملة فألف فميم فمثلثة حائض. المرط بكسر الميم وسكون الراء كساء من خز أو صوف يؤتزر به.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 139 وأبو يعلى بنحوه 7/ 435 حديث (102/ 4458) واسناده عند أبي يعلى ضعيف لضعف مجالد بن سعيد.

الباب الرابع في سواكه [1]- صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع في سواكه [ (1) ]- صلّى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: أمر الله عز وجل به- رسول الله- صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد- برجال ثقات- وأبو يعلى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لقد أمرت بالسّواك حتّى ظننت أنّه ينزّل عليّ فيه قرآن» . أو قال: «وحي» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما جاءني جبريل قطّ إلّا أمرني بالسواك. حتّى خشيت أن أحفي مقدّم فيّ» [ (3) ] . وروى- أيضا عن واثلة بن الأسقع بالسين المهملة والقاف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أمرت بالسّواك حتّى خشيت أن يكتب عليّ» [ (4) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما زال جبريل يوصيني بالسّواك حتّى خفت [على] أضراسي» [ (5) ] . الثاني: فيما كان يستاك به. روى أبو يعلى وابن حبان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أجتني لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- سواكا من أراك» [ (6) ] وروى ابن سعد عن عكرمة مرسلا: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. استاك بجريد رطب وهو صائم» [ (7) ] .

_ [ (1) ] وهو الصواب. (السواك) بكسر السين، وهو استعمال عود أو نحوه في الأسنان لإزالة الوسخ. وهو من ساك إذا دلك، وقيل من التساوك، وهو التمايل. يقال: ساك فاه، وسوك فاه. فإن قلت تسوك أو: استاك لم يذكر الفم. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 337. [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 263. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 490 وذكره المنذري في الترغيب 1/ 166 والهيثمي في المجمع 20/ 98. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الكبير 23/ 251 وأخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1931 والبيهقي 7/ 49 وانظر تلخيص الحبير (1/ 67) والهيثمي في المجمع 2/ 99. [ (6) ] أخرجه أبو يعلى 9/ 209 وأخرجه الطيالسي 2/ 151 حديث (2561) وأحمد في المسند 1/ 420 وأبو نعيم في الحلية 1/ 127 وقال الهيثمي في المجمع 9/ 289 «رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني من طرق ... وأمثل طرقها فيه عاصم بن أبي النجود وهو حسن الحديث على ضعفه وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح» . [ (7) ] أخرجه ابن سعد (1/ 2/ 170) .

الثالث: في تهيئته للسواك قبل أن ينام. وسواكه قبل أن ينام، وبالليل إذا قام من نومه.

وروى الطبراني بسند ضعيف عن معاذ- رضي الله تعالى عنه-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «نعم السّواك الزّيتون من شجرة مباركة، يطيّب الفم، ويذهب بالحفر، وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلي» وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، ومرّ عبد الرحمن بن أبي بكر، وفي يده جريدة رطبة، فنظر إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. فظننت أنّ له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها ودفعتها إليه فاستنّ بها كأحسن ما كان مستنا ثمّ ناولنيها.. الحديث» [ (1) ] . الثالث: في تهيئته للسواك قبل أن ينام. وسواكه قبل أن ينام، وبالليل إذا قام من نومه. روى الإمام أحمد، والطيالسي، وأبو يعلى، ومسلم، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا ينام إلّا والسّواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسّواك» [ (2) ] . وروى ابن عدي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يستاك إذا أخذ مضجعه» [ (3) ] . وروى ابن ماجه، والبزار، والدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أصنع لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة آنية مخمّرة: إناء لطهارته، وإناء لشرابه، وإناء لسواكه [ (4) ] . وروى أبو الحسن عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أخذ مضجعه وضع طهوره، وسواكه ومشطه، فإذا أهبّه الله تعالى من الليل، استاك وتوضّأ وامتشط، ورأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتمشّط بمشط من عاج» [ (5) ] . وروى الطيالسي، وأحمد وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا ينام إلّا والسّواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسّواك [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن حذيفة- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه البخاري حديث (4451) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 117. [ (3) ] ذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/ 244. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 129 حديث (361) وقال البوصيري في الزوائد 1/ 150 هذا إسناد ضعيف حريش بن حريث متفق على ضعفه. [ (5) ] البيهقي من حديث أنس 1/ 39. [ (6) ] أحمد في المسند 2/ 117.

تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسّواك» [ (1) ] . وروى مسلم وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوضع له سواكه فإذا قام من الليل تخلّى ثمّ استاك، قبل أن يتوضّأ» [ (2) ] . وروى مسلم وأبو داود، والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «بت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتوضّأ واستاك، وهو يقرأ هذه الآية حتى فرغ منها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ حتى فرغ منها ثمّ صلّى ركعتين، ثمّ عاد فنام، حتّى سمعت نفخه، ثمّ قام فتوضّأ، فاستاك وصلى ركعتين، ثم قام فتوضّأ واستاك وصلّى ركعتين، وأوتر بثلاث» [ (3) ] . وروى النسائي وابن ماجة عنه بإسناد صحيح، والإمام أحمد عنه. أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلّي بالليل ركعتين، ثمّ ينصرف فيستاك» . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن سعد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها، قالت: «إن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لا يرقد من ليل ولا نهار، فيستيقظ إلّا تسوّك قبل أن يتوضّأ» [ (4) ] . وروى محمد بن يحيى السّعدي بسند لا بأس به عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا انتبه من الليل، دعا بجارية يقال لها بريرة بالمسواك» [ (5) ] . وروى أبو يعلى عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لا يتعارّ من الليل ساعة إلّا أمرّ السّواك علي فيه» [ (6) ] . وروى الطبراني عنه قال: ربّما استاك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الليل أربع مرّات [ (7) ] . ورواه ابن عدي، وزاد «فلو استيقظ من الليل عشر مرّات، استاك عشر مرّات» . وروى مسدد والطبراني وابن أبي شيبة، وعبد، عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستاك من الليل مرارا» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 356 حديث (245 و 1136) ومسلم 1/ 220 في الطهارة (46/ 255) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 15 حديث (56) . [ (3) ] أخرجه مسلم 2/ 221 (48/ 256) وأبو داود 1/ 15 (58) . [ (4) ] أحمد في المسند 6/ 60 وأبو داود 1/ 14 (57) . [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 171. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 98 وضعفه. [ (7) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 100 وأعله بموسى بن مطير وقال ضعيف جدا. [ (8) ] ذكره الهيثمي في الكبير وأعله بواصل بن السائب 2/ 99.

الرابع: في سواكه إذا دخل منزله.

وروى ابن سعد عن شداد بن عبد الله قال: «كان السّواك قد أحفى لثة رسول الله- صلى الله عليه وسلم» [ (1) ] . وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا ينام ولا ينتبه إلّا استنّ [ (2) ] . الرابع: في سواكه إذا دخل منزله. روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة بإسناد صحيح، عن شريح بن هانئ- رحمه الله تعالى- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- بأيّ شيء يبدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل بيته؟. قالت: بالسّواك» [ (3) ] . الخامس: في كيفية سواكه. وبأي يد كان يستاك؟ وروى الشيخان عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يستنّ بسواك بيده يقول: «أع أع» والسّواك في فيه [ (4) ] . وفي لفظ «على لسانه، كأنّه يتهوّع» . وفي رواية «وهو يستاك على لسانه» . وروي الإمام أحمد، وأبو داود عنه قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يستاك قد وضع السّواك على طرف لسانه وهو يقول: «إه إه» يعني يتهوّع» . وفي لفظ «يستنّ إلى فوق كأنّه يستنّ طولا» [ (5) ] . وروى أبو نعيم عن عائشة، والطبري عن بهز، والبيهقي عن ربيعة بن أكثم «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يستاك عرضا، أي عرض الأسنان، في طول الفم» . السادس: في سواكه إذا خرج للصلاة: عن زيد بن خالد الجهني [ (6) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يخرج لشيء من الصّلاة، حتّى يستاك» .

_ [ (1) ] الطبقات الكبرى 1/ 169. [ (2) ] الطبراني في الأوسط انظر المجمع 2/ 99 وقال: وفيه من لم أجد ذكره. [ (3) ] مسلم 1/ 220 في الطهارة (43/ 253) وأبو داود 1/ 13 (51) والنسائي 1/ 17 وابن ماجة 1/ 106 (290) . [ (4) ] أخرجه البخاري حديث (244) ومسلم حديث (254) وأبو داود (49) والنسائي 1/ 9. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 13 حديث (49) . [ (6) ] زيد بن خالد الجهني المدني له أحد وثمانون حديثا، اتفقا على خمسة، وانفرد (م) بثلاثة. وعنه ابنه خالد، وابن المسيب وسعيد بن يسار. قال ابن البرقي: توفي بالمدينة سنة ثمان وسبعين عن خمس وثمانين سنة. الخلاصة 1/ 352.

السابع: في إعطائه - صلى الله عليه وسلم - السواك للأكبر.

وروى ابن أبي شيبة في مسنده عن أسامة- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- «كان يستاك إذا أخذ مضجعه، وإذا قام من الليل، وإذا خرج إلى الصّبح» [ (1) ] . السابع: في إعطائه- صلى الله عليه وسلّم- السواك للأكبر. روى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أراني في المنام أتسوّك بسواك، فجاءني رجلان: أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السّواك للأصغر منهما، فقيل لي كبّر، فدفعته للأكبر منهما» [ (2) ] . وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستنّ وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحي إليه في فضل السّواك، أن كبّر أعط السّواك أكبرهما» [ (3) ] . الثامن: في سفره بالسواك. روى ابن سعد عن خالد بن معدان- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسافر بالسّواك» [ (4) ] . التاسع: في غسله سواكه واستياكه بفضل وضوئه. وروى أبو يعلى والدارقطني والبزار- بسند ضعيف- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يستاك بفضل وضوئه» [ (5) ] . وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- يستاك فيعطيني السّواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك ثمّ أغسله وأدفعه إليه» [ (6) ] . العاشر: في سواكه وهو صائم. وبحضرة الناس، خلافا لمن نفى الأخيرة: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، عن عامر بن ربيعة العدوي- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما لا أحصي يستاك وهو صائم» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 169. [ (2) ] أخرجه البخاري (246) ومسلم في الزهد (70) وفي الرؤيا (19) وانظر التلخيص 1/ 69. [ (3) ] أخرجه أبو داود 1/ 13 (50) [ (4) ] الطبقات 1/ 170. [ (5) ] أخرجه الدارقطني 1/ 40 والبزار كما في كشف الأستار 1/ 144 وقد تقدم. [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 14 (52) . [ (7) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 445 وأبو داود (2364) والترمذي (275) وقال حسن وابن خزيمة 3/ 247 (2007) والبيهقي 4/ 272.

الحادي عشر: في وضعه - صلى الله عليه وسلم - السواك في عمامته.

وروى ابن سعد عن عكرمة قال: «استاك- والله- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بجريد رطب وهو صائم» [ (1) ] . الحادي عشر: في وضعه- صلى الله عليه وسلّم- السواك في عمامته. روى أبو أحمد بن عدي بسنده عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان السّواك من أذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موضع القلم من أذن الكاتب» [ (2) ] . الثاني عشر: في مواضع ورد أنه- صلى الله عليه وسلم- استاك فيها غير ما تقدم: روى أبو أحمد بن عدي، عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- كان يستاك إذا أخذ مضجعه من الليل، وإذا قام من السّحر وإذا خرج إلى الصّلاة» . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسّواك لكلّ صلاة» [ (3) ] . تنبيهان الأول: قال: الحافظ الضياء في «الأحكام» ، ليس بين حديث أبي موسى وبهز تعارض فإن حديث أبي موسى يدل على أن تسوك اللسان والحلق طولا، وحديث بهز يكون في اللسان عرضا. الثاني: في بيان غريب ما سبق. الأراك- بهمز فراء مفتوحتين فألف فكاف شجر معروف له حمل كعناقيد العنب. الخفر بخاء معجمة [ففاء] محركين فراء شدة الحياء. السّحر- بسين مهملة مفتوحة وحاء ساكنة فراء الرئة أي أنه مات. والنّحر- بنون مفتوحة فمهملة ساكنة فراء أعلى الصدر. استنّ بهمزة فمهملة فمثناة دلّك أسنانه.

_ [ (1) ] الطبقات 1/ 170. [ (2) ] أخرجه البيهقي 1/ 37 وانظر الدر المنثور للسيوطي 1/ 114 وأبو داود حديث (47) . [ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 225 وأبو داود 1/ 12 حديث (48) .

يشوص فاه: بشين معجمة: يدلكه. أحفى بهمزة مفتوحة فحاء مهملة ففاء: أذهب لثته. اللّثة: بلامين ثانيهما مفتوحة فمثلثة فتاء تأنيث لحم الأسنان. يتهوّع. بتحتية فتاء مثناة يتقيأ. أع أع بفتح الهمزة وسكون العين وحكي فتحها، وضم الهمزة وسكون المهملة، وعند ابن عساكر بالمعجمة.

الباب الخامس في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في وضوئه

الباب الخامس في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في وضوئه وفيه أنواع: الأول: في الآنية [ (1) ] التي توضأ منها، أو تنزه عنها. روى أبو يعلى والطبراني بسند حسن عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أمشي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا بني ادع لي من هذه الدار بوضوء» ، فقلت: رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطلب وضوءا، فقالوا: «أخبره أن دلونا جلد ميتة» قال: «سلهم هل دبغوه» ؟ قالوا: نعم، قال « [فإن] دباغه طهوره» [ (2) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، والحاكم، وقال: على شرط الصحيحين، وأقره الذهبي عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخرجنا ماء في تور من صفر» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن سلمة بن المحبّق [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر ببيت بفنائه قربة معلّقة فاستسقى فقيل: إنها ميتة فقال: «ذكاة الأديم دباغه» [ (5) ] . وروى الطبراني عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- «أنه كان يوضّئ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قدح مضبّب [ (6) ] بنحاس ويسقيه فيه» [ (7) ] . وروى مسدد عن أبي جعفر- رحمه الله تعالى قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعجبه الإناء النظيف.

_ [ (1) ] (الآنية) جمع إناء كسقاء وأسقية، ورداء وأردية. وجمع الآنية: الأواني. ووقع في (الوسيط) وغيره من كتب الخراسانيين إطلاق الآنية على المفرد، وليس بصحيح. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 222 وقال رواه أبو يعلى وفيه درست بن زياد عن يزيد الرقاشي وكلاهما مختلف في الاحتجاج به. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 363 كتاب الوضوء (199) وأبو داود 1/ 24 كتاب الطهارة (98) . [ (4) ] سلمة بن المحبق بمهملة ثم موحدة كمعظم ابن ربيعة بن صخر الهذلي أبو سنان البصري له اثنا عشر حديثا. وعنه ابنه سنان والحسن البصري. الخلاصة 1/ 405. [ (5) ] أخرجه أحمد 30/ 476. وأبو داود 4/ 66 كتاب اللباس (4125) والنسائي في المجتبى 7/ 174، 175 كتاب الفرع والعتيرة. [ (6) ] الضبة: قطعة تمر في الإناء. [ (7) ] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 220 قال رواه الطبراني في الكبير وفيه علي بن يزيد عن القاسم وكلاهما ضعيف.

وروى الطبراني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها دفعت لأم كلثوم بنت عبد الله بن زمعة مخضبا من صفر وقالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغتسل فيه وكان نحوا من صاع أو أقل [ (1) ] . وروى الطبراني- بسند ضعيف- عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضّأ من إناء على نهر، فلما فرغ أفرغ فضله في النهر» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن زينب بنت جحش- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يتوضأ في مخضب من صفر» [ (3) ] . ورواه ابن سعد بلفظ «قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعجبه أن يتوضأ في مخضب لي من صفر» . وروي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضأ في تور» [ (4) ] . وروى ابن مخلد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان له كوز يتوضأ منه» [ (5) ] . أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في تور من شبه [ (6) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدّار إلى أهله، وبقي قوم، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بمخضب من حجارة، فيه ماء، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفّه، فتوضّأ القوم كلهم «قلنا كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة» [ (7) ] . وروى الشيخان، والضياء في «الأحكام» عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه توضّئوا من مزادة امرأة مشركة» .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 23/ 254 وقال الهيثمي في المجمع 1/ 224 أم كلثوم لم أر من ترجمها وبقية رجاله ثقات. [ (2) ] وقال الهيثمي 1/ 224- 225 فيه أبو بكر بن أبي مريم اختلط وترك حديثه قلت بل هو ضعيف مطلقا. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 324. [ (4) ] قال ابن الأثير 1/ 199 إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه. [ (5) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 135 (256) وقال الهيثمي بعد عزوه للبزار فيه محمد بن أبي حفص العطار قال الأزدي يتكلمون فيه انظر المجمع 1/ 219. [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 24 (98) . [ (7) ] أخرجه البخاري 1/ 360 في (195) .

الثاني: في مقدار ماء وضوئه وغسله - صلى الله عليه وسلم.

الثاني: في مقدار ماء وضوئه وغسله- صلى الله عليه وسلم. روى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد [ (1) ] . وفي رواية «كان يغتسل بخمسة مكاكيك ويتوضأ بمكوك [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود وابن ماجة، والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغتسل بالصّاع ويتوضأ بالمد [ (3) ] . وروى مسلم والترمذي عن سفينة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغسله الصاع ويوضّئه المدّ [ (4) ] . وروى أبو داود، والنسائي عن أم عمارة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ فأتي بإناء فيه ماء «قدر ثلثي مد» [ (5) ] . وروى أبو يعلى والطبراني بسند ضعيف، عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ بنصف مدّ» [ (6) ] . وروى مسدد وأبو يعلى واللفظ له. وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأتي بوضوء ثلثي مدّ فرأيته يتوضّأ، فجعل يدلك به ذراعيه ودلّك أذنيه «يعني حين مسحهما» [ (7) ] . الثالث: في استعانته- صلى الله عليه وسلّم- في وضوئه تارة وامتناعه من ذلك تارة. وروى الشيخان عن المغيرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر، فقال: «يا مغيرة، خذ الإداوة» فأخذتها فانطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى توارى عني، فقضى حاجته وعليه جبة شاميّة فذهب يخرج يده من كمها فضاقت، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصّلاة، وذكر الحديث» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 34 حديث (201) ومسلم 1/ 258 (51/ 325) . [ (2) ] انظر صحيح مسلم المصدر السابق. [ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 133 وأبو داود 1/ 23 (92) والنسائي 1/ 147 وابن ماجة 1/ 99 (268) . [ (4) ] أخرجه مسلم 1/ 258 (52/ 326) والترمذي 1/ 83 (56) . [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 23 حديث (94) والنسائي 1/ 50. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 219 وقال فيه الصلت بن دينار اجمعوا على ضعفه. [ (7) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 144 والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 196. [ (8) ] أخرجه البخاري حديث (363) وأحمد في المسند 4/ 250 وأبو عوانة 1/ 194، 257 وابن أبي شيبة 1/ 107 والبيهقي 2/ 412.

الرابع: في تهيئته ماء وضوئه.

وروى أبو يعلى والبزار عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستقي ماء وضوئه فبادرت أستقي له، فقال: «صه يا عمر، فإني أكره أن يشركني في طهوري أحد» [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن أم عياش- وكانت أمة لرقية بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قالت: كنت أوضّئ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا قائمة وهو قاعد [ (2) ] . وروى ابن ماجه، والحاكم عن الربيع بنت معوذ- رضي الله عنها- قالت: كنت أوضئ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بميضأة، فقال: «اسكبي» ، فسكبت فغسل وجهه وذكرت الحديث» [ (3) ] . وروى الطبراني عن أمية- رضي الله عنها، مولاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قالت: «كنت أصب على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وضوءه إلى آخره» [ (4) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- «أنه وضّأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (5) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يكل طهوره إلى أحد ولا صدقته التي يتصدّق بها يكون هو الذي يتولاها بنفسه» [ (6) ] . وروى الشيخان عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أفاض من عرفه عدل إلى الشّعب فقضى حاجته، قال أسامة: فجعلت أصبّ عليه ويتوضأ» [ (7) ] . وروى ابن ماجه عن صفوان بن عسّال بعين وسين مهملة مشددة وباللام- رضي الله تعالى عنه- قال: «صببت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في السفر والحضر، في الوضوء» [ (8) ] . الرابع: في تهيئته ماء وضوئه. روى أحمد بن منيع عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكل وضوءه إلى غير نفسه حتى يكون هو الذي يهيّئ وضوءه لنفسه» .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع وأعله بأبي الجنوب 1/ 227. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 138 حديث (392) وقال البوصيري في الزوائد إسناده مجهول وعبد الكريم مختلف فيه الزوائد 1/ 163. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 138 (390) . [ (4) ] أخرجه الطبراني في الكبير 24/ 190 وقال الهيثمي في المجمع 4/ 217 فيه يزيد بن سنان وثقه البخاري وغيره والأكثر على تضعيفه وبقية رجاله ثقات. [ (5) ] فيه عبد العزيز بن أبان قد أجمعوا على ضعفه قاله الهيثمي في المجمع 1/ 227. [ (6) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 129 (129) حديث (362) وقال البوصيري في الزوائد فيه مطهر بن الهيثم. [ (7) ] أخرجه البخاري (139، 181، 1667، 1669، 1672) ومسلم حديث (1280) وانظر التلخيص 1/ 97. [ (8) ] ابن ماجة 1/ 138 (391) .

الخامس: في تسميته في أول وضوئه - صلى الله عليه وسلم:

وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يكل طهوره إلى أحد» . الخامس: في تسميته في أول وضوئه- صلى الله عليه وسلّم: وروى الدارقطني وأبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا مسّ طهوره يسمي الله» [ (1) ] وفي رواية «كان يقوم إلى الوضوء فيسمي الله- عز وجل- ثم يفرغ الماء على يديه» . وروى الإمام أحمد، والنسائي. والدارقطني، عن أنس- رضي الله تعالى عنه. قال: نظر أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وضوءا فلم يجدوا فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «هاهنا ماء؟» فأتي به، فرأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثم قال: «توضئوا باسم الله» فرأيت الماء يفور من بين أصابعه والقوم يتوضؤون حتى توضّئوا من آخرهم [ (2) ] . السادس: في غسله- صلّى الله عليه وسلّم- يديه قبل إدخالهما الإناء. روى ابن ماجة عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أنه دعا بماء فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صنع هكذا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أوس الثقفي- رضي الله تعالى عنه- أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «يتوضّأ فاستوكف ثلاثا، قال: أي شيء استوكف ثلاثا؟ قال: غسل يديه ثلاثا» [ (4) ] . السابع: في وصله المضمضة والاستنشاق وفصله: روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تمضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا» [ (5) ] . وروى النسائي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق بيده اليسرى، ثم قال: «هذا طهور رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (6) ] . وروى أبو داود، بسند ضعيف، عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه الدارقطني 1/ 72 والبزار كما في الكشف 1/ 137 حديث (261) وفيه حارثة بن محمد لين. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 165 والنسائي 1/ 53 والدارقطني 1/ 71. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 139 (396) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 8 والنسائي 1/ 55. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 39 وأبو داود 1/ 30 (119) . [ (6) ] النسائي في السنن 1/ 59.

الثامن: في تخليله لحيته (الشريفة) وأصابع يديه.

تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتوضأ، والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، ورأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق» [ (1) ] . الثامن: في تخليله لحيته (الشريفة) وأصابع يديه. روى الترمذي، وابن ماجة، عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخلّل لحيته» [ (2) ] . وروى الترمذي- وصحّحه- وابن ماجة، عن عثمان، والترمذي عن علي، وابن ماجة عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان إذا توضأ يخلل لحيته» [ (3) ] . ورواه الطبراني عن أبي أوفى، وابن عباس، وابن عمر، وأبي أمامة، وأبي الدرداء، وأم سلمة [ (4) ] . وروى ابن عدي عن جابر، وجرير، وسعيد بن منصور في «سننه» من ترسل جبير بن نفير. وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا توضأ خلّل لحيته [ (5) ] . وروى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان إذا توضّأ أخذ كفا من ماء فيدخله تحت حنكه، ويخلل به لحيته ويقول: «هكذا أمرني ربي عز وجل» [ (6) ] . وروى ابن ماجه، والدارقطني- وصوّب وقفه- علي بن عمر رضي الله تعالى عنهما

_ [ (1) ] أبو داود 1/ 34 حديث (139) وفيه ليث بن أبي سليم صدوق اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك. التقريب 2/ 138 (9) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 1/ 44 حديث (29، 30) وابن ماجة 1/ 148 حديث (429) والطيالسي رقم (645) والحاكم 1/ 149. [ (3) ] أخرجه الترمذي 1/ 46 (31) وابن ماجة 1/ 148 حديث (430) . وابن الجارود في المنتقى ص 43 والحاكم 1/ 149 وهو عند ابن ماجة من حديث أبي أيوب 1/ 149 حديث (433) وقال البوصيري في الزوائد هذا إسناد ضعيف، لاتفاقهم على ضعف أبي سورة وواصل. الرقاشي. [ (4) ] وحديث ابن عمر عزاه الهيثمي في الأوسط للطبراني 1/ 240 وقال فيه أحمد بن أبي بزة ولم أر من ترجمة قلت ابن أبي بزة هو أبو الحسن البزي المقري ومن طريق أبي أمامة وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه الصلت بن دينار وهو متروك وحديث أبي الدرداء قال الهيثمي فيه تمام بن نجيح وقد ضعّفه البخاري وغيره ووثقه يحيى بن معين وحديث أم سلمة فيه خالد بن إلياس ولم أر من ترجمه. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 234. [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 36 حديث (145) وابن ماجة (431) من طريق يحيى بن كثير عن يزيد الرقاشي عن أنس وفيه الوليد بن ذروان لين الحديث التقريب 2/ 332.

التاسع: في تعهده - صلى الله عليه وسلم - المأقين.

- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا توضّأ عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها» [ (1) ] . وروى مسدد- بسند ضعيف- عن عبد الله بن شدّاد «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ فخلّل لحيته» [ (2) ] . التاسع: في تعهده- صلى الله عليه وسلّم- المأقين. روى الإمام أحمد وأبو داود، عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمسح المأقين» وقال: «بإصبعيه» [ (3) ] . العاشر: في مسحه رأسه مرة ومرتين، وثلاثا. وكيفية مسحه. روى ابن أبي شيبة- بسند ضعيف- عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ ثلاثا إلا المسح مرّة مرة» [ (4) ] . وروى الثلاثة عنه: أنه دعا بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثا فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثا، وغسل يده اليمنى ثلاثا وغسل يده اليسرى ثلاثا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ثم غسل رجله اليسرة ثلاثا، ثم قال: «من سره أن يعلم وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو هذا» [ (5) ] . وروى مسدد- بسند ضعيف- عن ضمضم عن أبيه قال: «توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومسح رأسه مرة واحدة» [ (6) ] . وروى أبو داود والترمذي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء- رضي الله تعالى عنها- قالت: «توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومسح رأسه مرّتين» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 149 حديث (432) والدارقطني 1/ 106 وفي إسناده عبد الواحد صدوق له أوهام ومراسيل التقريب 1/ 526. [ (2) ] ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 1/ 29 وعزاه لمسدد حديث (93) وقال البوصيري في سنده محمد بن جابر وهو ضعيف. [ (3) ] أخرجه أبو داود حديث (134) والترمذي 1/ 53 حديث (37) وابن ماجة (1/ 15) والمأق: طرف العين الذي يلي الأنف وفيه ثلاث لغات ماق، مأق مهموز، وموق. معالم السنن 1/ 101. [ (4) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 15. [ (5) ] أخرجه أبو داود (116) والترمذي (44) وقال حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح وأخرجه النسائي 1/ 69. [ (6) ] ذكره الحافظ في المطالب العالية 1/ 21 (61) وقال البوصيري فيه محمد بن جابر ضعيف. [ (7) ] أخرجه أبو داود 1/ 31 حديث (126) والترمذي 1/ 48 حديث (33) وقال حديث حسن وأحمد في المسند 6/ 358 بأسانيد وألفاظ مختلفة والحاكم 1/ 152.

الحادي عشر: في مسحه بمقدم رأسه ومؤخره، وعمامته.

وروى الإمام أحمد والنسائي برجال الصحيح عن عبد الله بن زيد الذي أري النّداء- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ فغسل وجهه ثلاثا، ويديه مرتين وغسل رجليه مرتين، ومسح برأسه مرتين» [ (1) ] . وروى أبو داود من وجهين- صحح أحدهما ابن خزيمة- عن عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ ومسح رأسه ثلاث مرات» [ (2) ] . وروى الدارقطني من طريق الإمام أبي حنيفة عن خالد بن علقمة عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ ومسح رأسه ثلاث مرات» [ (3) ] . وروى عبد بن حميد عن طلحة عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ فوضع يده فوق رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة» [ (4) ] . الحادي عشر: في مسحه بمقدم رأسه ومؤخره، وعمامته. وروى أبو داود عن الربيع بنت معوذ- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «توضأ فرأيته مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخره ثم بمقدمه» [ (5) ] . وروى مسلم عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسح على ناصيته وعمامته» [ (6) ] . وروى الطبراني- بسند حسن- عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الخفين والخمار» . وروى أبو داود، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ وعليه عمامة قطريّة، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدّم رأسه، ولم ينقض العمامة» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 40 والنسائي 1/ 62. [ (2) ] أخرجه أبو داود (1/ 26) (106) (107) . [ (3) ] أخرجه الدارقطني 1/ 89. [ (4) ] أخرجه أبو داود (1/ 32) (132) . [ (5) ] أخرجه أبو داود (1/ 31) (126) . [ (6) ] أخرجه مسلم (1/ 230) في الطهارة حديث (81/ 274) والبخاري من طريق آخر 1/ 367 حديث (203) . [ (7) ] أخرجه أبو داود 1/ 36 حديث (147) قطرية- بكسر القاف وسكون الطاء المهملة- ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة، وقيل حلل جياد تحمل من البحرين من قرية تسمى قطر.

الثاني عشر: في إدخاله أصبعه في حجر أذنيه:

وروى البخاري عن عمرو بن أمية الضمري- رضي الله تعالى عنه- قال: ورأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمسح على عمامته [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ ومسح على الخفين وعلى الخمار ثم العمامة [ (3) ] . الثاني عشر: في إدخاله أصبعه في حجر أذنيه: روى أبو داود وابن ماجة، عن الربيع بنت معوذ- رضي الله تعالى عنها- قالت: «توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأدخل أصبعه في حجري أذنيه» [ (4) ] . وروى الدارقطني بلفظ: «أدخل إصبعيه السبابتين فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما» [ (5) ] . وروى الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما» [ (6) ] . ورواه الإمام أحمد وأبو داود، وقالا: «مسحة واحدة» [ (7) ] . الثالث عشر: في مسحه- صلى الله عليه وسلّم- العذار والعنق. روى الإمام أحمد عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق» [ (8) ] . الرابع عشر: في دلك أصابع رجليه بخنصريه. وروى الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة عن المستورد بن شداد- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا توضأ يدلك» وفي لفظ «يخلل أصابع رجليه بخنصره» [ (9) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 369 حديث (205) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 12 ومسلم (1/ 231) حديث (84/ 275) ويعني بالخمار العمامة، لأنها تخمر الرأس، أي تغطيه. [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 281. [ (4) ] أبو داود 1/ 32 حديث (131) وابن ماجة 1/ 151 حديث (441) . [ (5) ] الدارقطني 1/ 106. [ (6) ] أخرجه الترمذي 1/ 52 حديث (36) والنسائي 1/ 74 وابن ماجة 1/ 151 حديث 439 وقال الحافظ في التلخيص 1/ 90 صححه ابن خزيمة وابن مندة وابن حبان. [ (7) ] أبو داود 1/ 32 (133) . [ (8) ] أحمد في المسند 3/ 481 وأبو داود (1/ 32) (132) . [ (9) ] أخرجه أبو داود 1/ 37 في الطهارة باب غسل الرجلين حديث (148) والترمذي 1/ 57 حديث (40) وابن ماجة 1/ 152 حديث (446) .

الخامس عشر: في بداءته باليمين في الوضوء وغيره.

وروى ابن ماجه، والدارقطني، عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا توضأ حرك خاتمه» [ (1) ] . وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ ويخلل أصابعه ويدلّك عقبه» [ (2) ] . وروى أبو يعلى عن شقيق- رحمه الله تعالى قال: توضأ عثمان- رضي الله تعالى عنه- فخلل أصابع رجليه، ثم قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك» [ (3) ] . الخامس عشر: في بداءته باليمين في الوضوء وغيره. روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعجبه التيمن في تنعّله وترجّله وطهوره في شأنه كلّه» [ (4) ] . وروى أبو داود عنها قالت: «كانت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اليمنى لطعامه وشرابه، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى» [ (5) ] . السادس عشر: في إسباغه الوضوء. روى الشيخان عن نعيم بن عبد الله المجمر قال: «رأيت أبا هريرة- رضي الله تعالى عنه- يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في السّاق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق قال: هكذا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتوضأ» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد عن عبيدة بن عمرو الكلابي- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يتوضّأ فأسبغ الوضوء» [ (7) ] . السابع عشر: في دعائه في وضوئه. روى النسائي- في «اليوم والليلة» - عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتيت

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 153 حديث (449) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ضعيف لضعف معمر بن محمد وأبيه محمد بن عبيد الله. [ (2) ] الدارقطني 1/ 95. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 235 وعزاه لأبي يعلى وقال رجاله موثقون. [ (4) ] أخرجه البخاري (426) (167) (5380) (5854) (5926) ومسلم 1/ 226 في الطهارة (67/ 268) . [ (5) ] أبو داود 1/ 9 (33) وأحمد في المسند 6/ 265. [ (6) ] أخرجه البخاري 1/ 283 حديث (136) الحديث في صحيح مسلم (1/ 216) حديث (34/ 246) . [ (7) ] أحمد في المسند 4/ 79.

الثامن عشر: في صفة وضوئه - صلى الله عليه وسلم.

النبي صلى الله عليه وسلم- وهو يتوضأ فسمعته يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في رزقي» ، فقلت: يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا، وهل تركت من شيء؟» . الثامن عشر: في صفة وضوئه- صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود والنسائي، والدارقطني عن حمران- رحمه الله تعالى- أن عثمان- رضي الله تعالى عنه- «دعا بإناء، فأفرغ على كفّيه ثلاث مرار. فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، حتى مسح العضدين، ثم مسح برأسه» [ (1) ] . زاد الدارقطني [ (2) ] «ثم أمرّ على أذنيه ظاهرهما وباطنهما، ثم خلّل أصابعه وخلل لحيته» انتهى. ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا، ثم قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «توضأ نحو وضوئي» ثم قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» . وروى مسلم عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أنه توضأ بالمقاعد فقال: «ألا أريكم وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم توضأ ثلاثا ثلاثا» [ (3) ] . وروى أيضا عن أبي مليكة- رحمه الله تعالى- قال: «رأيت عثمان- رضي الله تعالى عنه- يسأل عن الوضوء، فدعا بماء، فأتي بميضأة، فأضفى على يده اليمنى ثم أدخلها في الماء فمضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثا ثم غسل يده اليسرى ثلاثا، ثم أدخل يده فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه فغسل بطونهما وظهورهما مرّة مرّة، ثم رجليه ثم قال: أين السائل عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ» . وروى الجماعة عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- «أنه قيل له: توضّأ لنا وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعا بإناء، فأكفأ منه على يديه فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين» [ (4) ] .

_ [ (1) ] البخاري 1/ 311 (159، 160) ومسلم في الطهارة حديث (3/ 226) . [ (2) ] السنن 1/ 83. [ (3) ] انظر مسلم المصدر السابق. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 347 في الوضوء (185- 186) (191، 192، 197، 199) ، ومسلم 1/ 210 في الطهارة حديث (18/ 235) .

وفي رواية أحمد [ (1) ] ، ومسلم: «ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه» . وفي رواية عند الدارقطني «مسح برأسه مرتين» [ (2) ] زاد أبو داود «ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما وأدخل إصبعيه في صماخي أذنيه، انتهى» . وفي رواية: «بدأ بمقدم رأسه» ولفظ أحمد ومسلم: ومسح برأسه، زاد في رواية: بماء غير فضل يديه ثم غسل رجليه إلى الكعبين مرتين مرتين، زاد أحمد ومسلم: «حتى أنقى رجليه» . ثم قال: «هكذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفعل» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والثلاثة، والدارقطني، عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أنه دعا بماء فأتي به، فأفرغ من الإناء على يمينه، فغسل يديه ثلاثا ثم تمضمض، واستنثر ثلاثا، ثم أدخل يديه في الإناء جميعا، فأخذ بهما حفنة من ماء فغسل يده اليمنى ثلاثا، وغسل يده اليسرى ثلاثا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة» ، زاد الإمام أحمد «ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية والثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بيده اليمنى قبضة ماء، فصبّها على ناصيته، فتركها تسيل على وجهه فمسح مقدمه ومؤخره وظهور أذنيه» . ولفظ الدارقطني «ثم أدخل يده اليمنى في الإناء ثم غمرها الماء ثم رفعها ما حملت من الماء، ثم مسح بها يده اليسرى، ثم رأسه بيديه كلتيهما ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا، ورجله اليسرى ثلاثا كلاهما في النّعل، ثم قال: «من سره أن يعلم وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو هذا» . وروى البزار من طريق محمد بن حجر عن وائل بن حجر قال: «شهدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأتي بإناء فيه ماء، فألقى على يمينه ثلاثا، ثم أدخل يمينه في الماء فغسل بها يساره ثلاثا ثم أدخل يمينه في الماء فحفن بها حفنة من الماء فمضمض واستنشق ثلاثا، واستثر ثلاثا، ثم أدخل كفيه في الإناء، فرفعهما إلى وجهه، فغسل وجهه ثلاثا، وغسل باطن أذنيه، وأدخل إصبعيه في باطنهما ومسح ظاهر رقبته وباطن لحيته ثلاثا ثم أدخل يمينه في الإناء فغسل بها ذراعه اليمنى حتى جاوز المرفق ثلاثا ثم غسل يساره بيمينه حتى جاوز المرفق ثلاثا ثم مسح على رأسه ثلاثا، وظاهر أذنيه، وظاهر رقبته وأظنه، قال: وظاهر لحيته ثلاثا، ثم غسل

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 38. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 1/ 82. [ (3) ] أخرجه الترمذي 1/ 50 حديث 35 وقال حسن صحيح 1/ 211 في الطهارة حديث (19/ 236) .

التاسع عشر: في شربه فضل وضوئه قائما.

بيمينه قدمه اليمنى ثلاثا، وفصل بين أصابعه ورفع الماء حتى جاوز الكعب، ثم رفعه إلى السّاق، ثم فعل باليسرى مثل ذلك، ثم أخذ حفنة من ماء فملأ منها يده، ثم وضعها على رأسه حتى انحدر الماء من جوانبه، وقال: «هذا تمام الوضوء» ، ولم أره تنشّف بثوب. الحديث» [ (1) ] . التاسع عشر: في شربه فضل وضوئه قائما. روى النسائي عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- «أن أباه عليا، توضأ ثم قام قائما، فقال ناولني فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه فشرب من فضل وضوئه قائما فعجبت، فلما رآني قال: لا تعجب، فإني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصنع مثل ما رأيتني صنعت بعد وضوئه وشرب فضل وضوئه قائما» [ (2) ] . العشرون: في وضوئه في المسجد. وروى الإمام أحمد عن أبي العالية- رحمه الله تعالى- «عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: أحفظ لك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ في المسجد» [ (3) ] . الحادي والعشرون: في تنشيفه أعضاء الوضوء. وروى الترمذي بسند ضعيف عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرقة يتنشّف بها للوضوء» [ (4) ] . وروى بسند ضعيف أيضا- عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا توضّأ مسح وجهه بطرف ثوبه» [ (5) ] . وروى ابن سعد عن أبي جعفر الحنفي قال: «أخبرت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانت له خرقة يتنشّف فيها عند الوضوء» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 140 وقال: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن وائل وقال الهيثمي في المجمع 1/ 232 رواه الطبراني في الكبير والبزار وفيه سعيد بن عبد الجبار ضعفه النسائي وذكره ابن حبّان في الثقات وفي سند البزار والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف. [ (2) ] النسائي 1/ 60. [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 364. [ (4) ] أخرجه الترمذي 1/ 74 حديث (53) والحاكم في المستدرك (1/ 154) وقال الترمذي ليس بالقائم ولا يصح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء. [ (5) ] الترمذي 1/ 74 في الطهارة (54) والبيهقي 1/ 186 وفي 1/ 236. [ (6) ] الطبقات الكبرى 1/ 104.

الثاني والعشرون: في وضوئه لكل صلاة - ونسخ ذلك.

وروى ابن ماجه عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه» [ (1) ] . الثاني والعشرون: في وضوئه لكل صلاة- ونسخ ذلك. وروى البخاري، وأبو داود، والترمذي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عامر الغسيل- رضي الله تعالى عنه- قال: «أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالوضوء لكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه ذلك أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث» [ (3) ] . وروى الجماعة إلا البخاري لبريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلّى الصلوات كلها بوضوء واحد» [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن الفضل بن بشر قال: رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد فقلت ما هذا؟ قال «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنع هذا، فأنا أصنع كما صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» [ (5) ] . الثالث والعشرون: في وضوئه مما مسّته النار وترك ذلك. وروى الإمام أحمد، وابن حبان، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أكل أتوارا من أقط فتوضأ منه ثم صلّى» [ (6) ] . وروى أبو يعلى- وفيه راو لم يسم- عن مولى لموسى بن طلحة أو عن ابن لموسى بن طلحة عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ من ألبان الإبل ولحومها، ولا

_ [ (1) ] ابن ماجة 1/ 158 حديث (468) وقال البوصيري إسناده صحيح ورواته ثقات وفي سماع محفوظ بن سليمان نظر. [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 377 حديث (214) وأحمد في المسند 1/ 57، 71، 74، 110، 1160 وأبو داود 1/ 44 حديث (171) والترمذي 1/ 86 حديث (58) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 225 وأبو داود 1/ 12 حديث (48) والبيهقي 1/ 37. [ (4) ] أخرجه مسلم 1/ 232 (86/ 277) وأبو داود (1/ 44) حديث (172) والنسائي 1/ 73 والترمذي 1/ 89 (61) وابن ماجة 1/ 170 (510) . [ (5) ] ابن ماجة (1/ 170) حديث (511) . [ (6) ] أحمد في المسند 2/ 265 والتور: القطعة من الأقط وجمعه أتوار وهذا منسوخ عند عامة أهل العلم.

الرابع والعشرون: في تركه الوضوء من قبلة النساء.

يصلي في أعطانها ولا يتوضأ من ألبان الغنم ولحومها، ويصلي في مرابضها [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ مما مسّت النّار» [ (2) ] . وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أكل كتف شاة، وصلّى، ولم يتوضأ» [ (3) ] . وفي رواية البخاري «انتشل عرقا من قدر» . وروى الشيخان عن عمرو بن أمية- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحتز من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة، فألقى السكين ثم صلى ولم يتوضأ» [ (4) ] وروى الإمام أحمد والشيخان عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أكل عندها كتفا ولم يتوضأ [ (5) ] . وروى أبو داود، والنسائي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «كان آخر الأمرين من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ترك الوضوء مما غيّرت النّار» [ (6) ] . الرابع والعشرون: في تركه الوضوء من قبلة النساء. روى أبو داود، والنسائي، والترمذي، والدارقطني- وضعّفاه- عن عروة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، فقلت لها: ومن هي إلا أنت؟ فضحكت» [ (7) ] . وروى الدارقطني- وقال: «إبراهيم بن يزيد التيمي لم يسمع من حفصة» - عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يتوضأ للصلاة ثم يقبّل، ولم يحدث وضوءا» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 2/ 7- 8 حديث (4/ 632) وإسناده ضعيف لانقطاعه مجمع الزوائد 1/ 250 وبنحوه عند أبي داود 1/ 47 حديث (184) وابن ماجة (494) والترمذي. [ (2) ] أحمد في المسند 6/ 321. [ (3) ] البخاري 1/ 371 (207) و (5404- 5405) ومسلم 1/ 273 في الحيض (91/ 354) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 372 حديث (208 و 675 و 2923 و 5408، 5422، 5462) . [ (5) ] أحمد في المسند 6/ 331 والبخاري 1/ 373 حديث (210) ومسلم 1/ 274 (356) . [ (6) ] أخرجه أبو داود حديث (192) والنسائي (1/ 107) والبيهقي 1/ 155- 156. [ (7) ] أحمد في المسند 6/ 210 والترمذي 1/ 133 حديث (86) وأبو داود 1/ 46 حديث (179) وابن ماجة 1/ 168 وضعفه النووي في شرح المهذب 2/ 32 وقال باتفاق المحدثين. [ (8) ] أخرجه الدارقطني 1/ 141.

الخامس والعشرون: في وضوئه من القيء:

الخامس والعشرون: في وضوئه من القيء: روى الإمام أحمد، والترمذي، وأبو داود، عن ثوبان، وأبي الدرداء- رضي الله عنهما «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قاء وكان صائما فتوضأ قال ثوبان: وأنا صببت له وضوءه» [ (1) ] . السادس والعشرون: في وضوئه في خروج الدم تارة وتركه تارة. روى الدارقطني- وضعّفه- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على ما بقي من صلاته» [ (2) ] . وروى أيضا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصلّى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه» [ (3) ] . السابع والعشرون: في وضوئه مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا. وروى الطيالسي، واللفظ له، والإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن ماجة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه توضأ مرّة مرّة، فقال: «هذه وظيفة الوضوء الذي لا تحل الصلاة إلا به» ثم توضأ مرتين، فقال: «هذا وضوء من أراد أن يضعّف له الأجر مرتين» ، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: «هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء من قبلي» [ (4) ] . وروى البخاري، وأبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرةً مرة» [ (5) ] . وروى البخاري عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضأ مرتين مرتين [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي- وقال: «حسن» وفي نسخة: «صحيح» - عن

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 277 6/ 443 وأبو داود 2/ 310- 311 حديث (2381) والترمذي 1/ 142، 143- حديث (87) وابن الجارود ص 15 والبيهقي 1/ 144. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 1/ 156 وفي سنده ابن رباح وهو متروك ومن طريق آخر وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك. [ (3) ] أخرجه الدارقطني 1/ 157 وفيه سليمان بن داود ليس بقوي انظر الميزان 2/ 202 الجرح والتعديل 4/ 110 التاريخ الكبير 4/ 11 المغني 1/ 279 الكامل 3/ 1125. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 98 وابن ماجة 1/ 145، 146 (420) وقال ابن الملقن في خلاصة البدر (1/ 34) ضعيف لأنه من رواية عبد الرحيم بن زيد العمي تركه البخاري وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث لا يصح وقال أبو زرعة واه وقال العقيلي فيه نظر. انظر نصب الراية 1/ 28 التلخيص 1/ 82. [ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 311 حديث (157) وأبو داود (138) والترمذي 1/ 60 حديث (42) وابن ماجة 1/ 143 (411) والنسائي 1/ 63. [ (6) ] أخرجه البخاري 1/ 311 حديث (158) .

الثامن والعشرون: [ ... ] .

أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ مرتين مرتين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي- وقال: هذا أحسن شيء في هذا الباب وأصح- عن أبي حيّة- رحمه الله تعالى- عن علي- (رضي الله تعالى عنه) «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ ثلاثا ثلاثا» [ (2) ] . وروي عن شقيق بن سلمة- رحمه الله تعالى- قال: رأيت عثمان، وعليا، يتوضآن «ثلاثا ثلاثا، ويقولان: هكذا كان يتوضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» . الثامن والعشرون: [ ... ] . التاسع والعشرون: في وضوئه من مسّ فرجه. إن صح الخبر: روى أبو يعلى بسند ضعيف عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة ثم قام فتوضأ وأعادها، فقلنا يا رسول الله: هل حدث شيء يوجب الوضوء؟ قال: «إني مسست ذكري» [ (3) ] . الثلاثون: في محافظته- صلى الله عليه وسلّم- على الوضوء: روى الإمام أحمد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء توضأ» [ (4) ] . الحادي والثلاثون: في وضوئه مع بعض النساء من إناء واحد: روى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، عن أم صبيّة الجهنيّة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «اختلفت يدي ويد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في إناء واحد في الوضوء» . الثاني والثلاثون: في نضحه فرجه بعد الوضوء: روى الترمذي- وقال: غريب- وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 34 حديث (136) الترمذي 1/ 62 حديث (43) والبيهقي 1/ 79 وابن الجارود ص (43) . [ (2) ] أبو داود 1/ 27 (110) . [ (3) ] بنحوه عند البيهقي 1/ 131 السنن الكبرى. [ (4) ] أحمد 6/ 189. [ (5) ] أخرجه الترمذي 1/ 71 في الطهارة حديث (50) وقال الترمذي هذا حديث غريب وقال سمعت محمد يقول الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث وابن ماجة 1/ 157 حديث (463) وفي الباب الحكم بن سفيان أخرجه أبو داود حديث (166) والنسائي 1/ 86 وابن ماجة 1/ 157 (461) وذكر ابن ماجة شاهدا له من حديث زيد بن حارثة (462) . والانتضاح هو الاستنجاء بالماء وقيل: المراد منه رش الفرج.

تنبيهات

وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «علمني جبريل الوضوء، فأمرني: أن أنضح تحت ثوبي» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وابن أبي شيبة، وأبو نعيم، عن الحكم بن سفيان- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح فرجه [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فنضح فرجه» [ (3) ] . تنبيهات الأول: قال ابن القيم [ (4) ] : «الصحيح أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يكرر مسح رأسه» . وتعقب بما رواه أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة، عن عثمان أنه- صلى الله عليه وسلم- «مسح رأسه ثلاثا» . وبما رواه أبو داود، والترمذي من حديث الربيع بنت معوذ «أنه مسح رأسه مرتين» . وأجاب العلماء عن أحاديث المسح مرة، بأن ذلك بيان للجواز، ويؤيده: رواية مرتين مرتين، قال ابن السمعاني: اختلاف الرواة يحمل على التعدد، فيكون مسح تارة مرة، وتارة مرتين، وتارة ثلاثة، فليس رواية: مسح مرة حجة على من منع التعدد. ويحتج للتعدد بالقياس [ (5) ] [على] المغسول، لأن الوضوء طهارة حكمية، ولا فرق في الطهارة الحكمية بين الغسل والمسح. الثاني: لم يأت في شيء من الأحاديث أنه- صلى الله عليه وسلّم- زاد على ثلاث، بل ورد عنه النهي عن الزيادة على الثلاث، فروى أبو داود بإسناد جيد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «توضأ ثلاثا ثلاثا» ، ثم قال: «من زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلم» [ (6) ] وظاهر هذا ذم النقص عن الثلاثة.

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 203 وابن ماجة حديث (462) وضعفه البوصيري لأجل ابن لهيعة. [ (2) ] تقدم ضمن الحاشية السابقة وانظر مسند أحمد 3/ 411. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 157 (464) وقال البوصيري هذا اسناد ضعيف لضعف قيس وشيخه وله شاهد من حديث سفيان بن الحكم قلت وقيس هذا هو ابن الربيع قال الحافظ في التقريب صدوق تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به 2/ 133 (139) . [ (4) ] انظر زاد المعاد 1/ 193. [ (5) ] القياس عند علماء الأصول اثبات مثل حكم معلوم من معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت. [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 33 (135 والنسائي 1/ 88 وابن ماجة 1/ 146 (422) وحسنه الحافظ في الفتح وعده مسلم من جملة ما أنكره على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وأجيب: بأنه أمر نسبيّ، والإساءة تتعلق بالنقص، والظلم بالزيادة. وقيل: فيه حذف: تقديره من نقص من واحدة، لما رواه أبو نعيم بن حماد عن المطلب ابن حنطب مرفوعا: «الوضوء مرة، ومرتين، وثلاثا، فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث، فقد أخطأ» وهو مرسل، ورجاله ثقات. وأجيب عن الحديث- أيضا، بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص، بل أكثرهم يقتصر على قوله: «فمن زاد» فقط، كذا رواه ابن خزيمة في صحيحه. الثالث: كان- صلى الله عليه وسلّم- يكره الإسراف، فروى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مرّ بسعد وهو يتوضأ فقال: «ما هذا السّرف يا سعد؟» قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار» [ (1) ] . وروى الطبراني من طريقين في كل منهما ضعف، عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضأ من إناء على نهر، فلما فرغ أفرغ فضلة في النهر» [ (2) ] . وروى الترمذي عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان، فاتقوا وسواس الماء» [ (3) ] . الرابع: جزم ابن حزم بأن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة. ورد عليه بما رواه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن الزهري عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه: أن جبريل علّم النبي- صلى الله عليه وسلّم- الوضوء عند نزوله عليه بالوحي [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن طريق رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه، لكن لم يذكر في السند زيدا [ (5) ] . ورواه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا، وسنده جيد [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 2/ 221 وابن ماجة (425) والحكيم الترمذي في الأكياس والمغترين (27) وانظر التلخيص 1/ 101. [ (2) ] ذكره الهيثمي وأعله بأبي بكر بن أبي مريم. المجمع 1/ 219. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 136 عن أبي والترمذي 1/ 84 حديث (57) وأعله وأخرجه ابن ماجة 1/ 146 حديث (421) . [ (4) ] أخرجه أحمد من حديث أسامة عن أبيه 4/ 161. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 157 حديث (462) عن أسامة عن أبيه وأعله الشهاب بابن لهيعة. [ (6) ] أعله الهيثمي برشدين بن سعد انظر المجمع 1/ 241.

الخامس: في بيان غريب ما سبق. التّور بالمثناة: شبه الطشت. الصّفر: بصاد مهملة مضمومة، ففاء ساكنة فراء: النحاس. بفنائه- بفاء مكسورة، فنون، فألف فهمزة مكسورة: المتسع أمام الدار. المخضب- بميم مكسورة، وخاء وضاد معجمتين. الصّاع- بصاد مهملة فألف فعين مهملة: خمسة أرطال وثلث، أو ثمانية أرطال، ومكيال يسع أربعة أرطال. الكوز- بكاف مضمومة، فواو، فزاي: إناء معروف. المزادة- بميم فزاي فألف فدال مهملة ظرف للماء كالرواية، والقربة والسطيحة. مكوك- بميم مفتوحة فكافين مضمومتين بينهما واو ساكنة. المد- بميم مضمومة، فدال: مكيال وهو رطلان أو رطل وثلث أو ملء كف الإنسان المعتدل. الأداوة- بفتح الهمزة وكسرها: المطهرة. الميضأة- بميم مكسورة فتحتية ساكنة فضاد معجمة إذا ملأها: مطهرة كبيرة يتوضأ منها. استوكف- بهمزة فسين مهملة ساكنة فواو فكاف ففاء. استقطر الماء وصبه على يده. عرك- بعين مهملة فكاف مفتوحات. عاوده مرةً بعد مرة ودلكه. العارض- بعين مهملة، فألف، فراء فضاد معجمة من اللحية فوق الذقن، وقيل: عارض الإنسان صفحتا خديه. المأقيان- بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فقاف مكسورة فتحتية تثنية المأق وهو مقدم العين، وجمعه مآقي، والموق مؤخرها. وجمعه: آماق، وأماق بالمد وتركه. الحنك- بحاء مهملة، فنون مفتوحتين، فكاف: باطن أعلى الفم من داخل. الناصية- بنون، فألف، فصاد مهملة مكسورة، الأسفل من طرف مقدم اللحيين فتحتية مقدم الرأس. العقب بمهملة مفتوحة، فقاف مكسورة فموحدة مؤخر القدم. العضد ككتف وندس وعبد. ما بين المرفق إلى الكتف.

الساق- بسين مهملة، فألف، فقاف: ما بين الكعب والركبة. الحفنة- بحاء مهملة مفتوحة ففاء ساكنة، فنون، فتاء تأنيث: ملء الكف. الكعب- بكاف مفتوحة، ومهملة ساكنة، فموحدة: كل مفصل للعظام والعظم الناشز فوق المقدم، والناشزات. المربض- بميم مفتوحة، فراء ساكنة، فموحدة مفتوحة. العرق- بعين مفتوحة، فراء ساكنة: العظم الذي أخذ منه اللحم، وجمعه: عراق. المحاجم- بميم جمع محجم، مكان الحجم. غطّ- بغين معجمة، فمهملة، والغطيط: صوت يسمع من تردد النفس كهيئة صوت المختنق. يحتز- بحاء مهملة وزاي. كتف- بفتح أوله وكسر ثانيه، وبإسكان ثانيه مع فتح أوله وكسره. المفاصل- بميم، فألف، فصاد مهملة فلام. جمع مفصل، وهو ما بين كل أنملتين.

الباب السادس في مسحه - صلى الله عليه وسلم - على الخف والجبائر

الباب السادس في مسحه- صلى الله عليه وسلّم- على الخف والجبائر وفيه أنواع: الأول: في أن النبي- صلى الله عليه وسلم- «مسح على الخفين خلافا للمبتدعة» . روى الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، والنسائي، وابن ماجه، عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفّين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يمسح على خفّيه وعلى خماره» . وروى الأئمة الشافعي، وأحمد، والترمذي، والنسائي، عن بلال- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «مسح على الخفّين والخمار» . وروى الحاكم- وقال: على شرطهما، وأقرّه الذهبي- عنه قال: «دخلت الأسواق مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فذهب لحاجته قال: فجاء فناولته ماء فتوضّأ ثمّ ذهب ليخرج ذراعيه من جبّته فلم يقدر، فأخرجهما من تحت الجبة فتوضّأ، ومسح على الخفّين» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والبزار- بسند جيد- عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- توضّأ ومسح على الخفّين، وعلى الخمار، وعلى العمامة» [ (3) ] . وروى الدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما زال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمسح منذ أنزل عليه المائدة، حتى لحق بالله عز وجل» [ (4) ] . وروى الطبراني- بسند حسن- عن ربيعة بن كعب الأسلمي- رضي الله تعالى عنه. قال جرير بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: «قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد نزول المائدة، فرأيته يمسح على الخفّين» [ (5) ] . وروى الجماعة عنه قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بال ثمّ توضّأ ومسح على الخفّين» زاد الترمذي في رواية، فقيل له قبل المائدة أو بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلّا بعد المائدة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 365 حديث (202) وأحمد في المسند 1/ 170 وانظر نيل الأوطار 1/ 60. [ (2) ] الحاكم في المستدرك 1/ 151. [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 281 والبزار كما في الكشف 1/ 154. [ (4) ] الدارقطني في السنن 1/ 194. [ (5) ] أخرجه في الكبير 5/ 54 وحسنه الهيثمي في المجمع 1/ 257.

قال الأعمش: قال إبراهيم: «وكان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعجبهم هذا الحديث، لأنّ إسلام جرير كان بعد المائدة» [ (1) ] . وروى الشيخان عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فأهويت لأنزع خفّيه، فقال: «دعهما فإنّي أدخلتهما طاهرتين» ، فمسح عليهما [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي- وقال: حسن صحيح- وابن ماجة عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ ومسح على الخفّين والنّعلين» [ (3) ] . وقال أبو داود: «كان عبد الرحمن بن مهديّ لا يحدّث هذا الحديث» ، لأن المعروف عن المغيرة «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفّين» . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن ابن بريدة- رضي الله تعالى عنه- «أن النّجاشيّ أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خفّين أسودين ساذجين فلبسهما. ثمّ توضّأ، ومسح عليهما» [ (4) ] . وروى أبو داود- وقال: ليس إسناده بمتصل- عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: «مسح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على الجوربين» [ (5) ] . وروى أيضا عن أوس بن أبي أوس- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ ومسح على نعليه، وقدميه» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري عن عمرو بن أميّة الضّمريّ: قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسح على عمامته وعلى خفّيه» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 286 (182، 203، 307) ومسلم 1/ 227 حديث (72/ 272) وأبو داود (154) والترمذي (93) والنسائي 1/ 81 حديث (118) وابن ماجة 1/ 80- 181- 543. [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 342 في الوضوء (182) (203، 206، 363، 388) 2918 و 4421، 5798، 5799 ومسلم 1/ 230 في الطهارة حديث (79/ 274) . [ (3) ] أحمد في المسند 4/ 244 وأبو داود 1/ 41 حديث (159) والترمذي 1/ 167 حديث (99) وقال حسن صحيح وابن ماجة (1/ 185) (559) وانظر نصب الراية 1/ 96. [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 352 وأبو داود 1/ 39 (155) وأشار له الترمذي 1/ 156 وابن ماجة 1/ 182 (549) . [ (5) ] أبو داود 1/ 41 حديث (159) . [ (6) ] المصدر السابق حديث (160) . [ (7) ] أحمد في المسند 4/ 179.

الثاني: في موضع المسح.

وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن المغيرة قال: مسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي الخفّين، فقلت: يا رسول الله نسيت. فقال: «بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي عز وجل» [ (1) ] . وروى مسلم عنه، أنّه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غزوة تبوك، قال: فتبرّز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل الحائط، فحملت معه إداوة قبل الفجر فلمّا رجع أخذت أهريق على يديه من الإداوة، فغسل يديه ووجهه وعليه جبّة من صوف [فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتّى أخرجهما من أسفل الجبّة فغسل ذراعيه ومسح برأسه ثمّ أهويت لأنزع خفّيه] ، فقال: «دعهما، فإنّي أدخلتهما طاهرتين» ، فمسح عليهما. الحديث [ (2) ] . والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا، وفيما ذكر كفاية. الثاني: في موضع المسح. روى الترمذي، وابن ماجة، والدارقطني عن الميغرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كان يمسح على أعلى الخفّ وأسفله» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي- وحسنه- عنه، قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يمسح على الخفّين، على ظاهرهما» [ (4) ] . وروى أبو داود، والدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «لو كان الدّين بالرّأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه» ، ولكن رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «يمسح أعلاه» [ (5) ] . الثالث: في مدة المسح سفرا وحضرا. روى الطبراني من طريق أبي سلمة مروان عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفّين والعمامة ثلاثا في السّفر ويوما وليلة في الحضر» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 246 وأبو داود 1/ 40 (156) . [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 317 حديث (105/ 274) وأبو داود (151) والبغوي في شرح السنة 1/ 329. [ (3) ] أخرجه أبو داود 1/ 116 حديث (165) والترمذي 1/ 162 حديث (97) وابن ماجة 1/ 182 حديث (550) والدارقطني 1/ 195 حديث (6) . [ (4) ] أحمد في المسند 4/ 254 وانظر التخريج السابق. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 42 حديث (162) والبغوي في الشرح 1/ 334 (239) وصححه الحافظ في التلخيص 1/ 169. [ (6) ] أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي فيه: مروان أبو سلمة مجهول انظر المجمع 1/ 160.

الرابع: في المسح على الجبائر.

الرابع: في المسح على الجبائر. وروى الدارقطني وضعفه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الجبائر» [ (1) ] . وروى الطبراني- بسند ضعيف- عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا رماه ابن قميئة يوم أحد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا توضّأ حلّ عن عصابته، ومسح عليها بالوضوء.» [ (2) ] .

_ [ (1) ] وقال لا يصح مرفوعا انظر سنن الدارقطني 1/ 205 قلت وأبو عمارة متروك انظر المغني 2/ 549 والضعفاء لابن الجوزي 3/ 38 والميزان 3/ 456. [ (2) ] أخرجه في الكبير وذكره في المجمع 1/ 264 وقال فيه حفص بن عمر وهو ضعيف.

الباب السابع في تيممه - صلى الله عليه وسلم -

الباب السابع في تيممه- صلّى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد، والحارث، والطبراني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أهراق الماء فمسح بالتّراب، فقلت له إنّما الماء منك قريب، فقال: «وما يدريني لعلّي لا أبلغه» [ (1) ] . وعن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عرّس بذات الجيش ومعه عائشة- رضي الله تعالى عنها- فانقطع عقد لها، من جزع ظفار، فحبس النّاس ابتغاء عقدها ذلك، حتّى أضاء الفجر، وليس مع النّاس ماء، فتغيّظ عليها أبو بكر وقال: حبست النّاس وليس معهم ماء، فأنزل الله عز وجل على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رخصة التّطهير بالصّعيد الطّيّب، فقام المسلمون مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فضربوا بأيديهم الأرض، ثمّ رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التّراب شيئا فمسحوا بها على وجوههم وأيديهم» [ (2) ] . وروى أبو داود، والدارقطني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: مر رجل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سكّة من السّكك، وقد خرج من غائط أو بول فسلّم عليه، فلم يردّ عليه، حتّى إذا كاد الرّجل أن يتوارى في أثلة ضرب بيده على الحائط ومسح بهما وجهه ثمّ ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعه ثمّ ردّ على الرّجل السّلام وقال: «إنه لم يمنعني أن أردّ السّلام إلا أني لم أكن على طهور» [ (3) ] . وروى البخاري عن أبي الجهيم بن الحارث بن الصّمّة الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلّم عليه فلم يردّ عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثمّ رد عليه السلام» [ (4) ] . وروى البغوي في شرح السنة عنه- وقال: حديث حسن- والدارقطني قال: «مررت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فسلّمت عليه، فلم يردّ عليّ حتى قام على جدار فحتّه بعصا كانت معه، ثمّ وضعه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثمّ ردّ عليّ» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 1/ 288 وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 263 وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير وأعله بابن لهيعة. [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 514 حديث 336، 3672، 3773، 4583 ومسلم 1/ 379 حديث (108/ 367، 109/ 367) وأبو داود 1/ 86 (317) وابن ماجة 1/ 188 (568) . [ (3) ] أبو داود 1/ 90 (330) والطيالسي ص 253 والدارقطني 1/ 177 والبيهقي 1/ 206 وفيه محمد بن ثابت العبدي ضعيف انظر الميزان 3/ 495. [ (4) ] البخاري (1/ 525) (337) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي انظر تحفة الأشراف 9/ 140. [ (5) ] البغوي في الشرح 1/ 402- 403 وانظر الدارقطني 1/ 177.

تنبيهان

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب: أنّ رجلا سلّم على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقد بال فلم يردّ عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى قام بيده إلى الحائط، يعني أنّه تيمّم [ (1) ] . تنبيهان الأول: قال البغوي في شرح السنة، الحديث محمول على أن الجدار كان مباحا، أو مملوكا لإنسان كان يعرف رضاه. الثاني: في بيان غريب ما سبق. عرّس- بعين فسين مهملتين بينهما راء مشددة مفتوحات، من التعريس وهو نزول آخر الليل، ذات الجيش. العقد- بعين مهملة مكسورة فقاف ساكنة فدال مهملة. القلادة. الجزع- تقدم تفسيره. ظفار- بظاء مشالة معجمة ففاء مفتوحتين فراء. مدينة باليمن قرب صنعاء إليها ينسب الجزع. السّكّة- بسين مهملة مكسورة، فكاف مشددة مفتوحة: الزقاق، وجمعها: سكك، وسميت بذلك لاصطفاف الدور فيها.

_ [ (1) ] تقدم.

الباب الثامن في غسله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثامن في غسله- صلّى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: في صفة غسله- صلّى الله عليه وسلم: روى الأئمة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة، دعا بشيء نحو الحلاب فيغسل يديه ثلاثا يصبّ الإناء على يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، ثمّ يأخذ بيمينه، ثمّ يصبّ على شماله، فيغسل بها فرجه حتّى ينقّيه، ثمّ يهوي بها إلى الحائط يدلّكها به، ثمّ غسلها غسلا حسنا، ثمّ يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا، ويغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ثمّ يصبّ على رأسه ثلاثا، ثمّ يغسل، فإذا فرغ غسل قدميه، ثمّ يدخل يده في الإناء فيخلّل شعره حتّى إذا رأى أنّه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثا، فإذا فضل فضلة صبّها عليه» [ (1) ] . وفي رواية عند الإمام الشافعي، والشيخان، وأبي داود، والترمذي: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا اغتسل من الجنابة وبدأ غسل يديه، ثمّ يتوضّأ كما يتوضّأ للصّلاة، ثمّ يدخل أصابعه في الماء فيخلّل بها أصول الشّعر، ثمّ يصبّ على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثمّ يعيد الماء على جلده كلّه حتّى ظنّ أنّه قد روى بشرته. أفاض عليه الماء» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة، والترمذي، والدارقطني عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «وضعت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ماء يغسل به» . وفي رواية غسلا فسترته بثوب، فصبّ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا [ (3) ] . وفي رواية: فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفّيه ثلاثا، ثمّ أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثمّ دلك يده بالأرض دلكا شديدا [ (4) ] . وفي رواية: فغسل وجهه وضرب بيده الأرض فمسحها ثمّ غسلها [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 429 حديث 248، 262، 272 ومسلم 1/ 253 حديث (319/ 35) ومالك في الموطأ 1/ 44 والترمذي 1/ 174 حديث (104) والحلاب: إناء يحلب فيه ويقال له: المحلب أيضا بكسر الميم. [ (2) ] انظر المصادر السابقة. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 457 (276) ومسلم 1/ 254 (317) وأبو داود 1/ 64 (245) والترمذي 1/ 173 حديث (103) وابن ماجه 1/ 190 (573) والدارمي 1/ 191 وابن خزيمة 1/ 120 وأحمد 6/ 329، 330. [ (4) ] انظر المصادر السابقة. [ (5) ] أحمد في المسند 6/ 330.

الثاني: في غسله الواحد للمرات من الجماع:

وفي رواية: الحائط، ثمّ مضمض واستنشق، ثمّ غسل وجهه ويده ثمّ غسل رأسه ثلاثا، فتوضّأ وضوءه للصّلاة. وفي رواية: غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه ثلاثا من الأذى، ثمّ أفاض عليه ثمّ على رجليه فغسلهما. وفي رواية: ثمّ أفرغ على جسده، ثمّ تنحّى من مقامه فغسل قدميه فناولته خرقة فقال بيده هكذا، ولم يردها فجعل ينفض بيده. وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- وقال: تمارّوا، وفي رواية: تذاكروا غسل الجنابة عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال بعض القوم أما أنا فإنّي أغسل رأسي كذا وكذا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أمّا أنا فأفيض على رأسي ثلاثة أكفّ، ثمّ أفيض [بعد] على سائر جسدي» [ (1) ] . وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفّيه فغسلهما ثمّ غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى الحائط ثمّ يستقبل الوضوء ويفيض الماء على رأسه» [ (2) ] . الثاني: في غسله الواحد للمرات من الجماع: روى الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة، عن قتادة، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه بغسل واحد» [ (3) ] . ورواه مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها. وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة امرأة- كذا قال هشام الدستوائي وقال سعيد بن أبي عروبة وله يومئذ تسع- قلت لأنس: فكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 84 والبخاري 1/ 437 (254) ومسلم 1/ 258 (54/ 327) (وتماروا) أي تنازعوا في الغسل أي في مقدار ماء الغسل. [ (2) ] أبو داود 1/ 63 حديث (243) . [ (3) ] ومسلم (1/ 249) (28/ 309) وأبو داود 1/ 56 (219) والترمذي 1/ 259 (140) وأحمد 3/ 225 وأبو عوانة 1/ 280 وأبو نعيم والنسائي 1/ 112 في الحلية 7/ 100، 232 والخطيب في التاريخ. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 449 (268، 284، 5068، 5215) . وأحمد 3/ 291 وابن سعد 2/ 2 والبغوي في الشرح 1/ 358.

الثالث: في اغتساله من الإغماء:

وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- عن أم كلثوم بنت أبي بكر- رحمها الله تعالى- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «أن رجلا سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، وعائشة جالسة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إني لأفعل ذلك، أنا وهذه ثم نغتسل» [ (1) ] ، وهذا من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة، لأن جابرا صحابي، وأم كلثوم بنت أبي بكر من التابعين ولدت بعد أبيها. وروى الدارقطني عن الزهري قال: سألت عروة عن الذي يجامع ولا ينزل فقال: لم يزل الناس يأخذون بالآخر من أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. حدثتني عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل [ (2) ] . الثالث: في اغتساله من الإغماء: روى الشيخان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت على عائشة- رضي الله تعالى عنها- فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ فقالت: بلى ثقل النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أصلّى الناس؟» قلنا: لا هم ينتظرونك قال: «ضعوا لي ماء المخضب» الحديث [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والحارث بن أبي أسامة- بسند حسن- عن أبي رافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طاف على نسائه في يوم واحد فجعل يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل: يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا، قال: «هذا أزكى وأطهر» [ (4) ] . الرابع: في استتاره- صلى الله عليه وسلّم- من الاغتسال بثوب مع بعض أصحابه. روى الإمام أحمد، والطبراني، برجال الصحيح، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر عليّا فوضع له غسلا، ثم أعطاه ثوبا، فقال «استرني وولّني ظهرك» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 272 (89/ 350) وابن السني في عمل اليوم والليلة (610) وأبو عوانة 1/ 289 والطحاوي في معاني الآثار 1/ 55. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 1/ 126. [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 203 (687) ومسلم 1/ 311 (418) وأحمد 2/ 52 والدارمي 1/ 287 وأبو عوانة 2/ 111 والبيهقي 1/ 123، 8/ 151 وابن أبي شيبة 1/ 198. وابن سعد 2/ 2/ 19. [ (4) ] أخرجه أبو داود (1/ 56) (219) وأحمد 6/ 8 والطبراني في الكبير 1/ 307 وابن ماجة 1/ 194 (590) والبيهقي 1/ 204 وانظر التلخيص 1/ 141. [ (5) ] أحمد في المسند 1/ 317 والطبراني في الكبير 11/ 291.

الخامس: في رشه الماء على من دخل عليه مغتسله.

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- قالت: نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأعلى مكة، فانتبه فجاء أبو ذر بجفنة فيها ماء قالت: «إني لأرى فيها أثر العجين، فستره أبو ذر، ثم ستر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا ذر» [ (1) ] . الخامس: في رشه الماء على من دخل عليه مغتسله. روى الطبراني بسند حسن عن زينب بنت أبي سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي صغيرة وهو يغتسل، فأخذ حفنة من ماء فضرب بها وجهي، وقال: «وراءك أي: لكاع» [ (2) ] . السادس: في مكان اغتساله- صلى الله عليه وسلم-. روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يغتسل من وراء الحجرات، وما رأى عورته أحد قط» [ (3) ] . السابع: فيما كان يغتسل له. روى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يغتسل من أربعة: من الجنابة، والجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت» [ (4) ] . الثامن: في وضوئه- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو يرقد، أو يطأ إذا كان جنبا، وتركه ذلك قليلا، وتيممه إذا لم يتوضأ. روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان جنبا، وأراد أن يأكل أو ينام توضأ» [ (5) ] . وفي رواية: «غسل فرجه، ويتوضأ للصلاة» . وروى الطبراني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ» [ (6) ] . وروى أيضاً بسند حسن عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان جنبا، وأراد أن يأكل، أو ينام توضّأ» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 6/ 341. [ (2) ] الطبراني في الكبير 24/ 281 وحسنه الهيثمي في المجمع 1/ 269. [ (3) ] ضعفه الهيثمي في المجمع بمسلم الملائي انظر المجمع 1/ 269. [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 96 (348) . [ (5) ] أخرجه البخاري (1/ 468) (288) ومسلم 1/ 248 حديث (21/ 305) والبيهقي 1/ 200. [ (6) ] الطبراني في الكبير وأعله الهيثمي ب «أحمد بن يحيى» وبقية رجاله ثقات انظر المجمع 1/ 274. [ (7) ] الطبراني في الأوسط وفيه إسحاق بن إبراهيم القرقساني وإسناده حسن المجمع 1/ 274.

التاسع: في اغتساله مع بعض نسائه من إناء واحد.

وروى الإمام مالك والبخاري عن أبي سلمة- رحمه الله تعالى- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم ويتوضأ» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يجنب وينام، ثم ينتبه، ثم ينام» [ (2) ] . وروى الطبراني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا واقع بعض أهله، فكسل أن يقوم ضرب بيده على الحائط فيتيمم» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كانت له حاجة إلي أهله أتاهم ثم يعود ولا يمسّ ماء» [ (4) ] . التاسع: في اغتساله مع بعض نسائه من إناء واحد. روى الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجة، عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اغتسل هو وميمونة من إناء واحد، في قصعة فيها أثر العجين [ (5) ] . وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد» [ (6) ] . ورواه مسلم عن ميمونة. وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة [ (7) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 466 (286، 288) ومسلم 1/ 248 (21/ 305) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 298. [ (3) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه بقية وهو مدلس انظر المجمع 1/ 264. [ (4) ] أحمد في المسند 6/ 43. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 342 والنسائي 1/ 131 وفي 1/ 202 وابن ماجة 1/ 134 حديث (378) والبيهقي 1/ 7. [ (6) ] البخاري (253) . [ (7) ] البخاري 1/ 433 (250 و 261، 263، 273، 299، 5956، 7339) ومسلم 1/ 255 في الحيض (319) ومالك 1/ 44 والبيهقي 1/ 187 والدارمي 1/ 192. [ (8) ] البخاري (264) .

العاشر: في القدر الذي كان يغتسل به - صلى الله عليه وسلم - غير ما تقدم ذكره في الوضوء.

وروى الشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كانت هي ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة» [ (1) ] . العاشر: في القدر الذي كان يغتسل به- صلى الله عليه وسلم- غير ما تقدم ذكره في الوضوء. روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة» ، قال سفيان: والفرق ثلاثة آصع [ (2) ] . وروى مسلم عنها- أنها كانت تغتسل هي ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أو قريبا من ذلك [ (3) ] . وروى النسائي عن موسى الجهني قال: «أتى مجاهد- رحمه الله- بقدح حزرته ثمانية أرطال، فقال: حدّثتني عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل بمثل هذا» [ (4) ] . الحادي عشر: في غسله بفضل طهور بعض نسائه. روى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يغتسل بفضل ميمونة» [ (5) ] . الثاني عشر: في تنشفه من الغسل. روى مسلم عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- «أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بأعلى مكة، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى غسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، والبيهقي، وأبو داود، عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنهما- زارنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في منزلنا، فوضعنا له ماء فاغتسل، ثم أتينا بملحفة مصبوغة بزعفران أو بورس فاشتمل بها، وكأني أنظر إلى أثر الورس في منكبه [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 503 حديث (322) ومسلم 1/ 257 (49/ 324) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 255 (41/ 319) . [ (4) ] أخرجه النسائي 1/ 105. [ (5) ] تقدم وانظر مسلم 1/ 257 (48/ 323) . [ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 265 حديث (70/ 336) . [ (7) ] أحمد في المسند 3/ 421 وأبو داود 4/ 347 (5185) والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 186.

الثالث عشر: في غسله - صلى الله عليه وسلم - رأسه بالخطمي والأشنان.

الثالث عشر: في غسله- صلّى الله عليه وسلم- رأسه بالخطمي والأشنان. روى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان ودهن بزيت غير كثير» [ (1) ] . وروى عنها أيضا أن النبي- صلى الله عليه وسلم- «كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزي بذلك ولا يصب عليه الماء» . الرابع عشر: في استتاره- صلى الله عليه وسلم-. روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي السّمح- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان إذا أراد أن يغتسل قال: «ولّني ظهرك» فأوليته قفاي: وأنشر الثوب وأستره [ (2) ] . روى ابن أبي شيبة وابن أبي أسامة عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: قمت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليلة من رمضان فقام يغتسل وسترته وفضلت منه فضلة في إناء، قال: «إن شئت فأرقه وإن شئت فصبّ عليه» . فقلت يا رسول الله: هذه الفضلة أحب إليّ مما أصبّ عليه، فاغتسلت وسترني، فقلت: لا تسترني فقال: «بلى لأسترنك كما سترتني» . وروى مسلم عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «وضعت للنبي- صلى الله عليه وسلّم- ماء وسترته فاغتسل» [ (3) ] . الخامس عشر: في غسله لمعة رآها بعد غسله. روى الإمام أحمد، وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اغتسل من جنابة فلمّا خرج رأى لمعة بيضاء على منكبه الأيمن لم يصبها الماء، فأخذ أثر شعرة فبلّها ثمّ مضى إلى الصّلاة» [ (4) ] . السادس عشر: في أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتوضّأ بعد الغسل. روى الإمام أحمد، والترمذي- بسند حسن صحيح- والنسائي، والبيهقي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا يتوضّأ بعد الغسل» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الدارقطني 2/ 226. [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 102 (376) والنسائي 1/ 104 وابن ماجة 1/ 201 (613) . [ (3) ] أخرجه مسلم (1/ 266) حديث (73/ 337) . [ (4) ] أخرجه أحمد 1/ 243 وابن ماجة 1/ 217 (663) وأعله بأبي علي الرحبي. [ (5) ] أخرجه الترمذي 1/ 179 (107) والنسائي 1/ 111 وأحمد 6/ 19 والبيهقي 1/ 179 وابن أبي شيبة 1/ 68 والبغوي في الشرح 1/ 68.

السابع عشر: في امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من قراءة القرآن وهو جنب.

السابع عشر: في امتناعه- صلّى الله عليه وسلم- من قراءة القرآن وهو جنب. روى الإمام أحمد، والأربعة، والدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقضي حاجته ثمّ يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللّحم ولا يحجزه وربّما قال: لا يحجبه من القرآن شيء ليس الجنابة» [ (1) ] . وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرئنا القرآن على كل حال، ما لم يكن جنبا» [ (2) ] . تنبيهات الأول: نقل أبو عمر: اتفاق أهل السير أن غسل الجنابة فرض ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة، كما افترضت الصلاة وأنه لم يصلّ قط إلا بوضوء، قال: لا يجهله عالم. الثاني: ما رواه البخاري عن ميمونة ثمّ نحّى رجليه فغسلهما، فيه التصريح بتأخير الرّجلين في وضوء الغسل إلى آخره، وهو مخالف لظاهر رواية عائشة، ويمكن الجمع بينهما بأن يحمل رواية عائشة على المجاز، وإما بحالة أخرى، وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلاف العلماء، فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير الرجلين. وعن مالك: إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما، وإلا فالتقديم. وعند الشافعية في الأفضل قولان. قال النووي أصحهما، وأشهرهما، ومختارهما: أنه يكمل وضوءه. الثالث: قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- وتوضّأ وضوء الصّلاة، أي وضوءه كما للصّلاة أي وضوءا شرعيا لا لغويا. الرابع: لا يتيمم عند إرادة النوم. يحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء، وقيل: غير ذلك. الخامس: في بيان غريب ما سبق. الحلاب بكسر الحاء وتخفيف اللام وموحدة، قال الخطابي والمنذري هو: إناء يسع قدر حلب ناقة، ويقال له: المحلب بكسر الميم، وترجم البخاري عليه: باب من بدأ بالحلاب والطيب عند الغسل، فدل على أن عنده جراب من الطيب وهذا لا يعرف في الطيب،

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 83 وأبو داود 1/ 59 (229) والترمذي 1/ 273 (146) والنسائي 1/ 118 وابن ماجة 1/ 195 (594) والطحاوي في معاني الآثار 1/ 87 وابن الجارود ص 52- 53 والحاكم 4/ 107 وأحمد 5/ 187. [ (2) ] الترمذي 1/ 274.

والمعروف حب المحلّب بفتح الميم واللام المشددة، وهو ماء الورد فارسي معرب، والمحفوظ في كتابه إنما هو بالحاء المهملة. غسلا بضم الغين المعجمة وهو الماء الذي يغتسل به، كالأكل لما يؤكل. قال شيخنا في «شرح السنن» ، وضبطه ابن باطيس وأبو الفتح القشيري، وابن سيد الناس: بكسر الغين. وغلطوا في ذلك. المنديل بكسر الميم. مرافغه- بفتح الميم وكسر الفاء وغين معجمة جمع رفغ بضم الراء وفتحها وسكون الفاء وهي مغابن البدن، أي مطاويه وما يجتمع فيه الأوساخ كالإبطين، وأصول الفخذين ونحو ذلك، وعن ابن الأعرابي المرافغ أصول اليدين والفخذين، لا واحد لها في لفظها، وفي نسخة من السنن مرافقه بالقاف، جمع مرفق. قال الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي: والأولى هي الصحيحة. شقّ رأسه: بكسر الشين أي نصفه وناحيته. الخطميّ. الذي يغسل به الرأس، قال الجوهري: هو بكسر الخاء وقال: هو بفتحها قال: ومن قاله بكسرها فقد لحن.

الباب التاسع في استمتاعه - صلى الله عليه وسلم - بما بين السرة والركبة من امرأته الحائض واستخدامه ومجالسته لها

الباب التاسع في استمتاعه- صلى الله عليه وسلّم- بما بين السّرة والركبة من امرأته الحائض واستخدامه ومجالسته لها روى الأئمة إلا الدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كانت إحدانا إذا كانت حائضا وأراد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يباشرها أمرها أن تأتزر بإزار في فور حيضتها» [ (1) ] . وفي لفظ فور حيضتها ثمّ يباشرها، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» ، وللإمام أحمد والشيخين: وكان يخرج رأسه لي وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتّزرت وهي حائض، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين والرّكبتين محتجزة به [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان ينام مع المرأة من نسائه الحائض وما بينهما إلّا ثوب [ما] يجاوز الرّكبتين [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عنها قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدخل على إحدانا وهي حائض، فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض [ (5) ] . وروى مسدد برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «بينا أنا ورسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مضطجعة في الخميلة حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: «أنفست؟» فقلت نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة [ (6) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتّكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن» [ (7) ] . وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، ثمّ أناوله للنبي- صلى الله عليه وسلّم- فيضع فاه على موضع فيّ» [ (8) ] والله أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 481 حديث (300- 302- 2030) ومسلم (1/ 242) (1/ 293) (2/ 293) . [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 403 (299- 301) . وإربه: بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة. [ (3) ] أخرجه البخاري (1/ 483) (303) . أخرجه مسلم 1/ 243 (3/ 294) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 332. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 331. [ (6) ] أخرجه البخاري 1/ 503 حديث (322، 323) ومسلم 1/ 243 (5/ 296) والخميلة: ثوب من صوف له خمل. [ (7) ] البخاري 1/ 401 (297) ومسلم 1/ 246 (15/ 301) . [ (8) ] أخرجه مسلم 1/ 245 في الحيض (14/ 300) .

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الفرائض

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الفرائض الباب الأول في اختلاف العلماء فيما كان- صلى الله عليه وسلّم- يتعبد به- بفتح الموحدة- قبل البعثة هل كان بشرع من تقدمه أم لا؟ قال العلامة ابن النّفيس [ (1) ] في رسالة تتعلق بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- يجب أن يكون النبي سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- غير منتسب أولا إلى ملة غير ملته، فلا يكون لا يهوديّاً ولا نصرانياً ولا مجوسيا ونحو ذلك، لأنه لو كان من أهل ملة- لكان عند دعواه النبوة دعا الناس إلى الدين الذي يحدثه كافرا عند تلك الملة لأنه قد يكون خرج عن دينهم فيكون عندهم مبتدعا كافرا وذلك مما يدعوهم إلى تنفير الناس عنه حتى ولو كان مقررا لدين تلك الملة، كما جرى بعيسى- عليه السلام- مع اليهود، فكيف إذا نسخ دين تلك الملة وبدّله؟، فلذلك يجب أن يكون خاتم النبيين ليس منسوبا في أول أمره إلى ملة أخرى. وقال القاضي: قد اختلف في حال نبينا- صلى الله عليه وسلم- قبل العلم بأنه رسول الله، وقبل أن يوحى إليه، هل كان متبعا إلى عبادة ربه بشرع من شرائع الأنبياء قبله أم لا؟. قال الجمهور: القاضي أبو بكر الباقلاني [ (2) ] وغيره من المحققين: لم يكن- صلى الله عليه وسلم- متعبدا قبل البعثة بشرع من قبله.

_ [ (1) ] علي بن أبي الحزم القرشي، علاء الدين الملقب بابن النفيس: أعلم أهل عصره بالطب. أصله من بلدة قرش (بفتح القاف وسكون الراء. في ما وراء النهر) ومولده في دمشق، ووفاته بمصر. له كتب كثيرة، منها «الموجز- ط» في الطب، اختصر به قانون ابن سينا، و «فاضل بن ناطق» على نمط «حي بن يقظان» لابن الطفيل، و «بغية الطالبين وحجة المتطببين» و «شرح الهداية لابن سينا» في المنطق، و «المهذب» وغير ذلك. وكانت طريقته في التأليف أن يكتب من حفظه وتجاربه ومشاهداته ومستنبطاته، وقل أن يراجع أو ينقل. وخلف مالا كثيرا، ووقف كتبه وأملاكه على البيمارستان المنصوري بالقاهرة. ومات في نحو الثمانين من عمره. وورد اسمه في كثير من المصادر «علي بن أبي الحرم» والصواب «ابن أبي الحزم» بزاي ساكنة، كما بخطه. الأعلام 4/ 270، 271. [ (2) ] محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر: قاض، من كبار علماء الكلام. انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة، وسكن بغداد فتوفي فيها. كان جيد الاستنباط، سريع الجواب. وجهه عضد الدولة سفيرا عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها. من كتبه «إعجاز القرآن» و «الإنصاف» و «مناقب الأئمة» و «دقائق الكلام» و «الملل والنحل» و «هداية المرشدين» و «الاستبصار» و «تمهيد الدلائل» و «البيان عن الفرق بين المعجزة والكرامة» و «كشف أسرار الباطنية» و «التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والخوارج والمعتزلة» توفي 403 هـ الأعلام 6/ 176.

واحتجوا بأن طريق العلم بكونه- صلى الله عليه وسلّم- متّبعا في عبادة ربه قبل أن يوحى إليه بشرع النقل هو توارد الخبر على ألسنة النّقلة إلينا، وحجته: إنه لو كان ذلك قد وقع لنقل إلينا، ولو كان لنقل ذلك، ولما أمكن كتمه وستره في العادة، إذ كان نقله وعدم كتمه من مهم أمره وأولى ما احتفل به لكونه من سيرته ولقال به أهل تلك الشريعة، ولاحتجوا عليه ولم يؤثر شيء من ذلك فعلم أنه لم يكن، وأيضا لو كان متبعا لشرع من قبله لفخر به أهل تلك الشريعة ولاحتجوا باتباعه شريعة من قبله، حتى ادعى النبوة، ولم يرو شيء من ذلك أصلا. وذهبت طائفة إلى امتناع ذلك عقلا، قالوا: لأنه يبعد مع حكم العقل أن يكون متبوعا من علم من الأزل كونه تابعا له- صلى الله عليه وسلم- إذ الأنبياء مأمورون بالإيمان به والنصرة له، كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران 81] بنوا قولهم بامتناع إتباعه- صلّى الله عليه وسلّم- شرعا قبل أن يوحى إليه، على طريقة التحسين والتقبيح العقليين، وهي طريقة غير سديدة، لبعد مسافتها من مأخذ الشّرع، ورفع قواعدها من شفا جرف هار. والتعليل الأول وهو الاستناد إلى النقل أولى وأظهر. وذهبت طائفة: منهم إمام الحرمين، والغزالي، والآمدي، إلى الوقفة في أمره- صلى الله عليه وسلم- وجنحوا إلى ترك قطع الحكم فلم يحكموا عليه بشيء، إذ لم يحل لوجهين منهما العقل لتساويهما عنده في الإمكان، ولاستبان عند هذه الطائفة القائلين بالوقف في أحد الوجهين طريق النقل، لعدم تساويهما في الإمكان فلم يكن أحدهما أولى بترجيح على الآخر. وذهبت طائفة أخرى إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- كان عاملا قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله لبعد أن يكون متعبدا بغير شرع قبل بعثته، ثم اختلفت هذه الطائفة الثالثة: هل يتعين ذلك الشرع الذي زعموا أنه كان قبل أن يبعث عاملا به أم لا؟ فوقف بعضهم عن تعيينه، وأحجم- أي نكص فهمه وهاب الجزم بتعيينه لفقد ما يجسره عليه، وجسر بعضهم على التعيين وصمم عليه. ثم اختلفت هذه الفرقة المعينة، فيمن كان- صلى الله عليه وسلّم- يتبع دينه من الأنبياء، ويتعبد به قبل أن يبعث. فقيل: آدم. وهو محكي عن ابن برهان، وقيل نوح، وقيل موسى. وقيل عيسى- صلى الله عليه وسلم عليهم- فهذه جملة المذاهب في مسألة تعبده- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث والأظهر ما ذهب إليه القاضي ومن تبعه، وبعدها مذهب المعينين إذ لو كان شيء من ذلك لنقل إلينا، وأحطنا به خبرا، ولم يخف على أحد ولا حجة لهم من أن عيسى- صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء فلزمت

شريعته من كان بعدها، إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى- صلى الله عليه وسلم- فلا يلزم شريعته من جاء بعدها لعدم أمرهم باتباعها، بل الصحيح أنه لم يكن لنبي من الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- دعوة عامة لكافة الناس إلا لنبينا- صلى الله عليه وسلم. وأما من قال: إنه- صلى الله عليه وسلم- كان على شريعة إبراهيم وليس له شرع متعبد به، وأن المقصود من بعثته- صلى الله عليه وسلّم- إحياء شرع إبراهيم- صلى الله عليه وسلّم- وعوّل في إثبات مذهبه على قوله تبارك وتعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [النحل 123] فهذا قول ساقط مردود، ولا يصدر مثله إلا عن سخيف العقل كثيف الطبع. وإنما المراد بهذه الآية: الاتباع في التوحيد. لأنه لما وصف إبراهيم عليه الصلاة والسلام في هذه الآية بأنه ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فلما قال: اتبع كان المراد ذلك. ولا حجة أيضا للقائل باتباعه شرع نوح- صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الشورى 13] فحمل هاتين الآيتين، على اتباعهم في التوحيد، لأنه لما وصف إبراهيم في الآية الأولى- بأنه ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فلما قال: أن اتبع، كان المراد بذلك، بشهادة تفسير المشرّع في الآية الثانية الذي اشترك فيه هؤلاء الأعلام من الرسل، بقوله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ أي: دين الإسلام، الذي هو توحيد الله تعالى، وطاعته، والإيمان به وبرسله وكتبه وبيوم الجزاء، وسائر ما يكون به المكلف مكلفا إلا المشروع الذي هو مصالح الأمم لاختلاف أحوالهم وتفاوتها المؤذن به قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً. وقوله تعالى: أُولئِكَ أي الذين ذكروا من الرسل وغيرهم هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ أي بطريقتهم لا بطريقة غيرهم بشهادة الإضافة في الإيمان بالله وتوحيده، وأصول الدين اقْتَدِهْ دون الشرائع لاختلافها، وهي هدى ما لم تنسخ، فإذا نسخت لم تبق هدى. بخلاف أصول الدين فإنّها هدى أبدا، وقد سمى الله تعالى في آية الأنعام في الأنبياء- صلى الله عليهم وسلّم- من لم يبعث ولم تكن له شريعة تخصه كيوسف بن يعقوب- صلى الله عليه وسلم- وعلى آبائه على قولة من يقول: إنه ليس برسول. فدل الأمر باقتدائه بهداهم، أن المراد به أصول الشرائع لا الشرائع نفسها. وسمى جماعة من الأنبياء فيها شرائعهم مختلفة، لا يمكن الجمع بينها فدل اختلافها أن المراد بهداهم ما اجتمعوا عليه من التوحيد وعبادة الله تعالى. قال القاضي: وهل يلزم من قال: يمنع إتباعه- صلّى الله عليه وسلم- قبل أن يوحى إليه بشرع قبله هذا القول في سائر الأنبياء، فلا يكون أحد منهم قبل أن يوحى إليه بشرع قبله غير نبينا- صلى الله عليه وسلم- أو

يخالفون بينهم فيه قبل أن يوحى إليهم أما من منع الاتباع عقلا، فيطرد أصله الذي هو منع عقلا في كل رسول بلا مزية. وأما من مال إلى النقل كالقاضي أبي بكر فأيّهما تصور له وتقرر تبعه وعمل بمقتضاه. ومن قال بالوقف فعلى أصله من الإحجام عن تعيين. ومن قال بوجوب الاتباع قبل الوحي لمن قبله من الأنبياء يلزمه سياق حجته وإجراؤها في كل نبي، وأوضح بعضهم كلام القاضي في قوله تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً بأن المراد بهذه الآية: الاتباع في التوحيد كما تقدم، لأنه تعالى لما وصف إبراهيم في هذه الآية بأنه ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دلّ على أن المراد بالاتباع ذلك. فإن قيل: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- إنما نفى الشرك، وأثبت التوحيد بناء على الدلائل القطعية، وإذا كان كذلك لم يكن متابعا لأحد فيمتنع حمل قوله: اتبع على هذا المعنى، فوجب حمله على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها. أجاب الإمام فخر الدين الرازي بأنه يحتمل أن يكون المراد الأمر بمتابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد، وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة، على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن. وقد قال صاحب الكشاف ما لفظه: ثم في قوله تعالى ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ تدل على تعظيم منزلة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإجلال محله، بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة، وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ملّته من قبل أن هذه اللفظة دلّت على تباعد النعت في المرتبة على سائر المدائح التي مدحه الله تبارك وتعالى بها. انتهى. ومراده بالمدائح المذكورة في قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. وقد تقدم لهذا مزيد بيان في الباب السادس. قال شيخ الإسلام أبو زرعة العراقي في شرح تقريب والده على كلامه عند حديث بدء الوحي، وليت شعري كيف تلك العبادة وأي أنواعها هي وعلى أي وجه فعلها يحتاج ذلك إلى نقل ولا أستحضره الآن. وقال شيخه شيخ الإسلام البلقيني في شرح البخاري لم يجيء في الأحاديث التي وقفنا عليها كيفية تعبده- صلى الله عليه وسلّم- لكن روى ابن إسحاق وغيره أنه- صلى الله عليه وسلم- «كان يخرج إلى حراء في

كل عام شهرا من السنة ينتسك فيه، وكان من نسك قريش في الجاهلية أن يطعم الرجل من جاءه من المساكين حتى إذا انصرف من مجاورته لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة. وحمل بعضهم التعبد على التفكر وعندي أن هذا التعبد يشتمل على أنواع، وهي الانعزال عن الناس كما صنع إبراهيم- صلى الله عليه وسلّم- باعتزاله قومه، والانقطاع إلى الله تعالى، «فإن انتظار الفرج عبادة، كما رواه ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً، وليضمّ إلى ذلك الأذكار» . وعن بعضهم «كانت عبادته- صلى الله عليه وسلم- في حراء التفكر. انتهى» . قلت: وبهذا الأخير جزم سيدي أبو السعود كما رواه عنه في الزهر وقاله تلميذه الحافظ رحمه الله تعالى.

الباب الثاني في مواقيت صلاته - صلى الله عليه وسلم - الفرائض

الباب الثاني في مواقيت صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- الفرائض وفيه أنواع: الأول: في مواقيتها على سبيل الاشتراك. روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئا قال: فأمر بلالا فأقام بالفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول قد انتصف النهار أو لم ينتصف، وهو كان أعلم منهم ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق الأحمر، ثم أخّر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس، أو كادت، ثم أخّر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخّر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل، ثم أصبح فدعا السائل، فقال: «الوقت بين هذين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني، عن بريدة بن الخصيب- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عن وقت الصلاة، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «صل معنا هذين اليومين» ، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذّن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني، فأمره فأبرد بالظهر فأبرد بها وصلّى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلّى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلّى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: «أين السائل عن وقت الصلاة؟» فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: «وقت صلاتكم حين ما رأيتم» [ (2) ] . وروى الشيخان عن أبي برزة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (429) (178/ 614) وأحمد في المسند 4/ 416 وأبو داود 1/ 108 والنسائي 1/ 209 والدارقطني 1/ 263. [ (2) ] أخرجه مسلم (1/ 428) حديث (76/ 613) وأحمد في المسند 5/ 349 والنسائي 1/ 207 والدارقطني 1/ 262.

النوع الثاني: في مواقيتها على سبيل الانفراد وتعجيلها:

يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حيّة- قال سيار بن سلامة: ونسيت ما قال في المغرب- وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النّوم قبلها والحديث بعدها وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالسّتين إلى المائة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظّهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت الشمس والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخّر، والصبح كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصليها بغلس» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر بين صلاتيكم هاتين، ويصلي المغرب إذا غابت الشمس، ويصلي العشاء إذا غاب الشّفق- قال: على أثره- ويصلي الفجر إلى أن ينفسح البصر» [ (3) ] . وروى عبد بن حميد عنه قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر حين تزول الشمس، ويصلي العصر حين تكون الشمس بيضاء نقية، ويصلي المغرب حين تغرب الشمس، ويمسي بالعشاء، ويقول: «احترسوا ولا تناموا» ، ويصلي الفجر حين يغشى النور السماء [ (4) ] . النوع الثاني: في مواقيتها على سبيل الانفراد وتعجيلها: وفيه أنواع: الأول: في تعجيل الصلاة مطلقا. روى الدارقطني، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يؤخر الصلاة لطعام ولا غيره» [ (5) ] . وروى أيضا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة لآخر وقتها الآخر حتى قبضه الله تعالى [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2/ 26) (541) (547) (771) ومسلم (1/ 447) (235/ 647، 236/ 647، 237/ 647) . [ (2) ] أخرجه البخاري (2/ 47) (565) ومسلم (1/ 446) (233/ 646) وأحمد 3/ 369. [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 129 والنسائي 1/ 219. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 305 والمتقي الهندي في الكنز (21727) والقسم الأول منه متفق عليه وأخرجه أيضا أبو عوانة 1/ 367، 368. [ (5) ] أخرجه الدارقطني 1/ 260 وأخرجه أبو داود 4/ 135 في الأطعمة حديث (3758) . [ (6) ] أخرجه الدارقطني 1/ 249 وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 190.

الثاني: في العصر.

وفي رواية عند الإمام أحمد، والترمذي إلا مرتين [ (1) ] . وروى الترمذي- وحسنه- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت أحدا كان أشد تعجيلا [للظهر] من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولا من أبي بكر ولا من عمر» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه» [ (3) ] . وروى مسلم عن خبّاب بن الأرت- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فشكونا إليه الرمضاء فلم يشكنا، قال زهير: قلت لأبي إسحاق أفي الظهر؟ قال: نعم قلت أفي تعجيلها؟ قال: نعم» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها» [ (5) ] . وروى الشيخان عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر» . الثاني: في العصر. روى الجماعة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر» . وفي رواية: «في حجرتها لم يظهر الفيء» . وفي رواية: «لم يظهر الفيء في حجرتها» . وروى الأئمة إلا الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي» [ (6) ] . وفي رواية: إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعض العوالي على أربعة أميال أو نحوها.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي وأعله 1/ 328 (174) وقال حسن غريب وليس إسناده بمتصل والحاكم 1/ 19 من طريق محمد بن شاذان عن قتيبة والبيهقي 1/ 435. [ (2) ] أخرجه الترمذي 1/ 292 (155) وقال يحيى بن آدم: ولا يحتاج مع قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى قول وإنما كان يقال سنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر ليعلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مات وهو عليها نقله الخطابي في معالم السنن (1: 132- 133) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 289، 310 والترمذي 1/ 302، 303 (161) . [ (4) ] أخرجه مسلم 1/ 433 (189/ 619) . [ (5) ] أخرجه البخاري (2/ 31) حديث (544، 545) (546) أخرجه مسلم 1/ 426 (168، 169، 170/ 611) . [ (6) ] أخرجه البخاري 2/ 28 (550) ومسلم 1/ 433 في المساجد (192/ 621) .

وفي لفظ الدارقطني: والعوالي من المدينة على ستة أميال. ولفظ أبي داود والإمام أحمد قال الزهري عن أنس: أنه أخبره أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء حيّة ويذهب الذّاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة والعوالي على ميلين أو ثلاثة، قال: وأحسبه قال: أربعة» . وروى الإمام أحمد والدارقطني عنه قال: «ما كان أحد أشد تعجيلا لصلاة العصر من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارا من مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبو لبابة بن عبد المنذر أخو بني عمرو بن عوف، وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة، دار أبي لبابة بقباء، ودار أبي عبس بن جبر في بني حارثة، ثم إن كان ليصليان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر ثم يأتيان قومهما وما صلّوها لتبكير رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (1) ] وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، عن أبي أروى- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة العصر بالمدينة 7 ثم آتي ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس، وهي على قدر فرسخين» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشدّ تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشدّ تعجيلا للعصر منه» [ (3) ] . وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العصر فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحبّ أن تحضرها، فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر، فنحرت ثم قطّعت، ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان والدارقطني عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي العصر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم تنحر الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 226 والدارقطني 1/ 254. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 344 والبزار كما في الكشف 1/ 159 وقال: لا نعلم روى أبو أروى إلا هذا الحديث وآخر وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 307 وقال بعد عزوه لهؤلاء وزاد للطبراني في الكبير وأعله بصالح أبو محمد وثقه أحمد وضعفه ابن معين. [ (3) ] أحمد في المسند 6/ 289 الترمذي 1/ 303 (161) . [ (4) ] أخرجه مسلم (1/ 435) (197/ 624) . [ (5) ] أخرجه البخاري 5/ 153 حديث (2485) ومسلم 1/ 435 (198/ 625) . وأحمد 4/ 142 والدارقطني 1/ 252.

الثالث: في المغرب:

وروى الدارقطني عن أبي مسعود البدري الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة نقيّة، يسير الرجل حتى ينصرف إلى ذي الحليفة ستة أميال قبل غروب الشمس» [ (1) ] . وروى أبو داود عن علي بن شيبان [ (2) ] رضي الله تعالى عنه- قال: «قدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية» [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أبي أروى- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العصر بالمدينة، ثم آتي الشّجرة يعني ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس» [ (4) ] . وروى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر بقدر ما يذهب الرجل إلى بني حارثة بن الحارث ويرجع قبل غروب الشمس» ، «وبقدر ما ينحر الرجل الجزور ويعضّيها لغروب الشمس» [ (5) ] . الثالث: في المغرب: روى الإمام أحمد عن أبي طريف- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين حاصر الطائف، فكان يصلي بنا صلاة البصر حتى لو أن رجلا رمى لرأى مواقع نبله» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب» وفي رواية: «ساعة تغرب» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد، والبزار، وأبو يعلى، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] أخرجه الدارقطني 1/ 252. [ (2) ] علي بن شيبان بن محرز، اليمامي الحنفي، صحابي مقل، تفرد عنه ابنه عبد الرحمن. التقريب 2/ 38. [ (3) ] أبو داود 1/ 111 (408) . [ (4) ] ابن أبي شيبة 1/ 337. [ (5) ] أخرجه أبو يعلى في مسنده 7/ 297 (1575- 4330) وأحمد 3/ 228 وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 318 وعزاه لأبي يعلى ورجاله رجال الصحيح. [ (6) ] أحمد 3/ 6/ 4. [ (7) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 51 والبخاري 2/ 49 (561) ومسلم 1/ 441 في المساجد (216/ 636) وقوله توارت: يعني توارت الشمس: أي غربت، كنى من غير تصريح اعتمادا على أفهام السامعين الصحاح 6/ 2523.

الرابع: في العشاء:

قال: «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المغرب، ثم نرجع إلى منازلنا وهي ميل وأنا أبصر مواقع نبلي» [ (1) ] . وروى الشيخان وابن ماجة، عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المغرب ثم نأتي منازلنا وهي على قدر ميل فنرى مواقع النبل» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي المغرب، ثم نأتي منازلنا وهي على قدر ميل فنرى مواقع النبل» . ورواه الإمام أحمد وأبو داود عن أنس. الرابع: في العشاء: روى ابن أبي شيبة والطيالسي عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آخر صلاة العشاء الآخرة تسع ليال إلى ثلث الليل، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو عجلت بنا كان أمثل لقيامنا بالليل، فكان بعد ذلك يعجل [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن ابن عمر، وأبي يعلى عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جيشا حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك، ثم خرج إلى الصلاة فقال: أصلّى الناس ورجعوا» - ولفظ جابر «رقدوا» - وأنتم تنتظرون الصلاة؟ أما إنكم لن تزالوا في الصلاة ما انتظرتموها» [ (4) ] . وروى البزار برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- «أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- أعتم ليلة بالعشاء، فناداه عمر، نام النساء والصبيان، فقال: «ما ينتظر هذه الصلاة أحد من أهل الأرض غيركم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 3/ 369 والبزار كما في الكشف 1/ 190 وقال: لا نعلم له عن جابر طريقا غير هذا وأبو يعلى 4/ 114 (392- 2156) وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 313 وقال رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به، وقد وثقه الترمذي، واحتج به أحمد وغيره. وأخرجه الطيالسي 1/ 72 (290) والبيهقي 1/ 370 وابن خزيمة (337) . [ (2) ] البخاري 2/ 40 (559) ومسلم 1/ 441 (217/ 637) . [ (3) ] أخرجه الطيالسي كما في المنحة (1/ 73) حديث (296) والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 449. [ (4) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 331 وأبو يعلى 3/ 442 (169- 1936) والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 157 وأحمد 3/ 367 وعبد الرزاق (2125) والبيهقي 1/ 375 وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 312 وقال (رواه أحمد وأبو يعلى وإسناد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح) . [ (5) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 191 ورجاله ثقات انظر المجمع 1/ 313.

الخامس: في الصبح:

الخامس: في الصبح: روى الأئمة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كن نساء المؤمنات، يشهدن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الصبح وهن متلفعّات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهنّ حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس» [ (1) ] . وفي رواية للإمام الشافعي، والبخاري: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الصبح بغلس، فينصرف النساء لا يعرفن من الغلس» [ (2) ] . زاد البخاري: «ولا يعرف بعضهن بعضا» . وروى الشافعي عن أبي برزة الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أنه وصف صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «كان يصلي الصبح ثم ينصرف وما يعرف الرجل منّا جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة» [ (3) ] . وروى البزار برجال ثقات عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الصبح ثم نتفرّق وما نعرف بعضنا» [ (4) ] . وروى الطبراني- بسند جيد- عن حرملة قال: «انطلقت من وفد الحي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصلى بنا الصبح، فلما سلّم جعلت أنظر إلى وجه الذي جنبي فما أكاد أعرفه من الغلس ... الحديث» . وروى ابن ماجة عن مغيث بن سميّ قال: «صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس، فلما سلّم أقبلت على ابن عمر فقلت ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاتنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأبي بكر وعمر، فلما طعن عمر أسفر بها عثمان» [ (5) ] . وروى الطيالسي بسند صحيح عن قيلة بنت مخرمة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الفجر حين انشقّ والنجوم شابكة في السماء، ما نكاد نتعارف مع ظلمة الليل، والرجال ما تكاد تتعارف» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 349 في الأذان (867) ومسلم 1/ 446 (232/ 645) متلفعات: أي متجللات ومتلففات، وبمروطهن: أي بأكسيتهن واحدها مرط بكسر الميم شرح مسلم للنووي 5/ 143. [ (2) ] انظر المصدرين السابقين. [ (3) ] البخاري 2/ 26 (547) والبيهقي 1/ 454. [ (4) ] البزار كما في الكشف 1/ 195 وقال الهيثمي رجاله ثقات المجمع 1/ 317. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 221 (671) . [ (6) ] أخرجه الطيالسي (1/ 73) حديث (300) وأخرجه الطحاوي 1/ 105.

النوع الثالث: في تأخيره - صلى الله عليه وسلم - بعض الصلوات وفيه أنواع:

وروى الطيالسي برجال ثقات وينظر في حال عليبة عن ضرغامة ابن بنت عليبة بن حرملة العنبريّ قالت: «حدثني أبي عن أبيه قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ركب الحي، فصلى بنا صلاة الصبح فجعلت أنظر إلى الذي إلى جنبي، فما أكاد أعرفه، أي من الغلس» [ (1) ] . وروى الحارث بن أسامة عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسفر بالفجر» [ (2) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي الفجر إذا غشى النور السماء» . وروى أبو يعلى عن زيد بن حارثة- رضي الله تعالى عنه- قال: «سأل [رجل] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن وقت صلاة الصبح» فقال: «صلها معي اليوم وغدا» فلما كان بقاع نمرة بالجحفة صلاها حين طلع الفجر، حتى إذا كنا بذي طوى أخّرها حتى قال الناس: أقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا لو صلينا؟، فخرج النبي- صلى الله عليه وسلّم- وصلاها أمام الشمس، ثم أقبل على الناس، فقال: ماذا قلتم قالوا قلنا: لو صلّينا، قال: لو فعلتم أصابكم عذاب، ثم دعا السّائل، فقال: الصلاة ما بين هاتين الصّلاتين» [ (3) ] . النوع الثالث: في تأخيره- صلّى الله عليه وسلّم- بعض الصلوات وفيه أنواع: الأول: في تأخيره- صلّى الله عليه وسلّم- الظهر من شدة الحر، والإبراد بها. روى البخاري، والنسائي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبردوا بالصلاة فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطيالسي في المسند كما في المنحة 1/ 73 (299) . وضرغامة ذكره الحافظ في تعجيل المنفعة وقال نقلا عن البخاري يعد في البصريين وذكره ابن حبّان في الثقات 1/ 197 (485) وعليبة ذكرها الحافظ أيضا في التعجيل 1/ 293 (756) ذكره ابن حبان في الثقات. [ (2) ] ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب 1/ 77 (268) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 5/ 90 وعزاه الهيثمي لأبي يعلى وللطبراني في الكبير من رواية علي بن عبد الله بن عباس عنه وعلي لم يدرك زيد. المجمع 1/ 317. [ (4) ] أخرجه النسائي 1/ 199 والإبراد انكسار حر الظهيرة وهو أن تتفيأ الأفياء وينكسر وهج الحر فهو يرد بالإضافة إلى حر الظهيرة. شرح السنة 2/ 24 النهاية 1/ 114 الصحاح 2/ 445. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 250 وابن ماجه 1/ 223 (680) وأبو نعيم في الحلية 6/ 274، 82/ 173 والبخاري في التاريخ 2/ 372 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (269) .

الثاني: تأخير الظهر في الشتاء:

وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأراد المؤذن، أن يؤذّن للظهر، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أبرد» ، ثم أراد أن يؤذّن، فقال له: «أبرد» حتى رأينا فيء التّلول، فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: «أن شدّة الحرّ من فيح جهنّم، فإذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة» [ (1) ] . الثاني: تأخير الظهر في الشتاء: وروى الإمام أحمد عن أبي العلاء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر في أيام الشتاء ولا ندري ما ذهب من النهار كثر أو ما بقي» [ (2) ] . وروى أبو داود والنسائي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان قدر صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصيف ثلاثة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة» [ (3) ] . الثالث: تأخير العشاء: روى الإمام أحمد والثلاثة: أبو داود والترمذي والنسائي عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: «أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، صلاة العشاء، كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصليها لسقوط القمر، لثالثة» [ (4) ] . وروى الشيخان، والنسائي، والبيهقي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «أخر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى ثم قال: صلّى الناس وناموا، أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها» [ (5) ] . وروى الشيخان، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: مكثنا ذات ليلة تنتظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لصلاة العشاء الآخرة، خرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك؟ فقال حين خرج: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي لصلّيت بهم هذه الساعة» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 32 في المواقيت (536، 537) ومسلم 1/ 430 (180/ 615) والشافعي 1/ 52 (154) وأحمد في المسند 2/ 462، 5/ 155 وابن أبي شيبة 1/ 324، 325. [ (2) ] أحمد في المسند 3/ 160. [ (3) ] أخرجه أبو داود 1/ 110 والنسائي 1/ 201. [ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 274 وأبو داود 1/ 114 (419) والترمذي 1/ 306 (165) والنسائي 1/ 212. [ (5) ] أخرجه البخاري 2/ 62 (572) ومسلم 1/ 443 (222/ 640) (223/ 640) . والنسائي 1/ 215 والبيهقي 1/ 374. [ (6) ] أخرجه البخاري 1/ 60 (571) ومسلم 1/ 442 (220/ 639) .

الرابع: تحويله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عن وقتها.

وروى الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، والنسائي عنه قال: «أقيمت الصلاة ورجل يناجي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما زال يناجيه حتى نام أصحابه، ثم قام فصلّى بهم» . الرابع: تحويله- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة عن وقتها. روى الإمام أحمد، والشيخان، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها» ، متفق عليه [ (1) ] . ولمسلم قبل وقتها بغلس. ولأحمد والبخاري عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «خرجت مع عبد الله تقدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، وتعشى بينهما، ثم صلى حين طلع الفجر، وقائل يقول: طلع الفجر وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ثم قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب والعشاء. ولا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا. وصلاة الفجر هذه الساعة» [ (2) ] . [تنبيهات] في بيان غريب ما سبق. تدحض الشمس: بمثناة فوقية مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فحاء مهملة مفتوحة فضاء معجمة: تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب كأنها دحضت أي: زلقت. الرّمضاء: براء مفتوحة، وميم ساكنة ممدودا هي الأرض الشديدة الحرارة من وقع الشمس. الهاجرة: بهاء، فألف، فجيم، فراء: نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، لأن الناس يسكنون في بيوتهم، كأنهم قد تهاجروا. البصر: بالموحدة قيل: أراد به صلاة المغرب وقيل: أراد الصبح، قال ابن الجوزي: وحملها على المغرب أولى، لأنه قد جاء في الحديث ما يؤيد ذلك. النّبل: بفتح النون: السهام العربية، أي: يبصر مواضع سهامه إذا رمى بها.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الحج حديث (1682) وأخرجه مسلم (1/ 938) حديث (292/ 1289) . [ (2) ] أخرجه البخاري (3/ 619) (1683) أحمد 1/ 418، 461 والطحاوي في المعاني 1/ 178.

الباب الثالث في امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة في الأوقات المكروهة وما جاء في صلاته بعد العصر ركعتين

الباب الثالث في امتناعه- صلّى الله عليه وسلم- من الصلاة في الأوقات المكروهة وما جاء في صلاته بعد العصر ركعتين روى الإمام أحمد، وإسحاق، وابن أبي شيبة بسند حسن- عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أسافر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما رأيته صلّى بعد العصر، ولا بعد الصّبح قط» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 51.

الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الأذان والإقامة، وما ورد انه أذن، وذكر مؤذنيه وما كان يقوله إذا سمع الأذان، والإقامة، وأدبه في ذلك

الباب الرابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأذان والإقامة، وما ورد انه أذن، وذكر مؤذنيه وما كان يقوله إذا سمع الأذان، والإقامة، وأدبه في ذلك وفيه أنواع: الأول: فيما ورد: أنه أذّن. قال الحافظ وسعيد بن منصور- رحمهما الله تعالى- في «سننه» حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة- رحمه الله تعالى- قال: «أذّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرة قال: حي على الفلاح» جزم النووي في «شرح المهذب [ (1) ] » بأنه- صلى الله عليه وسلم- أذن مرة، وتبعه ابن الرفعة والسبكي. قال شيخنا في شرح الترمذي من قال: إنه- صلى الله عليه وسلّم- لم يباشر هذه العبادة بنفسه وألغز في ذلك: من قال سنّة أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بها ولم يفعلها فقد غفل» . وروى الإمام أحمد، والترمذي- بسند- قال النووي في «شرح المهذب» وصححه- في الخلاصة عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- «أنهم كانوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطّرت السّماء من فوقهم، والبّلة من أسفل منهم، فأذّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على راحلته، وأقام أو أقام فتقدّم على راحلته، فصلّى بهم يومئ إيماء، ويجعل السّجود أخفض» [ (2) ] . النوع الثاني: في مؤذنيه- صلى الله عليه وسلم. قال في «زاد المعاد» كان له- صلى الله عليه وسلم- أربعة مؤذّنين، اثنان في المدينة: بلال بن رباح، وهو أول من أذن له، وعمرو بن أم مكتوم، القرشي، العامريّ الأعمى، وبقباء سعد القرظ مولى عمار بن ياسر، وبمكة أبو محذورة، واسمه أوس بن مغيرة الجمحي، وكان أبو محذورة يرجع الأذان، ويثني الإقامة، وبلال لا يرجع، ويفرد الإقامة، فأخذ الشافعي، وأهل مكة، بأذان أبي محذورة وإقامة بلال، وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة وأخذ أحمد، وأهل الحديث، وأهل المدينة، بأذان بلال وإقامته وخالفهم مالك في الموضعين، إعادة التكبير، وتثنية الإقامة، فإنه لا يكررها.

_ [ (1) ] النووي في شرح المهذب 3/ 81. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 173 والترمذي 2/ 266 حديث (411) وقال حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي.

وروى الإمام أحمد عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «لم يكن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا مؤذّن واحد، في الصلوات كلها، في الجمعة وغيرها يؤذن، ويقيم» [ (1) ] . وروى مسدد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مؤذّنان: بلال، وأبو محذورة» . ورواه مسلم، وأبو داود بلفظ «بلال وابن أم مكتوم» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة- برجال ثقات- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثلاثة مؤذنين: بلال، وأبو محذورة، وابن أم مكتوم» . وروى عبد بن حميد، والطبراني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أبطأ بلال يوما بالأذان فأذن رجل، فجاء بلال فأراد أن يقيم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «يقيم من أذّن» [ (3) ] . قال الحافظ أبو بكر الخطيب: «هذا الرجل المبهم زياد بن الحارث» . وروى الإمام أحمد عن أبي محذورة- رضي الله تعالى عنه- قال: «جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الأذان لنا ولموالينا» [ (4) ] . وروى البزار عن أبي أسيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكة جاءه أبو محذورة، فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أؤذن فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أذن، فكان بلال يؤذن، فلما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تخلّف أبو محذورة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والبيهقي، والنسائي، وأبو الشيخ، وابن حبان واللفظ لهما، عن أبي محذورة- رضي الله تعالى عنه- قال: «خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من حنين، فلقينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببعض الطريق، فأذّن مؤذّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالصلاة عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسمعنا صوت المؤذّن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه ونهزأ به فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 449 والنسائي 3/ 101. [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 287 حديث (7/ 380) وابن أبي شيبة 1/ 201 (2310) وابن سعد 8/ 256 وانظر الكنز (17958) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير وفيه سعيد بن راشد ضعيف المجمع 2/ 3. ومن طريق زياد بن الحارث الصدائي أخرجه أحمد في المسند 4/ 169 وأبو داود 1/ 352 (514) والترمذي 1/ 383 (199) وابن ماجة 1/ 237 (717) والبيهقي (1/ 399) وفي دلائل النبوة 4/ 127 وابن أبي شيبة 1/ 116 وابن سعد 1/ 2/ 63 والبخاري في التاريخ 3/ 344 والخطيب 14/ 60 وانظر التلخيص 1/ 209 ونصب الراية (2708) . [ (4) ] أحمد في المسند 6/ 40 والخطيب في التاريخ 14/ 76 وانظر المجمع 3/ 285، 8/ 336. [ (5) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 181 (356) وقال لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عند أبي أسيد ولم يرفعه غير الواقدي وقد تكلم الناس فيه، وفي حديثه نكارة. المجمع 1/ 336.

النوع الثالث: فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الأذان والإقامة:

بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلّم- فقال أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم إليّ- وصدقوا- فأرسلهم كلهم فحبسني فقال: قم فأذّن، فقمت ولا شيء إلى أكره من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فألقى علي التأذين بنفسه، فقال: قل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصيتي، ثم أمرّها على وجهي، ثم على كبدي ثم بلغت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سرّتي، ثم قال: «بارك الله فيك وبارك عليك» فقلت يا رسول الله: «مرني بالتأذين بمكة» ، قال: «أمرتك به» ، وذهب كل شيء كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من كراهته، وعاد ذلك كلّه محبّة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقدمت على عتّاب بن أسيد عامل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة فأذّنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم» [ (1) ] . وروى الدارقطني عن سعد بن عائذ ويعرف بسعد القرظ- رضي الله تعالى عنه- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا سعد إذا لم تر بلالا معي فأذّن ومسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأسه وقال: «بارك الله فيك، إذا لم تر بلالا فأذّن» [ (2) ] . وروى أيضاً- بسند ضعيف- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مؤذن يطرب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن» [ (3) ] . النوع الثالث: فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الأذان والإقامة: روى الإمام أحمد، وابن ماجة، والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما عن أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندها في يومها أو ليلتها وسمع المؤذن قال كما يقول المؤذن» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 409 والنسائي 2/ 5 والبيهقي 1/ 393. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 1/ 236. [ (3) ] أخرجه الدارقطني 1/ 239 وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 87 والشوكاني في الفوائد (16) وابن عراق 2/ 98 والسيوطي في اللآلي 2/ 7. [ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 326 وابن ماجة 1/ 238 (719) وقال الشهاب البوصيري في الزوائد إسناده صحيح وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 204.

وروى أبو داود، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سمع المنادي قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأحمد بن منيع، عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول، حتى إذا بلغ «حي على الصلاة» [حي على الفلاح] قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» [ (2) ] . وروى الطبراني مثله عن عبد الله بن الحارث» [ (3) ] . وروى الطبراني عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول- إذا سمع المؤذن-: «اللهم ربّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صل على محمد، وأعطه سؤله يوم القيامة» وكان يسمعها من حوله ويحب أن يقولوا مثل ذلك، إذا سمعوا المؤذن، قال: «ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له شفاعة [محمد- صلى الله عليه وسلم-] يوم القيامة» [ (4) ] . وروى الطبراني عنه. قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الأذان قال: «اللهم ربّ هذه الدّعوة التامة، والصلاة القائمة، صلّ على عبدك ورسولك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة» [ (5) ] ، وذكر نحو ما تقدم. وروى أبو داود عن أبي أمامة، أو بعض أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن بلالا أخذ في الإقامة، فلما أن قال: «قد قامت الصلاة» قال النبي- صلى الله عليه وسلم- أقامها الله وأدامها» [ (6) ] . وروى البيهقي موقوفا والحاكم مرفوعا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سمع الأذان قال: «اللهم رب هذه الدعوة التامة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى توفني عليها وأحيني عليها، واجعلني من صالح أهلها عملا يوم القيامة» [ (7) ] .

_ [ (1) ] الذي في السنن موافق لحديث سعد 1/ 145 (525) وحديث عائشة تحت رقم (526) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 9. [ (3) ] ذكره الهيثمي وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف إلا أن مالكا روى عنه المجمع 1/ 331. [ (4) ] الطبراني في الكبير وفيه صدقة بن عبد الله السمين ضعفه أحمد والبخاري وغيرهم ووثقه دحيم وأبو حاتم المجمع 1/ 333. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه صدقة المتقدم ذكره. المجمع 1/ 333. [ (6) ] أبو داود 1/ 145 (528) وأبو نعيم في الحلية 7/ 81 وابن السني 103 والبيهقي 1/ 411 وانظر التلخيص 1/ 211. [ (7) ] أخرجه البيهقي 1/ 411.

النوع الرابع: في سيرته في الأذان لقضاء الفوائت:

النوع الرابع: في سيرته في الأذان لقضاء الفوائت: وروى أبو يعلى- بسند ضعيف- عن عبد الله بن مسعود والبزار، والطبراني بسند ضعيف عن جابر- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شغله المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهب ساعة من الليل، ثم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بلالا فأذن وأقام فصلّى الظهر، ثم أمره فأذن وأقام، فصلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء، ثم قال: ما على وجه الأرض قوم يذكرون الله غيركم» [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لما غزا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تبوك أدلج حتى إذا كان من السّحر ثم نزل بهم سحرا، فقال: يا بلال احرس لنا الصلاة، قال: نعم يا رسول الله، فغلب بلالا النّوم فرقد فناموا حتى أوجعتهم الشمس، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتيمم فقال لبلال أذن وأقم، فقال بلال: الآن؟ قال: نعم، فصلوا بعد ما أضحوا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات، عن مخمر ابن أخي النّجاشي- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فأسرع السّير حين انصرف، وكان يفعل ذلك لقلّة الزاد فقال له قائل: يا نبي الله انقطع الناس وراءك، فحبس وحبس الناس» [ (3) ] . النوع الخامس: فيما كان يؤذن له في السفر: روى الطبراني عن عبد الله بن عدي، والطبراني عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنهما- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يؤذن له في شيء من صلاة السفر، إلا بالإقامة إلا الصبح، فإنه كان يؤذن ويقيم» [ (4) ] . النوع السادس: في جمعه- صلّى الله عليه وسلم- بين صلاتين بأذان واحد. روى الشيخان عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: دفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عرفة، حتى إذا كان بالشعب نزل» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 85 (365) وفيه يحيى بن أبي أنيسة وهو ضعيف. [ (2) ] ذكره الهيثمي وقال رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني المجمع 1/ 323. [ (3) ] أحمد في المسند 4/ 90 والطبراني في الأوسط المجمع 1/ 320. [ (4) ] الطبراني في الكبير 2/ 124 وفيه ضرار بن صرد وهو ضعيف وعبد الله بن عدي عند الطبراني أيضا وفيه يعقوب بن حميد ضعفه ابن معين وغيره المجمع 1/ 334. [ (5) ] أخرجه البخاري في الحج (2/ 473) (1543، 1544، 1670، 1685، 1687) ومسلم 2/ 934 (276/ 1285) .

النوع السابع: في بعض آدابه في الأذان:

وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. النوع السابع: في بعض آدابه في الأذان: روى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ حاجته في مهل» [ (1) ] . وروى الترمذي- وضعفه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا بلال إذا أذّنت فترسّل، وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك بقدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ولا تقفوا حتى تروني» [ (2) ] . وروى الدارقطني- وضعفه- وصحح أنه مرسل عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن بلالا أذن قبل الفجر، فأمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصعد فينادي إن العبد قد نام ففعل» [ (3) ] . وروى أبو داود، والترمذي، والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر» . وفي رواية أذن بليل فأمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ينادي إن العبد قد نام، فرجع فنادى: «إن العبد قد نام» ، قال الدارقطني: وهم فيه عامر بن مدرك، والصواب فيه عن عبد العزيز بن أبي داود، عن نافع: أن مؤذنا أذن لعمر بليل، فأمره عمر أن يعيد الأذان، وبسط الكلام على ذلك [ (4) ] . وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار فسمع رجلا يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: على الفطرة ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرجت من النار، فنظروا فإذا هو راعي معزى» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 143. [ (2) ] أخرجه الترمذي 1/ 374 (195) والحاكم 1/ 204 والبيهقي 1/ 428 وانظر نصب الراية 1/ 275 والتلخيص 1/ 200. [ (3) ] أخرجه الدارقطني 1/ 245 وفيه محمد بن القاسم ضعيف جدا وأخرجه البزار كما في الكشف 1/ 184 وفيه محمد بن القاسم. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 244 وأبو داود حديث (532) . [ (5) ] أخرجه مسلم (1/ 288) (9/ 382) وأبو داود 3/ 43 (2634) . وقوله معزى: في المصباح: المعز اسم جنس لا واحد له من لفظه وهي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة وتفتح العين وتسكن وجمع الساكن أمعز ومعيز مثل عبد وأعبد وعبيد والمعزى ألفها للإلحاق لا للتأنيث ولهذا ينون في النكرة ويصغر على معيز ولو كانت الألف للتأنيث لم تحذف والذكر ما عز والأنثى ما عزة.

تنبيهات

تنبيهات الأول: اسم ابن أم مكتوم: عمرو، كما في صحيح البخاري، في الصيام، وفضائل القرآن، وقد كان اسمه الحصين، فسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: عبد الله. قال الحافظ: ولا يمتنع أنه كان له اسمان، وهو قرشي عامري، أسلم قديما والأشهر في اسم أبيه: قيس بن زائدة، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يكرمه ويستخلفه على المدينة، شهد القادسية في خلافة عمر. فاستشهد بها، وقيل رجع إلى المدينة فمات، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية، وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنّيت أمّه أم مكتوم لانكتام نور بصره قال الحافظ: والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين. كذا في النسخة التي وقفت عليها من الفتح- بعد بدر بسنتين- ولم أفهم ذلك لأن سورة عبس نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جزم الحافظ بأنه الأعمى المذكور فيها وقد وصفه الله تعالى فيها بالأعمى فكيف يقال: إنه عمي بعد بدر بسنتين. والظاهر والله- تعالى- أعلم أن الصواب بعد البعثة، فيجوز ذلك في خط الحافظ. الثاني: قال سعيد بن المسيب بلغنا أن من خرج من المسجد بين الأذان والإقامة لغير الوضوء أنه يصاب.

الباب الخامس في آدابه - صلى الله عليه وسلم - المتعلقة بالمساجد

الباب الخامس في آدابه- صلّى الله عليه وسلّم- المتعلقة بالمساجد وفيه أنواع: الأول: فيما كان يقوله ويفعله عند دخول المسجد والخروج منه. روى مسدد، والإمام أحمد، وابن ماجة، والترمذي، والطبراني، في الدعاء، عن فاطمة الزهراء- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد صلّى على محمد- صلى الله عليه وسلم» وقال: «اللهم اغفر لي ذنوبي» ، وفي لفظ: «واغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك» ، وإذا خرج صلّى على محمد- صلى الله عليه وسلم-، وقال: «اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، والطبراني في «الكبير» عن فاطمة الزهراء- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد يقول: «باسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك» [ (2) ] . وإذا خرج قال: «باسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك» . وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمنى، وكان يحب التيمن في كل شيء، في أخذه وعطائه. وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دخل المسجد، قال: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم» [ (3) ] . الثاني: في إزالة النجاسة من جدار المسجد، وبزاقه في ثوبه أو نعله، - صلى الله عليه وسلّم-. روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى نجاسة في

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 282 والترمذي 2/ 127 (314) وابن ماجة (1/ 253) (771) وقال الترمذي حديث فاطمة حسن وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت فاطمة بعد النبي- صلى الله عليه وسلّم- أشهرا وهو عند مسلم من طريق أبي سعيد 1/ 494 (68/ 713) . [ (2) ] انظر المصادر السابقة. [ (3) ] انظر الترغيب والترهيب 2/ 459 والكنز (17961) .

القبلة فشق عليه ذلك حتى رئي في وجهه فقام فحكه بيده وذكر الحديث، وفيه: «فلا يبزقنّ أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره، أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض» [ (1) ] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس، فقال: «ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخّع أمامه، أيحب أن يستقبل فيتنخّع في وجهه، فإذا تنخّع أحدكم فلينتخع عن يساره أو تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض» [ (2) ] . وروى أيضا عن عبد الله بن الشخير- رضي الله تعالى عنه- أنه صلى مع النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «فتنخم، فدلكها بنعله اليسرى» . وروى الطبراني عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فافتتح الصلاة، فرأى نخامة في القبلة فخلع نعليه ثم مشى إليها فحكها ففعل ذلك ثلاث مرات الحديث» [ (3) ] . وروى الإمامان: مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى بصاقا في جدار القبلة فحكّه، ثم أقبل على الناس ... الحديث» [ (4) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا أو نخامة فحكه» [ (5) ] . وروى الشيخان- أيضاً- عن أبي سعيد، وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بحصاة، ثم نهى الرجل أن يبزق عن يمينه وأمامه ولكن يبزق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى» [ (6) ] . وروى ابن أبي شيبة عن العباس بن عبد الرحمن الهاشمي، وعن الشعبي قالا: «إن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 605 (405) . [ (2) ] أخرجه مسلم في المساجد حديث (53/ 550) وأحمد في المسند 2/ 250 وابن أبي شيبة 2/ 364 وابن ماجة (1022) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير ذكره الهيثمي في المجمع وأعله 2/ 19. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 606 (406، 753، 1213، 6111) أخرجه مسلم 1/ 388 (50/ 547) . [ (5) ] أخرجه مسلم 1/ 389 (549) . [ (6) ] أخرجه البخاري 1/ 509 (408 و 409) ومسلم (52/ 548) .

الثالث: في إدخاله - صلى الله عليه وسلم - البعير في المسجد.

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رأى في قبلة المسجد نخامة فحكّها بيده ثم دعا بخلوق فلطخ مكانها» [ (1) ] . وروى أيضا عن يعقوب بن زيد [ (2) ] أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يتبع غبار المسجد بجريدة. وروى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مسجدنا هذا في يده عرجون ابن طاب فنظر فرأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا، فقال: أيكم يحب أن يعرض الله تعالى عنه بوجهه إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقنّ قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليتفل بثوبه هكذا، ووضعه على فيه ثم دلكه» [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بزق في ثوبه وهو في الصلاة ثم دلكه» [ (4) ] . ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، ولفظه: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يبزق في ثوبه وهو في الصلاة ثم دلكه» [ (5) ] . وروى مسدد برجال ثقات عن أبي العلاء عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- «أنه صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتنخم فدلكها بنعله اليسرى» . الثالث: في إدخاله- صلى الله عليه وسلّم- البعير في المسجد. روى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن [ (6) ] . وروى الشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «شكوت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 362. [ (2) ] يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي أبو يوسف قاضي المدينة. عن أبي أمامة بن سهل، وسعيد المقبري. وعنه مالك ومحمد بن جعفر بن أبي كثير. وثقه أبو زرعة. الخلاصة 3/ 181. [ (3) ] أخرجه أبو داود 1/ 131 (485) . [ (4) ] ابن ماجة 1/ 327 (1024) . [ (5) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح المجمع 2/ 19. [ (6) ] أخرجه البخاري 3/ 472 (1607) ومسلم 2/ 926 (253/ 1272) . [ (7) ] أخرجه البخاري في الحج (1619- 1633) ومسلم في الحج (258) وأبو داود (1882) وأحمد (290) والنسائي 5/ 223 وابن خزيمة 523 وابن الجارود في المنتقى (462) ومالك في الموطأ 371 والبيهقي 5/ 101.

الرابع: في اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - كرسيا غير المنبر يعلم عليه.

الرابع: في اتخاذه- صلى الله عليه وسلّم- كرسيا غير المنبر يعلم عليه. روى ابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، ومسلم، والنسائي، والحارث بن أبي أسامة، وأبو بكر بن أبي خيثمة عن حميد بن هلال عن أبي رفاعة- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب فقلت: رجل غريب يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فنزل النبي- صلى الله عليه وسلّم- وأقبل عليّ وترك خطبته، ثم أتى بكرسي خلت، - ولفظ مسلم حسبت- قوائمه حديدا، قال: فعلا النبي- صلى الله عليه وسلم- عليه، ثم جعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته، فأتم آخرها [ (1) ] . الخامس: في وضوئه- صلى الله عليه وسلم- في المسجد. وروى الإمام أحمد- بسند حسن عن أبي العالية- رحمه الله تعالى- عن رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- قال: حفظت لك، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توضأ في المسجد [ (2) ] . السادس: في استلقائه- صلى الله عليه وسلم- في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى. روى الإمامان مالك وأحمد والخمسة عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- «أنه أبصر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مستلقيا في المسجد على ظهره، واضعا إحدى رجليه على الأخرى» [ (3) ] . السابع: في أكله وشربه- صلى الله عليه وسلم- في المسجد. روى الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: أكلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شواء في المسجد، ثم أقيمت الصلاة، فضربنا أيدينا في الحصى ثم قمنا نصلي ولم نتوضأ [ (4) ] . وروى الطبراني عن ابن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: أكلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شواء ونحن في المسجد، فأقيمت الصلاة فلم نزد على أن مسحنا بالحصى [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 597) حديث (60/ 876) والنسائي 8/ 195 والبخاري في الأدب ص 340. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع نقلا عن أحمد وحسنه 2/ 21. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 671 في الصلاة (475، 2969، 6287) ومسلم 3/ 1662 (75/ 2100) و (76/ 2100) ومالك في الموطأ 1/ 172 (87) . [ (4) ] أحمد في المسند 4/ 190. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة انظر المجمع 2/ 21.

الثامن: في خطه - صلى الله عليه وسلم - المساجد في دور بعض أصحابه - رضي الله تعالى عنهم.

وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن بلال- رضي الله تعالى عنه- أنه جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يؤذنه بالصلاة فوجده يتسحر في مسجد بيته [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعني أتي بفضيخ في «مسجد الفضيخ» ، فشربه، فلذلك سمي مسجد الفضيخ» [ (2) ] . الثامن: في خطه- صلى الله عليه وسلّم- المساجد في دور بعض أصحابه- رضي الله تعالى عنهم. روى ابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رجلا من الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- أرسل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تعال فخط لي مسجدا في داري أصلي فيه بعد ما عمي فجاء ففعل» [ (3) ] . وروى الطبراني عن جابر بن أسامة الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: «لقيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في أصحابه بالسوق فقلت أين يريد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا يريد أن يخط لقومك مسجدا، قال فأتيت وقد خط لهم مسجدا، وغرز في قبلته خشبة أقامها قبلة» [ (4) ] . تنبيه روى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم في المسجد قال: قلت لابن عيينة في مسجد بيته، قال: لا بل في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. في سنده عبد الله بن لهيعة، قال مسلم: - رحمه الله تعالى- في كتاب التمييز أخطأ فيه ابن لهيعة حيث قال: احتجم بالميم وإنما احتجر أي اتخذ حجرة» [ (5) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع وقال رجاله ثقات إلا أن أبا داود قال: لم يسمع شداد مولى عياض من بلال المجمع 2/ 12. [ (2) ] ذكره الهيثمي وقال فيه عبد الله بن نافع ضعفه البخاري وأبو حاتم والنسائي المجمع 2/ 21. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 249 (755) . [ (4) ] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 2/ 193. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع ونقل ما ذكره المصنف المجمع 2/ 21.

الباب السادس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة ومرابض الغنم، ومحبته الصلاة في الحيطان

الباب السادس في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- في الكعبة ومرابض الغنم، ومحبته الصلاة في الحيطان روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد بسند صحيح عن أبي الشعثاء- رحمه الله تعالى- قال: خرجت حاجّاً، فدخلت البيت، فجاء عبد الله بن عمر فدخل فلما كان بين الساريتين مشى حتى لزق بالحائط فصلى أربع ركعات قال: فجئت حتى صليت إلى جنبه، فلما انصرف، فقلت له إن أناسا يصلون هاهنا فأين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: هاهنا، أخبرني أسامة بن زيد أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى، فقلت كم صلى؟ قال: على هذا أجدني ألوم نفسي أني مكثت معه عمرا لم أسأله، فلما كان العام المقبل خرجت حاجا فجئت حتى حصلت البيت ثم قمت مقامه، فجاء ابن الزبير حتى قام إلى جنبي، فلم يزل يزاحمني حتى أخرجني فصلى أربعا» [ (1) ] . وروى أبو داود الطيالسي عن سماك قال قال ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى في الكعبة، وسيأتي من ينهاك عن ذلك فلا تطعه» [ (2) ] . وروى ابن أبي عمر- رضي الله تعالى عنه- نحوه ورجالهما ثقات [ (3) ] . وروى الشيخان، والترمذي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في مرابض الغنم، قبل أن يبنى المسجد» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني، عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في مرابد الغنم، ولا يصلي في مرابد الإبل والبقر» [ (5) ] . وروى الترمذي، وضعفه، عن معاذ- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يستحب الصلاة في الحيطان [ (6) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير وقال رجاله رجال الصحيح المجمع 3/ 294. [ (2) ] أخرجه الطيالسي في مسنده كما في المنحة 1/ 86 (370) . [ (3) ] الطيالسي كما في المنحة (371) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 400 حديث 233، 1501، 3018، 4192، 4193، 4610 ومسلم 1/ 374 حديث (524/ 10) . [ (5) ] أحمد في المسند 2/ 178، 3/ 131 وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 26. [ (6) ] أخرجه الترمذي 2/ 155 (334) وقال حديث غريب قلت فيه الحسن بن أبي جعفر ضعيف الحديث مع عبادته وفضله التقريب 1/ 164 (257) .

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

تنبيه في بيان غريب ما سبق: السارية- بسين مهملة مفتوحة فألف فراء فتحتية فتاء تأنيث: الأسطوانة. المرابض: جمع مربض وقد تقدم. المرابد: جمع مربد كمنبر الجرين. الحيطان: جمع حائط، قاله في النهاية. الحائط: البستان من النخل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. قال الحافظ العراقي في استحبابه- صلّى الله عليه وسلّم- الصلاة في الحيطان يحتمل معاني. أحدها: قصد الخلوة عن الناس فيها، وبه جزم القاضي أبو بكر بن العربي. الثاني: قصد حلول البركة في ثمارها ببركة الصلاة، فإنها جالبة للرزق. الثالث: أن هذا من إكرامه المزور أن يصلي في مكانه. الرابع: أنها تحية كل منزل نزله أو توديعه.

الباب السابع في آدابه - صلى الله عليه وسلم - قبل الدخول في الصلاة

الباب السابع في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- قبل الدخول في الصلاة وفيه أنواع: الأول: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- في ثوب تارة وأكثر تارة. روى ابن أبي شيبة عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قالت: «رأيت أبي يصلي في ثوب واحد، وثيابه موضوعة، قال: يا بنية آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلفي في ثوب واحد» [ (1) ] . وروى أيضا وإسحاق عن ابن لعمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال أبي أمّنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد متوشحا به [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، وأبو يعلى، والإمام أحمد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه متوشحا به يتقي بفضوله حرّ الأرض وبردها» [ (3) ] . وروى أبو يعلى واللفظ له، وابن أبي شيبة، عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما يصلي في ثوب واحد، فقلت يا أم حبيبة أيصلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد؟ قالت: نعم. وهو الذي كان فيه ما كان يعني الجماع» [ (4) ] . وروى الإمام برجال ثقات، عن أم الفضل بنت الحارث- رضي الله تعالى عنهما- قالت: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيته متوشحا في ثوب [ (5) ] . وروى أبو يعلى والبزار برجال موثقين- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 226 وأبو يعلى 1/ 51 (51) وفي إسناده الواقدي ضعيف انظر مجمع الزوائد 2/ 48. [ (2) ] أخرجه أبو يعلى 3/ 205 (38/ 1639) وإسناده ضعيف لجهالة ابن عمار ويحيى الحماني قال ابن حجر: حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث وذكره الحافظ في المطالب رقم (329، 330) . [ (3) ] ذكره الهيثمي 2/ 49 وعزاه لأحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح المجمع 2/ 48. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 49 وعزاه لأبي يعلى والطبراني في الأوسط وقال وإسناد أبي يعلى حسن. [ (5) ] أحمد في المسند 6/ 338. [ (6) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 285 (592) وقال: لا نعلم رواه عن عاصم عن أنس إلا عبد الله بن الأجلح وعزاه الهيثمي لأبي يعلى والبزار وقال رجاله موثقون المجمع 2/ 49.

الثاني: في تسويته - صلى الله عليه وسلم - الصفوف. وتقديمه من يستحق التقديم.

وروى البزار برجال الصحيح عنه قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه متوكئا على أسامة مرتديا بثوب قطن فصلى بالناس» [ (1) ] . الثاني: في تسويته- صلى الله عليه وسلّم- الصفوف. وتقديمه من يستحق التقديم. روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم [ (2) ] . وروى الطبراني عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسوي مناكبنا في الصلاة» [ (3) ] . وروى الجماعة عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسوي بين صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوما حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسوّن صفوفكم أول يخالفن الله بين وجوهكم، قال: فرأيت الرجل منا يلزق منكبه في منكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه، فإذا استوينا كبر» [ (4) ] . وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة، قال هكذا عن يمينه وهكذا عن شماله، ثم يقول: استووا استووا وتعادلوا» [ (5) ] . وروى مسدد واللفظ له وابن خزيمة وابن حبان عن محمد بن مسلم بن حبان قال: جاء أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- فقال لنا: أتدرون ما هذا العود؟ قال: قلنا لا، قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قام للصلاة، أخذه بيده، ثم التفت فقال: اعتدلوا، سووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره فقال اعتدلوا وسووا صفوفكم، فلما هدم المسجد فقد فالتمسه عمر بن الخطاب

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 285 (593) وقال تفرد به أنس ولا روى حبيب عن الحسن إلا هذا ولا رواه عنه إلا حماد وقال الهيثمي في المجمع 2/ 49 رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] وأخرجه مسلّم 1/ 323 في الصلاة (122/ 432) وأحمد في المسند 4/ 122 وأبو داود 1/ 180 (674) والنسائي 2/ 71 وابن ماجة 1/ 312 (976) . [ (3) ] وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 90 وعزاه للطبراني في الصغير وقال: إسناده متصل ورجاله موثقون وهو في الصغير 2/ 81 وأخرجه أيضا الدارقطني 1/ 280 وأبو نعيم في الحلية 10/ 25. [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 206 في الأذان (717) ومسلّم 1/ 324 حديث (128/ 436) وأخرجه أبو داود 1/ 178 (662) والترمذي 1/ 438 (227) والنسائي 2/ 70 وابن ماجة 1/ 318 (994) . [ (5) ] أخرجه الدارقطني 1/ 287.

الثالث: في ابتدائه بالسواك. قبل الدخول في الصلاة.

- رضي الله تعالى عنه- فوجده قد أخذه بنو عمرو بن عوف فجعلوه في مسجدهم فانتزعه فأعاده [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة، والترمذي، عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قام إلى الصلاة مسح وجوه أصحابه قبل أن يكبر، قال: فجئت مرة، وقد أصبت شيئا من خلوق، ثم جئت إلى الصلاة فمسح وجوه أصحابه وتركني قال: فرجعت فغسلته ثم جئت إلى الصلاة فلما رآني مسح وجهي وقال: عاد لغير ذنبه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتخلل الصف [ (3) ] . الثالث: في ابتدائه بالسواك. قبل الدخول في الصلاة. روى الطبراني في الكبير برجال موثقين عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 2/ 22، 24، 137، 3/ 130 وانظر المشكاة (810) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 171 وأخرجه الترمذي (5/ 112) (2816) وقال حديث حسن. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 24، وأبو داود 1/ 178 (664) والنسائي 1/ 70. [ (4) ] الطبراني في الكبير 5/ 293 ورجال موثقون المجمع 2/ 99.

الباب الثامن فيما كان يصلي عليه وإليه زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الثامن فيما كان يصلي عليه وإليه زاده الله فضلا وشرفا لديه الأول: الحصير. روى الإمام مالك والخمسة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: إنّ مليكة «دعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته، وأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلّ لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء فقام عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركعتين ثم انصرف» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود عنه قال رجل من الأنصار وكان ضخما للنبي- صلى الله عليه وسلم- إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- طعاما ودعاه إلى بيته، ونضح له طرف حصير بماء فصلى عليه ركعتين [ (2) ] . وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- «أنه دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه» . ورواه الترمذي وابن ماجة ولفظهما، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على حصير» [ (3) ] . الثاني: الفروة. روى أبو داود والحاكم وصححه واقره الذهبي، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي على الحصير والفروة المدبوغة [ (4) ] . ورواه الحارث بن أبي أسامة- رضي الله تعالى عنه- ولفظه أو الفروة الدبوغة. الثالث: الخمرة. روى الإمام أحمد والترمذي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أم المؤمنين ميمونة والإمام أحمد برجال الصحيح عن عائشة، والإمام أحمد عن أم سلمة، وأبو يعلى، والطبراني برجال الصحيح وابن أبي شيبة عن أم سليم، وأبو

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 582 في الصلاة (727، 860، 871، 874، 1164) ومسلّم 1/ 457 في المساجد (226/ 658) ومالك (1/ 153) وأبو داود (612) والترمذي (234) والنسائي 2/ 67. [ (2) ] أخرجه البخاري (2/ 185) حديث (670، 179، 6080) وأبو داود 1/ 176 (657) . [ (3) ] أخرجه مسلّم 1/ 458 في المساجد (271/ 661) والترمذي 2/ 153 (332) وابن ماجة 1/ 328 (1029) وابن أبي شيبة (4022) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 177 (659) والحاكم في المستدرك 1/ 259 وفي سنده والد أبي عون وهو عبد الله بن سعيد الثقفي مجهول قاله الحافظ في التقريب 1/ 533 (1453) .

تنبيهات

يعلى وابن حبان عن أم حبيبة ومسدد عن أم كلثوم بنت أبي سلمة، والطبراني برجال ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه والبزار عن جابر، والإمام أحمد برجال الصحيح، عن ابن عمر وأبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن أم حبيبة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- رضي الله تعالى عنهم- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يصلّي على الخمرة» [ (1) ] . الرابع: البساط. روى ابن أبي شيبة، والإمام وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على بساطه» [ (2) ] . وروى ابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيت أبي طلحة يصلي على بساط» [ (3) ] . وروى الترمذي- عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي على بساط [ (4) ] ، قال العراقي: في سنن أبي داود تفسير هذا البساط بالحصير» . تنبيهات الأول: روى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن المقدام بن شريح عن أبيه إنه سأل عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي على الحصير فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كتاب الله عز وجل وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً [الإسراء: 8] فقالت: لا لم يكن يصلي عليه» [ (5) ] . الثاني: قال: الحافظ العراقي في حقيقة الخمرة واشتقاقها. فقال أبو عبيدة: هي بضم الخاء سجادة من سعف النخل على قدر ما يسجد عليه المصلي، سميت بذلك لأن خيوطها مستورة بسعفها، فإن عظم بحيث يكفي لجسده كله في صلاة أو اضطجاع فهو حصير، وليس بخمرة.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد عن أم سلمة 6/ 302 والسيدة ميمونة 6/ 330 والسيدة عائشة 6/ 179، 209 وأم سليم 6/ 377 وابن عباس 1/ 269، 309 وابن عمر 2/ 92، 98 وأخرجه الترمذي من حديث ابن عباس 2/ 151 (331) وقال حسن صحيح وابن ماجه 1/ 328 (1028) من حديث ميمونة والحديث عند البخاري أيضا من طريق السيدة ميمونة 1/ 582 (379) وابن أبي شيبة (4021) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 328 (1030) وفي إسناده زمعة وهو ضعيف وإن روى له مسلم فإنما روى له مقرونا بغيره قاله البوصيري في الزوائد. [ (3) ] ابن سعد 1/ 158. [ (4) ] الترمذي 2/ 154 (333) . [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 57 وعزاه لأبي يعلى وقال ورجاله موثقون.

قال الجوهري: الخمرة بالضم سجادة صغيرة، تعمل من سعف النخل تضفر بالسيور، وهي قدر ما يوضع عليه الوجه، والأنف، فإن كبرت عن ذلك فهي حصير، وسميت خمرة لسترها الوجه والكفين من الأرض وحدها. وقال صاحب النهاية: هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسجة خوص ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، قال: وجاء في سنن أبي داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم [ (1) ] . قال: هذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها.

_ [ (1) ] الحديث عن أبي داود 4/ 363 (5247) وفي إسناده عمرو بن طلحة.

الباب التاسع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في استقبال القبلة وهو يصلي

الباب التاسع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في استقبال القبلة وهو يصلي وفيه أنواع: الأول: في اعتراض بعض نسائه بينه وبين القبلة. روى الأئمة الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة، كاعتراض الجنازة، وفي رواية قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي من الليل صلاته كلّها، وأنا معترضة بينه وبين القبلة، وفي رواية ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلاي، وإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذ ليس بها مصابيح، قال سعيد وأحسبها قالت وأنا حائض [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي وأنا بحذائه، فربّما أصابني ثوبه إذا سجد» [ (2) ] . وروى الطبراني من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: نهيت أن أصلي خلف المتحدّثين والنيام» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى برجال الصحيح، وأبو داود وابن ماجة عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان يفرش لي حيال مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يصلي وأنا حياله» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل وعائشة معترضة بينه وبين القبلة» [ (5) ] . الثاني: في منعه- صلى الله عليه وسلّم- المار بين يديه ودعائه عليه. روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «هبطنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من ثنيّة أذاخر فحضرت الصلاة، فصلى إلى

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 587 في الصلاة حديث 383، 384 ومسلم 1/ 366 (67/ 512) وأبو داود (710) والنسائي (2/ 51) وابن ماجة 1/ 307 (956) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 308 (958) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 62 فيه محمد بن عمرو بن علقمة واختلف في الاحتجاج به. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 322 وأبو داود 4/ 72 (4148) وابن ماجة 1/ 308 (957) . [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 99.

جدار، فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرّت من ورائه» [ (1) ] . وروى ابن ماجه، وأبو داود، وأحمد بن منيع وعبد بن حميد، وابن حبان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي يوما فذهب جدي وفي لفظ شاة تمر بين يديه، فبادره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القبلة» [ (2) ] . ورواه الطبراني بلفظ: فساعاها حتى ألزق بطنه بالحائط [ (3) ] . وروى الطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بادر أن تمر هرّة بين يديه في الصلاة» [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن أم سلمة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجرتها فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيده هكذا فرجع فمرت زينب بنت أبي سلمة، فقال بيده هكذا فمضت، فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: هنّ أغلب» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن زيد، وأبي بشير الأنصاري- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم ذات يوم، وامرأة بالبطحاء، فأشار إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تأخّري حتى صلى، ثم مرّت» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد برجال موثقين عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: بينا نحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأعلى الوادي، نريد أن نصلي قد قام وقمنا، إذ خرج علينا حمار من شعب أبي دب شعب أبي موسى، فأمسك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلم يكبّر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى رده [ (7) ] . وروى الطبراني عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: صلينا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة مكتوبة، فضم يده في الصلاة، فلمّا قضى الصلاة قلنا يا رسول الله

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 188 (708) وأخرجه البيهقي 2/ 268، 3/ 245، 5/ 60. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 341 وأبو داود 1/ 189 (709) وإسناده صحيح إلا أنه منقطع وابن ماجة 1/ 306 (953) قال البوصيري في الزوائد 1/ 324 قال أحمد وابن معين لم يسمع الحسن من ابن عباس. [ (3) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2/ 60 فيه عمرو بن حسام وهو ضعيف. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 60 فيه مندل بن علي وهو ضعيف. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 305 (948) وضعفه البوصيري في الزوائد. [ (6) ] أحمد في المسند 5/ 216. [ (7) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 60 وعزاه لأحمد وقال: رجاله موثقون.

الثالث: في سترته إذا صلى - صلى الله عليه وسلم.

أحدث في الصلاة شيء؟ قال: لا، إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي، وايم الله لولا سبقني إليه أخي سليمان لنيط إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة» [ (1) ] . وروى أبو داود عن سعيد بن غزوان عن أبيه إنه نزل بتبوك وهو حاجّ، فإذا رجل مقعد، فسأله عن أمره فقال: «سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت إني حي، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نزل تبوك إلى نخلة، فقال: هذه قبلتنا، ثم صلى إليها، فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره، فما قمت عليها إلى يومي هذا» [ (2) ] . وروى أيضاً عن يزيد بن غزوان [ (3) ] قال: «رأيت رجلا بتبوك [ (4) ] فقال: مررت بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا على حمار وهو يصلي فقال: اللهم اقطع أثره فما مشيت عليها بعد» [ (5) ] . الثالث: في سترته إذا صلّى- صلى الله عليه وسلم. روى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان بين مصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين الجدار ممر الشّاة» [ (6) ] . وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان جدار المسجد عند المنبر ما كانت الشاة تجوزها» [ (7) ] . ورواه مسلم بلفظ «وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2/ 61 فيه المفضل بن صالح ضعفه البخاري وأبو حاتم وقال الترمذي: ليس عند أهل الحديث بذاك الحافظ. [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 188 (707) . [ (3) ] هو يزيد بن نمران، بكسر النون وسكون الميم، ابن يزيد المذحجي، بفتح الميم وكسر الحاء المهملة، بينهما ذال معجمة ساكنة، ثم جيم، ثقة عابد، من الثالثة، ويقال اسم أبيه غزوان. التقريب 2/ 372. [ (4) ] تبوك هي بفتح التاء وضم الباء وهي في طرف الشام صانه الله تعالى من جهة القبلة وبينها وبين مدينة النبي- صلى الله عليه وسلّم- نحو أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق احدى عشرة مرحلة وكانت غزوة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبوك سنة تسع من الهجرة ومنها راسل عظماء الروم وجاء إليه- صلى الله عليه وسلم- من جاء وهي آخر غزواته بنفسه. قال الأزهري أقام النبي- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك بضعة عشر يوما والمشهور ترك صرف تبوك للتأنيث والعلمية انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 43. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 188 (705) . [ (6) ] أخرجه البخاري (1/ 684) (496، 7334) ومسلم (1/ 364) حديث (262/ 508) الشرح 2/ 167 وقد وقع تخريجه في شرح السنة خطأ بتحقيقنا فلينتبه انظر الشرح (2/ 167) . [ (7) ] أخرجه البخاري (1/ 684) حديث (497) . [ (8) ] أخرجه مسلم 1/ 364 حديث (263/ 509) .

وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن المقداد بن الأسود- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد له صمدا» [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن أبي محذورة- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد من قبل باب بني شيبة حتى جاء إلى وجه الكعبة، فاستقبل الكعبة، فخط بين يديه خطا عرضا ثم كبر فصلى، والناس يطوفون بين الخط والكعبة» . وروى مسدد مرسلا عن أبي إدريس الخولاني- رحمه الله تعالى- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى ذات يوم إلى صفحة بعير» ، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، والطبراني عن أبي الدرداء قال: «أقيمت الصلاة، فاستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنام البعير فقام ليصلي إليه» [ (2) ] . وروى الطبراني عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تركز له عنزة فيصلي إليها، أظنه قال: والظّعن تمر بين يديه» [ (3) ] . وروى الطبراني عن سعد القرظ- رضي الله تعالى عنه- «أن النجاشي- رضي الله تعالى عنه- بعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بثلاث عنزات، فأمسك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- واحدة لنفسه وأعطى عليا واحدة، وعمر واحدة، وكان بلال يمشي بها بين يديه في العيدين فيصلي إليها» [ (4) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يعرض راحلته فيصلي إليها، قال الراوي فقلت لابن عمر أفرأيت إذا ذهبت الركاب؟ قال: «كان يأخذ الرّجل فيعدله فيصلي إلى أخرته، أو قال مؤخره» [ (5) ] . وروى الطبراني عن عصمة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حربة يمشى بها بين يديه، فإذا صلّى ركزها بين يديه» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 6/ 4 وأبو داود 1/ 184 (693) . [ (2) ] والحديث عند الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف المجمع 2/ 59. [ (3) ] الطبراني في الأوسط وفي الكبير 6/ 51 وقال الهيثمي في المجمع 20/ 58 فيه محمد بن حماد الواسطي لم أجد من ذكره. [ (4) ] الطبراني في الكبير 6/ 51 وقال الهيثمي فيه من لم يسم المجمع 2/ 58. [ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 691 في الصلاة حديث (507) ومسلّم (1/ 359) حديث (247/ 502) والبيهقي 2/ 269 وأحمد 2/ 141 وأبو عوانة 2/ 51. [ (6) ] الطبراني في الكبير انظر المجمع 2/ 58.

الرابع: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - إلى غير سترة ومرور الكلب والحمار بين يديه. ومرور الناس بين يديه.

وروى الطبراني بسند حسن عن حبان- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أضع العنزة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (1) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه، والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثمّ اتخذها الأمراء» [ (2) ] . وروى الشيخان عن أبي جحيفة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى بهم بالبطحاء- وبين يديه عنزة- الظهر والعصر ركعتين، والمرأة والحمار يمرّان من ورائها» [ (3) ] . وروى الشيخان عن يزيد بن أبي عبيد قال: «كنت وأبي مع سلمة بن الأكوع فنصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الاسطوانة قال: فإني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتحرى الصلاة عندها» [ (4) ] . الرابع: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- إلى غير سترة ومرور الكلب والحمار بين يديه. ومرور الناس بين يديه. روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي عن المطّلب بن أبي وداعة- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى في فضاء ليس بين يديه شيء» [ (6) ] . وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى بالناس، فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله، سبحان الله، فلما سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من المسبح آنفا سبحان الله، قال: أنا يا رسول الله: إني سمعت أنّ الحمار يقطع الصلاة قال: «لا يقطع الصلاة شيء» [ (7) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير المجمع 2/ 58. [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 682 (494، 498، 972، 973) ومسلم 1/ 359 (245، 246/ 501) (247، 248/ 501) . [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 684 في الصلاة (496، 7334) ومسلم 1/ 364 (262/ 508) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 687 (502) ومسلم 1/ 364 حديث (263/ 509) . [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 211 (2016) والنسائي 5/ 187 والبيهقي (2/ 273) . [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 191 (718) والنسائي 2/ 95 وأحمد في المسند 1/ 211، 212. [ (7) ] أخرجه الدارقطني 1/ 367 وأخرجه الطبراني في الكبير (8/ 193) وأبو عوانة 2/ 46 والطحاوي في معاني الآثار 1/ 258 وابن أبي شيبة 1/ 280 وأبو داود (719) وأورده ابن الجوزي في العلل 1/ 449 وانظر نصب الراية 2/ 76 وابن عدي في الكامل 1/ 331 وابن القيسراني 1004.

الخامس: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - النافلة في السفر، حيث توجهت به راحلته.

وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عباس، قال: «جئت، أنا وغلام من بني هاشم على حمار، فمررنا بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي فنزلنا عنه، وتركنا الحمار يأكل من بقل الأرض أو قال: يأكل نبات الأرض، فدخلنا معه في الصلاة، فقال رجل: أكان بين يديه عنزة؟ قال: لا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني عن الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «زارنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بادية لنا ولنا كلبة وحمارة ترعى، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العصر وهما بين يديه في صحراء ليس بين يديه سترة، وفي لفظ: لنا حمارة وكلبة تعبثان بين يديه فما بالي ذلك ولم ينصرف وفي رواية: لم تزجرا ولم تؤخّرا» [ (2) ] . الخامس: في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- النافلة في السفر، حيث توجهت به راحلته. وروى أبو داود، والطيالسي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان إذا كان في سفر، فأراد صلاة التطوع استقبل القبلة فكبر، ثم صلى حيث توجهت به راحلته» [ (3) ] . وروى مسدد عن قزعة قال: «كنت في مسير مع ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- فتقدّم العير على راحلته ذات ليلة، فجعل يقرأ ويركع ويسجد أينما كان وجهه، فلما أصبح، قلت له رأيتك تفعل شيئا لم تكن تفعله، قال: وما ذاك؟ قلت: رأيتك تقدّم العير على راحلتك، وجعلت تقرأ وتسجد أينما كان وجهك، قال: «رأيت أبا القاسم- صلى الله عليه وسلم- يفعله» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى وذكره الهيثمي 2/ 63 وقال هو في الصحيح خلا قوله: «أكان بين يديه عنزة؟ قال: لا» ورجاله رجال الصحيح. [ (2) ] أحمد في المسند 1/ 211 وأبو داود 1/ 191 (718) والنسائي 2/ 51 والدارقطني 1/ 369. [ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 9 (1225) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 162 وقال حديث ابن عمر في الصحيح باختصار.

الباب العاشر في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب العاشر في صفة صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: وروي في تكبيره- صلى الله عليه وسلّم-، وجهره به، ورفعه يديه، ووضعهما على الصدر: روى ابن ماجة عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قام إلى الصلاة، استقبل القبلة، ورفع يديه وقال: الله أكبر» [ (1) ] . وروى الأئمة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يفعله حتى يرفع رأسه من السجود» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه» [ (3) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع» [ (4) ] . وروى الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه عند التكبير للركوع وعند التكبير حتى يهوي ساجدا» [ (5) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: «يكتب بكل إشارة أشارها الرجل بيده في الصلاة بكل أصبع حسنة أو درجة» [ (6) ] . وروى الطبراني برجال موثقين عن البراء- رضي الله عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يكبر في كل خفض ورفع» [ (7) ] . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 264 (803) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 218 (735) ومسلم 1/ 292 (21/ 390) ومالك في الموطأ 1/ 75 (16) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 301 وأبو داود 1/ 200 وقال هذا ليس بصحيح والدارقطني 1/ 293. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 651 وقال رواه ابن ماجة خلا قوله: وإذا رفع رأسه من الركوع ورجاله رجال الصحيح. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الأوسط المجمع 2/ 102. [ (6) ] أخرجه الطبراني وصحح إسناده الهيثمي في المجمع 2/ 103. [ (7) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 104 رجاله موثقون.

يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم ربّنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ثم يكبر حين يقوم من الثنتين، بعد الجلوس» [ (1) ] . وروى الشيخان عن مطرف- رحمه الله تعالى- قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب، فكان إذا سجد أو رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما انصرفنا من الصلاة أخذ عمران بيدي فقال: «لقد صلى بنا هذا صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو قال: قد ذكّرني هذا صلاة محمد- صلى الله عليه وسلم-» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي بسند حسن صحيح عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود» [ (3) ] . وروى البيهقي بسند جيد عن سعيد بن الحارث، قال: «صلى أبو سعيد الخدري إماما فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع، وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده، وحين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته، فلما انصرف، قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فخرج حتى قام عند المنبر، فقال: «أيها الناس إني والله ما أبالي، اختلفت صلاتكم، أو لم تختلف، أني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هكذا يصلي» [ (4) ] ، وروى نحوه الإمام أحمد والبخاري. وروى الدارقطني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة» [ (5) ] . وروى أبو داود عنه: «أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضع يده اليمنى على اليسرى» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والطبراني برجال ثقات عن غطيف بن الحارث أو الحارث بن غطيف، قال: «ما نسيت من الأشياء لم أنس أني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- واضعا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 3140 (785، 789، 795، 803) وأخرجه مسلم 1/ 293 (27/ 392) (28/ 392) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 314 (784، 786، 826) . [ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 242 والترمذي 2/ 33 (253) والنسائي 2/ 182. [ (4) ] البيهقي في السنن الكبرى 2/ 18. [ (5) ] أخرجه الدارقطني 1/ 284. [ (6) ] أخرجه أبو داود (1/ 200) حديث (755) .

يمينه على شماله في الصلاة» [ (1) ] ، ورواه البزار والطبراني عن شدّاد بن شرحبيل [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجة والدارقطني عن أبي قبيصة: يزيد بن قنافة، ويقال له الهلب، «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يضع يمينه على صدره على شماله» [ (3) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح، والإمام أحمد، والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برجل وهو يصلي قد وضع يده اليسرى على اليمنى، فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى» [ (4) ] . وروى أبو داود، والترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا، وفي رواية «إذا كبّر للصلاة نشر أصابعه» [ (5) ] . وروى أبو داود عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كبّر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك، وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك» [ (6) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: إنا معاشر الأنبياء، أمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» [ (7) ] . وروى الطبراني مرفوعا، وموقوفا، والموقوف صحيح عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة يحبّها الله عز وجل: تعجيل الإفطار، وتأخير السّحور، وضرب اليدين إحداهما بالأخرى. في الصلاة» [ (8) ] . وروى مسلم، وابن خزيمة عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة» [ (9) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 105 والطبراني في الكبير 3/ 276. [ (2) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 253 والطبراني في الكبير 7/ 328 وقال البزار: لا نعلم روى شداد بن شرحبيل إلا هذا وقال الهيثمي في المجمع 2/ 104 فيه عباس بن يونس ولم أجد من ترجمه. [ (3) ] أخرجه الترمذي 2/ 23 (252) وأحمد 5/ 227 وابن ماجة 1/ 266 (809) . [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 287 وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 104 وقال رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 200 حديث (753) وأخرجه الترمذي 2/ 5 (239، 240) وقال حديث حسن. [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 197 (738) . [ (7) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 7. وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 105 وقال رجاله رجال الصحيح. [ (8) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 105 وقال رواه الطبراني في الكبير مرفوعا وموقوفا على أبي الدرداء والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه. [ (9) ] أخرجه مسلم (1/ 301) حديث (54/ 401) .

الثاني: في دعاء الافتتاح.

وروى الإمام أحمد، والترمذي- بسند حسن- والبيهقي عن هلب الطائي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه» ، وفي رواية للإمام أحمد: «يضع هذه على صدره» ، ووضع يحيى بن سعيد اليمنى على اليسرى فوق المفصل [ (1) ] . الثاني: في دعاء الافتتاح. روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كبر في الصلاة سكت قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والبرد» [ (2) ] . وروى الطيالسي، وأبو داود برجال ثقات عنه قال: «ثلاث كان يعمل بها نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- تركهن الناس: كان إذا قام في الصلاة رفع يديه مدا، وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله من فضله، وكان يكبر كلما رفع رأسه وكلما ركع وكلما سجد» [ (3) ] . وروى الإمامان الشافعي، وأحمد ومسلم، والثلاثة، والدارقطني عن علي، والنسائي عن محمد بن مسلمة، والطبراني عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنهم-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة- زاد جابر ومحمد- كبّر، ومحمد بن مسلمة وقال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا» ، - زاد الدارقطني عن علي- «مسلما وما أنا من المشركين» ، - ثم اتفقوا- «إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت» ، قال جابر: «وأنا أوّل المسلمين» ، - وقالا: «وأنا من المسلمين» ، - زاد علي- «اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت» ، - زاد أبو رافع- «سبحانك وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك» ، - زاد أبو رافع- «لا شريك لك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» ، - ثم اتفقوا- «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق» ، - زاد جابر ومحمد- «وأحسن الأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت» ، - قال علي: «واصرف عني سيئها» ، - وقالا: «وقني سيىء الأعمال وسيّء الأخلاق، لا يقي» ، - وقال: «لا يصرف سيئها

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 226 والترمذي 2/ 32 (252) وقال وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد قال أبو عيسى حديث هلب حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم وأخرجه ابن ماجة 1/ 266 (809) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 500 والبخاري 2/ 227 (744) ومسلم 1/ 419 (147/ 598) . [ (3) ] أخرجه الطيالسي كما في المنحة 1/ 90 (392) .

إلا أنت» ، - زاد علي وأبو رافع- «لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك» ، - زاد الإمام الشافعي- «الهدى من هديت» ، ثم اتفقوا- «فإنا بك وإليك» ، - زاد الشافعي وأبو رافع- «لا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك» [ (1) ] . وروى أبو داود، والترمذي، والدارقطني عن عائشة والطبراني عن واثلة بن الأسقع والطبراني برجال ثقات عن أنس، والإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا افتتح الصلاة قال: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، الله أكبر كبيرا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود وابن ماجة، والحاكم وصححه وأقره الذهبي، عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي صلاة، فقال: وفي رواية كان إذا افتتح الصلاة قال: «الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ثلاثا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام للصلاة كبّر ثلاثا، ثم قال: «لا إله إلا الله ثلاث مرات، وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات» [ (4) ] . وروى الطبراني برجال موثقين عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فتوضّأ وقام فصلى، فأتيته فقمت عن يساره، فأقامني عن يمينه، فقال: «سبحان الله ذي الملك والملكوت والكبرياء والعظمة» [ (5) ] . وروى الترمذي، وأبو داود، والحاكم وصححه، وأقره الذهبي، عن عائشة قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا افتتح الصلاة قال: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك، ولا إله غيرك» .

_ [ (1) ] مسلم 1/ 536 في صلاة المسافرين (201/ 771) (202/ 771) والشافعي في الأم 1/ 106 في الصلاة باب افتتاح الصلاة وأحمد في المسند 1/ 94 وأبو داود 1/ 201 (760) والنسائي (2/ 100) والترمذي (5/ 452) حديث (3421) وقال هذا حديث حسن صحيح. [ (2) ] أخرجه من طريق السيدة عائشة رضي الله عنها أبو داود 1/ 491 (776) والترمذي 2/ 11 (243) وابن ماجة 1/ 265 (806) والدارقطني 1/ 299 (5) و (13) والبيهقي 2/ 34. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 80، 85 في مسند جبير بن مطعم رضي الله عنه وأبو داود في السنن 1/ 486، كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء الحديث (764) وابن ماجة في السنن 1/ 265 كتاب إقامة الصلاة، باب الاستعاذة في الصلاة الحديث (807) وابن حبان في صحيحه أورده الهيثمي في موارد الظمآن ص (123) كتاب المواقيت باب فيما يستفتح الصلاة الحديث (443) والحاكم في المستدرك 1/ 235 كتاب الصلاة باب دعاء افتتاح الصلاة وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي. [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 253. [ (5) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 107 رجاله موثقون.

الثالث: في تعوذه - صلى الله عليه وسلم - قبل القراءة.

الثالث: في تعوذه- صلى الله عليه وسلّم- قبل القراءة. روى الإمام أحمد وأبو داود، والدارقطني عن جبير بن مطعم، والإمام أحمد عن ابن مسعود والإمام أحمد عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنهم- ومسدد عن الحسن- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يتعوذ في الصلاة «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه» ولفظ ابن مسعود «همزة ونفخه ونفثه» ، وزاد: «همزه الموتة ونفثه الشّعر ونفخه الكبر» [ (1) ] . الرابع: في قراءته- صلى الله عليه وسلّم- بالفاتحة في الصلاة وفيه أنواع: الأول: قراءته- صلى الله عليه وسلّم- الفاتحة في كل ركعة، وجهره بالبسملة. روى البخاري في كتاب القراءة المفرد عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب» . وروى الدارقطني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا افتتح الصلاة يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم» [ (2) ] . وروى البزار برجال موثقين عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة» [ (3) ] . وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ وهو يؤم الناس، افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم» [ (4) ] . وروى الدارقطني، وأبو داود، والترمذي- وقال: ليس إسناده بذاك- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم» [ (5) ] . وروى الدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته» [ (6) ] . وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي، والدارقطني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 80 ومن حديث أبي أمامة 5/ 253 وأبو داود 1/ 203 (764) . [ (2) ] أخرجه الدارقطني 1/ 305 وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر تركه النسائي. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 255 (525) وقال: تفرد به إسماعيل وليس بالقوي في الحديث وأبو خالد أحسبه الوالبي. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 306 وإسناده ضعيف. [ (5) ] أخرجه الدارقطني 1/ 304 والترمذي 2/ 14 (245) وقال وليس إسناده بذاك وأخرجه البيهقي 2/ 47. [ (6) ] الدارقطني 1/ 202.

«أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ* قطّعها آية آية يعدّها عدّ الأعراب، وعدّ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يعدّ عليهم [ (1) ] . وعن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته» [ (2) ] . وفي رواية «في السورتين جميعا» ، وعن علي وعمار- رضي الله تعالى عنهما- كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم [ (3) ] . وفي رواية لم يزل يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم [ (4) ] . وعن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صليت خلف النبي- صلى الله عليه وسلّم- وأبي بكر، وعمر، فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» [ (5) ] . وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن الحكم بن عمير [ (6) ]- وكان بدريا- قال: «صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجهر

_ [ (1) ] أبو داود 4/ 37 (4001) والترمذي 5/ 185 (2953) وقال هذا حديث غريب والدارقطني 1/ 307. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 1/ 302 وقال هذا إسناد علوي لا بأس به وقال المزي هذا إسناد لا تقوم به حجة وسليمان هذا لا أعرفه. [ (3) ] الدارقطني 1/ 303 وإسناده ضعيف. [ (4) ] الدارقطني في المصدر السابق وفيه عمر بن حفص متروك. [ (5) ] أخرجه الدارقطني 1/ 305 وفيه ضعيفان جعفر بن محمد وأبو الطاهر أحمد بن عيسى. [ (6) ] الحكم بن عمير بالتصغير الثمالي.. قال ابن أبي حاتم عن أبيه روي عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم- أحاديث منكرة يرويها عيسى بن ابراهيم وهو ضعيف عن موسى بن أبي حبيب وهو ضعيف عن عمه الحكم قلت أخرج منها ابن أبي عاصم من طريق بقية عن عيسى بهذا الاسناد وقال فيه عن الحكم وكان من أصحاب النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم- فذكر حديثا قال ابن مندة روى بقية بهذا الاسناد عدة أحاديث قلت منها ما أخرجه ابن أبي خيثمة عن الحوطي عن بقية ولفظ المتن الاثنان فما فوقهما جماعة قال بقية حدثت به سفيان فقال صدق ووجدت له راويا غير موسى أخرج ابراهيم بن ديزيل في كتاب صفين له من طريق العلاء بن جرير حدثنا شيخ من أهل الطائف له ثمانون سنة عن الحكم بن عمير الثمالي قال قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلّم- كيف بك يا أبا بكر إذا وليت فذكر الحديث ووجدت لعيسى متابعا عن موسى في روايته عن الحكم أخرجه ابن السكن وروى أبو نعيم من وجه آخر عن موسى عن الحكم بن عمير وكان بدريا قال أبو عمر الحكم بن عمير روى عن النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- اثنان فما فوقهما جماعة مخرج حديثه عن أهل الشام ثم قال الحكم بن عمرو الثمالي وثمالة من الأزد شهد بدرا رويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام لا تصح فجعل الواحد اثنين والثمالي الذي رويت عنه الأحاديث المناكير هو الحكم بن عمير ولعل أباه كان اسمه عمرا فصغر واشتهر بذلك. الإصابة 2/ 30.

الثاني: في تركه - صلى الله عليه وسلم - الجهر بالبسملة أحيانا.

في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل، وفي صلاة الغداة وصلاة الجمعة» [ (1) ] . وعن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وروى الجميع الدارقطني [ (2) ] . الثاني: في تركه- صلى الله عليه وسلّم- الجهر بالبسملة أحيانا. وروى الطبراني برجال موثقين عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، هزأ منه المشركون قالوا: محمد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة يسمّى الرحمن [الرحيم] ، فلما نزلت هذه الآية، أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن لا يجهر بها» [ (3) ] . وروى الطبراني برجال موثقين عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسر ببسم الله الرحمن الرحيم. وأبو بكر وعمر» [ (4) ] . الثالث: في ابتدائه- صلّى الله عليه وسلّم- بقراءة الفاتحة قبل السورة روى مسلم، وأبو داود، وابن ماجه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين» [ (5) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يفتتح صلاته بالحمد لله رب العالمين» [ (6) ] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا نهض في الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت» [ (7) ] . الرابع: في سكوته هنيهة، عقب الحمد لله رب العالمين. وروى الطبراني برجال موثقين عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان

_ [ (1) ] الدارقطني في المصدر السابق (1/ 310) وفيه موسى بن أبي حبيب الطائفي ضعيف. [ (2) ] الدارقطني 1/ 311 وفيه الحكم بن عبد الله بن سعد متروك. [ (3) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 108 رجاله موثقون. [ (4) ] نفس المصدر. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 208 13/ 7 وأحمد في المسند 6/ 31، 194 والدارمي 1/ 281 وابن أبي شيبة 1/ 410 وأبو نعيم 3/ 82 وابن ماجة 1/ 267 (812) والبيهقي 2/ 15. [ (6) ] أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 1/ 112 رجاله ثقات. [ (7) ] أخرجه مسلم 1/ 419 حديث (148/ 599) وأخرجه الطحاوي في المعاني 1/ 200 وأبو عوانة 2/ 99 والبيهقي 2/ 196.

الخامس: في تأمينه - صلى الله عليه وسلم - عقب الفاتحة في الصلاة.

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا افتتح الصلاة، قال: «الحمد لله رب العالمين» ثم سكت هنيهة» [ (1) ] . الخامس: في تأمينه- صلى الله عليه وسلم- عقب الفاتحة في الصلاة. روى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا تلا «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» ، قال: «آمين» ، حتى يسمع من يليه من الصف الأول [ (2) ] ، زاد أبو داود وابن ماجة، «فيرتج بها المسجد» [ (3) ] . وروى الدارقطني وحسنه، عنه قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من القراءة، رفع صوته وقال: «آمين» [ (4) ] . وروى الترمذي وحسنه وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والأربعة، والحاكم وصححه عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقال آمين ومد بها صوته» [ (5) ] . وفي رواية فلما قال «ولا الضالين» فقال «آمين» ومد بها صوته [ (6) ] . وفي رواية شعبة «خفض بها صوته» وخطأ البخاري هذه الرواية [ (7) ] ، وفي رواية فلما قال «ولا الضالين» قال: «آمين» فسمعناها منه. ورواه الطبراني برجال ثقات، بلفظ: «فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال: آمين ثلاث مرات» ، قال الحافظ: «والظاهر أن قوله: ثلاث مرات، يعني أنه رآه في ثلاث مرات، في ثلاث صلوات، ذلك لا أنه ثلّث التأمين» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الدارقطني 1/ 336 ومن حديث سمرة بن جندب في السكتة، أنه حفظ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة «غير المغضوب عليه ولا الضالين» فصدقه أبي بن كعب. أخرجه أحمد في المسند 5/ 7، 15، 20، 21، 23 في مسند سمرة بن جندب- رضي الله عنه- والدارمي في السنن 1/ 283 وأبو داود في السنن 1/ 492- 493 والترمذي في السنن 2/ 30- 31 الحديث (251) وقال «حديث حسن» وابن ماجة في السنن 1/ 275 الحديث (844) وابن حبان في صحيحه، أورده الهيثمي في موارد الظمآن ص (124) الحديث (448) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 246 (934) . [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 278 (853) . [ (4) ] أخرجه الدارقطني (1/ 235) . [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 315 وأبو داود 1/ 246 (932) والترمذي 2/ 27 (248) والنسائي (2/ 94) وابن ماجة 1/ 278 (855) . [ (6) ] أحمد في المسند 4/ 316. [ (7) ] الترمذي 2/ 28 (248) . [ (8) ] الطبراني في الكبير 22/ 22.

السادس: في أحاديث جامعة في قراءته - صلى الله عليه وسلم - السورة، بعد الفاتحة.

وروى أبو داود، والدارقطني- وصححه- والترمذي نحوه- وحسنه، وابن ماجة عنه قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ «ولا الضالين» ، قال: «آمين» ورفع بها صوته [ (1) ] . وروى ابن ماجه، والدارقطني نحوه وحسنه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قال: «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» قال: «آمين» حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد» [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ ولا الضالين قال: «آمين» . وروى الطبراني بسند جيد عنه، والبيهقيّ عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين قال: «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» . قال: «رب اغفر لي آمين» ، والله أعلم [ (3) ] . السادس: في أحاديث جامعة في قراءته- صلى الله عليه وسلّم- السورة، بعد الفاتحة. وروى البيهقي في سننه، والطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وسمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يؤم بها كلها الناس في الصلاة المكتوبة» [ (4) ] . وروى البيهقي عن عبد العزيز بن قيس قال: سألت أنسا عن مقدار صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر أحد بنيه يصلي بنا الظهر أو العصر فقرأ بنا والمرسلات وعم يتساءلون [ (5) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن الأغر- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقرأ سورة الروم» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 1/ 246 (932) والترمذي 2/ 29 (248 وابن ماجة (855) والدارقطني 1/ 334. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 278 وقال البوصيري في الزوائد في إسناده أبو عبد الله لا يعرف، وبشر ضعفه أحمد وغيره. [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 22/ 43 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 113 فيه أحمد بن عبد الجبار وثقه الدارقطني وأثنى عليه أبو كريب وضعفه جماعة وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا. [ (4) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 388 وذكره الهيثمي وقال رواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عباس عن الحجازيين وهي ضعيفة المجمع 2/ 114. [ (5) ] البيهقي 3/ 118. [ (6) ] الطبراني في الكبير 1/ 301 ورجاله ثقات وانظر المجمع 2/ 114.

السابع: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - بعد الفاتحة في صلاة الصبح.

وروى ابن سعد عن منصور بن إبراهيم- رحمه الله تعالى- قال: «كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تعرف بتحريك لحيته» [ (1) ] . السابع: في قراءته- صلى الله عليه وسلم- بعد الفاتحة في صلاة الصبح. وروى الشيخان، والنسائي، وابن ماجة عن أبي برزة الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في صلاة الغداة في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة» [ (2) ] . وروى الإمام الشافعي، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، والنسائي واللفظ له، عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الفجر إذا الشّمس كوّرت» [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي، والشيخان، والبخاري في التاريخ، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة موصولا، وعلقه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن السائب- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين، ثم جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى شك الراوي- أو اختلفت عليه- أخذت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سعلة فركع» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقرأ في الفجر ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ونحوها، وكانت صلاته إلى التخفيف [ (5) ] . وروى سعيد بن منصور، ومسلم، وابن ماجه عن قطبة بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الفجر في الركعة الأولى بقاف والقرآن المجيد» [ (6) ] . وروى الشافعي عن زياد بن علاقة عن عمه- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصبح وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ قال الشافعي يعني بقاف» [ (7) ] .

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 97. [ (2) ] تقدم وانظر النسائي 2/ 121 وابن ماجة 1/ 268 (818) . [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 336 في الصلاة باب القراءة في الصبح (164/ 456) والنسائي 2/ 121 وابن ماجة 1/ 268 (817) . [ (4) ] أخرجه مسلم 1/ 336 في الصلاة (163/ 456) وأبو داود 1/ 175 (649) والنسائي 2/ 137 وابن ماجة 1/ 269 (820) وأشار له الترمذي في الجامع 2/ 109 تابع حديث (306) . [ (5) ] أخرجه مسلم 1/ 337 في الصلاة (168، 169/ 458) وأحمد 5/ 103. [ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 336 في الصلاة (165/ 457) (166/ 457) وابن ماجة 1/ 268 (816) . [ (7) ] أخرجه الشافعي في المسند 1/ 85 (239) .

وروى النسائي عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما أخذت قاف والقرآن المجيد، إلا من فم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بها في الصبح» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان يقرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الصبح بقاف والقرآن المجيد ونحوها» [ (2) ] . وروى الحارث عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرأ في الصبح تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (3) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الصبح بياسين، وفي رواية كان يقرأ بالواقعة ونحوها من السور» [ (4) ] . وروى البزار عن الأغر المزني [ (5) ]- رضي الله تعالى عنه- «قرأ في صلاة الصبح بسورة الروم» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد من رواية شريك عن عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي [ (7) ] روح عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومن رواية زائدة عن عبد الله بن عمير، قال: «سمعت شبيبا- يعني أبا روح من ذي الكلاع أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح بالروم فتردد في آية، فلما انصرف قال: «إنه يلبس علينا القرآن، أقوام منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن سماك بن حرب عن رجل من أهل المدينة- رضي الله تعالى عنه- «أنه صلى خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: فسمعته يقرأ في صلاة الفجر ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ويس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (9) ] .

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 2/ 121. [ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 303. [ (3) ] ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب 1/ 119 (432) وقال البوصيري في إسناده الواقدي. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الأوسط انظر المجمع 2/ 119. [ (5) ] الأغر بن عبد الله، المزني، ويقال الجهني، ومنهم من فرق بينهما، صحابي، قال البخاري، المزني أصح. التقريب 1/ 82. [ (6) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 234 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 119 فيه مؤمل بن إسماعيل وهو ثقة وقيل فيه إنه كثير الخطأ. [ (7) ] شبيب بن نعيم الوحاظي الحمصي. عن أبي هريرة ويزيد بن خمير وعنه عبد الملك بن عمير وحريز بن عثمان. وشيوخه ثقات. قاله أبو داود. الخلاصة 1/ 442. [ (8) ] أحمد في المسند 3/ 471، 472. [ (9) ] أحمد في المسند 4/ 34.

وروى أبو داود عن رجل من جهينة- رضي الله تعالى عنه- «أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي أم قرأ ذلك عمدا» [ (1) ] . وروى عبد الرزاق في المصنف عن أبي بردة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ في الصبح إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح 1] . وروى الطبراني عن أبي برزة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الفجر بالحاقة ونحوها. وروى ابن مردويه عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فصلى الغداة فقرأ فيها بالمعوذتين، ثم قال: «يا معاذ هل سمعت؟» قلت: نعم، قال: «ما قرأ الناس بمثلهن» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، وابن الضريس، والحاكم عن عقبة بن عامر «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرأ في صلاة الغداة بالمعوذتين» [ (3) ] . وروى ابن قاسم، وابن السكن، والشيرازي في الألقاب عن زرعة بن خليفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- من اليمامة فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، فلما صلينا الغداة، قرأ ب التِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [ (4) ] . وروى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب مرسلا «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى بأصحابه الفجر فقرأ بهم في الركعة الأولى إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ثم أعادها في الركعة الثانية» . وروى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلّى بهم الفجر فقرأ بهم سورة ثم أعادها في الثانية وأوجز، فلما قضى صلاته، قال له أبو سعيد أو معاذ يا رسول الله رأيتك صليت صلاة ما رأيتك صليت مثلها قط، قال: «أما سمعت بكاء الصبي خلفي في صف النساء أردت أن أفرغ له أمه» [ (5) ] . وروى أبو يعلى عن عمرو بن عبسة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قرأ في الصبح قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق 1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس 1] . وروى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى

_ [ (1) ] أبو داود 1/ 215 (816) وهو عند البيهقي من طريق معاذ بن عبد الله الجهني 2/ 390. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 416 وعزاه لابن مردويه. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 367 والحاكم 1/ 240. [ (4) ] ذكره ابن الأثير في ترجمة زرعة بن خليفة 2/ 256 (1744) . [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 57) .

الثامن: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صبح الجمعة.

صلاة الفجر في نفر قرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون 1] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص 1] قال: «قرأت بكم ثلث القرآن، وربعه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أقود لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ناقته، قال: فقال لي: «ألا أعلمك سورتين لم تقرأ مثلهما» ، في رواية، «ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟» قلت: بلى. فعلمني قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فلم يرني أعجب بهما، فلما نزل صلّى بهما الغداة، ثم قال لي: «كيف رأيت يا عقيب» [ (2) ] . الثامن: في قراءته- صلى الله عليه وسلم- في صبح الجمعة. روى الإمام أحمد ومسلم والأربعة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة ألم تَنْزِيلُ السجدة، وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، زاد الطبراني في كل جمعة [ (3) ] . وروى الإمام، والشيخان، والنسائي، وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم تَنْزِيلُ وهَلْ أَتى وروى عبد الرزاق في المصنف عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم تَنْزِيلُ وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (4) ] . وروى الطبراني برجال ثقات، عنه، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة ألم تَنْزِيلُ [السجدة 1] السجدة وهَلْ أَتى [ (5) ] [الإنسان 1] . وروى الطبراني عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة» [ (6) ] . وروى ابن أبي داود في كتاب الشريعة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال:

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه جعفر بن أبي جعفر وقد أجمعوا على ضعفه. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 144 وأبو داود 2/ 73 حديث (1462) والنسائي 8/ 222. [ (3) ] أخرجه مسلم 2/ 599 (64/ 879) وأحمد في المسند 1/ 354 وأبو داود 1/ 282 (174) والترمذي 2/ 398 (520) والنسائي 2/ 123 وابن ماجة 1/ 269 (821) وهو عند البخاري 2/ 377 (891) ومسلم 2/ 599 في الجمعة (65/ 880) (66/ 880) والنسائي 2/ 123 وابن ماجة 1/ 269 (823) . [ (4) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (5240) . [ (5) ] الطبراني في الأوسط والصغير وقال الهيثمي في المجمع 2/ 169 فيه الحارث. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 169.

التاسع: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر.

غدوت على النبي يوم الجمعة في صلاة الفجر، فقرأ سورة فيها سجدة فسجد [ (1) ] . التاسع: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر. روى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، وابن ماجة عن أبي قتادة الحارث- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورتين، وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا، ويطول في الركعة الأولى من الظهر ما لا يطول في الثانية، وهكذا في العصر زاد أبو داود، فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى، وهكذا في الصحيح» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والشيخان وابن ماجه عن عبد الله بن سخبرة- رحمه الله تعالى- قال: «سألنا خبّابا- رضي الله تعالى عنه- أكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلت: بأي شيء كنتم تعرفون قراءته؟ قال باضطراب لحيته» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي العالية- رحمه الله تعالى- قال: «اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أمّا ما يجهر فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالقراءة فقد علمنا» ، وما لا يجهر به فلا نقيس بما يجهر به قال فاجتمعوا، فما اختلف فيهم اثنان، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقرأ في صلاة الظهر قدر ثلاثين آية في الركعتين الأوليين في كل ركعة، وفي الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك، ويقرأ في العصر في الأوليين بقدر النصف من قراءته في الركعتين الأوليين من الظهر، وفي الأخريين بقدر النصف من ذلك [ (4) ] . ورواه ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والدارقطني وقال: إسناده ثابت عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نحزر قيام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر، قال: فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر، قدر ثلاثين قدر قراءة ألم تَنْزِيلُ السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين على النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في العصر في الركعتين

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على ابن عباس 2/ 141. [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 260 (776) ومسلم 1/ 333 حديث (154، 155/ 451) . وأخرجه أحمد 5/ 295 وأبو داود 1/ 212 (798) والنسائي 2/ 128 وابن ماجة 1/ 268 (819) . [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 287 حديث (761) وأبو داود 1/ 212 (801) وابن ماجة 1/ 270 (826) وأحمد 5/ 109. [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 365 وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط المجمع 2/ 115. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 271 (828) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ضعيف زيد العمي ضعيف والمسعودي اختلط بآخر عمره.

الأوليين على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين على النصف من ذلك» [ (1) ] . وروى مسلم عنه قال: «كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الركعة الأولى» [ (2) ] . وروى النسائي، وابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من فلان قال: وكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين، ويخفف العصر» [ (3) ] . وروى الثلاثة وصححه الترمذي عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في الظهر والعصر وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [البروج 1] وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ [الطارق 1] ونحوهما من السور» [ (4) ] . وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الظهر فقرأ بهاتين السورتين سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى 1] وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ [ (5) ] [الغاشية 1] . وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فرأوا أنه قرأ ألم تَنْزِيلُ السجدة» [ (6) ] . وروى ابن خزيمة، والروياني والضياء في المختارة، والإمام أحمد والثلاثة، وابن حبان عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الظهر إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ونحوها والعصر وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ» [ (7) ] . وروى مسلم والبيهقي في السنن عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الظهر والعصر وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ونحوها» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 334 (156/ 452) والطحاوي في معاني الآثار 1/ 207 والنسائي 1/ 237. [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 335 حديث (161/ 454) . [ (3) ] أخرجه النسائي 2/ 129 وابن ماجة 1/ 270 حديث (827) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 213 (805) والترمذي 2/ 110 (307) والنسائي 2/ 129. [ (5) ] أخرجه النسائي 2/ 126. [ (6) ] أخرجه أبو داود (1/ 214) حديث (807) . [ (7) ] أخرجه أبو داود 1/ 213 (805) والترمذي 2/ 110 حديث (307) والنسائي 2/ 166 وأحمد في المسند 5/ 106. [ (8) ] أخرجه مسلم 1/ 337 في الصلاة (170/ 459) وأبو داود 1/ 213 في الصلاة (806) والنسائي 2/ 166.

وروى الطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الهاجرة فرفع صوته، فقرأ وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى فقال له أبي بن كعب: يا رسول الله، أمرت في هذه الصلاة بشيء، قال: «لا ولكن أردت أن أوقت لكم» [ (1) ] . وروى البزار برجال الصحيح عن أنس، وابن أبي شيبة، ومسلم عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الظهر والعصر سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. زاد أنس وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ [ (2) ] . وروى أبو يعلى عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: سجدنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الظهر فظننا أنه قرأ «تنزيل السجدة» [ (3) ] . وروى ابن ماجه، والنسائي عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات» [ (4) ] . وروى أبو يعلى والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الظهر والعصر فقرأ بالمرسلات، والنازعات، وعم يتساءلون، ونحوها من السور» [ (5) ] . وروى الطبراني بسند جيد، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تعرف في الظهر والعصر، بتحريك لحيته» [ (6) ] . وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- «أن

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 116 وفيه أبو الرجال منكر الحديث. [ (2) ] البزار كما في الكشف 1/ 236 (482) وقال الهيثمي في المجمع 2/ 116 رجاله رجال الصحيح. [ (3) ] أخرجه أبو يعلى في المسند 3/ 233 (18/ 671) وإسناده ضعيف لضعف يحيى بن عقبة تركه أبو حاتم وقال البخاري منكر الحديث. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 271 (830) والنسائي 2/ 126. [ (5) ] أبو يعلى في مسنده 7/ 229، 230، 1475/ 4230) وقال الهيثمي رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وفيه سكين بن عبد العزيز ضعفه أبو داود والنسائي ووثقه وكيع وابن معين وأبو حاتم وابن حبان. وذكره الحافظ في المطالب 1/ 123 (448) . [ (6) ] أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2/ 116 فيه زيد بن الحريس ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه ولم يوثقه وبقية رجاله ثقات. [ (7) ] أبو داود 1/ 214 (807) .

العاشر في قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة المغرب.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم» [ (1) ] . العاشر في قراءته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة المغرب. روى الأئمة الخمسة إلا الدارقطني عن أم الفضل بنت الحارث- امرأة العباس- رضي الله تعالى عنهما قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في المغرب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً وفي رواية ثم ما صلى بنا بعدها حتى قبضه الله تعالى» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بطولي الطوليين [المص] ، وفي رواية الأعراف [ (3) ] . وروى البخاري والطبراني برجال الصحيح عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: «لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بطولي الطوليين، قيل وما الطوليان؟، قال: الأعراف، ويونس» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه أيضا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين من المغرب فرقها في الركعتين [ (5) ] ، ورواه أيضا أبو أيوب، برجال الصحيح [ (6) ] . وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى في المغرب بسورة الأعراف، وفرقها في الركعتين [ (7) ] . وروى الأئمة إلا الترمذي، والدارقطني، والإسماعيلي، وسعيد بن منصور عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالطور زاد أحمد أنه جاء في فداء أسارى بدر، زاد الشيخان، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي زاد ابن ماجة، فلما بلغ هذه الآية أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 212 (802) وأحمد في المسند 4/ 356. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 338 وأبو داود 1/ 214 (810) والنسائي 2/ 130 وابن ماجة 1/ 272 وقال الترمذي حسن صحيح حديث (308) وابن ماجة 1/ 272 (831) وهو عند البخاري 2/ 246 (763) (4429) ومسلم 1/ 338 (173/ 462) . [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 287 (64) وأحمد في المسند 5/ 187 والنسائي 2/ 131 وأبو داود 1/ 215 (812) . [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 287 (764) ولم يقع تفسير الطوليين في صحيح البخاري قاله الحافظ في الفتح والطبراني في الكبير ذكره الهيثمي 2/ 118 وقال رجاله رجال الصحيح. [ (5) ] أحمد في المسند 5/ 418. [ (6) ] أحمد والطبراني وقال الهيثمي 2/ 117 رجال أحمد رجال الصحيح. [ (7) ] أخرجه النسائي 2/ 132.

وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ كاد قلبي يطير [ (1) ] . وروى النسائي مرسلا عن عبد الله بن عتبة بن مسعود- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرأ في صلاة المغرب بحم الدخان [ (2) ] ، ورواه أبو يعلى عن عبد الله بن مسعود. وروى ابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في المغرب، قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- جاء فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بأم الكتاب» [ (4) ] . وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بهم في المغرب [ (5) ] الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [محمد 1] . وروى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطبراني عن عبد الله بن زيد، والخطيب عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهم- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [ (6) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. وروى ابن أبي شيبة- رضي الله تعالى عنه- قال: «آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المغرب ب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وروى الطبراني من طريق حجاج بن نصير، عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب

_ [ (1) ] حديث جبير أخرجه البخاري 2/ 247 (765) ومسلم 1/ 338 (174/ 463) وأحمد في المسند 4/ 83 وأبو داود 1/ 214 (811) والنسائي 2/ 131 وابن ماجة 1/ 272 (832) . [ (2) ] النسائي 2/ 131. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 272 (833) وقال السندي هذا الحديث فيما أراه من الزوائد وما تعرض له ويدل على ما ذكرت قول الحافظ في شرح البخاري ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على القراءة فيها بشيء من قصار المفصل إلا حديثا في ابن ماجة عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص وظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول قال الدارقطني: أخطأ بعض رواته. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 115 وعزاه لأحمد أبو يعلى والطبراني في الكبير وفيه حنظلة السدوسي ضعفه ابن معين وغيره. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الثلاثة وقال الهيثمي 2/ 118 رجاله رجال الصحيح. [ (6) ] أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2/ 128 فيه جابر الجعفي وثقه شعبة وسفيان وضعفه باقي الأئمة.

الحادي عشر في قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العشاء.

- رضي الله تعالى عنه- قال: أخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المغرب فقرأ في الركعة الأولى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (1) ] . الحادي عشر في قراءته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة العشاء. روى الأئمة إلا الشافعي والدارقطني عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان في سفر فصلى العشاء الآخرة فقرأ في إحدى الركعتين ب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه- صلى الله عليه وسلم-[ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي عن بريدة بن الحصيب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العشاء ب وَالشَّمْسِ وَضُحاها وأشباهها من السورة [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العشاء الآخرة ب وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ووَ السَّماءِ وَالطَّارِقِ [ (4) ] . وروى الإمام مالك، وابن أبي شيبة، والستة عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر فصلى العشاء فقرأ في إحدى الركعتين ب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ «فما سمعت أحدا أحسن صوتا ولا قراءة منه» . النوع الخامس في أحاديث مشتركة. روى الإمام مالك وأبو داود عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: ما من المفصل سورة كبيرة ولا صغيرة إلا قد سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصّافّات [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 2/ 118 وفيه حجاج بن نصير ضعفه ابن المديني وجماعة ووثقه ابن معين في رواية قاله الهيثمي في المجمع 2/ 118. [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 250 (767) (769) (7546) ومسلم 1/ 339 (177/ 464) وأبو داود 2/ 8 (1221) والترمذي 2/ 115 (310) وقال حسن صحيح والنسائي 2/ 135 وابن ماجة 1/ 272 (834) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 345- 355 والترمذي 2/ 114 (309) والنسائي 2/ 131 في الافتتاح. والبغوي في شرح السّنة 2/ 217. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 327. [ (5) ] أخرجه أبو داود 10/ 215 (814) وتقدم عند البيهقي. [ (6) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 26، 40 والبيهقي 3/ 118 والنسائي في الكبرى وانظر الدر المنثور 5/ 270.

الفصل السادس. في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين سورتين في ركعة.

وروى النسائي، وابن ماجة عن سليمان بن يسار- رحمه الله تعالى- قال: قال أبو هريرة- رضي الله تعالى عنه: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله- صلى الله عليه وسلم- من فلان، قال سليمان: كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل» [ (1) ] . الفصل السادس. في جمعه- صلّى الله عليه وسلم- بين سورتين في ركعة. روى الإمام أحمد عن عبد الله بن شقيق- رحمه الله تعالى قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها- «هل كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يجمع بين السورتين في ركعة؟ قالت: «نعم» من المفصّل [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والخمسة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرن بينهن سورتين في كل ركعة، فسئل عن النظائر، فقال: «عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم حم الدخان، وعمّ يتساءلون» ولفظ أبي داود: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ النظائر السورتين في ركعة [ (3) ] . السابع فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- إذا مر بآية رحمة، أو آية عذاب. روى الإمام أحمد والأربعة عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقرأ، مترسلا، وإذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مرّ بسؤال سأل [ (4) ] . وفي لفظ: وما مرّ بأية رحمة إلا وقف عندها وسأل، ولا بآية عذاب إلا تعوذ منها. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي- رضي الله تعالى عنه- قال: «قمت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف وتعوذ [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أقوم مع

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 2/ 129 وابن ماجة 1/ 270 (827) . [ (2) ] أحمد في المسند 6/ 204. [ (3) ] أخرجه البخاري في فضائل القرآن (4996) ومسلم 1/ 563 (275/ 722) (276/ 722) والترمذي (2/ 498) (602) وقال حسن صحيح والنسائي 2/ 136 وأحمد 1/ 417، 427، 436، 455. [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 385 ومسلم (1/ 536) (203/ 772) والترمذي 2/ 48 (262) وأبو داود 1/ 230 (871) والنسائي 2/ 137 وابن ماجة 1/ 429 (1351) . [ (5) ] أحمد 6/ 24 وأبو داود 1/ 231 (873) والنسائي 2/ 177.

الثامن: في عده الآي في الصلاة.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة التمام وكان يقرأ سورة البقرة، وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا ودعا الله عز وجل ورغب إليه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في صلاة ليست بفريضة، فمرّ بذكر الجنة والنار فقال: «أعوذ بالله من النار، ويح أو ويل لأهل النار» [ (2) ] . الثامن: في عدّه الآي في الصلاة. روى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعدد الآي في الصلاة [ (3) ] . العاشر [ (4) ] في سكتاته- صلى الله عليه وسلّم- في الصلاة. روى الإمام أحمد والدارقطني، والترمذي، وحسنه وابن ماجة عن سمرة بن جندب، وأبي بن كعب، - رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان له سكتتان: سكتة حين يفتتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من السورة وأراد أن يركع [ (5) ] . قال ابن القيم: «أما السكتة الأولى فإنه كان يجعلها بقدر الافتتاح، وأما الثانية فقد قيل إنها لأجل قراءة المأموم الفاتحة فعلى هذا فينبغي تطويلها بقدرها» . الحادي عشر: في قراءة الفاتحة فقط. روى مسدد، والإمام أحمد بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج فصلى ركعتين، فلم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب ولم يزد على ذلك» [ (6) ] . الثاني عشر: في جهره وإسراره- صلى الله عليه وسلم-. روى الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 92. [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 3470. [ (3) ] أخرجه الطبراني وقال الهيثمي فيه نصر بن طريف متروك المجمع 2/ 114. [ (4) ] سقط في جميع النسخ. [ (5) ] تقدم حديث جابر في الحاشية. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 115 وفيه حنظلة السدوسي ضعفه ابن معين وغيره وقد تقدم. [ (7) ] أخرجه أبو داود 2/ 37 (1327) .

الثالث عشر في بنائه في قراءة الصلاة من حيث وقف أبو بكر - رضي الله تعالى عنه -.

وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسمعناكم وما أخفى علينا أخفينا عليكم» [ (1) ] . الثالث عشر في بنائه في قراءة الصلاة من حيث وقف أبو بكر- رضي الله تعالى عنه-. روى أبو يعلى، وابن حبّان، وابن ماجه من حديث عبد الله بن عباس- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في مرض موته: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» . الحديث، فصلى أبو بكر، فوجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خفّة فخرج، فلما رآه أبو بكر نكص أو قال: «تأخر» . فأومأ إليه أن مكانك، فجاء فجلس إلى جنبه، فقرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من حيث انتهى أبو بكر» [ (2) ] . الرابع عشر: في تردده في الصلاة، وطلبه الفتح عليه. روى البزار، والحارث بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «تردّد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في آية في صلاة الفجر، فلما قضى الصلاة، نظر في وجوه القوم فقال: أما صلى معكم أبي بن كعب؟ قالوا: لا، قال: فرأى القوم أنه تفقده ليفتح عليه» [ (3) ] . وروى ابن يحيى بن أبي عمرو، وأبو بكر بن أبي شيبة عن الجارود العبدي- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس ذات يوم، فترك آية، فلما قضى صلاته، قال: «أيكم أخذ عليّ شيئا من قراءتي» ؟ فقال أبي: أنا، تركت يا رسول الله آية كذا وكذا، قال: «لقد علمت أنه إن كان في القوم أحد يعلم ذلك فإنك هو» ورواه عبد بن حميد من طريق الجارود بن أبي سبرة عن أبيّ ورجاله ثقات [ (4) ] . وروى ابن حبان عن المسور بن يزيد قال: شهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ فترك شيئا لم يقرأه، وفي لفظ فقرأ فيها فلبس عليه، فقال رجل: إنك تركت آية. فقال: «هلا أذكرتنيها» . قال: ظننت أنها نسخت قال: «فإنها لم تنسخ» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 1/ 212 (797) والنسائي 2/ 126. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 391 (1235) وقال البوصيري في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات إلا أن أبا إسحاق اختلط بآخر عمره، وكان مدلسا، وقد رواه بالعنعنة. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 234 (479) وقال لا نعلمه عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، ولا عن غير ابن عباس بهذا اللفظ وأبو نصر فلا نعلم روى عنه إلا خليفة. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 69 وقال رجاله ثقات. [ (5) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد حديث (378) وابن خزيمة في الصحيح (1648) والبخاري في التاريخ 8/ 40 وأبو داود حديث (907) والبيهقي (3/ 211) .

الخامس عشر: في صفة ركوعه، ومقداره.

وروى أيضا أبو داود، والطبراني برجال موثقين، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة، فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأبي: «أشهدت معنا؟» قال: نعم، قال: «فما منعك أن تفتحها علي» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والدارقطني عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الفجر فترك آية، فجاء أبي وقد فاتته بعض الصلاة فلما انصرف، قلت يا رسول الله: آية كذا وكذا نسخت أو نسيتها؟ فقال: «لا بل نسيتها» قلت: فإن لم تقرأها، قال: «أفلا لقنتنيها» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبزى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الفجر فترك آية، فلما صلى قال: «أفي القوم أبي بن كعب؟، وقال أبي: يا رسول الله أنسخت آية كذا وكذا أو أنسيتها؟ فضحك وقال: «نسيتها» [ (3) ] . وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى فترك آية فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أيكم أخذ علي شيئا من قراءتي» . قال أبي: أنا يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قد علمت أن كان أحدا أخذها علي، فإنك أنت هو» [ (5) ] . وروى أبو داود، والترمذي، والدارقطني: وقال: حسن- عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال: «كنا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الفجر فقرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فثقلت عليه القراءة، فقال: «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم» : قلنا: نعم، نفعل هذا يا رسول الله قال: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب» [ (6) ] . الخامس عشر: في صفة ركوعه، ومقداره. وروى الدارمي، وأبو داود عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه قال: «كان

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 238 (907) والطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2/ 70 رجاله موثقون. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 123 والدارقطني 1/ 400. [ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 123 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 69 رجاله رجال الصحيح. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 399 وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن بزيغ. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 142 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 69 رجاله ثقات. [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 217 (823) والترمذي 2/ 123 (312) والدارقطني 1/ 218 والحاكم 1/ 238 وأحمد 5/ 308، 322، 366 وابن أبي شيبة 1/ 374 والطحاوي في معاني الآثار 1/ 215 وانظر التلخيص 1/ 231.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فذكر الحديث إلى أن قال: يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل، فلا يصوّب رأسه ولا يقنّع» [ (1) ] . وروى أبو داود عن زيد بن أسلم، قال: «سمعت أنس بن مالك- رضي الله عنه- يقول: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أشبه صلاة بصلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى- يعني عمر بن عبد العزيز- قال: فحزرنا ركوعه عشر تسبيحات وسجوده عشر تسبيحات» [ (2) ] . وروى الشيخان عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان ركوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسجوده، وجلوسه بين السجدتين وإذا رفع من الركوع، ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء» [ (3) ] . وروى مسلم، وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوّبه ولكن بين ذلك» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ركع لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يهرق [ (5) ] . وروى ابن ماجه عن وابصة بن معبد- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي، فكان إذا ركع سوّى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر [ (6) ] . وروى الطبراني عن أنس وروى ابن ماجه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يركع فيضع يديه على ركبتيه ويجافي بعضديه» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود والنسائي عن سالم البرّاد- رحمه الله تعالى- قال: «أتينا أبا مسعود البدري- رضي الله تعالى عنه- فقلت حدثنا عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام بين

_ [ (1) ] أخرجه الدارمي 1/ 399 وأبو داود 1/ 194 (730) والترمذي 2/ 46 (260) وقال حسن صحيح. [ (2) ] أخرجه أبو داود من طريق أنس 1/ 234 (888) . [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 322 في الأذان (792، 801، 820) ومسلم 1/ 343 (193/ 471) وانظر البغوي في شرح السنة 2/ 236. [ (4) ] أخرجه مسلم (1/ 345) (197/ 474) وابن ماجه 1/ 282 (869) . [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 123. [ (6) ] ابن ماجة 1/ 283 (872) وقال البوصيري وفي إسناده طلحة بن زيد قال البخاري وغيره منكر الحديث. [ (7) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 123 وقال فيه محمد بن ثابت وهو ضعيف وابن ماجة 1/ 284 (874) وقال البوصيري في إسناده حارثة بن أبي الرجال اتفقوا على ضعفه.

السادس عشر: فيما كان يقوله في ركوعه - صلى الله عليه وسلم -

أيدينا فكبر، فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وفرج بينهما، وجافى بين مرفقيه حتى استوى كل شيء منه» [ (1) ] . وروى الطبراني بسند حسن عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذ سجد ضم أصابعه» [ (2) ] . وروى الشيخان من طريق عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر لركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد» ، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، وكان لا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع من السجود [ (3) ] . وروى الشيخان عن مالك بن الحويرث- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى كبّر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه» . وروى أبو داود، والإمام أحمد، والترمذي- وقال: حسن صحيح- وابن ماجة عن علي ابن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- «أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه وكبر» [ (4) ] . السادس عشر: فيما كان يقوله في ركوعه- صلى الله عليه وسلم- روى أبو داود عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنهما- قال «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا ركع قال: «سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا» [ (5) ] . وروى الدارقطني، والطبراني، والبزار عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه «سبحان ربي العظيم ثلاثا» [ (6) ] . ورواه أيضاً عن عبد الله بن حزام- رضي الله تعالى عنه- ورواه أبو داود عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه [ (7) ]- ورواه ابن ماجة، والدارقطني عن حذيفة، وزاد الدارقطني بعد العظيم: «وبحمده» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أحمد 4/ 119 وأبو داود 1/ 228 (863) والنسائي 2/ 145. [ (2) ] الطبراني في الكبير 22/ 19 وحسنه الهيثمي في المجمع 2/ 135. [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 318 (735) ومسلم 1/ 292 (21/ 390) ومالك في الموطأ 1/ 75 (16) . [ (4) ] أحمد في المسند 1/ 93 وأبو داود 1/ 198 (744) وابن ماجة 1/ 280 (864) . [ (5) ] أبو داود 1/ 230 (870) . [ (6) ] الدارقطني 1/ 342 وفيه عبد العزيز بن عبيد الله ضعفه أبو حاتم وابن معين وابن المديني والطبراني في الكبير 2/ 128 والبزار كما في الكشف 1/ 211 (537) واعله الهيثمي بعبد العزيز. [ (7) ] أبو داود 1/ 230 (869) . [ (8) ] الدارقطني 1/ 341 وابن ماجة 1/ 287 (888) .

السابع عشر: في اعتداله من الركوع وما كان يقوله فيه - صلى الله عليه وسلم.

وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- فقال: «لما نزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ كان يكثر إذا قرأ فركع أن يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم» : ورواه العدني في مسنده: «إنك أنت التواب الغفور ثلاثا» [ (1) ] . وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يقول في ركوعه، «سبوح قدوس، رب الملائكة والروح» ، وفي رواية كان يقول في ركوعه وسجوده» [ (2) ] . وروى الإمام الشافعي عن علي، والإمام الشافعي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه، والنسائي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهم. «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع قال: «اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وشعري وبشري وما استقلت به قدمي لله ربي العالمين» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي» [ (4) ] . وروى مسلم عنها أنها سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه أو سجوده: «سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت» [ (5) ] . السابع عشر: في اعتداله من الركوع وما كان يقوله فيه- صلى الله عليه وسلم. وروى الشيخان عن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان أنس- رضي الله تعالى عنه- ينعت لنا صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فكان يصلي وإذا رفع رأسه من الكروع قام حتى يقول القائل قد نسي» [ (6) ] . وروى مسلم وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان

_ [ (1) ] أحمد في المسند 1/ 394. [ (2) ] الدارقطني 1/ 343. [ (3) ] أخرجه النسائي 2/ 175. [ (4) ] أحمد في المسند 6/ 190 وأبو داود 1/ 232 (877) والنسائي 2/ 173 وابن ماجة 1/ 287 (889) . [ (5) ] أخرجه مسلم (1/ 351) (221/ 485) وأحمد 9/ 77، 151 والنسائي 2/ 223. [ (6) ] أخرجه البخاري (2/ 336) حديث (800، 821) ومسلم (1/ 344) حديث (195/ 472) .

الثامن عشر: في قنوته - وفيه ثلاثة أنواع.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن عبد الله بن أبي أوفى وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي عن ابن عباس وابن ماجة عن أبي جحيفة والطبراني بسند جيد عن زيد- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد» ، زاد عبد الله، «اللهم طهرني» ، وفي لفظ «برد قلبي بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» ، زاد الباقون: «أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وأبو يعلى، والطبراني في الدعاء، وابن ماجة عن أبي جحيفة قال: «ذكرت الجدود عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة، فقال رجل جدّ فلان في الخيل، وقال آخر جدّه فلان في الإبل، وقال آخر: جد فلان في الغنم، وقال آخر جد فلان في الرقيق، فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاته ورفع رأسه من آخر ركعة، فقال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» يمد بها صوته، ولفظ ابن ماجة، وطول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون» [ (3) ] . الثامن عشر: في قنوته- وفيه ثلاثة أنواع. الأول: في قنوته في الصبح. روى الإمام أحمد، والدارقطني بسند جيد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما زال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا» [ (4) ] . وروي أيضا عنه قال: «قنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمر، وعثمان، - وأحسبه- ورابع حتى فارقهم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 357) حديث (240/ 498) وابن ماجة (1/ 288/ 893) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند من حديث ابن أبي أوفى 4/ 353 ومن حديث ابن عباس 1/ 333. وأبو داود 1/ 224 (847) والترمذي 2/ 53 (266) وابن ماجة 1/ 284، (879) والنسائي 2/ 155. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 284 (879) وقال البوصيري في الزوائد: في إسناده أبو عمر مجهول لا يعرف حاله وأخرجه أبو يعلى في مسنده 2/ 185 (882) وفيه شريك ضعيف وأبو عمر المتقدم مجهول. [ (4) ] أحمد في المسند 3/ 162 والدارقطني 2/ 39 وفي إسناده أبو جعفر الرازي ضعيف وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (9764) وانظر المجمع (2/ 139) . [ (5) ] أخرجه الدارقطني 2/ 40 وفي إسناده إسماعيل المكي وعمرو بن عبيد ضعيفان.

الثاني: في قنوته في الوتر في النصف الأخير من رمضان ومطلقا.

وروى أيضا عن أبي الطفيل عن علي، وعمار- رضي الله تعالى عنهم- قال: «قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقنت، وروى حتى فارق الدنيا» [ (1) ] . وروى البزار برجال موثقون عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «قنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات» [ (2) ] . وروى محمد بن نصر في كتاب قيام الليل عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات، «اللهم اهدني فيمن هديت» [ (3) ] . وروى الحاكم وصححه، وتعقّب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الثانية في صلاة الصبح، يرفع يديه يدعو بهذا الدعاء: «اللهم اهدني فيمن هديت» إلى آخره [ (4) ] . الثاني: في قنوته في الوتر في النصف الأخير من رمضان ومطلقا. روى ابن ماجة عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر فيقنت قبل الركوع» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «علمني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولّني فيمن تولّيت وبارك لي فيما أعطيت وقني شرّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت» زاد ابن ماجة: «سبحانك ربنا» ثم اتفقوا: «تباركت وتعاليت» [ (6) ] . وروى الطيالسي واللفظ له، والأربعة دون قوله: لا أحصي، عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في الوتر: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي نعمتك ولا ثناء عليك، إنك كما أثنيت على نفسك» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الدارقطني 2/ 41 وفيه عمرو بن شمر كذاب. [ (2) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 269 (556) وقال الهيثمي رجاله موثقون المجمع 2/ 139. [ (3) ] أخرجه محمد بن نصر ص (134) . [ (4) ] أخرجه البيهقي موقوفا على كلام أبي هريرة في السنن الكبرى 2/ 206. [ (5) ] ابن ماجة 1/ 374 (1182) . [ (6) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 199، 200 وابن ماجة 1/ 372 (1178) . [ (7) ] أخرجه أبو داود 2/ 64 (1427) والنسائي 3/ 206 وابن ماجة 1/ 373 (1179) .

الثالث: في قنوته - صلى الله عليه وسلم -[في الصلوات المكتوبة] .

وروى الطبراني- وقال: لم يروه عن علقمة إلا أبو حفص عمر، فيحرر رجاله-. عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت» [ (1) ] . الثالث: في قنوته- صلى الله عليه وسلّم-[في الصلوات المكتوبة] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قنت شهرا متتابعا، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال: «سمع الله لمن حمده» من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من سليم على رعل وذكوان وعصيّة، ونؤمن خلفه» [ (2) ] . وروى الطبراني برجال موثقين عن البراء- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها» [ (3) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سبعين رجلا يقال لهم «القراء» فذكر الحديث في قتل الكفار لهم قال: «فدعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شهرا في صلاة الغداة، وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت. قيل لأنس: بعد الركوع أو عند فراغ القراءة؟ [ (4) ] . وفي أخرى: قنت شهرا يدعو على أحياء من العرب [ (5) ] . وفي أخرى: قنت شهرا بعد الركوع في صلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان ويقول: «عصيّة عصيت الله ورسوله» [ (6) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: «الله العن فلانا وفلانا» بعد ما يقول: «سمع

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي في المجمع 2/ 138 لم يروه عن علقمة إلا أبو حفص عمر قلت: ولم أجد من ترجمه. [ (2) ] أحمد في المسند 1/ 301 وأبو داود 2/ 68 (1443) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 138 رجاله موثقون. [ (4) ] أخرجه البخاري (11/ 197) حديث (6394) ومسلم (1/ 468) حديث (301/ 677) وانظر البغوي في شرح السنة 2/ 241. [ (5) ] البخاري (2/ 568) (1001) ومسلم 1/ 469 (304/ 677) . [ (6) ] البخاري (1/ 568) حديث (1003) ومسلم بنحوه 1/ 740 (307/ 679) (308) .

العشرون: في صفة سجوده - صلى الله عليه وسلم.

الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» ، فأنزل عليه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران 128] إلى قوله فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (1) ] . وروى البخاري عن أنس ومسلم عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقنت في الفجر والمغرب» [ (2) ] . العشرون: في صفة سجوده- صلى الله عليه وسلم. روى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» : الجبهة وأشار بيده على أنفه، واليدين والركبتين، وأطراف القدمين، ولا يكف ثوبا ولا شعرا» [ (3) ] . وروى الأربعة وقال الترمذي: حسن، والدارقطني عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وفي رواية لأبي داود: فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، فلما سجد وضع جبهته بين كفيه وجافى عن إبطيه» [ (4) ] . وروى الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه» [ (5) ] . وروى ابن خزيمة عنه أنه كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفعل ذلك» [ (6) ] . وروى أبو داود والترمذي- وقال: حسن صحيح- عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض ونحّى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه» [ (7) ] . وروى الترمذي عن أبي إسحاق- رضي الله تعالى عنه- قال: «قلت للبراء- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (8/ 73) حديث (4559) . [ (2) ] البخاري (2/ 568) حديث (1004) ومسلم (1/ 470) حديث (305/ 678) . [ (3) ] أخرجه البخاري (2/ 348) حديث (815) ومسلم (1/ 354) حديث (229/ 490) وانظر شرح السنة 2/ 251. [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 222 (839) والترمذي 2/ 56 (268) والنسائي 2/ 167 وابن ماجة 1/ 286 (882) وفيه شريك قال الدارقطني تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب وشريك ليس بالقوي فيما انفرد به وقال الحافظ شريك صدوق يخطئ كثيرا عون المعبود 3/ 168 التقريب 2/ 351. [ (5) ] أخرجه الدارقطني 1/ 344. [ (6) ] أخرجه ابن خزيمة في الصحيح (1/ 318) حديث (626) . [ (7) ] أبو داود 1/ 196 (734) والترمذي 2/ 59 (270) وقال حسن صحيح. وانظر نيل الأوطار 2/ 286.

تعالى عنه- «أين كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يضع وجهه إذا سجد؟ قال: بين كفيه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والثلاثة عنه قال: وصف لنا البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- السجود فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته زاد أحمد وخوىّ وقال: هكذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسجد» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي وابن ماجة عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد جافى جنبيه حتى يرى وضح بطنه وفي لفظ: بياض إبطيه، ولو أن بهيمة أرادت أن تمر بين يديه لمرت» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن أحمر بن جزيّ [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى لنأوي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- من تجافي مرفقيه عن جنبيه» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي حليفة، فرأيت بياض إبطيه وهو مجنّح قد فرج بين يديه» [ (6) ] . وروى الشيخان، وأبو داود عن عبد الله بن بحينة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سجد جنّح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه» [ (7) ] . وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سجد استقبل بأصابعه القبلة» [ (8) ] . وروى النسائي عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان

_ [ (1) ] الترمذي 2/ 60 (271) وقال حديث حسن صحيح غريب. [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 303 ومسلم (1/ 356) حديث (234/ 494) وأبو داود 1/ 236 (896) والترمذي 2/ 60 (271) والنسائي 2/ 167 وفيه شريك صدوق يخطئ والبغوي في الشرح 2/ 254. [ (3) ] أخرجه مسلم (1/ 357) حديث (237/ 496) وأحمد 6/ 333 وأبو داود 1/ 236 (898) والنسائي 2/ 168 وابن ماجة 1/ 285 (880) والبغوي في الشرح 2/ 256. [ (4) ] أحمر مولى أم سلمة. روى جبارة بن مغلس، عن شريك، عن عمران النخلي، عن أحمر مولى أم سلمة قال: «كنت مع النبي- صلى الله عليه وسلّم- في غزاة، فمررنا بواد أو نهر، فكنت أعبر الناس، فقال النبي ما كنت في هذا اليوم إلا سفينة» أسد الغابة 1/ 66. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 342 وأبو داود (1/ 237) (900) . [ (6) ] أبو داود في السنن 1/ 237 (899) . [ (7) ] أخرجه البخاري (2/ 343) حديث (807) ومسلم (3561) حديث (235/ 495) (236/ 495) وأحمد 5/ 345 وأبو عوانة 2/ 185 والنسائي 1/ 166 والبيهقي 2/ 114. [ (8) ] الدارقطني في السنن 1/ 344.

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا هوى إلى الأرض ساجدا جافى عضديه عن إبطيه وفتح أصابع رجليه» [ (1) ] . وروى الترمذي وصحّحه عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحّى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سجد على أنفه مع جبهته» [ (3) ] . وروى الدارقطني، والطبراني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سجد بأعلى جبهته على قصاص من الشعر» [ (4) ] . وروى النسائي، وأبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر الماء والطين من صلاة صلاها بالناس، وفي لفظ بصرت عيناي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة القدر» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح، والطبراني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليسجد على أليتي الكف» [ (7) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن عدي بن عميرة الحضرمي [ (8) ]- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] النسائي 2/ 166. [ (2) ] أخرجه الترمذي 2/ 59 (270) . [ (3) ] أحمد في المسند 4/ 315. [ (4) ] الطبراني في الأوسط والدارقطني 1/ 349 وقال تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب وليس بالقوي وقال الهيثمي في المجمع 2/ 125 رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وفيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم وهو ضعيف لاختلاطه. [ (5) ] أخرجه النسائي 2/ 164 وأبو داود 1/ 236 (894) . [ (6) ] أحمد في المسند 3/ 294 والطبراني في الثلاثة وقال الهيثمي 2/ 125 ورجال أحمد رجال الصحيح. [ (7) ] أحمد في المسند 3/ 295 وقال الهيثمي في المصدر السابق رجاله رجال الصحيح. [ (8) ] عدي بن عميرة بفتح أوله ابن فروة بن زرارة بن الأرقم بن النعمان بن عمرو بن وهب بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي. صحابي معروف يكنى أبا زرارة قال الواقدي مات بالكوفة سنة أربعين وقال أبو عروبة الحراني كان عدي بن عميرة قد نزل الكوفة ثم خرج بعد قتل عثمان إلى الجزيرة فمات بها. الإصابة 4/ 231.

الحادي والعشرون: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في سجوده في المطر والبرد.

قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سجد يرى بياض إبطيه، ثم إذا سلم أقبل بوجهه عن يمينه حتى يرى بياض خده عن يساره» [ (1) ] . وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال في حديث: إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأراهم» [ (2) ] . الحادي والعشرون: في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في سجوده في المطر والبرد. وروى الإمام أحمد بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم مطر، وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه على الأرض» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصّامت عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلّى في بني عبد الأشهل وعليه كساء متلفف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصى» [ (4) ] . الثاني والعشرون: في تطويله- صلى الله عليه وسلّم- بعض السجدات لعذر. وروى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: «خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في إحدى صلاتي العشيّ، الظهر والعصر، وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضعه فكبر للصلاة فسجد بين ظهري- وفي لفظ: ظهراني- صلاته سجدة، فأطالها قال: فرفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة، قال الناس: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إنك سجدت بين ظهري- وفي لفظ: بين ظهراني- صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه حدث أمر وأنه- وفي لفظ أو أنه يوحى إليك؟ قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الأوسط بطوله وفي الكبير باختصار السلام ورجال الأوسط ثقات الهيثمي المصدر السابق. [ (2) ] أخرجه مسلم (1/ 379) حديث (26/ 534) [ (3) ] أخرجه أحمد (1/ 265) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 329 (1032) وقال البوصيري في إسناده إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي قال البخاري فيه: منكر الحديث وضعفه غيره ووثقه أحمد والعجلي، وعبد الله بن عبد الرحمن لم أر من تكلّم فيه ولا من وثقه وباقي رجاله ثقات. [ (5) ] أحمد في المسند 3/ 493.

الثالث والعشرون: فيما كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده.

الثالث والعشرون: فيما كان- صلى الله عليه وسلم- يقول في سجوده. روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجوده: «سبّوح قدّوس رب الملائكة والروح» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد قال: «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاثا [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يكثر أن يقول: «سبحانك الله وبحمدك اللهم اغفر لي وارحمني» يتأول القرآن» [ (3) ] . وروى الدارقطني، وابن ماجة عن علي، والإمام الشافعي عن أبي هريرة، والنسائي عن جابر، والنسائي عن محمد بن مسلمة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد قال: «اللهم لك سجدت ولك آمنت ولك أسلمت أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشقّ سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين» [ (4) ] . وروى مسلم، وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كلّه دقّه وجلّه وأوّله وآخره، سرّه وعلانيته» [ (5) ] . وروى الطيالسي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: فقدت النبي- صلى الله عليه وسلم- من مضجعه ليلة فظننت أنه أتى بعض نسائه فانتبهت وهو ساجد فسمعته يقول: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمة ربّنا غضبه» [ (6) ] . وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والثلاثة، وأبو يعلى وغالب اللفظ له عنها، قالت: «كانت ليلتي من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فانسلّ فظننت أنه انسل إلى بعض نسائه، فخرجت فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهما منصوبتان، فإذا أنا به ساجد كالثوب الطريح

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 353) حديث (223/ 487) وأبو داود 1/ 230 (872) وأحمد في المسند 6/ 35، 94 والنسائي 2/ 178 والدارقطني 1/ 343 والقدوس الطاهر وأخرجه البيهقي 2/ 87. [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 155 وأبو داود 1/ 230 (870) وابن ماجة 1/ 287 (887) . [ (3) ] أحمد في المسند 6/ 43 وأخرجه البخاري (2/ 199) حديث (817) ومسلم (1/ 350) حديث (217/ 484) وأبو داود (1/ 232/ 877) والنسائي 2/ 173 وابن ماجة 1/ 287 (890) قولها يتأول القرآن تريد قوله سبحانه وتعالى «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ» . [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 342 والنسائي 2/ 174 وابن ماجة 1/ 335 (1054) . [ (5) ] أخرجه مسلم (1/ 350) حديث (216/ 483) وأبو داود 1/ 232 (878) والبغوي في الشرح 2/ 231. [ (6) ] أخرجه أبو داود الطيالسي كما في المنحة (1/ 100- 101) حديث (449) .

الرابع والعشرون: في مقدار سجوده - صلى الله عليه وسلم.

فسمعته يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، ربّ هذه يدي، وما جنيت على نفسي، يا عظيما يرجى لكل عظيم، فاغفر لي الذنب العظيم» فقلت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن وأنت في شأن، فرفع رأسه فقال: «ما أخرجك؟» قالت: ظنا ظننته، قال: «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، فاستغفري الله» ، زاد أبو يعلى، «إن جبريل أتاني فأمرني أن أقول هذه الكلمات التي سمعت، فقوليها في سجودك، فإنه من قالها، لم يرفع رأسه حتى يغفر أظنه قال: له» [ (1) ] . وفي رواية عند الإمام أحمد برجال ثقّات عنها، وذكرت نحو ما تقدم، قالت: فلمسته بعدها فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: «رب أعط نفسي تقواها، أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها» [ (2) ] . وروى البزّار ورجاله ثقات عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في سجوده إذا سجد: «سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي، أبوء بنعمتك عليّ، هذه يداي وما جنيت على نفسي» [ (3) ] . الرابع والعشرون: في مقدار سجوده- صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود، والنسائي عن سعيد بن جبير- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما صليت وراء أحد بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أشبه بصلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى- يعني عمر بن عبد العزيز- فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن الجريري عن السعدي عن أبيه أو عمه قال: رمقت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: (سبحان الله وبحمده) ثلاثا [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 352) حديث (222/ 486) وأبو داود 1/ 232 (879) وأحمد في المسند 6/ 151 والنسائي 2/ 174 وأبو يعلى 8/ 121 (305/ 4661) وابن السني 124، 509 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (541) . [ (2) ] أحمد في المسند 6/ 209. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 264 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 128 رجاله ثقات. [ (4) ] أبو داود 1/ 234 (888) والنسائي 2/ 178. [ (5) ] أحمد في المسند 5/ 274 وأبو داود 1/ 234 (885) .

الخامس والعشرون: في رفعه - صلى الله عليه وسلم - من السجود وجلسته بين السجدتين. وما كان يقوله فيها.

الخامس والعشرون: في رفعه- صلى الله عليه وسلم- من السجود وجلسته بين السجدتين. وما كان يقوله فيها. وروى مسلم وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يفترش رجله اليسرى» [ (1) ] . وروى الشيخان، وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقعد بين السجدتين حتى يقول القائل منهم قد وهم ونسي» [ (2) ] . وروى أبو داود والدارمي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني وارزقني وارفعني» [ (3) ] . وروى أبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: بين السجدتين: «رب اغفر لي رب اغفر لي» مرتين [ (4) ] . السادس والعشرون: في تسويته- صلى الله عليه وسلّم- بين الركوع والرفع منه والسجود والرفع منه. وروى مسلم عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كانت صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء» [ (5) ] . ورواه البخاري ولفظه: «كان ركوع النبي- صلى الله عليه وسلّم- وسجوده، وإذا رفع رأسه [من الركوع وبين السجدتين، ما خلا القيام والعقود قريبا من السواء» [ (6) ] . السابع والعشرون: في جلوسه- صلى الله عليه وسلّم- للاستراحة وكيفية نهوضه، للركعة الثانية. روى البخاري عن ابن عمر، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح،

_ [ (1) ] مسلم (1/ 357) حديث (240/ 498) وابن ماجة 1/ 288 حديث (893) وقد تقدم. [ (2) ] أخرجه البخاري (2/ 351) حديث (821) وأبو داود 1/ 225 (853) وقد تقدم. [ (3) ] أبو داود 1/ 224 (850) وابن ماجة 1/ 290 (898) والبغوي في الشرح 2/ 266. [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 231 (874) والنسائي 2/ 183 وابن ماجة 1/ 289 (897) وأحمد 5/ 398. [ (5) ] أخرجه مسلم (1/ 343) حديث (193/ 471) . [ (6) ] أخرجه البخاري (2/ 322) حديث (2792/ 820280) .

الثامن والعشرون: في هيئة جلوسه - صلى الله عليه وسلم - للتشهد وتشهده.

وابن ماجة عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- وأبو داود عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام من الركعتين رفع يديه وكبر، حتى يحاذي بهما أذنيه» [ (1) ] . وروى أبو داود عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا نهض من السجود، نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه» [ (2) ] . وروى أبو داود، والترمذي بسند ضعيف عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ينهض في الصلاة على صدور قدميه» [ (3) ] . وروى البخاري عن سعيد بن الحارث قال: «صلى لنا أبو سعيد الخدري فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين قام من الركعتين، وقال: هكذا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفعل» [ (4) ] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نهض من الركعة الثانية، استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت» [ (5) ] . الثامن والعشرون: في هيئة جلوسه- صلى الله عليه وسلّم- للتشهد وتشهده. روى الأئمة، والثلاثة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا جلس في الصلاة وضع كفّه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه، وفي لفظ: رفع أصبعه، وفي لفظ: وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام في القبلة، ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها، ونصب رجله اليمنى واضطجع على اليسرى» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. إذا قعد في الصلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده

_ [ (1) ] أخرجه أحمد من حديث علي 1/ 93 وأبو داود 1/ 198 (744) وابن ماجة (863) وحديث أبي حميد عند أبي داود 1/ 94 (729) ومن حديث وائل بن حجر أخرجه مسلم (54/ 401) وابن أبي شيبة 1/ 236. [ (2) ] أبو داود 1/ 222 (839) . [ (3) ] الترمذي 2/ 80 وفيه خالد بن إلياس ضعيف. [ (4) ] البخاري (2/ 10) حديث (825) . [ (5) ] مسلم (1/ 419) حديث (148/ 599) . [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 252 (958) والترمذي 2/ 88 (294) وأحمد 2/ 65.

اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ولم يجاوز بصره إشارته» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي عن شهاب بن المجنون- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي وقد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه، وبسط السبابة وهو يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي وابن ماجة عن أبي مالك: نمير الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو قاعد في الصلاة، وقد وضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعا بإصبعه السّبابة قد حناها شيئا وهو يدعو، ورواه أبو يعلى وعنده عن مالك بن نمير الخزاعي عن رجل من أهل البصرة أن أباه حدثه فذكره» [ (3) ] . وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان في الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخرّ رجله اليسرى وقعد على شقّه متورّكا ثم سلم» [ (4) ] . وروى مسلم عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات عن خفاف بن إيماء- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينصب إصبعه السّبابة، وكان المشركون يقولون: إنما يصنع هذا محمد بإصبعه يسحر بها وكذبوا، إنما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصنع ذلك يوحّد بها ربه عز وجل» [ (6) ] . وروي أيضا عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان إذا جلس في الصلاة وضع يمينه على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 408) حديث (112/ 579) وأحمد 4/ 3 وأبو داود 1/ 260 (988) والنسائي 3/ 32 والبغوي في الشرح 2/ 274. [ (2) ] أخرجه الترمذي حديث (214، 3522، 3587) وأحمد 3/ 112، 457 والحاكم 2/ 288 والطبراني في الكبير 1/ 234، وابن أبي شيبة 10/ 36 وابن أبي عاصم 1/ 104 والطبري في التفسير 3/ 125 وابن ماجة 4/ 82 وعبد الرزاق (19646) وأبو نعيم في الحلية 8/ 122. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 471 وأبو داود 1/ 260 (991) وابن ماجة 1/ 295 (911) . [ (4) ] أخرجه النسائي 3/ 29. [ (5) ] أخرجه مسلم (1/ 357) حديث (238/ 497) وانظر مجمع الزوائد 2/ 139. [ (6) ] أحمد في المسند 4/ 57 والطبراني في الكبير 4/ 257 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 140 رجاله ثقات. [ (7) ] أحمد في المسند 4/ 57.

وروى الإمامان الشافعي وأحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرّضف حتى يقوم» [ (1) ] . وروى أبو يعلى من رواية ابن الحويرث قال: «أبو الحسن الهيثمي والظاهر أنه خالد بن الحويرث- وهو ثقة ورجاله رجال الصحيح، وقال ابن معين في خالد: لا أعرفه، وعرفه غيره- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا يزيد في الركعتين على التشهد» [ (2) ] . وروى الثلاثة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان في الركعتين الأوليين على الرضف حتّى يقوم [ (3) ] . وروى البيهقي، وأبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن القاسم بن محمد- رحمهما الله تعالى- قال: علمتني عائشة- رضي الله تعالى عنها- هذا تشهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» [ (4) ] . وروى الطبراني في الكبير والأوسط، وقال فيه: الناعمات السابغات. ورجال الكبير ثقات، عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قال: تشهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «التحيات لله، والصلوات والطيبات والغاديات الرائحات الزاكيات المباركات الطاهرات لله» [ (5) ] . وروى البزار والطبراني من طريق ابن لهيعة عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتشهد «بسم الله وبالله خير الأسماء، التحيات [لله و] الطيبات. الصلوات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم اغفر لي واهدني» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 1/ 386. [ (2) ] انظر مجمع الزوائد 2/ 142. [ (3) ] أحمد في المسند 1/ 460 وأبو داود 1/ 261 (995) والترمذي 2/ 202 (366) وقال حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. [ (4) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 144. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 140. [ (6) ] البزار كما في الكشف 1/ 272 (562) وقال الهيثمي في المجمع 2/ 142 رواه البزّار والطبراني في الكبير والأوسط ومداره على ابن لهيعة وفيه كلام.

التاسع والعشرون: في دعائه - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد.

وروى أبو داود الطيالسي عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشير بإصبعه في الصلاة، فلما سلّم سمعته يقول: «اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم» [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن عاصم بن كليب عن أبيه عن جده قال: دخلت المسجد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصلاة واضعا يده اليمنى على فخذه اليمنى يشير بالسبابة وهو يقول: «يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك» . التاسع والعشرون: في دعائه- صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد. وروى عبد بن حميد بإسناد حسن عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يتعوذ في دبر صلاته من أربع يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بالله من عذاب النار، وأعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأعوذ بالله من الأعور الكذاب» [ (2) ] . ورواه عبد بن حميد ولفظه سمعته يقول في دبر كل صلاة، لا أدري بعد التسليم أو قبل التسليم. قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غير مرة يقول في آخر صلاته عند انصرافه: «سبحان ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين» [ (3) ] . وروى الطبراني عنه قال: «كان من دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد في الفريضة: «الله إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، الّلهم إنا نسألك ما سألك عبادك الصالحون ونستعيذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد» ، ويسلّم عن يمينه وعن شماله» [ (4) ] . الثلاثون: في دعائه في الصلاة مطلقا. وروى الإمام أحمد، والنسائي عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما- أن

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 2/ 282، 10/ 67. [ (2) ] وبنحوه عند مسلم 1/ 413 (0134/ 590) وانظر شرح السنة. [ (3) ] الطبراني في الكبير 11/ 115. وقال الهيثمي فيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير متروك وانظر الترغيب والترهيب 2/ 454 وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 303 وابن السني (116) . [ (4) ] الطبراني في الكبير 10/ 67.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في صلاته: «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على خلقك أحيني ما علمت أن الحياة خير لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي أسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضرّاء مضرّة ومن فتنة مضلّة، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن عبيد بن القعقاع قال: رمق رجل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فجعل يقول في صلاته: «اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري، وبارك لي فيما رزقتني» [ (2) ] . وروى مسلم والنسائي واللفظ له عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو في صلاته يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل» [ (3) ] . وروى الشيخان عنها قالت: ما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة بعد أن نزلت عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلا يقول «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن رجل من بني كنانة- رضي الله تعالى عنه- قال: صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام الفتح فسمعته يقول: «اللهم لا تخزني يوم القيامة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاته وهو يقول: «اللهم اغفر لي وتب علي، إنك أنت التّواب الغفور» مائة مرة [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بوضوء فتوضأ وصلى، وقال: «اللهم أصلح لي ديني، ووسع عليّ في ذاتي، وبارك لي في رزقي» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 264 والنسائي 3/ 46. [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 62. [ (3) ] أخرجه مسلم (2085، 2086) والنسائي 3/ 56، 8/ 280 وأبو داود (1555) وابن ماجة 3839 (3840) وأحمد 6/ 31 وابن السني 10/ 187. [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 328 (794، 817، 4293، 4967، 4968) وأخرجه مسلم 1/ 351 (218/ 484) . [ (5) ] أحمد في المسند 4/ 234 وابن السني 125 وانظر الدر المنثور 5/ 90 والطبراني في الكبير 3/ 4 والمجمع 10/ 109. [ (6) ] أحمد في المسند 5/ 371. [ (7) ] أحمد في المسند 4/ 399 وبنحوه عند مسلم (2027) والنسائي 3/ 63 وأبو نعيم في الحلية 6/ 46.

الحادي والثلاثون: في صفة سلامه من الصلاة - صلى الله عليه وسلم -.

وروى البزّار عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة فسمعته يقول: «رب جبريل وميكائيل ومحمد أجرني من النار» [ (1) ] . الحادي والثلاثون: في صفة سلامه من الصلاة- صلّى الله عليه وسلم-. روى الإمام الشافعي وأحمد واللفظ له، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسلم في الصلاة إذا فرغ منها عن يمينه حتى يرى بياض خدّه، وعن يساره حتى يرى بياض خدّه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والأربعة، والدارقطني، والترمذي- وقال: حسن صحيح- عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسلّم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده من هاهنا ومن هاهنا، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده» [ (4) ] . تنبيهات الأول: روى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «من السنن في الصلاة، وضع الكف تحت السرة، في سنده أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي قال فيه الإمام أحمد: منكر الحديث، وقال ابن معين: متروك وقال في رواية هو والنسائي: ضعيف» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعهما حتى انصرف. قال أبو

_ [ (1) ] أخرجه البزار كما في الكشف 4/ 22 وقال الهيثمي في المجمع: 1/ 110 فيه من لم أعرفه. [ (2) ] أحمد في المسند 1/ 172 ومسلم (2/ 409) حديث (119/ 582) والنسائي 3/ 51 وابن ماجة 1/ 296 (915) والدارقطني 1/ 356 وعبد الرزاق (3127) والطبراني في الكبير 10/ 153 وابن سعد 1/ 2/ 126. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 390 والدارقطني 1/ 357 وأبو داود 1/ 261 (996) والنسائي 3/ 52 والترمذي 2/ 89 (295) وابن ماجة 1/ 296 (914) . [ (4) ] ابن أبي شيبة 1/ 299 والبيهقي 2/ 177. [ (5) ] أحمد في السنن الكبرى 1/ 110.

داود: هذا الحديث ليس بصحيح. انتهى، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وطريق آخر فيه محمد بن أبي ليلى وكلاهما قد ضعف» [ (1) ] . وروى الدارقطني عن جرير عن حصين بن عبد الرحمن قال: دخلنا على إبراهيم فحدثه عمرو بن مرة، قال: صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه: إنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يرفع يديه حين يفتتح الصلاة وإذا ركع وإذا سجد، فقال إبراهيم: ما أرى أباك رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا ذلك اليوم الواحد فحفظ ذلك، وعبد الله لم يحفظ ذلك منه، ثم قال إبراهيم: إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: هذه علة لا تساوي سماعها لأن رفع اليدين قد صح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم عن الخلفاء الراشدين ثم عن الصحابة والتابعين، وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين ما يوجب أن هؤلاء الصّحابة لم يروا النبي- صلى الله عليه وسلم- رفع يديه [ (2) ] . الثاني: قال الحافظ في الجمع بين تطويله القراءة في المغرب: إما لبيان الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المؤمنين وليس في حديث جبير أن هذا تكرر منه. الثالث: لا يخالف حديث أم الفضل بنت الحارث أن آخر صلاة صلاها بهم المغرب، بما روته عائشة أن الصلاة التي صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأصحابه في مرض موته الظهر، لأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته، كما رواه النسائي [ (3) ] ، ولا يعكر عليه رواية إسحاق خرج إلينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو عاصب رأسه في مرضه فصلّى المغرب، لإمكان حمل قولها خرج إلينا أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم. الرابع: قال النووي في حديث البراء: إن ركوع النبي- صلى الله عليه وسلّم- وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع قريبا من السواء، هذا الحديث محمول على بعض الأحوال وإلا فقد ثبت في الحديث تطويل القيام، فإنه كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة وفي الظهر بألم السجدة، وأنه كانت تقام الصلاة، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يرجع إلى أهله فيتوضأ، ثم يأتي المسجد فيدرك الركعة الأولى، وأنه قرأ سورة المؤمنين حتى بلغ ذكر موسى وهارون، وأنه قرأ في المغرب بالطور والمرسلات، وفي البخاري بالأعراف وكل هذا

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 282، 301 وأبو داود 1/ 200 (752) وفي اسناده يزيد بن أبي زياد تركه النسائي وضعفه البخاري. [ (2) ] الدارقطني 1/ 291. [ (3) ] في السنن 2/ 130.

يدل على انه كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات، وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات، انتهى. وقال ابن القيم: مراد البراء أن صلاته- صلّى الله عليه وسلم- كانت معتدلة، فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وتارة يجعل الركوع والسجود بعد القيام، وهديه- صلى الله عليه وسلّم- الغالب تعديله الصلاة وتناسبها. الخامس: قال النووي فيما كان يقوله بعد رفعه من الركوع يبدأ- يعني المصلي- بقوله سمع الله لمن حمده حين يشرع في الرفع من الركوع، ويمده حتى ينتصب قياما، ثم يشرع في ذكر الاعتدال، وهو ربنا لك الحمد إلى آخره وقال: في هذا الحديث دلالة الشافعي وطائفة أنه يستحب لكل مصل من إمام ومأموم، ومنفرد أن يجمع بين سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد في حال استوائه وانتصابه في الاعتدال، لأنه ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم- فعلهما جميعا، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: صلوا كما رأيتموني أصلي، ورواه البخاري [ (1) ] ، وقال ابن القيم: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا استوى قائما، قال: «ربنا ولك الحمد» ، وربما قال: «ربنا لك الحمد» ، وربما قال: «اللهم ربنا لك الحمد» وصح عنه ذلك كله، وأما الجمع بين اللهم والواو فلم يصح انتهى، وتعقب بما في صحيح البخاري في رواية الأصيلي عن أبي هريرة مرفوعا: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، قولوا اللهم ربنا ولك الحمد، جمع بين اللهم والواو. السادس: حاصل ما ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم- من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة ثمانية مواطن. الأول: عقب تكبيرة الإحرام، كما في حديث أبي هريرة، اللهم باعد بيني وبين خطاياي. الثاني: في الاعتدال من الركوع. الثالث: في الركوع. الرابع: في السجود. الخامس: ما بين السجدتين. السادس: في التشهد. السابع: في القنوت. الثامن: إذا مر بآية رحمة أو عذاب. التاسع: روى ابن ماجة عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه-: سلّم تسليمة واحدة

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من حديث مالك بن الحويرث (2/ 111) حديث (631، 6008) .

تلقاء وجهه، في سنده عبد المهيمن بن عباس قال البخاري فيه: منكر الحديث، وقال النسائي متروك [ (1) ] . أيضا عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى فسلم تسليمة واحدة [ (2) ] ، في سنده يحيى بن راشد البصري، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي ضعيف» . وروى أيضا، والترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسلم تسليمة واحدة، تلقاء وجهه وتكلم عن سنده [ (3) ] . الثامن: قال النووي في قوله- صلى الله عليه وسلم- في التشهد: «السلام عليك أيها النبي، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» فائدة حسنة وهي أن لتشهده عليه الصلاة والسلام بلفظ تشهدت- انتهى، قال الحافظ: وكان يشير إلى رد ما وقع للرافعي أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في التشهد، «وأشهد أني رسول الله» ، وتعقب بأنه لم يرو كذلك صريحا. التاسع: قال السبكي وابن كثير وابن القيم، وتبعهم في ذلك ابن حزم، أنه لم ينقل عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه تلفظ بنية الصلاة، ولا قال إماما ولا مأموما ولا أمر بذلك، ولا أقر عليه، وكذلك الصحابة وتابعوهم، وتابع تابعيهم، لم ينقل عن أحد منهم أنه فعل ذلك، ولا أمر به- انتهى. العاشر: في بيان غريب ما سبق. حذو منكبيه- بحاء مهملة مفتوحة، فذال معجمة ساكنة فواو قربهما هنيهة. العضد- بمهملة مفتوحة فمعجمة مضمومة: ما فوق المرفق. لم يصوب رأسه أي: لم يمله إلى أسفل. ولا يشخص، وفي رواية لا يقنّع. أي: لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره. الجد- بفتح الجيم. الغنى. أي لا ينفع ذا الغناء منك غناه، وإنما ينفعه الإيمان والطاعة. وضح بطنه- بواو فضاد معجمة، فحاء مهملة، مفتوحات. الرّضف- بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة الحجارة المحماة.

_ [ (1) ] ابن ماجة 1/ 297 (918) وهو كما قال المصنف. [ (2) ] ابن ماجة 1/ 297 (920) وهو كما قال المصنف. [ (3) ] ابن ماجة 1/ 297 (919) والترمذي 2/ 90 (296) وقال لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال محمد بن إسماعيل: زهير ابن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير ورواية أهل العراق عنه أشبه وأصح.

الباب الحادي عشر في أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال صلاته غير ما تقدم

الباب الحادي عشر في أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال صلاته غير ما تقدم وفيه أنواع: الأول: في طمأنينته في صلاته. روى البخاري عن أبي حميد- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كلّ فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته [ (1) ] . الثاني: فيما ورد في طول صلاته وقصرها. وتخفيفها غير ما تقدم. روى الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأطال حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به؟، قال: هممت أن أجلس وأدعه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمرنا بالتخفيف بالصّافات» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي واقد الليثي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن مالك بن عبد الله الخثعمي- رضي الله تعالى عنه- قال: «غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلم أصل خلف إمام كان أوجز منه صلاة في تمام الركوع والسجود» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (1/ 355) حديث (828) . [ (2) ] أخرجه البخاري (3/ 24) حديث (1135) ومسلم (1/ 375) حديث (204/ 773) وأخرجه أحمد 1/ 385 وابن ماجة 1/ 456 (1418) . [ (3) ] أحمد في المسند 2/ 26 وقد تقدم. [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 218 ورجاله ثقات انظر المجمع 2/ 70. [ (5) ] أحمد في المسند 5/ 225 ورجاله ثقات انظر المصدر السابق.

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسوي بين الأربع ركعات في القيام والقراءة، ويجعل الركعة الأولى هي أطولها لكي يثوب إليه الناس» [ (1) ] . وروى ابن ماجة عن أبي واقد الليثي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي بنا فيطيل في الركعة الأولى، ويقصر في الثانية، وكذلك في الصبح» [ (2) ] . وروى الحارث عن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسوي بين الأربع ركعات في القيام والقراءة، ويجعل الركعة الأولى هي أطولها لكي يثوب إليه الناس» [ (3) ] . وروى البزار برجال ثقات عنه أيضاً قال: «ما صليت خلف أحد صلاة أخف صلاة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في تمام» [ (4) ] . وروى الطبراني برجال الصّحيح عنه أيضاً، قال: «صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي، فلم يكن أحد منهم أخف صلاة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» [ (5) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ركعتان من صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخف من ركعة من صلاتكم» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخف الناس تخفيفا للصلاة في تمام» [ (7) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما صليت خلف أحد بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخف من صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في تمام» [ (8) ] . روى الإمام أحمد برجال ثقات عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: «لقد كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة لو صلاها أحدكم اليوم لعبتموها عليه» [ (9) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 89. [ (2) ] أخرجه ابن ماجه (819) من حديث أبي قتادة. [ (3) ] بنحوه أخرجه أحمد في المسند 5/ 344. [ (4) ] البزار كما في الكشف 1/ 237 (484) وقال الهيثمي رجاله ثقات المجمع 2/ 73. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 73 وقال رجاله رجال الصحيح. [ (6) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 74 رجاله موثقون. [ (7) ] أحمد في المسند 3/ 340. [ (8) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 73 رجاله رجال الصحيح. [ (9) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 158.

الثالث: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في قضاء الفوائت.

وروي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: «من يؤمنا فليتم الركوع والسجود فإن فينا الضعيف والكبير والمريض وعابر السبيل وذا الحاجة هكذا كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (1) ] . الثالث: في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في قضاء الفوائت. وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى عرّس، وقال لبلال: «اكلأ لنا الليل» ، فصلى بلال ما قدّر له، ونام ونام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشّمس، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أوّلهم استيقاظا، ففزع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أي بلال» فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: «اقتادوا» - وفي لفظ: «تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة» ، فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: «من نسي الصلاة فليصلّها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [ (2) ] [طه 14] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- «أقبلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الحديبية ليلا فنزلنا دهاسا من الأرض فقال: «من يكلأنا؟» قال بلال: أنا قال: «إذا تنم» قال: لا، فنام حتى طلعت الشمس، فاستيقظ ناس منهم فلان وفلان فيهم عمر، قال: أهضبوا يعني تكلموا، فاستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال «افعلوا كما كنتم تفعلون» ، فلما فعلوا، قال: «هكذا فافعلوا لمن نام أو نسي» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عنه قال: «سرينا ليلة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: فقلنا: يا رسول الله لو أمستنا الأرض، فنمنا ورعت ركائبنا ففعل، فقال: «ليحرسنا بعضكم» ، فقال عبد الله، فقلت أنا أحرسكم قال: فأدركني النوم، فنمت، فلم استيقظ إلا والشمس طالعة، ولم يستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا بكلامنا، قال: فأمر بلالا، فأذّن ثم أقام الصلاة، فصلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» [ (4) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير انظر المجمع 2/ 73. [ (2) ] أخرجه مسلم (1/ 471) حديث (309/ 680) . [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 464 وأبو داود 1/ 122 (447) والنسائي في الكبرى. [ (4) ] أحمد في المسند 1/ 450.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

وروى الإمام أحمد عن ذي مخمر [ (1) ]- رضي الله تعالى عنه- وكان رجلاً من الحبشة، يخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كنا معه في سفر فأسرع السير حين انصرف، وكان يفعل ذلك لقلّة الزاد، فقال له قائل: يا رسول الله لقد انقطع الناس وراءك، فحبس وحبس الناس، حتى تكاملوا إليه فقال لهم: «هل لكم أن نهجع هجعة» : أو قال له قائل فنزل ونزلوا، وقال: «من يكلؤنا الليلة» ، فقلت أنا- جعلني الله فداك، فأعطاني خطام ناقته، فقال: «هاك لا تكوننّ لكع» ، قال: فأخذت بخطام ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وخطام ناقتي فتنحيت غير بعيد، فخليت سبيلهما يرعيان، فإني كذلك أنظر إليهما حتى أخذني النوم، فلم أشعر بشيء حتى وجدت حرّ الشمس، في وجهي، فاستيقظت فنظرت يمينا وشمالا، فإذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد، فأخذت بخطام ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وخطام ناقتي فأتيت أدنى القوم، فأيقظته، فقلت له أصلّيتم؟ قال: لا، فأيقظ الناس بعضهم بعضا، حتى استيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وذكر الحديث» [ (2) ] . وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسبّ كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلّي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «والله ما صليتها» ، قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عمرو بن أمية الضمري- رضي الله تعالى عنه [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في سفر له: «من يكلؤنا الليلة لا يرقد عن صلاة الصبح؟» قال بلال أنا [ (5) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. الكرى- بكاف فراء مفتوحتين مقصورا: النوم.

_ [ (1) ] ذو مخبر، ويقال: ذو مخمر. وكان الأوزاعي لا يرى إلا مخمر بميمين: وهو ابن أخي النجاشي ملك الحبشة، معدود في أهل الشام، وكان يخدم النبي- صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو حي المؤذن، وجبير بن نفير، والعباس بن عبد الرحمن، وأبو الزاهرية، وعمر بن عبد الله الحضرمي. أسد الغابة 2/ 178. [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 90. [ (3) ] أخرجه البخاري (1/ 261) حديث (641) ومسلم (1/ 438) حديث (209/ 631) وبطحان بضم الباء وسكون الطاء عند المحدثين وعند أهل اللغة بفتح الباء والطاء. [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 287، وأبو داود 1/ 121 (444) . [ (5) ] أحمد في المسند 4/ 81 والنسائي 1/ 240.

أهضبوا- بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة، فضاد معجمة، فموحدة اقتادوا، اندفعوا. دهاسا- بدال مهملة مفتوحة، فألف، فسين مهملة. سهل من الأرض ولم يبلغ أن يكون رملا. بطحان [ (1) ]- بموحدة مضمومة فطاء ساكنة فحاء مهملة مفتوحة [مهملتين] فألف فنون: واد بالمدينة.

_ [ (1) ] (بطحان) بالضم، ثم السكون عند المحدثين. وأهل اللغة يقولون بفتح أوله، وكسر ثانيه، وقالوا: لا يجوز غيره. وقد قيل بفتح أوله وسكون ثانيه، وهو واد بالمدينة، أحد أوديتها الثلاثة: العقيق وبطحان وقناة. مراصد الاطلاع 1/ 204.

الباب الثاني عشر في آدابه - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام

الباب الثاني عشر في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- بعد السلام وفيه أنواع: الأول: في جعله يمينه للناس ويساره للقبلة بعد السلام واستقبالهم حالة الدعاء. روى مسلم، وأبو داود، عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: «إذا صلّينا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أحببنا أن نكون عن يمينه، فيقبل علينا بوجهه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن يزيد بن الأسود- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح في حجة الوداع، ثم انحرف جالسا واستقبل الناس بوجهه، فثار الناس يأخذون بيده ويمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت بيده فمسحت بها وجهي فوجدتها أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك» [ (2) ] . وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر [ (3) ] وأبو يعلى وابن حبان عن يزيد بن الأسود السوائي قال: «حججنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فصلى صلاة الصبح، فانحرف فاستقبل الناس بوجهه- صلى الله عليه وسلم- فإذا هو برجلين من وراء الناس الحديث» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 492 (62/ 709) وأبو داود 1/ 167 (615) والنسائي في الصلاة (226) عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك وابن ماجة (11/ 321) حديث (1006) . [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 161. [ (3) ] محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله الحافظ نزيل مكة وقد ينسب إلى جده. روى عن أبيه وابن عيينة وفضيل بن عياض وعبد العزيز الدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وعبد الرزاق وعبد الله بن معاذ الصنعاني وعبد المجيد بن أبي رواد ومروان بن معاوية والوليد بن مسلم وأبي معاوية وداود بن عجلان وعبد الرحيم بن زيد العمي وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي وفرج بن سعيد بن علقمة المأربي ومعن بن عيسى ويحيى بن سليم الطائفي ويحيى بن عيسى الرملي ومحمد بن يحيى بن قيس المازني ويعقوب بن جعفر بن أبي كثير ويزيد بن هارون وبشر بن السري وغيرهم روى عنه مسلم والترمذي وابن ماجة وروى النسائي عن محمد بن حاتم بن نعيم الأزدي وهلال بن العلاء وزكرياء بن يحيى السجزي عنه وابنه عبد الله بن محمد بن أبي عمر وأبو حاتم وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وبقي بن مخلد وعثمان بن خرزاذ وأحمد بن عمرو الخلال المكي وعبد الله بن صالح البخاري وإسحاق بن أحمد بن نافع الخزاعي راوي مسنده عنه وهارون بن يوسف الشطوي وعبد الله بن محمد بن شيرويه والمفضل بن محمد الجندي وآخرون. قال ابن أبي حاتم عن أبيه كان رجلا صالحا وكان به غفلة ورأيت عنده حديثا موضوعا حدث به عن ابن عيينة وكان صدوقا. قال وثنا أحمد بن سهل الاسفرائني سمعت أحمد وسئل عمن يكتب فقال أما بمكة فابن أبي عمر وقال الحسن بن أحمد بن الليث الرازي كان حج سبعا وسبعين حجة وذكره ابن حبان في الثقات وقال البخاري مات في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين ومائتين. قلت هذا الذي نقله المصنف عن الحسن بن الليث قد نقل الترمذي عنه معناه بلا واسطة. قال الترمذي في الصلاة من الجامع سمعت ابن أبي عمر يقول كان الحميدي أكبر مني بسنة واختلفت إلى ابن عيينة ثمانية عشر سنة. قال وسمعته يقول حججت سبعين حجة ماشيا وقال مسلمة لا بأس به وفي الزهري روى عنه مسلم مائتي حديث وستة عشر حديثا. تهذيب التهذيب 9/ 518. [ (4) ] أحمد في المسند 4/ 161 والطبراني في الكبير وفيه قال الهيثمي 2/ 44 ابن أبي الخريف وأبوه لا أدري من هما.

الثاني: في رفعه - صلى الله عليه وسلم - صوته بالذكر بعد الصلاة.

وروى الشيخان عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة الصبح أقبل علينا بوجهه» [ (1) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «أخر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل، ثم خرج فلما صلى أقبل علينا بوجهه، الحديث» [ (2) ] . وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على النّاس، الحديث» [ (3) ] . الثاني: في رفعه- صلى الله عليه وسلّم- صوته بالذكر بعد الصلاة. روى الإمام الشافعي، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بعد ذلك إذا سمعته وفي رواية كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالتكبير [ (4) ] . ويأتي حديث عبد الله بن الزبير، في رفعه- صلى الله عليه وسلّم- صوته بالذكر في الباب الرابع عشر. الثالث: في مكثه- صلى الله عليه وسلّم- مكان صلاته حتى يذهب الناس وتطلع الشمس. روى مسلم عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر قعد حتى تطلع الشمس حسنا» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لأن أقعد من حين تصلّى الصّبح إلى أن تشرق الشمس أحب إلي من عتق أربع رقاب، ولأن أقعد من حين تصلّى العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من عتق أربع رقاب» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2/ 333) حديث (845) ومسلم (4/ 1781) حديث (23/ 2275) . [ (2) ] أخرجه البخاري (1/ 333) حديث (846) ومسلم (1/ 443) حديث (223/ 640) . [ (3) ] أخرجه البخاري (1/ 388) حديث (846، 1038، 4147، 7503) ومسلم (1/ 83) حديث (125/ 71) وإثر وأثر لغتان مشهورتان أي بعد المطر. [ (4) ] أخرجه البخاري (2/ 17) حديث (841) ومسلم (1/ 410) حديث (120/ 121/ 583/ 122/ 583) وأبو داود 1/ 263 (1002) (1003) والنسائي 3/ 57 وانظر المشكاة (959) . [ (5) ] أخرجه مسلم (1/ 464) حديث (287/ 670) والنسائي 3/ 80 وأحمد 5/ 100 وابن أبي شيبة 9/ 37 «وحسنا» أي طلوعا حسنا، أي مرتفعا. [ (6) ] أحمد في المسند 5/ 261.

الرابع: في مقدار ما يقعد - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام.

الرابع: في مقدار ما يقعد- صلى الله عليه وسلّم- بعد السلام. روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سلّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: «اللهم أنت السّلام، ومنك السّلام، تباركت ذا الجلال والإكرام» [ (1) ] . والظاهر أن هذا القعود الذي كان عليه في الصلاة، ثم يجعل يمينه للناس ويساره للقبلة جمعا بين الأحاديث فيحرر ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 414) حديث (136/ 592) .

الباب الثالث عشر في صلاته في الفرض قاعدا لعذر وإيمائه في النفل إن صح الخبر

الباب الثالث عشر في صلاته في الفرض قاعداً لعذر وإيمائه في النّفل أن صح الخبر روى أبو يعلى بسند ضعيف عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على الأرض في المكتوبة قاعدا، وقعد في التسبيح في الأرض، فأومأ إيماء» [ (1) ] . وروى الأئمة، والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «سقط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن فرس فحجش شقّه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا فصلينا وراءه قعودا» [ (2) ] . ولفظ أحمد، فصلى بهم قاعدا وأشار إليهم أن اقعدوا، فلما سلم، قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» الحديث [ (3) ] . وروى البخاري عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سقط عن فرسه فجحشت ساقه أو كتفه فأتاه أصحابه يعودونه، فصلى بهم جالسا» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- انفكت قدمه، فقعد في مشربة له درجها من جذوع النخل فأتاه أصحابه يعودون، فصلى بهم قاعدا» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «ركب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فرسا من المدينة فصرعه على جذع نخلة، فانفكت قدمه، فأتيناه نعوده فوجدناه في مشربة لعائشة، فسبّح جالسا فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا، فلما قضى الصلاة قال: «إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا، وإذا صلى الإمام قائما فصلوا قياما، ولا تفعلوا كما فعل أهل فارس بعظمائها» [ (6) ] . وروى الأئمة، والنسائي، والدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيته جالسا وراءه قوم قياما، أشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال:

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 149 وقال فيه حفص بن عمر ضعيف. [ (2) ] أخرجه البخاري (2/ 204) حديث (689) ومسلم (1/ 308) حديث (77/ 411) وأبو داود 1/ 164 (601) والنسائي 2/ 77 وأحمد في المسند 3/ 110، 162. [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 162. [ (4) ] تقدم قبل قليل. [ (5) ] أحمد في المسند 3/ 162. [ (6) ] أخرجه مسلم (1/ 309) حديث (84/ 413) وأبو داود 1/ 164 (602) وابن ماجة 2/ 1153 (3485) والدارقطني 1/ 422.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

«إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا» [ (1) ] . وهذا الحديث له طرق وروايات كثيرة يأتي ذكر كثير منها في باب فضل أبي بكر الصديق وفي الوفاة النبوية. تنبيه: في بيان غريب ما سبق. فجحش: بضم الجيم وكسر الحاء المهملة وشين معجمة أي: انخدش جلده. صرع: سقط عن ظهرها. جذع نخلة: بكسر الجيم، وسكون الذال المعجمة أي: أصلها، أو قطعة منها. وقوله فانفكت قدمه: قال أبو الفضل العراقي: لا ينافي الرواية التي قبلها أي لا مانع من حصول خدش الجلد وفك القدم معا قال ويحتمل أنهما واقعتان. ومشربة: بضم الراء وفتحها أي: غرفة، وقيل: خزانة فيها الطعام والشراب، وبه سميت مشربة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2/ 204) (688، 1113، 1236) (5658) ومسلم (1/ 309) حديث (82/ 412) وأبو داود 1/ 165 (605) والدارقطني 1/ 297.

الباب الرابع عشر في أذكاره ودعواته بعد صلواته من غير تعيين صلاة - صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع عشر في أذكاره ودعواته بعد صلواته من غير تعيين صلاة- صلى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة، عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سلّم استغفر الله ثلاثا، ويقول: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» [ (1) ] . قيل للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: «استغفر الله» . وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي، وأبو داود، عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله [لا إله إلا الله] ، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن الجميل، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون» . قال: «وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يهلل بهنّ، دبر كل صلاة» . وفي رواية عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سلم من صلاته يقول: زاد الإمام الشافعي بصوته الأعلى وذكر الحديث» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والطبراني برجال الصحيح، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» [ (3) ] . وروى أبو يعلى وابن حبان عن كعب الأحبار- رحمه الله تعالى- «أنه حلف بالله الذي فلق البحر لموسى عليه السلام إنا نجد في التوراة، أن داود النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهؤلاء الكلمات عند انصرفه من الصلاة، اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 275 وأبو داود 2/ 84 (1513) والترمذي 2/ 98 (300) والنسائي 3/ 58 وابن ماجة 1/ 300 (928) وقد تقدّم. [ (2) ] الشافعي في المسند (1/ 99) حديث (288) وأحمد 4/ 4 وأبو داود 2/ 82 (1506) . [ (3) ] أخرجه البخاري (2/ 325) حديث (844) ومسلم (1/ 414) حديث (137/ 593) وأحمد 4/ 245 وأبو داود 2/ 82 (1505) والنسائي 3/ 60. [ (4) ] أخرجه ابن السني (124) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد حديث (541) وانظر الإحسان 3/ 537 (2024) والنسائي في عمل اليوم والليلة (137) وأبو نعيم في الحلية 6/ 46.

قال كعب: وحدثني صهيب: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- كان يقولهن عند انصرافه من الصلاة. وروى النسائي والترمذي عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة، والنسائي في عمل اليوم والليلة عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في دبر الصلاة يقول: «اللهم اغفر لي وتب عليّ إنّك أنت التواب الغفور» ، مائة مرة [ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سلم من صلاته قال: «اللهم أنت السّلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» [ (3) ] . وروى البزار بسند جيد عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- والبزار والطبراني بسند حسن عن ابن عباس، والطبراني عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من الصلاة، قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد» ، زاد جابر والطبراني عن ابن عباس. «يحيي ويميت» ، زاد البزار عن ابن عباس: «بيده الخير» ، ثم اتفقوا: «وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» [ (4) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كنا نعرف انصراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «سبحان ربّك رب العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين» [ (5) ] . وروى الطبراني بسند جيد، والنسائي غير قولها دبر كل صلاة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في دبر كل صلاة: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار ومن عذاب القبر» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه النسائي في السنن الكبرى كما في التحفة 9/ 57. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 371 وابن أبي شيبة 10/ 235 وانظر المجمع 10/ 110. [ (3) ] الحديث عند ابن أبي شيبة 1/ 303. [ (4) ] حديث ابن عباس عند البزار قال الهيثمي رواه البزّار والطبراني بنحوه وإسناده حسن وحديث جابر عند البزار وحسنه الهيثمي في المجمع وحديث معاوية رواه الطبراني وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف انظر المجمع (10/ 103) . [ (5) ] الطبراني وقال الهيثمي 10/ 103 فيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير متروك. [ (6) ] أخرجه النسائي 3/ 61.

وروى البزار والطبراني من طريق زيد العميّ وبقية رجاله ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى وفرغ صلاته مسح بيمينه على رأسه» . وفي لفظ «على جبهته» ، وقال: «باسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن» . وفي لفظ: «الغم والحزن» [ (1) ] . وروى البزار وأبو يعلى بسند ضعيف عنه قال: «ما صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة مكتوبة قط، إلا قال حين أقبل علينا بوجهه: «اللهم إني أعوذ بك من كل عمل يخزيني، وأعوذ بك من كل صاحب يرديني، وأعوذ بك من كل أمل يلهيني، وأعوذ بك من كل فقر ينسيني، وأعوذ بك من كل غنى يطغيني» [ (2) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات، إلا أبا هارون عن أبي هارون قال: قلنا لأبي سعيد هل حفظت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شيئا كان يقوله بعد ما يسلم؟ قال: نعم قال: كان يقول: «سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين» [ (3) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان مقامي بين كتفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكان إذا سلم قال: «اللهم اجعل خير عمري آخره، اللهم اجعل خواتيم عملي رضوانك، اللهم اجعل خير أيامي يوم لقائك» [ (4) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: ما صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا سمعته يقول: حين ينصرف: «اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي كلها، وأجرني، واهدني لصالح الأعمال والأخلاق لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت» . ورواه عن أبي أمامة أيضا برجال ثقات [ (5) ] . وروى البزار برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال «ما صليت وراء نبيكم- صلى الله عليه وسلّم- إلا سمعته يقول حين ينصرف «اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي، اللهم اهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها إلا أنت، ولا يصرف سيئها إلا أنت» [ (6) ] .

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 4/ 22 وقال الهيثمي 10/ 110 رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه بأسانيد، وفيه زيد العمي قد وثقه غير واحد وضعفه الجمهور وبقية رجال أحد إسنادي الطبراني ثقات وفي بعضهم خلاف. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع في المصدر السابق وقال فيه بكر بن خنيس وهو متروك وقد وثقه ورواه أبو يعلى وفيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف جدا. [ (3) ] أخرجه أبو يعلى 2/ 363 (144/ 1118) وقال الهيثمي رجاله ثقات. [ (4) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 10/ 110 فيه أبو مالك ضعيف. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 173 وقال رواه الطبراني ورجاله وثقوا. [ (6) ] أخرجه البزار كما في الكشف 4/ 58 وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال رواه الطبراني ورجاله وثقوا المجمع 10/ 173.

تنبيه:

تنبيه: قال ابن القيم في الهدي: وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين فلم يكن من هديه- صلى الله عليه وسلّم- أصلا، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعله النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا الخلفاء بعده ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضا عن السنة. قال: وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة، إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، قال وهذا هو اللائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه مناجيه [ما دام في الصلاة] ، فإذا سلّم منها، انقطعت [تلك المناجاة] ، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، وهو مقبل عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه. [قال] الحافظ: وما ادعاه من النفي مطلقا مردود، فقد ثبت عن معاذ، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا معاذ والله إني لأحبك، فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» . ورواه أبو داود والنسائي [وصححه ابن حبان والحاكم، وحديث أبي بكرة في قول: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يدعو بهن دبر كل صلاة، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي، وصححه الحاكم، وحديث سعد الآتي في «باب التعوذ من البخل» قريبا، فإن في بعض طرقه المطلوب] ، وذكر حديث زيد بن أرقم السابق، وما بعده، ثم قال: فإن قيل: المراد بدبر كل صلاة قرب آخرها، وهو التشهد. قلنا: قد ورد الأمر بالذكر دبر الصلاة، والمراد به بعد السلام إجماعا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة، قيل يا رسول الله أيّ الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الأخير، ودبر الصلوات المكتوبات» . وقال: حسن. وأخرج الطبري عن جعفر بن محمد الصادق قال: الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة [ (1) ] .

_ [ (1) ] ذكره الحافظ في الفتح 11/ 138 تابع حديث (6330) .

الباب الخامس عشر فيما كان يقوله ويفعله - صلى الله عليه وسلم - بعد الصبح، والعصر، والمغرب

الباب الخامس عشر فيما كان يقوله ويفعله- صلى الله عليه وسلّم- بعد الصبح، والعصر، والمغرب روى الطبراني برجال ثقات- غير الفضل بن موفق [ (1) ] ، وثقه ابن حبان، وضعف حديثه أبو حاتم الرازي- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلّى الفجر لم يقم من مجلسه حتى يمكنه الصلاة، وقال: «من صلى الصبح ثم جلس حتى يمكنه الصلاة كانت له بمنزلة عمرة، وحجة متقبلتين» [ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلّى الصبح جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس» [ (3) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات- غير أبي عابد محتسب [ (4) ]- أبو عائذ- وثقه ابن حبان، وضعفه غيره- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من بني إسماعيل، دية كل رجل منهم اثنا عشر ألف، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي أن أعتق أربعة من بني إسماعيل دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا» [ (5) ] . وروى أبو يعلى والطبراني في الدعاء عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح بأصحابه أقبل على القوم فقال: «اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني، اللهم إني أعوذ بك من غنى يطغيني، اللهم إني أعوذ بك من صاحب يؤذيني، [اللهم إني أعوذ بك من أمل

_ [ (1) ] الفضل بن موفق ضعفه أبو حاتم، وقال: كان قرابة لابن عيينة. روى عن فطر، ومالك بن مغول، روى عنه أحمد بن حنبل وأبو أمية الطرسوسي، وجماعة ميزان الاعتدال 3/ 360. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 10/ 105 فيه الفضل بن موفق وثقه ابن حبان وضعف حديثه أبو حاتم الرازي وبقية رجاله ثقات. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 107 وقال هو في الصحيح غير قوله «يذكر الله» رواه الطبراني في الصغير ورجاله ثقات. [ (4) ] محتسب بن عبد الرحمن، أبو عائذ. عن ثابت البناني. وعنه أبو عبيدة الحداد. لين. وقال ابن عدي: يروي عن ثابت أحاديث ليست بمحفوظة، منها: عن أنس حديث: طوبى لمن رآني وآمن بي مرة، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات. ميزان الاعتدال 3/ 442. [ (5) ] أبو يعلى في المسند 6/ 119 (637/ 3392) وقال الهيثمي في المجمع 10/ 105 رواه أبو داود باختصار ورواه أبو يعلى وفيه محتسب أبو عائد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات.

يلهيني] ، اللهم إني أعوذ بك من فقر ينسيني [وأعوذ بك من كل غنى يطغيني] » [ (1) ] . وروى عن زميل الجهني- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح قال: وهو ثان رجله: «سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، إنه كان توابا» ، سبعين مرة، ثم يقول: «سبعين بسبعمائة، لا خير، فيمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة» ، ثم يستقبل الناس بوجهه [ (2) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول بعد صلاة الصبح، «اللهم إني أسالك رزقا طيبا، وعلما نافعا، وعملا متقبلا» [ (3) ] . وروى الطبراني عن أبي موسى، والطبراني عن أبي برزة الأسلمي- رضي الله تعالى عنهما- قالا: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح يرفع صوته حتى يسمع أصحابه يقول: «اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري» ثلاث مرات (زاد أبو موسى: اللهم أصلح لي آخرتي التي جعلت إليها مرجعي ثلاث مرات، اللهم أصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي ثلاث مرات) «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك ثلاث مرات، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» [ (4) ] .

_ [ (1) ] قال الهيثمي في المجمع 1/ 110 رواه البزار وفيه بكر بن خنيس وهو متروك وقد وثقه ورواه أبو يعلى وفيه عقبة بن عبد الله ضعيف جدا. [ (2) ] ذكره الهيثمي 7/ 183 وقال رواه الطبراني وفيه سليمان بن عطاء ضعيف. [ (3) ] أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 260) وعبد الرزاق (3191) . [ (4) ] حديث أبي برزة فيه إسحاق بن يحيى ضعيف وحديث أبي موسى رواه الطبراني في الأوسط وفيه إسحاق المجمع 10/ 111.

الباب السادس عشر في آداب صدرت منه - صلى الله عليه وسلم - تتعلق بالصلاة غير ما تقدم

الباب السادس عشر في آداب صدرت منه- صلى الله عليه وسلّم- تتعلق بالصلاة غير ما تقدم روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والشيخان وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن ابن مسعود، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن الهلب، والإمام الشافعي، عن أبي هريرة، والطيالسي، عن أوس الثقفي- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من الصلاة، انصرف عن يمينه تارة، وعن شماله تارة» [ (1) ] . وروى مسلم، والنسائي، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي- رحمه الله تعالى قال: سألت أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- كيف أنصرف إذا سلّمت عن يميني، أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ينصرف عن يمينه» [ (2) ] . وروى الترمذي، وحسنه، عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «أقيمت صلاة الصبح فقام رجل يصلي ركعتين فجذب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثوبه وقال: أتصلي الصبح أربعا؟» [ (4) ] . وروى أبو داود، عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى (عظم صلاته) [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما نام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل العشاء، ولا سهر بعدها» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، واللفظ للثلاثة، عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت لأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] تقدم وانظر البخاري (2/ 393) حديث (852) ومسلم (1/ 492) (59/ 707) وأبو داود (1041) والنسائي 3/ 68 والترمذي (301) وابن ماجة 1/ 300 (931) وأحمد في المسند 5/ 226. [ (2) ] أخرجه مسلم (1/ 492) حديث (60/ 708) (61/ 708) والنسائي 3/ 68. [ (3) ] أخرجه الترمذي 1/ 315 (169) . [ (4) ] أحمد في المسند 1/ 238. [ (5) ] أخرجه أبو داود 3/ 322 (3663) وعظم الشيء- بضم العين وسكون الظاء- أكثرها ومعظمها. [ (6) ] أحمد في المسند 6/ 264.

أكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم، ما لم ير فيه أذى» [ (1) ] . وروى مسدد وابن أبي شيبة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي في الثوب الذي يجامع فيه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم والترمذي عن أنس، والإمام أحمد، وابن ماجه عن أوس، وابن ماجة عن ابن مسعود، والإمام أحمد، والنسائي، عن عمرو بن حريث، والإمام أحمد عن عبد الله بن أبي حبيبة، والبزار، والطبراني، عن ابن عباس، والإمام أحمد عن مجمع بن جارية، والطبراني برجال ثقات عن فيروز الديلمي، عن وفد ثقيف، والطبراني عن الهرماس بن زياد، والطبراني عن ابن عمر، والإمام أحمد عن أبي هريرة، وأبو يعلى والبزار عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنهم- أنهم رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في نعله [ (3) ] . وروى الحارث عن سليمان بن حميد، قال: حدثني من سمع الأعرابي. قال: «رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي وعليه نعلان من بقر قال: فتفل عن يساره، ثم حك حيث تفل بنعله» [ (4) ] . وروى أبو يعلى، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في خفّيه [ (5) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن أوس بن أوس- رضي الله تعالى عنه- قال: أقمت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نصف شهر، فرأيته يصلي، وعليه نعلان متقابلتان [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 100 (366) والنسائي 1/ 127. [ (2) ] ابن أبي شيبة 2/ 482 وأبو داود في الطهارة باب (132) والنسائي في الطهارة باب (183) وأحمد 6/ 217 والخطيب 7/ 407. [ (3) ] من حديث أنس أخرجه مسلم (1/ 391) حديث (60/ 555) والترمذي 2/ 249 (400) وقال حسن صحيح والنسائي 2/ 58. ومن حديث ابن مسعود أخرجه ابن ماجة 1/ 330 (1037) ومن حديث عمرو أخرجه أحمد 4/ 307 وحديث عبد الله بن أبي حبيبة أحمد 4/ 221 وحديث ابن عباس ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 54 وقال فيه النضر أبو عمر وهو ضعيف جدا وحديث أوس أحمد 4/ 8 وابن ماجة 1/ 330 (1037) وحديث مجمع أحمد 3/ 480 وفيه يزيد بن عياض منكر الحديث وحديث فيروز عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2/ 55 رجاله ثقات وحديث الهرماس الطبراني في الأوسط وضعفه الهيثمي في المجمع 2/ 55 وحديث ابن عمر الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 54 رجاله ثقات خلا شيخ الطبراني محمد بن عبد الرحمن الأزرق فإني لم أعرفه وحديث أبي بكرة قال الهيثمي 2/ 54 رواه أبو يعلى والبزار وفيه بحر بن مرار أحد من اختلط. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 6 وذكره الحافظ في المطالب 1/ 106 (383) . [ (5) ] أبو يعلى في المسند 5/ 291 (157/ 2912) وذكره الحافظ في المطالب 1/ 107 (385) . [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 55 وقال روى ابن ماجة منه الصلاة في النعلين ورواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي منتعلا وحافيا [ (1) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: لم يخلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعله في الصلاة إلا مرة واحدة فخلع القوم نعالهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «لم خلعتم نعالكم؟» قالوا: قد رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: «إن جبريل عليه السلام أخبرني أن فيهما قذرا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي بأصحابه في نعليه إذ خلعهما فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك أصحابه ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما حملكم على خلع نعالكم؟» قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا» [ (3) ] . ورواه الدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «إن جبريل أتاني فقال: إن فيهما دم حلمة» ، وسنده ضعيف [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، وابن أبي شيبة- رضي الله تعالى عنهم- عن ابن مسعود قال: لقد رأينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في الخفين والنعلين [ (5) ] . وروى أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن عبد الله بن السائب- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي ووضع نعليه عن يساره» [ (6) ] . وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، عن جابر، والإمام أحمد، وابن ماجه، عن عبد الرحمن بن كيسان، عن أبيه- رضي الله تعالى عنهم- أنهم رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلّى في ثوب واحد [ (7) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات المصدر السابق. [ (2) ] الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح المصدر السابق. [ (3) ] أخرجه أبو داود 1/ 175 (650) وأخرجه البيهقي (2/ 204) وابن سعد 1/ 2 والطّبرانيّ في الكبير 10/ 83 والطحاوي في المعاني 1/ 511 وذكره الحافظ في المطالب (381) وانظر نصب الراية 1/ 208. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 399 وفيه صالح بن بيان قال الدارقطني متروك وفيه أيضا فرات بن السائب قال البخاري منكر وقال ابن معين ليس بشيء. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 330 (1039) وقال البوصيري في الزوائد في إسناده أبو إسحاق وقد اختلط بآخر عمره وزهير- الراوي عن أبي إسحاق- روى عنه في اختلاطه. [ (6) ] أبو داود 1/ 175 (648) والنسائي 2/ 58 وابن ماجة 1/ 460 (1431) . [ (7) ] أخرجه البخاري (1/ 558) حديث (353) ومسلم 1/ 369 (284/ 519) ومن حديث عبد الرحمن أخرجه ابن ماجة 1/ 333 (1050) وقال البوصيري إسناده ضعيف.

قال جابر: متوشحا. وقال عمرو بن أبي سلمة: قد خالف بين طرفيه وفي لفظ: مشتملا به واضعا طرفيه على عاتقه [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلّى في شملة قد عقد عليها [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع القوم في ثوب واحد وفي لفظ: برد حبرة متوشحا به [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الليل يصلي في برد له حضرميّ متوشحة ما عليه غيره» [ (4) ] . وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: أهدي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فرّوج حرير فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف، فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، وقال: «لا ينبغي هذا للمتقين» [ (6) ] . وروى الطبراني، عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في ثوب واحد مؤتزرا به [ (7) ] . وروى الطبراني عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: أمّنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قطيفة قد خالف بين طرفيها [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 368 (278/ 517) . [ (2) ] ابن ماجة 2/ 1176 (3552) قال أبو نعيم: لم يلق خالد عبادة ولم يسمع منه والأحوص ضعيف قاله البوصيري في زوائده. [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 257 والنسائي 2/ 61. [ (4) ] أحمد في المسند 1/ 265. [ (5) ] أخرجه البخاري (1/ 482) حديث (373) ومسلم (1/ 391) حديث (62/ 556) وأحمد 6/ 199 وأبو داود 4/ 49 (4052) وابن ماجة 2/ 1176 (3550) . [ (6) ] أخرجه البخاري (1/ 484) (375، 5081) ومسلم (3/ 1646) حديث (23/ 2075) وأحمد 4/ 143. [ (7) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 51 فيه محمد بن صبيح لم أر من ترجمه. [ (8) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي في المصدر السابق فيه موسى بن عمير وهو ضعيف.

وروى ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن كيسان، عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر والعصر في ثوب واحد» [ (1) ] . وروى أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: «أمّنا جابر بن عبد الله في قميص ليس عليه رداء، فلما انصرف قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي في قميص» [ (2) ] . وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثوب عليّ بعضه [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي، وأبو داود، عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي في مرط بعضه عليّ وبعضه عليه- وأنا حائض [ (4) ] . وروى أبو يعلى- بسند حسن- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي فوجد القر، فقال «يا عائشة: أرخي علي مرطك» ، قالت إني حائض قال: «علة وبخلا إن حيضتك ليست في يدك» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «بتّ بآل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي وعليه طرف اللحاف، وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تصلي» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه، متوشحا به يتقي بفضوله حر الأرض وبردها» [ (7) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أيضاً قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسجد على ثوبه» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد عنه قال: لقد «لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه، يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد» [ (9) ] .

_ [ (1) ] ابن ماجة 1/ 334 (1051) وإسناده حسن قاله البوصيري. [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 171 (633) . [ (3) ] أبو داود المصدر السابق (631) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 101 (370) . [ (5) ] المقصد العلي 1/ 369 وحسنه الهيثمي في المجمع 2/ 49. [ (6) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 400. [ (7) ] أخرجه أحمد وأبو يعلى وقال الهيثمي 2/ 48 رجال أحمد رجال الصحيح. [ (8) ] الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح 2/ 57 المجمع. [ (9) ] أحمد 1/ 265.

وروى ابن ماجه عن عبد الرحمن بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: «جاءنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مسجد بني عبد الله الأشهل، فرأيته واضعا يديه على ثوبه إذا سجد يقيه برد الحصى» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي- بسند حسن- عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من قميص» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشافعي، والترمذي، وقال: حسن صحيح- والنسائي، وابن ماجة، عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل مسجد بني عمرو بن عوف، يصلي ودخل عليه رجال من الأنصار، يسلمون عليه، فسألت صهيبا كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه-؟ فقال: هكذا، وبسط كفه، وجعل بطنه إلى أسفل وظهره إلى فوق» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والثلاثة، وحسنه الترمذي، عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- قال: «مررت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة فسلمت عليه فرد عليه إشارة بإصبعه» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشير في الصلاة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي بشير وعبد الله بن زيد الأنصاري المازني- رضي الله تعالى عنه-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم ذات يوم، وامرأة بالبطحاء، فأشار إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تأخري فرجعت حتى صلى ثم مرّت» [ (6) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «مررت برسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسلمت عليه فأشار إليّ» [ (7) ] . وروى أبو داود عن سهل ابن الحنظلية وهي أمه، واسم أبيه عمرو- رضي الله تعالى

_ [ (1) ] هذا حديث ملفق من حديثين أخرجهما ابن ماجة (1/ 328) (1031) (1032) وقال البوصيري في الزوائد في إسناد الحديث الأول اسناده متصل وقال في الثاني في إسناده إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي قال البخاري منكر الحديث وضعفه غيره ووثقه العجلي وعبد الله بن عبد الرحمن لم أر من تكلّم فيه ولا من وثقه وباقي رجاله ثقات. [ (2) ] أحمد في المسند 6/ 317 وأبو داود 4/ 43 (4025) والنسائي في الكبرى. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 332 وأبو داود 1/ 243 (927) والترمذي 2/ 203 (368) والنسائي 3/ 6 وابن ماجة 1/ 325 (1017) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 332 وأبو داود 1/ 243 (925) والترمذي 2/ 203 (367) . [ (5) ] أخرجه الدارقطني 2/ 84. [ (6) ] أحمد في المسند 5/ 216. [ (7) ] الطبراني في الأوسط والصغير ورجاله رجال الصحيح المجمع 2/ 81.

عنه- قال: ثوّب بالصلاة- يعني صلاة الصبح- فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو يلتفت إلى الشعب. قال أبو داود: «وكان قد أرسل فارسا من الليل يحرس» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي- وقال: «غريب- وذكر أنه روي عن عكرمة مرسلا» وكذلك رواه الدارقطني موصولا ومرسلا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يلتفت في الصلاة يمينا وشمالا ولا يولي عنقه» [ (2) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير حبرة بن نجم الإسكندراني فيحرر حاله، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلتفت في الصلاة عن يمينه، وعن شماله، ثم أنزل الله عزّ وجل قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فخشع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يكن يلتفت يمينا ولا شمالا» [ (3) ] . وروى مسدد والإمام أحمد وابن ماجة، وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي عن علي بن شيبان الحنفي- رضي الله تعالى عنه- قال: صلينا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلمح بمؤخر عينيه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة، قال: «يا معشر المسلمين، لا صلاة لامرئ لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» ، الحديث [ (4) ] . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- قال: اشتكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا، الحديث [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجة، والدارقطني، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت إذا استأذنت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سبح» [ (6) ] . وروى أبو يعلى عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت استأذن على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فإذا كان في الصلاة سبح وإن كان في غير الصلاة أذن لي. وروى الإمام أحمد ومسلم عن عبد الله بن الشخير- رضي الله تعالى عنه- قال:

_ [ (1) ] أبو داود 1/ 241 (916) . [ (2) ] أحمد في المسند 1/ 360 والنسائي 3/ 9 والترمذي 2/ 83 (290) وقال غريب. [ (3) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 80 تفرد به حبرة بن نجم الاسكندراني ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات. [ (4) ] أحمد في المسند 4/ 23 وابن ماجة 1/ 282 (871) والبيهقي 3/ 105. [ (5) ] تقدم وهو عند مسلم 1/ 309 (84/ 413) . [ (6) ] أحمد في المسند 1/ 79 وأخرجه الترمذي (2/ 206) تابع (369) .

«صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرأيته تنخم فدلكها بنعله اليسرى» . ورواه النسائي بلفظ: «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي فبزق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله» [ (1) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أميطي عنّا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والثلاثة وحسنه الترمذي والدارقطني بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرجت يوما ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في البيت تطوّعا، والباب عليه مغلق والباب على القبلة، فاستفتحت، فمشى عن يمينه أو عن يساره، ففتح لي ثم رجع القهقري إلى الصلاة فأتم صلاته [ (3) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وهو في المسجد قائما يصلي، والباب مجاف مما يلي القبلة، متنحيا من المسجد، فاستفتحت، فلما سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صوتي، أهوى بيده، ففتح الباب، ثم مضى على صلاته، الحديث. قلت: والظاهر كما قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي: إن هذه القصة غير الأولى، لأنه في تلك أنه كان يصلي في البيت وفي هذه كان في المسجد [ (4) ] . وروى ابن ماجه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قتل عقربة وهو في الصلاة [ (5) ] . وروى البزار من طريق يوسف عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاته إذ ضرب شيئا في صلاته، فإذا هي عقرب ضربها فقتلها، الحديث [ (6) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب، «أن

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 390) حديث (58/ 554) وأحمد 4/ 25 وأبو داود 1/ 130 (482، 483) . [ (2) ] البخاري (1/ 484) حديث (374) . [ (3) ] أحمد 1/ 31 وأبو داود 1/ 242 (922) والترمذي 2/ 497 (601) والنسائي 3/ 10 والدارقطني 2/ 80. [ (4) ] وقال الهيثمي في المجمع 2/ 84 رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث والحديث عند أبي داود والترمذي والنسائي إلا أنه كان يصلي في البيت والبيت عليه مغلق فمشى حتى فتح لها ثم رجع. [ (5) ] ابن ماجة 1/ 39 (1247) وإسناده ضعيف بضعف مندل وقد تقدم الكلام على مندل. [ (6) ] أخرجه البزار كما في الكشف 2/ 15 وقال الهيثمي في المجمع 3/ 229 فيه يوسف بن نافع ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه ولم يوثقه وذكره ابن حبّان في الثقات.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وأمامة بنت العاصي على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها» [ (1) ] . وروى الشيخان عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي العاصي بن الربيع فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها [ (2) ] . وروى مسدد برجال ثقات عن رجل من بني زريق- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حاملا أميمة بنت زينب على عنقه أو عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رأسه من السجود حملها. وروى ابن أبي شيبة عن طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسين إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد فركب على ظهره، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيده، فقام وهو على ظهره ثم ركع، ثم أرسله فذهب. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذا رفيقا ويضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى قضى صلاته، ثم أقعد أحدهما على فخذيه فقمت إليه فقلت: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أردهما، فبرقت برقة، فقال: «الحقا بأمكما» ، فمكث ضوؤها حتى دخلا» [ (3) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أنام بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح» [ (4) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوجز الصلاة ويكملها» [ (5) ] . وروى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: «أرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى امرأة: أن انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها،

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 58 فيه أبو سليمان عن الصحابي فإن كان هو خليد بن عبد الله العصري فهو ثقة. [ (2) ] أخرجه البخاري (1/ 590) حديث (516) ومسلم (1/ 386) حديث (42/ 543) . [ (3) ] أحمد في المسند 2/ 513 [ (4) ] أخرجه البخاري (1/ 586) حديث (382، 383، 384) ومسلم (1/ 367) حديث (272/ 512) . [ (5) ] أخرجه البخاري (1/ 235) (706) ومسلم (1/ 342) حديث (188/ 469) وأحمد 3/ 101.

فعمل هذه الثلاث درجات، ثم أمر بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فوضعت في هذا الموضع، ولقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قام عليه فكبّر وكبّر الناس وراءه، وهو على المنبر ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر [ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس] ، فقال: «أيها الناس إنما صنعت لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي حافيا ومتنعلا» [ (2) ] . وروى أبو داود والبيهقي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين» زاد: وفي الخفين [ (3) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي في نعليه» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير- رحمه الله تعالى- عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء» [ (5) ] . وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يبيت فيناديه بلال بالأذان، فيغتسل فإني لأرى الماء ينحدر على خده وشعره، ثم يخرج فيصلي فأسمع بكاءه» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد وابن منيع وأبو يعلى بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر في غزاة بدر إذ تبسّم في الصلاة، فلما قضى الصلاة، قالوا: يا رسول الله تبسمت وأنت في الصلاة، فقال: «إن ميكائيل مرّ بي وهو راجع من طلب القوم وعلى جناحه غبار فضحك إليّ فتبسمت إليه» ، فانظر صحة هذا الخبر [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (1/ 461) حديث (917) ومسلم (1/ 317) حديث (104/ 421) وابن ماجه (1416) وأبو داود (1080) والنسائي 1/ 120 وأحمد 5/ 339 والطبراني في الكبير 6/ 186 وأبو عوانة 2/ 47 والبيهقي 3/ 108. [ (2) ] أحمد في المسند 2/ 215 وأبو داود 1/ 176 (653) وابن ماجة 1/ 330 (1038) . [ (3) ] الحديث عند ابن ماجة من طريق ابن مسعود 1/ 330 (1039) . [ (4) ] تقدم وانظر مسلم (60/ 555) . [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 25 وأبو داود 1/ 238 (904) والنسائي 1/ 12. [ (6) ] أخرجه أبو يعلى وقال الهيثمي 2/ 88 رجاله رجال الصحيح. [ (7) ] أخرجه أبو يعلى 4/ 49 (295/ 2060) وقال الهيثمي فيه الوازع بن نافع متروك.

وروى برجال ثقات عن أبي هريرة ومسلم عن أبي الدرداء، والإمام أحمد بسند حسن عن ابن أبي شيبة، وأبو داود عن أبي سعيد الخدري، وجابر والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي صلاة الصبح فقرأ فالتبست عليه القراءة قال أبو الدرداء قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسمعناه يقول: «أعوذ بالله منك» ثم قال: «ألعنك بلعنة الله ثلاثا» ، وبسط يديه كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من صلاته، قلنا يا رسول الله، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: «إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي» . وفي حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «عرض لي ليقطع علي صلاتي» ، انتهى. فقلت «أعوذ بالله منك» ثلاث مرات، ثم قلت: «ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر» ثلاث مرات. وفي حديث أبي هريرة: «فأمكنني الله منه فدعته» ، وفي حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- فلما فرغ من صلاته قال: «لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين إصبعيّ هاتين الإبهام والتي تليها. ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية، حتى تصبحوا وتنظروا إليه، فذكرت قول أخي سليمان رب هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فرده الله تعالى خائبا، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد تتلاعب به صبيان المدينة» [ (1) ] . وفي حديث جابر: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الفجر فجعل يهوي بيده [قال خلف: يهوي] قدامه في الصلاة فسأله القوم، حين انصرف، فقال: «إن الشيطان [هو] كان يلقي علي شرر النار ليفتنني عن الصلاة، فتناولته فلو أخذته ما انفلت مني حتى يناط بسارية من سواري المسجد، فينظر إليه ولدان المدينة» [ (2) ] . ويأتي في باب معجزاته، في باب اطلاعه على أحوال البرزخ، والجنة والنار حديثان. وروى الطبراني بسند جيد عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: أتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي يصلي، فأشار إلينا بيده أن اجلسوا فجلسنا [ (3) ] . وروى أبو يعلى ومحمد بن عمر برجال ثقات، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-

_ [ (1) ] أحمد في المسند 3/ 82 ومسلم في المساجد حديث (541) والنسائي 3/ 12 وهو عند البخاري 461، 3284، 3423، 4808) وأبو عوانة 2/ 143 وأبو نعيم في الدلائل 2/ 764 (543) . [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 104. [ (3) ] الطبراني في الكبير 2/ 22 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 88 فيه أبو جناب وهو ثقة ولكنه مدلس وقد عنعنه.

قالت: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نائما قبل العشاء ولا لاغيا بعدها إمّا ذاكرا فيغنم وإمّا نائما فيسلم» [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يمس رأسه في الصلاة» [ (2) ] . وروى أبو يعلى والحاكم والبيهقي عن الحسن- رحمه الله تعالى- مرسلاً، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يمس رأسه ولحيته في الصلاة [ (3) ] . وروى أبو يعلى والحاكم والبيهقي، عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ربما مسّ لحيته في الصلاة [ (4) ] . وروى البزار بسند ضعيف عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- كان يمس لحيته في الصلاة من غير عبث فانظر صحته [ (5) ] . وروى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن نساء النبي- صلى الله عليه وسلّم- كان بينهن شيء فجعل ينهاهن، فاحتبس عن الصلاة فناداه أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- يا رسول الله احث في وجوههن التراب، واخرج إلى الصلاة» [ (6) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يمسح العرق عن وجهه في الصلاة [ (7) ] . وروى الطبراني بسند لا بأس به عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تكلم في الصلاة ناسيا، فبنى على ما صلى» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يشير في الصلاة» [ (9) ] .

_ [ (1) ] أبو يعلى في المسند 8/ 288 (522/ 4878) وقال الهيثمي في المجمع 1/ 314 رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] انظر المقصد العلي 1/ 336. [ (3) ] ذكره ابن القيسراني في الموضوعات (217) وانظر المجمع 2/ 85. [ (4) ] أخرجه أبو يعلى وقال الهيثمي 2/ 85 فيه محمد بن الخطاب ضعيف وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 264. [ (5) ] قال الهيثمي 2/ 85 فيه عيسى بن عبد الله من ولد النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو ضعيف. [ (6) ] أخرجه أبو يعلى (6/ 396، 990/ 3745) . [ (7) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 398 وقال الهيثمي في المجمع 2/ 84 فيه خارجة بن مصعب وهو ضعيف جدا. [ (8) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 81 فيه معلى بن مهدي قال أبو حاتم: يأتي أحيانا بالمناكير وقال الذهبي: هو من العباد صدوق في نفسه. [ (9) ] أحمد (3/ 138) وأبو داود 1/ 248 (943) وعبد الرزاق (3276) والدارقطني 2/ 84 والبيهقي 2/ 262.

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لحاجة له، ثم أدركته وهو يصلي، فسلمت عليه، فأشار إليّ، فلما فرغ، دعاني، فقال: «إنك سلمت عليّ آنفا وأنا أصلي» ، وهو موجّة حينئذ قبل المشرق [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي عن صهيب- رضي الله عنه- قال: مررت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فسلمت عليه فرد علي إشارة بإصبعه [ (2) ] . وروى البيهقي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «لما قدمت من الحبشة أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي فسلمت عليه فأومأ برأسه» [ (3) ] . وروى أبو داود عن أم قيس بنت محصن- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أسنّ وحمل اللحم، اتخذ عمودا في مصلاة يعتمد عليه» [ (4) ] . وروى الحكيم الترمذي عن جعفر بن كثير بن المطلب قال: «حدثني أبي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى الفريضة تياسر فصلّى ما بدا له، ويأمر أصحابه أن يتياسروا ولا يتيامنوا» [ (5) ] . وروى البيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عودا ليصلي عليه، فأخذه فرمى به، وقال: «صل على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك» [ (6) ] . وروى البخاري عن عقبة بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العصر، فلما سلم قام سريعا دخل على بعض نسائه، ثم خرج فرأى ما في وجوه القوم من تعجّبهم لسرعته فقال: «ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لي من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ساعة آتيه فيها، فإذا أتيته فإن وجدته يصلي تنحنح دخلت عليه، وإن وجدته فارغا أذن لي [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 383) حديث (36/ 540) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 332 وأخرجه الترمذي (2/ 203) حديث (367) والنسائي في الصلاة باب (459) . [ (3) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 260. [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 249 (948) . [ (5) ] أخرجه أبو نعيم وابن مندة كما في أسد الغابة 4/ 462. [ (6) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 306. [ (7) ] أخرجه البخاري حديث (851) . [ (8) ] أحمد في المسند 1/ 79 والنسائي 3/ 11 وابن ماجة 2/ 1222 (3708) .

تنبيهات

وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نفخ في صلاة الكسوف [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا قد شبّك بين أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصابعه [ (2) ] . تنبيهات الأول: وروى الدارقطني عن أبي هريرة [خلافا لما رواه] أنس وجابر وغيرهم- رضي الله تعالى عنهم- قال: قال: رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من أشار في صلاة إشارة تفهم عنه فليعد الصلاة» [ (3) ] في سنده أبو غطفان، قال ابن أبي داود مجهول، والصحيح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يشير في الصلاة» . الثاني: في بيان غريب ما سبق. تفل- بمثناة فوقية ففاء فلام مفتوحات. متوشحا- بميم فمثناة فوقية فواو فشين معجمة فحاء مهملة- متقلدا. الخميصة- بخاء معجمة مفتوحة، فميم مكسورة فتحتية فصاد مهملة فتاء تأنيث. الأنبجانيّة- بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة تحتية مكسورة وروي بفتحها كساء من صوف له خمل ولا علم له من أدون الثياب الغليظة منسوب إلى منبج مفسرا بموحدة وابتدلت الميم همزة البلد المعروفة. فرّوج- بفاء مفتوحة فراء مشددة فواو فجيم قباء فيه شق من خلفه. القر- بقاف مضمومة، فراء البردة.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 159 وأبو داود (1/ 310) حديث (1194) والنسائي 3/ 112 وهو عند البخاري في العمل في الصلاة معلقا (3/ 101) . [ (2) ] أخرجه أحمد 243 وأبو داود 1/ 154 (562) . [ (3) ] الدارقطني 2/ 83 وهو كما قال.

الباب السابع عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الجماعة.

الباب السابع عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في صلاة الجماعة. وفيه أنواع: الأول: في محافظته- صلى الله عليه وسلم- على صلاة الجماعة. وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: «جاء رجل، وقد صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «أيكم يتّجر على هذا» ، فقام رجل فصلى معه» [ (2) ] . وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء- وقد صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقام يصلي وحده، فقال: «من يتّجر على هذا فيصلي معه» [ (3) ] . الثاني: في تسويته- صلى الله عليه وسلّم- الصفوف. روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول» [ (4) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أقيمت الصلاة، وأقبل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم وتراصوا» [ (5) ] . وروى أبو داود عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة قال: «صليت إلى جانب أنس بن مالك يوما، فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ قلت: لا والله، قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه، ثم التفت فقال: «اعتدلوا سووا، صفوفكم» ثم أخذه بيساره ثم قال: «اعتدلوا سووا صفوفكم» [ (6) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 2/ 45 رجاله ثقات. [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 64 وأبو داود 1/ 157 (574) والترمذي 1/ 427 (220) . [ (3) ] الدارقطني 1/ 276. [ (4) ] أحمد في المسند 4/ 285 وأبو داود 1/ 178 (664) والنسائي 2/ 70. [ (5) ] أخرجه البخاري (2/ 208) حديث (719) . [ (6) ] أخرجه أبو داود 1/ 179 (670) .

الثالث: في استخلافه - صلى الله عليه وسلم - في الإمامة إذا خرج - صلى الله عليه وسلم - من المدينة.

وروى مسلم عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى [رأى أنا] قد عقلنا عنه، ثم خرج [فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال: «عباد الله لتسون صفوفكم، أو ليخالف الله بين وجوهكم» ] [ (1) ] . وروى أبو داود عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة، فإذا استوينا كبر» [ (2) ] . الثالث: في استخلافه- صلى الله عليه وسلّم- في الإمامة إذا خرج- صلى الله عليه وسلم- من المدينة. روى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «استخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم يؤم الناس» [ (3) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «استخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بالناس» [ (4) ] . وروى أيضا عن عبد الله بن بحينة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فكان يؤذن ويقيم فيصلي بهم» [ (5) ] . الرابع: في تجوّزه في الصلاة إذا سمع بكاء الصغير. روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة، والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه، من بكائه» . ولفظ أبي قتادة: «كراهة أن أشق على أمه» [ (6) ] . وروى الدارقطني، عن ابن سابط مرسلا، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح فقرأ بستين آية فسمع صوت صبي فركع، ثم قام فقرأ بآيتين، ثم ركع» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1/ 324) حديث (128/ 436) وهو عند البخاري 2/ 206 (717) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 178 (665) . [ (3) ] أبو داود 1/ 162 (595) . [ (4) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2/ 65 فيه عفير بن معدان ضعيف. [ (5) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 65 في إسناده الواقدي وقد تقدم الكلام عليه. [ (6) ] أخرجه البخاري (2/ 202) حديث (709) (707) ومسلم (1/ 343) حديث (192/ 470) وأحمد في المسند 5/ 305 والنسائي 2/ 74 وابن ماجة 1/ 316 (989) . [ (7) ] الدارقطني 2/ 86.

الخامس: في صلاة النساء معه - صلى الله عليه وسلم -، في المسجد.

وروى البخاري عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سمع صوت صبي في الصلاة فخفف» [ (2) ] . وروى البزار برجال ثقات عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إني لأسمع صوت الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتن أمه» [ (3) ] . الخامس: في صلاة النساء معه- صلى الله عليه وسلم-، في المسجد. روى الطبراني، عن سليمان بن أبي حثمة، عن أمه، وعن أم سليم بنت أبي حكيم- رضي الله تعالى عنهما- قالتا: «أدركنا القواعد من النساء، وهن يصلين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الفرائض» [ (4) ] . وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنّ النساء يصلين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الغداة، ثم يخرجن متلفعات بمروطهن» [ (5) ] . السادس: في مقاربته خطاه- صلى الله عليه وسلّم- إذا قصد الصلاة مع الجماعة. روى الطبراني مرفوعا وموقوفا- ورجال الموقوف رجال الصحيح- عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونحن نريد الصلاة، فكان يقارب الخطا، فقال: «أتدري لم أقارب؟» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «لا يزال العبد في صلاة ما دام في طلب الصلاة» . وفي رواية: «إنما فعلت ذلك لتكتب خطاي في طلب الصلاة» [ (6) ] . السابع: في تطويله الركعة الأولى من الظهر. روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- قال: «كان

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2/ 201) حديث (708) . [ (2) ] قال الهيثمي في المجمع: 2/ 74 رجاله رجال الصحيح. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 237 (485) وقال الهيثمي 2/ 74 رجاله ثقات. [ (4) ] الطبراني في الكبير 25/ 130 وقال الهيثمي 2/ 34 فيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف. [ (5) ] أخرجه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2/ 32 فيه محمد بن عمرو بن علقمة اختلف في الاحتجاج به. [ (6) ] الطبراني في الكبير 5/ 136- 137 وقال الهيثمي 2/ 32 فيه الضحاك بن نبراس وهو ضعيف.

الثامن: في انتظاره - صلى الله عليه وسلم - كثرة الجماعة.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوم في الركعة الأولى من الظهر حتى لا يسمع وقع قدم» [ (1) ] . الثامن: في انتظاره- صلى الله عليه وسلّم- كثرة الجماعة. روى أبو داود مرسلا عن أبي النضر سالم بن أبي أمية- رحمه الله تعالى- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلا جلس لم يصل، وإذا رآهم جماعة صلى» [ (2) ] . التاسع: في تذكره- صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة أنه محدث ورجوعه إلى الإمامة. روى الشيخان، وابن ماجة، والدارقطني، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاء إلى الصلاة، فلما كبر، انصرف، وأومأ إليهم كما أنتم، ثم خرج، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم. وفي لفظ «أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم» . وفي رواية: حتى إذا قام في مصلاه، انتظرنا أن يكبر انصرف. انتهى. فلما انصرف قال: «إني خرجت إليكم جنبا، فنسيت أن أغتسل، حتى قمت في الصلاة» [ (3) ] . وروى الدارقطني عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقوم، وليس هو على وضوء، فتمّت للقوم وأعاد هو» [ (4) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل في صلاته فكبر وكبرنا معه، فأشار إلى القوم كما أنتم فلم نزل قياما حتى أتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد اغتسل ورأسه يقطر ماء» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني، واللفظ له. عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فانصرف ونحن قيام، ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بنا، ثم قال: «إني كنت صليت بكم وأنا جنب، فمن أصابه مثل الذي أصابني، أو وجد في بطنه رزا فليصنع مثل الذي صنعت» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 356 وأبو داود 1/ 212 (802) . [ (2) ] أبو داود 1/ 149 (545) . [ (3) ] أخرجه البخاري (1/ 456) حديث (275، 639، 640) ومسلم (1/ 444) حديث (225/ 642) . [ (4) ] الدارقطني 1/ 363 وفيه عيسى بن عبد الله وجويبر بن سعيد وهما ضعيفان. [ (5) ] وأخرجه الدارقطني في السنن 1/ 362.

العاشر: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - خلف بعض أصحابه - رضي الله تعالى عنهم.

وفي لفظ فلينصرف وليغتسل، ثم ليأت فليستقبل صلاته [ (1) ] . وروى الطبراني، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كبر بهم في صلاة الصبح، فأومأ إليهم، ثم انطلق، ورجع ورأسه يقطر فصلّى بهم ثم قال: «إنما أنا بشر [مثلكم] وإني كنت جنبا فنسيت» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- استفتح الصلاة فكبر، ثم أومأ إليهم أن مكانكم، ثم دخل فخرج ورأسه يقطر ماء فلما قضى صلاته قال: «إنما أنا بشر وإني كنت جنبا» [ (3) ] . العاشر: في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- خلف بعض أصحابه- رضي الله تعالى عنهم. روى الإمامان: مالك، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أنه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تبوك، قال: فتبرز- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث ووضوء النبي- صلى الله عليه وسلّم- فأقبلت معه حين سجد الناس، قد قدموا عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- ذهب يتأخر، فأومأ إليه فصلى بهم [ (4) ] . الحادي عشر: في إدارته- صلى الله عليه وسلم- من صلى على يساره- صلى الله عليه وسلم. روى الشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- برأسي من روائي فجعلني عن يمينه [ (5) ] . وروى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ بأيدينا جميعا فأقامنا خلفه» [ (6) ] .

_ [ (1) ] قال الهيثمي في المجمع 2/ 98 مداره على ابن لهيعة وفيه كلام. [ (2) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 69 فيه غير واحد لم أجد من ذكرهم. [ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 41 وأبو داود 1/ 60 (234) . [ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 244 وابن ماجة 1/ 392 (1236) والنسائي 1/ 65. [ (5) ] أخرجه البخاري (3/ 192) حديث (699، 6316) ومسلم (1/ 525) حديث (181/ 763) . [ (6) ] أخرجه مسلم (4/ 2305) حديث (3010) .

الثاني عشر: في صفه الرجال ثم الصبيان ثم النساء.

وروى الإمام أحمد والطبراني عن جابر بن صخر- رضي الله تعالى عنه- قال: «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بطريق مكة، قال: «اتبعني بالإداوة» فتبعته بماء فتوضأ فأحسن وضوءه، وتوضأت معه، ثم قام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بيدي فحولني عن يمينه فصلينا» [ (1) ] . وروى البزار برجال موثقين عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقامني عن يمينه» [ (2) ] . وروى البزار عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أنه لقي النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو قائم يصلي في ثوب واحد، فقمت عن شماله، فأدارني حتى جعلني عن يمينه» [ (3) ] . الثاني عشر: في صفّه الرجال ثم الصّبيان ثم النساء. روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا أقام الصلاة صف الرجال، وصف الغلمان خلفهم، والنساء خلفهم [ (4) ] . الثالث عشر: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- في مكان أعلى من مكان المأمومين ليعلمهم. روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أول يوم جلس على المنبر، فقام عليه فكبر، وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر» [ (5) ] . الرابع عشر: في أمره المؤذن إذا كانت ليلة مطيرة- أن يقول بعد الأذان، ألا صلوا في رحالكم. روى الإمام مالك والشافعي، وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر، أن يقول: ألا صلوا في رحالكم [ (6) ] .

_ [ (1) ] قال الهيثمي في المجمع 2/ 94 فيه شرحبيل بن سعد ضعيف. [ (2) ] قال الهيثمي 2/ 95، رجاله موثقون. [ (3) ] قال الهيثمي 2/ 50 إسناده ضعيف جدا. [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 341 وأبو داود 1/ 181 (677) . [ (5) ] تقدم حديث سهل وانظر أحمد 5/ 339 وأبو داود (1/ 283) حديث (1080) وابن ماجة (1/ 455) (1416) والبيهقي 3/ 195. [ (6) ] أخرجه أحمد 2/ 10 والبخاري (1/ 133) حديث (632، 666) ومسلم (1/ 484) (22/ 697) وأبو داود 1/ 278 (1059) والنسائي 2/ 13 وابن ماجة 1/ 302 (936) وأبو عوانة 2/ 17 والبيهقي 3/ 70 والربيع بن حبيب 1/ 37 والشافعي في المسند (53) .

الخامس عشر: في اقتدائه - صلى الله عليه وسلم - بغيره.

الخامس عشر: في اقتدائه- صلى الله عليه وسلّم- بغيره. وفيه نوعان: الأول: في اقتدائه- صلى الله عليه وسلّم- بعبد الرحمن بن عوف. روى الإمام مالك، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أنه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتبرز النبي- صلى الله عليه وسلّم- الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث. ووضوء النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال فيه وأقبلت معه حين سجد الناس، فقدموا عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- ذهب يتأخر فأومأ إليه يصلي بهم فأدرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الأخيرة، فلما سلم عبد الرحمن، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاته، أقبل عليهم، ثم قال: «أحسنتم وأصبتم» يغبطهم أن صلوا الصلاة بوقتها [ (1) ] . وروى ابن سعد بسند صحيح عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- هل أم النبي- صلى الله عليه وسلم- أحد [من هذه الأمة] غير أبي بكر الصديق؟ قال: نعم، كنّا في سفر فلما كان عند السحر انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وانطلقنا معه، حتى تبرزنا عن الناس، فنزل عن راحلته ثم انطلق فتغيب عني حتى ما أراه، فمكث طويلا، ثم جاء فصببت عليه فتوضّأ ومسح على خفيه، ثم ركبنا، فأدركنا الناس، وقد أقيمت الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف وقد صلى بهم ركعة وهم في الثانية فذهبت أوذنه، فنهاني فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سبقتنا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حين صلى عبد الرحمن بن عوف: «ما قبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته» [ (2) ] . الثاني: في اقتدائه- صلى الله عليه وسلّم- بأبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه. روى الإمام أحمد، والترمذي- وقال: حسن صحيح- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خلف أبي بكر الصديق في مرضه الذي مات فيه، قاعدا» [ (3) ] . وروى الترمذي- وقال: حسن صحيح- والنسائي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] انظر مسند أحمد 4/ 249 وقد تقدم. [ (2) ] الطبقات 3/ 61. [ (3) ] أحمد 6/ 251 والترمذي 2/ 197 (362) وقال حسن صحيح غريب.

تنبيه:

قال: «صلى النبي- صلى الله عليه وسلّم- خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به» [ (1) ] . وروى البيهقي في المعرفة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالف بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: «ادع لي أسامة بن زيد» فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكان آخر صلاة صلاها [ (2) ] . وروى النسائي عنه أيضاً قال: آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع القوم، صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر- رضي الله تعالى عنه [ (3) ] . وروى ابن حبان في صحيحه، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- صلى بالناس ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصف خلفه» [ (4) ] . تنبيه: استشكلت هذه الأحاديث بما في الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذّن فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فخرج أبو بكر يصلي فوجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان الأرض من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه أن مكانك، ثم أتى إلى أن جلس إلى جنبه، فقيل للأعمش، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس بصلاة أبي بكر فقال: نعم. وعلم عن جابر نحوه، وفيه أن أبا بكر كان مأموما والنبي- صلى الله عليه وسلم- هو الإمام، وفيه وأبو بكر يسمع الناس تكبيره. والجواب أن هذه الأحاديث المختلفة، قد جمع بينها ابن حبان، والبيهقي، وابن حزم، فقال ابن حبان: نحن نقول بمشيئة الله وتوفيقه، إن هذه الأخبار كلها صحاح، وليس شيء منها معارض الآخر، ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى في صلاته صلاتين في المسجد جماعة لا صلاة واحدة، وإحداها كان مأموما، وفي الأخرى كان إماما. قال: والدليل على أنها كانت صلاتين لا صلاة واحدة، أن في خبر عبيد الله بن عبد الله عن عائشة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج بين رجلين، يريد بأحدهما العباس، والآخر عليا.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 2/ 197 (363) . [ (2) ] أخرجه بنحوه ابن أبي شيبة 2/ 330. [ (3) ] أخرجه النسائي 2/ 61. [ (4) ] أخرجه ابن حبان 3/ 28 (2119) .

وفي خبر مسروق عن عائشة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج بين رجلين قال: فهذا يدلك على أنها كانت صلاتين، لا صلاة واحدة. وقال البيهقي- رحمه الله تعالى- في «المعرفة» : والذي نعرفه بالاستدلال بسائر الأخبار أن الصلاة التي صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر هي صلاة الصبح يوم الاثنين، وهي آخر صلاة صلاها حتى مضى لسبيله، وهي غير الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه، قال ولا يخالف هذا ما ثبت عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين وكشف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستر الحجرة ونظره إليهم وهم صفوف في الصلاة، وأمره إيّاهم بإتمامها وإرخائه الستر، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى، ثم إنه وجد في نفسه خفّة فخرج فأدرك معه الركعة الثانية، وقال: والذي يدلك على ذلك ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي وذكره أبو الأسود عن عروة: «أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له وقد سجد الناس مع أبي بكر في صلاة الصبح وهو قائم في الأخرى، فتخلص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بثوبه فقدمه في مصلاه، فصفّا جميعا، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس وأبو بكر قائم يقرأ القرآن فلما قضى أبو بكر قراءته قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فركع معه الركعة الأخيرة، ثم جلس أبو بكر حين قضى سجوده يتشهد، والناس جلوس، فلما سلّم أتمّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الركعة الأخيرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، فذكر قصة دعائه أسامة بن زيد، وعهده إليه فيما بعثه فيه، ثم في وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم رواه بإسناده إلى ابن شهاب وعروة» . قال البيهقي: فالصلاة التي صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو مأموم صلاة الظهر، وهي التي خرج فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بين الفضل بن عباس، وغلام له. قال: وفي ذلك جمع بين الأخبار التي وردت في هذا الباب. وقال ابن حزم- رحمه الله تعالى- أيضا إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك، إحداهما التي رواها الأسود عن عائشة، وعبد الله عنها وعن ابن عباس صفتها أنه- صلى الله عليه وسلم- أم الناس والناس خلفه، وأبو بكر عن يمينه في موقف المأموم، يسمع الناس تكبيره. والصلاة الثانية التي رواها مسروق، وعبيد الله عن عائشة، وحميد عن أنس صفتها أنه- صلى الله عليه وسلم- كان خلف أبي بكر في الصف مع الناس، فارتفع الإشكال جملة، قال: وليست صلاة واحدة في الدهر فيحمل ذلك على التعارض، بل في كل يوم خمس صلوات، ومرضه- صلى الله عليه وسلّم- كان مدة اثني عشر يوما، فيه ستون صلاة أو نحو ذلك انتهى والله تعالى أعلم.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في السجدات التي ليست بركن

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في السجدات التي ليست بركن الباب الأول في سجوده- صلى الله عليه وسلّم- للسهو وفيه أنواع: الأول: في سجوده- صلى الله عليه وسلم- قبل السلام. روى الأئمة، والشيخان، والترمذي، وابن خزيمة، عن عبد الله بن مالك [ (1) ] ابن بحينة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قام عن اثنين من الظهر لم يجلس بينهما فسبحوا فمضى فقام الناس معه، فلما قضى صلاته، ونظرنا تسليمه كبّر قبل التسليم فسجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس، وسجد الناس معه ثم سلم بعد ذلك» [ (2) ] . وروى الترمذي- وقال: حسن غريب- عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم [ (3) ] . وروى الدارقطني عن المنذر بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سجد سجدتين قبل التسليم [ (4) ] . الثاني: في سجوده- صلى الله عليه وسلم- بعد السلام. روى الإمام أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه عن معاوية بن حديج بضم الحاء المهملة آخره جيم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى يوما، فانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد، فأمر بلال فأقام الصلاة وصلى بالناس ركعة، فأخبرت

_ [ (1) ] [عبد الله بن مالك بن القشيب: بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة، الأزدي، أبو محمد، حليف بني المطلب، يعرف بابن بحينة، بموحدة ومهملة، مصغرا، صحابي معروف، مات بعد الخمسين] التقريب 1/ 444 حديث. [ (2) ] أخرجه البخاري (3/ 92) حديث (1224) ومسلم (1/ 399) حديث (86/ 570) وأبو داود 1/ 271 (1030) والترمذي 2/ 235 (391) وقال حسن صحيح والنسائي 3/ 17. [ (3) ] أخرجه الترمذي 2/ 241 (395) . [ (4) ] أخرجه الدارقطني 1/ 374 وفيه عبد المهيمن ليس بالقوي.

الثالث: في سجوده - صلى الله عليه وسلم - للزيادة.

بذلك الناس فقالوا: أتعرف الرجل، فقلت: لا إلا أن أراه، فمر بي فقلت هو هذا، فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله. وعيّن ابن خزيمة الصلاة: المغرب، وقال: وهذه القصة غير قصة ذي اليدين، لأن المعلم للنبي- صلى الله عليه وسلّم- طلحة بن عبيد الله مخبره، وفي تلك القصة ذو اليدين والسهو منه- صلى الله عليه وسلم- في قصة ذي اليدين إنما كان في الظهر أو العصر، وفي هذه القصة، إنما كان السهو في المغرب لا في الظهر ولا في العصر [ (1) ] . وروى الجماعة والإمام مالك والبزار برجال ثقات، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إحدى صلاتي العشيّ: الظهر والعصر، وفي رواية قال محمد: وأكبر ظني أنها العصر، وفي رواية جزم بأنها الظهر وفي أخرى بأنها العصر- ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم، وفي لفظ في قبلة، ووضع خدّه الأيمن على ظهر كفه اليسرى، يعرف في وجهه الغضب، فخرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه، أن يكلماه، فقال رجل طويل اليدين كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدعوه، وفي لفظ يسميه ذا اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت؟ أم قصرت الصلاة؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كل ذلك لم يكن» وفي رواية: كان بعض ذلك، فأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على القوم، وفي رواية، التفت يمينا وشمالا فقال وفي رواية ثم أقبل على أبي بكر فقال: «أصدق ذو اليدين؟» ، فقال الناس نعم صدق يا رسول الله، لم نصل إلا ركعتين، فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مقامه، فصلّى الركعتين الباقيتين، ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر [ (2) ] . قيل لابن سيرين: أسلّم في السهو؟ قال: لم أحفظه من أبي هريرة ولكني نبئت عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام إليه رجل بسط اليدين يقال له الخرباق- وكان في يديه طول- فقال: يا رسول الله- فذكر به صنيعه، فخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتحى الناس، فقال: «أصدق هذا؟» قالوا نعم، فصلى بهم ركعة، ثم سلّم. الثالث: في سجوده- صلى الله عليه وسلّم- للزيادة. روى الأئمة، والشيخان، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى بنا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 401 وأبو داود 1/ 269 (1023) والنسائي 2/ 16 والبيهقي 2/ 359. [ (2) ] أحمد في المسند 2/ 235 والبخاري (10/ 468) حديث (6051) ومسلم (1/ 403) حديث (97/ 573) وأبو داود 1/ 264 (1008) والترمذي 2/ 247 (399) وقال حسن صحيح وابن ماجة 1/ 383 (1214) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر خمسا، فلما سلّم قلنا يا رسول الله أزيد في الصلاة؟ فقال: «وما ذاك؟» قالوا صليت خمسا، فقال: فثنى رجله واستقبل وسجد سجدتين، ثم سلّم، وقال: «إنما أنا بشر مثلكم أتذكر كما تذكرون، وأنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليبني عليه ثم يسجد سجدتين» [ (1) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى العصر خمسا فسجد سجدتين للسهو وهو جالس» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. سرعان الناس- بسين فعين مهملتين بينهما راء مفتوحات. الخرباق- بكسر الخاء المعجمة، وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف.

_ [ (1) ] أحمد في المسند 1/ 424 والبخاري (1/ 53) حديث (401) ومسلم (/ 400) حديث (89/ 572) وأبو داود 1/ 268 (1020) والترمذي 2/ 238 (392) وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي 3/ 24 وابن ماجة 1/ 382 (1211) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال الهيثمي 2/ 152 فيه سعيد بن بشير ثقّة ولكنه اختلط.

الباب الثاني في بيان سجداته - صلى الله عليه وسلم - التلاوة على سبيل الإجمال

الباب الثاني في بيان سجداته- صلى الله عليه وسلّم- التلاوة على سبيل الإجمال روى أبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- قال: أقرأني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي واستغربه وأبو داود وضعفه عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أنه سجد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طحدى عشرة سجدة منهن النجم [ (2) ] ، رواه ابن ماجة بلفظ: سجدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء: الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج، وسجدة الفرقان، وسليمان سورة النمل، والسجدة وفي ص، وسجدة الحواميم [ (3) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد، ونسجد حتى ما يجد أحدنا مكان موضع جبهته» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ علينا القرآن فإذا أمرنا بالسجدة كبر وسجد وسجدنا» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 120 (1401) وابن ماجة 1/ 335 (1057) والدارقطني 1/ 408 والحاكم 1/ 223 والبيهقي 2/ 314. [ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 58 (1401) وأحمد 5/ 19 والترمذي 2/ 457) وقال حديث غريب وابن ماجة 1/ 335 (1055) . [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 435 حديث (1056) وفي إسناده عثمان بن فائد وهو ضعيف. [ (4) ] البخاري (2/ 557) حديث (1076) ومسلم (1/ 405) حديث (104/ 575) . [ (5) ] أحمد في المسند 2/ 17 وأبو داود 2/ 60 (1413) .

الباب الثالث في بيان عدد سجداته - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التفصيل

الباب الثالث في بيان عدد سجداته- صلى الله عليه وسلم- على سبيل التفصيل روى أبو داود والدارقطني، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: «قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سورة (ص) وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها [فلما بلغ السجدة] فتشزّن الناس للسجود، فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم فنزل فسجد وسجدوا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه، أنه رأى رؤيا أنه يكتب (ص) فلما بلغ إلى سجدتها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا، قال: فقصها على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلم يزل يسجد بها بعد [ (2) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سجد في (ص) [ (3) ] . وروى أبو يعلى والطبراني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة، وكأن الشجرة تقرأ سورة [ص] ، فلما أتت على السجدة سجدت، فقالت في سجودها: اللهم اغفر لي بها ذنبا، اللهم حط عني بها وزرا، وأورث لي بها شكرا وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته، فجئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، قال: «سجدت أنت يا أبا سعيد؟» قلت: لا، قال: «فإنك أحق بالسجود من الشجرة» ، ثم قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سورة (ص) ثم أتى على السجدة وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها» [ (4) ] . وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: (ص) ليس من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسجد فيها [ (5) ] . (النجم) . روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود، والبخاري والترمذي

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 59 (1410) والدارقطني 1/ 408. [ (2) ] أحمد في المسند 3/ 78. [ (3) ] الطبراني في الأوسط والدارقطني 1/ 406 وأبو يعلى قال الهيثمي 2/ 285 فيه محمد بن عمرو وفيه كلام. [ (4) ] أخرجه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 284 فيه اليمان بن نصر مجهول. [ (5) ] أخرجه البخاري (2/ 552) حديث (1069) .

والدارقطني عن ابن عباس والإمام أحمد والنسائي عن المطلب بن وداعة والإمامان الشافعي وأحمد والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ بمكة سورة النجم وسجد فيها، وسجد من كان معه، ولفظ ابن عباس وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، زاد أبو هريرة: والشجر، قال ابن مسعود: غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته فقال: يكفيني هذا، فلقد رأيته بعد قتل كافرا، وهو أميّة بن خلف، وقال المطلب فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد، ولم يكن المطلب يومئذ أسلم- وكان بعد ذلك لا يسمع أحدا يقرؤها إلا سجد معه» [ (1) ] . وروى البزار برجال ثقات- غير مسلم بن أبي مسلم الجرمي فيحرر حاله- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كتبت سورة النجم عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلما بلغ السجدة سجدنا معه وسجدت الدواة والقلم [ (2) ] . وروى البخاري فيما ذكره أبو مسعود الدمشقي في أطرافه، قال الحميدي لم أجده فيما عندنا من النسخ. عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ النجم فسجد فيها [ (3) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان والثلاثة عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- النجم فلم يسجد فيها [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أنه سجد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إحدى عشرة سجدة، منهن النّجم [ (5) ] . إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ. وروى الإمامان مالك والشافعي، وأحمد والشيخان والنسائي عن أبي سلمة- رحمه الله

_ [ (1) ] أخرجه من حديث ابن مسعود أحمد في المسند 1/ 401 والبخاري 2/ 553 (1070) ومسلم (2/ 405) حديث (105/ 576) وأبو داود 2/ 59 (1406) والنسائي 2/ 124 ومن حديث ابن عباس البخاري 2/ 553 حديث (1071/ 48625) والترمذي 2/ 464 (575) والدارقطني 1/ 409 ومن حديث المطلب أحمد 3/ 420 والنسائي 2/ 123 ومن حديث أبي هريرة الدارقطني 1/ 409. [ (2) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 360 (753) وقال البزار: لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا أبو هريرة، ولا نعلمه إلا من هذا الوجه، تفرد به مخلد عن هشام. [ (3) ] لم أجده في مكانه من صحيح البخاري. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 186 والبخاري (2/ 554) حديث (1072) ومسلم (1/ 406) حديث (106/ 577) وأبو داود 2/ 58 (1404) والترمذي 2/ 466 (576) والنسائي 2/ 124. [ (5) ] أحمد في المسند 6/ 442.

تنبيهات

تعالى- قال: رأيت أبا هريرة قرأ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فسجد بها، فقلت: يا أبا هريرة ألم أرك تسجد؟ لو لم أر النبي- صلى الله عليه وسلّم- سجد لم أسجد [ (1) ] . وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي رافع الصائغ قال: صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [فسجد] ، فقلت ما هذا؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم- صلى الله عليه وسلم [ (2) ] . في إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، واقْرَأْ. روى مسدد بسند صحيح عن أبي رافع قال: صليت خلف عمر- رضي الله تعالى عنه- العشاء فقرأ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فسجد فيها [ (3) ] . تنبيهات الأول: روى ابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسجد في النجم بمكة- فلما هاجر إلى المدينة تركها» [ (4) ] . وروى أبو داود من طريق عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» [ (5) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان والثلاثة عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: «قرأت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- النجم فلم يسجد فيها» . وروى مسدد برجال ثقات عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: «ليس في المفصل سجود» [ (6) ] . الثاني: في بيان غريب ما سبق. التشزّن- بفوقية فشين فزاي معجمتين فنون التهيؤ والتأهب.

_ [ (1) ] البخاري (1/ 647) حديث (1074) ومسلم (1/ 406) حديث (107/ 578) والنسائي 2/ 124. [ (2) ] أخرجه البخاري (2/ 651) حديث (1078) ومسلم (1/ 407) حديث (110/ 111/ 577) وأبو داود 2/ 59 (1408) والنسائي 2/ 125. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 6. [ (4) ] أخرجه من طريق ابن مسعود ابن أبي شيبة 2/ 7. [ (5) ] أبو داود في السنن 2/ 58 (1403) . [ (6) ] ذكره الحافظ في المطالب 1/ 128 (471) وعزاه أيضا لمسدد وقال البوصيري رجاله ثقات وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 6.

الباب الرابع في سجوده - صلى الله عليه وسلم - لقراءة غيره - إذا سجد القارئ وسجوده للتلاوة في الصلاة المكتوبة وما كان يقوله في سجود التلاوة

الباب الرابع في سجوده- صلى الله عليه وسلّم- لقراءة غيره- إذا سجد القارئ وسجوده للتلاوة في الصلاة المكتوبة وما كان يقوله في سجود التلاوة روى سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأ رجل عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلم يسجد فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أنت قرأتها ولو سجدت سجدنا معك» . وروى الإمام الشافعي والبيهقي من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى- قال: بلغني أن رجلا قرأ بآية من القرآن فيها سجدة، عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-[فسجد الرجل، وسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- معه، ثم قرأ آخر آية فيها سجدة، وهو عند النبي- صلى الله عليه وسلم] فانتظر الرجل أن يسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يسجد، فقال الرجل: يا رسول الله قرأت السجدة فلم تسجد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كنت أمامنا فلو سجدت سجدنا معك» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في سجود القرآن بالليل، يقول في السجدة مرارا: «سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته- زاد البيهقي فتبارك الله أحسن الخالقين» [ (2) ] . وروى الترمذي والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله. إني رأيت الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فكأني قرأت سجدة، وفي رواية البيهقي فقرأت سورة (ص) فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع وفي لفظ: احطط عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها كما تقبلتها من عبدك داود» ، فقال ابن عباس: فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلّم- سجدة، ثم سجد، فسمعته يقول مثل ما أخبره الرجل عن الشجرة» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثلاث مرات فقرأ السجدة في المكتوبة» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند (1/ 122) حديث (359) والبيهقي 2/ 324. [ (2) ] أحمد في المسند 6/ 30 وأبو داود 2/ 60 (1414) والترمذي 2/ 474 (580) والبيهقي 2/ 325. [ (3) ] أخرجه الترمذي 2/ 472 (579) . [ (4) ] قال الهيثمي في المجمع 2/ 285 فيه جابر الجعفي وفيه كلام.

الباب الخامس في سجوده - صلى الله عليه وسلم - للشكر وصلاته ركعتين لذلك

الباب الخامس في سجوده- صلى الله عليه وسلّم- للشكر وصلاته ركعتين لذلك روى الإمام وأبو داود عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- «أنه شهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم، ورأسه في حجر عائشة فقام فخر ساجدا، ثم أنشأ يسأل البشير وأخبره بما أخبره أنه ولّي [أمرهم امرأة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «الآن هلكت الرجال إذا أطاعت النساء» . ثلاثا [ (1) ]] . ورواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي وابن ماجة ولفظهما: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا شكراً لله تعالى» [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بشر بحاجة فخر ساجدا» [ (3) ] . وروى البيهقي بسند صحيح عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- أن عليا- رضي الله تعالى عنه- لما وجهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن وأسلمت همدان جميعا كتب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بإسلامهم فلما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الكتاب خر ساجدا وقال: «السلام على همدان، السلام على همدان» . مرتين [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم بشر برأس أبي جهل صلّى ركعتين» [ (5) ] . وروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبا من عزورا نزل ثم رفع يديه، فدعا الله ساعدة ثم خر ساجدا، فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه، فدعا الله ساعة، ثم خر ساجدا، فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خر ساجدا، ذكره أحمد ثلاثا. قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدا شكرا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 45 وأبو داود 3/ 89 (2774) . [ (2) ] وأخرجه الترمذي (4/ 141) حديث (1578) وابن ماجة 1/ 446 (1394) والدارقطني 1/ 410 والحاكم 1/ 410 والبيهقي 2/ 370. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 446 (1394) وقال البوصيري في إسناده ابن لهيعة. [ (4) ] أخرجه البيهقي 2/ 369. [ (5) ] ابن ماجة 1/ 445 (1391) وقال البوصيري ضعيف.

ساجدا شكرا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي، فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجدا لربي] [ (1) ] . وروى الدارقطني بسند ضعيف عن ابن جعفر رضوان الله عليه وعلى آبائه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا من النّغاشين فخرّ ساجدا» [ (2) ] . النغاش- بنون فغين فشين معجمتين بينهما ألف القصير- ورواه ابن أبي شيبة عنه مرسلا بلفظ قال: مر علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجل قصير فسجد سجدة الشكر وقال: «الحمد لله الذي لم يجعلني مثل هذا» [ (3) ] . وروى الطبراني عن عرفجة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبصر رجلا زمانة فسجد، ورواه أيضاً من حديث ابن عمر» [ (4) ] . وروى الطبراني من طريق يوسف بن محمد بن المنكدر عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى رجلا متغير الخلق، سجد، وإذا رأى قردا سجد، وإذا قام من مقامه سجد فيه» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتوجه نحو مشربته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود حتى ظننت أن الله تعالى قد قبض نفسه فيها، فدنوت منه فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» قلت: عبد الرحمن، قال: «ما شأنك؟» قلت: يا رسول الله، سجدت سجدة خشيت أن الله تعالى قد قبض نفسك فيها، قال: «إن جبريل- صلى الله عليه وسلّم- أتاني فبشرني فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول من صلّى عليك صليت عليه ومن سلّم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكرا» [ (6) ] . وفي هذا المعنى أحاديث تأتي- إن شاء الله تعالى- في أبواب الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم-، وزاده الله فضلا وشرفا لديه.

_ [ (1) ] أبو داود 3/ 89 (2775) . [ (2) ] الدارقطني 1/ 410 وقال الحافظ في التلخيص (2/ 11) هذا الحديث ذكره الشافعي في المختصر ولم يذكر إسناده وكذا صنع الحاكم في المستدرك 1/ 276. وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 482 والدارقطني 1/ 410 والبيهقي 2/ 271 وابن حبان بنحوه في المجروحين 3/ 136. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 482) . [ (4) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2/ 289 فيه محمد بن عبد الله الفهمي ولم يرو عنه غير مسعر وحديث ابن عمر من الأوسط قال الهيثمي في المصدر السابق فيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف. [ (5) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2/ 289 فيه يوسف بن محمد بن المنكدر وثقه أبو زرعة وضعفه جماعة. [ (6) ] أحمد 1/ 191 وقال الهيثمي 2/ 287 رجاله ثقات. وأخرجه البيهقي 10/ 190.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة وليلتها

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة وليلتها الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- قبل الصلاة وفيه أنواع: الأول: الغسل: روى عبد الله ابن الإمام أحمد، وابن ماجة، عن ابن عقبة [عن] الفاكه بن سعد الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل يوم الجمعة» [ (1) ] . الثاني: أخذه- صلى الله عليه وسلّم- من شاربه وظفره. وروى البزار، والطبراني، من طريق إبراهيم بن قدامة [ (2) ]- فيحرر حاله- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقلم أظافره، ويقص شاربه، يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة» [ (3) ] . وروى البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستحب أن يأخذ من أظافره وشاربه يوم الجمعة [ (4) ] . في تجمّله- صلّى الله عليه وسلم- روى ابن عدي، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يلبس العمامة يوم الجمعة، وكان إذا ركب المنبر يوم الجمعة استقبل الناس، ويسلم عليهم، وكان يحتمل المخصرة، ويتوكأ على المنبر [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه، عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 78 وابن ماجة 1/ 416 (316) وليس فيه الغسل يوم الجمعة. [ (2) ] إبراهيم بن قدامة الجمحي، مدني، لا يعرف. عن الأغر، عن أبي هريرة مرفوعا: كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه قبل أن يخرج إلى الجمعة. رواه البزار من رواية عتيق بن يعقوب عنه، وهو خبر منكر ميزان الاعتدال 1/ 53. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 299 وقال الهيثمي 2/ 170 رواه البزّار والطبراني في الأوسط وفيه إبراهيم بن قدامة. [ (4) ] أخرجه البيهقي 3/ 244. [ (5) ] أخرجه ابن عدي في كامله 7/ 65 وأخرجه من طريق عبد الله بن الزبير الطبراني في الكبير والبزار وفيه ابن لهيعة المجمع 2/ 190.

الثالث: فيما كان يقرؤه - صلى الله عليه وسلم - في مغرب ليلة الجمعة وعشائها.

«أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب الناس وعليه عمامة سوداء» [ (1) ] . وروى النسائي عن عمرو بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: «كأني أنظر [الساعة] إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه» [ (2) ] . وروى الحميدي بإسناد صحيح، عن أم الحصين- رضي الله تعالى عنها- قالت: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخطب وهو متقنّع ببرده وعضلته ترتج» [ (3) ] . وروى الحارث عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثوبان يلبسهما يوم الجمعة، فإذا انصرف عن الجمعة طواهما ورفعهما» [ (4) ] . وروى عن ابن عمر وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- قال: «ما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم جمعة قط إلا وهو معتم، وإن لم تكن عمامة وصل الخرق بعضها ببعض واعتمّ بها» [ (5) ] . الثالث: فيما كان يقرؤه- صلى الله عليه وسلّم- في مغرب ليلة الجمعة وعشائها. وروى ابن حبان، والبيهقي، في سننه، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين» [ (6) ] . الرابع: في إطالته صلاته- صلّى الله عليه وسلم- قبل الجمعة وبعدها. وروى أبو داود، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدّث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يفعل ذلك» [ (7) ] . وروى البيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 307 ومسلم (2/ 99) حديث (451/ 1359) وابن ماجة 1/ 351 (1104) . [ (2) ] النسائي 8/ 186. [ (3) ] أحمد 6/ 402. [ (4) ] ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 1/ 171 (620) وفيه الواقدي قال البوصيري رواه بهذا المتن ابن ماجة بإسناد صحيح وابن خزيمة وابن حبان. [ (5) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2338. [ (6) ] أخرجه البيهقي 3/ 201. [ (7) ] أخرجه أبو داود 1/ 294 (1128) . [ (8) ] أخرجه ابن ماجة (1129) وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 195.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق. المنبر- بميم مكسورة، فنون ساكنة، فموحدة، فراء من النّبر. والمخصرة ما يختصره [الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة] . عضلته- بعين مهملة، فضاد معجمة، فلام مفتوحات، فتاء، فهاء، كل لحمة في البدن صلبة مكتنزة، ومنه عضلة الساق.

الباب الثاني في وقت صلاته - صلى الله عليه وسلم - الجمعة والنداء إليها

الباب الثاني في وقت صلاته- صلّى الله عليه وسلم- الجمعة والنداء إليها روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم ننصرف وليس للحيطان فيء نستظل فيه» [ (2) ] . وفي رواية «ظل نستظل به» . وروى الشيخان، والنسائي عنه، قال: «كنا نجمّع مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفيء» [ (3) ] . وروى مسلم، والنسائي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلي الجمعة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم نرجع فنريح نواضحنا قال عليّ: فقلت: أية ساعة؟ قال زوال الشمس» [ (4) ] . وروى الحارث عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس» [ (5) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس» [ (6) ] . وروى ابن ماجه عن سعد مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنه كان يؤذن يوم الجمعة على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان الفيء مثل الشّراك» [ (7) ] .

_ [ (1) ] البخاري (2/ 451) (906) والنسائي 1/ 199. [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 46 والبخاري (7/ 514) حديث (4168) ومسلم (2/ 589) حديث (32/ 860) وأبو داود 1/ 284 (1085) والنسائي 3/ 81 وابن ماجة 1/ 350 (1100) والدارقطني 2/ 18. [ (3) ] مسلم 2/ 589 في كتاب الجمعة (31/ 860) . [ (4) ] أخرجه مسلم (2/ 98) حديث (28- 29/ 858) والنسائي 3/ 81. [ (5) ] من طريق أنس أخرجه البخاري 2/ 386 (904) وأبو داود 2/ 284 (1084) والترمذي 2/ 377 (503) ومن طريق سعد ذكره الحافظ في المطالب 1/ 167 (607) وفي إسناده الواقدي وبقية رجاله ثقات. [ (6) ] انظر التخريج السابق. [ (7) ] ابن ماجة 1/ 350 (1101) وفيه عبد الرحمن بن سعد أجمعوا على ضعفه وأما أبوه فقال ابن القطان: لا يعرف حاله ولا حال أبيه.

وروى الإمام الشافعي، عن المطلب بن حنطب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة إذا مال الفيء قدر ذراع أو نحوه» [ (1) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد، والبخاري، عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وفي رواية: كان يؤذّن بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا جلس على المنبر يوم الجمعة، على باب المسجد وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء فثبت الأمر على ذلك [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال: لم يكن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا مؤذن واحد، في الصلوات كلها في الجمعة وغيرها، يؤذن ويقيم، فكان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المنبر يوم الجمعة، ويقيم إذا نزل [ولأبي بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهما- حتى كان عثمان] [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند (1/ 136) حديث (401) . [ (2) ] أحمد في المسند 3/ 449 والبخاري (2/ 393) حديث (912) وأبو داود 2/ 285 (1087) والترمذي 2/ 392 (516) والنسائي 3/ 100 وابن ماجة 1/ 359 (1135) . [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 449 والبغوي في شرح السنّة 2/ 574.

الباب الثالث في موضع خطبته - صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في موضع خطبته- صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: في خطبته- صلى الله عليه وسلّم- على الأرض مستندا إلى راحلته. وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام تبوك يخطب الناس، وهو مسند ظهره إلى راحلته [ (1) ] . وروى الإمام أحمد- بسند جيد- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب وظهره إلى الملتزم» [ (2) ] . الثاني: في خطبته- صلى الله عليه وسلّم- على البغلة وعلى ناقته. قال في «زاد المعاد» خطب- صلى الله عليه وسلّم- على الأرض، وعلى المنبر، وعلى البعير، وعلى ناقته. قلت: وعلى البغلة. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن هلال بن عامر المزني [ (3) ] عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى يخطب على بغلة، وعليه بردّ أحمر، وعلي- رضي الله تعالى عنه- يعبر عنه» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي- بسند حسن صحيح- والنسائي، والبيهقي عن عمرو بن خارجة [ (5) ] قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بمنى وهو على راحلته، وهي تقصع بجرّتها، ولعابها يسيل بين كتفيه [ (6) ] . وروى الطبراني عن الهرماس بن زياد- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب على ناقته، فقال: «إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة، إياكم

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 6/ 11. [ (2) ] قال الهيثمي 2/ 183 فيه عبد الله بن المؤمل وهو ثقة وفيه كلام. [ (3) ] هلال بن عامر بن عمرو المزني، الكوفي، ثقة، من الرابعة قاله الحافظ التقريب 2/ 324. [ (4) ] أحمد في المسند 3/ 477 وأبو داود 4/ 54 (4073) . [ (5) ] عمرو بن خارجة الأسدي، ويقال الأشعري، أو الأنصاري، وقيل فيه خارجة بن عمرو، والأول أصح، وكان حليف أبي سفيان، صحابي له أحاديث. التقريب 2/ 69. [ (6) ] أحمد في المسند 4/ 186 والنسائي 6/ 207 وابن ماجة 2/ 905 (2712) .

الثالث: في اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - المنبر.

والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، إياكم والشّح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم» [ (1) ] . الثالث: في اتخاذه- صلى الله عليه وسلّم- المنبر. روى ابن إسحاق والبزار بسند ضعيف عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أن أتّخذ المنبر، فقد اتّخذه أبي إبراهيم، وأن أتخذ العصا فقد اتّخذها أبي إبراهيم» [ (2) ] . وروى الطيالسي عن جرير- رضي الله تعالى عنه- قال: «خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي منبر صغير فحثنا على الصدقة» . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخطب يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى على المنبر، فإذا سكت المؤذن يوم الجمعة قام فخطب» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر وعبد الله ابن الإمام أحمد عن أبي بن كعب، وأبو يعلى عن أبي سعيد والبزار من طريق آخر عنه، وعبد بن حميد من طريق آخر واللفظ له، وأبو يعلى برجال ثقات، والطبراني عن جابر والطبراني عن عائشة، والطبراني برجال ثقات عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة» ، وفي لفظ: أسند ظهره إليه، إذا تكلم يوم الجمعة، أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس، فقال له الناس: يا رسول الله قد كثر الناس، يعني المسلمين وإنهم ليحبون أن يروك، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه فيراك الناس، قال: «نعم» ، قال: «من يجعل لنا هذا المنبر» ، فقام إليه رجل فقال: أنا قال: «تجعله» قال: نعم، ولم يقل إن شاء الله، قال: «ما اسمك» ؟ قال: فلان، قال: «اقعد» ، فقعد، ثم عاد فقال: «من يجعل لنا هذا المنبر؟» فقام إليه رجل فقال: قال: تجعله، قال: نعم، ولم يقل إن شاء الله، قال: «ما اسمك؟» قال: فلان، قال: «اقعد» فقعد، ثم عاد فقال: «من يجعل لنا هذا المنبر؟» فقام إليه رجل فقام: أنا، قال: «تجعله» قال: نعم إن شاء الله قال: «ما

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 22/ 204 وفي الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 5/ 235 فيه عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة وهو ضعيف. [ (2) ] البزار كما في الكشف 1/ 304 (633) والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 181 فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ضعيف جدا. [ (3) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي في المجمع 2/ 183 فيه حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ضعفه أحمد وابن المديني والبخاري والنسائي وبقية رجاله موثقون.

اسمك؟» قال إبراهيم قال: اجعله فصنع له ثلاث درجات، فلما كان يوم الجمعة، واستوى عليه، واستقبل القبلة حنّت النّخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد. [وفي لفظ: «فخار الجذع كما تخور البقر جزعا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» . وفي لفظ حنّ كما تحن الناقة على ولدها، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكن. وفي لفظ «فقال له اسكن إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن شئت أعيدك كما كنت رطبا فاختار الآخرة على الدنيا فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رفع إلى أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة. ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن هذه النخلة، إنما حنت شوقا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فوالله لو لم أنزل إليها فأعتقها لما سكنت إلى يوم القيامة، فلما كان من الغد رأيتها قد حولت فقلنا ما هذا؟ قال: جاء أبو بكر وعمر فحولوها» [ (1) ] . وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان جدار المسجد عند المنبر، ما كادت الشاة تجوزها [ (2) ] .

_ [ (1) ] حديث ابن عمر أخرجه أحمد قال الهيثمي فيه أبو الحباب ثقة ولكنه مدلس وحديث أبي بن كعب من زيادات عبد الله قال الهيثمي فيه رجل لم يسم، وعبد الله بن محمد بن عقيل فيه كلام وقد وثق وحديث أبي سعيد قال الهيثمي فيه مجالد بن سعيد قد وثّقه جماعة وضعفه آخرون وحديث جابر قال الهيثمي، رجال أبي يعلى رجال موثقون وهو عند الطبراني في الأوسط فيه محمد بن عطية وهو ضعيف وحديث عائشة عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي فيه صالح بن حبان وهو ضعيف وحديث أم سلمة عند الطبراني في الكبير قال الهيثمي في المجمع رجاله موثقون 2/ 180- 182. [ (2) ] الحديث تقدم.

الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في خطبته - صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في خطبته- صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع: الأول: في استقباله- صلى الله عليه وسلّم- وقت الخطبة. روى الترمذي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استوى على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم» [ (1) ] . روى ابن ماجة عن عدي بن ثابت الأنصاري عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم [ (2) ] . الثاني: في سلامه- صلى الله عليه وسلّم- على الناس قبل صعوده المنبر، وإذا صعده. قال في «زاد المعاد» : كان- صلى الله عليه وسلم- إذا صعد المنبر، أقبل بوجهه على الناس، ثم قال: «السلام عليكم» . وروى البيهقي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا صعد المنبر سلّم» [ (3) ] . وروى الضياء في «المختارة» عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد يوم الجمعة، سلم على من عند المنبر فإذا صعد المنبر سلّم على الناس» [ (4) ] . الثالث: في خطبته- صلى الله عليه وسلّم- قائما وجلوسه ثم خطبته وإشارته بإصبعه ورفع صوته. قال في «زاد المعاد» : «كان- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما، وكان إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومسّاكم» ويقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويقرن بين أصبعيه السبابة، والوسطى.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 2/ 383 (509) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 360 (1136) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ثقات إلا أنه مرسل. [ (3) ] البيهقي في السنن الكبرى 3/ 204. وأخرجه ابن ماجة 1/ 352 (1109) وللحديث شاهد عن ابن عمر انظر المجمع 2/ 184 وله شاهد مرسل عن عطاء أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3/ 192 وآخر عن الشعبي عند عبد الرزاق 3/ 193 وابن أبي شيبة 2/ 114. [ (4) ] انظر التخريج السابق.

ويقول: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» [ (1) ] . وروى ابن سعد، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب الناس احمرت عيناه، ورفع صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش صبحتكم أو مسيتكم ثم يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى ثم يقول: «أحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، من مات وترك مالا فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعا فإليّ وعليّ» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما على رجليه» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخطب قائما ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما يقرأ القرآن ويذكر الناس، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني، ورجاله ثقات، والبزار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة قائما ثم يقعد ثم يقوم يخطب» [ (5) ] . ولفظ البزار «كان- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة» [ (6) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول- صلى الله عليه وسلّم- يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب [ (7) ] . وروى النسائي، وابن ماجة عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-

_ [ (1) ] انظر زاد المعاد (1/ 426) . [ (2) ] انظر الطبقات 1/ 98. [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 31. [ (4) ] أخرجه مسلم (2/ 589) حديث (34/ 862) وأحمد 3/ 92 وما بعدها وأبو داود 1/ 286 (1093) والنسائي 3/ 89 وابن ماجة 1/ 351 (1105) . [ (5) ] قال الهيثمي رجال الطبراني ثقات المجمع 2/ 187. [ (6) ] البزار كما في الكشف 1/ 307 (640) وقال البزار لا نعلمه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. [ (7) ] أخرجه أبو داود 1/ 286 (1092) والنسائي 3/ 90 وبنحوه عند أحمد 2/ 35.

الرابع: في اعتماده - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة على قوس أو عصا.

يخطب قائما، يقعد قعدة، ثم يقوم» . زاد ابن ماجة: «فيقرأ آيات ويذكر الله، وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا» [ (1) ] . وروى سمويه في «فوائده» وابن المنذر، وابن مردويه عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب الناس أو علمهم، لا يدع هذه الآية أن يتلوها» . وفي رواية: ما جلس على هذا المنبر قط إلا تلا هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ إلى قوله فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب 7] . وروى ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على المنبر إلا سمعته يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً. ورواه الإمام أحمد، والثلاثة عن عمارة بن رويبة- براء وموحدة مصغرا، أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال: قبّح الله تيك اليدين، فقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما كان يزيد عن أن يقول بيديه هكذا وأشار بإصبعه السبابة [ (2) ] . وروى أبو داود، وابن حبان، والحاكم عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شاهرا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره، ولكن رأيته يقول هكذا، وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم، والبيهقي، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى أسمع العواتق في بيوتهن، أو قال: في خدورها، فقال: «يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبّع عورة أخيه تتبّع الله عورته ومن تتبّع الله عورته يفضحه في جوف بيته» [ (4) ] . الرابع: في اعتماده- صلى الله عليه وسلّم- في الخطبة على قوس أو عصا. قال في «زاد المعاد:» كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر. كذا ذكر أبو داود، «وكان أحيانا يتوكأ على قوس. ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف» . وروى أبو داود عن الحكم بن حزن الكلفي- رضي الله عنه- قال: «شهدنا الجمعة مع

_ [ (1) ] النسائي 3/ 90 وابن ماجة 1/ 351 (1106) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 136 وأبو داود 1/ 289 (1104) والترمذي 2/ 391 (515) والنسائي 3/ 18. [ (3) ] أبو داود 1/ 289 (1105) والحاكم وصححه 1/ 535. [ (4) ] أخرجه أبو يعلى 3/ 237 (22/ 1675) وقال الهيثمي رجال أبي يعلى ثقات.

الخامس: في قطعه - صلى الله عليه وسلم - الخطبة ونزوله لأمر.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام متوكئا على قوس أو عصا، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات» [ (1) ] . وروى الإمام الشافعي عن ابن جريح قال: «قلت لعطاء: أكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقوم على عصا؟ قال: نعم يعتمد عليها اعتمادا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن سعد بن عائذ: سعد القرظ مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذ خطب في الجمعة خطب على عصا» [ (3) ] . وروى الطبراني عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب بمخصرة» [ (4) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخطبهم في السفر متكئا على قوس» [ (5) ] . الخامس: في قطعه- صلى الله عليه وسلّم- الخطبة ونزوله لأمر. قال في «زاد المعاد» : «كان- صلى الله عليه وسلم- إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته، وكان يخطب فجاء الحسن والحسين يعثران في قميصين أحمرين فقطع كلامه فنزل، فحملهما ثم عاد إلى المنبر، ثم قال: «صدق الله تعالى: إذ يقول أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما» . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، والضياء، والحاكم في الأحكام- وقال إسناده على شرط مسلم- عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأقبل الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان. وفي لفظ: يمشيان ويعثران فنزل فأخذهما. وفي لفظ: فحملهما ووضعهما بين يديه، فصعد بهما ثم قال: «صدق الله تعالى أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ رأيت هذين فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 1/ 287 (1096) . [ (2) ] الشافعي (1/ 145) حديث (421) والأم 1/ 211 وانظر شرح السّنة 2/ 576. [ (3) ] ابن ماجة 1/ 352 (1107) وضعفه البوصيري في الزوائد لضعف أولاد سعد. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 187 فيه ابن لهيعة وفيه كلام والبزار كما في الكشف 1/ 307 (639) . [ (5) ] قال الهيثمي 2/ 187 فيه أبو شيبة وهو ضعيف. [ (6) ] أحمد في المسند 5/ 354.

السادس: في كلامه - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه في أمر شرعي حال الخطبة.

وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن أبي رفاعة العدوي، واسمه تميم بن أسيد- رضي الله تعالى عنه- قال: انتهيت ولفظ النسائي: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب، فقلت: «يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه؟ قال: فأقبل على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وترك خطبته حتى إذا انتهى إليّ، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى الخطبة فأتمها» . زاد الإمام أحمد: «رأى خشبا أسود حسبه حديدا، وذكره النسائي لفظ: أتي بكرسي من خلب قوائمه من حديد، والخلب: الليف» [ (1) ] . السادس: في كلامه- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه في أمر شرعي حال الخطبة. روى الجماعة، إلا الإمام مالك، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقعد قبل أن يصلي، قال: «صليت؟» قال: لا قال: «فصل ركعتين» [ (2) ] . وروى الدارقطني وضعفه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رجل من قيس المسجد- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قم فاركع ركعتين، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته» [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي- واللفظ له- والإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي سعيد- رضي الله [تعالى] عنه قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب وجاء رجل [فدخل المسجد] بهيئة بذة فقال: «أصليت؟» قال: لا. قال: «فصل ركعتين» ، قال: فصلى ركعتين، قال: ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا، فأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منها الرجل ثوبين. فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي- صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: له النبي- صلى الله عليه وسلّم- «أصليت؟» قال: لا قال: «فصل ركعتين» ثم حث على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه، فصاح النبي- صلى الله عليه وسلّم-: «خذه خذه» ، ثم قال: «انظروا إلى هذا، جاء تلك الجمعة بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين، فلما جاءت الجمعة الأخرى أمرت الناس بالصدقة فألقى أحد ثوبيه» ، ورجاله موثقون [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (2/ 597) حديث (60/ 876) وأحمد 5/ 81 والنسائي 8/ 194. [ (2) ] أخرجه البخاري (2/ 478) حديث (931) ومسلم (2/ 596) حديث (55/ 875) وأبو داود 1/ 291 (1115) والترمذي 2/ 384 (510) والنسائي 3/ 84 وابن ماجة 1/ 353 (1112) والشافعي في المسند 1/ 157. [ (3) ] الدارقطني 2/ 15. [ (4) ] أخرجه أحمد 3/ 25 والنسائي 3/ 87 والترمذي 2/ 385) حديث (511) وقال حسن صحيح.

السابع: في شربه - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على المنبر ليرى الناس أنه لا يصومه.

وروى الطبراني في الكبير عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخل النعمان بن قوقل ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صل ركعتين تجوز فيهما» [ (1) ] . وروى ابن ماجه، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا دخل المسجد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب، فجعل يتخطى رقاب الناس، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اجلس فقد آذيت وآنيت» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن عبد الله بن بسر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اجلس فقد آذيت وآنيت» [ (3) ] . وروى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لما استوى رسول الله على المنبر، قال: «اجلسوا» فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «تعال يا عبد الله بن مسعود» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: «رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب وأنا في الشمس فأمرني فتحولت» [ (5) ] . السابع: في شربه- صلى الله عليه وسلّم- يوم الجمعة على المنبر ليرى الناس أنه لا يصومه. روى ابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، عن جنادة الأزدي [ (6) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في سبعة من الأزد، أنا منهم يوم الجمعة وهو يتغدى فدعانا إلى طعامه، فقلنا: إنا صيام فأمرنا فقال: «أصمتم أمس؟» قلنا: لا. قال: «أفتصومون غدا؟» قلنا: لا، قال: «فأفطروا» ، فأكلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من طعامه، فلما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وصعد المنبر، دعا بماء فشربه وهو على المنبر يرى الناس أنه لا يصوم يوم الجمعة» [ (7) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 84 وقال ليس للنعمان بن قوقل في هذا الحديث ذكر في الصحيح. [ (2) ] ابن ماجة 1/ 354 (1115) . [ (3) ] أحمد 4/ 188 وأبو داود 1/ 292 (1118) . [ (4) ] أبو داود 1/ 286 (1091) وقال مرسل. [ (5) ] أحمد 4/ 262. [ (6) ] جنادة: بضم أوله ثم نون، ابن أبي أمية الأزدي، أبو عبد الله الشامي، يقال: اسم أبيه كثير، مختلف في صحبته، فقال العجلي: تابعي ثقة، والحق أنهما اثنان، صحابي وتابعي، متفقان في الاسم وكنية الأب، وقد بينت ذلك في كتابي في الصحابة، ورواية جنادة الأزدي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في سنن النسائي، ورواية جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت، في الكتب الستة. التقريب. 1/ 134. [ (7) ] بنحوه أخرجه الطحاوي في معاني الآثار 2/ 79.

الثامن: في وقوفه - صلى الله عليه وسلم - مع من يكلمه بعد نزوله من المنبر وقبل الصلاة.

الثامن: في وقوفه- صلى الله عليه وسلّم- مع من يكلمه بعد نزوله من المنبر وقبل الصلاة. روى الإمام أحمد، والأربعة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينزل من المنبر يوم الجمعة، فيكلمه الرجل في حاجته، فيكلمه، ثم يتقدم إلى مصلاه» . وقال أبو داود: ليس بمتصل عن ثابت تفرد به جرير بن حازم. وقال الترمذي: سمعت محمدا يعني: البخاري يقول: «وهم جرير بن حازم في هذا الحديث. والصحيح ما روي عن ثابت عن أنس قال: أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 3/ 119 وأبو داود 1/ 292 (1120) والترمذي 2/ 394 (517) والنسائي 3/ 90 وابن ماجة 1/ 354 (1117) .

الباب الخامس في صفة خطبته وما وقفت عليه من خطبه - صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في صفة خطبته وما وقفت عليه من خطبه- صلى الله عليه وسلم قال في «زاد المعاد» : كان مدار خطبته- صلى الله عليه وسلّم- على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وصفات كماله ومحامده وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بالتقوى، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه. وكان يقول في خطبه أيضا: «أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سدّدوا وأبشروا» ، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم، ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله تعالى ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة. كان يقصر خطبته أحيانا ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس. كانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة، وكان يخطب النساء على حدة ويحثهن على الصدقة. ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته، ولم يكن يلبس ما يلبسه الخطباء اليوم، ولا طرحة ولا غيرها، وكان يخطب على الأرض، وعلى المنبر، وعلى البعير، وعلى الناقة. وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته كأنه منذر جيش، وكان يخطب كثيرا بالقرآن، وكان أحيانا يتوكأ على قوس ولم يحفظ أنه على سيف. وكان منبره على ثلاث درجات، فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذّن في الأذان فقط، ولم يقل شيئا قبله ولا بعده. فإذا أخذ في الخطبة واشتد غضبه، لم يرفع أحد صوته، بشيء البتة- لا مؤذن ولا غيره. وروى أبو داود، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا تشهد قال: «الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا» . وفي رواية ابن شهاب مرسلا: «ومن يعصهما فقد غوى» .

ونسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يطيعه، ويطيع رسوله ويتبع رضوانه، ويجتنب سخطه، فإنما نحن به وله [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عنه قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أما بعد» [ (2) ] . وروى الطبراني عن شداد بن أوس- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر، يحق الحق، ويبطل الباطل، أيها الناس كونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها ولدها» [ (3) ] . وروى الإمامان الشافعي، وأحمد، ومسلم، وابن ماجه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب يوما فقال: «إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله» [ (4) ] . وروى ابن أبي الدنيا، والبيهقي في «الشعب» ، عن الحسن البصري- رحمه الله تعالى- قال: طلبت خطبة النبي- صلى الله عليه وسلم- في الجمعة فأعيتني، فلزمت رجلا من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلّم- فسألته عن ذلك فقال: كان يقول في خطبته يوم الجمعة: «يا أيها الناس إن لكم علما فانتهوا إلى علمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، فإن المؤمن بين مخافتين، بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه، فليتزود المؤمن لنفسه بنفسه، ومن دنياه لآخرته. الدنيا خلقت لكم، والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب وما بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار، واستغفروا الله لي ولكم [ (5) ] . وروى البيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن شهاب قال: بلغنا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول إذا خطب: «كل ما هو آتٍ قريب لا بعد لما هو آت، لا يعجل الله بعجلة أحد ولا يخف لأمر الناس، ما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعد لما قرّب الله، ولا مقرب لما بعّد الله، ولا يكون شيء إلا بإذن الله بحق» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 1/ 287 (1098) [ (2) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2/ 188 رجاله موثقون. [ (3) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 188 فيه سعيد بن سنان ضعيف جدا. [ (4) ] أخرجه مسلم (2/ 593) حديث (46/ 868) والنسائي 6/ 74 وابن ماجة 1/ 610 (1893) . [ (5) ] أخرجه البيهقي (1) . [ (6) ] ذكره السّيوطي في الدر المنثور 6/ 222.

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: «أنذرتكم النار، أنذرتكم النار» ، حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه. وفي رواية «وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطبهم فقال: «أما بعد» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، ومسلم، وابن ماجه، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا خطب» . وفي رواية: إذا ذكر الساعة احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: «صبّحكم» . وفي رواية: كانت خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول بأثر ذلك وقد علا صوته انتهى. «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» ، ثم يقول: «من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ثم يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين، ثم يقول: من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ضياعا فعليّ وإليّ فأنا أولى بالمؤمنين» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني، والبزار- على الشك- برجال الصحيح عن علي أو الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه، وكأنّه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم حتى يرتفع [ (4) ] . وروى الإمام الشافعي، عن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب يوما فقال في خطبته: «ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق، يقضي فيها ملك قادر، ألا إن الخير كله بحذافيره في الجنة، إلا وإن الشّر كله

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 268 [ (2) ] أحمد 4/ 367. [ (3) ] أحمد 3/ 310 ومسلم (2/ 592) حديث (43/ 867) والنسائي 3/ 53 وابن ماجة 1/ 17 (45) . [ (4) ] أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وأبو يعلى عن الزبير وحده وقال الهيثمي 2/ 188 رجاله رجال الصحيح.

بحذافيره في النار، [إلا فاعلموا] وأنتم من الله- عز وجل- على حذر، واعلموا أنكم معرضون على أعمالكم، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ (1) ] . وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد بن منيع، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما أخذت ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلا من في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس» [ (2) ] . وروى ابن سعد عن أم صبيّة: خولة بنت قيس الجهنية- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أسمع خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة وأنا في مؤخر النساء وأسمع قراءة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ على المنبر وأنا في مؤخر المسجد» [ (3) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، عن يعلى بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ على المنبر وَنادَوْا يا مالِكُ [ (4) ] [الزخرف 77] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والثلاثة، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصلوات فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا» ، زاد أبو داود: «يقرأ بآيات من القرآن، ويذكر الناس» [ (5) ] . وروى أبو داود عنه: قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وأبو نعيم عن الحكم بن حزن الكلفي أنه شهد الجمعة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقام فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: «أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كلّ ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا» [ (7) ] . وروى النسائي عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند (1/ 148) حديث (429) . [ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 595 في الجمعة (52/ 873) وأبو داود 1/ 288 (1102) والنسائي 3/ 107. [ (3) ] انظر الطبقات الكبرى 8/ 216. [ (4) ] البخاري (8/ 568) حديث (4819) ومسلم (2/ 594) حديث (49/ 871) وأبو داود 4/ 25 والترمذي (2/ 382) وقال حسن غريب (508) . [ (5) ] أحمد في المسند 5/ 93 ومسلم 2/ 590) حديث (41/ 866) وأبو داود 1/ 288 (1101) والترمذي 2/ 381 (507) والنسائي 3/ 90. [ (6) ] أبو داود المصدر السابق. [ (7) ] أحمد في المسند 4/ 212 وأبو داود 1/ 287 (1096) .

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكثر الذكر، ويقلّ اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين لبعض الحاجة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ يوم الجمعة تَبارَكَ وهو قائم يذكر بأيام الله» [ (2) ] . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد برجال الصحيح عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ يوم الجمعة (براءة) وهو قائم يذكر بأيام الله تعالى [ (3) ] . وروى عبد بن حميد- بسند ضعيف- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرأ في خطبته (المائدة) وسورة (التوبة) ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «أحلّوا ما أحل الله فيهما وحرّموا ما حرم الله تعالى فيهما» . وروى الطبراني برجال ثقات غير إسحاق بن زريق فيحرر حاله عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقرأ على المنبر قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (4) ] . وروى الطبراني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب فقرأ في خطبته آخر (الزّمر) فتحرك المنبر مرتين» [ (5) ] . وروى البزار، والطبراني، عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات كل جمعة» [ (6) ] . وروى البيهقي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا أيّها النّاس توبوا قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم ترحموا» [ (7) ] .

_ [ (1) ] النسائي 3/ 89. [ (2) ] المسند 5/ 143. [ (3) ] المسند 5/ 143. [ (4) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 190 تفرد به إسحاق بن زريق ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون. [ (5) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2/ 90 من رواية أبي بحر البكراوي عن عباد بن ميسرة وكلاهما ضعيف إلا أن أحمد قال في أبي بحر: لا بأس به. [ (6) ] البزار كما في الكشف 1/ 307 (641) وقال الهيثمي 2/ 190 رواه البزّار والطبراني وقال في إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف. [ (7) ] أخرجه ابن ماجة بإسناد ضعيف (1081) والبيهقي (2/ 90 و 171) وابن عدي في الكامل 4/ 1498.

الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الجمعة

الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في صلاة الجمعة وفيه نوعان: الأول: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم قبل صلاة الجمعة. روى ابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن» [ (1) ] . الثاني: في قراءته في صلاته الجمعة- صلى الله عليه وسلّم. روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن عبيد الله بن أبي رافع أن أبا هريرة- رضي الله تعالى عنه- قرأ في الجمعة بعد الحمد سورة (الجمعة) في الأولى وإِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ في الثانية، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، فقال أبو هريرة: «فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرؤهما» [ (2) ] . وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الجمعة ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ [ (3) ] . وروى الإمامان: مالك، وأحمد، ومسلم، والأربعة، عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين، وفي الجمعة ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ، وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاة» [ (4) ] . وروى عبد الرزاق في مصنفه وسعيد بن منصور عن طاوس مرسلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ في الجمعة سورة (الجمعة) ويا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 358 (1129) وقال البوصيري إسناده مسلسل بالضعفاء عطية متفق على ضعفه وحجاج مدلس ومبشر بن عبيد كذاب، وبقية مدلس. [ (2) ] أحمد 2/ 467 وأبو داود 1/ 293 (1124) والترمذي 2/ 396 (519) قال حسن صحيح. [ (3) ] أحمد 5/ 13 وأبو داود 1/ 293 (1125) والنسائي 3/ 91. [ (4) ] أحمد 4/ 276 وأخرجه مسلم (2/ 598) حديث (62/ 878) وأبو داود 1/ 293 (1123) والنسائي 3/ 92. وأشار له الترمذي تابع حديث (519) . [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 142.

الثالث: في صلاته - صلى الله عليه وسلم.

وروى البزار، والطبراني، عن أبي عنبة الخولاني، ومسلم، والأربعة، عن ابن عباس، والطبراني بسند حسن عن أبي هريرة، وابن مردويه عنه وعن جابر واللفظ لهما- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ يوم الجمعة (بالجمعة) فيحرض المؤمنين، وفي الثانية إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ يوبخ وفي لفظ: «يفزع بها المنافقين» [ (1) ] . الثالث: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم. لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين يطيل فيهما. روى الطبراني من طريق حجاج بن أرطاة [ (2) ] وعطية العوفي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يركع قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لا يفصل بينهن [ (3) ] .

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 309 والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 191 فيه سعيد بن سنان وهو ضعيف. وحديث ابن عباس عند مسلم (2/ 599) حديث (64/ 879) والترمذي 2/ 397. وحديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2/ 191 إسناده حسن. [ (2) ] حجاج به أرطاة- بفتح الهمزة- ابن ثور بن هبيرة النخعي، أبو أرطاة الكوفي، القاضي أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة خمس وأربعين. التقريب 1/ 152. [ (3) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2/ 195 فيه الحجاج وعطية وكلاهما فيه كلام.

الباب السابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - بعد الخروج من الصلاة

الباب السابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- بعد الخروج من الصلاة روى الستة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين يطيل فيهما» [ (1) ] . وروى الطبراني من طريق حجاج بن أرطاة وعطية العوفي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يركع قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لا يفصل بينهن» . وروى أبو عبيد وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه عن طريق عبد الله الحيراني عن عبد الله بن بسر الحيراني قال: رأيت عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الجمعة خرج فدار في السوق ساعة ثم رجع إلى المسجد فصلى ما شاء الله أن يصلي، فقيل له: لأي شيء تصنع هذا؟ فقال: «رأيت سيد المرسلين- صلى الله عليه وسلم- هكذا يصنع، وتلا هذه الآية فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [ (2) ] .

_ [ (1) ] البخاري (2/ 16) ومسلم (2/ 600) حديث (71/ 881) وأبو داود 1/ 294 (1127) والترمذي 2/ 399 (522) والنسائي 3/ 93 وابن ماجة 1/ 358 (1130) والبيهقي 3/ 240. [ (2) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 94 فيه عبد الله الحيراني ضعفه ابن القطان وجماعة ووثقه ابن حبان.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفرائض في السفر

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الفرائض في السفر الباب الأول في إباحته- صلّى الله عليه وسلّم- القصر، وأنه رخصة روى الإمامان: الشافعي، وأحمد- وزاد حتى يرجع، - وأبو داود والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: سافر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما بين مكة والمدينة آمنا لا يخاف إلا الله تعالى، وصلّى ركعتين [ (1) ] . وروى الإمام مالك، والنسائي، وابن ماجة عن عبد الله بن خالد- رحمه الله تعالى- قال: «قلت لابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- كيف تقصر الصلاة وإنما قال الله عز وجل: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ فقال ابن عمر: يا ابن أخي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- علمنا، فكان فيما تعلمنا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر» ، وفي رواية «إن الله- عز وجل- بعث إلينا محمدا- صلى الله عليه وسلم- ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يفعل» [ (2) ] . وروى الإمام الشافعي، والشيخان، والثلاثة، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت الظهر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالمدينة أربعا وخرج يريد مكة فصلى بذي الحليفة ركعتين» [ (3) ] . وروى الشيخان عنه قال: «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة وكان يصلي ركعتين [ركعتين] حتى رجعنا إلى المدينة، قيل له: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا [ (4) ] . وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أقام تسعة عشر يقصر الصلاة فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا» [ (5) ] . وفي رواية أبي داود

_ [ (1) ] أحمد 1/ 285 والترمذي 2/ 434 (549) . والنسائي 3/ 96 وبنحوه أبو داود 2/ 10 (1233) . [ (2) ] أخرجه النسائي 3/ 96 وابن ماجة 1/ 339 (1066) . [ (3) ] البخاري (2/ 663) حديث (1089، 1546) (1547، 1548، 1551) . ومسلم حديث (11/ 690) وأبو داود 2/ 4 (1202) والترمذي 2/ 431 (546) والنسائي 3/ 99. [ (4) ] البخاري (2/ 653) حديث (1081، 4297) ومسلم (1/ 481) حديث (15/ 693) . [ (5) ] البخاري (1/ 653) حديث (1080) (498، 4299) .

"تنبيه".

أنه- صلى الله عليه وسلم- أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة، الرواية الأولى بتقديم التاء على السين، الثانية بتقديم السين على الموحدة [ (1) ] . وروى أبو داود عن عمران بن حصين قال: «غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين» [ (2) ] . وروى أبو داود من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله- ورجاله ثقات- ولم ينفرد به ابن إسحاق، فقد رواه النّسائي من طريق عراك بن مالك عن عبيد الله عن ابن عباس قال: «أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة» [ (3) ] . «تنبيه» . يجمع بين هذا الاختلاف بأن من قال تسعة عشر عدّ يوم الدخول والخروج، ومن قال: سبع عشرة حذفهما، قال الحافظ: وتحمل رواية خمسة عشر على أن رواية الأصل سبعة عشر، فحذف الراوي منها يوم الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر انتهى. وروى ابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من هذه المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين سافر ركعتين، وحين أقام أربعا [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والخمسة، عن حارثة بن وهب- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن أكثر ما كنا قط وآمن الظهر والعصر ركعتين» [ (6) ] . وروى الطيالسي ورجاله ثقات، ومسدد، وابن أبي شيبة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من بيته مسافرا صلّى ركعتين ركعتين حتى يرجع» [ (7) ] . وروى ابن أبي شيبة، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 10 (1230) . [ (2) ] أبو داود 2/ 9 (1229) . [ (3) ] أبو داود 2/ 9 (1231) والنسائي 3/ 100. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 339 (1067) . وذكره الحافظ في المطالب (647) . [ (5) ] أحمد 1/ 251 وفيه حميد بن علي قال الدارقطني لا يحتج به وذكره ابن حبّان في الثقات انظر المجمع 2/ 155. [ (6) ] أحمد في المسند 4/ 206 والبخاري (2/ 655) حديث (1082، 1656) ومسلم (1/ 483) حديث (20/ 696) وأبو داود 2/ 200 (1965) والنسائي 3/ 98. [ (7) ] الطيالسي كما في المنحة (1/ 125) حديث (591) وابن أبي شيبة 2/ 447.

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بمنى ركعتين، ومع أبي بكر، ومع عمر، ومع عثمان صدرا من إمارته» [ (1) ] . وروى الحارث ومسدد والبزار، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كل قد فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قد صام وأفطر وأتم وقصر في السفر» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما سافر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سفرا إلا صلّى ركعتين ركعتين حتى يرجع» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي الظهر» [ (4) ] . وروى مسلم عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فعرّس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرّس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه من حديث عبد الله بن عمر البخاري 2/ 655 (1083) (1655) ومسلم 1/ 482 (17/ 694) . [ (2) ] البزار كما في الكشف 2/ 329 وقال الهيثمي 2/ 157 فيه المغيرة بن زياد اختلف في الاحتجاج به. [ (3) ] أحمد 4/ 430 وأبو داود (1229) . [ (4) ] أبو داود 2/ 4 (1205) والنسائي 1/ 248 والدارمي 2/ 289 وأحمد 3/ 120 وابن أبي شيبة 1/ 350 والطحاوي في المعاني 1/ 185. [ (5) ] أخرجه مسلم (1/ 476) حديث (313/ 683) .

الباب الثاني في تقديره - صلى الله عليه وسلم - مسافة القصر وابتدائه والإقامة ببلد الحاجة

الباب الثاني في تقديره- صلى الله عليه وسلّم- مسافة القصر وابتدائه والإقامة ببلد الحاجة روى مسلم، وأبو داود، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ- شك شعبة- صلى ركعتين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن جبير بن نفير قال: «خرجت مع شرحبيل بن السّمط إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلا فصلى ركعتين فقلت له فقال: رأيت عمر بذي الحليفة يصلي ركعتين فقلت له فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفعل» [ (2) ] . وروى مسدد، وابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من المدينة سافر فرسخا ثم قصر الصلاة» [ (3) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قيل له: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا نقصر الصلاة» . وروى الإمام أحمد، والبخاري، والأربعة، والدارقطني، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: «أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تسعة عشرة يقصر الصلاة» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: ما سافر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سفرا إلا صلى ركعتين ركعتين إلا المغرب حتى يرجع، وأنه أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم يقول «يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر» ، ثم غزا حنينا والطائف، فصلى ركعتين ركعتين، ثم رجع إلى الجعرانة فاعتمر منها في ذي القعدة، الحديث [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة» [ (5) ] والله أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 481 (12/ 691) وأبو داود 2/ 3 (1201) . [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 481 (13/ 692) والنسائي 3/ 96. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 442. [ (4) ] تقدم وهو عند أحمد 4/ 430 وأبو داود 2/ 9 (1229) . [ (5) ] أبو داود 2/ 11 (1235) وأحمد 3/ 295 والبيهقي 3/ 152.

الباب الثالث في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاتين

الباب الثالث في جمعه- صلّى الله عليه وسلم- بين الصلاتين وفيه أنواع الأول: في إباحة الجمع وكونه رخصة. روى ابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين المغرب والعشاء في السفر من غير أن يعجله شيء ولا يطلبه عدو ولا يخاف شيئا» [ (1) ] . الثاني: في جمعه- صلّى الله عليه وسلم- في السفر. روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر» ، وفي رواية: «إذا عجل به السير أخر الظهر» ، وفي رواية: «إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء» [ (3) ] . وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والشيخان وابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال، وإذا سافر قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر، وإذا حانت المغرب وهو في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وابن أبي عمر برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء في السفر» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 340 (1069) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 678 (1111) و (1112) ومسلم 7/ 489 (48/ 704) وأبو داود 2/ 7 (18/ 12) . [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 138. [ (4) ] أخرجه الشافعي 1/ 116 وبنحوه عن أحمد 1/ 367 وانظر شرح السنة للبغوي 2/ 547. [ (5) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 303.

الثالث: في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بجمع والمزدلفة.

وروى الدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا ارتحل حين تزول الشمس جمع بين الظهر والعصر، وإذا مدّ له السير أخر الظهر وعجّل العصر ثم جمع بينهما [ (1) ] . وروى الطبراني من طريق حفص بن عمر الجدي- قال عنه الذهبي: منكر الحديث- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أقام بخيبر ستة أشهر يصلي الظهر والعصر جميعا» [ (2) ] . وروى مسلم عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: جمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي- بسند حسن- عنه أيضاً، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب مثل ذلك، أن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن رحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما [ (4) ] . الثالث: في جمعه- صلّى الله عليه وسلم- بجمع والمزدلفة. روى الأئمة إلا الدارقطني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى المغرب والعشاء بمزدلفة جميعا كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها» [ (6) ] . وروى أبو داود مرسلا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «صلى الظهر والعصر بأذان واحدة بعرفة ولم يسبّح بينهما، وإقامتين وصلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد

_ [ (1) ] الدارقطني في السنن 1/ 391. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 161. [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 490 (53/ 706) ومالك في الموطأ 1/ 143 (2) . [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 241 وأبو داود 2/ 4 (1206) والترمذي 2/ 438 (553) . [ (5) ] الحديث عند أبي داود 2/ 191 (1926) والنسائي 2/ 14. [ (6) ] أحمد في المسند 1/ 426 وأبو داود 2/ 193 (1934) والنسائي 5/ 212.

الرابع: في جمعه - صلى الله عليه وسلم - في الإقامة.

وإقامتين، ولم يسبّح بينهما» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، عن ابن عمرو وجابر- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء» [ (2) ] . الرابع: في جمعه- صلّى الله عليه وسلم- في الإقامة. روى الجماعة إلا ابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة ثمانيا وسبعا جميعا الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر» ، وفي رواية «من غير خوف ولا مطر» . قال عمرو: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: «وأنا أظن» ، وعند النسائي لفظ التأخير والتعجيل من قول ابن عباس، وزاد مسلم عن ابن عباس، أراد أن لا يحرج أمته» [ (3) ] . وروى الطبراني عن طريق عبد الله بن عبد القدوس. عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: جمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بين الأولى والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: «صنعت هذا لكيلا أحرج أمتي» [ (4) ] . وروى البزار عن طريق عثمان بن خالد الأموي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «جمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بين الصلاتين في المدينة من غير خوف» [ (5) ] . قال النووي في شرح مسلم: للعلماء في هذا الحديث أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين وهو ضعف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر، يريد التي رواها، فقد روى الإمام مالك عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا مطر ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم، فصلّى الظهر، ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر قد دخل، فصلاها. وهذا أيضا باطل، لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء. ومنهم من [تأوله على تأخير الأولى أخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر 2/ 192 (1933) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 158. [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 489 (49/ 705) وأبو داود 2/ 6 (1210) والنسائي 1/ 290 ومالك في الموطأ 1/ 444 حديث (4) . [ (4) ] الطبراني في الكبير والأوسط المجمع 2/ 161 وفيه عبد القدوس ضعفه بن معين. [ (5) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 332 (689) وقال البزار تفرد به عثمان بن خالد.

الخامس: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - الفرض على الدابة لعذر.

فصلاها، فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضا ضعيف وباطل- وساق أدلته على ذلك ثم قال: ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر للمرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار. وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس، وموافقة أبي هريرة، ولأن المشقة فيه أشد من المطر. وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي- ثم قال: ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد ألا يحرج أمته. فلم يعلله بمرض ولا غيره] . الخامس: في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- الفرض على الدابة لعذر. روى الطبراني، وأبو داود، من حديث يعلى بن مرة- وإسناد الطبراني برجال ثقات- عن يعلى بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فأصابنا السماء فكانت البلّة من تحتنا والسماء من فوقنا وكان في مضيق فحضرت الصلاة، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بلالا فأذن وأقام وتقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصلى على راحلته والقوم على رواحلهم، يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع» [ (1) ] . وروى البزار عن عمرو بن يعلى- رضي الله تعالى عنه- قال: حضرت الصلاة صلاة المكتوبة ونحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتقدّمنا ثم أمنا فصلينا على ركائبنا» [ (2) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير وأخرجه الترمذي 2/ 266 (411) وانظر المجمع 2/ 161. [ (2) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 330 (684) وقال الهيثمي فيه عبد الأعلى بن عامر ضعيف المجمع 2/ 161.

الباب الرابع في صلاته - صلى الله عليه وسلم - النوافل في السفر

الباب الرابع في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- النوافل في السفر وفيه نوعان: الأول: في صفة صلاتها. روى الإمام أحمد، وأبو داود- واستغربه- عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: «سافرت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة- وفي لفظ ثمانية- عشر، سفرا فلم أره ترك الركعتين قبل الظهر» [ (1) ] . وروى الترمذي- وحسنه- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الحضر والسفر، فصليت معه في الحضر الظهر أربعا وبعدها ركعتين، وصليت معه في السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، واللفظ له، وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الحضر وصلاة السفر، وكان يصلي في الحضر قبلها وبعدها وصلّى في السفر قبلها وبعدها» [ (3) ] . وروى الطبراني- بسند جيد- عن مسروق قال: «سألت عائشة عن تطوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في السفر، فقالت: ركعتان دبر كل صلاة» [ (4) ] . وروى الأئمة إلا الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: صحبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل» [ (5) ] . الثاني: في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- النافلة على الدواب في السفر. روى أبو داود والإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعا استقبل القبلة يكبر للصلاة، ثم صلّى حيث وجّهه ركابه» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 292 وأبو داود 2/ 8 (1222) . [ (2) ] الترمذي 2/ 437 (552) . [ (3) ] أحمد 1/ 232 وابن ماجة 1/ 339 (1068) . [ (4) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي فيه سعيد بن زنبور وثقه ابن حبان المجمع 2/ 233. [ (5) ] الحديث عند أبي داود 2/ 8 (1223) والنسائي 3/ 110 وابن ماجة 1/ 340 (1071) . [ (6) ] أحمد في المسند 3/ 203 وأبو داود 2/ 9 (1225) .

وروى الشيخان عن عامر بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به» [ (1) ] . وفي رواية: «يومئ برأسه قبل أيّ وجه توجّهه، ولم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة» [ (2) ] . وروى البخاري عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجها نحو المشرق» [ (3) ] . وروى أيضاً عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» [ (4) ] . وروى الإمام مالك والجماعة والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسبح على ظهر راحلته حيث توجهت به ويومئ برأسه» . وفي رواية: يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته. وفي رواية: رأيته يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر. وفي رواية: كان يوتر على البعير [ (5) ] . وروى أبو داود والترمذي عن [عمرو بن عثمان بن] يعلى بن مرة عن أبيه عن جده «أنهم كانوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في مسير، فانتهوا إلى مضيق فحضرت الصلاة فمطروا، السماء من فوقهم والبلّة من أسفل منهم فأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع، ورواه الطبراني بالإسناد إلا أنه قال: يعلى بن أمية» [ (6) ] . وروى الإمام مالك وابن ماجة والدارقطني عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على البعير [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 488 (40/ 701) . [ (2) ] مسلم 1/ 487 (39/ 700) . [ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 9 (1227) والترمذي 2/ 182 (351) . [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 56 والنسائي 2/ 494. وأحمد 3/ 330. [ (5) ] أخرجه البخاري 2/ 567 (1000) والنسائي 2/ 61. [ (6) ] تقدم. [ (7) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 379 (1200) والدارقطني (2/ 21) .

تنبيهات

وروى الأئمة مالك وأحمد ومسلم وأبو داود عن ابن عمر قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر» [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر على راحلته» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن شقران مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متوجها إلى خيبر يومئ إيماء» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، عن الهرماس بن زياد- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي على بعير نحو الشام» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته قبل المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة، نزل فاستقبل القبلة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عنه قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة، ولكنه يخفض السجود عن الركوع ويومئ إيماء» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، والدارقطني، عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي على راحلته في التطوع حيثما توجهت به يومئ إيماء» [ (7) ] . تنبيهات الأول: قال ابن القيم: لم يحفظ عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه صلى سنة الصلاة- قبلها ولا بعدها- في السفر إلا ما كان من سنة الفجر. قال الحافظ: ويرد عليه ما قدمناه في رواية الترمذي من حديث ابن عمر، وما رواه أبو داود من حديث البراء بن عازب. الثاني: قوله: في رواية أنس على حمار، قال الدارقطني وغيره، هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني، وإنما المعروف في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي راحلته أو البعير، والصواب أن الصلاة

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 487 (35/ 700) وأبو داود، 2/ 9 (1226) . [ (2) ] ابن ماجة 1/ 379 وقال الشهاب البوصيري في إسناده عباد بن منصور ضعيف. [ (3) ] أحمد في المسند 3/ 495. [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 485. [ (5) ] أحمد في المسند 3/ 378. [ (6) ] أحمد في المسند 3/ 126. [ (7) ] أحمد في المسند 3/ 73.

على الحمار من فعل أنس كما ذكره مسلم بعد هذا. قال النووي في تغليط عمرو نظر، لأنه ثقة نقل شيئا محتملا فلعله كان الحمار مرة، والبعير مرة أو مرات، لكن قد يقال: إنه مخالف لرواية الجمهور في البعير والراحلة، والشاذ مردود. قلت: قد روى الطبراني من طريق مسلم بن خالد الزنجي وقد وثقه الشافعي، وابن حبّان، وابن عدي وغيرهم، وضعفه جماعة وقال الذهبي في المعلى: صدوق اتهم. وقال الحافظ في التقريب: عن شقران مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متوجها إلى خيبر على حمار يصلي عليه.

جماع أبواب هديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف

جماع أبواب هديه- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الخوف الباب الأول في بيان عدد المرات والكيفيات التي صدرت منه- صلى الله عليه وسلّم لصلاة الخوف على سبيل الإجمال قال الإمام الحافظ الخطابي- رحمه الله تعالى- صلاها النبي- صلى الله عليه وسلم- في أيام مختلفة، بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة، والأبلغ للحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى. وحكى ابن القصّار [ (1) ] المالكي رحمه الله تعالى: «أنه- صلى الله عليه وسلم- صلاها عشر مرات» وقال القاضي أبو بكر بن العربي- رحمه الله تعالى- أربعا وعشرين مرة. ونقل الترمذي عن الإمام أحمد أنه قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيّها فعل المرء جاز. ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة، وكذا رجّحه الإمام الشافعي، ولم يرجح الإمام إسحاق بن راهويه شيئا على شيء، وبه قال ابن جرير وغير واحد منهم ابن المنذر وسرد ثمانية أوجه، وكذلك ابن حبان في صحيحه، وزاد تاسعا. وقال أبو محمد بن حزم- رحمه الله تعالى: صح فيها أربعة عشر وجها، وبيّنها في جزء مفرد. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة. وذكر الإمام النووي- رحمه الله تعالى- نحوه في شرح مسلم، ولم يبيّنها، وبيّنها أبو الفضل العراقي- رحمه الله تعالى في «شرح الترمذي» وزاد وجها آخر، فصارت سبعة عشر وجها وذكر أنه يمكن تداخلها. وقال في «زاد المعاد» : أصولها ست صفات، وبيّنها بعضهم إلى أكثر فهؤلاء كلما رأوا

_ [ (1) ] أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد المعروف بابن القصّار: تفقّه بأبي بكر الأبهري وله كتاب في مسائل الخلاف كبير لا أعرف لهم كتابا في الخلاف أحسن منه. ومنهم أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله المعروف بابن الحلاب: تفقه بأبي بكر الأبهري، وله كتاب في مسائل الخلاف. طبقات الفقهاء للشيرازي/ 168.

اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وإنما هو من اختلاف الرواة. انتهى. قال الحافظ- رحمه الله تعالى- وهذا هو المعتمد. وإليه أشار شيخنا العراقي بقوله: لكن يمكن تداخلها. قلت: والستة المشار إليها في كلام الإمام أحمد حديث سهل، وحديث ابن عمر، وحديث أبي عياش الزرقي، وحديث أبي بكرة، وحديث جابر، وحديث ابن عباس.

الباب الثاني في بيان كيفيات صلاته - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الخوف. على سبيل التفصيل

الباب الثاني في بيان كيفيات صلاته- صلّى الله عليه وسلم- لصلاة الخوف. على سبيل التفصيل قال الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي- رحمه الله تعالى-: قد جمعت طرق الأحاديث الواردة في صلاة الخوف فبلغت سبعة عشر وجها، وفي بعضها والعدو بينه وبين القبلة وهي أكثر أحاديث الباب. وفي بعضها كان العدو في غير القبلة وذلك في خمسة أحاديث: في حديث ابن عمر، وبعض طرق حديث سهل بن أبي حثمة، وفي حديث جابر من رواية الحسن عنه، وفي حديث أبي هريرة من رواية مروان بن الحكم عنه، وفي حديث ابن مسعود، وها أنا مورد ما ذكره منقحا له: الوجه الأول: روى الخمسة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبل نجد فوازينا العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومن معه ركعة وسجدتين ثم انصرفوا مكان أولئك الذين لم يصلوا، وجاءت الطائفة التي لم تصل فركع بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، فقام كل رجل من المسلمين فركع لنفسه ركعة وسجدتين» [ (1) ] . قال العراقي: وهكذا في حديث أبي موسى وليس في طرق حديث ابن عمرو لا حديث أبي موسى بيان لكيفية قضاء الطائفتين للركعة، هل قضت كل فرقة ركعتها بعد سلام الإمام أو تقدمت بقضائها وحرست الأخرى ثم قضت الأخرى وحرس الآخرون. وقد حكى فيه النووي خلافا فقال في «شرح مسلم» ثم قال: إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا، وقيل متفرقين قال: وهو الصحيح. قال العراقي: وهذا ليس اختلافا في الرواية، وإنما هو اختلاف لبعض العلماء، وكأن النووي أخذه من القاضي فإنّه قال «في الإكمال» : اختلف في تأويله. فقيل: قضوا معا، وهو تأويل «أبي سهل» بن حبيب، وعليه حمل قول أشهب: وقيل: قضوا «ركعتهم الباقية معا» وقيل

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 487 في المغازي باب غزوة ذات الرقاع (4133) وأخرجه مسلم 1/ 574 (35/ 839) والترمذي 2/ 453 (564) .

متفرقين، قال وهو الصحيح مثل حديث ابن مسعود وهو المنصوص لأشهب. انتهى ثم قال العراقي: وأمّا ما وقع في الرافعي وغيره من كتب الفقه: الوجه الثاني: روى الإمام الشافعي والخمسة عن مالك بن يزيد بن رومان عن صالح بن خوّات عمن صلى مع النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفّت [معه] وطائفة وجاه العدو. فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلّم بهم [ (1) ] . وروى الشيخان عن سهل بن أبي حثمة ... أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى بأصحابه في الخوف، وصفّهم خلفه صفين، فصلّى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائما حتى صلّى الذين معه ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد، حتى صلى الذين تجاه القوم ركعة ثم سلّم [ (2) ] . الوجه الثالث: روي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن صالح بن خوّات [ (3) ] عن سهل بن أبي حثمة في حديث يزيد بن رومان عن صالح: إلا أن الطائفة الأولى إذا أتموا لأنفسهم ركعة سلموا ثم انصرفوا، وإذا صلى الإمام بالطائفة الثانية سلم، فيركعون لأنفسهم الركعة الثانية، ثم يسلمون قال القاضي: وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو داود [ (4) ] . الوجه الرابع: روى مسلم وأبو داود عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صفّهم خلفه صفين فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفهم ركعة ثم تقدموا، وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلّى بهم ركعة ثم قعد ثم صلّى الذين تخلفوا ركعة ثم سلّم جميعا زاد أبو داود: إن هذه الأولى إذا صلت ركعة وتقدمت لم تسلم [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 421 في المغازي (4129) ومسلم (1/ 575) حديث (310/ 842) ومالك في الموطأ 1/ 183 (2) . [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 486 (4131) ومسلم (1/ 575) (309/ 841) . [ (3) ] صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري المدني، ثقة، من الرابعة، وخوات: بفتح المعجمة وتشديد الواو، وآخره مثناة. التقريب 1/ 359. [ (4) ] أبو داود 2/ 13 (1239) . [ (5) ] مسلم (1/ 575) (309/ 841) وأبو داود 2/ 12 (1237) .

الوجه الخامس: روى الشيخان وغيرهما عن أبي سلمة عن جابر- رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذات الرقاع وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي- صلى الله عليه وسلم- أربع، وللقوم ركعتان [ (1) ] . قال العراقي ولم يذكر سلامه بعد الركعتين الأوليين. الوجه السادس: روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن الحسن عن أبي بكرة- واللفظ له، «قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلى ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه، فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلّم فكانت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين» [ (2) ] . الوجه السابع: روى مسلم، والنسائي عن عطاء، ومسلم عن أبي الزبير [ (3) ] كلاهما عن جابر رضي الله تعالى عنهما- قال: «شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصفّنا صفّين، صف خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكبّرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصفّ المؤخّر في نحر العدو فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخّر بالسجود، وقاموا، ثم تقدّم الصفّ المؤخّر، وتأخّر الصف المقدّم فقام مقام أولئك، فكبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكبرنا معه، وركع فركعنا جميعا، ثم رفع رأسه ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف [المؤخر في نحور العدو] فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وسلمنا جميعا» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 503 (945) . أخرجه مسلم 1/ 576 (311/ 843) . [ (2) ] أحمد في المسند 5/ 49 وأبو داود 2/ 17 (1248) والنسائي 3/ 146. [ (3) ] محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وضم المهملة الثانية الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي أحد الأئمة. ثقة يدلس. عن جابر وابن عباس وعائشة وعنه أيوب والسفيانان ومالك وخلائق قال ابن المديني مات سنة ثمان وعشرين ومائة الخلاصة 2/ 456. [ (4) ] أخرجه مسلم (1/ 574) حديث (307/ 840) .

والله أعلم. الوجه الثامن: روى ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- فذكر الحديث وقال فيه: فكبر وكبرت الطائفتان، فركع وركعت الطائفة التي خلفه والأخرى قعود، ثم سجد وسجدوا أيضا والآخرون قعود ثم قام فقاموا ونكصوا خلفهم حتى كانوا مكان أصحابهم قعدوا، وأتت الطائفة الأخرى فصلّى بهم ركعة وسجدتين ثم سلّم، فقامت الطائفتان كلتاهما فصلوا لأنفسهم ركعة وسجدتين. الوجه التاسع: روى النسائي وابن حبان عن يزيد الفقير [ (1) ] عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى بهم صلاة الخوف فقام صف بين يديه وصف خلفه، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء، فصلّى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم فكانت له ركعتان ولهم ركعة [ (2) ] . وهكذا في حديث الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي [ (3) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا عند سعيد بن العاصي بطبرستان فقال: أيكم صلّى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا فصف الناس فقال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف بطائفة ركعة صفّ خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، وجاء أولئك فصلّى بهم ركعة ولم يقضوا» [ (4) ] . فقام حذيفة فصف الناس خلفه فصلّى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا، ورواه أبو داود مختصرا. وقال النسائي: في روايته بعد قول حذيفة: «أنا» فوصف فقال صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف بطائفة ركعة صفّت خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة.

_ [ (1) ] يزيد بن صهيب الكوفي أبو عثمان الفقير كان يشكو فقار ظهره. عن ابن عمر وجابر. وعنه سيار أبو الحكم ومسعر. وثقه ابن معين. الخلاصة 3/ 172. [ (2) ] أخرجه النسائي 3/ 142. [ (3) ] ثعلبة بن زهدم التميمي. قال البخاري: لا تصح صحبته. قال العجلي: تابعي ثقة. عن حذيفة. وعنه الأسود بن هلال. الخلاصة 1/ 152. [ (4) ] أخرجه النسائي 3/ 136 وابن حبان كما في الإحسان 4/ 67 (2416) وابن خزيمة 2/ 293 (1343) وأبو داود (1246) .

وفي رواية له: فقام حذيفة وصفّ الناس خلفه صفّين فذكر صلاة حذيفة بهم. وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أنه كان بالدار من أصبهان وما بهم يومئذ كبير خوف، ولكن أحبّ أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم- صلى الله عليه وسلّم- فجعلهم صفين طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها، وطائفة من ورائها، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الآخرين يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض، فتمت للإمام ركعتان وللناس ركعة ركعة والله أعلم [ (1) ] . الوجه العاشر. روى النسائي وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بذي قرد فصف الناس خلفه صفّين، صفا خلفه وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا [ (2) ] . وكذلك روياه أيضا عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- صف خلفه وصف بإزاء العدو، وفي آخره فكان للنبي- صلى الله عليه وسلم- ركعتان ولكل طائفة ركعة. وكذلك في رواية عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى بكل طائفة ركعة [ (3) ] . كذا رواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «أنه صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة في صلاة الخوف» [ (4) ] . الوجه الحادي عشر: روى الشيخان والنسائي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقام الناس معه فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 2/ 197 رجال الكبير رجال الصحيح. [ (2) ] النسائي 3/ 137. [ (3) ] أخرجه ابن حبان في الإحسان 4/ 232 حديث (2861) وأحمد 2/ 522 والترمذي في التفسير (3038) والنسائي في صلاة الخوف 3/ 174. [ (4) ] البيهقي 3/ 253. [ (5) ] أخرجه البخاري 2/ 502 حديث (944) .

ورواه البزار بسياق أتم منه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة له، فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، فقال بعضهم لبعض لو حملتم عليهم ما علموا بكم، حتى تواقعوهم، فقال قائل منهم: إنّ لهم صلاة أخرى فهي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم فاصبروا حتى تحضر فنحمل عليهم جملة فأنزل الله عز وجل وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كبر فكبروا معه جميعا ثم ركع وركعوا معه جميعا فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه ثم قام الذين خلفهم مقبلون على العدو، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من سجوده وقام سجد الصف الثاني، ثم قاموا وتأخر الصف الذين يلونه، وتقدم الآخرون فكانوا يلون رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فلما ركع ركعوا معه جميعا، ثم رفع فرفعوا معه ثم سجد فسجد معه الذين يلونه، وقام الصف الثاني مقبلون على العدو، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من سجوده وقعد، قعد الذين يلونه وسجد الصف المؤخر ثم قعدوا فسجدوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلما سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سلم عليهم جميعا، فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض قالوا «قد أخبروا بما أردنا» [ (1) ] . وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن بكير بن الأخنس عن مجاهد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلّم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» [ (2) ] . وقول أبي عمر بن بكير انفرد به، وإنه ليس بحجة فيما تفرد به مردود، فقد وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم، والنسائي وغيرهم. الوجه الثاني عشر: روى أبو داود عن عروة بن الزبير- رضي الله تعالى عنه-: وابن حبان عن عروة قال: سمعت أبا هريرة- رضي الله تعالى عنه أنه صلى صلاة الخوف مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام غزوة نجد، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى صلاة العصر [ (3) ] . الوجه الثالث عشر: روى أبو داود عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف فقاموا صفا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» [ (4) ] .

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 326 (679) وقال الهيثمي 2/ 196 فيه النضر بن عبد الرحمن وهو مجمع على ضعفه. [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 478 (5/ 687) وأبو داود 2/ 17 حديث (1247) وابن ماجة 1/ 339 (1068) . [ (3) ] أبو داود 2/ 14 حديث (1240) . [ (4) ] أبو داود 2/ 16 (1244) .

وروى عبد الرزاق عنه قال: «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصف صفا خلفه وصفا موازيا وهم في صلاة كلهم فكبّر وكبروا جميعا فصلّى بالصف الذي يليه ركعة، ثم ذهب هؤلاء وجاء هؤلاء فصلّى بهم ركعة، ثم قام هؤلاء الذين يلونهم صلّى بهم الركعة الثانية فصفوا مكانهم، ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء أولئك فقضوا الركعة. الوجه الرابع عشر: روى النسائي عن أبي عياش الزّرقي- رضي الله تعالى عنه قال: «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعسفان فصلينا الظهر فقال المشركون- وعليهم خالد بن الوليد- لقد أصبنا منهم غرة ولقد أصبنا منهم غفلة لو أنا حططنا عليهم وهم في الصلاة، فقالوا: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر فصلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة العصر، ففرّقنا فرقتين، فرقه تصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وفرقة يحرسونه فكبر بالذين يلونه، والذين يحرسونه، ثم ركع فركع هؤلاء وأولئك جميعا ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء الذين يلونه، وتقدم الآخرون، فسجدوا ثم قام فركع بهم جميعا الثانية وبالذين يلونه وبالذين يحرسونه، ثم سجد بالذين يلونه، ثم تأخروا فقاموا في مصاف أصحابهم وتقدم الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم، فكانت لكلهم ركعتان ركعتان مع إمامهم [ (1) ] . وفي رواية رواها أبو داود أيضا أن الصف المتأخر سجدوا مكانهم قبل أن يتقدموا في كل ركعة، ولم يتقدموا في الركعة الأخرى [ (2) ] قال العراقي: وهذا هو المشهور كما في رواية ابن الزبير، وعطاء، عن جابر، وكلاهما عن مسلم وإسناده صحيح، وقد زالت تهمة ابن إسحاق بتصريحه بالتحديث إلا أنه اختلف عليه فيه. هل هي رواية عروة عن أبي هريرة؟ كما تقدم، أو من روايته عن عائشة. قال العراقي: ولعل ابن إسحاق سمعه من محمد بن جعفر بن الزبير بالإسنادين جميعا. الوجه الخامس عشر: روى البزار عن الحارث عن علي- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الخوف: أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- الناس فأخذوا السلاح عليهم فقامت طائفة من ورائهم مستقبلي العدو، وجاءت طائفة فصلوا معه فصلى بهم ركعة، ثم قاموا إلى الطائفة التي لم تصل،

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 3/ 144 وحديث أبي عياش عند مسلم 1/ 574 حديث (843) وأبو داود (1236) . [ (2) ] أبو داود 2/ 11 (1236) .

وأقبلت الطائفة التي لم تصل معه فقاموا خلفه فصلى بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم عليهم- فلما سلم، قام الذين قبل العدو فكبروا جميعا، وركعوا ركعة وسجدتين بعد ما سلم [ (1) ] . قال العراقي: وظاهر أنه صلى بكل طائفة ركعة، وركعت إحدى الطائفتين ركعة أخرى. ولا يجوز أن تكون المغرب لأنه- صلى الله عليه وسلم- سلم بعد الركعتين والمغرب لا تقصر، وقد ورد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «صليت صلاة الخوف مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركعتين ركعتين، إلا المغرب فإنه صلاها ثلاثا» [ (2) ] . الوجه السادس عشر: روى الحاكم في الإكليل عن خوّات بن جبير [ (3) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف فاستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القبلة وطائفة خلفه وطائفة مواجهة العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم سلموا وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين، والطائفة مقبلة على العدو فلما صلى بهم ركعة لبث جالسا حتى أتموا لأنفسهم ركعة وسجدتين، ثم سلموا» [ (4) ] . هذا آخر ما ذكره الحافظ أبو الفضل العراقي ... وسقط من النسخة ذكر الرابع وإسناد حديث ابن مسعود منقطع، وإسناد حديث ابن عباس من رواية أبي بكر بن الجهم، تلكم فيه الإمام الشافعي، وإسناد حديث زيد بن ثابت ضعف البخاري إسناده فإنه من رواية القاسم بن حسان وإسناد حديث عليّ ضعيف، فإنه من رواية الحارث وإسناد حديث خوّات ضعيف أيضا فإنه من رواية الواقدي

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 325 (677) وقال الهيثمي في المجمع 2/ 196 فيه الحارث وهو ضعيف. [ (2) ] البزار كما في الكشف 1/ 328 (681) . [ (3) ] خوّات بن جبير بن نعمان الأنصاري. شهد المشاهد كلها مات سنة اثنتين وأربعين، قاله مصعب، وقيل سنة أربعين عن أربع وسبعين سنة. قاله ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر. الخلاصة 1/ 299. [ (4) ] إسناده ضعيف لضعف الواقدي.

الباب الثالث في بعض فوائد الأحاديث السابقة

الباب الثالث في بعض فوائد الأحاديث السابقة روى الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما قال: «غزا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ست مرات قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة» . وقيل لم تشرع قبل الخندق لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخر الصلاة يوم الخندق حتى ذهب الخوف فصلاها بعد ما خرج وقتها. والجمهور ومنهم مالك والشافعي، وأبو حنيفة، على أنها مشروعة بعده. وقال مكحول وأبو يوسف، والحسن اللؤلؤي، ومحمد بن الحسن وبعض علماء الشافعية من أنها مخصوصة به عليه الصلاة والسلام، اعتمادا على قول الله تعالى وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ [النساء 102] على أن الخطاب خطاب مواجهة، لا خطاب تخصيص بالحكم. والأصح: أنه صلاها في عشرة مواضع: ذات الرقاع، وبطن نخل، وقيل في ستة وعشرين موضعا. واختلف: هل صلاها على هذه الكيفية رخصة أو سنّة؟، وهل هي خاصة بالمسافر، أو عامة فيه وفي المقيم؟ بل حكى بعضهم اتفاق أرباب المذهب على العموم، وحكى بعض الشافعية عن مالك: أن المقيم لا يصليها وهو غير معروف عليه: وإنما هو لعبد الملك بن الماجشون من أصحابه. وحكمة مشروعيتها: المحافظة على الصلاة مع حراسة المسلمين.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة النوافل التي لم تشرع لها الجماعة

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة النوافل التي لم تشرع لها الجماعة الباب الأول في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- المقرونة بالفرائض. وفيه أنواع: الأول: في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- النفل قائما كثيرا، وقاعدا قليلا. روى مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «لما بدّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وثقل كان أكثر صلاته جالسا» [ (1) ] . وروى أيضا عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها- هل كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي وهو قاعد؟ قالت نعم بعد ما حطمه الناس [ (2) ] . وروى أيضا عن حفصة- رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى سبحته قاعدا حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدا، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها [ (3) ] . وروى أيضا عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يمت حتى صلّى قاعدا [ (4) ] . وروى الشيخان، وابن سعد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسا، حتى إذا كبر قرأ جالسا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأها وهو قائم، ثم ركع ثم سجد، فقعد في الركعة الثانية مثل ذلك فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع» [ (5) ] . وروى الشيخان عن عروة عنها أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في شيء

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 506 (117/ 732) هامش مسلم 1/ 506. [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 506 (115/ 732) . [ (3) ] مسلم 1/ 507 (118/ 733) . [ (4) ] أخرجه مسلم 1/ 507 (119/ 734) . [ (5) ] أخرجه مسلم 1/ 505 (111/ 731) .

الثاني: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - سنة الصبح ومحافظته عليها وتخفيفها وما كان يقرأ فيهما، واضطجاعه بعدها وقضائه إياها.

من صلاة الليل قاعدا حتى إذا كبر قرأ جالسا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحو من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع [ (1) ] . وروى مسلم عن عمرة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يقرأ وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية» [ (2) ] . وروى مسلم عن عبد الله بن شقيق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ قائما ركع قائما وإذا قرأ قاعدا» وفي لفظ: إذ افتتح الصلاة قائما ركع قائما، وإذا افتتح الصلاة قاعدا ركع قاعدا [ (3) ] . وروى مسلم عنها قالت: «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس» [ (4) ] . وروى عنها أيضا قالت: «لمّا بدّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وثقل كان أكثر صلاته جالسا» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي، عن أم سلمة، قالت: ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى كان أكثر صلاته قاعدا إلا المكتوبة وكان أحبّ العمل إليه أدومه وإن قل [ (6) ] . وروى النسائي، والدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى متربعا» [ (7) ] . وروى الإمام مالك، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع وسجد، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك» [ (8) ] . الثاني: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- سنة الصبح ومحافظته عليها وتخفيفها وما كان يقرأ فيهما، واضطجاعه بعدها وقضائه إيّاها.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (112/ 731) . [ (2) ] مسلم (113/ 731) . [ (3) ] مسلم (1/ 504) حديث (105/ 106 و 107) (730) . [ (4) ] انظر صحيح مسلم (1/ 507) . [ (5) ] تقدم. [ (6) ] أحمد 6/ 322 والنسائي 3/ 181. [ (7) ] النسائي 3/ 193 والدارقطني 1/ 397. [ (8) ] مالك في الموطأ 1/ 282.

روى الإمام أحمد والخمسة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر» ، وفي رواية: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أسرع في شيء من النوافل أسرع منه من الركعتين قبل الفجر» [ (1) ] . وروى أبو داود عن بلال- رضي الله تعالى عنها- أنه أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليؤذنه بصلاة الغداة فشغلت عائشة بلالا بأمر سألته عنه حتى فضحه الصّبح، فأصبح جدا فقام بلال فآذنه بالصلاة وتابع أذانه، فلم يخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما خرج صلّى بالناس وأخبره بلالا أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جدا وأنه أبطأ عليه بالخروج، فقال: إني كنت ركعت ركعتي الفجر، فقال: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إنك أصبحت جدا قال: «لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما» [ (2) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي ركعتي الفجر فيخففهما حتى أقول هل قرأ فيهما أم القرآن» [ (3) ] . وروى البخاري والنسائي عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر [قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر] بعد أن يستبين الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة» [ (4) ] . وروى الإمام مالك، والشيخان والنسائي عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أذن المؤذن بالصبح وبدا الصبح لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة» [ (5) ] . وروى مسلم عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين» [ (6) ] . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة [ (7) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 6/ 254 وأخرجه البخاري 3/ 55 (1163) ومسلم 1/ 501 (734/ 94) وأبو داود 2/ 19 (7254) . [ (2) ] أبو داود 2/ 19 (1207) . [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 55 (1164) ومسلم 1/ 501 (92/ 724) . [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 129 (626، 994، 1123) ومسلم 1/ 508 (122/ 736) . [ (5) ] البخاري 2/ 120 (1159) (619) ومالك في الموطأ 1/ 127 ومسلم 1/ 500 (88/ 723) . [ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 508 (121/ 736) . [ (7) ] أخرجه البخاري 2/ 74 وأبو داود (2353) وأحمد 6/ 63 وأبو نعيم في الحلية 10/ 29 والبيهقي 2/ 472.

وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود، والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان كثيراً ما يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما بفاتحة القرآن قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا الآية التي في البقرة، وفي الأخرى بفاتحة الكتاب، والتي في آل عمران، تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ [ (1) ] . وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في ركعتي الفجر قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا في الركعة الأولى، وهذه الآية رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ [ (2) ] . وروى النسائي، وابن ماجة عنه، أنه سمع، رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في ركعتي الفجر قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] . وروى الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن ماجة وابن حبّان وابن الضريس، والحاكم في الكنى، وابن مردويه- وعندهما أربعين صباحا- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال رمقت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهرا «وفي لفظ» خمسا وعشرين مرة، فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي ركعتين قبل الفجر، وكان يقول: «نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتي الفجر» ، قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (5) ] . وروى الجماعة إلا الترمذي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (6) ] . وروى مسلم، والبيهقي، في السنن عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (7) ] . ورواه البيهقي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه [ (8) ]- وروى الطبراني عن أسامة بن عمير- رضي

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 502 (99/ 727) (100) وأحمد 1/ 230 وأبو داود 2/ 20 (1259) والنسائي 2/ 120. [ (2) ] أبو داود 2/ 20 (1260) . [ (3) ] النسائي 2/ 120 وابن ماجة 1/ 363 (1148) . [ (4) ] الترمذي 2/ 276 (417) والنسائي 2/ 132 وابن ماجة (1149) . [ (5) ] ابن ماجة 1/ 363 (1150) . [ (6) ] أخرجه الترمذي 2/ 296 (431) والبيهقي 3/ 43 والبغوي في شرح السنة 2/ 430. [ (7) ] أخرجه مسلم (1/ 502) (98/ 726) والبيهقي 3/ 42. [ (8) ] البيهقي 3/ 42.

الله تعالى عنهما- أنه صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركعتين فصلى قريبا منه، فصلى ركعتين خفيفتين، فسمعته يقول: «رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد- صلى الله عليه وسلّم- أعوذ بك من النار» ثلاث مرات» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع فإن كنت مستيقظة تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيخرج إلى الصلاة» [ (2) ] . وروى البخاري عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن» . وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن» [ (3) ] . وروى ابن ماجه، والدارقطني- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعد ما طلعت الشمس [ (4) ] . وروى الدارقطني عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فنام حتى طلعت الشمس فأمر بلالا فأذن، ثم توضأ فصلى ركعتين، ثم صلوا الغداة» [ (5) ] . وروى أيضا عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مسير له فناموا عن صلاة الفجر، فاستيقظوا بحر الشمس، فارتفعوا قليلا حتى استقلّت، ثم أمر المؤذن فأذن، ثم صلى ركعتين قبل الفجر [ثم أقام المؤذن فصلى الفجر] [ (6) ] . وروى البخاري، وأبو بكر البرقاني، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يدع ركعتين قبل الفجر» .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 219. [ (2) ] تقدم وانظر مسند أحمد 6/ 121. [ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 415 والترمذي 2/ 280 (420) وأبو داود 2/ 21 (1261) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 365 (1159) . [ (5) ] الدارقطني 1/ 381. [ (6) ] الدارقطني 1/ 383.

الباب الثاني في صلاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الظهر والعصر وبعدهما

الباب الثاني في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- قبل الظهر والعصر وبعدهما روى البخاري، والترمذي، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها» [ (1) ] . وروى الترمذي- وحسنه، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل الظهر أربعا، وبعدها ركعتين» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي أربعا قبل الظهر يطيل فيهن القيام، ويحسن فيهن الركوع والسجود» [ (3) ] . وروى الترمذي عنها: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعده» [ (4) ] . وروى البخاري، وأبو بكر البرقاني عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل الظهر أربعا في بيته ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين» [ (5) ] . وروى الطبراني، من طريق صالح بن نبهان [ (6) ] عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بين الظهر والعصر» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقرّبين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 58 (1180- 1181) ومسلم 1/ 504 (104/ 729) والترمذي (425) . [ (2) ] أخرجه الترمذي 2/ 289 (424) . [ (3) ] أحمد 6/ 30 وابن ماجة 1/ 365 (1156) وقال البوصيري في إسناده مقال. [ (4) ] الترمذي 2/ 291 (426) وقال حسن غريب. [ (5) ] تقدم. [ (6) ] صالح بن نبهان مولى التوأمة الجمحية أبو محمد المدني، عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. وعنه ابن جريج، وابن أبي ذئب والسفاينان وغيرهم. قال ابن معين: ثقة حجة. سمع منه ابن أبي ذئب قبل أن يخرف، ومن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت. قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه. قال ابن أبي عاصم: مات سنة خمس وعشرين ومائة. الخلاصة 1/ 465. [ (7) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 221 فيه صالح بن نبهان تكلم فيه. [ (8) ] أحمد في المسند 1/ 160 والترمذي 2/ 294 (429) .

وروى أبو داود عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر ركعتين» [ (1) ] . وروى الشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأتيني في بيتي في يومي بعد العصر إلا صلى ركعتين» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي عنها، قالت: «ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد العصر عندي قط» [ (3) ] . وروى أبو داود عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي ركعتين بعد العصر وينهى عنها» [ (4) ] . وروى الترمذي وحسنه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «إنما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- (الركعتين) بعد العصر، ثم لم يعد لهما» [ (5) ] . وروى عن كريب [ (6) ] أن عبد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنهم- أرسلوه إلى عائشة- رضي الله تعالى عنها- فقالوا: «اقرأ عليها السلام منا جميعا [وسلها عن الركعتين بعد العصر] » [ (7) ] . وروى أبو يعلى، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «ألا يقوم أحدكم فيصلي أربع ركعات بعد العصر فيقول فيهن ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: [تم نورك فهديت] . «فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت، فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت، فلك الحمد ربّنا وجهك أكرم الوجوه وجاهك أعظم الجاه، وعطيّتك أفضل العطيّة وأهنأها، تطاع ربّنا فتشكر وتعصى ربّنا فتغفر، تجيب المضطرّ، وتكشف الضّرّ، وتشفي السقيم، وتغفر الذّنب، وتقبل التّوبة، ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتك قول قائل» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 23 (1272) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 77 (593) . والبيهقي 2/ 458. [ (3) ] البخاري 2/ 77 (591) . والنسائي 1/ 225. [ (4) ] أبو داود 2/ 25 (1280) . [ (5) ] أخرجه الترمذي 1/ 345 (184) . [ (6) ] كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم، المدني، أبو رشدين، مولى ابن عبّاس، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان وتسعين. التقريب 2/ 134. [ (7) ] أخرجه البخاري 1/ 126 (1233، 4370) ومسلم 1/ 571 (297/ 834) . [ (8) ] أخرجه أبو يعلى 1/ 345 (180/ 440) وفيه فرات بن سليمان وقال الهيثمي 10/ 158 فرات لم يدرك عليا والخليل بن مرة وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور.

الباب الثالث في صلاته بعد المغرب والعشاء

الباب الثالث في صلاته بعد المغرب والعشاء روى مسلم، وابن ماجه، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي المغرب ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين» [ (1) ] . وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد» [ (2) ] . وروى الترمذي، وابن ماجه عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما أحصي ما سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل صلاة الغداة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] ورواه البيهقي عن أنس» [ (4) ] . وروى الطبراني في الثلاثة وقال: تفرد به صالح بن قطن البخاري- فيحرر حاله- عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي بعد المغرب ست ركعات، وقال: «من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر» [ (5) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد المغرب ركعتين يطيل فيهما القراءة حتى يتصدّع أهل المسجد» [ (6) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن أباه بعثه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حاجة، قال: فوجدته جالسا مع أصحابه في المسجد، فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلّى المغرب قام يركع حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء الحديث» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد واللفظ له، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العشاء قط فدخل بيتي إلا صلى أربع ركعات أو ست» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 368 (1164) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 31 (1301) . [ (3) ] أخرجه الترمذي 2/ 296 (431) وابن ماجة 1/ 369 (1166) . [ (4) ] من حديث ابن مسعود عند البيهقي 3/ 43. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 230. [ (6) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 30 فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف. [ (7) ] الطبراني في الكبير 10/ 335. [ (8) ] أخرجه أبو داود 2/ 31 (1303) .

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر سجدة ثم نام حتى يصلي بعد صلاته بالليل» [ (1) ] . وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث- رضي الله تعالى عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- عندها في ليلتها، فصلى النبي- صلى الله عليه وسلم- العشاء ثم جاء إلى منزله، فصلى أربع ركعات ثم نام. الحديث [ (2) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 4. [ (2) ] تقدم.

الباب الرابع في صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الاستخارة

الباب الرابع في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- صلاة الاستخارة روى الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا استخار في الأمر، يريد أن يصنعه يقول: «اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب، اللهم إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني ودنياي وخيرا لي في معيشتي، وخيرا لي فيما أبتغي به الخير فخر لي في عافية، ويسّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كان غير ذلك خيرا لي، فاقدر لي الخير حيث كان، واصرف عني الشر حيث كان، ورضني بقضائك» [ (1) ] . الباب الخامس في أحاديث جامعة لرواتب مشتركة روى الإمام أحمد، والأربعة عن عبد الله بن شقيق- رحمه الله تعالى- قال: «سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن تطوعه قالت: «كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين» . وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي في بيته ركعتين ويصلي بهم العشاء، ويدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلّى ركعتين ثم يخرج، فيصلي بالناس الصبح [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي عن عاصم بن ضمرة قال: «سألت علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من النهار فقال: إنكم لا تطيقون ذلك، قلنا: من أطاق ذلك منا فقال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من ههنا عند العصر صلّى ركعتين، وإذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من ههنا عند الظهر صلّى أربعا قبل اظهر، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين» [ (3) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 80 وقال في إسناد الكبير صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف وفي الأوسط والصغير رجل ضعيف. [ (2) ] أحمد في المسند 6/ 30 وأبو داود 2/ 18 (1251) والترمذي 2/ 299 (436) والنسائي 3/ 179. [ (3) ] أحمد في المسند 1/ 160 والترمذي 2/ 493 والنسائي في الكبرى وابن ماجه 1/ 367 (1161) .

وروى أبو يعلى برجال الصحيح عنه وهو ثقة ثبت عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل التّطوع ثمان ركعات، وبالنهار اثنتي عشرة ركعة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين، إلا الفجر والعصر» [ (2) ] . وروى الإمامان: مالك وأحمد، والخمسة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد الجمعة وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، فأما المغرب والعشاء ففي بيته» [ (3) ] . وروى الشيخان عنه- قال: «حفظت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يدخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيها» . وحدثتني حفصة: «أنه [كان] إذا أذّن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين» [ (4) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح غير فضالة بن حصين عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عشر سنين، فكانت صلاته كل يوم عشر ركعات: ركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء» [ (5) ] . وروى أيضا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يتبع كلّ صلاة ركعتين إلا الصبح يجعلها قبلها» [ (6) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في اليوم عشر ركعات، ركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين قبل العشاء» .

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 1/ 383 (235/ 495) . [ (2) ] أحمد 1/ 154 وأبو داود 2/ 24 (1275) . [ (3) ] مالك في الموطأ 1/ 337 وأحمد 2/ 17 والبخاري (2/ 493) حديث (937، 1165) (1172، 1180) وأبو داود 2/ 19 (1252) وبنحوه عند النسائي 3/ 113. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 231 فيه فضالة بن حصين مضطرب الحديث. [ (6) ] الطبراني في الأوسط وفيه حبيب بن حسان ضعفوه المجمع 2/ 233.

الباب السادس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - الوتر

الباب السادس في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- الوتر وفيه أنواع: الأول: في عدد وتره- صلى الله عليه وسلم. روى أبو داود عن عبد الله بن أبي قيس- رحمه الله تعالى- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- «بكم كان يوتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: كان يوتر بأربع، وثلاث، وست، وثلاث، وثمان، وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة» [ (1) ] . وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن سعد بن هشام رحمه الله تعالى- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها: فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: «كنا نعد له سواكه، وطهوره، فيبعثه الله تعالى لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ثم يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها الا عند الثامنة، فيدعو ربه، ويصلي على نبيه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما سلم، فتلك إحدى عشرة ركعة، فلما أسنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخذه اللحم، أوتر بسبع يسلم من كل ركعتين، وصلّى ركعتين بعد ما سلّم» [ (2) ] . وروى الشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر فيها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين» [ (3) ] . وروى البرقاني في صحيحه عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع قبل صلاة الفجر ركعتين خفيفتين، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي، عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أوتر تسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة حتى يحمد الله تعالى ويذكره ويدعو ثم ينهض ولا يسلم، ثم

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 46 (1362) . [ (2) ] النسائي 3/ 199 وأبو داود 2/ 40 (1342) . [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم.

يصلي السابعة ثم يسلم تسليمة السلام عليكم يرفع بها صوته، ثم يصلي ركعتين وهو جالس» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، والنسائي، وابن ماجة، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر بثلاث عشرة ركعة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع وبخمس» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر بخمس ركعات من آخر الليل» [ (3) ] . وروى الشيخان عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسلم في كل ركعتين ويوتر بواحدة» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر بتسع حتى إذا بدّن وكثر لحمه أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس فقرأ ب إِذا زُلْزِلَتِ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (5) ] . وقال أبو الحسن الهيثمي رجاله ثقات. وقال أبو الفرج: في سنده أبو غالب، واسمه حزور [ (6) ] والظاهر أنه رواه بما يظنه المعنى، بأن بدن مشدد معناه: كبر، ومن خفف فقد غلط، لأن معناه: كثرة اللحم، وليس ذلك من صفاته- صلى الله عليه وسلم- قلت: رواية سعد بن هشام، عن عائشة فلما أسنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخذه اللحم، وهو يؤيد رواية أبي غالب. وروى الإمام أحمد والنسائي، وحسنه عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر بسبع، وبخمس، لا يفصل بتسليم» ولفظ أحمد بكلام [ (7) ] . وروى البزار عن زبيد بن الحارث قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل بثلاث» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أحمد 6/ 54 والنسائي 3/ 198. [ (2) ] أحمد 6/ 322 والنسائي 3/ 201 والترمذي 2/ 319 (457) . [ (3) ] أحمد 6/ 286. [ (4) ] أخرجه مالك 1/ 120 (8) ومسلم 1/ 508 (121/ 736) . [ (5) ] أحمد 5/ 269 وانظر المجمع 2/ 241. [ (6) ] أبو غالب، صاحب أبي أمامة، بصري، نزل أصبهان، قيل اسمه حزوّر، وقيل سعيد بن الحزوّر، وقيل نافع، صدوق يخطئ، من الخامسة. التقريب 2/ 460. [ (7) ] أحمد 6/ 290 والنسائي 3/ 197 وابن ماجة 1/ 376 (1192) . [ (8) ] البزار كما في الكشف 1/ 354 (737) .

تنبيهات

وروى البزار والطبراني عن سعد بن أبي وقاص- والبزار عن جابر، والطبراني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أوتر بركعة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله تعالى عنه: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بثلاث» [ (2) ] . وروى الحجاج بن أبي أرطأة، عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بثلاث، يقرأ في الركعة الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة، وأبو يعلى عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أنه أخذ براحلة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في زمن الحديبية قال: فأنختها، فتقدم فصلى العشاء، وأنا عن يمينه ثم صلى ثلاث عشرة ركعة» [ (4) ] . وروى الطبراني من طريق عباد بن منصور، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «بت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما طلع الفجر الأول، قام فأوتر بثلاث، يقرأ في الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثالثة ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإذا سلم قال: «سبحان الملك القدوس» ، ومد بها صوته» [ (5) ] . وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وقد سئلت عن قيام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان فقالت: «ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» [ (6) ] . تنبيهات الأول: قال أبو عيسى الترمذي- رحمه الله تعالى: «قد روي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أنه أوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة» قال إسحاق بن إبراهيم معنى ما روى «أنه كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر» [ (7) ] .

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 355 (742) وفي إسناده جابر الجعفي ضعيف انظر المجمع 2/ 242. [ (2) ] أحمد 1/ 89. [ (3) ] الطبراني في الكبير 1/ 215 وقال الهيثمي 2/ 243 فيه الحجاج وفيه كلام. [ (4) ] أخرجه أبو يعلى 4/ 151 (452/ 2216) وقال الهيثمي 2/ 272 فيه شرحبيل بن سعد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة. [ (5) ] الطبراني في الكبير 12/ 131. [ (6) ] أخرجه البخاري 3/ 40 (1147) (2013، 3569) ومسلم 1/ 509 (125/ 738) . [ (7) ] الترمذي 2/ 320 (457) .

الفرع الثاني. فيما كان يقرؤه في وتره - صلى الله عليه وسلم.

الثاني: روى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطبراني، من طريق أبي شيبة بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في رمضان عشرين ركعة، والوتر في رمضان [ (1) ] . ضعّفه الإمام احمد، وابن منيع، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، وكذبه شعبة، وقال ابن معين: ليس بثقة، وعد هذا الحديث من منكراته قال الأذرعي في التوسط: وأمّا ما نقل عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في اللّيلتين اللتين خرج فيهما عشرين ركعة فهو منكر. وقال الزركشي في الخادم، دعوى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم تلك الليلة عشرين ركعة لم يصح، بل الثابت في الصحيح الصلاة من غير ذكر العدد وجاء في رواية جابر «أنه صلى بهم ثمان ركعات، والوتر ثم انتظروه في القابلة، فلم يخرج إليهم» رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. الفرع الثاني. فيما كان يقرؤه في وتره- صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، مختصرا عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر بثلاث يقرأ فيهن تسع سور من المفصل، يقرأ في كل ركعة بثلاث سور، قال أسود: يقرأ في الركعة الأولى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ وإِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وإِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ. وفي الركعة الثانية: وَالْعَصْرِ وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وإِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. وفي الركعة الثالثة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وتَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (2) ] . وروى أبو داود، والبيهقي، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال له «إني أقرأ المفصل في كل ركعة، فقال: أهذّا كهذ الشّعر ونثرا كنثر الدّقل لكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ النظائر: السورتين في ركعة (الرحمن. والنجم) في ركعة و (اقتربت والحاقة) في ركعة و (الطور. والذاريات) في ركعة و (إذا وقعت، ونون) في ركعة و (عمّ. والمرسلات) في ركعة و (الدّخان. وإذا الشمس كورت) في ركعة و (سأل سائل. والنازعات) في ركعة و (ويل للمطففين. وعبس) في ركعة [ (3) ] .

_ [ (1) ] رواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3/ 172 فيه أبو شيبة إبراهيم وهو ضعيف. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 89 والترمذي 2/ 323 (460) . [ (3) ] أبو داود 2/ 56 (1396) والبيهقي 2/ 60.

وروى أبو يعلى، والبزار من طريق عبد الملك بن الوليد بن معدان عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الوتر في الركعة الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (1) ] . وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و (المعوذتين) [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الوتر ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في كل ركعة» [ (3) ] . قال العراقي: «أبيّ يقرأ بكل سورة من السور الثلاث في ركعة» . وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن عبد الرحمن بن أبزى: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقرأ في الوتر ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في كل ركعة» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، والنسائي، وابن ماجة والدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعة الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثالثة ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوّذتين» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد- واللفظ له- وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر بثلاث يقرأ في الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (6) ] . وروى الحاكم في «التاريخ» والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر بتسع ركعات، فلما أسنّ وثقل أوتر بسبع، وصلّى ركعتين وهو جالس فقرأ فيهما: الواقعة. والرحمن» [ (7) ] .

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 354 (738) وقال الهيثمي 2/ 243 رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد الملك بن الوليد وثقه ابن معين وضعفه البخاري. [ (2) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 243 فيه المقدام بن داود وهو ضعيف. [ (3) ] أحمد في المسند (1/ 299) والنسائي في الكبرى والترمذي 2/ 325 حديث (362) وابن ماجة 1/ 371 (1172) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند (3/ 406) والنسائي 3/ 203 والبيهقي 3/ 37 والترمذي (462) . [ (5) ] أحمد 6/ 227 وأبو داود 2/ 63 (1424) والترمذي 2/ 326 (463) وابن ماجة 1/ 371 (1173) . [ (6) ] أحمد في المسند 5/ 123 وأبو داود 2/ 63 (1423) والنسائي 3/ 202 وابن ماجة 1/ 370 (1171) . [ (7) ] البيهقي 3/ 33.

الثالث: في وتره في السفر على الراحلة:

وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن عبد الله بن أبي قيس- رحمه الله تعالى- أنه سأل عائشة عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الوتر أكان يسر في القراءة أم يجهر؟ قالت: «كل ذلك كان يفعل، كان ربما أسر وربما جهر» قلت: «الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة» [ (1) ] . الثالث: في وتره في السفر على الراحلة: وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة اللّيل إلا الفرض، ويوتر على راحلته» [ (2) ] . الرابع: في قنوته- صلى الله عليه وسلّم- في الوتر بعد الركوع: روى البيهقي عنه، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر فيقنت قبل الركوع» [ (3) ] . وروى محمد بن أبي عمر، وأحمد بن منيع، والدارقطني من طريق أبان وقال: هو متروك عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «بت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لأنظر كيف يقنت في وتره، فقنت قبل الركوع، ثم بعثت أمي أمّ عبد الله فقلت تبيتي مع نسائه وانظري كيف يقنت في وتره، فأتتني، فأخبرتني أنه قنت قبل الركوع» [ (4) ] . وروى الدارقطني من طريق عمرو بن شمر- وقال: متروك عن سويد بن غفلة- رحمه الله- قال: «سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا يقولون قنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في آخر الوتر، وكانوا يفعلون ذلك» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، برجال ثقات، عن أبي الجوزاء قال: قال الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما-: علمني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: «رب اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد 6/ 73. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه البيهقي 1/ 39. [ (4) ] الدارقطني 2/ 32. [ (5) ] الدارقطني 2/ 32. [ (6) ] أحمد في المسند 1/ 199 وانظر المجمع 2/ 244.

الخامس. في وقت وتره - صلى الله عليه وسلم.

وروى الإمام أحمد، والثلاثة، والترمذي، وحسنه، عن علي- رضي الله تعالى عنه- كان يقول في آخر وتره: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كم أثنيت على نفسك» [ (1) ] . وروى ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «أردت أن أعرف صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبتّ عند خالتي ميمونة قال: فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فراشه، فلما كان في جوف الليل خرج فقلب في أفق السماء وجهه ثم قال: «نامت العيون، وغارت النجوم، والله حي قيوم» ، ثم أتى قربة فحل وثاقها ثم توضأ فأسبغ وضوءه، ثم قام إلى مصلاه، فكبر فقام حتى قلت: لن يركع، ثم ركع حتى قلت: إنه لن يرفع صلبه، ثم رفع صلبه ثم سجد فقلت: لن يرفع رأسه ثم جلس فقلت: لن يقوم، ثم قام فصلّى ثمان ركعات كل ركعة دون التي قبلها، يفصل في كل اثنتين بالتسليم ثم صلى فلما أوتر بهن قعد في الثنتين، وقام في الثالثة فلما ركع الركعة الأخيرة واعتدل قائما من ركوعه قنت: قال: «اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري» [ (2) ] . الخامس. في وقت وتره- صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات عن أبي مسعود البدري- رضي الله تعالى عنه: قال «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر من أول الليل، وأوسطه وآخره» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «من كل الليل أوتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أوله وأوسطه وانتهى وتره في السحر» [ (4) ] . وروى البزار عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر في أول الليل، وأوسطه، وآخره، ثم ثبت له الوتر في آخره» [ (5) ] . وروى الأئمة إلا الإمام مالك، والدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «من كل الليل أوتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أول الليل وأوسطه وآخره حتى انتهى وتره حين مات إلى السحر» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 1/ 96 وأبو داود 2/ 64 (1427) والترمذي 5/ 524 (3566) وابن ماجة 1/ 373 (1179) . [ (2) ] انظر المعجم الكبير 12/ 131. [ (3) ] أحمد في المسند 4/ 119 وانظر المجمع 2/ 244. [ (4) ] أخرجه أحمد 1/ 86 وابن ماجة 1/ 375 (1186) . [ (5) ] أحمد 4/ 119، 5/ 215. [ (6) ] البخاري 2/ 486 (996) ومسلم 1/ 512 (136/ 745) وأبو داود 2/ 66 (1435) والترمذي 2/ 318 (456) . والنسائي 3/ 189 وابن ماجة (118) .

السادس: في وصله - صلى الله عليه وسلم - وفصله:

وروى الإمام أحمد، والطبراني، برجال ثقات، عن عقبة بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر من أول الليل، وأوسطه، وآخره» [ (1) ] . وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ينام أول الليل ثم يقوم، فإذا كان من السحر أوتر ثم أتى فراشه، فإذا كانت له حاجة ألمّ بأهله فإذا سمع الأذان وثب فإن كان جنبا أفاض عليه [من] الماء وإلا توضأ» [ (2) ] . السادس: في وصله- صلى الله عليه وسلّم- وفصله: روى الإمام أحمد، والنسائي، والدارقطني، وصححه الحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يسلم في ركعتي الوتر [ (3) ] . وروى النسائي عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث ولا يسلم» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد من طريق عمر بن عبد العزيز- رضي الله تعالى عنه- وإن لم يدرك عائشة- عن عائشة رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في الحجرة وأنا في البيت فيفصل بين الشفع والوتر، بتسليم يسمعنا» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني- وسنده ضعيف- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة ويسمعناها» [ (6) ] . وروى الإمام مالك، والبخاري في ضمن حديث عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسلم في الركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته» [ (7) ] . السابع: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- بعد الوتر ركعتين خفيفتين، وهو جالس. روى مسلم عن عائشة والإمام أحمد عن عائشة والترمذي، وابن ماجة، والدارقطني، عن أم سلمة، واللفظ لها- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي بعد

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 119 والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 245 فيه رجل ضعيف. [ (2) ] النسائي 3/ 189. [ (3) ] أحمد في المسند 6/ 155 والنسائي 3/ 193 والدارقطني 2/ 32. [ (4) ] النسائي 3/ 194. [ (5) ] أحمد في المسند 6/ 84. [ (6) ] أحمد في المسند 2/ 76 والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 243 فيه إبراهيم بن سعيد ضعيف. [ (7) ] مالك في الموطأ 1/ 258.

الثامن: فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - بعد الوتر:

الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس» [ (1) ] . وروى محمد بن نصر، والدارقطني، والبيهقي، عن أنس، والإمام أحمد، وابن نصر والطبراني، والبيهقي، عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنهما- قالا: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي ركعتين بعد الوتر، وهو جالس يقرأ فيهما: إِذا زُلْزِلَتِ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (2) ] . الثامن: فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- بعد الوتر: روى الإمام أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني، عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من وتره قال: «سبحان الملك القدوس» ثلاثا ويجهر وفي لفظ: يرفع صوته بالثالثة وفي لفظ: يطيل في آخرهن» [ (3) ] . التاسع: في تخفيفه- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة بحضرة الناس. روى الطبراني برجال ثقات عن خالد الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى والناس ينظرون صلّى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود» [ (4) ] . العاشر: في أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يراوح بين قدميه: روى البزار بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يراوح بين قدميه، يقوم على كل رجل حتى نزلت: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (5) ] والله أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 154، 156، 299 والترمذي 2/ 335 (471) وابن ماجة 1/ 377 (1195) وقال الشهاب في إسناده مقال والدارقطني 2/ 36. [ (2) ] الدارقطني 2/ 41 والبيهقي 3/ 33. [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 123 وأبو داود 2/ 65 (1430) والنسائي 3/ 193 وابن ماجة 1/ 370 (1171) . [ (4) ] الطبراني في الكبير 4/ 229. [ (5) ] البزار كما في الكشف 3/ 58 وقال الهيثمي 7/ 56 فيه يزيد بن بلال، قال البخاري فيه نظر، وكيسان أبو عمرو وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الليل الباب الأول في شدة اجتهاده- صلى الله عليه وسلم- في العبادة قال الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء 79] . روى الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن المغيرة بن شعبة، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن عساكر، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وابن عساكر وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، برجال الصحيح، وأبو القاسم البغوي، عن أنس، والطبراني، والخلعي [ (1) ] ، وابن عساكر عن النعمان بن بشير، والطبراني، وابن عساكر، والخطيب، عن أبي جحيفة، والطبراني عن عبد الله بن مسعود، وابن ماجة، والترمذي، في «الشمائل» والبزار برجال الصحيح، وابن مردويه، والبيهقي في «الأسماء» و «الشعب» ، وابن عساكر، عن أبي هريرة، وابن عساكر عن نبيط بن شريط الأشجعي [ (2) ] ، وابن عساكر والإمام أحمد، في «الزهد» عن الحسن- رضي الله تعالى عنهم: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما نزل عليه: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ قال: صام وصلى حتى تورمت قدماه وساقاه، وفي رواية: «صام وصلى حتى انتفخت» وفي لفظ: «حتى تفطر، وفي لفظ: حتى ترم قدماه» وفي رواية: «وتعبد حتى صار كالشّنّ البالي» وفي لفظ: اجتهد فقيل له: يا رسول الله ما هذا الاجتهاد؟ أتفعل هذا بنفسك؟ وفي رواية: «أتتكلف هذا بنفسك، وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟» قال: «أفلا أكون عبدا شكورا» ، فلما بدّن وكثر لحمه صلى جالسا، قالت: فإذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع [ (3) ] .

_ [ (1) ] علي بن الحسن بن الحسين بن محمد، أبو الحسن الخلعي الشافعي: مسند الديار المصرية في عصره. أصله من الموصل، ومولده ووفاته بمصر. كان يبيع الخلع لملوك مصر وأمرائها، فنسب إليها. وولي القضاء فحكم يوما واحدا واستعفى. وانزوى بالقرافة، حتى قيل له القرافي. وكان قبره فيها يعرف بقبر «قاضي الجن والإنس» صنف كتاب «الفوائد» في الحديث، ويعرف بفوائد الخلعي. وخرج أحمد بن الحسين الشيرازي أجزاء من مسموعاته في الحديث، سماها «الخلعيات» توفي 492 هـ. الأعلام 4/ 273. [ (2) ] نبيط، بالتصغير، ابن شريط، بفتح المعجمة، الأشجعي صحابي صغير، يكنى أبا سلمة. التقريب 2/ 297. [ (3) ] حديث المغيرة رضي الله عنه أخرجه أحمد في المسند 4/ 51 والبخاري (8/ 584) حديث (4836) ومسلم (4/ 2171) وحديث (79/ 2819) والترمذي 2/ 268 (412) والنسائي 3/ 178 وابن ماجة 1/ 456 (1419) وحديث أنس انظر مجمع الزوائد 2/ 171 وحديث النعمان بن بشير انظر المصدر السابق. وحديث أبي جحيفة انظر الموضع السابق. وحديث ابن مسعود انظر الموضع السابق، وحديث أبي هريرة 1/ 456 (1420) .

وروى الإمام أحمد، والطبراني، برجال الصحيح غير علي بن زيد بن جدعان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قال لي جبريل قد حبّب إليك الصلاة فخذ منها ما شئت» [ (1) ] . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائد المسند» ومحمد بن نصر، عن عائشة رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يدع قيام الليل، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا» [ (2) ] . وروى أبو داود، والحاكم، وصححه واقره الذهبي، عن أم قيس بنت محصن- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه» [ (3) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، والنسائي، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي حتى تزلع قدماه» [ (4) ] . وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن أنس- رضي الله تعالى عنه قال: «وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا فلما أصبح قيل: يا رسول الله إنّ أثر الوجع عليك لبيّن، قال: «إنّي على ما ترون قد قرأت البارحة، السبع الطوال» [ (5) ] وروى أبو طاهر المخلص، والدينوري، وابن عساكر عن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: «تعبد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاعتزل النساء حتى صار كالشّن البالي» [ (6) ] . وروى مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها قالت- «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة أحبّ أن يداوم عليها وكان إذا غلبه نوم، أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- قرأ القرآن كله في ليله ولا صلّى ليلة إلى الصبح ولا صام شهرا كاملا إلا رمضان» [ (7) ] . وروى أبو داود، والترمذي والنسائي، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي ثم ينام قدر ما صلّى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 296، 425 وقال الهيثمي 2/ 270 فيه علي بن زيد فيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه في المسند 6/ 249. [ (3) ] أبو داود 1/ 249 (948) . [ (4) ] النسائي 3/ 178. [ (5) ] أخرجه أبو يعلى 6/ 164 (689/ 3444) وقال الهيثمي 2/ 274 رجاله ثقات. [ (6) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1971. [ (7) ] أخرجه مسلم 1/ 515 (141/ 746) . [ (8) ] أخرجه أبو داود 2/ 74 (1466) والترمذي 5/ 167 (2923) وقال حسن غريب والنسائي 3/ 174.

الباب الثاني في إيقاظه أهله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الليل

الباب الثاني في إيقاظه أهله- صلى الله عليه وسلّم- لصلاة الليل روى ابن ماجة من طريق يوسف بن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: قالت أم سليمان بن داود لسليمان: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم تترك الرجل فقيرا يوم القيامة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان، والنسائي، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة ثم رجع إلى بتيه فصلّى هويا من الليل فلم يسمع لنا حسا، فرجع إلينا فأيقظنا فقال: «قوما فصلّيا» قال فجلست وأنا أعرك عينيّ و [أنا] أقول: إنّا والله ما نصلي إلا ما كتب لنا، إنّما أنفسنا بيد الله تعالى أن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال فولّى [رسول الله- صلى الله عليه وسلم] ولم يرجع إليّ شيئا وسمعته- وهو يقول ويضرب بيده على فخذه وفي رواية بيده على الأخرى- «ما نصلي إلا ما كتب الله لنا ما نصلي إلا ما كتب لنا» ، وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [ (2) ] [الكهف 54] . وروى الإمامان: أحمد ومالك، والبخاري، والترمذي، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استيقظ ليلة فزعا وهو يقول: «سبحان الله» وفي لفظ: «لا إله إلا الله» «ما أنزل الله من الفتن ماذا أنزل من الخزائن» وفي لفظ: «ماذا فتح من الخزائن من يوقظ صواحب الحجرات» يريد أزواجه- «فيصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» [ (3) ] . والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] ابن ماجة (354) 1/ 422 (1332) وقال البوصيري هذا إسناد فيه سنيد بن داود وشيخه يوسف بن محمد وهما ضعيفان. [ (2) ] أخرجه البخاري 8/ 260 (4724) ومسلم 1/ 537 (206/ 775) . وأخرجه أحمد 1/ 91 والنسائي 3/ 168. [ (3) ] أخرجه البخاري 13/ 20 (7069) والحاكم 2/ 25 والطبراني في الكبير 19/ 248 وأحمد 6/ 297 والترمذي 4/ 422 (2196) .

الباب الثالث في وقت قيامه - صلى الله عليه وسلم - من الليل وقدره وقدر نومه وصفة قراءته

الباب الثالث في وقت قيامه- صلّى الله عليه وسلم- من الليل وقدره وقدر نومه وصفة قراءته روى الطبراني من طريق أبي بكر المديني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتسوك من الليل مرتين، أو ثلاثا، كلما رقد فاستيقظ استاك وتوضأ، وصلى ركعتين أو ركعة [ (1) ] . وروى الشيخان عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه-: قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قام من الليل يشوص فاه» [ (2) ] . وروى مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن سعد بن هشام سألها عن وتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله تعالى ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ [ (3) ] . وروى الطبراني بسند صحيح عن الحجاج بن غزية [ (4) ] والطبراني عن الحجاج بن عمرو المازني- رضي الله تعالى عنه: قال: «أيحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد [إنما التهجد المرء يصلي] بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة وتلك كانت صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم» وفي رواية «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتهجد بعد نومه وكان يستن قبل أن يتهجد» [ (5) ] . وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «إن كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليوقظه الله عز وجل من الليل فما يجيء السّحر حتى يفرغ من حزبه» وفي لفظ: من وتره [ (6) ] . وروى الإمام، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن مسروق- رحمه الله تعالى- قال: «سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- أي العمل كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟» قالت:

_ [ (1) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 349 (728) وفيه أبو بكر المديني وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وجماعة. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] حجاج بن عمرو بن غزية بن ثعلبة بن خنساء بن مبذون بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، الأنصاري الخزرجي، ثم من بني مازن بن النجار. قال البخاري: له صحبة. روى عنه عكرمة مولى ابن العباس، وكثير بن العباس، وغيرهما. أسد الغابة 1/ 458. [ (5) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 277 له إسناد صحيح ورجاله رجال الصحيح. [ (6) ] أبو داود 2/ 35 (1316) .

«الدائم» قلت: فأيّ حين كان يقوم من الليل؟ قالت: «كان يقوم إذا سمع الصارخ» [ (1) ] الصارخ الديك. وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «بت عند خالتي ميمونة، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العشاء ثم جاء فصلى أربع ركعات، ثم نام ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه أو قال: خطيطه ثم خرج إلى الصلاة» [ (2) ] . وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت لما سئلت عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل: ما صلى العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله، إلا صلى أربع ركعات أو ست، ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا نطعا فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع منه الماء وما رأيته متفيئا الأرض بشيء من ثيابه قط» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن الأسود- رحمه الله تعالى- قال: «سألت عائشة- رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل قالت: كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذّن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل والا توضأ وخرج» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والثلاثة، وأبو الحسن الضحاك، عن يعلى بن مملك رحمه الله تعالى أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصلاته فقالت: «ما لكم ولصلاته وقراءته، كان يصلي العتمة ثم يسبّح، ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم يرقد» وفي لفظ «كأن يصلي ثم ينام قدر ما صلّى ثم يصبح ثم نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا» [ (5) ] . وروى ابن ماجه عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أسمع قراءة النبي- صلى الله عليه وسلّم- بالليل وأنا على عريشي» [ (6) ] . وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 21 (1132) ومسلم 1/ 511 (131/ 741) وأحمد 6/ 279 وأبو داود 2/ 35 (1317) والنسائي 3/ 169. [ (2) ] البخاري 11/ 119 (6316) ومسلم 1/ 525 (181/ 763) . [ (3) ] أبو داود 2/ 31 (1303) . [ (4) ] أحمد في المسند 6/ 214 والبخاري (3/ 39) حديث (1146) ومسلم (1/ 510) حديث (129/ 739) والنسائي 3/ 189 وابن ماجة 1/ 434 (1365) وقال البوصيري. إسناده صحيح ورجاله ثقات. [ (5) ] أحمد في المسند 6/ 294 وأبو داود 2/ 73- 74 (1466) والترمذي 5/ 167 (2923) والنسائي 2/ 141. [ (6) ] ابن ماجة 1/ 429 (1349) وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

بالليل يرفع له طورا ويخفض طورا [ (1) ] الطور: المرة الواحدة يعني مرة كذا ومرة كذا والأطوار الحالات المختلفة. وروى النسائي عن عوف بن مالك قال: «قمت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلما ركع قدر سورة البقرة يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» [ (2) ] . وروى عبد الرزاق عن حذيفة، رضي الله تعالى عنه- قال: «قام النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة وهو يصلي في المسجد، فقمت أصلي وراءه يخيل إلى أنه لا يعلم، فاستفتح بسورة البقرة، فقلت: إذا جاء مائة آية ركع فجاءها فلم يركع، فقلت: إذا جاء مائتي آية ركع فجاءها فلم يركع، فقلت: إذا ختمها ركع فختمها فلم يركع فلما ختم، قال: «اللهم لك الحمد» ، ثم استفتح آل عمران فقلت: إذا ختمها ركع فختمها ولم يركع وقال: «اللهم لك الحمد» ، ثم استفتح النساء، فقلت: إذا ختمها ركع، فختمها فلم يركع وقال: «اللهم لك الحمد» ثلاثا ثم استفتح بسورة المائدة» فقلت: إذا ختمها ركع، فختمها فركع فسمعته يقول: «سبحان ربي العظيم» ، ويرجع شفتيه فأعلم أنه يقول: غير ذلك فلا أفهم غيره ثم استفتح بسورة الأنعام، فتركته وذهبت» . وروى ابن أبي شيبة عنه قال: «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة لأصلي بصلاته، فاستفتح الصلاة فقرأ قراءة ليست بالرفيعة ولا الخفيفة، قراءة حسنة يرتل فيها يسمعنا، قال: ثم ركع نحوا من سورة قال ثم رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» ، ثم قام نحوا من سورة قال وسجد نحوا من ذلك حتى فرغ من الطول وعليه سواد من الليل» . وروى أبو يعلى عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: ألا يقوم أحدكم فيصلّي أربع ركعات قبل العصر ويقول فيهنّ ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «تمّ نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربّنا وجهك أكرم الوجوه وجاهك أعظم الجاه، وعطيّتك أفضل العطيّة وأهنؤها، تطاع ربا فتشكر، وتعصى ربّنا فتغفر وتجيب المضطرّ، وتكشف الضّرّ وتشفي السّقيم، وتغفر الذّنب وتقبّل التّوبة، ولا يجري بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتك قول قائل» [ (3) ] . وروى ابن منيع، وأبو يعلى عن مسلم بن مخراق وقال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 37 (1328) . [ (2) ] النسائي 2/ 150. [ (3) ] أبو يعلى 1/ 344 (180/ 440) وقال الهيثمي 10/ 158 الفرات لم يدرك عليا والخليل بن مرة وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات.

عنها- إن عندنا قوما يقرؤون القرآن مرة وثلاثة في ليلة فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا لقد رأيتني وأنا أقوم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الليل التمام يقرأ بسورة (البقرة، وآل عمران والنساء) لا يمر بآية رجاء إلا سأل ربه ودعا، ولا يمر بآية تخويف إلا دعا ربه واستعاذ» [ (1) ] . وروى الحارث بن أسامة، عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «لقد لقيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد العتمة، فقلت: يا رسول الله ائذن لي أن أتعبد بعبادتك فذهب وذهبت معه إلى البئر، فأخذت ثوبه فسترت عليه، ووليته ظهري، ثم أخذ ثوبي فستر علي حتى اغتسلت، ثم أتى المسجد فاستقبل القبلة، وأقامني عن يمينه، ثم قرأ الفاتحة، ثم استفتح سورة البقرة، ولا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا آية تخويف إلا استعاذ، ولا مثل إلا فكر حتى ختمها ثم كبر، فرفع، فسمعته يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم» ويرد فيه شفتيه حتى أظن أنه يقول: «وبحمده» ، فمكث في ركوعه قريبا من قيامه، ثم رفع رأسه ثم كبر فسجد فسمعته يقول في سجوده: «سبحان ربي الأعلى» ، ويرد شفتيه، فأظن أنه يقول: «وبحمده» ، فمكث في سجوده قريبا من قيامه، ثم نهض حين فرغ من سجدته فقرأ فاتحة الكتاب، ثم استفتح (آل عمران) لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا مثل إلا فكّر، حتى ختمها، ثم فعل في الركوع والسجود كفعل الأول، ثم سمعت النداء بالفجر، قال حذيفة فما تعبدت عبادة كانت عليّ أشد منها» . وروى ابن مالك، وأبو الحسن بن الضحاك، وأبو نعيم عنه، أنه صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الليل فلما دخل في الصلاة قال: «الله أكبر، سبحان ذي الملك والجبروت والكبرياء والعظمة» ، ثم قرأ «البقرة» قراءة ليست بالخفيضة ولا بالرفيعة، حسنة يرتل فيها ليسمعنا، ثم يركع، فكان ركوعه نحوا من قيامه، وكان يقول: «سبحان ربي العظيم» ثم يرفع رأسه فكان قيامه نحوا من ركوعه وهو يقول: «سمع الله لمن حمده» ، ثم قال: «الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة» ، فكان سجوده نحوا من قيامه، وكان يقول «سبحان ربي الأعلى» ثم رفع رأسه، وكان بين السجدتين نحوا من السجود وكان يقول: «رب اغفر لي، رب اغفر لي» حتى قرأ «البقرة» و «آل عمران» و «الأنعام» ، و «النساء» و «المائدة» و «الأنعام» قال شعبة: لا أدري المائدة ذكر أو الأنعام.

_ [ (1) ] في إسناده ابن لهيعة انظر المجمع 2/ 272.

الباب الرابع في افتتاحه - صلى الله عليه وسلم - صلاة الليل ودعائه في تهجده

الباب الرابع في افتتاحه- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الليل ودعائه في تهجده روى البزار برجال ثقات، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل، استنجى وتوضأ واستاك، ثم بعث يطلب الطيب في رباع نسائه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك» [ (2) ] . وروى الدارقطني عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أنه صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليلة من رمضان، فسمعته يقول حين كبر «الله أكبر ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة» الحديث [ (3) ] ورواه ابن أبي شيبة بلفظ أنه انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين قام إلى صلاته من الليل فلما دخل في الصلاة قال: «الله أكبر ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة» الحديث. وروى الأئمة، إلا الشافعي، والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل: يتهجد» . وفي لفظ: إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال «اللهم لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ولك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد- صلى الله عليه وسلّم- حق، والساعة حق. اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله» [ (4) ] . وروى البخاري، وأبو الحسن الضحاك عن عائشة، رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا استيقظ من الليل قال: «لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم إني أستغفرك من ذنوبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 341 (710) وقال الهيثمي 2/ 263 رجاله موثقون. [ (2) ] أحمد في المسند 2/ 117. [ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 398 وأبو داود 1/ 544 (874) والترمذي في الشمائل (145) (270) والنسائي 2/ 199. [ (4) ] أحمد 1/ 308 والبخاري 3/ 5 (1120) (6317، 7385، 7442، 7499) ومسلم 1/ 532 (199/ 769)

لدنك رحمة إنك أنت الوهاب» [ (1) ] . وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن- رحمه الله تعالى- قال: «سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- بأي شيء كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفتتح صلاة الليل إذا قام من الليل؟ قالت: إذا قام من الليل افتتح صلاته فقال: «اللهم ربّ جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك أنت تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والطبراني برجال ثقات عن ربيعة الجرشي رحمه الله تعالى قال: «سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول إذا قام من الليل؟ وبم كان يستفتح؟ قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا هبّ من الليل كبر عشرا، وحمد عشرا، وهلل عشرا، واستغفر عشرا ويقول: «اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني» عشرا ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب» عشرا. وفي رواية: «ضيق الدنيا وضيق القيامة» عشرا، ثم يستفتح صلاة الليل [ (3) ] . وروى أبو داود، والنسائي، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل واستفتح صلاته كبر، ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» ، ثم يقول: «لا إله إلا الله» ثلاثا، ثم يقرأ- زاد النسائي- بعد ولا إله غيرك ثم يقول: «الله أكبر كبيرا» ثم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه» ، ثم يقرأ» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل في الصلاة من الليل كبر ثلاثا، وسبح ثلاثا، وهلل ثلاثا، ثم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه وشركه» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري، والأربعة- قال الترمذي: حسن صحيح- عن ربيعة بن

_ [ (1) ] أبو داود 4/ 314 (5061) والنسائي 7/ 325. [ (2) ] أخرجه مسلم (1/ 534) حديث (200/ 770) وأبو داود 1/ 204 (767) والترمذي 5/ 451 (3420) وقال حسن غريب والنسائي 3/ 173 وابن ماجة 1/ 431 (1357) والبيهقي 3/ 5 وأبو نعيم 5/ 159 والخطيب 12/ 238 وابن السني (747) . [ (3) ] أحمد في المسند 6/ 143. [ (4) ] أخرجه أبو داود 1/ 206 (775) والترمذي 2/ 9 (242) والنسائي 2 (102 وابن ماجة 1/ 264 (804) : [ (5) ] أحمد في المسند 5/ 253.

كعب الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أبيت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأعطيه وضوءه فأسمعه يقول إذا قام من الليل: «سبحان الله رب العالمين. الهويّ» ، ثم يقول: «سبحان الله وبحمده. الهويّ» ، قال ابن المبارك: يعني بالهوي: الطويل» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إذا قام من الليل يصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين» [ (2) ] . وروى ابن قانع عن محمد بن مسلمة- رضي الله تعالى عنه: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام يصلي تطوعا، قال: «وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين» . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفتتح به قيام الليل، قالت: «كان يكبر عشرا، ويحمد عشرا، ويسبح عشرا، ويقول: «اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 57 والبخاري وأخرجه أبو داود 2/ 35 (1320) والترمذي 5/ 448 (3416) والنسائي 3/ 170 وابن ماجة 2/ 1276 (3879) . [ (2) ] تقدم وانظر مسند أحمد 6/ 30. [ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 143 وأبو داود 1/ 203 (766) والنسائي 3/ 170 وابن ماجة 1/ 431 (1356) .

الباب الخامس في صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالليل

الباب الخامس في صفة صلاته- صلّى الله عليه وسلم- بالليل روى الإمام أحمد، والحارث بن أسامة، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأطال القيام حتى هممت به قال: أن أجلس وأدعه» [ (1) ] . وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي واقد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخف الناس صلاة على الناس وأدومه على نفسه» . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، فمضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح آل عمران فقرأها ثم افتتح النساء فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح وإذا مرّ بآية فيها سؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» ، وكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد» ثم قام قياما طويلا [مما ركع، ثم سجد فقال «سبحان ربي الأعلى» فكان سجوده] قريبا من قيامه [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود عنه- قال: قمت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فاستفتح يقول: «الله أكبر ثلاثا، الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والعظمة» ، ثم استفتح فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات، وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده» وكان قيامه مثل ركوعه، وكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم» ، وكان يقعد بين السجدتين نحوا من سجوده، وكان يقول: «رب اغفر لي» [ (3) ] . وروى ابن ماجه عنه، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا مرّ بآية رحمة سأل، وإذا مرّ بآية عذاب استجار، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه الله تعالى سبح [ (4) ] . وروى الشيخان عن ابن مسعود قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة فلم يزل قائما» وفي لفظ «فأطال حتى هممت بأمر سوء قلنا ما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي- صلى الله عليه وسلم [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 1/ 385. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أحمد 5/ 401 وأبو داود 1/ 231 (874) . [ (4) ] ابن ماجة 1/ 429 (1351) . [ (5) ] تقدم.

وروى النسائي عنه أنه صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في رمضان فركع فقال في ركوعه: «سبحان ربي العظيم» مثل ما كان قائما، ثم جلس يقول: «رب اغفر لي رب اغفر لي» مثل ما كان قائما ثم سجد فقال: «سبحان ربي الأعلى» مثل ما كان قائما، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال إلى الغداة» [ (1) ] . وروى أبو داود، والنسائي، عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه: «قال: قمت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقام فصلى فقرأ سورة (البقرة) لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» ، ثم سجد بقدر قيامه ثم [قال في سجوده مثل ذلك ثم] قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أقوم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليلة التمام وكان يقرأ (بالبقرة) و (آل عمران) و (النساء) فلا يمرّ بآية فيها تخويف إلّا دعا واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله تعالى ورغب إليه» [ (3) ] . وروى النسائي وبقي بن مخلد عن رجل من بني غفار صحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة فلما وصلنا نزلنا منزلا فقلت: لأرقبن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أرى فعله، واضطجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هويا من الليل، واضطجعت قريبا منه ثم سمعته بعدها تنفّس تنفّس النائم ثم استيقظ، ثم نظر إلى أفق السماء ثم قرأ هذه الآيات إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ التي في آل عمران ختمها وفي رواية حتى انتهى إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم أهوى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى فراشه فاستل منه سواكا» وفي رواية «ثم أخذ سواكا من تحت فراشه فاستن به، ثم قام، فاستكب ماء من قربة في قدح له، ثم توضأ فأسبغ وضوءه، ثم قام فصلى أربع ركعات، لا أدري ركوعهن أطول أم قيامهن أم سجودهن» وفي رواية أخرى حتى قلت: قد صلّى قدر ما نام، ثم انصرف فنام، ثم استيقظ فقرأ بالآيات التي كان قرأ بها، ثم استنّ فتوضأ وصلّى أربع ركعات، ثم غلب علينا النعاس حتى السحر» [ (4) ] . وروى الترمذي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن رجلا قال: لأرمقّنّ صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «فصلى العشاء، ثم اضطجع غير كثير ثم قام ففرغ من حاجته، ثم أتى

_ [ (1) ] النسائي 3/ 185. [ (2) ] أبو داود 1/ 230 (873) والنسائي 2/ 177. [ (3) ] أحمد 6/ 92. [ (4) ] أخرجه النسائي 3/ 173.

مؤخرة الرحل فأخذ منها السواك فاستن وتوضأ، فوالذي نفسي بيده ما ركع حتى ما أدري ما مضى من الليل أكثر أم ما بقي وحتى أدركني النوم، أمثال الجبال» . وروى أبو يعلى، برجال ثقات- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قسم سورة البقرة في ركعتين» [ (1) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 274 وقال: رجاله ثقات.

الباب السادس في بيان عدد ركعات صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالليل وورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك روايات مختلفة

الباب السادس في بيان عدد ركعات صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- بالليل وورد عنه- صلى الله عليه وسلم- في ذلك روايات مختلفة [الأولى: أربع ركعات] روى عبد بن حميد، والإمام أحمد، عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يستاك من الليل مرتين أو ثلاثا، وإذا قام من الليل صلى أربع ركعات، لا يتكلم بشيء ولا يأمر بشيء ويسلم من كل ركعتين» [ (1) ] . الثانية: سبع: روى البخاري، عن مسروق- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل، قالت «سبع» الحديث [ (2) ] . الثالثة: ثمان: روى الطبراني- بسند ضعيف- عن أنس- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحيى الليل بثمان ركعات، ركوعهن كقراءتهن، وسجودهن كقراءتهن ويسلم بين كل ركعتين» [ (3) ] . وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي من الليل [التطوع] ثمان ركعات، والنهار ثنتي عشرة ركعة [ (4) ] » . الرابعة: تسع: روى البخاري عن مسروق الحديث السابق في السبع، وفيه وبتسع الحديث [ (5) ] . وروى مسلم، عن سعد بن هشام بن عامر- رحمه الله تعالى- قال: «سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن وتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث الآتي، وفيه، فلما أسن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخذه اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 417. [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 25 في التهجد باب كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم. [ (3) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 277 فيه جنادة بن مروان، وقد اتهمه أبو حاتم. [ (4) ] أبو يعلى 1/ 383 (235/ 495) وقال الهيثمي 2/ 231 رجاله رجال الصحيح خلا عاصم بن حمزة وهو ثقة ثبت. [ (5) ] تقدم. [ (6) ] تقدم.

وروى أبو داود عن زرارة بن أوفى [ (1) ]- رحمه الله تعالى- أن عائشة- رضي الله [تعالى] عنها- سئلت عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل، فقالت: «كان يصلي العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله. فيركع أربع ركعات، فيأوي إلى فراشه وينام، وطهوره مغطّى عند رأسه، وسواكه موضوع حتى يبعثه الله [تعالى] ساعته التي يبعثه من الليل، فيتسوّك ويسبغ الوضوء ثم يقوم إلى مصلاه، فيصلي ثمان ركعات، يقرأ فيهن بأم الكتاب، سورة من القرآن، وما شاء الله ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة، ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة ثم يقعد، فيدعو بما شاء الله أن يدعو ويسأله ويرغب إليه، ويسلم تسليمة [واحدة] شديدة يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه، ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب، ويركع وهو قاعد [ثم يقرأ الثانية، ويسجد وهو قاعد] ثم يدعو بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم، ثم ينصرف فلم تزل تلك صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدّن فنقص من التسع ثنتين فجعلها إلى الست والسبع وركعتيه وهو قاعد حتى قبض على ذلك- صلى الله عليه وسلّم-[ (2) ] . الخامسة: ست ركعات يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بثلاث. روى مسلم، وأبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه رقد عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «فاستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتسوك وتوضأ، وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ فقرأهن حتى ختم السورة، ثم صلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات، كلّ ذلك يستاك، ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث [فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهم اعطني نورا] » [ (3) ] . السادسة: إحدى عشرة ركعة: روى عنه ذلك الفضل بن العباس، - رضي الله عنهما- وصفوان بن المعطل، وعبد الله بن عباس، وعائشة أكثر الروايات عنها. وروى أبو داود عن الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: بت عند

_ [ (1) ] زرارة: بضم أوله، ابن أوفى العامري، الحرشي: بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة، أبو حاجب البصري قاضيها، ثقة عابد، من الثالثة، مات فجأة في الصلاة، سنة ثلاث وتسعين. التقريب 1/ 259. [ (2) ] أبو داود 2/ 44 (1346) . [ (3) ] مسلم حديث (191/ 763) وأبو داود 2/ 44 (1353) .

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لأنظر كيف يصلي من الليل فقام وتوضأ، وصلى ركعتين، قيامه مثل ركوعه، وركوعه مثل سجوده، ثم نام ثم استيقظ، فتوضأ واستن ثم قرأ بخمس آيات من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ فلم يزل يفعل هكذا حتى صلى عشر ركعات، ثم قام فصلى سجدة واحدة فأوتر بها ونادى المنادي عند ذلك فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد ما سكت المؤذن فصلى سجدتين خفيفتين ثم جلس ثم صلى الصبح» [ (1) ] . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، والطبراني- بسند ضعيف- عن صفوان بن المعطل السّلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فرمقت صلاته ليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام، فلما كان نصف الليل استيقظ فتلا الآيات العشر آخر سورة آل عمران، ثم تسوك ثم توضأ [ثم قام] فصلى ركعتين فلا أدري أقيامه أم ركوعه أم سجوده، أطول؟ ثم انصرف فنام ثم استيقظ فتلا الآيات، ثم تسوك، ثم توضأ، ثم قام فصلى ركعتين لا أدري أقيامه أم ركوعه أم سجوده أطول؟ ففعل ذلك ثم لم يزل يفعل كما فعل أول مرة، حتى صلى إحدى عشرة ركعة» [ (2) ] . وروى الشيخان، والإمام مالك، والبرقاني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، كانت تلك صلاته، يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة [ (3) ] . وروى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين- وهي خالته- وقال: «فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها فنام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل استيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنّ معلّقة، فتوضأ منها فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم ذهبت فقمت إلى جنبه» وفي لفظ «فقمت عن يساره، فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع ثم

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 46 (1355) . [ (2) ] أحمد 5/ 312 والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 272 فيه عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني وهو ضعيف. [ (3) ] تقدم.

جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح» [ (1) ] . وروى الشيخان عنها قالت: ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، فقلت يا رسول الله: تنام قبل أن توتر، فقال، يا عائشة: «إن عيني تنام ولا ينام قلبي» [ (2) ] . وروى البخاري عن مسروق- رحمه الله تعالى- قال سألت عائشة- رضي الله [تعالى] عنها- عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر» [ (3) ] . وروى البخاري عنها- قال صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العشاء ثم صلى ثمان ركعات وركعتين جالسا وركعتين بين النداءين ولم يكن يدعهما أبدا» . وروى مسلم عن سعد بن هشام بن عامر- رحمه الله تعالى- قال قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها- أنبئيني عن وتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: كنا نعدّ له سواكه وطهوره، فيبعثه الله تعالى ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث» [ (4) ] . وروى الطبراني عن طريق عطاء بن مسلم الخفاف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أهدى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكرة فاستصغرها أبي، قال: انطلق بها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فائت فقل إنا قوم نعمل، فإن كان عندك أسنّ منها فابعث بها إلينا، فقال: يا ابن عمي وجّهها إلى إبل الصدقة، فوجهتها، ثم أتيته في المسجد، فصليت معه العشاء، فقال: ما تريد أن تبيت عند خالتك الليلة؟ قد أمسيت فوافقت ليلتها من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأتيتها فعشّتني، ووطأت لي بعباءة فافترشتها، فقلت لأعلمن ما يعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا ميمونة» ، فقالت: لبيك يا رسول الله فقال: «أما أتاك ابن أختك» ؟

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم.

قالت بلى هو هذا، قال: «أفلا عشيتيه؟ إن كان عندك شيء» قالت: قد فعلت، قال: «قد وطّئت له» قالت: نعم فمال إلى فراشه فلم يضطجع عليه واضطجع حوله، ووضع رأسه على الفراش، فمكث ساعة، فسمعته نفخ في النوم، فقلت: نام، وليس بالمستيقظ وليس بقائم الليلة، ثم قام حيث قلت: ذهب الربع [الثلث] من الليل فأتى سواكا له ومطهرة فاستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السواك، ثم قام إلى قربة فحل شناقها، فأردت أن أقوم فأصبّ عليه فخشيت أن يذر شيئا من عمله، فلما توضأ دخل مسجده فصلى أربع ركعات فقرأ في كل ركعة مقدار خمسين آية يطيل فيها الركوع والسجود، ثم جاء إلى مكانه الذي كان عليه فاضطجع هويا، فنفخ وهو نائم، فقلت: ليس بقائم الليل.. حتى يصبح، فلما ذهب نصف الليل أو ثلثه أو قدر ذلك فقام.. يصنع مثل ذلك ثم دخل مسجده فصلى أربع ركعات على قدر ذلك ثم جاء إلى مضجعه فاتّكأ عليه فنفخ، فقلت: ذهب به النوم وليس بقائم حتى يصبح، ثم قام حين بقي سدس الليل أو أقل فاستاك، ثم توضأ فافتتح بفاتحة الكتاب ثم قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثم [ركع و] سجد ثم قام فقرأ بفاتحة الكتاب وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثم قنت فركع وسجد، فلما فرغ قعد حتى إذا ما طلع الفجر ناداني فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: «قم [فوالله ما كنت بنائم» ، فقمت فتوضأت، فصليت خلفه، فقرأ بفاتحة الكتاب وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثم ركع وسجد ثم قام في الثانية فقرأ بفاتحة] الكتاب وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ الحديث [ (1) ] . وروى الطبراني من طريق عبيد بن إسحاق العطار عنه قال: بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فزعا فاستقى ماء فتوضأ ثم قرأ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى آخر السورة ثم افتتح البقرة، فقرأ حرفا حرفا حتى ختمها، ثم ركع فقال: «سبحان ربي العظيم» ثم سجد فقال «سبحان ربي الأعلى» ، ثم رفع رأسه، فقال بين السجدتين: «رب اغفر لي وارحمني وارفعني، وارزقني، واهدني» ، ثم قام فقرأ في الركعة الثانية آل عمران ثم ركع وسجد ثم فعل كما فعل في الأولى ثم اضطجع ثم قام فزعا، ففعل مثل ما فعل في الأوليين فقرأ حرفا حرفا حتى صلى ثمان ركعات، يضطجع بين كل ركعتين وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتي الفجر، وذكر الحديث [ (2) ] . السابعة: ثلاث عشرة ركعة. روى ذلك عنه- زيد بن خالد الجهني، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وجابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 275 فيه عطاء بن مسلم وثقه ابن حبان وقال غيره ضعيف. [ (2) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 275 فيه عبيد بن إسحاق العطار ضعفه ابن معين وغيره.

حديث زيد: روى مسلم، وأبو داود، عن زيد بن خالد- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لأرمقن الليلة صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتوسدت عيبة أو فسطاطه فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركعتين خفيفتين. ثم صلى ركعتين طويلتين، طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما [ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما] ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة [ (1) ] . حديث جابر: روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقبلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- زمن الحديبية حتى نزلنا بالسّقيا فقال معاذ من يسقينا في أسقيتنا؟ [قال جابر: فقلت: أنا] فخرجت في فتية من الأنصار حتى أتينا الماء الذي بالأثاية وبينها وبينهما قريبا من ثلاثة عشر ميلا فسقينا في أسقيتنا، حتى إذا كان بعد عتمة إذا رجل ينازعه بعيره إلى الحوض، فقال: أورد، فإذا هو رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأورد ثم أخذت بزمام ناقته فأنختها فقام يصلي العتمة وجابر فيما ذكر إلى جنبه، ثم صلى بعدها ثلاث عشرة سجدة [ (2) ] . حديث ابن عباس: رواه عنه كريب وسعيد بن جبير، وعلي بن عبد الله بن عباس، وعطاء، وطاوس، والشعبي، وطلحة بن نافع، ويحيى بن الجزار وأبو حمزة وغيرهم مطولا ومختصرا، وفي رواية كل زيادة على الآخر. وروى الأئمة إلا الدارقطني، وابن خزيمة، وأبو عوانة ومحمد بن نصر المروزي وابن أبي شيبة والحارث بن أبي أسامة وغيرهم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: بعثني العباس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حاجة فوجدته جالسا في المسجد، فلم أستطع أن أكلمه فلما صلّى المغرب قام فركع، حتى أذّن المؤذّن بصلاة العشاء، وفي رواية: أنه بعثه بعد العشاء فقال: يا بني بت عندنا، فبتّ عند خالتي ميمونة، زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العشاء ثم جاء منزله فصلى أربع ركعات، وفي رواية فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ما أمسى فقال: «أصلّى الغلام؟» قالوا: نعم، فقلت: لا أنام حتى أنظر ما يصنع، وفي رواية لأعلمن ما يعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الليلة وفي لفظ: ولأنظرنّ إلى صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت لميمونة: إذا قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأيقظني، فطرحت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسادة فتحدث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع أهله ساعة، ثم رقد، ثم أتى القربة فأطلق شناقها فصبه في قصعة، أو

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 532 (195/ 765) وأبو داود 2/ 47 (1366) . [ (2) ] أخرجه أبو يعلى 4/ 151 (452/ 2216) وقال الهيثمي 2/ 273 فيه شرحبيل بن سعد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة.

جفنة، ثم غسل وجهه ويديه، ثم رقد فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، فنام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مع امرأته في فراشها وكانت ليلة أهله حائضا فنام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى نفخ، فقلت: نام وليس بمستيقظ وليس بقائم الليلة، فهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في زاوية كان إذا تعارّ من الليل نظر ببصره إلى السماء ثم تلا هذه الآيات من آخر آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتى انتهى إلى خمس آيات، ثم عاد إلى مضجعه، فنام هويّا من الليل، ثم قام فتعار ببصره إلى السماء ثم تلاهن، ثم عاد لمضجعه فقام هويّا من الليل حتى هب، ثم تعار ببصره إلى السماء ثم تلاهن ثم عاد إلى مضجعه فنام هويّا من الليل ثم قام طلى شنّ معلق الحديث: حتى انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، وفي رواية: ثلث الليل الأخير، وفي رواية: قام حين قلت ذهب الربع أو الثلث من الليل فأتى سواكا له، ومطهرة فاستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السواك، وفي رواية: فقام من الليل فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه ونظر فإذا عليه ليل، ثم نام، ثم قام فكبر وسبح انتهى فقال: نام الغليّم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم تسوك ثم خرج فنظر إلى السماء وقال: «سبحان الملك القدوس» ثلاث مرات، ثم قرأ وفي لفظ: فلما كان الثلث الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ، وفي رواية: «فقلب وجهه في أفق السماء ثم قال: «نامت العيون وغارت النجوم، والله حي قيوم» ، ثم قضى حاجته، ثم جاء إلى قربة على شجب فيه ماء، قلت وما الشجب؟ «قال: السبايا، وإذا قربة ذات شعر فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منها ماء، فمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل قدميه، ثلاثا، ثم أتى مصلاه» . وفي لفظ: «ثم قام إلى شنّ معلقة» وفي لفظ: «معلق» وفي لفظ: «إلى قربة» وفي لفظ: إلى القربة فأطلق شناقها، فأردت أن أقوم فأصب عليه فخشيت أن يذر شيئا من عمله، فتوضأ وضوءا خفيفا» وفي لفظ: «فأحسن الوضوء» وفي لفظ: «فتوضأ وضوءا حسنا لم يكثر، ولم يقصر، وقد أبلغ» وفي لفظ «فقد أسبغ الوضوء، ولم يمس من الماء إلا قليلا، وتسوّك، ثم أخذ برداء فتوشحه، ثم دخل البيت، ثم قام يصلي فتمطيت كراهة أن يراني أني كنت أبعثه- يعني أرقبه- فصنعت مثل ما صنع، ثم قمت عن يساره، فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى فعرفت أنه إنما فعل ذلك ليؤنسني بذلك في الليل» وفي لفظ: «بشحمة أذني يفتلها، فحولني فجعلني عن يمينه» وفي لفظ: «فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن فصلى ركعتين خفيفتين، يقرأ بأم القرآن في كل ركعة، ثم يسلم، ثم صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين يسلم من كل

ركعتين ويستاك حزرت قيامه في كل ركعة قدر يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ثم أوتر فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة» . وفي رواية «فصلى ثلاث عشرة ركعة» وفي لفظ «إحدى عشرة ركعة» وفي لفظ «فصلى ما رأى أن عليه ركعتين» فلما نظر أن الفجر قد دنا قام، فصلى سبع ركعات أوتر بالسابعة.. انتهى» . وفي رواية «إحدى عشرة بالوتر» وفي لفظ «يصلي ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات، ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات» ثم أوتر بثلاث، ثم اضطجع فنام حتى نفخ وفي رواية حتى استثقل فرأيته ينفخ فأتاه المؤذن فأذنه بصلاة الصبح، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ولم يتوضأ، ثم خرج إلى الصلاة وهو يقول وفي رواية: لما قضى صلاته سمعته يقول وكان يقول في صلاته أو دعائه وفي رواية وجعل يقول في صلاته أو سجوده، انتهى [ (1) ] . وفي لفظ الشعبي: سألت عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالا: ثلاث عشرة، منها ثمان، ويوتر بثلاث وركعتين بعد الفجر [ (2) ] . وفي رواية فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليلئذ تسع عشرة كلمة قال سلمة: حدثنيها كريب فحفظت منه اثنتي عشرة كلمة ونسيت ما بقي، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وفي لساني نورا، وفي عصبي نورا، وفي لحمي نورا وفي بدني نورا، وفي شعري نورا، وفي بشري نورا، وفي نفسي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا» وفي لفظ: «واجعل لي يوم القيامة نورا» وفي لفظ: «واجعل في نفسي نورا، وأعظم لي نورا» [ (3) ] . حديث عائشة: روى الطبراني في الأوسط من طريق ابن لهيعة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي العتمة ثم يصلي في المسجد قبل أن يرجع إلى بيته سبع ركعات يسلم في الأربع في كل ثنتين، ويوتر بثلاث، يتشهد في الأوليين من الوتر تشهده في التسليم، ويوتر بالمعوذات، فإذا رجع إلى بيته، ركع ركعتين، ويرقد، فإذا انتبه من نومه قال: «الحمد لله الذي أنامني في عافية، وأيقظني في عافية» ، ثم يرفع رأسه إلى السماء

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 242، 275، 284 وأخرجه البخاري 1/ 256 (117، 138، 859، 992، 1198، 4569، 4570، 4571، 5919، 6215، 6316، 7452 ومسلم 1/ 526 في صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 433 (1361) والنسائي في الكبرى. [ (3) ] تقدم.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق

فيتفكر، ثم يقول: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ فيقرأ حتى يبلغ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم يتوضأ ثم يقوم فيصلي ركعتين، يطيل فيهما القراءة، والركوع، والسجود، ويكثر فيهما الدعاء حتى أني لأرقد ثم أستيقظ ثم ينصرف فيضطجع، فيعفي، ثم ينصرف فيتكلم بمثل ما تكلم في الأولى، ثم يقوم فيركع ركعتين هما أطول من الأوليين، وهو فيهما أشد تضرعا واستغفارا حتى أقول: هل هو منصرف؟ ويكون ذلك إلى آخر الليل، ثم ينصرف فيغفي قليلا فأقول هذا أغفى أم لا حتى يأتيه المؤذن فيقول مثل ما قال في الأول ثم يجلس فيدعو بالسواك فيستن ثم يتوضأ ثم يركع ركعتين خفيفتين ثم يخرج إلى الصلاة، فكانت صلاته هذه ثلاث عشرة ركعة» [ (1) ] . وروى مسلم عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها» . وروى البخاري عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوتر بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين» . الثامنة: ست عشرة ركعة: روى الإمام أحمد، برجال ثقات عن علي- رضي الله تعالى عنه- «قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي من الليل ستّ عشرة ركعة سوى المكتوبة» . التاسعة: سبع عشرة ركعة. روى أبو الحسن بن الضحاك عن طاوس مرسلا «قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل سبع عشرة ركعة» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق تسبغ الوضوء- بمثناة فوقية مضمومة، فسين مهملة ساكنة، فموحدة فمعجمة: تمامه، وشموله لأعضائه. بكارة- بباء مكسورة، فكاف، فألف، فراء، فتاء تأنيث. والبكر من الإبل بمنزلة الغلام من الناس والأنثى بكرة. صرير ثناياه بصاد مهملة فراءين بينهما تحتية، أولاهما مكسورة، صوتها.

_ [ (1) ] تقدم.

هويّا- بهاء مفتوحة فواو مكسورة، فتحتية مشددة: الحين الطويل من الزمان، وقيل: مختص بالليل. العيبة: ما يجعل فيه ثياب المسافر، وقد تقدم مرارا. الفسطاط بفاء مضمومة، فسين مهملة ساكنة فطاءين بينهما ألف ساكنة ضرب من الأبنية في السفر، دون السرادق. السّقيا بسين مهملة مضمومة فقاف ساكنة فتحتية فألف بين مكة والمدينة. قيل: هو على يومين من المدينة «بالأثاية» . يهب- بياء مفتوحة فموحدة: انتبه من النوم. تعار- بمثناة فوقية، فعين مهملة مفتوحتين، فألف، فراء: هبّ واستيقظ. الشجب- بشين معجمة مفتوحة، فجيم ساكنة، فموحدة: عمود من أعمدة البيت. السبايا- بسين مهملة، فموحدة، فألف فتحتية، فألف مفتوحات فألف جمع سبية، وهي المرأة المنهوبة فعيلة بمعنى مفعوله. تمطت- بفوقية فميم فطاء مهملة مفتوحات تمددت. يغفي- بتحتية مفتوحة، فغين معجمة ساكنة ففاء: ينام.

الباب السابع في قيامه - صلى الله عليه وسلم - الليل بآية يرددها وقضائه له إذا تركه

الباب السابع في قيامه- صلّى الله عليه وسلّم- الليل بآية يرددها وقضائه له إذا تركه روى الإمام أحمد، ومسدد، وابن ماجة، والنسائي، والحاكم، وصححه، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى أصبح بآية يرددها والآية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يركع بها ويسجد فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها وتسجد بها، قال: «إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها، فهي نائلة إن شاء الله تعالى لمن لا يشرك بالله شيئا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والبزار برجال ثقات عنه قال: «بينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة من الليالي يصلي بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم [قد] أخلوا مكانهم رجع إلى مكانه فصلى [فجئت] فقمت خلفه، فأومأ إليّ بيمينه، فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه فأومأ إليه بشماله، فقام عن شماله، فقمنا ثلاثتنا يصلي كل رجل [منا] بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة، فبعد أن أصبحنا أومأت إلى ابن مسعود: أن سله ما أراد [إلى ما] صنع البارحة فقال ابن مسعود [بيده] لا أسأله عن شيء حتى يحدث إليّ فقلت: بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن لو فعل ذلك بعضنا وجدنا عليه؟ قال: «دعوت لأمتي» قال فماذا أجبت أو ماذا ردّ عليك؟، قال «أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة» قال: أفلا أبشر الناس؟ قال «بلى» فانطلقت معنقا قريبا من قذفة بحجر فقال عمر، يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا اتكلوا عن العبادة فناداني ارجع: فرجع وتلك الآية» إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (2) ] . وروى الترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بآية من القرآن ليلة [ (3) ] . وروى الإمام أحمد- وفيه إسماعيل بن مسلم النّاجي فيحرر حاله- عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ردد آية حتى أصبح» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أحمد 5/ 149 وابن ماجة 1/ 429 (1350) وقال البوصيري إسناده صحيح ورجاله ثقات. [ (2) ] أحمد 5/ 170 والبزار كما في الكشف 1/ 350 (730) . [ (3) ] الترمذي 2/ 311 (448) وقال حسن غريب. [ (4) ] أحمد في المسند 3/ 62 وقال الهيثمي 2/ 273 فيه إسماعيل بن مسلم الناجي لم أجد له ترجمة.

وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وأبو الحسن بن الضحاك، عن خباب بن الأرت- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: راقبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ليلة صلّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلّها حتى كان مع الفجر سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من صلاته جاء خباب فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صلّيت نحوها قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أجل إنها صلاة رغبة ورهبة سألت ربي فيها ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي: أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يظهر علينا عدوا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها» [ (1) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليلة من الليالي بقراءة آية واحدة الليل كله حتى أصبح، بها يقوم وبها يركع، وبها يسجد فقال القوم: يا أبا ذر أي آية هي؟ قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقوم الليل فيقرأ سورة «البقرة، وآل عمران، والنساء» ، لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله تعالى- ورغب، ولا يمر بآئد فيها تخويف إلا دعا الله تعالى واستعاذه» . وروى أبو أحمد بن عدي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان إذا شغله عن صلاة الليل قوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة» [ (2) ] . وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا عمل عملا أثبته، وكان إذا نام من الليل، أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة» [ (3) ] .

_ [ (1) ] تقدم وانظر الترمذي (2175) . [ (2) ] بنحوه عند أحمد 6/ 54 والبيهقي 3/ 30. [ (3) ] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب 18 رقم (141) وأبو داود في التطوع باب 28 والنسائي في القبلة باب 13 والبيهقي 2/ 485.

الباب الثامن في قيامه - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان وتركه ذلك ظاهرا خوف فرضه على الأمة

الباب الثامن في قيامه- صلّى الله عليه وسلم- في شهر رمضان وتركه ذلك ظاهرا خوف فرضه على الأمة روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره وفي العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره وسيأتي في الصيام» [ (1) ] . وروى الخمسة عنها: قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الآخر من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله وجد وشد المئزر» [ (2) ] . وروى الخمسة عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره» [ (3) ] . وروى البخاري عنها أنها سئلت عن قيام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان قالت: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة» [ (4) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، عنها «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج من جوف الليل فصلى في المسجد، وذلك في رمضان فصلى بصلاته ناس، فأصبح الناس يذكرون ذلك، ثم صلى من المقابلة، فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج» وفي رواية للشيخين: «أنه خرج فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم، فلما أصبح ذكر ذلك للناس، فقال: «إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل» . وروى البخاري، عن زيد بن ثابت «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اتخذ حجرة [قال: حسبت أنه قال] من حصير- في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم، فقال: «قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان

_ [ (1) ] مسلم 2/ 832 (8/ 1175) والترمذي 3/ 161 (796) . [ (2) ] البخاري 4/ 316 (2024) ومسلم 2/ 832 (7/ 1174) وأبو داود 2/ 50 (1376) والنسائي 3/ 177 وابن ماجة 1/ 562 (1768) . [ (3) ] مسلم (2/ 832) والترمذي 3/ 161 (796) وابن ماجة 1/ 562 (1767) . [ (4) ] أخرجه البخاري (729) . وأبو داود 2/ 49 (1373) والنسائي 3/ 164 والبيهقي 3/ 110. [ (5) ] البخاري 2/ 214 (731) ومسلم 1/ 539 (213/ 781) . أبو داود 2/ 69 (1447) والترمذي 2/ 312 (450) والنسائي 3/ 161.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوم في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء رجل فقام أيضا حتى كنا رهطا، فلما أحسّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنّا خلفه جعل يتجوّز في الصلاة، ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا قال: فقلنا له حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة؟ فقال: «نعم ذاك الذي حملني على ما صنعت» [ (1) ] . وروى أبو يعلى، وابن حبان، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج إلينا فلم نزل فيه حتى أصبحنا، ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن تصلي، فقال: «إني خشيت أو كرهت أن تكتب عليكم» [ (2) ] . وروى البزار، وأبو يعلى، برجال الصحيح، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال «كان رسول الله يصلي في حجرته فجاء ناس من أصحابه فصلوا بصلاته، فدخل البيت، ثم خرج فعاد مرارا كل ذلك يصلي، فلما أصبح قالوا: يا رسول الله: صلينا معك ونحب نحن أن تمد في صلاتك، قال: «قد علمت مكانكم وعمدا فعلت ذلك» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه-: قال: «قلت يا رسول الله إني أريد أن أبيت معك الليلة، فأصلي بصلاتك. قال: لا تستطيع صلاتي فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغتسل فسترته بثوبي وأنا محول عنه، ثم فعل مثل ذلك، ثم قام يصلي وقمت معه: حتى جعلت أضرب برأسي الجدران من طول صلاته، ثم أتاه بلالا للصلاة قال: «أفعلت» ؟ قال: نعم. قال: «إنك يا بلال لتؤذن إذا كان الصبح ساكعا في السماء ليس ذلك الصبح، إنما الصبح هكذا معترضا» ، ثم دعا بسحوره فتسحر» [ (4) ] . ساكعا- بسين مهملة مفتوحة، فألف، فكاف، فعين مهملة، فألف، من التسكع وهو: التحير، والتمادي في الباطل، لأن هذا الفجر يذهب ويقال له: الكاذب. «معترضا بميم مضمومة، فعين مهملة ساكنة، ففوقية مفتوحة، فراء مكسورة، فضاد معجمة فألف» . وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن عائشة- رضي

_ [ (1) ] مسلم (2/ 775) حديث (59/ 1104) وأحمد 3/ 293. [ (2) ] قال الهيثمي 3/ 172 فيه عيسى بن جارية وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين. [ (3) ] أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 173 رجاله رجال الصحيح. [ (4) ] في إسناده رشدين بن سعد انظر المجمع 3/ 172 وهو عند أحمد 5/ 171 والبخاري في التاريخ 4/ 178.

تنبيه:

الله تعالى عنها- والإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجز حجيزة بخصفة أو حصير في المسجد، في رمضان، فكان يصلي فيها الحديث، وقد تقدم بتمامه، عنهما» . تنبيه: روى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطبراني، من طريق أبي شيبة، إبراهيم بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر» . إبراهيم ضعّفه الإمام احمد، وابن معين، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم، وكذّبه شعبة، وقال ابن معين: ليس بثقة، وعدّ هذا الحديث من منكراته. قال الأذرعي في «التوسط» وأما ما نقل «عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في الليلتين اللتين خرج فيهما عشرين ركعة» فهو منكر. وقال الزركشي في «الخادم» دعوى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم في تلك الليلة عشرين ركعة لم يصح، بل الثابت في الصحيح: الصلاة من غير ذلك العدد، وجاء في رواية جابر «أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم ثمان ركعات والوتر، ثم انتظروه في القابلة فلم يخرج إليهم» ، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الضحى، وصلاة الزوال

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الضحى، وصلاة الزوال الباب الأول في استنباطها من القرآن، وما ورد في فضلها، والأمر بها واختلف الرواة في فضلها «هل صلاها أم لا؟ فمنهم المثبت، ومنهم النافي، فمن العلماء من رجح رواية المثبت على النافي، جريا على القاعدة المعروفة، لأنها تتضمن زيادة علم فقدمت على النافين، قالوا وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس، ويوجد عند الأقل. ومنهم من رجح رواية النافي بقرينة، ولم يعتد برواية المثبت، إما لضعفها، أو صرفها عن صلاة الضحى» . وروى الإمام أحمد ومسلم وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء» [ (1) ] . وروى سعيد بن منصور، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها هاهنا يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ [ (2) ] [ص 18] . وروى الطبراني، من طريق حجاج بن نصير عنه، قال: «كنت أمر بهذه الآية، فما أدري ما هي قوله يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فدعا بوضوء في جفنة كأني أنظر إلى أثر العجين فيها فتوضأ، ثم صلى صلاة الضحى، ثم قال: «يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق» [ (3) ] . وروى أحمد بن منيع عنه قال: أتى علينا زمان ما ندري ما وجه هذه الآية يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ حتى رأينا الناس يصلون الضحى. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في الشعب عنه، قال: «إن صلاة الضحى في القرآن، وما يغوص عليها إلا غواص في قوله تعالى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. وروى الأصبهاني في الترغيب عن عون العقيلي. في قوله تعالى فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً قال الذين يصلون صلاة الضحى.

_ [ (1) ] أحمد في المسند 6/ 145 ومسلم (1/ 497) حديث (78/ 719) وابن ماجة 1/ 439 (1381) . [ (2) ] ذكره في المطالب العالية 1/ 156 (576) وعزاه المحقق لأحمد بن منيع نقلا عن الإتحاف. [ (3) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 238 فيه حجاج بن نصير ضعفه ابن المديني وجماعة ووثقه ابن معين وابن حبان.

الباب الثاني في صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الضحى

الباب الثاني في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- صلاة الضحى وفيه نوعان الأول: فيما ورد أنه صلاها: روى الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والحارث بن أبي أسامة، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء» [ (1) ] . وروى أبو نعيم، عن حنظلة الثقفي، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ارتفع النهار وذهب كل أحد وانفلت الناس خرج إلى المسجد فركع ركعتين» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- والطيالسي والنسائي في الكبرى بسند رجاله ثقات، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى» ورواه أبو يعلى إلا أنه قال: «كان يصلي من الضحى» [ (3) ] . وروى النسائي عنه قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي حين يرتفع النهار ركعتين، وقبل نصف النهار أربع ركعات، ويجعل التسليم في آخره [ (4) ] . وروى مسدد عن رميثة [ (5) ] قالت: «رأيت عائشة- رضي الله عنها- صلت الضحى ثمان ركعات» وفي رواية له «كانت عائشة تصلي الضحى فتطيلها» [ (6) ] . وروى ابن حبان، عن عائشة قالت: «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيتي فصلى الضحى ثمان ركعات» [ (7) ] . وروى مسدد، والسنائي في اليوم والليلة، عن زاذان أبي عمر عن رجل من الأنصار قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى ذات يوم، فلما فرغ قال: «اللهم اغفر لي، وتب

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (23440) والسيوطي في الحاوي 1/ 62. [ (3) ] أحمد 3/ 21، 36 والطيالسي كما في المنحة 1/ 121 (564) . [ (4) ] النسائي في الكبرى انظر التحفة للمزي 7/ 388. [ (5) ] (رميثة) الأنصارية جدة عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري التابعي المشهور.. أخرج الترمذي من طريق يوسف الماجشون عن أبيه عن عاصم بن عمر عن جدته رميثة قالت سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولو أشاء أن أقبل الخاتم الذي بين كتفيه من قربه لفعلت يقول لسعد بن معاذ يوم مات اهتز له عرش الرحمن وروى ابن المنكدر عن ابن رميثة عنها عن عائشة حديثا في صلاة الضحى. الإصابة 8/ 86، 87. [ (6) ] أشار له الحافظ في التهذيب 12/ 420. [ (7) ] ابن حبان كما في الإحسان 4/ 103 (2522) ومالك في قصر الصلاة (33) وعبد الرزاق 3/ 78 (4866) وابن أبي شيبة 2/ 410.

علي، إنك أنت التواب الغفور» قالها مرة أو أكثر من مائة مرة» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة، عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الضحى ثمان ركعات في حرة بني معاوية» [ (2) ] . وروى أحمد بن منيع، عن الحسن، أو الحسين- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الضحى، وقال: «من صلاها بني له بيت في الجنة» ، وأظنه قال: «غفر له ما كان في ساعات النهار من ذنب» . وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح، عن عتبان بن مالك- رضي الله تعالى عنه-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى في بيته سبحة الضحى» [ (3) ] . وروى الطبراني بسند حسن عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أنه رأى «رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر صلى سبحة الضحى ثمان ركعات الحديث» [ (5) ] . وروى البزار من طريق عبد الله بن شبيب، عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة يوم فتحها ثمان ركعات يطيل فيها القراءة والركوع» [ (6) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أنه رأى «رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى بمكة ست ركعات» [ (7) ] . روى الطبراني- برجال ثقات- عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- قال: «لما كان فتح مكة دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بماء وسترت أم هانئ، وأم سليم، أم أنس بن مالك بملحفة. ثم دخل بيت أم هانئ فصلى الضحى أربع ركعات» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أحمد 5/ 371 وابن أبي شيبة 10/ 235 وانظر المجمع 10/ 110. [ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 175 (7816) . [ (3) ] أحمد 4/ 43. [ (4) ] الطبراني في الكبير انظر المجمع 2/ 238. [ (5) ] قال الهيثمي 2/ 136 رجاله ثقات. [ (6) ] البزار كما في الكشف 1/ 336 (698) وقال الهيثمي: 2/ 236 فيه عبد الله بن شبيب ضعيف. [ (7) ] الطبراني في الأوسط انظر المجمع 2/ 238. [ (8) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي: 2/ 238 رجاله ثقات.

وروى الطبراني عنها بسند حسن «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل عليها يوم الفتح فصلى سنّة الضحى ست ركعات» [ (1) ] . وروى البزار من طريق يوسف بن خالد السمتي [ (2) ] عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا يترك الضحى في سفر ولا غيره» [ (3) ] . وروى الطبراني من طريق سعيد بن مسلمة الأموي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى ست ركعات، فما تركهن بعد ذلك» [ (4) ] . وروى الإمام مالك، والشيخان، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، وفي رواية، مولى أم هانئ بنت أبي طالب أن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- أخبرته: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى عام الفتح ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد» . ورواه الحارث بن أبي أمامة، من طريق الليث بن سعد [ (5) ] ، عن أبي مرة بلفظ: «أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى» . ورواه أبو الحسن الضحاك، عن كريب- مولى ابن عباس- عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم بين كل ركعتين» . ورواه مسلم، وأبو بكر البرقاني، عن ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحد «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها ذكرت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح اغتسل في بيتها، وصلى ثمان ركعات خفافا لم أره صلى مثلهن إلا أنه يتم الركوع والسجود» [ (6) ] . ورواه مسلم، وأبو الحسن بن الضحاك، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال:

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 2/ 238 إسناده حسن. [ (2) ] يوسف بن خالد السمتي الفقيه. عن عاصم الأحول، وإسماعيل بن أبي خالد. وعنه نصر بن علي، وزيد بن الحريش، وجماعة ... ميزان الاعتدال 4/ 463. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 335 (695) وإسناده ضعيف لضعف يوسف بن خالد وقد تقدم الكلام عليه. [ (4) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 237 فيه سعيد بن مسلمة الأموي ضعفه البخاري وابن معين وجماعة. [ (5) ] ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم الإمام، عالم مصر وفقيهها ورئيسها. عن سعد المقبري وعطاء ونافع وقتادة والزهري وصفوان بن سليم وخلائق. وعنه ابن عجلان وابن لهيعة وهشيم وابن المبارك والوليد بن مسلم وابن وهب وأمم. قال ابن بكير: هو أفقه من مالك. وقال محمد بن رمح: كان دخل الليث ثمانين ألف دينار ما وجبت عليه زكاة قط. وثقه أحمد وابن معين والناس. قال ابن بكير: ولد سنة أربع وتسعين، وتوفي سنة خمس وسبعين ومائة. الخلاصة 2/ 371. [ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 497 (80/ 336) .

الثاني: فيما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها.

سألت وحرصت على أن أجد أحدا من الناس يخبرني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى سبحة الضحى فلم أجد أحدا يحدثني بذلك غير أم هانئ بنت أبي طالب، أخبرتني: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أتى بعد ما ارتفع النهار يوم الفتح، فأتي بثوب فستر عليه فاغتسل، ثم قام فركع ثماني ركعات لا أدري أقيامه فيها أطول، أم ركوعه، أم سجوده؟ وكل ذلك منه متقارب قالت فلم أره سبحها قبل ولا بعد» [ (1) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، فقال: هذا غريب لم يرو عن عائشة فيما يقال إلا من هذا الوجه عن رميثة قالت: «بت عند عائشة أم المؤمنين- رضي الله تعالى عنها- فلما أصبحت اغتسلت، ودخلت بيتا، وأجافت الباب دوني، فقلت: يا أم المؤمنين إنما أقمت عندك لهذه الساعة، فقالت: ادخلي فقامت فصلت ثمان ركعات ما أدري أقيامهن أطول أم ركوعهن، أم سجودهن؟ فلما سلّمت، قالت: يا رميثة إنني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصليهن فلو نشدني أبواي على تركهن ما تركتهن» . الثاني: فيما ورد أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصلها. روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، من طريق عبد الله بن رواحة [ (2) ] ، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- «أنه لم ير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الضحى قط، إلا أن يخرج في سفر أو يقدم من سفر» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الضحى إلا مرة» [ (4) ] . وروى الطبراني ورجاله ثقات، عن أبي أمامة أن سهل بن حنيف قال: «أول من صلى الضحى رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكنى أبا الزوائد» [ (5) ] . وروى البزار ورجاله موثقون، وفي بعضهم كلام لا يضر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الضحى إلا يوم فتح مكة» [ (6) ] .

_ [ (1) ] مسلم 1/ 498 (81/ 336) . [ (2) ] عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأكبر الأنصاري الخزرجي. له كنى، نزل دمشق، وهو عقبي، بدري، نقيب، أمير، شهيد، له أحاديث، انفرد له البخاري بحديث موقوف. وعنه أبو هريرة، وابن عباس، وأرسل عنه قيس بن أبي حازم وجماعة. استشهد بمؤتة رضي الله عنه. الخلاصة 2/ 55، 56. [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 159 وأبو يعلى 7/ 301 (1582/ 4337) . [ (4) ] وقال الهيثمي 2/ 234 رجاله ثقات. [ (5) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2/ 234 رجاله موثقون وفيهم معمر بن بكار قال الذهبي: صويلح. [ (6) ] البزار كما في الكشف 1/ 336 (697) وقال الهيثمي 2/ 235 رجاله موثقون.

الباب الثالث في الجواب عما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها

الباب الثالث في الجواب عما ورد أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصلها قال أبو عمر بن عبد البر في قول عائشة «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي سبحة الضحى قط: ليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من الحديث ما أحصاه غيره، والإحاطة ممتنعة، فقد صح أنه- صلى الله عليه وسلّم- صلى الضحى، وحمل البخاري أحاديث الإثبات على الحضر وأحاديث النفي على السفر، ويؤيد حديث ابن عمر على السفر أنه كان لا يسبح على السفر ويقول لو كنت مسبّحا لأتممت، فيحمل على نفيه لصلاة الضحى، على عادته المعروفة في السفر» . قال في الهدى: واختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق: فمنهم من رجح رواية الفعل على الترك، بأنها مثبتة تتضمن زيادة علم [خفيت] على النافي، قالوا: ويجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس، ويوجد عند الأقل، قالوا: وقد أخبرت عائشة، وأنس، وجابر، وأم هانئ وعليّ بن أبي طالب أنه صلاها، قال: «ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة المتضمنة للوصية بها، والمحافظة عليها، ومدح فاعليها، والثناء عليه» . قال الحاكم: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وأبي ذر الغفاري، وزيد بن أرقم، وأبي هريرة، وبريدة الأسلمي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن أبي أوفى، وعتبان بن مالك، وأنس بن مالك وعتبة بن عبد السلمي، ونعيم بن هماز الغطفاني وأبي أمامة الباهلي، ومن النساء عائشة بنت أبي بكر، وأم هانئ وأم سلمة كلهم، شهدوا: «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يصليها» . وذكر الطبراني من حديث علي، وأنس، وعائشة، وجابر «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يصليها ست ركعات» . وطائفة ثانية ذهبت إلى أحاديث الترك ورجحتها من جهة صحة إسنادها، وعمل الصحابة بموجبها. وطائفة ثالثة إلى استحباب فعلها غبا، فتصلي في بعض الأيام دون بعض. وطائفة إلى أنها إنما تفعل بسبب من الأسباب، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- إنما فعلها كذلك يوم الفتح.

الباب الرابع في فوائد تتعلق بصلاة الضحى

الباب الرابع في فوائد تتعلق بصلاة الضحى قال الباجي: وليس صلاة الضحى من الصلوات المحصورة بالعدد فلا يزاد عليها، ولا ينقص منها، ولكنها من الرغائب التي يفعل الإنسان منها ما أمكنه. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهذا الذي قاله هو الصواب المختار، فلم يرد في شيء، من الأحاديث ما يدل على حصرها في عدد مخصوص، وقد أخرج سعيد بن منصور في «سننه» عن الأسود: «أن رجلا قال له كم أصلي الضحى؟ قال: ما شئت» . وأخرج عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلون الضحى؟ قال: «نعم كان منهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يصلي أربعا، ومنهم من يمد إلى نصف النهار» . وأخرج أحمد في «الزهد» عن الحسن: أن أبا سعيد الخدري، كان من أشد الناس توخيا للعبادة، وكان يصلي عامة الضحى. وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن عبد الله بن غالب «أنه كان يصلي الضحى مائة ركعة» [ (1) ] . وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: «لم أر عن أحد من الصحابة أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة، ولا عن أحد من أئمة المذاهب، كالشافعي، وأحمد، وإنما ذكره الروياني فقط فتبعه الرافعي، ثم النووي» .

_ [ (1) ] أبو نعيم في الحلية 2/ 256.

الباب الخامس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - قبيل الزوال وعنده

الباب الخامس في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- قبيل الزوال وعنده روى الإمام أحمد مطولا، وأبو داود، وابن ماجه مختصرا، عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: أدمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع ركعات عند زوال الشمس، فقلت: «يا رسول الله: ما هذه الركعات التي أراك أدمنتها؟ قال: «إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس، فلا تريح حتى يصلي الظهر، فأحب أن يصعد لي فيها خير» ، فقلت: يا رسول الله تقرأ فيهن كلهن؟ قال: «نعم» [قلت] ففيها سلام فاصل؟ قال: لا [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن عبد الله بن السائب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي قبل الظهر بعد الزوال أربعا، ويقول: «إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس فأحب أن أقدّم فيها عملا صالحا» [ (2) ] . وفي لفظ: «أن يصعد لي فيها عمل صالح» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله [تعالى] عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي أربعا قبل الظهر، يطيل فيهن القيام، ويحسن فيهن الركوع والسجود» [ (4) ] . وروى النسائي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي حين ترتفع الشمس ركعتين، وقبل نصف النهار أربع ركعات، ويجعل التسليم في آخرها» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد- بسند جيد- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «ما هجرت إلا وجدت النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي» [ (6) ] . وروى الطبراني- بسند ضعيف- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا استوى النهار خرج إلى بعض حيطان المدينة، وقد سير له فيها طهوره، فإن كانت له حاجة قضاها، وإلا تطهر، فإذا زالت الشمس، عن كبد السماء قدر شراك قام

_ [ (1) ] أحمد 5/ 416 وأبو داود 2/ 23 (1270) وابن ماجة 1/ 365 (1157) . [ (2) ] أحمد في المسند 6/ 43 والترمذي 2/ 342 (478) . [ (3) ] الترمذي الموضع السابق. [ (4) ] أحمد 6/ 43. [ (5) ] النسائي في الكبرى 7/ 388. [ (6) ] قال الهيثمي فيه ليث بن أبي سليم مدلس المجمع 2/ 230.

تنبيهات

فصلى أربع ركعات لم يتشهد بينهن، ويسلم في آخر الأربع، ثم يقوم فيأتي المسجد» الحديث [ (1) ] . وروى البزار- بسند ضعيف- عن ثوبان [ (2) ]- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار، فقالت عائشة: يا رسول الله أراك تستحب الصلاة هذه الساعة، قال: «تفتح أبواب السماء، وينظر الله تعالى بالرحمة إلى خلقه» الحديث [ (3) ] . وروى ابن عساكر، وأبو داود، عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس أو زاغت، أو كما قال: إن كان في يده عمل الدنيا رفضه، وإن كان نائما يوقظ له، فيقوم فيغتسل، أو يتوضأ، ثم يركع ركعات يتمهن ويحسنهن، ويتمكن فيهن، فلما أراد أن ينطلق، قلت يا رسول الله رأيتك إذا زالت الشمس، أو زاغت، فإن كان في يدك عمل من الدنيا رفضته، وإن كنت نائما، فكأنما توقظ له، فتغتسل أو تتوضأ، ثم تركع أربع ركعات تتمهن وتحسنهن، وتمكث فيهن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن السموات، وأبواب الجنة تفتح في تلك الساعة، فما ترتج أبواب السماوات وأبواب الجنة حتى تصلى هذه الصلاة، فأحببت أن يصعد لي تلك الساعة خير» [ (4) ] . وفي رواية: «فأحب أن يرفع لي عمل في أول عمل العابدين» . تنبيهات عرض الوسادة بفتح العين، قيل: هو المراد هنا، وبالضم الناحية، والوسادة هنا ما يتوسد إليه، وعليه، ويكون المراد به: الفراش، وكان اضطجاع ابن عباس لرؤيتهما أو لأجلهما، وذلك لصغره لأنه يجوز تسمية الفراش وسادة، وينبغي إبقاؤه على حقيقته، ويكون اضطجاع النبي- صلى الله عليه وسلم- عليها وضعه رأسه على طولها، واضطجاع ابن عباس وضعه رأسه على عرضها. الحيطان: جمع حائط- بحاء مهملة، وآخره طاء: البستان. ترتج- بتاء مثناة فوقية مضمومة، فراء ساكنة، فمثناة فوقية، فجيم: تغلق.

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2/ 230 فيه نافع بن هرمز متروك. [ (2) ] ثوبان الهاشمي، مولى النبي- صلى الله عليه وسلّم، صحبه ولازمه، ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة أربع وخمسين. التقريب 1/ 120. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 337 (700) وقال الهيثمي 2/ 219 فيه عتبة بن السكن متروك. [ (4) ] تقدم.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في العيدين

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في العيدين الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- قبل الصلاة وفيه أنواع: الأول: في غسله- صلّى الله عليه وسلم. روى ابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغتسل يوم الفطر، ويوم الأضحى» [ (1) ] . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، في «زوائد المسند» وابن ماجة، عن الفاكه بن سعد الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يغتسل يوم الفطر ويوم النحر» [ (2) ] . وروى البزار، عن محمد بن عبيد الله أي ابن أبي رافع عن أبيه، عن جده- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اغتسل للعيدين» [ (3) ] . الثاني: في تجمّله- صلّى الله عليه وسلم-. روى مسدد وابن سعد، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم، والبيهقي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يلبس برده الأحمر في العيدين» [ (4) ] . ورواه قاسم بن أصبغ عنه بلفظ كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين. وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يلبس يوم العيد بردة حمراء» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 417 (1315) وقال البوصيري هذا إسناد فيه جبارة وهو ضعيف وحجاج بن تميم ضعيف أيضا. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 311 (648) قال الهيثمي 2/ 198 في إسناده مندل فيه كلام ومحمد هذا ومن فوقه لا أعرفهم. [ (4) ] البيهقي 3/ 280 وابن أبي شيبة 2/ 156 وابن سعد 1/ 2/ 148. [ (5) ] قال الهيثمي: 2/ 198 رجاله ثقات.

الثالث: في أكله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر قبل خروجه إلى صلاة العيد، وإمساكه في الأضحى.

وروى ابن سعد، عن أبي جعفر محمد بن علي- رضوان الله تعالى عليه وعلى آبائه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يلبس برده الأحمر ويعتم يوم العيدين» [ (1) ] . وروى الإمام الشافعي، وابن سعد- واللفظ له- عنه، عن أبيه، عن جده- رضوان الله تعالى عليهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يلبس بردا أحمر في كل عيد وكان يعتم في كل عيد [ (2) ] . وروى أبو سعيد النيسابوري، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يلبس برده الأحمر في العيدين» . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عروة بن الزبير- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رداء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي يخرج فيه الفطر والأضحى ثوب حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر» . الثالث: في أكله- صلّى الله عليه وسلم- يوم الفطر قبل خروجه إلى صلاة العيد، وإمساكه في الأضحى. روى الإمام أحمد والبخاري والإسماعيلي، والحاكم، والدارقطني والبيهقي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ثمرات» زاد الإسماعيلي والحاكم والبيهقي ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا، أو أقل، أو أكثر وترا» [ (3) ] . وروى الترمذي، والحاكم، والبيهقي، عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم الفطر لم يخرج حتى يأكل، وإذا كان يوم الأضحى لم يأكل شيئا حتى يرجع، وكان إذا رجع يأكل من كبد أضحيته» [ (4) ] . وروى ابن ماجه، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يغدّي أصحابه، من صدقة الفطر» [ (5) ] . وروى الطبراني، عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يطعم يوم الفطر قبل أن يخرج ويأمر الناس بذلك» [ (6) ] .

_ [ (1) ] الطبقات الكبرى 1/ 148. [ (2) ] ابن سعد 1/ 148. [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 446 (953) . [ (4) ] الترمذي 2/ 426 (542) والحاكم 1/ 294 والبيهقي 3/ 283. [ (5) ] ابن ماجة 1/ 558 (1755) وقال البوصيري مسلسل بالضعفاء. [ (6) ] إسناده ضعيف لضعف الواقدي المجمع 2/ 199.

الرابع: في خروجه إلى المصلى ماشيا - صلى الله عليه وسلم -.

وروى الإمام أحمد، والطبراني، عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، وكان لا يطعم يوم النحر حتى يرجع، فيأكل من ذبيحته» [ (1) ] . الرابع: في خروجه إلى المصلى ماشيا- صلى الله عليه وسلّم-. وروى الطبراني عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخرج إلى العيد ماشيا يصلي بغير أذان، ولا إقامة» [ (2) ] . وروى البيهقي، عن رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يذهب في العيدين ماشياً» [ (3) ] . وروى ابن ماجه، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع ماشياً» [ (4) ] . وروى ابن إسحاق والطبراني، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأتي العيد ماشياً» [ (5) ] . وروى ابن ماجه، عن سعد القرظ- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا» [ (6) ] . الخامس: في تكبيره- صلى الله عليه وسلّم- ليلة الفطر حتى يغدو إلى المصلى. روى الدارقطني، والبيهقي، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يكبر ليلة الفطر من حين يخرج من بيته حتى يغدو» وفي لفظ «حتى يأتي المصلي» [ (7) ] . وروى الطبراني من طريق شرقيّ بن قطامي، عن شريح بن أبرهة- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2/ 199 فيه عقبة بن عبد الله الرفاعي ضعيف والترمذي (542) وابن ماجة (1754، 1756) والدارقطني 2/ 45. [ (2) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 203 فيه محمد بن عبد الله بن أبي رافع ضعفه جماعة وذكره ابن حبّان في الثقات. [ (3) ] البيهقي 3/ 281. [ (4) ] ابن ماجة 1/ 411 (1295) وقال البوصيري إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن العمري. [ (5) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2/ 201 فيه خالد بن إلياس متروك. [ (6) ] ابن ماجة 1/ 411 (1294) وقال البوصيري ضعيف. [ (7) ] أخرجه الدارقطني 2/ 45 والبيهقي 3/ 278 وقال ذكر الليلة فيه غريب.

السادس: في خروجه مع أهل بيته إلى المصلى رافعا صوته بالذكر حتى يأتي المصلى.

قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكبر في أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر حتى خرج من منى يكبر دبر كل صلاة» [ (1) ] قال الشاذكوني: على هذا تكبير أهل المدينة. السادس: في خروجه مع أهل بيته إلى المصلى رافعا صوته بالذكر حتى يأتي المصلى. روى البيهقي، عن ابن عمر- رضي الله [تعالى] عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخرج في العيد مع الفضل بن عباس، وعبد الله بن عباس، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وأسامة بن زيد، وزيد بن حارثة، وأيمن ابن أم أيمن، رافعا صوته بالتهليل، والتكبير، حتى يأتي المصلى» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وابن ماجة، والبيهقي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخرج بناته ونساءه في العيدين» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج في العيدين ويخرج أهله» [ (4) ] . السابع: في حمل العنزة بين يديه إلى المصلى، وصلاته إليها- صلّى الله عليه وسلم-. روى الشيخان، والنسائي، وابن ماجة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يغدو إلى المصلى والعنزة تحمل بين يديه، وتنصب بين يديه، يصلي إليها، وذلك أن المصلى كان فضاء ليس شيء يستتر به» [ (5) ] . وروى ابن ماجه، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى العيد [بالمصلّى] مستترا بحربة» [ (6) ] . وروى البيهقي، والنسائي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى العيد بالمصلى يستتر بالحربة» [ (7) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2/ 201 فيه شرقي بن قطامي ضعفه الساجي. [ (2) ] البيهقي 3/ 279. [ (3) ] ابن ماجة 1/ 415 (1309) وفيه الحجاج بن أرطاة والبيهقي 3/ 307. [ (4) ] أحمد 3/ 363. [ (5) ] أخرجه مسلم في الصلاة باب 47 رقم (246) . [ (6) ] ابن ماجة 1/ 414 (1306) . [ (7) ] ابن ماجة 1/ 414 (1306) والنسائي في الكبرى.

الثامن: في أنه لم يكن يصلي قبل العيد ولا بعده.

وروى البزّار بسند لا بأس به، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج له العنزة في العيدين حتى يصلّي إليها» [ (1) ] . وروى الطبراني من طريق أبي كرز، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى العيدين ومعه حربة وترس» [ (2) ] . الثامن: في أنه لم يكن يصلي قبل العيد ولا بعده. روى الإمام الشافعي والشيخان والترمذي، وصححه، وابن ماجه، عن ابن عباس، ومالك، والشافعي، والترمذي وصححه، عن ابن عمر وابن ماجه عن ابن عمرو والبيهقي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين، لم يصل قبلهما، ولا بعدهما [ (3) ] تنبيهان: الأول: قال المهلب: إنما كان يأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى الصلاة، لئلا يظن ظان أن الصيام يلزم يوم الفطر إلى أن يصلي صلاة العيد، وهذا المعنى مفقود في يوم الأضحى. وقال الشيخ موفق الدين بن قدامة: «الحكمة في ذلك أن يوم الفطر حرم فيه الصيام عقب وجوبه، فاستحب تعجيل الفطر، لإظهار المبادرة إلى طاعة الله وامتثال أمره في الفطر، على خلاف العادة، والأضحى بخلافه مع ما فيه من استحباب الفطر على شيءٍ من أضحيته» . الثاني: قال البلاذري عن عبد الرحمن بن سعد، وغيره عن آبائهم وأجدادهم، أن النجاشي الحبشي بعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بثلاث عنزات، فأمسك واحدة، وأعطى عمر واحدة، وأعطى عليا واحدة، قال البلاذري: عن إبراهيم بن محمد بن عمار، عن أبيه، عن جده، قال: كان بلال يحمل العنزة بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم العيد، وفي الاستسقاء.

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 314 (655) . [ (2) ] الطبراني في الأوسط وضعفه الهيثمي في المجمع 2/ 199. [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 453 (964) ومسلم 2/ 606 (13/ 884) . والترمذي 2/ 418 (537) وابن ماجة 1/ 410 (129) .

الباب الثاني في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيدين

الباب الثاني في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في صلاة العيدين وفيه أنواع: الأول: في الوقت والمكان، الذي كان يصلي فيهما العيد. روى الإمام الشافعي عن أبي الحويرث- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والخمسة، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة» [ (2) ] . وروى أبو داود، وابن ماجة، والبيهقي، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: أصابهم مطر في يوم فطر فصلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المسجد» [ (3) ] . وروى ابن القيم: لم يصل العيد في المسجد إلا مرة واحدة أصابهم المطر فصلى بهم في المسجد، إن ثبت الحديث، وهو في سنن أبي داود وابن ماجه [ (4) ] . الثاني: في صلاة العيد قبل الخطبة- وبغير أذان، ولا إقامة. روى الأئمة إلا الإمام مالك، وأبو داود، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمر، يصلون العيدين قبل الخطبة» . وروى الإمام أحمد عنه، قال: شهدت العيد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصلى بلا أذان ولا إقامة، ثم شهدت صلاة العيد مع أبي بكر، فصلى بلا أذان ولا إقامة، ثم شهدت صلاة العيد مع عمر، فصلى بلا أذان ولا إقامة ثم شهدت العيد مع عثمان فصلى بلا أذان ولا إقامة» [ (5) ] . وروى مسلم عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غير مرة، ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 152 (442) والأم 1/ 232 والبيهقي 3/ 282. [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 448 (956) ومسلم 2/ 605 (9/ 889) . وأبو داود 1/ 296 (1140) والنسائي 3/ 153 وابن ماجة 1/ 406 (1275) . [ (3) ] أبو داود 1/ 301 (1160) وابن ماجة 1/ 416 (1313) والبيهقي 3/ 310. [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 453 (963) ومسلم 2/ 605 (8/ 888) . الترمذي 2/ 411 (531) والنسائي 3/ 149 وابن ماجة 1/ 407 (1276) . [ (5) ] أحمد 2/ 39. [ (6) ] مسلم 2/ 604 (7/ 887) .

الثالث: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - العيد ركعتين.

وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العيد، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكلهم صلى قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة» [ (1) ] . وروى النسائي عن عطاء عن جابر- رضي الله عنه- «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة» [ (2) ] . وروى الإمام الشافعي عن عبد الله بن يزيد الخطمي- رضي الله عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يبدءون بالصلاة قبل الخطبة، حتى قدم معاوية فقدم معاوية الخطبة» [ (3) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يبدءون بالصلاة قبل الخطبة في العيد» [ (4) ] . وروى الشيخان، عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخرج يوم الأضحى، ويوم الفطر، إلى المصلّى فأول شيء يبدأ به الصلاة، فإذا صلّى صلاته وسلّم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم» ، وفي لفظ: «جلوس على صفوفهم فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم» [ (5) ] . الثالث: في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- العيد ركعتين. روى الإمام أحمد، والخمسة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج في يوم عيد فصلّى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما» [ (6) ] . الرابع: في عدد تكبيره- صلى الله عليه وسلم- في صلاة العيد. روى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكبر في العيدين قبل القراءة سبعا، في الركعة الأولى، سوى تكبيرة الافتتاح» ، وفي لفظ «تكبيرة الركوع، ويكبر خمسا في الآخرة سوى تكبيرة الركوع» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أحمد 1/ 242. [ (2) ] النسائي 3/ 148. [ (3) ] الشافعي في المسند 1/ 156 (454) . [ (4) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: 2/ 202 رجاله ثقات. [ (5) ] تقدم. [ (6) ] تقدم. [ (7) ] أحمد 6/ 70 وأبو داود 1/ 299 (1149) وابن ماجة 1/ 407 (1280) والدارقطني 2/ 46.

الخامس: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيدين.

وروى الإمام أحمد، والدارقطني، عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كبر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية» [ (1) ] . وروى الترمذي- وحسنه- وابن ماجة، والدارقطني، عن عمرو بن عوف المزني- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كبر في العيدين في الأولى سبعا، قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة» [ (2) ] . وروى ابن ماجه، والدارقطني، عن سعد القرظ- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة» [ (3) ] . الخامس: في قراءته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة العيدين. روى الأئمة إلا البخاري، عن أبي واقد الليثي- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في العيدين ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ (4) ] . وروى الدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، [واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ] [ (5) ] وروى الإمامان: مالك، وأحمد، ومسلم، والأربعة، عن النعمان بن بشير وابن ماجة، عن ابن عباس، والإمام أحمد، والطبراني، عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في العيدين سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ زاد النعمان وربما اجتمعتا في يوم واحد فقرأهما» [ (6) ] . وروى الإمام مالك، والخمسة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن

_ [ (1) ] أحمد 2/ 180 والدارقطني 2/ 48. [ (2) ] أخرجه الترمذي 2/ 416 (536) وابن ماجة 1/ 407 (1277) والدارقطني 2/ 48 (23) والبيهقي 3/ 286 ومن طريق آخر عند الدارمي 1/ 376. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 407 (1277) والدارقطني 2/ 47. [ (4) ] مسلم 2/ 607 (14، 15، 891) ومالك في الموطأ 1/ 180 وأحمد 5/ 217، 218 وأبو داود 1/ 300 (1154) والترمذي 2/ 414 (534) والنسائي 3/ 150 وابن ماجة 1/ 408 (1282) . [ (5) ] أخرجه الدارقطني 2/ 46. [ (6) ] حديث النعمان بن بشير عند أحمد 4/ 271 وأبو داود 1/ 293 (1122) والترمذي 2/ 413 (533) والنسائي 1/ 150 وابن ماجة 1/ 408 وحديث ابن عباس عند ابن ماجة 1/ 408 (1283) وحديث سمرة عند أحمد والطبراني في الكبير قال الهيثمي 2/ 204 رجال أحمد ثقات.

النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين لا يقرأ فيهما إلا بأم القرآن لم يزد عليها شيئا» [ (1) ] . وروى البزار بسند ضعيف، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة العيدين ب عَمَّ يَتَساءَلُونَ، وَالشَّمْسِ وَضُحاها» [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر السنن لأبي داود 1/ 301 (1159) والترمذي 2/ 418 (537) والنسائي 3/ 157. [ (2) ] البزار كما في الكشف 1/ 314 (656) وقال الهيثمي 2/ 204 فيه أيوب بن سيار ضعيف.

الباب الثالث في هديه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة العيدين

الباب الثالث في هديه- صلى الله عليه وسلّم- في خطبة العيدين وفيه أنواع: الأول: فيما كان يخطب عليه- صلى الله عليه وسلم- في العيدين. روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي كاهل- واسمه: قيس بن عائذ الأحمسي- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس في يوم عيد، على ناقة خرماء» ، وفي لفظ حسناء، وحبشي ممسك بخطامها [ (1) ] . وروى ابن ماجه، عن نبيط الأشجعي- رضي الله عنه- قال: «حججت فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخطب على بعيره» [ (2) ] . وروى الإمام الشافعي مرسلا عن ابن سيرين- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخطب على راحلته بعد ما ينصرف من الصلاة يوم الفطر والنحر» [ (3) ] . وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب يوم العيد على راحلته» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، عن الهرماس بن زياد الباهلي- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأبي مردفي خلفه على حمار، وأنا صغير، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخطب بمنى على ناقته العضباء» [ (5) ] . الثاني: في اعتماده في الخطبة على قوس أو عنزة. روى أبو داود، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نوول يوم العيد قوسا فخطب عليه» [ (6) ] . وروى الطبراني عن سعد بن عثمان القرظ مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا خطب في العيدين خطب على قوس» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 78 والنسائي 3/ 151 وابن ماجة 1/ 408 (1285) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 409 (1286) . [ (3) ] الشافعي في المسند 1/ 158 (462) . [ (4) ] قال الهيثمي 2/ 205 رجاله رجال الصحيح. [ (5) ] أحمد في المسند 5/ 7. [ (6) ] أبو داود 1/ 298 (1145) . [ (7) ] تقدم.

الثالث: في تكبيره - صلى الله عليه وسلم - في خطبتي العيد وجلوسه بينهما.

وروى الإمام الشافعي مرسلا عن عطاء- رحمه الله تعالى- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا خطب يعتمد على عنزة اعتمادا» [ (1) ] . الثالث: في تكبيره- صلى الله عليه وسلّم- في خطبتي العيد وجلوسه بينهما. روى ابن ماجة عن سعد القرظ مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبة العيدين» [ (2) ] . وروى البيهقي، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم فطر أو أضحى فخطب قائما، ثم قعد قعدة، ثم قام» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والخمسة عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس وهم جلوس في مصلاهم، فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف، وكان يقول: «تصدقوا تصدقوا، تصدقوا» فكان أكثر من يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشيء، ثم ينصرف وفي رواية: ثم مرّ على النساء فقال: «يا معشر النساء تصدقن، فطني رأيتكن أكثر أهل النار» فقلن بم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» فقلن يا رسول الله وما نقصان ديننا وعقلنا؟ قال: «أليس شهادة المرأة منكن مثل [نصف] شهادة الرجل؟» قلن: بلى، [قال: «فذلك من نقصان عقلها] قال: «أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟» قلن: بلى [يا رسول الله] قال: «فذلك من نقصان دينها» . ثم انصرف، فلما جاء إلى منزله، جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله: هذه زينب، فقال: «أي الزيانب؟» فقيل امرأة ابن مسعود، فقال: « [نعم] ائذنوا لها» فقالت: يا نبي الله: إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي وأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحق من تصدقت [به] عليهم، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «صدق ابن مسعود، هو وولده أحق من تصدقت [به] عليهم» ، قال أبو سعيد: فلم تزل كذلك حتى كان مروان، فأرسل إليّ وإلى رجل قد سماه فمشى بنا حتى أتى المصلى، فإذا منبر قد بناه كثير بن الصّلت

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] ابن ماجة 1/ 409 (1287) . [ (3) ] البيهقي 3/ 296 ابن ماجة 1/ 409 (1289) .

فذهب مروان ليذهب فجذبته فنازعني بيده وارتفع، فلما رأيت ذلك قلت: أحدثتم بخير. وفي رواية «غيرتم، ثم أمر الابتداء بالصلاة، فقال: يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم، قلت: كلا، والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم ثلاث مرات» ، وفي رواية «فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: «إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والخمسة، عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا جلوسا في المصلى يوم الأضحى، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسلم على الناس، ثم قال: إن أول نسك يومكم هذه الصلاة، فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم، ثم استقبل الناس بوجهه، وأعطي قوسا، أو عصا فاتكأ عليها، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وأمرهم، ونهاهم، وقال: «من كان منكم عجّل ذبحا فإنما هي جزرة أطعمها أهله» ، وفي رواية: «أن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، أن نصلي ثم نرجع فننحر، من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة، فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء إنما الذبح بعد الصلاة» فقام إليه خالي أبو بردة بن نيار، فقال: أنا عجلت ذبح شاتي يا رسول الله، ليصنع لنا طعاما نجتمع عليه إذا رجعنا، وعندي جذعة هي أوفى من التي ذبحت أفتفي عني يا رسول الله؟ قال: «نعم، ولن تفي عن أحد بعدك» ، ثم قال: «يا بلال» فمشى واتبعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أتى النساء، فقال: «يا معشر النسوان، تصدقن الصدقة خير لكن» ، قال فما رأيت يوما قط أكثر خدمة مقطوعة، ولا قرطا من ذلك اليوم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام يتوكأ على بلال، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ الناس، وذكرهم، وحثّهم على طاعته، فلما نزل» ، وفي لفظ: فلما فرغ، نزل ومضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكّرهن، فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم» ، فقالت امرأة من سطة الناس، وفي لفظ: من سفلة النساء سفعاء الخدين، فقالت: «لم يا رسول الله؟ قال: «لأنّكنّ تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير» فجعلن يتصدقن من حلّيهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن» وفي رواية: «فجعلت المرأة تلقي فتخها» [ (3) ] .

_ [ (1) ] تقدم وانظر مسند أحمد (3/ 10، 36) . [ (2) ] أحمد في المسند 4/ 282 والبخاري 2/ 456 وأبو داود 3/ 96 (2800) والترمذي 4/ 78 (1508) والنسائي 7/ 196. [ (3) ] أحمد 3/ 318 والبخاري (2/ 540) حديث (978) ومسلم (2/ 603) حديث (3/ 885) وأبو داود 1/ 297 (1141) والنسائي 3/ 152.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

وروى ابن ماجه عنه، قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم فطر أو أضحى، فخطب قائما، ثم قعد قعدة، ثم قام» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. القرط- بقاف مضمومة، فراء ساكنة، فطاء مهملة: نوع من حلي الأذن. جزرة- بجيم فزاي، فراء: ما يجزر أي يذبح من الشياه. خرماء- بخاء معجمة مفتوحة، فراء، فميم: من الخرم، وهو الثّقب والشق في الأذن، والأنف، وانخرم ثقبه: انشقّ، فإذا لم ينشق فهو أخرم، والأنثى خرماء. سفعاء- بسين، فعين مهملتين مفتوحتين بينهما فاء ساكنة. فتخها- بفاء ففوقية فتاء فخاء معجمة مفتوحات: خواتمها، واحدة فتخة، ويحرك: خاتم كبير.

_ [ (1) ] تقدم وانظر ابن ماجة (1289) .

الباب الرابع في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في رجوعه من المصلى

الباب الرابع في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في رجوعه من المصلّى روى الإمام أحمد، والطبراني، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من العيدين أتى وسط المصلّى، فقام فنظر إلى الناس كيف ينصرفون، وكيف سمتهم، ثم يقف ساعة، ثم ينصرف» . ورواه أبو يعلى بلفظ: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم عيد قائما في السوق ينظر إلى الناس، والناس يمرون» [ (1) ] . وروى البخاريّ، والبيهقي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه» [ (2) ] . وروى الشيخان، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يخرج من طريق، ويرجع من طريق، وإذا دخل مكة دخل من الثّنيّة العليا، ويخرج من الثّنيّة السفلى» [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي، عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي [ (4) ] ، عن أبيه، عن جده، «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رجع من المصليّ في يوم عيد، فسلك على التّمّارين من أسفل السّوق، حتى إذا كان عند مسجد الأعرج الذي عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل فجّ أسلم، فدعا ثم انصرف» [ (5) ] . وروى ابن ماجه، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع في غير الطريق، الذي ابتدأ فيه» [ (6) ] . وروى الإمام الشافعي، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم، فإذا رجع رجع من الطريق الأخرى على دار عمار بن ياسر» [ (7) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط انظر المجمع 2/ 206. [ (2) ] البيهقي 3/ 308 والبخاري 2/ 472 العيدين (986) . [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 918 (223/ 1257) . [ (4) ] معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله بن عثمان التيمي، من آل طلحة، لأبيه صحبة، وهو صدوق، من الثالثة، ويقال له صحبة أيضا. التقريب 2/ 256، 257. [ (5) ] أخرجه الشافعي في المسند 1/ 159، 160 (647) . [ (6) ] ابن ماجة 1/ 412 (1299) . [ (7) ] الشافعي 1/ 159 (466) .

وروى الطبراني، والبيهقي، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «الخروج في العيدين إلى الجبانة من السنة» [ (1) ] . وروى البزار، عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يرجع في العيد، من طريق غير الطريق الذي خرج منه» [ (2) ] . وروى الطبراني، عن عبد الرحمن بن حاطب- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأتي العيد، ويذهب في طريق ويرجع في أخرى» [ (3) ] . وروى البخاري، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق» [ (4) ] . وروى البخاري تعليقا، ووصله عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد في طريق رجع في غيره» [ (5) ] . وروى أبو داود، والبيهقي، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر» [ (6) ] ، وقال الإمام الرافعي في «شرح المسند» : قيل كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتوخى أطول الطريقين في الذهاب، وأقصرهما، في العودة، أو كان يتبرك به أهل الطريقين، أو أن يستفتي فيهما، وأن يتصدق على فقرائهما، [وقيل ليصل رحمه] قيل: بكل، والأول أظهر» .

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي فيه الحارث 2/ 206 والبيهقي 3/ 281. [ (2) ] البزار كما في الكشف 1/ 312 (653) وفي إسناده خالد بن إلياس ليس بالقوي. [ (3) ] الطبراني في الكبير وإسناده كسابقه المجمع 2/ 201. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] البخاري المصدر السابق وأخرجه الترمذي 2/ 424 (541) وأحمد 2/ 338 والدارمي 1/ 378 وابن ماجة 1/ 412 (1301) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (592) . [ (6) ] أبو داود 1/ 300 (1156) والبيهقي 3/ 309.

الباب الخامس في آداب متفرقة

الباب الخامس في آداب متفرقة وفيه أنواع: الأول: في دعاء يوم العيد. روى الطبراني، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان دعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- في العيدين: «الّلهم إنا نسألك عيشة تقيّة وميتة سويّة، ومردا غير مخز ولا فاضح، اللهم لا تهلكنا فجأة، ولا تأخذنا بغتة، ولا تعجلنا عن حق ولا وصيّة، الّلهم إنا نسألك العفاف والغنى، والتقى والهدى، وحسن عاقبة الآخرة والدنيا، ونعوذ بك من الشك والشقاق والرياء والسمعة في دينك، يا مقلب القلوب لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب» [ (1) ] . الثاني: في نهيه- صلّى الله عليه وسلم- أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين. روى ابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين إلا أن يكون بحضرة العدوّ» [ (2) ] . الثالث: في اللهو يوم العيد. روى الشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعندي جاريتان تغنّيان بغناء يوم بعاث، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشّيطان عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فأقبل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «دعهما» ، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا» [ (3) ] . وكان يوم عيد يلعب السودان بالدّرق والحراب فإمّا سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وإمّا قال: «تشتهين تنظرين؟» فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدّي على خدّه، وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة» ، حتّى إذا مللت، قال «حسبك؟» قلت: نعم، قال: «فاذهبي» . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة- ولم يذكر قول جابر- عن قيس بن سعد بن عبادة

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي فيه نهشل بن سعيد متروك المجمع 2/ 201. [ (2) ] ابن ماجة 1/ 417 (1314) قال البوصيري في إسناده نائل بن نجيح وإسماعيل بن زياد وهما ضعيفان. [ (3) ] البخاري 1/ 445 (952، 987) ومسلم 2/ 607 (16، 17/ 892) .

الرابع: في قضائه - صلى الله عليه وسلم - صلاة العيد.

- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما من شيء كان على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا قد رأيته إلّا شيئا واحدا، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يقلّس له يوم الفطر، قال جابر: هو اللعب» [ (1) ] . وروى ابن ماجه، عن عياض الأشعري- رضي الله تعالى عنه- «أنه شهد عيدا بالأنبار، فقال: ما لي أراكم تقلّسون كما كان يقلّس لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (2) ] . وروى الطبراني، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت علينا جارية لحسان بن ثابت يوم فطر ناشرة شعرها معها دف فزجرتها أم سلمة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «دعيها يا أم سلمة، فإنّ لكلّ قوم عيدا، وهذا عيدنا» [ (3) ] . الرابع: في قضائه- صلى الله عليه وسلّم- صلاة العيد. وروى الطبراني، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت علينا جارية من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أن ركبا جاءوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يشهدون أنّهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يفطروا، فإذا أصبحوا غدوا إلى مصلّاهم» [ (4) ] . الخامس: في تكبيره- صلى الله عليه وسلّم- يوم العيد: روى الدارقطني، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التّشريق حين يسلّم من المكتوبات» [ (5) ] ، وفي رواية: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه، فيقول: «على مكانكم» ، ويقول: «الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد» ، فيكبّر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التّشريق» [ (6) ] . وروى أيضا- عن علي عمار- رضي الله تعالى عنهما-[ (7) ] . السادس: في تخييره- صلى الله عليه وسلّم- من حضر العيد إذا كان يوم جمعة، بين حضور الجمعة والانصراف إذا كان منزله بعيدا. روى ابن ماجة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال اجتمع عيدان على عهد

_ [ (1) ] أحمد 3/ 422 وابن ماجة 1/ 413 (1303) وقال البوصيري: إسناد صحيح ورجاله ثقات. [ (2) ] ابن ماجة 1/ 413 (1302) . [ (3) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2/ 206 فيه الوازع بن نافع متروك. [ (4) ] أحمد 5/ 58 وأبو داود من حديث أنس 1/ 300 (1157) . [ (5) ] الدارقطني 2/ 49. [ (6) ] الدارقطني 2/ 50. [ (7) ] انظر المصدر السابق.

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصلّى بالنّاس، ثم قال: «من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلّف فليتخلّف» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي عن إياس بن رملة الشّامي- رحمه الله تعالى- قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عيدين اجتمعا قال: نعم: صلى العيد أول النهار، ثم رخّص في الجمعة، ثم قال: «من شاء أن يجمّع فليجمّع» [ (2) ] .

_ [ (1) ] ابن ماجة 1/ 416 (1312) وفي إسناده جبارة ومندل وكلاهما ضعيفان. [ (2) ] أحمد 4/ 372 وأبو داود 1/ 281 (1070) والنسائي 3/ 158 والبيهقي 3/ 317.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الكسوف الباب الأول في آداب متفرقة روى البيهقي، عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه- قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، وإلى الصلاة» [ (1) ] . وروى البخاريّ، والبيهقي، عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبعث مناديا ينادي الصلاة جامعة وذكر الحديث [ (2) ] . وروى البخاري، والبيهقي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: «خسفت الشمس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبعث مناديا ينادي: الصّلاة جامعة، فاجتمع الناس. فصلى بهم أربع ركعات، في ركعتين، بأربع سجدات» [ (3) ] . وروى مسلم، عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قالت: فزع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم كسفت الشمس، فأخذ درعا، حتى أدرك بردائه. الحديث» [ (4) ] . وروى مسلم، عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: «خسفت الشمس فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فزعا يخشى أن تكون السّاعة، فأتى المسجد. الحديث» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والبيهقي، والنسائي وأبو داود، عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخرج يجر ثوبه فزعا، حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي حتى انجلت الشمس، فلما انجلت قال: «إن ناسا من أهل

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 611 (1041) ، 1057. ومسلم 2/ 628 (23/ 911) والبيهقي 3/ 320. [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 626 (1051) ومسلم 2/ 627 (20/ 910) والبيهقي 3/ 320. [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 637 (1064) والبيهقي 3/ 320. [ (4) ] أخرجه مسلم 2/ 625 (16/ 906) . [ (5) ] أخرجه مسلم 2/ 628 (24/ 912) .

الجاهلية يزعمون إن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء» وفي رواية: «لموت عظيم من عظماء أهل الأرض وليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله» ، وفي لفظ: خلقان من خلق الله- عز وجل- فإذا تجلى الله عز وجل لشيء من خلقه، خشع له، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة» [ (1) ] . والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 267، 269 ومن طريق آخر أخرجه أبو داود 1/ 310 (1194) والنسائي 3/ 145 (1488) والبيهقي 3/ 332.

الباب الثاني في بيان كيفيات صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف

الباب الثاني في بيان كيفيات صلاته- صلّى الله عليه وسلم- صلاة الكسوف الأولى ركوعان في ركعة: روى الشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والناس معه، فقام قياما طويلا، نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول [ثم سجد، ثم قام قياما طويلا هو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا هو دون الركوع الأول] ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول- ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس» [ (1) ] . وروى الشيخان، من طرق، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: «خسفت الشمس في عهده» ، وفي لفظ «في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد، فصفّ النّاس وراءه، فقام فأطال القيام» ، وفي رواية: «فقرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قراءة طويلة» ، وفي رواية: «جهر في قراءة الخسوف بقراءته، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: «سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد» ، وفي رواية: «ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول» ، وفي رواية: «ثم قام فقرأ قراءة طويلة وهي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول ثم قال: «سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد» ، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ما فعل في الركعة الأولى فاستكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، ثم قام فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها، فافزعوا إلى الصلاة حتى يفرج عنكم» . وفي رواية «فادعوا الله تعالى وكبروا، وصلوا، وتصدقوا» ، ثم قال: «يا أمّة محمد ما من أحد أغير من الله تعالى أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمّة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، إني رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أقدّم» [ (2) ] وفي رواية «أتقدم، ولقد رأيت

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 540 (1052) ومسلم 2/ 626 (17/ 907) ومالك في الموطأ 1/ 186 (2) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 615 (1044) ومسلم 2/ 620 (6/ 901) ومالك 1/ 186 (1) .

جهنم يحطم بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها ابن لحي هو الذي سيّب السوائب» . وفي رواية: «ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر» وفي رواية: «إني قد رأيتكم تفتنون في قبوركم، كفتنة الدجال» ، وفي رواية «قالت عائشة: فكنت أسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يتعوذ من عذاب القبر» [ (1) ] . وروى الشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقام قياما طويلا، نحوا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع ثم سجد، ثم قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلّت الشمس، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله» ، فقالوا: يا رسول الله رأيناك تتناول شيئا في مقامك هذا، ثم رأينا كعكعت، قال: «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء» قالوا بم يا رسول الله؟ قال: «بكفرهن، قيل، يكفرن بالله؟ قال يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كلّه، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط» . وروى الشيخان، عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- قالت: أتيت عائشة- رضي الله تعالى عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء، وقالت: «سبحان الله» ، فقلت: آية؟ فأشارت إليّ نعم، فقمت حتى تجلاني الغشيّ وجعلت أصبّ فوق رأسي ماء، فلما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إليّ أنكم تفتنون في قبوركم، مثل- أو قريبا من- فتنة الدجال» ، (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) ، فيقول: «يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن- أو الموقن (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) ، فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا، واتبعنا، فيقال: نم صالحا فقد علمنا أن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 625 (1050) ومسلم 2/ 621 ومالك في الموطأ 1/ 187- 188 (3) .

كنت لموقنا، وأما المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» [ (1) ] . الكيفية الثانية: ثلاث ركوعات في كل ركعة. روى مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» . وروى الترمذي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الكسوف» . الكيفية الثالثة: أربع ركوعات في كل ركعة. روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والبيهقي، عن علي- رضي الله تعالى عنه-: كسفت الشمس، فصلى علي- رضي الله عنه- للناس فقرأ يس أو نحوها، ثم ركع نحوا من قدر السورة، ثم رفع رأسه، فقال: «سمع الله لمن حمده» ، ثم قام قدر السورة، يدعو ويكبر، ثم ركع قدر قراءته أيضا، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام أيضا قدر السورة، ثم ركع قدر ذلك أيضا حتى ركع أربع ركعات، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم سجد، ثم قام في الركعة الثانية، ففعل كفعله في الركعة الأولى، ثم جلس يدعو ويرغب حتى انكشفت الشمس ثم حدّثهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كذلك فعل» [ (2) ] . وروى مسلم، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه صلّى في كسوف الشمس» . الكيفية الرابعة: خمس ركوعات في ركعة: روى مسلم، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «انكسفت الشمس في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم وروى الكيفية. الكيفية الخامسة: صلاته- صلّى الله عليه وسلم- ركعتين. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم، عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه-: قال «خسفت الشمس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قيد رمحين، أو ثلاثة، في عين الناظر، اسودّت حتى آضت كأنها تنّومة فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وصلّى، وفي لفظ فوافقتا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين خرج للناس قال فصلّى وفي لفظ فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا، ثم ركع بنا كأطول ما ركع

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 631 (1053) ومسلم 1/ 24 (11/ 905) ومالك في الموطأ 1/ 188 (4) . [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 143 والبيهقي 3/ 330.

بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك فوافق بنا تجلّي الشمس جلوسه في الركعة الثانية. وفي لفظ: فوافق جلوسه فسلّم، فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبد الله ورسوله، ثم قال: «أيها الناس أنشدكم بالله» وفي لفظ ثم قال: «أيها الناس إنما أنا بشر، ورسول، أذكركم الله إن كنت تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي عز وجل لما أخبرتموني ذاك» فقام رجال: فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك، ثم قال: «أما بعد فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم من مطلعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وإنهم قد كذبوا، ولكنهما آيات من آيات الله تعالى يفتن بها عباده، فينظر من يحدث له منهم توبة، وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقونه في أمر دنياكم وآخرتكم، والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي تحياة» لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة وإنه متى ما يخرج أو قال: متى يخرج فسوف يزعم أنه الله فمن آمن به وصدقه واتبعه، لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله سلف، وإنه سيظهر أو قال: سوف يظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس» . وقال الأسود بن قيس [ (1) ] : أنه يحصر المؤمنين وفي لفظ «فإنه يسوق المسلمين إلى بيت المقدس. فيحصرون حصرا شديدا في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالا شديدا ثم يهلكه الله تعالى وجنده حتى إن جذم الحائط أو قال: أصل الحائط أو قال أصل الشجرة لينادي، أو قال: يقول: يا مؤمن يا مسلم هذا يهودي، أو قال: هذا كافر، فيقال: تعال فاقتله، قال: ولن يكون ذلك حتى تروا أمورا عظاما يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتسألون نبيكم هل كان نبيكم ذكر ذلك منها ذكرا؟ وحتى تزول جبال على مراتبها ثم على أثر ذلك القبض ثم قبض أصابعه [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن قبيصة الهلالي [ (3) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: «كسفت الشمس» [ (4) ] .

_ [ (1) ] الأسود بن قيس العبدي، ويقال العجلي الكوفي، يكنى أبا قيس، ثقة، من الرابعة. التقريب 1/ 76. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 16 وأبو داود 1/ 308 (1184) والنسائي 3/ 140 (1484) والحاكم في المستدرك (1/ 320) . [ (3) ] قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد العامري، صحابي له ستة أحاديث انفرد له مسلم بحديث. وعنه أبو قلابة وأبو عثمان النهدي. الخلاصة 2/ 350. [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 60 وأبو داود 1/ 309 (1186) .

الباب الثالث في صفة قراءته - صلى الله عليه وسلم - في كسوف الشمس

الباب الثالث في صفة قراءته- صلى الله عليه وسلم- في كسوف الشمس وفيه نوعان: الأول: فيما ورد أنه- صلى الله عليه وسلم- أسر القراءة. روى البيهقي، من طريق أبي لهيعة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الكسوف فلم أسمع منه فيها حرفا» [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الكسوف كأطول ما قام في صلاة قط، ما تسمع له صوتا الحديث» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 3/ 335. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 212. وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير.

الباب الرابع في صلاته - صلى الله عليه وسلم - لخسوف القمر

الباب الرابع في صلاته- صلّى الله عليه وسلّم- لخسوف القمر روى الدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات، وأربع سجدات، وقرأ في الأولى «العنكبوت» ، أو «الروم» وفي الثانية يس [ (1) ] . وروى أيضا عن حبيب، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى في كسوف الشمس والقمر ثمان ركعات، في أربع سجدات، يقرأ في كل ركعة» [ (2) ] . قال الحافظ: وفي إسناده نظر، وهو في مسلم بدون ذكر القمر، قلت: قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: رجال إسنادهما ثقات» . وروى الطبراني، في الكبير عن زياد بن صخر- رحمه الله تعالى- عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كانت ليلة ريح شديدة كان مفزعه إلى المسجد، حتى تسكن الريح، وإذا حدث في السماء حدث من خسوف شمس أو قمر، كان مفزعه إلى الصلاة حتى تتجلّى» [ (3) ] . قال العراقي والهيثمي: رجاله ثقات إلا زياد بن صخر، وقال: إنه يحتاج إلى معرفة حاله، قال: لم أر له ذكرا في تقريب التهذيب، ولا في لسان الميزان كلاهما للحافظ. وقد قال في آخر الثاني: وروى الطبراني في الكبير، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: انكسف القمر على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (4) ] . تنبيه: قال أبو حاتم بن حبان في كتاب السيرة له: إن القمر خسف في السنة الخامسة، فصلّى النبي- صلى الله عليه وسلم- بأصحابه صلاة الكسوف فكانت أول صلاة في الإسلام وجزم بذلك مغلطاي في الإشارة، والعراقي في الدرر، وفي هذا ردّ على من زعم أنه لم ينقل عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في كسوف القمر في جماعة كابن القيم، وعلى من زعم أنه- صلى الله عليه وسلّم- لم يصل في كسوف القمر كابن رشد.

_ [ (1) ] أخرجه الدارقطني 2/ 64. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 2/ 64. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 214 وعزاه للطبراني في الكبير من رواية زياد بن صخر عن أبي الدرداء ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 214 وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء والمطر والسحاب والريح والرعد والصواعق

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في الاستسقاء والمطر والسحاب والريح والرعد والصواعق الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- قبل الصلاة وفيه أنواع: الأول: في خروجه إلى المصلى متبذلا متواضعا متضرعا. روى الإمام الشافعي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استسقى بالمصلي، فصلى ركعتين» [ (1) ] . وروى الأئمة، إلا الإمام مالك، والشيخين عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج متبذلا متواضعا متضرعا متخشعا حتى أتى المصلى» [ (2) ] . الثاني: في استسقائه- صلّى الله عليه وسلم- عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء، وهو خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر تنعطف عن يمين الخارج من المسجد. روى الإمام أحمد، والثلاثة عن عمير [ (3) ] مولى آبي اللحم- رضي الله تعالى عنهما- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائما يدعو يستسقي رافعا كفيه لا يجاوز بهما رأسه مقبل بياض كفّيه إلى وجهه» [ (4) ] . ورواه محمد بن إبراهيم قال: «أخبرني من رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدعو عند أحجار الزيت باسطا كفه» . الثالث: في تحويله- صلى الله عليه وسلّم- رداءه. روى البخاري، عن عبّاد بن تميم، عن عمه، قال: «خرج النبي- صلى الله عليه وسلّم- يستسقي، وحوّل رداءه» [ (5) ] . وروى عنه أيضاً عن عبد الله بن زيد «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- استسقى فقلب رداءه» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 1/ 169 (489) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 302 (1165) والترمذي 2/ 445 (558) والنسائي 3/ 156 (1508) وابن ماجة 1/ 403 (1266) . [ (3) ] عمير: مولى آبي اللحم، الغفاري، صحابي شهد خيبر، وعاش إلى نحو السبعين. التقريب 2/ 87. [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 223. [ (5) ] أخرجه البخاري 2/ 597 (1024) ومسلم (4/ 894) والترمذي 2/ 442 (556) . [ (6) ] أخرجه البخاري 2/ 578 (1011) .

الباب الثاني في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - بخطبتين، وعلى منبر وصلاة بركعتين بلا أذان وبلا إقامة

الباب الثاني في استسقائه- صلّى الله عليه وسلّم- بخطبتين، وعلى منبر وصلاة بركعتين بلا أذان وبلا إقامة وفيه أنواع: الأول: فيما ورد في خطبته- صلى الله عليه وسلّم- قبل الصلاة: روى الإمام الشافعي، عن ابن عباس، - رضي الله تعالى عنهما- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- متبذّلا متخشعا متوسلا متواضعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر، ولم يخطب كخطبته هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير والتضرع ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد» [ (1) ] . وروى الأئمة، عن عبد الله بن زيد المازني- رضي الله تعالى عنه- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى يستسقي فدعا فأطال الدعاء، وأكثر المسألة، واستسقى ثم استقبل القبلة، ثم قلب رداءه، وجعل إلى الناس ظهره، يدعو» وفي لفظ: «عليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه، فقلبها عليه الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» وفي رواية قال المسعودي: «سألت أبا بكر محمد بن عمرو أجعل أعلاه أسفله؟ أو اليمين على الشمال؟ قال: بل اليمين على الشمال ثم صلى ركعتين» [ (2) ] . وروى أبو داود، وابن حبان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-، قالت: شكا الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشّمس، فقعد على المنبر، فكبّر وحمد الله تعالى فقال: - إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم-، ثم قال: «الحمد لله ربّ العالمين الرحمن الرحيم. ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل الله ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين» ، ثم رفع يديه [فلم يزل في الرفع] حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حل رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى،

_ [ (1) ] أخرجه البزار ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 215. [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 578 (1012) . ومسلم 2/ 611 (4/ 894) ومسند أحمد 4/ 39، 40، 41، 42 وأبو داود 1/ 301 (1161) والترمذي 2/ 442 (556) والنسائي 3/ 157 (1510) وابن ماجة 1/ 403 (1267) .

الثاني: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الخطبة.

فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك، حتى بدت نواجذه، فقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله» [ (1) ] . الثاني: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- قبل الخطبة. روى الدارقطني، وأبو داود، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: «سألت ابن عباس» وفي لفظ «أرسلني مروان إلى ابن عباس- رضي الله [تعالى] عنهما- لأسأله عن سنّة الاستسقاء، فقال: سنّة الاستسقاء [سنة] صلاة العيد، إلا أن النبي- صلى الله عليه وسلم-[قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه، فصلى ركعتين بغير أذان ولا إقامة وكبر فيهما ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة، وجهر بالقراءة، ثم انصرف فخطب، واستقبل الناس القبلة، وحول رداءه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، والبيهقي، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستسقي، فصلّى ركعتين، بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا فدعا الله تعالى وحول وجهه إلى القبلة، رافعا يديه، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» [ (3) ] . وروى ابن قتيبة الحديث- بسند ضعيف- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج للاستسقاء فتقدم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ فلما قضى صلاته، استقبل القوم بوجهه، وقلب رداءه، ثم جثا على ركبتيه ورفع يديه، وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا، رحبا ربيعا، وجدا غدقا طبقا مغدقا هنيئا مريعا مربعا سريعا وابلا شاملا مسيلا ثجلا دائما دررا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد، [اللهم أنزل علينا في أرضنا نبتها وأنزل في أرضنا سكنها] اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحيي به بلدة ميتة واسقه مما خلقت أنعاما وأناسيّ كثيرا» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 304 (1173) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 1/ 302 (1165) والدارقطني 2/ 66 والبيهقي 3/ 348. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 403 (1268) والبيهقي 3/ 347. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 215 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال وفيه مجاشع بن عمرو قال ابن معين قد رأيته أحد الكذابين.

الثالث: في دعائه - صلى الله عليه وسلم -. قائما ورفعه يديه، واستقباله إذا اجتهد في الدعاء:

وروى ابن صصرى [ (1) ] في أماليه عن [جعفر بن] عمرو بن حريث، عن أبيه، عن جده- رضي الله تعالى عنهم- قال: «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نستسقي فصلّى بنا ركعتين، ثم قلب رداءه ورفع يديه فقال: «اللهم ضاحت جبالنا واغبرت أرضنا وهامت دوابّنا، معطي الخير من أماكنها ومنزل الرحمة من معادنها، ومجري البركات على أهلها بالغيث المغيث، أنت المستغفر الغفّار، فنستغفرك للحامات من ذنوبنا، ونتوب إليك، من عوام خطايانا، اللهم فأرسل السماء علينا مدرارا وصل بالغيث، وأكف من تحت عرشك حيث يسعفنا ويعود علينا غيثا مغيثا عاما طبقا مجللا غدقا خصيبا رائقا ممرع النبات» [ (2) ] . الثالث: في دعائه- صلى الله عليه وسلّم-. قائما ورفعه يديه، واستقباله إذا اجتهد في الدعاء: روى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يمد يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه- يعني في الاستسقاء» [ (3) ] . وروى الشيخان، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة والدارقطني، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استسقى أشار بظهر كفيه إلى السماء [ (4) ] . وروى أبو داود عنه، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يستسقي هكذا، ومد يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأيت بياض إبطيه» [ (5) ] . وروى الطبراني، والبزار- بسند حسن أو صحيح عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو إذا استسقى: «اللهم أنزل في أرضنا بركتها، وزينها وسكنها» [وفي رواية:] «وارزقنا، وأنت خير الرازقين» [ (6) ] . وروى أبو داود، عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا استسقى: «اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميّت» [ (7) ] .

_ [ (1) ] الحسن بن هبة الله أبي العظائم بن محفوظ بن صصرى الربعيّ التغلبيّ الدمشقي، أبو المواهب: من حفاظ الحديث. كان محدث دمشق. له «رباعيات التابعين» و «المعجم» و «فضائل الصحابة» و «فضائل بيت المقدس» و «عوالي ابن عيينة» وغير ذلك توفي 586 هـ. الأعلام 2/ 225. [ (2) ] ذكره السيوطي في الجامع الكبير 10/ 3758 (10021) والمتقي الهندي في كنز العمال 4/ 179. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 405 (1/ 127) . [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 600 (1031) ومسلم 2/ 612 (6/ 896) وأبو داود 1/ 303 (1170) والدارقطني 2/ 68. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 303 (1171) . [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 218 وعزاه للطبراني في الكبير والبزار باختصار وإسناده حسن أو صحيح. [ (7) ] أخرجه أبو داود 1/ 305 (1176) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

وروى الطبراني، عن جابر بن عبد الله، وأنس- رضي الله تعالى عنهم- قالا: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا استسقى قال: «اللهم اسقنا سقيا وادعة نافعة، تشبع بها الأنفس غيثا، هنيئا مريئا طبقا مجلّلا يشبع به بادينا وحاضرنا تنزل به من بركات السماء، وتخرج لنا به من بركات الأرض وتجعلنا عنده من الشاكرين، إنك سميع الدعاء» [ (1) ] . وروى الطبراني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- استسقى فقال: « [اللهم] اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار» فما لبثنا أن مطرنا حتى سال كل شيء حتى أتوه فقالوا: قد غرقنا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اللهم حوالينا ولا علينا» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. الغيث- بغين معجمة، فمثناة تحتية فمثلثة: المطر. وحيا وجدا. طبقا- بفتح الطاء والموحدة: [أي] مائلا إلى الأرض، مغطيا لها، يقال، غيث طبق أي عام واسع. موفقا هنيئا بهاء مفتوحة، فنون مكسورة، فتحتية: آتيا من غير تعب. مريا- بميم مفتوحة، وراء مكسورة، فتحتية فألف، منحدرا طيبا، يقال: مرأني الطّعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها. هنيئا مريعا. بفتح الميم، وكسر الراء، وسكون التحتية، وبالعين المهملة من المراعة وهي الخصب. وروي مرتعا بضم الميم، وسكون الراء، وبالموحدة المكسورة، وبالعين المهملة ومرتعا بالمثناة الفوقية من رتعت الدابة إذا أكلت ما شاءت. مجلّلا بميم فجيم مفتوحة، فلامين، اللام الأولى مكسورة وروي فتحها أي يجلّل الأرض بمائه، أو بنباته بحيث يصير عليها كالجل. دررا بدال مهملة، فراءين أولاهما مكسورة فألف من درّ إذا صبّ وقيل الدر: الدرر. غير رائث براء فألف فمثناة تحتية فمثلثة غير بطيء. غبقا رائقا- براء فألف مكسورة، فقاف: المتردد على وجه الأرض من الضحضاح.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 216 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال فيه موسى بن محمد بن إبراهيم الحارث التيمي وهو ضعيف. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 216 وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه محمد بن أبي ليلي وفيه كلام كثير.

الباب الثالث في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة، وبغير صلاة

الباب الثالث في استسقائه- صلّى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة، وبغير صلاة روى ابن إسحاق، والإمام أحمد، والشيخان، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «أصاب الناس سنة على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة: قام أعرابي» . وفي لفظ: «أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة، من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما قال: يا رسول الله: «هلكت الأموال» وفي لفظ: هلك المال. وفي لفظ: الماشية «هلك العيال، هلك الناس» ، وفي لفظ: «وجاع العيال» وفي لفظ: «هلك الكراع، وهلك النساء» وفي رواية: «فقام الناس، فقالوا يا رسول الله قحط المطر واحمرّ الشجر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا» وفي لفظ: «أن يغيثنا، فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يديه» وفي لفظ: «فمدّ يديه حتى رأيت بياض إبطيه، فقال: «اللهم اسقنا» وفي لفظ: «أغثنا» مرتين وفي لفظ: «ثلاثا» قال أنس: «وايم الله» وفي لفظ: «لا والله ما نرى في السماء قزعة ولا سحابا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فوالذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب، أمثال الجبال» وفي رواية: «فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت» ، وفي لفظ «فألّف الله بين السحاب ومكثنا حتى رأيت الرجل الشديد تهمّه نفسه أن يأتي أهله ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتا» وفي لفظ «ما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى» . ثم دخل رجل، وعند ابن إسحاق: قام ذلك الرجل أو غيره من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يديه، ثم قال: «اللهم حوالينا، ولا علينا، اللهم على الآكام، والظّراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر» ، فتقشّعت عن المدينة، فجعلت تمطر حواليها، وما تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل، ورأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى» وفي لفظ «فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرّجت حتى رأيت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي وادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث عن الجود، وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 589 (1014) ومسلم 2/ 612 (8/ 897) وأحمد 3/ 104، 194.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

وروى أبو عوانة في صحيحه، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص أن أباها- رضي الله تعالى عنه- حدثها «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نزل واديا هشّا لا ماء فيه، وسبقه المشركون إلى القلائب فنزلوا عليها، وأصاب العطش المسلمين، فشكوا ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- ونجم النفاق، فقال بعض الناس: لو كان نبيا كما يزعم لاستقى لأمته، كما استقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «لو قالوها عسى ربكم أن يسقيكم» ، ثم بسط يديه وقال: «اللهم جلّلنا سحابا كثيفا قصيفا دلوقا، حلوقا، ضحوكا زبرجا تمطرنا منه أذاذا قطقطا سجلا بغاقا يا ذا الجلال والإكرام» فما ردّ يديه من دعائه حتى أظلتنا السحابة التي وصف تتلون في كل صفة وصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من صفات السحاب ثم أمطرنا كالضروب التي سألها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأجمع السيل الوادي فشرب الناس فارتووا» [ (1) ] . وروى أبو عوانة، في صحيحه، عن أبي لبابة- رضي الله تعالى عنه- قال: «استسقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو لبابة: يا رسول الله: إن التمر في المرابد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بإزاره» ، قال: وما نرى في السماء سحابا فأمطرت قال: فاجتمعوا إلى أبي لبابة فقالوا إنها لا تقلع حتى تقوم عريانا وتسد ثعلب مربدك بإزارك، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ففعل فأضحت [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. السّنة بفتح السين المهملة، فنون: القحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا سواء نزل غيث أم لا. دار القضاء هي دار عمر بن الخطاب، وسميت بذلك لأنها بيعت في قضاء دينه. والمراد بهلاك المواشي، ومن ذكر معهم، عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر. الكراع: بكاف، فراء فألف، فعين مهملة: الخيل. يغيثنا بفتح أوله يقال: غاث الله البلاد، يغيثها إذا أرسل عليها المطر. قزعة: بفتح القاف والزاي: القطعة الرقيقة من السحاب. سلع: بفتح أوله وإسكان ثانية: جبل بالمدينة.

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الجامع الكبير 10/ 3759 (10022) والمتقي الهندي في كنز العمال 4/ 179. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 218 وعزاه للطبراني في الصغير وقال وفيه من لا يعرف.

الآكام بفتح الهمزة، وقد تفتح وتمد جمع أكمة بفتحات: التراب المجتمع وقيل: الجبل الصغير، وقيل: ما ارتفع من الأرض. الظّراب- بكسر المعجمة، جمع ظرب بفتح الظاء وكسر الراء: الجبل المنبسط ليس بالعالي، وقيل: الرواي الصغار. تقشّعت بفوقية فقاف، فشين معجمة، فعين مهملة مفتوحات، فتاء تأنيث: تصدعت، وتشقّقت. الإكليل بكسر الهمزة، وسكون الكاف: كل شيء دار من جوانبه واشتهر بما يوضع على الرأس فيحيط به، وهو من ملابس الملوك كالتاج. الملا. بضم الميم والقصر وقد يمتد جمع ملاءة. وهي ثوب معروف. الجوبة. بفتح الجيم وسكون الواو، وفتح الموحدة: هي الحفرة الواسعة المستديرة، والمراد: أنها انفرجت في السحاب. وادي قناة- بقاف مفتوحة فنون فألف: واد من أودية المدينة. الجود بفتح الجيم، المطر الغزير، دهسا قصيفا دلوقا- بدال مهملة فلام مضمومة فواو فقاف: مندفعا. حلوقا ضحوكا زبرجا- بزاي أي مكسورة فموحدة ساكنة فراء فجيم: السحاب. أذاذا- بهمزة فذالين معجمتين بينهما ألف: ذا موج شديد. قطقطا سجلا بسين مهملة مفتوحة فجيم ساكنة فلام فألف مصبوبا صبّا متصلا. بعاقا. بموحدة مضمومة فعين مهملة مفتوحة فألف فقاف فألف: كثيرا. المربد بكسر الميم، وفتح الموحدة، وبالدال المهملة: وهو الموضع الذي يجعل فيه التّمر لينشف كالبيدر للحنطة. ثعلب: بلفظ اسم الحيوان المعروف. مخرج ماء المطر من جرين التمر.

الباب الرابع في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - لأهل إقليم آخر بالدعاء من غير صلاة

الباب الرابع في استسقائه- صلّى الله عليه وسلّم- لأهل إقليم آخر بالدعاء من غير صلاة روى أبو داود، والحاكم، والبيهقي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتته بواكي، ولفظ الحاكم في المستدرك: هوازن فقال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل» . قال فأطبقت السماء عليهم» [ (1) ] . قال البيهقي: الرواية أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- بواكي وفي نسختنا من كتاب أبي داود، يعني بموحدة قبل الواو قال: ورواه شيخنا الحاكم في المستدرك: أتت هوازن، قال الحافظ ابن المنذر هكذا وقع في روايتنا وفي غيرها مما شاهدنا بالباء الموحدة المفتوحة، قال هو والبيهقي: وذكر الخطابي: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يواكي بضم التحتية وقيل معناه: التحامل. وروى ابن ماجه، وأبو عوانة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء أعرابي فقال: «يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزوّد لهم راع، ولا يحظر لهم فحل، فصعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «اللهم اسقنا غيثا يغيثنا هنيئا مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث» ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه إلا قالوا قد أحيينا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن مرة بن كعب، أو كعب بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «استسق الله لمضر فقال المغيرة: إنك لجريء. ألمضر؟، قال يا رسول الله: إنك استنصرت الله فنصرك، ودعوت الله فأجابك، قال: فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يديه، يقول: «اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا غدقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار» قال فأحيوا، فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا: قد تهدمت البيوت، فرفع يديه، فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» ، فجعل السحاب ينقطع يمينا وشمالا [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 303 (1169) والحاكم في المستدرك 1/ 327 والبيهقي 3/ 355. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 404 (1270) . [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 23 وابن ماجة 1/ 404 (1269) .

الباب الخامس في هديه - صلى الله عليه وسلم - في المطر والسحاب والرعد والصواعق

الباب الخامس في هديه- صلى الله عليه وسلّم- في المطر والسحاب والرعد والصواعق روى البخاري في الأدب، ومسلم في صحيحه، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «أصابنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مطر فحسر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر، قلنا يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: «لأنه حديث عهد بربه عز وجل» [ (1) ] . وروى أبو يعلى عنه، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتمطر في أول مطرة فينزع ثيابه إلا الإزار» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري، والنسائي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: «اللهم صيّبا نافعا» [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي، عن المطلب بن حنطب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند المطر: «اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق، اللهم على الظّراب ومنابت الشّجر، اللهم حوالينا ولا علينا» [ (4) ] . وروى الإمام الشافعي، وأبو داود، وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة خفف، واستقبل القبلة، ثم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شرها» ، وفي لفظ «من شر ما أرسل به» ، وفي لفظ «من شر ما فيه» ، فإن كشفه الله حمد الله، وإن أمطر، قال: «اللهم صيّبا هنيئا» . وفي لفظ «سيبا نافعا» وفي لفظ «صيّبا نافعا» مرتين، أو ثلاثة [ (5) ] . وروى البخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عنها، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى مخيلة تلوّن وجهه وتغير ودخل وخرج، وأقبل وأدبر، فإن أمطرت سرّي عنه، فذكرت له عائشة بعض ما رأت منه، فقال: وما يدريك؟ لعله كما قال الله عز وجل

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (571) من طريق عبد الله بن أبي الأسود، جميعهم حدثنا جعفر بن سليمان، بهذا الإسناد، ومسلم (898) والبيهقي 3/ 359 وأحمد 3/ 267 وأبو داود (5100) وأبو نعيم في الحلية (6/ 291) . [ (2) ] أخرجه أبو يعلى 6/ 148. [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 40، وأحمد 6/ 41، 190 وذكره الهيثمي في الموارد (600) وابن كثير في البداية والنهاية 7/ 270. [ (4) ] أخرجه الشافعي في مسنده 1/ 173 (499) . [ (5) ] أخرجه الشافعي في مسنده 1/ 174 (501) وأبو داود 4/ 326 (5099) وابن ماجه 2/ 1280 (3889) .

فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ الآية» [ (1) ] . وروى سعيد بن منصور، والإمام أحمد، وعبد، والشيخان عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى غيما، أو ريحا عرف ذلك في وجهه، قلت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية، قال يا عائشة: وما يؤمنّي أن يكون فيه عذاب، عذّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا» [ (2) ] . وروى الإمام الشافعي والبخاري في الأدب، وأبو داود، وابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله من خيرها وتعوّذوا بالله من شرّها» [ (3) ] . وروى الشيخان، والترمذي، وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا عصفت الريح» ، وفي لفظ: «إذا رأى الريح» ، وفي لفظ: «إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر وقال: «اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، فإذا أمطرت سرّ به» وفي لفظ «سريّ عنه ذلك» فقالت وفي رواية «فقلت يا رسول الله: أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية، فقال «يا عائشة: ما يؤمني أن يكون فيه عذاب قد عذب الله قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا» وفي رواية فقال «إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي» وفي لفظ: فقال: «لعله يا عائشة كما قال قوم عاد فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا. وروى الإمام الشافعي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما وهب ريح قط

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 227 (3206) ومسلم 2/ 616 (15/ 899) والترمذي (3257) ومسند أحمد 6/ 167 وابن ماجة 2/ 1280 (3891) . [ (2) ] أخرجه البخاري 8/ 441 (4829) ومسلم 2/ 616 (16/ 899) وأحمد 6/ 60. [ (3) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (343) (731) (909) والشافعي 1/ 175- 176 (504) وأحمد 2/ 267- 268 من طريق عبد الرزاق ضمن مسند أبي هريرة وأبو داود من طريق عبد الرزاق 1/ 328 (5097) والنسائي في عمل اليوم والليلة (931) وابن ماجة 2/ 228 (3727) والطحاوي في مشكل الآثار 1/ 399 وذكره الهيثمي في الموارد 488 (1989) والحاكم في المستدرك 4/ 285 والبيهقي 3/ 361.

إلا جثا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ركبتيه وقال: «اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا» [ (1) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي- صلى الله عليه وسلم-» [ (2) ] . وروى البخاري في الأدب، وأبو يعلى برجال الصحيح عنه قال كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا هاجت ريح شديدة قال: «اللهم إني أسألك من خير ما أرسلت به وأعوذ بك من شر ما أرسلت به» [ (3) ] . وروى البزار والطبراني عن عثمان بن أبي العاص- رضي الله تعالى عنه-: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا اشتدت الريح وفي لفظ الطبراني: ريح الشمال. قال: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسل فيها» [ (4) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا اشتدت الريح قال: «اللهم لقحا لا عقما» [ (5) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا هاجت ريح استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه ومد يديه قال «اللهم إني أسألك من خير هذا الريح وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به، اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا هاجت الريح عرف ذلك في وجهه» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري في الأدب والترمذي عن ابن عمر- رضي الله تعالى

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 1/ 175 (502) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 604 (1034) . [ (3) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (717) وأبو يعلى 5/ 284 (150/ 2905) . ويشهد له حديث عائشة عند البخاري في بدء الخلق (3206) ومسلم (899) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 138 وعزاه للبزار وقال وفيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة وهو ضعيف. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 138 وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 138 وعزاه للطبراني وقال وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش وهو متروك وقد وثقه حصين بن نمير وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (7) ] أخرجه أحمد 3/ 159.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

عنهما- ان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سمع صوت الرعد، والصواعق، قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. الصيّب- بصاد مهملة مفتوحة، فتحتية مشدّدة، فموحدة: المتدفق. سقيا- بسين مهملة مضمومة، فقاف ساكنة فتحتيّة فألف إنزال الغيث على البلاد والعباد. أفق السماء- بضم الهمزة، وسكون الفاء وبضمها: ناحيتها. سرّي- بسين مهملة مضمومة، فراء مكسورة، فتحتية: كشف. العارض- بعين مهملة، فألف، فراء فضاد معجمة: السحاب الذي يعترض في أفق السماء. عصفت- بعين مهملة، فصاد مهملة، ففاء مفتوحات، فتاء تأنيث: اشتد هبوبها. لقحا لا عقما.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3450) وأحمد 2/ 100 والبيهقي 3/ 362 والحاكم في المستدرك 4/ 286.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المرضى والمحتضرين [والموتى]

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في المرضى والمحتضرين [والموتى] الباب الأول في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في عيادة المريض روى الإمام أحمد، عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: أتاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا مريض في أناس من الأنصار يعودوني. وروي أيضا عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عاد عبد الله بن رواحة، قال: فما تحوّر له عن فراشه الحديث [ (1) ] . وروى أبو ليلى [ (2) ] عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أنه كان يخطب، فقال: «أما والله قد صحبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في الحضر والسفر، فكان يعود مرضانا، ويشيع جنائزنا ويغدو معنا ويواسينا بالقليل والكثير» [ (3) ] . وروى مسلم، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنا جلوسا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا جاء رجل من الأنصار فسلّم عليه، ثم أدبر الأنصاريّ. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «يا أخا الأنصار. كيف أخي سعد بن عبادة؟» فقال: صالح، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من يعوده منكم؟» فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال ولا خناف ولا قلانس ولا قمص نمشي في تلك السّباخ حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الذين معه» [ (4) ] . وروى أبو داود عن حصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعوده فقال: «إنّي لا أرى طلحة إلّا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجّلوا، فإنّه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 317. [ (2) ] أبو ليلى الكندي اسمه سلمة بن معاوية أو عكسه الكوفي. عن عثمان وخباب. وعنه أبو إسحاق وأبو جعفر الفراء. قال أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: ثقة. الخلاصة 3/ 241. [ (3) ] ذكره الهيثمي عن المجمع 3/ 32 وعزاه للبزار وقال رجاله ثقات. [ (4) ] أخرجه مسلم 2/ 637 (13/ 925) . [ (5) ] أخرجه أبو داود 3/ 200 (3159) .

وروى البخاري، في الأدب، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي أم السّائب وهي ترفرف، فقال: ما لك؟ فقالت: الحمى- أخزاها الله تعالى- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تسبيها فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» [ (1) ] . وروى أبو داود، عن أم العلاء، عمة حزام بن حكيم الأنصاري- رضي الله تعالى عنهما- قالت: عادني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-[ (2) ] . وروى الطبراني- برجال الصحيح- عن فاطمة الخزاعية رضي الله [تعالى] عنها- قالت: عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- امرأة من الأنصار وهي وجعة، فقال لها: «كيف تجدينك؟» قالت بخير إلا أن أمّ ملدم قد برّحت بي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اصبري فإنها تذهب خبث ابن آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخلت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على عبد الله بن أبيّ نعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما دخل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عرف فيه الموت، قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قد كنت أنهاك كثيرا عن حب يهود» فقال عبد الله: قد بغضهم أسعد بن زرارة فمات [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن غلاما من اليهود كان يخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمرض فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعوده فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم» ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار» [ (5) ] . وروى الطبراني، عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عاد رجلا من الأنصار، فلما دخل عليه، ووضع يده على جبينه فقال: «كيف تجدك؟» فلم يحر إليه شيئا الحديث» [ (6) ] . وروى ابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (152) ومسلم في البر والصلة باب 14 حديث (516) والبيهقي 3/ 377 وابن سعد (8/ 226) والحاكم 1/ 346. [ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 184 (3092) . [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 26 والطبراني في الكبير المجمع 2/ 207. [ (4) ] أخرجه أحمد، 5/ 201 وأبو داود 3/ 184 (3094) . [ (5) ] أخرجه البخاري 2/ 118 وأحمد 3/ 280 وأبو داود 3/ 185 (3095) . [ (6) ] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 330 وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 330 وعزاه للطبراني وللبزار بنحوه وقال وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

رجلا من أصحابه به وجع، وأنا معه فقبض على يده فوضع يده على جبهته، قال: وكان يرى ذلك من تمام عيادة المريض» [ (1) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث [ (2) ] وروى أبو يعلى، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا فقد رجلا من أصحابه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده» . وروى البخاري، وأبو داود، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاءني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعودني ليس براكب بغل ولا برذون» [ (3) ] . ورواه ابن ماجة، ولفظه «عادني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ماشيا وأبو بكر، وأنا في بني سلمة» [ (4) ] . وروى الإمام مالك، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بمرضها، قال وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعود المساكين، ويسأل عنهم الحديث [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري في الأدب، وأبو داود، عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: أصابني رمد فعادني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نعود زيد بن أرقم، وهو يشتكي عينيه- الحديث [ (7) ] . وروى عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- فقال: كيف تجدك؟ قال: صالحا أصلحها والله» . وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن أنس- رضي الله تعالى [عنه]- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1149 (3470) . [ (2) ] ذكره الهيثمي 2/ 298 وعزاه لأبي يعلى، وقال: وفيه عباد بن كثير وكان رجلا صالحا، ولكنه ضعيف الحديث متروك لغفلته. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 127 (5664) وأبو داود 3/ 185 (3096) ، [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 462 (1436) . [ (5) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 59. [ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 375 وأبو داود 3/ 186 (3102) . [ (7) ] وفي إسناده الفضل بن دلهم ضعيف.

دخل على رجل يعوده وهو في الموت فسلّم عليه، فقال: «كيف تجدك؟» فقال: بخير أرجو الله تعالى، وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «لن يجتمعا في قلب رجل عند هذا الموطن إلا أعطاه الله تعالى رجاءه وأمّنه مما يخاف» [ (1) ] . وروى البخاري في الأدب، وابن حبان وأبو يعلى، برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضا جلس عند رأسه ثم قال: «سبع مرّات: «أسأل الله العظيم، ربّ العرش العظيم، أن يشفيك» ، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه [ (2) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم، ثم يقول: «باسم الله لا بأس» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله [تعالى] عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عاد مريضا- ومعه أبو هريرة-، من وعك كان به، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أبشر أن الله تعالى يقول: ناري أسلّطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظّه من النار في الآخرة» [ (4) ] . وروى البيهقي، وابن ماجه، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل على مريض يعوده فقال: «أتشتهي شيئا؟ أتشتهي: كعكا؟» قال: نعم فطلبوه له» [ (5) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عاد رجلا فقال: «ما تشتهي؟» قال: أشتهي خبز بر، قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «من كان عنده خبز برّ فليبعث إلى أخيه» ، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه» [ (6) ] . وروى الإمام إسحاق، عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال اشتكيت شكوى فحملوني إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبات يرقيني بالقرآن- وينفث عليّ به [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (533) . [ (2) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (536) وابن حبان (2970) (2973) والحاكم 3438 وأحمد 1/ 239، 243 وأبو داود (3106) والترمذي (2084) وأبو يعلى 4/ 319 (103/ 2430) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 302 وعزاه لأبي يعلى ورجاله موثقون. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 440 وابن ماجة 2/ 1149 (3470) . [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 463 (1440) وقال البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبان الرقاشي. [ (6) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 463 (1439) وقال البوصيري في الزوائد: في إسناده صفوان بن هبيرة، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال النفيلي: لا يتابع على حديثه ولينه الحافظ في التقريب. [ (7) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 116 وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير وقال وفيه عبد الله بن يزيد البكري وهو ضعيف.

وروى الطبراني، عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعودني فلما أراد أن يخرج قال: «يا سلمان كشف الله ضرك، وغفر ذنبك، وعافاك في دينك وأجّلك في أجلك» [ (1) ] . وروى الشيخان، والحارث، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل على أعرابي يعوده في مرضه وهو محموم، وكان إذا دخل على مريض قال: «لا بأس. طهور إن شاء الله تعالى» ، فقال الأعرابي بل هي حمّى تفور في جوف شيخ كبير حتى تزيره القبور، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فنعم إذا» [ (2) ] . ورواه الإمام أحمد برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- بلفظ كفارة وطهور» [ (3) ] . وروى مسدد، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا عاد مريضا يقول: «اللهم أذهب عنه ما يجد، وأجره فيما ابتليته» [ (4) ] . وروى أبو يعلى عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: مرضت وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعودني فعوّذني يوما فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم. أعيذك بالله الأحد الصّمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد من شر ما تجد» ، فلما استقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما قال «يا عفان تعوّذ بها، فما تعوّذتم بمثلها» [ (5) ] . وروى أبو يعلى، والبزار بسند صحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد رجلا من الأنصار فقال: «يا خال قل: لا إله إلا الله» فقال خال أم عم؟ قال: لا، بل خال قال: وخير إليّ أن أقولها قال: نعم» [ (6) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 302 وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه عمرو بن خالد القرشي وهو ضعيف. [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 123 (5656) والنسائي في اليوم والليلة انظر تحفة الأشراف 5/ 127 (6055) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 302 وعزاه لأحمد ورجاله ثقات. [ (4) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية 2/ 350 (2446) وضعف البوصيري سنده لجهالة بعض رواته. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 113 وعزاه لأبي يعلى في الكبير عن شيخه موسى بن حيان ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (6) ] أخرجه البزار كما في الكشف (1/ 373) (787) وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 328 وعزاه لأبي يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح.

الباب الثاني في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المحتضرين

الباب الثاني في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في المحتضرين روى الإمام أحمد، ومسلم والأربعة، عن أم سلمة والبزار، والطبراني، عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنهما- ومسدد عن أبي قلابة- رحمه الله تعالى- مرسلا برجال ثقات «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل على أبي سلمة يعوده فوافق دخوله عليه، وخروج نفسه فتكلم أهله عند ذلك بنحو ما يتكلم أهل الميت عنده، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإنّ الملائكة تحضر الميت فيؤمّنون على دعاء أهله» فأغمضه، وقد شقّ بصره، وقال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» ، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأعظم نوره، واخلفه في عقبه» . وفي لفظ «واخلفه في تركته في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه» . وفي لفظ: «أوسع له في قبره» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 634 (7- 920) والبيهقي 3/ 384 وأحمد 6/ 291، 306، 322 وأبو داود 3/ 190 (3118) وابن ماجة 1/ 465 (1447) وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 333 وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط بنحوه وقال وفيه محمد بن أبي النوار وهو مجهول.

الباب الثالث في حزنه وبكائه - صلى الله عليه وسلم - إذا مات أحد من أصحابه

الباب الثالث في حزنه وبكائه- صلى الله عليه وسلّم- إذا مات أحد من أصحابه روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما جاء للنبي- صلى الله عليه وسلّم- قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وابن رواحة جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعرف في وجهه الحزن وأنا أنظر من صائر الباب- يعني شقّ الباب [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجة- وتقدم مبسوطا في السرايا- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سرية يقال لهم القراء فأصيبوا يوم بئر معونة- فما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حزن حزنا قط أشد منه. وروى أحمد بن منيع والبزار، وأبو يعلى، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال: أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيدي فأدخلني النّخل فإذا إبراهيم يجود بنفسه، فوضعه في حجره حتى خرجت نفسه، فوضعه ثم بكى، فقلت: «تبكي يا رسول الله وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: «إني لم أنه عن البكاء، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو، ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: لطم وجوه، وشق جيوب، وهذه رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم لولا أنه وعد صادق وقول حق وأن آخرنا سيلحق بأوّلنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط ربنا عز وجل» [ (2) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنهم- فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فقال: «قد قضى» فقالوا: لا، يا رسول الله، فبكى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلما رأى القوم بكاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بكوا، فقال: «ألا تسمعون، إن الله- عز وجل- لا يعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه- أو يرحم» [ (3) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أبي سيف القين، وكان ظئرا لإبراهيم، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ابنه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 180 (1305) وأبو داود 3/ 192 (3122) . [ (2) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 380، 381 (805) وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 20 وعزاه لأبي يعلى والبزار وقال وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه كلام. [ (3) ] أخرجه البخاري (2/ 180) (1304) ومسلم في الجنائز (12) والبيهقي 4/ 69.

إبراهيم فقبّله وشمّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تذرفان، فقال ابن عوف: وأنت يا رسول الله، فقال يا ابن عوف: «إنها رحمة» ثم أتبعها بأخرى، فقال: «إن العين تدمع، وإنّ القلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا- عز وجل-، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» [ (1) ] . وروى الشيخان، والإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب» ، وإنّ عيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لتذرفان الحديث [ (2) ] . وروى أحمد بن منيع بسند على شرط الصحيحين عن قيس بن أبي حازم- رحمه الله تعالى- قال: جاء أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- بعد قتل أبيه، فقام بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فدمعت عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاء من الغد فقام في مقامه ذلك، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «ألاقي أنا منك اليوم ما لقيت منك أمس» [ (3) ] . وروى ابن ماجه، وأبو يعلى الموصلي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما وجع سعد، وجدّ به الموت، فبكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمر، حتى إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا أبكي، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تذرف عيناه، ويمسح وجهه، ولا يسمع صوته. وروى البخاري، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «شهدنا بنتا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان» [ (4) ] . وروى ابن سعد، وابن أبي شيبة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا تدمع على أحد، ولكن كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته» [ (5) ] . وروى الطبراني- مرسلا- برجال ثقات، عن أبي النضر سالم- رحمه الله تعالى- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي عثمان بن مظعون، وهو يموت، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بثوب فسجّي عليه، وكان عثمان نازلا على امرأة من الأنصار، ويقال لها: أم معاذ قالت: فمكث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكبا عليه طويلا، وأصحابه معه ثم تنحى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبكى، فلما بكى بكى أهل البيت، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «رحمك الله أبا السائب» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 172- 173 (1303) ومسلم 4/ 1807- 1808 (62/ 2315) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 159 (1246) وأحمد 3/ 113 وأبو داود والبيهقي 8/ 154 والحاكم في المستدرك 3/ 42. [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 47. [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 172 (1285) . [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 394. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 21 وعزاه للطبراني في الكبير وهو مرسل ورجاله ثقات.

وروى الطيالسي، وأحمد، وابن أبي شيبة، واللفظ للأول، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: بكت النساء على رقية، فجعل عمر ينهاهن، أو يضربهن» . وفي رواية: «فجعل عمر يضربهن بسوطه، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيده وقال: «دعهن» وقال: «ابكين وإياكن ونعيق الشيطان، فإنه ما كان من العين والقلب فمن الرحمة، وما كان من اللسان واليد فمن الشيطان» ، ورجعت فاطمة تبكي على شفير قبر رقية، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمسح الدموع عن وجهها بيده، أو قال: «بالثوب» [ (1) ] . وروى مسدد- برجال ثقات- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عاد رجلا من بني معاوية فوجده قد احتضر، ونساؤه تبكيه، فذهب الرجال يوزعون النساء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «دعوهن فإذا وجبت فلا تسمعن صوت نائحتهم» . وروى الطيالسي، والجنيدي، وعبد، وابن حبان، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جنازة فرأى عمر نساء يبكين فتناولهن، أو صاح بهن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «يا عمر دعهن، فإنّ العين دامعة، والنّفس مصابة، والعهد قريب» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقبل عثمان بن مظعون، وهو ميت، وعيناه تذرفان حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 237. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 505 (1587) والحاكم في المستدرك 1/ 381. [ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 201 (3163) والترمذي 3/ 314 (989) وابن ماجة 1/ 468 (1456) .

الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في غسل الميت، وتكفينه

الباب الرابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في غسل الميت، وتكفينه وفيه نوعان: الأول في غسل الميت والكفن، وبزاقه على بعض أصحابه- صلى الله عليه وسلم-. روى الأئمة، والدارقطني، عن أم عطية- رضي الله تعالى عنها- قالت: «دخل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. حين توفّيت ابنته، فقال: «اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا، أو شيئا من كافور، وابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها، فإذا فرغتن فآذنني» ، قال: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، فألقيناه خلفها، فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال: «أشعرنها إيّاه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ليلى الثّقفية- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت فيمن غسّل أم كلثوم بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحقاء، ثم الدّرع. ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثّوب الآخر، قالت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبا ثوبا» [ (2) ] . وروى الشيخان، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أبيّ بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات- والرجل المبهم لم يسم- عن شيخ من قيس، عن أبيه، قال: جاءنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعندنا بكرة صعبة لا يقدر عليها، فدنا منها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمسح ضرعها، فحفل، فاحتلب قال: فلما مات أبي جاء وقد شددته في كفنه، وأخذت سلاءة فشددت بها الكفن، فقال: «لا تعذب أباك بالسلاء» ثم كشف عن صدره، وألقى السلاء ثم بزق على صدره، حتى رأيت بياض رضاض بزاقه على صدره» [ (4) ] . الثاني: فيمن غسله النبي- صلى الله عليه وسلم- بيده، وكفنه وصلّى عليه، وأدخله قبره. روى عبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة- بسند ضعيف- عن عبد الله بن أوفى

_ [ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ 1/ 222 والبخاري 3/ 150 (1253) ومسلم 2/ 646، 647 (36- 939) وأحمد 5/ 85 وأبو داود 3/ 197 (3142) . [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 308 وأبو داود 3/ 200 (3157) . [ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1270) . [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 73.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق

- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان بالمدينة مقعد، فقال لأهله ضعوني على طريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مسجده، قال: فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا اختلف إلى المسجد سلم على المقعد، فجاء أهل المقعد، ليردوه إلى أهله فقال: لا والله لا أبرح من هذا المكان. ما عاش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فابنوا لي خصا، فكان المقعد فيه، فكان كلما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل وسلم على المقعد، وكلما أصاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طرفة طعام بعث بها إلى المقعد، قال: فبينما نحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذ أتى آت فنعى له المقعد، فنهض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونهضنا معه حتى دنا من الخص، قال لأصحابه: «لا يقربن أحد من الخص غيري، فدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الخص، فإذا جبريل قاعد عند رأس المقعد فقال جبريل: «يا رسول الله، أما إنك لو لم تأتنا لكفيناك أمره، فأما إذا جئت فأنت أولى به، فقام إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فغسله بيده وكفنه، وصلى عليه وأدخله القبر» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق الحقو بحاء مهملة مفتوحة، فقاف ساكنة، فواو الإزار وأصله: معقد الإزار. الدّرع- بدال مهملة مكسورة، فراء ساكنة، فعين مهملة: الزردية. الخمار- بخاء مكسورة فميم، فراء: الساتر. الملحفة- بميم مكسورة، فلام ساكنة، فحاء مهملة ففاء. البكرة- بموحدة مفتوحة، فكاف ساكنة، فراء مفتوحة، فتاء تأنيث: الفتية من الإبل، والذكر بكر. الضّرع- بضاد معجمة مفتوحة، فراء ساكنة، فعين مهملة: معروف مجتمع اللبن. الظلف: للشاة والبقرة ونحوها، وأما الناقة فخف. السّلاة- بسين مهملة مضمومة، فلام، فألف فتاء تأنيث: شوكة النخل، والجمع سلا. رضاض- قطع البصاق على صدره. الخص- بخاء معجمة مضمومة، فصاد مهملة: بيت يعمل وجمعه: أخصاص. المقعد- بميم مفتوحة، فقاف، فعين مهملة: مكان القعود من الخشب والقصب.

_ [ (1) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية 4/ 101 (4066) وتفرد به فائد أبو الورقاء وهو ضعيف.

الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الجنازة

الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الجنازة وفيه أنواع: الأول: في مشيه- صلّى الله عليه وسلم- مع الجنازة. وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في جنازة أمشي فإذا مشيت سبقني فأهرول فأسبقه، فالتفت إلى رجل إلى جنبي، فقلت: تطوى له الأرض، وخليل الرحمن إبراهيم» . وروى الطيالسي، ومسدد، عن أنس- رضي الله تعالى عنه. «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مرّ عليه بجنازة، وهي يسرع بها، وهي تمخض مخض الزّق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم» قالها مرتين» [ (1) ] . وروى أبو داود، والترمذي. والبيهقي- بسند ضعيف- عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا تبع الجنازة لم يقعد حتّى توضع في اللحد، فعرض له حبر فقال: هكذا نصنع يا محمد، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: «خالفوهم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى- برجال ثقات- عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رأى جنازة فقام لها» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، عن أبي سعيد بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مرت عليه جنازة فقام» [ (4) ] . وروى الشيخان، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: مرت جنازة فقام لها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقمنا معه فقلنا يا رسول الله: إنها يهودية، فقال: «إن للموت فزعا، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 406. [ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 203 (3173) والترمذي 3/ 340 (1020) والبيهقي 4/ 28. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 30 وعزاه لأحمد والبزار وقال وفيه موسى بن عمران بن مناح ولم أجد من ترجمه بما يشفي وهو في الكشف (1/ 392) (834) . [ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 164 وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 30 وعزاه لأحمد وقال وفيه جابر الجعفي وفيه كلام كثير وقد وثق. [ (5) ] أخرجه البخاري 3/ 213 (1311) ومسلم 2/ 660، 661 78- 960) والنسائي 4/ 46 (1922) وابن ماجة 1/ 492 (1543) وأحمد في المسند 2/ 278، 343.

الثاني: في مشيه - صلى الله عليه وسلم -. أمام الجنازة وهيئة مشيه.

وروى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، عن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مرت به جنازة فقام، فقيل يا رسول الله: إنها جنازة يهودية، فقال: «أليس نفسا؟» [ (1) ] . وروى النسائي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «مرت جنازة برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقيل يا رسول الله: إنها جنازة يهودي، فقال: «إنما قمنا للملائكة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قام فقمنا، وقعد فقعدنا، يعني في الجنازة» [ (3) ] . وروى الإمام مالك، والشافعي عنه، قال: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمرنا بالقيام ثم جلس فأمرنا بالجلوس» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي عن ابن سيرين قال: مر بجنازة على الحسن بن علي، وابن عباس- فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: أما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قال ابن عباس: قام ثم قعد» [ (5) ] . وروى الطحاوي، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرت عليه جنازة فقام» [ (6) ] . وروى النسائي، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وأبي سعيد، قالا: «ما رأينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. شهد جنازة قط فجلس حتى توضع» [ (7) ] . الثاني: في مشيه- صلّى الله عليه وسلم-. أمام الجنازة وهيئة مشيه. وروى الترمذي، وابن ماجه، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمشي أمام الجنازة وأبو بكر وعمر وعثمان» [ (8) ] . وروى الإمامان الشافعي، وأحمد، والأربعة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 214 (1312) ومسلم 2/ 661 (81- 961) والنسائي 4/ 54 (1921) . [ (2) ] أخرجه النسائي 3/ 47، 48 (1929) . [ (3) ] أخرجه مسلم 2/ 662 (84/ 962) . [ (4) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 69 والشافعي في مسنده 1/ 215 (596) [ (5) ] أخرجه أحمد 1/ 200 والنسائي 4/ 46 (1924) . [ (6) ] أخرجه النسائي 3/ 45 (1919) . [ (7) ] أخرجه النسائي 3/ 45 (1914) . [ (8) ] أخرجه الترمذي 3318 (1010) وابن ماجة 1/ 475 (1487) .

الثالث: في رده - صلى الله عليه وسلم - النساء عن اتباع الجنازة ومن معه نار:

«رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر، وعمر يمشون أمام الجنازة» [ (1) ] . وروى أبو داود عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أتي بدابّة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابّة فركب، فقيل له، فقال: «إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت» [ (2) ] . وروى مسلم، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بفرس معرورى فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدّحداح وفي لفظ «فركب حين انصرف من جنازة ابن الدّحداح نمشي حوله» . وفي لفظ، ثم أتي بفرس عري فعقله رجل فركبه فجعل يتوقّص، ونحن نتبعه نسعى حوله» [ (3) ] . وروى ابن سعد، عن معمر، عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: «ما ركب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في جنازة قط» [ (4) ] . وروى الطبراني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا شهد جنازة رئيت عليه كآبة، وأكثر حديث النفس» [ (5) ] . الثالث: في ردّه- صلى الله عليه وسلّم- النساء عن اتباع الجنازة ومن معه نار: روى أبو يعلى، عن أنس- رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جنازة فرأى نسوة، فقال: «أتحملنه؟» قلن: لا قال: أتدفنّه؟ قلن لا قال «فارجعن مأزورات غير مأجورات» [ (6) ] . وروى ابن ماجه، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا نسوة جلوس، فقال: «ما يجلسكنّ؟» قلن: ننتظر الجنازة قال: «هل تغسلنه؟» قلن: لا، قال: «هل تحملنه؟» قلن: لا، قال «هل تدلّين فمن يدلي؟» قلن: لا. قال «فارجعن مأزورات غير مأجورات» [ (7) ] . وروى الطبراني، وأبو نعيم، عن ابن المعتمر حنش بن المعتمر، عن أبيه قال: «صلى

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في مسنده 1/ 213 (591) وأحمد 2/ 140 وأبو داود 3/ 205 (3179) والترمذي 3/ 329 (329) والنسائي 3/ 56 (1944) وابن ماجة 1/ 475 (1482) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 204 (3177) . [ (3) ] أخرجه مسلم 2/ 664 (89- 965) وأبو داود 3/ 205 (3178) والترمذي 3/ 334 (1014) . [ (4) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6284) . [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 32 وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 31 وعزاه لأبي يعلى وقال وفيه الحارث بن زياد قال الذهبي ضعيف. [ (7) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 502 (1578) .

الرابع - في زيادة خشوعه - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى جنازة.

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على جنازة فأبصر امرأة معها مجمرة، فلم يزل يصيح بها حتى تغيبت في آجام المدينة يعني قصورها» [ (1) ] . الرابع- في زيادة خشوعه- صلى الله عليه وسلّم- إذا رأى جنازة. روى ابن سعد، عن عبد العزيز بن أبي داود- رحمه الله تعالى- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا شهد جنازة أكثر الصّمات، وأكثر حديث نفسه، فكانوا يرون أنّما يحدّث نفسه بأمر الميّت، وما يرد عليه، وما هو مسؤول عنه» [ (2) ] . الخامس: فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- إذا مرّ عليه بجنازة. روى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، والنسائي، عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مر عليه بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه» ، فقالوا: يا رسول الله: ما المستريح؟ وما المستراح منه؟ فقال: «العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا، وأذاها إلى رحمه الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب» ، [ (3) ] والله تعالى أعلم. تنبيهات الأول: قال أكثر الصحابة، والتابعين باستحباب القيام للجنازة، كما نقله ابن المنذر، وهو قول الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن. وقال الشعبي، والنخعي: يكره القعود قبل أن توضع. فقد روى البخاري، عن عامر بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رأى أحدكم جنازة، فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حين يراها حتى يخلّفها أو تخلّفه، أو توضع قبل أن تخلّفه» . وروى أيضا عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع» [ (4) ] . الثاني: قوله إن للموت فزعا: قال القرطبي: أي: إنّ الموت يفزع منه، إشارة إلى استعظامه، ومقصود الحديث أن لا يستمرّ الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت، فمن ثمّ

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 32 وعزاه للطبراني في الكبير وقال حنش أو حليس لم أجد من ذكره. [ (2) ] الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 104. [ (3) ] أخرجه البخاري 11/ 369 (6511) ومسلم 2/ 656 (60/ 950) . [ (4) ] أخرجه مسلم 2/ 662 (83/ 962) ومالك 1/ 232 (33) .

استوى فيه كون الميت مسلما، أو غير مسلم. وقال غيره فجعل نفس المؤمن فزعا مبالغة، كما يقال: «رجل عدل» ، قال البيضاوي: هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة، وفيه تقدير. أي: الموت ذو فزع. انتهى. ويؤيد الثاني رواية أبي سلمة، عن أبي هريرة بلفظ «إن للموت فزعا» ، رواه ابن ماجة وعن ابن عباس مثله عند البزار، وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها ويضطرب، ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة. وقوله في الرواية الأخرى أليست نفسا؟ لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال: «إن للموت فزعا، وقد أتى أن الرواية الأخرى إنما قمنا للملائكة ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى ولأحمد، وابن حبان، والحاكم، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: «إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس، ولفظ ابن حبان «إعظاما لله» يقبض الأرواح فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق، لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله تعالى، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك، وهم الملائكة. الثالث: روى الإمام أحمد من حديث الحسن بن علي، قال: «إنما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تأذيا بريح اليهودي» [ (1) ] زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بالتحتية والمعجمة. فأذاه ريح بخورها فقام حتى جازته [ (2) ] . وللطبراني، والبيهقي من وجه آخر عن الحسن: كراهية أن تعلو رأسه وهذه الأحاديث لا تعارض الأخبار الأولى الصحيحة. أما أولا: فلأن إسنادها لا تقاوم تلك في الصحة. وأما ثانيا: فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي، والتعليل الماضي صريح من حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- فكان الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه، فعلل باجتهاده، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال: «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فطلعت جنازة، فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان، وما سألناه عن قيامه» . الرابع: اختلف أهل العلم في هذه المسألة: فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب، فقال: هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة،

_ [ (1) ] أحمد 1/ 200. [ (2) ] الطبراني في الكبير انظر المجمع 3/ 28.

وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إليّ. وأشار بالترك إلى حديث علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-، «أنه- صلى الله عليه وسلّم- قام للجنازة، ثم قعد» رواه مسلم، ورواه البيهقي، بلفظ «أن عليا أشار إلى قوم قاموا: أن اجلسوا، ثم حدثهم بالحديث» ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة، منهم: سليم الرازي، وغيره، وقد ورد النهي عنه، روى أحمد، وأصحاب السنن، إلا النسائي قال: «كان النبي- صلى الله عليه وسلّم- يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال: هكذا نفعل: فقال: «اجلسوا وخالفوهم» ، وإسناده ضعيف. قال القاضي ذهب جمع من السلف: إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو هنا ممكن، قال: والمختار أنه مستحب وبه قال المتولي وقال ابن الماجشون: «كان قعوده- صلى الله عليه وسلّم- لبيان الجواز، فمن جلس فهو في سعة، ومن قام فله أجر» . الخامس في بيان غريب ما سبق. الزقّ- بزاي مكسورة، فقاف: وعاء من جلد- يجز شعره، ولا ينتف نتف الأديم. القصد- بقاف، فصاد، فدال مهملتين: عدم الإفراط والتفريط. معرور- بميم مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فراءين بينهما واو: لا سرج عليه، ولا غيره. عقله بعين مهملة، فقاف، فلام مفتوحات. يتوقّص- بفوقية فواو، فقاف مفتوحات فصاد مهملة: ينزو. الكآبة- بكاف- فألف، فهمزة ممدودة، فموحدة، فتاء تأنيث. مأزورات- بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فزاي، فواو فراء فألف فتاء: آثمات. الآجام: بهمزة ممدودة فجيم مفتوحة فألف. الصّمات- بصاد مهملة مضمومة، فميم فتاء: السكوت.

الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على الميت

الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الصلاة على الميت وفيه أنواع: الأول: في موقفه- صلى الله عليه وسلم-. روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن، وابن ماجة، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- صلّى على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة صل عليها فقام حيال وسط السرير. فقال له العلاء بن زياد: «هكذا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم» [ (1) ] . وروى الجماعة، عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت وراء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عند وسطها» [ (2) ] . الثاني: في تكبيره- صلى الله عليه وسلّم- أربعا أو خمسا ورفع يديه في الجنازة. روى الترمذي، والدارقطني، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كبر على جنازة فرفع يديه مع أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسرى» [ (3) ] . وروى ابن ماجه، عن عثمان بن عفان: «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلّى على عثمان بن مظعون فكبر [عليه] أربعا» [ (4) ] . وروى الدارقطني عن أبي هريرة «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على جنازة فكبر عليها أربعا، وسلّم تسليمة واحدة [ (5) ] . وروى ابن ماجه، عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكبر أربعا، ثم يمكث ساعة يقول ما شاء الله أن يقول ثم يسلم» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 3/ 208 (3194) والترمذي 3/ 352 (1034) وابن ماجة 1/ 479 (1494) . [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 201 (1332) ومسلم 2/ 664 (87/ 964) وأبو داود 3/ 209 (3195) والترمذي (1035) والنسائي 4/ 58 وابن ماجة 1/ 479 (1493) . [ (3) ] أخرجه الترمذي 3/ 388 (1077) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. [ (4) ] ابن ماجة 1/ 481 (1502) وفيه خالد بن إلياس تقدم الكلام عليه. [ (5) ] الدارقطني 2/ 72. [ (6) ] ابن ماجة 1/ 482 (1503) وفيه الهجري الكوفي ضعيف.

الثالث: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - الفاتحة، ودعائه للميت وسلامه:

وروى الدارقطني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «آخر ما كبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الجنازة أربعا، وكبر عمر على أبي بكر أربعا» [ (1) ] . وروى الدارقطني، عن مسروق، قال: «صلّى عمر- رضي الله عنه- على بعض أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسمعته يقول: لأصلّين عليها مثل آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على مثلها فكبر عليها أربعا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة، والدارقطني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله- قال: «كان زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- يكبر على جنائزنا أربعا وأنه كبّر على جنازة خمسا فسألته فقال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكبرها» [ (3) ] . وروى الطبراني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يرفع يديه عند كل تكبيرة في كل صلاة، وعلى الجنازة» [ (4) ] . الثالث: في قراءته- صلى الله عليه وسلّم- الفاتحة، ودعائه للميت وسلامه: روى الإمام الشافعي والشيخان، والنسائي، والترمذي، عن طلحة بن عبد الله بن عوف- رحمه الله تعالى- قال: صليت خلف ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فقرأ بفاتحة الكتاب وجهر حتى أسمعنا، فلما سلم سألته عن ذلك، فقال: «إنها سنة وحق» [ (5) ] . وروى الترمذي- وقال: إسناده ليس بالقوي-، والصحيح أنه موقوف وابن ماجة عنه، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب» [ (6) ] . وروى الشافعي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كبر على الميت أربعا، وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى» [ (7) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات، غير ناهض بن القاسم فيحرّر حاله- عن أبي هريرة

_ [ (1) ] الدارقطني بإسناده ضعيف 2/ 72. [ (2) ] الدارقطني 2/ 76 وفيه يحيى بن أبي أنيسة وجابر الجعفي وهما ضعيفان. [ (3) ] أحمد 4/ 372 وأبو داود 3/ 210 (3197) والترمذي 3/ 343 (1023) والنسائي 4/ 59 وابن ماجة 1/ 482 (1505) والدارقطني 2/ 75. [ (4) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3/ 32 فيه عبد الله بن محرز مجهول. [ (5) ] البخاري 3/ 242 (1335) . أبو داود 3/ 210 (3198) والترمذي 3/ 346 (1027) والنسائي 4/ 61. [ (6) ] الترمذي 3/ 345 (1026) وقال ليس إسناده بذلك القوي إبراهيم بن عثمان، هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث وهو عند ابن ماجة 1/ 479 (1495) . [ (7) ] الشافعي في المسند (1/ 209) حديث (578) .

- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ على الجنازة أربع مرات بالحمد لله رب العالمين» [ (1) ] . وروى الطبراني- بسند ضعيف- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد تقدم فكبر على جنازة خالد بن عتيك، أو قال: سهل بن عتيك وكان أول من صلى عليه في موضع الجنائز فتقدم فكبر عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقرأ بأم القرآن فجهر بها، ثم كبر الثانية فصلى على نفسه، وعلى المسلمين، ثم كبر الثالثة، فدعا للميت، فقال: «اللهم اغفر له وارحمه، وارفع درجته» ، ثم كبر الرابعة فدعا للمؤمنين والمؤمنات ثم سلم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- أنه صلى على جنازة فكبر عليها أربعا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين، يدعو ثم قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنع بالجنازة هكذا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي رجل من المسلمين فسمعته يقول: «ألا إن فلانا بن فلان في ذمّتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النّار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له، وارحمه، فإنك أنت الغفور الرحيم» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وصححه، والنسائي، عن إبراهيم الأشهلي- رحمه الله تعالى- عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى على جنازة قال: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن أبي قتادة، والإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- قالا: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى على جنازة قال: «اللهم اغفر لحينا وميّتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان» زاد أبو داود وابن ماجة «اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلّنا بعده» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ابن سماح، وقيل: شمّاخ قال: شهدت مروان يسأل

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 32 فيه ناهض بن القاسم لم أجد له ترجمة وبقية رجاله ثقات. [ (2) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3/ 32 فيه يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي ضعيف. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 356. [ (4) ] أحمد 3/ 491 وأبو داود 3/ 211 (3202) وابن ماجة 1/ 480 (1499) . [ (5) ] أحمد 4/ 170 والنسائي 4/ 61. [ (6) ] أحمد 5/ 299 وأبو داود 3/ 211 (3201) وابن ماجة 1/ 480 (1498) .

أبا هريرة كيف سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصلي على الجنازة؟ قال أبو هريرة: «اللهم أنت ربّها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها، وعلانيتها، جئنا شفعاء [فاغفر لها] » [ (1) ] . وروى مسلم، والترمذي، وابن ماجة، عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على جنازة فحفظت منه دعائه» . «اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الخطايا، كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خير من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر [ (2) ] أو من عذاب النار» . وفي لفظ «وقه فتنة القبر، وعذاب النار» [ (3) ] حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لدعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- له» [ (4) ] . وروى أبو يعلى بإسناد حسن، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في الصلاة على الميت: «اللهم اغفر له وصل عليه، وأورده حوض رسولك» [ (5) ] . وروى أبو يعلى، وأحمد بن حنبل، والبيهقي- بسند صحيح- عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- «أنه شهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلّى على جنازة قال فسمعته يقول: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا» [ (6) ] . وحدث أبو سلمة بها، وزاد فيهن «اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان» . وروى الطبراني- بسند حسن- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن

_ [ (1) ] أحمد 2/ 345 وأبو داود 3/ 210 (3200) . [ (2) ] أخرجه مسلم (2/ 662) حديث (15/ 963) والنسائي 4/ 73 وابن ماجة 1/ 481 (1500) وأحمد 6/ 23، 28 (3/ 40) وقال الهيثمي: فيه رجل لم يسم وحديث مجمع عند ابن ماجة 1/ 491 (1536) وحديث حذيفة عند ابن ماجة 1/ 491 (1538) وحديث ابن عمر 1/ 491 (1538) وحديث أنس عند الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (3/ 41) وحديث أبي سعيد عند الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف وحديث وحشي عند الطبراني في الكبير قال الهيثمي فيه سليمان بن أبي داود وهو ضعيف ومن حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 3/ 193 (1245) ومسلم 2/ 656 (62/ 951) ومالك 1/ 226 (14) . [ (3) ] ابن ماجة 1/ 481 (1500) . [ (4) ] عند الترمذي 3/ 345 (1025) . [ (5) ] أبو يعلى والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 33 فيه عاصم بن هلال وثقه أبو حاتم وضعفه غيره. [ (6) ] أحمد 5/ 299 والبيهقي 4/ 41.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلّى على الميت قال: «اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدان وغائبنا ولأنثانا وذكورنا من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم عفوك عفوك عفوك» [ (1) ] . وروى الطبراني، عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: «صلينا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على جنازة فسلم عن يمينه وعن شماله» [ (2) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «خلال كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفعلهنّ فتركهن الناس. إحداهن تسليم الإمام في الجنازة مثل تسليمة الصلاة» [ (3) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3/ 33 إسناده حسن. [ (2) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3/ 34 فيه خالد بن نافع ضعيف. [ (3) ] الطبراني في الكبير انظر المجمع 3/ 34.

الباب السابع فيمن كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه

الباب السابع فيمن كان- صلى الله عليه وسلم- يصلي عليه وفيه أنواع: الأول: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي من ليس عليه دين، وعلى الأطفال. روى الطبراني برجال ثقات، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على جنازة صبي أو صبية فقال: «لو كان أحد نجا من ضمة القبر لنجا هذا الصبي» [ (1) ] . الثاني: في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي القبر. روى الإمام أحمد، والدارقطني- شطره-: أن أسود كان ينظف المسجد فمات فدفن ليلا، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبر فقال: «انطلقوا إلى قبره» ، فانطلق إلى قبره، فقال: «إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة، وإن الله- عز وجل- ينورها بصلاتي عليهم» ، فأتى القبر فصلى عليه، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله إن أخي مات ولم تصل عليه قال فأتى قبره، فانطلق مع الأنصاري فصلى» [ (2) ] . وروى الإمامان: مالك، والشافعي، والنسائي، وابن أبي شيبة عن أبي أمامة: سهل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعود فقراء أهل المدينة ويشهد جنائزهم إذا ماتوا، فاشتكت امرأة مسكينة فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بمرضها وطال سقمها، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعود المساكين ويسأل عنهم، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسأل عنها، وقال: «إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها» ، فتوفيت. فجاؤوا بها إلى المدينة بعد العتمة فوجدوا رسول الله- قد نام، فكرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها، ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جاءوا فسألهم عنها فقالوا: قد توفيت يا رسول الله قال: «ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟» فقالوا يا رسول وجدناك نائما، فكرهنا أن نوقظك ونخرجك ليلا، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى قبرها فصلّى بهم على قبرها وكبر أربع تكبيرات» [ (3) ] . وروى الشيخان، وابن حبان، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسأل عنها فقالوا: ماتت فقال: «أفلا آذنتموني؟» قال: فكأنهم صغروا أمرها، فقال: «دلّوني على قبرها» ، فدلّوه فصلى على قبرها» [ (4) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 47 رجاله موثقون. [ (2) ] قال الهيثمي في الصحيح طرف منه رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح المجمع 3/ 36 وأخرجه الدارقطني 2/ 77. [ (3) ] مالك في الموطأ 2/ 59 والشافعي في المسند 1/ 208، 209 (576) والنسائي 4/ 55. [ (4) ] أخرجه البخاري 3/ 204 (1337) ومسلم 2/ 659 (71/ 956) والمرأة هي أم محجن كما ذكر الحافظ في الفتح.

الثالث. في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على الغائب.

وروى مسدد، والحارث، عن حميد بن هلال، «رحمه الله تعالى» أن البراء بن معرور توفي قبل قدوم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة فلما قدم صلّى على قبره وكبر عليه أربع تكبيرات. وروى الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجة، عن يزيد بن ثابت- زاد ابن ماجة، وكان أكبر من زيد ثم اتفقوا- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه، فقالوا: فلانة، فعرفها، فقال «ألا آذنتموني بها؟ فإن صلاتي عليها رحمة» قالوا: كنت قائلا صائما، فكرهنا أن نؤذيك، فقال: «لا تفعلوا لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به» ثم أتى القبر فصفّنا خلفه» [ (1) ] . وروى الدارقطني عن ابن عباس «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على قبر بعد شهر» [ (2) ] . وروى الترمذي مرسلا، عن ابن المسيب، رحمه الله تعالى «أن أم سعد- رضي الله تعالى عنها- ماتت والنبي- صلى الله عليه وسلّم- غائب فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر» [ (3) ] . وروى الطبراني في «الأوسط» - قال الضياء المقدسي في «أحكامه» لا بأس بإسناده- عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله نهى أن يصلى على الجنازة بين القبور» [ (4) ] . الثالث. في صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي الغائب. روى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، عن جابر، ومسلم، والترمذي، وابن ماجة، عن عمران بن حصين، والإمام أحمد، عن ابن عباس وابن ماجة، عن مجمع بن جارية، والإمام أحمد، وابن ماجة عن حذيفة بن أسيد، والإمام أحمد عن جرير، وابن ماجة عن ابن عمر، وأبو يعلى عن سعيد بن زيد والطبراني برجال ثقات عن أنس، والطبراني عن أبي سعيد الخدري، والطبراني عن وحشي بن حرب- رضي الله عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش» وفي رواية: «أخ لكم مات بغير بلادكم» قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «أصحمة النجاشي فهلم فصلوا عليه» فقمنا فصففنا صفين فصلى عليه كما يصلي على الميت، وكبر أربعا، وقال: «استغفروا لأخيكم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد 4/ 388 والنسائي 4/ 70 وابن ماجة 1/ 489 (1528) . [ (2) ] أخرجه الدارقطني 2/ 78 وقال تفرد به بشر بن آدم وخالفه غيره عن أبي عاصم. [ (3) ] الترمذي 3/ 356 (1038) . [ (4) ] ذكره الهيثمي وزاد نسبته إلى البزار وقال رجاله رجال الصحيح 2/ 27. [ (5) ] من حديث جابر أخرجه أحمد 3/ 400 والبخاري (3/ 222) حديث (1320) مسلم (2/ 657) (63/ 951) والنسائي 4/ 57 ومن حديث عمران أخرجه مسلم (2/ 657) حديث (67/ 953) والترمذي 3/ 357 (1039) وابن ماجة (1/ 491) (535) وحديث ابن عباس أخرجه أحمد (3/ 295) .

تنبيهات

وروى أبو يعلى، من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء، والطبراني من طريق محبوب بن هلال، عن أنس، والطبراني عن أبي أمامة من طريق نوح بن عمر، والطبراني عن معاوية من طريق صدقة بن أبي سهل، وبقية رجاله ثقات أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان غازيا بتبوك فأتاه جبريل- صلى الله عليه وسلم- فقال: «مات معاوية بن معاوية الليثي» وفي رواية: المزني: اشهد جنازته يا محمد، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونزل جبريل في سبعين ألف ملك من الملائكة، فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة، ولا أكمة إلا تصعصعت فرفع سريره فنظر إليه، فصلى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجبريل والملائكة فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا جبريل بم نال معاوية هذه المنزلة؟» قال: «قال بكثرة قراءته قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقراءته إياها قائما، وقاعدا، وراكبا، وماشيا، وعلى كل حال» [ (1) ] . تنبيهات الأول: كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو الحسن الهيثمي- رحمه الله تعالى- في «مجمع الزوائد» في باب الصلاة على الغائب، وفي ذكر هذا الحديث في هذا الباب نظر لما ذكر في غالب طرقه أنه- صلى الله عليه وسلم- شاهد سريره. الثاني: في الكلام على حكم هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وله طرق يقوي بعضها بعضا ذكرتها في ترجمة معاوية في الصحابة. وقال في الفتح في باب الصفوف على الجنازة، إنه خبر قوي بالنظر إلى مجموع طرقه. وقال في اللسان في ترجمة نوح بن عمران: طرقه أقوى طرق الحديث. انتهى. وأورد الحديث النووي في الأذكار في باب الذكر في الطريق. الثالث: في الكلام على رجاله التي أعلّ بها محبوب بن هلال، قال الحافظ، لم أر لهذا الرجل ذكرا في تاريخ البخاري وذكره ابن أبي حاتم: وقال: سألت أبي عنه قال: ليس بالمشهور، وذكره ابن حبّان في الثقات. ونوح بن عمر. قال ابن حبان يقال: إنه سرق هذا الحديث، كذا في «الميزان» قال

_ [ (1) ] قال الهيثمي 3/ 37 حديث أنس رواه أبو يعلى والطبراني وفي إسناد أبي يعلى محمد بن إبراهيم بن العلاء وهو ضعيف جدا وفي إسناد الطبراني محبوب بن هلال قال الذهبي: لا يعرف، وحديثه منكر وحديث أبي أمامة عند الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي فيه نوح بن عمر قال ابن حبان يقال: إنه سرق هذا الحديث وتعقبه الهيثمي بقوله: ليس هذا يضعف الحديث، وفيه بقية وهو مدلس فيه علة غير هذا كما سيحكي هنا المصنف بعد قليل وحديث معاوية عند الطبراني في الكبير قال الهيثمي (3/ 41) فيه صدقة بن أبي سهل لم أعرفه.

الحافظ لم يترجم ابن حبان نوحا هذا في الضعفاء ولا سماه، وإنما قال في ترجمة العلاء بن محمد الثقفي، بعد أن أورد هذا الحديث في ترجمته، وسرقه شيخ من أهل الشام، فرواه عن بقيّة عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة، قال الحافظ: والظاهر أنه غير هذا، لكن لا يحسن الجزم بهذا، قال شيخه أبو الحسن الهيثمي في «مجمع الزوائد» بعد كلام ابن حبان السابق، قلت: ليس هذا بضعف، وبقيّة مدلس ليس فيه علة غير هذا.

الباب الثامن فيمن ترك - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه

الباب الثامن فيمن ترك- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة عليه وفيه أنواع: الأول. في تركه- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة على المحدود وصلاته عليهم. روى أبو داود، عن أبي بردة الأسلمي- رضي الله عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يصل على ماعز بن مالك، ولم ينه عن الصلاة عليه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري وأبو داود، والنسائي، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- «إن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «أبك جنون؟» قال: لا، قال: «أحصنت؟» قال: نعم فأمر به النبي- صلى الله عليه وسلم- فرجم بالمصلى، فلما أزلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال النبي- صلى الله عليه وسلّم- خيرا، ولم يصل عليه» [ (2) ] . وروى مسلم عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة من جهينة أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي حبلى من الزّنا، فقالت يا رسول الله: أصبت حدا فأقمه عليّ، فدعا نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- وليها، فقال: «أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها» ففعل فأمر نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- فشكّت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ قال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لو سعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل» [ (3) ] . الثاني: في تركه- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة على أهل المعاصي. روى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، والترمذي، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه-: قال: «أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه» [ (4) ] . وروى الحارث من طريق بشر بن نمير- وهو ضعيف- عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة خيبر: «من كان مضعفا معنا فليرجع» ، وأمر مناديا

_ [ (1) ] أبو داود 3/ 206- 207 (3186) . [ (2) ] أحمد 3/ 323 والبخاري (8/ 297) (6820) وأبو داود 4/ 148 (4430) والنسائي 4/ 50. [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1324 (24/ 1696) . [ (4) ] أحمد في المسند 5/ 87 ومسلم (2/ 672) حديث (107/ 978) والترمذي (1068) والنسائي 4/ 53.

الثالث: في تركه - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر الصلاة على من عليه دين، ولم يخلف وفاء.

فنادى بذلك، فرجع ناس، وفي القوم رجل على بكر صعب، فمر من الليل على سواد فنفر به، فصرعه فوقصه، فلما جيء به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما شأن صاحبكم؟» ، قالوا: من أمره كذا وكذا، قال: «يا بلال: ما كنت أذّنت في الناس: من كان مضعفا معنا فليرجع» ، قال: بلى فأبى أن يصلي عليه» ورواه الطبراني- بسند جيد- ورواه أيضا الإمام أحمد، وسنده حسن عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- وفيه ثم «أمر مناديا ينادي في الناس، إن الجنة لا تحل لعاص ثلاث مرات» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح، وهو فيه باختصار عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة له وفي لفظ ستة مملوكين له وليس له مال غيرهم، فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بما صنع، فقال: «أو فعل ذلك؟» ، وقال: «لو أعلمتنا إن شاء الله ما صلينا عليه» وفي لفظ «لقد هممت ألا أصلي عليه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دعي إلى جنازة سأل عنها، فإن أثنوا عليها خيرا قام فصلى عليها وإن أثني عليها غير ذلك، قال لأهلها: «شأنكم بها» ، ولم يصل عليها» [ (3) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: توفي رجل على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: انظروا داخلة إزاره «فأصيبت دينار أو ديناران» ، فقال لنا «صلوا على صاحبكم» [ (4) ] . الثالث: في تركه- صلى الله عليه وسلّم- في أول الأمر الصلاة على من عليه دين، ولم يخلف وفاء. روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يؤتى بالرجل الذي عليه دين فيسأل» [ (5) ] . وروى أحمد بن منيع، عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا توفي على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وترك دينارين دينا عليه وليس له وفاء، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصلي عليه وقال: «صلوا على صاحبكم» ، فقام إليه أبو قتادة، فقال: أنا أقضي عنه، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصلى عليه» [ (6) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 44 وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير وإسناد أحمد حسن. [ (2) ] أحمد 4/ 431، 438 ورجاله ثقات. [ (3) ] أحمد 5/ 299. [ (4) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3/ 41 رجاله ثقات. [ (5) ] أخرجه الترمذي 3/ 282 (1070) . [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 43 وعزاه الطبراني في الكبير وفيه أبو عتبة الكندي ولم أعرفه.

الباب التاسع في هديه - صلى الله عليه وسلم - في دفن الميت وما يلتحق بذلك

الباب التاسع في هديه- صلى الله عليه وسلّم- في دفن الميت وما يلتحق بذلك وفيه أنواع: الأول: في جلوسه على شفير القبر، وأمره باتساع القبر وتحسينه. روى ابن ماجة، عن هشام بن عامر قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «احفروا، وأوسعوا، وأحسنوا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني، عن رجل من الأنصار، - رضي الله تعالى عنهم أجمعين- قال: «خرجت في جنازة رجل من الأنصار مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا غلام مع أبي فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر ويقول: «أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين، لرب عذق له في الجنة» [ (2) ] . وروى البيهقي، وابن ماجة، والبغوي، وابن مندة- قال: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه-، وأبو نعيم، وفي سنده موسى بن عبيدة الربذي ضعيف عن الأدرع السّلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: جئت ليلة أحرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا رجل قراءته عالية فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت يا رسول الله هذا مراء فقال: «هذا عبد الله ذو البجادين» ، فمات بالمدينة، ففرغوا من جهازه فحملوا نعشه فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «أرفقوا به رفق الله به إنه كان يحب الله ورسوله» وحفر حفرته فقال: «أوسعوا له أوسع الله عليه» فقال بعض أصحابه: يا رسول الله لقد حزنت عليه، فقال: «أجل إنه كان يحب الله ورسوله» [ (3) ] . الثاني: في أمره- صلى الله عليه وسلم- بتعجيل الدفن. روى أبو داود، عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء- رضي الله تعالى عنه- مرض فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعوده فقال: «إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» [ (4) ] . الثالث: في انتظاره- صلى الله عليه وسلّم- في المقبرة حفر القبر.

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 497 (1560) . [ (2) ] أحمد 5/ 408. [ (3) ] ابن ماجة 1/ 497 (1559) وفي إسناده موسى بن عبيدة ضعيف. [ (4) ] أبو داود 3/ 200 (3159) .

الرابع: في اختياره - صلى الله عليه وسلم - اللحد.

روى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، وبيده عود ينكث به الأرض فرفع رأسه، فقال: «نعوذ بالله من عذاب القبر» مرتين أو ثلاثا الحديث» [ (1) ] . الرابع: في اختياره- صلى الله عليه وسلّم- اللحد. روى الأربعة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللحد لنا، والشق لغيرنا» [ (2) ] . الخامس: في هديه- صلى الله عليه وسلّم- في إدخال الميت القبر ونزوله قبر بعض أصحابه، ودفنه الميت ليلا ونهارا. روى الإمام أحمد، والبخاري، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «شهدنا بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تدفن ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: «لعل فيكم أحد لم يقارف الليلة؟» فقال أبو طلحة أنا قال «فانزل» فنزل في قبرها» [ (3) ] . روى ابن ماجة عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سلّ سعدا ورشّ على قبره ماء؟» [ (4) ] . وروى أبو داود، والطبراني في الكبير، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأى الناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في القبر يقول: «ناولوني صاحبكم» ، وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر» [ (5) ] . وروى عمر بن شبة عن عبد العزيز بن عمران، والطبراني، عن كثير بن عبد الله عن أبيه، عن جده- رحمهما الله تعالى- قال: «لم يدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قبر أحد إلا خمسة منهم: عبد الله المزني ذو البجادين قلت ويأتي حديثه في غزوة تبوك» [ (6) ] . وروى الطبراني، من طريق بسطام بن عبد الوهاب- فيحرر حاله- عن واثلة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا وضع الميت في قبره قال: «بسم الله، وعلى سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» ووضع خلف قفاه مدرة، وبين كتفيه مدرة وبين ركبتيه مدرة ومن ورائه

_ [ (1) ] أحمد 4/ 287. [ (2) ] أبو داود 3/ 213 (3208) والترمذي 3/ 363 (1045) والنسائي 4/ 66 وابن ماجة 1/ 496 (1554) . [ (3) ] أحمد 3/ 126 والبخاري (2/ 192) حديث (1342) . [ (4) ] ابن ماجة 1/ 495 (1551) وفي إسناده ضعيفان مندل بن علي ومحمد بن عبيد الله. [ (5) ] أبو داود 3/ 201 (3164) والطبراني في الكبير 2/ 182. [ (6) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي كثير ضعيف 3/ 46.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» ووضع خلف قفاه مدرة، وبين كتفيه مدرة وبين ركبتيه مدرة ومن ورائه أخرى» [ (1) ] . ورواه الطبراني برجال الثقات وعن عبد الله بن خراش مختلف فيه. وروى أبو داود، والترمذي، وحسنه، وابن حبان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان إذا دخل الميت القبر» وفي لفظ وضع الميت في لحده، قال: «بسم الله، وبالله وعلى ملة رسول الله» وفي لفظ «سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، من طريق عطاء بن السائب، وبقية رجاله ثقات: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبره فاحتبس، فلما خرج قيل له يا رسول الله ما حبسك قال: «ضمّ سعد في القبر ضمة فدعوت الله أن يكشف عنه» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: «لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله في القبر، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ثم قال لا أدري أقال: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم لا؟ فلما بنى عليها لحدها طفق يطرح إليهم الحبوب ويقول سدوا خلال اللبن ثم قال: «أما إن هذا ليس بشيء ولكنه يطيب نفس الحي» [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى- عن أبيه قال حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال: باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما أخذ في تسوية اللبن في اللحد قال: «اللهم أجرها من الشّيطان، ومن عذاب القبر، اللهم جاف الأرض عن جنبيها وصعّد روحها، ولقّها منك رضوانا، فقلت له: أشيء سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم قلته برأيك؟ قال: إني إذا لقادر على القول، بل شيء سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (5) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال لي أبي: يا بني إذا أنا متّ فاتخذ لي لحدا فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله، وعلى ملة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم سن علي التراب سنّا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3/ 44 فيه بسطام بن عبد الوهاب وهو مجهول. [ (2) ] أبو داود 3/ 214 (3213) والترمذي 3/ 364 (1046) . [ (3) ] ابن أبي شيبة 12/ 142. [ (4) ] أحمد في المسند (5/ 254) وإسناده ضعيف المجمع 3/ 46. [ (5) ] ابن ماجة 1/ 495 (1553) وفي إسناده حماد بن عبد الرحمن وهو متفق على تضعيفه.

السادس: في حثيه - صلى الله عليه وسلم - التراب على القبر وكراهته أن يزاد على تراب الحفر ورشه الماء عليه ووضعه عليه حصى.

سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: ذلك [ (1) ] . وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في القبر، وإذا هو يقول: «ناولوني صاحبكم» وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر» [ (2) ] . وروى الترمذي- وقال: حسن- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة ثم قال: «رحمك الله إن كنت لأوّاها تلاء للقرآن» ، وكبر عليه أربعا» [ (3) ] . وروى أبو يعلى- بسند ضعيف- عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه أوّه أوّه وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إنه أواه» ، قال: فخرجت ليلة، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدفن ذلك الرجل ليلا بمصباح» [ (4) ] . السادس: في حثيه- صلى الله عليه وسلّم- التراب على القبر وكراهته أن يزاد على تراب الحفر ورشه الماء عليه ووضعه عليه حصى. وروى الدارقطني، عن عامر بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- قال «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين توفي عثمان بن مظعون صلّى عليه، وكبّر أربعا، وحثى على قبره بيده ثلاث حثيات من تراب وهو قائم عند رأسه» [ (5) ] . وروى ابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا» [ (6) ] وروى الشافعي مرسلا عن جعفر بن محمد- رحمهما الله تعالى- عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حثى على ميّت ثلاث حثيات بيديه جميعا» [ (7) ] . وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حضر ميتا يدفن فقال: «لا تقتلوا صاحبكم» ، فقال سفيان: يعني لا يزاد

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3/ 44. رجاله موثقون. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] الترمذي 3/ 370 (1057) . [ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 159 والحاكم في المستدرك 1/ 368 والهيثمي في المجمع 9/ 369 والطبراني في الكبير 17/ 295 والسيوطي في الدر المنثور 3/ 285. [ (5) ] الدارقطني 2/ 76 وفيه ضعيفان القاسم العمري وعاصم بن عبيد الله. [ (6) ] ابن ماجة 1/ 499 (1565) . [ (7) ] الشافعي في المسند (1/ 216) حديث (601) .

السابع: في وقوفه - صلى الله عليه وسلم - ودعائه بعد الدفن للميت، وبكائه عند دفن بعض الصحابة وكراهته وطء القبور، ووضعه للجريدة الخضراء على قبر ووعظه عند القبر.

على تراب الحفرة، وربما قال في الحديث: «خففوا عن صاحبكم» ، قال سفيان يعني من التراب في القبر» . وروى الطبراني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رشّ على قبر ابنه إبراهيم» [ (1) ] ورواه الشافعي- مرسلا- عن جعفر بن محمد- رحمهما الله تعالى- عن أبيه، وزاد ووضع عليه حصباء» [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة» [ (3) ] . وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمر بتسوية القبور» [ (4) ] . وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، عن أبي الهيّاج الأسدي- رحمه الله تعالى- قال: قال لي علي- رضي الله تعالى عنه-: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اذهب فلا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته» [ (5) ] . السابع: في وقوفه- صلى الله عليه وسلّم- ودعائه بعد الدفن للميت، وبكائه عند دفن بعض الصحابة وكراهته وطء القبور، ووضعه للجريدة الخضراء على قبر ووعظه عند القبر. روى أبو داود، عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» [ (6) ] . وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وأبو يعلى من طريق أبي رجاء عبد الله بن واقد الهروي، وثقه الإمام احمد، وابن معين، وقال أبو زرعة الرازي: لم يكن به بأس، عن البراء- رضي الله عنه- قال: «بينما نحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبصر جماعة، فقال: «علام اجتمع هؤلاء؟» قيل على قبر يحفرونه قال ففزع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر فحثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بلّ

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3/ 45 رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني. [ (2) ] الشافعي في المسند (1/ 215) وانظر شرح السنة للبغوي 3/ 271. [ (3) ] ابن ماجة 1/ 498 (3219) . [ (4) ] مسلم (2/ 666) حديث (92/ 968) . [ (5) ] مسلم (2/ 666) حديث (93/ 969) وأبو داود 3/ 215 (3218) والترمذي 3/ 364 (1049) وقال حسن. [ (6) ] أخرجه أبو داود 3/ 215 (3221) .

الثامن. في أمره - صلى الله عليه وسلم - أهله أن يصنعوا طعاما لمن مات لهم ميت، وسيرته في التعزية.

الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا فقال: «إخواني لمثل هذا فأعدوا» [ (1) ] . وروى أبو أحمد الحاكم في «الكنى» عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا تبع جنازة علاه كرب، وأقل الكلام، وأكثر حديث نفسه» [ (2) ] . وروى أبو يعلى- بسند صحيح- عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لأن أجلس على جمرة تحرق ثوبي ثم تحرق جلدي، أو أخصف نعلي بيدي، أحب إلي من أن أطأ قبر رجل منكم، وما أبالي وسط السوق قضيت حاجتي، أو وسط القبور» ، ورواه ابن ماجة عن عمرو بن حزم [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجة، عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، عن أبي بكرة، والطبراني، عن أبي أمامة، والإمام أحمد برجال الصحيح، عن أبي هريرة، والطبراني، وابن عمر، والإمام أحمد عن يعلى بن سيابة» [ (5) ] . وروى الشيخان عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقعدنا حوله، ومعه مخصرة» [ (6) ] . وروى الشيخان، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى جنازة، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على القبر، وجلسنا حوله، كأن على رؤوسنا الطير» [ (7) ] والله أعلم. الثامن. في أمره- صلى الله عليه وسلم- أهله أن يصنعوا طعاما لمن مات لهم ميت، وسيرته في التعزية. وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما جاءه نعي جعفر خرج إلى أهله، فقال: «إن آل جعفر قد شغلوا بشأن

_ [ (1) ] أحمد في المسند 4/ 294. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 32 من طريق ابن عباس وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. [ (3) ] ابن ماجة 1/ 499 (1567) وبنحوه عند مسلم 2/ 668 (97/ 972) وأبو داود 3/ 217 (3229) والترمذي (1050) . [ (4) ] أحمد في المسند 1/ 63 والترمذي 4/ 479 (2308) وقال حسن غريب وابن ماجة 2/ 1426 (4267) . [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 60 وفيه حبيب بن أبي جبيرة قال الحسيني مجهول. [ (6) ] البخاري 2/ 200 (1362) ومسلم (2/ 669) (102/ 974) . [ (7) ] أخرجه مسلم 2/ 667 (96/ 971) وأبو داود 3/ 213 (3212) والنسائي 4/ 64 وابن ماجة 1/ 494 (1549) .

ميّتهم فاصنعوا لهم طعاما» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة [ (3) ] . وروى البزار برجال الصحاح، عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بلغه أنّ امرأة من الأنصار مات ابن لها، فجزعت عليه، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه أصحابه فلما بلغ باب المرأة قيل للمرأة إنّ نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- يريد أن يدخل يعزّيها، فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أما إنّه قد بلغني أنك جزعت على ابنك» ، فقالت: يا رسول الله وما لي لا أجزع، وأنا رقوب لا يعيش لي ولد؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنّما الرّقوب الذي يعيش ولدها، إنّه لا يموت لامرأة مسلمة، أو امرئ مسلم نسمة- أو قال: ثلاثة من ولده فيحتسبهم إلا وجبت له الجنة» ، فقال عمر وهو عن يمينه: بأبي أنت وأمي واثنين، قال نبي الله- صلّى الله عليه وسلم-: «واثنين» [ (4) ] . وروى الطبراني- بسند فيه ضعف- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما عزي بابنته رقية قال: «الحمد لله «دفن» - وفي لفظ البزار: «موت» - البنات من المكرمات» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد 6/ 370 وابن ماجة 1/ 514 (1611) وفي إسناده أم عيسى مجهولة. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 205 وأبو داود 3/ 195 (3132) والترمذي 3/ 323 (998) وابن ماجة 1/ 514 (1610) . [ (3) ] ابن ماجة 1/ 514 (1612) . [ (4) ] البزار كما في الكشف 1/ 405 (857) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. [ (5) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي: 1/ 405 فيه عثمان بن عطاء ضعيف وأخرجه البزار كما في الكشف 1/ 375 (790) .

الباب العاشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور

الباب العاشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في زيارة القبور وفيه أنواع: الأول: في إذنه- صلّى الله عليه وسلم- في زيارتها بعد منعه. روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، عن أنس- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال «ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي أنها ترق القلوب، وتدمع العين، فزوروها ولا تقولوا هجرا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة» [ (3) ] . الثاني: في زيارته- صلّى الله عليه وسلّم- القبور. روى الإمام أحمد ومسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زار قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله تعالى عنه- «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرّة وأقم، فدنونا منها فإذا قبور بمحنيّة فقلت يا رسول الله: قبور إخواننا هذه، قال: «هذه قبور أصحابنا» ، فلما جئنا قبور الشهداء: قال: «هذه قبور إخواننا» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 356 ومسلم 2/ 672 (106/ 977) وأبو داود 3/ 218 (3235) والترمذي 3/ 370 (1054) . [ (2) ] أحمد 3/ 250. [ (3) ] أحمد 3/ 37. [ (4) ] أحمد 2/ 441 ومسلم (2/ 671) حديث (108/ 976) وأبو داود 3/ 218 (3234) والنسائي 4/ 74 وابن ماجة 1/ 501 (1572) . [ (5) ] أحمد 1/ 161 وأبو داود 2/ 218 (2043) .

الثالث: في آدابه في زيارة القبور.

الثالث: في آدابه في زيارة القبور. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأن يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثيابه فيخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والثلاثة، عن أبي مرثد الغنوي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا عليها» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي، عن عمرو بن حزم، - رضي الله تعالى عنه- قال: رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأنا أتكّئ على قبر، فقال: «لا تؤذ صاحب القبر» [ (3) ] . وروى الطبراني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يذهب إلى الجبان ماشيا، وأبو بكر وعمر» [ (4) ] . الرابع: فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- إذا زار القبور. روى الإمام أحمد والترمذي، وحسنه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مر بقبور أهل المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، ويغفر الله لنا ولكم، أنتم السلف، ونحن بالأثر» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة، عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية» [ (6) ] . وروى مسلم، وأبو داود، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» [ (7) ] . زاد الطيالسي: «اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم» .

_ [ (1) ] أحمد 2/ 311 وأبو داود 3/ 217 (3228) والنسائي 4/ 78 وابن ماجة 1/ 499 (1566) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 135 ومسلم 2/ 668 (97/ 972) وأبو داود 3/ 217 (3229) والترمذي 3/ 367 (1050) والنسائي 2/ 53. [ (3) ] أخرجه النسائي 4/ 78 وصححه الحافظ في الفتح 3/ 266 عقب شرحه لحديث (1361) . [ (4) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3/ 59 فيه من لم أعرفه. [ (5) ] الترمذي 3/ 369 (1053) . [ (6) ] أحمد في المسند 5/ 353 ومسلم 2/ 671 حديث (104/ 975) والنسائي 4/ 77 وابن ماجة 1/ 494 (1547) . [ (7) ] مسلم (1/ 218) حديث (39/ 249) وأبو داود 3/ 219 (3237) .

وروى الطبراني- بسند جيد- عن مجمع بن جارية- رضي الله تعالى عنه- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى المقبرة فلما انتهى إليها قال: «السلام على أهل القبور- ثلاث مرات- من كان منكم من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع، عافانا الله وإياكم» [ (1) ] . وروى مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلّما كان ليلتها من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجّلون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» [ (2) ] . وروى ابن ماجه، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «فقدته يعني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا هو بالبقيع، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم» [ (3) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 3/ 60 فيه إسماعيل بن عباس، وفيه كلام وقد وثق. [ (2) ] مسلم 2/ 669 (102/ 974) . [ (3) ] ابن ماجة 1/ 493 (1546) .

الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الشهداء في الموت

الباب الحادي عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الشهداء في الموت روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والبخاري، والأربعة، والدارقطني، عن جابر- رضي الله عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحمد في ثوب واحد، ثم يقول: «أيهما أكثر أخذا للقرآن، فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد» ، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم» [ (1) ] . وروى الثلاثة عنه، قال: «كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم فجاء منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، عن هشام بن عامر الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: «قتل أبي يوم أحد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «احفروا وأوسعوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا» ، وكان أبي أكثرهم قرآنا فقدم» [ (3) ] . وروى أبو داود عنه قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم أحد، فقالوا أصابنا قرح وجهد، فكيف تأمرنا؟ فقال: «احفروا وأوسعوا القبر وعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر» ، قيل: فأيهم يقدم؟ قال «أكثرهم قرآنا» [ (4) ] ورواه النسائي بلفظ: «شكونا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلنا يا رسول الله الحفر علينا بكل إنسان شديد فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «احفروا وأوسعوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر» إلى آخره» [ (5) ] . وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقتلى أحد أن تنزع عنهم الجلود والحديد، وأن يدفنوا بثيابهم ودمائهم [ (6) ] . وروى النسائي، عن عبد الله بن معيّة قال: «أصيب رجلان من المسلمين يوم الطائف فحملا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأمر أن يدفنا حيث أصيبا» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 212 (1347) وأبو داود 3/ 196) (23138) والترمذي 3/ 354 (1036) والنسائي 4/ 50 وابن ماجة 1/ 485 (1014) . [ (2) ] أبو داود 3/ 202 (3165) والترمذي 4/ 187 (1717) وقال حسن صحيح والنسائي 4/ 65 وابن ماجة 1/ 486 (1516) . [ (3) ] أحمد 4/ 19 والترمذي 4/ 185 (1713) . [ (4) ] أبو داود 3/ 214 (3215) . [ (5) ] النسائي 4/ 68. [ (6) ] أبو داود 3/ 195 (3134) وابن ماجة 1/ 485 (1515) . [ (7) ] النسائي 4/ 65.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في الصّدقة الباب الأول في بعثة- صلّى الله عليه وسلّم- العمال لأخذها من الأغنياء وردها على الفقراء ووصيته عماله بالعدل وآدابه في الصدقة روى البخاري، عن عقبة بن الحارث [ (1) ]- رضي الله عنه- قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر فأسرع ثم دخل البيت، فلم يلبث أن خرج، فقلت، أو قيل له، فقال: «كنت خلّفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته» [ (2) ] . وروى الشيخان، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: «غدوت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه، فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصّدقة» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عنه: قال: «دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يسم غنما في آذانها» [ (4) ] . وروى أبو داود، والطبراني- برجال الصحيح- عن أبي مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعيا فقال: «انظر» وفي لفظ: «انطلق أبا مسعود، ولا ألقينّك تجيء يوم القيامة على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء [قد] غللته» ، قال: ما أنا بسائر في وجهي هذا، قال: «إذن لا أكرهك» [ (5) ] . وروى الطبراني- برجال الصحيح- عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- والإمام الشافعي، عن طاوس- رضي الله عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعثه على الصدقة فقال: «يا أبا الوليد اتق الله، لا تأت يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها يعار» ،

_ [ (1) ] عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل النوفلي أبو سروعة بكسر المهملة الأولى المكي. أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه. له أحاديث. انفرد له البخاري بثلاثة. وعنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن أبي مليكة. الخلاصة 2/ 235. [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب العلم (1430) . [ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب الزكاة (1502) . [ (4) ] أحمد 3/ 171. [ (5) ] أبو داود 3/ 135 (2947) والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3/ 86 رجاله رجال الصحيح.

ولفظ الشافعي «تيعر لها ثؤاج قال يا رسول الله: «إن ذلك لكذلك، قال: «إي والذي نفسي بيده» زاد الشافعي «إلا من رحم الله» قال: «والذي بعثك بالحق لا أعمل لك على شيء أبدا» ولفظ الشافعي «لا أعمل على اثنين أبدا» [ (1) ] . وروى البزار- برجال الصحيح- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سعد بن عبادة مصدقا فقال يا سعد: «اتق الله أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء» قال: «لا آخذه أعفني، فأعفاه» [ (2) ] . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، في زوائد المسند وأبو داود، عن أبي بن كعب، - رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعثه مصدقا على بني عذرة، وجميع بني سعد بن هذيم بن قضاعة. قال: فصدقتهم الحديث» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ساعيا فاستأذنته أن آكل من الصدقة، فأذن لي» [ (4) ] . وروى الترمذي، وحسنه، والدارقطني، عن أبي جحيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث فينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ساعيا فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردها على فقرائنا، فكنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا» [ (5) ] . وروى الإمام الشافعي، عن ابن سعر عن سعر أخي بني عدي- رضي الله تعالى عنه- قال: «جاءني رجلان فقالا: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعثنا نصدّق أموال الناس قال فأخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت فرداها علي وقالا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى، فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها» [ (6) ] . وروى الطبراني- بسند ضعيف- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا بعث السعاة على الصدقات أمرهم بما أخذوا من الصدقات أن تجعل في ذوي قرابة من أخذ منهم الأول فالأول أن لم يكن له قرابة، فلأولى العشيرة، ثم لذي الحاجة من الجيران وغيرهم» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند (1/ 246) حديث (667) والطبراني في الكبير قال الهيثمي 2/ 86 رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه البزار كما في الكشف 1/ 425 (898) ورجاله رجال الصحيح. [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 142. [ (4) ] أحمد في المسند 4/ 145. [ (5) ] الترمذي 3/ 40 (649) والدارقطني 2/ 136. [ (6) ] الشافعي في المسند 1/ 239 (652) . [ (7) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ضعيف المجمع 3/ 87.

وروى الأئمة: إلا مالكا، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث معاذا إلى اليمن، فقال إنك تقدم على قوم أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله عز وجل فأخبرهم إن الله عز وجل قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم إن الله- عز وجل- قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والدارقطني، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمر على الصّدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد، والعباس عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله، وأمّا خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس فعم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهي علي ومثلها معها» وفي رواية «فهي عليه ومثلها معها صدقة» ، ثم قال: «يا عمر: أما علمت أن العم صنو أبيه» [ (2) ] . وروى الدارقطني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عمر ساعيا، فأتى العباس يطلب صدقة ماله، فأغلظ له العباس فخرج إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام، والعام المقبل» [ (3) ] ورواه ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تعجل من العباس صدقة سنتين» [ (4) ] . وروى الحارث، والطبراني- بسند جيد- عن قرة بن دعموص- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الضحاك بن قيس ساعيا على قومي فلما رجع فجاء بإبل جلة فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «أتيت هلال بن عامر، ونمير بن عامر، وعامر بن ربيعة، فأخذت جلّة أموالهم» ، فقال: يا رسول الله إني سمعتك تذكر الغزو فأردت أن آتيك بإبل تركبها، وتحمل أصحابك، فقال: «والله للذي تركت أحب إلي من الذي جئت به، اذهب فارددها عليهم، وخذ من حواشي أموالهم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] البخاري (3/ 307) حديث (1395، 1458، 1496) ومسلم (1/ 50) حديث (29/ 19) وأبو داود 2/ 104 (1584) والترمذي 3/ 21 (625) والنسائي 5/ 41 وابن ماجة 1/ 568 (1783) . [ (2) ] البخاري 3/ 388 (1468) ومسلم 2/ 676 (983) وأبو داود 2/ 115 والدارقطني 2/ 123 وانظر شرح السنة 3/ 340. [ (3) ] الدارقطني 2/ 124. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 3/ 79 فيه محمد بن ذكوان فيه كلام وقد وثق. [ (5) ] الطبراني في الكبير 19/ 34 وقال الهيثمي: 3/ 82 فيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

وروى الإمامان الشافعي، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: «استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من الأزد يقال له ابن الأتبية» وفي لفظ «يدعي ابن اللتبية على صدقات بني سليم- فلما جاء حاسبه، فقال: هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فهلا جلست في بيت أمك وأبيك حتى تأتيك هديتك- إن كنت صادقا» ثم قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: «هذا لكم وهذا هدية أهديت إليّ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ إن كان، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلأعرفنّ أحدا منكم لقي الله تعالى يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، قال: «اللهم هل بلغت؟» [ (1) ] . وروى مسلم، عن عديّ بن عميرة الكندي- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» فقام إليه رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال يا رسول الله: اقبل عنّي عملك، قال: «وما لك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا قال: «وأنا أقوله الآن، من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه انتهى» [ (2) ] . وروى ابن ماجة عن العلاء الحضرمي- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى البحرين- أو إلى هجر- فكنت آتي الحائط يكون بين الإخوة يسلّم أحدهم فآخذ من المسلم العشر، ومن المشرك الخراج» [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. الميسم بميم مكسورة، فتحتية ساكنة، فسين مهملة مكسورة، فميم: حديدة يكوى بها. رغاء- براء مضمومة، فغين معجمة، فألف: صوت الإبل. الغلول- بغين معجمة، فلام مضمومتين فواو فلام: الخيانة في الغنيمة.

_ [ (1) ] الشافعي في المسند 1/ 246 (668) وأحمد 3/ 423 والبخاري 2/ 468 حديث (625، 1500، 2597، 6636) . وأبو داود 3/ 134 (2946) . [ (2) ] مسلم (3/ 1465) حديث (30- 1833) . [ (3) ] ابن ماجة 1/ 586 (1831) قال البوصيري إسناده ضعيف.

خوار- بضم الخاء المعجمة، وواو، وألف، وراء. يعار- بتحتية، فعين مهملة، فألف، فراء: صياح. القلوص- بقاف مفتوحة فلام، فواو، فصاد مهملة. الشّابة من البقر والغنم والظباء. أعتاده- بهمزة مفتوحة، فعين مهملة ساكنة. صنو أبيه- بصاد مهملة، فنون ساكنة، فواو: مثله. اللّتبية: بلام مضمومة، وفوقية ساكنة، فموحدة مكسورة، فتحتية فتاء تأنيث.

الباب الثاني في وصيته - صلى الله عليه وسلم - لأرباب الأموال ودعائه لمن أحسن، وعلى من أساء في الصدقة

الباب الثاني في وصيته- صلى الله عليه وسلّم- لأرباب الأموال ودعائه لمن أحسن، وعلى من أساء في الصدقة روى مسلم عن جرير بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إذا أتاكم المصدّق فليصدر عنكم وهو عنكم راض» [ (1) ] . وروى أبو داود، والبزار، برجال ثقات، عن جابر بن عتيك- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا جاءوكم فرحّبوا بهم، وخلّوا بينهم وبين ما يتبعون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليهم وارضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم» [ (2) ] . وروى ابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها، أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنما، ولا تجعلها مغرما» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صل على آل فلان» ، فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهم صلى على آل أبي أوفى» [ (4) ] . وروى النسائي، عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعيا فأتى رجلا فأتاه فصيلا مخلولا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «بعثنا مصدّق الله ورسوله، وإن فلانا أعطاه فصيلا مخلولا اللهم لا تبارك فيه، ولا في إبله» فبلغ ذلك الرجل، فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله، وإلى نبيه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم بارك فيه وفي إبله» [ (5) ] . وروى أبو يعلى عن جمرة- رضي الله تعالى عنها- قال: «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بإبل الصدقة، فمسح برأسي ودعا لي بخير» [ (6) ] .

_ [ (1) ] مسلم 2/ 757 (177/ 1989) والترمذي 3/ 39 (647) والشافعي 1/ 240 (653) . [ (2) ] أبو داود 2/ 105 (1588) . [ (3) ] ابن ماجة 1/ 573 (1797) قال البوصيري في الزوائد: في إسناده الوليد بن مسلم كان مدلس والبختري متفق على ضعفه. [ (4) ] أحمد 4/ 353 والبخاري 3/ 423 (1497، 4166، 6332، 6359) . ومسلم 2/ 56 (176/ 1078) وأبو داود 2/ 106 (1590) والنسائي 5/ 22 وابن ماجة 1/ 572 (1796) . [ (5) ] النسائي 5/ 21. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 266.

الباب الثالث في فرضه - صلى الله عليه وسلم - الزكاة المالية وأنواعها على التعيين

الباب الثالث في فرضه- صلى الله عليه وسلّم- الزكاة المالية وأنواعها على التعيين وفيه أنواع: الأول: في زكاة النعم، وفيه فروع. الأول: في أحاديث مشتركة. روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أبا بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، «بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المسلمين والتي أمر الله- عز وجل- بها رسوله- صلى الله عليه وسلم- فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط» . في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى. فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين، ففيها حقة طروقة الجمل. فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة. فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل. فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وإن تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين، إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاص، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن

الفرع الثاني في فرضه - صلى الله عليه وسلم - زكاة البقر.

استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض، وليس عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليست فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة. وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإن زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإن زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه فإن زادت على ثلاثمائة، ففي كل مائة شاة، «ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدّق وما كان خليطين فإنهما يتراجعان بينهما السوية فإن زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة، شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها» . ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة [ (1) ] . الفرع الثاني في فرضه- صلى الله عليه وسلّم- زكاة البقر. روى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجة، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صدقة البقر إذا بلغ البقر ثلاثين، ففيها تبيع من البقر جذع أو جذعة، حتى تبلغ أربعين» . «فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة، فإذا كثرت البقر ففي كل أربعين من البقر مسنّة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، واللفظ له، والأربعة، والدارقطني، عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ففرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين أو الخمسين، وبين الستين والسبعين، وما بين الثمانين والتسعين، فأبيت ذلك وقلت لهم: حتى أسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا، ومن كل أربعين مسنّة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنّة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة والمائة مسنّتين وتبيعا، ومن العشرين ومائة: ثلاث مسنات، أو أربعة أتباع، وأمرني ألّا آخذ فيما بين ذلك، وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها. والوقص ما بين الفريضتين [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 365 (1448، 1450، 1451، 1453، 1454، 1455، 2487، 3106، 5878، 6955) . وأبو داود 2/ 96 (1567) والنسائي 5/ 13 والدارقطني 2/ 113 والبيهقي 4/ 85. [ (2) ] أحمد 1/ 411 والترمذي 3/ 19 (622) وابن ماجة 1/ 577 (1804) . [ (3) ] أحمد 5/ 240 وأبو داود 2/ 101 (1576) والترمذي 3/ 20 (623) والنسائي 5/ 17 وابن ماجة 1/ 576 (1803) .

الثاني: في عفوه عن الخيل والرقيق.

الثاني: في عفوه عن الخيل والرقيق. روى أبو داود، عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قد عفوت لكم عن الخيل، والرقيق» [ (1) ] . وروى الأئمة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس على المسلم صدقة في فرسه، ولا في عبده، إلا في صدقة الفطر» [ (2) ] . الفرع الثالث: في فرضه- صلى الله عليه وسلّم- زكاة النقدين: الذهب والفضة. روى الدارقطني، عن أبي كثير مولى بني جحش «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- حين بعثه إلى اليمين أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا، ومن كل مائتي درهم خمسة دراهم» [ (3) ] . وروى ابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عمر، وعائشة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار، ومن الأربعين دينارا» [ (4) ] . الثالث: في فرضه- صلى الله عليه وسلّم- زكاة الحلي. وروى الإمام أحمد، والأربعة، والدارقطني، عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- «أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعها ابنة لها، وفي أيديهما مسكتان فقال: «أتعطين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال: «أيسركما أن يسوركما الله عز وجل بسوارين من نار؟» قلن: لا قال: «فأدّيا زكاته» فخلعتاهما، وقالتا: هما لله ورسوله» [ (5) ] . الفرع الرابع: في فرضه- صلى الله عليه وسلّم- زكاة المعشرات، والثمار والخضراوات. روى الإمام الشافعي، والبخاري، والأربعة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «فيما سقت السماء، والعيون، والأنهار، أو كان بعلا» وفي لفظ «عثريا، العشر وما سقي بالسّواقي أو النضح نصف العشر» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 101 (1574) . [ (2) ] أبو داود 2/ 108 (1595) والترمذي 3/ 23 (628) والنسائي 5/ 25 وابن ماجة 1/ 579 (1812) . [ (3) ] الدارقطني 2/ 95. [ (4) ] ابن ماجة 1/ 571 (1791) وفيه إبراهيم بن إسماعيل ضعيف. [ (5) ] أحمد 2/ 208 وأبو داود 2/ 95 (1563) والنسائي 5/ 28 والدارقطني 2/ 108. [ (6) ] البخاري 3/ 407 (1483) ومسلم 2/ 75 (982) وأبو داود 2/ 108 (1596) والنسائي 5/ 31 والترمذي 3/ 32 (640) وابن ماجة 1/ 581 (1817) .

الفرع الخامس: في هديه - صلى الله عليه وسلم - في خرص العنب والرطب.

وروى النسائي، والبيهقي، والدارقطني، عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: «بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن وأمرني أن آخذ مما سقت السماء وما سقي بعلا العشر وما سقي بالدوالي نصف العشر» [ (1) ] . الفرع الخامس: في هديه- صلى الله عليه وسلّم- في خرص العنب والرطب. روى الإمام الشافعي، والترمذي، وابن ماجة، عن عتّاب بن أسيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرمهم وثمارهم» [ (2) ] . وروى الدارقطني عنه، قال: «أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أخرص أعناب ثقيف كخرص النخل، ثم يؤدى زكاته، كما يؤدى زكاة النخل تمرا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والثلاثة، عن سهل بن أبي حثمة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا خرصتم فجدّوا ودعوا الثلث، فإن لن تدعوا الثلث فدعوا الربع» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث ابن رواحة إلى خيبر، يخرص عليهم، ثم خيرهم أن يأخذوا أو يردّوا فقالوا هذا الحق، بهذا قامت السماء والأرض» [ (5) ] . وروى الطبراني مرسلا- بسند صحيح- عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم قال «إنما خرص ابن رواحة على أهل خيبر عاما واحدا، فأصيب يوم مؤتة، ثم إن جبّار بن صخر بن خنساء كان يبعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ابن رواحة فيخرص عليهم» [ (6) ] . وروى الطبراني، عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يبعث فروة بن عمرو يخرص النخل، فإذا دخل الحائط حسب ما فيه من الأقناء ثم ضرب ببعضها على بعض على ما فيها ولا يخطئ [ (7) ] . وروى الحارث بلفظ: «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رجلا إلى قوم يطمس عليهم نخلهم،

_ [ (1) ] النسائي 5/ 31 والدارقطني 2/ 97 والبيهقي 4/ 131. [ (2) ] الشافعي في المسند (1/ 243) حديث (661) والترمذي 3/ 36 (644) وابن ماجة 1/ 582 (1819) . [ (3) ] أخرجه الدارقطني 2/ 132 والبيهقي 4/ 121. [ (4) ] أحمد 3/ 448 وأبو داود 2/ 110 (1605) والترمذي 3/ 35 (643) والنسائي 5/ 32. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 79 وعزاه لأحمد وقال وفيه العمري فيه كلام. [ (6) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي مرسل، وإسناده صحيح المجمع 3/ 79. [ (7) ] الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف المجمع 3/ 76.

السادس: في زكاة العروض والمعدن والركاز:

فأتوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقالوا: أتانا فلان يطمس علينا نخلنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لقد بعثته وإنه في نفسي لأمين، فإن شئتم أخذتم ما طمس عليكم، وإن شئتم أخذناه ورددناه عليكم، فقالوا هذا الحق، وبالحق قامت السموات والأرض» [ (1) ] . وروى الطبراني، والدارقطني، عن سهل بن أبي حثمة «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعث أباه خارصا فجاء رجل فقال: يا رسول الله أن أبا حثمة زاد عليّ، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا حثمة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن ابن عمك يزعم أنك قد زدت عليه، فقال: يا رسول الله قد تركت له عرية أهله وما تطعمه المساكين، وما يصيب الريح، فقال: قد زادك ابن عمك وأنصف» [ (2) ] . وروى أبو داود، والدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبعث ابن رواحة فيخرص النخل، حين تطيب الثمار، قبل أن يؤكل منه، ثم يخيّر يهود بذلك الخرص، أو يدفعوه إليه، لكي يحصي الزكاة قبل أن تؤكل الثمار، أو تفرّق» [ (3) ] . وروى أبو داود، والنسائي، والبيهقي، والدارقطني، عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد وبيده عصا، وقد علق رجل منا حشفا فطعن بالعصا في ذلك القنو وقال: «لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها، وقال: إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة» [ (4) ] . وروى أبو داود، والدارقطني، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «أفاء الله على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر فأقرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما كانوا وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها» زاد الدارقطني فقال: «يا معشر يهود: أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء الله وكذبتم على الله» [ (5) ] . السادس: في زكاة العروض والمعدن والركاز: روى أبو داود، عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يأمرنا أن نخرج الصدقة فيما نعده للبيع» [ (6) ] .

_ [ (1) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية 1/ 243 (842) . [ (2) ] الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف المجمع 3/ 76. [ (3) ] أبو داود 2/ 110 (1606) والدارقطني 2/ 134. [ (4) ] أبو داود 2/ 111 (1608) والنسائي 5/ 32 والبيهقي 4/ 136. [ (5) ] أبو داود 3/ 263 (3410) . [ (6) ] أبو داود 2/ 95 (1562) .

السابع: في زكاة مال اليتيم.

وروى الأئمة، إلا الدارقطني، عن أبي هريرة والإمام أحمد عن جابر وابن ماجة عن ابن عباس والإمام أحمد عن أنس والإمام الشافعي عن ابن عمرو: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في الركاز الخمس» [ (1) ] . وروى أبو داود، والبيهقي، عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب- رضي الله عنها- «وكانت تحت المقداد قالت: ذهب المقداد» [ (2) ] . السابع: في زكاة مال اليتيم. روى الترمذي، والدارقطني، عن ابن عمرو- رضي الله عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب الناس فقال: ألا من ولي يتيما له مال فليتّجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة» [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي، مرسلا، عن يوسف بن ماهك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «ابتغوا في مال اليتامى لا تذهبها أو لا تستأصلها الصدقة» [ (4) ] . تنبيه في بيان غريب ما سبق. الجذع- تقدم غير مرة. المسنّة- بميم مضمومة، فسين مهملة مكسورة، من البقر والغنم التي طلع سنها في السنة الثالثة. الوقص- بواو فقاف مفتوحتين فصاد، مهملة: ما بين الفريضتين كالزيادة على خمس من الإبل إلى تسع. المسكة- بميم فسين مهملة فكاف، فتاء تأنيث: السوار. السّواني- بسين مهملة، فواو مفتوحتين، فألف، فنون، فتحتية: جمع سانية، وهي الناقة التي يستقى عليها.

_ [ (1) ] حديث أبي هريرة عند أحمد 2/ 228 والبخاري 3/ 426 حديث (1499، 2355) ومسلم (3/ 1334) حديث (45/ 1710) وأبو داود 3/ 181 (3085) والترمذي 3/ 134 (642) وقال حسن صحيح والنسائي 5/ 33 وابن ماجة 2/ 839 (2509) . وحديث جابر عند أحمد 3/ 335 وحديث أنس أخرجه أحمد والشافعي في المسند (1/ 248) باب في الركاز والمعادن. [ (2) ] أبو داود 3/ 181 (3087) والبيهقي 4/ 155. [ (3) ] أخرجه الترمذي 3/ 32 (641) وفيه المثنى بن الصباح ضعيف. [ (4) ] الشافعي في المسند (1/ 224) حديث (614) .

الأقناء- بهمزة مفتوحة، فقاف ساكنة جمع قنو. بقاف مكسورة فنون ساكنة فواو العذق بما فيه من الرطب. يطمس- بتحتية، فطاء مهملة ساكنة، وميم مكسورة وهو استئصال أثر الشيء. العريّة- بعين مهملة مفتوحة، فراء مكسورة، فتحتية مشددة، فتاء تأنيث. هبة تمر النخل. التبيع- بمثناة فوقية مفتوحة، فموحدة مكسورة، فمثناة تحتية، فعين مهملة: ولد البقر أول سنة.

الباب الرابع في الحول، وأخذه الزكاة ممن عجلها

الباب الرابع في الحول، وأخذه الزكاة ممن عجلها روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن العباس- رضي الله تعالى عنه- «سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في تعجيل الزكاة قبل أن يحول عليه الحول، مسارعة إلى الخير فأذن له» [ (1) ] . وروى الدارقطني، عن موسى بن طلحة. عن طلحة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عمر. أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه، إنا كنا احتجنا إلى مال، فتعجلنا من العباس صدقة ماله لسنتين» [ (2) ] . وروى أيضا عن ابن عباس قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عمر ساعيا» [ (3) ] . وروى الترمذي، والدارقطني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 104 وأبو داود 2/ 115 (1624) والترمذي 3/ 63 (678) والدارقطني 2/ 123. [ (2) ] الدارقطني 2/ 124. [ (3) ] الدارقطني 2/ 124. [ (4) ] الترمذي 3/ 25 (631) وأخرجه البيهقي 4/ 104 وابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 4.

الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الفطر

الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في زكاة الفطر روى الأئمة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل عبد وحر، وصغير وكبير، من المسلمين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني، عن عبد الله بن ثعلبة- رضي الله تعالى عنه- قال: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الناس قبل الفطر بيومين، فقال: «أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر، وعبد، صغير، وكبير» [ (2) ] . وروى الدارقطني، عن ابن عمرو «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعث مناديا في فجاج مكة ألا إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم، على كل ذكر وأنثى، حر وعبد، وصغير وكبير: مدّان من قمح، أو صاع مما سواه من الطعام [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 432 (1504) ومسلم 2/ 677 (984) وأبو داود 2/ 112 (1612) والترمذي 3/ 61 (676) والنسائي 5/ 34 وابن ماجة 1/ 584 (1829) . [ (2) ] أحمد 5/ 432 وأبو داود 2/ 114 (1620) والدارقطني 2/ 147 [ (3) ] الدارقطني 2/ 141.

الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المد والصاع والوسق [1]

الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في المدّ والصاع والوسق [ (1) ] الباب السابع فيمن حرم- صلى الله عليه وسلّم- الصدقة عليه ومن أحلها له وفيه أنواع: الأول: روى مسلم عن قبيصة بن المخارق- رضي الله عنه- قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها» ، قال ثم قال: «يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش- أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا» [ (2) ] .

_ [ (1) ] سقطت الأخبار التي أوردها في هذا الباب. [ (2) ] أخرجه مسلم (2/ 722) حديث (109/ 1044) وأبو داود 2/ 120 (1640) والنسائي (2579) (2580) وأحمد 3/ 477.

الباب الثامن في حثه - صلى الله عليه وسلم - على صدقة التطوع إذا نظر المحتاج

الباب الثامن في حثه- صلى الله عليه وسلّم- على صدقة التطوع إذا نظر المحتاج روى الشيخان، عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- انفحي، أو انضحي، أو أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك» [ (1) ] . وروى الشيخان، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «يا نساء المسلمات لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، والنسائي، عن أم بجيد، وكانت ممن بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنها قالت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنّ المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئا أعطيه إيّاه فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أن لم تجدي شيئا تعطيه إياه إلا ظلفا محرقا فادفعيه إليه في يده» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن جرير بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في صدر النهار فجاءه قوم عراة، مجتابي النعال والعباء، متقلّدي السيوف [ (4) ] . تنبيهات انفحي- بهمزة فنون ساكنة ففاء فحاء مهملة من النفح وهو: الضرب. انضحي- بهمزة فنون ساكنة فضاد معجمة فحاء مهملة من النضح وهو الرش، فأمرها بكثرة ما يخرج من رشاش النضح. والفرسن- بفاء مكسورة فراء ساكنة فسين مهملة فنون. عظم قليل اللحم. وهو خف البعير كالحافر للدابة. وقد يستعار للشاة فيقال فرسن شاة. وهو الظلف بظاء معجمة مشالة مكسورة فلام ساكنة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الهبة (2591) : ومسلم 2/ 713 (88/ 1029) . [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 459 (6017) ومسلم (2/ 714) حديث (90/ 1030) . [ (3) ] أحمد 6/ 382 وأبو داود 2/ 126 (1667) والترمذي 3/ 52 (665) والنسائي 5/ 61. [ (4) ] مسلم (2/ 704) حديث (69/ 1017) وأحمد 4/ 361 والنسائي 5/ 56 وابن ماجة 1/ 74 (203) .

الباب التاسع في تصدقه - صلى الله عليه وسلم - بقليل وكثير

الباب التاسع في تصدقه- صلى الله عليه وسلّم- بقليل وكثير وروى الإمام أحمد بسند جيد، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سائل فأمر له بتمرة، فلم يأخذها أو وحش بها، ثم أتى سائل آخر فأمر له بتمرة فقال سبحان الله، تمرة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للجارية «اذهبي إلى أم سلمة، فأعطيه الأربعين درهما التي عندها» [ (1) ] . وروى الزجاجي في «أماليه» عن أنس بن مالك أن سائلا أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأعطاه تمرة، فقال السائل نبي من الأنبياء يتصدق بتمرة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنما علمت فيها مثاقيل ذر كثيرة» . ووحش- بواو أي رمى بها.

_ [ (1) ] أحمد 3/ 155، 260.

الباب العاشر في أوقافه - صلى الله عليه وسلم -

الباب العاشر في أوقافه- صلى الله عليه وسلّم- وهي الصافية معروفة اليوم شرقي المدينة بجرع زهيرة تصغير زهرة. وبرقة- بموحدة مفتوحة، فراء ساكنة، فقاف مفتوحة فتاء تأنيث، وهي هنا ما مال من قبل المدينة، مما يلي الشرق، وناحيتها شهدت بها. والدلال- بفتح الدال المهملة، وهي في الأصل حسن الشكل والقبح مال بالمدينة مربح ومعروف قبل الصافية قبل المليكي وقف المدرسة الشهابية. الميثب- بميم مكسورة فتحتية ساكنة فمثلثة مفتوحة، فموحدة، وهو في الأصل: الأرض السهلة، وهو هنا: مال بالمدينة وهو غير معروف اليوم. ويؤخذ من كلام الزهري الآتي قرية من الثلاثة قبله. قال ابن شهاب الأربع متجاورات بأعلى الصورين، من خلف قصر مروان بن الحكم. والأعواف بهمزة مفتوحة فعين مهملة ساكنة، فواو كما ذكره أو راء وحسنى يسقيه مهزور وضبط المراغي، بخطه- بضم الحاء وسكون السين المهملتين ثم نون مفتوحة، وأقره السيد في النور: هو بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين ثم نون مقصور هكذا في النسخ أي نسخ العيون. قال ابن شهاب يسقيها مهزور، وهو من ناحية القف. انتهى. وقول المراغي: إنه لا يعرف اليوم، ولعله تصحيف من الحنا بالنون بعد الحاء، وهو معروف غير صحيح أنه من عدة مواضع من كتب أخبار المدينة بخاء فسين فنون وقد سبق أنه بالقف ويثرب بمهزور والحنا شرقي الماجشونية، ولا يثرب بمهزور. قال السيد: ويظهر لي أنه الموضع المعروف بالحسنيات قرب جزع الدلال. إذ هو بجهة القف أو يثرب لمهزور. ومشربة أم إبراهيم- رضي الله تعالى عنهما- أما المشربة في الأصل: الإناء يشرب فيه. قال ابن شهاب: إذا خلفت بيت مدارس اليهود فجئت مال عبيدة بن عبيد الله بن مرة فمشربة أم إبراهيم إلى جنبه. وإنما سميت مشربة أم إبراهيم، لأن أمه مارية ولدته فيها وهي معروفة بالعالية. تنبيهات الأول: روى ابن سعد، عن محمد بن كعب القرظي. قال: كانت الحبس على عهد

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حبس سبعة حوائط بالمدينة. الأعواف، والصّافية، والدّلال والميثب وبرقة وحسنى ومشربة أم إبراهيم [ (1) ] . الثاني: اختلفوا في يد من كانت قبل أن تصل إلى يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقيل إنها كانت من أموال مخيريق. وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: «أول صدقة في الإسلام وقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قتل مخيريق بأحد وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبضها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتصدق بها» [ (2) ] . وروى أيضا عن عمر بن عبد العزيز قال في خلافته بخناصرة سمعت بالمدينة- والناس بها يومئذ كثير- من مشيخة المهاجرين والأنصار أن حوائط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني التي وقف- من أموال مخيريق. وقال: إن أصبت فأموالي إلى محمد يضعها حيث أراه الله. وقتل يوم أحد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «مخيريق خير يهود» [ (3) ] . وقيل: «إنها من أموال بني النضير» [ (4) ] . وروى ابن سعد، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: «كانت صدقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أموال بني النضير وهي سبعة، ثم ذكر ما تقدم، ثم قال: وكان ذلك المال، لسلام بن مشكم النضيري» [ (5) ] . وروى أيضا عن عثمان بن وثّاب قال: «ما هذه الحوائط إلا من أموال بني النضير، لقد رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من أحد ففرق أموال مخيريق» [ (6) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الصافية جرع- بجيم فراء مفتوحتين فعين مهملة: الضيعة. مهزور- بميم فهاء فزاي فواو فراء. القف- بقاف مضمومة، ففاء، واد من أودية المدينة عليه ماء لأهلها. مخيريق- بالخاء المعجمة والقاف مصغّرا.

_ [ (1) ] انظر الطبقات 1/ 183. [ (2) ] الطبقات 1/ 182. [ (3) ] الطبقات الكبرى 1/ 182. [ (4) ] الطبقات 1/ 183. [ (5) ] الطبقات الكبرى 1/ 183. [ (6) ] المصدر السابق.

الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في السائلين

الباب الحادي عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في السائلين وفيه أنواع: الأول: في إرشاده- صلى الله عليه وسلّم- السائل القوي إلى الاكتساب: روى الإمام أحمد، والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسأله، فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء، قال: «ائتني بهما» ، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (1) ] . الثاني: لم يكن- صلى الله عليه وسلم- يكل صدقته إلى غير نفسه: روى أحمد بن منيع، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكل صدقته إلى غير نفسه، حتى يكون هو الذي يضعها في يد السائلين» . «ورواه ابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-» [ (2) ] . وروى ابن سعد، عن زياد بن أبي زياد- مولى عياش بن أبي ربيعة- قال: «كانت خصلتان لا يكلهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأحد: الوضوء من الليل حين يقوم، والسائل يقوم حتى يعطيه» [ (3) ] . الثالث: في إعطائه لقوم وتركه لآخرين: روى الإمام أحمد، برجال ثقات، عن بعض أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والبزار عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: «إني لأعطي أقواما أتألّفهم ورجالا لا أعطيهم شيئا أكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أحمد في المسند 3/ 114 وأبو داود 2/ 120 (1641) والترمذي 3/ 522 (1218) . [ (2) ] بنحوه أخرجه ابن ماجة (362) . [ (3) ] الطبقات 1/ 93. [ (4) ] أحمد (1/ 176) البزار كما في الكشف 3/ 280.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصوم والاعتكاف

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في الصوم والاعتكاف الباب الأول في ابتدائه ودعائه- صلى الله عليه وسلّم- ببلوغ رمضان. وبشارته أصحابه بقدومه. صام صلى الله عليه وسلّم تسع رمضانات وفيه أنواع: الأول: [في ابتدائه] . روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال: «أحيل الصيام ثلاثة أحوال، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويصوم يوم عاشوراء فأنزل الله عز وجل كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183] [ (1) ] . الثاني: في دعائه- صلى الله عليه وسلم- ببلوغ رمضان: روى البزار، والطبراني، من طريق زائدة بن أبي الرقاد، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رجب يقول: «الّلهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان» [ (2) ] . الثالث: في بشارته- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه بقدوم رمضان: روى الإمام أحمد، واللفظ له، والنسائي، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يبشّر أصحابه بقدومه، يقول «قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عز وجل عليكم صيامه. يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» [ (3) ] . وعن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «سبحان الله ماذا استقبلكم وماذا تستقبلون» ، ثلاث مرات، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أوحي

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 246 وأبو داود 1/ 140 (507) . [ (2) ] البزار والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: 4/ 14 فيه زائدة بن أبي الرقاد فيه كلام وقد وثقه. [ (3) ] أحمد في المسند 2/ 384 والنسائي 4/ 104.

نزل؟ قال: لا، قال: عدو حضر؟ قال: لا، قال: فماذا؟ قال: «إن الله عز وجل يغفر في أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة» ، وأشار إليها بيده الحديث [ (1) ] ، رواه ابن خزيمة، من طريق عمرو بن حمزة القيسي عن أبي الربيع، وقال: إن صح الخبر فإني لا أعرف خلفا أبا الربيع بعدالة ولا جرح، ولا عمرو بن حمزة القيسي الذي دونه. انتهى. وروى ابن خزيمة من زوائد كثير بن زيد، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أظلكم شهركم هذا، بمحلوف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما مر بالمسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتي على المنافقين شهر شر لهم منه» الحديث [ (2) ] . وروى ابن سعد، عن ابن عباس وعائشة- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل شهر رمضان، أطلق كل أسير، وأعطى كل سائل» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن خزيمة في الصحيح بإسناد ضعيف (3/ 189) حديث (1885) . [ (2) ] أخرجه ابن خزيمة في الصحيح بإسناد ضعيف (3/ 188) (1884) . [ (3) ] الطبقات الكبرى 1/ 99.

الباب الثاني فيما كان يقوله إذا رأى الهلال - وصيامه برؤية الهلال إذا رآه، وصومه بشهادة عدل واحد

الباب الثاني فيما كان يقوله إذا رأى الهلال- وصيامه برؤية الهلال إذا رآه، وصومه بشهادة عدل واحد وفيه أنواع: الأول: فيما كان يقوله إذا رأى الهلال، وأن الشهر يكون تسعا وعشرين. روى ابن أبي شيبة، والطبراني، عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر، الله أكبر- الحمد لله، لا قوة إلا بالله، اللهم إني أسالك خير هذا الشهر، وأعوذ بك من شر القدر، ومن شر الحشر» [ (1) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي- فيه ضعف- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحت وترضى، ربّنا وربّك الله» [ (2) ] . وروى الطبراني- بسند حسن- عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الهلال قال: «هلال خير ورشد» . ثم قال: «اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر وخير القدر، وأعوذ بك من شره» ، ثلاث مرات [ (3) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- غير أحمد بن عيسى اللخمي فيحرر حاله، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا رأى الهلال قال: «هلال خير ورشد آمنت بالذي خلقك فعدلك» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله، هلال خير ورشد» [ (5) ] . وروى أحمد، ومسلم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «الشهر هكذا، وهكذا» ، وصفق بيديه مرتين بكل أصابعهما ونقص في الصفقة

_ [ (1) ] قال الهيثمي 10/ 139 فيه راو لم يسم. [ (2) ] رواه الطبراني قال الهيثمي فيه عثمان الحاطبي ضعيف المجمع 10/ 139. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 139. [ (4) ] قال الهيثمي عن أحمد بن عيسى: لم أعرفه وبقية رجاله ثقات المجمع 10/ 139. [ (5) ] أخرجه أحمد 1/ 162 والترمذي 5/ 470 (3451) . وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (18042) .

الثالثة إبهام اليمنى واليسرى ونحوه البخاري [ (1) ] . وروى الشيخان، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّا أمة أمّية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا، يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين» ، ولفظ مسلم: «إنّا أمة أمّية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، ثلاثا يعني: تمام الثلاثين» [ (2) ] . وروى الدارقطني عن جابر، والإمام أحمد، والترمذي، والدارقطني، وأبو داود، عن ابن مسعود، والدارقطني، وقال: إسناده حسن صحيح، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالوا «ما صمنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تسعا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين» [ (3) ] . الثاني: في صيامه- صلى الله عليه وسلّم- برؤية الهلال: وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني، وصححه، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غمّ عليه مدّ ثلاثين يوما ثم صام» [ (4) ] . وروى الأئمة، إلا الترمذي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان، فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له» [ (5) ] . الثالث: في صيامه- صلى الله عليه وسلّم- بشهادة عدل واحد: وروى أبو داود، وابن حبان، والدارقطني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام، وأمر الناس بالصيام» [ (6) ] . وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: تمارى الناس في هلال رمضان، فقال بعضهم اليوم وقال بعضهم غدا، فجاء أعرابي من الحرّة فشهد أنه رأى الهلال، فأتي به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: رأيت الهلال

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 28 وأخرجه البخاري (4/ 143) حديث (1908، 1913) ومسلم (2/ 759) حديث (4/ 1080) . [ (2) ] البخاري 4/ 151 (1913) ومسلم 2/ 761 (15/ 1080) . [ (3) ] الدارقطني من حديث جابر 2/ 198 وفيه المسور وهو ضعيف وحديث ابن مسعود عند أحمد 1/ 397 وأبو داود 2/ 297 والترمذي 3/ 73 (689) . [ (4) ] أحمد 6/ 149 وأبو داود 2/ 298 (2325) والدارقطني 2/ 156. [ (5) ] البخاري 4/ 143 (1906) ومسلم 2/ 759 (3/ 1080) . وأبو داود 2/ 297 (2320) والنسائي 4/ 108 وابن ماجة 1/ 529 (1654) . [ (6) ] أبو داود 2/ 302 (2342) والدارقطني 2/ 156.

يعني: هلال رمضان، قال: «تشهد أن لا إله إلا الله» ؟ قال نعم قال: «تشهد أن محمدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» وفي رواية «وأن محمداً عبده ورسوله» وفي رواية «وأني رسول الله» قال نعم وشهد أنه رأى الهلا، قال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا» [ (1) ] . ورواه أبو داود والنسائي، والدارقطني، عن عكرمة مرسلا [ (2) ] . وروى الدارقطني، عن طاوس، - رحمه الله تعالى- قال «شهدت المدينة وبها ابن عمر، وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- فجاء رجل إلى واليها، فشهد عنده على رؤية الهلال هلال رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه، وقالا: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان، قالا: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 302 (2340) والترمذي 3/ 74 (691) وابن ماجة 1/ 529 (1652) والدارقطني 2/ 157. [ (2) ] أبو داود 2/ 302 (2341) والنسائي 4/ 106 والدارقطني 2/ 159. [ (3) ] الدارقطني 2/ 156 وقال: تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف الحديث.

الباب الثالث في وقت إفطاره - صلى الله عليه وسلم -، وما كان يفطر عليه، وما كان يقوله عند إفطاره وما كان يقوله إذا أفطر عند أحد، وسحوره، وإتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين

الباب الثالث في وقت إفطاره- صلّى الله عليه وسلم-، وما كان يفطر عليه، وما كان يقوله عند إفطاره وما كان يقوله إذا أفطر عند أحد، وسحوره، وإتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين وفيه أنواع: الأول: في وقت إفطاره، وكونه قبل الصلاة. روى مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يعجّل الفطر، ويؤخّر السّحور» [ (1) ] . وروى الشيخان، وأبو داود عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر في شهر رمضان، فلما غابت الشمس قال، «يا بلال: انزل فاجدح لنا، قال: لو انتظرت حتى تمسي» وفي لفظ «أن عليك نهارا» ، قال: «انزل فاجدح لنا» ، قال: يا رسول الله إن عليك نهارا قال: «انزل فاجدح لنا إذا رأيت» ، وفي لفظ «إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، فقد أفطر الصائم» فنزل فجدح لهم فشرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، عن قطبة بن قتادة السدوسي قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفطر إذا غربت الشمس» [ (3) ] . وروى ابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قط يصلي حتى يفطر ولو على شربة ماء [ (4) ] . وروى الطبراني، عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان صائما أمر رجلا يقوم على نشز من الأرض، فإذا قال: «قد وجبت الشمس أفطر» [ (5) ] . وروى الطبراني، برجال الصحيح، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول «إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجّل فطرنا، وأن نؤخر سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 305 (2354) والترمذي 3/ 83 (702) وقال حسن صحيح. والنسائي 4/ 17. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 211 (1941، 1955، 1956، 1958، 5297) ومسلم 2/ 772 (52، 53/ 1101) وأبو داود 2/ 305 (2352) . [ (3) ] أحمد 4/ 78. [ (4) ] انظر المجمع 3/ 155. [ (5) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي فيه الواقدي وهو ضعيف المجمع 3/ 155. [ (6) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 155 رجاله رجال الصحيح.

الثاني فيما كان يفطر عليه - صلى الله عليه وسلم -:

وروى الطبراني، وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر، ولو كان على شربة من ماء» [ (1) ] . الثاني فيما كان يفطر عليه- صلى الله عليه وسلم-: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، والدارقطني وصححه، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء» [ (2) ] . وروى الحارث برجال ثقات، والطبراني، إلا أن فيه انقطاعا عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوم في الصيف ولا يصلي في الصيف المغرب إذا كان صائما حتى آتيه برطب، فيأكل ويشرب ثم يقوم فيصلي، وإذا كان الشتاء أتيته بتمر فيأكل ويشرب، ثم يقوم فيصلي» [ (3) ] . وروى عبد بن حميد، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان الرطب لم يفطر إلا على الرطب وإذا لم يكن الرطب لم يفطر إلا على التمر» [ (4) ] . وروى ابن عدي، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفطر على الرطب، ويتسحر به ويجعله آخر سحوره» [ (5) ] . وروى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحب أن يفطر على ثلاث ثمرات أو شيء لم تصبه النار» [ (6) ] . وروى الطبراني، عن طريق عباد بن كثير عنه أيضاً، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفطر إذا كان صائما على اللبن وجئته بقدح من لبن فوضعه إلى جانبه وهو يصلي» [ (7) ] . وروى الطبراني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان في سفر في رمضان، فأفطر على تمر العجوة» [ (8) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أحمد 3/ 164 وأبو داود 2/ 306 (2356) والترمذي 3/ 79 (696) . [ (3) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 156 فيه من لم أعرفه. [ (4) ] ذكره الحافظ في المطالب (943) والمتقي الهندي في الكنز (18063) . [ (5) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2113. [ (6) ] أبو يعلى وقال الهيثمي 3/ 155 فيه عبد الواحد بن ثابت ضعيف. [ (7) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 156 فيه عباد بن كثير فيه كلام وقد وثق. [ (8) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 156 فيه أحمد بن حفص البلخي لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات.

الثالث: فيما كان يقوله عند إفطاره وما يقوله إذا أفطر عند أحد:

وروى ابن عدي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعجبه أن يفطر قبل أن يصلي، وكان يفطر زمن الرطب على رطبات، وعلى التمر إذا لم يكن رطب فيجعلهنّ وترا ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا» . الثالث: فيما كان يقوله عند إفطاره وما يقوله إذا أفطر عند أحد: روى الطبراني، عن أنس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: «باسم الله اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» [ (1) ] . وروى أبو داود مرسلا، عن معاذ بن زهرة: أنه بلغه أن رسول الله كان إذا أفطر قال: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» [ (2) ] . وروى أبو داود، والنسائي، والدارقطني وحسنه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر، قال: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى» [ (3) ] . وروى الطبراني، والدارقطني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أفطر قال: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبّل إنك أنت السميع العليم» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن أنس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر عند أهل بيت قال: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار وتنزلت عليكم الملائكة» [ (5) ] . «و روى ابن ماجة عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال أفطر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: «أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة» [ (6) ] . وروى أحمد بن منيع، موقوفا وعبد بن حميد مرفوعا واللفظ له بسند صحيح، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا اجتهد في الدعاء لأحد قال: «جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار ليسوا بآثم ولا فجار، يقومون الليل، ويصومون النهار» .

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي فيه داود بن الزبرقان ضعيف المجمع 3/ 156. [ (2) ] أبو داود 3/ 306 (2358) . [ (3) ] أبو داود 2/ 306 (2357) والدارقطني 2/ 185 (25) وأخرجه الحاكم 2/ 422. [ (4) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي فيه عبد الملك بن هارون ضعيف المجمع 3/ 156. [ (5) ] أحمد 3/ 118 والنسائي في السنن الكبرى. [ (6) ] ابن ماجة 1/ 556 (1747) وضعّف إسناده البوصيري في الزوائد.

الرابع: في سحوره وتأخيره إياه:

الرابع: في سحوره وتأخيره إياه: روى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن الحارث، عن رجل من الصحابة، والنسائي عن أبي هريرة قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتسحر، فقال: «إن السحور بركة، أعطاكم الله إياها، فلا تدعوها» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، عن العرباض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- دعاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى السحور في رمضان فقال: «هلم إلى الغداء المبارك» [ (2) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «أمرنا معشر الأنبياء أن نؤخر سحورنا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، والشيخان، والترمذي والنسائي عن أنس عن زيد بن ثابت قال: «تسحرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس بن مالك قلت كم كان قدر ما بينهما قال قدر خمسين آية» [ (4) ] . وروى النسائي عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وذلك عند السحور: «يا أنس إني أريد الصيام أطعمني شيئا» ، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال وقال «يا أنس انظر رجلا يأكل معي» ، فدعوت زيد بن ثابت فجاء، فقال: «إني شربت شربة سويق وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «وأنا أريد الصيام» ، فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أوذنه بالصلاة، وهو يريد الصيام، فشرب ثم ناولني وخرج إلى الصلاة» [ (6) ] . وروى البخاري، عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (7) ] . وروى أحمد بن منيع، وأبو يعلى، برجال ثقات، عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال:

_ [ (1) ] أحمد 5/ 370 والنسائي 4/ 115. [ (2) ] أحمد 4/ 126 وأبو داود 2/ 303 (2344) والنسائي 4/ 119. [ (3) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 155 رجاله رجال الصحيح. [ (4) ] البخاري 4/ 164 (1921) ومسلم 2/ 771 (47/ 1097) والترمذي 3/ 84 (703) وابن ماجة 1/ 540 (1694) . [ (5) ] النسائي 4/ 120 (564) . [ (6) ] ورجاله رجال الصحيح قاله الهيثمي في المجمع 3/ 152. [ (7) ] أخرجه البخاري (577) .

«أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أوذنه بالصلاة، وهو يريد الصيام فشرب، وناولني، ثم خرج إلى الصلاة» . وروى البزار من طريق سوار بن مصعب، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل علقمة بن علاثة على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجعل يأكل معه فجاءه بلال فدعاه إلى الصلاة فلم يجب، فرجع فمكث في المسجد ما شاء الله، ثم رجع فقال: «الصلاة يا رسول الله، قد والله أصبحت، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «رحم الله بلالا لولا بلال لرجونا أن يرخّص لنا ما بيننا وبين طلوع الشمس» قال علي: لولا أن بلالا حلف لأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى يقول له جبريل ارفع يدك» [ (1) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عامر بن مطر- رضي الله تعالى عنه- قال: «تسحرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم قمنا إلى الصلاة» [ (2) ] . وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن علقمة بن سفيان الثقفي، «أنه وفد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان قال: وكان بلال يأتينا بفطرنا وسحورنا ونحن في قبة قد ضربت لنا في المسجد، فيأتينا بفطرنا وإنا لمسفرون جدا وإنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الإسفار فيضع عشاءنا بين أيدينا فيقول: «كلوا» فنقول: بلال رده إنا نرى سفرا فيقول: ما جئتكم حتى أكل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم يضع يده في الطعام، فيلتقم منه ويقول: كلوا ويأتينا بسحورنا وإنا لمستدفئون ونحن نتمارى في الصبح ويقول: كلوا قد كاد الفجر يطلع فنقول: يا بلال قد أصبحنا فيقول: لقد تركت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتسحر فتسحروا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يريد أن يصوم، وما صام شهرا متتابعا غير رمضان منذ قدم المدينة» [ (4) ] . وروى النسائي، عن زر بن حبيش قال: قلت لحذيفة «أيّ ساعة تسحرت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع» [ (5) ] .

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 1/ 465 (980) وفي إسناده سوار بن مصعب وهو ضعيف. [ (2) ] الطبراني في الكبير المجمع 3/ 153. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 466 (981) والطبراني في الكبير والأوسط المجمع 3/ 152. [ (4) ] البخاري 3/ 50 مسلم في الصيام حديث (174) وأحمد 1/ 241 وأبو داود 2/ 323 (2430) والنسائي في الصيام باب 69 وابن ماجة (1711) . [ (5) ] النسائي 4/ 116.

الخامس. في إتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين:

الخامس. في إتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين: روى الدارقطني، والبيهقي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-: قالت «أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صائما صبح ثلاثين يوما فرأى هلال شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى» [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال في الهدي: «وإنما خص- صلى الله عليه وسلّم- الفطر بما ذكر لأن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله، وانتفاع القوى به، لا سيما القوة الباصرة وحلاوة المدينة التمر، ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم، ورطبه فاكهة وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده» . الثاني: في بيان غريب ما سبق: السّحور- بفتح السين المهملة: ما يتسحر به من الطعام، والشراب. الجدح- بجيم ثم دال مهملة ثم حاء مهملة: خلط الشيء بغيره، والمراد خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي، ومعنى الحديث: أنه- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا صياما، فلما غربت الشمس أمره- صلى الله عليه وسلّم- بالجدّح ليفطروا، فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي تبقى بعد غروب الشمس، فظن أنّ الفطر لا يحصل إلا بعد ذهاب ذلك، واحتمل عنده أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه، ويؤيد هذا قوله: «إن عليك نهارا لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار يجب صومه» ، وهو معنى في الرواية الأخرى: لو أمسيت، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم الأكل فيه، مع تجويزه أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء قاله النووي. النّشر: بنون مفتوحة، فمعجمة ساكنة فزاي: المكان المرتفع، وجبت الشمس: غابت. حسا- بحاء، فسين مهملتين مفتوحتين: شرب، والحسوة بالضم: الجرعة من الشراب، بقدر ما يحسى مرة واحدة، وبالفتح: المرة. الظمأ- بظاء معجمة مشالة فميم فهمزة العطش. الأبرار- بهمزة مفتوحة، فموحدة ساكنة، فراءين بينهما ألف جمع بار، وكثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد. علاثة- بعين مهملة مضمومة، فلام، فألف فمثلثة: سمن وأقط يخلط وكل شيئين خلطا. [ (1) ] الدارقطني 2/ 173.

الباب الرابع فيما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم

الباب الرابع فيما كان يفعله- صلّى الله عليه وسلم- وهو صائم وفيه أنواع: الأول: في احتجامه- صلى الله عليه وسلّم-: روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم» [ (1) ] . وروى ابن أبي عاصم في كتاب «الصيام» له عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- احتجم وهو صائم. وروى الدارقطني، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لسبع عشرة خلت من رمضان بعد ما قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» [ (2) ] . وروى أبو يعلى- بسند ضعيف- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو صائم محرم فغشي عليه فنهى الناس يومئذ أن يحتجم الصائم كراهة الضعف» [ (3) ] . الثاني: في اكتحاله- صلى الله عليه وسلّم- وهو صائم: روى ابن ماجة، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «اكتحل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو صائم» [ (4) ] . وروى أبو يعلى، وابن أبي عاصم، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من بيت حفصة، وقد اكتحل بالإثمد في رمضان. وروى أبو نعيم عنه- قال: «انتظرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يخرج في رمضان إلينا فخرج من بيت أم سلمة وقد كحلته وملأت عينيه كحلا» . وروى أبو يعلى، وابن عدي، عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكتحل وهو صائم» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد 1/ 215 والبخاري (4/ 205) حديث (1938) وأبو داود 2/ 309 (2373) والترمذي 3/ 146 (775) والنسائي في السنن الكبرى وابن ماجه 1/ 537 (1682) . [ (2) ] الدارقطني 2/ 183. [ (3) ] انظر المجمع 3/ 170. [ (4) ] ابن ماجة 1/ 536 (1678) وضعفه البوصيري في الزوائد. [ (5) ] الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف المجمع 3/ 167.

الثالث: في اغتساله بعد الفجر وهو صائم:

وروى الطبراني، عن بريرة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكتحل بالإثمد وهو صائم» . الثالث: في اغتساله بعد الفجر وهو صائم: روى الأئمة عن عائشة، وأم سلمة- رضي الله تعالى عنهما- قالتا: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان فيغتسل ويصوم ولا يقضي» [ (1) ] . وروى الشيخان، وأبو داود، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصبح جنبا في رمضان من جماع- غير احتلام- ثم يصوم» [ (2) ] . وروى الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، ومسلم، وأبو داود، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رجلا جاء إلى الرسول- صلى الله عليه وسلّم- يستفتيه وهو يسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب أفأصوم؟، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» ، فقال: لست مثلنا يا رسول الله- قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي» [ (3) ] . وروى الطبراني، عن عقبه بن عامر، وفضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يصبح جنبا ثم يستحم فيصوم» [ (4) ] . الرابع: في سواكه- صلّى الله عليه وسلم- وهو صائم: روى الإمام أحمد، والبخاري- تعليقا- ومسدد، والترمذي- وحسنه- والدارقطني، وأبو داود، عن عامر بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما لا أعد وما لا أحصي يتسوّك وهو صائم» [ (5) ] . وروى أحمد بن منيع برجال ثقات، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تسوّك وهو صائم» .

_ [ (1) ] البخاري 4/ 180، 181 (1925، 1930، 1931، 1932) ومسلم 2/ 779 (80/ 1109) وأبو داود 2/ 312 (2388) والترمذي 3/ 149 (779) وابن ماجة 1/ 544 (174) . [ (2) ] انظر المصادر السابقة. [ (3) ] أحمد 6/ 67 ومسلم في الصيام (79) وأبو داود 2/ 312 (2389) والبيهقي 4/ 215. [ (4) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3/ 149 فيه جماعة لم أجد من ذكرهم. [ (5) ] أحمد 3/ 445 والترمذي 3/ 104 (725) وأبو داود 2/ 307 (2364) والدارقطني 2/ 202 والبخاري معلقا بصيغة الجزم 4/ 187 وانظر شرح السنة 3/ 492.

الخامس: في تقيئه - صلى الله عليه وسلم - في النفل:

الخامس: في تقيّئه- صلى الله عليه وسلّم- في النفل: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حسن صحيح- والدارقطني، وابن ماجة، عن معدان بن طلحة، أن أبا الدرداء حدثه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قاء فأفطر، فلقيت ثوبان مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مسجد دمشق فقلت: إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قاء فأفطر، قال: صدق وأنا صببت له وضوءه» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرج عليهم في يوم كان يصومه فدعا بإناء فشرب، فقلنا يا رسول الله: هذا يوم كنت تصومه قال: «أجل ولكن قئت» [ (2) ] . وروى الدارقطني- بسند ضعيف- عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صائما في غير رمضان، فأصابه غمّ آذاه فتقيأ فدعا بوضوء فتوضأ ثم أفطر، فقلت يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء؟ قال «لو كان فريضة لوجدته في القرآن» ، ثم صام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغد فسمعته يقول: هذا مكان إفطار أمس» [ (3) ] . السادس: في تقبيله- صلى الله عليه وسلّم- بعض نسائه وهو صائم: روى الإمامان: مالك، والشافعي، والشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليقبّل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، والدارقطني عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه» [ (5) ] . وروى أبو داود عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها وهو صائم ويمصّ لسانها وهو صائم» [ (6) ] . وروى مسلم عن عمر بن أبي سلمة، أنه سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أيقبّل الصائم؟ فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «سل هذه- لأم سلمة-» ، فأخبرته: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصنع ذلك،

_ [ (1) ] أحمد 5/ 195 وأبو داود 2/ 310 (2381) والترمذي 3/ 99 (720) . [ (2) ] أحمد 6/ 18 وابن ماجة 1/ 535 (1675) وقال البوصيري في الزوائد في إسناده محمد بن إسحاق مدلس وقد روى بالعنعنة والحديث منقطع. [ (3) ] الدارقطني 2/ 184 وقال عتبة بن السكن متروك الحديث. [ (4) ] البخاري 4/ 180 (1928) ومسلم 2/ 776 (62/ 1106) . [ (5) ] البخاري 4/ 176 (1927، 1928) ومسلم 2/ 777 (65/ 1106) وأحمد 6/ 42. [ (6) ] أبو داود 2/ 213 (2386) .

السابع: في صبه - صلى الله عليه وسلم - الماء على رأسه في شدة الحر وهو صائم:

فقال يا رسول الله قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له» [ (1) ] . وروى مسلم، وابن ماجة، عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، عن أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقبل وهو صائم» [ (3) ] . السابع: في صبه- صلى الله عليه وسلّم- الماء على رأسه في شدة الحر وهو صائم: روى الإمام أحمد، وأبو داود عن رجل من الصحابة- رضي الله عنهم- قال رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم. الثامن: في وصاله- صلى الله عليه وسلّم-: روى الإمامان: مالك، [والشافعي] وأحمد، والشيخان، وأبو داود عن عمر- والإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، عن أنس- والشيخان عن عائشة، والإمام أحمد، والإمام مالك، والبخاري، وأبو داود، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- والإمام أحمد والبخاري، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد، عن بشير بن الخصاصية- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واصل فواصل الناس، فشق عليهم، فنهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يواصلوا، فقالوا: إنك تواصل، قال: «إني لست كهيئتكم إني أظل» وفي لفظ «أبيت أطعم وأسقى» وفي لفظ «إني أظل يطعمني ربي ويسقيني» وفي لفظ «إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني» [ (4) ] .

_ [ (1) ] مسلم (2/ 779) حديث (74/ 1108) . [ (2) ] مسلم 1/ 778- 779 (73/ 1107) وابن ماجه 1/ 538 (1685) . [ (3) ] أحمد 6/ 325. [ (4) ] من حديث ابن عمر أخرجه أحمد 2/ 143 والبخاري 4/ 238 (1962) ومسلم (2/ 774) حديث (55، 56/ 1102) وأبو داود 2/ 306 (2360) . ومن حديث أنس عند أحمد 3/ 200، والبخاري 4/ 338 (1961) ومسلم 2/ 775) (59/ 60/ 1104) والترمذي 3/ 148 (778) . ومن حديث أبي هريرة عند أحمد 2/ 253 والبخاري (4/ 242) حديث (1965، 6851) ومن حديث عائشة عند البخاري (4/ 238) حديث (1964) ومسلم (2/ 776) حديث (61/ 1105) وحديث أبي سعيد أخرجه أحمد 3/ 8 والبخاري 4/ 238 (1963، 1967) وأبو داود 2/ 307 (2361) وحديث بشير ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 158 وقال ليلى- امرأة بشير- لم أجد من ذكرها.

التاسع: في زيادته - صلى الله عليه وسلم - في فعل الخير في رمضان:

وروى الإمام أحمد، والطبراني، برجال الصحيح، عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يواصل إلى السحر» [ (1) ] . ورواه الطبراني بسند حسن، عن جابر بن عبد الله [ (2) ] . التاسع: في زيادته- صلى الله عليه وسلّم- في فعل الخير في رمضان: روى الطبراني والبزار، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل» [ (3) ] . رواه ابن سعد عن ابن عباس وعائشة [ (4) ] . وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه القرآن، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة» [ (5) ] . والله أعلم. تنبيهات الأول: أحاديث «أفطر الحاجم والمحجوم» قال بها جماعة من الصحابة، والتابعين وغيرهم، ومعناه عند بعضهم: عرّضا صيام أنفسهما للإفطار ... وقال بعضهم: إن ذلك منسوخ واحتجوا بأحاديث منها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- احتجم في حجة الوداع، وهو صائم محرم، وما عاش بعدها إلا قليلا. واعترض ابن خزيمة بأن في هذا الحديث أنه كان صائما محرما. قال: ولم يكن محرما مقيما ببلده، إنما كان محرما وهو مسافر، والمسافر إن كان ناويا للصوم، فمضى عليه بعض النهار وهو صائم أبيح له الأكل. الثاني: الوصال. عبارة عن صوم يومين فصاعدا من غير أكل أو شرب بينهما وقوله: «أظل يطعمني ربي ويسقيني قيل معناه: يجعل الله تعالى فيّ قوة الطاعم الشارب وقيل هو على

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3/ 158 رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] انظر المصدر السابق. [ (3) ] البزار كما في الكشف 1/ 460 (968) وضعفه الهيثمي 3/ 150. [ (4) ] الطبقات 1/ 92. [ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 5، 2/ 33 ومسلم في الفضائل حديث (48، 50) وأحمد 4/ 305 والترمذي في الشمائل 9/ 102 وابن سعد 1/ 2/ 93.

ظاهره، وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول: لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلا. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الحجامة. الاكتحال. القيء. الإرب- بهمزة مكسورة فراء فموحدة: الفرج والعقل والدين والحاجة والفكر والخبث والعائلة والعضو. والمراد هنا الفرج.

الباب الخامس في إفطاره - صلى الله عليه وسلم - في رمضان في السفر وصومه فيه:

الباب الخامس في إفطاره- صلّى الله عليه وسلم- في رمضان في السفر وصومه فيه: روى أبو يعلى، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «سافر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان فصام وأفطر» [ (1) ] . وروى أيضا عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم في السفر ويفطر [ (2) ] . وروى الترمذي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: «غزونا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في رمضان غزوتين: يوم بدر، والفتح فأفطرنا فيهما» [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي، ومسلم، وابن ماجه، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء فوضعه على يده وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا ولحقه من وراءه رفع الإناء إلى فيه فشرب، وذلك بعد العصر، فقيل له بعد ذلك: أن بعض الناس قد صام، فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» [ (4) ] . وروى الإمام الشافعي، والشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج عام الفتح في رمضان فصام، حتى بلغ الكديد، ثم أفطر فأفطر الناس معه، وكانوا يأخذون بالأحداث من أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» [ (5) ] . وروى الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: «تقوّوا لعدوّكم» وصام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر الذي حدثني قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «بالعرج» يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر، ثم قيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله إن

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3/ 159 له طريق رجالها ثقات كلهم. [ (2) ] انظر المجمع 3/ 158. [ (3) ] الترمذي 3/ 93 (714) وقال حديث عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه. [ (4) ] الشافعي في المسند (1/ 268) حديث (712) ومسلم (2/ 785) حديث (90/ 1114) والترمذي 3/ 86 (710) . [ (5) ] البخاري 4/ 213 (1948، 1953) (4275) ومسلم 2/ 784 (88/ 1113) .

طائفة من الناس قد صاموا حين صمت قال فلما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس [ (1) ] . وروى الشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس» . وفي رواية لمسلم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهارا ليراه الناس، فأفطر حتى بلغ مكة، وذلك في رمضان، وكان ابن عباس يقول: «قد صام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر» [ (2) ] . وروى أبو يعلى، والإمام أحمد بسند صحيح، وابن حبان، عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر على نهر من ماء السماء في يوم صائف والمشاة كثير، والناس صيام، والنبي- صلى الله عليه وسلم- علي بغلة له، فوقف عليه حتى إذا تتامّ الناس قال: «يا أيها الناس اشربوا» ، فجعلوا ينظرون ما يصنع، قال: «إني لست مثلكم إني راكب وأنتم مشاة، قال فجعلوا ينظرون فلما أبوا حول وركه» وفي رواية: فثنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخذه فنزل فشرب وشرب الناس، وما أراد أن يشرب [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «سافرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في رمضان حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارا ليراه الناس، وأفطر حتى قدم مكة، وكان ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- يقول: «صام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في السفر، وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر» . وروى الإمام أحمد، والشيخان، عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعبد الله بن رواحة [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصوم في السفر ويفطر» [ (5) ] .

_ [ (1) ] الشافعي في المسند (1/ 269) (713) . [ (2) ] البخاري (4/ 186) حديث (1948) ومسلم (2/ 785) حديث (88/ 1113) . [ (3) ] أحمد 3/ 21 وأبو يعلى 3/ 338 (106/ 1080) . [ (4) ] أحمد 5/ 194 والبخاري 4/ 215 (1945) ومسلم (2/ 790) حديث (109/ 1122) . [ (5) ] تقدم.

وروى الدارقطني، عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم في السفر ويفطر» [ (1) ] . وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «وافق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رمضان في سفره، فصام، ووافق رمضان في سفره فأفطر» [ (2) ] . وروى الحاكم، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان إلى خيبر، والناس مختلفون، فصائم، ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن، أو من ماء فوضعه على راحلته، أو راحته، ثم نظر الناس فقال المفطرون للصوام: أفطروا، وقال: قال عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام الفتح، قال الحافظ الضياء المقدسي في «الأحكام» : والصحيح: عام الفتح، وقول من قال خيبر وهم من قائله» [ (3) ] .

_ [ (1) ] الدارقطني 2/ 189. [ (2) ] الدارقطني وضعفه 2/ 190. [ (3) ] بنحوه عند الشافعي في المسند 1/ 269 (714) .

الباب السادس في صومه - صلى الله عليه وسلم - التطوع

الباب السادس في صومه- صلّى الله عليه وسلّم- التطوع وفيه أنواع: الأول: في نيته- صلى الله عليه وسلّم- صوم التطوع نهارا. روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، ومسلم، والأربعة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: «هل عندكم من شيء؟» فقلنا لا قال: «فإني صائم» ، فلما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلت يا رسول الله: أهديت لنا هدية وجاءنا زور، وقد خبأت لك شيئا، قال «ما هو؟» قلت: حيسا، قال: «هاتيه» ، فجئت به فأكل، قال: «قد كنت أصبحت صائما» [ (1) ] . الثاني: في صيامه على سبيل الإجمال: روى الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفطر من الشهر حتى نظن ألا يصوم، ويصوم حتى نظن ألا يفطر منه شيئا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، برجال ثقات- إلا عثمان بن سعيد ضعفه ابن معين، ووثقه ابن حبّان- عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم فلا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يفطر العام، ثم يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان» [ (3) ] . وروى مسلم، والبرقاني، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم حتى يقال: صام، ويفطر حتى يقال: أفطر» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم» [ (5) ] . وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، عن عائشة- رضي الله تعالى

_ [ (1) ] أحمد 6/ 207 ومسلم (2/ 808) حديث (169، 170/ 1154) وأبو داود 2/ 329 (2455) والترمذي 3/ 111 (734) والنسائي 4/ 163 وانظر شرح السنة 3/ 477. [ (2) ] أحمد 3/ 179 والترمذي (769) . [ (3) ] أحمد 3/ 236 وأبو يعلى 6/ 240 (3535) . [ (4) ] أخرجه مسلم في الصوم حديث (1158) وأحمد 3/ 104، 179، 236. [ (5) ] أخرجه أحمد 1/ 227 والبخاري (4/ 251) حديث (1969) ومسلم (2/ 811) حديث (174/ 175/ 1156) .

الثالث: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صيامه يوم عاشوراء:

عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم» [ (1) ] . وروى النسائي، وأبو يعلى، عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر، ويفطر فيقال لا يصوم» [ (2) ] . وروى الشيخان، والنسائي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: ما صام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهرا كاملا غير رمضان، وكان يصوم حتى يقول القائل لا والله ما يفطر، ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم، زاد النسائي «وما صام شهرا متتابعا غير رمضان منذ قدم المدينة» [ (3) ] . الثالث: في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في صيامه يوم عاشوراء: روى الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصومه في الجاهلية- فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه» [ (4) ] . وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد والشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «إن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء وأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صامه والمسلمون قبل أن ينزل فرض رمضان، فلما افترض رمضان، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إن عاشوراء من أيام الله فمن شاء صامه، ومن شاء تركه» [ (5) ] . وروى مسلم عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده» فلما فرض رمضان لم يأمرنا، ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده [ (6) ] . وروى ابن أبي عاصم، وابن منده، عن رزينة خادم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رضي الله تعالى

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 153 والبخاري 4/ 251 حديث (1969) ومسلم (2/ 810) حديث (172/ 1156) وأبو داود 2/ 324 (2434) والبغوي في شرح السنة 3/ 511. [ (2) ] النسائي 4/ 171. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] البخاري 4/ 287 حديث (2002) ومسلم (2/ 792) حديث (113/ 1125) وأبو داود 2/ 326 (2442) والترمذي 3/ 127 (753) وابن ماجة (1733) . [ (5) ] أحمد 2/ 143 وانظر التخريج السابق. [ (6) ] مسلم (2/ 794) حديث (125/ 1128) .

عنها- قالت: إن كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليصومه- يعني عاشوراء، ويأمرنا بصيامه، حتى إن كان ليدعو بصبيانه وصبيان فاطمة المراضع في ذلك اليوم، فيتفل في أفواههم، ويقول لأمهاتهم: لا ترضعوهم إلى الليل وكان ريقه يجزئهم» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: «ما هذا اليوم؟» قالوا: يوم صالح نجّا الله عز وجل فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «نحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوم من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال: «ما هذا من الصوم؟» قالوا: هذا يوم نجّى الله فيه موسى، وبني إسرائيل من الغرق، وأغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكرا لله عز وجل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أحق بموسى ونوح، وأحق بصيام هذا اليوم، فأمر أصحابه بالصوم» [ (3) ] . وروى الشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء- وهذا الشهر يعني شهر رمضان» [ (4) ] . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، والبزار عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصوم عاشوراء ويأمر به» [ (5) ] . وروى الطبراني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتوخى فضل صوم يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء» [ (6) ] . وروى مسلم، والبرقاني، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لئن بقيت» وفي لفظ «أن عشت- إن شاء الله- إلى قابل لأصومن التاسع»

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3/ 86 هذا الخبر روته عليلة عن أمها رزينة وعليلة ومن فوقها لم أجد من ترجمهن. [ (2) ] أحمد 1/ 291 والبخاري 4/ 287 حديث (2004) ومسلم (2/ 795) حديث (127/ 1130) وأبو داود 2/ 326 (2444) وابن ماجة 1/ 352 (1734) . [ (3) ] أحمد في المسند 2/ 359. [ (4) ] البخاري (4/ 287) حديث (2006) ومسلم (2/ 797) حديث (131/ 1132) . [ (5) ] البزار كما في الكشف 1/ 490 (1044) وفيه جابر الجعفي ضعيف. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 186.

الرابع: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - رجب وشعبان:

قاله مخافة أن يفوته عاشوراء، وفي لفظ: «مخافة أن يفوتني» يعني: عاشوراء وأمر بصيامه، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (1) ] . الرابع: في صيامه- صلى الله عليه وسلّم- رجب وشعبان: روى الطبراني، من طريق يوسف بن عطية الصفار، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يتم صوم شهر بعد رمضان إلا رجب وشعبان» [ (2) ] . وروى الإمامان مالك وأحمد والشيخان والأربعة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان ولفظ ابن ماجة: لم أره صام من شهر قط أكثر من صيامه في شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا. وفي رواية: «كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله حتى يصله برمضان» [ (3) ] . وروى النسائي عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان ورمضان» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي- وحسنه- والنسائي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عنها قالت: «لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان كان يصل شعبان برمضان» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» ، وفي لفظ «يعرض عملي» [ (7) ] . وروى أبو نعيم في «المعرفة» عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يدع صيام يوم الاثنين والخميس» ، فقيل يا رسول الله: ما نراك تدع صيام هذين اليومين؟ قال: «هما يومان

_ [ (1) ] مسلم (2/ 797) حديث (133/ 1134) وأبو داود 2/ 327 (2445) . [ (2) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3/ 191 فيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف. [ (3) ] أحمد في المسند 6/ 39 والبخاري 4/ 251 (1969) ومسلم (2/ 810) (172/ 1156) وأبو داود 2/ 300 (2336) والنسائي 4/ 170 والترمذي 3/ 113 (736) وابن ماجة 1/ 528 (1649) . [ (4) ] النسائي 4/ 169. [ (5) ] أحمد 6/ 293 والترمذي 3/ 113 (736) والنسائي 4/ 170. [ (6) ] أحمد 6/ 300 والنسائي 4/ 170 وابن ماجة 1/ 528 (1648) . [ (7) ] أحمد في المسند 5/ 201 والنسائي 4/ 171.

الخامس: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - عشر ذي الحجة، والمراد بها: الأيام التسعة من أول ذي الحجة:

تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض لي فيهما عمل صالح» [ (1) ] . وروى أبو يعلى- بإسناد حسن- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يصوم شعبان كله، قلت يا رسول الله: أحب الشهور إليك أن تصومه شعبان» قال: «إن الله يكتب كل نفس منية تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم» [ (2) ] . وروى الحارث بن أبي أسامة، عن كثير بن مرّة- رحمه الله تعالى- مرسلا: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن ربّكم- عز وجل- يطلع ليلة النصف من شعبان إلى خلقه، فيغفر لهم كلهم، إلا أن يكون مشركا، أو مصارما» ، قال: وما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم شعبان، فيدخل رمضان، وهو صائم. الخامس: في صيامه- صلى الله عليه وسلّم- عشر ذي الحجة، والمراد بها: الأيام التسعة من أول ذي الحجة: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- وسماها في رواية النسائي: حفصة، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم تسع ذي الحجة» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن حفصة- رضي الله تعالى عنه- قالت: «أربع لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدعهن: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صائما في العشر قط» [ (5) ] . وروى الطبراني، من طريق إبراهيم بن إسحاق الصّيني، عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا فاته شيء من رمضان قضاه في عشر ذي الحجة» [ (6) ] . وروى الشيخان، عن أم الفضل بنت الحارث- رضي الله تعالى عنها- «أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة، في صيام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال بعضهم هو صائم، وقال بعضهم: ليس

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 201. [ (2) ] قال الهيثمي 3/ 192 فيه مسلم بن خالد الزنجي وفيه كلام وقد وثق. [ (3) ] أحمد في المسند 5/ 171 والنسائي 4/ 190. [ (4) ] أحمد 6/ 287 والنسائي 4/ 189. [ (5) ] أبو داود 2/ 325 (2439) والترمذي 3/ 129 (756) وابن ماجة 1/ 551 (1729) . [ (6) ] الطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي 3/ 179 فيه إبراهيم بن إسحاق ضعيف.

السادس: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - الأسبوع والأيام البيض:

بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه» [ (1) ] . وروى الشيخان، عن ميمونة بنت الحارث- رضي الله تعالى عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: «إن الناس شكّوا في صيام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم عرفة فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللّبن، وهو واقف في الموقف، فشرب منه والناس ينظرون إليه» [ (2) ] . وروى ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «حججت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة، ومع أبي بكر، ومع عثمان، فلم يصوموه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه» [ (3) ] . السادس: في صيامه- صلى الله عليه وسلّم- الأسبوع والأيام البيض: وروى الإمام أحمد، والترمذي- وحسنه- وابن ماجة، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصوم الاثنين، والخميس، قيل يا رسول الله: إنك تصوم الاثنين والخميس؟ فقال: «إن يوم الاثنين والخميس، يغفر الله تعالى فيهما لكل مسلم، إلا كل متهاجرين يقول: دعهما حتى يصطلحا، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» [ (4) ] . وروى الترمذي- وحسنه- والنسائي، وابن ماجة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يتحرى صيام الاثنين، والخميس» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله: تصوم لا تكاد تفطر، وتفطر لا تكاد تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما؟، قال: «أي يومين» ؟ قلت: يوم الاثنين، ويوم الخميس قال: «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» [ (6) ] . وروى مسلم، عن أبي قتادة قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عن صوم الاثنين، فقال: «فيه ولدت، وفيه أنزل علي» [ (7) ] . وروى النسائي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يفطر الأيام البيض في حضر ولا سفر» [ (8) ] .

_ [ (1) ] البخاري 4/ 278 حديث (1988) ومسلم 2/ 791 حديث (110/ 1123) . [ (2) ] البخاري 4/ 278 (1989) ومسلم (2/ 791) حديث (112/ 1124) . [ (3) ] الترمذي 3/ 125 (751) . [ (4) ] الترمذي 3/ 122 (747) وابن ماجة 1/ 553 (1740) . [ (5) ] الترمذي 3/ 121 (745) والنسائي 4/ 172 وابن ماجة 1/ 553 (1739) . [ (6) ] أحمد 5/ 201 وأبو داود 2/ 325 (2436) والنسائي 4/ 171. [ (7) ] مسلم (2/ 818) حديث (196، 197، 198/ 1161) وانظر البغوي في الشرح 3/ 525. [ (8) ] النسائي 4/ 168.

وروى الإمام أحمد عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدع صيام الأيام البيض من كل شهر [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن معاذة العدويّة- رحمها الله تعالى- قالت: «سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- أكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، قلت لها: أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، الاثنين، والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى» [ (3) ] . وروى النسائي، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام: الاثنين والخميس من هذه الجمعة، والاثنين من المقبلة» ، وفي رواية له: «أول اثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، وأبو داود، عن هنيدة بن خالد الخزاعي عن امرأته عن بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، أول اثنين من الشهر، وخميسين» . «لفظ أبي داود: والخميس. قال ابن الجوزي: هذا الحديث معروف لحفصة بنت عمر» [ (5) ] . وروى الترمذي وحسنه، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصوم من الشهر: السبت، والأحد، والاثنين، ومن الشهر الآخر: «الثلاثاء، والأربعاء، والخميس» [ (6) ] . وروى البزار، عن ابن عباس والبزار وأبو يعلى، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قالا: «لم ير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مفطرا في يوم جمعة قط» «سندهما ضعيف» [ (7) ] .

_ [ (1) ] لم أجده في مظانه من المسند. [ (2) ] أحمد 6/ 145 ومسلم (2/ 818) حديث (194/ 1160) وأبو داود 2/ 328 (2453) والترمذي 3/ 135 (763) وابن ماجة 1/ 545 (1709) . [ (3) ] أحمد 6/ 287 وأبو داود 2/ 328 (2451) . [ (4) ] النسائي 4/ 190. [ (5) ] أحمد في المسند 6/ 289 وأبو داود 2/ 328 (2452) والنسائي 4/ 190. [ (6) ] الترمذي 3/ 122 (746) . [ (7) ] البزار كما في الكشف 1/ 499 (1071) وانظر المجمع 3/ 200.

خاتمة:

خاتمة: حاصل الأحاديث التي تقدمت: أن صومه- صلّى الله عليه وسلم- من الشهر كان على أوجه: الأول: «أنه كان يصوم الاثنين والخميس والاثنين» . الثاني: «أنه كان يصوم أول اثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه» . الثالث: «أنه كان يصوم من الشهر: السبت، والأحد، والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء، والأربعاء والخميس» . الرابع: «أنه كان يصوم ثلاثة من أول الشهر» . الخامس: «كان يصوم ثلاثة غير معيّنة» . السادس: «كان يصوم الأيام البيض: ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر، وسميت هذه الثلاثة أيام بذلك، لأن القمر يكون فيها من أول الليل إلى آخره، وليس في الشهر يوم أبيض كله، إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض، ونهارها أبيض، فصح قول من قال: الأيام البيض على الوصف، واليوم الكامل هو النهار بليلته وفيه رد لقول الجواليقي من قال: الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ من قاله. تنبيهات الأول: في سبب صيام قريش في الجاهلية يوم عاشوراء: روي عن عكرمة- رحمه الله تعالى- قال: «أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا عظيما، فتعاظم في صدورهم فسألوا ما توبتهم؟ قيل صوم عاشوراء» . الثاني: قول عائشة «فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة أي سفر الهجرة- كما صرح به العلماء- زعم بعض من يطلب العلم من أهل زماننا، أنه سفر غيره، وأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصمه إلا سنة واحدة قبل موته، وهذا كلام غير صواب، لم يسبق قائله إليه أحد من العلماء» . الثالث: روى مسلم، والبرقاني، عن الحكم بن الأعرج، قال «سألت ابن عباس عن عاشوراء، فقال: عن أيّ حالها تسأل؟ قلت عن صيامه، أيّ يوم أصومه؟، قال: إذا رأيت هلال المرحم فاعدد ثم أصبح من يوم تاسعه صائما، فقلت أكذلك كان يصومه؟ قال: نعم» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (2/ 797) حديث (132/ 1133) وانظر شرح السنة 3/ 517.

الرابع: استفيد من حديث عائشة: تعيين الوقت الذي وقع فيه بصيام عاشوراء، وهو أول قدومه المدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية. وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، ثم فوض الأمر بصومه إلى رأي المتطوع. الخامس: استشكل بعضهم حديث ابن عباس، بأنه- صلى الله عليه وسلم- إنما قدم المدينة في شهر ربيع الأول، فكيف يقول ابن عباس أنه قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء؟. وأجاب ابن القيّم: بأنه ليس في الحديث أن يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنه قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشره، ولكن أول علمه بذلك ووقوع القصة في اليوم الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة. قال الحافظ: غايته أن في الكلام حذفا: تقديره قدّم عليه الصلاة والسلام المدينة، (فأقام إلى يوم عاشوراء) فوجد اليهود صياما (ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية) . السادس: قال في حديث: كان يصوم شعبان إلا قليلا أي: يصوم معظمه. ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر، أن يقول: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى فاشتغل ببعض أمره، قال الترمذي: كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك. وحاصله: أن الرواية الأولى: مفسّرة للثانية، ومخصصة لها، وأن المراد بالكل الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال، واستبعده الطيبي، وقال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة، ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان. وقال ابن المنير: إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة، والمراد الأكثر، وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول. فأخبرت عن أول أمره: أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله. قال الحافظ: ولا يخفى تكلّفه، والأول هو الصواب.

الباب السابع في اعتكافه - صلى الله عليه وسلم - وشدة اجتهاده في العشر الأخير من رمضان وتحريه ليلة القدر

الباب السابع في اعتكافه- صلى الله عليه وسلّم- وشدة اجتهاده في العشر الأخير من رمضان وتحريه ليلة القدر روى الطيالسي، والحارث- بسند حسن- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتكف هو وخديجة شهرا فوافق ذلك رمضان. الحديث» . وروى الجماعة عنها، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشدّ المئزر» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، ومسلم عنها، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عنها: قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر وشمر» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان عنها، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله» [ (4) ] . وروى الشيخان عنها، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان، فإذا صلّى الغداة دخل مكانه الذي يعتكف فيه، وأنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه فضرب، فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها، فضربت فيه قبّة، فسمعت حفصة فضربت قبّة، وسمعت زينب فضربت قبّة أخرى فلما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الغداة أبصر أربع قباب، فقال: «ما هذا؟» فأخبر خبرهن، فقال: «ما حملهنّ على هذا؟ البر؟» وفي رواية: «البر أردن بهذا» وفي لفظ مرة واحدة، «ما أنا بمعتكف انزعوها فلا أراها» فنزعت، وأمر بخبائه فقوض، فلم يعتكف حتى اعتكف في آخر العشر من شوال» ، وفي رواية: «حتى اعتكف في العشر الأول من شوال، وفي رواية: اعتكف عشرين من شوال» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى- بسند حسن- عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوقظ أهله في العشر الأخير من رمضان، ويرفع المئزر» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 316 (2024) ومسلم (2/ 832) حديث (7/ 1174) وأبو داود 2/ 50 (1376) والنسائي (3/ 177) وابن ماجة 1/ 562 (1768) . [ (2) ] مسلم (2/ 832) حديث (8/ 1175) وأحمد 6/ 82 والترمذي 3/ 161 (796) . [ (3) ] أحمد 6/ 146. [ (4) ] البخاري 4/ 318 (2025) ومسلم (2/ 831) حديث (5/ 1172) وأحمد 6/ 160. [ (5) ] البخاري 4/ 323 حديث (2033) ومسلم 2/ 831 حديث (6/ 1173) . [ (6) ] أحمد 1/ 132 وأبو يعلى 1/ 243 (22/ 282) .

وروى البخاري، وأبو داود والنسائي، عن نافع، عن ابن عمر قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان» [ (1) ] . وروى الطبراني، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأواخر، طوى فراشه، واعتزل النساء [وجعل عشاءه سحورا] [ (2) ] . وروى ابن ماجه، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف طرح له فراشه أو يوضع له سريره، وراء أسطوانة التّوبة» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاما فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر سنة فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوما» [ (6) ] . وروى الإمام مالك، والجماعة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أنها كانت ترجل النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» ، زاد أبو داود وكان يمر بالمريض فيمر ولا يعرّج يسأل عنه» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد، عن أبي ليلى عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اعتكف في قبة من خوص» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4/ 318) حديث (2025) وأبو داود (2465) . [ (2) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3/ 174 فيه حفص بن واقد له أحاديث منكرة. [ (3) ] ابن ماجة 1/ 564 (1774) . [ (4) ] أحمد 2/ 336، 355 والبخاري 8/ 600 حديث (4998) (2044) وأبو داود 2/ 332 (2466) وابن ماجة 1/ 562 (1769) والدارمي 2/ 37. [ (5) ] الترمذي 3/ 166 (803) (2463) وابن ماجة (1770) . [ (6) ] أحمد 5/ 141 وأبو داود حديث (2463) . [ (7) ] البخاري 2/ 333 (2469) والترمذي 3/ 167 (804) وابن ماجة 1/ 565 (1778) . [ (8) ] أحمد 4/ 348.

وروى الطبراني من طريق النّضر بن يزيد البهرتيري، يحرر حاله عن معيقيب- رضي الله تعالى عنه- قال: «اعتكف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قبة من خوص بابها من حصير، والناس في المسجد» [ (1) ] . وروى الإمام مالك، عن ابن شهاب- رحمه الله تعالى- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يذهب لحاجة الإنسان في البيوت وهو معتكف» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، عن صفية- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي يقلبني» [ (3) ] . وروى مسلم، وابن ماجة، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبّة تركيّة على سدّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحّاها في ناحية القبّة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه فقال: «إني كنت اعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف» ، فاعتكف الناس معه، قال: «وإني أريتها ليلة وتر وإنّي أسجد في صبيحتها في طين وماء، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين» . وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء فخرج حين فرغ من صلاة الصّبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر» [ (4) ] . وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: «اعتكفنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأتاه جبريل- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن الذي تطلب أمامك» فأتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «من اعتكف فليرجع إلى معتكفه، فإني أريت هذه الليلة، ورأيتني أسجد في ماء وطين» ، فلما رجع إلى معتكفه هاجت السماء من آخر ذلك اليوم، وكان المسجد من عريش، فلقد رأيت على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين» [ (5) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 183 فيه النضر بن يزيد لم أجد من ترجمه. [ (2) ] مالك في الموطأ (1/ 313) في كتاب الاعتكاف باب ذكر الاعتكاف. [ (3) ] أحمد 6/ 337 والبخاري 4/ 326 (2035) (2038، 2039، 3101، 3281، 6219، 7171) . وأبو داود 2/ 333 (2470) وابن ماجه 1/ 566 (1779) . [ (4) ] مسلم (2/ 824) حديث (1167) وهو عند البخاري 4/ 318 (2027) . وابن ماجه 1/ 561 (1766) . [ (5) ] أخرجه أحمد 3/ 7 والبخاري 4/ 318 حديث (2027) ومسلم (2/ 824) حديث (213/ 1167) وأبو داود 2/ 52 (1382) .

وروى الطبراني- بسند حسن- عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «اعتكف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أول سنة: العشر (الأول ثم اعتكف العشر) الوسطى ثم العشر الأواخر وقال: «إني رأيت ليلة القدر فيها فأنسيتها» ، فلم يزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعتكف فيهن حتى توفي» [ (1) ] . وروى أبو بكر أحمد بن عمر وأبو عاصم، عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة من رمضان في حجرة من جريد النخل، فصب عليه دلوا من ماء» . وروى أيضا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان رمضان ونام فإذا دخل العشر شمّر المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحورا.

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير وحسنه الهيثمي في المجمع 3/ 173.

جماع أبواب حجه - صلى الله عليه وسلم - وعمره

جماع أبواب حجه- صلى الله عليه وسلّم- وعمره الباب الأول في الاختلاف في وقت ابتداء فرضه: قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: «في ابتداء فرضه، فقيل: قبل الهجرة، وهو شاذ، وقيل: بعدها ثم اختلف في سنته، فالجمهور على أنها سنة ست، قلت: وصححه الرافعي في السير، وشبه عليه في «الروضة» ، ونقله في «المجموع» عن الأصحاب، وصححه ابن الرفعة، انتهى، لأنها نزلت فيها قوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة/ 196] وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده قراءة علقمة، ومسروق، وإبراهيم بلفظ: «وأقيموا» ، أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم [ (1) ] . وقيل: المراد بالإتمام: الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك، وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكره الواقدي سنة خمس، وهذا يدل- إن ثبت- على تقدمه على سنة خمس، أو وقوعه فيها قلت: وبهذا جزم الرافعي في الحج: فرض سنة خمس. وقال الحافظ- رحمه الله تعالى- أن عكرمة بن خالد المخزومي، قال: قدمت المدينة في نفر من أهل مكة، فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: إذا لم تحج قط أفنعتمر من المدينة؟ قال: نعم، وما يمنعكم من ذلك؟ فقد اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عمره كلها قبل حجّه، قال: فاعتمر، رواه الإمام أحمد- بسند صحيح- وهو في البخاري بنحوه [ (2) ] . قال ابن بطال: هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل اعتماره، ويتفرع عليه: هل الحج على الفور؟ أو التراخي؟ وهذا يدل أنه على التراخي، قال أي ابن بطال: كذلك أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، دال على ذلك. انتهى. قال الحافظ: وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية، انتهى، وقيل: فرض سنة ثمان، وقيل: تسع، وقيل: عشر حكاها الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي.

_ [ (1) ] انظر تفسير الطبري (4/ 7) (3185) . [ (2) ] انظر فتح الباري لشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر (3/ 378) .

الثاني: قال العلماء- رحمهم الله تعالى- فرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا، وقد كان السبيل إليه ممنوعا بقوة المشركين. وأيضا كانوا ينقلون الحج عن وقته، فقد ذكر أنهم ينقلونه عن حساب الشهور الشمسية، ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، فلم توجد الاستطاعة إلا عند فتح مكة سنة ثمان، فمنع- صلى الله عليه وسلّم- من التعجيل به، أن المشركين لم يكونوا منعوا منه، لعهود كانت لهم إلى آجال مضروبة، وكانوا يشركون في تلبيتهم، ويطوفون عراة، وقد كان- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يحج مقفله من تبوك، وذلك بأثر الفتح بيسير، ثم ذكر بقايا المشركين يحجون، ويطوفون عراة فلم يرد النبي- صلى الله عليه وسلّم- سماع إشراكهم في تلبيتهم ولا رؤيتهم عراة، فأخّر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحج حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وذلك في السنة التاسعة فحج بالمسلمين كما قال الماوردي في الحاوي في «باب السير» سير الفتح- عتّاب بن أسيد بوزن أمير الذي أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على مكة- رضي الله تعالى عنه- فلما كان وقت الحج حج المسلمون والمشركون، وكان المسلمون بمعزل يدفع بهم عتّاب بن أسيد، ويقف بهم، لأنه أمير البلد. وفي السنة الثانية وهي سنة تسع حج بهم أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- وأرسل معه- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب، فنادى في الناس بنبذ العهد كما في سورة براءة، وأنه لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فلما زالت رسوم الشرك، وسير الجاهلية حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع سنة عشر، وقال فيها: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض» . فائدة: قال في «زاد المعاد» : دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكة بعد الهجرة خمس مرات، سوى المرة الأولى، فإنه وصل إلى الحديبية وصد عن الدخول إليها أحرم في أربع منهن من الميقات لا قبله فأحرم عام الحديبية من ذي الحليفة، ثم دخلها المرة الثانية فقضى عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج، ثم دخلها المرة الثالثة، عام الفتح في رمضان بغير إحرام، ثم خرج منها إلى حنين، ثم دخلها المرّة الرابعة بعمرة من الجعرانة، ودخلها في هذه العمرة ليلا وخرج ليلا فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر، كما يفعل أهل مكة اليوم، المرة الخامسة في حجة الوداع.

الباب الثاني في بيان عدد حجاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة وعمره

الباب الثاني في بيان عدد حجاته- صلى الله عليه وسلّم- قبل الهجرة وعمره وفيه نوعان: الأول: في بيان حجاته- صلى الله عليه وسلّم-: روى الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، عن ابن عباس أو جابر قال: «حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر» [ (1) ] . قال الحافظ: «وهو مبني على عدد وفود الأنصار إلى العقبة بمنى بعد الحج، وهذا لا يقتضي نفي الحجّ بعد ذلك» . وقال سفيان الثوري: «حجّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يهاجر حججا» ، رواه الحاكم بسند صحيح. وقال أبو الفرج- رحمه الله تعالى-: في كتاب «منير العزم الساكن» : «حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حججا قبل النبوة وبعدها، لا يعرف عددها» . وقال ابن الأثير- رحمه الله تعالى- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحج كل سنة قبل أن يهاجر لم يترك الحج وقال الحافظ الذي لا أرتاب فيه إنه- صلى الله عليه وسلم- يحج كل سنة قبل أن يهاجر لم يترك الحج وهو بمكة قط لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر منهم من لم يكن بمكة، أو عاقه ضعف، وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج، ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب، فكيف يظن بالنبي- صلى الله عليه وسلم- أنه يتركه، وقد ثبت حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله تعالى له ولبث دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية كما تقدم في الهجرة إلى المدينة. قال السهيلي- رحمه الله تعالى-: ولا ينبغي أن يضاف إليه في الحقيقة إلا حجة الوداع، وإن كان حج مع الناس إذا كان بمكة كما روى الترمذي، فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكماله، لأنه- صلى الله عليه وسلم- كان مغلوبا على أمره، وكان الحج منقولا عن وقته، فقد ذكر أنهم كانوا ينقلونه على حساب السّنة والشّهر، يؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما» .

_ [ (1) ] الترمذي 3/ 178 (815) وابن ماجة 2/ 1027 (3076) .

الثاني: في بيان عدد عمره - صلى الله عليه وسلم -:

الثاني: في بيان عدد عمره- صلّى الله عليه وسلّم-: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع عمر، كلهن في ذي القعدة. الأولى: عمرة الحديبية وهي أولاهن سنة ست فصده المشركون عن البيت فنحر البدن حيث صد بالحديبية، وحلق هو وأصحابه رؤوسهم، وحلقوا من إحرامهم ورجع من عامه- صلى الله عليه وسلّم-. الثانية: عمرة القضية من العام المقبل دخلها فأقام بها ثلاثا، ثم خرج بعد كمال عمرته. الثالثة: عمرته- صلى الله عليه وسلّم- من الجعرّانة- لما خرج إلى حنين ثم رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرّانة داخلا إلى مكة. الرابعة: التي قرنها مع حجة الوداع. ذكر أدلة بعض ما تقدم: روى الإمام أحمد، والشيخان، عن عروة بن الزبير قال: «كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة- رضي الله تعالى عنها- وإنا لنسمع ضربها بالسّواك تستن، فقلت: يا أبا عبد الرحمن اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في رجب؟ قال: نعم. فقلت لعائشة: أي أمّتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقول؟، قلت يقول: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في رجب؟ فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما اعتمر في رجب وما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قال: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم. سكت» [ (1) ] . وروى الشيخان والدارقطني عن مجاهد بن جبر قال دخلت أنا وعروة المسجد فإذا ابن عمر جالس إلى جنب حجرة عائشة فسألناه كم اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قال أربعا إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة فقال عروة: يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت وما يقول؟ قال يقول: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اعتمر أربع مرات إحداهن في رجب قالت رحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قط [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن سعد، عن أنس قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته: عمرة من الحديبية أو

_ [ (1) ] انظر التخريج الآتي. [ (2) ] البخاري 7/ 581 (4253، 4254) ومسلم 2/ 917 (219، 220/ 1255) .

زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة في ذي القعدة، وعمرة مع حجته» [ (1) ] . ولفظ البخاري، عن قتادة- رحمه الله تعالى- قال: قلت لأنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- كم اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قال: أربعا: عمرته التي صده عنها المشركون عن البيت من الحديبية من ذي القعدة وعمرته- من العام المقبل- حين صالحوه في ذي القعدة، وعمرته الجعرانة حين قسمت غنيمة حنين في ذي القعدة، وعمرته مع حجته» [ (2) ] . قوله: عمرته بالنصب بدل من أربع بدل بعض من كل، ويجوز رفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف أي: هي عمرته وكذا الباقي. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اعتمر أربع عمر فذكر نحوه» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والثلاثة، وحسنه الترمذي، وابن سعد، عن محرّش الكعبيّ: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرج من الجعرّانة ليلا معتمرا، فدخل مكة ليلا فقضى عمرته، ثم خرج عن ليلته فأصبح بالجعرّانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج من بطن سرف حتى جاء مع الطريق ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس» ، وفي لفظ: «على كثير من الناس» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، ومسدد، عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثلاث عمر كل ذلك في ذي القعدة، يلبي حتى يستلم الحجر، ولفظ مسدد، كل ذلك لا يقطع التلبية حتى يستلم الحجر» . وروى ابن أبي شيبة، عن البراء- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اعتمر قبل أن يحج» . وفي رواية له، وأبي يعلى، وأحمد «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثلاث عمر» [ (5) ] . وروى ابن أبي شيبة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الطائف نزل الجعرانة، فقسم بها الغنائم، ثم اعتمر منها، وذلك من ليلتين بقيتا من شوال» [ (6) ] .

_ [ (1) ] البخاري 3/ 701 (1778، 1779، 1780، 3066، 4148) ومسلم 2/ 916 (217/ 1253) وأبو داود 2/ 206 (1994) والترمذي 3/ 179 (815) . [ (2) ] انظر التخريج السابق. [ (3) ] أبو داود 2/ 205 (1993) والترمذي 3/ 180 (816) وابن ماجة 2/ 999 (3003) . [ (4) ] أحمد في المسند 3/ 426 وأبو داود 2/ 206 (1996) والترمذي 3/ 273 (935) والنسائي في الكبرى. [ (5) ] قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات 3/ 278. [ (6) ] ابن أبي شيبة 14/ 11.

تنبيهات

وروى أحمد بن منيع- برجال ثقات- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربعا، إحداهن في رجب» . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي- وحسنه- وابن ماجة، وابن سعد، والبيهقي، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع عمر، عمرة الحديبية، وهي عمرة الحصر، وعمرة القضاء من قابل، وعمرة الجعرانة، والرابعة مع حجته» [ (1) ] . وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اعتمر عام الحديبية من ذي القعدة واعتمر عام صالح قريشا في ذي القعدة واعتمر مرجعه من الطائف في ذي القعدة من الجعرانة» [ (2) ] . وروى ابن ماجه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-، وعائشة، قال: «قالا: لم يعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا في ذي القعدة» [ (3) ] . وروى ابن سعد، عن ابن أبي مليكة- رحمه الله تعالى- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع عمر كلها في ذي القعدة» [ (4) ] . وروى- أيضا- عن عامر الشعبي- رحمه الله تعالى- عنه، قال: «لم يعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمرة قط إلا في ذي القعدة» [ (5) ] . وروى- أيضا- عن ابن جريج، عن عطاء- رحمهما الله تعالى- قال: «عمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلها في ذي القعدة» [ (6) ] . وروى- أيضا- عن عكرمة- رحمهما الله تعالى- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثلاث عمر في ذي القعدة، قبل أن يحج» [ (7) ] . تنبيهات الأول: والله سبحانه وتعالى أعلم قال في الهدي: عمره- صلّى الله عليه وسلّم- كلها كانت في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج، ويقولون: هي أفجر الفجور.

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 206 (1993) والترمذي 3/ 180 (816) وابن ماجة 2/ 999 (3003) . [ (2) ] الطبقات الكبرى 2/ 123. [ (3) ] ابن ماجة 2/ 997 (2996) وقال البوصيري حديث ابن عباس ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. [ (4) ] الطبقات الكبرى 2/ 123. [ (5) ] المصدر السابق. [ (6) ] المصدر السابق. [ (7) ] المصدر السابق.

الثاني: قال ابن القيم: لم يحفظ عنه- صلى الله عليه وسلم- أن اعتمر في السنة إلا مرة واحدة، وقد ظن بعض الناس أنه اعتمر في سنة مرتين، واحتج بما رواه أبو داود في «سننه» عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر عمرتين: في ذي القعدة وعمرة في شوال، قالوا: وليس المراد بهذا ذكر مجموع ما اعتمره فإن أنسا وعائشة، وابن عباس وغيرهم، قد قالوا: إنه اعتمر أربع عمر، فعلم أن مرادها أنه اعتمر في سنة مرتين. مرة في ذي القعدة، ومرة في شوال، وهذا الحديث وهم وإن كان محفوظا عنها فإن هذا لم يقع قط، وتقدم بيان عمره، ومتى وقعت، فمتى اعتمر في شوال، ولكن لقي العدو في شوال وخرج فيه من مكة وقضى عمرته لما فرغ من أمر العدو، وفي ذي القعدة ليلا ولم يجمع ذلك العام بين عمرتين لا قبله ولا بعده، ومن له عناية بأيامه، وسيرته، وأحواله، لا يشك ولا يرتاب في ذلك. الثالث: قال: في «زاد المعاد» : لم يقل أحد من أهل العلم، أنه- صلى الله عليه وسلّم- اعتمر من التنعيم بعد حجه، وإنما يظنه العوام ومن لا خبرة له بالسنة. الرابع: قال فيه أيضا: غلط من قال: إنه لم يعتمر في حجته أصلا، والسّنة الصحيحة المستفيضة التي لا يمكن ردها تبطل هذا القول. الخامس: قال فيه أيضا غلط من قال: إنه- صلى الله عليه وسلّم- اعتمر عمرة حل منها ثم أحرم بعدها بالحج من مكة، والأحاديث الصحيحة تبطل هذا القول وترده. السادس: روى البخاري، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين» [ (1) ] . وروى أبو داود، عن مجاهد، قال: سئل ابن عمر: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ فقال: مرتين فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع [ (2) ] . قال في «زاد المعاد» أراد العمرة المفردة المستقلة التي تمت ولا ريب أنهما اثنتان، فإن عمرة القران لم تكن مستقلة، وعمرة الحديبية صدّ عنها وحيل بينه وبين إتمامها. وقال في موضع آخر: «لا يناقض حديث ابن عمر- أي السابق- قوله: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرن بين الحج والعمرة» ، لأنه أراد العمرة الحاصلة المفردة. ولا ريب أنهما عمرتان: عمرة القضاء، وعمرة الجعرّانة، وعائشة أرادت العمرتين المستقلتين: فإن عمرة القران، لم تكن مستقلة وعمرة الحديبية صدّ عنها، ولا ريب أنها أربع

_ [ (1) ] البخاري 3/ 702 (1781، 1844، 2998، 2999، 2700، 3184، 4251) . [ (2) ] أبو داود 2/ 205 (1992) .

السابع: قول أنس: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته قال في «زاد المعاد» : وهذا لا يناقض ما تقدم عن عائشة، وابن عباس وغيرهما، أي أنهن كلهن في ذي القعدة، لأن مبدأ عمرة القران في ذي القعدة ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج، فعائشة، وابن عباس أخبرا عن ابتدائها وأنس أخبر عن انقضائها. الثامن: قول عروة، عن ابن عمر: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يعتمر في رجب، قال في «الهدي» : هو غلط، فإن عمره- صلّى الله عليه وسلّم- مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء منها. التاسع: روى أبو حاتم: وابن حبان «أن عمرة القضاء كانت في رمضان، وعمرة الجعرانة، كانت في شوال، قلت: ذكر أبو حاتم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان معتمرا عام الفتح، وذلك في رمضان» . قال المحب الطبري: ولم أر ذلك لأحد غيره والمشهور: أن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة. العاشر: روى الدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في عمرة في رمضان، فأفطر، وصمت وقصر وأتممت، الحديث» . قال في «زاد المعاد» : هذا الحديث غلط، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يعتمر في رمضان قط، وعمره مضبوطة العدد، والزمان، ونحن نقول: يرحم الله أمّ المؤمنين: ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في رمضان قط، وقد قالت: - رضي الله تعالى عنها- «لم يعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا في ذي القعدة. كما رواه ابن ماجة، وغيره، ولا خلاف أن عمره- صلّى الله عليه وسلم- لم تزد على أربع، فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال: بعضهن في رجب، وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة، وهذا لم يقع، وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس، وابن عباس، وعائشة- رضي الله تعالى عنهم-. الحادي عشر: روى أبو داود، في «سننه» وابن سعد في «طبقاته» واللفظ له، في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال، ولكن إنما أحرم بها في ذي القعدة، قلت: قال ابن سعد حدثنا ابن سابق التميمي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير عن عتبة مولى ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال. وقال ابن القيم في موضع آخر: هذا أي اعتماره- صلى الله عليه وسلّم- في شوال وهم، والظاهر والله تعالى أعلم، أن بعض الرواة غلط في هذا، وأنه اعتكف في شوال فقال إنه اعتمر في شوال لكن سياق الحديث، وقوله اعتمر ثلاث عمر عمرة في شوال، وعمرتين في ذي القعدة، يدل على أن عائشة، أو من دونها إنما قصد العمرة» .

الباب الثالث في سياق حجة الوداع

الباب الثالث في سياق حجة الوداع أفردها بالتصنيف الحافظ أبو بكر محمد بن المنذر، وأبو جعفر أحمد بن عبد الله المحب الطبري، وأبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعيون، وأبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، وبسط الكلام عليها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن القيم الحنبلي في «زاد المعاد» ، والحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الشافعي في كتاب السيرة في تاريخه المسمى «بالبداية والنهاية» ، وهو أوسع من الذي قبله، كل منهم ذكر أشياء لم يذكرها الآخر، وظفرت بأشياء لم يذكروها، ورأيت سياق ابن القيم أحسنهم سياقا، فاعتمدته وجردته من الأدلة غالبا، ومن الأبحاث الطويلة، وأدخلت فيه ما أجمل به مميزا له غالبا بقولي: «قلت» في أوله، «والله أعلم» في آخره، وإذا أتيت بضمير تثنية لا مرجع له كقالا، أو رجحا أو جزما، فمرادي: ابنا كثير، والقيم، وضمير مفرد مذكر لا مرجع له فمرادي: ابن القيم، أو أبا محمد فمرادي: ابن حزم، والله سبحانه وتعالى أعلم، وأسأله التوفيق للصواب، وحسن المرجع، والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ذكر إعلامه- صلى الله عليه وسلّم- بأنه حاج في هذه السنة: قلت: قال ابن سعد: قالوا: أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي كل عام، ولا يحلق، ولا يقصر، ويغزو المغازي، ولا يحج حتى كان في ذي القعدة سنة عشر أجمع الخروج إلى الحج والله تعالى أعلم، ولما عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الحج أذن في الناس أنه حاج في هذه السنة فسمع بذلك من حول المدينة، فلم يبق أحد يريد وفي لفظ: يقدر أن يأتي راكبا، أو راجلا إلا قدم، فقدم المدينة بشر كثير، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، وكانوا من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، مدّ البصر، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله، وأصاب الناس جدري، أو حصبة، منعت من شاء الله أن تمنع من الحج، قال أبو محمد: فأعلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن عمرة في رمضان، تعدل حجة معه. وصوّبا أن هذا الإعلام كان بعد رجوعه- صلى الله عليه وسلّم- وهو كما قال. ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة الشريفة: قلت: استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أراد الخروج على المدينة أبا دجانة سماك بن خرشة السّاعدي ويقال: بل سباع بن عرفطة ذكره ابن هشام والله تعالى أعلم.

وصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر بالمدينة أربعا، وخطب الناس وعلمهم ما أمامهم من المناسك ثم ترجل وادهن بزيت، قلت اغتسل قبل ذلك، وتجرد في ثوبين صحاريين إزار ورداء كما ذكره ابن سعد، زاد محمد بن عمر الأسلمي: وأبدلهما بالتنعيم بثوبين من جنسهما، والله تعالى أعلم، ولبس إزاره، ورداءه، قلت وركب كما قال أنس على رحل وكانت زاملته، وقال أيضا حجّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على رحل رثّ، وقطيفة خلقة تستوي أربعة دراهم ولا تستوي. ثم قال: «اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه، ولا سمعة» [ (1) ] رواه البخاري تعليقاً وابن ماجة، والترمذي، في «الشمائل» وأبو يعلى موصولا، والله تعالى أعلم. وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة نهارا بعد الظهر لخمس بقين من ذي القعدة وصوّبا أن خروجه كان يوم السبت، وبسط الكلام على ذلك الحافظ الدمياطي، قلت: ورواه الحاكم في «الإكليل» عن جبير بن مطعم، وبه جزم ابن سعد، ومحمد بن عمر الأسلمي، خلافا لابن حزم في أنه كان يوم الخميس، واستدل بأشياء نقضا عليه، وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على طريق الشجرة، كان يخرج منها، وصلى في مسجدها، رواه البخاري عن ابن عمر. ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بذي الحليفة وبياته بها: فسار- صلى الله عليه وسلّم- حتى أتى ذا الحليفة، وهو من وادي العقيق فنزل به، قلت: تحت سمرة في موضع المسجد بذي الحليفة، دون الروسة عن يمين الطريق كما في الصحيح، عن عبد الله بن عمر، ليجتمع إليه أصحابه، كما ذكره محمد بن عمر الأسلمي والله تعالى أعلم. وصلى بهم العصر ركعتين، قلت: وأمر بالصلاة في ذلك الوادي، رواه الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، وابن ماجة، والبيهقي، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول بوادي العقيق: «أتاني آت من ربي» ، ولفظ البيهقي: «جبريل» فقال: «صلّ في هذا الوادي المبارك» ، وقال: «عمرة في حجة، فقد دخلت العمرة في الحج، إلى يوم القيامة والله تعالى أعلم» [ (2) ] . ثم بات بذي الحليفة، وصلى المغرب والعشاء، والصبح والظهر فصلى بها خمس صلوات، وكان نساؤه معه كلهن في الهوداج، وكنّ تسعة وطاف عليهن تلك الليلة واغتسل، قلت: وطيبته عائشة قبل طوافه عليهن تلك الليلة، واغتسل. «كما رواه مسلم- عن عائشة، والبيهقي عنها، قالت: طيّبته بالطيب» والله تعالى أعلم. وساق هديه مع نفسه، قلت: كان معه- صلى الله عليه وسلم- قبل وصوله، أنه- صلى الله عليه وسلم- دعا ببدنته،

_ [ (1) ] ابن ماجة 2/ 965 (2890) . [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 257 وابن ماجة 2/ 991 (2976) .

ذكر إحرامه - صلى الله عليه وسلم -:

وفي رواية: بناقته فأشعرها في صفحة سنامها من الشق الأيمن ثم سلت الدم عنها، وقلدها نعلين، قلت: وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غيره، قال: كان- صلى الله عليه وسلم- معه هدي كثير. قال ابن سعد: وكان على هديه ناجية بن جندب الأسلمي وكان جميع الهدي الذي ساقه من المدينة [ (1) ] . ذكر إحرامه- صلى الله عليه وسلّم-: «فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح أخذ في الإحرام، فاغتسل غسلا ثانيا، غير الغسل الأول، وغسل رأسه بخطمي وأشنان، قلت: ودهن رأسه بشيء من زيت غير كثير» ، رواه الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، والدارقطني عن عائشة [ (2) ] . وعن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدّهن بالزيت- وهو محرم- غير المقتت» ، رواه الترمذي، وابن ماجة [ (3) ] . في حديث أبي أيوب عند الشيخين: أنه- صلى الله عليه وسلم- في غسله حزك رأسه بيديه جميعا فأقبل بهما وأدبر، والله تعالى أعلم، وطيبته بذريرة وطيب فيه مسك [ (4) ] ، قلت: وبالغالية الجيدة كما رواه الدارقطني والبيهقي والله أعلم في بدنه ورأسه حتى كان وبيص المسك يرى من مفارقه، ولحيته الشريفة- صلى الله عليه وسلم-[ (5) ] ثم استدامه، ولم يغسله، قلت وروى الإمام أحمد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد أيام وهو محرم [ (6) ] ، ورواه الحميدي في مسنده بلفظ: بعد ثالثة، وهو محرم» والله تعالى أعلم. ثم لبس إزاره ورداءه، قلت: «ولم ينه عن شيء من الأردية إلا المزعفرة، التي تردع على الجلد» ، رواه البخاري، وأبو يعلى، عن ابن عباس والله تعالى أعلم. وسأله- صلى الله عليه وسلّم- رجل: «ما يلبس المحرم من الثياب؟» فقال- صلى الله عليه وسلم-: «لا تلبسوا القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أن تكون نعالا، فإن لم تكن نعالا فخفين دون الكعبين» ، وفي رواية: «إلا أن لا يجد نعلين» ، وفي رواية: «فمن لم يجد نعلين» ، وفي رواية: «فليحرم أحدكم في إزار، ونعلين» .

_ [ (1) ] الطبقات الكبرى 2/ 124. [ (2) ] أحمد 6/ 78 والبزار كما في الكشف 2/ 11 (1085) والدارقطني 2/ 226. [ (3) ] الترمذي 3/ 294 (962) وابن ماجة 2/ 1030 (3083) وضعفه البوصيري في الزوائد. [ (4) ] البخاري 10/ 384 (5930) ومسلم 2/ 147 (35/ 1189) والدارقطني 2/ 222 والبيهقي 5/ 35. [ (5) ] البيهقي 5/ 34. [ (6) ] أحمد 6/ 124 وهو عند البخاري 3/ 463 (1538) ومسلم (39/ 1190) .

ذكر إهلاله - صلى الله عليه وسلم - وفي أي مكان أهل:

فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليجعلهما أسفل الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسّه الزعفران، ولا الورس، إلا أن يكون غسيلا، ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين» ، رواه الإمام أحمد، والشيخان، عن ابن عمر، والله تعالى أعلم [ (1) ] . وولدت أسماء بنت عميس- زوجة أبي بكر- بذي الحليفة محمد بن أبي بكر. فأرسلت أبا بكر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تقول: كيف أصنع؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اغتسلي واستثفري بثوب، وأهلّي» ، وفي رواية: «وأحرمي» ، رواه مسلم في حديث جابر الطويل [ (2) ] . وزاد النسائي، وابن ماجة، عن أبي بكر: وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت [ (3) ] . ثم أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتين، قال في الاطلاع: صلى ركعتي الإحرام، وهما الركعتان اللتان كان يودع بهما المنزل. قال ابن القيم: «ولم ينقل عنه أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى للإحرام ركعتين» قلت: روى الشيخان، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل» [ (4) ] . قال النووي في «شرح مسلم» فيه استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام، ويصليهما قبل الإحرام إلى آخره. والله تعالى أعلم. ثم ركب راحلته القصواء، قلت: «واستقبل القبلة قائما، ثم لبّى» [ (5) ] رواه البخاري، عن ابن عمر والله تعالى أعلم. ذكر إهلاله- صلى الله عليه وسلّم- وفي أي مكان أهل: اختلف في الموضع الذي أهل فيه- صلى الله عليه وسلم-. فقيل: أهلّ من المسجد الذي بذي الحليفة، فروى الخمسة عن سالم، عن أبيه عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه- صلى الله عليه وسلم- أهل من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة، وفي رواية الشيخين، عن ابن عمر قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على

_ [ (1) ] البخاري 3/ 469 (1542) ومسلم 2/ 835 (3/ 1177) ومالك 1/ 324 (1) وأحمد 2/ 54. [ (2) ] مسلم 2/ 886 حديث (147/ 1218) والشافعي في المسند 1/ 296 (770) وأبو داود 2/ 182 (1905) والنسائي 1/ 654 وابن ماجة 2/ 1022 (3074) وأحمد 3/ 320. [ (3) ] النسائي 5/ 97 وابن ماجة 2/ 972 (2912) . [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 82 (2865) ومسلم 2/ 845 (27/ 1187) . [ (5) ] أخرجه البخاري 3/ 482 (1553) .

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنما أهل من المسجد [ (1) ] . روى الطبراني، عن أبي داود المازني، وكان من أهل بدر، قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل مسجد ذي الحليفة، فصلّى فيه أربع ركعات، ثم أهلّ في المسجد فسمعه الذين كانوا في المسجد فقالوا أهل من المسجد، وأهل حين ركب راحلته، فقال الذين عند المسجد أهلّ حين استوت به راحلته، ثم لما استوى على البيداء أهلّ فسمعه الذين على البيداء فقالوا أهلّ من البيداء وصدقوا كلهم» [ (2) ] . وقيل: أهلّ حين استوت به راحلته- صلى الله عليه وسلّم-. وروى الستة، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة حتى أصبح، فلما زالت راحلته واستوت به أهلّ [ (3) ] . وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «فأصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي الحليفة، وركب راحلته حتى استوى على البيداء [أهلّ] هو وأصحابه» ورواه الإمام أحمد من طريق آخر نحوه [ (4) ] . وروى مسلم من طريق زين العابدين بن علي بن الحسين، والبخاري من طريق عطاء، كلاهما عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أهلّ حين استوت به راحلته» . وروى الشيخان من طريق عبيد بن جريج، عن ابن عمر قال: «أما الإهلال فإني لم أر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته» [ (5) ] . وروى مسلم، من طريق موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه عبد الله بن عمر قال: «بيداؤكم التي تكذبون فيها ما أهل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا من عند الشجرة، حين قام به بعيره» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، من طريق أبي حسان: مسلم بن عبد الله البصري الأعرج، والبخاري من طريق كريب، كلاهما عن ابن عباس قال: «لما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 468 (1541) ومسلم 2/ 843 (23/ 1186) ومالك 1/ 332 (30) وأبو داود 2/ 150 (1771) والترمذي 3/ 181 (818) والنسائي 5/ 126. [ (2) ] الطبراني في الكبير قال الهيثمي 3/ 221 فيه إسحاق بن سعيد بن جبير قال الذهبي مجهول، وفيه جماعة لم أعرفهم. [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 476 (1546) وأبو داود 2/ 151 (1773) والنسائي 5/ 97. [ (4) ] أحمد 1/ 260. [ (5) ] البخاري 1/ 320 (166، 1514، 1552، 1609، 2865، 5851) ومسلم 2/ 844 (25/ 1187) ومالك في الموطأ 1/ 333 (31) . [ (6) ] تقدم.

ذكر الاختلاف فيما أهل به - صلى الله عليه وسلم -:

الحليفة ودعا براحلته فلما استوت على البيداء أهلّ بالحج» [ (1) ] . وروى الشيخان، عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل حين استوت به راحلته» . قال ابن كثير: وهذه الرواية المثبتة المفسرة أنه أهلّ حين استوت به راحلته عن ابن عمر مقدمة على الأخرى لاحتمال أنه أراد أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، وتكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى، ورواية أنس وجابر وكذا رواية ابن عباس التي في الصحيح سالمات من المعارض، قال: وهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه- صلى الله عليه وسلّم- أحرم بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير، زاد ابن عمر. وهي مستقبلة القبلة. قال: وما في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت، من رواية خصيف الحروري، عن سعيد بن جبير. قلت: وجعل أبو جعفر الطحاوي والحافظ حديث ابن عباس هذا جامعا بين الأقوال، وأورده ابن القيم ساكتا عليه. ذكر الاختلاف فيما أهل به- صلى الله عليه وسلّم-: اختلف في ذلك على أربعة أقوال: الأول: الإفراد بالحج. روى الإمامان: الشافعي وأحمد، والشيخان والنسائي عن عائشة وأحمد، ومسلم، وابن ماجه، والبيهقي عن جابر بن عبد الله، وأحمد، ومسلم، والبزار، عن عبد الله بن عمر، ومسلم، والدارقطني، والبيهقي، عن ابن عباس «أنه- صلى الله عليه وسلم- أهل بالحج مفردا» [ (2) ] . الثاني: القرآن. روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن عمر بن الخطاب وأحمد عن عثمان وأحمد والبخاري، وابن حبان، عن علي، وأحمد، والنسائي، والشيخان، والبزار، والبيهقي، عن أنس، والترمذي، وابن ماجة، والبزار، والدارقطني، والبيهقي، عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد، وابن ماجة، عن أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- وأحمد، عن سراقة بن مالك، والإمامان: مالك، وأحمد،

_ [ (1) ] أحمد 1/ 254. [ (2) ] حديث عائشة عند الشافعي في المسند 6/ 104 والبخاري 3/ 492 (1562) ومسلم 2/ 875 (122/ 1211) ومالك 1/ 335 (37) والنسائي 5/ 112 وأخرجه ابن ماجة 2/ 988 (2966) وحديث جابر أخرجه مسلم (2/ 881) حديث (136/ 1213) .

والترمذي وصححه، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص، والطبراني، عن عبد الله بن أبي أوفى والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس، وأحمد ومسلم، والنسائي، والدارقطني، عن الهرماس بن زياد، وأبو يعلى، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأحمد، والشيخان، عن ابن عمرو، وأحمد، عن عمران بن حصين، والدارقطني، عن أبي قتادة، والترمذي- وحسنه- عن جابر بن عبد الله، وأحمد، عن حفصة، والشيخان، والبيهقي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا» [ (1) ] . الثالث: التمتع. روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة، إلى الحج، وأهدى، فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأهلّ بالعمرة، ثم أهل بالحج. الحديث [ (2) ] . وروى الشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في تمتعه بالعمرة إلى الحج: وتمتع الناس معه [ (3) ] . وروى مسلم، عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: «تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه» . وروى مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحلّ كلّه، فإنّ العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» [ (4) ] . وروى البخاري، عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت يا رسول الله: ما شأن الناس حلّوا بعمرة؟ ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: «إني لبدت رأسي، وقلّدت هديي فلا أحل حتى أنحر» [ (5) ] .

_ [ (1) ] من حديث عمر رضي الله عنه أحمد في المسند 1/ 174. والبخاري من حديث عبد الله بن عمر 3/ 640 (1691) . ومن حديث عثمان أحمد في المسند 1/ 57. ومن حديث علي أحمد 1/ 57. ومن حديث جابر الترمذي 3/ 170 وابن ماجة 2/ 990. ومن حديث أبي طلحة أحمد 4/ 28. ومن حديث سراقة أخرجه أحمد 4/ 75. ومن حديث سعد أحمد 1/ 174 والنسائي 5/ 118. ومن حديث ابن أبي أوفى البزار كما في الشكف 2/ 27. ومن حديث ابن عباس أبو داود 2/ 159. ومن حديث الهرماس أحمد 3/ 485. ومن حديث عمران بن حصين أحمد 4/ 427. ومن حديث أبي قتادة الدارقطني 2/ 261. ومن حديث حفصة أحمد 6/ 285. ومن حديث عائشة البخاري 3/ 630 حديث (1692) . [ (2) ] وهو عند أبي داود (1805) والنسائي 5/ 179. [ (3) ] البخاري 3/ 630 (1692) . [ (4) ] أخرجه مسلم في الحج (203) وأبو داود 1790) وابن أبي شيبة 4/ 102 والدارمي 2/ 51 وأحمد 1/ 236. [ (5) ] أخرجه البخاري 3/ 635 (1697) .

وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وأول من نهى عنه معاوية» [ (1) ] . وروى الشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال: «قصرت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بمشقص» ، زاد مسلم، فقلت: «لا أعلم هذه إلا حجّة عليك» [ (2) ] . وروى النسائي، عن عطاء، عن معاوية قال: «أخذت من أطراف شعر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمشقص كان معي، بعد ما طاف بالبيت وبالصفا والمروة، في أيام العشر» [ (3) ] . قال قيس بن سعد الراوي، عن عطاء: «والناس ينكرون هذا على معاوية» [ (4) ] . وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحج» . الرابع: - الإطلاق. روى الشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا نذكر حجّا ولا عمرة وفي لفظ «نلبيّ لا نذكر حجّا ولا عمرة» ، وفي لفظ «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا نرى إلا الحج. حتى إذا دنونا من مكة، أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من لم يكن معه هدي إذا طاف بين الصّفا والمروة، أن يحل» [ (5) ] . قال الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- أخبرنا سفيان، أخبرنا ابن طاوس [ (6) ] ، وإبراهيم ابن ميسرة، وهشام بن حجير [ (7) ] سمعوا طاوسا يقول: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة، ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة الحديث» [ (8) ] ويأتي الكلام عليه في التنبيهات.

_ [ (1) ] أحمد 1/ 313 والترمذي 3/ 85 (822) . [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 656 (1730) ومسلم في الحج باب (209) وأبو داود (1802) والنسائي 5/ 244. [ (3) ] النسائي 5/ 197. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه البخاري 3/ 492 (1561) . [ (6) ] عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة، مات سنة اثنتين وثلاثين. التقريب 1/ 424. [ (7) ] هشام بن حجير بمهملة وجيم مصغرا المكي. عن طاوس. وعنه ابن جريج وشبل بن عباد. وثقه العجلي. قال أحمد: ليس بالقوي. قرنه بآخر، وله عنده حديثان، وله في البخاري فرد حديث. الخلاصة 3/ 113. [ (8) ] أخرجه الشافعي في المسند 1/ 372 (960) .

ذكر لفظ تلبيته [- صلى الله عليه وسلم - ثم] :

فهذه أربعة أقوال: «الإفراد، والقران، والتمتع، والإطلاق، ورجحا أنه- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا، ورجحه المحب الطبري، والحافظ، وغيرهم، ويأتي تحقيقه بعد تمام القصة، قال: أهلّ في مصلاه، ثم ركب ناقته، فأهلّ أيضا، ثم أهلّ لما استقلت به على البيداء وكان يهلّ بالحج والعمرة تارة، وبالعمرة تارة، وبالحج تارة لأن العمرة جزء منه، فمن ثمّ قيل: قرن. وقيل: تمتع، وقيل: أفرد، وكل ذلك وقع بعد صلاة الظهر، خلافا لابن حزم، وصاحب الاطلاع، قال النووي، والحافظ: وطريق الجمع بين الأحاديث وهو الصحيح: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان أولا مفردا بالحج، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار: قارنا، فمن روى الإفراد هو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق. ذكر لفظ تلبيته [- صلى الله عليه وسلّم- ثم] : لبّى- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك» ، ورفع صوته بالتلبية حتى سمعها أصحابه، قلت: وروى البزار، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لبّيك حجّا حقّا تعبّدا ورقّا» [ (1) ] . وروى الطبراني- بسند حسن- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقف بعرفات فلما قال: «لبيك اللهم لبيك» قال: «إنّما الخير خير الآخرة» [ (2) ] وعند الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي عن أبي هريرة «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال في تلبيته: «لبّيك إله الحقّ لبّيك» [ (3) ] . وروى الطبراني، عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا فرغ من تلبيته، سأل الله عز وجل مغفرته ورضوانه واستعتقه من النار» [ (4) ] . وأمرهم بأمر الله- تعالى- بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج. وأمره جبريل- عليه الصلاة والسلام- «أن يعلن بالتلبية» ، وروى الإمام أحمد، عن السائب بن خلاد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا

_ [ (1) ] البزار 2/ 13 (1090) قال الهيثمي رواه البزار مرفوعا وموقوفا، ولم يسم شيخه في المرفوع وانظر التلخيص الحبير 2/ 240. [ (2) ] الطبراني في الأوسط ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 223. [ (3) ] أحمد 2/ 341 والنسائي 5/ 115 والبيهقي 5/ 45. [ (4) ] الطبراني في الكبير 4/ 99 وقال الهيثمي 3/ 224 فيه صالح بن محمد بن زائدة وثقه أحمد وضعفه خلق.

ذكر مسيره - صلى الله عليه وسلم -:

أصواتهم بالتّلبية» ، وقال: «يا محمد كن عجاجا ثجاجا» [ (1) ] ، «رواه الطبراني وغيره» . قلت: جاء جبريل وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد- صلى الله عليه وسلم- شيئا منه، ولزم- صلى الله عليه وسلّم- تلبيته» ، رواه مسلم، وعند أبي داود، والناس يزيدون «ذا المعارج» ونحوه من الكلام. والنبي- صلى الله عليه وسلم- يسمع، فلا يقول لهم شيئاً، ثم إنه- صلى الله عليه وسلّم- خيّرهم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة. ثم ندبهم عند دنوّهم من مكة إلى فسخ الحج، والقران إلى العمرة، لمن لم يكن معه هدي، ثم حتّم ذلك عليهم عند المروة، ثم سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يلبّي تلبيته المذكورة، والناس معه يزيدون فيها، وينقصون، وهو يقرهم، ولا ينكر عليهم، ولزم تلبيته. ذكر مسيره- صلى الله عليه وسلم-: من قال إهلاله ومروره بالروحاء، ثم الأثاية قلت: قال ابن سعد: ومضى- صلى الله عليه وسلّم- يسير المنازل ويؤم أصحابه في الصّلوات في مساجد له، قد بناها الناس وعرفوا مواضعها. والله تعالى أعلم. ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وهو يلبي تلبيته المذكورة، فلما كان بالرّوحاء رأى حمارا وحشيا عقيرا، قال: «دعوه يوشك أن يأتي صاحبه» ، فجاء صاحبه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلت: هو رجل من بهز، واسمه الله تعالى أعلم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «شأنكم بهذا الحمار» ، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا بكر فقسمه بين الرفاق، ثم مضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى كان بالأثاية بين الرّويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل وفيه سهم، فأمر رجلا- قلت هو أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- كما رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن طلحة بن عبيد الله، والله تعالى أعلم- فأمره أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزوه [ (2) ] ، قال: والفرق بين قصة الظبي، وقصة الحمار: أن الذي صاد الحمار كان حلالا، فلم يمنع من أكله، وهذا لم يعلم أنه حلال، وهم محرمون، فلم يأذن لهم في أكله، ووكّل من يقف عنده لئلا يأخذه أحد حتى يجاوزوه. ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بالعرج: وضياع زاملته التي بينه وبين أبي بكر، ثم سار- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا نزل بالعرج، وكانت زاملته وزاملة أبي بكر واحدة، وكانت مع غلام لأبي بكر، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر

_ [ (1) ] أحمد 4/ 55، 56 ومالك في الموطأ 1/ 334 (34) والشافعي في الأم 2/ 156 والدارمي 2/ 34 وأبو داود (1814) والترمذي (829) والنسائي 5/ 162 وابن ماجة 2/ 975 (2922) وابن خزيمة 4/ 173 والحاكم 1/ 450. [ (2) ] أحمد 3/ 452 والنسائي 5/ 143.

ذكر مروره - صلى الله عليه وسلم - بالأبواء:

إلى جانبه وعائشة إلى جانبه الآخر، وأسماء بنت أبي بكر إلى جانبه وأبو بكر ينتظر الغلام أن يطلع عليه فطلع وليس معه البعير، فقال: أين بعيرك؟ فقال: أضللته البارحة، فقال أبو بكر- وكان فيه حدة: بعير واحد تضلّه، فطفق يضرب الغلام بالسوط، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتبسم ويقول: «انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟» ، وما يزيد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أن يقول ذلك ويتبسم، ترجم أبو داود على هذه القصة «باب المحرم يؤدب» [ (1) ] . قلت سبق أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حجّ على رحل، وكانت زاملة، قال المحب الطبري: فيحتمل إن يكون بعض الزاملة عليها، وبعض الزاملة مع زاملة أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- ولما بلغ آل فضالة الأسلمي، أن زاملة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ضلت حملوا له جفنة من حيس فأقبلوا بها حتى وضعوها بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «هلم يا أبا بكر، فقد جاء الله تعالى بغذاء أطيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هوّن عليك يا أبا بكر، فإن الأمر ليس إليك، ولا إلينا معك، وقد كان الغلام حريصا على ألا يضل بعيره، وهذا خلف مما كان معه» ، ثم أكل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأهله، وأبو بكر ومن كان معه يأكل حتى شبعوا، فقال فأقبل صفوان بن المعطل- رضي الله تعالى عنه- وكان على ساقة الناس، والبعير معه، وعليه الزاملة، فجاء حتى أناخ على باب منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: «متاعك؟» ، فقال: «ما فقدت شيئا إلا قعبا كنا نشرب فيه، فقال الغلام: هذا القعب معي» فقال أبو بكر لصفوان: أدّى الله عنك الأمانة. وجاء سعد بن عبادة، وابنه قيس- رضي الله تعالى عنهما- ومعهما زاملة تحمل زادا يؤمّان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واقفا بباب منزله، قد رد الله- عز وجل- عليه زاملته، فقال سعد يا رسول الله: بلغنا أن زاملتك ضلت الغداة، وهذه زاملة مكانها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قد جاء الله بزاملتنا، فارجعا بزاملتكما بارك الله فيكما» . ذكر مروره- صلى الله عليه وسلّم- بالأبواء: وإهداء الصعب بن جثامة له- ثم مضى رسول الله حتى إذا كان بالأبواء أهدى له الصعب بن جثامة حمار وحش، وفي رواية «عجز حمار وحش» وفي رواية «لحم حمار وحش، يقطر دما» ، وفي رواية «شق حمار وحشي» ، وفي رواية «رجل حمار وحش فرده» وقال: «إنا لم نردّه عليك إلا أنّا حرّم» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 161 (1818) . [ (2) ] البخاري 4/ 31 (1825، 2573) ومسلم 2/ 850 (50/ 1193) .

ذكر مروره - صلى الله عليه وسلم - بوادي عسفان:

ذكر مروره- صلى الله عليه وسلّم- بوادي عسفان: فلما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بوادي عسفان، قال: «يا أبا بكر أيّ واد هذا؟» قال: «وادي عسفان» ، قال: «لقد مرّ به هود، وصالح، على بكرين أحمرين خطمهما ليف، وأزرهم العباء، وأرديتهم النماز يلبون، يحجون البيت العتيق [ (1) ] . ذكر مروره- صلى الله عليه وسلّم- بسرف: قلت: قال ابن سعد: وكان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسرف. فلما كان- صلى الله عليه وسلّم- بسرف حاضت عائشة وقد كانت أهلت بعمرة، فدخل عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي، فقال: «ما يبكيك؟ لعلك نفست؟» قالت: نعم، قال: «هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» . وقال- صلى الله عليه وسلم- لما كان بسرف لأصحابه: «من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا» . قال ابن القيم: وهذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات، فلما كان بمكة، أمر أمرا حتما من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، ويحل من إحرامه، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه، ولم ينسخ ذلك شيء البتة بل سأله سراقة بن مالك، عن هذه العمرة التي أمرهم بالفسخ إليها هل هي لعامهم ذلك أم للأبد؟ فقال: «بل للأبد، وإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» . وقد روي عنه- صلى الله عليه وسلم- الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- وأحاديثهم صحاح، وسرد أسماءهم، والدليل على صحة مذهبه في نحو عشر ورقات وسيأتي التحقيق فيه بعد تمام القصة. ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بذي طوى، ودخوله مكة، وطوافه وسعيه: ثم نهض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أن نزل بذي طوى، وهي المعروفة اليوم بآبار الزاهر، فبات بها ليلة الأحد، لأربع خلون من ذي الحجة، وصلّى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، ونهض إلى مكة من أعلاها من الثنية العليا، التي تشرف على الحجون وكان في العمرة يدخل من أسفلها وفي الحج دخل من أعلاها وخرج من أسفلها، ثم سار حتى دخل المسجد ضحى. وروى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أحمد 1/ 232.

ودخلنا معه من باب عبد مناف، وهو الذي تسميه الناس: «باب بني شيبة» - رجاله رجال الصحيح إلا مروان بن أبي مروان، قال السليماني: فيه نظر» [ (1) ] . وروى البيهقي: وخرج من باب بني مخزوم [إلى الصفا] فلما نظر إلى البيت، واستقبله ورفع يديه وكبر، وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتعظيما، وتكريما، ومهابة، وزد من عظّمه، ممن حجه أو اعتمره، تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا» [ (2) ] . وروى الطبراني، عن حذيفة بن أسيد، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا نظر إلى البيت قال: «اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة» [ (3) ] . فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد عمد إلى البيت، ولم يركع تحية المسجد، فإن تحية المسجد الحرام الطواف. وكان طوافه- صلى الله عليه وسلم- في هذه المرة ماشيا فقد روى البيهقي- بإسناد جيد- كما قال ابن كثير عن جابر بن عبد الله قال: «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا، ومشى أربعا، حتى فرغ قبّل الحجر، ووضع يديه عليه، ومسح بهما وجهه» [ (4) ] . وأما ما رواه مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بعيره يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس» ، وما رواه أبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة يشتكي فطاف على راحلته وكلما أتى الركن استلم بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلّى ركعتين [ (5) ] . وقول أبي الطفيل- رضي الله تعالى عنه- «يطوف حول البيت على بعير يستلم الركن بمحجن» رواه البيهقي [ (6) ] . قال: طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء، وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فقالا، واللفظ لابن كثير، إن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف، هذا الأول، والثاني طواف الإفاضة، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر. والثالث: طواف

_ [ (1) ] الطبراني في الأوسط انظر المجمع 3/ 238. [ (2) ] البيهقي 5/ 73. [ (3) ] الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 3/ 238 فيه عاصم بن سليمان متروك. [ (4) ] البيهقي 5/ 74. [ (5) ] أبو داود 2/ 177 (1881) . [ (6) ] البيهقي 5/ 100.

الوداع فلعل ركوبه- صلى الله عليه وسلم- كان في أحد الأخيرين، أو في كليهما، فأما الأول: وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه، وقد نص على هذا الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- والدليل على ذلك ما رواه البيهقي بإسناد جيد، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثمن رمل ثلاثا، ومشى أربعا، حتى فرغ يقبل الحجر، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه» . قال ابن القيم: وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره، وإلا فقد صح عنه: الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي: إنه رمل على بعيره، فقد رمل لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم. فلما حاذى- صلى الله عليه وسلّم- الحجر الأول استلمه، ولم يزاحم عليه قلت: وقال لعمر: «يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر تؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلّل وكبّر» رواه الإمام أحمد وغيره والله تعالى أعلم [ (1) ] . قال: ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني، ولم يرفع يديه، ولم يقل: نويت بطوافي هذا الأسبوع، كذا وكذا ولا افتتحه بالتكبير، كما يكبر للصلاة كما يفعله من لا علم عنده، بل هو من البدع المنكرات، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع يديه، ثم انفتل عنه وجعله على شقه، بل واستقبله، واستلمه، ثم أخذ على يمينه وجعل البيت على يساره ولم يدع عند الباب بدعاء، ولا تحت الميزاب، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ولا وقت الطواف ذكرا معينا، لا بفعله ولا تعليمه، بل حفظ عنه بين الركنين رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. قلت: وروى ابن سعد، عن عبد الله بن السائب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول بين الركنين: اليماني، والحجر الأسود رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ [ (2) ] . ورمل- صلى الله عليه وسلّم- في طوافه هذا الثلاثة الأشواط، الأول قلت: «من الحجر إلى الحجر» رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى [ (3) ] .

_ [ (1) ] أحمد 1/ 28. [ (2) ] الطبقات 2/ 128. [ (3) ] انظر المجمع 3/ 239.

وكان يسرع مشيه، ويقارب بين خطاه واضطبع بردائه فجعله على أحد كتفيه، وأبدى كتفه الآخر، ومنكبه، وكلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنه وقبّل المحجن، وهو عصا محنيّة الرأس. وثبت عنه: أنه استلم الركن اليماني، ولم يثبت عنه أنه قبّله، ولا قبّل يده حين استلامه. وقول ابن عباس كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقبّل الركن اليماني، ويضع خدّه عليه، رواه الدارقطني، من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز. قال ابن القيم: «المراد بالركن اليماني ها هنا الحجر الأسود، فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر يقال لهما: اليمانيان، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب العراقيان، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر الشاميان، ويقال للركن اليماني، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة الغربيان، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود، وثبت عنه أنه استلمه بيده، فوضع يده عليه ثم قبّلها. وثبت عنه: أنه استلمه بمحجنه، فهذه ثلاث صفات. وروي عنه «أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي» . وروى الطبراني بإسناد جيد أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا استلم الركن اليماني قال: بسم الله، والله أكبر، وكان كلما أتى الحجر الأسود، قال: «الله أكبر» . وروى أبو داود الطيالسي، عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله قبّل الركن، ثم سجد عليه، ثم قبله، ثم سجد عليه، ثلاث مرات، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط. قلت: «واستسقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في طوافه» . رواه الطبراني، عن العباس، وفي سنده رجل لم يسم، والله تعالى أعلم [ (1) ] . فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام، فقرأ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فصلى ركعتين- والمقام بينه وبين البيت- قرأ فيهما بعد الفاتحة: بسورة الإخلاص، وقراءته الآية المذكورة. قلت في حديث جابر: «أنه قرأ فيهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ والله تعالى أعلم. فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله، فلما دنا منه قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أبدأ بما بدأ الله به» . وفي رواية النسائي: «ابدأوا» على الأمر ثم رقى عليه حتى إذا رأى البيت فاستقبل

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير المجمع 3/ 246.

البيت فوحّد الله- تعالى- وكبره وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ، ثم دعا بين ذلك، قال مثل ذلك ثلاث مرات» . وقام ابن مسعود على الصدع، وهو: الشق الذي في الصفا، فقيل له ها هنا يا أبا عبد الرحمن، قال: هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، ثم نزل إلى المروة يمشي، فلما انصبّت قدماه في بطن الوادي سعي حتى إذا جاوز الوادي وأصعد مشى كذا في حديث جابر عند الإمام أحمد ومسلم من طريق جعفر بن محمد [ (1) ] . قالا: لكن روى الإمام أحمد، ومسلم عن محمد بن بكر، والنسائي عن شعيب بن إسحاق ومسلم عن علي بن شهر وعيسى بن يونس كلهم عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة ليراه الناس. قلت وبكونه سعى راكبا جزم ابن حزم. وظاهر الأحاديث عن جابر وغيره، يقتضي أنه مشى خصوصا قوله فلما انصبّت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى. وجزم ابن حزم: بأن الراكب إذا انصب به بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه أيضا مع سائر جسده. قال ابن كثير وهذا بعيد جدا. قالا: وفي الجمع بينهما وجه أحسن من هذا وهو: أنّه سعى ماشيا أولا، ثم أتم سعيه راكبا، وقد جاء ذلك مصرحا به، ففي صحيح مسلم، عن أبي الطفيل، قال قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة. قال: «صدقوا وكذبوا» ، قال: قلت: ما قولك صدقوا وكذبوا قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، حتى خرج عليه العواتق من البيوت قال: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يضرب الناس بين يديه، قال: فلما كثر عليه الناس ركب، والمشي أفضل. قلت: «وفي حديث يعلى بن أمية عند الإمام أحمد أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد نجراني» [ (2) ] . وروى النسائي والطبراني برجال الصحيح، عن أم ولد شيبة بن عثمان «أنها أبصرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: «لا يقطع الأبطح إلا شدّا» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أحمد 3/ 320. [ (2) ] أحمد 4/ 223. [ (3) ] النسائي 5/ 194 والطبراني في الكبير قال الهيثمي 3/ 248 رجاله رجال الصحيح.

وروى البيهقي، عن قدامة بن عمار، قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسعى بين الصفا والمروة على بعير، لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك» [ (1) ] . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، والبزار- برجال ثقات- عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كاشفا عن ثوبه حتى بلغ ركبتيه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني، عن حبيبة بنت أبي تجراة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السّعي، يدور به إزاره وهو يقول: «اسعوا فإن الله- عز وجل- كتب عليكم السعي» وفي الكبير قال: «ولقد رأيته من شدة السعي يدور الإزار حول بطنه وفخذيه حتى رأيت بياض فخذيه» [ (3) ] . قلت: وفي حديث ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سعى في بطن المسيل، قال: «اللهم اغفر وارحم، وأنت الأعز الأكرم» رواه الطبراني [ (4) ] . وفي حديث ابن علقمة، عن عمه «أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا جاء مكانا من دار يعلى- نسبه عبيد الله- استقبل البيت ودعا» . رواه الإمام أحمد وأبو داود إلا أنه قال: عن أمّه والله تعالى أعلم [ (5) ] . قال ابن حزم وطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راكبا على بعير يخبّ ثلاثا ويمشي أربعا. قالا: وكونه خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة، ومشى أربعا لم يتابع على هذا القول، ولم يتفوه به أحد قبله، وإنما هذا في الطواف بالبيت. وكان- صلى الله عليه وسلم- إذا وصل إلى المروة رقي عليها واستقبل البيت وكبر الله ووحدّه وفعل كما فعل على الصفا، فلما أكمل سعيه عند المروة أمر كلّ من لا هدي معه أن يحل حتما ولا بد قارنا كان أو مفردا، وأمرهم أن يحلّوا الحلّ كله، من وطء النساء، والطيب ولبس المخيط، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية، ولم يحل هو من أجل هديه، فحلّ الناس كلهم إلا النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي، ومنهم أبو بكر وعمر، وطلحة والزبير، قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة» ، وهناك سأله سراقة بن مالك بن

_ [ (1) ] البيهقي 5/ 101. [ (2) ] انظر المجمع 3/ 247. [ (3) ] أحمد 6/ 421 وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وغيره المجمع 3/ 147. [ (4) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3/ 248 فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس. [ (5) ] أحمد 6/ 437 وقال الهيثمي 3/ 249 فيه عبد الرحمن لم أجد من وثقه ولا جرحه وبقية رجاله رجال الصحيح.

جشم وهو في أسفل الوادي، لمّا أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة والإحلال، يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدة في الأخرى فقال: «لا» ، ثلاث مرات، ثم قال: «دخلت العمرة في الحج مرتين أو ثلاثا إلى الأبد» بل الأبد فحل الناس كلهم إلا النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي. قلت: وأمره- صلى الله عليه وسلم- من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة، رواه عنه خلائق من الصحابة. وقد اختلف العلماء في ذلك. فقال مالك، والشافعي، كان ذلك من خصائص الصحابة، ثم نسخ جواز الفسخ كغيرهم، وتمسكوا بما رواه مسلم، عن أبي ذر لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا إلى أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم-. وأما الإمام أحمد فرد ذلك وجوّز الفسخ لغير الصحابة. وهناك دعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا، وللمقصرين مرة. فأما نساؤه فأحللن وكن قارنات إلا عائشة فإنها لم تحل من أجل تعذر الحل عليها بحيضتها، وفاطمة حلت، لأنها لم يكن معها هدي، وعلي لم يحلّ من أجل هديه، وأمر من أهلّ بإهلال كإهلاله- صلى الله عليه وسلّم- أن يقيم على إحرامه، إن كان معه هدي، وأن يحل من لم يكن معه هدي. قلت: ورواه الطبراني- برجال ثقات- والله تعالى أعلم. وسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل يوم التروية بيوم، فقلنا غدا إن شاء الله تعالى بالخيف حيث استقسم المشركون، ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والناس معه حتى نزل الأبطح شرقي مكة في قبة حمراء من أدم ضربت له هناك، وهناك كما قال ابن كثير- قدم عليّ من اليمن ببدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محرّشا لفاطمة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «صدقت» ثلاثا «أنا أمرتها، يا عليّ بم أهللت؟» ، قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك قال: ومعي هدي قال: «فلا تحل» ، فكان جملة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي ساقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة مائة بدنة، وكان يصلي مدة مقامه هنا إلى يوم التروية بمنزلة الذي هو نازل فيه بالمسلمين بظاهر مكة، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة. الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء. قلت: ولم يعد إلى الكعبة كما في الصحيح عن ابن عباس. وفي حديث أبي جحيفة عند الإمام أحمد، والشيخين، أنه أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالأبطح وهو في قبة له حمراء فخرج بلال بفضل وضوئه فمن ناضح ومن نائل، قال: فأذّن بلال، فكنت أتتّبع فاه ها هنا وها هنا- يعني يمينا وشمالا- ثم خرج بلال بالعنزة بين يديه،

فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعليه حلة حمراء، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا الظهر والعصر ركعتين ركعتين تمرّ المرأة والكلب والحمار من وراء العنزة، فقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت يديه فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، والله تعالى أعلم. قلت: قال ابن سعد: فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب بمكة بعد الظهر فلما كان يوم الخميس ضحى توجه بمن معه من المسلمين إلى منى فأحرم بالحج من كان أحلّ منهم في رحالهم، ولم يدخلوا المسجد فأحرموا منه، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم فلما وصل إلى منى نزل بها فصلى بها الظهر والعصر، وبات بها، وكانت ليلة الجمعة، فلما طلعت الشمس ساروا منها إلى عرفة وأخذ على طريق ضب على يمين طريق الناس اليوم، وكان من الصحابة الملبّي والمكبّر، وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء. قلت: وفي حديث ابن عباس قال: غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة من منى، فلما انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم، قال: «اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه ولا سمعة» رواه الطبراني بسند جيد. وفي حديث جابر ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أتى نمرة، فوجد القبّة قد ضربت له هناك بأمره فنزل فيها، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي من أرض عرفة. قال ابن سعد: فوقف بالهضبات من عرفات وقال: «كلّ عرفة موقف إلا بطن عرنة» أي بالنون قال ابن تيمية وهو يعني بطن عرنة وادي من حدود عرفة. فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة. قلت وهو قائم في الركابين- كما عند أبي داود- عن العدّاء بن خالد-[ (1) ] رضي الله تعالى عنه-. ونص الخطبة بعد الحمد لله، والثناء عليه، «أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت، فمن كانت عنده أمانة فليردها لمن ائتمنه عليها، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدميّ، وإن أول دمائكم أضع، وفي رواية: وإن أول

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 189 (1917) .

دم أضع من دمائنا دم ربيعة، وفي رواية: دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعا في بني سعد بن بكر فقتلته هذيل [ (1) ] . وعند ابن إسحاق، والنسائي، في بني ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية، وإن كل ربا موضوع، ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله. أما بعد أيها الناس الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يطمع فيما سوى ذلك فقد رضي بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم أيها الناس إن النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً، لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السّنة اثنا عشر شهرا، وفي رواية «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثلاثة متوالية: ذي القعدة وذي الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» . «أما بعد أيها الناس: اتقوا الله واستوصوا بالنساء خيرا، فإنّهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهم شيئا وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله» . وفي رواية «بكتاب الله، ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين فلهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. فاعقلوا أيها الناس قولي- فإني قد بلغت- وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي أبدا- إن اعتصمتم به- أمرين، وفي رواية أمرا بينا كتاب الله عز وجل وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلّم-. أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ لمسلم، وفي رواية: أخو المسلم وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، فلا تظلمن أنفسكم واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله عز وجل ومناصحة أولي الأمر، وعلى لزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، ومن تكن الدنيا نيّته يجعل الله فقره بين عينيه ويشتت عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيّته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته وتأتيه الدنيا وهي راغمة، فرحم الله امرأ سمع مقالتي حتى يبلغه غيره، ورب حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه،

_ [ (1) ] مسلم 2/ 886- 892 (147/ 1218) وأبو داود 2/ 185 (1905) وابن ماجة 2/ 1025 (3074) .

أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، فإن جاء بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله، ولا تعذبوهم، أوصيكم بالجار- حتى أكثر- فقلنا إنه سيورثه. أيها الناس: إن الله قد أدى لكل ذي حق حقه، وإنه لا يجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادّعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، العارية مؤدّاة، والنحلة مردودة، والدين مقضيّ والزعيم غارم. أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. هدينا مخالف هديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير فأخر الله هذه وقدم هذه، يعني: قدم المزدلفة قبل طلوع الشمس، وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغيب الشمس، وندفع من المزدلفة حتى تطلع الشمس، وهدينا مخالف لهدي الأوثان والشرك» . قلت: وفي حديث المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعرفات فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة» ، رواه الطبراني برجال الصحيح [ (1) ] . «وأنتم تسألون عنّي فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد» . ثلاث مرات. قلت: روى البيهقي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب بعرفات، فلما قال: «لبيك اللهم لبيك، قال إنما الخير خير الآخرة» [ (2) ] . قال أبو محمد: وأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن عباس بقدح لبن فشربه أمام الناس ووهّماه في ذلك وقال: «إنما كان ذلك بعد ذلك حين وقف بعرفة كما سيأتي» .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 20/ 24. [ (2) ] البيهقي 5/ 45.

وروى ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: كان الرجل الذي يصرخ في الناس (تحت لبة ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-) بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بعرفة: ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي قال: يقول له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- (اصرخ. وكان صيتا) قل أيها الناس إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: هل تدرون أي شهر هذا؟ فيقول لهم وفي رواية فيصرخ فيقولون نعم الشهر الحرام، فيقول قل لهم إني وفي رواية: فإن الله قد حرم. «فلما أتمها أمر بلالا فأذن ثم أقام الصلاة فصلّى الظهر، ركعتين أسرّ فيهما بالقراءة وكان يوم جمعة، فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات واستقبل القبلة» . قلت في حديث جابر، وجعل بطن ناقته القصواء وهو عليها إلى الصّخرات وجعل جبل المشاة بين يديه. وأمر الناس أن يرتفعوا عن بطن عرنة- بالنون- ووقف- صلى الله عليه وسلّم- من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس وهو يدعو الله تبارك وتعالى ويبتهل ويتضرع إليه رافعا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين وأخبرهم أن خير الدعاء يوم عرفة. ومما حفظ من دعائه- صلى الله عليه وسلّم- هناك: «اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، وإليك مآبي، ولك تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجيء به الريح، ومن شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر بوائق الدهر. اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته وذلّ جسده، ورغم أنفه لك، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما يا خير المسؤولين. ويا خير المعطين» . «لا إله إلا أنت وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي صدري نورا وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، اللهم اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وفتنة القبر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، ومن شر بوائق الدهر» رواه البيهقي.

أنزل عليه هناك الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة/ 3] . وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يكفن في ثوبه، ولا يمس بطيب، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ولا وجهه وأخبر أنه يبعث يوم القيامة يلبي. فلما غربت الشمس واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصّفرة أفاض من عرفة، وأردف أسامة بن زيد خلفه، وأفاض بالسّكينة، وضم إليه زمام ناقته القصواء حتى إن رأسها ليصيب طرف رجله، وهو يقول: «أيها الناس عليكم السكينة، فإن البرّ ليس بالإيضاع» ، أي ليس بالإسراع، وأفاض من طريق المأزمين وكان دخل مكة من طريق ضبّ» . قلت: وفي حديث ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أفاض من عرفات وهو يقول: «إليك تغدو قلفا وضينها ... مخالفا دين النصارى دينها» رواه الطبراني وقال: المشهور في الرواية أنه من فعل ابن عمر أي: لا مرفوعا، والله تعالى أعلم [ (1) ] . ثم جعل يسير العنق وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطيء، فإذا وجد فجوة- وهو المتسع- نصّ سيره أي رفعه فوق ذلك وكلما أتى ربوة من تلك الربى أرخى للناقة- وهي العضباء- زمامها قليلا حتى تصعد، وكان يلبي في مسيره ذلك لا يقطع التلبية، فلما كان في أثناء الطريق مال إلى الشّعب وهو شعب الأذاخر عن يسار الطريق بين المأزمين- نزل- صلى الله عليه وسلّم- فبال وتوضأ خفيفا، فقال أسامة: الصلاة يا رسول الله: فقال: «الصلاة أمامك» ، ثم سار حتى أتى المزدلفة. قلت: نزل قريبا من النار التي على قزح فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بالأذان فأذّن المؤذن، ثم أقام الصلاة فصلى المغرب قبل حطّ الرحال، وتبريك الجمال، فلما حطّوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولم يصل بينهما شيئا ثم نام حتى أصبح ولم يحيي تلك الليلة، وأذن في تلك الليلة، قلت عند السحر لمن استأذنه من أهل الضعف من الذرية والنساء، ومنهن سودة وأم حبيبة أن يتقدموا إلى منى قبل حطمة الناس،

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3/ 256 فيه عاصم بن عبد الله ضعيف.

وذلك طلوع الفجر، وكان ذلك عند غيبوبة القمر. وأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، ورمى من النساء أسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة قبل الفجر. قال في البداية فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الفجر، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالا، وأبلغ في الستر. وفي حديث ابن عباس- قدّمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أغيلمة بني عبد المطلب على نساء محمد يلطح أفخاذنا ويقول: «أبنيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» [ (1) ] رواه أحمد وجئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببقيّة نسائه حتى يدفعن معه حين يصبح. فلما برق الفجر، صلاها في أول الوقت خلافا لمن زعم أنه صلاها قبل الوقت بأذان وإقامة، يوم النحر، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر، وهو يوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك، ثم ركب القصواء حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام فوقف على قزح وقال: «كل المزدلفة موقفنا إلا بطن محسّر» ، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرّع والتهليل، والتكبير، والذكر، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، وذلك قبل طلوع الشمس. قلت: وكان أهل الجاهلية لا يدفعون حتى تطلع الشمس على ثبير، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إنّ قريشا خالفت هدي إبراهيم، فدفع طلوع الشمس. وهنالك سأله عروة بن مضرّس بن الطائي، فقال: يا رسول الله: إني جئت من جبل طيّء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد أتم حجّه وقضى تفثه» [ (2) ] . ثم سار بمزدلفة مردفا للفضل بن عباس، وهو يلبي في مسيره، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه في سباق قريش، وفي طريقه ذلك، أمر الفضل بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات، ولم يكسرها من الجبل، تلك الليلة كما يفعل من لا علم عنده ولا التقطها بالليل، فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: «أمثال هؤلاء، فارموا، وإياكم والغلوّ في الدّين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلّو في الدّين» ، وفي طريقه تلك عرضت له امرأة من خثعم جميلة، فسألته عن الحج عن أبيها- وكان شيخا كبيرا

_ [ (1) ] أحمد 1/ 234. [ (2) ] الترمذي 3/ 238 (891) وأبو داود 2/ 196 (1950) والنسائي 5/ 213 وابن ماجة 2/ 1004 (3016) .

لا يستمسك على الراحلة- فأمرها أن تحج عنه، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فوضع يده على وجهه فصرفه إلى الشق الآخر لئلا تنظر إليه ولا ينظر إليها. قلت في حديث جابر وكان الفضل رجلا حسن الشّعر أبيض وسيما، والله تعالى أعلم. فقال العباس لويت عنق ابن عمك، فقال: «رأيت شابا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما» . وسأله آخر هناك عن أمّه، وقال: «إنها عجوز كبيرة، وإن حملتها لم تستمسك وإن ربطتها خشيت أن أقتلها» ، قال: «أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيه؟» قال: نعم. قال «فحج عن أمك» فلما أتى بطن محسّر حرك ناقته وأسرع السير، وهذه كانت عادته- صلى الله عليه وسلّم- في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه، فإن هنالك أصاب الفيل ما قص الله علينا. ولذلك سمي الوادي وادي محسّر، لأن الفيل حسر فيه أي أعيا وانقطع عن الذهاب. ومحسّر برزخ بين منىّ ومزدلفة لا من هذه ولا من هذه، وعرنة برزخ بين عرفة والمشعر الحرام، فبين كل مشعرين برزخ ليس منها، فمنى من الحرم، وهي مشعر، ومحسّر من الحرم وليس بمشعر، ومزدلفة حرم ومشعر، وعرنة ليست بمشعر، وهي من الحل وعرفة حل ومشعر. قلت: كذا في أكثر الروايات. وفي حديث أم جندب، عند أبي داود وغيره، أنه كان راكبا يظله الفضل بن العباس وهو غريب مخالف للروايات الصحيحة [ (1) ] . وسلك الطريق الوسطى بين الطّريقين، وهي التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى منى. قلت: قال ابن سعد: ولم يزل يلبّي حتى رمى جمرة العقبة. «فأتى جمرة العقبة فوقف في أسفل الوادي وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، واستقبل الجمرة، وهو على راحلته فرماها راكبا بعد طلوع الشمس، واحدة بعد واحدة، يكبر مع كل حصاة، وحينئذ قطع التلبية وكان في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي، وبلال وأسامة معه، أحدهما آخذ بخطام ناقته، والآخر يظله بثوب من الحر» . قلت: الذي كان يظله بلال كما في حديث أبي أمامة، عن بعض الصحابة رواه ابن سعد [ (2) ] .

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 200 (1966) وابن ماجة 2/ 1008 (3031) . [ (2) ] الطبقات الكبرى 2/ 127.

وفي حديث أم جندب الأزدية أنه الفضل بن العباس، رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والبيهقي فإنهما كانا يتناوبان [ (1) ] . قلت وروى مسلم وابن سعد والبيهقي عن جابر قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي راحلته يوم النحر» ويقول لنا: «خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» [ (2) ] ، وفي حديث أم جندب: فازدحم الناس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف» ، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس» [ (3) ] . وفي حديث حذافة بن عبد الله العلائي أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رمى جمرة العقبة في بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك [ (4) ] . قلت: «ولم يقف عند جمرة العقبة، ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة» . وروى الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الناس بمنى وأنزلهم منازلهم، فقال: «لينزل المهاجرون هاهنا» وأشار إلى يمين القبلة، «والأنصار هاهنا» وأشار إلى ميسرة القبلة، «ثم لينزل الناس حولهم» ، وعلمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم [ (5) ] . قال ابن كثير: ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت، أو بعد رجوعه منه إلى منى؟. قلت جزم- صاحب الهدي: «بأنها كانت قبل ذهابه إلى البيت، وكان عمرو بن خارجة تحت جران ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهي تقصع بجرّتها وإن لعابها ليسيل بين كتفيه قال الحافظ: قال بعض الشراح: إنه بلال، والصواب: أنه أبو بكرة- فقال- صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته العضباء بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إلا أن الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، والسنّة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ألا أي، وفي رواية: ألا تدرون، وفي رواية: أتدرون أي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: «أليس هذا يوم النحر؟» قلنا: بلى، قال: «أي شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 200 (1966) . [ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 943 (310/ 1297) وأبو داود 2/ 201 (1970) والنسائي 5/ 219 والبيهقي 5/ 125 وأحمد 3/ 301. [ (3) ] أبو داود 2/ 200 (1966، 1967) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أحمد 4/ 61.

ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس ذو الحجة؟» قلنا: بلى، قال: «فأي بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: «أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال فإن دماءكم وأموالكم- قال محمد- وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» ، ثم قال: «ألا هل بلغت؟» قلنا: نعم، قال: «اللهم فاشهد» . رواه الإمام أحمد والشيخان [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والبخاري، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، فقال: «أيها الناس: أيّ يوم هذا؟ قالوا يوم حرام، قال: فأيّ بلد هذا؟ قالوا بلد حرام، قال: فأيّ شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: «فإن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه [إلى السماء] فقال: «اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت؟» [ (2) ] . وروى الشيخان نحوه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟» قالوا شهرنا هذا، قال: «ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟» قالوا: بلدنا هذا، قال: «ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟» قالوا: يومنا هذا، قال: «فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ثلاثا؟» كل ذلك يجيبونه ألا نعم قال: «ويحكم أو قال: ويلكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» [ (3) ] . ثم انصرف إلى النحر بمنى، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده بالحربة وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره- صلّى الله عليه وسلم- ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المائة، ثم أمره أن يتصدق بجلالها وجلودها ولحومها، في المساكين، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها، وقال: «نحن نعطيه من عندنا، وقال: من شاء اقتطع» . قلت: في حديث ابن جريج عن جعفر بن محمد عن جابر ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها والله تعالى أعلم. قال ابن جريج: قلت من الذي أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق؟ قال جعفر:

_ [ (1) ] انظر مسند أحمد 5/ 37. [ (2) ] أحمد 1/ 230 والبخاري (3/ 670) حديث (1739) (7079) . [ (3) ] البخاري 3/ 671 (1742، 4403، 6043، 6166، 6785، 6868، 7077) .

علي بن أبي طالب أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق. وقول أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحر بيده سبع بدن قياما. حمله أبو محمد- رحمه الله تعالى- على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين، ثم زال عن ذلك المكان، وأمر عليا فنحر ما بقي، أو أنه لم يشاهد إلا نحره- صلى الله عليه وسلّم- سبعا فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره- صلى الله عليه وسلّم- للباقي، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد، وأنه- صلى الله عليه وسلّم- نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ثم أخذ هو وعلي الحربة معا فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين كما قال عروة بن الحارث الكندي أنه شاهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ أخذ بأعلى الحربة، وأمر عليا فأخذ بأسفلها، ونحرا بها البدن، ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر. وحديث عبد الله بن قرط- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرب له بدنات خمس فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها. تكلم بكلمة خفية لم أفهمها. فقلت: ما قال؟ قال من شاء اقتطع لا يلزم منه أنه نحر خمسا فقط، فإن المائة لم تقرب إليه جملة، وإنما كانت تقرب إليه أرسالا، فقرّب منها خمس بدنات رسلا، وكان ذلك الرّسل يبادرن ويتقربن إليه، لكي يبدأ بكل واحدة منهن. قلت: وضحى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن نسائه بالبقر [ (1) ] . ونحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنحره بمنى، وأعلمهم أن منى كلها منحر، وأن فجاج مكة طريق ومنحر وسئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يبنى له بناء بمنى يظلّه من الحرّ، فقال: لا منى مناخ لمن سبق إليه [ (2) ] . فلما أكمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحره استدعى بالحلاق فحلق رأسه، فقال للحلاق- وهو معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف- وحضر المسلمون يطلبون من شعره- وهو قائم على رأسه بالموسى، ونظر في وجهه وقال: «يا معمر أمكنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من شحمة أذنه وفي يدك الموسى» ، قال معمر، فقلت: أما والله يا رسول الله أن ذلك من نعم الله علي ومنّه. قال للحلاق: «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه، ثم

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (357/ 1319) . [ (2) ] أحمد 6/ 207 والحاكم 1/ 467 وابن ماجة (3006، 3007) وانظر صحيح مسلم (1218) وأبو داود (1907) .

أشار إلى الحلّاق، فحلق جانبه الأيسر، ثم قال: «هاهنا أبو طلحة» ، فدفعه إليه. قال ابن سعد: وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن [ (1) ] . وروى البخاري، عن ابن سيرين، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره، قال: وهذا لا يناقض رواية مسلم: لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره، ويختص بالشق الآخر، لكن قد روى مسلم- أيضاً- من حديث أنس «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال: «احلق» فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال: «اقسمه بين الناس» . ففي هذه الرواية، كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن وفي الأولى أنه كان الأيسر وفي رواية أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعطاه أم سليم ولا يعارض هذا دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته، وفي لفظ: فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر فصنع به مثل ذلك ثم قال: «ها هنا أبو طلحة» فدفعه إليه، وفي لفظ ثالث: دفع إلى أبي طلحة شعر شقّ رأسه الأيسر، ثم أظفاره وقسمها بين الناس. وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه فكان يجعلها في مقدم قلنسوته، فلا يلقى جمعا إلا فضّه. وحلق أكثر أصحابه- صلى الله عليه وسلّم- وقصّر بعضهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم اغفر للمحلقين» ، ثلاثا كل ذلك يقال: والمقصرين يا رسول الله، فقال: «والمقصرين في الرابعة» . قلت: قال ابن سعد: وأصاب الطيب بعد أن حلق، ولبس القميص، وحلّ الناس، وجاءه رجل فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن انحر قال: «انحر ولا حرج» ، ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله إني أفضت قبل أن أنحر. قال: «احلق ولا حرج» ، فما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج» [ (2) ] . وبعث عبد الله بن حذافة السهمي، وقيل: كعب بن مالك ينادي في الناس، بمنى: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنها أيام أكل وشرب وذكر الله» [ (3) ] .

_ [ (1) ] البخاري 1/ 273 (171) ومسلم 2/ 947 (323/ 1305) (326/ 1305) . [ (2) ] الطبقات 2/ 125 وأخرجه مسلم 2/ 949- 950 (333/ 1306) . [ (3) ] أحمد 3/ 415.

قلت: ونادى مناديه بمنى أنها أيام أكل وشرب وباءة ذكره ابن سعد [ (1) ] . فانتهى المسلمون عن صيامهم إلا محصورا بالحج أو متمتعا بالعمرة إلى الحج، فإن الرّخصة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يصوموا أيام منى، والله تعالى أعلم. ثم أفاض- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة قبل الظهر راكبا، (وأردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة) ، فطاف طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة، وهو طواف الصدر، ولم يطف غيره، قال: هو الصواب. في حديث عائشة، وابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخّر طواف يوم النّحر إلى الليل [ (2) ] ، علقه البخاري، ورواه الأربعة. قلت: قال ابن كثير: والأشبه أن هذا الطواف كان قبل الزوال، ويحتمل أنه كان بعده. فإن حمل هذا أنّه أخّر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول: إلى العشي صح ذلك، وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا، ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من أنه- صلى الله عليه وسلّم- طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم، وأما الطواف بالليل، فهو طواف الوداع، ومن الرواة من يعبّر عنه بطواف الزيارة ثم أتى زمزم بعد أن قضى طوافه، وهم يسقون، فقال: «لولا أن يغلبكم الناس عليها يا ولد عبد المطلب لنزلت، فسقيت معكم» [ (3) ] . ويقال: إنه نزع دلوا لنفسه، ثم ناوله الدلو، قلت: ثم مجّ فيها فأفرغ على سقايتهم في زمزم. وفي حديث ابن عباس عند البخاري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشراب من عندها، فقال: اسقني، فقالت: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: «اسقني (مما يشرب الناس) » ، فشرب منه، ثم أتى زمزم [ (4) ] ، والله تعالى أعلم. قال: فشرب وهو قائم. قال: والأظهر أن ذلك كان للحاجة، وهل كان في طوافه هذا راكبا؟ أو ماشيا؟. وقد تقدم ما رواه مسلم وغيره، عن جابر، قال: طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه.

_ [ (1) ] الطبقات 2/ 125. [ (2) ] أخرجه أبو داود (2000) . [ (3) ] تقدم. [ (4) ] أخرجه 2/ 303 (1635) والبيهقي 5/ 147 والطبراني في الكبير 11/ 345 وابن سعد 4/ 1/ 17.

وروى الشيخان، عن ابن عباس قال: طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه. قال ابن القيم: وهذا الطواف ليس بطواف الوداع فإنه كان ليلا، وليس بطواف القدوم، لوجهين: أحدهما: أنه قد صح عنه. أن الرّمل في طواف القدوم. ولم يقل أحد قط رملت به راحلته وإنما قالوا رمل نفسه. والثاني قول عمرو بن الشريد: أفضت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعا، وهذا ظاهره، انه من حين أفاض معه، ما مست قدماه الأرض إلى أن رجع، ولا ينقض هذا بركعتي الطواف، فإن شأنهما معلوم، قال: والظاهر أن عمرو بن الشريد إنما أراد الإفاضة معه من عرفة، ولهذا قال: حتى أتى جمعا وهي مزدلفة، ولم يرد الإفاضة إلى البيت يوم النحر، ولا ينقض هذا بنزوله عند الشعب حين بال ثم ركب، لأنه ليس بنزول مستقر، وإنما مست قدماه الأرض مسّا عارضا. ثم رجع- صلى الله عليه وسلم- إلى منى. واختلف: أين صلى الظهر يومئذ؟ ففي الصحيحين عن ابن عمر: أنه- صلى الله عليه وسلّم- أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى. وفي مسلم عن جابر أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بمكة، وكذلك قالت عائشة واختلف في ترجيح أحد القولين على الآخر. ورجح أبو محمد بن حزم وغيره الثاني، ورجح ابن القيم الأول. وقال ابن كثير: فإن علمنا بها أمكن أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بمكة، ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتظرونه، فصلى بأصحابه بمنى أيضا. وطافت عائشة في ذلك اليوم طوافا واحدا وسعت سعيا واحدا أجزأها عن حجها وعمرتها وقال في موضع آخر: يحتمل أنه رجع إلى منى، في آخر وقت الظهر، فصلى وطافت صفية ذلك اليوم. ثم حاضت، قال: فأجزأها طوافها ذلك عن طواف الوداع ولم تودع. وكان رمي الجمار حين تزول الشمس قبل الصلاة، وكان إذا رمى الجمرتين علاهما ورمى جمرة العقبة من بطن الوادي. وكان يقف عند الجمرة الأولى أكثر مما يقف عند الثانية، ولا يقف عند الثالثة، وإذا رماها انصرف، وكان إذا رمى الجمرتين وقف عندهما، ورفع يديه لا يقول ذلك في رمي العقبة فإذا رماها انصرف.

ونهى أن يبيت أحد بليالي منى، ورخص للرعاة أن يبيتوا عند منى، من جاء منهم فرمى بالليل أرخص له في ذلك وقال: ارموا بمثل حصى الخذف [ (1) ] . كان أزواجه يرمين مع الليل، ثم رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى منى من يومه ذلك فبات بها، فلما أصبح انتظر زوال الشمس، فلما زالت الشمس مشى من رحله إلى الجمار ولم يركب، فبدأ بالجمرة الأولى، التي تلي مسجد الخيف فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة، يقول مع كل حصاة: «الله أكبر» ثم يقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل فقام مستقبل القبلة ثم رفع يديه ودعا دعاء طويلا بقدر سورة البقرة، ثم أتى- صلى الله عليه وسلّم- إلى الجمرة الوسطى فرماها كذلك، ثم انحدر ذات اليسار، مما يلي الوداع فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو قريبا من وقوفه الأول ثم أتى الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة، فاستبطن الوادي واستعرض الجمرة، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه فرماها بسبع حصيات كذلك، ولم يرمها من أعلاها كما يفعل الجهال، ولا جعلها عن يمينه، واستقبل البيت وقت الرمي كما ذكره غير واحد من الفقهاء. فلما أكمل الرمي من فوره ولم يقف عندها، فقيل: لضيق المكان بالجبل، وقيل: وهو الأصح أن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها، فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي، والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها، وذكر ما يتعلق بالدعاء بعد الصلاة، وقد تقدم بما فيه. قال: والذي يغلب على الظن أنه كان يرمي قبل الصلاة، ثم يرجع فيصلي، لأن جابرا وغيره قالوا: كان يرمي إذا زالت الشمس فعقبوا زوال الشمس برميه وأيضا فإن وقت الزوال للرمي أيام منى، كطلوع الشمس لرمي يوم النحر. وروى الترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يرمي الجمار إذا زالت الشمس زاد ابن ماجة. قدر ما إذا فرغ من رميه- صلى الله عليه وسلّم- صلى الظهر [ (2) ] . وذكر الإمام أحمد: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يرمي يوم النحر راكبا، وأيام منى ماشيا، في ذهابه ورجوعه. قال ابن القيم: وقد تضمّنت حجّته- صلى الله عليه وسلّم- ست وقفات للدعاء في الموقف: الأول:

_ [ (1) ] أخرجه مالك 1/ 284 والترمذي (954، 955) وأبو داود 1975 و 1976 والنسائي 5/ 273 وابن ماجة (3036) (3037) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1015) والحاكم 1/ 478 ورواية الحصى انظر مسلم (1282) . [ (2) ] الترمذي 3/ 243 (898) وابن ماجة 2/ 1014 (3054) .

على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية. وخطب- صلى الله عليه وسلّم- الناس بمنى خطبة عظيمة. قلت: قال ابن سعد: على راحلته القصواء. قال عمرو بن خارجة وهي تقصع بجرتها، وإن لعابها ليسيل بين كتفيّ في وسط أيام التشريق. فقيل: هو ثاني يوم النحر، وهو أوسطها- أي خيارها- لما سيأتي. وهو الحادي عشر من ذي الحجة، وهو يوم الرؤوس سمي بذلك لأنهم كانوا يذبحون يوم النحر ثم يطبخون الرؤوس تلك الليلة فيبكّرون على أكلها، وكان عم أبي حرّة الرقاشي آخذ بزمام ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يذود عنه الناس. وسببها أنه- صلى الله عليه وسلّم- أنزلت عليه سورة النصر في هذا اليوم، فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له، فوقف للناس بالعقبة، فاجتمع إليه الناس، وفي رواية: ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ألا هل بلّغت؟» قالوا: بلّغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلّغ أوعى من سامع» ، ثم قال: «أي شهر هذا؟» فسكتوا فقال: هذا شهر حرام، «أي بلد هذا؟» فسكتوا فقال: بلد حرام،: «أي يوم هذا؟» فسكتوا قال: يوم حرام، ثم قال: «إن الله تعالى قد حرّم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، كحرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد، ثم قال: إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم» ، ألا هل بلغت؟ قال: الناس نعم، قال: «اللهم اشهد، ألا وإن من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع وان كل دم في الجاهلية موضوع وأن أول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل» ، ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم قال: «اللهم فاشهد فليبلغ الشاهد الغائب، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم. ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا. ألا لا تظلموا إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» . فقال عمرو بن يثربي يا رسول الله أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي فأخذت شاة فاحترزتها، فقال: إن لقيتها تحمل شفرة وأزنادا بخبت الجميش فلا تهجها. ثم قال أيها الناس: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً

وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ [التوبة/ 37] ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» ، ثم قرأ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة/ 36] ثلاث متواليات: ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم فقال: اللهم اشهد» . ثم قال: «أيها الناس. إن للنساء عليكم حقا، وإن لكم عليهن حقا، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا، ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن بالمضاجع، وأن تضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلّغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللهم اشهد. ثم قال: أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه، فقد رضي به، إن المسلم أخو المسلم، إنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، لا تظلموا أنفسكم، لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله تعالى، ألا هل بلّغت؟ قال الناس: نعم قال: اللهم اشهد. ثم انصرف إلى منزله وصلى الظهر والعصر يوم النّفر بالأبطح، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- إنما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمحصب، لأنه كان أسمح لخروجه. واستأذنه العباس عمه في المبيت بمكة ليالي منّى من أجل سقايته، فأذن له، واستأذنه رعاء الإبل في البيتوتة خارج منى، فأرخص لهم أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما، قال مالك: ظننت أنه قال: في أول يوم منهما، ثم يرمون يوم النفر قال ابن عيينة في هذا الحديث. رخص للرعاء أن يرموا يوما، ويتركوا يوما. ولم يتعجل- صلى الله عليه وسلّم- في يومين، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، وأفاض- صلى الله عليه وسلّم- يوم الثلاثاء بعد الظهر، إلى المحصّب وهو الأبطح، وهو خيف بني كنانة فوجد، أبا رافع قد ضرب فيه قباء هنالك، وكان على ثقله توفيقا من الله تعالى دون أن يأمره به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة

فطاف للوداع ليلا سحرا، ولم يرمل في هذا الطواف. ثم خرج إلى أسفل مكة قلت: من المسجد من باب الحرورية وهو باب الخيّاطين. رواه الطبراني، عن ابن عمر. وأخبرته صفية أنها حائض، فقال: «أحابستنا هي؟» فقيل إنها قد أفاضت، قال: «فلتنفر إذن» ، ورغبت إليه عائشة تلك الليلة أن يعمرها عمرة مفردة فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها فأبت إلا أن تعتمر عمرة منفردة فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم، ففرغت من عمرتها ليلا، ثم وافت المحصّب مع أخيها فأتيا في جوف الليل ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: فرغتما؟ قالت: نعم. فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس، ثم طاف بالبيت قبل صلاة الصبح، هذا لفظ البخاري عنها من طريق القاسم. وفي الصحيح من طريق الأسود عنها قالت: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا نرى إلا الحجّ فذكر الحديث. فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة، فقال: «أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟» ، قلت: لا: قال: «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلّي بعمرة، ثم موعدك مكان كذا وكذا» . قالت عائشة: فلقيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مصعدا على أهل مكة وأنا منهبطة، أو أنا مصعدة وهو منهبط منها. وظاهر هذا أنهما تقابلا في الطريق، وفي الأول أنه انتظرها في منزله فلما جاءت نادى بالرحيل في أصحابه، وقولها تعني وهو مصعد من مكة، وأنا منهبطة عليها للعمرة، وهذا ينافي انتظاره لها في المحصّب، قال: فإن كان حديث الأسود محفوظا عنها فصوابه «لقيني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأنا مصعدة من مكة وهو منهبط إليها فإنها طافت وقضت عمرتها ثم أصعدت لميعاده فوافته وهو قد أخذ في الهبوط إلى مكّة للوداع، فارتحل وأذن في الناس بالرحيل» ، ولا وجه لحديث الأسود غير هذا. ويؤيد هذا ما رواه الشيخان عنها من طريق- قالت: حين قضى الله الحج ونفرنا من منّى، فنزلنا بالمحصّب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: اخرج بأختك من الحرم ثم افرغا من طوافها، ثمّ ائتياني بها بالمحصب، قالت: فقضى الله العمرة وفرغنا من طوافنا من جوف الليل، وأتيناه بالمحصب وقال: «فرغتما؟» قلنا: نعم فأذّن في الناس بالرحيل.

قلت: أتى سعد بن أبي وقاص بعد حجه يعوده من وجع أصابه، فقال: يا رسول الله بي ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة فأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت فالشطر؟، قال: لا. قال: «الثلث والثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعله في في امرأتك» ، فقال: يا رسول الله: أخلّف بعد أصحابي؟ فقال: «إنك لن تخلّف، فتعمل عملا صالحا إلا تزداد خيرا ورفعة ثم لعلّك أن تخلّف حتى ينتفع بك أقوام، ويضرّ بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم» ، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن مات بمكة وخلّف على سعد بن أبي وقاص رجلا وقال: إن مات بمكة فلا تدفنه بها يكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها. ثم سار- صلى الله عليه وسلّم- راجعا إلى المدينة فلما كان بالروحاء لقي ركبا فسلم عليهم فقال: «من القوم؟» فقالوا المسلمون فمن القوم؟ فقال: «رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» فرفعت امرأة صبيا لها من محفة فقالت: يا رسول الله: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر؟. فلما أتى ذا الحليفة بات بها حتى أصبح، وصلى في بطن الوادي. قلت: ورأى وهو معرّس بذي الحليفة ببطن الوادي قيل له إنك ببطحاء مباركة. فلما رأى المدينة كبر ثلاث مرات وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آئبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» . وكان إذا قفل من حج أو عمرة أو غزوة فأوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا وقال: «لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد (يحيي ويميت) ، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، آئبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» [ (1) ] . «اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد، اللهم بلّغنا بك بلاغا صالحا يبلّغ إلى الخير بمغفرة منك ورضوان» . ولما نزل المعرّس نهى أن يطرقوا النساء ليلا، فطرق رجلان أهليهما فكلاهما وجد ما يكره، وأناخ بالبطحاء، وكان إذا خرج إلى الحج سلك على الشجرة، وإذا رجع من مكة دخل المدينة من معرّس الأبطح وكان في معرّسه في بطن الوادي، وكان فيه عامة الليل.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (1218) وانظر خلاصة البدر المنير 2/ 12.

الباب الرابع في تنبيهات وفوائد تتعلق بحجة الوداع

الباب الرابع في تنبيهات وفوائد تتعلق بحجة الوداع الأول: «لم يصح أنه- صلى الله عليه وسلم- دخل البيت في حجة الوداع» . الثاني: أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى صبيحة ليلة الوداع بمكة. لما رواه الشيخان، عن أم سلمة، قالت: شكوت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إني اشتكي، فقال: «إذا أقمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك، والناس يصلون» ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت، وفي رواية: «فطوفي من وراء الناس، وأنت راكبة» ، قالت: فطفت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. قال ابن القيم: وهذا محال قطعا أن يكون يوم النحر، فهو طواف الوداع بلا شك، فظهر أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح يومئذ عند البيت وسمعته أم سلمة يقرأ بالطّور فيها. الثالث: صح أنه- صلى الله عليه وسلم- وقف بالملتزم في غزوة الفتح، كما رواه أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي صفوان، روى أبو داود أيضا، عن ابن عباس: أنه قام بين الركن والباب، فوضع صدره وجبهته وذراعيه، وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، وقال: هكذا إذ رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفعله، فهذا يحتمل أن يكون وقت الوداع، وأن يكون غيره. فصل: في ترجيح قول من رأى أنه- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا: وذلك من وجوه، كما قال في زاد الميعاد. الأول: أنّهم أكثر. الثاني: أن طريق الاخبار بذلك تنوعت. الثالث: أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظه- صلى الله عليه وسلّم- صريحا، وفيهم من أخبر عن نفسه بأنه فعل ذلك، ومنهم من أخبر عن أمر ربه بذلك، ولم يجئ شيء من ذلك في الإفراد. الرابع: تصديق روايات من روي أنه اعتمر أربع، وأوضح ذلك ابن كثير بأنهم اتفقوا على أنه- صلى الله عليه وسلم- اعتمر عام حجة الوداع، فلم يتحلل بين النسكين، ولا أنشأ إحراما آخر للحج، ولا اعتمر بعد الحج فلزم القران، قال: وهذا مما يفسر الجواب عنه انتهى. الخامس: أنها صريحة لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإفراد، كما سيأتي. السادس: أنها متضمنة زيادة سكت عنها من روى الإفراد، أو نفاها، والذاكر والزائد مقدم على الساكت، والمثبت مقدم على النافي. السابع: روى الإفراد أربعة: عائشة، وابن عمر، وجابر، وابن عباس، وغيرهم رووا

القران، فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم سلمت رواية من عداهم للقران عن معارض، وإن صرنا إلى الترجيح وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ولا اختلف كعمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب وأنس، والبراء وعمران بن حصين، وأبي طلحة، وسراقة بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن أبي أوفى، وهرماس بن زياد. الثامن: أنّه النسك الذي أمر به من ربه، كما تقدم فلم يكن ليعدل عنه. التاسع: أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي ثم يسوق هو الهدي ويخالفه. العاشر: أنه النسك الذي أمر به له ولأهل بيته، واختاره لهم، ولم يكن يختار لهم إلا ما اختار لنفسه. الحادي عشر: قوله: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» ، يقتضي أنها صارت جزءا منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينه وبينه، وإنما يكون كالداخل في الشيء معه. الثاني عشر: قول عمر: للصّبيّ بن معبد- وقد أهلّ بحج وعمرة- فأنكر عليه زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فقال له عمر: هديت لسنّة نبيك- صلى الله عليه وسلّم- وهذا يوافق رواية عمر أنه الوحي جاء من الله بالإهلال بهما جميعا، فدل على أن القران سنة التي فعلها وامتثل أمر الله تعالى بها. قال ابن كثير: والجمع بين رواية من روي أنه أفرد الحج وبين رواية من روى القران، أنه أفرد أفعال الحج ودخلت فيه العمرة نيّة وفعلا وقولا، واكتفى بطواف الحج وسعيه عنه وعنها، كما في مذهب الجمهور في القران خلافا لأبي حنيفة. وأما من روى التمتع وصح عنه: أنه روى القران، فالتمتّع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص والأوائل يطلقونه على الاعتمار في أشهر الحج وإن لم يكن معه حج، قال سعد بن أبي وقاص تمتعنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وإنما يريد بهذا إحدى العمرتين المتقدمتين: إمّا الحديبية، وإمّا القضاء، فأما عمرة الجعرانة، فقد كان معاوية قد أسلم- فإنها كانت بعد الفتح، وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر. قلت: وأما الحديث ابن عمر وعائشة السابقان فقد رويا التمتع فهو مشكل على الأقوال، أما قول الإفراد ففي هذا إثبات عمرة إما قبل الحج أو معه، وإما على قول التمتع الخاص فإنه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعد ما طاف بالصفا والمروة، وليس هذا شأن المتمتع، ومن زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدي، كما قد يفهم من حديث ابن عمر.

التنبيه الرابع: وهم من قال إنه خرج يوم الجمعة بعد الصلاة، والذي حمله على هذا الوهم القبيح قوله في الحديث خرج لست بقين فظن أن هذا لا يمكن أن يكون الخروج يوم الجمعة إذ تمام الست يوم الأربعاء والأول الحجة كان الخميس بلا تردد، وهذا خطأ فاحش، فإنه من المعلوم الذي لا ريب فيه إنه صلى الظهر يوم خروجه من المدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين. الخامس: أنه حل بعد طوافه وسعيه. السادس: أنه دخل مكة يوم الثلاثاء وصوابه: يوم الأحد، صبح رابعة من ذي الحجة. السابع: أنه- صلى الله عليه وسلّم- قصر عنه بمقص في حجته. الثامن: أنه كان يقبل الركن اليماني في طوافه وإنما ذلك الحجر الأسود كما تقدم بيانه. التاسع: أنه رمل في سعيه ثلاثة أشواط، ومشى أربعة، وأعجب من صاحب هذا الوهم حكاية الاتفاق على هذا القول الذي لم يقله أحد سواه. العاشر: أنه طاف بين الصّفا والمروة أربعة عشر شوطا، فكان ذهابه وسعيه مرة واحدة وهذا باطل لم يقله غير قائله. الحادي عشر: أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح يوم النحر قبل الوقت. الثاني عشر: أنه صلى الظهر يوم عرفة، والمغرب والعشاء تلك الليلة بأذانين وإقامتين. الثالث عشر: أنه صلاهما بلا أذان أصلا. الرابع عشر: أنه جمع بينهما بإقامة واحدة، والصحيح أنه صلاهما بأذان واحد وإقامة لكل صلاة والله أعلم. الخامس عشر: أنه خطب بعرفة خطبتين، جلس بينهما ثم أذن المؤذن فلما فرغ أخذ في الخطبة الثانية فلما فرغ أقام الصلاة، وهذا لم يجيء في شيء من الأحاديث البتّة، وحديث جابر صريح في أنه لما أكمل خطبته أذن بلال وأقام الصلاة فصلى الظهر بعد الخطبة. السادس عشر: أنه لما صعد أذن المؤذن فلما فرغ قام فخطب، وصوابه أنّ الأذان كان بعد الخطبة. السابع عشر: قدّم أمّ سلمة ليلة النحر، وأمرها أن توافيه صلاة الصبح بمكة. الثامن عشر: أنه أخر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل والصواب أن الذي أخره إلى الليل طواف الوداع.

تنبيهات في بيان غريب ما سبق، وحجة الوداع:

التاسع عشر: أنه أفاض مرتين: مرة بالنهار، ومرة مع نسائه ليلا، وهذا غلط، والصحيح عن عائشة خلاف هذا أنه أفاض نهارا إفاضة واحدة. العشرون: أنه طاف للقدوم يوم النحر، ثم طاف للزيارة بعده. الحادي والعشرون: أنه سعى يومئذ مع هذا الطواف أعني طواف القدوم، ويردّه قول عائشة وجابر أنه لم يسع إلا سعيا واحدا. الثاني والعشرون: أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر يوم النحر بمكة، والصحيح أنه صلاها بمنى. الثالث والعشرون: أنه لم يسرع في وادي محسّر حين أفاض من جمع إلى منى وإنما ذلك هو فعل الأعراب. الرابع والعشرون: أنه كان يفيض كل ليلة من ليالي منى إلى البيت. الخامس والعشرون: أنه ودع مرتين. السادس والعشرون: أنه جعل مكة دائرة في دخوله وخروجه فبات بذي طوى ثم دخل من أعلاها، ثم خرج من أسفلها ثم رجع إلى المحصب عن يمين مكة فكملت الدائرة. السابع والعشرون: أنه انتقل من المحصب إلى ظهر العقبة، وقد نبه ابن القيم على هذه الأوهام مفصلة مع بيان ردّ كل فليراجعه من أراده. تنبيهات في بيان غريب ما سبق، وحجة الوداع: قال النووي: المعروف في الرواية: حجة الوداع- بفتح الحاء، وقال الهروي وغيره من أهل اللغة: المسموع من العرب في واحدة الحج حجة بكسر الحاء، قالوا: والقياس فتحها لكونها اسما لمرة واحدة، وليست عبارة عن الهيئة حين تكسر، قالوا: فيجوز الكسر بالسماع، والفتح بالقياس، وسميت بذلك، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ودّع الناس فيها وعلمهم في خطبه فيها أمر دينهم، وأوصاهم بتبليغ الشرع إلى من غاب. الجدري- بجيم مضمومة، فدال مهملة مفتوحة، فراء: قروح في البدن تسقط وتقيح. الحصبّة- بحاء مهملة، وصاد ساكنة وتحرك مهملتين، وموحدة: بثر يخرج بالجسد. طريق الشجرة [ (1) ] ... القطيفة بقاف مفتوحة، فطاء مهملة مكسورة، فتحتية ففاء فتاء تأنيث: كساء له خمل.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

وادي العقيق- بعين مهملة فقافين أولاهما مكسورة بينهما تحتية: واد من أودية المدينة، وهو الذي ذكر في الحديث: أنه واد مبارك. ذو الحليفة بحاء مهملة مضمومة، فلام مفتوحة، فتحتية ساكنة، ففاء، فتاء تأنيث. الهوادج- جمع هودج: مركب للنساء معروف. الهدي- بهاء مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فتحتية تخفف وتشدّد: ما يهدى من الأنعام إلى البيت الحرام. الإشعار- بهمزة مكسورة، فشين معجمة ساكنة، فعين مهملة مفتوحة، فألف، فراء: شقّ سنام البدنة حتى يسيل دمها. ناجية- بنون، فألف، فجيم مكسورة فتحتية. جندب بجيم مضمومة، فنون ساكنة فدال مهملة. الخطمي- بخاء معجمة. الإشنان- بهمزة مكسورة فشين معجمة ساكنة فنونين بينهما ألف. المقتت- بميم مضمومة فقاف مفتوحة فمثناتين فوقيتين. طبخ فيه الرياحين أو خلط بأدهان طيبة. الذّريرة: طيب وقد تقدم. المسك بميم مكسورة، فسين مهملة ساكنة، فكاف نوع من الطيب معروف. الوبيص- بواو مفتوحة، فموحدة مكسورة، فتحتية ساكنة فصاد مهملة: البريق. المفرق كمقعد الذي يفرق به الشعر. الأردية- بهمزة مفتوحة فراء ساكنة، فدال مهملة مكسورة فتحتية فتاء تأنيث جمع رداء وهو الثوب أو البرد الذي يضعه الإنسان فوق عاتقه وبين كتفيه فوق ثيابه. المزعفرة: المصبوغة بالزعفران وهو معروف. تردع بفوقية مفتوحة فراء ساكنة فدال مفتوحة فعين مهملتين: تنفض ردعها وهو الطبخ الذي لم يعم. السراويلات جمع سراويل، والجمهور على أنها مفردة أعجمية معربة. الورس: بفتح الواو، وسكون الراء: نبت أصفر يكون باليمن يصبغ به. القفاز: بقاف مضمومة ففاء فألف فزاي: شيء يعمل لليدين يحشى بقطن، ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد.

استثفري- بهمزة مكسورة، فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية فمثلثة ففاء فراء أمرها أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، وتوثق طرفيها بشيء تشده في وسطها، فيمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثفر الدابة التي تجعل تحت ذنبها. البيداء: بموحدة مفتوحة، فتحتية ساكنة، فدال مهملة فألف: المفازة التي لا شيء فيها. الراحلة- براء، فألف فحاء مهملة، فلام، فتاء تأنيث.. من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال، والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيه للمبالغة، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة، وتمام الخلق، وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عرّفه. الإهلال- بهمزة مكسورة، فهاء ساكنة، فلامين بينهما ألف: رفع الصوت بالتلبية. المشقص- بميم مكسورة، فشين معجمة ساكنة، فقاف، فصاد مهملة: نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض. لبّيك من لبّ بالمكان إذا أقام به، ومعناه: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، وهي تثنية لبّى، وأصله لبين حذفت نونه للإضافة. أن الحمد- بهمزة تفتح وتكسر الخطا، رواية العامة بالفتح وقال ثعلب: الاختيار الكثير، لأن المعنى: أن الحمد لك على كل حال. ومعنى الفتح لبّيك بهذا السبب، فمن كسر عمّ، ومن فتح خصّ. العجّ- بفتح المهملة، والجيم: رفع الصوت. والثّج- بثاء مثلثة مفتوحة، فجيم: سيلان دم الهدي. الرّوحاء- براء مفتوحة، فواو ساكنة، فحاء مهملة، فألف، وبالمدّ: موضع بين الحرمين على ثلاثة، أو أربعة أميال من المدينة. الأثاية- بهمزة مضمومة، فمثلثة، فألف، فتحتية، فتاء تأنيث، الموضع المعروف بطريق الجحفة إلى مكة. الرّويثة- براء مهملة مضمومة، فواو مفتوحة، فتحتية ساكنة، فمثلثة، فتاء تأنيث، وبالتصغير: موضع بين الحرمين. العرج- بمهملة، فراء مفتوحتين فجيم: مدينة باليمن. الحاقف- بحاء مهملة، فألف، فقاف، ففاء: نائم قد انحنى في نومه. الزّمالة- بزاي مكسورة، فميم، فألف، فلام، فتاء تأنيث: المركوب أي كان لمركوبها وأداتهما وما كان معهما في السفر واحدا.

حقّة- بحاء مهملة مضمومة، فقاف، فتاء تأنيث. الحيس- بحاء مهملة مضمومة، فتحتية ساكنة، فسين مهملة تقدم مرارا. القعب- بقاف مفتوحة، فمهملة ساكنة، فموحدة: القدح الجافي، أو إلى الصغر ويروي الرجل. عسفان- بعين مهملة مضمومة، فسين مهملة ساكنة، ففاء، فألف، فنون: قرية جامعة بين مكة والمدينة. سرف- بسين مهملة مفتوحة، مخففة: موضع من مكة على عشرة أميال، وقيل: أقل وأكثر. طوى- بطاء مهملة مضمومة، وواو مفتوحة مخففة: موضع عند باب مكة يستحب لمن دخل مكة أن يغتسل به. الثّنيّة- بمثلثة مفتوحة، فنون مكسورة، فتحتية، فتاء تأنيث: في الجبل كالعقبة فيه. الجحون- بحاء مفتوحة، فجيم مضمومة، فواو فنون: الجبل المشرف مما يلي الجزارين بمكة وقيل: هو موضع بمكة فيه اعوجاج والأول المشهور. المحجن: عصى معقفة الرأس، وقد تقدم، والميم زائدة. الجدعاء [ (1) ] ... الخطام- بمعجمة مكسورة، فطاء مهملة مفتوحة فألف فميم حبل من ليف، أو شعر، أو كتّان فيجعل في أحد طرفيه حلقة، ثم يشد فيه الطرف الآخر حتى يصير كالحلقة، ثم يقلد البعير، ثم يثنى على خطمه، وهو مقاديم أنوفها، وأفواهها. حاذى- بحاء مهملة فألف، فذال معجمة مفتوحة، فتحتية: قابل. الاستلام: افتعال من السلام، وهو التحية، وقيل: من السّلام بكسر المهملة وهي الحجارة واحدتها سلمة بكسر اللام يقال استلم الحجر إذا لمسه وتناوله. الصّفا- بصاد مهملة، ففاء مفتوحتين: اسم موضع بمكة معروف، وذكر لوقوف آدم عليه الصلاة والسلام، وقيل: لأنه كان عليه صنم يقال له: إساف. والمروة- بميم مفتوحة، فراء ساكنة، فواو: اسم موضع، وأنّث لأن حواء وقفت عليها، وقيل: كان عليها صنم يقال له نائلة. انتصبت قدماه بهمزة مكسورة، فنون ساكنة، فموحدة مفتوحة، فتاء تأنيث: انحدرت في المسعى.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

بطن الوادي- بموحدة مفتوحة فطاء ساكنة فنون: داخله. الرّمل- براء، وميم مفتوحتين: الهرولة. العواتق- بعين مهملة مفتوحة، فواو فألف، ففوقية مكسورة فقاف: جمع عاتق: وهي الشابة أول ما تدرك، وقيل هي التي لم تبن من والديها، ولم تتزوج، وقد أدركت وشبت. الأبطح- بألف، فموحدة، فطاء، فحاء مهملتين: سيل واسع دقاق الحصى القران: بقاف مكسورة، فراء، فألف، فنون: الجمع بين الحج والعمرة. التّروية- بمثناة فوقية مفتوحة فراء ساكنة فواو مكسورة فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث: هو اليوم الثامن من ذي الحجة، كانوا يرتوون فيه الماء بعده. المطين [ (1) ] ... العنزة بعين مهملة، فنون، فزاي مفتوحات. الجبّة: تقدم تفسيرها وكذلك الحلّة. الثّلج- بمثلثة مفتوحة، فلام ساكنة، فجيم معروف. شرح غريب خطبته- صلى الله عليه وسلّم- بعرفة: النّسيء- بنون مفتوحة، فسين مكسورة مهملة، فهمزة: التأخير. عوان- «بعين مهملة مفتوحة أي كبر عليه معاشها» . العاهر- بعين مهملة، فألف، فهاء، مكسورة، فراء: الزاني. الصّرف بصاد مفتوحة، فراء ساكنة، ففاء: التوبة: وقيل: النافلة. العدل- بعين مهملة مفتوحة، فدال ساكنة مهملة، فلام: الفدية. وقيل: الفريضة. العارية- بعين مهملة فألف فراء فتحتية. المنحة- بميم مكسورة، فنون ساكنة، فحاء مهملة، فتاء تأنيث: الإعطاء. ومنحه الناقة جعل له وبرها ولبنها وولدها. الزّعيم- بزاي مفتوحة فعين مهملة مكسورة، فتحتية فميم: الضامن. المزدلفة- بميم مضمومة: فزاي ساكنة فدال مهملة فلام مكسورة فتاء تأنيث: المشعر الحرام لأنه يتقرب إلى الله تعالى فيها والازدلاف: التقرب. اللّبّة- بلام فموحدة مفتوحتين، فتاء تأنيث الهمزة التي تنحر فيها الإبل. الابتهال: أصله التضرّع، ثم استعمل في مد اليدين جميعا لذلك.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

التّضرّع- بفوقية فضاد معجمة مفتوحتين، فراء مضمومة فعين مهملة: التذلل. المآب- بميم، فهمزة مفتوحة، فألف فموحدة، وبالمد: المرجع. التّراث- بمثناة فوقية، فراء، فألف فمثلثة. ما يخلفه الرجل لورثته والتاء فيه بذل من الواو. الولوج- بواو، فلام مضمومتين فواو فجيم. الدخول. البوائق- بموحدة، فواو مفتوحتين فألف فهمزة مكسورة فقاف: الدواهي. الدّهر- بدال مهملة مفتوحة فهاء ساكنة، فراء: الزمان الطويل، ومدة الحياة الدنيا. الوجل- بواو مفتوحة فجيم مكسورة فلام: الفزع. المشفق- بميم مضمومة. فمعجمة ساكنة ففاء مكسورة، فقاف: الخائف. القلق- بقاف مفتوحة، فلام مكسورة فقاف من القلق: وهو الانزعاج. الوضين- بواو مفتوحة، فضاد معجمة مكسورة، فتحتية ساكنة، فنون: بطان منسوج بعضه على بعض. يشدّ به الرّحل على البعير كالحزام للسرج. الرّبوة- براء مضمومة، فموحدة ساكنة، فواو مفتوحة، فتاء تأنيث: ما ارتفع من الأرض. شعب الأذاخر- بهمزة معجمة فألف، فخاء معجمة مكسورة فراء: موضع بين مكة والمدينة. المأزمين- بميم مفتوحة فهمزة ساكنة، فزاي مكسورة فميم، فتحتية فنون، تثنية مأزم: وهو المضيق في الجبال حيث يلتقي بعضها ببعض ويتسع ما وراءه والميم زائدة، وكأنه من الأزم، وهو القوة والشدة. قزح- بقاف مضمومة، فزاي مفتوحة: جبل بالمزدلفة. حطمة الناس- بحاء فطاء ساكنة مهملتين فميم فتاء تأنيث: ازدحامهم. القمر- بقاف فميم مفتوحتين فراء. الظّعن- بظاء معجمة مشالة فعين مهملة مضمومتين فنون النساء. ثبير كأمير: اسم لجبل بظاهر مكة. نفير «بنون مفتوحة، ففاء مكسورة، فتحتية فراء: تنفر. جبل طيّء- بطاء مهملة مفتوحة، فتحتية مشددة. التّفث- بمثناة فوقية ففاء مفتوحتين. فمثلثة. الشعر وما كان من نحو قص الأظافر والشارب، وحلق الشّعر، وحلق العانة وغير ذلك.

حصى الخذف- بخاء مفتوحة فذال ساكنة معجمتين ففاء وروي بالحاء المهملة. وهو الرمي بالحصى بالأصابع وكانت العرب ترمي بها على وجه اللعب تجعلها بين السبابة والإبهام من اليد اليسرى. ثم تقذف بالسبابة اليمنى زاد الليث: أو تجعلها ما بين سبابتيك واختلف في قدرها فقيل: مثل الباقلاء. وقيل: مثل النواة، وقيل: دون الأنملة طولا وعرضا. معرّس [ (1) ] ... الطّامي- بطاء مهملة، فألف، فميم، فتحتية: العظيم. الوسيم: بواو مفتوحة فسين مهملة مكسورة فتحتية فميم: الحسن الوضيء. الصهباء: بصاد مهملة مفتوحة، فهاء ساكنة، فموحدة، فألف، وبالمد: ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. الصهوبة: حمرة يعلوها سواد. الجران- بكسر الجيم، وراء مفتوحة، فألف، فنون: باطن العنق، وقد تقدم. تقصع- بفوقية مفتوحة فقاف ساكنة فصاد مفتوحة فعين مهملتين: تمضغ مضغا شديدا وتحك بعض أسنانها ببعض، وقيل: قصع الجرّة: خروجها من الجوف إلى الشدق ومتابعة بعضهم بعضا، وإنما تفعل ذلك الناقة إذا اطمأنت، أو خافت شيئا. اللّعاب- بلام مضمومة فعين مهملة فألف، فموحدة: الماء السائل من الفم. شرح غريب خطبته- صلى الله عليه وسلّم- يوم النحر: الأعراض- بهمزة مفتوحة فعين مهملة ساكنة، فراء فألف فضاد معجمة جمع عرض: وهو موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو في سلفه، أو من يلزمه أمره، وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عليه أن ينتقص ويثلب. وقال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير. ويحكم- بواو مفتوحة، فتحتية، فحاء مهملة: كلمة ترحّم، وتوجّع. ويلكم- بواو مفتوحة، فتحتية ساكنة، فلام. المراد بها هنا: التعجب. البضعة- بباء مفتوحة، وقد تكسر، فضاد معجمة ساكنة، فعين مهملة مفتوحة. فتاء تأنيث: القطعة من اللحم. يزدلفن- بتحتية مفتوحة، فزاي ساكنة، فدال مهملة، مفتوحة، فلام مكسورة، ففاء ساكنة فنون: يقربن. وجبت جنوبها- بواو، فجيم، فموحدة مفتوحات: سقطت.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

رسلا: براء- فسين مهملة فلام مفتوحات. ما كان من الإبل والغنم من عشر إلى خمس وعشرين. الموسى- بميم مضمومة، فواو فسين مهملة: آلة الحلاق. الناصية: بنون، فألف، فصاد مهملة مكسورة، فتحتية: أعلى الرأس. الباءة- بموحدة فألف فهمزة فتاء تأنيث: الجماع. طواف الصّدر- بصاد، فدال مهملتين مفتوحتين من الرجوع. المجّ- بميم مفتوحة فجيم: القذف. السّقاية بسين مهملة مكسورة، فقاف، فألف، فتحتية، إناء يشرب فيه. مسجد الخيف- بخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة، ففاء: ما ارتفع من مجرى السيل ولذا يسمى مسجد الخيف. لأنه بمنى في سفح جبلها. الجمرة- بجيم مفتوحة فميم ساكنة فراء: الحصى الصغار، والمراد هنا: مجتمع الحصى. العقبة- بعين مهملة، فقاف، فموحدة، مفتوحات: كل مرقى صعب من الجبال، والمراد به هنا التي بمنى. شرح غريب خطبته- صلى الله عليه وسلّم- في ثاني يوم النحر: بدور الشّفرة- بشين مفتوحة، ففاء ساكنة، فراء، فتاء تأنيث: السكين العريضة. الأزناد [ (1) ] ... خبت الجميش [ (1) ] ... الخبت بخاء معجمة مفتوحة، فموحدة ساكنة، فمثناة فوقية: الأرض الواسعة. والجميش بجيم مفتوحة، فميم مكسورة، فتحتية، فشين معجمة: التي لا نبات فيها. المحصّب- بميم مضمومة فحاء. فصاد. مهملتين مفتوحتين للشّعب الذي مخرجه إلى الأبطح، أو موضع رمي الجمار. القبة- بقاف مضمومة. فموحدّة: بناء مرتفع. الحزورة- بحاء مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فراء مفتوحتين: موضع بمكة عند باب الحنّاطين: باعة الحنطة.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في قراءة القرآن

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في قراءة القرآن الباب الأول في قراءة كان كثيراً ما يقرأ بها: روى ابن أبي شيبة، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي. في «الشمائل» والنسائي، والبيهقي، عن عبد الله بن مغفّل قال: قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام الفتح في مسيره سورة على راحلته، فرجّع فيها [ (1) ] . وروى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن نصر عن قتادة: قال: «بلغنا أن عامة قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدّ» . وروى الخطيب عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ قال محمد بن المنتشر بنصبه السين. وروى أبو نصر السجزي في الإنابة، عن عبد الرحمن بن أبزى، إلى السّلم بنصب السين. وروى الحاكم، وابن مردويه قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الأحرف ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ويدعو» . وعن علي- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ ابن مردويه والخطيب عنه. «أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- قرأ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً وقرأ كلّ شيء في القرآن.

_ [ (1) ] البخاري 8/ 710 (5047) ومسلم 1/ 547 (237/ 794) وأحمد 4/ 86 وأبو داود (1467) .

الباب الثاني في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في تلاوة القرآن

الباب الثاني في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في تلاوة القرآن وفيه أنواع: الأول: في مدّه- صلى الله عليه وسلّم- صوته بالقرآن وترتيله. وروى البخاري وابن سعد عن قتادة- رحمه الله تعالى- قال: «سئل أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- كيف كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: يمدّ مدّا. ثم قال: «بسم الله الرحمن الرحيم» يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم» رواه عبد بن حميد، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن نصر، عن قتادة قال: بلغنا أن عامة قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدّ [ (1) ] . ورواه الدارقطني، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقطعها آية آية وعدها عد الأعراب، وعد (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية ولم يعد عليهم يقطع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (2) ] . وروى الحاكم وقال على شرطهما وأقرّه الذهبي عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين يقطعهما حرفا حرفا» [ (3) ] . ورواه الخلعي عنها. أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- كان يعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية فاصلة، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ... مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. وكذا كان يقرؤها إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخرها آية سبع وعقد بيده اليسرى. وجمع بكفيه. وروى الإمام أحمد، وأبو داود والترمذي. عن أم سلمة- أنها سئلت عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: «كان يقطع قراءته آية آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [ (4) ] . وروى إسحاق بن راهويه، عن ابن أبي مليكة أن عائشة- رضي الله تعالى عنها- سئلت عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: أفتقدرون على ذلك؟ كان يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يرتل آية آية.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 709 (5046) . [ (2) ] الدارقطني 1/ 307. [ (3) ] الحاكم 1/ 232. [ (4) ] أحمد 6/ 320 وأبو داود 4/ 37 (4001) والترمذي 5/ 170 (2927) .

الثاني: في جهره - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة أحيانا:

وروى ابن أبي خيثمة عنه عن بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- أنها سئلت عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنكم لا تستطيعون، فقالوا أخبرينا بها. فقرأت قراءة مترسلة» . وروى النسائي عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاته. قالت: ما لكم وصلاته؟. ثم نعتت حرفا حرفا [ (1) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها حرفا حرفا. لا يمر بذكر جنة إلا وقف وسأل، ولا يذكر نارا إلا تعوّذ حتى قرأ النساء، والبقرة، وآل عمران، على تأليف عبد الله بن مسعود، ثم رفع وذكر الحديث» . وروي أيضاً عن محمد بن كعب القرظي- رضي الله تعالى عنه- قال: «كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مفسرة حرفا حرفا» [ (2) ] . وروى أيضا عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها» . وروى ابن أبي شيبة، عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة لأصلي بصلاته، فافتتح الصلاة، فقرأ قراءة ليست بالخفيضة ولا بالرفيعة يرتل فيها، ويسمعنا» قال ابن سعد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث [ (3) ] . الثاني: في جهره- صلى الله عليه وسلّم- بالقراءة أحيانا: وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن كريب- رحمه الله تعالى- قال: سألت ابن عباس فقلت: كيف كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: «كان يقرأ في بعض حجره فيسمع قراءته من كان خارجا» . وروى الطيالسي- برجال ثقات- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كنت أسمع قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من البيت وأنا في الحجرة» [ (4) ] . وروى ابن أبي عمر عن يحيى بن يعمر- رحمه الله تعالى- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- هل كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يرفع صوته من الليل إذا قرأ؟ قالت: «ربما رفع،

_ [ (1) ] النسائي 2/ 141 وأبو داود 2/ 73 (1466) والترمذي 5/ 167 (2923) . [ (2) ] أحمد 6/ 285. [ (3) ] الطبقات 2/ 98. [ (4) ] بنحوه عند البيهقي في دلائل النبوة (6/ 257) .

الثالث: في ترجيعه - صلى الله عليه وسلم - في قراءته وتركه ذلك أحيانا:

وربما خفض» قال: «الحمد لله الذي جعل في الدين سعة» . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي في «الشمائل» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كانت قراءة النبي- صلى الله عليه وسلم- علي قدر ما يسمعه من في الحجرة» [ (1) ] . وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل يرفع طورا ويخفض طورا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- كيف كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل؟ أيجهر أم يسرّ؟ قالت: «كل ذلك كان يفعل وربما جهر وربما أسرّ» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والبيهقي، عن أم هانئ قالت: «كنت أسمع قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل وأنا على عريشي هذا وهو عند الكعبة» [ (4) ] . وروى أبو داود، والبيهقي، عن غضيف بن الحارث: قال: سألت عائشة أكان رسول الله يجهر بالقرآن أم يخافت به؟ قالت: «ربما جهر وربما خافت» [ (5) ] . وروى ابن عدي، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل الزمزمة، فقيل يا رسول الله لو رفعت صوتك فقال: «إني أكره أن أؤذي جليسي، أو أؤذي أهل بيتي» ، في سنده عمرو بن موسى وهو متروك [ (6) ] . الثالث: في ترجيعه- صلى الله عليه وسلّم- في قراءته وتركه ذلك أحيانا: روى الشيخان عن معاوية بن قرة قال: «سمعت عبد الله بن مغفل المزني- رضي الله تعالى عنه- يقول: «قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته، فرجّع في قراءته قال معاوية: لولا إني أخاف أن يجتمع عليّ الناس لحكيت لكم قراءته» ، وفي لفظ «لو شئت أن أحكي لكم قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته أو جمله وهو يسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة ليّنة وهو يرجع فيها، وفي لفظ ثم قرأ معاوية قراءة ابن مغفّل وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفّل على النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، وهو

_ [ (1) ] أبو داود 2/ 37 (1327) . [ (2) ] المصدر السابق (1328) . [ (3) ] أحمد 6/ 149 والنسائي 3/ 184. [ (4) ] أحمد 6/ 342. [ (5) ] أبو داود 1/ 58 (226) وابن ماجة 1/ 430 (1354) . [ (6) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 10 (220/ 1187) وعمرو هذا اتهموه بالكذب انظر لسان الميزان 4/ 332 والميزان (3/ 224) .

الرابع: فيما كان يقوله إذا مر بآية رحمة أو بآية عذاب أو بغير ذلك في الصلاة وخارجها:

على ناقته، أو على حمار، وهو يسير وهو يقرأ سورة الفتح ثم رجع، فقال ابن أبي إياس: لولا أني أخشى أن يجتمع الناس علينا قرأت ذلك اللحن وقال: هاه: ومدّه [ (1) ] . ورواه ابن أبي شيبة، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي في «الشمائل» والنسائي، والبيهقي، عن عبد الله بن مغفّل قال: قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام الفتح في مسيره سورة على راحلته فرجّع فيها» . وروى أبو الحسن بن الضحاك وقال: في سنده عمرو بن موسى وهو متروك، عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المد ليس فيه ترجيع» [ (2) ] . وروى أيضا عن قتادة- رضي الله تعالى عنه- قال: «لم يبعث الله تعالى نبيا إلا حسن الوجه، حسن الصوت، وكان نبيكم- صلى الله عليه وسلّم- أحسنهم وجها، وأحسنهم صوتا، وكان من قبله يرجّعون ولا يمدون، وكان هو يمد ولا يرجع» ، رواه ابن سعد بلفظ: «كان لا يمد كل المد» [ (3) ] . الرابع: فيما كان يقوله إذا مر بآية رحمة أو بآية عذاب أو بغير ذلك في الصلاة وخارجها: وروى مسلم، عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة وفيه: وقرأ مترسّلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوّذ» . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] [هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق] . وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله «أاأ بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى» ثم قالوا: يحتمل أمرين: أحدهما أن ذلك حدث من هز الناقة، والآخر أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك، وهذا الثاني أشبه بالسياق فإن في بعض طرقه «لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن» أي النغم. وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع، فأخرج الترمذي في «الشمائل» والنسائي وابن ماجة وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ «كنت أسمع صوت النبي- صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن» ، والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل، فعند ابن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال «بت مع عبد الله بن مسعود في داره، فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله، ويرتل ولا يرجع» . [وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة. قال: وفي الحديث ملازمته- صلى الله عليه وسلّم لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة، وفي جهره بذلك إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار، وهو عند التعليم وإيقاظ الغافل ونحو ذلك] . [ (3) ] تقدم.

قال: «قمت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبدأ فاستاك، ثم توضأ، ثم قام يصلي وقمت معه فبدأ فاستفتح (البقرة) لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف يتعوّذ» . وروى الإمام أحمد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أقوم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- التمام، وكان يقرأ بسورة (البقرة، وآل عمران، والنساء) ولا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها بشارة إلا دعا- لله عز وجل- ورغب إليه» . رواه ابن داود، عن مسلم بن مخراق، وقال: سألت عائشة فذكره. وروى الإمام أحمد، عن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة ليست بفريضة، فمر بذكر الجنة والنار، فقال: «أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: «سبحان ربي الأعلى» [ (2) ] . وروى أبو داود وغيره عن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ وَلَا الضَّالِّينَ فقال: «آمين» يمد بها صوته» [ (3) ] أخرجه الطبراني بلفظ ثلاث مرات [ (4) ] ، وأخرجه البيهقي بلفظ قال: «رب اغفر لي آمين» [ (5) ] . وروى أبو داود عن موسى بن أبي عائشة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنه- يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى قال: سبحانك: بلى، فسألوه عن ذلك فقال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-» [ (6) ] . وروى عبد بن حميد، عن قتادة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ يقول: «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين» . وروى أيضا عن صالح أبي الخليل قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أتى هذه الآية، قال «سبحانك فبلى» .

_ [ (1) ] أحمد 4/ 437. [ (2) ] أحمد 1/ 321 وأبو داود 1/ 233 (883) . [ (3) ] أبو داود 1/ 246 (932) والترمذي 2/ 27 (248) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 113. [ (5) ] في إسناده أحمد بن عبد الجبار وثقه الدارقطني وضعفه جماعة المجمع 2/ 113. [ (6) ] أبو داود 1/ 233 (884) .

الخامس: في قدر ما كان يقرأ من القرآن في كل ليلة:

وروى عبد الرزاق، وعبد، عن قتادة، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى قال: سبحانك، وبلى» . وروى ابن مردويه، عن البراء، عن أبي هريرة وابن النجار، عن أبي أمامة وعبد بن حميد، وأبو داود، والبيهقي، عن رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ هذه الآية قال: «سبحانك ربي، وبلى» . الخامس: في قدر ما كان يقرأ من القرآن في كل ليلة: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والبيهقي، والطبراني، عن أوس بن حذيفة قال: «قدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وفد ثقيف وذكر الحديث وفيه: فأنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بني مالك في قبّة له فكان يأتينا في كل ليلة بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه، حتى يراوح بين رجليه من طول القيام فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه. فقلنا له: لقد أبطأت عنا الليلة فقال: إنه طرأ عليّ جزئي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه، قال أوس: سألت أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قالوا: ولفظ الطبراني: كيف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحزّب القرآن؟ قالوا: كان يحزّبه ثلاثا وخمسا وسبعا وتسعا، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصّل من قاف حتى يتمه [ (1) ] . وروى الطبراني، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران في كل ليلة [ (2) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقرأ في كل ليلة ببني إسرائيل والزّمر» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أبي روح الكلاعي قال: «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة، فقرأ فيها، سورة الروم فتردد في آية، فلما انصرف قال: «إنه يلبس علينا القرآن إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء» [ (4) ] . تنبيهات الأول: حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قرئ عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرآن

_ [ (1) ] أحمد 4/ 343 وأبو داود 2/ 55 (1393) . [ (2) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: 2/ 274 فيه مظاهر بن أسلم وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وجماعة. [ (3) ] أحمد 6/ 68. [ (4) ] أحمد 3/ 471.

وأنشد شعر، فقيل يا رسول الله أقرآن وشعر؟ قال: «نعم» . رواه أبو يعلى من طريق الكلبي وهو متروك الثاني: قال أبو الحسن الضحاك: أصح طرق الحديث الواردة في صفة قراءته- صلى الله عليه وسلم- حديث أنس وعبد الله بن مغفّل. والجمع بين حديث: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يرتل ويمد صوته، وأنه كان يرجّع: أن مدّ الصوت والترتيل لا ينافي الترجيع، فقد يمد صوته مرجّعا، وأما رواية أنه كان لا يرجّع، فحديث عبد الله بن مغفّل في الترجيع أثبت، ويصح الجمع بينهما بأن يقال: كل واحد من الرواة روى عنه ما سمع. فكان ابن مغفل قد سمع قراءته بالترجيع، وسمعه غيره يقرأ ولا يرجع، إذا لا يصح أن يكون النبي- صلى الله عليه وسلم- على حال واحد في قراءته إذ صح عنه أنه كان مرة يجهر بالقراءة ومرة لا يجهر.

الباب الثالث في محبته - صلى الله عليه وسلم - لسماع القرآن من غيره:

الباب الثالث في محبته- صلى الله عليه وسلّم- لسماع القرآن من غيره: روي عن أبي موسى أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- وعائشة مرا بأبي موسى. وهو يقرأ في بيته فقاما يسمعان لقراءته، ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقي أبا موسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا أبا موسى مررت البارحة ومعي عائشة، وأنت تقرأ في بيتك، فقمنا واستمعنا» ، فقال له أبو موسى يا رسول الله: لو علمت لحبّرته تحبيرا [ (1) ] . وروى أيضاً بسند حسن، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قعد أبو موسى في بيته واجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رجل فقال: ألا أعجبك من أبي موسى أنه قعد في بيت واجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أتستطيع أن تقعدني من حيث لا يراني أحد منهم؟» قال: نعم. فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأقعده الرجل من حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى، فقال: «إنه يقرأ على مزمار من مزامير آل داود» [ (2) ] . وروى الشيخان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اقرأ عليّ القرآن» . فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «أحب أن أسمعه من غيري» ، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال: «حسبك الآن» . فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (5048) ومسلم 1/ 546 (235، 236/ 793) وأبو نعيم في الحلية 1/ 258 وانظر المجمع 7/ 271، 359. [ (2) ] أبو يعلى 7/ 134 (1341/ 4096) قال الهيثمي: 9/ 360 رواه أبو يعلى وإسناده حسن. [ (3) ] أخرجه البخاري 8/ 250 (4582، 5049) (5050) ومسلم 1/ 551 (248/ 800) .

الباب الرابع في قراءته - صلى الله عليه وسلم - على أبي بن كعب سورة لم يكن الذين كفروا 98: 1 بأمر الله تعالى

الباب الرابع في قراءته- صلى الله عليه وسلم- علي أبي بن كعب سورة لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بأمر الله تعالى روى الشيخان، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه: «أن الله أمرني أن قرأ عليك» : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: وسماني؟ قال: «نعم» . فبكى [ (1) ] . وروى الإمام أحمد، والحاكم، والترمذي، وقال حسن صحيح، والضياء والطبراني عنه، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه لَمْ يَكُنِ، وقرأ عليه: إن ذات الدين عند الله الحنيفيّة المسلمة لا المشركة ولا اليهودية، ولا النصرانية، ومن يعمل خيرا فلن يكفره، وقرأ عليه، لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانيا ولو كان له ثانيا لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب» [ (2) ] . وروى الطبراني في الأوسط عن أبي- رضي الله تعالى عنه- قال: «إني عرضت على النبي- صلى الله عليه وسلم- القرآن وقال: أمرني جبريل أن أعرض عليك القرآن» [ (3) ] . وروى الطبراني في الأوسط، وابن عساكر عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا أبا المنذر «إني أمرت أن أعرض عليك القرآن» : قلت يا رسول الله، بالله آمنت، وعلى يديك أسلمت، ومنك تعلمت. فرد النبي- صلى الله عليه وسلّم- القول، فقال: يا رسول الله، وذكرت هناك، قال: «نعم. باسمك ونسبك في الملأ الأعلى» ، قال: فأقرأني رسول الله [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب: «إني أمرت أن أقرئك القرآن» قال: وذكرني ربي؟ قال: «نعم» . قال: فأقرأني آية فأعدتها عليه ثانية [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 127 (3809) ، (4959، 4960) . [ (2) ] أحمد 5/ 132 والترمذي 5/ 668 (3898) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 312. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المصدر السابق. [ (5) ] ابن أبي شيبة 12/ 141.

الباب الخامس في عرضه القرآن على جبريل في شهر رمضان كل سنة مرة، وفي آخر رمضان صامه مرتين

الباب الخامس في عرضه القرآن على جبريل في شهر رمضان كل سنة مرة، وفي آخر رمضان صامه مرتين روى الإمام أحمد، وابن سعد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعرض القرآن على جبريل في كل رمضان فلما كان العام الذي مات فيه، عرض عليه مرتين» [ (1) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعتكف من كل شهر رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما وكان جبريل يعرض عليه القرآن كل رمضان مرة، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين» [ (2) ] . وسيأتي لهذا تتمة في أبواب مرضه- صلّى الله عليه وسلم-.

_ [ (1) ] أحمد 1/ 325. [ (2) ] تقدم.

جماع أبواب أذكاره ودعواته - صلى الله عليه وسلم -

جماع أبواب أذكاره ودعواته- صلّى الله عليه وسلم- الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في دعائه وفيه أنواع: الأول: في استفتاح دعائه- صلى الله عليه وسلّم- بالثناء على الله تعالى. روى ابن أبي شيبة، عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستفتح دعاء إلا استفتحه ب «سبحان ربي الأعلى العلي الوهاب» . ورجاله رجال الصحيح، غير عمر بن راشد اليماني، وثّقه جماعة» [ (1) ] . الثاني: في أنه- صلى الله عليه وسلم- كان لا يسجع في دعائه. روى الإمام أحمد، عن الشعبي- رحمه الله تعالى- أن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: له: اجتنب السجع من الدعاء، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه كانوا لا يفعلون» [ (2) ] . الثالث: في تكراره- صلى الله عليه وسلم- في دعائه رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً الآية. روى أبو الحسن بن الضحاك، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- له دعاء بمائة مرة يفتح بها ويختم بها رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ولو دعا بدعوتين لجعلها إحداهما» . وروى بقي بن مخلد عنه- قال: كان في أول دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي وسطه، وفي آخره رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. الرابع: في رفعه- صلى الله عليه وسلّم- يديه في دعائه وكيفية رفعهما: وروى الطيالسي، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لما أصابه الكرب يوم الأحزاب ألقى رداءه، وقام متجرّدا ورفع يديه مدّا ودعا» .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 266. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 217.

وروى مسدّد برجال الصحيح، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أنها رأت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو يرفع يديه» الحديث [ (1) ] . وروى أبو يعلى، عن البراء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أصابته شدة ودعا رفع يديه في الدعاء حتى رئي بياض إبطيه [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة، عن إبراهيم بن محمد، قال: «أخبرني من رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عند أحجار الزيت يدعو هكذا، ببياض كفيه» . وروى الإمام أحمد- بسند حسن- عن خلّاد بن السائب الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سأل جعل باطن كفيه إليه، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه» [ (3) ] . وروى أيضا الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه، يدعو حتى أني لأسأم له مما يرفعهما» [ (4) ] . وروى البزار، والطبراني- برجال ثقات- وفيه إرسال عن أنس- رضي الله تعالى عنه-: «رفع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يديه بعرفة يدعو، فقال أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- هذا الابتهال، ثم حاصت الناقة ففتح إحدى يديه، فأخذها وهو رافع الأخرى» [ (5) ] . وروى الطبراني عن خالد بن السائب، عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دعا رفع راحتيه إلى وجهه [ (6) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته [ (7) ] . وروى أبو داود، عن أنس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما» . رواه ابن عدي بسند ضعيف، وزاد: «والله- يدعو بظاهرهما» .

_ [ (1) ] أحمد 6/ 160. [ (2) ] انظر المجمع 10/ 168. [ (3) ] أحمد 4/ 56. [ (4) ] انظر المجمع 10/ 168. [ (5) ] البزار والطبراني في الأوسط انظر المجمع 10/ 168 [ (6) ] الطبراني وقال الهيثمي 10/ 169 فيه حفص بن هاشم مجهول. [ (7) ] انظر المجمع 10/ 169.

الخامس: في مسحه بيديه بعد فراغه من الدعاء، وتكريره الدعاء بنفسه إذا دعا، وتأمينه على دعاء غيره:

وروى الإمام أحمد، وأبو الحسن بن الضحّاك، عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دعا رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه» [ (1) ] . وروى القاضي أبو بكر الشافعي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يرفع يديه يدعو لأسأم مما يرفعهما» . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعرفة بالموقف، ويده إلى صدره كاستطعام المسكين» [ (2) ] . وروى أيضا عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو بعرفة هكذا، ورفع عليّ بن الجعد يديه إلى السماء باطنهما إلى الأرض، وظاهرهما إلى السماء» [ (3) ] وروى ابن عدي- بسند ضعيف- عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو هكذا وبسط سريج كفه اليسرى، وقال بإصبعه اليمنى يحركهما، وفي لفظ: يحركها بسبابته» . وروى أبو بكر بن خيثمة، عن عمارة- رضي الله تعالى عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو على المنبر يشير بأصابعه» [ (4) ] . وروى مسلم، والبرقاني، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- استسقى فمد يديه هكذا وأومأ بيده حيال ثندوتيه وفي لفظ: ثندوته، وجعل بطونهما إلى الأرض، حتى رأينا بياض إبطيه وهو على المنبر» . الخامس: في مسحه بيديه بعد فراغه من الدعاء، وتكريره الدعاء بنفسه إذا دعا، وتأمينه على دعاء غيره: روى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما مد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يديه في دعاء فقبضهما إليه حتى يمسح بهما وجهه» . وروى الإمام أحمد، والبيهقي- بسند فيه ابن لهيعة- عن يزيد ابن أخت النمر الكندي: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دعا رفع يديه، ومسح وجهه بيديه» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد 3/ 181. [ (2) ] الطبراني في الأوسط انظر المجمع 10/ 168. [ (3) ] انظر المصدر السابق. [ (4) ] أحمد في المسند 4/ 136. [ (5) ] أحمد 4/ 221 من حديث السائب بن يزيد عن أبيه.

وروى الترمذي- وقال: غريب- عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطّهما حتى ميسح بهما وجهه» [ (1) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- وأبو داود، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يدعو ثلاثا، ويستغفر ثلاثا» . وروى البرقاني في «صحيحه» عنه، قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دعا دعا ثلاثا» [ (2) ] . وروى الطبراني- بسند حسن- عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا دعا بدأ بنفسه» [ (3) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وعن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه» .

_ [ (1) ] الترمذي 5/ 432 (3386) . [ (2) ] الطبراني في الأوسط بإسناد منقطع المجمع 10/ 151. [ (3) ] انظر المجمع 10/ 152.

الباب الثاني فيما كان يقوله ويفعله إذا أوى إلى فراشه

الباب الثاني فيما كان يقوله ويفعله إذا أوى إلى فراشه قال: «باسمك أموت وأحيا» رواه مسلم من حديث البراء: [ (1) ] . روى أبو عبد الله المحاملي، عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نام قال: «باسمك اللهم أحيا وأموت» [ (2) ] . وروى البخاري، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: «اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك. آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت» وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من قالهن ثم مات ليلته مات على الفطرة» . ورواه هو وبقيّة الجماعة من تعليم النبي- صلى الله عليه وسلّم- للبراء [ (3) ] . وروى الجماعة إلا مسلما، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات» [ (4) ] . وروى مسلم، والثلاثة، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه» ، قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي» [ (5) ] . وروى أبو داود، والنسائي عن حفصة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك» ثلاث مرات» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من حديث حذيفة 11/ 115 (6314) . [ (2) ] من حديث حذيفة أخرجه أحمد 5/ 385. [ (3) ] البخاري 11/ 115 (6315) ومسلم 4/ 2081 (56/ 2710) والترمذي 5/ 437 (3394) . [ (4) ] البخاري 7/ 244 (5748) وأبو داود 4/ 313 (5056) والترمذي 5/ 441 (3402) وابن ماجة 2/ 1275 (3875) . [ (5) ] مسلم 4/ 2085 (64/ 2715) وأبو داود 4/ 312 (3053) والترمذي 5/ 438 (3396) . [ (6) ] أبو داود 4/ 310 (5045) .

ورواه الترمذي، من حديث البراء بمعناه وحسّنه، ومن حديث حذيفة وقال: حسن صحيح [ (1) ] . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول عند رقاده: «اللهم رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، أعوذ بك من شر كل دابة» [ (2) ] .

_ [ (1) ] الترمذي 5/ 439 (3398) (3399) . [ (2) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: 1/ 121 فيه السري بن إسماعيل متروك.

الباب الثالث فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلع الفجر وإذا طلعت الشمس:

الباب الثالث فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر وإذا طلعت الشمس: روى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن عبد الله بن القاسم- رضي الله تعالى عنه- قال: «حدثتني جارة للنبي- صلى الله عليه وسلم- إنها كانت تسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند طلوع الفجر يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة القبر» [ (1) ] . وروى البزار، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أصبح فطلعت الشمس قال: «اللهم أصبحت وشهدت بما شهدت به على نفسك وأشهدت ملائكتك وأولي العلم، ومن لم يشهد بما شهدت فاكتب شهادتي مكان شهادته: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعود السلام، يا ذا الجلال والإكرام نسألك أن تستجيب لنا دعوتنا، وأن تعطينا رغبتنا، وأن تغنينا عمن أغنيته عنّا من خلقك، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معيشتي، وأصلح لي آخرتي التي إليها منقلبي» [ (2) ] . والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] أحمد 5/ 270. [ (2) ] البزار كما في الكشف 4/ 23 وقال الهيثمي فيه 10/ 615 داود بن عبد الحميد ضعيف.

الباب الرابع في استعاذته المطلقة

الباب الرابع في استعاذته المطلقة روى الطبراني، وابن أبي شيبة- بسند صحيح- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع» [ (1) ] . ورواه ابن حبان بلفظ: «اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع، وأعوذ بك من صلاة لا تنفع، وأعوذ بك من دعاء لا يسمع، وأعوذ بك من قلب لا يخشع» . ورواه مسدد، وأبو يعلى، والنسائي، عن ابن عمرو، وابن أبي شيبة عن ابن مسعود والطبراني عن ابن عباس، ورواه الطبراني، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع» [ (2) ] . وروى الحميدي- بسند صحيح- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ من غلبة الدّين» . وروى الحارث، والبزار- بسند حسن- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الصّمم والبكم، وأعوذ بك من المأثم والمغرم» زاد البزار «وأعوذ بك من الغم» يعني الغرق وأعوذ بك من الهم (وأعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من موت الجوع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) [ (3) ] . وروى الطبراني، وأبو يعلى، وابن حبان عن أنس- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من ضلع الدين، وغلبة الرجال» [ (4) ] . وروى الطبراني- برجال الصحيح- عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من القسوة والغفلة والعيلة والذّلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء، وأعوذ بك من الصّمم والبكم، والجنون والجذام وسيىء الأسقام» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 188 وابن حبان (2441) وأحمد 2/ 167. [ (2) ] النسائي 8/ 223 والترمذي 5/ 485 (3482) وانظر المجمع 10/ 143. [ (3) ] البزار كما في الكشف 4/ 63 وانظر المجمع 10/ 188. [ (4) ] أخرجه البخاري 11/ 178 (6369) ومسلم 4/ 2079 (50/ 2706) . [ (5) ] أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند 268 (2008) وأحمد في المسند 3/ 192 وأبو داود 2/ 194، 195 (1554) والحاكم 1/ 530.

وروى ابن قانع، عن عطاء بن ميسرة الرهاوي: «اللهم إني أعوذ بك من البؤس والتباؤس» . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عمر: «أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، وعقابه، وشرّ عباده، وهمزات الشياطين، وأن يحضرون» [ (1) ] . وروى البخاري، عن أنس «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر» [ (2) ] . وروى البرقاني في صحيحه عنه قال: «كنت أسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كثيرا يقول «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والجبن وضلع الدين، وغلبة الرجال» . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عطاء بن أبي رباح: «اللهم إني أعوذ بك من الأسد والأسود، وأعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من بوار الأيم» . وروى ثابت- عن قاسم عن ابن جريج- هو وابن أمية: «أعوذ بك من كل حية وعقرب» قال ثابت، وابن أمية: هو الذي يقال له السهمي وهو صغير مع بنات نعش. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس: اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، ومن بوار الأيم. وروى ثابت بن قاسم: «اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة وأسمائه كلها عامة من شر السامة والهامة، ومن شر عين لامة ومن شر حاسد إذا حسد ومن شر قترة وما ولد» . وروى أبو الحسن بن الضحاك: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا» . وروى أبو داود، وأبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وكل أمر لا يطاق» [ (3) ] وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «اللهم أعوذ بك من الصم والبكم والمغارم والمآثم، وأعوذ بك من موت المعرة، ومن موت الهدمة، ومن موت الهدم، ومن شتات الأمر، اللهم لا تجعل الخيانة لي بطانة، ولا تجعل الجوع لي ضجيعا فبئس الضجيع» . وروى البخاري، عن عائشة- رضي الله عنها-: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم،

_ [ (1) ] ابن أبي شيبة 10/ 363. [ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 178 (6369) ومسلم 4/ 2079 (50/ 2706) . وأخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم 4/ 2088 (73/ 2722) . [ (3) ] أخرجه النسائي 8/ 264 وعبد الرزاق في المصنف (19639) والخطيب في التاريخ 38219.

والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونقّ قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» [ (1) ] . وروى الإمام أبو الحسن بن الضحاك: «اللهم إني أعوذ بك أن أموت همّا أو غمّا أو أموت غرقا وأن يتخبطني الشيطان» . وروي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: «اللهم إني أعوذ بك من موت الغم، ومن موت الهدم، ومن سوء الأمر، اللهم إني أعوذ بك من الخيانة، فبئست البطانة، وأعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع» . وروى أيضا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتعوذ من دبر الصلاة: يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من الفتنة ظاهرا وباطنا، اللهم إني أعوذ بك من مال يطغيني وفقر ينسيني، وهوى يرديني، وبوار الأيم، وأعوذ بك من الرياء والشكوك والسمعة» . وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، وفتنة الصّدر وعذاب القبر» [ (2) ] . وروى البزار عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه ومن عذاب القبر» [ (3) ] . وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «أعوذ بوجهك الكريم، وباسمك الكريم من الكفر والفقر» [ (4) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة» [ (5) ] . وروى الطبراني، عن عائشة بنت قدامة بن مظعون- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 181 (6275) واللفظ له ومسلم 4/ 2078 (49/ 589) . [ (2) ] الطبراني وقال الهيثمي 10/ 143 فيه قابوس بن أبي ظبيان وقد وثق، وفيه خلاف وبقية رجاله ثقات. [ (3) ] الكشف 4/ 65 وقال الهيثمي 10/ 188 فيه رشدين بن كريب وهو ضعيف. [ (4) ] قال الهيثمي 10/ 143 فيه من لم أعرفهم. [ (5) ] قال الهيثمي 10/ 144 رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت البزار وهو ثقة.

تنبيه في بيان غريب ما سبق.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر الأعميين» ، قيل يا رسول الله، وما الأعميان؟ قال «السيل والبعير الصؤول» [ (1) ] . وروى البزار- بسند حسن- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الصّمم والبكم، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، وأعوذ بك من الغم- يعني الغرق وأعوذ بك من الهم» [ (2) ] . وروى عن عبد الله بن عمرو كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والهرم والجبن والبخل» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني ولا بأس بسنده عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «استعاذ من سبع موتات: موت الفجاءة ومن لدغ الحية ومن السبع، ومن الغرق ومن الحرق وأن يخرّ على شيء أو يخر عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف» [ (4) ] . وروى البزار برجال ثقات عن قطبة أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتعوذ من الأسواء والأهواء [ (5) ] . وروى الترمذي عنه التعوذ من الأهواء [ (6) ] . وروى الطبراني- بسند ضعيف- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتعوذ من موت الفجأة، وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد- برجال ثقات غير إبراهيم بن إسحاق فيحرر حاله، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم إني أعوذ بك أن أموت همّا أو غمّا، وأن أموت غرقا، وأن يتخبّطني الشيطان عند الموت، أو أموت لديغا» [ (8) ] . تنبيه في بيان غريب ما سبق. يشبع بتحتية مفتوحة، فشين معجمتين، فعين مهملة.

_ [ (1) ] قال الهيثمي 10/ 144 فيه عبد الرحمن بن عثمان ضعيف. [ (2) ] البزار كما في الكشف 4/ 63 وانظر المجمع 10/ 188. [ (3) ] انظر المصدرين السابقين. [ (4) ] الكشف 1/ 371 (782) والمجمع 2/ 318. [ (5) ] البزار كما في الكشف 4/ 64 والمجمع 10/ 188. [ (6) ] أخرجه الترمذي 5/ 536 (3591) . [ (7) ] انظر المجمع 2/ 318. [ (8) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 321 وعزاه لأحمد وقال وفيه إبراهيم بن إسحاق ولم أجد من وثقه، وبقية رجاله ثقات وذكره المتقي الهندي في الكنز (3792) .

لا يخشع- بتحتية مفتوحة وخاء ساكنة، فشين مفتوحة معجمتين فعين مهملة. المأثم- بميم مفتوحة، فهمزة ساكنة، فمثلثة مفتوحة فميم: الذي يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه. المغرم بميم مفتوحة فغين معجمة ساكنة، فراء فميم: أراد به مغرم الذنوب والمعاصي. الخيانة- بخاء معجمة مكسورة فتحتية، فألف، فنون فتاء تأنيث: عدم أداء الأمانات إلى أهلها. وتضييعها. البطانة- بباء موحدة مكسورة، فطاء مفتوحة فألف فنون فتاء تأنيث. الأسقام- بهمزة مفتوحة فسين مهملة ساكنة، فقاف، فألف، فميم جمع سقم- المرض-. ضلع- بضاد معجمة مكسورة، فلام مفتوحة فعين مهملة. ثقله. البؤس- بموحدة مضمومة فواو، فسين مهملة: الفقر. التباؤس- بمثناة فوقية، فموحدة مفتوحتين، فألف فواو فسين. همزات الشياطين- بهاء فميم فزاي مفتوحات، فألف فتاء تأنيث نخسهم وهمزهم، والشياطين جمع شيطان وهو بشين معجمة. الكسل- بكاف، فسين مهملة مفتوحتين فلام. الهرم- بهاء فراء مفتوحتين، فميم: الكبر. البوار- بموحدة فواو، مفتوحتين فألف فراء الهلاك. الأيم بهمزة مفتوحة فتحتية فميم. وهو الجنون. السامة- بسين مهملة، فألف، فميم فتاء تأنيث، ما يسم ولا يقتل. الهامة. ذات السّمّ، الجمع هوام. العين اللامة بلام، فألف، فميم مشددة فتاء تأنيث. أبو قبر [ (1) ] ... الشقاق [ (1) ] .... النفاق. بنون مكسورة. ففاء فألف فقاف.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

المعرة [ (1) ] .... الهدر- بهاء فدال مهملة مفتوحة فراء: الباطل. الضجيع [ (1) ] .... الثلج [ (1) ] .... البرد- بباء فراء مفتوحتين، فدال: حب الغمام. فتنة الصدر [ (1) ] ... النّفخ- بنون مفتوحة ففاء ساكنة فمعجمة. إخراج الريح من الفم. النّفث- بنون مفتوحة ففاء ساكنة فمثلثة: شبيه النفخ وأقل من التفل. دار المقامة [ (1) ] .... الصّؤول: بصاد مهملة مفتوحة فهمزة مضمومة فواو فلام الهياج. الجبن- بجيم مضمومة، فموحدة ساكنة فنون: ضد الشجاعة. الفجأة- بفاء مفتوحة فجيم ساكنة فهمزة مفتوحة: الهجوم على غير موعد. يتخبطه الشيطان بتحتية ففوقية، فخاء معجمة، فموحدة مفتوحات، فطاء، يصرعه فيضربه-. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

الباب الخامس"في أذكاره ودعواته المقترنة بالأسباب غير ما سبق في الأبواب المتقدمة" - صلى الله عليه وسلم -

الباب الخامس «في أذكاره ودعواته المقترنة بالأسباب غير ما سبق في الأبواب المتقدمة» - صلى الله عليه وسلم- روى الطبراني برجال الصحيح عن أبي وائل قال: جاء رجل من بجيلة إلى عبد الله بن مسعود قال: إني تزوجت جارية بكرا وإني خشيت أن تفركني. فقال عبد الله إن الإلف من الله وإن الفرك من الشيطان ليكرّه إليه ما أحل الله، فإذا دخلت عليها فمرها فلتصل خلفك ركعتين قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال: قال عبد الله: قل: «اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم فيّ. اللهم ارزقهم مني، وارزقني منهم، اللهم اجمع بيننا ما جمعت إلى خير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير» [ (1) ] . ورواه من طريق آخر: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخلت المرأة على زوجها فيقوم الرجل فتقوم المرأة من خلفه فيصليان ركعتين ويقول: اللهم بارك لي في أهلي إلى آخره» [ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعلمنا خطبة الحاجة فيقول: «الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» [ (3) ] . قال أبو عبيدة: سمعت من أبي موسى يقول: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: ثم تصل خطبتك بثلاث آيات من القرآن» تقول: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران/ 102] اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء/ 1] اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب/ 70، 71] ثم تذكر حاجتك» .

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 295. [ (2) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 4/ 294 فيه إسماعيل بن المغيرة لم أجد من ذكره. [ (3) ] الطبراني في الكبير 10/ 121.

الباب السادس في أذكاره ودعواته المطلقة - صلى الله عليه وسلم -:

الباب السادس في أذكاره ودعواته المطلقة- صلى الله عليه وسلم-: روى الشيخان، عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو هذا الدعاء: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدّي وهزلي، وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير» [ (1) ] . ورواه الإمام أحمد بسند حسن، والطيالسي- بسند صحيح- بلفظ: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت [ (2) ] . وروى أيضا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «اللهم اغسل خطاياي بماء الثّلج والبرد ونقّ قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» [ (3) ] . وروى أبو يعلى عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو فيقول: «اللهم طهرني بالثّلج والبرد والماء البارد، اللهم طهر قلبي من الخطايا كما طهرت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع، وعلم لا ينفع، اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع. اللهم إني أسالك عيشة نقيّة، وميتة سوية، ومردّا غير مخز ولا فاضح» [ (4) ] . ورواه مسلم والترمذي والنسائي مختصرا وباعد بيني وبين ذنوبي إلى آخره [ (5) ] . ورواه الطبراني عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: «اللهم باعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقني من خطيئتي كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 196، 197 (6398، 6399) ومسلم 4/ 2087 (70/ 2719) . [ (2) ] أحمد 4/ 417. [ (3) ] أحمد 6/ 57. [ (4) ] أحمد 4/ 381. [ (5) ] أخرجه مسلم 1/ 346 (204/ 476) والنسائي 1/ 198، 199 وأحمد في المسند 4/ 381 والبيهقي 1/ 5 وذكره المتقي الهندي في الكنز (3801) . [ (6) ] الطبراني في الكبير 7/ 276.

وروى الترمذي، وابن ماجة عنه: «اللهم إني أسالك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى» [ (1) ] . وروى مسلم، والنسائي، عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- «اللهم مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك» [ (2) ] . وروى مسلم، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: «اللهم أصلح لي في ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة لي زيادة في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر» [ (3) ] . وروى ابن حبان، والحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما: «ربّ أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر على، وأمكن لي، ولا تمكن علي» وفي لفظ «امكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر لي الهدى، وانصرني على من بغى علي. رب اجعلني لك شكّارا ذكّارا لك، راهبا لك، مطواعاً لك، مخبتا إليك أوّاها منيبا، رب تقبّل توبتي وأجب دعوتي واغسل حوبتي، وثبت حجّتي وسدّد لساني، (واهد قلبي) ، واسلل سخيمة قلبي» [ (4) ] . وروى ابن ماجة وأبو داود: «اللهم اغفر لنا وارحمنا، وارض عنا، وتقبّل منا، وأدخلنا الجنة، ونجّنا من النار، وأصلح لنا شأننا كله» [ (5) ] . وروى الترمذي، والنسائي، والحاكم: «اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا» [ (6) ] . وروى الترمذي- وقال: حسن عن أم سلمة وابن ماجة، عن أنس- والحاكم عن جابر: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» [ (7) ] . وروى الترمذي- وقال: حسن غريب- والحاكم: «اللهم متّعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني. وانصرني على من ظلمني، وخذ منه ثأري» [ (8) ] . وروى الترمذي- وقال: حسن غريب-: «اللهم ارزقني حبّك، وحبّ من يحبك، وحب

_ [ (1) ] الترمذي 5/ 488 (3489) وابن ماجة 2/ 1260 (3832) . [ (2) ] مسلم 4/ 245 (17/ 2654) وذكره المتقي الهندي في الكنز (1702) . [ (3) ] مسلم 4/ 2087 (71/ 2720) . [ (4) ] أخرجه أبو داود (1510، 1511) والترمذي (3551) وابن حبان (2414) والحاكم 1/ 519. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 1261 (3836) . [ (6) ] أخرجه الترمذي 5/ 305 (3173) وأحمد 1/ 34 والحاكم 1/ 535. [ (7) ] الترمذي 5/ 503 (3522) وأحمد 6/ 315 وابن ماجة 2/ 1260 (3834) . [ (8) ] الترمذي 5/ 493 (3502) .

من ينفعني حبّه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب» [ (1) ] . وروى الحاكم، والنسائي، عن أنس: «اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علما تنفعني به» [ (2) ] . وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- نحوه، وفيه «وزدني علما، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار» . انتهى [ (3) ] . وروى النسائي وابن ماجه، والحاكم، عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما-: اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الإخلاص في الرضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفذ، وقرة عين لا تنقطع. وأسألك الرضى بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضرّاء مضرّة، وفتنة مضلّة، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين» [ (4) ] . وروى ابن حبان، والحاكم، عن بسر- بضم أوله وسكون المهملة: ابن أبي أرطاة- رضي الله تعالى عنه-: «اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة» ، زاد الطبراني: «ومن كان ذلك دعاءه مات قبل أن يصيبه البلاء» [ (5) ] . وروى الحاكم، عن ابن مسعود وابن حبان، عن عمر- رضي الله تعالى عنه-: «اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا، لا تشمت بي عدوا ولا حاسدا، اللهم إني أسالك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك وفي لفظ: «أنت آخذ بناصيته» [ (6) ] . وروى الحاكم عن ابن مسعود: «الّلهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، [والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر] ، والفوز بالجنة، والنجاة من النار» [ (7) ] .

_ [ (1) ] الترمذي 5/ 489 (3491) . [ (2) ] الحاكم 1/ 510. [ (3) ] الترمذي 5/ 540 (3599) وابن ماجة 2/ 1260 (3833) . [ (4) ] النسائي 3/ 46 وأحمد 4/ 264 والحاكم 1/ 524. [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 181 والحاكم 3/ 591 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2424) والبخاري في التاريخ 1/ 2230/ 123. [ (6) ] الحاكم 1/ 525. [ (7) ] المصدر السابق.

وروى الطبراني في «الدعاء» عن أنس: وزاد: «اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا همّا إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة ألا قضيتها برحمتك، وأنت أرحم الراحمين» [ (1) ] انتهى. وروى الحاكم، عن ابن عمر: «اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائب لي بخير» [ (2) ] . وروى الحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- «الّلهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة وخير الممات، وثبتني وثقّل موازيني وحقق إيماني، وارفع درجتي، وتقبّل صلاتي، واغفر خطيئتي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة: اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنه، والدرجات العلى من الجنّة آمين. اللهم إني أسالك خير ما آتي وخير ما أفعل، وخير ما أعمل، وخير ما بطن، وخير ما ظهر، والدرجات العلى من الجنة آمين. اللهم إني أسالك أن ترفع ذكري، وتضع وزري، وتصلح أمري، وتطهر قلبي، وتحصن فرجي وتنور لي قلبي، وتغفر لي ذنبي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين. اللهم إني أسالك أن تبارك لي في نفسي وفي سمعي، وفي بصري، وفي وجهي، وفي خلقي وفي خلقي، وفي أهلي، وفي محياي، وفي مماتي، وفي عملي وتقبل حسناتي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة، آمين» -[ (3) ] . وروى الترمذي- وحسنه- وأبو الحسن بن عرفة، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والطبراني عنها- «اللهم اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سني، وانقطاع عمري» . أبو الحسن بن الضحاك كان يكثر هذا الدعاء فذكره [ (4) ] . وروى ابن حبان، عن عثمان بن أبي العاص وامرأة من قريش- رضي الله تعالى عنهما-: «اللهم اغفر لي ذنبي وخطئي وعمدي، اللهم إني أستهديك لأرشد أمري، وأعوذ بك من شر نفسي» [ (5) ] .

_ [ (1) ] فيه عباد بن عبد الصمد ضعيف المجمع 10/ 157. [ (2) ] الحاكم في المستدرك 1/ 510، 2/ 356، 357 وذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 130. [ (3) ] الحاكم 1/ 520. [ (4) ] انظر المجمع 10/ 182. [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 21، 217.

وروى البزار وابن الضحاك: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني» [ (1) ] . وروى ابن الضحاك، والإمام أحمد- برجال ثقات- غير أبي سعيد الحمصي، وفي رواية. المدني- فيحرر حاله- «اللهم اجعلني أعظّم شكرك، وأكثر ذكرك، وأتبع نصيحتك، وأحفظ وصيتك. اللهم أقلني عثرتي، واستر عورتي، واكفني ما أهمّني، وأعني على من ظلمني، وأرني ثأري. اللهم إنك لست بإله استحدثناه، ولا برب ابتدعناه ولا كان لنا قبلك إله نلجأ إليه ونذرك، ولا أعانك على خلقنا أحد، فنشكّ فيك» ، وفي لفظ «نشركه فيك، تباركت وتعاليت إنك أنت التواب الرحيم» [ (2) ] . وروى أيضا: «اللهم أنت فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، اقض عنا الدين، وأغنني من الفقر، ومتعني بسمعي وبصري، وقوتي في سبيلك» [ (3) ] . وروى أيضا: «اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء، اللهم إني أسالك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» [ (4) ] . وروى ابن عدي، وابن الضحاك عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: «اللهم إني أدعوك دعاء من تقطعت دنياه وأردفته آخرته» . وروى البزار- بسند حسن- عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني أسالك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليّ، وإن أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون» [ (5) ] . وروى ابن عدي، وابن الضحاك، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «اللهم واقية كواقية الوليد» . قال أبو يعلي، يعني «المولود» [ (6) ] . وروى الخطيب، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «اللهم إني أدفع بك ما لا أطيق، وبك استعين على ما أريد، يا ذا الجلال والإكرام» .

_ [ (1) ] البزار كما في الكشف 4/ 58 وقال الهيثمي 10/ 181 فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي متروك. [ (2) ] أحمد 2/ 311 وانظر المجمع 10/ 172- 179. [ (3) ] أخرجه الديلمي وذكره العراقي في تخريجه الإحياء 1/ 327، 331. [ (4) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 5/ 268. [ (5) ] البزار كما في الكشف 4/ 60. [ (6) ] أبو يعلى 9/ 396 (113/ 5527) .

وروى ابن الضحاك، عن عبد الله بن وهب، عن محمد بن عمر: «اللهم حبّب إليّ لقاءك، كما حببت إليّ عطاءك، وأعوذ بك من حب الرجعة إليّ عند حضور الوفاة» . وروى- أيضا- عن أبي عمرو الأوزاعي، قال: «بلغني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضائي، اللهم إني ضعيف فقوني، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فأغنني، اللهم بلغني من رحمتك ما أرجو من رحمتك، واجعل لي ودّا عند الذين آمنوا وعهدا عندك» [ (1) ] . وروى البزار، والطبراني، بلفظ الصحة بدل العصمة، ورجاله ثقات، غير عبد الرحمن بن زياد بن أنعم [ (2) ] ، وهو ضعيف في حفظه، ورواه ابن أبي عمر، عن عبد الله بن عمرو «اللهم إني أسالك العصمة والعفة والأمانة، وحسن الخلق والرضا بالقدر» ، ورواه أبو الحسن بن الضحاك، بلفظ: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يكثر الدعاء بأن يقول: فذكره» [ (3) ] . وروى ابن الضحاك، عن أبي الحسن الشيباني منقطعا: «اللهم إني أسالك العافية لي، ولأهل بيتي» [ (4) ] . وروى أيضا عن شيخ من كنانة صحابي: «اللهم لا تخزني يوم القيامة، ولا تخزني يوم البأس» [ (5) ] . وروى أيضا «اللهم لا تسلط عليّ عدوا أبدا، ولا تشمت بي عدوّا أبدا، ولا تنزع مني صالحا اكتسبته أبدا، وإذا أردت فتنة قوم، فتوفني إليك غير مفتون، وأرني الحق حقا أتبعه، وأرني المنكر منكرا أجتنبه، ولا تجعل شيئا من ذلك عليّ اشتباها فأتّبع هواي بغير هدى منك، وأتبع هواي محبتك ورضا نفسك، واهدني لما اختلف فيه من الحب بإذنك» . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، ورجالهما ثقات ولفظ أحمد- فأحسن-، ورواه أحمد برجال الصحيح، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وابن الضحاك، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنها- «اللهم حسنت خلقي فحسن خلقي» [ (6) ] .

_ [ (1) ] ابن أبي شيبة 10/ 268. [ (2) ] عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بضم المهملة الشعباني أبو أيوب قاضي إفريقية. عن أبيه. وعنه ابن المبارك وابن وهب. وثقه يحيى بن سعيد القطان. قال أحمد: حديثه منكر. قال يعقوب بن شيبة: رجل صالح من الآمرين بالمعروف. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. قال البخاري: هو مقارب الحديث. قال أبو عبد الرحمن المعري: مات سنة ست وخمسين ومائة. الخلاصة 2/ 132، 133. [ (3) ] البزار كما في الكشف 4/ 57 وفيه عبد الرحمن بن زياد ضعيف. [ (4) ] عند أحمد 2/ 25. [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 234 وابن السني (125) والطبراني في الكبير 3/ 4 وانظر المجمع 10/ 109. [ (6) ] أحمد 1/ 403.

وروى أبو الحسن بن الضحاك، [والبزار- برجال ثقات- عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك» [ (1) ] . «اللهم إني أعوذ بك أن يغلبني دين أو عدو، وأعوذ بك من غلبة الرجال [ (2) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هلال، مرسلا،: «اللهم لا تمتني غما، ولا غرقا، ولا هدما، ولا حرقا، ولا يسقط عليّ شيء، ولا أسقط على شيء ولا موليا ولا يتخبطني الشيطان» . وروى- أيضا- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول يوم الخروج إلى العيد: «اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا رياء، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، فعافني اللهم بعافيتك من النار» [ (3) ] . وروى ابن عدي، عن واثلة- رضي الله تعالى عنه- قال: لقينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم عيد فقلنا: «تقبل الله منا ومنك، قال: «نعم تقبل الله منا ومنك» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمرٌ قال: «لا إله إلا الله الحكيم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش الكريم ثم يدعو» [ (5) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن محمد بن عبد الله قال: «كان دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند الكرب: «يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث» [ (6) ] . «الله، الله، الله، لا شريك لك شيئا يا صريخ المكروبين، ويا مجيب المضطرين، ويا كاشف كرب المؤمنين، ويا أرحم الراحمين، اكشف كربي وغمي فإنه لا يكشفه إلا أنت. تعلم حالي وحاجتي» [ (7) ] . وروى ابن أبي شيبة- بسند صحيح- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول «لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، ولا شيء بعده» .

_ [ (1) ] انظر المجمع 10/ 172. [ (2) ] ابن أبي شيبة 10/ 284. [ (3) ] ابن أبي شيبة 10/ 211. [ (4) ] ضعيف انظر المجمع 2/ 206. [ (5) ] أحمد 1/ 268. [ (6) ] انظر المجمع 10/ 117. [ (7) ] أخرجه أحمد 2/ 307.

وروى مسلم، والنسائي، وابن الضحاك، عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكثر أن يدعو: «اللهم» وفي لفظ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة، عن شهر بن حوشب، قال: «قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين: ما كان أكثر دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» . رواه عبد بن حميد بسند جيد [ (2) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكثر أن يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل» [ (3) ] . وروى أيضا عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يكثر أن يقول: «اللهم سلّمني وسلّم مني» . وروى الطبراني- بسند ضعيف- والبزار بعض آخره من قوله: «أمتعني بسمعي» بنحوه وسنده جيد، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء: «اللهم اجعلني أخشاك حتى كأني أراك أبدا حتى ألقاك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، واجعل غنائي في نفسي، وامتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه ثأري، وأقر بذلك عيني» [ (4) ] . وروى البزار- بسند حسن- جيد عن جابر منه: «اللهم متعني بسمعي» إلى آخره [ (5) ] . وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، برجال ثقات، عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- كان عامة دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اغفر لي ما أخطأت وما تعمدت، وما أسررت، وما أعلنت، وما جهلت وما تعمدت» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني، وأبو يعلى- بسند حسن- عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو: «اللهم اغفر لنا ذنوبنا وظلمنا

_ [ (1) ] مسلم 4/ 2070 (26/ 2690) والبخاري 11/ 191 (6389) . [ (2) ] ابن أبي شيبة 10/ 210. [ (3) ] أحمد 6/ 100. [ (4) ] الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 10/ 178 فيه إبراهيم بن خيثم متروك وانظر الكشف 4/ 59. [ (5) ] البزار كما في الكشف 4/ 59. [ (6) ] أحمد 4/ 437 والطبراني في الكبير 18/ 121 والبزار كما في الكشف 4/ 61.

وهزلنا وجدنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا» [ (1) ] . وروى ابن حبان، وزاد: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العيال، وشماتة الأعداء» . وروى البزار، والطبراني، وسنده جيد- وأبو الحسن بن الضحاك عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني أسألك عيشة تقية، وميتة سوية، ومردّا غير مخزي ولا فاضح» [ (2) ] . وروى أبو يعلى- بسند جيد- عن رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم اغفر لنا وارحمنا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والحارث «عن أبي الأحوص وزيد بن علي، عن وفد عبد القيس أنهم سمعوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول «اللهم اجعلنا من عبادك المخبتين الغرّ المحجلين الوفد المتقبلين» ، فقالوا يا رسول الله، ما عباده المخبتون؟ قال: «عباد الله الصالحون» قالوا: فما الغرّ المحجلون؟ قال: «الذين تبيض منهم مواضع الطهور» ، قالوا: فلما الوفد المتقبلون؟ قال: «وفد يفدون مع نبيهم إلى ربهم- تبارك وتعالى- يوم القيامة» [ (4) ] . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم أنت الأول فلا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، اللهم إني أعوذ بك من كل دابة ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة الغنى ومن فتنة الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم» . «اللهم نقّ قلبي من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس» . «اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب» ، هذا ما سأل محمد ربه. «اللهم إني أسالك خير المسألة وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات، وثبتني وثقّل موازيني وأحق إيماني، وارفع درجتي، وتقبل صلاتي، واغفر خطيئتي، وأسألك الدرجات العلا من الجنة» آمين. اللهم إني أسالك فواتح الخير، وخواتمه، وجوامعه، وأوله، وآخره، وظاهره، وباطنه والدرجات العلا من الجنة آمين.

_ [ (1) ] أحمد 2/ 173 وانظر المجمع 10/ 172. [ (2) ] البزار كما في الكشف 4/ 57 وانظر المجمع 10/ 179. [ (3) ] انظر المجمع 10/ 172. [ (4) ] قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم المجمع 10/ 174.

اللهم إني أسالك خلاصا من النار سالما، وأدخلني الجنة آمنا، اللهم إني أسالك أن تبارك لي في نفسي، وفي سمعي، وفي بصري، وفي روحي، وفي خلقي، وفي خليقتي، وأهلي، ومحياي، وفي مماتي» . «اللهم تقبل حسناتي، وأسألك الدرجات العلا من الجنة آمين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن عجوز من بني نمر أنها سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي، خطئي وجهلي» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن لؤلؤة عن أبي صرمة، والطبراني، - برجال ثقات- عن أبي صرمة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي» [ (3) ] رواه مسدد برجال ثقات، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمّه، ورواه عنه أحمد بن منيع إلا أنه قال: عن محمد بن يحيى أن عمه أبا صرمة كان يحدث فذكره. وروى الطبراني، عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو يقول: «اللهم متّعني بسمعي، وبصري، واجعلهما الوارث مني، وعافني في ديني، واحشرني على ما أحييتني وانصرني على من ظلمني، حتى تريني منه ثأري، اللهم إني أسلمت ديني إليك، وخليت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت برسولك الذي أرسلت، وكتابك الذي أنزلت» [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، والطبراني- برجال الصحيح- عن عثمان بن أبي العاصي وامرأة من قيس- رضي الله تعالى عنهما- أنهما سمعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أحدهما يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي خطئي وعمدي» ، وقال الآخر سمعته يقول: «إني أستهديك لأرشد أمري، وأعوذ بك من شر نفسي» [ (5) ] . وروى أبو يعلى، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: «يا ولي الإسلام وأهله ثبتني به حتى ألقاك به» [ (6) ] . وروى أبو يعلى- بسند حسن- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 23/ 316 وانظر المجمع 10/ 177. [ (2) ] أحمد 4/ 55. [ (3) ] أحمد 3/ 453. [ (4) ] الطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي فيه عبد الله بن جعفر المديني متروك المجمع 10/ 178. [ (5) ] ابن أبي شيبة 10/ 282 وأحمد 4/ 21 وانظر المجمع 10/ 177. [ (6) ] الطبراني في الأوسط انظر المجمع 10/ 176.

تنبيه - في بيان غريب ما سبق:

الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم أقبل بقلبي إلى دينك، واحفظ من وراءنا برحمتك» [ (1) ] . وروى- أيضا- عن عون بن عبد الله قال: لقيت شيخا بالشام، فقلت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: «اللهم اغفر لنا وارحمنا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى- بسند حسن- عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم» . وروى الطبراني، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أسالك إيمانا يباشر قلبي، حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتب لي، ورضا من المعيشة بما قسمت لي» [ (3) ] . وروى البزار- برجال ثقات- عن الزبير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم بارك لي في ديني الذي هو عصمة أمري، وفي آخرتي التي إليها مصيري وفي دنياي التي فيها بلاغي، واجعل حياتي زيادة في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر» [ (4) ] . وروى أيضا أبو الحسن بن الضحاك. عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم اجعلني شكورا، واجعلني صبورا واجعلني في عيني صغيرا، وفي عين الناس كبيرا» [ (5) ] . وروى الطبراني، عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم أحيني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين» [ (6) ] . وروى أبو بكر بن خيثمة، عن أبي طارق بن الأشيم، قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني» ثم يقول: «هؤلاء جمعن خير الدنيا والآخرة» [ (7) ] . تنبيه- في بيان غريب ما سبق: الثلج والبرد: تقدما في شق صدره الشريف- صلى الله عليه وسلّم-:

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 6/ 202 (730، 3485) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] انظر المجمع 10/ 181 وكشف الأستار 4/ 58. [ (4) ] البزار كما في الكشف 4/ 57 وانظر المجمع 10/ 181. [ (5) ] انظر المجمع 10/ 181. [ (6) ] أخرجه الترمذي (2352) وابن ماجة (4126) والحاكم 4/ 322 والبيهقي 7/ 12 وانظر الفوائد المجموعة للشوكاني (240) وابن عراق في تنزيه الشريعة 2/ 304. [ (7) ] أحمد 3/ 472.

الدّنس- بدال مهملة، فنون مفتوحتين، فسين مهملة: الوسخ. الرّاهب- براء مفتوحة، فألف، فهاء، فموحدة: الكثير الخوف. الأوّاه- بهمزة مفتوحة، فواو مشددة، فألف فهاء: المتأوه المتضرع، وقيل: الكثير البكاء، وقيل: الكثير الدعاء. المنيب- بميم مضمومة فنون مكسورة، فمثناة تحتية، فموحدة: بمعنى التائب. الحوبة- بمهملة مفتوحة، فواو ساكنة، فموحدة فمثناة: الإثم. سخيمة القلب- بسين مهملة مفتوحة، فخاء معجمة مكسورة، فتحتية ساكنة، فميم، فتاء تأنيث: الحقد في النفس. الثّأر: الدم والطلب به. زويت عني- بزاي، فواو مفتوحتين، فتحتية ساكنة. الخشية- بخاء معجمة مفتوحة، فشين معجمة ساكنة. الغيب- بغين معجمة مفتوحة، فمثناة تحتية، فموحدة: كل ما غاب عنك. الشهادة: الحضور والخبر القاطع. كلمة الإخلاص- بهمزة مكسورة، فخاء معجمة ساكنة، فلام فألف، فصاد مهملة، لأنها خالصة في صفة الله خاصة. لا تشمت [ (1) ] .... لا تنفد- بمثناة فوقية مفتوحة، فنون ساكنة، ففاء فدال مهملة: لا يذهب. بر العيش [ (1) ] ... الموجبات. بميم مضمومة [ (1) ] .... العزائم- بعين مهملة، فزاي، فألف، فهمز، فميم، جمع عزيمة وهو ما أكدّ وصممّ. النجاح- بنون، فجيم، فألف، فحاء مهملة الظفر. الوزر- بواو مكسورة، فزاي ساكنة فراء: أكثر ما يطلق في الحديث على الذنب والإثم. والعثرة: الروعة. العورة- بعين مفتوحة، فواو ساكنة، فزاء. الرياء، الخيانة تقدم تفسيرها. الواقية- بواو مفتوحة، فألف، فقاف، فتحتية، فتاء تأنيث. الودّ- بواو مضمومة، فدال مهملة: الحب.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

القدر- بقاف، فدال مهملة مفتوحتين، فراء. الهوى- بهاء فواو فألف: الحب. الخزي- بخاء معجمة مكسورة، فزاي ساكنة [ (1) ] .... الخلق- بخاء معجمة مفتوحة، فلام ساكنة [ (1) ] .... الخلق- بخاء مضمومة، ولام مضمومة: الأوصاف، والمعاني حسنة، أو قبيحة. أشر- بهمزة مفتوحة، فشين معجمة، فراء مفتوحات: البطر، وقيل أشده. بطر- بموحدة، فطاء مهملة، فراء: أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده، وعبادته باطلا، وقيل: هو أن يتجبّر عند الحق فلا يراه حقا. السّخط- بسين مهملة مضمومة، فخاء معجمة ساكنة، فطاء مهملات. المرجفات العرش- بعين مهملة مفتوحة، فراء ساكنة، فشين معجمة مفتوحة، فميم احتباس النفس. السعادة. التّقوى- بفوقية مفتوحة، فقاف ساكنة. الشقاوة- بشين معجمة، فقاف، فألف [ (1) ] .... الهزل- بهاء مفتوحة، فزاي ساكنة [ (1) ] .... الجدّ- وهو بجيم مفتوحة فدال مهملة: الحظ والسعة. العيشة النقية- بنون مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية. خبث الميتة- بميم مكسورة، فتحتيّة ساكنة. ففوقيتين: حالة الموت. السّويّة- بسين مهملة مفتوحة، فواو مكسورة، فتحتية: متوسطة. المخزي- بميم مفتوحة، فخاء معجمة ساكنة، فزاي [ (1) ] .... الفاضح- بفاء، فألف، فضاد معجمة، فحاء مهملة [ (1) ] ... فوّضت أمري- بفاء، فواو مفتوحتين، فضاد معجمة [ (1) ] .... ألجأت ظهري- بهمزة مفتوحة، فلام ساكنة، فجيم، فهمزة، فتاء: أسندت. الملجأ: ما يستند إليه. المنجأ- بميم مفتوحة، فنون ساكنة، فجيم، فألف. العصمة- بعين مهملة فصاد مهملة فميم: المنعة. البلاغ- بموحدة مفتوحة، فألف، فلام، فغين معجمة [ (1) ] ....

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

المجلد التاسع

[المجلد التاسع] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في المعاملات وما يلتحق بها الباب الأول في الكلام على النقود التي كانت تستعمل في زمانه- صلى الله عليه وسلم- قال الإمام أبو سليمان أحمد بن الخطابي- رحمه الله تعالى-: كان أهل المدينة يتعاملون بالدرهم عددا وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قول عائشة- رضي الله عنها- في قصة شرائها بريرة إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فقلت تريد الدراهم [ (1) ] التي هي ثمنها فأرشدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى الوزن وجعل العيار وزن أهل مكة، وكان الوزن الجاري بينهم في الدرهم ستّة دوانق وهو درهم الإسلام في جميع البلدان، وكانت الدراهم قبل الإسلام مختلفة الأوزان في البلدان، فمنها البغليّ، وهو ثمانية دوانق، والطّبريّ وهو أربعة دوانق، وكانوا يستعملونها (مناصفة) [ (2) ] مائة بغليّة ومائة طبريّة، فكان في المائتين منها خمسة دراهم زكاة، فلما كان زمن بني أمية، قالوا إن ضربنا البغليّة ظنّ الناس أنها التي تعتبر للزكاة ضد الفقراء، وإن ضربنا الطبريّة، ضرّ أرباب الأموال، فجمعوا الدراهم البغلي والطبريّ وجعلوهما درهمين، كلّ درهم ستة دوانق، وأما الدنانير: فكانت تحمل إليهم من بلاد الروم فلما أراد عبد الملك بن مروان ضرب الدنانير والدراهم سأل عن أوزان الجاهلية فأجمعوا له على أن المثقال ثمان وعشرون قيراطا إلا حبّة بالشامي وأن كل عشرة من الدراهم سبعة مثاقيل فضربها. انتهى كلام الخطابي. قال الماوردي (في الأحكام السلطانية) : استقر في الإسلام وزن الدرهم ستة دوانق، كل عشرة سبعة مثاقيل، واختلف في سبب استقرارها على هذا الوزن، فقيل كانت في الفرس ثلاثة أوزان، منها درهم على وزن المثقال عشرون قيراطا، ودرهم اثنا عشر، ودرهم عشرة فلما احتيج في الإسلام إلى تقدير، أخذ الوسط من جميع الأوزان الثلاثة، وهو اثنان وأربعون قيراطا من قيراط المثقال وقيل: أن عمر بن الخطاب رأى الدراهم مختلفة، منها البغليّ ثمانية دوانق، والطّبريّ أربعة دوانق، واليمنيّ دانق واحد، فقال: انظروا أغلب ما يتعامل الناس به من أعلاها وأدناها، فكان البغلي والطبري، فجمعهما فكانا اثني عشر دانقا، فأخذ نصفهما، فكان ستّة

_ [ (1) ] انظر معالم السنن 3/ 61 وما بعدها. [ (2) ] سقط في ج.

دوانق، فجعله درهم الإسلام، واختلف في أوّل من ضربها في الإسلام، فحكي عن سعيد بن المسيب أن أول من ضربها في الإسلام عبد الملك بن مروان. قال أبو الزناد: أمر عبد الملك الحجاج بضربها في العراق سنة أربعة وسبعين من الهجرة. وقال المدايني: بل ضربها في آخر سنة خمس وسبعين، ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين وقال: وقيل أوّل من ضربها مصعب بن الزبير بأمر أخيه عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة، ثم غيّرها الحجاج انتهى كلام الماورديّ. وقال القاضي عياض: لا يصح أن تكون الأوقية والدرهم مجهولة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجب الزكاة في أعداد منها، وتقع بها المبايعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، قال: وهذا يبيّن في الأحاديث أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنّه جمعها برأي العلماء وأنّ جعل كلّ عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانق قول باطل، وأن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام، وعلى صفة لا تختلف بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم وصغارا وكبارا، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنيّة ومغربيّة، فزاد صرفها في الإسلام ونقصها وتصييرها وزنا واحدا أو أعيانا يستغنى بها عن الموازين، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم. وقال الرافعيّ: أجمع أهل العصر الأوّل على التقدير على هذا الوزن وهو أن الدرهم ستة دوانق، كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ولم يتغيّر المثقال في الجاهلية ولا الإسلام. وقال النووي في [شرح] المهذّب الصّحيح: الذي يتعيّن اعتماده واعتقاده أن الدّراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة الوزن معروفة المقدار، وهي السّابقة إلى الأفهام عند الإطلاق، وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشّرعية ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخرى أقل أو أكثر من هذا القدر، فإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدراهم محمول على المفهوم عند الإطلاق، وهو كلّ درهم ستة دوانق، كلّ عشرة سبعة مثاقيل، وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا هذا على هذا. ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأما مقدار الدراهم والدنانير فقال الحافظ أبو محمد عبد الحقّ في كتاب (الأحكام) : قال ابن حزم: بحثت غاية البحث عن من وثقت بتمييزه، فكلّ اتّفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبّة من حب الشعير المطلق، والدراهم سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكيّ سبع وخمسون حبة وستة

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

أعشار حبة، والرطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهما بالدراهم المذكورة، هذا كلام ابن حزم. قال النووي- بعد إيراده- في شرح المهذب: وقال غير هؤلاء: وزن الرطل البغداديّ مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وهو تسعون مثقالا انتهى. قال ابن سعد في الطبقات: حدثنا محمد بن عمر الواقديّ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، قال: ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمسة وسبعين «وهو أول من أحدث ضربها، ونقش عليها» . وفي (الأوائل) للعسكري: أنه نقش عليها اسمه، وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق الحميديّ عن سفيان، قال: سمعت أبي يقول: أول من وضع وزن سبعة الحارث بن ربيعة، يعني: العشرة عدّها سبعة وزنا. وأخرج ابن عساكر عن مغيرة، وقال: أول من ضرب الدراهم الزيوق عبيد الله بن زياد، وهو قاتل الحسين، وفي تاريخ الذهبي: أوّل من ضرب الدراهم في بلاد العرب عبد الرحمن بن الحكم الأمويّ القائم بالأندلس في القرن الثالث، وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من دراهم المشرق، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي جعفر، قال: القنطار خمسة عشر ألف مثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا، وأخرج ابن جرير في تفسيره عن السدي في قوله تعالى: وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران/ 14] . يعني المضروبة حتّى صارت دنانير أو دراهم [ (1) ] انتهى. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الوزن: بواو مفتوحة فزاي ساكنة. الدّانق: بدال مهملة فألف فنون فقاف سدس الدينار. والدّرهم البغليّة: بموحدة مفتوحة فعين معجمة ساكنة فلام فتحتية فتاء تأنيث قيل: إنّها ضرب ملك يسمى رأس البغل. الطّبريّة: [هي من الدراهم الخفاق كل درهم منها أربعة دوانيق] . القيراط: الحبّة بحاء مهملة فموحدة مفتوحتين- الحنطة والشّعير وغيرهما. المثقال: بميم مكسورة فمثلثة ساكنة فقاف.

_ [ (1) ] أخرجه ابن جرير الطّبري في تفسيره 6/ 250. (6727) .

الباب الثاني في شرائه وبيعه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في شرائه وبيعه- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: في بيعه: روى البخاري عن جابر- رضي الله عنه- قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره، فباعه بثمانمائة درهم ثمّ أرسل ثمنه إليه [ (1) ] . وروى مسلم والأربعة عنه، قال: جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر صلى الله عليه وسلم أنه عبد، فجاء سيّده يريده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنيه فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا بعد ذلك حتى يسأله «أعبد هو» ؟ [ (2) ] . وروى البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة والدّارقطنيّ عن عبد المجيد بن وهب- رحمة الله تعالى- قال: قال لي العدّاء بن خالد- رضي الله تعالى عنه- ألا أقرءوك كتابا كتبه رسول صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منه عبدا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم [ (3) ] . الثاني: في ذكر من اشتراه صلى الله عليه وسلم: روى الأربعة وصحّحه التّرمذي عن سويد بن قيس- رضي الله تعالى عنه- قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي برّا من هجر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فساومنا من شراء سراويل وعندنا وزّان يزن بالأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزّان زن وأرجح [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائي عن أبي صفوان مالك بن عميرة- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر، فاشترى مني رجل سراويل فأرجح لي. وروى الطبراني برجال ثقات والإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله عنهما- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عيرا قدمت فربح فيها أوقية فتصدق بها على أرامل بني

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 362 (6716) ومسلم 3/ 1289 (58/ 997) . [ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1225 (123/ 1602) . [ (3) ] أخرجه الترمذي 3/ 520 في البيوع (1216) وقال حسن غريب لا نعرف إلا من حديث عياد بن ليث وابن ماجة 2/ 756 في التجارات باب شراء الرقيق (2251) والبخاري تعليقا 4/ 309 في كتاب البيوع باب إذا بين البيعان وقال قتادة الغائلة الزنا والسرقة والإباق وابن سعد 7/ 36 والدارقطني 3/ 77 والبيهقي 5/ 328. [ (4) ] أخرجه أبو داود (3336) (3337) والترمذي (1305) وابن ماجة (2220) وأحمد (4/ 352) والدارمي 2/ 260 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1440) والحاكم 2/ 30، 4/ 192 والبخاري في التاريخ 4/ 142.

عبد المطّلب وقال: «لا أشتري شيئا ليس عندي ثمنه» [ (1) ] وروى ابن عمر- رضي الله تعالى عنه-: قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بكر صعب لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويردّه، ثم يتقدم فيزجره عمر، ويردّه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «بعنيه» ، قال: هو لك يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بعنيه» ، فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو لك يا عبد الله بن عمر، تصنع به ما شئت» [ (2) ] . وروي عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت على جمل [ (3) ] [لي قد أعيا، فمرّ به النبي صلى الله عليه وسلم فضربه، فسار سيرا ليس يسير مثله] ، ثم قال: «بعنيه بوقية» ، قال: فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمت المدينة أتيته بالجمل ونقدني ثمنه [ (3) ]] . وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح وعبد بن حميد والحاكم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة والذخرة العجوة، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فقال له يا عبد الله، إنا قد ابتعنا منك جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة فالتمسنا فلم نجد، قال: فقال الأعرابيّ، وا غدراه وا غدراه! فاتهمه الناس وقالوا: قاتلك الله! أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بل أنت يا عدو الله أغدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فإن لصاحب الحقّ مقالا، ثم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عبد الله، إنا ابتعنا جزائرك، ونحن نظنّ عندنا ما سمينا لك فالتمسناه فلم نجده، فقال الأعرابي وا غدراه، فاتهمه الناس، وقالوا: قاتلك الله! أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، فردّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا فلما رآه لا يفقه عنه، قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية، فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك إن كان عندك وسق تمر من تمر الذخرة- فأسلفيناه، حتى نؤدّيه إليك إن شاء الله، فذهب إليها الرّجل، ثم رجع الرجل، فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله، فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل اذهب فأوفه الذي له قال فذهب به، فأوفاه الذي له، قالت فمرّ الأعرابيّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيرا فقد أوفيت وأعطيت وأطيبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ خيار عباد الله عند الله الموفون المطيبون [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 267 (3344) وأحمد 1/ 235، 323. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 312 (2115) . [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 314 في الشروط (2718) ومسلم 3/ 1221 (109/ 715) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 416، 6/ 268 والبيهقي 5/ 351، 6/ 20، 21، 52 وعبد الرزاق (15358) . ومن حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 4/ 483 (2306) ومسلم 3/ 1225 (120/ 1601) .

الثالث: في اختياره صلى الله عليه وسلم موضع السوق:

الثالث: في اختياره صلى الله عليه وسلم موضع السوق: روى الطبراني من طريق الحسن بن علي بن الحسن بن أبي الحسن البراد يحرر حاله عن أبي أسيد- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي، يا رسول الله، إني قد رأيت موضعا للسوق، أولا تنظر إليه؟ قال: بلى، فقام معه حين جاء موضع السوق فلما جاءه أعجبه، وركضه برجله، وقال: نعم سوقكم، فلا ينقض ولا يضربنّ عليكم خراج [ (1) ] . ورواه ابن ماجة بلفظ: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق النبيط فنظر إليه، وقال ليس لكم هذا بسوق، ثم ذهب إلى سوق، فقال: هذا ليس لكم بسوق، ثم رجع إلى هذا السّوق فطاف فيه، ثم قال: هذا سوقكم، فلا ينتقض ولا يضرب عليه خراج [ (2) ] . الرابع: في دخوله صلّى الله عليه وسلم السوق، وما كان يقوله إذا دخله ووعظه أهله: وروى أبو بكر أحمد بن عمر وابن أبي عاصم في كتاب البيوع والحاكم في المستدرك والطبرانيّ عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السّوق، قال: «بسم الله» وفي لفظ إذا خرج إلى السوق، قال: «اللهم إني أسألك من خير هذا السّوق وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرا وصفقة خاسرة» [ (3) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جماعة من التّجّار، فقال: يا معشر التجار، فاستجابوا له وأمدوا أعناقهم، فقال: «إن الله تعالى باعثكم يوم القيامة، فجّارا إلا من صدق وبرّ وأدى الأمانة» [ (4) ] . وروى الطبراني برجال ثقات إلا محمد بن إسحاق الغنوي فيحرر حاله عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا وكنّا تجّارا، وكان يقول يا معشر التجار، إياكم والكذب [ (5) ] . وروى الطبراني عن طريق محمد بن أبان الحنفي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 265 وانظر المجمع 4/ 76 وكنز العمال (34877) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2233) وضعفه البوصيري في الزوائد. [ (3) ] أخرجه ابن السّني 177 وانظر المجمع 4/ 77. [ (4) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 226 والطبراني في الكبير 12/ 68 وانظر المجمع 4/ 78 وانظر الكنز (9336، 9869) . [ (5) ] ذكره المنذري في الترغيب 2/ 590.

الخامس: في تعاهده صلى الله عليه وسلم السوق ودخوله لحاجة وإنكاره على من غش:

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق قال: «اللهم إني أسألك من خير هذه السوق وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشرّ ما فيها، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة» [ (1) ] ، وفي رواية: اللهم إني أعوذ بك من شر هذه السوق، وأعوذ بك من الكفر والفسوق. وروى ابن ماجه والترمذي، وقال حسن صحيح عن رفاعة بن رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فإذا الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التّجّار، فاستجابوا ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: التّجّار يبعثون يوم القيامة، فجارا إلا من اتقى الله عز وجل وبرّ وصدق [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والأربعة عن قيس بن أبي غرة البجلي- رضي الله عنه- قال: كنا نبتاع بالمدينة، وكنا نسمّى السّماسرة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمّانا باسم هو أحسن، وفي لفظ: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع، فقال: «يا معشر التجار» ، فسمّانا بأحسن أسمائنا: إن البيع يحضره الحقّ والكذب، وفي لفظ: أن الشيطان والإثم يحضران السّوق، وفي لفظ: أن هذه السّوق يخالطها اللّغو والحلف فشوبوه بالصّدقة [ (3) ] . الخامس: في تعاهده صلى الله عليه وسلم السوق ودخوله لحاجة وإنكاره على من غش: وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاما مصبّرا، فأدخل يده فيه، فأخرج طعاما رطبا قد أصابته السماء، فقال لصاحبه: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق، أنه لطعام واحد، قال أفلا عزلت الرّطب على حدته، واليابس على حدته، فيبتاعون ما يعرفون، من غشّنا فليس منا [ (4) ] . وروى الطبراني عن أبي موسى- رضي الله عنه قال-: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق البقيع، فأدخل يده في غرارة، فأخرج طعاما مختلفا أو قال مغشوشا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من غشّنا [ (5) ] . وروى ابن ماجه عن أبي الحمراء- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجنبات رجل عنده طعام في وعاء فأدخل يده فيه، وقال: لعلّك غششت، من غشنا فليس

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 77 وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إبان الجعفي وهو ضعيف. [ (2) ] أخرجه الدّارمي 2/ 247 والترمذي 3/ 515 (1210) وقال حسن صحيح وابن ماجه 2/ 726 (2145) . [ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 620 (3326) والترمذي 3/ 514 وقال حديث صحيح والنسائي 7/ 14- 15 وابن ماجة 2/ 726 (2145) . [ (4) ] انظر المجمع 4/ 79 والمطالب (2206) وعبد الرزاق (17932) . [ (5) ] انظر المجمع 4/ 79. وقال رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه يحيى بن عقبة وقد قيل إنه يفتعل الحديث.

السادس في اشترائه الحيوان متفاضلا وامتناعهم من التفسير:

منا [ (1) ] . وروى الترمزي مرفوعا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان: إنكم قد ولّيتم أمرا هلكت فيه الأمم السّالفة قبلكم، ورواه عنه بسند صحيح موقوفا [ (2) ] وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ في السوق على صبرة طعام، فسأله كيف تبتاع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام» ؟ فقال: يا رسول الله، أصابته السماء، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشّنا فليس منّا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد حسّنه صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا هو طعام رديء، فقال: «بع هذا على حدة وهذا على حدة، فمن غشّنا فليس منّا» [ (4) ] . وروى البخاري والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّما دعوت هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم «تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي» [ (5) ] . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلّمني ولا أكلّمه حتى أتى سوق بني قينقاع ثم انصرف ... الحديث [ (6) ] . السادس في اشترائه الحيوان متفاضلا وامتناعهم من التفسير: روى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين [ (7) ] . وقد روى مسلم وابن ماجه والإمام أحمد وأبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى صفيّة بسبعة أرؤس من دحية الكلبيّ [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (2225) والدولابي في الكنى 1/ 25. قال البوصيري: في سنده أبو داود وهو نفيع بن الحارث الأعمى أحد الضعفاء والمتروكين. [ (2) ] أخرجه الترمذي 3/ 521 (1217) والحاكم 2/ 31 وابن كثير في التفسير 3/ 358. [ (3) ] أخرجه مسلم 1/ 99 (164/ 102) وأبو عوانة 1/ 157) والحاكم 2/ 9 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 320. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 50 والمجمع 4/ 78 والترغيب 2/ 572. [ (5) ] أخرجه البخاري 4/ 339 (2120) واللفظ له ومسلم 3/ 1682 (1/ 2131) . [ (6) ] أخرجه البخاري 4/ 397، 398 (2122) ، (5884) ومسلم 4/ 1882 (57/ 2421) . [ (7) ] أخرجه الترمذي 3/ 540 (1239) . [ (8) ] أخرجه مسلم 2/ 1045- 1046 (87/ 1365) .

تنبيهات

وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن أبي سعيد والطبراني برجال الصحيح، وأبو داود عن أبي هريرة والطبراني عن ابن عباس والبزار عن علي والطبراني عن أبي جحيفة والطبراني عن فضلة والإمام أحمد وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أما تسعّر لنا؟ وفي رواية: قوّم لنا سعرنا وفي رواية: فقال الناس: يا رسول الله، سعّر، وفي رواية: أن رجلا جاء، فقال: يا رسول الله، سعّر، فقال: بل ادعوا، ثم جاءه رجل فقال، يا رسول الله، هلّا تسعّر لنا! وفي رواية: أن رجلا جاء فقال: يا رسول الله، سعّر، فقال: بل ادعوا، ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، سعّر، وفي رواية: لو قوّمت لنا السّعر فقال إن الله تعالى هو المسعّر القابض الباسط، وفي رواية: بل الله يرفع ويخفض، وفي رواية إن الله هو المقوّم والمسعّر، إني لا أريد أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في عرض وفي رواية ولا نفس ولا مال وفي رواية لا يسألني الله تعالى عن سنّة أحدثتها عليكم لم يأمرني بها ولكن أسأل الله تعالى من فضله [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال في زاد المعاد: باع رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترى وكان شراؤه بعد أن أكرمه الله تعالى برسالته أكثر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد، وبيعه يعقوب المدبر غلام أبي مذكور وشراؤه عبدا أسود بعبدين وأمّا شراؤه فكثير. الثاني: في بيان غريب ما سبق: داء: [بدال مهملة مفتوحة فألف فهمز] المعيب. الغائلة: [أي ولا فجور، وقيل المراد الإباق] . الخبثة: [بخاء معجمة مكسورة فموحدة ساكنة بعد هاء مثلثة أي سبيا] . سامني: [سين مهملة فألف فميم مفتوحة فنون فتحتية من المساومة] . تمر الذخرة: [تقدم تفسيره] . الأواقي: [بهمزة فواو مفتوحتين فألف فقاف] . وسق: [بواو مفتوحة فسين مهملة ساكنة فقاف] .

_ [ (1) ] من حديث أنس أخرجه أحمد 3/ 156، 286 والدارمي 2/ 249 وأبو داود 3/ 731 (3451) والترمذي 3/ 605 (1314) وقال حسن صحيح وابن ماجه 2/ 741 (2200) والبيهقي في الكبرى 6/ 29 والطبراني في الصغير 2/ 7 والطبري في التفسير 2/ 372 وانظر المجمع 4/ 99، 100 ونصب الراية 4/ 263 والتلخيص 3/ 14.

ركضه برجله: [ضربه] . الخراج: [بخاء معجمة فراء مفتوحتين فجيم ما يجعل من غلة] . السوق: [بسين مهملة فواو ساكنة يؤنث ويذكر، وسميت به لقيام الناس فيها على سوقهم] . الفاجرة: [بفاء فألف فجيم مكسورة فراء فتاء تأنيث الكاذبة] . الصّفقة: [بصاد مهملة مفتوحة ففاء ساكنة فقاف فتاء العقدة الخاسرة] . البر: [بكسر الموحدة وبالراء الصلة] . السماسرة: [جمع سمسار، وهو القيم بالأمر الحافظ له] . البقيع: [بموحدة مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية فعين مهملة المكان المتسع من الأرض] . الغرار: الغش: [بغين معجمة مكسورة فشين معجمة ضد النصح] . الصبرة: [بصاد مهملة مضمومة فموحدة ساكنة فراء فتاء تأنيث الطعام] .

الباب الثالث في إيجاره - صلى الله عليه وسلم - واستئجاره

الباب الثالث في إيجاره- صلى الله عليه وسلم- واستئجاره وفيه أنواع: الأول: في إيجاره نفسه صلى الله عليه وسلم قال في زاد المعاد: أجّر رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأجر واستئجاره أكثر من إيجاره، وإنما يحفظ عنه أنه أجّر نفسه الكريمة قبل النبوة في رعاية الغنم، وأجّر نفسه من خديجة في سفره بما لها إلى الشام. وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم، فقال الصحابة وأنت؟ فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة [ (1) ] . وروى الحاكم عن طريق الربيع بن بدر عن أبي الزبير عن جابر، قال: أجّر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جرش كلّ سفرة [ (2) ] بقلوص. قلت: الربيع ضعيف، قال ابن العربي: إن صح الحديث فإنما هو المفتوح الذي بالشام. قال في النهاية: جرش بضم الميم وفتح الراء من مخاليف اليمن وهو بفتحها بلد في الشام. الثاني: في استئجاره صلى الله عليه وسلم: روى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- في حديث العجوة قالت: واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني الدّيل [ (3) ] . الثالث: في مساقاته صلى الله عليه وسلم: روى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- وأحمد وأبو داود وابن ماجة والدّارقطنيّ عن ابن عباس وابن ماجة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر، أراد إجلاء يهود منها، وكانت الأرض حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ورسوله وللمسلمين، وأراد إخراج يهود منها، فسألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرّهم بها على أن يكفوا أهلها، ولهم النّصف، وفي لفظ فعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر وزرع، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقركم بها على ذلك ما شئنا وفي لفظ ما أقركم الله فقرّوا بها حتى أجلاهم عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 441 (2262) والقيراط 2125،. جراما بالذهب. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 2/ 66 وإسناده ضعيف لضعيف الربيع بن بدر. [ (3) ] سقط في ج. [ (4) ] أخرجه البخاري 4/ 462 (2285) من حديث ابن عمر (5/ 26) (2338) .

الباب الرابع في استعارته - صلى الله عليه وسلم - وإعارته

الباب الرابع في استعارته- صلى الله عليه وسلم- وإعارته وفيه نوعان: الأول: في استعارته صلى الله عليه وسلم: روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي: والدارقطنيّ عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين، فقال أغصب يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة فضاع بعضها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت غرمتها، قال: لا، إن قلبي من الإسلام اليوم غير ما كان يومئذ [ (1) ] . وروى أبو داود عن أناس من آل عبد الله بن صفوان ومسدّد وابن أبي شيبة عن عطاء بن رباح عن أناس عن عبد الله بن صفوان قال: استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية سلاحا وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا صفوان، هل عندك من سلاح؟ فقال له صفوان: أعارية أم غصب؟ قال: بل عارية، فأعاره ما بين ثلاثين إلى أربعين درعا، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلمّا هزم الله المشركين جمعوا، وفي لفظ: جمعت أدراع صفوان، ففقد من أدراعه وفي لفظ: «منها أدراعا» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا صفوان، إن شئت غرمناها لك» ، وفي لفظ: «بل نغرم لك» فقال: يا رسول الله، إن في قلبي من الإيمان، وفي لفظ: «اليوم ما لم يكن حينئذ» [ (2) ] . وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار قصعة فضاعت فضمنها لهم [ (3) ] . وروى الشيخان عنه قال: كان فزع بالمدينة فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فلما رجع، قال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا [ (4) ] وروى عنه البخاريّ أنّ أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة، وكان يقطف أو كان به قطاف، فلما رجع قال وجدنا فرسكم هذا بحرا فكان بعد ذلك لا يجاري [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن صفوان بن يعلى عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 401، 6/ 465 وأبو داود (3562) والحاكم (2/ 47) وانظر نصب الراية 3/ 377 والتلخيص 3/ 52. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3563) وابن أبي شيبة 6/ 144 والدارقطني 3/ 40 والبيهقي 6/ 89، 7/ 18 وانظر نصب الراية 4/ 116. [ (3) ] أخرجه الترمذي 3/ 641 (1360) . [ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 240 (2627) (2968) ومسلم 4/ 1803 (49/ 2307) . [ (5) ] البخاري 6/ 83 (2867) .

الثاني في إعارته صلى الله عليه وسلم:

النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا» ، قال: فقلت يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤدّاة؟ قال: «بل مؤداة» [ (1) ] . الثاني في إعارته صلى الله عليه وسلم: تنبيه في بيان غريب ما سبق. الدرع: تقدم تفسيره وكذلك القصعة. مندوبا: من قوله ندبه لأمر انتدبه له، دعاه له فأجاب، ويقال: فرس ندب بسكون الدال أي ماض، ورجل ندب أي خفيف في الحاجة. القطوف: من الدّوابّ البطيء الشيء، وقيل: الضيق الشيء، قطفت الدّابّة تقطف قطفا والاسم القطاف. [يجارى] : بضم المثناة التحتية وفتح الراء يساير.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3566) وأحمد 4/ 222 والدارقطني 3/ 29 وانظر نصب الراية 3/ 377، 4/ 117.

الباب الخامس في مشاركته - صلى الله عليه وسلم -

الباب الخامس في مشاركته- صلّى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقيّ عن السائب بن أبي السائب- رضي الله تعالى عنه- أنه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام في التجارة، فلما كان يوم الفتح جاءه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري، يا سائب قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية، لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك وكان ذا سيف وصلة» [ (1) ] . وروى أبو يعلى والبزار بإسناد حسن عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد تمرتين، فأخذ تمرة وأعطاني تمرة [ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح غير عبد الله بن الإمام أحمد وهو ثقة مأمون عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- رأى تمرة عائرة فأخذها فناولها سائلا، فقال: «إنك لو لم تأتها لا تأتك» . بيان الغريب مرحبا: بميم مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملة فموحدة مفتوحة أي لتأتي رحبا وسعة. لا يداري: بالهمزة من المدارة، وهي مدافعة الحق فإن ترك الهمزة صارت من المداراة وهي الدفع بالتي هي أحسن. لا يماري: من المماراة وهي المجادلة بغير حق. العائرة: بعين مهملة مفتوحة فهمزة مكسورة فراء فتاء تأنيث، الساقطة.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 260 (4836) والحاكم 2/ 61 صححه ووافقه الذهبي. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 173 وقال رواه البزار وأبو يعلى وفيه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي وهو ثقة وفيه ضعف.

الباب السادس في وكالته وتوكيله - صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في وكالته وتوكيله- صلّى الله عليه وسلم قال في زاد المعاد: وكان توكيله- صلى الله عليه وسلم- أكثر من توكّله. وروى الإمام أحمد والتّرمذي وأبو داود والدّارقطني عن عروة البارقي- رضي الله تعالى عنه- قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا، وقال: «أي عروة ائت الجلب، فاشتر لنا شاة» ، فأتيت الجلب، فساومت صاحبه، فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما، أو قال أقودهما، فلقيني رجل فساومني فبايعته شاة بدينار فجئت بالدّينار وجئت بالشّاة، فقلت يا رسول الله هذا ديناركم، وهذه شاتكم، قال وصنعت كيف؟ قال: فحدثته الحديث، فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي، زاد أحمد وكان يشتري الجواري ويبيع، زاد التّرمذيّ فيربح الربح العظيم، وكان من أكثر أهل الكوفة مالا، زاد الإمام أحمد والبخاري في رواية: فكان لو اشترى التراب لربح فيه [ (1) ] . وروى أبو داود والتّرمذي والدّارقطني عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حكيم بن حزام يشتري له أضحية بدينار، فاشتراها بدينار،. وباعها بدينارين فاشترى أضحية بدينار، وجاء بدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّ بالشاة، وتصدّق بالدينار، ودعا له أن يبارك له في تجارته [ (2) ] . وروى البخاري تعليقا عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: وكّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان [ (3) ] . وروى أبو داود عن جابر قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسّلّمت عليه، وقلت له: إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته [ (4) ] . وروى الإمام أحمد في رواية حميد الشامي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الجلب: بجيم فلام مفتوحتين فموحدة ما يجلب من مكان إلى آخر. الترقوة: [العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 632 في المناقب (3642) وأبو داود 3/ 256 (3384) والترمذي 3/ 559 (1258) وابن ماجة 2/ 803 (2402) وأحمد في المسند 4/ 375، 376. [ (2) ] أخرجه الترمذي (1257) . [ (3) ] أخرجه البخاري 8/ 672 (5010) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 47، 48 (3632) .

الباب السابع في شرائه - صلى الله عليه وسلم -

الباب السابع في شرائه- صلى الله عليه وسلم- وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهوديّ وأعطاه درعه رهنا وفي رواية: رهنه درعا من حديد [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والبخاريّ والبزّار عن أنس قال: لقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا له من يهوديّ بالمدينة وأخذ منه عشرين صاعا من طعام، وفي لفظ «من شعير» لأهله [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والتّرمذي وصحّحه النّسائيّ وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنّ درعه مرهون عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله [ (3) ] . وروى الإمام الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشّحم اليهوديّ [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أسماء بنت يزيد قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفّي يوم توفّي ودرعه مرهون عند رجل من يهود قريش من شعبة [ (5) ] . وروى الحارث عن أبي زرعة بن عمر وابن جرير أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه تمرا، فاستنظره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن ينتظره، فانتهره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخرج عليك أن أخرج من المدينة وأنا أطلبك منه بشيء، فإني والله لا أرجع إلى أرضي حتى ينتهب منها أكثر مما أطلبك به فأرسل إلى امرأة من بني سليم يقال لها جدامة، يستلفها تمرا، فقالت اذهب فاكتل واستوفه، ثم قال: هو كان إلى نصرتكم أحوج وأنا إلى ما أمر به ربي بارّا أمانتي أحوج إن الله لا يقدّس أمّة لا ينصر ضعيفها، أو قال: لا يقوى قويها. وروى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له أخرج عليك إن قضيتني،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 302 (2068) ومسلم 3/ 1226 (126/ 1603) والنسائي 7/ 288 وابن ماجة 2/ 815 (2436) . [ (2) ] أخرجه البخاري (4/ 354) (2068) وهو عند البخاري 6/ 99 (2916) (4467) . [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 815 (2439) . [ (4) ] أخرجه الشافعي في المسند 2/ 163 (565) . [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (2438) . ابن أبي شيبة 6/ 575 والبيهقي 6/ 37 في الدلائل 7/ 274.

فانتهره أصحابه، وقالوا ويحك أتدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي! فقال صلى الله عليه وسلم «هلا مع صاحب الحقّ كنتم» ثم أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: «إن كان عندك تمر فأقرضينا تمرنا فنقضيك» فقالت: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، فأقرضته، فقضى الأعرابيّ وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك، فقال: «أولئك خيار النّاس لا قدّمت أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقّه غير متعتع» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (2426) وقد تقدم.

الباب الثامن في استدانته - صلى الله عليه وسلم - برهن وبغيره وحسن وفائه

الباب الثامن في استدانته- صلى الله عليه وسلم- برهن وبغيره وحسن وفائه وروى إسحاق وابن أبي شيبة والطّبرانيّ والبزار عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال: نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف، فبعثني إلى يهوديّ، فقال: قل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بعني أو أسلفني إلى رجب، فأتيته، فقلت له ذلك، فقال: والله، لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: والله، لو باعني أو أسلفني إني لأمين في السماء، أمين في الأرض، اذهب بدرع الحديد إليه، قال: فنزلت هذه الآية فيه، تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا [ (1) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل تمر لون، فلما جاء يتقاضاه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عندنا اليوم من شيء، فلو تأخّرت عنّا حتى يأتينا شيء، فنقضيك، فقال الرجل: وا غدراه! فقام له عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه يا عمر فإن لصاحب الحقّ مقالا» ، انطلق إلى خولة بنت حكيم الأنصاريّة، فالتمسوا عندها تمرا، فانطلقوا، فقالت يا رسول الله، ما عندنا إلا تمر الذخيرة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا فاقضوا فلما قضوه، أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: استوفيت؟ قال: نعم، أوفيت وأطيبت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ خيار عباد الله من هذه الأمة الموفون الطّيّبون» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف منه حين غزا حنينا ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا وفي لفظ أحمد: ثمانين ألفا أو أربعين ألفا، فلما قدم قضاها إياه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله في أهلك ومالك، إنما جزاء السّلف الوفاء والحمد ورواه ابن أبي عمر، وابن أبي شيبة عن إسماعيل بن إبراهيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف [ (3) ] . .. فذكره. وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشّيخان والأربعة إلا أبا داود عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دينار وفي لفظ سنّ من الإبل، فجاءه يتعاطاه، فأغلظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى همّ به وفي لفظ: فهمّ به بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، فأعطوه فطلبوا سنّا فلم يجدوا إلا سنا فوقها وفي لفظ «خيرا

_ [ (1) ] انظر الدرّ المنثور (4/ 313) وعزاه لابن أبي شيبة وابن راهويه وابن أبي حاتم وابن مردويه. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه النسائي 6/ 437 وابن ماجة (2424) وأحمد 4/ 36 وابن السني 272 وأبو نعيم في الحية 7/ 111 8/ 375 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 335 والبخاري في التاريخ 5/ 10.

منها» قال: فاشتروه فأعطوه فإن من خياركم أحسنكم قضاء، وفي لفظ: «فأمر له بأفضل من سنّه، فقال: أوفيتني، أوفاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خياركم أحسنكم قضاء» [ (1) ] . وروى البخاري وأبو جعفر عن جرير وأحمد وأبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني [ (2) ] . وروى البزار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه وقد استسلف منه شطر وسق فأعطاه وسقا، فقال: نصف وسق لك، ونصف وسق لك منّا [ (3) ] . وروى البزار برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل أربعين صاعا فاحتاج الأنصاريّ فأتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما جاءنا شيء» فقال الرّجل: وأراد أن يتكلّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تقل إلّا خيرا، فأنا خير من تسلف» فأعطاه أربعين وأربعين لسلفه، فأعطاه ثمانين [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل يطلب نبي الله صلّى الله عليه وسلم بدين أو بحقّ فتكلم ببعض الكلام، فهمّ به بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن صاحب الدّين له سلطان على صاحبه حتى يقضيه» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم حليق النصرانيّ ليبعث له أثوابا إلى الميسرة فأتيته فقال: ما الميسرة؟ والله ما لمحمّد ثاغية ولا داعية، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كذب عدو الله، أنا خير من باع، لأن يلبس أحدكم من رقاع شتّى خير له من أن يأخذ بأمانته ما ليس عنده» [ (6) ] . وروى الطبراني عن خولة بنت قيس امرأة حمزة بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنهما- قالت كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسق من تمر لرجل من بني ساعدة فأتاه يقتضيه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار أن يقتضيه، فقضاه إياه تمرا دون تمره فأبى أن يقبله، فقال: أتردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال، نعم، ومن أحقّ بالعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتحلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموعه، ثم قال: صدق، من أحقّ بالعدل مني، لا قدّس الله أمّة لا يأخذ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 72 (2393) ومسلم 3/ 1225 (120- 1601) . [ (2) ] أخرجه البخاري في الصحيح من حديث جابر 5/ 72 (2394) وأبو داود 2/ 268 (3347) . [ (3) ] انظر المجمع 4/ 141 والبيهقي 5/ 351 قال الهيثمي: رواه البزار وفيه أبو صالح الفراد ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (4) ] انظر المجمع 4/ 141. رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار وهو ثقة. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (2425) وانظر الترغيب 2/ 565 والكنز (15482) وضعفه البوصيري في الزوائد. [ (6) ] أحمد 3/ 244 والحاكم 3/ 572 انظر المجمع 4/ 125، 126.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

ضعيفها حقّه من قويّها ولا يتعتعه يا خولة عديه واذهبيه واقضيه [ (1) ] . وروى الإمام مالك عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكرا، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطه إيّاه، فإن خيار النّاس أحسنهم قضاء» [ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الله بن أبي سفيان- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل يهوديّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه تمرا فأغلظ للرسول صلى الله عليه وسلم فهمّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما قدّس الله، أو ما يرحم الله أمّة لا يأخذون للضّعيف منهم حقّه غير متعتع» ثم أرسل إلى خولة بنت حكيم، فاستقرضها تمرا، فقضاه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك يفعل عباد الله الموفون، أما إنه قد كان عنده تمر لكنه كان خيرا» [ (3) ] . وروى النسائي وابن ماجة عن العرباض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابيّ: اقضني بكري فأعطاه بعيرا مسنا، فقال الأعرابيّ: يا رسول الله، هذا أسنّ من بعيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس خيرهم قضاء [ (4) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: التعزية: بفوقية مفتوحة فعين مهملة ساكنة فزاي مكسورة فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث، الحمل على الناس والصبر. لون، بلام مفتوحة فواو ساكنة فنون: نزع. ثاغية: بمثلثة فألف فغين معجمة فتحتية فتاء تأنيث أي ليس لها شيء من الغنم. وا غدراه: [ ... ] . راغية: براء فألف فغين معجمة فتحتية فتاء تأنيث. البكر: بفتح الموحدة وسكون الكاف وبالراء، الناقة والفتيّ منها إلى أن يجزع إلى أن يثنى وابن اللبون أو الذي لم ينزل. الخيار: من الخيرة بخاء معجمة مكسورة فتحتية فراء فتاء تأنيث أي ليس له شيء من الغنم. الرباعي: براء فموحدة مفتوحتين فعين مهملة يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رباعيته رباع، والأنثى رباعية إذا دخلا في السنة السابعة.

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 140. [ (2) ] وأخرجه مسلم 3/ 1224 (118) (1600) وأبو داود 3/ 247 (3346) والترمذي 3/ 609 (1318) والنسائي 7/ 291 وابن ماجة 2/ 767 (2285) . [ (3) ] انظر المجمع 4/ 131، 141 والترغيب 2/ 610 والكنز (5590، 5591) ورجاله رجال الصحيح. [ (4) ] أخرجه النسائي (4619) وابن ماجة (2286) .

الباب التاسع في ضمانه - صلى الله عليه وسلم -

الباب التاسع في ضمانه- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: في ضمانه صلى الله عليه وسلم ضمانا خاصا عن ربه تبارك وتعالى على أعمال من أعمال أمته: وروى أبو داود عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا زعيم بيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وبيت في أعلى الجنة لمن حسّن خلقه» [ (1) ] . وروى الطبراني بسند جيّد عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اضمنوا ستاّ من أنفسكم أضمن لكم الجنّة اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتّم، وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطها إياه بنخلة في الجنّة» ، فأبى، فأتاه أبو الدّحداح فقال بعني نخلتك بحائطي، ففعل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إني ابتعت النخلة بحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عذق راح لأبي الدّحداح، قالها مرارا فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط، فإني قد ابتعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع أو كلمة تشبهها [ (3) ] . الثاني: في ضمانه- صلى الله عليه وسلم- دين بعض الصحابة: روى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير، فقال: والله ما أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني تحميل أجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كم تنظره؟ قال: شهرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أحمل» فتحمّل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه بقدر ما وعده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين أصبت هذا؟ قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيها، ليس فيها خير فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (4800) والطبراني في الكبير 8/ 117 والدّولابي في الكنز 2/ 133291 والبيهقي 10/ 241 وانظر المجمع 1/ 157، 8/ 23. [ (2) ] وأخرجه أحمد 5/ 323 والحاكم 4/ 358. [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 146. [ (4) ] أخرجه أبو داود (2/ 262) (3328) وصححه الحاكم 2/ 10 ووافقه الذهبي.

الثالث: في ضمانه صلى الله عليه وسلم عن من مات وعليه دين ولم يترك وفاء [1] :

الثالث: في ضمانه صلى الله عليه وسلم عن من مات وعليه دين ولم يترك وفاء [ (1) ] : روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرّجل المتوفّى عليه الدّين، فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين، فترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: ربض الجنة: براء فموحدة مفتوحتين فضاد معجمة، ما حولها خارجا عنها. المراء: بميم مكسورة فراء فألف فهمزة، الجدال. غضّوا أبصاركم: بغين وبضاد معجمتين مضمومتين احفظوها. العذق: بعين مهملة مفتوحة فذال معجمة ساكنة، النخلة، وبكسر العين العرجون. الحائط: بحاء مهملة فألف فهمزة مكسورة فطاء مهملة، البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. المعدن: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فدال مهملة فنون، الموضع الذي يستخرج منه جواهر الأرض الذهب والفضة.

_ [ (1) ] لم يذكر المصنف شيئا من الحديث وذكر الحديث في الأصل تتميما للفائدة والحديث أخرجه البخاري 4/ 477 (2298) ومسلم 3/ 1237 (14/ 1619) .

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الهدايا والعطايا والإقطاعات

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الهدايا والعطايا والإقطاعات الباب الأول في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الهدية وفيه أنواع: الأول: في أمره صلى الله عليه وسلم بالتهادي: روى إبراهيم الحربيّ وأبو بكر أحمد بن أبي عاصم في (كتاب الأموال) عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهديّة تذهب وحر الصّدر [ (1) ] . الثاني: في قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ولو قلت وإثابته عليها: روى الإمام أحمد والبخاريّ وأبو داود والترمذي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهديّة ويثيب عليها [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه ابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أهدي إليّ كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت» وفي لفظ «إذا دعيت إلى ذراع» وفي لفظ «إلى كراع لأجبت» ورواه البخاري عن أبي هريرة [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح وابن سعد عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كانت أمّي وفي لفظ «أختي» تبعثني بالهديّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بالشيء فيقبلها مني وروى الطبراني عنه قال: [ (4) ] بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلته، فقالت أمّي: هل أتاك عبد الله بقطف؟ قال: لا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال: «غدر غدر» ورواه تمام بن محمد الرّازيّ بلفظ: بقطف من العنب، فناولت منه فأكلته قبل أن أبلّغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلمّا جئته مسح على رأسي، وقال: «يا غدر!» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود الطيالسي ص 307 (2333) وأحمد 2/ 405 والترمذي 4/ 441 (2130) وفيه أبو معشر المدني ضعيف تفرد به. [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 210 (2585) وأبو داود (3536) والترمذي (1953) وأحمد 6/ 90 وابن أبي شيبة 6/ 551 والبيهقي 6/ 180. [ (3) ] أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة (5/ 236) (2568) . [ (4) ] انظر المجمع 4/ 147. [ (5) ] البخاري في التاريخ 2/ 339 وانظر المجمع 4/ 147.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن سرجس- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت أختي ربّما تبعثني بالشّيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطرقه إياه فيقبله مني [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والبزار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديّة فأثابه عليها، قال، أرضيت؟، قال: لا، فزاده، قال: أرضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: أرضيت؟ قال: نعم؟ [ (2) ] . وروى أبو يعلى برجال الصحيح وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم بسند صحيح عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان يلقّب حمارا وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكّة من السّمن والعكّة من العسل، فإذا جاء صاحبها يتقاضاه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا رسول الله، أعط هذا ثمن متاعه فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يتبسم أو يأمر به فيعطى [ (3) ] . وروى الطبراني عن أم سلمة والإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والبزار عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت أمّ سنبلة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهديّة وقالت عائشة: أهدت أم سنبلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا فلم تجده، فقلت لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل من طعام الأعراب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه، فقال: «ما هذا معك يا أمّ سنبلة» فقالت: لبنا أهديته لك يا رسول الله، فقال: «اسكبي، أمّ سنبلة» ، فسكبت فنادى عائشة، فناولها فشربت فقال: «اسكبي أمّ سنبلة» ، فسكبت فناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب، فقالت عائشة: فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبن أسلم، ثم قالت: قد كنت حدّثت أنّك قد نهيت عن طعام الأعراب، فقال: يا عائشة، هم ليسوا بأعراب، هم أهل باديتنا، ونحن أهل حاضرتهم، وإذا دعوا أجابوا، فليسوا بأعراب، زاد الطبراني: وأعطاها كذا وكذا واديا وزود فاشترى عبد الله بن حسن الوادي منهم [ (4) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن عياض بن عبد الله عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل عكّة من عسل فقبلها وقال إحم شعبي فحماه وكتب له كتابا [ (5) ] .

_ [ (1) ] أحمد 4/ 189 وانظر المجمع 4/ 147. [ (2) ] المجمع 4/ 148 قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. [ (3) ] المجمع 4/ 148، المطالب للحافظ ابن حجر (1429) . [ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 133 وانظر المجمع 4/ 149. [ (5) ] المجمع (4/ 152) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

الثالث: في قبوله صلى الله عليه وسلم جرة من جماعة من ملوك أهل الكتاب:

وروى عبد الرزاق عن زيد بن أسلم مرسلا قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تخرج من عند عائشة، ومعها شيء تحمله، فقال لها: طعاما هذا؟ قالت: أهديت لعائشة، فأبت أن تقبله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا قبلته منها مرة واحدة؟» قالت: يا رسول الله، إنها محتاجة وإنّها كانت أحوج إليه مني، قال: «فهلّا قبلته منها وأعطيتها خيرا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهديّة من البادية فيجهّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه» [ (2) ] . وروى ابن أبي شيبة عن الربيع بنت معوذ- رضي الله تعالى عنها- قالت أتيت رسول لله صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب وآخر من ذغب فأكل منها، وأعطاني ملء كفّي حليّا أو ذهبا، وقال: تحلّي [ (3) ] به وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن الحجّاج بن غلاط السّلّميّ أهدى لرسول لله صلى الله عليه وسلم سيفه ذات الفقار ودحية أهدى له بغلة شهباء [ (4) ] . وروى أبو يعلى عن أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فبعث له امرأة مع ابن لها بشاة، فحلب ثم قال: انطلق به إلى أمّك، فشربت حتى رويت، ثم جاء بشاة أخرى فحلب ثم شرب [ (5) ] . الثالث: في قبوله صلى الله عليه وسلم جرّة من جماعة من ملوك أهل الكتاب: وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرّة من منّ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي أصحابه منها قطعة قطعة، وأعطى جابرا قطعة ثم عاد، فأعطاه قطعة أخرى، فقال: يا رسول الله، لقد أعطيتني، فقال: هذا لبنات عبد الله يعني أخواته [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البغوي في شرح السنة 8/ 302 والكنز (14482) . [ (2) ] أحمد 3/ 161 وعبد الرزاق (19688) والترمذي في الشمائل (121، 122) والبيهقي 6/ 196. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 278. [ (4) ] انظر المجمع 5/ 45، 4/ 156. قال الهيثمي فيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة، وهو متروك. [ (5) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 123 وانظر المجمع 4/ 147، 5/ 83 والمطالب (2388) . [ (6) ] أخرجه أحمد 3/ 122 والحاكم في المستدرك 4/ 135.

وروى أحمد ومسلم عن البراء بن عازب قال: أهدى البدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها، فقال: والذي نفسي بيده، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا [ (1) ] . وروى الحارث بن أبي أسامة والبزّار والطّبراني وابن خزيمة وإبراهيم الحربي وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي شيبة بسند صحيح عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال أهدى أمير القيط إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين، وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة واتّخذ إحدى الجاريتين لنفسه، فولدت له إبراهيم، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت، فولدت له محمدا [ (2) ] . وروى البزار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرّة من منّ فقبلها [ (3) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت أهدى المقوقس ملك القيط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة عيدان شامية ومرآة ومشطا [ (4) ] . وروى البزار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أهدى المقوقس لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير [ (5) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلّة من حلّة السيراء أهداها له فيروز [ (6) ] . وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم [ (7) ] . ورواه مسلم بلفظ: جاء رسول صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردا. وروى إبراهيم الحربي في كتاب هدي الأموال عن علي- رضي الله تعالى عنه قال: أهدى يوحنا بن رؤبة- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء. وروى أبو داود عن أنس- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 122 (3802) ومسلم 4/ 1916 (126/ 2468) . [ (2) ] المجمع 4/ 153 وعزاه للطبراني والبزار قال الهيثمي ورجال البزار رجال الصّحيح. [ (3) ] انظر المجمع 4/ 153. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 153 وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. [ (5) ] انظر المجمع 4/ 153. [ (6) ] المجمع 5/ 121 أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 165 والمجمع 5/ 123. [ (7) ] البخاري (6/ 308) (3161) .

الرابع: في رده صلى الله عليه وسلم الهدية لأمير وسيرته في هدية الأمراء وعدم قبوله الصدقة:

عنه- أن ملك الرّوم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبّة من سندس كما تقدم في رواية أحمد ومسلم أو شقّية فليحرر. الرابع: في رده صلى الله عليه وسلم الهديّة لأمير وسيرته في هدية الأمراء وعدم قبوله الصدقة: وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان عن الصعب بن جثامة- رضي الله تعالى عنه- أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيّا وهو بالأبراء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه، وفي رواية ما في وجهي من الكراهة قال: «ليس بنا ردّ عليك» وفي رواية «إنا لم نردّه إليك إلا أنّا حرم» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنه- أنه قد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي فردها، ولم يأكلها [ (2) ] . وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللّتبيّة فلمّا قدم، قال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ، قال: فهلّا جلس في بيت أبيه أو بيت أمّه، فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا غفرة إبطيه: اللهمّ هل بلغت ثلاثا [ (3) ] . وروى ابن سعد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وعون بن عبد الله عن حبيب بن عبيد الرّجيّ، ورشيد بن مالك، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أو غيره، قال: صدقة أم هدية فإن قيل من صدقة صرفها إلى أهل الصّدقة، أو قال كلوا ولم يأكل، وإن قيل هدية أمر بها، فوضعت ثم أهدى أهل الصدقة منها ولفظ أبي هريرة قبل الهدية ولم يقبل الصدقة [ (4) ] وتقدمت قصة سلمان في أوائل الكتاب. الخامس في رده صلى الله عليه وسلم هدية المشركين: وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصحّحه وأبو بكر وأحمد بن عمر بن أبي عاصم في كتاب (الهدايا) عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله تعالى عنه- وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث فلما بعث أهدى إليه هدية أحسبها إبلا فأبى أن يقبلها، وقال: إنا لا نقبل زبد المشركين، قال: قلت: وما زبد المشركين؟ قال: وفدهم هديتهم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 31 (1825، 2573 ومسلم 2/ 850 (50/ 1193) وقد تقدم. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 233 وعزاه لأحمد وأبي يعلى وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 220 (2597) ومسلم 3/ 1463 (26/ 1832) . [ (4) ] مجمع الزوائد (8/ 268) وابن سعد (6/ 117) .

السادس: في امتناعه من قبول الهدية من غير قريش والأنصار وثقيف ودوس وأسلم وأمره - صلى الله عليه وسلم بعد قصة الشاة المسمومة من أهدى له هدية ولم يثق به أن يأكل منها وسؤاله بعض أصحابه أن يهب له دابة أو رقيقا:

وفي لفظ أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو هديّة فقال لي: أسلمت؟ قلت: لا قال: إني نهيت أن أقبل زبد المشركين [ (1) ] . وروى موسى بن عقبة- رضي الله تعالى عنه- بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجاله من أهل الكتاب مرسلا أن عامر بن مالك الّذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال: إني لا أقبل هدية المشركين [ (2) ] . وروى البزار عن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية فقال: إنّا لا نقبل هدية المشرك [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: كان محمدا أحبّ رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبّأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلّة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى، قال عبيد الله حسبت أنه قال أنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثّمن، فأعطيته إياها حين أبى الهديّة زاد الطبراني، فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئا أحسن منه فيها يومئذ ثم أعطاها أسامة بن زيد فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة، أنت تلبس حلّة ذي يزن فقال نعم، والله لأنا خير من ذي يزن ولأبي خير من أبيه، فانطلقت إلى أهل مكة أعجبهم بقول أسامة [ (4) ] . السادس: في امتناعه من قبول الهديّة من غير قريش والأنصار وثقيف ودوس وأسلم وأمره- صلى الله عليه وسلم بعد قصة الشاة المسمومة من أهدى له هديّة ولم يثق به أن يأكل منها وسؤاله بعض أصحابه أن يهب له دابة أو رقيقا: روى الإمام أحمد والتّرمذي والحارث ابن أبي أسامة والبخاري في الأدب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: أهدى رجل من بني فزارة، وفي لفظ أن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة «وفي لفظ بكرة فعوّضه، فسخطه وفي لفظ فعوّضه منها ستّ بكرات فسخطه» فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ فلانا أهدى إليّ ناقة

_ [ (1) ] أحمد 4/ 162 وابن أبي شيبة 12/ 469. [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق 9741، 19658 والطبراني في الكبير 19/ 70، 71 والبيهقي في الدلائل 3/ 343 وانظر المجمع 6/ 127. [ (3) ] انظر المصادر السابقة. [ (4) ] أخرجه أحمد 3/ 403.

تنبيهات

أعرفها كما أعرف (بعض) [ (1) ] أهلي ذهبت مني يوم زغابات فعوّضته ستّ بكرات، فظلّ ساخطا، لقد هممت أن لا أقبل هديّة إلا من قرشيّ أو أنصاريّ أو ثقفيّ أو دوسيّ وفي لفظ: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول «يهدي أحدكم فأعوّضه بقدر ما عندي ثم يسخطه وأيم الله لا أقبل بعد عامي هذا هدية إلا من قرشي أو أنصاريّ أو ثقفي أو دوسي» ورواه أبو داود والنّسائيّ مختصرا [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا أقبل هديّة من أعرابي» فجاءته أم سنبلة الأعرابيّة، الحديث المتقدم أول الباب. وروى الإمام أحمد والطبراني وابن أبي شيبة عن يعلى بن مرّة الثقفي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «هب لي هذا البعير أو بعنيه» قال: هو لك يا رسول الله، فوسمه سمة الصّدقة ثم بعث به [ (2) ] . تنبيهات الأول: عياض، بكسر العين المهملة وتخفيف المثناة التحتية وبضاد معجمة، ابن حمار، - بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم- في رده صلى الله عليه وسلم هديته مع قبوله لهدية غيره من الكفّار مخالفة، قال الخطّابي: يشبه أن يكون الحديث منسوخا، لأنّه قبل هدية غير واحد من المشركين، وأهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له البدر دومة فقبل منهما، فقيل إنما ردّ هديتّه، ليغيظه بردها، فيحمله على الإسلام وقيل: ردها لأن المهدى موضعا من القلب وقد روي. تهادوا تحابّوا، ولا يجوز عليه الصلاة والسلام- أن يميل بقلبه إلى مشرك فردها قطعا لسبب الميل وليس ذلك مخالفا لقبوله هديّة المقوقس والبدر ومارية ودومة ونحوهما، لأنهم أهل كتاب وليسوا بمشركين، وقد أبيح له طعام أهل الكتاب ونكاحهم، وذلك خلاف حكم أهل الشرك، وقال البيهقي: يحتمل ردّ هديته التّحريم ويحتمل قصد به التنزيه، والأخبار في قبول هداياهم أصحّ وأكثر، وقال الحافظ: جمع الطّبري بين هذه الأحاديث بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة، والقبول فيما أهدي للمسلمين وفيه نظر، لأن جملة أدلة الجواز ما وقفت الهدية له خاصّة، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته والموالاة والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام، وهذا أقوى من الأول، وقيل: يحمل القبول في حق من كان من أهل الكتاب والرّدّ علي من كان من أهل الأوثان، وقيل: يمتنع ذلك لغيره من

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 3/ 807 (3537) والترمذي 5/ 730 (3945) والنسائي 6/ 280 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1145) وأحمد 2/ 292. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 156.

الأمراء وأن ذلك من خصائصه، وادّعى بعضهم نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم من عكس، وهذه الأوجه الثلاثة ضعيفة فالنّسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص. الثاني: في بيان غريب ما سبق: «كراع» بكاف فراء فألف فعين مهملة، قيل هو اسم مكان ولا يثبت ويرده حديث أنس الآتي بعده. «القطف» بقاف مكسورة فطاء مهملة ساكنة ففاء، العنقود. «غدر» بغين معجمة مضمومة فدال مهملة مفتوحة، معدول عن غادر للمبالغة وللأنثى، غدار كقطام وهما مختصان بالنداء في الغالب. «العكّة» بعين مهملة مضمومة فكاف مفتوحة فتاء تأنيث وعاء من جلد مختص بالسّمن والعسل. «البادية» الصّحراء وقد تقدم تفسيرها مرارا. «الحاضرة» بحاء مهملة فألف معجمة مكسورة فراء فتاء تأنيث، خلاف البادية. «الأعراب» بفتح الهمزة وسكون العين والراء وألف وآخره موحدة، ساكنة البادية لا واحد له وجمعه أعاريب. «القناع» بقاف مكسورة فنون فألف فعين مهملة الطبق الذي يؤكل عليه ويقال له قنع بالكسر والضم. «الزّغب» بزاي مضمومة فغين معجمة ساكنة فموحدة صغار القثّاء. «الجرة» بجيم مفتوحة فراء مشددة فتاء تأنيث، إناء من خزف والجمح جرار. «المنّ» بميم مفتوحة فنون، العسل العفو الذي ينزل من السماء عفوا بلا علاج. «السّندس» بسين مهملة مضمومة فنون ساكنة فدال مهملة فسين مهملة، ما رق من الديباج ورقع المنديل. «القيط» بقاف مكسورة فموحدة ساكنة وطاء مهملة أهل مصر. «القدح» بقاف فدال مفتوحتين فحاء مهملتين. «القوارير» [إناء من زجاج رقيق] . الحلّة- بحاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة فتاء تأنيث-، برود اليمن، ولا يسمى حلّة إلا أن يكون لونين من جنس واحد.

السّيراء: - بسين مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة فراء مفتوحة فألف فهمزة، نوع من البرود يخالطه حرير كالسّيور وهو فعلاء من السير، يقال: حلّة سيراء على الإضافة. أيلة: بفتح الهمزة وسكون التحتية، بلد معروف بساحل البحر بطريقة المسافرين إلى مكّة وهي الآن خراب. «يحرهم» أي يملدهم تقدم معناه مرارا. وكذلك ودّان: [هي موضع قريب من الجحفة] . وشيق ظبي [الوشيقة أن يؤخذ اللحم فيغلي قليلا ولا ينضج ويحمل في الأسفار] . الرّغاء: - براء مضمومة فغين معجمة فألف فهمزة- صوت الإبل. الخوار: - بخاء معجمة مضمومة فواو فألف فراء- صوت البقر. «زبد المشركين» بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة، الرّفد والعطاء. البكرة: الفتى من الإبل تقدمت.

الباب الثاني في العطايا

الباب الثاني في العطايا وفيه أنواع: الأول: في وعظه من أعطاه شيئا فرده: والثاني: في إعطائه صلى الله عليه وسلم شيئا لقوم يتألفهم للإيمان وتركه الآخرين لوثوقه بإيمانهم: عن عمرو بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشيء فقسمه فأعطى رجلا وترك رجلا فبلغه. الثالث: في إهدائه صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه وغيرهم: وروى الإمام أحمد والطبراني عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، قال لها: «إني قد أهديت إلى النّجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديّتي إلا مردودة عليّ، فإن ردّت عليّ فهي لك» فكان كما قال صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته، فأعطى كلّ امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أمّ سلمة بقية المسك والحلّة، ورواه مسدد والإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-[ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 404 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1144) والبيهقي 6/ 26.

الباب الثالث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الإقطاع

الباب الثالث في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الإقطاع وفيه أنواع: الأول: في إقطاعه صلى الله عليه وسلم جماعة: وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا، بحضرموت وأرسل معه معاوية، ليقتطعه إياها، فقال له معاوية: أردفني خلفك، قال لست من إرداف الملوك، فقلت، أعطني نعلك، فقلت: انتعل ظلّ ناقتي فلما استخلف معاوية أتيته فأقعدني معه على البساط [ (1) ] . وروى الإمام الشافعي عن يحيى بن جعدة- رحمه الله تعالى- قال: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدّور، فقال حيّ من بني زهرة يقال لهم بنو عبد زهرة نكب عنّا ابن أمّ عبد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم ابتعثني الله إذن؟ إن الله لا يقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقّه [ (2) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالت الأنصار حتى تقطع لإخواننا المهاجرين مثل الذي تقطع لنا، فلم يكن ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني» [ (3) ] . وروى الطبراني عن بلال بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه هذه القطعة وكتب له بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المزني أعطاه معادن القبلية غوريّها وجلسيّها عشبة وذات النصب وحيث يصلح الزرع من قدس إن كان صادقا وكتب معاوية [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن عمر بن عوف المزنيّ وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزنيّ معادن القبلية جلسيّها وغوريها وحيث يصلح الزّرع من قدس ولم يقطعه حقّ مسلم [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 399 وأبو داود الطيالسي ص 137 (1017) وأبو داود 3/ 443 (3058) والترمذي 3/ 665 (1381) والبيهقي 6/ 144 وانظر التلخيص 3/ 64. [ (2) ] الشافعي 2/ 133 (435) والطبراني في الكبير 11/ 274 (10534) والبغوي في شرح السنة 8/ 271 وابن حجر في المطالب (3290) وابن سعد 3/ 1/ 108. [ (3) ] أخرجه البخاري (5/ 59) (2377) . [ (4) ] الحديث عن أبي داود (3063) . [ (5) ] وانظر التمهيد لابن عبد البر 3/ 237، 7/ 33.

وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المزني، أعطاه معادن القبلية غوريها وحيث يصلح الزّرع من قدس» [ (1) ] (وكتب إلى أبي بن كعب) . وروى الإمام مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن- رحمه الله تعالى- عن غير واحد من علمائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة [ (2) ] . وروى أبو يعلى عن يحيى بن عمرو بن يحيى بن سلمة الهمداني عن أبيه عن جدّه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيس بن مالك: «سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته أما بعد، فإني استعملتك على قومك عربيّهم وجمهورهم، ومواليهم وحواشيهم وأعطيتك من ذرّة بسار مائتي صاع من زبيب خيران، مائتي صاع جاري ذلك لك ولعقبك من بعدك أبدا أبدا، أحب إلي أن لا أرجو أن يبقى عقبي أبدا، عربهم أهل البادية وجمهورهم أهل القرى» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير حضر فرسه بأرض يقال لها داوي، فأجرى الفرس حتّى قام ثم رمى بسوطه ثم قال أعطوه من حيث بلغ السوط [ (4) ] . وروى إسحاق بن راهويه برجال ثقات منقطعا عن أبي جعفر- رحمه الله تعالى- قال: جاء العباس إلى عمر- رضي الله عنهما- فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعني البحرين، قال: من يشهد لك؟ قال: المغيرة بن شعبة. وروى أبو داود عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير نخلا [ (5) ] . وروى الشيخان عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير وهي على ثلاثة فراسخ [ (6) ] . وروى البخاري عن عروة- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضاً من أرض بني النضير [ (7) ] .

_ [ (1) ] سقط في ج. [ (2) ] انظر التمهيد 3/ 32. [ (3) ] مجمع (3/ 87) قال الهيمني: رواه أبو يعلى وفيه عمرو بن يحيى بن سلمة وهو ضعيف. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 156 6/ 144 والطبراني في الكبير 12/ 263 وأبو داود (3072) . [ (5) ] أخرجه أبو عبيدة في الأموال ص 347 (678) وأبو داود 3/ 451 (3069) وأبو يوسف في الحزانة ص 61 والشافعي في المسند 2/ 133 (436) والبخاري معلقا 6/ 252 في كتاب فرض الخمس باب ما كان النبي (ص) يعطي المؤلف. [ (6) ] أخرجه البخاري (6/ 290) (3151) وابن أبي شيبة 12/ 354. [ (7) ] البخاري (6/ 290) (3151) معلقا.

وروى أيضا عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه- قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقوس، وقال: أزيدك أزيدك [ (1) ] . وروى الطبراني والبغويّ برجال ثقات عن مجاعة بن مرارة- رضي الله تعالى عنه- قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاعة بن مرارة أرضا باليمامة يقال لها العوذة وكتب له بذلك كتابا: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجاعة بن مرارة من بني سلمى إني قد أعطيتك العوذة فمن خالفني فيها فالنار، وكتب يزيد [ (2) ] . وروى ابن أبي حاتم والطبراني وسمّاه عن عثير بمثلثة، ويقال بالفوقية مصغّر ويقال عسّير بضم العين المهملة وتشديد السين المهملة أي لبيد العدوي- رضي الله تعالى عنه- أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا بوادي القرى فأقطعه إياها فهي إلى الآن تسمّى بويرة عثير [ (3) ] . وروى الطبراني عن أبي السائب عن جدّته- رضي الله تعالى عنها- وكانت من المهاجرات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها بئرا بالعقيق [ (4) ] . وروى الطبراني وابن مرة عن أوفى بن موله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأقطعني العميم، وشرط عليّ ابن السبيل أوّل ريان، وأقطع ساعدة رجل منّا بئرا بالفلاة يقال لها: الجعوبية وهي بئر يخبأ فيها المال، وليست بالماء العذب، وأقطع الناس معادة العرى، وهي دون اليمامة، وكنا أتيناه جميعا، وكتب لكل رجل منا بذلك في أديم [ (5) ] . وروى البخاري عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة- رحمه الله تعالى- أن بني صهيب مولى بني جدعان ادّعوا ببيتين وحجرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ذلك صهيبا، فقال مروان: من يشهد لكم على ذلك؟ فقالوا: ابن عمر فدعاه فشهد لعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيبا بيتين وحجرة فقضى مروان بشهادته لهم. وروى الإمام أحمد عن ربيعة الأسلمي- رضي الله عنه- قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى أبا بكر أرضا. وروى أبو داود عن سبذة بن عبد العزيز بن الربيع الجهني عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى

_ [ (1) ] أبو داود (3060) والطبراني في الكبير 3/ 230. [ (2) ] انظر المجمع 6/ 9 والكنز (3/ 1113) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. [ (3) ] انظر مجمع الزوائد (6/ 12) ووقع في المجمع عتير. [ (4) ] مجمع الزوائد (6/ 12) قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه أبو السائب قال الذهبي مجهول. [ (5) ] مجمع الزوائد (6/ 12) .

الثاني: في ارتجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ما أقطعه إذا تبين له أنه لا يقطع:

تبوك وإن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم: من أهل ذي المروة؟ فقالوا: بنو رفاعة بن جهينة، فقال لهم: قد أقطعتها لبني رفاعة فاقتسموها فمنهم من باع ومنهم من أمسك [ (1) ] . وروى أبو بكر أحمد بن عمر بن عاصم النبيل عن مجاعة بن مرارة من بني سلمة اليماني- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعني الغورة وعوانة والجبل وكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم إني أقطعتك العورة والعوانة والجبل فمن حاجّك فإليّ ثم أتيت أبا بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعني الغواة ثم أتيت عمر بعد أبي بكر فأقطعني. وروى أيضا عن سراج بن هلال بن سراج بن مجّاعة قال: وفدتّ إلى عمر بن عبد العزيز فأخرجت إليه هذا الكتاب فقبّله ووضعه على عينيه [ (2) ] . الثاني: في ارتجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ما أقطعه إذا تبين له أنه لا يقطع: وروى الباوردي عن أبيض بن حمال- رضي الله تعالى عنه- أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فاستقطعه الملح الذي يقال له شدا بمأرب فأقطعه له فلما ولى قال الأقرع بن حابس: يا رسول الله، إني قد وردتّ الملح في الجاهلية، وهي بأرض ليس بها ماء ومن ورده أخذه، وهو مثل الماء العذب فانتزعه منه وفي رواية واستقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بن حمال في قطيعته في الملح، فقال: لقد أقلتك منه على أن تجعله صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو منك صدقة وهو مثل العدّ» [ (3) ] وهو مثل الماء العذب من ورده أخذه فقطع له النبي صلى الله عليه وسلم أرضا وغيلا بالجوف جوف مراد حين أقاله منه. وروى الدارمي وأبو داود والترمذي وقال غريب والنسائي وابن ماجة وابن حبّان والدّارقطنيّ والطبراني في الكبير وابن أبي عاصم والباوردي وابن قانع وأبو نعيم في الصحابة عن أبيض بن حمال أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب فقطعه له فلمّا أن ولى، قال رجل من المجلس: أتدري ما أقطعت له الماء العد فانتزع منه؟ قال وسأله عن ما يحمى من الأراك، قال: ما لم تنله خفاف الإبل ورواه البغويّ إلى قوله «العد» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إذن. وروى أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي «ما لا تنله أخفاف الإبل- يعني أنّ الإبل تأكل منتهى رؤوسها ويحمى ما فوقه» .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3068) والبيهقي 6/ 149. [ (2) ] مجمع الزوائد (6/ 12) ورجاله ثقات. [ (3) ] أبو داود (3064) الترمذي 606 وابن أبي شيبة 7/ 519 مالك في الموطأ 412، 413. أخرجه ابن حبان (1140، 1642) (114) والطبراني في الكبير 1/ 254.

الثالث: في إقطاعه صلى الله عليه وسلم ما لم يفتحه قبل فتحه:

الثالث: في إقطاعه صلى الله عليه وسلم ما لم يفتحه قبل فتحه: وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي ثعلبة الخشني- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله اكتب لي بكذا وكذا الأرض من الشام لم يظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده ليظهرنّ عليها، قال فكتب لي بها الحديث. وروى الطبراني برجال ثقات عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا بالشّام قبل أن تفتح فأعطانيها فاستفتحها عمر في زمانه فقلت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني أرضا من كذا فجعل عمر- رضي الله تعالى عنه- ثلثها لابن السبيل وثلثها لعماريها وثلثها لنا. الرابع: في بعض ما حمى لله: روى الطبراني والبزار برجال الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ولرسوله» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى البقيع لخيل المسلمين [ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى الربذة لإبل الصدقة [ (3) ] . تنبيهات الأول: قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدّمشقيّ: قال الصاحب الإمام سفير الخلافة أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي الحسن البادرائي- رحمه الله تعالى-، قلت وهو صاحب المدرسة البادرائية العظيمة بدمشق: إنه شاهد صورة بخط أمير المؤمنين علي- رضي الله تعالى عنه- الذي كتبه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما أعطى محمد رسول الله تميما الدّاريّ وأخواته [ (4) ] ، عيرون والمرطوم وبنت عينون وبنت إبراهيم وما فيهنّ عطيّة البيت برمتهم، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم، فمن أذاهم أذاه الله، ومن أذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان وكتب علي بن أبي طالب وشهدتّ، قلت (أبو) في الموضعين بالواو على الحكاية.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 73271 وابن أبي شيبة 7/ 303 والطبراني في الكبير 8/ 95 والدارقطني 4/ 238 وانظر المجمع 4/ 158. [ (2) ] مجمع الزوائد (4/ 161) . الخطيب في التاريخ 3/ 22. [ (3) ] انظر المجمع 4/ 158 ورجاله رجال الصحيح. [ (4) ] انظر جمع الجوامع 2/ 704 وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 354، 355، 357، 10/ 465.

الثاني: قد تواردت الحكايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع تميما وأخاه نعيما وأصحابهما وذريتهم قرى بأرض بيت المقدس وكتب لهم بذلك كتابا، ولعن فيه من عارضهم ولم يزل هذا الكتاب بأيديهم إلى وقتنا هذا، وقد ألف الحافظ أبو الفضل بن حجر والحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدّمشقي وشيخنا الحافظ أبو الفضل جلال الدين السّيوطيّ في صحّة ذلك مؤلّفا وفي كل ما ليس في الآخر، ومن أراد الزيادة على ما هنا فليراجع ذلك. الثالث: نازع بعض الظلمة من زمن الإمام الغزّاليّ لما كان بدمشق ذرّيّة تميم الداريّ في ذلك وأراد نزعه منهم فأفتى الإمام الغزّاليّ بكفره. الرابع: في بيان غريب ما سبق: البساط: [ضرب من الفرش ينسج من الصوف ونحوه] . نكب: - بنون فكاف فموحدة مفتوحات- عدل. البحرين: تقدم تفسيره. الأثرة: بهمزة فمثلثة فراء مفتوحات فتاء تأنيث- الاسم من آثر يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء. معادن: جمع معدن قد تقدم. القبليّة: بقاف فموحدة مفتوحتين فلام فتحتية مشددة فتاء تأنيث موضع من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام. غوريّها: بغين معجمة مفتوحة فواو ساكنة فراء مكسورة فتحتية من الغور ما ارتفع من الأرض. ذات النصب: بنون فصاد مهملتين مضمومتين فموحدة موضع على أربعة برد من المدينة. قدس: بقاف مضمومة فدال ساكنة فسين مهملتين. الفرع: بفاء مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة موضع معروف بين مكة والمدينة. الأرحى: بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملة مفتوحة جبل معروف، وقيل: هي الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة. الحضر: بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة ساكنة فراء العدد. الفرسخ: بفاء مفتوحة فراء ساكنة فسين مهملة مفتوحة فخاء معجمة.

اليمامة: بتحتية فميمين بينهما ألف مفتوحات فتاء تأنيث الموضع المعروف شرقي الحجاز، ومدينتها العظمى حجر اليمامة. العوزة: وادي، القرى والعقيق، تقدم الكلام عليها. الغميم: بغين معجمة فميمين بينهما مثناة تحتية موضع رابع. الرحبة: حركة ناحية بين المدينة والشام. ثعلبة: بمثلثة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فلام فموحدة فتاء تأنيث. الخشف: بخاء معجمة مضمومة فشين معجمة ساكنة. الحمى: بحاء مهملة في اللغة الموضع الذي فيه كلأ يحمى والله أعلم.

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في النكاح والطلاق والإيلاء

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في النكاح والطلاق والإيلاء الباب الأول في آداب متفرقة وفيه أنواع: الأول: في حثه صلى الله عليه وسلم على النكاح ونهيه عن التبتل: روى ابن أبي الدّنيا عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سنن المسلمين الحياء والنّكاح والتّعطر والسّواك» ورواه ابن عدي عن جابر وعن ابن عباس بلفظ من سنن المرسلين الحلم والحياة والتعطر وكثرة الأزواج [ (1) ] . وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر الشّباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنه له وجاء» [ (2) ] . الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المخطوبة وصرفه وجهه من نظر إلى غير زوجته ومحارمه: وروى الإمام أحمد وأبو داود، والعقيلي في الضعفاء والطحاويّ والحاكم والبيهقي والضياء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه من نكاحها فليفعل» [ (3) ] . وروى أبو داود عن جابر والإمام أحمد والطبراني عن أبي حميد السّاعديّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته وإن كانت لا تعلم» [ (4) ] . وروى الدّبليّ عن علي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن جمالها، فإن الشّعر أحد الجمالين» [ (5) ] . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب

_ [ (1) ] انظر تلخيص الجسر 1/ 66. [ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 117 (5073) ومسلم 2/ 1020 (6/ 1402) . [ (3) ] أحمد 3/ 334 وأبو داود 2/ 565 (2082) والحاكم 2/ 165 والبيهقي 7/ 85 والمجمع 4/ 276 ونصب الراية 4/ 241 والتلخيص 3/ 147. [ (4) ] انظر مجمع الزوائد 4/ 276. [ (5) ] انظر كنز العمال (44528) وكشف الخفاء 2/ 13.

الثالث: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الخطبة:

أحدكم المرأة وهو يخضب بالسّواد فليعلمها أنه يخضب» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقيّ والدارقطني عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ولا تنظر إلا إلى وجهها وكفيها» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات والبزّار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أم سليم تنظر إلى جارية، فقال: شمّي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها [ (3) ] . وروى الطبراني عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد خطبة امرأة بعث أمّ سليم تنظر إليها فشمّت أعقابها وبطون عراقيبها. وروى الأئمة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، وفي رواية فجعل الفضل يلاحظ النّساء، وينظر إليهن، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مرارا وجعل الفضل يلحظ إليهن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه، غفر له [ (4) ] . الثالث: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الخطبة: روى الأئمة إلا الدّارقطنيّ عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» [ (5) ] . الرابع: في خطبته صلى الله عليه وسلم في النّكاح: روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- وروى الأئمة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة فيقول: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلّل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن

_ [ (1) ] انظر الكنز (44529) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 246 والدارمي 2/ 134 والترمذي 3/ 397 (1087) وابن ماجة 1/ 599 (1865) والنسائي 6/ 69 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 303 (1236) . [ (3) ] أحمد 3/ 231 والحاكم 2/ 166 والبيهقي 7/ 87. [ (4) ] تقدم وهو عند البخاري 3/ 442 (1513) . [ (5) ] أخرجه البخاري 4/ 352 (2139، 5142) ومسلم 2/ 1032 (50/ 1412) .

الخامس: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى امرأة:

سيدنا محمداً عبده ورسوله، قال أبو عبيدة: وسمعت من أبي موسى يقول: فإن شئت أن تسأل أتيتك بآي من القرآن تقول: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران/ 102] اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء/ 1] اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب/ 70، 71] أمّا بعد، ثمّ تكلّم بحاجتك [ (1) ] . وروى أبو داود والإمام أحمد والنسائي والتّرمذي والبيهقي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهّد [ذكر نحوه، وقال بعد قوله «ورسوله» «أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضرّ الله شيئا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اكتم الخطبة» [ (3) ] . الخامس: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى امرأة: روى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات والحكيم الترمذي عن أبي كبشة الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، وفي لفظ كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرّت بنا امرأة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل وخرج واغتسل فقلنا: يا رسول الله، قد كان شيء؟ قال: «نعم نعم، مرّت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النّساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك فافعلوا فإنه من أمانات أعمالكم إتيان الحلال» ، وفي لفظ: «فدخل منزله ثم خرج إلينا قد اغتسل، قلنا نرى أنه قد كان شيء يا رسول الله، قال مرّت فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فقمت إلى بعض أهلي فوضعت شهوتي فيها، وكذلك فافعلوا، فإنه لمن أماثل أعمالكم إتيان الحلال» [ (4) ] . وروى الطبراني في كتاب العشرة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سودة بنت زمعة فإذا امرأة مشوّقة قاعدة على الطريق رجاء أن يتزوجها- فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى زوجته سودة فقضى حاجته ثم اغتسل، فخرج إلى

_ [ (1) ] أخرجه الدارمي 2/ 142 أخرجه أبو داود الطّيالسي ص 45 عقب حديث (338) وأبو داود 2/ 591 (2118) والبيهقي 7/ 146 وأخرجه الترمذي 3/ 413 (1105) والنسائي 6/ 89 وابن ماجة 1/ 609. [ (2) ] أخرجه أبو داود (2119) . [ (3) ] أحمد 5/ 423 والطبراني في الكبير 4/ 159 وابن خزيمة (1220) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (685) والحاكم 1/ 314، 2/ 165 وانظر نصيب الراية 1/ 71. [ (4) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/ 20 وانظر المجمع 4/ 292 وعزاه لأحمد والطبراني وقال: ورجال أحمد ثقات.

السادس: في سيرته صلى الله عليه وسلم في نكاح المتعة:

أصحابه، فقال: إنما حبسني عنكم امرأة عرضت لي في الطريق قد تشوّقت رجاء أن أتزوّجها فلما رأيتها، رجعت إلى سودة فقضيت حاجتي، فمن رأى منكم امرأة تعجبه فليرجع إلى زوجته، فإنّ الّذي مع زوجته مثل الذي معها. السادس: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في نكاح المتعة: روى البخاري ومسلم عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية [ (1) ] . السابع: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن نكاح الشّغار: روى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا شغار في الإسلام» [ (2) ] وأيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار [ (3) ] . الثامن: في هديه صلى الله عليه وسلم نكاح الجاهلية [ (4) ] : التاسع: في رده- صلى الله عليه وسلم- بالعيب في النكاح: روى سعيد بن منصور عن كعب بن زيد أو زيد بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوّج امرأة من بني غفار وفي لفظ: من بني بياضة فوجد بكشحها بياضا فردّها فقال: دلّستم عليّ فلما دخل عليها ودفع ثوبه وقعد على الفراش، أبصر بكشحها بياضا فانحاز عن الفراش ثم قال: خذي عليك ثيابك ولم يأخذ ممّا آتاها شيئا [ (5) ] . العاشر: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحد من أصحابه: روى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ فقال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله أولم ولو بشاة [ (6) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الإنسان تزوج، قال: بارك الله لك، وبارك

_ [ (1) ] لم يذكر المصنف شيئا هنا وذكرنا ذلك تتميما للفائدة والحديث أخرجه البخاري 7/ 481 (4216) ومسلم 2/ 1027 (29/ 1407) . [ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 1035 (60/ 1415) . [ (3) ] أخرجه البخاري 9/ 162 (5112) ومسلم 2/ 1034 (57/ 1415) . والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق وأبو داود 2/ 227 (2074) والترمذي 3/ 431 (1124) والنسائي 6/ 110 وابن ماجة 1/ 606 (1883) . [ (4) ] ذكره المصنف رحمه الله هذا لم يذكر شيئاً من الأحاديث والآثار كأنّه اكتفى بنكاح المتعة والشغار باعتبارهما ضرب من ضروب الجاهلية. [ (5) ] أخرجه أحمد 3/ 493 وانظر المجمع 4/ 300 والبيهقي 7/ 256. [ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 204 (5148) ومسلم 2/ 1042 (79/ 1427) .

الحادي عشر: فيما يحرم من النسب والصهر والرضاع:

عليك وجمع بينكما في خير [ (1) ] . الحادي عشر: فيما يحرم من النسب والصهر والرضاع: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» [ (2) ] . وروى البخاري ومسلم عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» [ (3) ] . الثاني عشر: في الأولياء والشهود والاستئذان والإخبار بحكم البكر والثيب في ذلك والكفارة: روى الإمامان الشافعي، وأحمد، والترمذي، وابن ماجة، والدّارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي والدارقطنيّ عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والأربعة عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة يزوجها وليّها فهي للأوّل منهما» [ (6) ] . وروى أبو داود عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أترضى أن أزوّجك فلانة؟» قال: نعم، وقال للمرأة «أترضين أن أزوّجك فلانا» قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الدّارمي 2/ 134 وأبو داود (1320) والترمذي (1091) وأحمد 3/ 451 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1284) وسعيد بن منصور (522) الحاكم 2/ 183 والبيهقي 7/ 148 وابن السني 596 والخطيب 11/ 42 وانظر التلخيص 3/ 152. [ (2) ] لم يذكر المصنف هنا شيئا وأتممنا ذلك للفائدة والحديث أخرجه البخاري 9/ 160 (5109) ومسلم 2/ 1028 (33/ 1408) . [ (3) ] البخاري 9/ 139 (5099) ومسلم 2/ 1068 (2/ 1444) . [ (4) ] أخرجه الشافعي في المسند 2/ 11 (19) وأحمد 6/ 66 والدّارمي 2/ 137 وأبو داود 2/ 566 (2083) والترمذي 3/ 407 (1102) وابن ماجة 1/ 605 (1879) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد ص 305 (1248) والحاكم 2/ 168. [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 394 والدارمي 2/ 137 وأبو داود 2/ 568 (2085) والترمذي 3/ 407 (1101) وابن ماجة 1/ 605 (1881) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 304 (1243) والحاكم 2/ 169. [ (6) ] أخرجه أحمد 5/ 8 والدارمي 2/ 139 وأبو داود 2/ 571 (2088) والترمذي 3/ 418 (1110) والنسائي 7/ 314 وابن ماجة 2/ 738 (2190) . [ (7) ] أخرجه أبو داود (2117) والحاكم 2/ 181.

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن عائشة، والبزار برجال ثقات عن أبي هريرة، والطبراني في الأوسط عن أنس والطبراني عن ابن عباس والطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليه بعض بناته جلس إلى خدرها، فقال: «إنّ فلانا يخطب فلانة» ، يسمّيها ويسمّي الرّجل الذي خطبها فإن طعنت في الخدر لم يزوّجّها وإن سكتت كان سكوتها رضاها [ (1) ] . وروى الأئمة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأيّم أحقّ من ولّيها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» [ (2) ] . وروى السّتّة والدرا قطني والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزوّج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإنّ الزانية هي التي تزوّج نفسها» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن البكر تستحي قال «رضاها صمتها» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم [ (5) ] . وروى الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» وقال الترمذي حسن غريب [ (6) ] والبيهقي عن أبي حاتم المزنيّ وقال غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [ (7) ] . وروى الحاكم في تاريخه والديلمي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم الأكفاء فأنكحوهنّ ولا تربّصوا بهنّ الحدثان» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أحمد 6/ 78 وعبد الرزاق (10379) والطبراني 11/ 355 وابن أبي شيبة 4/ 136 والمجمع 4/ 278. [ (2) ] مسلم 2/ 1037 (67/ 4121) وأخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 12/ 355 (9968) ومسلم (64/ 1419) وأبو داود 2/ 231 (2092) والترمذي 3/ 415 (1107) والنسائي 6/ 85 وابن ماجة 1/ 601 (1871) . [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 606 (1882) والدارقطني 3/ 227 (25) والبيهقي 7/ 110 وانظر تحفة المحتاج 2/ 364. [ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 98 (5137) . [ (5) ] أخرجه أبو داود 2/ 232 (2096) . [ (6) ] أخرجه الترمذي 3/ 394 (1084) وابن ماجة 1/ 632 (1967) والحاكم 2/ 164 وعبد الرزاق (10325) والدولابي في الكني 1/ 25. [ (7) ] أخرجه البيهقي 7/ 82. [ (8) ] ذكره السيوطي في جميع الجوامع (1603) وعزاه للحاكم في التاريخ والديلمي وذكره في الصغير (547) ورمز له بالضعف والحدثان بالتحريك أو بكسر فسكون الليل والنهار أي نوائب الدهر وحوادثه.

الباب الثاني في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصداق

الباب الثاني في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الصّداق روى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن- رحمه الله تعالى- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لزوجه ثنتي عشرة أوقية ونشّا، وقالت: تدري ما النّشّ؟ قال: قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والأربعة والترمذي وقال حسن غريب عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا نكح شيئا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية [ (2) ] . وروى سعيد بن منصور وأبو يعلى بسند جيّد عن مسروق- رحمه الله تعالى- أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: أيها الناس ما أكثركم في صداق النساء. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك [ (3) ] . وذكر الحديث وسيأتي بتمامه في مناقب عمر- رضي الله تعالى عنه-. وروى الطبراني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم على متاع يساوي أربعين درهما [ (4) ] ،. وروى أبو يعلى والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنهما- قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ سلمة على متاع بيت قيمته عشرة دراهم [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية بنت حيي فاتّخذها لنفسه وخيّرها بين أن يكون زوجها أو يلحقها بأهلها فاختارت أن يعتقها، وجعل عتقها صداقها [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1042 (78/ 1426) . [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق 6/ 175 (10399) وأحمد 1/ 40 والدارمي 2/ 141 وأبو داود 2/ 582 (2106) والترمذي 3/ 422 (1114) وقال حسن صحيح والنسائي 6/ 117 وابن ماجة 1/ 607 (1887) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (307) حديث (1259) والحاكم في المستدرك 2/ 176. [ (3) ] ابن مجمع الزوائد 3/ 286 سعيد بن منصور 1/ 96. [ (4) ] انظر المجمع 4/ 282. [ (5) ] انظر المجمع 4/ 282 وابن عدي في الكامل 5/ 1785. [ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 232 (5169) ومسلم 2/ 1043 (84/ 1365) .

تنبيه:

وروى الأئمة عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي لك فقامت طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال: هل عندك من شيء تصدقها؟ قال ما عندي إلا إزاري هذا ... الحديث [ (1) ] . وروى الدارقطنيّ عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، رأ فيّ رأيك فقال: من ينكح هذه؟ فقام رجل عليه بردة عاقدها في عنقه، فقال: أنا يا رسول الله، فقال: ألك مال؟ قال: لا، يا رسول الله، قال: اجلس، ثم جاءت مرّة أخرى، فقالت: يا رسول الله، رأ فيّ رأيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ينكح هذه» ؟ فقام ذلك الرجل، فقال: أنا يا رسول الله، فقال: ألك مال؟. قال لا يا رسول الله فقال: اجلس، ثم جاءت الثالثة فقالت يا رسول الله ... رأ فيّ رأيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينكح هذه؟ فقام ذلك الرجل، فقال: أنا يا رسول الله، فقال ألك مال؟ قال: لا، يا رسول الله، قال: فهل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، سورة البقرة وسورة فصّلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله تعالى عرضتها فتزوّجها الرجل على ذلك. وروى الإمام أحمد والترمذي والبيهقي عن عامر بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من بني فزارة [أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه امرأة له فقال: إني تزوجتها بنعلين، فقال لها: أرضيت؟ فقالت: نعم، ولو لم يعطني لرضيت قال شأنك وشأنها] [ (2) ] . تنبيه: في غريب ما سبق: التّعطّر- بفوقية فعين مهملة مفتوحتين فطاء مهملة فراء- اتخاذ العطر وهو الطيب. العوارض- بعين مهملة فواو مفتوحتين فألف فراء مكسورة فضاد معجمة- الأسنان التي في عرض الفم، وهي التي بين الثنايا والأضراس وأحدها عارض. العرقوب- بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فقاف فواو فموحدة عصب غليظ فوق عقب الإنسان من الدّابّة في رجلها بمنزلة الرّكبة. الأعطاف- بهمزة مفتوحة فعين مهملة فطاء فألف ففاء نواحي العنق-.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 190 (5135) ومسلم 2/ 1040 (76/ 1425) . [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط من أ، ب، ج، وأثبتناها من المراجع الحديثية والحديث أخرجه أبو داود الطيالسي ص 156 (1143) وأحمد 3/ 445 والترمذي 3/ 420 (1113) وقال حسن صحيح وابن ماجه 1/ 608 (1888) .

الكشح- بكاف مفتوحة فشين معجمة فحاء مهملة ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي. النّش- بنون فشين معجمة، نصف أوقيّة وهو عشرون درهما. الخدر- بخاء معجمة مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء، ناحية من البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر. الأيّم- بهمزة مفتوحة فتحتية مكسورة مشددة فميم- أنثى لا زوج لها بكرا كانت أو ثيّبا مطلّقة كانت أو متوفّى عنها. (رأ) أمر من (رأى) والحديث عند غيره براء واحدة مفتوحية (ر) .

الباب الثالث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الولائم

الباب الثالث في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الولائم وفيه أنواع: الأوّل: في أمره صلى الله عليه وسلم في إجابة الدعوة: روى مسلم عن جابر- رضي الله عنه- أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم، وإن شاء ترك» . الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بإكرام الضيف: روى البخاري ومسلم عن أبي شريح الكعبيّ- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحلّ له أن يثوي عنده حتّى يخرجه» . الثالث: في استئذانه صلى الله عليه وسلم: روى البخاري في الأدب وأبو داود عن عبد الله بن بشر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: السّلام عليكم، وذلك أن الدّور لم يكن عليها ستور [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشّيخان والطّبراني والترمذي عن أبي مسعود البدري الأنصاريّ والإمام أحمد عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه الجوع، فأتيت غلاما لي، قصّابا فأمرته أن يصنع طعاما لخمسة رجال ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء خامس خمسة وتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال: هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإلا رجع فأذنت له، رواه الطبراني برجال الصحيح عن أبي شعيب نفسه [ (2) ] . وروى مسند برجال ثقات عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فقال: أتأذن لي في سعد؟ فأذن له، ثم صنع طعاما، فقال أتأذن لي في سعد؟ فأذن له ثم صنع طعاما، فقال، أتأذن لي في سعد فأنت صاحبه [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (5186) وانظر الدر المنثور 5/ 39 والكنز (18495) وابن كثير في التفسير 6/ 37. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 312 (2081) (2456، 5434، 5461) ومسلم 3/ 1608 (138/ 2036) . [ (3) ] ذكره الحافظ في المطالب (2383) .

الرابع: في أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقطع دارا ولا نسلا:

الرّابع: في أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقطع دارا ولا نسلا: روى الإمام أحمد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمدتّ إلى عنز لأذبحها فثغت فسمع ثغوتها، فقال: يا جابر، لا تقطع دارا ولا نسلا فقلت يا رسول الله، إنما هي عتودة علفتها البلح والرّطبة، حتى سمنت [ (1) ] . الخامس: في أمره صلى الله عليه وسلم بإعلان النّكاح والضّرب عليه بالدّفّ وكراهته لنكاح السّر [ (2) ] : وروى الطبراني من طريق داود بن الجرّاح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما فعلت فلانة ليتيمة كانت عندها» فقالت: أهديناها إلى زوجها، فقال: هلّا بعتم معها جارية، تضرب بالدّفّ وتغنّي، قالت: تقول ماذا؟ قال: تقول: أتيناكم أتيناكم ... فحيّونا نحيّيكم ولولا الذّهب الأحم ... ر ما حلّت بواديكم ولولا الحنطة السّمرا ... ء ما شمت عذاريكم وروى الطبراني عن السائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوار يلغين، يقلن: فحيونا نحييكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى، ثم دعاهن، فقال: لا تقلن هكذا ولكن قلن أحيانا، وإيّاكم [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والبزار برجال ثقات عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «أهديتم الجارية إلى بيتها؟ قالت: نعم، قال: فهلّ بعثتم معها من يغنّيهم يقول: أتيناكم أتيناكم فحيّونا نحيّيكم، فإن الأنصار قوم فيهم غزل [ (4) ] . وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن عمرو بن يحيى المازنيّ عن جدّه أبي الحسن- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره نكاح السّرّ حتى يضرب عليه بدفّ، ويقال. أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم [ (5) ] . وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 396. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 289 وعزاه للطّبراني في الأوسط. [ (3) ] انظر المجمع 4/ 290. [ (4) ] أحمد 3/ 391 والمجمع 4/ 289 4/ 289 وابن الجوزي في التلبيس (225) . [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 78 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 290 وانظر المجمع 4/ 288. [ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 225 (5162) .

السادس: في إجابته صلى الله عليه وسلم الدعوة في أي وقت كان على أي شيء كان:

وروى أيضا عن الربيع بنت معوذ بن عفراء- رضي الله تعالى عنها- قالت جاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فدخل حين بنى عليّ فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدّفّ ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، وقالت له إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال: دعي هذه، وقولي بالّذي كنت تقولين [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أنكحت عائشة ذات قرابة من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديتم الفتاة؟ قالوا: نعم، قال: أرسلتم معها من يغنّي؟ قالت: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيّونا نحيّيكم [ (2) ] . السادس: في إجابته صلى الله عليه وسلم الدّعوة في أي وقت كان على أيّ شيء كان: وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح وأبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أهدي إليّ كراع لقبلت، ولو دعيت إليه لأجبت» [ (3) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت [ (4) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع لأجبت. وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة المملوك [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وابن سعد وابن شيبة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن يهوديّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه [ (6) ] . وروى مسدد مرسلا برجال ثقات عن مجاهد- رحمه الله تعالى- قال: إن كان الرجل من أهل العوالي ليدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم شطر- وفي لفظ «نصف» الليل على خبز الشعير فيجيبه ورواه الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-[ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 202 (5147) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (1900) والطحاوي في الشكل (4/ 297) والبيهقي 7/ 289. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (2296) وابن أبي شيبة 3/ 164 وأبو نعيم في الجلية 7/ 312 وابن سعد 1/ 2/ 95 2/ 66 وانظر المجمع 9/ 20. [ (6) ] تقدم وهو عند أحمد 3/ 210. [ (7) ] تقدم.

السابع: في اشتراطه صلى الله عليه وسلم حضور بعض أصحابه:

وروي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنّ خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فذهب معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير، ومرقا فيه دباء، الحديث [ (1) ] . وروى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قرّبه إليهم إلا امرأته أمّ أسيد بلّت ثلاث تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك [ (2) ] . السابع: في اشتراطه صلى الله عليه وسلم حضور بعض أصحابه: روى الطبراني بسند جيد رجاله رجال الصحيح. وفيه انقطاع، عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر جالس، فقمت حياله فأومأت إليه فأومأ إليّ، وهؤلاء، قلت: لا، فسكت، فقمت مكاني، فلما نظر إلى أومأت إليه، فقال: وهؤلاء، قلت: مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا، فقلت: نعم، وهؤلاء وإنما كان شيئا يسيرا صنعته له، فجاؤوا معه فأكلوا حسية قال وفضل منه. وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيّا وكان طيّب المرق، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه، فقال: وهذه لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه قال: لا، قال رسول الله: لا، ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال: نعم، في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله [ (3) ] . الثامن: في امتناعه صلّى الله عليه وسلم من الدخول في محل الضيافة لأمر شرعي: وروى النسائي وابن ماجة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت سترا فيه تصاوير فرجع، وقال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا أضاف علي بن أبي طالب، فصنع له طعاما، فقالت فاطمة: لو دعونا

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 43 (5182) ومسلم 3/ 1590 (86/ 2006) . [ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الأشربة (139) وأحمد 3/ 123. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (3650) .

التاسع: في وليمته - صلى الله عليه وسلم - على بعض نسائه:

رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معنا، فأرسل فجاء فوضع يده على عضادتي الباب، فإذا قدما قد ضرب في ناحية البيت، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فقالت فاطمة لعليّ: اتبعه فقل له: ما رجعك؟ قال: فتبعته، فقال: ما رجعك يا رسول الله؟ فقال: إنه ليس لنبيّ أو ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا [ (1) ] . وروى البخاري وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت فاطمة فوجد على بابها سترا موشيا [ (2) ] ... الحديث. وروى الإمام أحمد والدّارقطنيّ من طريق عيسى بن المسيب، قال الدارقطني: صالح الحديث حدثنا أبو زرعة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار. ودونهم دور لا يأتيها فشق ذلك عليهم، فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في داركم كلبا» ، قالوا فإنّ في دارهم سنّورا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «السّنّور سبع» [ (3) ] . التاسع: في وليمته- صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه: وروى البخاري في رواية كريمة وأبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم على بعض نسائه بمدّين من شعير [ (4) ] . وروى الطبراني من طريق جدول بن جيفل قال الذهبي: صدوق وقال ابن المديني: له مناكير عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بقدر من هريس [ (5) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والطّبرانيّ وابن ماجة بسند جيد عن أسماء بنت يزيد بن السكن- رضي الله تعالى عنها- قالت: قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها فجلس إلى جنبها بعس لبن ثم ناولها، فخفقت رأسها، واستحيت فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 221، 222 وأحمد في الزهد (7) وأبو داود (3755، 3756) والحاكم 2/ 186 وابن ماجة (3360) وابن عبد البر، في التمهيد 10/ 181. [ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 470 (4149) . [ (3) ] أخرجه الدارقطني 1/ 63 والطحاوي في المشكل 3/ 272 والحاكم 1/ 183 وانظر المجمع 1/ 278. [ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 146 (5172) . [ (5) ] المجمع 4/ 53. [ (6) ] انظر المجمع (4/ 53) .

رسول الله صلى الله عليه وسلم فشربت شيئاً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أعطي تربك فقلت: يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي ثمّ طفقت أديره، وأتبعه بشفتيّ لأصيب منه مشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنسوة عندي: ناوليهنّ، فقلن: لا نشتهيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجمعن جوعا وكذبا» [ (1) ] . وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد أنه قال: قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم، ووصله النّسائيّ وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس، وزاد: قلت: بأي شيء، يا أبا حمزة قال: تمر وسويق [ (2) ] . وروى الطبراني عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق [ (3) ] . عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لما دخلت صفية بنت حيي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا عن أمّكم فلما كان من العشي حضرنا ونحن نرى أنّ ثمّ قسما فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي طرف ردائه نحو من مدّ ونصف من تمر عجوة، فقال: كلوا من وليمة أمّكم [ (4) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة، ورواه مسلم بلفظ: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب، فقال ثابت: بم أولم؟ قال: أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه [ (5) ] . وروى الشيخان وأبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا يبني عليه بصفية بنت حييّ، فقال من كان عنده فضل زاد فليأتنا به، فجعل الرجل يأتي بفضل التّمر، وفضل السّويق حتى جعلوا من ذلك سوادا حبسا وفحصت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها، وجيء بالأقط والسّمن، فشبع الناس من ذلك الحين وشربوا من حياض إلى جنبهم من ماء السماء وفي لفظ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 438، 452، 453، وابن ماجة (3298) وانظر المجمع 4/ 51 والحميدي (367) . [ (2) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 546 (48) وابن ماجة في السنن (1910) . [ (3) ] من حديث أنس أخرجه أحمد 3/ 110 وأبو داود 4/ 126 (3744) والترمذي 3/ 403 (1095) والنسائي ذكر المزي في التحفة 1/ 377 وابن ماجة 1/ 615 (1909) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1062) . [ (4) ] أخرجه احمد 3/ 333 وابن سعد 8/ 89 وانظر المجمع 4/ 49. [ (5) ] البخاري 9/ 232 (5168) و 8/ 528 (2794) ومسلم 2/ 1049 (90/ 1428) .

العاشر: في حضوره صلى الله عليه وسلم أملاك رجال من أصحابه - رضي الله تعالى عنهم -:

على صفية ثلاثة أيّام وبسط نطعا جاءت به أمّ سليم عليه أقطا وتمرا، وأطعم النّاس ثلاثة أيام [ (1) ] . العاشر: في حضوره صلى الله عليه وسلم أملاك رجال من أصحابه- رضي الله تعالى عنهم-: وروى الطبراني برجال ثقات غير حازم مولى بني هاشم عن لمازة وليس بابن زياد عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاك رجل من أصحابه، فقال على الخير والبركة والألفة والطّائر الميمون والسّعة في الرّزق، بارك الله لكم دفوا على رأسه فجيء بالدّفّ، فضرب فأقبلت الأطباق عليها فاكهة وسكّر، فنشر عليه، وكفّ النّاس أيديهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ألا تنتهبون؟ قالوا: يا رسول الله، أولم تنه عن النّهبة؟ قال: إنّما نهيتكم عن نهبة العساكر، فأما العرسات فلا، فجاذبهم وجاذبوه [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الولائم- بواو فلام مفتوحتين فهمزة مكسورة فميم جمع وليمة، الطّعام الذي يصنع عند العرس. السّتر- بسين مهملة مكسورة ففوقية ساكنة فراء- كل ما ستر ما وراءه وصانه. الدّرّ- بدال مهملة مفتوحة فراء اللبن إذا كثر وسال. النّسل- بنون مفتوحة فسين مهملة ساكنة فلام: الذّرّيّة. ثغت- بمثلثة فغين معجمة مفتوحتين فتاء تأنيث بالغنم صاحت [الثغوة] مرة مع الثّغاء وهو الصياح. عتودة- بعين مهملة مفتوحة ففوقية مضمومة فواو فدال مهملة- الصغير من أولاد المعز إذا قوى ورعى وأتى عليه سنة والذّكر عتود والجمع أعتدة. الدّف- بدال مهملة تضم وتفتح ففاء- معروف من آلات الملاهي يضرب به في النكاح. الحنطة- القمح، وقد تقدم. الفتاة- بفاء فمثناتين فوقيتين بينهما ألف- الجارية.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 479 (4213) ومسلم 2/ 1047 (88/ 1365) . [ (2) ] ذكره السّيوطي في اللائي 2/ 91 وأخرجه الطحاوي في المعاني 3/ 50 وأخرجه البيهقي 7/ 288 وذكره الشوكاني في الفوائد (124) وابن الجوزي في الموضوعات 2/ 265، 266 وابن حجر في اللسان 2/ 66 والذهبي في الميزان (1181) .

الكراع تقدم. الإهالة السنخة- تقدم الكلام عليها في جماع أبواب صفاته المعنوية. الثّلمة- بمثلثة مفتوحة فلام ساكنة فميم فتاء تأنيث موضع الكسر ونهي عن الشّرب منها، لأنه لا ينالها التنظيف التام. عضادتي الباب- بعين مهملة فضاد معجمة فألف فدال مهملة فتاء تأنيث- جانباه الذي بهما يتقوى. القرام- بقاف مكسورة فراء فألف فميم: الستر الرقيق الموشّى. الفسطاط: تقدم. الطّائر- بطاء مهملة فألف فهمز فراء الحظ. والميمونة- بميم مفتوحة فتحتية ساكنة فميم فواو فنون، المباركة ويجوز أن يكون من الطير السانح والبارح.

الباب الرابع في طلاقه - صلى الله عليه وسلم - ورجعته وإيلائه وهجره نساءه والعدة والاستبراء

الباب الرابع في طلاقه- صلى الله عليه وسلم- ورجعته وإيلائه وهجره نساءه والعدة والاستبراء وفيه أنواع: الأول: في طلاقه ورجعته: روى أبو يعلى والبزّار والحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلّق حفصة أمر أن يراجعها فراجعها [ (1) ] . روى أبو يعلى والبزار برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخل عمر على حفصة، وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- طلّقك مرّة ثم راجعك من أجلي، والله لئن كان طلّقك مرّة أخرى لا أكلّمك أبدا [ (2) ] . وروى الطبراني بسند فيه ضعف عن الهيثم أو أبي الهيثم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلّق سودة بنت زمعة تطليقة فجلست في طريقه فلمّا مرّ سألته الرّجعة، وأن تهب قسمها لأيّ أزواجه شاء رجاء أن تبعث يوم القيامة زوجته فراجعها وقبل ذلك منها [ (3) ] . وروى الطبراني برجال ثقات إلا عمر بن صالح الحضرميّ فيحرر رجاله عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بك يا ابن الخطاب بعدها. فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة ثم راجعها رحمة بعمر [ (4) ] . وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة [ثم راجعها] [ (5) ] . الثاني: في إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه وهجره لهن: روى البخاريّ والنسائي عن أنس والإمام أحمد والشيخان والترمذيّ عن أم سلمة ومسلم عن جابر والبخاري والنسائي عن ابن عبّاس. والإمام أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن الزهري وابن ماجة عن عائشة والإمام أحمد عن ابن عمر.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 336 وقال رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 336 وقال رواه أبو يعلى والبزار. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 249 وقال رواه الطبراني وفي إسناده ضعف. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 337 وقال رواه الطبراني وفيه عمرو بن صالح الحضرمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. [ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 695 (2283) وابن ماجة 1/ 650 (2016) والنسائي 6/ 213.

روى الطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال ابن عباس: كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن قول الله- عز وجل- وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ] التحريم/ 4] ، فكنت أهابه حتى حججنا معه حجّة، فقلت لإن لم أسأله في هذه الحجّة لا أسأله فلما قضينا [حجنا] أدركناه، وهو ببطن مروقد تخلف لبعض حاجاته، فقال: مرحبا بك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك؟ قلت: شيء كنت أريد أن أسالك عنه يا أمير المؤمنين، فكنت أهابك فقال سلني عما شئت، فإنا لم نكن نعلم شيئا حين تعلّمنا، فقلت: أخبرني عن قول الله تعالى: «وإن تظاهرا عليه» من هما؟ قال: لا تسأل أحدا أعلم بذلك منّي، كنّا بمكة لا يكلّم أحدنا امرأته، إنما هي خادم البيت، فإن كان له حاجة سفع برجليها فقضى حاجته، فلما قدمنا المدينة، تعلّمنا من نساء الأنصار، فجعلن يكلمننا ويراجعننا وإنّي أمرت غلمانا لي ببعض الحاجة، فقالت امرأتي: بل اصنع كذا وكذا، فقمت إليها بقضيب فضربتها به، فقالت: يا عجبا لك، يا ابن الخطّاب! تريد أن لا تكلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلّمه نساؤه فخرجت فدخلت على حفصة، فقلت؟ يا بنيّة، انظري لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دينار ولا درهم يعطيكهنّ، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصّبح جلس في مصلّاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس، ثم دخل على نسائه امرأة امرأة يسلّم عليهنّ ويدعو لهنّ، فإذا كان يوم إحداهن جلس عندها، وإنها أهديت لحفصة بنت عمر عكة عسل من الطّائف أو من مكّة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يسلّم عليها حبسته حتى تلعقه منها أو تسقيه منها، وأن عائشة أنكرت احتباسه عندها فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فادخلي عليها، فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل، فأرسلت عائشة إلى صواحبتها، فأخبرتهنّ، وقالت إذا دخل عليكن فقلن: إنا نجد منك ريح معافير ثم إنه دخل على عائشة فقالت: يا رسول الله، أطعمت شيئا منذ اليوم فإني أجد منك ريح مغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ شيء عليه أن يوجد منه ريح شيء، فقال: هو عسل، والله لا أطعمه أبدا حتى إذا كان يوم حفصة قالت: يا رسول الله، إن لي حاجة إلى إن نفقت لي عنده، فأذن لي أن آتيه فأذن لها، ثم وإنه أرسل إلى جاريته مارية، فأدخلها بيت حفصة، فوقع عليها، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا، فجلست عند الباب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ووجهه يقطر عرقا، وحفصة تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: إنما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها على فراشي، ما كنت تصنع هذا بامرأة منهنّ، أما والله ما يحلّ لك هذا يا رسول الله، فقال: والله، ما صدقت: أليس هي جاريتي، قد أحلها الله تعالى لي، أشهدك أنّها عليّ حرام، ألتمس بذلك رضاك، انظري لا تخبري بذلك امرأة منهنّ، فهي عندك أمانة، فلما خرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت ألا أبشري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم أمته، فقد أراحنا الله منها، فقالت عائشة أما والله، إنه كان يريبني أنه كان يقبل من أجلها، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم/ 1] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأن تظاهرا عليه» فهي عائشة وحفصة، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما للأخرى شيئا، وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت، وغاب في بعض ضيعته، حدثته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا غبت في بعض ضيعتي، حدّثني فأتاني يوما وقد كنّا نتخوّف جبلة بن الأيهم الغساني. فقال: ما دريت ما كان؟ فقلت: وما ذاك؟ لعله جبلة بن الأيهم الغساني، تذكر قال: لا ولكنه أشد من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فلم يجلس كما كان يجلس، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع، وقد اعتزل في مسربته، وقد ترك الناس يموجون ولا يدرون ما شأنه، فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون فقال: يا أيها الناس كما أنتم، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسربته قد جعلت له عجلة، فرقى عليها، فقال لغلام له أسود وكان يحجبه استأذن لعمر بن الخطاب، فاستأذن لي فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسربته فيها حصير وأهب معلّقة وقد أفضى بجنبه إلى الحصير، فأثّر الحصير في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم محشوّة ليفا، فلمّا رأيته بكيت، قال: ما يبكيك؟ قلت يا رسول الله، فارس والروم أحدهم يضطجع في الدّيباج والحرير فقال: إنهم عجّلت لهم طيباتهم، والآخرة لنا، ثم قلت يا رسول الله، ما شأنك؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض، فعن خبر أتاك فقال: اعتزلهن؟ فقال: لا، ولكن كان بيني وبين أزواجي شيء فأحببت ألا أدخل عليهنّ شهرا، ثم خرجت على الناس، فقلت يا أيها الناس، ارجعوا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل، فدخلت على حفصة، فقلت: يا بنتي، أتكلّمين رسول الله وتغيظينه وتغارين عليه؟ فقالت: لا أكلّمه بعد بشيء يكرهه، ثم دخلت على أم سلمة وكانت خالتي، فقلت لها كما قلت لحفصة، فقالت: عجبا لك يا عمر بن الخطاب، كلّ شيء تكلّمت فيه، حتى تريد أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم، فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الأحزاب/ 28] حتى فرغ منها [ (1) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 13 من طريق عبد الله بن صالح وعزاه للطبراني في الأوسط وهو في الصحيحين من حديث عائشة 8/ 656 (4912) (6691) ومسلم 2/ 1100 (20/ 1474) .

تنبيهات

وروى الطبراني وأبو داود بسند جيد واللفظ له عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وفي رواية «حجّة الوداع» ، ونحن معه، فاعتلّ بعير لصفية وكان مع زينب فضل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعير صفيّة قد اعتلّ فلو أعطيتها بعيرا لك! قالت: أنا أعطي هذه اليهودية؟! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرها بقيّة ذي الحجّة ومحرّم وصفر وأيّاما من ربيع الأول حتى رفعت متاعها وسريرها فظنت إنه لا حاجة له فيها فبينما هي ذات يوم قاعدة نصف النهار، إذ رأت ظلّه قد أقبل فأعادت سريرها ومتاعها [ (1) ] . وروى الإمام أحمد بسند لا بأس به عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه قال شعبة أحسبه قال شهرا فأتاه عمر بن الخطاب وهو في غرفة وهو على حصير قد أثّر الحصير بظهره، فقال: يا رسول الله كسرى يشربون في الذّهب والفضّة وأنت هكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا، ثم قال رسول الله الشهر هكذا وهكذا وهكذا وكسر في الثالثة الإبهام [ (2) ] . وروى الحاكم والبيهقي والحارث واللفظ له عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحفصة، قيل له: من أمّهات المؤمنين أم من غير أمهات المؤمنين؟ قال: من أمّهات المؤمنين. تنبيهات الأول: سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الأحزاب/ 28] : أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه في عرض الدّنيا ومتاعها أشياء وطلبن منه زيادة في النفقة وأذينه بغيرة بعضهن بعضا فهجرهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أي حلف لا يقربهنّ شهرا ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه وكانوا يقولون طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: لأعلمنّ لكم شأنه، فاستأذن عليه صلى الله عليه وسلم كما تقدم. الثاني: قال في (زاد المعاد) : وطلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراجع، وآلى إيلاء مؤقّتا بشهر ولم يظاهر أبدا، وأخطأ من قال: إنه ظاهر خطأ عظيما، وإنما ذكر هنا تنبيها على ذكر خطائه ونسبته إليه ما أمره الله تعالى منه.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 326 وقال رواه أبو داود مختصرا، والطبراني في الأوسط. [ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 298 وانظر المجمع 6/ 7، 10/ 327.

الثالث: في بيان غريب ما سبق: سفع برجلها: بسين فعين مهملتين بينهما فاء مفتوحات. أخذ القضيب: بقاف مفتوحة فضاد معجمة فمثناة تحتية فموحّدة، الغصن والجمع قضبان بضم القاف وكسرها. العكّة: إناء من جلد للسّمن والعسل. تلعقه: بفوقية مفتوحة فلام ساكنة فعين مهملة مفتوحة فقاف فهاء: تلحسه. ريح مغافير: [ ... ] . ضيعتي: بضاد معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث: ما يكون معه معايش الرجل كالصنعة والزراعة وغير ذلك. جبلة: بجيم فموحدة فلام مفتوحات فتاء تأنيث. الأيهم: بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فهاء فميم. عرجون: بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فجيم فواو فنون: العود الأصفر الذي يكون فيه شماريخ العذق من الانعراج وهو الانعطاف [ (1) ] .

_ [ (1) ] ثبت في قوله «وهذا عصيب في القصة، يموجون: من ماج فعدل في الشرح عنه، وكتب يعوجون ولعله من فهم الكاتب لا المؤلف» .

الباب الخامس في محبته - صلى الله عليه وسلم - للنساء

الباب الخامس في محبته- صلى الله عليه وسلم- للنساء روى النسائي والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطّيب وجعلت قرة عيني في الصّلاة ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد وزاد «وأصبر عن الطّعام والشّراب ولا أصبر عنهنّ» وفي لفظ «الجائع يشبع والظّمآن يروى، وأنا لا أشبع من حب الصّلاة والنّساء» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد في الزهد وابن سعد عن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- قال: لم يكن شيء أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل ثم قال غفرانك بل النّساء [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء الطّعام والنّساء والطّيب، ولم يصب الطّعام، وقال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل حدّثه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء النّساء والطّيب والطّعام فأصاب اثنتين ولم يصب واحدة أصاب النساء والطّيب ولم يصب الطعام. وروى أيضا عن سلمة بن كهيل قال: لم يصب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا أحب إليه من النساء والطيب. وروى أيضا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحببت من عيش الدّنيا إلا الطيب والنساء [ (3) ] . تنبيه: وقع في بعض الكتب حبب إلي من دنياكم ثلاث، قال الحافظ ابن القيّم والزّركشيّ والحافظ في تخريج أحاديث الكشّاف وأبو زرعة العراقي في أماليه والشيخ أن لفظ (ثلاث) لم يقع في شيء من طرق الحديث، وإنها زيادة مفسرة للمعنى، فإنّ الصلاة ليست من أمور الدنيا.

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 258. [ (3) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 112 وانظر الكنز (17346) .

الباب السادس في عدله - صلى الله عليه وسلم - بين نسائه وقسمه لهن

الباب السادس في عدله- صلى الله عليه وسلم- بين نسائه وقسمه لهن وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، فيقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عنها أيضا قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضّل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قلّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كلّ امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنّت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، يومي لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منها [ (2) ] . وروى الشيخان عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا وفي لفظ إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه، زاد البخاريّ: وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا الرسول صلى الله عليه وسلم [ (3) ] . وروى الشيخان عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ مرتين، يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتّى مات عندها، قالت عائشة: مات في اليوم الذي كان يدور عليهم فيه في بيتي [ (4) ] . وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة فكان إذا أقسم بينهنّ لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلّا في تسع فكنّ يجتمعن في بيت التّي يأتيها فكان في بيت عائشة فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فتقاولتا حتى استخبتا وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله، إلى الصلاة واحث في أفواههنّ التّراب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم،

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 144 والدارمي 2/ 144 وأبو داود 2/ 601 (2134) والترمذي 3/ 446 (1140) والنسائي 7/ 63 وابن ماجة 1/ 633 (1971) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1305) والحاكم 2/ 187. [ (2) ] أخرجه أبو داود (2315) والحاكم 2/ 189 والبيهقي 7/ 74231. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 293 (2688) ومسلم 4/ 2129 (56/ 2770) . [ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 317 (5217) ومسلم (4/ 1894) (84/ 2443) .

فقالت عائشة: الآن يقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، فيجيء أبو بكر، فيفعل بي ويفعل، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، أتاها أبو بكر، فقال لها قولا شديدا وقال: أتصنعين هذا [ (1) ] . وروى الشيخان عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهنّ وفي لفظ «فيدنو منهنّ» . وروى أبو يعلى والطبراني بسند جيد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا قرع بين نسائه، فأصابت القرعة عائشة في غزوة بني المصطلق [ (2) ] . وروى مسدد برجال ثقات عن جعفر بن محمد- رحمه الله تعالى- عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل إلى نسائه وهو مريض فيعدل بينهن في القسم [ (3) ] . وروى محمد بن يحي بن أبي عمر بن أبي سلمة عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى بأمّ سلمة قال: إن شئت سبعت لك وسبّعت لنسائي [ (4) ] . وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوّج البكر أقام عندها ثلاثا [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا تزوّج البكر على الثيب أقام عندها سبعا إذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا [ (6) ] . وروى مسلم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أمّ سلمة أقام عندها ثلاثا، وقال: إنّك ليس لك على أهلك هوان إن شئت سبّعت لك وإن شئت سبّعت لنسائي وإن شئت ثلاثة ثم ردت قالت ثلاثة [ (7) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن سودة بنت زمعة- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1084 (46/ 1462) . [ (2) ] انظر الدر المنثور 5/ 27 والبيهقي في الدلائل 4/ 63. [ (3) ] ذكره الحافظ في المطالب (1016) . [ (4) ] أخرجه ابن سعد 8/ 66265 وابن أبي شيبة 4/ 277 وأحمد 6/ 38 والشافي في المسند (261) والطحاوي في المعاني 3/ 28 وأبو داود (1/ 646) (2122) . [ (5) ] أخرجه أحمد (2/ 178) . [ (6) ] أخرجه أحمد 3/ 99 وأبو داود 1/ 646 (2124) والترمذي 3/ 445 (1139) وهو ينحوه عند البخاري ومسلم فالبخاري 9/ 314 (5214) ومسلم 2/ 1084 (44/ 1461) . [ (7) ] أخرجه مسلم 2/ 1083 (42/ 1460) .

تنبيهات

تعالى عنها- وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن صفية بنت حيي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج بنسائه حتى إذا كان ببعض الطريق نزل رجل فساق بهن يعني النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك سوقك بالقوارير، يعني بالنّساء، فبينما هم يسيرون برك بصفيّة جملها، وكانت من أحسنهن ظهرا، فبكت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها فلما أكثرت زجرها وانتهرها، وأمر الناس فنزلوا، ولم يكن يريد أن ينزل قالت: فنزلوا، وكان يومي فلما نزلوا ضرب خباء النبي صلى الله عليه وسلم ودخل فيه فلم أدر علام اهجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخشيت أن يكون في نفسه شيء فانطلقت إلى عائشة، فقلت لها: تعلمين أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء أبدا، وإني قد وهبت يومي لك على أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنّي، قالت: نعم، قالت: فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران ورشّته بالماء لتزكّي ريحه، ثم لبست ثيابها ثم انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت طرف الخباء فقال لها: مالك يا عائشة، إن هذا ليس يومك، قالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فقال مع أهله، فلما كان عند الرّواح، قالت لزينب بنت جحش، أفقري لأختك صفيّة جملا وكانت من أكثرهن ظهرا، فقالت: أنا أفقر يهوديّتك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها، فلم يكلّمها حتى قدم مكة وأيام منى من سفره حتّى رجع إلى المدينة والمحرّم وصفر فلم يأتها ولم يقسم لها فأيست منه فلمّا كان شهر ربيع الأول دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأت ظلّه، فقالت: إنّ هذا الظّلّ ظلّ رجل وما يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فمن هذا؟ فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأته، قالت: رسول الله! ما أدري ما أصنع حين دخلت عليّ وكانت لها جارية تخبّئها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سرير زينب وكان قد رفع فوضعه بيده، ثم أصاب أهله، وتقدّم بعضه في باب طلاقه [ (2) ] . تنبيهات الأول: قال في (زاد المعاد) : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وكان قد أعطى قوة ثلاثين في الجماع وغيره وأباح الله تعالى له في ذلك ما لم يبحه إلى أحد من أمّته وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنّفقة وأما المحبّة فكان يقول: اللهمّ هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك، قيل: هو الحبّ والجماع ولا تجب التّسوية في ذلك، لأنه فيما لا يملك.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 312 (5212) ومسلم 2/ 1085 (47/ 1463) . [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 338 وانظر المجمع 4/ 32.

الثاني: قال في (زاد المعاد) : هل كان القسم واجبا عليه وكان له مباشرتهن بغير قسم على قولين للفقهاء، فهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأمة نساء قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- تزوّجوا، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء. الثالث: قال في (زاد المعاد) : وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة ووقع في صحيح مسلم من قول عطاء أن التي لم يقسم لها هي صفية بنت حيي، وهو غلط من عطاء- رحمه الله تعالى- وإنما هي سودة، فإنها لما كبرت وهبت نوبتها لعائشة فكان صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، وسبب هذا الوهم- والله تعالى أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وجد على صفيّة في شيء، فقالت لعائشة: هل لك أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني وأهب لك يومي، قالت: نعم، فقعدت عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم صفيّة فقال: إليك عنّي يا عائشة، فإنه ليس يومك، فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالخبر فرضي عنها، وإنما كانت قد وهبت لها ذلك اليوم وتلك النوبة الخاصة لذلك، ولا يكون القسم لسبع منهنّ وهو خلاف الصحيح الذي لا ريب فيه أن القسم كان لثمان، والله تعالى أعلم. الرابع: في بيان غريب ما سبق. أسنت: بهمزة فسين مهملة مفتوحات كبرت. فرقت- بفاء مفتوحة فراء مكسورة فقاف فتاء تأنيث- فزعت أشدّ الفزع. تقاولتا: تفاوضتا. استخبّتا: - بهمز فسين مهملة ساكنة ففوقية رفعتا صوتيهما. احث: - بهمز مضمومة فحاء مهملة ساكنة فمثلثة: ارم. القوارير- تقدمت. زرها- بزاي فموحدة فراء فهاء مفتوحات فألف. انتهرها- بغلظ في القول والرد بردته. الخباء: بمعجمة مكسورة فموحدة فألف ممدودة: أحد بيوت العرب من وبر وصوف لا شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة والجمع أخبية.

الباب السابع في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم معهن ومداراته لهن وحثه على برهن والصبر عليهن ومحادثته لهن وصبره معهن - رضي الله تعالى عنهن -

الباب السابع في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم معهن ومداراته لهن وحثّه على برّهن والصبر عليهن ومحادثته لهن وصبره معهن- رضي الله تعالى عنهن- وروى الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنّ أمّ سلمة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحفة أو في قصعة وهو في بيت عائشة وفي رواية: فضربت عائشة يد الخادم فسقطت ورمت الصحفة بقهر فانفلقت فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصّحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام التي كان في الصّحفة، ويقول: غارت أمّكم مرّتين ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة، فبعثها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة [ (1) ] . وروى الشيخان والترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى، وفي لفظ أيام منى، وعندي جاريتان يغنيان بما تقالت الأنصار يوم بعاث، قالت، وليستا بمغنيتين تدفقان فاضطجع على فراشي، وحوّل وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان، وفي رواية أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما لكلّ قوم عيد، وهذا عيدنا، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السّودان بالدّرق والحراب فأما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: «تشتهين تنظرين» ؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدّي على خدّه، ويقول: دونكم يا بني أرفدة فزجرهم عمر، فقال رسول الله: «أمنا يا بني أرفدة حتى إذا مللت» ، قال: حسبك، قلت: نعم، قال: فاذهبي، قالت: فاقدروا قدر الجارية العربية الحديثة السّن [ (2) ] . روى ابن أبي أسامة والخرائطيّ وابن عساكر وأبو الحسن بن الضحاك عن عمرة بنت عبد الرحمن- رحمهما الله- قالت: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع نسائه، قالت: كان كرجل من رجالكم، إلا أنه كان أكرم الناس وأحسن الناس خلقا كان ضحّاكا بسّاما صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود والطيالسي والإمام أحمد وابن عساكر عن أبي عبد الله الجدلي- رحمه الله تعالى- قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها-: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 320 (2225) وأحمد 3/ 263، أبو داود (3567) وابن ماجه (2334) والطبراني في الصغير 1/ 206 والطّحاوي في المشكل 4/ 316 والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 96. [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 445 (952) (987) ومسلم 2/ 607 (16- 17/ 892) والنسائي 3/ 197 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 92، 10/ 224.

أهله، قالت: كان أحسن الناس خلقاً، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخّابا في الأسواق، ولا يجزئ بالسّيّئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح [ (1) ] . وروى النسائي وأبو بكر الشافعي وأبو يعلى وسنده حسن عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: زارتنا سودة يوما، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها فأتيت بحريرة فقلت لها: كلي، فأبت، فقلت لتأكلين وإلّا لطّخت وجهك، فأبت، فأخذت من القصعة شيئا، فلطّخت به وجهها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع رجله من حجرها، وقال الطخي وجهها فأخذت شيئا من القصعة فلطّخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فمرّ عمر فنادى، يا عبد الله يا عبد الله فظنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل فقال: قوما فاغسلا وجوهكما قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (2) ] . وروى ابن سعد عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب فجاء يستفتح الباب فأبيت أن أفتح له قال: أقسمت عليك إلّا فتحت لي، فقلت له تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي فقال ما فعلت ولكن وجدت حقنا من بول [ (3) ] . وروى الطبراني وابن مردويه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: نزل عذري من السماء، وكادت الأمّة تهلك بسببي فلمّا سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج الملك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: اذهب إلى ابنتك فأخبرها أن الله تبارك وتعالى قد أنزل عذرها، قال، فأتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر، فقال: أبشري يا بنيّة، إن الله عز وجل قد أنزل عذرك من السماء، قلت نحمد الله لا نحمدك، ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول ذراعي، فقلت بيده هكذا، فأخذ أبو بكر النّعل ليعلوني به فضحك فمنعه وضحك، وقال أقسمت عليك لا تفعل [ (4) ] . وروى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود برجال ثقات عنها قالت بعثت صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد صنعته له وهو عندي فلمّا رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقبلتني أفكل فضربت القصعة فرميت بها فعرفت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعنني اليوم [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 212، 270، 6/ 236 وابن عساكر كما في التهذيب 1/ 338. [ (2) ] تقدم وانظر المجمع 4/ 316 وحريرة: حساء مطبوخ من الدقيق والدسم والماء. [ (3) ] أخرجه الحاكم 4/ 32 والسيوطي في الدر 6/ 251. [ (4) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 5/ 31. [ (5) ] أخرجه أحمد 6/ 277.

وروى الطبراني بسند حسن عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه- قال: كان زنج يلعبون بالمدينة فوضعت عائشة منكبها على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تنظر إليهم [ (1) ] . وروى أبو يعلى بسند لا بأس به وأبو الشيخ بن حيان بسند جيّد قويّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت كان في متاعي خفّ وكان على جمل ناج وكان متاع صفية فيه ثقل، وكان على جمل ثقال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حوّلوا متاع عائشة على جمل صفيّة، وحوّلوا متاع صفيّة على جمل عائشة حتى يمضي الركب» ، قلت: يا لعباد الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم عبد الله، إن متاعك فيه خفّ، وكان متاع صفية فيه ثقل، فأبطأ الركب فحوّلنا متاعها على بعيرك وحوّلنا متاعك على بعيرها، قالت: فقالت: ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أو فيّ شكّ؟ أنت يا أم المؤمنين يا أم عبد الله، قالت: قلت: ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلا عدلت وسمعني أبو بكر وكان فيه غرب أي حدّة، فأقبل عليّ فلطم وجهي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلاً يا أبا بكر» ، فقال: يا رسول الله، أما سمعت ما قالت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، ورواه الإمام أحمد بسند لا بأس به عن صفية- رضي الله تعالى عنها-» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الصحفة- بصاد مفتوحة فحاء ساكنة مهملتين ففاء فتاء تأنيث- إناء دون الجفنة. الفهر- بفاء مكسورة فهاء ساكنة فراء- الحجر ملء الكفّ. القصعة، بقاف مفتوحة فصاد ساكنة فعين مهملة مفتوحة فتاء تأنيث: الصحفة. مغنيتين- ... مزمارة الشّيطان- بميم مكسورة فزاي ساكنة فميم فألف فراء فتاء تأنيث: الآلة التي يزمر بها السودان. بني أرفدة- بهمزة مفتوحة فراء ساكنة ففاء فدال مهملة. الرّعدة- بكسر الراء وسكون العين وبالدال المهملتين- الاضطراب. المنكب- بميم فنون فكاف فموحدة-[مجتمع رأس] الكتف والعضد.

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 316 وقال: رواه الطبراني واسناده حسن. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 322 والمطالب (1540، 1927) قوله: أي بطيء ثقيل.

الباب الثامن في آدابه - صلى الله عليه وسلم - عند النكاح والجماع وقوته على كثرة الوطء

الباب الثامن في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- عند النكاح والجماع وقوته على كثرة الوطء وفيه أنواع: الأول: في حيائه صلى الله عليه وسلم: روى ابن أبي شيبة والقاضي أبو بكر المروزيّ في مسند عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه إلا متقنّعا رأسه حياء، وما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأى مني. وروى البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطّى رأسه وإذا أتى أهله غطّى رأسه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وبقيّ بن مخلّد وابن أبي شيبة وأبو الحسن بن الضحّاكّ عنها، قالت: ما رأيت عورة رسول الله وفي لفظ فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قطّ [ (2) ] . وروى الخطيب في تاريخه عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غطّى رأسه وخفض صوته، وقال للمرأة عليك بالسكينة والوقار [ (3) ] . وروى ابن الأعرابيّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أهله غطّى رأسه. وروى الطّبرانيّ وتمّام الرّازيّ وابن عساكر عن معروف أبو الخطّاب عن واثلة بن الأسقع عن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بعض أهله قنّع رأسه ويقول للمرأة التي تحته عليك بالسكينة والوقار [ (4) ] . الثاني: في قوته صلى الله عليه وسلم على كثرة الوطء: وروى الطبراني والإسماعيلي في معجمه وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال:

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/ 96 وأبو نعيم في الحلبة 7/ 139 وابن عدي 6/ 2295. [ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 479. [ (3) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 5/ 162 وابن سعد 1/ 2/ 58 وانظر المجمع 4/ 295. [ (4) ] انظر المجمع 4/ 295 وانظر كنزل العمال (45886) وجمع الجوامع 2/ 762.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فضلت على الناس بأربع بالسخاء والشجاعة وكثرة الجماع، وشدة البطش» [ (1) ] . وروى ابن سعيد وابن أبي أسامة عن طاوس ومجاهد، قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع [ (2) ] ، وروى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: أعطي النبي صلى الله عليه وسلم قوة بضع و (ستين) شابّا، فحسدته اليهود، فقال الله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء/ 54] ، وروى ابن سعد عن مجاهد وطاوس قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة أربعين في الجماع [ (3) ] . وروى عبد الرزاق عن طاوس قال: أعطي النبي صلى الله عليه وسلم قوة خمسة وأربعين في الجماع وروى مثله عن سعيد بن المسيّب. وروى الحارث بن أبي أسامة عن مجاهد وطاوس قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة بضع وأربعين رجلا، كل رجل من أهل الجنة. وروى الإمام أحمد والنّسائيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوّة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة» [ (4) ] . روى البخاريّ والنّسائيّ وأبو بكر الإسماعيلي عن قتادة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور وفي لفظ «يطوف» على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قال قتادة: قلت لأنس: أكان يطيقها وفي لفظ «هل كان يطيق ذلك» ؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين، وفي رواية عند الإسماعيلي: «أربعين في الساعة الواحدة» [ (5) ] ، وفي رواية أخرى «في الليلة الواحدة» . كذا في نسختين من مجمع الزوائد لم يذكر من روده، وقال ورجاله رجال الصحيح خلا عبد السلام بن عاصم الرازيّ، وهو ثقة. وروي عن جابر بن عبد الله قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفيت، قيل للحسن وما الكفيت؟ قال: البضاع [ (6) ] ورواه عبد الرزاق في المصنف عن أنس ولم يذكر الحسن بل قال: قيل: وما الكفيت؟ قال: البضاع.

_ [ (1) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 1/ 169 وابن عساكر كما في التهذيب 4/ 347 وانظر المجمع 8/ 269، 9/ 13. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 293، 8/ 269 والمطالب العالية (3869، 3870) . [ (3) ] انظر المجمع 4/ 293 والمطالب (3869) . [ (4) ] أخرجه أبو نعيم في الحلبة 8/ 116 وأحمد (4/ 367) . [ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 126 (268) ومسلم 1/ 249 (28/ 309) . [ (6) ] انظر مجمع الزوائد 4/ 293.

تنبيهات

وروى الطبراني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت قوة أربعين في البطش والنّكاح» [ (1) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي محمّد عن عبد الله بن علي أبا جدي أبو عمرو بن عبد البر حدّثنا خلف بن القاسم بن أبي القاسم إلياس بن محمد بن إلياس المصريّ العطّار حدّثنا أبو بكر بن جعفر بن الإمام حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبي عن أسامة بن زيد عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل بقدر يقال له الكفيت فأكلت منها أكلة فأعطيت قوة أربعين رجلا [ (2) ] . ورواه ابن سعد من طريق عبيد الله بن موسى عن أسامة بن زيد عن صفوان بن سليم وروى البخاريّ والإسماعيليّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لقد رأيتني أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وله يومئذ تسع نسوة [ (3) ] . وروى ابن عدي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في كل ليلة فإذا جاء التي هو يومها أقام عندها. وروى أبو داود والحارث بن أبي أسامة عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه فجعل يغتسل عند هذه، وعند هذه، فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: هو أزكى وأطيب وأطهر [ (4) ] . وروى النسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه وفي رواية في غسل واحد في اليوم الواحد ولا يغتسل [ (5) ] . وروى ابن عدي عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على تسع نسوة في ضحوة [ (6) ] . تنبيهات الأول: قال ابن أبي أسامة إسماعيل بن أبي إسماعيل عن إسماعيل بن عيّاش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود الليثي أن عثمان بن مظعون قال: يا رسول

_ [ (1) ] انظر المجمع (1/ 269) . [ (2) ] انظر جمع الجوامع 266، 267 وكنز العمال (31797، 31896، 31897) . [ (3) ] تقدم. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (590) وأبو داود (1/ 106) (219) . [ (5) ] النسائي 1/ 144 (264) . [ (6) ] أخرجه أحمد 3/ 239 وابن عدي في الكامل 6/ 2220 وانظر كنز العمال (18690) .

الله، إني لا أحبّ أن أنظر إلى عورة امرأتي ولا أحب أن ترى ذلك مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولم ذلك؟ أن الله تعالى جعلك لباسا لها، وجعلها لباسا لك، وإني أرى ذلك من أهلي ويرونه مني» ، قال فمن يعدل بك يا رسول الله، ثم ولّى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ ابن مظعون حيىّ ستير، في سنده عبيد بن أبي إسماعيل وهو ضعيف وإسماعيل بن عياش ضعيف في غير الشاميين وعبد الرحمن بن زياد ضعيف ليس بشاميّ [ (1) ] . الثاني: جمع ابن حيان بين حديثي طوافه على إحدى عشرة وتسع بأن حمل ذلك على حالتين. الثالث: قال الحافظ ضياء الدين المقدسيّ: لم يجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة امرأة إلا أن يكون بالجواري. الرابع: روى التّرمذيّ وصححه عن أنس مرفوعا: يعطى المؤمن في الجنّة قوة كذا وكذا من الجماع، قلت: يا رسول الله، أيطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة انتهى [ (2) ] . فإذا ضربنا أربعين في مائة بلغت أربعة آلاف وبهذا يندفع ما استشكل من كونه صلى الله عليه وسلم أعطي قوة أربعين فقط، وأعطي سليمان بن داود قوّة مائة رجل أو ألف، على ما ورد وسيأتي لهذا وما بعده مزيد بيان في الخصائص. الخامس: للأنبياء من ذلك ما ليس لغيرهم فقد قال الحكيم الترمذي في نوادره: الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- زيدوا في النّكاح بفضل نبوّتهم وذلك أن النّور إذا امتلأ الصّدر منه ففاض في العروق التذّت النّفس والعروق فأثارت الشّهوة وقوّاه. ثم روى عن سعيد بن المسيب قال: إن الأنبياء يفضّلون بكثرة الجماع على النّاس وذلك لما فيه من اللّذّة. وروى الحافظ في (الفتح) قال: كلّ من كان أتقى لله كان أشدّ شهوة، قال القاضي أبو بكر بن العربي في (سراج المريدين) قد آتى الله تعالى رسوله خصيصة عظمى وهي قلّة الأمل والقدرة على الجماع فكان أقنع الناس في إلفه وتقنعه العلقة، وتشبعه الحزّة، وكان أقوى الناس على الوطء، وقال القاضي عياض النكاح متّفق على التّمدّح بكثرته والفخر بوفوره شرعا وعادة، فإنه دليل الكمال وصحّة الذّكور به، ولم يزل التّفاخر بكثرته عادة معروفة، والتمدّح به سيرة ماضية وأما في الشّرع فسنة مأثورة، حتى لم يره العلماء مما يقدح في الزهد، وسأل بلال بن أبي

_ [ (1) ] ذكره الحافظ في المطالب (1567) يراجع السند. [ (2) ] أخرجه الترمذي (2536) وانظر تفسير ابن كثير 8/ 11.

بردة محمد بن واسع: ما بال القرى أغلم الناس؟ قال: لأنهم لا يزنون، رواه ثعلب في «أماليه» . وقيل لرقيّة بن مسلمة ما بال القرى أكثر شيء نهمة وأكثر شيء غلمة؟ قال: أما النّهمة فإنهم يصومون، وأما الغلمة فإنهم لا يزنون. وقال الغزّاليّ: أنكر بعض الناس حال الصوفية، فقال له بعض ذوي الدين: ما الذي تنكر منهم؟ قال: يأكلون كثيرا، قال: وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون، قال: ينكحون كثيرا، قال: وأنت أيضا لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كثيرا كما ينكحون. وقال الجنيد: يقولون يحتاج إلى النّكاح كما يحتاج إلى القوت؟ قلت: فالزوجة على التحقيق سبب طهارة القلب. السادس: في بيان غريب ما سبق: المتقنع- بميم مضمومة ففوقية فقاف مفتوحتين فنون فعين مهملة- الذي يتغشّى بثوب. الخلاء- بخاء معجمة فلام مفتوحتين فألف ممدودة- المراد به ها هنا قضاء الحاجة. العورة- بعين مهملة مفتوحة فواو ساكنة فراء فتاء تأنيث- كل ما يستحى منه إذا ذكر. الوقار- بواو مفتوحة فقاف فألف فراء- الحلم والرزانة. السّكينة- بسين مهملة مفتوحة فكاف مكسورة فتحتية فنون فتاء تأنيث- والمراد به ها هنا الوقار والسكون. الجماع- بجيم مكسورة فميم فألف فعين مهملة: المراد به ها هنا الوطء وأصله ما جمع عددا. البطش- بموحدة مفتوحة فطاء ساكنة فشين معجمة، الأخذ القويّ الشديد. البضع- بموحدة مكسورة فضاد معجمة ساكنة فعين مهملة: من العدد ما بين الثلاثة إلى التسعة، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة وهو المراد هنا، وبضم الموحدة: يطلق على النكاح والعقد معا وقيل: الفرج، والله سبحانه وتعالى أعلم.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصيد والذبائح

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الصيد والذبائح الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في الذبائح وما ارشد إليه منها روى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة [ (1) ] ، وروى عن عبد الرحمن بن سابط- رحمه الله تعالى- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها، ورواه أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه-، وعن أبي الزّبير عنه [ (2) ] . وروي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بغلام يذبح شاة وما يحسن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وضع رجله على صفحة شاة، وهو يحدّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: أفلا قتل هذا أتريد أن تميتها ميتتين [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح أضحية بيده واضعا قدمه على صفاحها [ (4) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجع أضحيته ليذبحها، فقال له: أعني على ضحيّتي فأعانه [ (5) ] . وروي عن النعمان بن أبي فاطمة أنه اشترى كبشا أقرن أعين وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال كأن هذا الكبش الذي ذبح إبراهيم فعمد رجل من الأنصار فاشترى للنبي صلى الله عليه وسلم من هذه الصّفة فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فضحى به [ (6) ] .

_ [ (1) ] أبو داود (3747) . [ (2) ] أبو داود (1/ 549) (1767) . [ (3) ] انظر المجمع 4/ 33 والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 280. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1054 (3155) . [ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 373 والمجمع 4/ 25 وفتح الباري 10/ 19. [ (6) ] انظر المجمع 4/ 23.

الباب الثاني في صيد البر والبحر والسهم والحيوان

الباب الثاني في صيد البرّ والبحر والسهم والحيوان روى ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن أبي شيبة، وابن ماجة عن أبي هريرة وعبد الرزّاق عن أنس وعن سليمان بن موسى مرسلا وعن يحيى بن أبي كثير بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البحر زكيّ وماؤه طهور» ، وفي لفظ «البحر طهور ماؤه حلال ميتته» وفي لفظ «الطّهور ماؤه الحلّ ميتته» [ (1) ] . وروى أبو داود وضعّفه ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجراد من صيد البحر [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن أنس وجابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، الجراد نثرة الحوت في البحر [ (3) ] . وروى أبو يعلى عن القاسم بن مخوّل البهزيّ، قال: سمعت أبي يقول: نصبت حبائل لي بالأبواء، فوقع في حبل منها ظبي، فأفلت بالحبل فخرجت أقفوه، فإذا رجل قد سبقني إليه، فأخذه فاختصمنا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالأبواء تحت شجرة يستظل بنطع، فجعله صلى الله عليه وسلم بيننا نصفين فقلت هذا حبلي في رجله يا رسول الله، قال: هو ذاك [ (4) ] . وروى الشيخان عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أرسلت كلبك المعلّم فقتل، فكل وإذا أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه قلت: أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر، قال: فلا تأكل فإنما سمّيت على كلبك ولم تسمّ على كلب آخر» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والخمسة والنسائي عن أبي ثعلبة الخشينيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت وسمّيت، فكل ممّا أمسكه عليك كلبك المعلم وإن قتل، وإن أرسلت كلبك الذي ليس بمكلّب وأدركت ذكاته فكل وكل ما ردّ عليك سهمك وإن قتل وسمّ الله [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ 1/ 22 (12) والشافي في الأم 1/ 3 وأحمد في المسند 2/ 361 والدارمي 1/ 185 وأبو داود 1/ 64 (83) والترمذي 1/ 100 (69) والنسائي 1/ 50 وابن ماجة 1/ 136 (386) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (1853) والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 207 والعقيلي في الضعفاء 4/ 384. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1073 (3221) . [ (4) ] انظر المجمع 4/ 164، 5/ 201، 9/ 56 والبيهقي في الدلائل 6/ 390 والسيوطي في الدر 6/ 180. [ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 279 (175، 5483، 5484، 5486) ومسلم 3/ 1531 (6/ 1929) . [ (6) ] أحمد 4/ 195، 377، 380 النّسائي 7/ 182، 183 والحديث في الصحيحين البخاري (5478) ومسلم 3/ 1532 (8/ 1930) .

وروى الستة عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أرسلت الكلب وذكرت اسم الله فكل ممّا أمسك عليك وإن قتل إلا أن يكون الكلب أكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فإنك لا تدري أيّها قتل، وإن رميت الصّيد فوجدتّه بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك، فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل [ (1) ] . وروى مسلم والنسائي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حيّا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدّت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميته بسهمك فاذكر اسم الله فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلّا اثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدتّه غرقا في الماء، فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أرسلت كلبك فأكل الصّيد فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه وإن أرسلته وقتل ولم يأكل فكل، فإنما أمسك على صاحبه. وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رميت الصّيد بسهمك وغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (175، 5483، 5484، 5486) ومسلم 3/ 1531 (6/ 1929) . [ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1531 (6، 7/ 715) والنّسائي الصيد (18) . [ (3) ] مسلم 3/ 1523 (8/ 1930) .

الباب الثالث في إباحته - صلى الله عليه وسلم - اقتناء كلب الصيد والحراسة

الباب الثالث في إباحته- صلّى الله عليه وسلم- اقتناء كلب الصيد والحراسة روى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلبا إلّا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم قيراطان» [ (1) ] . وروي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط» [ (2) ] .

_ [ (1) ] لم يذكر المصنف تحت هذا الباب شيئا وذكرنا هذه تتميما للفائدة والحديث أخرجه البخاري 9/ 608 (5480) ومسلم 3/ 1201 (50/ 1574) . [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 5 (2322) ومسلم 3/ 1203 (58/ 1575) .

الباب الرابع فيما أباح - صلى الله عليه وسلم - قتله من الحيوانات وما نهى عن قتله

الباب الرابع فيما أباح- صلى الله عليه وسلم- قتله من الحيوانات وما نهى عن قتله وروى الحاكم والطّبرانيّ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّة والعقرب وإن كنتم في الصلاة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات ذو الطّفيتين والأبتر فإنهما يطمسان البصر ويستسقطان الحمل» [ (2) ] . وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا ذا الطفيتين، فإنه يطمس البصر ويصيب الحبل [ (3) ] . وروى الطبراني عن إبراهيم بن جرير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات كلّها من تركها خشية ثأرها فليس منا» [ (4) ] . وروى مسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات والكلاب واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر ويستسقطان الحبالى» [ (5) ] . وروى ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الأسودين في الصلاة، الحية والعقرب» [ (6) ] . وروى أبو داود والنسائي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهنّ فليس مني» [ (7) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الوزع ولو في جوف الكعبة» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في الزهد 295 والحاكم 4/ 270 والبيهقي 7/ 272 والعقيلي في الضعفاء 1/ 170 4/ 340 وانظر نصب الراية 2/ 100، 3/ 62. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 347 (3297 و 3298) ومسلم 4/ 1752 (128، 129/ 2233) . [ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 404 (3308) . [ (4) ] الطبراني في الكبير 2/ 102382/ 211 وانظر المجمع 4/ 47426. [ (5) ] مسلم 4/ 1752. [ (6) ] أخرجه أبو داود (921) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (528) والحاكم 4/ 270 والعقيلي في الضعفاء 2/ 237 وانظر نصب الراية 2/ 100299. [ (7) ] أخرجه أبو داود (5249) والنسائي 6/ 51. [ (8) ] أخرجه أحمد 6/ 200 والطبراني في الكبير 11/ 202 وانظر المجمع 3/ 229، 4/ 47.

وروى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات فمن وجد ذا الطفيتين والأبتر فمن لم يقتلهما فليس منا، فإنهما اللذان يخطفان البصر ويسقطان ما في بطون النساء» [ (1) ] . وروى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات فإنا ما سالمناهن منذ حاربناهن» [ (2) ] . وروى الحاكم والطّبرانيّ عن سراء بنت نبهان الغنوية- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيات صغيرها وكبيرها وأسودها وأبيضها» ، قال: «قال من قتلها من أمتي كانت له فداء من النار ومن قتلته كان شهيدا» [ (3) ] . وروى عبد الرزاق عن الحسن مرسلا- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحية والعقرب على كل حال» [ (4) ] .

_ [ (1) ] المجمع 4/ 46 انظر كنز العمال (40026) . [ (2) ] انظر كنز العمال (4005) ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 50 من رواية الطبراني عن أبي هريرة. [ (3) ] الطبراني في الكبير 5/ 20، 81 وانظر كنز العمال (40010) . [ (4) ] انظر نصب الراية 2/ 32100/ 62.

الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الهدي

الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الهدي وفيه أنواع: الأول: في إشعاره صلى الله عليه وسلم وتقليده هديه وما أهداه: وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم والأربعة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في حجة الوداع بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها بيده، وفي لفظ بإصبعه وقلدها نعلين [ (1) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّة إلى البيت غنما فقلدها [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية هدية فيها جمل أحمر لأبي جهل في أنفه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين [ (3) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن جابر- رضي الله عنه- قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما [ (4) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل علينا يوم النّحر في حجة الوداع بلحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر [ (5) ] . وروى مسلم والإمام أحمد والترمذي عن جابر- رضي الله عنه- قال: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة يوم النحر [ (6) ] . وروى أبو داود وابن ماجة والنسائي عن عائشة ومسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى وفي لفظ نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 912 (205/ 1243) . [ (2) ] البخاري 3/ 547 (1701) ومسلم 2/ 958 (367) . [ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 360 (1749) وأحمد 1/ 234، 261، 269، 273 وابن ماجة 2/ 1035 (3100) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] تقدم. [ (6) ] أخرجه مسلم 2/ 956 (356/ 1319) . [ (7) ] تقدم.

الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بركوب الهدي:

وروى أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن [ (1) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديّ ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت ثم أقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حلال [ (2) ] . وروى الشيخان عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي [ (3) ] . وروى ابن ماجه والترمذي وصحّح وقفه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى هديه من قديد [ (4) ] . الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بركوب الهدي: يروي الإمامان مالك وأحمد عن أبي هريرة والستة إلا أبا داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة، قال: اركبها ثلاثا، وقال في الثالثة أو الرابعة: اركبها ويلك أو قال ويحك، قال أبو هريرة: فلقد رأيته راكبها يساير بها النبي صلى الله عليه وسلم [ (5) ] . الثالث: في سيرته صلّى الله عليه وسلم فيما يقطعه من الهدي ومن كان على هديه زاده الله تعالى شرفا وفضلا: وروى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن ذؤيبا أبا قبيصة حدّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ستّ عشرة بدنه من بدنه مع رجل سماه في رواية أبي ذؤيب «أبا قبيصة» وفي لفظ كأن يبعث بالبدن، ثم يقول: إن عطب منها شيء، فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت، وفي رواية ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك [ (6) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 542 (1696) ومسلم (2/ 957 362/ 1321) . [ (3) ] أخرجه البخاري (1700) ومسلم 2/ 959 (369/ 1321) . [ (4) ] أخرجه الترمذي 3/ 251 (907) وابن ماجة 2/ 1035 (3102) . [ (5) ] أخرجه البخاري 3/ 536 (1689) ومسلم (2/ 960) (371/ 1322) . [ (6) ] أخرجه مسلم 2/ 962 (377/ 1325) .

الرابع: في إرساله صلى الله عليه وسلم الهدي وهو مقيم بالمدينة:

وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه عن ناجية الخزاعي- رضي الله تعالى عنه وفي لفظ: وكان صاحب بدن وفي لفظ: هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: كيف أصنع بما عطب من البدن؟ قال: أنحرها واغمس نعلها في دمها، واضرب به صفحتها، وخلّ بين الناس وبينها فليأكلوها [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والأربعة عن ناجية الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي، فقال: إن عطب فانحره ثم اصبغ نعله في دمه، ثم خلّ بينه وبين الناس، وروى الإمام أحمد عن عمرو بن خارجة الثمالي- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم معي هديا وقال: إذا عطب منها شيء فانحره، ثم اضرب نعله في دمه، ثم اضرب به صفحته ولا تأكل أنت ولا أهل رفقتك [ (2) ] . الرابع: في إرساله صلّى الله عليه وسلم الهدي وهو مقيم بالمدينة: وروى الإمامان مالك وأحمد والستة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه من عهن كان عندنا، ولا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم يأتي ما يأتي الحلال من أهله [ (3) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات والبزار عن جابر والإمام أحمد برجال الصحيح عن عطاء بن يسار عن نفر من بني أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا فقدّ، وفي لفظ عطاء: «فشق» قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، قال جابر فينظر القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر اليوم على ماء كذا وكذا، فلبست قميصا ونسيت فلم أكن أخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنة وأقام» . الخامس: في نحره صلى الله عليه وسلم بيده [ (4) ] : وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أهدى مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدن بيده، ثم أمر عليّا فنحر ما بقي منها، وقال: اقسم لحومها وجلالها وجلودها بين الناس ولا تعطين جزارا منها شيئا، وخذلنا من كل بعير

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 334 والترمذي 3/ 253 (910) وابن ماجة 2/ 1036 (3106) ومن حديث ناجية الأسلمي الدارمي 2/ 65 وأبو داود (2/ 368) (1762) ومالك مرسلا في الموطأ 1/ 380 (148) . [ (2) ] الطبراني في الكبير 17 42/ 4 272 وانظر التلخيص 2/ 293. [ (3) ] البخاري 3/ 548 (1705) ومسلم 2/ 958 (364/ 1321) . [ (4) ] أخرجه الطحاوي في معاني الآثار 2/ 138، 264 وأحمد 3/ 400 وانظر المجمع 3/ 227.

حذية من لحم، ثم اجعلها في قدر واحدة، حتى نأكل منها ونحسو من مرقها ففعل [ (1) ] . وروى أبو داود عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر بدنا نحر ثلاثين بيده وأمرني فنحرت سائرها. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الإشعار: تقدم. صفحة السنام: [هي جانبه] . البرة بموحدة مضمومة فراء مفتوحة فتاء تأنيث: حلقة تجعل في لحم الأنف، وربما كان من شعر. العهن- بعين مهملة مكسورة فهاء ساكنة فنون- الصوف. البدن- بموحدة مضمومة فدال مهملة ساكنة فنون-: جمع بدنة وهي العظيمة من الإبل. قديد: كزبير اسم موضع [بين مكة والمدينة] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 260 والطبراني في الكبير 11/ 95 وانظر المجمع 3/ 225 وأصله في الصحيحين البخاري 3/ 556 (1717) ومسلم 2/ 954 (348/ 1317) .

الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الأضحية

الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأضحية وفيه أنواع: الأول: في مداومته صلى الله عليه وسلم على فعلها وحثّه عليها: روى التّرمذي وصححه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي [ (1) ] ، (ورواه ابن سعد بلفظ: قالوا: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي) كل عام ولا يحلق ولا يقصر. وروى الإمام أحمد وابن ماجة والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان له سعة ولم يضحّ فلا يقربنّ مصلّانا [ (2) ] . وروى البخاري عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلّي، ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب، ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجّله لأهله ليس من النسك في شيء [ (3) ] . الثاني: فيما ضحى به صلى الله عليه وسلم وما استحبه في صفاتها: روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين هذا ضحى عني وعمن لم يضح من أمتي فرأيته واضعا قدمه على صفاحها يسمي ويكبر فذبحهما بيده. وروى الإمام والبيهقي عن أنس- رضي الله عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين. وروى الأربعة وصحّحه الترمذي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن فجعل ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أجدعين موجوءين [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 4/ 78 (1507) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3123) والخطيب في التاريخ 8/ 338 وانظر نصب الراية 4/ 207. [ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 456 (968) ومسلم 3/ 1553 (7/ 1961) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 3/ 231 (2796) والترمذي 4/ 85 (1496) والنسائي 7/ 220 وابن ماجة 2/ 1046 (3128) . [ (5) ] أخرجه من حديث جابر أحمد 3/ 375.

الثالث: فيما كرهه صلى الله عليه وسلم من صفاتها:

وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو يعلى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم كبشان أملحان أجدعان فضحّى بهما [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دم عفراء أحب إلى الله تعالى من دم سوداوين [ (4) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّف بين نسائه في بقرة في الأضحى [ (5) ] . وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالمدينة بالجزور أحيانا وبالكبش إذا لم يجد جزورا [ (6) ] . وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته والآخر عنه وعن من لم يضحّ من أمته [ (7) ] . وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أملحين يضع رجله على صفاحهما، إذا أراد أن يذبح، ويقول: «اللهم منك ولك اللهم تقبل من محمد، وأمته» [ (8) ] . الثالث: فيما كرهه صلّى الله عليه وسلم من صفاتها: وروى عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بيّن عورها والمريضة بيّن مرضها والعرجاء بيّن ظلعها، والكسير التي لا تنقي» . قال: فإني أكره أن يكون في السّنّ نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرّمه على أحد [ (9) ] .

_ [ (3) ] ابن عدي في الكامل 7/ 2543. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 417 والحاكم 4/ 227 والبيهقي 9/ 273 وانظر المجمع 4/ 18 والتلخيص 4/ 142 والبخاري في التاريخ 4/ 198. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 23 وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وحديث حسن. [ (6) ] البيهقي 9/ 272 وابن عدي 4/ 1482. [ (7) ] انظر المجمع 4/ 25. [ (8) ] أخرجه أبو داود (2794) وابن ماجة (3120، 3121) والبيهقي وانظر مجمع الزوائد 4/ 23، 360. [ (9) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 482 (1) وأحمد 4/ 289 والدارمي 2/ 76 وأبو داود 3/ 235 (2802) والترمذي 4/ 85 (1497) والنسائي 7/ 214 وابن ماجة 2/ 1050 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 258 (1046) .

الرابع: في أي مكان كان صلى الله عليه وسلم يذبح أضحيته وبيانه لوقتها:

الرابع: في أي مكان كان صلى الله عليه وسلم يذبح أضحيته وبيانه لوقتها: روى البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذبح أضحيته ويبيّن وقتها ولفظ البخاري: كان يذبح وينحر بالمصلى [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحية بالمصلّى، فلما قضى خطبته نزل عن منبره فأتى بكبش، فذبحه بيده، وقال «بسم الله، والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي» [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن سعد القرظي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته عند الزقاق طريق بني زريق بيده بشفرة [ (3) ] . الخامس: في أكله صلّى الله عليه وسلم من الأضحية بعد ثلاث وترخيصه في ذلك: روى الشيخان والنسائي عن عياش بن ربيعة قال: قلت لعائشة- رضي الله عنها- أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني والفقير، وإن كنا لنرفع الكراع فنأكل بعد خمسة عشرة ليلة، قلت: وما اضطركم إليه؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد من خبز ما دون ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل [ (4) ] . السادس: في وصيته صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- أنه يضحي عنه بعد موته: روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن حسن- رحمه الله تعالى- قال: رأيت عليا- رضي الله تعالى عنه- ضحّى بكبشين، وقال: أحدهما عني والآخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: ما هذا؟ فقال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه [ (5) ] . وروى ابن أبي شيبة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه بكبشين فأنا أفعله.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 471 (982) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (2، 5) والدارقطني 544 وأحمد 3/ 362. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1054 (3156) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أحمد 1/ 150.

السابع: في تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته:

السابع: في تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته: روى ابن ماجة وعبد الرزّاق عن عائشة أو أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحّي اشترى كبشين سمينين عظيمين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد له بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد [ (1) ] . وروى أبو يعلى وابن أبي شيبة والطبراني عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، فقال عند ذبح الأول: عن محمد وآل محمد، وقال عند ذبح الثاني: عن من آمن بي وصدقني من أمتي [ (2) ] . وروى أبو يعلى والإمام أحمد والحاكم بسند حسن عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين موجوءين خصيين، فإذا صلّى وخطب أتى بأحدهما وهو في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدينة، قال اللهم هذا عن أمتي لمن شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالثاني وهو في المصلى، فيذبحه بنفسه ثم يقول: اللهم هذا عن محمد وآل بيته فيطعمها جميعا للمساكين ويأكل هو وأهله منهما [ (3) ] . وروى أبو يعلى بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين أملحين أقرنين عظيمين موجوءين فأضجع أحدهما، فقال: بسم الله، والله أكبر (اللهم هذا عن محمد وآل محمد ثم اضجع الآخر فقال: بسم الله والله أكبر عن محمد وأمته من شهد له بالتوحيد ولي بالبلاغ [ (4) ] ) [ (5) ] . وروى الطبراني عن حذيفة بن أسيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرب كبشين أملحين فيذبح أحدهما فيقول: اللهم إن هذا عن أمتي لمن شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ. ثم اضجع الآخر فقال: بسم الله، اللهم منك وإليك، هذا عن محمد وآل بيته، وقرب الآخر وقال: بسم الله، اللهم منك وبك، هذا عمن وحّدك من أمتي [ (6) ] . وروى أبو يعلى والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3122) وأحمد 6/ 225 وانظر فتح الباري 10/ 10. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 22. [ (3) ] أخرجه البيهقي 9/ 256 وانظر المجمع 4/ 23. [ (4) ] انظر المجمع 4/ 25. [ (5) ] سقط في أ. [ (6) ] بنحوه أخرجه أحمد 3/ 356، 392 وانظر المجمع 4/ 26.

الثامن في تفريقه صلى الله عليه وسلم الضحايا على أصحابه وشرائه هديه في الطريق واستقامته على ضحيته:

بكبشين أقرنين أملحين فقرّب أحدهما فقال: بسم الله اللهم منك وإليك هذا عن من وحّدك من أمتي [ (1) ] . الثامن في تفريقه صلى الله عليه وسلم الضحايا على أصحابه وشرائه هديه في الطريق واستقامته على ضحيته: وروى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ضحايا، وفي لفظ: أنه أعطاه غنما يقسّمها على صحابته فبقي عتود، وفي لفظ جذع، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحّ به أنت [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا فأعطاني عتودا جذعا من المعز فجئته به، فقلت: يا رسول الله، جذع، فقال ضحّ به أنت فضحيت به [ (3) ] . وروى الترمذي عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حزيمة من الغنم فقسّمها فينا. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم غنما يوم النحر في أصحابه، وقال: اذبحوا لعمرتكم، فإنها تجزئ عنكم فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا [ (4) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى سعد بن أبي وقاص بغنم فقسّمها بين أصحابه، وكانوا يتمتعون فنقى منها تيسا فضحّى به سعد في تمتعه [ (5) ] . وروى الطبراني عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى سعد بن أبي وقاص جذعا من المعز وأمره أن يضحي به [ (6) ] . روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنحر هو ورجل من الأنصار فقسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا فلم يصبه ولا صحابه شيء، وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه وأعطاه فقسّم منه على رجاله وقلم أظفاره،

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 5/ 427 (363/ 3118) . [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 9 (5555) (5547) ومسلم 3/ 1556 (15، 16/ 1965) . [ (3) ] انظر التخريج السابق وأبو داود (2/ 105) (2798) . [ (4) ] انظر المجمع (3/ 226) ورجاله رجال الصحيح. [ (5) ] المجمع (4/ 22) ورجاله رجال الصحيح. [ (6) ] المجمع (4/ 23) .

تنبيهات

فأعطى صاحبه من شعره وإنه عندنا لمخضوب بالحناء والكتم [ (1) ] . وروى ابن ماجه والترمذي وصحّح وقفه على ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى هديه من قديد. وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن أبي الخير عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجع أضحية ليذبحها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل أعنّي على أضحيتي، فأعانه [ (2) ] . تنبيهات الأول: اختلف في اختيار الصفة في الأحاديث السابقة قيل لحسن منظره وقيل لشحمه وكثرة لحمه. الثاني: المراد بقوله في حديث البراء فقد فعل سنتنا، السنة: الطريقة لا السنة التي تقابل الوجوب، والطريقة أعمّ من أن تكون للندب أو الوجوب، فإذا لم يقم دليل على الوجوب بقي الندب. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الأملح، بالمهملة: الذي فيه سواد وبياض، والبياض أكثر، ويقال هو الأغبر، وهو قول الأصمعي، وزاد الخطّابي: هو الأبيض الذي في قلال صوفه طاقان سود، ويقال: الأبيض الخالص. الكبش الموجوء- بضم الجيم والهمز: منزوع الأنثيين والوجا: الخصا. الجذع- بجيم فذال معجمة مفتوحتين فعين مهملة- من الإبل: ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز: ما دخل في السنة الثانية، وقيل: البقر في الثالثة والضأن بما أوفى سنة، وقيل أقلّ منها، ومنهم من يخالف بعض هذا في التقدير. العتود- بعين مهملة مفتوحة فمثناة فوقية فواو فدال مهملة: هو الصغير من ولد الماعز. التيس: [الذكر من المعز] .

_ [ (1) ] المجمع (4/ 22) . [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 373 وانظر المجمع 4/ 25 وقد تقدم.

الباب السابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في العقيقة

الباب السابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في العقيقة وفيه أنواع: الأول: كراهيته صلّى الله عليه وسلم اسم العقيقة إن صح الخبر: روى الإمامان مالك وأحمد عن زيد بن أسلم- رحمه الله تعالى- عن رجل من بني ضمرة عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: لا أحب العقوق وكأنّه كره الاسم، وقال: من ولد له مولود وأحب أن ينسك عنه فليفعل [ (1) ] . الثاني: في عقه صلى الله عليه وسلم نفسه: روى أبو يعلى والترمذي والبزّار والطبراني [ (2) ] برجال الصحيح خلا الهيثم بن جميل، وهو ثقة، وشيخ الطبراني أحمد بن مسعود الخياط المقدسي فيحرر رجاله عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد ما بعث نبيّا [ (3) ] . الثالث: في عقه صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين ومحسن- رضي الله تعالى عنهم-: روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن أنس عن عليّ وعن بريدة، وأبو يعلى والطبراني عن جابر، وأبو يعلى برجال الصحيح خلا شيخه إسحاق وابن أبي شيبة وأبو يعلى والإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر والطبراني بسند جيد من طريق آخر عنه وأبو داود وابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو يعلى والنسائي في الكبرى عن بريدة بن الحصيب وأبو يعلى والبزار بسند صحيح عن أنس بن مالك والنسائي عن أبي عباس والحاكم عن ابن عمر وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عائشة وابن أبي شيبة وأحمد عن ابن رافع- رضي الله عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين، قالت عائشة وابن عباس: بكبشين مثليين متكافئين، زادت عائشة، كما عند ابن أبي شيبة: يوم السابع وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى، وقال: اذبحوا على اسمه، وقولوا: بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك هذه عقيقة فلان، وكانوا في الجاهلية تؤخذ قطنة، فتجعل في دم العقيقة ثم توضع على رأسه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكان الدم خلوقا، قال أبو رافع: لمّا ولدت فاطمة حسنا قالت: لا أعقّ عن ابني بدم، قال: لا، لكن احلقي رأسه، ثم تصدّقي بوزنه من وزن في سبيل الله.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 52194/ 430369 والطحاوي في المشكل 1/ 461 وابن أبي شيبة 8/ 50 وابن عبد البر في التمهيد 4/ 304، 317 والحاكم 4/ 238 والبيهقي 9/ 312. [ (2) ] سقط في ج. [ (3) ] انظر المجمع (4/ 59) .

زاد الطبراني عن جابر وختنهما لسبعة أيام [ (1) ] . وروى الطبراني عن طريق عطية العوفي عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: أما حسن وحسين ومحسن فإنما أسماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقّ عنهم وحلق رؤوسهم، وتصدق عنهم بوزنها وأمر بهم فسروا وختنوا [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العقيقة: نسك (يماط) . الختن- بخاء معجمة مفتوحة فمثناة فوقية ساكنة فنون قطع الجلدة الساترة للحشفة وهي على رأس الذّكر.

_ [ (1) ] المجمع (4/ 60) وابن عبد البر في التمهيد 4/ 314 وابن أبي شيبة 8/ 46، 47، 14/ 222 والنسائي 7/ 166 وأبو داود (2841) والبيهقي 9/ 299 وانظر المجمع 4/ 57، 58، 59. [ (2) ] المجمع (4/ 62) .

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الأيمان والنذور

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الإيمان والنذور الباب الأول في ألفاظ حلف بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غيره بها وتحذيره- صلى الله عليه وسلم- الحالف من اليمين الفاجرة، وألفاظ حلف هو بها وما نهى عن الحلف به وفيه أنواع: الأول: في ألفاظ حلّف بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم غيره بها: روى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل، احلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عندك شيء يعني للمدعي [ (1) ] . وروي عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رجلا من علماء اليهود، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى- صلى الله عليه وسلم- الحديث [ (2) ] . الثاني: في تحذيره صلى الله عليه وسلم من اليمين الفاجرة: روى الإمام أحمد وأبو داود عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين كاذبة مصبورة متعمدا فليتبوأ مقعده من النار [ (3) ] . الثالث: فيما كان صلى الله عليه وسلم يحلف به: روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف، لا، ومقلّب القلوب، ولفظ ابن ماجة والنسائي لا ومفرق القلوب [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 10/ 180 والطّحاوي في المشكل 1/ 184 وأبو داود 3621 وعبد الرزاق 15924 (3، 1327/ 1700) . [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الحدود باب (6) وأحمد 5/ 411 وابن ماجة (2558) والبيهقي 8/ 246 وانظر المجمع 8/ 234. [ (3) ] أخرجه أبو داود في كتاب النذور باب (1) وابن أبي شيبة 7/ 5 وأبو نعيم في الحلية 6/ 277 والطبراني في الصغير 1/ 56 والحاكم 4/ 294. [ (4) ] أخرجه البخاري 13/ 513 (7391) .

الرابع: فيما نهى عن الحلف به:

الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتهد في اليمين، قال: لا، والذي نفس أبي القاسم بيده [ (1) ] . وروى أبو داود وابن ماجة عن رفاعة الجهني قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال: والذي نفس محمد بيده [ (2) ] . وروى أبو داود وابن ماجة قال: كان يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، واستغفر الله. ورواه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-[ (3) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» [ (4) ] . وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل وايم الله، إن كان لخليفا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا لمن أحب الناس إليّ من بعده [ (5) ] . الرابع: فيما نهى عن الحلف به: روى الإمام أحمد والشيخان والثلاثة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني أنهاكم أن تحلفوا بآبائكم» [ (6) ] . ورواه ابن ماجة، ولفظه: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه، فقال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله، فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن عبد الرحمن بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم- لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 48 وأبو داود 3/ 577 (3264) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 577 (3264) . [ (3) ] أحمد 2/ 288 وأبو داود 3/ 577 (3265) وابن ماجة 1/ 677 (2093) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه البخاري 7/ 86 (3730) ومسلم 4/ 1884 (63/ 2426) . [ (6) ] أخرجه البخاري 11/ 530 (6646) ومسلم 3/ 1266 (3/ 1646) وعبد الرزاق (15925) وأحمد 1/ 17، 19، 20. [ (7) ] أخرجه ابن ماجة 2101. [ (8) ] أخرجه مسلم 3/ 1268 (6/ 1648) وأخرجه ابن ماجة (2095) والنسائي في الإيمان والنذور باب (10) .

تنبيهات

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بالأمانة فليس منا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والستة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على ملة سوى الإسلام كاذبا وفي لفظ: متعمدا فهو كما قال» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يرجع إلى الإسلام سالما» [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: أنا إذا يهوديّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت [ (4) ] . تنبيهات الأول: قال في (زاد المعاد) : حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثمانين موضعا، وأمره الله تعالى بالحلف في ثلاثة مواضع، فقال تعالى وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس/ 53] وقال تبارك وتعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ، وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن/ 7] ، وقال عز وجل: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ... ، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [التغابن/ 7] ، وكان صلى الله عليه وسلم يستثني في يمينه تارة، ويكفّرها تارة ويمضي فيها تارة. الثاني: روى أبو داود في قصة الأعرابي، قال صلى الله عليه وسلم أفلح وأبيه [ (5) ] ، إن صدق قال العلماء قال السهيلي- رحمه الله-: ربّ كلمة ترك أصلها، واستعملت كالمثل في ما وضعت له، كما إذا جاءوا بلفظ القسم إذا أرادوا تعجبا واستعظاما لأمر، ومحال أن يقصد صلى الله عليه وسلم القسم بغير الله

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 352 وأبو داود 3/ 571 (3253) والبيهقي 10/ 30 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1318) . [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 464 (6047) ومسلم 1/ 104 (176/ 110) . [ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 355 وأبو داود 3/ 574 (3258) والنسائي 7/ 6 وابن ماجة 1/ 679 (2100) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (2099) وأحمد 1/ 22، 54، 466، 2/ 261، 3/ 197 وابن أبي شيبة 3/ 367 والطبراني في الكبير 7/ 25 وأبو نعيم في الحلبة 2/ 197. [ (5) ] أخرجه أبو داود (392، 3252) وهو عند البخاري ومسلم والنسائي 1/ 228، 8/ 119 وابن خزيمة (306) وانظر تلخيص الجبير 4/ 168.

تعالى، ولا سيما برجل مات على الكفر وإنما هو تعجّب من قول الأعرابي، والمتعجّب منه مستعظم، ولفظ القسم في أصل وضعه لما يعظم فاتسع في اللفظة حتى قيل على هذا الوجه، وقال الشاعر: فإن تلك ليلى استودعتني أمانة ... فلا وأبي أعدائها لا أخونها لم يرد أن يقسم بأبي أعدائها، ولكنه ضرب من التعجب قال: وقد ذهب إليه أكثر شراح الحديث. الثالث: في بيان غريب ما سبق: أنشدك بالله، - بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فمعجمة مفتوحة ودال: أسألك. فليتبوّأ- بتحتية ففوقية فموحدة فواو مفتوحات فهمزة ساكنة- يلتزم. ايم الله خليقا- بخاء معجمة مفتوحة فلام فتحتية فقاف- جدير وحقيق. الطّواغي- بطاء مهملة فواو مفتوحتين فألف فغين معجمة-: جمع طاغية، وهو ما كانوا يعبدونه من الأصنام ونحوها. الملّة- بميم مكسورة فلام مفتوحة فتاء تأنيث-: الدين كملة الإسلام واليهودية والنصرانية، وقيل: هو معظم الدين وجملة ما يجيء به الرّسل.

الباب الثاني في استثنائه - صلى الله عليه وسلم - في يمينه ونقضه يمينه ورجوعه عنها وكفارته

الباب الثاني في استثنائه- صلى الله عليه وسلم- في يمينه ونقضه يمينه ورجوعه عنها وكفارته وفيه نوعان: الأول: في استثنائه صلى الله عليه وسلم في يمينه: روى أبو داود والطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما «والله، لأغزونّ قريشا» ، ثم قال: «إن شاء الله» ، ثم قال: «والله لأغزون قريشا» ، ثم قال: «إن شاء الله» [ (1) ] . وروى عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين [ (2) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف: 24] الاستثناء فاستثنى إذا ذكرت، قال: هي خاصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحدنا أن يستثني إلا في صلة يمينه. الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حلف على يمين فرأى خيرا منها كفر عن يمينه وأتى التي هي خير: وروى البزار والإمام أحمد ورجاله ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أبا موسى استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافق منه شغلا، فقال: والله، لا أحملك، فلما قفا، دعاه فحمله، فقال: يا رسول الله، إنك حلفت ألا تحملني، قال: فأنا أحلف لأحملنّك [ (3) ] . وروى الطبراني عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستحمله في نفر من قومي، قال: والله، لا أحملك والله ما عندي ما أحملك عليه، مرتين، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحمال غرّ الذرى، فأرسل إلينا فحملنا، فلما مضينا قلت لأصحابي: ما أراه مبارك لنا فيها، قد حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحملنا، ثم حملنا، فرجعنا

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود الأيمان والنذور (2/ 250) رقم (3286) . [ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 60 (6718) ومسلم (3/ 1269، 7/ 1649) «في ما أنا حملتكم بل الله حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلّا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» . [ (3) ] أحمد 3/ 108، 435.

إليه، فأخبرناه يمينه، فقال: لم أنس يميني، ولكني إذا حلفت فرأيت غيرها خيرا منها فعلت الذي هو خير وكفّرت عن يميني [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الرّهط- براء مفتوحة فهاء ساكنة فطاء مهملة-: من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى الأربعين، ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه. قفا: - بقاف ففاء مشددة- ذهب. غرّ- بغين معجمة مضمومة فراء- أبيض سمان. الذّرى- بذال معجمة فراء: جمع ذروة، وهي أعلى السّنام أي بيض الأسنمة سمانها.

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 18/ 158 والمجمع 8/ 184.

الباب الثالث في آداب جامعة تتعلق بالأيمان

الباب الثالث في آداب جامعة تتعلق بالإيمان وفيه أنواع: الأول: في حكمه صلى الله عليه وسلم في النية في اليمين وأنها على نية الحلف: روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يمينك على ما يصدقك عليك صاحبك [ (1) ] ، ولمسلم وابن ماجة: اليمين على نية المستحلف، زاد ابن ماجة إنما اليمين [ (2) ] . الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم: وروى الإمام أحمد برجال الصحيح والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهدت إليّ امرأة ثمرا في طبق فأكلت بعضه، فقالت: أقسمت عليك إلّا أكلت بقيّته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «برّيها، فإن الإثم على المحنث» [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم [ (4) ] . وروى الطبراني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم [ (5) ] . الثالث: في حكمه صلى الله عليه وسلم أن المكره لا حنث عليه: روى البيهقي عن واثلة بن الأسقع وابن أمامة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المقهور يمين [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1274 (20/ 1653) . [ (2) ] انظر المصدر السابق (21/ 1653) . [ (3) ] أخرجه الدارقطني 4/ 143. [ (4) ] أخرجه الطحاوي في المعاني (4/ 271) . [ (5) ] انظر المجمع (4/ 186) . [ (6) ] الدارقطني 1/ 377 وانظر التلخيص 4/ 171.

الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في النذور

الباب الرابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في النذور وفيه أنواع: الأول: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن النذور: روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذور، وقال: إنه لا يقدم شيئا ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل وفي لفظ من اللئيم [ (1) ] . وروى مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج من البخيل» [ (2) ] . الثاني: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في نذر الطاعات والمباحات: روى الحارث بسند ضعيف عن فاطمة بنت قيس- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا، فقال: «إن أتاني منه خبر صالح، لأحمد الله حق حمده» ، فأتاه منهم خبر صالح، فقال: «اللهم لك الحمد شكرا، ولك المن فضلا» ، فقال له عمر: إنك قلت لإن أتاني منهم خبر صالح لأحمدن الله حق حمده، قال: قد قلت: «اللهم لك الحمد شكرا، ولك المنّ فضلا، ورواه الطبراني عن كعب بن عجرة بذلك» [ (3) ] . وروى الطبراني عن أنس النواس بن سمعان- رضي الله تعالى عنه- قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن ردّها الله عليّ لأشكرن ربي عز وجل» ، فوقعت في حي من أحياء العرب فيه امرأة مسلمة، فكانت الإبل إذا سرحت سرحت متوحدة فإذا بركت الإبل بركت متوحدة، واضعة بجرانها، فركبتها وقدمت بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها قال: الحمد لله، فانتظرنا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة فظنوا أنه قد نسي، قالوا: يا رسول الله، إنك قلت: لئن ردها الله عليّ لأشكرن الله تعالى، فقال: أو لم أقل: الحمد لله [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 508 (6608، 6692، 6693) ومسلم 3/ 1261 (2، 3، 4/ 1639) وأبو داود 3/ 231 (3287) والنسائي 7/ 16 وابن ماجة 1/ 686 (2122) . [ (2) ] أخرجه مسلم (3/ 1261) (5) والترمذي (1538) والنسائي 7/ 16 وأبو نعيم في الحلبة 9/ 24 وابن أبي عاصم 1/ 137 المطالب (1746) . [ (3) ] الطبراني في الكبير 19/ 145 وابن أبي الدنيا في الشّكر (51) وانظر المجمع 4/ 185 والدر المنثور 1/ 12. [ (4) ] انظر المجمع 4/ 187 والسيوطي في الدر المنثور 1/ 11.

الثالث في سيرته صلى الله عليه وسلم في نذر المعاصي:

وروى أبو داود عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدّفّ، قال أوفي بنذرك [ (1) ] . وروى أبو داود والإمام أحمد واللفظ له عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس قريب من المقام، فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله على النبي وعلى المسلمين مكة لأصلينّ في بيت المقدس، وإني قد وجدت رجلا من أهل الشام ههنا في نفر يمشي مقبلا معي ومدبرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ههنا فصلّ» ، فقال الرجل قوله ذلك ثلاث مرات، كلّ ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ههنا فصلّ» ، ثم قالها الرابعة مقالته هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اذهب فصلّ فيه فو الّذي بعث محمدا بالحق، لو صلّيت ههنا لقضى عنك كل صلاة صليتها بيت المقدس» [ (2) ] . الثالث في سيرته صلّى الله عليه وسلم في نذر المعاصي: روى البخاري وأبو داود والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ويصوم ولا يفطر النهار، ولا يستظل ولا يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليستظلّ وليقعد وليتكلّم، وليتمّ صومه [ (3) ] . وروى الأئمة إلا مالكا والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ويصوم ولا يفطر النهار، ولا يستظل ولا يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليستظلّ وليقعد وليتكلّم، وليتمّ صومه [ (4) ] . وروى الأئمة إلا مالكا والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف يوما، وفي رواية: ليلة في المسجد الحرام، فقال: أوف بنذرك [ (5) ] . وروى الجماعة عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى البيت الحرام حافية غير مختمرة، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال:

_ [ (1) ] أبو داود 3/ 606 (3312) والبيهقي 10/ 77. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 363 والدّارمي 3/ 184 وأبو داود 3/ 602 (3305) . [ (3) ] أخرجه البخاري 11/ 586 (6704) . [ (4) ] أخرجه البخاري (11/ 594) (6704) . [ (5) ] أخرجه البخاري 59011 (6697) ومسلم 3/ 1277 (27/ 1656) وأبو داود 3/ 42 (3325) والترمذي 4/ 99 (1539) وقال حسن صحيح.

لتمش ولتركب ولتخمر ولتصم ثلاثة أيام، إن الله لغنيّ عن تعذيب أختك نفسها فلتركب ولتهد بدنة. ورواه أبو داود عن ابن عباس أن عقبه بن عامر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخته نذرت أن تحج إلى البيت ماشية فشكا إليه ضعفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لغني عن نذر أختك فلتركب ولتهد بدنة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والخمسة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادي بين ابنيه، فقال: ما بال هذا؟ قالوا نذر أن يمشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله- عز وجل- غني عن تعذيب هذا نفسه فليركب» [ (2) ] . وروى أبو داود عن ثابت بن الضحاك وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا نذر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، قالوا لا، قال: هل كان فيها عيدا من أعيادهم، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك» ، فإنه لا وفاء في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني نذرت ناقتي وكيت وكيت، فقال: أما ناقتك فانحرها، وأما كيت وكيت فمن الشيطان» . وروى الإمام أحمد والأربعة عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعرابي قائما في الشمس، وهو يخطب، قال: ما شأنك؟ قال: نذرت يا رسول الله، أن لا أزال في الشمس حتى تفرغ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس هذا بنذر، إنما النذر ما ابتغي به وجه الله» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أما حديث ابن عباس أخرجه أحمد في المسند 1/ 253 والدارمي 2/ 183 وأبو داود 3/ 598 (3297) وحديث عقبه بن عامر عند أحمد 4/ 149 والدارمي 2/ 183 وأبو داود (3293) والترمذي 4/ 116 (1544) والنسائي 7/ 20 وابن ماجة 1/ 689 (2134) . [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 78 (1865) ومسلم 3/ 1263 (9/ 1642) . [ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 607 (3313) والطبراني في الكبير 2/ 68 (1341) . [ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 247 وأبو داود 3 (595 (3292) والترمذي 4/ 103 (1525) والنسائي 7/ 26. [ (5) ] أخرجه أحمد 2/ 211 وأخرجه الخطيب في التاريخ 6/ 48.

وروى الإمامان الشافعي وأحمد والستة إلا مسلما عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نذر أن يطيع الله فليوف به وفي لفظ: فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله، فلا يف به» [ (1) ] . وروى النسائي عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نذر في غضب وكفّارته كفارة يمين» [ (2) ] . وروى الدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر إلا فيما أطيع الله عز وجل فيه ولا يمين في غضب ولا عتاق فيما لا يملك» [ (3) ] . وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جعل لله عليه نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن عقبه بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفّارة اليمين [ (5) ] ، والله أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 476 (8) والبخاري 11/ 581 (6696) والدارمي 2/ 184 وأحمد 6/ 36 وأبو داود (3289) والترمذي (1526) والنسائي 7/ 17 وابن ماجة (1216) والشافعي كما في البدائع (1217) والطحاوي في المعاني 3/ 133 والمشكل 1/ 470، 3/ 37، 43. [ (2) ] أخرجه النّسائي 7/ 28 وعبد الرزاق (15815) وأحمد 4/ 433 والحاكم 4/ 305 والبيهقي 10/ 70 والطحاوي في المعاني 3/ 129. [ (3) ] أخرجه الدارقطني 4/ 19، 159 والطبراني في الكبير 11/ 27 وانظر المجمع 4/ 186 ونصب الراية 3/ 278. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 4/ 160. [ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1262 (8/ 1641) .

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الجهاد الباب الأول في آداب متفرقة تتعلق به وفيه أنواع: الأول: في عرضه صلّى الله عليه وسلم المقاتلة ورده من لم يصلح للقتال: روى الطبراني برجال ثقات وهو مرسل عن عبد الحميد بن جعفر- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمن بلغ منهم بعثه، فعرضهم ذات عام فمر به غلام فبعثه في البعث وعرض عليه سمرة من بعده فرده، فقال سمرة يا رسول الله، أجزت غلاما وردّدتني، ولو صارعني لصرعته، فقال: فدونك فصارعه، فصارعته فأجازني في البعث [ (1) ] . وروى الطبراني عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: جئت أنا وعمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد بدرا، فقلت: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج معك، فجعل يقبض يده، ويقول: إني أستصغرك ولا أدري ماذا تصنع إذا لاقيت القوم؟ فقلت أتعلم أني أرمى من رمى، فردّني، فلم أشهد بدرا [ (2) ] . وروى الأئمة إلا مالكا، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني [ (3) ] . الثاني: في رده صلى الله عليه وسلم من لم يستأذن أبويه: وروى أبو داود عن أبي سعيد بن مالك الخدري- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: هل لك أحد ممّن باليمن فقال: أبواي؟ فقال: أذنا لك؟ قال: لا، قال: ارجع إليهما، فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرّهما [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي عن معاوية بن جاهمة السّلمي أن جاهمة جاء إلى رسول

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 319. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 283، 332 وانظر المجمع 5/ 319. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 276 (2664) ومسلم 3/ 1490 (91/ 1868) . [ (4) ] أخرجه أبو داود (2530) وسعيد بن منصور (2334) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1622) والبيهقي 9/ 26.

الثالث: في أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الغزو إلى موضع ورى بغيره [4] :

الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال، هل لك من أم؟ قال: نعم، فقال: الزمها، فإن الجنة تحت رجليها [ (1) ] . وروى البخاري والنّسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم، فقال: ففيهما فجاهد [ (2) ] . وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهما- قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريد أن أبايعك على الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد [ (3) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الغزو على باب البيت فلا تذهب إلا بإذن أبويك» . الثالث: في أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الغزو إلى موضع ورّى بغيره [ (4) ] : وروى الشيخان عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلّما يريد غزوة يغزوها إلّا ورّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا أو مغازا واستقبل غزو عدو كثير فجلى المسلمين أمر هذه، ليتهابوا أهبة غزوهم وأخبرهم بوجه الذي يريده [ (5) ] . ورواه ابن ماجة عنه بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا ناحية ورّى بغيرها [ (6) ] . الرابع: في آدابه صلّى الله عليه وسلم إذا لم يغز بنفسه: روى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قالا: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجّههم، ثم قال: انطلقوا على اسم الله، ثم قال اللهم أعنهم [ (7) ] يعني النّفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن سهل بن معاذ عن أبيه- رضي الله تعالى عنهما- أن

_ [ (1) ] أخرجه النّسائي 6/ 11 وأحمد 3/ 429 وعبد الرزاق (9290) والطحاوي في المشكل 3/ 30 وابن سعد 4/ 2/ 17 والبيهقي 9/ 26. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 140 (3004) ومسلم 4/ 1975 (5/ 2549) . [ (3) ] المجمع 5/ 322. [ (4) ] المجمع 5/ 325. [ (5) ] تقدم. [ (6) ] تقدم. [ (7) ] أخرجه أحمد 1/ 266 والطبراني في الكبير 11/ 221 والبيهقي في الدلائل 3/ 200.

الخامس: في اتخاذه صلى الله عليه وسلم الرايات والألوية:

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن أشيّع غازيا، فأكفه على رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال ثقات والطبراني عن جبلة بن حارثة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز أعطى سلاحه عليّا وأسامة [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه، قال: «اخرجوا بسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا لا تمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا الولدان» ، وفي لفظ: «وليدا ولا شيخا ولا أصحاب الصوامع» [ (3) ] . وروى البزار برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية أمرّه عليها، فأصبح قد اعتمّ بعمامة كرابيس سوداء، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقضها فعمّه، فأرسل من خلفه أربع أصابع، فقال: هكذا يا ابن عوف فاعتمّ، فإنه أعرب وأحسن، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يدفع إليه اللواء، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منتشر فيكم [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر من قلّة [ (5) ] . الخامس: في اتخاذه صلى الله عليه وسلم الرايات والألوية: وروى الطبراني برجال ثقات غير حيّان بن عبيد الله فيحرر رجاله عن ابن عباس وبريدة- رضي الله تعالى عنهم- أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء، ولواءه كان أبيض [ (6) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح خلا حيان السابق عن ابن عباس- رضي الله تعالى

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (2824) وأحمد 3/ 440 والحاكم 2/ 95 والبيهقي 9/ 173. [ (2) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 2/ 399 وأبو نعيم في التاريخ 2/ 222 وانظر المجمع 5/ 283. [ (3) ] انظر 5/ 316. [ (4) ] انظر المجمع 5/ 120 وانظر البداية والنهاية 5/ 220. [ (5) ] أخرجه أبو داود (2611) وأحمد 1/ 294 والترمذي (1555) وعبد الرزاق (9699) وابن خزيمة (2538) والحاكم 1/ 443، 2/ 101. [ (6) ] البغوي في شرح السنة 10/ 404 وابن أبي شيبة 12/ 512 وانظر المجمع 5/ 321 وابن ماجة (2818) والبيهقي 6/ 362.

عنهما- قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض مكتوبا عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير شريك النخعي، وثقه النسائي وغيره وفيه ضعف عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ورواه عن جابر وقال: كانت بيضاء [ (2) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير محمد بن الليث الهداري، فيحرر رجاله، عن مزيدة العبدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد رايات الأنصار فجعلهن صفراء [ (3) ] . وروى الطبراني عن كريز بن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد راية بني سليم حمراء [ (4) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح غير عثمان بن الشامي وهو ثقة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء كانت تكون مع علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استحرّ القتال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكون تحت راية الأنصار [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حبش غريب عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء مرّبعة من نمرة» [ (6) ] . وروى الترمذي والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض [ (7) ] . وروى الأربعة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولواؤه أبيض [ (8) ] . وروى أبو داود عن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء [ (9) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] انظر المجمع 5/ 321. [ (4) ] انظر المجمع 5/ 321. [ (5) ] المجمع 5/ 124. [ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 297 وأبو داود 3/ 71 (2591) والترمذي 4/ 196 (1680) . [ (7) ] أخرجه الترمذي 4/ 196 (1681) وابن ماجة 2/ 941 (2818) . [ (8) ] أبو داود (2592) والترمذي (1679) والنسائي 5/ 200 وابن ماجة 2/ 941 (2817) . [ (9) ] أبو داود (2/ 36) حديث (2593) .

السادس: في مشاورته صلى الله عليه وسلم في الحرب:

وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي الحارث بن حسان البكري قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف وإذا راية سوداء فسألت: ما هذه الرايات؟ فقالوا: عمرو بن العاص قدم من الغزاة، وفي لفظ: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها» . فائدة: روى الطبراني برجال ثقات عن محارب بن دثار قال: كتب معاوية إلى زياد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العدو لا يظهر على قوم ولواؤهم، أو قال ورايتهم مع رجل من بني بكر بن وائل» [ (1) ] . السادس: في مشاورته صلى الله عليه وسلم في الحرب: وروى الطبراني برجال وثقوا عن عبد الله بن عبيد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور في الحرب فعليك به [ (2) ] . وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والله لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرا [ (3) ] .. الحديث. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. السابع: في مبايعته صلى الله عليه وسلم عن الحرب: روى الشيخان عن يزيد بن عبيد- رحمه الله تعالى- عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ثم عدلت إلى ظلّ شجرة، فلما خف الناس قال: يا ابن الأكوع، ألا تبايع قال: قلت يا رسول الله، قد بايعت، قال: وأيضا قد بايعته الثانية، فقلت: يا أبا مسلم، على أي شيء كنتم تبايعون؟ قال على الموت [ (4) ] . وروى الشيخان عن مجاشع بن مسعود الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 322 ورجاله ثقات. [ (2) ] المجمع 5/ 319. [ (3) ] مسلم (3/ 1403) (1779) وابن أبي شيبة 14/ 377، 378. [ (4) ] تقدم.

الثامن: في بعثه صلى الله عليه وسلم العيون:

رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه على الهجرة فقال: إن الهجرة قد مضت لأهلها، ولكن على الإسلام والجهاد والخير [ (1) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال كانت الأنصار يوم الخندق تقول: [ (2) ] نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا ... الحديث وروى البخاري عن جويرية عن نافع: قال ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- رجعنا إلى العام المقبل ما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله فسألت نافعا، على أي شيء بايعهم؟ قال: بايعهم على الموت، قال: لا بل بايعهم على الصبر [ (3) ] . وروى مسلم عن جابر عن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت [ (4) ] . وروى مسلم عن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد رأيتني تحت الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها على رأسه، وتحتها أربع عشرة ومائة. قال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر [ (5) ] . الثامن: في بعثة صلّى الله عليه وسلم العيون: وروى الإمام أحمد والطبراني عن عمرو بن أمية الضمري- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأتيني بخبر القوم؟ يعني بني قريظة يوم الأحزاب قال الزبير: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لكل نبيّ حواري وحواريّ الزبير» [ (6) ] . وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان ... الحديث [ (7) ] [ (8) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 46 في الجهاد (2835) ومسلم 3/ 1432 (130/ 1805) ويجيبهم صلوات الله وسلامه عليه بقوله: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجره [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] تقدم. [ (6) ] مجمع (5/ 324) . [ (7) ] أخرجه البخاري 6/ 52 (2846) ومسلم 4/ 1879 (48/ 2415) . [ (8) ] مسلم (3/ 1510) (1901) .

التاسع: في استصحابه صلى الله عليه وسلم بعض النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة ومنعه من ذلك بعض الأوقات:

التاسع: في استصحابه صلى الله عليه وسلم بعض النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة ومنعه من ذلك بعض الأوقات: وروى الطبراني عن ليلى الغفارية- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أداوي الجرحى [ (1) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن أم سليم- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو معه النسوة من الأنصار لسقي المرضى وتداوي الجرحى [ (2) ] . وروى الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح عن أم كبشة امرأة من عذرة- عذرة بني قضاعة- رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا، قال: لا، قالت: يا رسول الله، إنه ليس أريد أن أقاتل، إنما أريد أن أداوي الجرحى، وأشقي المرضى، قال: لولا أن يكون سنة، ويقال: إن فلانة خرجت لأذنت لك ولكن اجلسي [ (3) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم والثلاثة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوا بالنّساء فيداوين الجرحى، ويسقين الماء ويحزين من الغنيمة [ (4) ] . وروى أبو داود والترمذي وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري عن الرّبيّع- بضم الراء وتشديد الياء- بنت معوّذ قالت: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة [ (6) ] . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كنّ يدلجن بالقرب يسقين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (7) ] يعني في الجهاد.

_ [ (1) ] المجمع (5/ 327. [ (2) ] المجمع (5/ 327) ورجاله رجال الصحيح. [ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 407 وانظر المجمع 5/ 323. [ (4) ] مسلم في الجهاد باب 48 (137) والشافعي كما في البدائع 1128 والترمذي (1556) وأحمد 1/ 308. [ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1443 (135/ 1810) وأخرجه أبو داود (2531) والترمذي (1575) وأبو نعيم في الحلبة 10/ 211 والبيهقي 9/ 30. [ (6) ] البخاري (6/ 94) (2883) أحمد 6/ 358 والتمهيد 1/ 232. [ (7) ] المجمع 3/ 133.

العاشر: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا غزا وفي مسيره:

العاشر: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا غزا وفي مسيره: وروى أبو داود والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، وبك أقاتل، ورواه الحارث بسند حسن عن ابن مجلز مرسلا بلفظ: إذا لقي العدو [ (1) ] . وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وجيوشه إذا علوا الثّنايا كبروا، وإذا هبطوا سبّحوا، فوضعت الصلاة على ذلك. الحادي عشر: في أي وقت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يقاتل فيه، والأوقات التي أمسك على القتال فيها: روى الإمام أحمد عن عبيد الله بن أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس [ (2) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يلق العدو من أول النهار، أخّر حتى تهب الريح، ويكون عند مواقيت الصلاة وكان يقول: «اللهم بك أجول وبك أصول، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم» [ (3) ] . وروى الطبراني عن عتبة بن غزوان- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال، فإذا زالت الشمس، قال لنا: احملوا فحملنا [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن النّعمان بن مقرّن- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال، فكان إذا لم يقاتل أوّل النهار أخّر القتال، حتى تزول الشمس، وتهب الرياح وينزل النصر [ (5) ] . وروى البخاري عنه قال: شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الرياح وتحضر الصلاة [ (6) ] . وروى البخاري عنه عبد الله بن أوفى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 184 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1661) وابن أبي شيبة 10/ 351، 12/ 263. [ (2) ] أحمد 4/ 356 وانظر المجمع 5/ 325. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 332، 6/ 16 والدارمي 2/ 216 وابن السني (114) والعقيلي في الضعفاء 3/ 299. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الكبير 17/ 117 وانظر المجمع 5/ 326. [ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 444 وأبو داود 3/ 113 (2655) والترمذي 4/ 160 (1613) وقال حسن صحيح والحاكم 2/ 116 ومحمد وافقه الذهبي. [ (6) ] أخرجه البخاري 6/ 258 (3160) .

بعض أيامه التي لقي فيها، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس، فقال: أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، ولكن اسألوا الله تعالى العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا [ (1) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح، زاد مسلم فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرجت من النار [ (2) ] . وروى الطبراني عن خالد بن معبد- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: من لقيت من العرب فسمعت فيهم الأذان، فلا تعرض له، ومن لم تسمع فيهم الأذان فادعهم إلى الإسلام [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنّسائي، عن النعمان بن مقرن- رضي الله تعالى عنه- قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات، فكان إذا طلع الفجر أمسك عن القتال حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس، فإذا زالت قاتل حتى العصر، ثم أمسك حتى يصلي العصر، ثم قاتل وكان يقول عند هذه الأوقات تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم [ (4) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يغير إذا طلع الفجر وكان يسمع الأذان فإن سمع الأذان أمسك، وإلا أغار. ويروي الإمامان مالك والشافعي والشيخان عنه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر، أتاها ليلا، وكان إذا أتى قوما بليل لم يغز حتى يصبح، فإذا سمع أذانا أمسك وإلا أغار حتى يصبح، فلما أصبح ركب وركب المسلمون، وذكر الحديث [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والحارث عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزوا فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 120 (2965، 2966) ومسلم 3/ 1362 (20/ 1742) . [ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 89 (610، 2991) ومسلم 3/ 1426 (120/ 1365) . [ (3) ] انظر المجمع 5/ 307. [ (4) ] أخرجه الترمذي 4/ 159 (1612) . [ (5) ] تقدم. [ (6) ] انظر المجمع 6/ 66.

الثاني عشر: في دعائه صلى الله عليه وسلم إلى القتال وما جاء في تركه:

الثاني عشر: في دعائه صلى الله عليه وسلم إلى القتال وما جاء في تركه: روى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني بأسانيد رجاله أحدهما رجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم [ (1) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح غير عثمان بن يحيى القرقساني وهو ثقة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- إلى قوم يقاتلهم ثم بعث إليه رجلا فقال: لا تدعه من خلفه، وقل له لا يقاتلهم حتى يدعوهم [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن أبي البختري- رحمه الله تعالى- أن جيشا من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان، حاصروا قصرا من قصور فارس، وفي لفظ: «حصنا أو مدينة» فقال المسلمون: ألا نشهد إليهم فقال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فأتاهم فقال: إنما أنا رجل فارسي منكم، فهداني الله- عز وجل- للإسلام وترون العرب يطيعوني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم مثل الذي علينا وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه، وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، ورطن بالفارسية وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، قالوا: ما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم، قالوا: يا أبا عبد الله، ألا نشهد إليهم، قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، فلما كان اليوم الرابع قال للناس: انهضوا إليهم ففتحوا القصر [ (3) ] . الثالث عشر: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الدّرع والمغفر وسيفه والبيضة ودرقته وقبيعته وقوسه وجحفته: وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبته: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، الحديث وفيه: فخرج وهو في الدرع، وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر/ 45] [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي والترمذي في الشمائل وأبو داود عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر بين درعين يوم أحد [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 15 والبيهقي 9/ 107 وانظر المجمع 5/ 304 والتمهيد 2/ 217. [ (2) ] ذكره الرازي في العلل (903) وانظر المجمع (5/ 308) . [ (3) ] أخرجه أحمد (5/ 440) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أحمد 3/ 449 أخرجه أبو داود (2590) وابن ماجة: 2/ 938 (2806) وانظر المجمع 6/ 108.

وروى الترمذي وقال حسن غريب عن الزبير بن العوام- رضي الله تعالى عنه- قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد ... الحديث. وروى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وهشّمت البيضة على رأسه، الحديث [ (1) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح على رأسه المغفر، الحديث [ (2) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فخرجوا نحو العيون فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس عري وفي عنقه السيف، وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا، ثم قال: وجدناه لبحرا وإنه لبحر [ (3) ] . وروى أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب والنّسائي وقال: منكر عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضّة [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن سيرين- رحمه الله تعالى- قال: صنعت سيفي سمرة على سيف يعنى بن جندب، وزعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حنفيّا [ (5) ] . وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن مزيدة العصريّ- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضّة، فسئل عن الفضة فقال: كان قبيعة السيف فضة [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن غريب والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصّل سيفه ذو الفقار يوم بدر [ (7) ] . وروى الإمام أحمد موصولا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه الترمذي (4/ 170) (1683) وفي الشمائل (88) . [ (6) ] تقدم. [ (7) ] تقدم.

الرابع عشر: في ترتيبه صلى الله عليه وسلم الصفوف والتعبئة عند القتال:

الله صلى الله عليه وسلم «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تبارك وتعالى لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذّلّة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» ورواه البخاري تعليقا بلفظ: ويذكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: جعل رزقي تحت ظل رمحي، الحديث [ (1) ] . وروى البيهقي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس عربية، فرأى رجلا بيده قوس فارسية، فقال: ما هذه؟ ألقها وعليكم بهذه وأشباهها، ورماح القنا «فإنهما يزيد الله لكم بهما في الدين، ويمكّن لكم في البلاد» . وروى الطبراني عن عبد الله بن بسر- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء، ثم أرسلها من ورائه، أو قال على كتفه اليسرى ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يتّبع الجيش وهو متوكّئ على قوس، فذكر نحو الذي قبله [ (2) ] . وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عزّلا يعني ليس معه سلاح، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم جحفة أو درقة [ (3) ] . الرابع عشر: في ترتيبه صلى الله عليه وسلم الصفوف والتعبئة عند القتال: وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة» [ (4) ] . وروى أبو داود عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال: عبّأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ليلا [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: صففنا يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: معي معي [ (6) ] . وروى الإمام أحمد عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه [ (7) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] مسلم (3/ 1434) (1807) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه الترمذي 4/ 194 (1677) . [ (6) ] أخرجه أحمد 5/ 420 والطبراني في الكبير 4/ 209 وانظر المجمع (5/ 326، 6/ 74. [ (7) ] أخرجه أحمد 4/ 263 وانظر المجمع 5/ 326.

الخامس عشر: فيما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ووعظه العسكر:

الخامس عشر: فيما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ووعظه العسكر: روى ابن أبي شيبة عن أيوب- رحمه الله تعالى- قال: حدثني رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل العسفاء والوصفاء [ (1) ] . وروى أبو داود عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الصوت عند القتال [ (2) ] . وروى أبو داود عن قيس بن عباد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده [ (4) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: وجدت امرأة مقتولة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النّساء والصبيان، وفي لفظ: «فنهى» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه، قال: اخرجوا بسم الله فقاتلوا في سبيل الله، من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع [ (6) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح غريب عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شرخهم» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن صفوان بن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فقال: «سيروا بسم الله وفي سبيل الله ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في

_ [ (1) ] مجمع (5/ 318) . والوصيف: العبد. [ (2) ] أخرجه أبو داود (2/ 56) (2656، 2657) وانظر الدر المنثور 3/ 189. [ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 113 (2656) والحاكم 2/ 116 والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 74. [ (4) ] أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 38، 12/ 522 مجمع (8/ 107) . [ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 148 (3015) ومسلم 3/ 1364 (25/ 1744) . [ (6) ] تقدم. [ (7) ] أخرجه أحمد 5/ 12 وأبو داود 3/ 122 (2670) والترمذي 4/ 145 (1583) قال حسن صحيح غريب. [ (8) ] أخرجه أحمد 4/ 240 والترمذي (2857) وابن ماجة (2857) .

من قتل صغيرا أو حرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة، أو ذبح شاة لإهابها لم يرجع كفافا [ (1) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع أشجارهم [ (2) ] . وروى أبو داود والبيهقي عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه قال: أغر على أبنى صباحا وحرّق [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن كثير بن السائب- رحمه الله تعالى- قال: حدثني ابنا قريظة أنهم عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن قريظة، فمن كان منهم محتلما أو نبتت عانته قتل، وإلا فلا [ (4) ] . وروى الطبراني عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي ثعلبة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فعسكر، تفرقوا عنه في الشعاب والأودية، فقام فيهم، فقال: إنما تفرقتم في الشّعاب والأودية، إنما ذلك من الشيطان، قال: فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال إنك لو بسطت عليهم ثوب لعمّهم أو نحو ذلك [ (6) ] . وروى أبو داود عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمّى خيلنا خيل الله إذا فزعنا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة، والصبر والسكينة إذا قاتلنا [ (7) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وأنه لا يعذب بالنار إلا الله- عز وجل-[ (8) ] .

_ [ (1) ] أحمد 5/ 276 وانظر المجمع 5/ 317. [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 329 (4031- 4032) ومسلم 3/ 1365 (30/ 1746) . [ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 205 وأبو داود (2616) وابن ماجة 2/ 948 (2843) . [ (4) ] تقدم. [ (5) ] انظر المجمع 5/ 329 والبيهقي في الدلائل 3/ 357. [ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 193 وأبو داود 3/ 94 (2628) والحاكم 2/ 115. [ (7) ] أخرجه أبو داود (2560) . [ (8) ] تقدم البخاري (6/ 172) 3016.

السادس عشر: في استنصاره صلى الله عليه وسلم ضعفة المسلمين عند القتال ودعائه وامتناعه من قتال المشركين معه واستعانته به وقتاله عن أهل الذمة:

السادس عشر: في استنصاره صلى الله عليه وسلم ضعفة المسلمين عند القتال ودعائه وامتناعه من قتال المشركين معه واستعانته به وقتاله عن أهل الذمة: وروى الطبراني عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلقى العدوّ فسمعته يقول: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، قال: فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها [ (1) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن أمية بن خالد بن عبد الله بن أسيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المسلمين [ (2) ] . وروى الطبراني عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما ينصر الله المسلمين بدعاء المستضعفين» ، وهو في الصحيح بلفظ: «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» [ (3) ] . وروى مسلم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابغوني في ضعفائكم» [ (4) ] . وروى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الأحزاب، «اللهم، منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم، اهزمهم وزلزلهم» [ (5) ] . وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحابه صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه، قال صلى الله عليه وسلم: «لم جئت؟» فقال: جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بالله ورسوله» ، قال: لا، قال: «فارجع، فلن أستعين بمشرك» ، ثم أدركه بالشجرة، فقال له كما قال أول مرة، فرجع، ثم قال له في الثالثة: أتؤمن بالله ورسوله، فقال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق [ (6) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع (5/ 331) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 1/ 269 والبغوي في التفسير 7/ 62 وانظر الترغيب والترهيب 4/ 144 وأبو عبيد الهرويّ في الغريب 1/ 248 م فتح والمجمع 10/ 262. [ (3) ] انظر المجمع 5/ 329. [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 198 وأبو داود 3/ 73 (2594) والترمذي 4/ 206 (1702) وقال حسن صحيح والنسائي 6/ 45 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1620) والحاكم 2/ 106. [ (5) ] أخرجه مسلم (3/ 1363) وأخرجه أحمد 4/ 353، 355، 382 وابن ماجة (2796) وعبد الرزاق (9516) وأبو نعيم في الحلية 8/ 256 وفي التاريخ 1/ 318 والبيهقي في الدلائل 3/ 356 وابن خزيمة (2775) والحميدي (719) . [ (6) ] أخرجه مسلم (3/ 1450) (1817) .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (1) ] [القمر/ 45، 46] . وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن البراء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل يوم حنين ودعا واستنصر وهو يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» ، وقال: «اللهم أنزل نصرك» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن غريب والنسائي في عمل اليوم والليلة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي العدو، قال: «اللهم، أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أقاتل» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن خبيب بن يساف- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوا لنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، قال أولو أسلمتما قلنا: لا، قال إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا وشهدنا معه، فقتلت رجلا، وضربني ضربة، فتزوجت بابنته، فكانت تقول: لا عدمت رجلا، وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت رجلا عجّل أباك إلى النار [ (4) ] . وروى الطبراني عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع فإذا هو بكتيبة خشنة فقال: من هؤلاء؟ قالوا: عبد الله بن أبي في ستمائة من مواليه من اليهود من بني قينقاع، فقال: وقد أسلموا؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: مروهم فليرجعوا، فإنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين [ (5) ] . وروى أبو داود في مراسيله عن الزّهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم [ (6) ] . روى البزار عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقاتل عن أحد من أهل الشرك إلا أهل الذمة [ (7) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 394 وابن سعد 2/ 1/ 34، 3/ 2/ 86 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 272 وانظر المجمع 5/ 303. [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 397 والمجمع 5/ 303 وانظر الكنز (11294، 30048) . [ (6) ] أخرجه سعيد بن منصور (2790) والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 53 وأبو داود في المراسيل (281) . [ (7) ] انظر المجمع 6/ 13.

السابع عشر: في سيرته صلى الله عليه وسلم في الشعار في الحرب:

السابع عشر: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في الشعار في الحرب: روى أبو يعلى بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم يأكل خير [ (1) ] . وروى الطبراني عن عتبة بن فرقد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا، فنادى يا أصحاب سورة البقرة [ (2) ] . وروى أبو داود عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان شعار المهاجرين عبد الله، وشعار الأنصار عبد الرحمن [ (3) ] . وروى مسلم والإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن المهلب بن أبي صفرة- رحمه الله تعالى- قال: أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أبيتم فليكن شعاركم «حم لا ينصرون» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وابن عدي عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم ستلقون العدوّ غدا، فإن شعاركم «حم لا ينصرون» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: غزونا مع أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شعارنا أمت أمت مرتين [ (6) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن رجل من جهينة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يقولون في شعارهم: يا حرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا حلال» [ (7) ] . وروى النسائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخندق: إني لا أرى القوم إلا ميتيكم الليلة، وإن شعاركم «حم لا ينصرون» [ (8) ] . الثامن عشر: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في رسل الكفّار واستحبابه- صلى الله عليه وسلم- الإقامة في موضع النّصر ثلاثا، وسيرته في العتق وإتيان بعض أمرائه- صلى الله عليه وسلم- برؤوس بعض أكابر القتلى، وامتناعه من بيع جسد المشرك: وروى الإمام أحمد برجال ثقات وابن مغيث يحرر رجاله عن معير السعدي- رحمه الله

_ [ (1) ] انظر المجمع (5/ 330) . [ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 524 وعبد الرزاق (9465) وانظر المجمع 6/ 180 والمطالب العالية (4373) . [ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 73 (2595) . [ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 65 وأبو داود 3/ 74 (2597) والترمذي 4/ 197 (1682) والحاكم 2/ 107. [ (5) ] أحمد (4/ 289) وأبو نعيم في التاريخ 1/ 201. [ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 46 والدارمي 2/ 219 وأبو داود 3/ 100 (2638) والحاكم 1/ 107. [ (7) ] أخرجه أحمد 3/ 471 وابن أبي شيبة 12/ 503 والحاكم 2/ 108 والبيهقي 6/ 362. [ (8) ] أخرجه ابن سعد 2/ 1/ 52.

تعالى- قال: مررت بمسجد بني حنيفة، وهم يقولون: إن مسيلمة رسول الله، فأتيت ابن مسعود، فأخبرته فاستتابهم، فتابوا، فخلّى سبيلهم، وضرب عنق ابن النواحة فقالوا أخذت قوما في أمر واحد، فقتلت بعضهم وتركت بعضهم، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وفد عليه هذا وابن أثال بن حجر، فقال: أتشهدان أني رسول الله، فقالا تشهد أنت أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: آمنت بالله ورسله، ولو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما، قال: فلذلك قتلته [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سلمة بن نعيم عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول: كما قال، قال: أما والله، لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى بسند حسن ومسدّد وابن منيع، وابن حبان، ورواه أبو داود مختصرا عن أبي وائل- رحمه الله تعالى- قال: قال عبد الله بن مسعود حين قتل ابن النّواحة إن هذا وابن أثال كانا أتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين لمسيلمة الكذّاب، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشهدان أني رسول الله؟» قالا: لا، نشهد أن مسيلمة رسول الله، قال: لو كنت قاتلا وفدا لضربت أعناقكما، قال: فجرت السنة أن الرسل لا تقتل، فأما ابن أثال فكفاناه الله- عز وجل-، وأما هذا فلم يزل ذلك فيه حتى أمكن الله منه [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والبزار والشيخان عن أنس بن مالك عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثا ورواه أبو داود [ (4) ] بلفظ: «إذا غاب قوما أحب أن يقيم بعرصتهم ثلاثا» . وروى الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من العبيد قبل مواليهم إذا أسلموا، وقد أعتق يوم الطائف رجلين، وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف: «من خرج إلينا من العبيد فهو حرّ» ، فخرج إليه عبيد فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي بكر

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 396، 404. [ (2) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب (165) والبيهقي 9/ 211 وانظر البداية والنهاية 5/ 51 والدارمي 2/ 235 والطحاوي في المشكل 4/ 61 وفي المعاني 3/ 212. [ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 396 وعبد الرزاق (18708) . [ (4) ] أخرجه البخاري في المغازي باب (8) والترمذي (970) (1551) وأحمد 3/ 145 وانظر المجمع 6/ 91 وابن أبي شيبة 12/ 352 وأبو داود (2695) .

- رضي الله تعالى عنه- أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر أهل الطائف بثلاثة وعشرين عبدا، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث [ (1) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن غيلان بن سلمة الثقفي- رضي الله تعالى عنه- أن نافعا كان عبدا لغيلان ففر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيلان مشرك، فأسلم غيلان، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء نافع إليه [ (2) ] . وروى الطبراني عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار، فنظر إليه يحسن الصلاة فأعتقه [ (3) ] . وروى البزار برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عبدا أسلم فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم خشي أهله أن يتّبع النبي صلى الله عليه وسلم فقيدوه، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك قد علمت بإسلامي، فسيرني، أو خلّصني، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر على بعير، وقال: لعلكم تجدون في دار من يعينكم، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم [ (4) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن فيروز الدّيلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس أسود العنسي. وحديث ابن عمر: ما حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس قطّ [ (5) ] ، رواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح وهو ضعيف، وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر والبيهقي والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان يوم الأحزاب قتل رجل من عظماء المشركين فبعثوا إلى رسول الله أن ابعثوا إلينا بجسده ولكم اثنا عشر ألفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في جسده، ولا في ثمنه [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم [ (7) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: المفازة- بميم ففاء فزاي والمفازة: البرّيّة.

_ [ (1) ] أخرجه 1/ 236 وسعيد بن منصور (2807) وابن أبي شيبة 12/ 511 وانظر المجمع 4/ 245. [ (2) ] المجمع (4/ 234) . [ (3) ] انظر المجمع 4/ 242، 6/ 294. [ (4) ] انظر المجمع 4/ 241. [ (5) ] انظر المجمع (5/ 330) . [ (6) ] أخرجه البيهقي 9/ 133 انظر البداية والنهاية 4/ 107. [ (7) ] الترمذي (4/ 186) (1715) .

جلّى- بجيم فلام مفتوحتين فتحتية: كشف. الغدوة- بغين معجمة فدال مهملة فواو فتاء تأنيث- المرة من العدو وهو سير أول النهار، نقيض الرّواح. الرّوحة- براء مفتوحة فواو ساكنة فحاء مهملة مفتوحة فتاء تأنيث- المرة من الرواح. استحرّ القتال- بهمزة فسين مهملة ساكنة ففوقية فحاء مهملة فراء مفتوحات كثر واشتد. كرابيس- بكاف فراء مفتوحتين فألف فموحدة فتحتية فسين مهملة جمع كرباس، وهو القطن. النّمرة- بنون مفتوحة فميم مكسورة فراء فتاء تأنيث- شملة مخطّطة. برك الغماد- بموحدة مفتوحة فراء ساكنة فكاف، والغماد- بمعجمة مكسورة وبفتح وبضم فميم فألف فدال مهملة- موضع أو هو أقصى معمور الأرض. الحواريّ- بحاء مهملة فواو مفتوحتين فألف فراء فتحتية مشددة- الخاصة والأنصار والأصحاب. أجول- بهمزة مفتوحة فجيم مضمومة فواو- أذهب وأجيء. الدرع والمغفر والقبيعة تقدم الكلام عليها. الصعاليك: [جمع صعلوك وهو الفقير] . العرصة: [هي كل موضع واسع لا بناء فيه] .

الباب الثاني في مصالحته - صلى الله عليه وسلم - المحاربين وهديته وأمانته ووفائه بالعهد والذمة لهم

الباب الثاني في مصالحته- صلى الله عليه وسلم- المحاربين وهديته وأمانته ووفائه بالعهد والذمة لهم روى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلّة، النصف في صفر، والنّصف في رجب، يردّونهما إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم، إن كان باليمن كيد على ألا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قسّ، ولا يفتنوا على دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح نصارى بني تغلب على أن ينصّروا أبناءهم، فإن فعلوا فقد برئت منهم الذمة، وإنهم قد نقضوا، وإنه إن يتم لي الأمر، لأقتلن المقاتلة ولأسبينّ الذّرّيّة [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع الإسلام في قلبي، فقلت: يا رسول الله والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال: إني لا أخيس بالعهد ولا أخيس البرد، ولكن ارجع إليهم فإن كان الذي في قلبك الذي فيه الآن فارجع، فذهبت إليهم، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت [ (3) ] . وروى الإمام مالك والخمسة عن أم هانئ بنت أبي طالب- رضي الله تعالى عنها- قالت: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، فسلّمت عليه فقال: «من هذه؟» فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: «مرحبا بأمّ هانئ» ، فلما فرغ من غسله، قام فصلّى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمّي عليّ أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ» قالت أم هانئ: وذلك ضحى [ (4) ] . وروى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذمة المسلمين واحدة، فإن أجارت عليهم امرأة فلا تحقروها، فإن لكل غادر لواء يوم القيامة» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3041) . [ (2) ] أبو يعلى (1/ 273) . [ (3) ] أخرجه أبو داود في الجهاد باب (162) وأحمد 6/ 8 وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1631) والحاكم 30/ 598. [ (4) ] والحديث أخرجه البخاري 6/ 273 (3171) ومسلم 1/ 498 (82/ 336) . [ (5) ] أخرجه الحاكم 2/ 141 وانظر المجمع 5/ 329، 330.

تنبيه:

وروى الطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن زينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت العاص بن الربيع، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها، وأن أمّ هانئ أجارت أخاها عقيلا فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم جوارها [ (1) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها، فقدمت عليه، ثم إن أبا العاص لحق بالمدينة، فأرسل إليها أن خذي لي أمانا من أبيك، فخرجت فاطّلعت برأسها من باب حجرته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح يصلي بالناس، فقالت: يا أيها الناس، إني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني قد أجرت العاص، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال: إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم [ (2) ] . وروى عبد عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى رجلين من أصحابه برجل من المشركين [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: البيعة- بموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث- المعاقدة والمعاهدة كأن كلّ واحد باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره. أخس- بهمزة مفتوحة فخاء معجمة مكسورة فتحتية فسين مهملة- أي لا أنقض. البرد- بموحدة مضمومة فراء ساكنة فدال مهملة- جمع بريد وهو الرسول، مخفّف من برد بالضم كرسل مخفف من رسل، وإنما خففها هنا ليزاوج العهد. تخفروها: خفرته أي أجرته وحفظته.

_ [ (1) ] المجمع (5/ 332) . [ (2) ] المجمع (5/ 333) . [ (3) ] الدارمي (2/ 223) والترمذي (4/ 115) (1568) .

الباب الثالث في قسمته - صلى الله عليه وسلم - الغنائم بين الغانمين وتنفيله بعضهم وفيه أنواع:

الباب الثالث في قسمته- صلى الله عليه وسلم- الغنائم بين الغانمين وتنفيله بعضهم وفيه أنواع: روى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني عن العرباض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرة من الفيء، فقال: ما لي منه إلا مثل ما لأحدكم إلا الخمس وهو مردود فيكم، فأدّوا الخيط والمخيط فما فوقها وإياكم والغلول، فإنه عار ونار، وشنار على صاحبه يوم القيامة [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني عن مجمع بن جارية الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على أهل الحديبية وكانوا ألفا وخمسمائة منهم ثلاثمائة فارس، فقسّمها على ثمانية عشر سهما، فأعطى الفارس سهمان، والراجل سهما [ (2) ] . وروى أبو داود عن ابن شهاب- رحمه الله تعالى- قال: خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ثم قسّم سائرها على من شهدها، ومن غلب عنها من أهل الحديبية [ (3) ] . وروى الإمام أحمد بسند جيد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت الغنيمة تجزأ خمسة أجزاء، ثم يسهم عليها، فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له يتخير [ (4) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير كثير مولى ابن مخزوم فيحرر رجاله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم لثمانين فرسا يوم حنين سهمين سهمين سهمين [ (5) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم للفرس سهمين وللرجل سهما [ (6) ] . وروى أبو داود عن ابن شهاب مرسلا قال: خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ثم قسم

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 128 والطبراني في الكبير 18/ 260 وانظر المجمع 5/ 337. [ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 400 (15031) وأحمد 3/ 420 وأبو داود 3/ 174 (2736) والدارقطني 4/ 105 والطبراني في الكبير 19/ 445 (1082) والحاكم 2/ 131 والبيهقي 6/ 325. [ (3) ] أبو داود (3019) . [ (4) ] انظر المجمع 5/ 340. [ (5) ] انظر المجمع 5/ 341. [ (6) ] أبو داود (2/ 84) (2734) والترمذي (4/ 104) (1554) وهو عند البخاري ومسلم البخاري 6/ 67 (2863) ومسلم 3/ 1382 (57/ 1762) وابن أبي شيبة 12/ 397.

سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية. وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين، ورواه أيضاً عن الزبير [ (1) ] . وروى أبو داود عن زيد بن أسلم- رضي الله تعالى عنه- أن ابن عمر دخل على معاوية، فقال: ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: عطاء المحررين، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عمر مولى آبي اللحم- رضي الله تعالى عنهما- قال: غزوت مع مولاي خيبر وأنا مملوك، فلم يقسّم لي من الغنيمة، وأعطيت من خرثي المتاع سيفا فكنت أجره إذا تقلّدته [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش [ (3) ] . وروى الترمذي عن الزهري مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه الثالث في النفل. وروى أبو داود عن حبيب بن مسلمة الفهريّ- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل (الثلثين) بعد الخمس، وفي أخرى كان ينفل الربع بعد الخمس، وفي أخرى إذا قفل. ورواه الإمام أحمد بلفظ: نفل الربع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل في مغازيه [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: نفّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] انظر مشاة المصابيح (4058) والمجمع (5/ 345) ووقع فيه أمه بدلا من ابنه. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 223 والدارمي 2/ 226 وأبو داود 3/ 171 (2730) والترمذي 4/ 127 (557) وابن ماجة 2/ 952 (2855) والحاكم 2/ 131. [ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 319، 352 وبنحوه أخرجه سعيد بن منصور (2789) . [ (4) ] أخرجه سعيد بن منصور 2/ 62 (2702) وأحمد 4/ 160 وأبو داود 3/ 182 (2749، 2750) وابن ماجة 2/ 951 (2851، 2853) والحاكم 2/ 133. [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 402 وانظر المجمع 6/ 7.

تنبيه:

يوم بدر سيف أبي جهل [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي هوس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في مغازيه [ (2) ] . وروى الطبراني عن السائب بن يزيد عن أبيه- رضي الله تعالى عنهما- قال نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفلا سوى نصيب من الخمس فأصابني شارف [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: خرثي- بخاء مضمومة فراء ساكنة مهملة فمثلثة فتحتية- أثاث البيت ومتاعه. المتاع: تقدم. النفل: [أي: العطية] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (2722) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] المجمع (6/ 10) وبنحوه عند مسلم 3/ 1369 (38/ 1750) والشارف المسنّ الكبير (أي ناقة مسنة) .

الباب الرابع في صرفه - صلى الله عليه وسلم - الفيء والخمس:

الباب الرابع في صرفه- صلى الله عليه وسلم- الفيء والخمس: وروى أبو داود عن عمرو بن عبسة- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من المغنم، فلما صلّى أخذ وبرة من جنب البعير، ثم قال: «ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» [ (1) ] ، ورواه الإمام أحمد والنّسائي وأبو يعلى بسند ضعيف عن عبادة بن الصامت وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم والمطلب، وترك بني نوفل، وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم، لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وصفك الله به، فما بال إخوتنا بني عبد المطلب أعطيتهم من الخمس وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا وبنو عبد المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن وهم كشيء واحد وشبك بين أصابعه» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الفيء قسّمه في يومه، فأعطى الأهل حظّين، والعزب حظّا، فدعينا وكنت أدعى قبل عمّارا فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل ثم دعي عمار بن ياسر فأعطاه حظا واحدا [ (3) ] . وروى الطبراني بسند لا بأس به عن ثابت بن الحرث الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لسهلة بنت عاصم ولا بنة لها ولدت [ (4) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن زينب امرأة عبد الله الثقفية- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها بخيبر خمسين وسقا تمرا وعشرين وسقا شعيرا بالمدينة [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي الزبير- رحمه الله تعالى- قال: سئل جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بالخمس؟ قال: كان يحمل الرجل منه في سبيل الله ثم الرجل ثم الرجل [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 3/ 188 (2755) والحاكم 3/ 616 والبيهقي 6/ 339. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 29 وسعيد بن منصور (2356) وأبو داود (2953) والخطيب في التاريخ 5/ 152. [ (4) ] مجمع (6/ 10) . [ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 279 وانظر المجمع (6/ 10) . [ (6) ] أحمد 3/ 365 وانظر المجمع 5/ 340.

الباب الخامس في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الغلول وتركه أخذ المغلول من الغال إذا جاء به بعد القسمة وتركه الصلاة على الغال، وإحراقه متاع الغال وإكفائه قدورا لأنها أنهبت من الغنيمة

الباب الخامس في نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن الغلول وتركه أخذ المغلول من الغالّ إذا جاء به بعد القسمة وتركه الصلاة على الغالّ، وإحراقه متاع الغالّ وإكفائه قدورا لأنها أنهبت من الغنيمة وفيه أنواع: الأول: في نهيه عن الغلول وإخباره صلى الله عليه وسلم بأن الغال في النار: روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- قال: كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو في النار، فوجدوا عباءة قد غلّها» [ (1) ] . وروى مسلم عن عدي بن عمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يؤتى به يوم القيامة، فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال: وما لك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا، وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم على عمل فيجيء بقليله وكثيره فما أوتى منه أخذ وما نهي عنه انتهى [ (2) ] . وروى أيضا عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كلا، إني رأيته في النار في بردة غلّها أو عباءة، وروى أن الشملة التي غلها يوم أحد لتلتهب عليه نارا» [ (3) ] . الثاني: في إحراقه صلى الله عليه وسلم متاع الغالّ: روى أبو داود عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه» . الثالث: في إكفائه صلى الله عليه وسلم قدورهم: روى أبو داود عن عاصم عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 187 (3074) . [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الإمامة (30) وأحمد 4/ 192 وابن أبي شيبة 6/ 548 والبيهقي 4/ 158 والحميد (894) والطبراني في الكبير 17/ 107. [ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 30، 3/ 151 ومسلم في كتاب الإيمان باب 48 (182) وأبو عوانة 1/ 48 وابن أبي شيبة 14/ 461 والدارمي 2/ 231.

الباب السادس في أخذه - صلى الله عليه وسلم - الجزية ممن أبي الإسلام:

في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدرونا لتغلي إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمّل اللحم بالتّراب، ثم قال «إن النّهبة ليست بأحل من الميتة» . الباب السادس في أخذه- صلى الله عليه وسلم- الجزية ممن أبى الإسلام: روى الطبراني برجال الصحيح غير الحسين بن سلمة بن أبي كبشة وهو ضعيف عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وأخذها عمر من مجوس فارس، فأخذها عثمان من بربر [ (1) ] والله أعلم.

_ [ (1) ] المجمع (6/ 15) .

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في العلم وذكر بعض مروياته وفتاويه

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في العلم وذكر بعض مروياته وفتاويه الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في العلم وفيه أنواع: الأول: في قوله صلى الله عليه وسلم (لا أدري) . (والله أعلم) (إذا سئل عن شيء لا يعلمه) : وروى الحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى والإمام أحمد عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي البلاد شر؟ فقال: لا أدري، فلما أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا جبريل، أي البلاد شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل ربي تبارك وتعالى، فانطلق جبريل، فمكث ما شاء الله ثم جاء، فقال: يا محمد، إنك سألتني أي البلاد شر، قلت: لا أدري، وإني سألت ربي تبارك وتعالى، فقلت: أي البلاد شر؟ فقال: أسواقها. وروى أبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي البقاع خير؟ قال: «لا أدري» ، أو سكت، فأتاه جبريل، فسأله، فقال: لا أدري، فقال: سل ربّك، قال: ما أسأله عن شيء وانتفض انتفاضة كاد يصعق منها صلّى الله عليه وسلم فلما صعد جبريل صلى الله عليه وسلم قال الله- عز وجل-: سألك محمد: أي البقاع خير؟ فقلت: لا أدري، قال: نعم، قال، فحدثه أن خير البقاع المساجد، وأن شر البقاع الأسواق [ (1) ] . وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ذو القرنين كان نبيّا أم لا؟ وما أدري الحدود كفّارات لأهلها أم لا [ (2) ] . وروى أبو داود وبسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أدري تبّع مسلم هو أم لا، وما أدري عزير نبي هو أم لا» . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين عمن يموت منهم، وهو صغير، فقال، الله أعلم بما كانوا عاملين [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 89، 80، 2/ 7 وانظر المجمع 4/ 76 المطالب العالية (500) . [ (2) ] أخرجه البيهقي 8/ 329 وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 50) والحاكم (2/ 450) والحاكم 1/ 36، 2/ 450 وابن الجوزي والبيهقي 1/ 329 ذاد المسير 7/ 347 وانظر كنز العمال (34086) (34087) . [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 245 (1384) ومسلم 4/ 2049 (26/ 2659) .

الثاني: في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الفطر إلى من سأل عن شيء أعجبه:

تنبيه: الأول: أعلم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارات وأن تبّعا مسلم كما روى الإمام أحمد والبخاري والدارقطني عن خزيمة بن ثابت مرفوعا بإسناد حسن، وروى أحمد والطبراني بسند حسن عن سهل بن سعد مرفوعا: لا تسبوا تبّعا، فإنه قد أسلم [ (1) ] . الثاني: في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الفطر إلى من سأل عن شيء أعجبه: وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن أبي ثعلبة الخشني- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بما يحل لي، وما يحرم عليّ، قال: فصعد المنبر، وأخذ يصوّب في النظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون [ (2) ] . الثالث: في طرحه صلى الله عليه وسلم المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم: وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بجمّاد، فقال: أن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها وفي لفظ: وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر الوادي، وفي لفظ: البادية، قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا، وفي لفظ: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: «هي النخلة» ، قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا [ (3) ] . الرابع: في تخوّله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الموعظة والعلم كي لا ينفروا: وروى البخاري عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة كراهة السآمة علينا [ (4) ] . الخامس: في فتياه صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الدّابّة وغيرها: وروى البخاري عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال: اذبح، ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال ارم ولا حرج، فما

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 340 والطبراني في الكبير 6/ 250 و 11/ 296 والخطيب في التاريخ 3/ 205 وانظر الدر المنثور 6/ 31 والبداية والنهاية 2/ 166 والمجمع 8/ 76. [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 194 وأبو نعيم في الحلية 8/ 172 والخطيب في التاريخ 8/ 445 وانظر المجمع 1/ 175. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 36 رقم (72) ومسلم 4/ 2165 وابن عبد البر في جامع فضل العلم 1/ 119 والطبري في التفسير 13/ 137. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 188 (68) عن ابن مسعود.

السادس: في إجابته صلى الله عليه وسلم بإشارة اليد والرأس:

سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدّم ولا أخّر إلا قال: افعل ولا حرج [ (1) ] . السادس: في إجابته صلى الله عليه وسلم بإشارة اليد والرأس: عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل في حجة الوداع، فقال: ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال: لا حرج وقال: حلقت قبل أن أذبح وأومأ بيده ولا حرج [ (2) ] وأن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج» ، قيل: يا رسول الله، وما الهرج، فقال بيده فحرفها كأنه يريد القتل رواهما البخاري [ (3) ] . السابع: في ترجيعه صلى الله عليه وسلم بمن قعد عليه يطلب الخير: وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن وفد قيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من الوفد أو من القوم ربيعة؟ فقال: مرحبا بالوفد أو بالقوم غير خزايا ولا ندامى الحديث، وتقدم بتمامه في وفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوفود. الثامن: في غضبه صلى الله عليه وسلم في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكرهه: روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، فقال: أيها الناس، إنكم منفّرون وفي رواية: «إن منكم منفرين» ، فمن صلّى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضّعيف وذا الحاجة. وعن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللّقطة، فقال: اعرف وكاها أو قال وكاءها وعفاصها ثم عرّفها سنة ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدّها إليه، قال: فضالة الإبل، فغضب حتى احمرت وجنتاه أو قال: احمرّ وجهه، فقال: ما لك ولها وفي لفظ: فما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر قدرها حتى يلقاها ربها، قال فضالة الغنم، قال: لك ولأخيك أو لذئب [ (4) ] . وعن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثروا عليه غضب، ثم قال للناس: سلوني عما شئتم، قال رجل: من أبي قال: أبوك حذافة، فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: أبوك سالم مولى شيبة، فلما رأى عمر ما في وجهه برك على ركبته، وقال: رضينا بالله ربّا

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] وأخرجه البخاري 1/ 182 وأحمد 2/ 261، 288 وابن عبد البر في الجامع 1/ 152. [ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 84 (2429، 2436) ومسلم 3/ 1346 (1/ 1722) .

التاسع في إعادته صلى الله عليه وسلم الحديث ثلاثا ليفهم عنه.

وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا، يا رسول الله، إنا نتوب إلى الله- عز وجل- فسكت رواه البخاري [ (1) ] . وروى مسدّد وإسحاق وابن أبي شيبة عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا نبي الله، أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان أم في غير رمضان؟ قال: بل هي في رمضان، قلت: تكون مع الأنبياء إذا كانوا، فإذا قبضوا رفعت، قال: بل هي إلى يوم القيامة، قلت: في أي رمضان؟ قال: التمسوها في العشر الأوسط والعشر الأواخر ولا تسألوني عن شيء بعدها، ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدّث ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله، أقسمت بحقي عليك لما أخبرتني في عشر أيّ هي، فغضب غضبا ما رأيته غضب مثله، فقال: التمسوها في السبع الأواخر الباقين ولا تسألني عن شيء بعدها [ (2) ] . التاسع في إعادته صلى الله عليه وسلم الحديث ثلاثا ليفهم عنه. عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا، حتى نفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلّم عليهم يسلم عليهم ثلاثا [ (3) ] ، وعن عبد الله بن عمرو قال: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهفتنا الصّلاة، صلاة العصر ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا رواه البخاري [ (4) ] . العاشر: في جعله صلى الله عليه وسلم يوما للنساء على حقه في العلم: عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار، فقالت امرأة: أو اثنين فقال: واثنين وفي لفظة أو ثلاثة لم يبلغوا الحنث رواه البخاري.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 34، 143، 9/ 117، 118 ومسلم في كتاب الإيمان باب (1) حديث (7) وفي الفضائل باب 37 (136، 137، 138) وأحمد 1/ 278 وابن سعد 1/ 1/ 115 والطبراني في الكبير 5/ 55، 12/ 246. [ (2) ] ذكره الحافظ في المطالب (1038) وابن أبي شيبة 3/ 76 والمجمع 3/ 177 وابن كثير في التفسير 8/ 467 وبنحوه أخرجه عبد الرزاق (7709) وأحمد 5/ 171 والحاكم 1/ 433، 437 والبيهقي 4/ 307 والطحاوي في المعاني 3/ 85 وابن عبد البر في التمهيد 2/ 213. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 143 (60) ومسلم 1/ 214 (26/ 241) .

الحادي عشر: في تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالعلم قوما دون دون قوم كراهية أن لا يفهموا:

الحادي عشر: في تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالعلم قوما دون دون قوم كراهية أن لا يفهموا: عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل فقال: يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك وسعديك ثلاثا، قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرّمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذن يتّكلوا، وأخبر بها عند موته تأثّما، وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، قال: ألا أبشر الناس؟ قال، لا، إني أخاف أن يتكلوا. رواه البخاري [ (1) ] . الثاني عشر: في إجابته صلى الله عليه وسلم السائل بأكثر مما سأله: عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس القميص، ولا العمامة ولا السراويل والبرس ولا ثوبا مسه الورس أو الزعفران، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفّين، وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين، رواه البخاري [ (2) ] . الثالث عشر: في أخذه صلى الله عليه وسلم بيده بعض من سأله: روى الحارث وابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي قتادة وأبي الدهماء، قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فجعل يعلمني مما علمه الله، فكان مما حفظت أن قال: لا تدع شيئا اتقاء الله الا أبدلك الله خيرا منه [ (3) ] . الرابع عشر: في قعوده لاستماع قاص يقص عليه: روى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جماعة لهم قاصّ يقصّ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قصّ، ثم قال: لأن أقعد هذا المقعد غدوة حتى تشرق الشمس أحب إلي من أعتق أربع رقاب [ (4) ] . الخامس عشر: في اتخاذه صلى الله عليه وسلم ممليا ليعبّر عنه: روى مسدد برجال ثقات عن هلال بن عامر المزني عن أبيه- رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعلي- رضي الله تعالى عنه- أمامه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 226 (128) 6/ 58 (2856) (5967) ومسلم 1/ 58 (48، 49/ 30) (53/ 32) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] ابن حجر في المطالب (3301) . [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 261 والطبراني في الكبير 8/ 312 وانظر المجمع 1/ 190.

السادس عشر: في إجابته صلى الله عليه وسلم الأول من السائلين:

يعبّر عنه ما يقول، فجئت حتى دخلت بين شراك النبي صلى الله عليه وسلم وقدمه، فجعلت أعجب من بردها [ (1) ] . روى أحمد وأبو داود مختصرا والطبراني برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف، فقام تحت يدي ناقته، وكان رجلا صيّتا، فقال: اصرخ، أيها الناس، أتدرون أيّ شهر هذا؟ فصرخ، فقال الناس: الشهر الحرام، فقال: اصرخ، أيّ بلد هذا؟ قالوا: البلد الحرام، قال: اصرخ، أيّ يوم هذا؟ قالوا: الحج الأكبر، فقال: اصرخ، فقل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا وكحرمة بلدكم هذا ... الحديث [ (2) ] . السادس عشر: في إجابته صلى الله عليه وسلم الأول من السائلين: روى سعيد بن منصور وابن حبان عن ابن عمر وأبو الوليد الأزرقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- إن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كلمات أسأل عنهن قال: اجلس، وجاء آخر من ثقيف فقال: يا رسول الله، كلمات أسأل عنهن، فقال صلى الله عليه وسلم: «سبقك الأنصاري» ، فقال الأنصاري: إنّه رجل غريب، وإنّ للغريب حقّا فابدأ به، فأقبل على الثقفي فقال إن شئت أنبأتك عما كنت تسألني، وإن شئت تسألني وأخبرك فقال: يا رسول الله، أجبني عمّا كنت أسألك، قال: جئت تسألني عن الركوع والسجود والصلاة والصوم، فقال: لا، والذي بعثك بالحق، ما أخطأت، مما كان في نفسي شيئا فذكر الحديث ويأتي بطوله في المعجزات [ (3) ] . السابع عشر: في إدنائه السائل إليه صلى الله عليه وسلم: وروى أبو يعلى عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، علمني دعاء أصيب به خيرا، قال: ادنه فدنا حتى كادت ركبته تمسّ ركبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قل: اللهم اعف عني فإنك عفوّ تحبّ العفو، وأنت عفوّ كريم [ (4) ] . تنبيهات الأول: قال الحافظ: وجه التشبيه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق، ما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر، ولفظه قال: كنا عند

_ [ (1) ] وأبو داود (4073) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 5/ 64، 11/ 172 وانظر المجمع 3/ 270، 271. [ (3) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (963) . [ (4) ] تقدم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال «أن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟» قالوا: لا، قال: «هي النخلة، لا تسقط لها أنملة، ولا يسقط للمؤمن دعوة» [ (1) ] . ووقع عند المصنّف في باب الأطعمة من طريق الأعمش، قال: حدثني مجاهد عن ابن عمر، قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجمار فقال: إنّ من الشّجر لما بركته كبركة المسلم وهذا أعم من الذي قبله، وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس، يؤكل أنواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النوى في علف الدواب، والليف في الحبال وغير ذلك، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال وغيرها، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ثم قال: قال القرطبي: موقع التشبيه بينهما من جهة أن دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورا بدينه، وأنه ينتفع بكل ما صدر منه حيّا وميّتا انتهى، وقال غيره: والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله، وروى البزار من طريق سفيان بن حسن عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن مثل النخلة، ما أتاك منها نفعك، هكذا أورده [ (2) ] ، وإسناده صحيح، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة، وأمّا من زعم أن موقع التشبيه من جهة كون النخلة إذا وقع رأسها ماتت، أو أنها لا تحمل حين تلقح، أو أنها تموت إذا غرقت، أو لأنّ لطلعها رائحة منيّ الآدميين، أو لكونها تعشق، أو لكونها تشرب من أعلاها، فكلها أوجه ضعيفة، لأن جميع ذلك من المتشابهات مشترك بالآدميين، لا يختص بالمسلم، وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضلة طين آدم، فإن الحديث في ذلك لم يثبت، وقول سيدنا عمر أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا، زاد ابن حبان في صحيحه: أحسبه قال: حمر النّعم، وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى من تبليغه لهم إن لم يفهموه. وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات [ (3) ] ، قال الأوزاعي أحد رواته: هي صعاب المسائل، إن ذلك محمول على ما لا نفع فيه، أو ما خرج على سبيل تعنت المسؤول أو تعجيزه وفيه التحريض على الفهم في العلم، وفيه دليل على بركة النخلة وما تثمره، وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز، لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه وفيه دليل على جواز تجمير النخل، وفيه ضرب من الأمثال، والأشباه لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة، وفيه إشارة أن من تشبيه

_ [ (1) ] ذكره الحافظ في المطالب (2419) . [ (2) ] انظر المجمع 1/ 83 والمطالب (2891) والبخاري في التاريخ 7/ 248 والحاكم 1/ 75، 4/ 513. [ (3) ] وأخرجه سعيد بن منصور في السنن (1179) والطبراني في الكبير 19/ 389.

الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره في جميع وجوهه، فإنّ المؤمن، لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله، وفيه توقير الكبير وتقدم الصغير إيّاه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه وإن ظن أنه الصواب، وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه، لأن العلم مواهب، والله يؤتي فضله من يشاء واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها الله وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور، ووجه تمني عمر ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده، وليظهر فضيلة الولد في الفهم في صغره، وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة، ولعلّه كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر، لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النّعم، مع عظيم مقدارها وغلاء ثمنها. انتهى كلام الحافظ مع تقديم وتأخير. الثاني: قوله «يتخوّلنا» بالخاء المعجمة أي يتعهدنا. والموعظة: النصح والتذكير، قال الحافظ: قال الخطابي: الخائل: بالخاء المعجمة هو القائم المتعهد للمال، يقال خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه، والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيره، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل، والتخون بالنون أيضا وحكى الهروي في الغربيين يتحوّلنا- بالحاء المهملة أي يتطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة، قلت: والصواب من حيث الرواية الأول. وقوله «علينا» أي الطارئة علينا أو ضمن السآمة معنى المشقة فعدّاها بعلى، والصلة محذوفة، والتقدير من الموعظة [ (1) ] . الثالث: قوله: «الفتيا» قال الحافظ: (بضم الفاء) ، فإن قلت: الفتوى فتحتها، والمصادر الآتية فوزن فتيا قليلة مثل تقيا ورجعى، وقوله: فجاءه رجل لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده، والظاهر أن الصحابي لم يسمّ أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك، وقوله «ولا حرج» أي لا شيء عليك من الإثم لا في الترتيب ولا في ترك الفدية، هذا ظاهر، وقول بعض الفقهاء: المراد في الإثم فقط، وفيه نظر لأن في بعض الروايات الصحيحة: ولم يأمر بكفارة. الرابع: قوله «لا أكاد أدرك الصلاة» قال الحافظ: قال القاضي عياض: ظاهره مشكل، إذ

_ [ (1) ] ذكر المصنف قوله وهي نقلا عن الحافظ من حديث. عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» لما كانت النذارة هي في ابتداء التعليم توجب النفرة، قوبلت البشارة بالتنفير، والمراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، كما أن الزجر عن المعاصي يكون بتلطف ليقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأن الشيء إذا كان في ابتداؤه سهلا حبب إلي من يدخل فيه، وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف قصده انتهى.

التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، قال: فكأن الألف زيدت بعد «لا» قلت: هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية. وقال أبو الزناد بن سراج: معناه أنه كان به ضعف وكان إذا طوّل به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه، فلا يكاد يتم معه الصلاة قلت: وهو معنى حسن، لكن رواه المصنف عن الفريابي عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: «إني لأتأخر عن الصلاة» أي لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر أحيانا من أجل التطويل. الخامس: قوله «لم يبلغوا الحنث» قال الحافظ: المعنى أنهم قد ماتوا قبل أن يبلغوا، لأن الإثم إنما يكتب بعد البلوغ فكأن السّرّ فيه إنما أنه لا ينسب إليهم إذ ذاك عقوق فيكون الحزن عليهم، وفي الحديث ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعاليم من أمور دينهم، وجواز كلام النساء مع الرجال في ذلك، وفيه جواز الوعد، وأن أطفال المسلمين في الجنة، وإنّ من له ولد إن حجباه من النار، ولا اختصاص لذلك بالنساء انتهى وكذلك لم يبلغ الحنث. السادس: قوله «صدقا» قال الحافظ، احتراز من شهادة المنافق قال الطيبي: «صدقا» هنا أقيم مقام الاستقامة، لأن الصّدق يعبر عنه قولا من مطابقة القول المخبر عنه، ويعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية، كقوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر/ 33] أي خفف ما أورده قولا بما تحراه فعلا انتهى، وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر، لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون، ثم يخرجون من النار بالشفاعة، فعلم أن ظاهرة غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة، ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن في التبشير به. وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضا بأجوبة أخرى منها: أن مطلقه مقيد بمن قالها تامّا ثم مات على ذلك، ومنها أن ذلك كان قبل نزول أكثر الفرائض، وفيه نظر، لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة، كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض، وكذا أورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن، وكان قدومه في السّنة التي قدم فيها أبو هريرة. ومنها أنه خرج مخرج الغالب، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة، ويجتنب المعصية. ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها. ومنها أن المراد بالنار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين.

ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته، لأن (المراد) أن النار لا تأكل موضع السجود من المسلم، كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله. وقوله: «إذا يتّكلوا» - بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف- وهو جواب وجزاء، أي إن أخبرتهم يتكلوا، وللأصيلي وللكشميني «ينكلوا» بإسكان النون وضم الكاف أي يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره. وروى البزّار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- في هذه القصّة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير، فلقيه عمر، فقال: لا تعجل، ثم دخل، فقال: يا نبي الله، أنت أفضل رأيا، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتّكلوا عليها قال: فردّه [ (1) ] ، وهذا معدود من موافقات عمر- رضي الله تعالى عنه-، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم واستدل بعض متكلمي الأشاعرة، من قوله «يتّكلوا» على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله. وقوله «تأثّما» هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الإثم الحاصل في كتمان العلم، ودل صنع معاذ على أن النهي في التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا، أو عرف أن النهي مقيد بالإشكال، وأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيّد، والأول أوجه، لكونه أخّر ذلك إلى وقت موته، وقال القاضي عياض: لعل مراد «معاذ» لم يفهم النهي، لكن كسر عزمه كما عرض له من تبشيرهم. قلت: والرواية الآتية صريحة في النهي، فالأولى ما تقدم، وفي الحديث جواز الإرداف وإثبات تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم، لأنه خصه بما ذكر، وفيه جواز استفسار الطالب عما تردد فيه واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده. وقوله «من لقي الله» أي من لقي الأجل الذي قدّره الله يعني الموت وقوله «لا يشرك به» اقتصر على نفي الإشراك لأنّه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسول الله فقد كذّب الله ومن كذب الله فهو مشرك. انتهى. السابع: قوله: «لا يلبس» قال الحافظ: قال ابن دقيق العيد، في الحديث: العدول عمّا لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبا للإيجار، لأن السائل سأل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس، إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يلبس لطال، بل كان لا يؤمن أن يتمسّك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم.

_ [ (1) ] انظر كشف الأستار 1/ 12.

الثامن: في بيان غريب ما سبق: مكث- بتثليث الميم وسكون الكاف وبالمثلثة- اللّبث. البلاد- جمع بلد وهو كل قطعة من الأرض مستحيزة عامرة أو غير عامرة. البقاع- جمع بقعة وهي بضم الموحدة وتفتح وقاف ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث القطعة من الأرض على غير هيئة التي بجنبها. الأسواق- جمع سوق وقد تقدم. كاد- قرب. يصعق- يموت. صوب النظر: [وجهه] . البوادي: جمع بادية. مرحبا: تقدم تفسيره في الوفود في باب وفودهم عليه صلى الله عليه وسلم. الوكاء- بالواو مكسورة ثم كاف- ما يربط به. والعفاص- بكسر العين المهملة وبالفاء والصاد المهملة- هو الوعاء- بكسر الواو. سقاؤها- بكسر أوله المراد به أجوافها أنها تشرب فتكتفي بذلك أيّاما. حذاؤها- بكسر المهملة ثم ذال ومعجمة- المراد به ها هنا خفها. ارهقتنا- أي أدركتنا. الورس- بواو مفتوحة فراء ساكنة- نبت طيب الرائحة في اليمن كان يصبغ به كالزعفران.

الباب الثاني في بعض ما فسره - صلى الله عليه وسلم - من القرآن

الباب الثاني في بعض ما فسّره- صلى الله عليه وسلم- من القرآن قال شيخنا- رحمه الله تعالى- في (الإتقان) . ولنختمه بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التفاسير المصرح برفعها إليه غير ما ورد من أسباب النزول لتستفاد فإنها من المهمات وها أنا ذاكر خلاصة ما ذكره هنا. روى الإمام أحمد والترمذي، وحسنه وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حيان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين هم النصارى» [ (1) ] . وروى ابن مردويه عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم، قال: اليهود، قلت: الضالّين: قال: النصارى [ (2) ] . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيل لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة/ 58] فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا حبّة في شعيرة؟ فيه تفسير قوله: «قولا غير الّذي قيل لهم» [ (3) ] . وروى الترمذي وغيره بسند حسن عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويل» واد في جهنم يهوي فيه الكافر، أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححاه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة/ 143] .

_ [ (1) ] أحمد 4/ 378 والطبراني في الكبير 17/ 100 والترمذي (2954) وأخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1715) وانظر المجمع 1/ 48 والطبري في التفسير 1/ 61 والسيوطي في الدر المنثور 1/ 16 وابن كثير 1/ 46 والبغوي في التفسير 1/ 61. [ (2) ] ذكره السيوطي في الإتقان (4/ 214) وانظر الحاكم 1/ 263. [ (3) ] أخرجه البخاري 8/ 164 ومسلم في التفسير (1) وأحمد 2/ 318 والخطيب في التاريخ 2/ 266 والبغوي في التفسير 1/ 64 وابن كثير 1/ 141 والقرطبي 1/ 411 والدر المنثور 1/ 71. [ (4) ] أخرجه الترمذي (2383) وابن ماجة (256) . [ (5) ] أخرجه أحمد 3/ 75 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1723) والطبراني في التفسير 2/ 353، 3/ 182 وابن كثير 1/ 231، 2/ 33، 6/ 317 وانظر المجمع 6/ 320.

قال: الوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم [ (1) ] . وروى أبو الشيخ (والديلمي) عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة/ 152] يقول: «اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي» [ (2) ] . وروى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ [البقرة/ 197] قال: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة [ (3) ] . وروى الترمذي وابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود والإمام أحمد والترمذي وصححه عن سمرة وابن جرير عن أبي هريرة وعن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ [آل عمران/ 7] قال: هم الخوارج، وفي قوله يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران/ 106] قال: هم الخوارج [ (5) ] . وروى الحاكم: وصححه عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران/ 102] أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى [ (6) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله: «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه» فيقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران/ 180] الآية [ (7) ] . وروى الحاكم وصححه عن عياض الأشعري قال: لما نزلت فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ

_ [ (1) ] انظر الإتقان للسيوطي 4/ 215 وبمعناه أخرجه البخاري 6/ 371 (3339) (7349) . [ (2) ] انظر الدر المنثور 1/ 148 والإتقان (ا) . [ (3) ] انظر المجمع 3/ 218، 6/ 318 وهو عند الخطيب في التاريخ 5/ 63 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 120. [ (4) ] أخرجه الترمذي 1/ 340 (181) وقال حسن صحيح. ومن حديث علي أخرجه البخاري 8/ 195 (4533) ومسلم 1/ 437 (205/ 627) . [ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 262 والطبراني في الكبير 325 وانظر المجمع 6/ 233، 327 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 5، 66. [ (6) ] انظر المجمع 6/ 326 وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 431 والسيوطي في الدر 2/ 59 وابن كثير في التفسير 2/ 72. [ (7) ] أخرجه البخاري 3/ 268 (1403) .

[المائدة/ 54] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قوم هذا [ (1) ] . وروى الطبراني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله أَوْ كِسْوَتُهُمْ [المائدة/ 89] قال: عباءة لكل مسكين [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام/ 82] شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح؟: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13] إنما هو الشرك [ (3) ] . وروى ابن مردويه والنّحّاس في تاريخه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام/ 141] قال: ما سقط من السّنبل [ (4) ] . وروى الطبراني وغيره بسند جيد عن عمر بن الخطاب والطبراني بسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً [الأنعام/ 159] أهل البدع والأهواء من هذه الأمة [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر العبد الكافر إذا قبضت روحه، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا وقالوا: ما هذا الرّوح الخبيث؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ [الأعراف/ 40] فيقول الله: «اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السّفلى، فيطرح روحه طرحا» ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ [ (6) ] [الحج/ 31] . وروى أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، قال: الألواح التي أنزلت

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 123 والطبراني في الكبير 17/ 371 وابن مسعود 4/ 1/ 79 وأبو نعيم في التاريخ 1/ 59 وابن حجر في المطالب (3598) وانظر المجمع 7/ 16 وابن الجوزي في الزاد 2/ 381 والسيوطي الدر 2/ 292. [ (2) ] ابن كثير في التفسير 3/ 167. [ (3) ] انظر الإتقان 4/ 221 والبخاري 8/ 144 (4629) . [ (4) ] السيوطي في الدر المنثور 3/ 49 وابن كثير في التفسير 3/ 342 والإتقان 2214. [ (5) ] انظر الإتقان 4/ 223. [ (6) ] انظر الإتقان 4/ 223.

على موسى كانت من سدر الجنة، كان طول اللوح اثني عشر ذراعا [ (1) ] . وروى أبو الشيخ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ [الأنفال/ 26] قيل يا رسول الله، ومن الناس؟ قال: أهل فارس [ (2) ] . وروى مسلم وغيره عن عقبه بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال/ 60] ألا وإن القوة الرّمي [ (3) ] . وروى أبو الشيخ من طريق أبي المهديّ عن أبيه عمّن حدّثه عن النبي صلى الله عليه وسلم والطبراني من حديث يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جدّه مرفوعا في قوله وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ [الأنفال/ 60] قال: هم الجنّ [ (4) ] . وروى ابن جرير عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السائحون: الصائمون» [ (5) ] . وروى مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى ربهم [ (6) ] . وروى ابن مردويه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] الحسنى شهادة أن لا إله إلا الله، الحسنى: الجنة، وزيادة: النظر إلى الله [ (7) ] . وروى أبو الشيخ وغيره عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ [يونس/ 58] قال: القرآن، وبرحمته: أن جعلكم من أهله [ (8) ] . وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله بن وثاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد/ 39] قال: يمحو من الرّزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه [ (9) ] .

_ [ (1) ] الدر المنثور 3/ 120 والإتقان (4/ 224) . [ (2) ] السيوطي في الدر 3/ 177 وانظر كنز العمال (34138) . [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1522 (167/ 1917) . [ (4) ] ابن حجر في المطالب (3630) الإتقان 4/ 226 وابن الجوزي في زاد المسير 3/ 375 والسيوطي في الدر 3/ 198. [ (5) ] أخرجه الطبري 11/ 38 والسيوطي في الدر 3/ 281 وابن كثير 4/ 157 وانظر الكنز (2904) والمجمع 7/ 34. [ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 163 (297، 298/ 181) . [ (7) ] أخرجه الطبري في التفسير 11/ 75 وأبو نعيم في الحلية 5/ 204 وابن كثير في التفسير 4/ 199، 439 وانظر الدر المنثور 3/ 305. [ (8) ] انظر المجمع 10/ 407 وانظر الإتقان (4/ 227) . [ (9) ] انظر الدر المنثور/ 4/ 66 وابن سعد 3/ 2/ 114 وابن كثير 4/ 391 والإتقان 4/ 231.

وروى الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أنس والإمام أحمد وابن مردويه بسند جيد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إبراهيم/ 24] قال: هي النخلة، وفي لفظ: هي التي لا ينقص ورقها هي النخلة وفي لفظ: «ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة» قال: هي الحنظل [ (1) ] . وروى الأئمة أي الستة عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا سئل في القبر (يشهد) [ (1) ] أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله فذلك [قوله] يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [ (2) ] [إبراهيم/ 27] . وروى الطبراني في الأوسط والبزار وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول الله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم/ 48] قال أرضا بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة [ (3) ] . وروى البخاري والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» [ (4) ] . وروى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر/ 92- 93] قال: عن قول لا إله إلا الله [ (5) ] . وروى الحاكم في التاريخ والدّيلمي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء/ 70] قال: الكرامة الأكل بالأصابع [ (6) ] . وروى ابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قال: الكرامة الأكل بالأصابع [ (7) ] . وروى ابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2867، 1319) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1748) والحاكم 2/ 352 وانظر الدر المنثور 3/ 312. [ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 231 (1369، 4699) ومسلم 4/ 2201 (73، 74/ 2871) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 10/ 199 وانظر المجمع 7/ 45، 10/ 345 وأبو نعيم في الحلية 4/ 348 وانظر الدر المنثور 4/ 90 وابن كثير 4/ 438. [ (4) ] انظر الإتقان 4/ 233 وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري البخاري في التفسير 8/ 156 (4474) (4703) (5006) وانظر تفسير ابن كثير 4/ 465 والطبري 14/ 40. [ (5) ] أخرجه الترمذي (3126) وأبو نعيم في الحلية 3/ 95 والقرطبي في التفسير 10/ 60. [ (6) ] السيوطي في الدر المنثور 4/ 193 الإتقان 4/ 234. [ (7) ] انظر المصدرين السابقين.

تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء/ 78] قال لزوال الشمس [ (1) ] . وروى البزار وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دلوك الشمس زوالها» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء/ 78] قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء/ 79] قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي، وفي لفظ: هو الشفاعة [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله بِماءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف/ 29] قال: كعكر الزيت، فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ [الكهف/ 46] التكبير والتهليل والتسبيح والحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله [ (6) ] . وروى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير مرفوعا، سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إلا إلا الله هي الباقيات الصالحات [ (7) ] . وروى البزار بسند جيد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه/ 124] قال: عذاب القبر [ (8) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله وَهُمْ فِيها كالِحُونَ [المؤمنون/ 104] قال: تشوبه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرّته [ (9) ] .

_ [ (1) ] انظر الإتقان (4/ 234) . [ (2) ] انظر المجمع 7/ 51. [ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 474 والترمذي 5/ 302 (3135) وابن ماجة 1/ 220 (670) ومثله أخرجه البخاري 2/ 137 (648) . [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 441 والسيوطي في الدر المنثور 4/ 197. ومن حديث أنس أخرجه البخاري 11/ 417 (6565) ومسلم 1/ 180 (322/ 193) . [ (5) ] أخرجه الترمذي (2581، 2584، 2322) والحاكم 2/ 501، 4/ 604. [ (6) ] انظر الدر المنثور 4/ 225. [ (7) ] أحمد 5/ 10، 11. [ (8) ] انظر المجمع 3/ 55 وانظر الإتقان. [ (9) ] أخرجه أحمد 3/ 88 والترمذي 4/ 708 (2587) (3176) وقال حسن صحيح وأخرجه أبو يعلى في المسند 2/ 516 (393/ 1367) والحاكم 2/ 246، 395.

وروى ابن جرير عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [السجدة/ 16] قال: قيام العبد من الليل [ (1) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ [السجدة/ 23] قال: جعلنا موسى هدى لبني إسرائيل في قوله: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ [السجدة/ 23] قال: من لقاء موسى ربه [ (2) ] . وروى الترمذي عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر/ 32] قال فأما الذين سبقوا: فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا: فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم: فأولئك الذين يحاسبون في طول المحشر، ثم هم الذين تلقّاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ... [فاطر/ 34] [ (4) ] . وروى الطبراني وابن جرير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة، قيل: أين أبناء السّتّينَ، وهو العمر الذي قال الله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر/ 37] [ (5) ] . وروى النّسائي والبزار وأبو يعلى وغيرهم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت/ 30] قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حتى يموت، فهو من استقام عليها [ (6) ] . وروى الإمام أحمد وغيره عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله؟ وحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 232، 342 وانظر المجمع 7/ 90 والدر المنثور 2/ 221، 5/ 170 وذاد المسير 6/ 337 والإتقان 4/ 240. [ (2) ] انظر الإتقان 4/ 240. [ (3) ] أخرجه الترمذي (3202) (3740) وابن ماجة (127) وابن سعد 3/ 1/ 156 وابن أبي عاصم 2/ 613 والطبراني في الكبير 19/ 325 وانظر الدر المنثور 5/ 191. [ (4) ] انظر المجمع 7/ 95. [ (5) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3/ 270 والسيوطي في الدر المنثور 5/ 254 وابن كثير في التفسير 6/ 539. [ (6) ] أخرجه الطبري في التفسير 24/ 73 وابن عاصم 1/ 15 والسيوطي في الدر 5/ 363 والقرطبي 5/ 357.

[الشورى/ 30] وسأفسرها لك يا علي، ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله أحلم من أن يثني عليه بالعقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه [ (1) ] . وروى ابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمّي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات مؤمن في غربة، غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ [الدخان/ 29] قال: إنهما لا يبكيان على كافر [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف/ 4] قال: الخطّ [ (3) ] . وروى الترمذي وابن جرير عن أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الفتح/ 26] قال: لا إله إلا الله [ (4) ] . وروى البزّار عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال وَالذَّارِياتِ ذَرْواً [الذاريات/ 1] وهي الرياح فَالْجارِياتِ يُسْراً [الذاريات/ 3] هنّ السّفن، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً [الذاريات/ 4] هي الملائكة، ولولا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته [ (5) ] . وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار» ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [ (6) ] [الطور/ 21] . وروى ابن أبي حاتم والبخاري في التاريخ وابن ماجة وابن أبي عاصم والبزار وابن حبان عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/ 29] قال: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين [ (7) ] . وروى الحسن بن سفيان وأبو داود والإمام أحمد وابن جرير عن عبد الله بن منيب قال: تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فقلنا: يا رسول الله، وما

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 85 والإتقان 4/ 244. [ (2) ] انظر تفسير ابن كثير 7/ 239 والدر المنثور 6/ 30 والإتقان 4/ 245. [ (3) ] الإتقان 4/ 245. [ (4) ] الترمذي (3232، 3265) . [ (5) ] انظر المجمع 7/ 113 والسيوطي في الدر 6/ 111 والإتقان 4/ 245. [ (6) ] الإتقان 4/ 246. [ (7) ] انظر المجمع 7/ 117 وابن كثير 7/ 470.

ذلك الشأن؟ قال: «يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين» [ (1) ] . روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما» [ (2) ] . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في الجنة شجرة يسير في ظلّها الراكب مائة عام، لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [ (3) ] [الواقعة/ 30] . وروى الترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة/ 34] قال: ارتفاعها كما بين السماء ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام [ (4) ] . وروى ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عربا» : كلامهن عربيّ [ (5) ] . وروى الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة/ 12] قال: النّوح [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي به كذلك [ (7) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر/ 56] فقال: قال ربكم: «أنا أهل أن أتّقى فلا تجعل معي إلها غيري فمن اتقى أن يجعل معي إلها غيري كان أهلا أن أغفر له» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححاه والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن

_ [ (1) ] انظر المصدار السابقة. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 181، 182 ومسلم في كتاب الإيمان (296) وابن ماجة (186) وابن أبي عاصم 1/ 272 والدولابي 2/ 70 وانظر الدر المنثور 6/ 146 وزاد المسير 5/ 199، 8/ 120 وابن كثير 4/ 115. [ (3) ] أخرجه الدارمي 2/ 338 وأحمد 2/ 404، 438 وعبد الرزاق (20876) والحميدي (1138) . [ (4) ] أخرجه أحمد 3/ 75 والترمذي 4/ 679 (2540) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 653 (2628) . [ (5) ] انظر الإتقان (4/ 248) . [ (6) ] أخرجه ابن ماجة (1579) وأحمد 6/ 320 وابن حجر في المطالب 3775 وانظر المجمع 70/ 123 في قوله تعالى في سورة المدثر «سأرهق صعودا» . [ (7) ] أخرجه الترمذي (5/ 400) وانظر الإتقان 4/ 251. [ (8) ] أخرجه أحمد 3/ 42 والدارمي 2/ 303 والبغوي في التفسير 7/ 181 وابن الجوزي في زاد المسير 8/ 414 والخطيب في التاريخ 5/ 52 والسيوطي في الدر 6/ 287 وابن كثير 8/ 299.

تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الرّان الذي ذكر الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (1) ] [المطففين/ 14] . وروى ابن جرير عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود: يوم القيامة، وشاهد: يوم الجمعة، ومشهود: يوم عرفة، وله شواهد» [ (2) ] . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور الله، فيه من كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، يفعل ما يشاء» [ (3) ] . وروى البزار عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى/ 14] قال: من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول الله، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى/ 15] قال: هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها [ (4) ] . وروى البزار عن ابن عباس قال: لما نزلت إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى [الأعلى/ 18] قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كان هذا أو كلّ هذا في صحف إبراهيم وموسى» [ (5) ] . وروى الترمذي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر، قال: «الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر» [ (6) ] . وروى ابن أبي حاتم من طريق جرير عن الضحاك عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9] أفلحت نفس زكّاها الله [ (7) ] . وروى ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قوله إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات/ 6] الكنود: الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنع رفده [ (8) ] . وروى عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ [التكاثر/ 1] عن الطاعة حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ [التكاثر/ 2] حتى يأتيكم الموت [ (9) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 297 والترمذي 5/ 434 (3334) وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (418) وابن ماجة (4244) والطبري 30/ 62 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2448) والحاكم 2/ 517. [ (2) ] وأخرجه من حديث أبي هريرة أحمد 2/ 298، 299 والترمذي 5/ 436 (3339) والطبراني في الكبير 3/ 338 وأخرجه الطبري في التفسير 30/ 82 وانظر الدر المنثور 6/ 331، 332. [ (3) ] الطبراني في الكبير 12/ 72 وانظر تفسير ابن كثير 8/ 394 واللآلي المصنوع 1/ 11. [ (4) ] انظر المجمع 7/ 137 وانظر تفسير ابن كثير 8/ 403 والقرطبي 20/ 22. [ (5) ] الإتقان 4/ 254. [ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 437 والإتقان 4/ 254. [ (7) ] ذكره السيوطي في الدر 6/ 357 وابن كثير 8/ 435. [ (8) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 222، 292 والسيوطي في الدر 9/ 209 وانظر فتح الباري 8/ 727 والقرطبي 20/ 160 وابن كثير 1/ 30، 3/ 313، 8/ 488. [ (9) ] السيوطي في الدر المنثور 6/ 387 والإتقان عن ابن أبي حاتم 4/ 255.

وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله، قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطبا، وشربوا ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من النعيم الذي تسألون عنه [ (1) ] . وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر/ 8] قال: الأمن والصّحّة [ (2) ] . وروى ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة/ 8] قال مطبقة [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمر حين طلع، وقال: تعوّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب [ (4) ] . وروى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله: «إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم» ، قال: «فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس، الخناس» [ (5) ] . تنبيه: قال الشيخ: صرح ابن تيمية أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر لأصحابه جميع القرآن أو غالبه ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وابن ماجة عن عمر أنه قال: من آخر ما نزل آية الربا، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها [ (6) ] ، دلّ فحوى الكلام على أنه كان يفسّر لهم كل ما ينزل، وأنه إنما لم يفسر هذه الآية لسرعة موته بعد نزولها وإلا لم يكن للتخصيص بها وجه، وأما ما أخرجه البزار عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسّر شيئا من القرآن إلا آيا بعد أن علمه إيّاهنّ جبريل [ (7) ] ، فهو حديث منكر كما قاله ابن كثير وأولّه ابن جرير على أنها أشارت إلى آيات مشكلات أشكلت عليه، فسأل الله علمهن، فأنزل الله عليه على لسان جبريل عليه السلام.

_ [ (1) ] أخرجه النسائي في الوصايا باب 4 وأخرجه أحمد 3/ 338، 351، 391 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2531) والطحاوي في المشكل 1/ 195 والطبراني في الصغير 1/ 69 والبيهقي في الدلائل 1/ 362 والطبراني في التفسير 30/ 185. [ (2) ] انظر الإتقان (4/ 255) . [ (3) ] الإتقان 4/ 256. [ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 61، 206 وابن السني (632) والطبري 30/ 227 وابن كثير 8/ 555. [ (5) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 1044 وذكره الحافظ في المطالب (3384) وانظر المجمع 7/ 149 والسيوطي في الدر 6/ 420 وابن كثير 8/ 588 والقرطبي 20/ 262. [ (6) ] انظر الإتقان 4/ 258. [ (7) ] انظر الإتقان (4/ 258) .

الباب الثالث في بعض مروياته عن ربه - عز وجل - وتسمى الأحاديث القدسية

الباب الثالث في بعض مروياته عن ربه- عز وجل- وتسّمى الأحاديث القدسية الأول: روى الإمام أحمد وهناد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا به عمى، فقال: أبشر، فإن الله تعالى يقول: «هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا فتكون حظه من النار يوم القيامة» [ (1) ] . الثاني: روى الإمام أحمد وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا يا معشر المسلمين، أبشروا هذا ربكم، قد فتح عليكم بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة» ، يقول: «انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة، وهم ينتظرون أخرى» [ (2) ] . الثالث: روى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «يا ابن آدم، اضمن لي ركعتين من أول النهار أكفك آخره» [ (3) ] . ورواه الإمام أحمد وأبو داود عن نعيم بن همار والطبراني في الكبير عن النّواس بلفظ: «لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» ورواه الإمام أحمد عن كثير بن مرة والترمذي عن أبي الدرداء بلفظ: «يا ابن آدم، صلّ أربع ركعات» [ (4) ] . الرابع: روى عبد الرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي والطبراني عن معاذ بن جبل والطبراني وابن مردويه عن أبي لبابة والطبراني وابن مردويه عن أبي رافع والطبراني وابن مردويه عن طارق بن شهاب والطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرة والحكيم الترمذي والطبراني في السنة، والخطيب عن أبي عبيدة عامر بن الجراح والحكيم والطبراني عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي والإمام أحمد عنه عن بعض الصحابة والحكيم والبزار والطبراني في السنة عن ثوبان قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني ربي- تبارك وتعالى- في أحسن صورة، أحسبه قال في المنام» ، فقال: يا محمد، انظر فيما يختصم الملأ الأعلى، قلت لا، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماوات والأرض، فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات والدّرجات،

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2088) وابن ماجة (3470) والحاكم 1/ 345 وأبو نعيم في الحلية 6/ 86. [ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 186، 187، 208 وأبو نعيم 6/ 54 وابن ماجة (801) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ورجاله ثقات. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم وانظر أحمد 4/ 53/ 55/ 286.

الخامس:

والكفّارات: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء على المكاره، قال: صدقت يا محمد، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد، إذا صليّت، فقل: اللهم إني أسالك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وتتوب عليّ، وإذا أردت بعبادك فتنة، فأقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام [ (1) ] . الخامس: روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي واقد الليثي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله- عز وجل قال: «إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحبّ أن يكون له ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب» [ (2) ] . السادس: روى الطبراني عن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: من انتدب خارجا في سبيلي غازيا ابتغاء وجهي، وتصديق وعدي، وإيمانا برسلي، فهو ضامن على الله- عز وجل- إما أن يتوفاه في الجيش بأي حتف شاء، فيدخله الجنة، وإما يسبح في ضمان الله- عز وجل- وإن طالت غيبته حتى يردّه إلى أهله مع ما نال من أجر وغنيمة» [ (3) ] . السابع: روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه» . الثامن: روي أيضاً عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه- عز وجل- قال: «إذا تقرب إليّ العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 368 و 375، 4/ 66 وابن أبي عاصم 1/ 204 والطبري 7/ 162 والترمذي (3234) والطبراني في الكبير 8/ 349 والسيوطي في الدر 5/ 319 وابن كثير 7/ 425 وانظر الكنز (44321) والمجروحين لابن حبان 3/ 135. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 219، 3/ 247 والطبراني في الكبير 5/ 208 وفي الصغير 1/ 139 وانظر المجمع 10/ 243. [ (3) ] تقدم وانظر الحلية 5/ 190. [ (4) ] تقدم.

التاسع:

التاسع: روى البزار بسند لا بأس والبيهقي والخطيب في المتفق والمفترق عن الضحاك بن قيس، قال الحافظ المنذري: لكنّ الضحاك مختلف في صحبته، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله- تبارك وتعالى- يقول: «أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي. يا أيها الناس، أخلصوا أعمالكم، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له، ولا تقولوا: هذا لله، وهذا للرّحم، فإنها للرّحم وليس لله منها شيء، ولا تقولوا هذا لله، ولوجوهكم، فليس لله فيها شيء» ورواه البغوي والدارقطني وابن عساكر والضياء [ (1) ] . العاشر: وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك فمن هم بحسنة، فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة، فإذا همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى ستمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة واحدة، فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن عملها كتبها الله سيئة واحدة» ، زاد في رواية: «ومحاها» «ولا يهلك على الله إلا هالك» [ (2) ] . روى الشيخان عن أبي هريرة وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة، فلا تكتبوها عليه حتّى يعملها، فإن عملها فاكتبوها عليه بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإن أراد أن يعمل حسنة، فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة» ، وفي لفظ لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتب له إلى سبعمائة ضعف، ومن همّ بسيئة لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت» وفي لفظ له: قال عن محمد صلى الله عليه وسلم قال الله- عز وجل-: «إذا تحدّث عبدي أن يعمل حسنة، فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإن عملها فأنا أكتبها له عشر أمثالها، وإذا تحدث أن يعمل سيئة، فأنا أغفر له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها فإن تركها فأنا أكتبها له حسنة» [ (3) ] . الحادي عشر: روى البيهقي في الشعب وابن النجار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: «إني لأهمّ بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى عمّار بيوتي والمتحابين فيّ والمستغفرين بالأسحار صرفت عذابي عنهم» [ (4) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 10/ 122. [ (2) ] أخرجه البخاري 8/ 128 ومسلم في كتاب الإيمان (208) وأحمد 1/ 310، 360 وانظر تفسير ابن كثير 1/ 504. [ (3) ] انظر صحيح مسلم 1/ 145 (259/ 162) وأحمد 1/ 279، 361، 411، 2/ 234 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (31) وأبو عوانة (1/ 84، 128) والطبراني في الكبير 12/ 161 وأبو نعيم في الحلية 10/ 394. [ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 4/ 1379 وانظر جمع الجوامع (5292) والقرطبي 4/ 39.

الثاني عشر:

وروى حمزة السهمي في معجمه وابن النجار عن المهاجر بن حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: «إني لست على كلام الحكيم أقبل ولكن أقبل على همّه وهواه، فإن كان همّه وهواه فيما يحب الله ويرضى جعلت همته لله ووقارا وإن لم يتكلم» [ (1) ] . الثاني عشر: روى ابن النجار عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: «لا إله إلا أنا خلقت الخير وقدّرته، فطوبى لمن خلقته للخير، وخلقت الخير له، وأجريت الخير على يديه، أنا الله الذي لا إله إلا أنا خلقت الشر وقدّرته، فويل لمن خلقته للشر، وخلقت الشر له، وأجريت الشر على يديه» [ (2) ] . الثالث عشر: روى الطبراني عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول: يا عبادي، كلّكم ضالّ إلا من هديته، وضعيف إلا من قوّيته، وفقير إلا من أغنيته، فسلوني أعطكم فلو أن أوّلكم وآخركم وجنّكم وإنسكم وحيّكم وميّتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أتقى عبد من عبادي، ما زاد في ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أفجر رجل ما نقص من ملكي جناح بعوضة، ذلك أنّي واحد، عذابي كلام، ورحمتي كلام، فمن أيقن بقدرتي على المغفرة لم يتعاظم في نفسي أن أغفر له ذنوبه ولو كثرت المعاصي» [ (3) ] . الرابع عشر: روى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله- عز وجل- يقول: يا عبدي، ما عبدتني ورجوتني، فإني غافر لك على ما كان فيك، يا عبدي، إذا لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة» [ (4) ] . الخامس عشر: روى الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن واثلة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ» [ (5) ] . السادس عشر: روى ابن عساكر عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن الله تعالى يقول: أحبّ عبادة عبدي إليّ النّصيحة [ (6) ] .

_ [ (1) ] انظر جمع الجوامع (5293) والمهاجر قال المناوي لم أره في الصحابة وفي المعجم الصغير للطبراني «صمته» بدلا من همته. [ (2) ] انظر جمع الجوامع (5294) والكنز (587) . [ (3) ] انظر المجمع 10/ 150 وجمع الجوامع (5295) والكنز (43599) . [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 154 وجمع الجوامع (5298) والسيوطي في الدر 2/ 170 وابن كثير 2/ 287. [ (5) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 9/ 306 وهو عند مسلم في الذكر والدعاء (19) وأحمد 2/ 391 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2393، 2394) وانظر جمع الجوامع (5300) . [ (6) ] انظر جمع الجوامع (5299) .

السابع عشر:

السابع عشر: روى ابن عساكر عن مكحول مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: «يا ابن آدم، قد أنعمت عليك، إن جعلت لك عينين، تبصر بهما، وجعلت لهما غطاء، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، فإن رأيت ما حرّصت عليك فأطبق عليهما غطاءهما، وجعلت لك لسانا، وجعلت له غلّاقا فانطق بما أمرتك وأحللت لك، فإن عرض لك ما حرّمت عليك، فأغلق عليك لسانك، وجعلت لك فرجا، وجعلت لك سترا فأصب بفرجك ما أحللت لك، فإن عرض لك ما حرّمته عليك فأرخ عليك سترك، ابن آدم، إنك لا تتحمّل سخطي، ولا تطيق انتقامي» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، اكفني أوّل النهار أربع ركعات أكفك بهنّ آخر يومك [ (2) ] . وروى البيهقي في الشعب عن الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق، أوفك أحوج ما تكون إليه [ (3) ] . وروى نعيم بن حماد في الفتن عن عروة بن رويم مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن الله تعالى يقول: أنا أرحب الأرض لعبادي في خيرها، فمن قبضت فيها من المؤمنين، كانت له رحمة، وكانت آجالهم التي كتبت عليهم، ومن قبضت من الكافرين كانت عذابا لهم، فكانت آجالهم التي كتبت عليهم [ (4) ] . الثامن عشر: روى الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول: «ثلاث خلال غيّبتهن عن عبادي لو رآهنّ رجل ما عمل سوءا أبدا، لو كشفت غطائي، فرآني حتّى يستيقن ويعلم كيف أفعل بخلقي إذا أمتّهم، وقبضت السّماوات بيدي ثم قبضت الأرض، ثم الأرضين، ثم قلت أنا الملك، من ذا الذي له الملك من دوني؟ ثم أريهم الجنّة، وما أعددت لهم فيها من كل خير فيستيقنونها وأريهم النار وما أعددت لهم فيها من كل شرّ فيستيقنونها، ولكن عمدا ذلك غيبته عنهم، لأعلم كيف يعملون وقد بينته لهم» [ (5) ] والله أعلم. التاسع عشر: روى الإمام أحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن خزيمة عن أبي هريرة وأبي سعيد معا والنسائي عن عليّ والنسائي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن

_ [ (1) ] انظر جمع الجوامع (5301) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 153 وانظر المجمع 2/ 325 وجمع الجوامع 5325. [ (3) ] انظر جمع الجوامع (5325) والكنز (16021) . [ (4) ] انظر جمع الجوامع (5330) والكنز (588) . [ (5) ] انظر جمع الجوامع (5303) والكنز (29858) .

العشرون:

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول إن الصوم لي وأنا أجزي به الحديث» [ (1) ] . العشرون: روى أبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما» [ (2) ] . الحادي والعشرون: روى الترمذي وقال حسن غريب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة. ورواه الطبراني وابن السني في عمل يوم وليلة وابن عساكر عن أبي أمامة بلفظ: «يا ابن آدم، إني إذا أخذت كريمتك، فاصبر واحتسب عن الصدمة الأولى- لم أرض لك ثوابا إلا الجنة» [ (3) ] . الثاني والعشرون: روى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه» [ (4) ] . الثالث والعشرون: روى أبو سعيد والترمذي وضعفه والطبراني والبيهقي في الشعب عن عمارة بن زكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: إن كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه- يعني- عند القتال [ (5) ] . الرابع والعشرون: روى أبو سعيد والترمذي وضعفه والطبراني والبيهقي في الشعب وأبو يعلى عن خباب وأبو يعلى والسّراج والبيهقي وابن حبان والضياء عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى قال: إن عبدا أصححت له جسمه، وأوسعت عليه في الرزق» ، وفي لفظ: «ووسّعت عليه في معيشته» ، فأتى عليه خمس حجج، لا يأتي إليّ فيهن، وفي لفظ «تمضي عليه خمسة أعوام لا يغدو إلى المحرم» [ (6) ] . الخامس والعشرون: روى الطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى للملائكة: انطلقوا إلى عبدي فصبوا عليه البلاء صبّا فيأتونه فيصبوا عليه

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 256 (3383) وقال الحافظ وأعلّه ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان والد أبي حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وانظر جمع الجوامع (5305) والكنز (9295) . [ (3) ] أخرجه ابن السني (623) وجمع الجوامع (5308) وانظر المجمع 2/ 309. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 540 والحاكم 1/ 496 وجمع الجوامع (5313) وابن ماجة (3792) وانظر الدر المنثور 1/ 149. [ (5) ] جمع الجوامع (5316) وسعيد بن منصور (2878) والدولابي في الكنى 1/ 23. [ (6) ] انظر جمع الجوامع (5317) (5319) والمطالب (1065) والدر المنثور 1/ 212 والمجمع 3/ 206 وذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 75 وابن عدي في الكامل 3/ 933.

السادس والعشرون:

البلاء فيحمد الله، فيرجعون فيقولون يا ربّنا صببنا عليه البلاء صبّا كما أمرتنا، فيقول: ارجعوا، فإني أحب أن أسمع صوته» [ (1) ] . السادس والعشرون: روى الطبراني وأبو نعيم في الطّبّ عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: من أهان لي وليا فقد بارزني بالعداوة، ابن آدم، لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون أنا سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته، وإذا نصرني نصرته، وأحب ما تعبد لي به عبدي النّصح لي [ (2) ] . السابع والعشرون: روى الطبراني عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: أن العزة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما عذّبته» [ (3) ] . الثامن والعشرون: روى الإمام أحمد والبيهقي في «الشعب» عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقول: إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة كلّ خير بحمدي، وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه» [ (4) ] . تنبيهات الأول: قوله «أتاني ربي» وقوله «فوضع يده» ، وأمثال ذلك فيه مذهبان، فمذهب السلف: الإيمان به كما ورد وتفويض أمره إلى الله تعالى، ومذهب الخلف: التأويل بما يليق به تعالى مع اتفاقهم على استحالة ظاهرها عليه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، فيتأولون الإتيان بمجيء أمره ونهيه، واليد بالنعمة، وما أشبه ذلك من التأويلات اللّائقة به تعالى. الثاني: قوله تعالى «إلى ستّمائة» وفي لفظ «إلى سبعمائة ضعف» المضاعفة التكثير، قال الجوهري وذكر الخليل أن التضعيف أن يزاد على أصل الشّيء فيجعل مثلين، والحسنة ما يحمد بها الإنسان شرعا، والمراد بمضاعفتها مضاعفة جزائها في الآخرة لمن جاء بها خالصة مقبولة، لأن الله تعالى قال: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» ولم يقل: «من عمل حسنة» وقد تكون الحسنة لا مضاعفة فيها، كمن نوى حسنة ولم يفعلها وكان رجوعه عنها العذر، لا لرغبة عنها.

_ [ (1) ] الطبراني 8/ 195 وجمع الجوامع (5318) انظر كنز العمال (6821) وشرح السنن 5/ 236 وقال السيوطي في سنده عفير بن معدان ضعفوه. [ (2) ] انظر جمع الجوامع (5320) والكنز (1155) والعلل للرازي (1872) وانظر الحاوي للسيوطي 1/ 562، 563. [ (3) ] انظر المجمع 1/ 99 والعلل للرازي (1795) والطبراني في الصغير 1/ 119. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 341 والمجمع 10/ 96 وجمع الجوامع (5424) .

وللمضاعفة مراتب. الأولى: إلى مثليه وهو من أدرك نبيّين فآمن بهما جميعا، وعبد أطاع الله ونصح سيده، وامرأة أطاعت الله وأحسنت عشرة زوجها. الثانية: لمن عمل حسنة. الثالثة: إلى خمسة عشر، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: «صم يومين، ولك ما بقي من الشهر» [ (1) ] فالحسنة بخمسة عشر. الرابعة: إلى ثلاثين ففي الحديث نفسه: «صم يوما ولك بها ما بقي من الشهر» فالحسنة بثلاثين. الخامسة: إلى خمسين ففي الحديث أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: من قرأ القرآن، فاعتبر به، فله بكل حرف خمسون لا أقول: آلم حرف، ولكن الألف حرف واللام حرف، والميم حرف. السادسة: إلى سبعمائة وهي النفقة في سبيل الله، قال تعالى مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة/ 261] . السابعة: إلا ما لا يتناهى، وهو الصوم، لقوله- عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربه- عز وجل- كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، والصّبر، لقوله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر/ 10] وهو يتعدّد إلى الصبر على الطاعة، وإلى الصبر على المعصية، وإلى الصبر على المصيبة. (فإن الصلاة مثلا مشتملة على أنواع من العبادات كالقراءة والتسبيح والخشوع وغير ذلك وإنما المراد) . الثالث: ليس المراد بالحسنة أجزاء العبادات، أن الصلاة بكمالها حسنة فمن أتى ببعض صلاته لم يدخل في هذا. الرابع: في بيان غريب ما سبق: الملأ- بميم فلام مفتوحتين فهمزة مضمومة- الأشراف والغلبة والجماعة. الثّدي- بمثلثة مفتوحة. إسباغ الوضوء- بسين مهملة وآخره معجمة- إتمامه. الجوف- بجيم مفتوحة فواو ساكنة ففاء البطن. آذنته: أعلمته أني محارب له. استعاذني- يروى بالنون والياء والله تعالى أعلم.

_ [ (1) ] تقدم.

الباب الرابع في روايته عن أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام

الباب الرابع في روايته عن أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام روى البخاري وغيره عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» . الباب الخامس في روايته عن بعض أصحابه قصة مشاهدة الدجّال والدابة روى الترمذي عن فاطمة بنت قيس أنّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم صعد المنبر فضحك فقال: إنّ تميما الدّاريّ حدّثني بحديث ففرحت. فأحببت أن أحدّثكم، حدّثني إن ناسا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتّى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابّة لبّاسة ناشرة شعرها فقالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجسّاسة. قالوا: فأخبرينا، قالت: لا أخبركم ولا أستخبركم ولكن ائتوا أقصى القرية فإنّ ثمّ من يخبركم ويستخبركم، فأتينا أقصى القرية فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زعر قلنا ملأى تدفق. قال: أخبروني عن البحيرة؟ قلنا: ملأى تدفق، قال: أخبروني عن نخل بيسان الّذي بين الأردن وفلسطين هل أطعم؟ قلنا: نعم، قال: أخبروني عن النّبيّ هل بعث؟ قلنا: نعم، قال: أخبروني كيف النّاس إليه؟ قلنا: سراع، قال: فنزّ نزوة حتّى كاد، قلنا: فما أنت؟ قال: إنّه الدّجّال، وإنه يدخل الأمصار كلّها إلا طيبة. وطيبة: المدينة. قال أبو عيسى: وهذا حديث صحيح غريب من حديث قتادة عن الشّعبيّ، وقد رواه غير واحد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس.

جماع أبواب أحكامه - صلى الله عليه وسلم - وأقضيته وفتاويه

جماع أبواب أحكامه- صلى الله عليه وسلم- وأقضيته وفتاويه ليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام، وإن كانت أقضيته الخاصة تشريعا عامّا، وإنما الغرض ذكر سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الحكومات الجزئيّة التي فصل بها بين الخصوم وكيف كانت سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الحكم بين الناس. الباب الأول في أحكامه- صلى الله عليه وسلم- وأقضيته في المعاملات وما يتعلق بها وفيه أنواع: الأول: في تحذيره صلى الله عليه وسلم من القضاء بين اثنين: روى الإمام أحمد والدارقطني والأربعة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والبيهقي في السنن عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقف على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله فإن قال الله تعالى ألقه ألقاه في مهواه أربعين خريفا» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ابتغى القضاء، وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله تعالى ملكا يسدده» [ (4) ] . الثاني: في تقسيمه القضاء إلى ثلاثة أقسام: روى أبو داود والبيهقي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القضاء ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 230 وأبو داود 4/ 5 (3572) والترمذي 3/ 614 (1325) وابن ماجة 2/ 774 (2308) والحاكم 4/ 91. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 4/ 205 والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 97، وابن ماجه (2311) . [ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 75 وانظر الترغيب 3/ 157 والكنز (14989) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 8 (3578) والترمذي 3/ 614 (1324) وابن ماجة 2/ 774 (2309) .

الثالث: في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحكم في حال الغضب والجوع:

فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار» [ (1) ] . الثالث: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن الحكم في حال الغضب والجوع: وروى البخاري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» [ (2) ] . وروى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريّان» [ (3) ] . الرابع: في وعظه صلى الله عليه وسلم الخصمين: روى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما أنا بشر مثلكم إنّما أقضى بينكم بما أسمع منكم ولعل بعضكم [ (4) ] أن يكون ألحن بحجته من أخيه، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار. وروى الأئمة عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصمين بباب حجرته فخرج إليهما فقال: «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم وفي لفظ- وإنه ليأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا» وفي لفظ: «بحق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما لصاحبه: حقي لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إما إذا فعلتما ذلك فاقتسماه وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحللا» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أن بشر، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 5 (3573) والترمذي 3/ 613 (1322) والنسائي كما في التحفة 2/ 94 (2009) وابن ماجة 2/ 776 (2315) والحاكم 4/ 90 والبيهقي 10/ 117. [ (2) ] البخاري 13/ 136 وبنحوه أيضا أخرجه البخاري من حديث أبي بكرة 13/ 136 (7158) ومسلم 3/ 1342 (16/ 1717) . أخرجه أبو داود 3/ 302 (3589) والترمذي 3/ 620 (1334) والنسائي 8/ 237 وابن ماجة 2/ 776 (2316) والطحاوي في المشكل 1/ 260. [ (3) ] أخرجه الدارقطني 4/ 206 والبيهقي 10/ 106 والخطيب في التاريخ 6/ 277 وابن حجر في المطالب (2127) وانظر المجمع 4/ 195 والتلخيص 4/ 189. [ (4) ] انظر المجمع 4/ 198. [ (5) ] أخرجه من حديث عائشة البخاري 5/ 106 (2457) ومسلم 4/ 2054 (5/ 2668) من حديث أم سلمة البخاري. [ (6) ] أخرجه أحمد 2/ 332، 6/ 307، 308 320 وابن أبي شيبة 7/ 235.

الخامس: في حبسه صلى الله عليه وسلم في تهمة:

وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقّه الله من سبع أرضيين» [ (1) ] . الخامس: في حبسه صلى الله عليه وسلم في تهمة: روى أبو داود، والحاكم عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة [ (2) ] . وروى النسائي والترمذي وزاد ثم خلا عنه سنده صحيح [ (3) ] . وروى أبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة يوما وليلة استظهارا واحتياطا ورواه الطبراني ولم يقل: «يوما وليلة» [ (4) ] . وروى الطبراني عن نبيشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة [ (5) ] . وروى ابن أبي شيبة والحاكم مرسلا عن أبي مجلز- رحمه الله تعالى- أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه فحبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى باع فيه غنيمته له [ (6) ] . وروى أبو داود عن معاوية بن حيدة أن أخاه أو عمه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال جيراني بما أخذوا فأعرض عنه ثم ذكر شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خلوا له عن جيرانه» [ (7) ] . السادس: في أمره صلى الله عليه وسلم رجلا في ملازمة غريمه: روى أبو داود وابن ماجة عن الهرماس بن حبيب رجل من أهل البادية عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت [ (8) ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: «الزمه» ، ثم مربي آخر النهار فقال ما تريد أن تفعل بأسيرك وفي لفظ: «ما فعل أسيرك» . السابع: في نفيه صلى الله عليه وسلم أهل المعاصي: روى أبو داود والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمخنّث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال «ما بال هذا؟» فقالوا يا رسول الله يتشبه بالنساء

_ [ (1) ] من حديث سعيد بن زيد أخرجه البخاري 6/ 293 (3198) ومسلم (3/ 1231) حديث (140/ 1610) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (3630) . [ (3) ] النسائي (8/ 67) . [ (4) ] أخرجه الحاكم 4/ 102 والعقيلي في الضعفاء 1/ 52. [ (5) ] انظر المجمع 4/ 203. [ (6) ] أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 486. [ (7) ] أخرجه أبو داود (3631) وأحمد 5/ 2، 4. [ (8) ] أخرجه أبو داود (3629) وابن ماجة (2428) والبخاري في التاريخ 8/ 247 والرازي في العلل (1424) .

الثامن: في امتناعه صلى الله عليه وسلم عن كلام المجرمين وأهل المعاصي:

فأمر به فنفي إلى النقيع، قالوا: يا رسول الله ألا تقتله؟ قال: إني نهيت عن قتل المصلين [ (1) ] . النقيع بالنون ناحية من المدينة وليس البقيع بالباء. الثامن: في امتناعه صلّى الله عليه وسلم عن كلام المجرمين وأهل المعاصي: روى البخاري مختصرا عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أنه لما تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ... فذكر الحديث قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا. التاسع: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في التحكيم [ (2) ] : روى الطبراني بسند ضعيف عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام فقال: «أجعل بيني وبينك عمرا» فقلت: لا، فقال: «اجعل بيني وبينك أباك» قلت: نعم [ (3) ] . العاشر: في حجره صلى الله عليه وسلم على المفلس: روى الطبراني عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ بن جبل ماله وباعه بدين كان عليه [ (4) ] . وروى ابن أبي عمر عن عدي بن عديّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على إنسان لم يوجد وفاء ووجد بعض غرمائه سلعته عنده وأقرّه، وقضى بأن يأخذ متاعه إن وجده. وروى الإمام مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيّما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقض الذي باعه من ثمنه شيئا، فوجده بعينه، فهو أحقّ به، فإن مات المشتري فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء. وهو مرسل هنا، وقد وصله أبو داود عن إسماعيل بن عباس الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة والزبيدي هو محمد بن الوليد أبو الهذيل وحديث إسماعيل عن الشاميين صحيح» [ (5) ] . وروى أبو داود عن عمرو بن خلدة قال: أتينا إلى أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- في صاحب لنا أفلس فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه فهو أحق به» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود في كتابه الأدب باب (60) رقم (4928) والدارقطني 2/ 55 وانظر الفتح 9/ 335 واللسان (3/ 1001) وابن الجوزي في العلل 2/ 296 والميزان للذهبي (4084) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] مجمع (4/ 199) ورجاله ثقات. [ (4) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 58، 4/ 101. [ (5) ] ذكره ابن عبد البر في التمهيد 8/ 405 مالك في الموطأ (678) وأبو داود (3520) . [ (6) ] أخرجه البخاري 5/ 62 (2402) ومسلم 3/ 1194 (24/ 1194) .

الحادي عشر: في سيرته في المعاملات:

وروى الطبراني من طرق عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال كان معاذ بن جبل شابا جميلا من خير شباب قومه لا يسأل شيئاً إلا أعطاه حتى أدان دينا أغلق ماله وفي لفظ «أحاط ذلك بماله فقال معاذ: يا رسول الله ما جعلت في نفسي حين أسلمت أن أبخل بمال ملكته وإني أنفقت مالي في أمر الإسلام والمسلمين فأبقى ذلك عليّ دينا عظيما، فادع غرمائي فاسترفقهم فإن أرفقوني فسبيل ذلك فإن أبوا فاجعلني لهم من مالي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماءه فعرض عليهم أن يرفقوا به فقالوا: نحن نحب أموالنا، وفي لفظ: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم غرمائه فلم يضعوا له شيئا، فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبرح حتى باع ماله كله وقسمه بين غرمائه، فقام معاذ لا مال له، فلما حج بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. وفي لفظ: حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل وباعه بدين كان عليه [ (1) ] . الحادي عشر: في سيرته في المعاملات: روى الإمام أحمد وأبو داود عن رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار» [ (2) ] . وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بين أهل المدينة في النخل لا يمنع نقع بئر وقضى بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع البئر [ (4) ] . وروى مسدد مرسلا برجال ثقات عن ابن المسيّب- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «حريم قليب البئر العادية خمسون ذراعا، وحريم البديء خمسة وعشرون ذراعا قال سعيد: ولم يرفعه وحريم قليب الزرع ثلاثمائة ذراع» [ (5) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم النخلة» [ (6) ] مد جريدها.

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق 8/ 268 (15177) وأبو داود في المراسيل (152) وذكره الحافظ في المطالب 1/ 416 (1389) والبيهقي 6/ 48. [ (2) ] أخرجه من طريق أبي خداش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحمد 5/ 364 وأبو داود 3/ 750 (3477) ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجة 2/ 826 (2472) وابن السكن كما في التلخيص 3/ 65 وفي إسناده عبد الله بن خداش متروك ولكبر الحديث طرق أخرى يقوي بعضها بعض. [ (3) ] أحمد 2/ 273، 6/ 112، 252 والحميدي (1124) والحاكم 2/ 61 والبيهقي 6/ 152. [ (4) ] أخرجه أحم 3/ 39، 268 وابن أبي شيبة 6/ 258 والبيهقي 6/ 152. [ (5) ] أخرجه الحاكم 4/ 97 وانظر نصب الرابة 4/ 393 وابن حجر في المطالب (1399) . [ (6) ] ابن ماجة (2489) .

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها» [ (1) ] . وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنّه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث» [ (2) ] . وروى الإمام مالك عن أبي سلمة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن أعمر عمرى، فهي له بتلة لا يجوز للمعطي منها شرط ولا ثنيا قال أبو سلمة: لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، فقطعت الميراث شرطه [ (3) ] . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة [ (4) ] . في حديث أحدهما: فأمر بها فذرعت فوجد سبعة أذرع وفي حديث الآخر خمسة أذرع فقضى بذلك. وروى النسائي عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرف ظالم حق» وللبخاري نحوه [ (5) ] . وروى أبو داود عن عروة بن الزبير قال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله من أحيا مواتا فهو أحق به جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه [ (6) ] . وروى ابن ماجة عن ثعلبة بن أبي مالك- رضي الله تعالى عنه- وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو وابن ماجة عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهذور الأعلى فوق الأسفل يسقى الأعلى إلى الكعبين، ثم يرسل إلى من هو أسفل منه وكذلك حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء. وروى البخاري عن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن رجلا خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون فيها النخل فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما إلى النبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله

_ [ (1) ] أحمد (2/ 494) . [ (2) ] أخرجه مسلم 5/ 238 (2625) ومسلم 3/ 1245 (20/ 1625) . [ (3) ] أخرجه النسائي 6/ 276. [ (4) ] وأبو داود (2/ 340) (3640) . [ (5) ] أخرجه أبو داود 3/ 453 (3073) والترمذي 3/ 662 (1378) . [ (6) ] أخرجه أبو داود 4/ 3 (3639) وابن ماجة 2/ 830 (2482) والبيهقي 6/ 154.

إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر» ، قال ابن الزبير: والله إني لأحسب أن هذه الآية نزلت في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [ (1) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي والدارقطني عن الصعب بن جثامة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وقال: «لا حمى إلا لله ولرسوله» [ (2) ] . وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة» وفي رواية عكسه [ (3) ] . وروى البخاري تعليقا وأسنده الدارقطني عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل» [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري [ (5) ] . وروى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن [ (6) ] . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه» [ (7) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ بيع ما ليس عندك ولا ربح ما لم يضمن» [ (8) ] . وروى الأئمة والشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثّمار حتّى يبدو صلاحها وفي لفظ: حتى تزهى، قيل: يا رسول الله، ما تزهى؟ قال: تحمرّ،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 34 (2359) وفي التفسير (4585) ومسلم 4/ 1829 (129/ 2357) . [ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 44 (2370) . [ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 633 (3340) والنسائي (5/ 54) و 7/ 284 والهيثمي في الموارد ص 271 (1105) . [ (4) ] أخرجه البخاري معلقا 3/ 88 وفي التاريخ 8/ 18. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (2228) والدارقطني 3/ 8 وابن أبي شيبة 7/ 197 والبيهقي 5/ 316. [ (6) ] من حديث أبي مسعود الأنصاري أخرجه البخاري 4/ 426 (2237) ومسلم 3/ 1198 (39/ 1567) . [ (7) ] أخرجه البخاري 4/ 344 (2126) ومسلم 3/ 1160 (32/ 1526) . [ (8) ] أخرجه الطيالسي في المسند 298 (2257) وأحمد 2/ 178 وأبو داود 3/ 769 (3504) والترمذي 3/ 535 (1234) والنسائي 7/ 288 وابن ماجة (2188) .

نهى البائع والمشتري، ولفظ البخاري: عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيضّ ويأمن العاهة. نهى البائع والمشتري عن بيعه [ (1) ] . روى ابن ماجة وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ابتاع نخلا قد أبرت، فثمرتها للّذي باعها إلّا أن يشترط المبتاع. ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه إلا أن يشرط المبتاع» [ (2) ] . وروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، وأرخص في العرايا بخرصها تمرا ما دون خمسة أوسق من حديث مالك [ (3) ] . وروى البخاري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر قال: «تلك المزابنة» [ (4) ] . وروى البخاري عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الحوائج [ (5) ] . وروي أيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو بعت من أخيك تمرا، فأصابته جائحة، فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئا وبم تأخذ مال أخيك بغير حقّ؟» [ (6) ] . وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمرة النخل لمن أبرها إلا أن يشرط المبتاع. وروى الترمذي واستغربه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسوّد وعن بيع الحب حتى يشتّد [ (7) ] . وروى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 394 (2194) ومسلم 3/ 1165 (49، 50/ 1534، 1535) . [ (2) ] وهو عند البخاري 5/ 49 (2379) ومسلم 3/ 1173 (80/ 1543) . [ (3) ] من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 4/ 387 (2190) (2382) ومسلم 3/ 1171 (71/ 1541) ومن حديث جابر مسلم 3/ 1175 (85/ 1536) . [ (4) ] البخاري 4/ 403 (2205) ومسلم 3/ 1172 (76/ 1542) . [ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1178 (101/ 1536) (17/ 1554) والشافعي في المسند 2/ 151 (522) . [ (6) ] أخرجه مسلم 3/ 1190 (14/ 1554) . [ (7) ] أخرجه أحمد 3/ 221، 250 والترمذي 3/ 530 (1228) وأبو داود 3/ 668 (3371) والحاكم 2/ 19 وابن ماجة 2/ 447 (2217) . [ (8) ] أخرجه مسلم 3/ 1219 (106/ 1598) .

وروى الإمامان مالك وأبو داود في مراسيله عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان [ (1) ] . وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين ونهى عن الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر، إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض هكذا في مسلم وفي البخاري الملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه، والمنابذة طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى آخر قبل أن يقلبه أو ينظر إليه [ (2) ] . وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل أو في لفظ عسيب الفحل مثله الدارقطني عن أبي سعيد وزاد فيه وعن قفيز الطحان [ (3) ] . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ضراب الفحل وفي لفظ الجمل [ (4) ] . وروى النسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- نهى عن ثمن الكلب وعسيب الفحل [ (5) ] . وروى الترمذي وقال حسن غريب عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من كلاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسيب الفحل فنهاه عن ذلك فقال: يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنكرم فرخص [ (6) ] له في الكرامة. وروى الترمذي وصحّحه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 655 (64، 65، 66) . وروى من طريق الحسن عن سحرة عند أحمد 5/ 12، 19 والدارمي 2/ 254 وأبو داود 3/ 652 (3356) والترمذي 3/ 538 (1237) والنسائي 7/ 292 وابن ماجة 2/ 763 (2270) . [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 278 (5820) ومسلم 3/ 1152 (3/ 1512) . [ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 461 (2284) والترمذي (1273) والنسائي 7/ 310، 311 والدارمي 2/ 273 وابن أبي شيبة 7/ 145 والدارقطني 4/ 47 وأبو نعيم في الحلية 9/ 61 والبيهقي 5/ 339. [ (4) ] أخرجه مسلم 3/ 1197 (35/ 1565) . [ (5) ] أخرجه النسائي 7/ 311 وابن ماجة (2160) . [ (6) ] أخرجه الترمذي 3/ 573 (1274) وقال حسن غريب. [ (7) ] أخرجه الترمذي 3/ 533 (1231) والنسائي 7/ 295 وأبو داود بنحوه 3/ 738 (3461) .

وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة قال سماك: هو الرّجل يبيع البيع فيقول هو ينسأ بكذا أو كذا وهو ينقد بكذا وكذا [ (1) ] . وروى أيضا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعن بيعتين في بيعة واحدة» [ (2) ] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» [ (4) ] . وروى أبو بكر بن عاصم عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما في ضروع الماشية، قبل أن تحلب وعن بيع الجنين في بطون الأنعام وعن بيع السمك في الماء وعن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة [ (5) ] . وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن ينتج الناقة ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك [ (6) ] . وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم حتى تقسم وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن وعن كل ذي ناب من السباع [ (7) ] . وروى الدارقطني عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر، حتى تطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في لبن [ (8) ] .

_ [ (1) ] المجمع (4/ 87) . [ (2) ] مجمع (4/ 134) . [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1153 (4/ 1513) . [ (4) ] أحمد (1/ 388) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 340 والطبراني في الكبير 10/ 258 وأبو نعيم في الحلية 8/ 214 والخطيب في التاريخ 5/ 369. [ (5) ] أخرجه البيهقي 5/ 338 من حديث ابن عباس 5/ 340. [ (6) ] أخرجه البخاري 4/ 356 (2143) ومسلم 3/ 1153 (5/ 1514) (6/ 1514) . [ (7) ] النسائي 7/ 301 وأحمد 2/ 458، 472 والبيهقي 5/ 339 والحاكم 2/ 40 وسعيد بن منصور (2815) وابن أبي شيبة 12/ 436، 437. [ (8) ] أخرجه الدارقطني 30/ 15 وابن أبي شيبة 6/ 535.

وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، والمزابنة: أن يبيع ثمر النخل بالثمر كيلا وبيع الزبيب بالعنب كيلا وعن كل تمر يخرصه، وفي رواية عن بيع الزرع بالحنطة [ (1) ] . وروى الإمامان مالك وأحمد- رحمهما الله- وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشترى الرجل العبد أو يتكارى الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني إن تركت السلعة فما أعطيت لك [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سالم بن أبي أمية أبي النضر قال جلس إليّ شيخ من بني تميم في مسجد البصرة قال: قدمت المدينة مع أبي، وأنا غلام شاب بإبل لنا نبيعها، وكان أبي صديقا لطلحة بن عبيد الله التيمي، فنزلنا عليه، فقال أبي: اخرج معي فبع لي إبلي هذه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبيع حاضر لباد [ (3) ] . وروى عبد الرزاق عن الأسلمي عن عبد الله بن دينار قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ وهو الدين بالدين لكن قال عبد الحق الأسلمي هو: إبراهيم بن محمد بن يحيى وهو متروك كان يرمى بالكذب وقال بعضهم: رواه الدارقطني من حديث موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ وموسى بن عقبة مولى الزبير ثقة وروى له الجميع وفي رواية عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ [ (4) ] . وروى الترمذي وقال حسن غريب والإمام أحمد والحاكم عن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبائه يوم القيامة [ (5) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل، فمن ابتاعها فهو يخبر النظر من بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها، وصاعا من تمر» ، وفي لفظ: من اشترى شاة مصرّاه فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعا من

_ [ (1) ] البخاري 4/ 403 (2205) . [ (2) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 609 (1) وأبو داود 3/ 768 (3502) وابن ماجة 2/ 738 (2192 و 2193) . [ (3) ] أحمد في المسند 1/ 263 2/ 153، 238، 154. [ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2335 والدارقطني 3/ 71 والحاكم 2/ 57. [ (5) ] أخرجه الترمذي (1283) والدارمي 2/ 228 وأحمد 5/ 414 والحاكم 2/ 55 والطبراني في الكبير 4/ 217 والدارقطني 3/ 67، 68 والبيهقي 9/ 126 وانظر التلخيص 3/ 15.

طعام لا سمراء [ (1) ] . وروى مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض» . النّجش: بنون وجيم معجمة: أن يزيد في سلعة ينادي عليها لا رغبة له فيها ليغري غيره [ (2) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتلقى الركبان للبيع» [ (3) ] . وروى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتلقوا الجلب، فمن تلقّاه فاشترى منه، فإذا أتى سيّده السّوق فهو بالخيار» [ (4) ] . وروى الإمامان مالك وأحمد والخمسة عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان، وفي لفظ: المتعاقدان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» [ (5) ] . وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه [ (6) ] . وروى عنه قال كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله عن مكانه [ (7) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي وابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه، زاد أبو داود: إلا ما كان من شركة أو تولية [ (8) ] . وروى النسائي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما بيّنة، فهو ما يقول ربّ السلعة أو يتتاركا [ (9) ] . وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يسلفون في الثمار، فقال:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 361 (2150) ومسلم 3/ 1155 (11/ 1515) . [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة باب 10 (32) وأحمد 2/ 277. [ (3) ] البخاري 4/ 361 (2150) ومسلم 3/ 1155 (11/ 1515) . [ (4) ] أخرجه مسلم 3/ 1157 (17/ 1519) . [ (5) ] أخرجه البخاري 4/ 309 (2079) ومسلم 3/ 1164 (47/ 1532) . [ (6) ] أخرجه أبو داود (3495) وهو بنحوه البخاري 4/ 344 (2126) ومسلم 3/ 1160 (32/ 1526) . [ (7) ] أخرجه البخاري 4/ 375 (2167) ومسلم 3/ 1160 (33/ 1527) . [ (8) ] أخرجه البخاري (2126) ومسلم 3/ 1160 (32/ 1526) . [ (9) ] النسائي 7/ 302 والدارقطني 3/ 21 ابن ماجة (2186) وانظر نصب الراية 4/ 105 والتلخيص 3/ 30.

اسلفوا في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم، وفي رواية: فليسلم في كيل معلوم [ (1) ] . وروى أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عندك [ (2) ] . وروى البخاري أن كعب بن مالك، كان له على عبد الله بن أبي حدرد دين فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع الشطر ففعل [ (3) ] وأحاديث الصلح كثيرة. وروي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: جعل، وفي لفظ: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة [ (4) ] . وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشّفعة بين الشّركاء [ (5) ] . وروى أبو يعلى الموصلي وابن أبي الدنيا والبزار بسند ضعيف في «العزلة» والبيهقي عن القاسم بن مخوّل البهزي السلمي، قال: سمعت أبي وقد كان أدرك الجاهلية والإسلام، نصب حبائل لي بالأبواء، فوقع في حبل منها ظبي، قلت: فخرجت في أثره، فوجدت رجلا قد أخذه فتنازعنا فيه فتساوقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه نازلا بالأبواء تحت شجرة مستظل بنطع فاختصمنا إليه، فقضى فيه بيننا شطرين، الحديث [ (6) ] . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنه- قالت: إن رجلا اشترى غلاما، فاستعمله، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّه بالعيب، فقال البائع استغل عبدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغلة» ، وفي لفظ: «الخراج بالضّمان» [ (7) ] . وروى الإمام الشافعي والترمذي وابن ماجة، واللفظ له، والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل من الأعراب حمل خبط، فلما وجب البيع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختر» ، فقال الأعرابي: عمرك الله بيّعا من أنت، قال: رجل من قريش [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من حديث ابن عباس 4/ 428 (2239) (2240، 2241) ومسلم 3/ 1227 (127/ 1604) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (3503) . [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 551 (457، 471) ومسلم 3/ 1192 (20/ 1558) . [ (4) ] أخرجه البخاري 4/ 407 (2213) (2214، 2257) . [ (5) ] انظر المجمع 4/ 162. [ (6) ] انظر المجمع 7/ 307. [ (7) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 80، 116 والحاكم في المستدرك 2/ 15 ولفظ الخراج. أخرجه أحمد 6/ 49، 237 وأبو داود (35008) (3509) (3510) ابن ماجة (2243) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1126) والبيهقي في السنن 5/ 321 322 والحاكم 2/ 150 وانظر التلخيص 3/ 22. [ (8) ] أخرجه ابن ماجة (2184) والدارقطني 3/ 21 وعبد الرزاق (14261) والطبري في التفسير 5/ 22 والحاكم 2/ 48.

تنبيهات

وروى الأئمة الثلاثة والشيخان والنسائي، وابن ماجة عن أبي سعيد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وأحمد والبخاري عن ابن عباس والأئمة الثلاثة والستة والدارقطني عن ابن عمر قالوا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة [ (1) ] والمزابنة بيع، وفي لفظ: اشتراء التمر في رؤوس النخل والمحاقلة كراء الأرض. وروى الإمام مالك: عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة. وروى الإمام مالك مرسلا أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي باللّيل ضامن على أهلها [ (2) ] . وروى الأئمة عن حرام بن محيصة عن أبيه [ (3) ] أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته عليهم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل. وروى الدارقطني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أصابت الإبل بالليل ضمن أهلها وما أصاب النّهار فلا شيء فيه، وما أصابت الغنم باللّيل والنهار غرمه أهلها والضواري يتقدم إلى أهلها ثلاث مرات ثم تعقر بعد ذلك» . تنبيهات الأول: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا للزبير: «اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ» ، لأنه- عليه الصلاة والسّلام- ندب الزبير أولا إلى إسقاط بعض حقه رعيا للمجاورة، وليس على وجه الحكم، فلما تكلم الأنصاري بما تكلّم استوفى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير، حقه فقضى- عليه الصلاة والسلام- أن يمسك الأهل الماء إلى الكعبين، ثم يرسله إلى الأسفل. الثاني: إنما «نهى عن عسيب الفحل» ، لأنه إجارة مجهول إذ قد تحمل في زمن قريب فيغبن صاحب الأنثى، وقد تحمل فيغبن صاحب الذكر واختلف في العسيب والعسب، فقال القاضي عياض: عسيب الفحل المنهي عنه إنما هو كراء ضرابه والعسيب نفسه هو الضراب قاله أبو عبيدة، وقال غيره: لا يكون العسيب إلا الضراب بالكراء عليه، وقيل: العسيب ماؤه

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 403 (2205) ومسلم 3/ 1172 (76/ 1542) ومسلم من حديث جابر 3/ 1175 (85/ 1536) . [ (2) ] أخرجه مالك في الموطأ حديث (1431) . [ (3) ] أخرجه الدارقطني 3/ 113.

وقال الجوهري: العسيب الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل، يقال عسب فحله يعسبه أي أكراه وعسب أيضا ضرابه، وقيل، ماؤه، والعسيب يقال بالياء مع الباء الموحدة ويقال بالباء الموحدة فقط. الثالث: المراد «ببيعتين في بيعة» أن يبيعها بعشرة نقدا وعشرين إلى أجل أو أن يبيع سلعتين مختلفتين بثمن واحد على سبيل اللزوم. الرابع: قال الماوردي في السلم: اختلف في تفسير بيع الحصاة فقيل: المراد أن يبيع من أرضه قدر ما انتهت إليه رمي الحصاة. وقيل معناه: أي ثوب وقعت عليه الحصاة فهو المبيع وقيل معناه: متى وقعت الحصاة وجب البيع. وقيل معناه: ارم الحصاة فما خرج فلك بعدده دراهم أو دنانير. الخامس: قال في الموطأ «المضامين» بيع ما في بطون إناث الإبل. والملاقيح ما في ظهور الفحول. وصل الحبلة. بيع الجزور إلى أن ينتج نتاج الناقة. السادس: قوله «أن يبيع حاضر لباد» ، لأن سلعهم ليس لها غالبا عليهم مشقة وهم جاهلون في الأسعار وقد قال عليه الصلاة والسلام: «دع الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض» . السابع: الكلأ مهموز من الكلأة بالكسر وهي الحفظ وإطلاق هذا الاسم على الدّين مجاز، لأنه يكلأ الأكالئ وإنما الكالئ صاحبه لأن كلا من المتبايعين يكلأ صاحبه أي يحرضه لأجل ماله قبله ولهذا وقع النهي عنه، لأنه يؤدي إلى كثرة المنازعة والمشاجرة وقد ورد فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق/ 6] أي مدفوق ويحتمل أن يكون المجاز في الإسناد إلى ملابس الفعل أي كالئ صاحبه ك عِيشَةٍ راضِيَةٍ [القارعة/ 7] ويقدر الإضمار في الحديث أي نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع مال الكالئ بمال الكالئ. وحقيقته أن يكون لشخص على آخر دين فيطالبه به فلا يجد معه شيئا أو يجد معه ولكن يبيعه به شيئا يتأخر قبضه كان يبيعه دارا غائبة أو أن يبيع الدّين بمنافع دابة معينة ونحوها أو أن يبيع ماله من الدّين لشخص بدّين لذلك الشخص على آخر وبدّين على ذلك الشخص نفسه، أو أن يؤخر شخص رأس مال السلم بشرط أكثر من ثلاثة أيام. الثامن: إنما خص التفرقة بين الأم، لأن الولد لا يستغني عنها في أكله وشربه وقيامه وهو خاص بالآدميات وينتهي زمن الإسفار ومنتهاه عشر سنين.

التاسع: اختلف في علة النهي عن التلقي فقال الشافعي لحق الطالب. وقال مالك: الحق منه لأهل السوق. وقال ابن العربي: لهما. واختلف في حد القدر المنهي عنه إذا زاد عليه في البعد لا يتناوله النهي عن التلقي. فقيل: لأحد في القرب والبعد لا في الزمان ولا في المكان. وقيل: الميل. وقيل: الفرسخان. وقيل اليومان. النجش: الزيادة ليغري غيره. العاشر: في بيان غريب ما سبق: «المخنث» بميم مضمومة فمعجمة مفتوحة فنون فمثلثة المتعطف. «حريم البئر» بحاء مهملة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية. «القليب» بقاف مفتوحة فلام مكسورة. «رشاء» براء فشين معجمة مفتوحتين ممدودا الذي يتوصل به إلى الماء. «الكعب» كل مفصل والعظم الناشئ فوق القدم والناشرات من جانبها. «المزابنة» بميم مضمومة فزاي فألف فموحدة فنون فتاء تأنيث هي بيع الرطب باليابس في رؤوس النخل من الزّبن، وهو الرفع كأن كل واحد من المتبايعين يزين صاحبه عن حقه، بما يزداد منه، وإنما نهى عنها لما يقع منها من الغبن والجهالة. «الملاقيح» كمفاعيل الأمهات وما في بطونها. «الجزور» بجيم مفتوحة فزاي فواو فراء البعير أو خاص بالناقة المجزورة والجزر القطع.

الباب الثاني في أحكامه وأقضيته - صلى الله عليه وسلم - في الوصايا والفرائض

الباب الثاني في أحكامه وأقضيته- صلى الله عليه وسلم- في الوصايا والفرائض روى الطبراني عن عمران بن الحصين وسمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة [ (1) ] . وروى الطبراني عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: أعتق رجل في وصيته ستة رؤوس ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ عليه ثم أسهم، وأخرج ثلثهم وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم [ (2) ] . وروى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشرفت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة فأتصدق بثلثي مالي قال: لا قال: الثلث قال والثلث كثير أو كبير الحديث [ (3) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 230. [ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 363 (2742) (6733) ومسلم 3/ 1250 (5/ 1628) (8/ 1628) .

الباب الثالث في أحكامه وأقضيته في النكاح والطلاق والخلع والرجعة والإيلاء والظهار واللعان وإلحاق الولد وغير ذلك مما يذكر

الباب الثالث في أحكامه وأقضيته في النكاح والطلاق والخلع والرّجعة والإيلاء والظّهار واللّعان وإلحاق الولد وغير ذلك مما يذكر وفيه أنواع: الأول: في النكاح: روى البيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم وأبو نعيم في «الحلية والبيهقي والضياء عن ابن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعلنوا النكاح [ (2) ] . وروى البيهقي وضعفه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، وليولم أحدكم ولو بشاة، وإذا خطب أحدكم امرأة وقد خضب بالسواد فليعلمها لا يغربها» [ (3) ] . وروى الترمذي، وقال حسن غريب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف» [ (4) ] . وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن أثر صفرة قال: ما هذا؟ قال يا رسول الله إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب قال: «بارك الله لك أولم ولو بشاة» [ (5) ] . وروى الإمام مالك عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» [ (6) ] . وروى البخاري عن الحسن قال حدثني معقل بن يسار أن قوله تعالى فَلا تَعْضُلُوهُنَّ نزلت فيه قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى انقضت عدتها فجاء يخطبها فقلت له: زوجتك وقربتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك

_ [ (1) ] البيهقي في السنن الكبرى 7/ 290 وانظر نصب الراية 3/ 168. [ (2) ] أحمد 4/ 5 والبيهقي 7/ 288. أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1285) وأبو نعيم في الحلية 8/ 328 وانظر المجمع 4/ 289. [ (3) ] انظر السنن الكبرى (7/ 290) وقال عيسى بن ميمون ضعيف. [ (4) ] أخرجه الترمذي 3/ 398 (1089) وابن ماجة (1895) والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 290. [ (5) ] أخرجه البخاري 9/ 204 (5148) ومسلم 2/ 1042 (79/ 1427) . [ (6) ] تقدم.

أبدا فأنزل الله الآية فَلا تَعْضُلُوهُنَّ فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجتها إياه، زاد البزار «فأمرني أن أكفر عن يميني وأزوجها» [ (1) ] . وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» [ (2) ] . وروى أبو داود وأحمد وابن شيبة والترمذي وابن حبان والطبراني والحاكم في المستدرك والبيهقي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي» وفي رواية «وصداق، وشاهدي عدل» [ (3) ] . وروى أبو يعلى والخطيب والضياء المقدسي عن جابر ورواه ابن ماجة عن ابن عباس والطبراني عن أبي أمامة وابن عساكر عن أبي هريرة ورواه الطبراني عن أبي موسى بلفظ «لا نكاح إلا بإذن ولي» [ (4) ] . وعن أبي بكر الذهبي في جزئه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- بلفظ «لا نكاح إلّا بوليّ وشاهدي عدل، فمن تزوّج بغير وليّ وشاهدي عدل أبطلنا نكاحه» . وروى أحمد وابن ماجة والبيهقي وابن عساكر والخطيب عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» . وروى أحمد والطبراني عن ابن عباس لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له. وروى سمويه من فوائده: «لا نكاح إلا بولي فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» . وروى البيهقي عن عائشة «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» . وروى ابن حبان عن عائشة «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فإن السلطان وليّ من لا ولي له» . والبيهقي عن ابن عباس لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل. والخطيب والبيهقي عن أبي هريرة «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل والسلطان ولي من لا ولي له» .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 40 (4529) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 3/ 229 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 124 وانظر المجمع 4/ 286.

روى الطبراني والبيهقي عن عمران بن حصين والبيهقي والخطيب عن عائشة لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. والطبراني عن ابن عباس لا نكاح إلا نكاح رغبة لا نكاح دلية، ولا مستهزئ بكتاب الله تعالى ما لم يذق العسيلة. والبيهقي عن عائشة «لا نكاح إلا بولي فإن لم يكن ولي فاشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» . والبيهقي عن ابن عباس «لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان» والديلمي عن أبي هريرة «لا نكاح إلا بولي والزانية هي التي تنكح نفسها بغير ولي» . والحاكم في تاريخه عن أبي هريرة «لا نكاح إلا بإذن الرجل والمرأة» . وروى الإمام أحمد وعائشة- رضي الله تعالى عنها- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يزوج بنتا من بناته جلس إلى خدرها، فقال: إن فلانا يذكر فلانة يسميها ويسمى الرجل الذي يذكرها فإن هي سكتت زوجها، وإن هي كرهت نقرت الستر، فإذا نقرته لم يزوجها وروى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البكر يستأمرها أبوها» . وروى البخاري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الثّيّب أحقّ بنفسها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» . وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تستأمر اليتيمة فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها» . وروى البخاري عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينكح المحرم ولا يخطب» . وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأبى أن يتزوجها أينكح ابنتها أو يتبع الابنة حراما فقال: «لا يحرم الحلال الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال» [ (1) ] . وروى أيضا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحرم الحرام الحلال» [ (2) ] . وروى عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة في الجاهلية

_ [ (1) ] ذكره ابن القيسراني في الموضوعات (1010) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2015) والدارقطني 3/ 26 والبيهقي 7/ 168، 169 وعبد الرزاق (12766) وانظر المجمع 4/ 268 وابن عدي في الكامل 5/ 1808 والخطيب في التاريخ 7/ 182 وأبو نعيم في التاريخ 1/ 163 وذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 136.

الثاني: في الطلاق:

فأسلمن معه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخير أربعا منهن. الأكثرون على ضعفه ومنهم من صححه. وروى أبو داود بسند ضعيف عن الحارث بن قيس قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اختر منهن أربعا [ (1) ] . وروى الإمام مالك والشيخان عن عائشة أن رفاعة طلق زوجته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض ولم يمسها ففارقها وأرادت الرجوع إلى رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته» [ (2) ] . وروى الترمذي أن فيروز الديلمي أسلم على أختين، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار واحدة [ (3) ] . وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار [ (4) ] . ويروى أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا شغار في الإسلام» [ (5) ] . وروى النسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ملعون من أتى امرأة في دبرها» [ (6) ] . وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في دبرها» [ (7) ] . الثاني: في الطلاق: روى أبو داود والبيهقي والحاكم وروى الطبراني والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 2/ 16 (43) والترمذي 3/ 435 (1128) وأحمد 2/ 44 وابن ماجة (1953) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1277) والدارقطني 3/ 269 والحاكم 2/ 192 والبيهقي 7/ 181. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 678 (2234) والترمذي 3/ 436 (1130) وابن ماجة 1/ 627 (1951) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 310 (1276) والدارقطني 3/ 273 والبيهقي 7/ 184. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] تقدم. [ (6) ] أخرجه أحمد 2/ 444 وأبو داود 2/ 618 (2162) والنسائي ذكره المزي في التحفة 9/ 312 وابن ماجة 1/ 619 (1923) . [ (7) ] أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 25 والنسائي كما في التحفة 5/ 210 وأبو يعلى في المسند 4/ 266 (51/ 2378) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1302) .

تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الحلال إلى الله الطّلاق» [ (1) ] . روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيّما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هزلهن جد وجدهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» وفي لفظ «العتق» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق إلا فيما تملك» وفي لفظ أبي داود «إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك، ولا وفاء نذر إلا فيما تملك» [ (4) ] . وروى البخاري عن ابن عباس والدارقطني- رضي الله تعالى عنهما- قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق بعد النكاح. وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل منهما عسيلة صاحبه» [ (5) ] . وروى الدارقطني عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- وابن عساكر عنه عن أبيه- رضي الله تعالى عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما رجل طلّق امرأته ثلاثا عند الأقراء، أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره» [ (6) ] . وروى الدارقطني وضعفه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا طلق امرأته البتة فغضب، وقال: «يتخذون آيات الله هزوا ولعبا من طلق امرأته البتّة ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 631 (2178) وابن ماجة 1/ 650 (2018) والحاكم 2/ 196 وانظر الدر المنثور 1/ 288. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 277 والدارمي 2/ 162 وأبو داود 2/ 667 (2226) والترمذي 3/ 493 (1187) وابن ماجة 1/ 662 (2055) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 321 والحاكم 2/ 200. [ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 643 (2194) والترمذي 3/ 490 (1184) وابن ماجة 1/ 658 (2039) والدارقطني 4/ 18 والحاكم 2/ 197. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 190 وأبو داود (2190) والترمذي 3/ 486 (1181) والنسائي 7/ 12 وابن ماجة 1/ 660 (2047) والحاكم 2/ 204. [ (5) ] أخرجه الدارقطني 4/ 33 وانظر المجمع 4/ 339. [ (6) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 4/ 219 والسيوطي في الدر 1/ 279 وانظر جمع الجوامع (9439) والمجمع (4/ 342) . [ (7) ] أخرجه الدارقطني 4/ 20 وانظر القرطبي 3/ 156.

وروى أيضا مرفوعا وموقوفا عن ابن عباس وقال إنه أصح وضعف الأول عن عكرمة عن ابن عباس عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الحرام يمينا. وروى الأئمة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمسكها حتى تطهر من حيضتها قال: فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» وفي رواية لمسلم «فراجعها فحسبت لها التطليقة وعند البخاري وحسبت عليّ تطليقة، وما رواه أبو داود عن الزبير أنه سمع ابن عمر قال: فردها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئا [ (1) ] قال عقبة والأحاديث على خلافه. وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وابن ماجه والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» ورواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن عليّ وعمر بلفظ «عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النّائم حتى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتى يحتلم» . وروى البيهقي عن أبي ذر والطبراني والبيهقي والدارقطني في الإفراد والحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ثلاثا الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» [ (3) ] . وروى الطبراني عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما أكرهوا عليه» . وروى الإمام أحمد والبخاري والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 653 (4908) ومسلم 2/ 1093 (1/ 1471) (5/ 1471) . [ (2) ] أخرجه الترمذي (1191) وابن عدي في الكامل 5/ 2003 وذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 178. [ (3) ] البيهقي 7/ 356 والدارقطني 4/ 171 والطبراني في الصغير 1/ 270 وأخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 1172 وانظر المشاة (6284) وبلفظ رفع القلم عن ثلاث. أخرجه أحمد 1/ 140، 155 والبيهقي 1/ 56، 57 وابن أبي شيبة 5/ 268 وابن خزيمة (3048) والطحاوي 2/ 74 وأبو داود (4402) والنسائي 6/ 156 وسعيد بن منصور (2080، 2081، 2082) والدارقطني 3/ 139 وانظر تلخيص الحبير 1/ 183. [ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 160 (2528، 6664) ومسلم 1/ 116 (201/ 127 و (202/ 127) .

وروى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى تجاوز لأمتي عن النسيان وما أكرهوا عليه» . وروى الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني وابن عساكر وابن ماجة عن عمران بن حصين والعقيلي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تجاوز لأمتي عما حدّثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل» وروى ابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله تعالى تجاوز لأمّتي عمّا توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تتكلم به وما استكرهوا عليه» . وروى الإمام أحمد وابن ماجة والدارقطني مرفوعا وأبو داود موقوفا عن صفية بنت شيبة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» [ (1) ] . وروى أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني وضعف واستنكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان» [ (2) ] . وروى ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان» [ (3) ] . وروى البيهقي والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي جعلت امرأتي عليّ حراما فقال: كذبت ليس عليك بحرام، عليك أغلظ الكفارات ثم تلا: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم/ 1] . وروى الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ادّعت المرأة» [ (4) ] طلاق زوجها فجاءت على ذلك بشاهد عدل استحلف فإن حلف بطلت شهادة الشاهد وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر وجاز طلاقه. وروى الدارقطني عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر» [ (5) ] وفي لفظ البيان. وروى الطبراني برجال الصحيح وأبو داود مختصرا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال كان زوج بربرة عبدا أسود يقال له مغيث كنت أراه في سكك المدينة يعصر عينيه

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 276، وأبو داود 2/ 642 (2193) وابن ماجة 1/ 660 (2046) والدّارقطني 4/ 36 والحاكم 2/ 198 وانظر التلخيص 3/ 210. [ (2) ] أخرجه الدارمي 2/ 170 وأبو داود 2/ 639 (2189) والترمذي 3/ 488 (1182) وابن ماجة 1/ 672 (2080) . [ (3) ] ابن ماجة 1/ 672 (2080) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (2038) والدارقطني 4/ 64، 166 والخطيب في التاريخ 2/ 45. [ (5) ] الدّارقطني 3/ 312 ونصب الرابة 3/ 473 وجمع الجوامع (4403) .

الثالث: في الخلع:

فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق وخيرها فاختارت نفسها وأمرها أن تعتد وتصدق عليها بصدقة فأهدت إلى عائشة منها فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو عليها صدقة ولنا هدية» [ (1) ] . وروى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها» . الثالث: في الخلع: روى البخاري والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عباس والأئمة الثلاثة وأبو داود والنسائي عن حبيبة بنت سهل وأبو داود عن عائشة والإمام أحمد عن سهل بن أبي خيثمة وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال عليه الصلاة والسلام «من هذه؟» فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال: «ما شأنك؟» فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها، فلما جاء زوجها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم «خذ منها» فأخذ منها وجلست في أهلها وفي رواية عكرمة قال لها عليه الصلاة والسلام «أتردين عليه حديقته؟» قالت نعم [ (2) ] . الرابع: في الرجعة: روى الإمام مالك أن بريدة عتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختارت نفسها فقال لها- عليه الصلاة والسلام- «لو راجعتيه» قالت يا رسول الله أبأمر منك؟ قال: «لا، إنما أنا شافع» فقالت: لا حاجة لي به [ (3) ] . وروى الإمام مالك والشيخان أن رفاعة طلق زوجته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فأعرض عنها ولم يمسها ففارقها وأرادت الرجوع إلى رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته» [ (4) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 342. [ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 395 (5273) وأحمد 6/ 434 (436) وأبو داود (2227) وابن ماجة (2056) (2057) (4238) وأحمد 4/ 3 وانظر المجمع 5/ 4 والدارقطني 3/ 255 والبيهقي 7/ 313 وانظر نصب الراية 3/ 244، 245 والنسائي 6/ 169 وعبد الرزاق (11759) وأحمد 4/ 3. [ (3) ] أخرجه مالك في الموطأ (1) وانظر اتحاف السادة المتقين 6/ 274. [ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 249 (2639) ومسلم 2/ 1055 (111/ 1433) .

الخامس: في الإيلاء:

وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل منهم عسيلة صاحبه، وتقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم فليراجعها. الخامس: في الإيلاء: ولا يقع منه صلى الله عليه وسلم لما فيه من إثم.. وقال سليمان بن يسار «أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلّهم يقول: يوقف المولى» . السادس: في الظهار: روى أبو داود والإمام أحمد عن خولة بنت ثعلبة ويقال: بنت مالك بن ثعلبة أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها وتقول: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت وجاءت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها: اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ [المجادلة/ 1] الآية: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليعتق رقبة» قالت لا يجد، قال: «فيصوم شهرين متتابعين» قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال «فيطعم ستين مسكينا» قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فإني سأعينه بعرق من تمر، قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بعرق آخر قال: قد أحسنت فاذهبي فأطعمي ستين مسكينا وأرجعي ابن عمك ويروى في حديثها أنها قالت: إنه أكل شبابي وفرشت له بطني، فلما كبر سني ظاهر مني، ولي صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا» [ (1) ] . وروى الأربعة والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفّر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال «ما حملك على ما صنعت؟» قال: رأيت بياض ساقيها في القمر، قال: «فاعتزلها حتّى تكفّر عنك» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والبيهقي والدارقطني عن سلمة بن صخر البياضي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتّايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: لا، والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «أنت بذاك يا سلمة؟»

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 411 وانظر نصب الراية 3/ 247.

السابع: [في اللعان] :

قلت: أنا بذاك يا رسول الله، مرتين، وأنا صابر لأمر الله- عز وجل- فاحكم فيّ بما أراك الله، قال: «حرّر رقبة» قلت: والذي بعثك بالحقّ ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي قال: «فصم شهرين متتابعين» قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصّيام؟ قال: «فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا» قلت: والذي بعثك بالحق، لقد بتنا وحشين ما لنا طعام، قال: «فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، وكل أنت وعيالك بقيّتها» فرجعت إلى قومي فقلت: وجدتّ عندكم الضيق وسوء الرّأي ووجدتّ عند النبي صلى الله عليه وسلم السّعة وحسن الرأي وقد أمر بي أو أمرني بصدقتكم [ (1) ] . السابع: [في اللّعان] : روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين عويمر العجلاني وزوجته وبين هلال بن أمية وزوجته أيضا حين رماها بشريك بن سمحاء وفرق بين الزوجين فيهما وألحق الولد بأمه [ (2) ] . وروى البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا آية اللعان على الملاعن ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها [ (3) ] . وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده عند الخامسة على فيه وقال: إنها موجبة [ (4) ] . وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: ذهبت لتلعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبت فلعنت [ (5) ] . الثامن: في إلحاق الولد وغير ذلك: روى ابن ماجة عن ابن عمر والنسائي عن ابن مسعود والشافعي وأحمد والستة إلا أبا داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والأئمة إلا الترمذي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 672 (2213) . [ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 460 (5315) ومسلم 2/ 1132 (8/ 1494) . [ (3) ] مسلم 2/ 1130 (4/ 1493) . [ (4) ] أخرجه النسائي 6/ 175 وأبو داود (2254) والطبراني في الكبير 11/ 324 والشافعي في المسند 9/ 26 والبيهقي 7/ 405 وانظر المطالب (2842) . [ (5) ] أخرجه مسلم في كتاب اللعان (10) . [ (6) ] أخرجه البخاري من حديث عائشة 5/ 371 (2745) ومسلم 2/ 1080 (36/ 1457) وانظر أحمد 2/ 409 وسعيد بن منصور (425) وعبد الرزاق (7277) وابن أبي شيبة 4/ 415 والطحاوي في المعاني 3/ 114 وأبو داود (2273) والترمذي (2273) وابن ماجة (2006، 2007) .

وروى الإمامان الشافعي والحميدي وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي والطحاوي والضياء عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش [ (1) ] . وروى الأئمة إلا الترمذي عن عائشة والإمام أحمد والنسائي والدارقطني عن عبد الله بن الزبير قال: قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: أن عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة منّي فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال: إنه ابن أخي، وقال: عبد بن زمعة: إنه أخي، فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله، إنّ أخي كان عهد إليّ فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر [ (2) ] . وروى الأئمة إلا الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ولدي غلام أسود وهو يعرض بأن ينفيه فلم يرخص له في الانتفاء، فقال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم [ (3) ] ، قال: «ما ألوانها» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق» قال: نعم، قال: «فأنى تراه» قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» . وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قام رجل، فقال: يا رسول الله، إن فلانا ابني عاهر بأمة في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر» [ (4) ] . وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا مساعاة في الإسلام» [ (5) ] . وروى السّتّة والدّارقطنيّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهما مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: «أي عائشة ألم تري أن مجزّزا المدلجيّ دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رأسيهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها فوق بعض» [ (6) ] .

_ [ (1) ] انظر مجمع الزوائد 5/ 13 وانظر تلخيص الحبير 4/ 3. [ (2) ] أخرجه البخاري (2745) ومسلم 36/ 1457. [ (3) ] أخرجه البخاري 13/ 296 (7314) ومسلم 2/ 1137 (18/ 1500) وأبو داود (2260) والترمذي (2128) والنسائي 6/ 178 وابن ماجة (2002) (2003) وأحمد 2/ 239، 409، 3/ 14 والبيهقي 4/ 186. [ (4) ] أخرجه أبو داود (2274) وأحمد 2/ 207 وانظر المجمع 6/ 178 ونصب الراية 3/ 236 والتمهيد 8/ 182 وفتح الباري 2/ 34. [ (5) ] أخرجه أبو داود (1/ 688) حديث (2264) . [ (6) ] أخرجه البخاري 12/ 56 (6771) ومسلم 2/ 1082 (38/ 1459) .

وروى عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنّ كلّ مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته، فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرّة عاهر بها فإنّه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية من حرّة كان أو أمة. وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن رافع بن سنان أنه عند ما أسلم أبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ابنتي وهي فطيم أو شبهة، وقال رافع: ابنتي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «اقعد ناحية» وقال لها: «اقعدي ناحية» قال: وأقعد، الصّبيّة بينهما، ثم قال: «ادعواها» فمالت الصبية إلى أمّها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدها» فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها. وروى الشافعي وأحمد والأربعة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من عذب الماء وفي لفظ من بئر أبي عنبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمّه فانطلقت به [ (1) ] . وروى الشيخان عن أم عطية- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحدّ المرأة على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوبا عصبا، ولا تكتحل، ولا تمسّ طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار» ، وفي لفظ «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميّت إلا على زوج» [ (2) ] . وروى النسائي وابن ماجة عن عائشة والإمام أحمد ومسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس: «ألا توطأ حامل، حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب» .

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق 7/ 157 (12611) والدارمي 2/ 170 وأبو داود 2/ 708 (2277) والنسائي 6/ 185 وابن ماجة 2/ 787 (2351) والبيهقي 8/ 3. [ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 492 (5342) ومسلم 2/ 1127 (66/ 938) . [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 62 والدارمي 2/ 170 وأبو داود 2/ 614 (2157) والحاكم 2/ 195.

وروى البخاري عن عقبة بن الحارث أنه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوّج، فقال عقبة: لا أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فأرسل إلى آل أبي إهاب، فاسألهم، فقالوا: ما علمنا أنها أرضعت صاحبتنا فركبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسألته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف وقد قيل؟ ففارقها فنكحت زوجا غيره» وفي لفظ: «إنّها كاذبة» ، قال: «كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما دعها عنك» [ (1) ] . وروى الإمام مالك وأحمد عنه ومسلم والأربعة عن جدامة بنت وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى سمعت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم» [ (2) ] . وروى الشيخان عن هند بنت عتبة أنها قالت: يا رسول الله، أن أبا سفيان رجل شحيح، ما يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ إلّا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف» [ (3) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابدأ بمن تعول، المرأة تقول: إما أن تعطيني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني أو بعني ويقول الولد أطعمني إلى من تدعني» ، قالوا: يا أبا هريرة، هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته قال: «لا هذا من كيس أبي هريرة» [ (4) ] . ورواه النسائي: ابدأ بما تعول فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: «امرأتك تقول: أطعمني أو فارقني، وخادمك يقول: أطعمني أو بعني، وولدك يقول: إلى من تتركني» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: «فلا تعضلوهن» تمنعوهن. «الخدر» بخاء معجمة مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء ناحية من البيت عليها ستر فتكون فيه الجارية.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 251 (2640) . [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب النكاح (140، 141) وأبو داود (3882) والترمذي (2077) والنسائي 6/ 107 وأحمد 6/ 361، 434 والبيهقي 7/ 231، 465 ومالك (608) . [ (3) ] تقدم وانظر البخاري (5364) ومسلم (7/ 1714) [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 139 ومسلم في كتاب الزكاة 95، 97، 106 والنسائي 5/ 95 وأحمد 2/ 4، 94، 152، 230، 245، 278 وابن أبي شيبة 3/ 212 والدارمي 1/ 389 والطبراني في الكبير 3/ 228، 10/ 161، 230 والحميدي (1058) والهيثمي في الموارد (826) وابن خزيمة (2436، 439) (2444) والبيهقي 1/ 198، 4/ 180، 182.

«الشغار» بشين مكسورة فغين معجمتين فألف فراء قال القاضي عياض: هو في اللغة الرفع من قولهن شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول ثم استعملوه فيما يشبهه فقالوا اشغر الرجل المرأة إذا فعل ذلك للجماع وشغرت هي أيضا إذا فعلته ثم استعملوه في النكاح بغير مهر. «البتة» بموحدة ثم مثناتين من فوق من البت وهو القطع لقطعة العصمة. «الحديقة» بحاء مفتوحة فدال مكسورة مهملتين فتحتية فقاف فتاء تأنيث كلما أحاط به البناء من البساتين وغيرهما، ويقال للقطعة من النخل حديقة وإن لم يكن محاط بها. «العسيلة» بعين مهملة مضمومة فسين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية فسره مالك بالإيلاج. «العاهر» بعين مهملة وآخره راء الزاني. «النّبذة» : بضم النون وسكون الموحدة وبالذال المعجمة القطعة [ (1) ] ... «سبايا» بسين مهملة فموحدة مفتوحتين فألف فتحتية فألف جمع سبية المرأة المنهوبة، فعيلة بمعنى مفعولة. «الغيلة» بغين معجمة مكسورة فمثناة تحتية وطىء المرضع وقيل إرضاع الحامل.

_ [ (1) ] كلمتان غير واضحتان في الأصل.

الباب الرابع في أحكامه وأقضيته - صلى الله عليه وسلم - في الحدود

الباب الرابع في أحكامه وأقضيته- صلى الله عليه وسلم- في الحدود وفيه أنواع: الأول:.......: الثاني: في الشفاعة في الحدود: روى الإمام أحمد والستة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت [ (1) ] قالوا ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله» ، ثم قام فاختطب ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيه الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وفي رواية: «فقد ضادّ الله» . وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حارب الله تعالى» [ (2) ] . وروى الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي والدارقطني عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- أنه توسّد رداءه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده، فقال صفوان: لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا قبل أن تأتي به [ (3) ] . وروى أبو داود والنسائي والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ادرءوا الحدود ما وجدتم له مدفعا» . الثالث: في درئه الحدود وسترها إذا أقيم الحد على الزاني كان كفارة له قال: روى أبو داود والنسائي والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 13 (3475) ومسلم 3/ 1315 (8/ 1688) . [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 70 وأبو داود 4/ 23 (3597) والطبراني في الكبير 12/ 270 (13084) والحاكم 4/ 383 والبيهقي 8/ 332. [ (3) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 834 (28) والشافعي 2/ 84 (278) وأحمد 3/ 401 وابن ماجه 2/ 865 (2595) والدارمي 2/ 172 وأبو داود 4/ 53 (4394) والنسائي 8/ 69- 70 والحاكم 4/ 380. [ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 540 (4376) والنسائي 7/ 70 والحاكم 4/ 383 وصححه ووافقه الذهبي.

وروى الترمذي والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا» [ (1) ] . وروى الإمام مالك عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى- قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم، يقال له: هزّال، «يا هزّال، لو سترته بردائك كان خيرا لك» [ (2) ] . وروى مسلم عن عمران بن الحصين الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت: يا رسول الله، أصبت حدّا، فأقمه عليّ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليها فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني، ففعل، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلّى عليها، فقال له عمر، تصلي عليها يا رسول الله، وقد زنت؟! قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل [ (3) ] . وروى أبو داود عن يزيد بن نعيم عن أبيه أن ماغرا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرّ عنده أربع مرات، فأمر برجمه وقال لهزال [ (4) ] الحديث. روى ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» [ (5) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته، حتى يفضحه بها في بيته» [ (6) ] . وروى الترمذي وابن ماجة والدارقطني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصاب في الدنيا ذنبا عوقب فيه فالله أعدل أن يثنّي عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا فستره الله تعالى عليه في الدنيا فالله تعالى أكرم أن يعود في شيء قد عفا عنه» ، وقال عبادة: فأمره إلى الله- عز وجل-[ (7) ] .

_ [ (1) ] ابن ماجة (2545) . [ (2) ] أخرجه مالك مرسلا في الموطأ 2/ 821 (3) وأخرجه موصلا أحمد في المسند 5/ 217 وأبو داود (4377) والحاكم 4/ 363. [ (3) ] أخرجه مسلم في كتابه الحدود (24) وأبو داود (4440) والنسائي 4/ 66 والطحاوي في المشكل 1/ 177. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] أخرجه ابن ماجه (2544) من حديث أبي هريرة. [ (6) ] ابن ماجه (2546) من حديث ابن عباس. [ (7) ] ابن ماجة (2604) والحاكم 4/ 262.

الرابع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في التعزير:

الرابع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في التعزير: روى الإمام أحمد والنسائي ومسلم وأبو داود عن أبي بردة بن نيار- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله» [ (1) ] . وروى ابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعزروا فوق عشرة أسواط» [ (2) ] . الخامس: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في المساجد: روى الإمام أحمد وأبو داود والدارقطني عن حكيم بن حزام وابن ماجة عن ابن عباس وابن ماجه عن عمر- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقام الحدود في المساجد» [ (3) ] . السادس: فيمن ذكر صلى الله عليه وسلم أنه لا يحلّ عليه حد: روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتى عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمر أن ترجم فمرّ بها علي علي بن أبي طالب- رضوان الله عليه- فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة من بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم. قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والأربعة عن عطية القرظي- رضي الله تعالى عنه- قال: عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشّعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في الحدود باب 9 حديث (40) والترمذي (1463) وأبو داود (4491) (4492) أحمد 4/ 45 والدارقطني 3/ 208 وابن أبي شيبة 10/ 17 والحاكم 4/ 369 والطحاوي في المشكل 3/ 164. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2602) وانظر فتح الباري 12/ 178. [ (3) ] أخرجه الترمذي (1401) وابن ماجة (2599) والدارمي 2/ 190 وابن أبي شيبة 10/ 42 والطبراني في الكبير 2/ 147 وانظر المجمع 2/ 25 والحاكم 4/ 369 وعبد الرزاق (1710، 18234) وأبو نعيم في الحلية 4/ 18 وانظر التلخيص 4/ 77. [ (4) ] أخرجه أبو داود (2/ 545) (4399) . [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 383 والدارمي 2/ 223 وأبو داود 4/ 561 (4404) والترمذي 4/ 145 (1584) والنسائي 6/ 155 وابن ماجة 2/ 849 (2541) .

السابع: في كيفية إقامته صلى الله عليه وسلم الحد على الضعيف:

وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلي حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر» . السابع: في كيفية إقامته صلى الله عليه وسلم الحدّ على الضعيف: روى أحمد بن منيع والنسائي وابن ماجة عن أبي أمامة عن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري قال: كان بين أبياتنا رجل محدج ضعيف سقيم يجذم، فلم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إمائهم يخبث بها، فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك الرّويجل مسلما، فقال صلى الله عليه وسلم: «خذوا له عثكالا فيه مائة شمروخ فاضربوه به» ، ففعلوا [ (1) ] . الثامن: في إشارته صلى الله عليه وسلم لمن أتى ما يوجب الحد بالرجوع عن الإقرار والإنكار: روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن أبي أميّة المخزوميّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلصّ فاعترف اعترافا، ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أخالك سرقت» قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع وجيء به فقال: «استغفر الله» وتب إليه، فقال: استغفر الله وأتوب إليه فقال «اللهم تب عليه» ثلاثا [ (2) ] . وروى البزار عن أبي هريرة ومسدّد مرسلا بسند صحيح وأبو داود في المراسيل ورواه البزّار والدارقطني والبيهقي مرفوعا عن محمد بن عبد الرحمن بن توبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسارق سرق شملة فقال: سرقت، ما نخالك سرقت فقال: بلى، يا رسول الله، قال اذهبوا به، فاقطعوا يده ثم احسموه ثم ائتوني به فذهبوا به فقطعوه، ثم حسموه ثم أتوه به فقال: تب إلى الله تعالى فقال قد تبت إلى الله قال: اللهم تب عليه [ (3) ] . التاسع: في عدم إقامته حدّا على من اعترف به ولم يذكر ما سبب الحد: روى عن ابن أبي شيبة برجال ثقات عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله تعالى عنه- قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال له رجل: يا رسول الله، إني أصبت حدّا فأقم عليّ الحدّ، وأقيمت الصّلاة، ثم خرج، فتبعه الرجل وتبعته فقال: يا رسول الله، أقم عليّ حدّي، فإنّي

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 222 وابن ماجة 2/ 859 (2574) . [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 293 وأبو داود (4380) والنسائي 8/ 67 وابن ماجة (2597) والدارمي 2/ 173 والدولابي 1/ 14 والبخاري في التاريخ 9/ 3 والطحاوي في المعاني 4/ 323 وانظر نصب الراية 4/ 76. [ (3) ] أخرجه عبد الرزاق (13583) والدارقطني 3/ 102 وانظر نصب الراية 3/ 371 والدولابي في الكنى 1/ 14.

العاشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في المحاربين والمرتدين:

أصبته، قال: أليس خرجت من منزلك فتوضأت، فأحسنت الوضوء، وشهدت معنا الصلاة؟ قال نعم قال: أن الله تعالى قد غفر لك ذنبك أو حدّك [ (1) ] . العاشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في المحاربين والمرتدين: روى الأئمة إلا مالكا والشافعيّ عن أنس وأبو داود والنسائي عن ابن عمر والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- وأبو داود عن أبي الزناد- بنون-- رحمه الله تعالى- مرسلا والنسائي عن ابن المسيّب- رحمه الله تعالى- إن أناسا من عرينة كان بهم سقم، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وتكلّموا بالإسلام، فقالوا: يا رسول الله، آونا وأطعمنا، فلما أصبحوا حضروا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف وشكوا حمّى المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وأمرهم أن يخرجوا من المدينة وفي لفظ: أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا حتى كانوا أمام بيت من ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقوا الزود فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول النهار فبعث الطالب في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وفي لفظ. وسمّر أعينهم زاد مسلم في رواية أنس وسملوا أعين الرّعاة وتركهم من ناحية الحرة يعضون الحجارة حتى ماتوا وفي لفظ: رأيت الرجل يكدم الأرض بلسانه، حتى يموت يستسقون، فلا يسقون حتى ماتوا على حالهم. قال قتادة: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة، وينهي عن المثلة، قال قتادة: وحدثني ابن سيرين أن ذلك قبل أن تنزل الحدود وقال أبو قلابة: فهؤلاء قوم سرقوا أو قتلوا أو كفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله [ (2) ] . وروى أبو داود والنسائي عن أبي الزناد- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع أيدي الّذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله- عز وجل- في ذلك فأنزل الله- تبارك وتعالى- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (3) ] [المائدة/ 33] . وروى الدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: ارتدت امرأة عن الإسلام، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرضوا عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا قتلت فعرض عليها الإسلام، فأبت أن تسلم، فقتلت [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 252. [ (2) ] أخرجه البخاري 12/ 109 (6813) ومسلم 3/ 1296 (9/ 1671) وأحمد 3/ 98. [ (3) ] أخرجه أبو داود (4370) والنسائي 7/ 100. [ (4) ] أخرجه الدارقطني 3/ 119 والبيهقي 8/ 203.

الحادي عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الزاني

وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استتاب رجلا ارتدّ عن الإسلام أربع مرات [ (1) ] . وروى النسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بدّل دينه فاقتلوه» [ (2) ] . وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، ثم أرسل معاذ بن جبل بعد ذلك [ (3) ] . فلما قدم عليه وجد عنده رجلا موثقا، قال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهوديّا فأسلم، ثم راجع دينه دين السّوء فتهوّد، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل. الحادي عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الزاني روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن نفي عام وإقامة الحدّ عليه [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن سلمة بن المحبق والشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي أعرضنا عنه وتربد وجهه لذلك وكرب وأنزل الله عليه ذات يوم، فلما سري عنه قال: خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم [ (5) ] . وروى الأئمة والنسائي والدارقطني عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ورجمنا بعده. وروى الأئمة إلا النسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والإمام أحمد وابن ماجة

_ [ (1) ] أبو يعلى (3/ 320) . [ (2) ] أحمد 1/ 217، 282، 283، 323، 5/ 231 أبو داود (4351) والترمذي (1458) ومن علي أخرجه البخاري 12/ 267 (6922) والنسائي 7/ 104، 105، وابن ماجة (2535) والطبراني في الكبير 10/ 330 والشّافعي كما في البدائع (1483) وابن أبي شيبة 10/ 139 والدارقطني 3/ 113 وانظر التلخيص 3/ 173، 4/ 48. [ (3) ] البخاري (7/ 660) (4345) . [ (4) ] أخرجه البخاري 10/ 523 (6633) ومسلم 3/ 1324 (25/ 1697- 1698) . [ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1316 (12/ 1690) وأبو داود (4415) وأحمد 5/ 313، 317، 3/ 476 وانظر المجمع 6/ 264 والشافعي كما في البدائع (1492) والطحاوي في المعاني 3/ 134، 138 وابن أبي شيبة 10/ 8، 14 والدارمي 2/ 181 والبيهقي 8/ 210، 222.

الثاني عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في المكره:

عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والدارقطني عن عباد بن تميم عن عمه والإمام أحمد عن عبد الله بن مالك الأوسيّ- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة زنت ولم تحصن فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليحدّها» - وفي رواية فليحدها الحدّ- ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليحدّها، ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل، وفي لفظ صغير من شعر. وفي لفظ إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم بيعوها [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والثلاثة والدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها، وفي لفظ: أن أقيم عليها الحدّ فقال عليّ: وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم [ (2) ] . الثاني عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في المكره: روى الإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن وائل حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: «استكرهت امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد وأقامه على الذي أصابها ... » [ (3) ] . الثالث عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم وطء الشبهة: روى عن حبيب بن سالم قال: رفع إلى النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- وهو أمير الكوفة فقال: لأقضين بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة فوجدوه أحلتها له فجلده مائة. الرابع عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه: روى ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبّان والإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت خالي أبا بردة ومعه الراية، فقلت: إلى أين؟ فقال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل تزوّج امرأة أبيه أن أضرب عنقه وآتي برأسه [ (4) ] . الخامس عشر: في الذين حدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن بريدة بن الحصيب وأحمد وأبو داود والنسائي عن نعيم بن هزال عن أبيه والشيخان وأبو داود والترمذي

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 421 (2234) ومسلم 3/ 1328 (30/ 1703) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 617 (4473) والنسائي في الكبرى كما في التحفة 7/ 448. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 318 والترمذي 4/ 55 (1453) وابن ماجة 2/ 886 (2598) . [ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 292 وأبو داود 4/ 602 (4456) والترمذي 3/ 643 (1362) والنسائي 6/ 109 وابن ماجة 2/ 869 والحاكم 2/ 191 والدارمي 2/ 153.

والدارقطني عن ابن عباس والإمام أحمد عن أبي بكر الصديق وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أني زنيت فأقم على كتاب الله فأعرض عنه، ثم أتاه الثانية، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم على كتاب الله، ثم أتاه الثالثة، فقال: يا رسول الله، إني زنيت فأقم على كتاب الله، ثم أتاه الرابعة، فقال يا رسول الله، إني زنيت فأقم على كتاب الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك قد قلتها أربع مرات فيمن» قال بفلانة، قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، قال فأمر به أن يرجم، قال: فأخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع، فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد أعجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، قال: ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: «هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه» . وروى أبو داود والدارقطني عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا زنى بامرأة، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد الحدّ، ثم أخبر أنه محصن [ (1) ] فأمر به فرجم. روى الإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: إن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليّا لها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسن إليها، فإذا وضعت فجيء بها» فلما أن وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلّوا عليها، فقال عمر: يا رسول الله، تصلي عليها وقد زنت؟ قال: «والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتّ أفضل من أن جادت بنفسها؟» . وروى الدارقطنيّ عن جابر- رضي الله تعالى عنه- إن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أبك جنون؟» قال: لا، قال: «أحصنت؟» قال: نعم، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك، فرجم حتى مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خيرا، ولم يصلّ عليه. وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة. روى الأئمة عن زيد بن خالد وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنهما أخبراه أن رجلين

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود من حديث جابر 4/ 586 (4438) .

السادس عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم بمن عمل عمل قوم لوط:

اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر: وكان أفقههما: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم، قال: «تكلّم» قال: إن ابني كان عسيفا على هذا- والعسيف: الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أن ما على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجل على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فردّ إليك» ، وجلد ابنه مائة وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها. وروى الإمام وأبو داود والنسائي عن خالد بن اللجلاج عن أبيه: إنه كان قاعدا يعتمل في السوق، فمرّت امرأة تحمل صبيّا، فثار الناس معها وثرت فيمن ثار، وانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «من أبو هذا معك؟» فسكتت، فقال شاب حذوها: أنا أبوه يا رسول الله، فأقبل عليها فقال: «من أبو هذا معك؟» فقال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا: ما علمنا إلا خيرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أحصنت» قال: نعم، فأمر به فرجم قال: فخرجنا به، فحفرنا له حتى أمكنّا ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم، فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لهو أطيب عند الله من ريح المسك» فإذا هو أبوه، فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه، وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا. السادس عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم بمن عمل عمل قوم لوط: روى الإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-، وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وروى أبو داود والترمذي والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به» [ (1) ] . السابع عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في القذف: روى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا من بني ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقّر أنّه زنى بامرأة أربع مرّات وكان بكرا، فجلده مائة جلدة ثم سأله البيّنة على المرأة فقالت: كذب يا رسول الله، فجلد حد القذف ثمانين [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه من حديث ابن عباس أحمد 1/ 300 وأبو داود 4/ 607 (4462) والترمذي 4/ 57 (1456) وابن ماجة 2/ 856 (2561) والحاكم 4/ 355 والبيهقي 8/ 232. [ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 618 (4474) والترمذي 5/ 336 (3181) وابن ماجة 2/ 857 (2567) .

الثامن عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في حد السرقة:

الثامن عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في حد السّرقة: روى الإمام أحمد والشيخان والأربعة والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق، في ربع دينار فصاعدا [ (1) ] . وروى الشيخان والنسائي عنها قالت: لم تقطع يد سارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى من ترس أو جحفة، وكان كل واحد منهما ذا ثمن [ (2) ] . وروى الأئمة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق في مجنّ قيمته وفي رواية ثمنه ثلاثة دراهم [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في قيمة خمسة دراهم. وروى الثلاثة عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلّق؟ قال: «من سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجنّ فعليه القطع» [ (4) ] . وروى النسائي عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا قطع في كثر ولا ثمر» [ (5) ] . وروى الإمام مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع في ثمر معلّق، ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين، فالقطع فيما يبلغ ثمن المجنّ» [ (6) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد والترمذي والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع» [ (7) ] . وروى الطبراني والإمامان والشافعي وأحمد والأربعة ومحمد بن يحيى وابن حبان- رحمه الله تعالى- أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه، فوجده، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن العبد وأراد قطع

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 12/ 96 (6789) ومسلم 3/ 1312 (2/ 1684) . [ (2) ] البخاري (12/ 99) (6794) . [ (3) ] أخرجه البخاري 12/ 97 (6798) ومسلم 3/ 1313 (6/ 1686) . [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 207 وأبو داود 2/ 335 (1710) والنسائي 8/ 84. [ (5) ] أخرجه مالك 2/ 839 (32) والشافعي في المسند 2/ 83 (275) وأحمد 3/ 463 والدارمي 2/ 174 وأبو داود 4/ 549 (4388) والترمذي 4/ 52 (1449) والنسائي 8/ 87 وابن ماجة 2/ 865 (2593) والهيثمي في الموارد (1505) والبيهقي 8/ 263. [ (6) ] أخرجه مالك 2/ 831 (22) وقال ابن البر «لم يختلف رواة الموطأ في إرساله ويتصل معناه من حديث عبد الله بن عمر قلت وحديث عبد الله قد تقدم. [ (7) ] أخرجه الشّافعي كما في البدائع (1517) والبيهقي 8/ 263- 266.

يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج، فأخبره عن ذلك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا قطع في ثمر ولا كثر» [ (1) ] . وروى أبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقال: «اقتلوه» ، قالوا: يا رسول الله، إنّما سرق، فقال: «اقطعوه» فقطعوه ثم أتي به في الثانية فقال: «اقتلوه» ، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق فقال: «اقطعوه» ، فقطعوه. ثم أتي به في الثالثة والرابعة، ففعل به كذلك، فأتى به في الخامسة فقال «اقتلوه» قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد الغنم، فاستلقى على ظهره ثم كشّر بيده ورجله، فانصدعت الإبل ثم حملوا عليه الثانية، ففعلوا به مثل ذلك ثم حملوا عليه الثالثة، فرميناه بالحجارة ثم ألقيناه في بئر ثم رمينا عليه بالحجارة. قالوا وهذا الحديث لا يصح وكذا أحاديث قتل السارق [ (2) ] . وروى البيهقيّ والحارث بن أبي أسامة عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وابن سابط الأحول- رحمهما الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعبد قيل: هذا سرق، وقامت عليه البينة ووجدت معه سرقته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا عبد لأيتام ليس لهم مال غيره فتركه ثم أتى به الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة فتركه أربع مرات ثم أتى به الخامسة فقطع يده ثم أتى به السادسة فقطع رجله ثم السابعة فقطع يده، ثم الثامنة فقطع رجله قال الحارث أربع بأربع عافاه مع أربع وعقابه أربع» قال البيهقي: كأنّه لم ير بلوغه في المراتب الأربع أو لم ير سرقته بلغت ما يوجب القطع ثم رآه توجبه في المرات الأخيرة [ (3) ] . روى أبو يعلى والنسائيّ عن الحارث بن الحاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلصّ فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق فقال اقتلوه، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق، قال: اقطعوا يده، قال: ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- حتى قطعت قوائمه كلّها، ثم سرق أيضا الخامسة فقال أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: «اقتلوه، ثم دفعه إلي فتية من قريش ليقتلوه منهم عبد الله بن الزبير، وكان يحب الإمارة» ، فقال: أمّروني عليكم فأمّروه عليهم، فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه [ (4) ] .

_ [ (1) ] البيهقي (8/ 266) . [ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 565 (4410) والدارقطني 3/ 181 وقال المنذري بعده أن عزاه للنسائي «وهذا منكر ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث» . [ (3) ] أخرجه البيهقي (8/ 273) . [ (4) ] النسائي (8/ 90) .

وروى الدّارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سرق السارق، فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله. روى الحميدي وأبو يعلى عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: أول من قطع في الإسلام- أو من المسلمين- رجل من الأنصار أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، إنه، سارق، فقال: اقطعوه، فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذر عليه رمادا فقيل: يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه، قال: وما يمنعني، لا تكونوا من أعوان الشيطان، إن الله عفو يحب العفو، إنه لا ينبغي لولي أن يولّى بحدّ إلا أقامه [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد سرق فأمر بقطعه، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، تبكي فقال: «وكيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم» ؟ قالوا: يا رسول الله، ألا عفوت عنه، قال: ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود، ولكن تعافوا بينكم [ (2) ] . وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سرق العبد فبعه ولو بنشّ» [ (3) ] . وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال: «مال الله تعالى سرق بعضه بعضا» [ (4) ] . وروى أبو داود عن أزهر بن عبد الله الحرازي عن النعمان بن بشير أنه رفع إليه نفر من الكلّاعين أن حاكة سرقوا متاعا، فحبسهم أياما، ثم خلّى سبيلهم، فأتوه فقالوا: خلّيت سبيل هؤلاء بلا امتحان ولا ضرب فقال النعمان: ما شئتم إن شئتم أضربهم، فإن أخرج الله متاعكم فذاك وإلّا أخذت من ظهوركم مثله قالوا هذا حكمك قال: هذا حكم الله- عز وجل- ورسوله صلى الله عليه وسلم. وروى النسائي والدارقطني عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحدّ» [ (5) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 6/ 278. [ (2) ] مجمع الزوائد (6/ 262) وعزاه لأبي يعلى انظر فتح الباري 12/ 87. [ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 337 وأبو داود 4/ 568 (4412) والنسائي 8/ 91 وابن ماجة (2/ 864) (19/ 25) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (2590) وعبد الرزاق (18873) والبيهقي 8/ 282، 9/ 100 وانظر نصب الراية 3/ 368. [ (5) ] أخرجه النسائي 8/ 93 والدارقطني 3/ 182 وأبو نعيم في الحلية 8/ 322 انظر نصب الراية 3/ 375، 376.

التاسع عشر: في حد السكران:

وروى الأربعة والدارقطني عن فضالة بن عبيد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق، فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والنسائي والدارقطني عن أسيد بن الحضير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنّه إذا وجدناه يعني السرقة في يد الرّجل غير المتهم، فإن شاء أخذها بما اشتراها، وإن شاء أتبع سارقه وقضى بذلك أبو بكر وعمر وعثمان- رضي الله تعالى عنهم-. وروى أبو داود والنسائي عن جنادة بن أبي أمية قال: كنا مع بسر بن أرطأة في البحر فأتى بسارق يقال له: مصدر، قد سرق بختية، فقال: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقطع الأيدي في السّفر» ولولا ذلك لقطعته» . وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل يسرق الصبيان، ثم يخرج فيبيعهم في أرض أخرى فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يده. التاسع عشر: في حد السكران: روى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين، فلما ولى عمر دعا الناس من الريف فقال: ما ترون في حدّ الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعلها كأخفّ الحدود قال: فجلد عمر ثمانين. وروى أن الذي أشار عليه بذلك عليّ ففعل عمر [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي سيعد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل في شراب فضربه بنعلين أربعين. وروى نحوه الترمذي وحسّنه. وروى الإمام أحمد عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل نشوان قال: إني لم أشرب خمرا إنما شربت زبيبا وتمرا في دباءة، فقال فأمر به فنهز بالأيدي، وخفق بالنعال ونهى عن الدباء وعن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا [ (3) ] . روى البيهقي والإمام وأبو داود والدارقطني عن عبد الرحمن بن أزهر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح إذ أتى برجل قد شرب الخمر، فقال الناس: اضربوه، فمنهم من ضربه

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 19 وأبو داود 4/ 567 (4411) والترمذي (1447) والنسائي 8/ 92 وابن ماجة 2/ 863 (2587) . [ (2) ] أخرجه البخاري 12/ 63 (6773) ومسلم 3/ 1331 (36، 37/ 1706) . [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 46، 4/ 87.

بالنّعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالسّوط، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا من الأرض فرمى به في وجهه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن معاوية والإمام أحمد عن ابن عمر وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة وأحمد وابن إدريس والشافعي وأبو داود عن قبيصة بن ذؤيب- رضي الله تعالى عنهم- قال: من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد، فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه [ (2) ] . وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي والدارقطني عن حصين بن المنذر الرقاشي «هو أبو ساسان» قال شهدتّ عثمان بن عفان أتى بالوليد بن عقبة، فشهد عليه حمران ورجل آخر، فشهد أحدهما أنه رآه شربها يعني الخمر، وشهد الآخر أن رآه يتقيّئها، فقال عثمان: إنه لم يتقيّئها حتى شربها فقال لعلي- رضي الله تعالى عنه-: أقم عليه الحدّ، فقال عليّ للحسن: أقم عليه الحدّ، فقال الحسن: ولّ حارّها من تولى قارسها، فقال عليّ لعبد الله بن جعفر: أقم عليه الحدّ، قال: فأخذ السوط فجلده وعليّ يعدّ فلمّا بلغ أربعين، أحسبه، قال: وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلّ سنّة، وهذا أحبّ إليّ. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر، فجلد بجريدة نحو أربعين [ (3) ] . وروى البخاري عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم، العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فو الله ما علمت إنّه يحب الله ورسوله» . وروى البخاري وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسكران فأمر بضربه، فمنّا من يضربه بيده، ومنّا من يضربه بنعله، ومنّا من يضربه بثوبه، فلما انصرف، قال رجل: ما له، أخزاه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: رسول

_ [ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 2/ 90 (292) وأحمد 4/ 88 وابن أبي حاتم في العلل (1344) وأبو داود 4/ 628 (4489) والنسائي كما في التحفة 7/ 191 والحاكم 4/ 375. [ (2) ] أخرجه أبو داود (4485) والشافعي في المسند (164) والطبراني في الكبير 19/ 334 والطحاوي في المعاني 3/ 161 وابن سعد 7/ 146 والدر المنثور 2/ 325. [ (3) ] أخرجه أبو داود (2/ 596) (4480) وابن ماجة (2571) 190 أخرجه البخاري 12/ 66 (6779) .

تنبيه:

الله صلى الله عليه وسلم لم يفت في الخمر حدّا قال ابن عباس: شرب رجل فسكر، فلقي يميل في الفجّ، فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حاذى دار العبّاس انفلت فدخل على العباس فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال أفعلها؟ ولم يأمر فيه بشيء [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العشكان [.....] . «الشّمراخ» : بشين معجمة مكسورة فميم ساكنة فراء فألف فخاء معجمة- الغصن الذي عليه البسر. أجووها: بهمزة فجيم ساكنة فواوين أولهما مفتوحة فهاء فألف أصابهم الجواء وهو المرض وداء الجوى إذا تطاول، إذا لم يوافقهم هواؤها. سمل أعينهم: بسين مهملة فميم فلام مفتوحة [أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها] . الحرة: أرض ذات حجارة سوداء. تدبر: بمثناة فوقية فموحدة فدال مهملة مفتوحة تغير إلى الغبرة، وقيل: المدبرة لون بين السواد والغبرة. سراء: بسين مهملة مضمومة فراء مكسورة فتحتية كشف الصغير. الضرية: الشقرة. احسموا: بهمزة فحاء ساكنة فسين مكسورة مهملتين فميم فواو، فألف أي اكووه ليتقطع الدم. الضرع: [.....] . الذود: بذال معجمة مفتوحة فواو ساكنة فدال مهملة ثلاثة أبعرة إلى عشرة أو خمس عشرة أو عشرين أو ثلاثين وما بين الثنتين إلى التسع، مؤنّثة ولا واحد لها من لفظها كالنعم. الريف: براء مكسورة فتحتية ساكنة ففاء، أرض فيها زرع ونخل وقيل: هو ما قارب الماء من أرض العرب ومن غيرها. المجن: بميم مكسورة فجيم مفتوحة فنون: الترس لأنه بوادي جامعة الترس. الجرين: الكثر. الحريسة: بحاء مهملة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية فسين فتاء تأنيث، فعيلة بمعنى مفعولة أي أن لها من يحرسها وقيل السرقة نفسها. المراح: المربد كثير الجرين.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 322 وأبو داود 4/ 619 (4476) والنسائي كما في التحفة 5/ 167.

الباب الخامس في أحكامه وأقضيته - صلى الله عليه وسلم - في الجنايات والقصاص والديات والجراحات

الباب الخامس في أحكامه وأقضيته- صلى الله عليه وسلم- في الجنايات والقصاص والدّيات والجراحات وفيه أنواع: الأول: في أمره صلى الله عليه وسلم بالعفو عن القصاص: روى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرفع إليه قصاص إلا أمر فيه بالعفو. وروى الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل له قتيل فإما أن يودى، وإما أن يقاد» [ (1) ] . الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بالإحسان في استيفاء القصاص: الثالث: في نهيه صلّى الله عليه وسلم أن يقتص من الجاني قبل برء المجني عليه وأن يقتص بالسيف ورضخه رأس اليهودي ولكل خطأ أرش: وروى الدارقطني عن مسلم بن خالد الزنجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقتص من الجرح حتى ينتهي [ (2) ] . وروى ابن ماجه عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قود إلا بالسّيف ولكل خطأ أرش» [ (3) ] . وروي عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قود إلا بالسيف» [ (4) ] . وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رضخ رأس اليهودي الذي رضخ رأس المرأة» [ (5) ] . الرابع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في العهد والخطأ: وروى عن ابن شريح خويلد بن عمرو الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول

_ [ (1) ] مسلم في الحج (447، 448) والترمذي (1405) وأبو داود (4505) والنسائي 8/ 38 وابن ماجة (2624) . [ (2) ] أخرجه الدارقطني 3/ 88، 188. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة (2667، 2668) وابن أبي شيبة 9/ 354 والطبراني في الكبير 10/ 109 والدارقطني 3/ 7 والبيهقي 8/ 62، 63 وانظر التلخيص 4/ 19. [ (4) ] انظر المصادر السابقة. [ (5) ] أخرجه البخاري 12/ 213 (6884) ومسلم 3/ 1299 (15/ 1672) .

الخامس: في حكمه صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد:

الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصيب بدم أو خبل- الخبل الجراج- فهو بالخيار بين أحدى ثلاث، إما أن يقتص، أو يأخذ العقل، أو يعفو، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه فإن فعل شيئا من ذلك، ثم عدا بعد فقتل فله النار خالدا فيها مخلّدا» . وروى مسدّد بسند ضعيف عن مجالد قال: حدثني عريف لجهينة إن ناسا من جهينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسير في الشتاء، فقال: اذهبوا به فأدفئوه قال وكان الدفء بلسانهم القتل فذهبوا به فقتلوه، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أمرتنا أن نقتله، فقتلناه قال: كيف قلت لكم؟ قالوا قلت لنا: اذهبوا به فادفوه قال قد شركتكم إذا أعقلوه، وأنا شريككم [ (1) ] . الخامس: في حكمه صلى الله عليه وسلّم أن لا يقتل مسلم بكافر ولا حرّ بعبد: روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل مسلم بكافر» [ (2) ] . وروى البيهقي في السّنن عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل حرّ بعبد» [ (3) ] . السادس: في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن شتمه: روى أبو داود عن الشعبي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن يهودية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها [ (4) ] . وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن أعمى كانت له أمّ ولد تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فنهاها فلم تنته ... الحديث [ (5) ] . السابع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في القتل بالمثقل والسم: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تردّى من جبل، فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردّى فيه خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن تحسّى سمّا فقتل نفسه، فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 459. [ (2) ] أخرجه الترمذي (1412، 1413) وابن ماجة (2659، 2660) . [ (3) ] أخرجه الدارقطني 3/ 133 والبيهقي 8/ 35 وانظر التلخيص 4/ 16. [ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 129 (4362) . [ (5) ] أخرجه أبو داود 4/ 129 (4361) . [ (6) ] أخرجه البخاري 10/ 247 (5778) ومسلم 1/ 103 (175/ 109) .

الثامن: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الدية من الأربعة الذين سقطوا في بئر فتعلق بعضهم ببعض فهلكوا:

الثامن: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الدية من الأربعة الذين سقطوا في بئر فتعلق بعضهم ببعض فهلكوا: روى البيهقي في السّنن الكبرى وغيره عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للأسد، فازدحم النّاس على الزبية، ووقع فيها الأسد فوقع فيها رجل وتعلق برجل، وتعلق الآخر بآخر حتى صاروا أربعة فجرحهم الأسد فيها، فهلكوا، وحمل القوم السلاح فكاد أن يكون بينهم قتال، قال: فأتيتهم، فقلت: أتقتلون مائتي رجل من أجل أربعة أناس، تعالوا، أقضي بينكم بقضاء فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم، وإن أبيتم رفعتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحقّ بالقضاء، قال: فجعل للأوّل ربع الدّية وجعل للثاني ثلث الدية وجعل للثالث نصف الدية وجعل للرابع الدية وجعل الدّيات على من حضر الزّبية على القبائل الأربعة فسخط بعضهم ورضي بعضهم، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصوا عليه القصة فقال: أنا أقضي بينكم، فقال قائل فإنّ عليا- رضي الله تعالى عنه- قد قضى بيننا فأخبره بما قضي علي- رضي الله تعالى عنه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء كما يقضي عليّ. التاسع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في قصاص الأطراف والجراح: روى أبو داود عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأصابع سواء عشر عشر من الإبل» . وروى عن ابن عبّاس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأصابع سواء والأسنان سواء الثّنيّة، والضّرس سواء هذه وهذه سواء» . العاشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الديات وفيه مسائل: الأولى: في حكمه في دية الحرّ المسلم الذّكر: روى أبو داود عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن فحاض ذكر [ (1) ] . الثانية: في دية المرأة والعبد والمكاتب والمعاهد والكافر والذمي: روى النسائي عن ابن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عقل المرأة مثل عقل الرّجل حتى يبلغ الثلث من ديتها» .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 680 (4545) والترمذي 4/ 10 (1386) والنسائي 8/ 43 وأخرجه ابن ماجة 2/ 879 (2631) والدارقطني 3/ 175 والبيهقي 8/ 75.

الثالثة: في حكمه صلى الله عليه وسلم في دية الأعضاء والجراح:

وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا، ولا اعترافا ولا صلحا ولا ما دون الموضحة» . الثالثة: في حكمه صلى الله عليه وسلم في دية الأعضاء والجراح: روى أبو داود والنسائي [ (1) ] عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأسنان خمس من الإبل [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأنف إذا أجدع الدية كاملة مائة من الإبل، وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون، وفي العين خمسون، وفي المأمومة ثلث النّفس، وفي الجائفة ثلث العقل، وفي المنقلة خمس عشرة وفي الموضحة خمس وفي السّن خمس، وفي كل أصبع عشر من الإبل. وروى البيهقي في السنن عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في السّمع مائة من الإبل، وفي العقل مائة من الإبل [ (3) ] . وروى ابن عدي والبيهقي في السنن عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في اللّسان الدية، إذا منع الكلام، وفي الذكر الدية، إذا قطعت الحشفة، وفي الشفتين الدية [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والأربعة عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في المواضح خمس [ (5) ] خمس» . والنّسائي عن عبد الله ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الأصابع عشر عشر [ (6) ] . الرابعة: في حكمه في دية الجنين: روى البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أن ضرتين رمت

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 8/ 44، 45 (4805) وعبد الرزاق (17756) والدارقطني 3/ 91 وانظر التلخيص 4/ 25. [ (2) ] أبو داود (4566) وأحمد 2/ 215 والدارمي 2/ 194 والترمذي 4/ 13 (1390) وابن ماجة 2/ 886 (2655) والنسائي 8/ 57. [ (3) ] انظر كنز العمال (40082) غليل 7/ 321. [ (4) ] أخرجه الدارمي 2/ 193 والبيهقي 8/ 89. [ (5) ] أخرجه أبو داود (4566) والترمذي (1390) والنسائي 8/ 57 وأحمد 2/ 178، 207، 215 وابن ماجة (2655) والبيهقي 8/ 81، 92. [ (6) ] أخرجه عبد الرزاق (17695، 17696) والنسائي 8/ 56 وأبو داود (4562) وأحمد 4/ 178، 189، 404 وابن أبي شيبة 9/ 192.

الخامسة: في تقويمه صلى الله عليه وسلم بالدنانير والدراهم:

إحداهما الأخرى بعمود فسطاط، فألقت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين غرة: عبدا أو أمة، وجعلها على عاقلة المرأة [ (1) ] . الخامسة: في تقويمه صلى الله عليه وسلم بالدنانير والدراهم: روى أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه جعل الدّية اثني عشر ألفا» . الحادي عشر: في شفاعته صلى الله عليه وسلم إلى من استحق القصاص بأخذ الدّية بالصبر ببعضها إلى ميسرة من هي عليه: روى البيهقي في السّنن الكبرى عن علقمة بن وائل أن أباه أخبره، قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل في عنقه تسعة، فلما انتهى إليه، قال: إن هذا وأخي كانا في جب يحفرانها، فرفع المنقار، فضرب به رأس أخي فقتله قال: اعف عنه فأبى، قال: فخذ الدية فأبى ... الحديث. الثاني عشر في أحكام متفرقة: روى البخاري عنه أنه جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهودية التي سمته في لحم الشاة التي صنعتها له، فسألها عن ذلك فقالت: فعلته لأقتلك فقال: ما كان الله ليسلطك علي ذلك وقال علي: ألا نقتلها قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (2) ] . وروى أبو داود عن أبي سلمة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وإن بشر بن البراء ممن أكل من لحم تلك الشاة، فمات [ (3) ] . الثالث عشر: في حكمه- صلى الله عليه وسلم- في القسامة: روى الإمام مالك والترمذي عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة، فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح من فقير بئر أو عين فأتى يهود، فقالوا: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله، ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه، فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه، وعبد الرّحمن فذهب محيصة ليتكلّم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «كبّر كبّر» يريد السّنّ فتكلّم حويصة ثم تكلّم محيصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن يدوا صاحبكم، وإمّا أن يؤذنوا بحرب» فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا إنا والله

_ [ (1) ] أخرجه الدارمي 2/ 192 وأبو داود 4/ 681 (4546) والترمذي 4/ 12 (1388) والنسائي 8/ 44 وابن ماجة 2/ 879 (2632) . [ (2) ] تقدم. [ (3) ] تقدم.

الرابع عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في قتل الوالد ولده والسيد عبده وبالعكس:

ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرّحمن «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» فقالوا: لا، قال «أفتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء. الرابع عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في قتل الوالد ولده والسيد عبده وبالعكس: روى الإمام مالك عنه أن رجلا من بني مدلج، يقال له، قتادة حذف ابنه بالسّيف فأصاب ساقه فنزي في جرحه فمات فقدم سراقة بن جشم على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له فقال عمر اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتّى أقدم عليك، فلمّا قدم إليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقّه وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة ثم قال أين أخو المقتول؟ فقال: ها أنا ذا فقال: خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لقاتل شيء» وفي رواية غيره ثم دعا بأم المقتول وأخيه، فدفعا إليهما، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرث القاتل شيئا ممّن قتله» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ (2/ 867) حديث (10) .

الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الدعاوى والبينات وفصل الخصومات:

الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الدعاوي والبينات وفصل الخصومات: روى الإمام أحمد والطبراني في الكبير برجال ثقات عن عمارة بن حزم والطبراني برجال ثقات عن بلال بن الحارث والطبراني بسند جيّد عن زيد بن ثابت والطبراني عن أبي سعيد والطبراني عن عبد الله بن عمر والإمامان الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن عليّ، والدارقطني عن ابن عباس والشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن أبي هريرة والشافعي وأحمد والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن جابر والدارقطني عن علي والدارقطني عن ابن عمر وابن ماجة عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين [ (1) ] . روى الترمذي والدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: «البينة على المدّعي، واليمين على المدّعى عليه» [ (2) ] . وروى الأئمة إلا مالكا عن ابن عباس وابن جرير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى ناس دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارقطني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ذو غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت وتجوز شهادتهم لغيرهم» [ (4) ] . وروى الترمذي والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه من حديث ابن عباس مسلم 3/ 1337 (3/ 1712) والترمذي (1344 و 1344) وابن ماجة (2368) والتمهيد لابن عبد البر 2/ 134، 135 وانظر المجمع 4/ 202. [ (2) ] أخرجه الدارقطني 4/ 157، 218. [ (3) ] أخرجه البخاري 8/ 213 (4552) ومسلم 3/ 1336 والبيهقي 10/ 252. [ (4) ] أخرجه عبد الرزاق 8/ 320 (15364) وأحمد 2/ 181 وأبو داود 4/ 24 (3600، 3601) وابن ماجة 2/ 792 (2366) والدارقطني (4/ 244) . [ (5) ] أخرجه الترمذي 5/ 545 (2298) وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي، ويزيد يضعف في الحديث، وابن عدي 7/ 2714 والدارقطني 4/ 244 (145) .

وروى أبو داود والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجوز شهادة بدويّ على صاحب قرية» [ (1) ] . وروى أبو سعيد النّقّاش في القضاء عن ابن عباس أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: «هل ترى الشمس» قال: نعم، قال: «على مثلها فاشهد أو دع» [ (2) ] . وروى الدارقطني والطبراني في الأوسط عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة. وروى الشّيخان والدارقطني عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة رجل وامرأتين في النكاح. وروى ابن ماجة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل وامرأتين من أهل الكتاب لبعضهم من بعض. وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصدقوا أهل الكتاب فيما يحدثونكم عن كتاب الله ولا تكذبوهم» وقولوا: «آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم» [ (3) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن عدي بن عدي الكندي- رضي الله تعالى عنه- أنه أخبرهم قال: جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان في أرض، فقال أحدهما: هي أرضي وقال الآخر: هي أرض حزتها فأقبضتها، أو قال وقبضتها، فأحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيده الأرض [ (4) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن ماجة والنسائي والبيهقي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رجلين تنازعا في أرض أحدهما من حضرموت، فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمين أحدهما فضج الآخر وقال: إنه إذا يذهب بأرضي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هو اقتطع بيمينه ظلما كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكّيه وله عذاب أليم» ، فقال الآخر: لا أبالي وتورع الآخر عن اليمين [ (5) ] . وروي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حقّ

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 26 (3602) وابن ماجة 2/ 793 (2366) والبيهقي 10/ 250. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 4/ 18 وانظر كنز العمال (17782) . [ (3) ] أخرجه البخاري 13/ 516 (7542) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 206 وقال رواه الطبراني في ورجال أحدهما رجال الصحيح. [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 394 وانظر المجمع 4/ 178 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 45.

امرئ مسلم بيمينه أوجب له النار وحرم عليه الجنة» ، فقال: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيبا من أراك» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن صاحب الدابة أحق بصدرها» [ (2) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى كل واحد منهما بشهود عدول وفي عدة واحدة فساهم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم اقض بينهما» . وروى الطبراني عن سمرة أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما بيّنة أنّه له، فقضى به بينهما [ (3) ] . وروى البيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اليمين على طالب الحقّ» . وروى أحمد بن منيع والطبراني برجال ثقات عن موسى بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للحضرمي: «بينتك وإلا قسمته» ، فقال: يا رسول الله، إن حلف ذهب بأرضي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف يمينا كاذبة ليقطع في حقّ أخيه لقي الله، وهو عليه غضبان» ، فقال امرؤ القيس من تركها وهو يعلم أنّها حقّ قال: فاشهد أني قد تركتها [ (4) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا من سوار بن الحارث فجحده فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضرا» فقال: صدقك لما جئت به، وعلمت أنّك لا تقول إلا حقّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه» [ (5) ] . وروى البخاري من طريق علي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سمحاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيّنة أوحدّ في

_ [ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ (727) والطبراني في الكبير 1/ 249 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 45. [ (2) ] انظر المجمع 4/ 203 ونصب الراية 4/ 108. [ (3) ] انظر المجمع 4/ 206 وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه ياسين الزيات وهو متروك. [ (4) ] المجمع 9/ 323. [ (5) ] أخرجه الحاكم 2/ 18 والطبراني في الكبير 4/ 101 وانظر المجمع 9/ 320 والبيهقي 10/ 320.

ظهرك» فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق فيلتمس البينة» ، فأنزل الله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ فقرأ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [ (1) ] [النور/ 6- 9] . وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لعب بالنّرد شبرا، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه» [ (2) ] . وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة، فقال: «شيطان يتبع شيطانة» [ (3) ] . تنبيه: الخائن: [....] . ذي غمر: [أي حقد] . القانع: [الأجير التابع مثل الأجير الخاصّ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 449 (4747) . [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1770 (10/ 2260) . [ (3) ] أخرجه أبو داود (4940) وابن ماجة (3764/ 367) وأحمد 2/ 345 وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (2006) والبخاري في الأدب (1300) وعبد الرزاق (19731) وابن المبارك في الزهد (310) وانظر الدر المنثور 2/ 320 والبيهقي 10/ 19، 213 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 77.

الباب السابع في قضايا شتى غير ما سبق:

الباب السابع في قضايا شتى غير ما سبق: روى أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة [ (1) ] . روى البخاري عن معن بن يزيد، قال: كان أبي يزيد خرج بدنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله، ما إياك أردتّ بها فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك يا معن ما أخذت» [ (2) ] . وروى البزار بسند وحسّنه الحافظ أبو الحسن الهيثمي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في النّخل، فجعل النّاس يقولون: فيها وسق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: «كذا وكذا» ، فقال: صدق الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر مثلكم، فما حدّثتكم عن الله، فهو حق، وما قلت من قبل نفسي فإنما أن بشر أصيب وأخطئ» [ (3) ] . روى عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار» والعجماء: البهيمة من الأنعام وغيرها. والجبار هو الهدر الذي لا يغرم وقضى في الركاز الخمس وقضى أن تمرة النخل لمن أبرها، إلا أن يشترط المبتاع وقضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع، وقضى أن الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وقضى بالشّفعة بين الشركاء في الأرضين والدور، وقضى لحمل بن مالك الهذلي بميراثه عن امرأته التي قتلتها الأخرى، وقضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة قال: فورثها بعلها وبنوها قال: وكان له من امرأتيه كلتيهما ولد فقال أبو القاتلة المقضيّ عليه يا رسول الله، كيف أغرم من لا صاح ولا استهل، ولا شرب ولا أكل، فمثل ذلك بطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا من الكهّان من أجل سجعه الذي سجع، قال: وقضى في الرحبة تكون بين الطريق لم يرد أهلها البنيان فيها فقضى أن يترك للطريق فيها سبعة أذرع قال: وكانت تلك الطريق تسمى الميتاء، وقضى في النخلة أو النخلتين أو الثلاث فيختلفون في حقوق ذلك فقضى أن في كل نخلة من أولئك مبلغ جريدتها حيّز لها، وقضى في شرب

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 5/ 327 والطبراني في الكبير 18/ 137 والخطيب في التاريخ 3/ 278 وانظر المجمع 4/ 87، 108، 7/ 290 وابن عدي في الكامل (6/ 2269) والعقيلي في الضعفاء 4/ 139. [ (2) ] البخاري 2/ 138 والطبراني في الكبير 19/ 441 والبيهقي 7/ 34. [ (3) ] انظر مجمع الزوائد 1/ 178.

تنبيهات

النخل من السبيل، أن الأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين، ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه، فكذلك ينقضي حوائط أو يفنى الماء، وقضى أن المرأة لا تعطى من ماله شيئا إلا بإذن زوجها، وقضى للجدّتين من الميراث بالسدس بينهما بالسّواء، وقضى أن من أعتق شركاء في مملوك فعليه جواز عتقه إن كان له مال وقضى أن لا ضرر ولا ضرار، وقضى أنه ليس لعرق ظالم حقّ، وقضى بين أهل المدينة في النخل لا يمنع نفع بئر وقضى بين أهل المدينة أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل الكلأ، وقضى في الدّية الكبرى المغلظة ثلاثين بنت لبون وثلاثين حقة وأربعين خلفة وقضى في الدية الصغرى ثلاثين بنت لبون، وثلاثين حقّة، وعشرين ابنة مخاض وعشرين بني مخاض ذكورا ثم غلت الإبل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهانت الدّراهم فقوّم عمر- رضي الله تعالى عنه- إبل المدينة ستة آلاف درهم حساب أوقية لكل بعير ثم غلت، وهانت الورق فزاد عمر- رضي الله تعالى عنه- ألفين حساب أوقيتين لكل بعير، ثم غلت الإبل وهانت الدراهم فأتمها عمر- رضي الله تعالى عنه- اثني عشر ألفا حساب ثلاث أواق لكل بعير، قال: فزاد ثلث الدية في الشهر الحرام، وثلث آخر في البلد الحرام، قال: فتمت دية الحرمين عشرين ألفا، قال: فكان يقال يؤخذ من أهل البادية من ماشيتهم، ولا يكلفون الورق ولا الذهب، ويؤخذ من كل قوم ما لهم قيمة العدل من أموالهم. تنبيهات الأول: قوله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر أصيب وأخطئ: الثاني: تنبيه في بيان غريب ما سبق: المعدن: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فدال مهملة فنون الموضع الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة. الجبار: بجيم مضمومة فموحدة فألف فراء أي هدر. العجماء: بعين مهملة مفتوحة فجيم ساكنة فميم فألف الدابّة. الرّكاز: براء مكسورة فكاف فألف فزاي عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن والقولان تحتملها اللغة لأن كلا منهما مركوز في الأرض، أي ثابت. الحقّة: بحاء مهملة مكسورة فقاف مفتوحة فتاء تأنيث من الإبل ما دخل في السنة الرابعة إلى آخرها سمي بذلك لأنه استحق التحميل والركوب. بنت مخاض: هي ما لها حول وطعنت في الثانية سميت بذلك لأن أمها تمخض بولد آخر.

الباب الثامن في فتاويه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثامن في فتاويه- صلّى الله عليه وسلم- الأول: في نهي الصحابة عن سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وروى مسلم عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله، ونحن نسمع، فبينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ دخل رجل على جمل ثم أناخه في المسجد، ثم عقله ثم قال: يا محمد أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: «صدق» قال: فمن خلق السّماء؟ قال: «الله» ، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله» قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعله؟ قال: «الله» ، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، الله أرسلك؟ قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: «صدق» قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ، قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في أموالنا قال: «صدق» ، قال: فبالّذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا، قال: «صدق» ، قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ، قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا قال: «صدق» قال: ثمّ ولّى فقال: والذي بعثك بالحقّ، لا أزيد عليهنّ، ولا أنقص منهنّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن صدق ليدخلنّ الجنّة» [ (1) ] . الثاني في مسائل شتى عن ما بعث به صلى الله عليه وسلم وعن حدود الأحكام: روى عبد الرزاق عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: والله، ما جئتك حتى حلفت بعدد أصابعي هذه ألا أتّبعك، ولا أتّبع دينك، وإني أتيت امرا لا أعقل شيئاً إلا ما علّمني الله ورسوله، وإني أسألك بالله بما بعثك ربك إلينا؟ فقال: اجلس، ثم قال: للإسلام، ثم بالإسلام، فقلت: ما آية الإسلام؟ فقال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتفارق الشرك، وأن كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يضل الله من مشرك أشرك بعد إسلامه عملا: إن ربي داعيّ وسائلي هل بلّغت عباده؟ فليبلغ شاهدكم غائبكم، وإنكم تدعون مفدّم على أفواههم بالفدام فأول ما ينبئ عن أحدكم فخذه وكفه قال: فقلت يا رسول الله، فهذا ديننا؟ قال: نعم وأين ما تحسن يكفك، وإنكم تحشرون وإنكم تحشرون على وجوهكم، وعلى أقدامكم، وركبانا [ (2) ] . وروى مسلم عن

_ [ (1) ] مسلم (1/ 41) (10- 12) . [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (20115) .

جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الموجبتان فقال «من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله دخل النّار» . وروى البخاري عن أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله، ما المسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» [ (1) ] . وروى البيهقي في الشّعب عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، ما المسلم؟ وأيّ شيء أحب في الإسلام عند الله؟ قال: الصّلوات لوقتها، ومن ترك الصّلاة فلا ولي له، والصلاة عماد الدّين [ (2) ] . وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمون خير؟ فقال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» [ (3) ] . وروى الشيخان والنسائي وأبو داود وابن ماجة: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ فقال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، أيّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كل شيء، قال: كلّ نبيّ خلق من ماء، قلت: انبئني عن أمر إن عملت به دخلت الجنّة، قال: أفش السّلام، وأطعم الطّعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام [ (5) ] . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» ، قال: ليس عن هذه نسألك، قال: «فعن معادن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 10 ومسلم في كتاب الإيمان (66) والترمذي (2504) (2627، 2628) والنسائي 8/ 107 وأحمد 2/ 191، 206، 215، 3/ 391، 4/ 385، 6/ 22 والدارمي 2/ 299 والحاكم 3/ 626 والطبراني في الكبير 8/ 1315، 17/ 49 وفي الصغير 1/ 253 والبيهقي 10/ 243 وابن أبي شيبة 9/ 64 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (94) وأبو نعيم في الحلية 3/ 357 وانظر المطالب (2859) والمجمع 1/ 54، 56، 61، 3/ 268، 5/ 261. [ (2) ] انظر الدر المنثور 1/ 296. [ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 53 (10) ومسلم 1/ 65 (64/ 40) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 10، 14، 8/ 65 ومسلم في الإيمان (63) (65) وأبو داود (5194) والنسائي في الإيمان باب (12) وابن ماجة (3253) والخطيب في التاريخ 13/ 326 وأبو نعيم في الحلية 1/ 287، 3/ 424، والبخاري في الأدب (1013) . [ (5) ] أخرجه أحمد 2/ 295، 323 والحاكم 4/ 129، 160 والطبراني في الكبير 8/ 273.

العرب تسألون» قالوا نعم، قال خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: إذا سرّتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن، قال: فالإثم؟ قال: فالإثم؟ قال: إذا حكّ في نفسك شيء فدعه [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والدارميّ عن وابصة بن معبد- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «جئت تسأل عن البر والإثم» ؟ قلت: نعم، قال: «استفت قلبك» ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وإن أفتاك الناس وأفتوك [ (3) ] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بارز يوما للناس، فأتاه جبريل، فقال: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث» ، قال: ما الإسلام؟ قال: «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان» ، قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك» ، قال: ما الساعة؟ قال: «ما المسؤول بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة رتبها، إذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم «أن الله عنده علم السّاعة.. الآية» ثم أدبر، فقال: ردوه، فلم يروا شيئا، فقال: «هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم» [ (4) ] . وروى مسلم عن النّوّاس بنون مشددة فواو مشددة فألف فسين مهملة ابن سمعان- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في القلب والصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس» [ (5) ] . وروى الشيخان عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: يا معاذ، هل تدري ما حقّ الله على عباده، وما حقّ العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن يغفر لمن لا يشرك به شيئاً قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ فقال: «لا تبشرهم فيتكلوا» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 525 (3493 و 3496) ومسلم 4/ 1958 (199/ 2526) . [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 252 والطبراني في الكبير 8/ 138 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (103) والحاكم 1/ 14، 2/ 13 وانظر المجمع 1/ 86. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 228 والدارمي 2/ 245 وأبو يعلى في المسند 3/ 60 (1/ 1586) (2/ 1587) . [ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 114 (50) ومسلم 1/ 40 (7/ 10) . [ (5) ] أخرجه مسلم 4/ 1980 (14/ 2553) . [ (6) ] تقدم.

وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، فقالوا إنا لنجد في أنفسنا شيئا، لأن يكون لأحدنا مهمة أو يخرمن السماء إلى الأرض أحبّ من أن يتكلم به، فقال: ذاك محض الإيمان [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أحدّث نفسي بالشّيء، لأن أخر من السماء أحب إلي من أتكلم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، الحمد لله، الذي رد كيده إلى الوسوسة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنؤخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: أما من حسن في الإسلام فلا يؤخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول، والآخر [ (3) ] . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء سراقة بن مالك بن جشم، فقال: يا رسول الله، بيّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فما العمل اليوم أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أنعمل على أمر قد فرغ منه أو على أمر لم يفرغ منه؟ قال: بل على أمر قد فرغ منه، فاعمل يا ابن الخطاب، فكلّ ميسّر، فإن كان من أهل السعادة، فإنه يعمل بالسعادة، وإن كان من أهل الشقاء، فإنه يعمل بالشقاء. ورواه الشافعي ومسدد إلى قوله «فرغ منه» ورواه عبد الرزاق والبيهقي، وزاد: فيم العمل؟ قال: لا يقال إلا بالعمل قلت: أن يجتهد [ (5) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وسعيد بن منصور، قال: قال رجل من مزينة أو جهينة يا رسول الله ففيم نعمل في شيء قد خلا ومضى، أو شيء مستأنف الآن؟ قال: في شيء قد خلا ومضى، فقال الرجل، أو بعض القوم؟ ففيم العمل؟ قال: إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 456، 6/ 106 وأبو عوانة 1/ 79 وابن أبي عاصم 1/ 295 والطبراني في الكبير 10/ 101. [ (2) ] وانظر المجمع 1/ 33، 34 والنسائي في عمل اليوم والليلة (667) وانظر البداية 1/ 60. [ (3) ] البخاري (12/ 277) (6921) . [ (4) ] أخرجه مسلم 4/ 2040 (8- 2648) . [ (5) ] أخرجه أحمد 1/ 6 والترمذي (3111) وابن أبي عاصم 1/ 71، 74 والطبراني في الكبير 1/ 17 وأبو نعيم في الحلية 5/ 351 والمجمع 7/ 194. [ (6) ] أخرجه أبو داود (4696) وأحمد 1/ 27 وانظر التمهيد 6/ 7.

وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله: أخبرني عن عمل يدخلني الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصل الرّحم [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بما هو أفضل الإيمان؟ قال: يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك [ (3) ] . وروى مسلم عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاجّ وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام. إلّا أن أعمّر المسجد الحرام، قال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله- عز وجل-: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [ (4) ] [التوبة/ 19] . وروى البخاري عن مالك بن أنس عن عمه سهيل عن أبيه، إنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرّأس، يسمع دويّ صوته، ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال: هل عليّ غيرهن؟ فقال: لا، إلا أن تطوّع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام رمضان، قال: هل على غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزّكاة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، قال: فأدبر الرّجل، وهو يقول والله، لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفلح إن صدق» [ (5) ] .

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أخرجه الترمذي (2616) . [ (3) ] انظر المجمع 8/ 188 والترغيب 3/ 342 وابن كثير في التفسير 3/ 536، 8/ 546. [ (4) ] أخرجه مسلم (3/ 1498) (111/ 1879) . [ (5) ] تقدم.

وروى ابن منده وابن عساكر عن ابن مرة أن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، شهدتّ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله وأدّيت الخمس، وأديت الزّكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: من الصّدّيقين والشّهداء. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ونعيم بن حماد والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن كرز بن علقمة الخزاعي؟ قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل للإسلام من منتهى؟ قال: نعم أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام قال: ثم تقع الفتن كأنّها الظّلل، قال: كلا والله إن شاء الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، والذي نفسي بيده، ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض فأفضل النّاس يومئذ مقتول في شعب من الشّعاب يتقي ربه تبارك وتعالى ويدع الناس من شرّه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له: إن أردتّ أن يلين قلبك، فأطعم المساكين، وامسح رأس اليتيم [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن حبشي الخثعمي- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «طول القيام» ، قال: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال «جهد المقلّ» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الصلاة لوقتها» ، قلت: ثم أيّ؟ قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، حدّثني بهن ولو استزدته لزادني [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين أتصدّق وليس لي مال؟ قال: إن من ثواب الصّدقة التكبير والتسبيح، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، واستغفر الله. وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل، فيستره، فإذا أطلع عليه أعجبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجران أجر السر، وأجر العلانية» . قال:

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 199 وأحمد في المسند 3/ 477. [ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 263 والبيهقي 4/ 60، 61. [ (3) ] أخرجه أبو داود (1325 و 1449) والبيهقي 3/ 9، 4/ 180 والطحاوي في المعاني 1/ 476. [ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 9 (527) ومسلم 1/ 90 (139/ 85) .

الثالث: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الطهارة، وما يتعلق بها:

فقد فسّر بعض أهل العلم الحديث إذا اطّلع عليه فأعجبه، إنما معناه يعجبه ثناء الناس عليه بهذا. وروى ابن ماجة عن كلثوم الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت، وإذا أسأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قال جيرانك قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا قال جيرانك قد أسأت، فقد أسأت» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت، وإذا أسأت؟ قال: «إذا سمعتهم يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت» . الثالث: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الطّهارة، وما يتعلق بها: روى الإمام الشافعي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ومعنا القليل من الماء، إن توضأنا به عطشنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته» . وروى أبو داود والترمذي والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب؟ قال: «الماء الطّهور لا ينجسه شيء» . وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة، فقيل له: إن السباع والكلاب ترد عليها؟ فقال: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي طهور» . وروى ابن ماجه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها، فقال: «لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي طهور» . روى الإمام الشافعي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عما أفضلته الحمر أنتوضأ بما أفضلته الحمر؟ قال: «نعم، وبما أفضلت السباع» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (4222) والبيهقي 10/ 125.

الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وفي لفظ بأرض فلاة، وما ينوبه من الدّوابّ والسّباع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث» . وروى الشيخان عن عبد الله بن زيد الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخيّل أو يجد الشّيء في الصلاة قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» . وروى أبو داود عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت رجلا مذّاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله فقال: فيه الوضوء، وفي رواية «توضأ واغسل ذكرك» . وروى الإمام الشافعي والبيهقي عن المقداد- رضي الله تعالى عنه- أن عليا- رضي الله تعالى عنه- أمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم إذا دنا الرّجل من امرأته فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فقال: ينضح الماء على فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة. وروى الإمام أحمد والترمذي عن سهل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت ألقى من المذي شدّة وعناء وكنت أكثر- وفي لفظ- فأكثر من الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنما يجزيك من ذلك الوضوء» ، فقال: يا رسول الله، فكيف ما يصيب ثوبي منه؟ فقال: «إنما يكفيك كف من ماء تنضح به من ثوبك» . وروى البخاري عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، إذا جامع الرّجل المرأة، فلم ينزل قال: «يغسل ما مسته المرأة منه، ثم يتوضأ» وفي رواية سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يصيب المرأة، ثم يكسل قال: «يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ، ويصلي» . وروى الإمام أحمد عن أسيد بن حضير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن لحوم الإبل، فقال: «توضأ من لحومها، وسئل عن لحوم الغنم» ، فقال: لا تتوضأ من لحومها. وروى الترمذي وصحّحه عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن مسح الخفين، فقال: «للمسافر ثلاثة أيام، والمقيم يوم وليلة» . وروى ابن أبي شيبة وأبو داود عن أبي عمارة- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله، المسح على الخفين، قال: «نعم يوما ويومين» ، قال: وثلاثة قال: «نعم» .

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أكون في الرّمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون النفساء والحائض والجنب فما ترى؟ قال: «عليك بالتراب» . وروى ابن أبي شيبة والشيخان والنسائي عن عمران بن الحصين أن رجلا قال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عليك بالصّعيد، فإنّه يكفيك» . وروى الدارقطني وعبد الرزّاق ابن أبي شيبة عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنه- قال أجنبت وأنا في الأبواء فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنّما يكفيك في ذلك التيمم» . وروى ابن ماجه والدّارقطنيّ عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: انكسرت إحدى زنديّ فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر. وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه احتلم، ولا يجد بللا، قال: «لا غسل عليه» ، قالت أم سلمة فالمرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: «نعم، إنّ النساء شقائق الرجال» . وروى الشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحقّ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا رأت الماء» . وروى أبو داود وابن أبي شيبة عن أبي ثعلبة الخشني- بالخاء والشين المعجمتين-- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نغزو إلى أرض العدو فنحتاج إلى آنيتهم، قال: «استغنوا عنها ما استطعتم، فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها واشربوا» . وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي ثعلبة الخشني، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس، فقال: «اتقوها غسلا واطبخوا فيها» . وروى أحمد والترمذي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت: يا رسول الله، أن بيني وبين المسجد طريقا قذرا، قال: «أفبعدها طريق أنظف» ؟ قالت: نعم، قال: «هذه بهذه» . وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله [.....] . وروى أبو الشيخ في كتاب الفرائض عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال:

سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال: ما خلا الولد والوالد. وروى الطبراني وغيره عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم، قال من برئت يمينه وصدق لسانه، واستقام قلبه وعفّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم. وروى الحاكم وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القناطير المقنطرة قال: «القنطار ألف أوقية» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار اثنا عشر ألف أوقية» [ (2) ] . وروى الترمذي وصحّحه عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقال: كيف نصنع بهذه الآية؟ قال: أيّ آية؟ قلت: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة/ 105] قال: أما والله، لقد سألت عنها خبيرا قال: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام» [ (3) ] . روى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما عن أبي عامر الأشعري: قال: إنه كان فيهم شيء فاحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حبسك» قال: قرأت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة/ 105] فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا يضرّكم من ضل من الكفّار إذا اهتديتم» [ (4) ] [المائدة/ 105] . وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال: «أولئك أصحاب الأعراف» . وروى الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور وغيرهم عن عبد الرحمن المدنيّ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ قال: هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 2/ 178. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3360) وأحمد (36312) وابن حبان ذكره الهيثمي (663) والطبري في التفسير 3/ 33. [ (3) ] أخرجه الترمذي (3058) وأبو داود (4341) وابن ماجة (4014) وأبو نعيم في الحلية 2/ 30 والبيهقي 10/ 92 والبغوي في التفسير 2/ 101 وانظر الدر المنثور 2/ 339. [ (4) ] انظر مجمع الزوائد 7/ 19 والسيوطي في الدر 2/ 339.

فمنعتهم الجنة، بمعصية آبائهم، ومنعتهم النّار قتلهم في سبيل الله [ (1) ] . وروى ابن المبارك في الزهد والطبراني والبيهقي في الشعب عن عمران بن الحصين، وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [الصف/ 12] قال: قصر من لؤلؤ في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زبر جدة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش زوجة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطى المؤمن في كل غداة من القوة، ما يأتي على ذلك كله [ (2) ] . وروى مسلم وغيره عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك، فقال: «هو مسجدي» [ (3) ] . وروى ابن مردويه- رضي الله تعالى عنه- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس/ 62] . قال: الذين تحابّوا في الله. وروى مثله في حديث جابر بن عبد الله. وروى الإمام أحمد وسعيد بن منصور والترمذي وغيرهم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أنه سئل عن هذه الآيةهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [يونس/ 64] قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرك هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له فهي بشارة في الحياة الدنيا بشارة في الآخرة وله طرق كثيرة [ (4) ] . وروى ابن جبير وابن أبي حاتم وابن مردويه والدارقطني والبيهقيّ في «الرؤية» عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] قال: «الَّذين أحسنوا التّوحيد، والحسنى الجنة، والزيادة النّظر إلى وجه الله» .

_ [ (1) ] انظر تخريج هذا مطولا في تحقيقنا على وسيط الواحدي. [ (2) ] ابن المبارك في الزهد (550) والطبري في التفسير 10/ 124 والسيوطي في اللآلي 2/ 245 وابن عراق في تنزيه الشريعة 2/ 382 وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 252 وانظر القرطبي 18/ 88. [ (3) ] أخرجه مسلم في الحج (514) والترمذي (3099) وأحمد 3/ 8، 89 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 246 وابن أبي شيبة 2/ 372 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1037) الطبراني في الكبير 5/ 145، 6/ 254 وانظر زاد المسير 3/ 501 والدر المنثور 3/ 7. [ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 452 والحاكم 2/ 340 والترمذي (2273) .

وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله، أوصني، قال: «إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها» ، قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: «هي أفضل الحسنات» . وروى سعيد بن منصور وأبو يعلى والحاكم وصحّحه والبيهقي في «الدلائل» عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أخبرني عن النّجوم التي رآها يوسف ساجدة له، وما أسماؤها؟ فلم يجبه بشيء، حتى أتاه جبريل، فأخبره، فأرسل إلى البستاني اليهودي، فقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟» قال: نعم، قال: «حرتان والطارق والذيال وذو الكفتان والفريخ ودنان وهودان وقابس والضروح والمصبح والفيلق والضياء» ، والنور يعني: أباه وأمه رآها في أفق السماء ساجدة له، فلمّا قصّ رؤياه على أبيه، قال: أرى أمرا مشتتا يجمعه الله تعالى فقال اليهوديّ: إي والله، إنها لأسماؤها [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه النسائي عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من ملائكة الله تعالى موكّل بالسّحاب، بيده مخاريق من نار يزجر بها السّحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى» قال: فما هذا الصّوت الذي نسمعه؟ قال: صوته [ (2) ] . وروى الترمذي وقال: حسن غريب وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما نزلت فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود/ 105] سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيّ الله، فعلى ما نعمل على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يفرغ منه؟ قال: «بل على شيء قد فرغ منه، وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له» [ (3) ] . وروى ابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد/ 39] . قال: ذلك كل ليلة قد يرفع ويجبر ويرزق، غير الحياة والموت والشقاوة والسعادة، فإن ذلك لا يبدل [ (4) ] .

_ [ (1) ] انظر الدر المنثور للسيوطي 4/ 4 وانظر الكلام على ذلك مفصلا في: البحر المحيط لأبي حيان. [ (2) ] أخرجه الترمذي (3117) وأحمد 1/ 274 والطبراني في الكبير 12/ 46 وانظر المجمع 8/ 242 والدر المنثور 4/ 50. [ (3) ] تقدم. [ (4) ] انظر الدر المنثور 4/ 66.

وروي عن علي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: فقال: «لأقرنّ عينك بتفسيرها، ولأقرّنّ عين أمتي من بعدي بتفسيرها، الصّدق على وجهها، وبر الوالدين واصطناع المعروف يحول الشقاء سعادة، ويزيد في العمر [ (1) ] . وروى مسلم عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهم في الظلمة دون الجسر» [ (2) ] . وروى مسلم والترمذي وابن حبّان وابن ماجة وغيرهم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية قلت: أين الناس يومئذ؟ قال: «هم على الصّراط» [ (3) ] . وروى ابن مردويه عن البراء- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تعالى: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل/ 88] قال: عقارب أمثال النّخل الطّوال ينهشونهم في جهنم [ (4) ] . وروى البيهقي في الدلائل عن سعيد المصري أن عبد الله بن سلّام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السّواد الذي في القمر، فقال: كانا شمسين فقال الله تعالى وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء/ 12] فالسواد الذي رأيت هو المحو. وروى الشيخان وغيرهما عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أنبئني عن كل شيء قال: «كلّ شيء خلق من الماء» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: يا رسول الله الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون/ 60] والذي يسرق ويزني ويشرب وهو يخاف الله قال: لا يأتيه الصديق الذي يصلي، ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله. وروى ابن أبي حاتم عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب قال: قلت: يا رسول الله، هذا

_ [ (1) ] الدر المنثور 4/ 66. [ (2) ] مسلم في كتاب الحيض (34) وأبو عوانة 1/ 294 والطبراني في الكبير 2/ 88 وأبو نعيم في الحلية 1/ 351 والبيهقي 1/ 169. [ (3) ] مسلم في كتاب صفات المنافقين (29) وأحمد 6/ 251، 134 والدارمي 2/ 329 والترمذي (3121) (3242) . [ (4) ] الدر المنثور 4/ 127.

السّلام فما الاستئناس؟ قال: «يتكلّم الرّجل بتسبيحه وتكبيره وتحميده ويتنحنح، فيؤذن أهل البيت» [ (1) ] . وروى ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد ويرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن قوله تعالى: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ [الفرقان/ 13] قال: «والذي نفسي بيده، إنّهم يستكرهون في النار كما استكره الوتد في الحائط» [ (2) ] . وروى البزار بسند ضعيف وله شواهد موصولة ومرسلة عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاهما وأبرهما قال: وإن سئلت أي المرأتين تزوّج، فقل: «الصّغرى منهما» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والبزّار والترمذي وحسّنه وغيرهما عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت/ 29] كانوا يحذفون أهل الطريق، ويسخرون منهم فهو المنكر الذي كانوا يأتون [ (4) ] . وروى الشيخان عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس/ 38] قال: «مستقرها تحت العرش» ، وروي عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشّمس، فقال: يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [ (5) ] [يس/ 38] . وروى ابن جرير عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قوله تعالى: حُورٌ عِينٌ [الواقعة/ 22] قال: «العين الضخام العيون شفر الحوراء كمثل جناح النّسر» قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قوله الله تعالى كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات/ 49] قال: «رقتهن كرقة الجلدة التي داخل البيضة التي تلي القشرة» [ (6) ] . وروى البغوي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 213 وابن ماجة (3707) وابن أبي شيبة 8/ 19 والسيوطي في الدر 5/ 38 وابن كثير في التفسير 6/ 41. وإسناد ابن ماجة ضعيف. [ (2) ] انظر الدر المنثور 5/ 64. [ (3) ] انظر المجمع 1/ 88 والطبري 2/ 44 والدر المنثور 5/ 127. [ (4) ] أخرجه أحمد 1/ 341، 324 والطبري 20/ 93 والبغوي 5/ 192 والقرطبي 13/ 342. [ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 297 (3199، 4802، 4803) ومسلم 1/ 138 (250، 251/ 159) . [ (6) ] أخرجه الطبري 23/ 27 والدر المنثور 6/ 150.

هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ [الرحمن/ 60] وقال ربّكم: «هل تدرون ما قال ربّكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: «ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة» [ (1) ] . وروى أبو بكر بن النجار عن سليم بن عامر قال أقبل أعرابي، فقال: يا رسول الله، ذكر الله في الجنّة شجرة تؤذي صاحبها قال: وما هي؟ قال: «السدر، فإن له شوكا مؤذيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس يقول الله تعالى في سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة/ 28] يخضده الله من شوكه فيجعل له مكان كل شوكة ثمرة إنها تنبت ثمرا يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام، ما فيها لون يشبه الآخر» [ (2) ] . وروى ابن أبي الدنيا في كتاب البعث عن عتبة بن عبيد السّلميّ ورواه الطبراني عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى حُورٌ عِينٌ [الواقعة/ 22] قال: «حور بيض عين ضخام العيون شفر الحوراء منزلة جناح النّسر» ، قلت: أخبرني عن قوله تعالى فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ [الرحمن/ 70] قال: خيرات الأخلاق، حسان الوجوه، قلت: أخبرني عن قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات/ 49] قال: «رقتهن كرقّة الجلد المتداني في داخل البيضة ممّا يلي القشرة» ، قلت: أخبرني عن قوله تعالى: عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 37] قال: «كأنّهنّ اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر، فجعلهن عذارى عربا متعشقات متحببات أترابا على ميلاد واحد» [ (3) ] . وروى الترمذي عن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات/ 147] قال: «يزيدون عشرين ألفا» [ (4) ] . وروى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» ، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج/ 4] ما أطول هذا اليوم؟ فقال: «والذي

_ [ (1) ] البغوي في التفسير 7/ 26. [ (2) ] انظر الدر المنثور 6/ 156. [ (3) ] أخرجه العقيلي في الضعفاء 2/ 138 وانظر المجمع 7/ 119، 10/ 417 وانظر تفسير ابن كثير 8/ 10 والحاوي للسيوطي 2/ 180. [ (4) ] السيوطي في الدر 5/ 291 وابن كثير 7/ 35 والكنز (4571) . [ (5) ] أخرجه مسلم 4/ 2001 (70/ 2589) .

نفسي بيده، إنه يخفف على المؤمن، حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان وغيرهما عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نوقش الحساب عذّب» وفي الضياء وعند ابن جرير «ليس يحاسب أحد إلا عذّب» قلت: أليس يقول فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً [الانشقاق/ 8] فقال: «ليس ذلك بالحساب ولكن ذاك العرض» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عنها قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الحساب اليسير؟ قال: «أن ينظر في كتابه، فيتجاوز له عنه إن من نوقش الحساب يومئذ هلك» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها [الزلزلة/ 4] قال: «أتدرون ما أخبارها» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: «إن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها وأن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا» [ (3) ] . وروى ابن جرير وأبو يعلى عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون/ 5] قال: «الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها» . وروى ابن ماجه عن زينب بنت أم سلمة والطبراني في الأوسط عن سهلة بنت سهيل، وعن أبي هريرة والنّسائيّ عن خولة بنت حكيم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها؟ قال: «إذا رأت الماء فلتغتسل» . وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها، ما يرى الرّجل؟ قال: «إذا رأت ذلك فأنزلت، فعليها الغسل» ، فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله، أيكون هذا؟ قال: «نعم» ، قال: «ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فأيّهما علا أو سبق يكون منه الشّبه» . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أم سلمة قال: جاءت أم سليم فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: «الغسل» ، فقلت لها: «تربت يمينك فضجّت

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 75 وانظر المجمع 10/ 337 والدر المنثور 6/ 265. [ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 196 (103) (6536، 6537) ومسلم 4/ 2204 (79/ 2876) . [ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 374 والترمذي (3353) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2586) والحاكم 2/ 256 وانظر الدر 6/ 380.

النساء، وهل تحتلم المرأة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها» . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير عن أم سلمة، قالت أم سليم: يا رسول الله، المرأة تحتلم؟ قال: «إذا رأت الماء الأصفر، فلتغتسل» . وروى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة ماذا تصنع به؟ قال: «تحثّه ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلّي فيه» . وروى الشيخان وأبو داود عن أسماء قالت: يا رسول الله، نحيض في الثوب كيف نصنع؟ قال: تحثّينه ثم تقرضيه بالماء، ثم تنضحيه ثم تصلين فيه» . وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أم قيس بنت محصن- بكسر الميم-- رضي الله تعالى عنها- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثّوب؟ قال: «حكّيه بضلع، واغسليه بماء وسدر» . وروى الدارقطني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن والزيت؟ قال: «استصبحوا به ولا تأكلوا» . وروى البخاري عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فأرة سقطت في سمن جامد؟ فقال: «ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم» . وروى الدارقطني وابن جرير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن فأرة وقعت في ودك لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وكلوا ودككم» ، قالوا: يا رسول الله، إن كان مائعا، قال: «فلا تقربوه» . روى الدارقطني وحسّنه عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطابة؟ فقال: «أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار حجران للصفحتين، وحجر للمسربة» . وروى الدارقطني عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت: مرّ سراقة بن مالك المدلجي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن التغوط، فأمره أن يتنكب القبلة ولا يستقبلها ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح، وأن يستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من تراب. التّغوّط: قضاء الحاجة. يتنكب القبلة: أي لا يستقبلها ولا يستدبرها.

الرجيع: الرّوث والعذرة تسمى رجيعا، لأنه صار الذي رجع إليه بعد أن كان طعاما أو علفا نجسا. وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن لقيط بن صبرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أسألك عن الصلاة، قال: أسبغ الوضوء، وخلّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. وروى أبو داود عن عمرو وبن شعيب عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطّهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثا ثمّ غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السّبّابتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسبابتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: «هكذا الوضوء! فمن زاد على هذا، أو نقص، فقد أساء وظلم] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن أبي شيبة عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة فاغتسل عند كل امرأة منهنّ غسلا، فقلت: يا رسول الله، لو اغتسلت غسلا واحدا قال: هذا أطيب وأطهر وأنظف. وروى البيهقي وابن ماجة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني اغتسلت من الجنابة، وصلّيت الصّبح، فرأيت قدر موضع الظّفر لم تمسه الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك» . وروى مسلم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة واللّفظ لهما عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: دخلت أسماء بنت شكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، كيف تغتسل إحدانا إذا تطهّرت من الحيض، قال: تأخذ سدرها وماءها فتتوضأ وتغسل بدنها ورأسها، حتّى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض الماء على جسدها، ثم تأخذ فرصتها فتتطهر بها فقلت: يا رسول الله، كيف أتطهر بها قال: سبحان الله تطهري بها؟ فاجتذبتها إليّ فقلت: تتّبعي بها أثر الدم. وروى عبد الرزاق والإمام أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الحيض قال: تأخذ إحداكنّ ماءها وسدرها فتتطهر فتحسن الطّهور، ثم تصبّ الماء على رأسها، فتدلّكه دلكا شديدا، حتى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض على جسدها ثمّ تأخذ فرصة ممسكة فتتطهر بها. وروى الإمام مالك مرسلا عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي؟ وهي حائض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تشدّ عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها» .

الرابع: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وما يتعلق بها.

وروى أبو نعيم في الحلية عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض، قال: وأكلها. وروى الإمام الشافعي والبخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّما هو عرق، وليست بالحيضة، فأمرها أن تغتسل وتصلّي، وكانت تغتسل وتصلي، وكانت تغتسل لكل صلاة وتجلس في المركن فيعلو الدم. وروى البخاري عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنّما هو عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، وفي لفظ عند ابن أبي شيبة وليست بالحيض، اجتنبي الصلاة أيام حيضتك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي ولو بسط الدّم على الحصير. وروى النسائي والحاكم عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أدبرت الحيضة، فاغتسلي وصلّي، وإذا أقبلت فاتركي لها الصّلاة» . وروى مسلم والنسائي عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها قالت: يا رسول الله، إني لا أطهر، أفأدع الصّلاة فقال: «إنّما ذلك عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم، ثم صلّي» . وروى أبو داود والنسائي بلفظ: أنّها شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم فقال: «إنما ذلك عرق، انظري إذا أتى قرؤك فتطهري ثم صلّي ما بين القرء إلى القرء» . وروى الدارقطني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال: «تجلس أربعين يوما، إلّا أن ترى الطّهر قبل ذلك» . وروى أيضا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- نحوه. الرابع: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الصلاة وما يتعلق بها. روى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصّلاة قال ثمّ مه؟ قال: الصّلاة، قال: ثمّ مه؟ قال: الصلاة، قال: فلما غلب عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجهاد في سبيل الله، قال الرجل: فإنّ لي والدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمرك بالوالدين خيرا» . .. وساق الحديث.

وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيّ شيء أحبّ في الإسلام عند الله؟ قال: «الصلاة لوقتها، ومن ترك الصلاة فلا دين له، والصلاة عماد الدّين» . وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لميقاتها قلت ثم أيّ؟ قال: برّ الوالدين، قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني. وروى الدارقطني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الصّلاة لميقاتها الأوّل» ورواه أيضاً عن ابن عبّاس. وروى مسلم عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ونحن قعود معه، إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه عليّ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد فسكت عنه، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم تبعه الرّجل واتّبعته أنظر، ماذا يردّ عليه؟ فقال له: أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء؟ قال: بلى، يا رسول الله، قال ثم شهدت الصلاة معنا. قال: نعم، يا رسول الله، قال: فإن الله تعالى قد غفر لك حدّك، أو قال ذنبك. وروى الشيخان نحوه عن أنس. قال النووي قوله: «أصبت حدّا» معناه معصية توجب التعزير، وليس المراد الحدّ الشّرعيّ الحقيقيّ كحدّ الزّنا والخمر وغيرها، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصّلاة، ولا يجوز للإمام تركها. وروى الإمام أحمد عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصّلاة الوسطى، قال: هي العصر. وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سأل صفوان بن المعطل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ساعات الليل والنهار وهل فيها شيء يكره فيه الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم» . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن شيبة عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا فيها، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلّوا فيها، فإنّها بركة. وروى الترمذي عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصلّي في معاطن الإبل؟ قال: لا، قال:

أفنصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم ورواه ابن أبي شيبة بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي في مرابض الغنم، ولا نصلي في أعطان الإبل، وفي لفظ: كنّا نصلّي في مرابض الغنم، ولا نصلي في أعطان الإبل. وروى الإمام أحمد والبخاري عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت بي بواسير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا فقال: «إن صلّى قائماً فهو أفضل، ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلّى نائما فله نصف أجر القاعد» . وروى أبو داود وعبد الرزاق واللفظ له عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلّم القرآن، فماذا يجزؤني؟ قال: تقول: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، العلي العظيم، فقال الرجل هكذا، أو جمع أصابعه الخمس، قال: هذا لله، فما لي قال: تقول اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، وقبض الرجل كفّه جميعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير. وروى الدارقطني وضعف إسناده عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أأقرأ خلف الإمام أو أنصت؟ قال: بل أنصت، فإنه يكفيك. وروى ابن عدي والبيهقي في كتاب «الغزاة» عن أبي أمامة قال: قال رجل: يا رسول الله أفي كلّ صلاة قراءة؟ قال: «نعم، ذلك واجب» . وروى البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه- رضوان الله عليهم- قال: جاءت الحطّابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا لا نزال سفرا فكيف نصنع بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [.....] . وروى الشيخان عن كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، قد علمتنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد: أمرنا الله أن نصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنّينا، أنه لم يسأله ثم قال صلى الله عليه وسلم: قولوا: «اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» .

وروى الإمام أحمد ومسلم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عثمان بن أبي العاص الثقفي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبّسها عليّ، فقال: ذلك شيطان، يقال له خنزب، فإذا أحسست به فاتفل على يسارك ثلاثا، وتعوّذ بالله من شره. وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رجلا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأصلي في الثوب الذي آتى فيه أهلي؟ قال: نعم، إلا أن ترى فيه شيئا تغسله. وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عليك عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: يا رسول الله فإذا كان بعضنا ينظر في بعض، قال: إذا استطعت أن لا تنظر الأرض إلى عورتك، فافعل، قلت: أرأيت إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: الله أحقّ أن تستحي منه من النّاس، ووضع يده على فرجه. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثّوب الواحد، قال: أو كلّكم يجد ثوبين. وروى الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصّلاة في الثّوب الواحد، فقال: إن كان واحدا فليضمّه، وإن كان عاجزا فليأتزر به. وروى ابن أبي شيبة والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في الثّوب الواحد فقال أو كلّكم يجد ثوبين؟ ورواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان والطبراني في الكبير عن قيس بن طلق عن أبيه، وابن أبي شيبة والإمام أحمد والنّسائيّ وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء عن سلمة بن الأكوع. قال: قلت: يا رسول الله، أكون أحيانا في الصّيد أفأصلي في قميص واحد؟ فقال: زره عليك ولو بشوكة. وروى الإمام أحمد عن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا مع عبد الرحمن بن أبي ليلى. وروى الدارقطني وأبو داود والحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلّي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدّرع سابغا يغطي ظهور قدمها.

وروى الدارقطني عن سلمة بن الأكوع قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في القوس والقرن، قال: اطرح القرن وصلّ في القوس. القرن بالتحريك: هو الجعبة يجعل فيها الثياب وإنما أمره بطرحها لاحتمال أن يكون من جلد غير مذكى ولا مدبوغ ولا تصح الصلاة مع حملها، لأنها نجسة، والقوس معروف. وروى الشيخان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوّل مسجد وضع في الأرض قال: «المسجد الحرام» قلت ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى؟ قلت كم بينهما؟ قال: أربعون عاما، ثم الأرض لك مسجدا، فحيث أدركت الصّلاة فصلّ فهو مسجد. وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد في الأرض أوّل؟ قال: المسجد الحرام، قلت ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة قال: حيثما أدركت الصلاة فصلّ، فهو مسجد [ (1) ] . وروى الدارقطني وضعّفه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، قال يا رسول الله، أصلي في السفينة؟ قال: صلّ فيها قائما إلا أن تخاف الغرق. وروى الشيخان وعبد الرزاق عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنّا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصّلاة فيرد علينا، فلمّا رجعنا من عند النّجاشيّ سلّمنا عليه، فلم يردّ علينا، وقال: إن في الصلاة شغلا، ولفظ عبد الرزّاق: فلمّا جئت من أرض الحبشة سلّمت عليه فلم يردّ علينا أحد في ما تقدّم وما تأخّر، ثم انتظرته، فلما قضى صلاته ذكرت ذلك له، فقال: أن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد قضى، أو قال: أحدث أن لا تكلموا في الصلاة. وروى الإمام أحمد عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصى فقال: واحدة أو دع. وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وابن خزيمة عن أبي ذر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مسّ الحصى، فقال: واحدة أو دع. وروى جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مس الحصى، فقال: واحدة، فلأن تمسك عنها خير لك من مائة نافلة، كلّها سود الحدق.

_ [ (1) ] سقط في أ.

وروى الترمذي عن معيقب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مس الحصى في الصلاة، فقال: إن كان لا بدّ فاعلا مرة واحدة. وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصّلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشّيطان من صلاة العبد. وروى عبد الله بن أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قام أحدكم يصلّي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل أخرة الرجل، فإذا لم يكن بين يديه مثل أخرة الرّجل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود» ، قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا بن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: «الكلب الأسود شيطان» . وروى أبو داود عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: سأله رجل فقال: يصلي أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصّلاة فأصلّي معهم، فأجد في نفسي من ذلك شيئا، فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فذلك له سهم جمع» . وروى البيهقي في «الغزاة» عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تقرأون القرآن معي وأنا في الصّلاة؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، نهذّه هذّا، أو قال ندرسه درسا، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن سرا في أنفسكم. وروى عن عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني صلّيت، فلم أدر أشفعت أم أوترت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم وأن يتلعب بكم الشيطان في صلاتكم، من صلّى منكم فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما إتمام صلاته» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأيّ شيء سميت يوم الجمعة؟ قال: «لأنّ فيها طبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة، وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله- عز وجل- فيها استجيب له» . وروى الترمذي وحسنه عن عمرو بن عوف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله- عز وجل- العبد فيها شيئا إلا أتاه الله، قالوا: يا رسول الله، أي ساعة؟ قال: «هي من حين تقام الصلاة إلى الانصراف» . وروى الإمامان الشافعي وأحمد عن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن يوم الجمعة ما فيها من الخير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيه خمس خلال، فيه خلق آدم، وفيه هبط عليه السلام إلى

الأرض، وفيه توفىّ الله تعالى آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئاً إلا أعطاه إيّاه ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة فما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال» ، زاد أحمد: ولا حجر إلّا وهو يشفق من يوم الجمعة. وروى الدّيلمي وابن عساكر عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الناس في العيدين: تقبل الله منا ومنكم، قال ذلك فعل أهل الكتاب وكرهه. وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله، كيف صلاة اللّيل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة اللّيل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصّبح، فأوتر بواحدة» . وروى الترمذي واستغربه عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشّفع والوتر، فقال: «هي الصّلاة بعضها شفع وبعضها وتر» . وروى الدارقطنيّ عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر، فقال: افصل بين الثنتين والواحدة بالسلام. وروى أبو داود عن عبد الله بن وحشي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «طول القنوت» القنوت هنا: القيام في الصلاة. روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي مسلم قال: قلت لأبي ذر: أيّ صلاة الليل أفضل؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نصف الليل وقليل فاعله» . وروى النسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، من أسلم معك؟ قال: حرّ وعبد، قال: هل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من الأخرى؟ قال: نعم، جوف الليل الأوسط. وروى مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وبحاجته، فقال سلني، فقلت إنّي أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذلك، قال: «فأعنّي عن نفسك بكثرة السجود» . وروى مسلم عن معدان بن أبي طلحة قال: لقيني ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الجنّة، أو قلت: بأحبّ الأعمال إلى الله تعالى فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك بكثرة السجود لله- عز وجل-، فإنك لا تسجد لله سجّدة إلا رفعك الله تعالى بها درجة وحطّ عنك خطيئة قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء- رضي الله تعالى عنه- فسألته، فقال مثل ما قال لي ثوبان.

وروى البيهقي عن عبد الله بن سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها. .. الحديث. وروى ابن ماجه عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] عن صلاة الرّجل في بيته، فقال: «أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوّروا قبوركم» . وروي عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، كم فرض الله تعالى على عباده من الصّلوات؟ قال: افترض الله تعالى على عباده خمس صلوات.. . الحديث. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن فضالة بن عبيد الله- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز تباع وهي من الغنائم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذّهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال: الذهب بالذهب وزنا بوزن. وروى أبو داود عن معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لامرأته: متى يصلي الصبيّ؟ فقالت: كان رجل منّا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك، فقال: إذا عرف يمينه من شماله، فمروه بالصّلاة. وروى أبو داود والدارقطني [.....] . وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فملت معه، فقال: انظر فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة، فقال: «احفظوا علينا صلاتنا» يعني صلاة الفجر، فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنيهة، ثم نزلوا فتوضأوا وأذّن بلال فصلّوا ركعتي الفجر، ثم صلّوا الفجر وركبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرّطنا في صلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّه لا تفريط في النّوم إنّما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدكم عن صلاة، فليصلّها حين يذكرها ومن الغير للوقت» . وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرّجل يغمى عليه [....] . وروى مسلم عن بريدة بن الخصيب- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات، فقال له: صلّ معنا هذين اليومين.

_ [ (1) ] سقط في أ.

وروى ابن أبي شيبة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الفجر، فأمر بلالا، فأذن حين طلع الفجر، ثم من الغد حين أسفر، ثم قال: أين السّائل قال: الوقت ما بين هذين الوقتين. وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رجل ضرير شاسع الدّار، وليس لي قائد يلازمني فهل لي من رخصة أن لا آتي إلى المسجد قال: لا. وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، قال: راحة للمؤمن وأخذة أسيف للفاجر. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدار، أو حائط مائل، فأسرع المشي فقيل له، فقال: إني أكره موت الفوات وموت الفوات هو موت الفجأة من قولك فاتني فلان، أي سبقني. روى الشيخان عن أنس- رضي الله عنه-: «دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين- وكان ظئرا لإبراهيم- فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبّله وشحّمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله تبكي؟ فقال: يا بن عوف، إنّها رحمة. .. الحديث. وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الرّقوب فيكم؟» قلنا: الذي لا مولد له، قال: «ليس ذلك بالرّقوب، ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا» [ (1) ] . الرّقوب: بفتح الراء قال أبو عبيد: معناه في كلامهم فقد الأولاد في الدنيا، فجعل الله تعالى فقدهم في الآخره، فكأنه حول الموضع إلى غيره، وقال في النهاية: هو الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد، لأنّه يرقب موته ويرصده خوفا عليه فنقله صلى الله عليه وسلم إلى الذي لم يقدم من الولد شيئا، أي يموت قبله تعريفا أنّ الأجر والثّواب لمن قدم شيئا من الأولاد وأنّ الاعتداد به أكثر، والنّفع به أعظم، وأنّ فقدهم وإن كان في الدّنيا عظيما، فإنّ فقد الأجر والثّواب على الصّبر والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم، وأن المسلم ولده في الحقيقة من قدّمه واحتسبه، ومن لم

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2014 (106/ 2608) .

يرزق من ذلك فهو الذي لا يولد له ولم يقله صلى الله عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللّغويّ، وهذا كقوله: إنما المحروب من حرب دينه. ونقله كما قال الحافظ الدّمياطي ما تعدون المفلس؟ قالوا: الذي لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا من الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللغوي لضرب من التّوسّع والمجاز، والسّائل: الفقير فنقله صلى الله عليه وسلم أيضا. وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تمرّ بنا جنازة الكافر، فنقوم؟ قال: نعم، فإنّكم لستم تقومون لها، إنما تقومون إعظاما للذي خلق النّفوس. وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: مرّت جنازة، فقام لها رسول الله، فقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها يهودية، فقال: «إنّ للموت فزعا، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا» . وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما مات عبد الله بن أبيّ بن سلول دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم للصّلاة عليه، فقام إليه فلمّا وقف عليه يريد الصّلاة، تحولت عنه فقمت في صدره، فقلت: يا رسول الله، أعلى عدوّ الله تصلّي؟ عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا، والقائل يوم كذا وكذا، أعدد أيامه الخبيثة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى أكثرت عليه، فقال: أخر عنّي يا عمر، إنّي خيّرت فاخترت قد قيل لي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة/ 80] فلو أعلم أني لو زدتّ على السبعين غفر لهم لزدتّ، ثم صلّى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه فتعجّبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم، فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [التوبة/ 84] فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق ولا قام على قبره حتى قبضة الله- عز وجل-. وروى تمام وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أمي أصابها حمل فلم تفطر حتى ماتت قال: «اذهب فصلّ عليها فإن أمك قتلت نفسها» . وروى الإمام أحمد والنسائي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: [سمعت] رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان. وروى أبو داود عن أبي أسيد- بضم الهمزة وفتح السين- هو مالك بن ربيعة الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني

الخامس: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالزكاة.

سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما [ (1) ] وصلة الرحم التي لا توصل إلّا بهما وإكرام صديقهما» . وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رحمه الله تعالى- عن رجل شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وروى أبو داود والنسائي عن الشّريد بن سويد- رضي الله تعالى عنه- أنّ أمّه أوصت أن يعتق رقبة مؤمنة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: عندي جارية سوداء أو نوبية فأعتقها؟ فقال: ائت بها فدعوتها فجاءت، فقال لها: من ربّك؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ فقالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأعتقها، فإنّها مؤمنة. روى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتان القبور، فقال عمر- رضي الله تعالى عنه-: أترد علينا عقولنا، يا رسول الله؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم، كهيئتكم اليوم، فقال عمر: بفيه الحجر. وروى الترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت علي امرأة من اليهود، فقالت: إن أكثر عذاب القبر من البول. الخامس: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالزّكاة. عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، ناشدتك بالله، أنه أمرك أن تأخذ الصدقة من الأغنياء، وتعطيها للفقراء؟ قال: اللهم، نعم. رواه الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- وهو طرف من حديث ضمام بن ثعلبة. وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقّها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره» . .. الحديث. وروى الدارقطني عن عطاء- رحمه الله تعالى- قال: بلغني أن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- كانت تلبس أوضاحا من ذهب، فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أكنز هو؟ فقال: إذا أديت زكاته فليس بكنز. وروى الدارقطني عن فاطمة بنت قيس قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب فقلت: يا رسول الله، خذ منه الفريضة، فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال قال الدارقطنيّ أبو بكر الهذلي متروك.

_ [ (1) ] سقط في أ.

وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة/ 34] كبر ذلك على المسلمين فقال: يا نبي الله [إنّه كبر على أصحابك هذه الآية فقال: إنّه ما فرض الزّكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم فكبّر عمر، ثم قال: ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصّالحة. ... وروى الدارقطني عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت نبي الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: إن لي حليا، وإنّ زوجي خفيف ذات اليد، وإنّ لي ابن أخ أفيجزي عني أن أجعل زكاة الحليّ فيهم؟ قال: نعم. وروى الدارقطني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله كم [ ... ] . وروى ابن ماجه عن أبي سيّارة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إنّ لي نخلا قال: أدّ العشر، قلت: يا رسول الله، احمها لي، فحماها لي. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- أن العباس- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته قبل أن يحول الحول فرخص له في ذلك. روى أبو داود عن أبيض بن حمّال- رضي الله تعالى عنه- أنه كلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصّدقة حين وفد عليه، فقال: يا أخا سبأ، لا بد من صدقة فقال إنّما زرعنا القطن يا رسول الله وقد تبدّدت سبأ ولم يبق إلا يبق إلا قليل بمأرب فصالح نبي الله صلّى الله عليه وسلم على سبعين حلّة بزّ من قيمة وفاء فلم يزالوا يؤدونها حتّى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن العمال انتفضوا عليهم بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صالح أبيض بن حمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلل السبعين فردّ ذلك أبو بكر على ما وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو بكر- رضي الله عنه- فلما مات أبو بكر انتقض ذلك وصارت على الصّدقة. وروى الدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنّ بعض البادية جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: هل علينا زكاة الفطر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي على كل مسلم صغير أو كبير حرّ أو عبد: صاعا من تمر أو شعير أو أقط. وروى الشافعي والبيهقي عن طاوس- رحمه الله تعالى- مرسلا والطبراني وابن عساكر عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصّدقة، فقال: اتّق الله تعالى، يا أبا الوليد، لا تأت يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر لها نواح.

فقال: يا رسول الله، وإنّ ذلك لكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إي والذي نفسي بيده، إلّا من رحم الله» ، قال: والذي بعثك بالحق، لا أعمل على شيء أبدا. وروى أبو داود عن بشر بن الخصاصية- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا. وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهّرك وتصل أقرباءك، وتعرف حقّ المسكين، والجار والسائل» ، فقال: يا رسول الله، أقلل لي، فقال: آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا، فقال: يا رسول الله، إذا أديت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، ولك أجرها وإثمها على من بدّلها» . وروى الإمام أحمد عن يزيد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي- رحمه الله تعالى- قال: قلت للحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أذكر أني أخذت ثمرة من ثمر الصّدقة، فألقيتها في فمي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعبها من فمي فألقاها في التمر، فقال رجل ما عليك لو أكل هذه الثمرة؟ فقال: إنّا لا نأكل الصّدقة ... الحديث. وروى الإمام أحمد عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصّدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوساق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس صدقة» . وروى النسائي عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أنه تصدق بحائط له على أبويه ثم توفّيا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده إليه ميراثا. وروي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قطّ أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدّقت بها فتصدّق بها عمر، أنّه لا يباع أصلها، ولا يوهب ولا يورث، وتصدّق بها في الفقراء، وفي القربي، وفي الرّقاب، وفي سبيل الله وابن السّبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متموّل، قال ابن سيرين: غير متأثّل مالا. وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيّ الصدقة أفضل؟ قال: أن تتصدّق، وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى،

وتخشى الفقر، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان. وروى أبو داود والعسكري في الأمثال عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: جهد المقلّ وابدأ بمن تعول. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن سراقة بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضّالّة من الإبل تغشى حياضنا، هل من أجر؟ ولفظ العسكري قال: قيل: يا رسول الله [.....] . وروى أبو داود عن المسيّب أن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيّ الصّدقة أحب إليك؟ قال: الماء. وروى الشيخان عن زينب امرأة ابن مسعود- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدّقن يا معشر النّساء، ولو من حلّيكنّ» ، قالت: فرجعت إلى عبد الله ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- فقلت أنك رجل خفيف ذات اليد، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصّدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عنّي وإلا صرفتها إلى عويمر فقال عبد الله بن مسعود: - رضي الله تعالى عنه- بل ائتيه أنت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتها مثل حاجتي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال، فقلنا له: أئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، فدخل بلال- رضي الله تعالى عنه- على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الزيانب قال: امرأة عبد الله بن مسعود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لها أجران أجر القرابة، وأجر الصّدقة. وروى البخاري عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: «يا رسول الله، هل لي أجر في عيال سلمة أن أنفق عليهم؟ فقال: أنفقي عليهم، فلك أجر ما أنفقت عليهم» . وروى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قلت: يا رسول الله، مالي مال إلا ما أدخل على الزبير، أفأتصدّق؟ قال: تصدّقي ولا توعي فيوعى عليك، وفي لفظ أنفقي أو أنفحي أو أنضحي، ولا تحصي فيحصى عليك ولا توعي فيوعى الله تعالى عليك. وروى مسلم عن عمير مولى أبي اللّحم- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنت مملوكا، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتصدّق من مال مواليّ بشيء؟ قال: نعم، والأجر بينكما نصفان. وروى الإمام أحمد من طريق أبي تميمة الهبيني عن رجل من قومه- رضي الله تعالى

عنه- قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة الشريفة، فسألته عن المعروف وعليه إزار من قطن منتثر الحاشية فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: إنّ «عليك السلام» تحية الموتى، إنّ «عليك السلام» تحية الموتى، إنّ «عليك السلام» تحية الموتى، سلام عليكم، سلام عليكم مرتين أو ثلاثا، هكذا قال: سألت عن الإزار، فقلت: أين أتّزر، فأقنع ظهره بعظم ساقه، وقال: ههنا اتزر، فإن أبيت فههنا أسفل من ذلك، فإن أبيت فإن الله- عز وجلّ- لا يحب كل مختال فخور قال: وسألته عن المعروف، فقال لا تخفرنّ من المعروف شيئا لو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النّعل ولو انتزع، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذهم ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلّم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض، وإن سبّك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه، فلا تسبّه فيكون أجره لك ووزره عليه، وما سرّ أذنك أن تسمعه فاعمل به وما تساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه. وروى الشيخان عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: حملت على فرس في سبيل الله تعالى فرأيته يباع، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أشتريه؟ قال: لا تشتره ولا تعد في صدقتك، وفي لفظ: فأضاعه الذي كان عنده، فأردتّ أن أشتريه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تشتره إن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه. وروى البخاري عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا؟ وإنما هم بنيّ، فقال: نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم. وروى الإمام الشافعي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني تصدّقت على أمّي بعبد وإنّها ماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت صدقتك، وهو لك بميراثك. وروى مسلم عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتت امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنّها ماتت، قال: وجب أجرك وردّها عليك الميراث. وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إنّ أمي ماتت، وعليها نذر؟ فقال: اقضه عنها، وفي لفظ توفّيت أمّه، وهو غائب عنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها فهل ينفعها شيء، إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أنّ حائطي المجراف صدقة عليها. وروى ابن خزيمة عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة،

السادس: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصيام، وما يتعلق به.

فقالت: أريد أن أتصدّق عن أمي، وقد توفّيت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرتك بذلك؟ قالت: لا، قال: فأمسكي عليك مالك، فهو خير لك، وفي لفظ: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ أمي توفّيت وتركت حليّا، ولم توص فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ قال احبس عليك مالك. وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلّمت تصدّقت، أفأتصدّق عنها؟ قال: نعم، تصدّق عنها. وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أن أبي مات، ولم يوص أفينفعه، أن أتصدّق عنه، قال: نعم. وروى الشيخان عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أمور كنت أتحنث بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة، هل كان لي فيها من أجر؟ قال حكيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف من خير. وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرّحم، ويطعم المساكين، فهل ذلك نافعة؟ قال: لا، يا عائشة، أنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل النّاس، وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش، أو كدوح، قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما. .. وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- والإمام مالك عن عطاء ابن يسار- رضي الله تعالى عنه- كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول أعطه أفقر مني، فقال: خذه فتموّله وتصدّق به. .. الحديث. السادس: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الصيام، وما يتعلق به. روى الترمذي واستغربه وابن شاهين في الترغيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان، قال: فأيّ الصدقة أفضل؟ قال صدقة رمضان. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة، قال: الصلاة في جوف الليل، قال: فأي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: شهر الله الذي تدعونه المحرم.

وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: «فإني صائم» . وروى الإمام أحمد عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله، أما إنّي كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصّائم المتطوّع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر» . وروى الدارقطني عن إبراهيم بن عبيد، قال: صنع أبو سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنع لك أخوك، وتكلّف لك أخوك، أفطر وصم يوما مكانه» . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت أهديت لحفصة شاة، ونحن صائمتان ففطرتني فكانت ابنة أبيها فلما دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، فقال: «أبدلا يوما مكانه» وروى البيهقي والدارقطني عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صائما فقاء، فأفطر، فسئل عن ذلك فقال: إني قئت. وروى الدارقطني عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في غير رمضان، فأصابه غمّ آذاه فتقيّأ فقاء، فدعا بوضوء فتوضّأ ثم أفطر، فقلت: يا رسول الله، أفريضة الوضوء من القيء؟ قال: لو كان فريضة لوجدته في القرآن، قال: ثم صام رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد، فسمعته يقول: «هذا مكان إفطاري أمس» عتبة بن السكن متروك الحديث. وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد اشتكيت عيني أفأكتحل وأنا صائم؟ قال: نعم. وروى مسلم عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله تعالى عنهما- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبّل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل هذه «لأم سلمة» فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. .. وروى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: هششت يوما فقبّلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرا عظيما وأنا صائم، قال: أرأيت لو تمضمضت بالماء، وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به قال: «فمه» .

وروى ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنّ شيخا وشابا سألا رسول الله عن القبلة للصائم فنهى الشّاب ورخصّ للشّيخ. وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخّص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب» . وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-. وروى ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنّي كنت صائما فأكلت وشربت ناسيا فقال: أطعمك الله وسقاك. وروى الإمام أحمد عن أم إسحاق الغنوية- رضي الله تعالى عنها- قالت: إنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة فأكلت معه، ومعه ذو اليدين فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقا فقال: يا أم إسحق، أصيبي من هذا، فذكرت أنها كانت صائمة، فرددتّ يدي لا أقدمها ولا أؤخّرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قالت: كنت صائمة فنسيت، فقال ذو اليدين: آلان بعد ما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتمّي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك. روى البخاري والنسائي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة/ 187] أي الخيطان قال: إنّك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين ثم قال: لا بل إنّهما سواد اللّيل، وبياض النهار. وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى. وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبّان والدارقطنيّ من طرق عن حمزة بن عمرو الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّوم في السّفر فقال: إن شئت صم، وإن شئت فأفطر. وروى أبو داود والحاكم عن حمزة بن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن حمزة عن جده قال: قلت: يا رسول الله، إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه، وأكرّ به وإنّه ربّما صادفني هذا الشّهر- يعني رمضان- وأنا أجد القوّة، وأنا شابّ، وأجد بأن أصوم يا رسول الله، أهون عليّ من أن أؤخره، فيكون دينا، أفأصوم يا رسول الله، أعظم لأجري أو أفطر؟ قال «أي ذلك شئت يا حمزة» . وروى الإمام مالك والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله

تعالى عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أصوم في السّفر؟ وكان كثير الصّيام، فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر. وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب قال أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدّى فقال: «ادن فكل» فقلت: إني صائم، فقال «ادن أحدّثك عن الصّوم، أو الصّيام. أن الله تعالى وضع عن المسافر الصّوم، وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام. وروى الدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي عن محمد بن المنكدر- رحمه الله تعالى- قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان، فقال: أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه الدرهم والدرهمين حتى يقضيه هل كان ذلك قضاء للدّين؟ قالوا: نعم، قال: فذلك نحوه. ورواه الدارقطني عن جابر قال الدّارقطني: إسناده حسن إلا أنه مرسل، وهو أصحّ من المرسل ورواه البيهقي عن صالح بن كيسان. وروى الدّارقطنيّ وضعّفه عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قضاء رمضان فقال: يقضيه متتابعا، فإن فرّقه أجزأه. وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أن أمّي ماتت، وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته عنها؟ قالت: نعم، وفي لفظ للبخاري: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمّي ماتت، وعليها صوم شهر أفأقضيه؟ قال: نعم، وفي لفظ: خمسة عشر يوما وفي لفظ: أن أختي ماتت. .. الحديث. وروى أبو داود الطيالسي ومسلم والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله، إنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان على أمك دين، أفأنت قاضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى. وروى الطبراني وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت وحفصة صائمتين، فأهدي لها طعام، فأفطرنا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسألته إحداهما أحسبه قال حفصة، قال: اقضيا يوما مكانه. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله، هلكت قال: ما أهلك؟ قال: وقعت على امرأتي، وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تجد

إطعام ستين مسكينا؟» قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن كذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر. والعرق: المكتل قال: أين السّائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدّق به، فقال الرّجل أعلى أفقر مني يا رسول الله، وو الله ما بين لابتيها- يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك. وروى ابن شاهين في التّرغيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصيام، فقال: صيام شعبان تعظيما لرمضان، قيل: فأيّ الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان. وروى الإمام أحمد والترمذي عن النعمان بن سعد قال: قال رجل لعلي- رضي الله تعالى عنه-: يا أمير المؤمنين، أيّ شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال له: ما سمعت أحدا يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد، فقال: يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال: «إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرّم، فإنّه شهر الله فيه يوم تاب على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين» . وروى الإمام أحمد والنسائي وابن زنجويه وأبو يعلى وابن أبي عاصم والباوردي والضياء عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، ما رأيتك تصوم شهرا من الشّهور، ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم. وروى مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين؟ فقال: «فيه ولدتّ، وفيه أنزل عليّ» . وروى الإمام أحمد والنّسائي وابن زنجويه وسعيد بن منصور عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: أيّ يومين؟ قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس قال: ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على ربّ العالمين، فأحب أن يعرض عملي، وأنا صائم. وروى مسلم والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم. وروى مسلم عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر- رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبيعتنا بيعة قال: فسئل عن صيام الدّهر؟ فقال: «لا صام ولا

السابع: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف وليلة القدر.

أفطر (أو ما صام وما أفطر) » قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ قال: «ومن يطيق ذلك» ؟ قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: «ذاك صوم أخي داود (عليه السلام) » قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين، قال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت (أو أنزل علي فيه) قال: فقال: «صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر» قال: وسئل عن صوم يوم عرفة، فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية» قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية. وروى الإمام أحمد عن بشر بن الخصاصية- رضي الله تعالى عنه- أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصوم يوم الجمعة؟ قال: لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها. السابع: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الاعتكاف وليلة القدر. روى الشيخان والترمذي والنسائي والدارقطني عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن أنيس- رضي الله تعالى عنه- قال: «قلت: يا رسول الله، إن لي بادية أكون فيها، وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى هذا المسجد قال: انزل ليلة ثلاث وعشرين قال: فكان إذا صلّى العصر دخل المسجد، فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح. وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وأنا أسمع فقال: هي في كل رمضان. وروى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: «قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنّك عفوّ تحبّ العفو فاعف عنّي» . الثامن: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الحج والعمرة. روى الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حجّ مبرور» . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، ورواه الإمام أحمد عن جابر وزاد قالوا: يا رسول الله، ما بر الحجّ؟ قال: إطعام الطعام وإفشاء السّلام.

وروى الدارمي والترمذي وقال: غريب وابن ماجة وابن خزيمة والدارقطني في العلل والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي والضياء عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الحج، قال: الحجّ والثّجّ. وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجّة المبرورة ثواب إلا الجنة. وروى أبو داود عن أبي أمامة- التّيميّ- رضي الله تعالى عنه قال: كنت رجلا أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون لي: إنّه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناسا يقولون لي: إنه ليس لك حجّ فقال ابن عمر: أليس تحرم، وتلبّي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن لك حجا. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة/ 198] فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية، وقال: لك حجّ. وروى الإمام الشافعي والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الحجّ؟ قال الشّعث التّفل، فقام آخر فقال: يا رسول الله، أي الحج أفضل؟ فقال: «العجّ والثّج، فقام آخر، فقال: يا رسول الله، ما السبيل؟ فقال: زاد وراحلة» . وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، قد فرض الله- عز وجل- عليكم الحجّ فحجّوا فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتّى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم. وروى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم: الحجّ في كل سنة أو مرة واحدة؟ فقال: بل مرّة واحدة، فمن زاد فقد تطوّع. وروى الإمام أحمد والدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران/ 97] الآية. وروى البيهقي والحاكم وصححه عن أنس. وروى الدارقطنيّ عن علي وابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل

ما السّبيل إلى الحجّ؟ فقال: الزاد والراحلة، وفي لفظ أن تجد ظهر بعير. وروى الترمذي وحسنه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما يوجب الحجّ؟ قال: الزاد والراحلة. وروى الدارقطني مثله عن ابن عمر. وروى الإمام أحمد والتّرمذي والدّارقطني عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلّم الحج، أذن في الناس، فاجتمعوا فلمّا أتى البيداء أحرم. وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قام في المسجد، فقال: يا رسول الله، من أين تأمرنا أن نهلّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهل أهل المدينة من ذي الخليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهلّ أهل نجد من قرن، وقال ابن عمر: تزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهلّ أهل اليمن من يلملم، وكان ابن عمر يقول: لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عن ابن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الرّكوب، وأدركته فريضة الله في الحجّ فهل يجزئ أن أحجّ عنه قال: أنت أكبر ولده؟ قال نعم، قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم، قال: فحجّ عنه. وروى الإمام أحمد والنسائي عن الفضل بن العباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النحر فأتته امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله، إنّ فريضة الله- عز وجل- في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يركب إلا معترضا، أفأحجّ عنه؟ قال: نعم، حجّي عنه، فإنه لو كان عليه دين قضيته. وروى الطبراني في الكبير عن حصين بن عوف قال: قلت: يا رسول الله، أأحجّ عن أبي؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى. وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن حبان وابن ماجة والبيهقي عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله، أن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحجّ ولا العمرة، ولا الظّعن، فقال: حجّ عن أبيك واعتمر. وروى ابن جرير عن ابن عباس إن رجلا من خثعم، قال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير وإنّه لا يثبت على الرّاحلة أفأحجّ عنه؟ قال: نعم، وفي لفظ عطاء عنه أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فقال: إن أبي شيخ كبير أفأحجّ عنه؟ فقال: لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فحجّ عنه. روى الطبراني في الكبير عن الفضل بن عباس قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النّحر فأتت امرأة من خثعم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحجّ أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يستطيع أن يركب أفأحجّ عنه؟ قال: نعم، حجّي عن أبيك. وروى مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح عن بريدة قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمّي ماتت ولم تحجّ فقال: حجّي عن أمّك. ورواه ابن جرير بلفظ، ولم تحجّ حجة الإسلام، أفأحج عنها؟ قال: نعم، فحجّي عنها، وفي لفظ أفيجزئ أن أحجّ عنها؟ قال: أرأيت إن كان على أمّك دين فقضيته عنها أكان يجزئ عنها؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى. وروى ابن جرير عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قال: يا نبي الله، إن أبي مات ولم يحجّ، أفأحجّ عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فحقّ الله أحقّ. وروى التّرمذي والإمام الشافعي والبيهقي عن عليّ بلفظ: إن أبي شيخ كبير قد أدرك فريضة الله على عباده في الحجّ لا يستطيع أداءها أفيجزئ عنه أن أؤديها عنه؟ قال: نعم، ورواه ابن جرير عن سليمان بن يسار عن ابن عباس بلفظ إنّها سألته في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديفه، فقالت: يا رسول الله، فريضة الله في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي أن أحجّ عنه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم حجّي عن أبيك، أرأيت إن كان عليه دين فقضيته عنه، ألا ترين أنّك قد أدّيت عنه؟ قالت: نعم، قال: فحقّ الله أحقّ. وروى أيضا عن سعيد بن جبير. وروى عنه قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من خثعم فقالت: إني امرأة من خثعم، يا رسول الله، أمي ماتت، ولم تحجّ أفأحجّ عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى. وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلك أبي ولم يحجّ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه، أيتقبّل منه؟ قال: نعم، قال: فاحجج عنه.

وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجّ عن أبيه قال: احجج عنه ألا ترى أنه لو كان عليه دين فقضيته عنه، إنّ ذلك يجزئ عنه؟ قال: بلى، قال: حقّ الله أحقّ. وروى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن امرأة رفعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر» . وروى الشيخان والإمام أحمد وأبو داود والطّيالسي وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم فقال: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السّراويل ولا البرانس، ولا ثوبا مسّه الورد والزّعفران، ولا الخفّان إلّا أحد لا يجد النّعلين، فليلبس الخفّين وليقطعهما حتى يكون تحت الكعبين، وفي لفظ «من أسفل» . وروى الإمام الشافعي والشيخان عن يعلى بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة إذا جاءه رجل أعرابي عليه جبّة وهو متضمّخ بالخلوق. فقال: يا رسول الله، إني أحرمت بالعمرة وهذه عليّ. فقال: أما الطيب الذي بك، فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك. وروي عن أبي قتادة الحارث بن ربعي أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلّف مع بعض أصحابه وهم محرمون، وهو غير محرم فرأوا حمارا، وحشيا قبل أن يراه فلما رأوه تركوه حتّى رآه أبو قتادة فركب فرسا له فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا، فتناوله فحمل عليه فعقره، ثم أكل فأكلوا فندموا، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه قال: هل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فأكلها، وفي لفظ فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل منكم واحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها. وروى عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» . وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، ألا أدخل البيت، قال: ادخلي الحجر فإنّه من البيت. وروي عن عروة بن مضرس الطّائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف- يعني بجمع- قلت: جئت يا رسول الله، من جبل طيء أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حجّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك معنا هذه الصّلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقدتم حجّه وقضى تفثه» .

وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قدمت بمكة وأنا حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعلي بفعل الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس، يسألونه، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: اذبح ولا حرج فجاءه آخر، وقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلّا قال: افعل ولا حرج. وروى الطبراني في الكبير وأبو داود الطيالسي والإمامان وابن ماجه وأبو يعلى والضياء عن جابر والإمام أحمد وابن أبي شيبة والشيخان وابن ماجة عن سعد أن رجلا قال: يا رسول الله، نحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج. وروى ابن أبي شيبة عن جابر قال: قال رجل: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر قال: انحر ولا حرج. وروى ابن جرير عنه قال: يا رسول الله، ذبحت قبل أن أرمي قال: ارم ولا حرج، وقال رجل: يا رسول الله، طفت بالبيت قبل أن أذبح، قال: أذبح ولا حرج، وفي لفظ: أنه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر، ثم قصد الناس، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر قال: لا حرج ثم جاءه آخر فقال: حلقت قبل أن أرمي، فقال: لا حرج، فما سئل شيء إلا قال: لا حرج، لا حرج. وروى ابن جرير وأبو نعيم في تاريخه وابن النجار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمّن قدّم من نسكه شيئا قبل شيء، فجعل يقول: لا حرج لا حرج. وروى ابن جرير عنه أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج، قال: يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي قال: ارم ولا حرج. وروى الدارقطني وأبو داود عن أسامة بن شريك، قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجّا، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله، سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئا أو أخرت شيئا، فكان يقول: «لا حرج، لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك» . وروى الشيخان عن كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- «أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكّة، وهو محرم وهو يوقد تحت قدر والقمّل يتهافت على وجهه فقال: أيؤذيك هو أمّك؟ قال: نعم، قال: فاحلق رأسك، وأطعم فرقا بين ستّة مساكين- والفرق ثلاثة آصع- أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة» .

التاسع: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الأضحى والأضاحي.

وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها. فقال: إنها بدنة قال: اركبها، فقال: إنها بدنة. قال: اركبها، ويلك في الثانية أو الثالثة» . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال صحيح وابن حبان عن ناجية الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطب من البدن؟ قال: أنحرها ثم اغمس نعلها في دمها، ثم خلّ بين الناس وبينها فيأكلوها. وروى عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر أهدي بختيا فأعطى بها ثلاثمائة دينار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أهديت بختية لي أعطيت بها ثلاثمائة دينار، فأنحرها أو أشتري بثمنها بدنا قال: لا، ولكن أنحرها إياها. التاسع: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الأضحى والأضاحي. وروى الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحجّ الأكبر، فقال: هو يوم النحر. وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النّحر بين الجمرات في الحجّة التي حجّ فيها، فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا: يوم النّحر، فقال: هذا يوم الحج الأكبر. وروى الإمام أحمد والبيهقي وابن ماجه عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم صلى الله عليه وسلم قالوا: فما لنا فيها؟ قال: بكل شعرة حسنة، قالوا: يا رسول الله، فالصّوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة. وروى الإمام أحمد والحاكم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله تعالى لهذه الأمة قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها؟ قال: «لا» ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقصّ شاربك وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله- عز وجل-. وروى الإمام أحمد عن أبي الأسد السلمي عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا فجمع لكلّ منّا درهما فاشترينا أضحية بسبعة الدراهم، فقلنا: يا رسول الله، لقد أغلينا بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها» ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجلا برجل ورجلا برجل ورجلا بيد ورجلا بيد ورجلا بقرن ورجلا بقرن وذبح السابع وكبرنا عليها جميعا.

العاشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم بالمساجد.

وروى الديلمي وابن عساكر عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الناس في العيدين: تقبّل الله منا ومنكم، قال: ذلك فعل أهل الكتاب وكرهه. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله، أن عليّ بدنة، وأنا موسر بها ولا أجدها فأشتريها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه غنما للضحايا فأعطاني جذعا عتودا من المعز، فجئت به، فقلت: يا رسول الله، إنه جذع، فقال: ضحّ به، فضحيت به وحديث عقبة- رضي الله تعالى عنه- ذكر في باب سيرته صلّى الله عليه وسلم في الضّحايا. وروى الإمام أحمد عن البراء عن خاله أبي بردة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، إنا عجّلنا شاة لحم لنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقبل الصّلاة؟ قال: نعم، تلك شاة لحم، قال: يا رسول الله، عندي عناق جذعة، هي أحب إلينا من مسنة قال: تجزئ عنك، ولا تجزئ عن أحد بعدك. وفي رواية عن أبي بردة، قال: إنه ذبح قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد، قال: عندي عناق جذعة، هي أحب إلي من مسنتين، قال: اذبحها. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: اشتريت كبشا أضحّي به فعدا الذّئب فأخذ أليته، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحّ به. العاشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم بالمساجد. وروى الإمام أحمد عن الأرقم بن أبي الأرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين تريد فقال: أردتّ يا رسول الله ههنا، وأشار إلى بيت المقدس قال: ما يخرجك إليك أتجارة؟ قلت: لا، ولكن أردت الصلاة فيه قال: فالصلاة ههنا، وأومأ بيده إلى مكة خير من ألف صلاة. وروى الشيخان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع للناس في الأرض، قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما، قال: أربعون عاما ثم الأرض لك مسجدا، فحيث أدركت الصلاة فصلّ.

الحادي عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالقرآن.

وروى الشيخان عن أبي ذرّ عن سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر، هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال: هو مسجدي. الحادي عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالقرآن. روى الإمام أحمد عن عبد الله بن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد عليّ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ عليّ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ عليّ فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا خلفه حتى دخل على رحله، ودخلت أنا المسجد، وجلست كئيبا حزينا، فخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تطهّر فقال: «عليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» ، ثم قال: ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها» . وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وهم ذوو عدد، فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنا، فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة قال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول الله، ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا القرآن، فاقرأوه وأقرئوه، فإن مثل القرآن لمن تعلّمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشوّ مسكا يفوح بريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب وكيء على مسك. وروى أبو داود عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفّة المهاجرين فسأله إنسان: أيّ آية في القرآن أعظم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة/ 255] . وروى مسلم عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية في كتاب الله تعالى معك أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: قلت: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال: فضرب صدري وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر» . وروى الترمذي، وقال: حديث حسن وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك. وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئني يا رسول الله، فقال: «اقرأ ثلاثا من ذوات «الر» فقال: كبرت سنّي واشتد قلبي وغلظ لساني قال: «فاقرأ ثلاثا من ذوات حاميم» فقال مثل مقالته، فقال «اقرأ ثلاثا من المسبّحات» فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله، أقرئني سورة جامعة، فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة/ 1] حتى فرغ منها فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا، ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح الرّويجل» مرتين. وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا استمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] ويردّدها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» . وفي رواية عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشق ذلك عليهم، وقالوا: أيّنا يطيق ذلك يا رسول الله، فقال: «الله الواحد الصمد» ثلث القرآن وفي رواية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] تعدل ثلث القرآن. وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في «قل هو الله أحد» إنها تعدل ثلث القرآن» قوله: «تعدل ثلث القرآن» قال بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى إن القرآن ثلاثة أقسام قسم توحيد لله تعالى ومعرفة صفاته، وقسم قصص الماضي، وقسم تشريع وأحكام، ففيها التوحيد وليس فيها قصص ولا تشريع فصارت تعدل ثلث القرآن. وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب هذه السورة «قل هو الله أحد» قال: «إن حبها أدخلك الجنة» ورواه البخاري تعليقا. وروى النسائي عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: اتّبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه، وقلت: اقرأ سورة هود أو سورة يوسف؟ فقال: لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله تعالى من قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق/ 1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس/ 1] وفي رواية قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ ب قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق/ 1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس/ 1] ويقول: يا عقبة، تعوّذ بهما فما تعّوذ متعوّذ بمثلها. وروى مسلم عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تر

آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهنّ قطّ؟» قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بشرار هذه الأمة؟ الثرثارون، المتشدّقون، المتفيهقون، أفلا أنبئكم بخيارهم؟ أحاسنهم أخلاقا. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير البريّة؟ رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلّما كانت هيعة استوى، ألا أخبركم بالذي يليه؟ رجل في بلة من غمّ يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ألا أخبركم بشر البرية؟ الذي يسأل بالله تعالى، ولا يعطي به. وروى الإمام أحمد وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى، قال: فخياركم الّذين، إذا رؤوا ذكر الله تعالى، ألا أخبركم بشراركم، قالوا: بلى، قال: «فشراركم المفسدون بين الأحبّة المشاءون بالنميمة الباغون البراء العنت» . وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدرني، فأخذ بيدي، ثم قال «يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يلين له قلبي» . وروى الإمام أحمد عن الحسين- رحمه الله تعالى- عن شيخ أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر برجل يقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون/ 1] قال: أما هذا فقد برئ من الشّرك، قال: وإذا آخر يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت له الجنة» . وروى الرامهرمزي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: عليك بالحالّ المرتحل قال: وما الحال المرتحل؟ قال «صاحب القرآن، يضرب من أوله حتى يبلغ آخره ويضرب في آخره حتى يبلغ أوله كلما حل ارتحل» [ (1) ] . وروى الشيخان عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فغشيته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «تلك السكينة تنزلت بالقرآن» . وروى الإمام أحمد والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/ 174 وقال غريب وهو عند الترمذي من حديث ابن عباس 5/ 181 (2948) .

الثاني عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الذكر والدعاء وما يتعلق بهما.

إنّ لله- عز وجل- أهلين من الناس فقيل من أهل الله منهم؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله تعالى وخاصّته» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ قال: «اختمه في شهر» ، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك قال: «اختمه في عشرين» ، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال: «اختمه في خمسة عشر» قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «اختمه في عشر» ، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال: «اختمه في خمس» ، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فما رخص لي» [ (2) ] . وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدتّ أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلّم، فلبّبته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسله، اقرأ يا هشام» ، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت» ، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت للقراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسّر منه» . الثاني عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الذّكر والدعاء وما يتعلق بهما. روى الإمام أحمد عن أبي ذر قال، قلت: يا رسول الله إذا عملت سيئة فأتبعها بالحسنة تمحها قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله قال: «هي أفضل الحسنات» [ (3) ] . وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب، والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى، فقال معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه-: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله [ (4) ] .

_ [ (1) ] ابن ماجة (215) وأحمد 3/ 127، 128 والدارمي 2/ 433 والحاكم 1/ 556. [ (2) ] الترمذي 5/ 180 (2946) . [ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 169 والمجمع 10/ 81 والسيوطي في الدر 3/ 354 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 94. [ (4) ] أخرجه الترمذي (3377) وأحمد 5/ 195 وابن ماجة (3790) والحاكم 1/ 496.

وروى الإمام أحمد عن معاذ بن أنس الجهني- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المجاهدين أعظم أجرا؟ قال: «أكثرهم لله- تبارك وتعالى- ذكرا» ، قال: فأي الصائمين أعظم أجرا؟ قال: «أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا» ، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: لعمر- رضي الله عنه-: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل» . وروى الترمذي وقال غريب والعقيلي عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم؟ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتدعون لهم فيدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد والنسائي والحاكم والبيهقي في الشعب والضياء عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إن من خير الناس في سبيل الله تعالى رجلا على ظهر فرسه، أو ظهر بعيره، أو على قدمه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا، يقرأ كتاب الله تعالى فلا يرعوي إلى شيء منه» [ (2) ] . وروى العقيلي والبيهقي في الشعب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم عن الأجود؟ الأجود الله وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علما، فنشر علمه حتّى يبعث يوم القيامة أمة واحدة ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل» [ (3) ] . وروى عبد بن حميد وابن زنجويه والحاكم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا» . وروى الترمذي وقال حسن غريب والطبراني وابن حبان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب من الناس هيّن سهل» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2264) والكنز (14641) . [ (2) ] البيهقي 9/ 160 والمجمع 10/ 304. [ (3) ] ابن حجر في المطالب (3077/ 3828) وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 123 وانظر المجمع 1/ 166 وابن حبان في المجروحين 2/ 301. [ (4) ] الطبراني في الكبير 10/ 285 والترمذي (2488) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1097) .

وروى العقيلي والضياء عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بمن تحرم عليه النّار غدا؟ على كل هين لين قريب سهل» . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت: يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: «غنيمة مجالس الذكر الجنة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا قبل نجد فغنموا.... وروى الإمام أحمد والبيهقي وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحكيم والترمذي عن أسماء بنت يزيد- رضي الله تعالى عنهما- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم الذين إذا رئى، ذكر الله- عز وجل-، ألا أخبركم بشراركم؟» قالوا: بلى، قال: «فشراركم المفسدون بين الأحبة المشاؤون بالنميمة، الباغون البراء العنت» [ (2) ] . وروى العقيلي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا في الإسلام، إذا سددوا» . وروى الحاكم والبيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أحاسنكم أخلاقا» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم من شراركم؟ خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا ولمسلم: أطولكم أعمارا» . وروى عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بشراركم؟ شراركم الثرثارون المتشدقون، وألا أنبئكم بخياركم؟ أحاسنكم أخلاقا» . وروى الخرايطي في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم أحاسنكم أخلاقا» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم خياركم أطولكم أعمارا. وأحسنكم أخلاقا» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 177، 190 وانظر المجمع 10/ 78 والدر المنثور 1/ 152. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 459 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1919) والبخاري في الأدب (323) وأبو نعيم في الحلية 1/ 6 وانظر المطالب (3974) والمجمع 7/ 234، 8/ 93 والدر المنثور 3/ 110. [ (3) ] ابن ماجة (4119) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (2465) وانظر المجمع 8/ 21، 22 والبيهقي 10/ 246 والترغيب 4/ 254 والدر 2/ 74.

وروى الإمام أحمد، والترمذي، وقال: حسن غريب والنسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ رجل تمسّك بعنان فرسه في سبيل الله، حتى يموت أو يقتل، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في شعب الجبال يقيم الصلاة، ويؤتي الزّكاة، ويعتزل شرور الناس وفي لفظ: رجل معتزل في غنيمة له يؤدّي حق الله تعالى فيها، ألا أخبركم بشرّ النّاس؟ رجل يسأل بالله تعالى ولا يعطي به [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخيركم من شرّكم؟ خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرّه، وشرّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه» [ (2) ] . وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: ما من أحد يدعو بدعاء إلّا آتاه الله ما سأل أو كفّ عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم [ (3) ] . وروى الترمذي وحسنه عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد» قالوا: فما تقول يا رسول الله؟ قال: «اسألوا الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة» . وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن خزيمة والبيهقي والضياء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» . وروى ابن أبي شيبة وابن حبان والعقيلي وابن السني عن أنس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» . وروى الحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدّعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» . وروى الحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء مستجاب ما بين النداء والإقامة» . وروي عن أبي زهير النميري، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأقمنا على

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (1652) والدارمي 2/ 201 والحاكم 2/ 67 وابن أبي شيبة 5/ 294 والسيوطي في الدر 1/ 246. [ (2) ] أخرجه الترمذي (2263) وأحمد 2/ 368، 378 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2068) . [ (3) ] أخرجه أحمد من حديث جابر 3/ 360 والترمذي 5/ 462 (3381) .

رجل في خيمة قد ألحف في المسألة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه، فقال: أوجب إن ختم، فقال له رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين، فأنه إن ختم بآمين، فقد أوجب فانصرف الرجل الذي سمعه فأتى الرجل فقال: اختم بآمين يا فلان في كل شيء وأبشر. وروى البيهقي عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول [....] . وروى الترمذي وحسنه عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو، يقول: اللهم، إني أسألك تمام النّعمة، فقال: أي شيء تمام النعمة؟ قال: دعوة دعوت بها أرجو بها الخير، قال: فإن تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل» ، يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب وفي لفظ لمسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قيل: يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عن ذلك، ويدع الدعاء الحسر: أي يستنكف عن الدعاء والسؤال، وأصله من حسر الطّرف إذا كلّ وضعف يعني أن الداعي إذا دعا وتأخّرت إجابته تضجّر، وملّ وترك الدعاء واستنكف عنه. «وقطيعة الرحم» الهجران للأهل والأقارب. وروى الترمذي والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، ورجل قد صلّى وهو يدعو ويقول في دعائه اللهم، لا إله إلا أنت المنّان بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تدرون بم دعا الله؟ دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» . وروي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من الباقيات الصالحات» ، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله» . وروى مسلم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاما أقوله قال: قل: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله، العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قل: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» . وروى مسلم عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيّ الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله تعالى لملائكته، سبحان الله وبحمده، وفي رواية قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحبّ الكلام إلى الله- عز وجل-؟ إن أحبّ الكلام إلى الله- عز وجلّ- «سبحان الله وبحمده» ، وفي رواية: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحبّ الكلام إلى الله- عز وجل- «سبحان الله وبحمده» . وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إنّه غريب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنّة، فارتعوا» قيل: يا رسول الله وما رياض الجنّة؟ قال: المساجد، قيل: وما الرتع؟ قال: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» . وروى الإمام أحمد، والترمذي وقال: حسن غريب والعقيلي في الضعفاء وابن شاهين في الترغيب والبيهقي في الشعب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا» ، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «مجالس العلم» . وروى الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا» ، قالوا: يا رسول الله، ما رياض الجنّة؟ قال: «مجالس العلم» . وروى ابن شاهين عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنة فاجلسوا إليهم» ، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟ قال: «أهل الذّكر» . وروى أبو داود عن ابن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه، فقال: قل: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ، قال: يا رسول الله، هذا لله عز وجل فمالي؟ قال: قل: «اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني» فلمّا قام، قال: هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا هذا فقد ملأ يده من الخير» . وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يفرش عرسا [.....] . وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة؟» . فسأل سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة أو يحطّ عنه ألف خطيئة. وروى النسائي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فجلست إليه، فقال: تعوّذ بالله من شياطين الأنس والجن، قلت: أو

الثالث عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الكسب والمعاش.

للإنس شياطين؟ قال: نعم، شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول عزورا. وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما لقيت البارحة من عقرب لدغتني قال: «أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق لم تضرّك» . وروى الترمذي عن شكل بن حميد- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، علّمني تعوّذا أتعوّذ به فأخذ بكفّي، وقال: قل: «الّلهم، إني أعوذ بك من شرّ سمعي ومن شرّ بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي ومن شرهن» ورواه النسائي وقال: «ومنيي» . وروى الإمام أحمد والنسائي وابن سعد وسمويه والبغوي والباوردي وابن قانع والطبراني في الكبير عن زيد بن خارجة- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليك، قال: صلّوا واجتهدوا، ثم قولوا: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وروى الشيخان عن ابن أبي ليلى- رحمه الله تعالى- قال: لقيني كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- فقال: ألا أهدي لك هدية؟ فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» . الثالث عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الكسب والمعاش. روى الإمام أحمد عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكسب أفضل؟ قال: «عمل الرجل بيده، وكل عمل مبرور» [ (1) ] . وروى البيهقي عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن أبيه عن عمّه- رضي الله عنه- قال: كنا في مجلس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء وهو طيب النفس قال: فظننا أنّه ألمّ بأهله، فقلنا: يا رسول الله، نراك أصبحت طيّب النّفس، قال: «أجل، والحمد الله» ، قال: ثم ذكر الغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصّحّة لمن اتّقى خير من الغنى، وطيب النّفس من النّعيم» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 141 والحاكم 2/ 20 والطبراني في الكبير 4/ 330 وانظر المجمع 4/ 60 والتلخيص 3/ 3 والعلل للرازي (1172، 2237) .

وروى ابن ماجه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي ولدا ومالا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي قال: «أنت ومالك لأبيك» . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتى أعرابيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئا» . وروى البزّار والدارقطني في الإفراد عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يريد أن يأخذ مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك» . وروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة جليلة كانت من نساء مضر، فقالت: يا رسول الله، أنأكل على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحلّ لنا من أموالهم؟ قال: «الرطب تأكلنه وتهدينه» . وروى البخاري والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، مرّوا بماء فيهم لديغ- أو سليم- فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: علّمت ناسا من أهل الصّفّة الكتاب والقرآن، وأهدى إليّ رجل منهم قوسا فقلت: ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله- عز وجل- لآتينّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنّه فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليّ قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، قال: «إن كنت تحب أن تطوّق طوقا من نار فاقبلها» . وروى ابن ماجه عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: علمت رجلا القرآن، فأهدى إليّ قوسا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أخذتها أخذت قوسا من نار» . وروى الإمام أحمد عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم أموال السّلطان، قال: آتاك الله تعالى منها من غير مسألة ولا إشراف نفس، فكله وتموله. وروى الإمامان الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن محيصة بن مسعود الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجّام فنهاه عنها فلم يزل يسأله، ويستأذنه حتى أمره «أن اعلف ناضحك وأطعمه ورقيقك» .

الرابع عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في البيوع والمعاملات، وما يتعلق بها.

وروى الإمام أحمد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجّام فقال: «اعلفه ناضحك» . وروى الترمذي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إيّاكم والقسامة» قلنا: وما القسامة؟ قال: «الشيء يكون بين النّاس فيجيء فينقص منه» ، وفي رواية ونحوه «الرّجل يكون على الفئام من الناس فيأخذ من حظّ هذا وحظّ هذا» [ (1) ] . وروى البيهقي عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه عرفطة فقال: يا رسول الله، قد كنت على شقوة فما أراني أرزق إلا من دفي وكفي فأذن لي فيه قال أحله ... الرابع عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في البيوع والمعاملات، وما يتعلق بها. روى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي البقاع شرّ؟ فقال: لا أدري فلما أتاه جبريل عليه السلام قال يا جبريل، أي البلدان شر؟ قال: لا أدري حتّى أسأل ربي- عز وجل- فانطلق جبريل- عليه السلام- ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم جاء فقال: يا محمد، إنك سألتني أيّ البلدان شر؟ فقلت: لا أدري، وإني سألت ربي- عز وجل- أي البلدان شر؟ فقال. أسواقها. وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه [....] . وروى أبو داود والطيالسي وعبد بن حميد والإمامان مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، إني أخدع في البيع فقال له: «فقل من بايعت لا خلابة» . وروى أبو داود والترمذي وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا، فقال: أهرقها، قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال: لا [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: إنه ليتيم، قال: «أهريقوه» . وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان عندنا خمر ليتيم قال: أهرقه.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (2783، 2784) . [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 119 والدارمي 2/ 118 وأبو داود 4/ 82 (3675) والدارقطني 4/ 265.

وروى أبو داود والترمذي عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا نبي الله، إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري قال: «أهرق الخمر واكسر الدنان» . وروى الإمام أحمد والترمذي والثلاثة وحسّنه عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن الرجل ليأتيني فيريد مني البيع، وليس عندي ما يطلب، فأبتاع له من السّوق؟ قال: «لا تبع ما ليس عندك» . وروى الإمام أحمد والدارقطني عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: ابتعت طعاما من طعام الصّدقة، وربحت فيه قبل ما قبضته، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني أبتاع هذه البيوع، فما يحل لي منها، وما يحرم عليّ منها، قال: «يا بن أخي لا تبيعنّ شيئا حتى تقبضه» . وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أن تباع الثمرة حتى تشقح قيل: وما تشقح، قال: تحمارّ وتصفارّ ويؤكل منها [ (1) ] . وروى أبو داود عن امرأة يقال لها بهيسة عن أبيها- رضي الله تعالى عنه- قال: استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله، حدّثني بالشيء الذي لا يحل منعه قال: الماء، قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما الشيء الذي لا يحل منعه قال: «الملح» قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال: «أن تفعل الخير خير لك» . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا رسول الله، ما الشّيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال: [الماء ... ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع، وكان في عقله ضعف فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، احجر عليه، فدعاه نبي الله صلّى الله عليه وسلم فنهاه، فقال: يا رسول الله، إني لا أصبر عن البيع، فقال: إذا بايعت، فقل: هاء وهاء ولا خلابة. وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: إنّ رجلا ابتاع غلاما له.... وروى البيهقي عن قيلة أم بني أنمار- رضي الله تعالى عنها- قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض عمره، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أبيع وأشتري فربّما أردتّ أن أشتري السّلعة فأعطى بها أقلّ ممّا أريد أن آخذها به ثمّ زدت ثمّ زدت حتى آخذها بالذي أريد أن آخذها به، ربّما أردتّ أن أبيع السّلعة فاستمت بها أكثر ممّا أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم

_ [ (1) ] انظر سنن أبي داود (3370) وقد تقدم.

نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به، فقال لي رسول الله: «لا تفعلي هكذا يا قيلة، ولكن إذا أردتّ أن تشتري شيئا فأعطي به الذي تريدين أن تبيعيه، أعطيت أو منعت» . وروي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء بلال- رضي الله تعالى عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر برنيّ فقال من أين هذا يا بلال؟ فقال: كان عندنا تمر رديء، فبعت صاعين بصاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «أوّه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتريه» . وروي عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب فقال: أكلّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، والله يا رسول الله، إنّا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا. وروى مسلم وعبد الرزّاق عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- وزيد بن أرقم قالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن الصرف، فقال: «إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نسيئا فلا يصلح» وفي لفظ فلا يصلح نسيئة ورواه البخاري بلفظ: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّرف فقال: «إن كان يدا بيد فلا بأس ... » . وروى مسلم عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا، فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدتها أكثر من اثني عشر، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تباع حتى تفضل» . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدّرهم بالدّرهمين ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرما، والرما هو الربا» فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ قال: «لا بأس إذا كان يدا بيد» . وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم فقال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين. وروى زيد بن عياش- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال: أيتها أفضل؟ قال: البيضاء، قال: فنهاه عن ذلك وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التّمر بالرّطب، فقال عليه السّلام: «أينقص الرطب إذا يبس؟» قال: نعم، فنهاه عن ذلك. وروى البيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أسلف في نخل قبل أن

يطلع؟ قال: لا، قلت: لم؟ فقال: لأن رجلا أسلم في حديقة نخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يطلع النخل، فلم تطلع النخل شيئا ذلك العام، فقال المشتري: هو لي حتى يطلع، وقال البائع، إنما بعتك النخل هذه السنة، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للبائع: «أخذ من نخلك شيئا؟» قال: لا، قال: «لم تستحلّ ماله؟ اردد عليه ما أخذت منه؟ ولا تسلموا في نخل حتى يبدو صلاحه» . وروى عن محمد بن عبد الله بن جحش- رضي الله تعالى عنه- عن أبيه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن جهدت بنفسي ومالي، فماذا لي؟ قال: الجنة، فلما ولى قال: إلا الدين سارّني به جبريل- عليه السّلام- آنفا. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن جحش- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ماذا لي إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل؟ قال: الجنة، فلما ولى قال: إلا الدين سارّني به جبريل، عليه السّلام- آنفا. وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن جاهدت بنفسي ومالي فقتلت صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أدخل الجنة قال: نعم فأعاد ذلك مرتين أو ثلاثا قال: نعم أن لم يكن عليك دين ليس عندك وفاؤه. وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ بالله من الكفر والدّين» ، فقال رجل: يا رسول الله، أيعدل الدين بالكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. وروى الإمام أحمد عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: يا نبي الله، صلّ عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: هل ترك عليه دينا؟ قالوا: ألا نصلي عليه؟ ثم أتي بجنازة بعد ذلك، فقال: هل ترك عليه من دين؟ قالوا: لا، قال: هل ترك من شيء؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: ثلاث كيات، قال: فأتى بالثالثة، فقال: هل ترك عليه من دين، قالوا: نعم قال: هل ترك من شيء؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، فقال رجل من الأنصار يقال له أبو قتادة: يا رسول الله، على دينه فصّلّ عليه. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفّى عليه الدّين فيسأل هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي وعليه دين، فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته. وروى البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر ... » .

قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان عن سلمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سنّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أعطوه» . فطلبوا سنّه فلم يجدوا إلّا سنّا فوقها، فقال: «أعطوه» . فقال: أوفيتني أوفى الله بك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أن خياركم أحسنكم قضاء» . وروى الإمام أحمد والنسائي عن العرياض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- قال: بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بكرا، فأتيته أتقاضاه، فقلت: يا رسول الله، أقضني ثمن بكري؟ فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ جملا قد أسنّ، فقال: يا رسول الله، هذا خير من بكري قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن خير القوم أحسنهم قضاء» . وروى الإمام أحمد والبيهقيّ عن سعد بن الأطول أنّ أخاه مات وترك ثلاثمائة دينار وترك عيالا فأردتّ أن أنفق عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن أخاك محبوس بدينه، فاذهب فاقض عنه» قال: فذهبت فقضيت عنه ثم جئت، فقلت: يا رسول الله قد قضيت عنه، ولم يبق إلا امرأة تدّعي دينارين، وليست لها بيّنة قال: «أعطها فإنها صدقة» . وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: غلا السّعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، لو سعّرت، فقال: «إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعّر، وإني لأرجو أن ألقى الله، ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، سعّر، فقال: «إن الله تعالى يسعّر ويخفض ويرفع، ولكن أرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة» ، وفي لفظ: بل الله يخفض ويرفع وإني لأرجو أن ألقى ربّي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة بدم ولا مال. وروى الإمام أحمد عن الشّريد بن سويد- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، أرض ليس لأحد فيها شراك ولا قسم ولا استئجار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجار أحقّ بسقبه» . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الظّلم أعظم؟ قال: «ذراع من الأرض ينتقصه من حقّ أخيه، فليست حصاة من الأرض أخذها إلّا طوّقها يوم القيامة، إلى قعر الأرض، ولا يعلم قعرها إلّا الذي خلقها» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 396.

الخامس عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في اللقطة واللقيط والهبة والهدية والوصية.

وروى أبو داود عن رجل من مزينة- رضي الله تعالى عنه- قال: صنعت امرأة من المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما [.....] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قالت: الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- يا رسول الله، أقسم بيننا، وبين إخواننا النّخيل، قال: لا، فقالوا: تكفوننا المئونة ونشرككم في الثمرة قالوا: سمعنا وأطعنا. وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج إلى أرض تهتز زرعا، فقال: لمن هذه؟ قالوا: اكتراها فلان، فقال: «أمّا إنه لو منحها إيّاه كان خيرا له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما» . الخامس عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في اللقطة واللّقيط والهبة والهدية والوصية. وروى الإمامان مالك وأحمد وابن ماجه وأبو داود والشيخان، عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللّقطة فقال: «اعرف وكاءها» ، أو قال: وعاها وعفاصها ثم عرّفها سنة فإن جاء صاحبها فأدّها إليه قال: فضالّة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه أو قال: احمرّ وجهه، فقال: مالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وترعى الشّجر، فذرها حتّى يلقاها ربّها، قال: فضالّة الغنم، قال: هي لك أو لأخيك أو للذّئب، وقيل: فضالّة الإبل؟ قال: مالك ولها، معها سقاؤها، وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربّها. وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللّقطة قال: «لا تحل اللّقطة، من التقط شيئا، فليعرّفه، فإن جاء صاحبها فليردّها إليه، فإن لم يأت فليتصدّق بها، فإن جاء فليخيّره بين الأجر وبين الذي له» . وروى البيهقي وأبو داود عن المقداد بن عمرو أنه خرج ذات يوم لحاجة، وكان الناس لا يذهب أحدهم في حاجة إلّا لليومين والثّلاثة [.....] . وروى الإمام أحمد عن عياض بن حمار- رضي الله تعالى عنه- وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث فلمّا بعث أهدى له هديّة- أحسبها إبلا- فأبى أن يقبلها، وقال: «إنّي لا أقبل زبد المشركين» ، قلت: وما زبد المشركين؟ قال: «رفدهم هديّتهم» . وروى البخاري عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنهما- قال: إن أباه أتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما، فقال: «أكل ولدك نحلت ومثله؟» قال: لا، قال: «فأرجعه» وفي رواية: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا قال: «ألك ولد سواه؟» قال: نعم، قال فأراه، قال: لا تشهدني على جور.

السادس عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث.

وفي رواية: لا أشهد على جور. وروى عبد بن حميد والإمام أحمد والبخاري وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيّهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» . وروى مسلم وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة خير وأفضل وأعظم أجرا؟ قال: «أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا أو لفلان كذا وقد كان لفلان» . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري أيّ الصّدقة أفضل؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «المنيحة أن يمنح أحدكم أخاه الدرهم أو ظهر الدّابّة أو لبن الشاة أو لبن البقرة» . وروى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجّة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بمالي كلّه؟ قال: لا، قلت فثلثي مالي؟ قال: لا، قلت فالشطر يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير، إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة وإنّما تأكل امرأتك من مالك صدقة وإنك أن تدع أهلك بخير خير لك من أن تدعهم يتكفّفون الناس» . وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهما- أنّ جدّه العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق عنه ابنه هشام خمسين رقبة فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإنّ هشاما أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه لو كان مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك» . وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير، وليس لي شيء ولي يتيم، قال فقال: «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل» . السادس عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث. روى الإمام أحمد والدارقطني عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابني مات فما لي من ميراثه؟ فلما أدبر قال: لك السدس فلمّا أدبر قال: لك سدس آخر فلما ولى دعاه، قال: إن السدس الآخر طعمة. وروى الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ في الفرائض عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قسّم الجدّة؟ قال: «ما سؤالك عن ذلك يا عمر؟ إني أظنك أن تموت قبل أن تعلم ذلك» ، قال: سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى عليه- فمات قبل أن يعلم ذلك. وروى ابن راهويه وابن مردويه قال الشيخ وهو صحيح عن ابن المسيب أن عمر- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلالة؟ فقال: وليس قد بين الله تعالى ذلك ثم قال: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء/ 12] إلى آخرها، فكأن عمر لم يفهم فأنزل الله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء/ 176] إلى آخر الآية، فكأن عمر لم يفهم فقال: لحفصة- رضي الله تعالى عنها- إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس فاسأليه عنها، فرأيت منه طيب نفس فسألته عنها، فقال: أبوك ذكر لك هذا ما أرى أباك يعلمها أبدا فكان يقول: ما أراني أعلمها أبدا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال. وروى أبو الشيخ في كتاب الفرائض عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال: «ما خلا الولد والوالد» . وروي عن زيد بن أسلم- رضي الله تعالى عنه- مثله. وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمّة والخالة، فقال: «لا أدري حتى يأتيني جبريل» ، ثم قال: أين السّائل عن ميراث العمة والخالة؟ فأتى الرجل، فقال: سارّني جبريل أنه لا شيء لهما، لم يسنده غير مسعدة عن محمد بن عمرو وهو ضعيف والصواب مرسل. وروى أبو داود والترمذي عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله: ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين قال: «هو أولى الناس بمحياه ومماته» . وروى أبو داود والترمذي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أنّ امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت تصدّقت على أمّي بوليدة، وإنّها ماتت وتركت تلك الوليدة قال: «قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث» . روى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني أعطيت أمي حديقة في حياتها. وإنها توفيت ولم تدع وارثا غيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابع عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في العتق، وما يتعلق به

أحسبه قال: إن الله- تبارك وتعالى- رد عليك حديقتك وقبل صدقتك. السابع عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في العتق، وما يتعلق به روى ابن ماجة والبيهقي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها [ (1) ] وأغلاها ثمنا، ولفظ الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن حبان أفضل الأعمال إيمان بالله تعالى، وجهاد في سبيل الله تعالى، قيل: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا قيل: فإن لم أجد؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق، قال: فإن لم أستطع؟ قال: كفّ أذاك عن الناس من الشر فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك. قوله أنفسها عند العلماء: النفيس الجيّد من كل شيء المرغوب فيه وحقيقة الشيء الذي يتنافس فيه النّاس. يعين صانعا أي ذو أتباع من فقر أو عيال، والخرق ضد الرفق يقال: رجل أخرق إذا لم يتقن ما يحاول فعله والصانع بصاد مهملة فنون، وهو المشهور وروى ضائعا بالعجمة أي ذا ضياع من فقر وعيال ونحو ذلك. وروى الشيخان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله، قلت: فأيّ الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا قال: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا، أو تصنع لأخرق، قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل، قال: تكفّ أذاك عن الناس. وروى الإمام أحمد عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، فقال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النّسمة وفكّ الرقبة، قال: يا رسول الله، أو ليستا بواحدة؟ قال: «لا، إن عتق النسمة تفرد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين على عتقها» [ (2) ] . وروى مسلم عن معاوية بن الحكم السّلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إليّ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلمّا رأيتهم يصمّتونني، لكنّي سكتّ فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فو الله ما نهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: «إن هذه الصّلاة لا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 148 (2518) ومسلم 1/ 89 (136/ 84) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 299 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 294 (12009) والبيهقي 10/ 272.

الثامن عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به.

يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. وروى الشيخان عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم، قال أما لو أنّك أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: «اعف عنه في كل يوم سبعين مرة» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- والبيهقي عن ميمونة بنت سعد مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم [......] . وروى الطبراني والإمام أحمد عن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ أمي ماتت وعليها [ (1) ] نذر لم تقضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقضه عنها» . وروى الإمام الشافعي والشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق» . الثامن عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به. روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّساء خير؟ قال: «التي تسرّه إذا نظر وتطيعه، إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها أو ماله» [ (2) ] . وروى ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ النساء أفضل؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها وماله فيما يكره» . وروى الترمذي عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا نزل في الذّهب والفضّة ما نزل قالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه، قال أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه.

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] أخرجه النسائي 6/ 68 وأحمد 2/ 432 والبيهقي 7/ 72 وانظر المشاة (3272) .

وروى أبو داود بسند حسن عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتست ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت [ (1) ] . وروى أبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، ما تقول في نسائنا: قال: أطعموهنّ مما تأكلون واكسوهنّ مما تكسون، ولا تضربوهن ولا تقبّحوهنّ [ (2) ] . وروى الطبراني عن سعد بن مسعود الليثي قال: أتى عثمان بن مظعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إني لا أحب أن ترى امرأتي عورتي، فقال: إن الله تعالى جعلها لك لباسا، وجعلك لها لباسا وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم. وروى عن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال، وإنّها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: «لا» ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: «تزوّجوا الودود الولود فإنّي مكاثر بكم الأمم» . وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي أن أختصي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خصاء أمتي الصيام والقيام» . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل شابّ وأخاف العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فسكت عنّي، ثمّ قلت له مثل ذلك، فسكت عنّي، ثم قلت مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، جفّ القلم بما أنت لاق، فاختصّ على ذلك أوذر» . وروى مسلم عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وفي بضع أحدكم صدقة» ، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: «أرأيت لو وضعها في حرام؟ أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: عكاف بن بشر التيمي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عكاف، هل لك من زوجة؟» قال: لا، قال: «ولا جارية؟» قال: لا، قال: «وأنت موسر بخير؟» قال، وأنا موسر بخير، قال: «أنت إذن من إخوان الشياطين، لو كنت من النصارى كنت من رهبانهم، إنّ سنتنا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 446 وأبو داود 2/ 606 (2142) والنسائي كما في التحفة 8/ 432 وابن ماجة 1/ 593 (1850) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (2144) . [ (3) ] أخرجه مسلم في الزكاة (53) وأحمد 5/ 167، 168 والبيهقي 4/ 188.

النكاح، شراركم عزّابكم، والأذل موتاكم عزابكم، أبالشياطين تمرسون، ما للشياطين سلاح أبلغ، وفي الصّالحين من النساء إلا المتزوجين، أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا، ويحك يا عكاف، إنهنّ صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف» ، قال له بشر بن عطية: من كرسف يا رسول الله؟ قال «رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلاثمائة عام يصوم النهار، ويقوم الليل، ثم إنّه كفر بالله العظيم في سبب امرأة عشقها، وترك ما كان عليه من عبادة الله- عز وجل- ثم استدركه الله- عز وجل- ببعض، ما كان منه فتاب عليه، ويحك يا عكاف تزوّج، وإلا فأنت من المذبذبين» قال: زوّجني يا رسول الله، قال: «زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري» . وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي عن أبي بن زرعة بن عمرو بن جرير عن جده قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري [ (1) ] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنّه تزوّج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرت إليها؟» قال: لا، قال: «فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا» يعني حولا. وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها، أتستأمر أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم تستأمر» قلت: فإنها تستحي. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيّم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها قال: «تسكت» ورواه ابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا. وروى الدارقطني عن عبد الله بن معقل- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رجل من الأنصار امرأة في مرضه، فقالوا: لا يجوز، هذا من الثلث، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «النكاح جائز، ولا يكون من الثّلث» [ (2) ] . (وروى الدارقطني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صداق المرأة النساء، قال: هو ما اصطلح عليه أهلوهم [ (3) ] ) [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1699 (45/ 2159) ، [ (2) ] أخرجه الدارقطني 3/ 250 والخطيب في التاريخ 11/ 184 والكنز (44770) . [ (3) ] أخرجه البيهقي 7/ 239. [ (4) ] سقط في أ.

وروى الدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنكحوا اليتامى ثلاثا» قيل: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: «ما تراضى عليه الأهلون، ولو قضيب من أراك» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي حدرد الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتيه في مهر امرأة فقال: أمهرها، قال: مائتان قال: «لو كنتم تغترفون من ماء بطحان ما زدتم» [ (2) ] . وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل تزوّج امرأة، وفرض لها هل يدخل بها ولم يعطها شيئا؟ فقال: «لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا ولو نعليه» . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرّضاعة بعد أن نزل الحجاب، فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت «فأمرني أن آذن له» . وروى مسلم عن أمّ الفضل- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إنّي كانت لي امرأة فتزوّجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى، أنها أرضعت امرأتي الحدثى، رضعة أو رضعتين فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلم: «لا تحرّم الإملاجة ولا الإملاجتان» . وروى عبد الرزاق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالما كان يدعى لأبي حذيفة، وأن الله تعالى قد أنزل في كتابه العزيز ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [الأحزاب/ 5] وكان يدخل عليّ، وأنا فضل ونحن في (مسوب) [ (3) ] ضيق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه تحرمي عليه» [ (4) ] ، قال الزّهريّ: قال بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدرون لعل هذه كانت رخصة لسالم خاصّة، قال الزهري: - رحمه الله تعالى-: كانت عائشة- رضي الله تعالى عنها- تفتي بأن الرّضاع يحرّم بعد الفصال، حتى ماتت وعنها أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان بدريا، وكان قد تبنى سالما الذي يقال له

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 239 والطبري 2/ 299 وانظر المجمع 4/ 280. [ (2) ] أخرجه سعيد بن منصور (604) والحاكم 2/ 178 والدولابي 1/ 25 والبيهقي 7/ 235 وانظر المجمع 4/ 282 وابن سعد 4/ 2/ 42. [ (3) ] في أتنور. [ (4) ] عبد الرزاق في المصنف (13345) (13884) (13885) ومسلم في كتاب الرضاع (27، 28) وأحمد 1/ 201 والحاكم 3/ 226 والطبراني في الكبير 7/ 69، 70 وانظر المجمع 4/ 260.

مولى أبي حذيفة كما تبنّى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وأنكحه فكان أبو حذيفة يرى أنه ابنه فأنكحه ابنة أخته فاطمة بنت الوليد بن عتبة وهي من المهاجرات الأول، وهي يومئذ أفضل أيامي قريش، فلما أنزل الله تعالى ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [الأحزاب/ 5] الآية ردّ كل واحد من أولئك إلى أبيه، فإن لم يعلم أبوه ردّ إلى مواليه، فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله، كنا نرى سالما وليدا أو كان يدخل على، وأنا فضل وليس لنا إلّا بيت واحد، فما ترى؟ قال الزّهريّ: فقال لها فيما بلغنا: أرضعيه، والله تعالى أعلم. وروي عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم سلمة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنّى سالما، وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثه، حتى أنزل الله- عز وجل- في ذلك: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» إلى قوله فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ [الأحزاب/ 5] فردّوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالما ولدا، فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني مقتلا، وقد أنزل الله- عزّ وجل- فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «أرضعيه» فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة- رضي الله عنها- تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبّت عائشة أن يراها، ويدخل عليها، وإن كان كبيرا خمس رضعات، ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهم بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد، وقلت لعائشة: والله ما ندري لعلها كانت رضعة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس. وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود عن عقبة بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: إني أرضعتكما، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولفظ البخاري أنّه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتت امرأة فقالت: إني أرضعت عقبة، والذي تزوّج بها فقال لها عقبة: لا أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني! فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟! ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره. وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن حجاج بن حجاج الأسلميّ عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما يذهب عني مذمّة الرضاع؟ قال: «غرّة عبد أو أمة» .

وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي يجوز من الشهود في الرّضاع؟ فقال: «رجل وامرأة» . وروى الدارقطني وضعفه عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أنه أراد أن يتزوج يهودية أو نصرانية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنهاه عنها، وقال: «إنها لا تحصنك» . وروى الإمام الشافعي وأبو داود وابن ماجة عن الضحاك بن فيروز الدّيلميّ عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت، وتحتي أختان، قال: «طلّق أيتهما شئت» . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: طلّق رجل زوجته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره، فطلّقها قبل أنه يدخل بها فأراد زوجها، الأوّل أن يتزوجها فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا حتّى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول» . وروى النسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يطلق امرأته، فيتزوجها الرجل، ويغلق الباب ويرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها قال: «لا تحل للأول حتى يجامعها الأخير» [ (1) ] . وروى ابن جرير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلّل قال: «لا نكاح رغبة ولا نكاح ولا استهزاء بكتاب الله- تعالى- حتى يذوق العسيلة» . وروى ابن ماجه والدّارقطنيّ عن علقمة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتّيس المستعار؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «هو المحلّل ثمّ لعن المحلّل والمحلّل له» [ (2) ] . وروى الإمام الشّافعيّ وأبو داود والدارقطني والطحاوي والبغوي وابن قانع عن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اختر منهنّ أربعا، وفارق سائرهنّ» . وروى الإمام الشافعي عن نوفل بن معاوية الرملي- رضي الله تعالى عنه- قال: أسلمت وعندي خمس نسوة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فارق واحدة وأمسك أربعا» فعمدت إلى أقدمهنّ عندي عاقرا منذ ستين سنة ففارقتها. وروى الإمام أحمد والترمذي، وصححه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن

_ [ (1) ] النسائي في الطلاق باب 12. [ (2) ] أخرجه ابن ماجه (1936) والطبراني في الكبير 17/ 299 والدارقطني 3/ 251.

رجلا جاء مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله، إنها كانت أسلمت معي، فردّها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رجلا قال: يا رسول الله إن امرأتي لا تردّ يد لامس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طلّقها» ، فقال: إني أحبها، قال: «فأمسكها إذن» [ (1) ] . وروى الإمام الشافعي عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو عن إتيان الرّجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم حلال فلمّا ولّى الرّجل دعاه أو أمر به، فدعي فقال: كيف قلت في أي الخرقين أو في أيّ الخرزتين، أو في أيّ الحصفتين أمن دبرها في قبلها، فنعم أم من دبرها، في دبرها، فلا، فإن الله لا يستحي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أدبارهن. وروى الترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال جاء عمر- رضي الله تعالى عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت، قال: «وما أهلك؟» قال: حوّلت رحلي اللّيلة، قال: فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال: فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة/ 223] أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد- رضي الله تعالى عنها- أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: «لعل الرّجل يقول ما يفعله بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها فارم القوم» فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن، وإنهم ليفعلون قال: «فلا تفعلوا، فإنّما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون» . وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، ولفظ أحمد: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال: «اصنعوا ما بدا لكم فما قضى الله- تعالى- فهو كائن، وليس كل الماء يكون الولد» [ (3) ] . وروى عبد الرزاق والتّرمذيّ عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء ناس من

_ [ (1) ] من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود 2/ 541 (2049) والنسائي 6/ 169 والبيهقي 7/ 154 وابن أبي شيبة 4/ 184 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2024) والمطالب (1626) والطبراني في الكبير 19/ 216 والمجمع 4/ 335. [ (2) ] الترمذي (2980) . [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 26، 47.

المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أفيكون لنا الإماء فنعزل عنهن؟ وزعمت يهود أنها الموءودة الصغرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبت يهود، كذبت يهود، ولو أراد الله تعالى أن يخلقه لم يردّه» ، وفي لفظ عند عبد الرزّاق: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي جارية وأنا أعزل عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يقدّر يكن» ، فما لبثت أن حملت فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إنها حملت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما قضى الله لنفس أن تخرج إلا هي كائنة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل، فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله تعالى كتب من هو خالق إلى يوم القيامة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بن السكن- رضي الله تعالى عنها- قالت: مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في نسوة فسلم علينا وقال: إيّاكن وكفر المنعمين قال: لعلّ إحداكن أن تطول إقامتها بين أبويها، وتعنس فيرزقها الله- عز وجل- زوجا، ويرزقها منه مالا وولدا فتغضب الغضبة فراحت تقول: ما رأيت منه يوما خيرا قطّ وقال: مرّة خيرا قط. وروى الإمام الشافعي والشيخان والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن هند بنت عتبة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ فقال: «خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف» . وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال جاء رجل، فقال: يا رسول الله، عندي دينار، قال: «أنفقه على نفسك» ، قال: عندي آخر قال: «أنفقه على ولدك» ، قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على أهلك» . وروى الإمام أحمد عن رائطة امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنها- وكانت امرأة صناعا، وكانت تبيع وتصدق، فقالت لعبد الله يوما: لقد شغلتني أنت وولدك، فما أستطيع أن أتصدق معكم، فقال: ما أحب أن لم يكن في ذلك أجر أن تفعلي فسألا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لك أجر ما أنفقت عليهم» .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 53 وابن أبي شيبة 4/ 222 وعبد الرزاق (4924) والطحاوي في المعاني 3/ 31 وابن أبي عاصم 1/ 160 وأبو داود (2171) والترمذي (1136) . [ (2) ] أحمد 3/ 72 ومسلم في النكاح (129) (130، 131) .

التاسع عشر: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في"الطلاق""والخلع""والإيلاء""والظهار""واللعان""وإلحاق الولد""والعدة" وما يتعلق بذلك.

التاسع عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في «الطلاق» «والخلع» «والإيلاء» «والظّهار» «واللّعان» «وإلحاق الولد» «والعدة» وما يتعلق بذلك. روى أبو داود والترمذي والدارقطني عن عبد الله بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني طلّقت امرأتي البتّة وو الله، ما أردتّ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله، ما أردتّ إلا واحدة؟» فقال ركانة: والله، ما أردتّ إلا واحدة، فردّها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلّقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان. وروى الدارقطني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: طلّق بعض الأنصار امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أن أبانا طلّق أمّنا ألفا، فهل له من مخرج؟ فقال: «إنّ أباكم لم يتّق الله فيجعل له من أمره مخرجا، بانت منه بثلاث على غير السّنّة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثما في عنقه» وقال الدارقطني: رواته مجهولون، وضعفاء إلا شيخنا وابن عبد الباقي. وروى الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه طلق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر- رضي الله تعالى عنه- لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيّظ فيه، ثم قال: «ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر وإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسّها، فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق/ 1] أي قبل عدتهن. وروى الدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو، أن مولاه زوّجه، وهو يريد أن يفرق بينه وبين امرأته، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ثم قال: «ما بال قوم يزوّجون عبيدهم إماءهم ثم يريدون أن يفرقوا بينهم؟ ألا، إنّما يملك الطلاق من أخذ بالسّاق. وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي ذر والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال قال رجل: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى الطَّلاقُ مَرَّتانِ [البقرة/ 229] فأين الثالثة قال: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة/ 229] . وروى الشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله شهرا، فلمّا مضى تسعة وعشرون يوما- غدا عليهنّ أو راح- فقيل له: يا نبيّ الله، حلفت أن لا تدخل علينا شهرا، فقال: «إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما» .

وروى البيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا ... الحديث. وروى الترمذي والبيهقي والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظاهر من امرأته، فوقع عليها فقال: يا رسول الله، إني قد ظاهرت من زوجتي، فوقعت عليها قبل أن أكفّر، فقال: «وما حملك على ذلك، يرحمك الله» ؟ قال: رأيت خلخلها في ضوء القمر. قال: «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به» . وروى ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من الأنصار جاء فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا، فتكلم جلدتموه أو قال: قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألنّ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: لو أنّ رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قال: قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ، فقال: «اللهمّ افتح» وجعل يدعو، فنزلت آيتي اللعان: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [النور/ 6] هذه الآيات فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرّجل أربع شهادات بالله، إنّه لمن الصّادقين، ثمّ لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فذهبت لتلعن فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه» فأبت، فلعنت فلمّا أدبرا قال «لعلّها أن تجيء به أسود جعدا» فجاءت به أسود جعدا. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنّ رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ولد لي غلام أسود، وإنّي أنكرته؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل؟» قال: نعم، قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق؟» قال: إنّ فيها لورقا، قال: «فأنّى ترى ذلك جاءها؟» قال: عرق نزعها، قال: «ولعل هذا عرق نزعه» ! ولم يرخص له في الانتفاء منه. وروى الإمام أحمد عن مولى آل الزبير قال: إن بنت زمعة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبي زمعة مات، وترك أمّ ولد له وإنا كنّا نظنها برجل، وإنها ولدت فخرج ولدها يشبه الرجل الذي ظننّاها به، قال: فقال لها: «أما أنت فاحتجبي منه، فليس بأخيك وله الميراث» . وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، أن فلانا ابني عاهر بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر» . العاهر يعني الزاني والمعنى، أنه لا حظّ للزاني في الولد وإنّما هو لصاحب الفراش وهو الزوج أو السّيّد، ولها الحجر أي ترجم بالحجارة، أو ليس لها إلا الحجارة أي ليس له ولا لها

إلا الخيبة ولحوق الولد، وذكره صلى الله عليه وسلم للحجر استعارة عن الرجم. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن رافع بن سنان- رضي الله تعالى عنه- أنه أسلم، وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ابنتي، وهي فطيم أو شبهه وقال رافع: ابنتي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اقعد ناحية» وقال لها: «اقعدي ناحية» قال: وأقعد الصّبيّة بينهما، ثم قال: «ادعواها» فمالت الصّبيّة إلى أمّها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدها» فمالت الصّبيّة إلى أبيها فأخذها. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإنّ أباه طلقني وأراد أن ينتزعه منّي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت أحقّ به ما لم تنكحي» . وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس بن شمّاس اختلعت من زوجها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضة. وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي، فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت. وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذوات الأحمال قال: «أجلهنّ أن يضعن حملهنّ» . وروى مسلم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بامرأة مجحّ على باب فسطاط فقال: «لعلّه يريد أن يلمّ بها» فقالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره. كيف يورّثه وهو لا يحلّ له؟ كيف يستخدمه، وهو لا يحلّ له؟» . وتحجج بالجيم والحاء المهملة المشددة الحامل التي دنت ولادتها. وروى البيهقي عن الزبير- رضي الله تعالى عنه- أنه كان عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت له، وهي حامل إني أحب أن تطيب نفسي بتطليق ففعل، فذهب إلى المسجد فجاء وقد وضعت ما في بطنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما صنع، فقال: «بلغ الكتاب أجله، فاخطبها إلى نفسها» ، فقال خدعتني، خدعها الله. وروى مسلم عن سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس

أخبرته، أن أبا حفص بن المغيرة المخزوميّ طلّقها ثلاثا، ثم انطلق إلى اليمن، فقال لها أهله: ليس لك علينا نفقة، فانطلق خالد بن الوليد في نفر. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، فقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثا، فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليست لها نفقة، وعليها العدّة» وأرسل إليها «أن لا تسبقيني بنفسك» وأمرها أن تنتقل إلى أمّ شريك، ثم أرسل إليها «أن أمّ شريك يأتيها المهاجرون الأوّلون. فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى، فإنّك إذا وضعت خمارك، لم يرك» فانطلقت إليه. فلما مضت عدّتها أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة. وروى مسلم عن جابر بن عبد الله يقول: طلقت خالتي فأرادت أن تجدّ نخلها: فزجرها رجل أن تخرج. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «بلى فجدّي نخلك. فإنّك عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفا» . وروى البيهقي عن زينب بنت كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنهما- وكانت تحت سعيد أن أخته الفريعة بنت مالك كانت مع زوجها في قرية من قرى المدينة فتبع أعلاجا، فقتلوه فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فشكت الوحشة في منزله، وذكرت أنها في منزل ليس لها، واستأذنت أن تأتي منزل إخوتها بالمدينة، فأذن لها، ثم دعا أو دعيت له، فقال: «اسكني في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك حتّى يبلغ الكتاب أجله» . وروى الشيخان عن زينب بنت أبي سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أن ابنتي توفّي عنها زوّجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول» . وروى الشيخان والبيهقي عن زينب أنها سمعت أم سلمة وأم حبيبة تذكران أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنّ بنتا لها توفّي عنها زوجها، فاشتكت عينها، فهي تريد أن تكحلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة عند رأس الحول، وإنما هي أربعة أشهر وعشر» . وروى أبو داود عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت على عيني صبرا، فقال: «ما هذا يا أم سلمة؟» فقلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب، قال: «إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل

العشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود.

وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحناء، فإنه خضاب» ، قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: «بالسدر تغلفين به رأسك» . العشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود. روى الإمام أحمد عن مربد بن عبد الله عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآمر والقاتل قال: «قسمت النار سبعين جزءا فللآمر تسع وستون وللقاتل جزء وحسبه» . وروى الشيخان عن عدي بن الخيار قال: إن المقداد بن عمرو الكنديّ أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: «لا تقتله» فقال: يا رسول الله، إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» أي إباحة الدم، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم، فإذا أسلم فقتله أحد فإن قاتله مباح الدم. بحق القصاص، لأنه بمنزلته في الكفر. وروى النسائي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذا قتل أخي، قال: «اذهب، فاقتله كما قتل أخاك» ، فقال له الرجل: اتّق الله، واعف عني، فإنه أعظم لأجرك، وخير لك ولأخيك يوم القيامة، قال: «فخلّى عنه» ، قال: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره بما قال له قال: فأعنفه أما إنه كان خيرا مما هو صانع بك يوم القيامة يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني. وروى البيهقي عن ابن حارثة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا ضرب رجلا على ساعده. وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وزيد بن خالد الجهني قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: «إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها» . ثم بيعوها ولو بضفير. وروى الإمام أحمد عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحده وتركها. وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، طهّرني، فقال: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» ، قال:

فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهّرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله: «ممّ أطهّرك؟» قال: من الزنا، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، فقال: أزنيت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، فلبثوا يومين أو ثلاثة، ثمّ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «استغفروا لماعز بن مالك، لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» ، ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله، طهّرني، فقال: «ويحك ارجعي، فاستغفري الله وتوبي إليه» ، فقالت: تريد أن تردّني كما رددت ماعز بن مالك، إنها حبلى من الزنا! فقال: أنت؟ قالت: نعم، قال لها: حتى تضعي ما في بطنك، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: «إذن لا نرجمها، وندع ولدها صغيرا، ليس له من ترضعه؟» فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله، قال فرجمها» . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه-: يا رسول الله، أرأيت إن وجدتّ مع أهلي رجلا لم أمسّه حتّى آتي بأربعة شهود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم» قال: كلّا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسّيف قبل ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم. إنّه لغيور وأنا أغير منه. والله أغير مني» . وروى الشيخان عن سهل بن سعد، قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي- رضي الله تعالى عنه- فقال: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد أنزل القرآن فيك وفي صاحبتك، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه فلاعنها، ثم قال: يا رسول الله، أن حبستها فقد ظلمتها، فطّلقها فكانت سنّة لمن بعدهما في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج السّاقين، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنّه وحرة، فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمّه. وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فقال: يا رسول الله، اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال: صدق، اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرّجم، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فزعموا إن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام. فقال: والذي نفسي بيده، لأقضيّن بينكما بكتاب الله،

أمّا الغنم والوليدة فردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس، فاغد على امرأة هذا، فارجمها فغدا أنيس فرجمها. وروى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهما قد زنيا فقال: «ائتوني بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابني صوريا، فنشدهما كيف أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنّهم رأوا ذكره في فرجها، مثل الميل في المكحلة رجما، قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما؟» قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشّهود فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها، مثل الميل في المكحلة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما. وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا من بكر بن ليث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرّ بأنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة وكان بكرا، ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم فأقرّ أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة، وكان بكرا، ثم سأله البيّنة على المرأة، فقالت: كذب والله يا رسول الله، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ الفرية ثمانين. وروى الإمام أحمد عن أبي أمية المخزومي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلصّ فاعترف، ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخالك سرقت؟ قال: بلى، مرتين أو ثلاثا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقطعوه، ثم جاءوا به قال فقطعوه، ثم جاءوا به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل: أستغفر الله، وأتوب إليه قال: أستغفر الله، وأتوب إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهمّ، تب عليه. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن مسعود بن الأسود- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المخزومية التي سرقت قطيفة: يفديها يعني بأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تطهر خير لها، فأمر بها، فقطعت يدها، وهي من بني عبد الأسد. وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع يد السّارق، قال: لا تقطع في ثمرة معلّقة، فإذا ضمّه الجرين قطع في ثمن مجن ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا ضمها المراح قطعت في ثمن مجن. وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثّمر المعلّق؟ قال: من سرق شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع. وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: بينا أنا راقد إذ جاء سارق، فأخذ ثوبي فرفعناه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه، فقلت: يا

الحادي والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الأيمان والنذور.

رسول الله، أفي حميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال: فهلّا كان قبل أن تأتيني به. وروى أبو داود والنسائي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه اشتكى رجل حتى أضنى فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهشّ لها، فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت عليّ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضّرّ مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسّخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ، فيضربوه بها ضربة واحدة. وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن قوما قتلوا، فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، إن الذي تقول وتدعونا إليه حسن لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارة فأنزل الله عز وجل وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً [الفرقان/ 68] إلى آخر.. إلى فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان/ 70] قال يبدل الله شركهم إيمانا، وزناهم إحصانا ونزلت قُلْ: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر/ 53] الآية. الحادي والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الأيمان والنذور. روى الإمام أحمد والنسائي عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: حلفت باللات والعزّى فقال: أصحابي قد قلت هجرا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، واتفل عن يسارك ثلاثا، وتعوّذ بالله من الشيطان ثمّ لا تعد. وروى مسلم عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حقّ مسلم بيمينه، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النّار، قالوا: وإن كان شيئا يسيرا، قال: وإن كان قضيبا من أراك. وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه قال: أعتم رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله (فوجد الصّبية قد ناموا) فأتاه أهله بطعام فحلف لا يأكل من أجل الصّبية، ثم بدا له فأكل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها فليأتها، وليكفّر عن يمينه» . وروى النسائي عن أبي الأحوص الجشمي عن أبيه مالك بن نضلة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت ابن عمّ لي أتيته أسأله فلا يعطيني ولا يصلني، ثم يحتاج

إليّ فيأتيني، فيسألني وقد حلف أن لا أعطيه، ولا أصله؟ فأمرني أن آتي الذي هو خير، وأكفّر عن يميني. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سويد بن حنظلة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدوّ له فتحرّج الناس أن يحلفوا، وحلفت إنه أخي فخلى عنه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: أنت كنت أبرهم وأصدقهم، صدقت، المسلم أخو المسلم. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البينة، فلم تكن له بينة، فاستحلف المطلوب فحلف بالله تعالى الذي لا إله إلا هو ما فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد فعلت، لكن الله تعالى قد غفر لك بإخلاص قول لا إله إلا الله. وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظلّ ولا يتكلّم، ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروه فليتكلّم وليستظلّ وليقعد وليتمّ صومه» . وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما أو قال: ليلة في المسجد الحرام قال: أوف بنذرك. وروى ابن أبي شيبة عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: نذرت نذرا في الجاهلية فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت فأمرني أن أفي بنذري. وروى الشيخان والإمام أحمد والنسائي عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية غير معتمرة، فأمرتني أن أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال: مر أختك فلتركب، ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام. وروى البغوي وضعفه والإسماعيلي وابن قانع وأبو نعيم عن بشير الثقفي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني نذرت في الجاهلية نذرا أن لا آكل لحم الجزور ولا أشرب الخمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما لحوم الإبل فكلها وأما الخمر فلا تشرب» . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن أخت عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- نذرت أن تحج ماشية، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنها لا تطيق ذلك، فقال: إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب ولتهد بدنة. وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر،

الثاني والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصيد والذبائح.

وهو يخطب إلى أعرابي قائم في الشمس، قال: ما شأنك؟ قال: قد نذرت يا رسول الله أن لا أزال في الشمس حتّى تفرغ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هذا بنذر، إنما النّذر فيما ابتغي به وجه الله- عز وجل-. وروى عن ابن عمرو أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين مقرنين يمشيان إلى البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال القرآن؟ قالا: يا رسول الله، نذرنا بأن نمشي إلى البيت مقترنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا نذرا، فقطع قرانهما، قال سريج في حديثه: إنما النذر ما ابتغي به وجه الله- عز وجل-. وروى البيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ أمي توفّيت [.....] . وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدّفّ، قال: أوف بنذرك. الثاني والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الصّيد والذبائح. روى الشيخان والنسائي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنّا قوم نصيد بهذه الكلاب، فقال: إذا أرسلت كلبك المعلّم، فقتل فكل، وإذا أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، فقلت: أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر، قال: فلا تأكل، فإنّما سميت على كلبك، ولم تسمّ على كلب آخر. وروى الإمام أحمد والدارقطني عنه أنّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرمي بسهمي فأصيب، فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين، فقال: إذا قدرت عليه، وليس فيه أثر ولا خدش إلا رميتك، فكل، وإن وجدت فيه أثر غير رميتك فلا تأكله، أو قال: لا تطعمه، فإنّك لا تدري أنت فعلته أو غيرك، وإذا أرسلت كلبك، فأخذ، فأدركته فذكّه، وإن وجدته قد أخذ، ولم يأكل شيئا منه فكله، وإن وجدته قد قتله، فأكل منه فلا تأكل منه شيئا أو قال: لا تأكله، فإنّما أمسك على نفسه، قال عدي: فإنّي أرسل كلابي، وأذكر اسم الله، فتختلط بكلاب غيري، فيأخذن الصيد فيقتلنه، قال: لا تأكله، فإنّك لا تدري أكلابك قتلته، أو كلاب غيرك؟. وروى البخاري عن أبي ثعلبة الخشفي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلّم، وبكلبي المعلّم، فما يصلح لي؟ قال: أمّا ما ذكرت من آنية أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها، فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك

فذكرت اسم الله فكل، وما صدّت بكلبك المعلّم فذكرت اسم الله، فكل وما صدتّ بكلبك غير معلّم، فأدركت ذكاته فكل. وروى الترمذي والنسائي وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّيد فقال: إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله- عز وجل- فإن وجدته قد قتل فكل إلّا أن تجده قد وقع في ماء، ولا تدري الماء قتله أو سهمك. وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا ثعلبة الخشينيّ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي كلابا مكلبة، فأفتني في صيدها، فقال: إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك، فقال: يا رسول الله، ذكيّ وغير ذكيّ؟ قال: ذكيّ وغير ذكيّ، قال: وإن أكل منه؟ قال: وإن أكل منه، قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي، قال: كل ما أمسكت عليك قوسك، قال: ذكيّ وغير ذكيّ؟ قال: ذكي وغير ذكي، قال: وإن تغيّب عنّي؟ قال: وإن تغيّب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثر غير سهمك، قال: يا رسول الله، أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها، قال: إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء واطحنوا فيها. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أما تكون الذكاة إلّا في الحلق واللبة؟ قال: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك. وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن أمه أنلقيه، أم نأكله؟ قال: كلوه إن شئتم فإنّ ذكاته ذكاة أمّه. وروى الإمام الشافعي عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلنا: يا رسول الله، إنّا ملاقو العدو غدا، وليست معنا مدى أنذكّي باللّيط فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أنهر الدّم وذكر عليه اسم الله تعالى، فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر، فإن السّنّ عظم من الإنسان والظفر هذا من مدى الحبش» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن أحدنا أصاب صيدا، وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقّة العصا؟ فقال: أمرر الدّم بما شئت؟ واذكر اسم الله. وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن قوما قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتون باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليها، أم لم يذكروا، أنأكل منها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سمّوا الله وكلوا» وكانوا حديثي عهد بكفر. وروى الدارقطنيّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سأل رجل

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله على كل مسلم. وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام/ 121] إلى آخر الآية. وروى الترمذي عن خزيمة بن جزء- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: أو يأكل الضّبع أحد؟ وسألته عن أكل الذّئب، فقال: أو يأكل الذّئب أحد فيه خير. وروى ابن جرير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن الضب، فقال: لا أحلّه ولا أحرّمه. وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي واقد أن رجلا قال: يا رسول الله، أنا بأرض تصيبنا بها مخمصة فماذا يصلح لنا من الميتة؟ قال: إذا لم تصطبحوا، أو لم تغتبقوا ولم تحتفوا فشأنكم بها. وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخلت أنا، وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضّبّ، فقال خالد: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليّ. روي أيضا بلفظ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا آمر به ولا أنهي عنه، أو قال: لا أحله ولا أحرمه. وروى الترمذي وحسنه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله إنّي إذا أصبت اللّحم انتشرت للنّساء، وأخذتني شهوتي، فحرّمت عليّ اللّحم فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً [المائدة/ 87، 88] . وروى مسلم عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إلي وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثوما. فسألته: أحرام هو؟ قال: «لا ولكني أكرهه من أجل ريحه» . وروى الإمام أحمد عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها بصل فقال: كلوا وأبى أن يأكل، وقال: إني لست كمثلكم.

الثالث والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الأشربة، وما يحل منها وما يحرم.

وروى ابن ماجة عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السّمن والجبن والفراء فقال: الحلال ما أحل الله تعالى في كتابه، والحرام ما حرم الله تعالى في كتابه، وما سكت عنه فهو ما عفا عنه. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن قبيصة بن هلب عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وسأله رجل فقال: إن من الطّعام طعاما أتحرّج منه فقال: طعام لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النّصرانية. المضارعة المشابهة والمقاربة، وذلك أنه سأله على طعام النصارى، فكأنه أراد أن لا يحركنّ في نفسك شك، أن ما شبهت فيه النصارى حرام أو مكروه. وروى البخاري والترمذي عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا فما ترى فيه؟ فقال لنا: إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقّ الضّيف. وروى الترمذي عن عوف بن مالك الجشمي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن مررت برجل، فلم يقرني ولم يضفني، ثمّ مرّ بي بعد ذلك أقريه أم أجزيه؟ قال: بل أقره. وروى الإمامان مالك وأحمد عن رجل من ضمرة عن أبيه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، قال: لا أحبّ العقوق، وكأنّه كره الاسم، وقال: من ولد له مولود فأحبّ أن ينسك عنه، فليفعل. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: لا يحبّ الله تعالى العقوق، كأنه كره الاسم. وقال: «من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك عن الغلام شاتين مكافئتين، وعن الجارية شاة» وسئل عن الفرع قال: «والفرع حق وأن تتركوه حتّى يكون بكرا شغزبّا ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه، فيلزق لحمه بوبره، وتكفئ إناءك وتولّه ناقتك» . الثالث والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الأشربة، وما يحل منها وما يحرم. روى الطبراني والترمذي عن أبي المثنى الجهني قال: كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد، فقال له مروان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال أهرقها قال: فإني لا أروي من نفس واحد؟ قال: فأبن القدح إذن عن فيك.

وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه، فقال: كلّ شراب أسكر فهو حرام. البتع- بكسر الموحدة وسكون المثناة الفوقية- شراب يتخذ من العسل وفتحها لغة يمنية. وروى الشيخان عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذا إلى اليمن فقال ادعوا النّاس فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشّعير المزر، وشراب من العسل: البتع. فقال: كل مسكر حرام، فانطلقنا، فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائما وقاعدا وعلى راحلتي، وأتفوّقه تفوّقا. قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب راحلتي، وأتفوّقه تفوّقا. قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، وضربا فسطاطا فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى، فإذا رجل موثق فقال: ما هذا؟ فقال: أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد فقال معاذ: لأضربن عنقه. (جوامع الكلم: أراد بجوامع الكلم الإيجاز والبلاغة، فتكون ألفاظه قليلة ومعاني كلامه كثيرة، وكذلك كانت ألفاظه صلى الله عليه وسلم) [ (1) ] . روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أنّ رجلا قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يقال له المزر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو مسكر هو؟» قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام، إن على الله- عز وجل- عهدا، لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النّار، أو عصارة أهل النار» . وروى الإمام أحمد عن طلق بن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء عبد القيس فقال: ما لكم قد اصفرّت ألوانكم وعظمت بطونكم، وظهرت عروقكم قالوا: أتاك سيدنا، فسألك عن شراب كان لنا موافقا، فنهيته عنه وكنّا بأرض وبيئة وخمة، قال: فاشربوا ما بدا لكم [ (2) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم والبيهقي عن طارق بن سويد- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول إن بأرضنا أعنابا نعتصرها، فنشرب منها قال: لا فعاودته فقال لا، فقلت إنا نستشفي بها للمريض، فقال: إن ذاك ليس شفاء ولكنه داء.

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] لم أجده في المسند ولكن أخرجه الطبراني كما في المجمع 5/ 68 وفيه عجيبة بن عبد الحميد قال الذهبي لا يكاد يعرف وبقية رجاله ثقات.

الرابع والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الإمارة وما يتعلق بها.

وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر أتتّخذ خلّا قال: لا. وروى الإمام أحمد عنه أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال: أهرقها، قال: أفلا نجعلها خلّا؟ قال: لا. وروى الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال جاء قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا ننبذ النبيذ، فنشربه على غذائنا وعشائنا، قال: اشربوا، وكلّ مسكر حرام، فقالوا: يا رسول الله، إنا نكسره بالماء، فقال: «حرام قليل ما أسكر كثيره» . وروى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن فيروز الدّيلمي عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنا أصحاب أعناب وكرم، وقد نزل تحريم الخمر، فما نصنع بها قال: تتخذونه زبيبا قال فنصنع بالزبيب ماذا؟ قال: تنفقونه على غذائكم وتشربونه على عشائكم، وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غذائكم قال: قلت: يا رسول الله، نحن من قد علمت، ونحن نزول بين ظهراني من قد علمت فمن ولينا، قال: الله ورسوله قال: قلت: حسبي يا رسول الله. الرابع والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الإمارة وما يتعلق بها. وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب، وتلين لهم الجلود ويكون عليكم أمراء تشمئزّ منهم القلوب، وتقشعر منهم الجلود، قالوا: أفلا نقتلهم؟ قال: لا ما أقاموا الصلاة. وروى مسلم عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خيار أئمتكم الذّين تحبّونهم ويحبونكم وتصلّون عليهم، ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصّلاة إلا ما أقاموا فيكم الصلاة! ألا من ولّي عليه وال، فرآه يأتى شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة الله. وروى مسلم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، من كره فقد برئ، ومن أنكر، فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوا. أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه. وروى الترمذي عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ورجل سأله فقال: أرأيت إن قامت علينا أمراء يمنعوننا حقّنا، يسألوننا حقّهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم.

الخامس والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزو وما يتعلق بذلك.

وروى الإمام أحمد والبخاري عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّما ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: أدّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، متى ندع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: إذا ظهر فيكم مثل، ما ظهر في بني إسرائيل، قلنا: يا رسول الله، وما ظهر في بني إسرائيل؟ قال: إذا كانت الفاحشة في كبارهم، والملك في صغارهم والعلم في رذالتكم ولفظ أبي يعلى- رحمه الله تعالى- إذا ظهر الادّهان في خياركم والفاحشة في أشراركم، وتحول الملك في صغاركم والفقه في رذالكم. الخامس والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الجهاد والغزو وما يتعلق بذلك. روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، دلّني على عمل يعدل الجهاد قال: لا أجده، ثم قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم، ولا تفطر، فقال: ومن يستطيع ذلك؟ قال: أبو هريرة، إنّ فرس المجاهد ليستنّ في طوله، فيكتب له حسنات. وروى البخاري عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟ قال: أن يجاهد الرّجل نفسه وهواه [ (1) ] . وروى الشيخان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيّ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله تعالى. وروى الشيخان وأبو داود والترمذي وأبو سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيّ النّاس أفضل؟ قال: مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشّعاب يتقي الله ويدع الناس من شره. وروى أبو داود الطيالسي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده قبص من الناس، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير عند الله منزلة يوم القيامة بعد أنبيائه وأصفيائه؟ قال: المجاهد في سبيل الله بنفسه، وماله حتى يأتيه دعوة الله، وهو على متن فرسه آخذا بعنانه فقال: ثم من؟ قال: امرؤ بناحية أحسن عبادة الله تعالى، وترك

_ [ (1) ] لم أجده في مظانه من الصحيح.

الناس من شره، قال: يا رسول الله، فأيّ النّاس شرّ منزلة عند الله تعالى يوم القيامة؟ قال: المشرك، قال: ثم من؟ قال: إمام جائر يحول عن الحق، وقد بان له، وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألغين، فقال اسألوني ولا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به، فقلت: رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبك نبيّا وحسبنا ما أتانا فسرّي عنه. روى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب النّاس فذكر الإيمان بالله تعالى، والجهاد في سبيل الله من أفضل عند الله قال: فقام رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله مقبلا غير مدبر كفّر الله عني خطاياي؟ قال: نعم، إلّا الدّين فإنّ جبريل سارّني بذلك. وروى النسائي عن أبي بن سعد- رضي الله تعالى عنه- عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلّا الشّهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. وروى الإمام أحمد عن نعيم بن همار وقيل: هباء وقيل غير ذلك- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الشّهداء أفضل؟ قال: الذين إن يلقوا في الصّف يلفتوا وجوههم، حتّى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلى من الجنة ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدّنيا فلا حساب عليه. وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حميّة، ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله تعالى هي العليا، فهو في سبيل الله. وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله تعالى، وهو يبتغي عرضا من عرض الدّنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أجر له» فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعلّك لم تفهمه فقال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من عرض الدنيا قال: «لا أجر له» فقال للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: له الثالثة فقال له: «لا أجر له» . وروى النسائي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذّكر ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، وابتغي به وجهه.

السادس والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الحب في الله تعالى والتضحية ومخالطة الناس.

وروى الإمام أحمد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله تغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميزان، فأنزل الله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [النساء/ 32] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تعدّون الشّهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: «إن شهداء أمتي إذا لقليل» قالوا: فمن هم؟ يا رسول الله، قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد» . قال ابن مقسم: أشهد على أبيك في هذا الحديث، أنه قال: «والغريق شهيد» . السادس والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الحبّ في الله تعالى والتضحية ومخالطة الناس. وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون أي الأعمال أحبّ إلى الله تعالى؟ قال قائل: الصّلاة والزّكاة، وقال قائل: الجهاد، قال: إنّ أحب الأعمال إلى الله- عز وجل- الحبّ في الله والبغض في الله. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يحب القوم، ولا يستطيع أن يعمل بأعمالهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت، قال: قلت: فإني أحبّ الله ورسوله، فقال: إنّك مع من أحببت يعيدها مرتين. وروى الشيخان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوما، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحبّ. وروى الترمذي وصحّحه عن صفوان بن عسال- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي جهوري الصّوت، فقال: يا محمد، الرجل يحبّ القوم، ولم يلحق بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحبّ. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا في المسجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرّ رجل فقال رجل من القوم: يا رسول الله، إني أحب هذا، قال: هل أعلمته بذلك؟ قال: لا، قال: قم، فأعلمه، فقام إليه، فقال: يا هذا، والله إنّي لأحبّك في الله قال: أحبّك الذي أحببتني له.

وروى العسكري في الأمثال عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال قيل: يا رسول الله، من نجالس؟ وأي جلسائنا خير؟ قال: من ذكركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكّركم بالآخرة عمله [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة تذكر من كثرة صيامها وصلاتها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها. قال: هي في النار، قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها، وإنها تصدّق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي بلسانها، قال: هي في الجنة. وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله لي جارات فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا. وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة بنت الحارث فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فدخل علينا، فقال: احتجبا فقلنا: يا رسول الله، أليس أعمى لا يبصر، ولا يعرفنا؟ قال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه. وروى مسلم عن جرير- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فقال: اصرف بصرك. وروى الإمام أحمد عن أبي شريح بن عمرو الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس على الصعدات، فمن جلس منكم على الصّعيد فليعله حقّه، قلنا: يا رسول الله، وما حقّه؟ قال: غضّ البصر، وأداء التحية، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر [ (2) ] . وروى الشيخان عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بدّ نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقّه؟ قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وروى أبو داود والحاكم والبزار والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله، ما بدّ لنا من مجالسنا، نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقّ الطريق يا

_ [ (1) ] انظر المجمع 10/ 226 والمطالب (2773) (3233) والترغيب 1/ 112 والدر المنثور 3/ 310. [ (2) ] ضعيف انظر المجمع 8/ 64.

رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. زاد وفي رواية «وإرشاد السبيل» وفي رواية «وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضالّ» فهذه ثمانية آداب. وزاد في حديث الحاكم- رحمه الله تعالى- «وتشميت العاطس إذا حمد» . وفي حديث البزّار «وأعينوا على الحمولة» . وفي حديث الطبراني وأعينوا المظلوم، واذكروا الله كثيرا فتحصل من ذلك ثلاثة عشر أدبا، وقد جمعها الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في قوله: جمعت آداب من رام الجلوس على الطّر ... يق من قول خير الخلق إنسانا أفش السّلام وأحسن في الكلام تفز ... وشمّت العاطس الحمّاد إيمانا في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان ردّ سلاما واهد حيرانا وأمر بعرف إنه عن نكر وكفّ أذى ... وغضّ طرفا وأكثر ذكر مولانا وروي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك، وفي رواية أمّك، ثم أمّك ثم أبوك ثم أدناك فأدناك. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك، قال: ثم من؟ قال الأدنى فالأدنى. وروى أبو داود والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والبيهقي عن كليب بن منفعة عن جدّه بكر بن الحارث الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمك وأبوك وأختك وأخوك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة. وروى أبو داود والشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا رسول الله، ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة؟ إنما هم بنيّ. فقال: أنفقي عليهم فلك أجر ما أنفقت عليهم [ (1) ] . وروى أبو داود عن معاوية بن حيدة، قال: قلت: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك ثم الأقرب فالأقرب.

_ [ (1) ] سقط في أ.

وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل، فقال: يا رسول الله، أن لي مالا وولدا، وإنّ أبي يحتاج مالي، فقال: أنت ومالك لوالدك وإن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم. وروى الإمام الشافعي مرسلا عن محمد بن المنكدر أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي عيالا، وإن لأبي مالا وعيالا، وإنه يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك. وروى مسلم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله- تعالى- فقال: هل من والديك أحد حيّ؟ فقال: نعم كلاهما حيّ، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما. وروى البيهقي عن معاوية بن جاهمة السّلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله تعالى، والدار والآخرة قال: ويحك أحيّة أمك؟ قال نعم، يا رسول الله، قال: «ويحك! الزم رجلها، فثمّ الجنة» . وروى الشيخان وأبو داود عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- قال: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ، وهي راغبة، أفأصلها قال: نعم، صليها. وروى الإمام أحمد عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، هل بقي عليّ من برّ أبويّ شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم، خصال أربعة، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما. وروى ابن ماجه عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، ما حق الوالد على الوالد؟ قال: هما جنتك ونارك يعني يوصيه بالإحسان إليهما، وكفّ الإساءة عنهما، فإنه إذا أحسن إليهما دخل الجنة، وإن أساء إليهما دخل النار. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام أصل، ويقطعون وأعفو ويظلمون وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: لا إذن تتركون جميعا ولكن خذ الفضل، وصلهم، فإنّه لن يزال معك ظهير من الله- عز وجل- ما كنت على ذلك.

وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وروى ابن ماجة وأبو داود عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حقّ الزوجة على الزّوج؟ قال: يطعمها إذا طعم ويكسيها إذا اكتسى؟ ولا يضرب لها وجها، ولا يقبّح ولا يهجر البيت. وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رأيت من ناقصات عقل ولا دين أغلب لذي لبّ منكنّ قالت: وما نقصان الدين والعقل؟ قال أما نقصان العقل: فشهادة امرأتين شهادة رجل، وأمّا نقصان الدّين فإنّ إحداكنّ تفطر رمضان وتقيم أيّاما لا تصلّي. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصّبح يوما، فأتى النساء في المسجد، فوقف عليهن فقال: يا معشر النساء، ما رأيت من نواقص عقل ولا دين أذهب لقلوب ذوي الألباب منكن، وإني قد رأيتكنّ أكثر أهل النّار يوم القيامة فتقرّبن إلى الله ما استطعتنّ وكان في النساء امرأة عبد الله ابن مسعود فأتت إلى عبد الله بن مسعود، فأخبرته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت حليّا لها، فقال ابن مسعود: فأين تذهبين؟ فقالت: أتقرّب به إلى الله- عز وجلّ- ورسوله، لعلّ الله لا يجعلني من أهل النار، فقال: ويلك، هلمي فتصدقي به عليّ، وعلى ولدي، فإنا له موضع، فقالت: لا، والله، حتى أذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت تستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هذه زينب، تستأذن يا رسول الله، فقال: أيّ الزّيانب هي؟ فقالوا: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال: ائذنوا لها، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني سمعت منك مقالة، فرجعت إلى ابن مسعود، فحدّثته، وأخذت حليّا أتقرب به إلى الله وإليك، رجاء أن لا يجعلني الله من أهل النار، فقال لي ابن مسعود: تصدّقي به عليّ وعلى ولدي، فأنا له موضع، فقلت: حتى أستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدّقي به عليه وعلى بنيه، فإنهم له موضع، ثم قالت: يا رسول الله، ما سمعت منك حين وقفت علينا ما رأيت من نواقص العقول قطّ ولا دين أذهب بقلوب ذوي الألباب منكن، قالت: يا رسول الله، فما نقصان ديننا وعقولنا، فقال: أما ما ذكرت من نقصان دينكم فالحيضة التي تمكث إحداكنّ ما يشاء الله أن تمكث لا تصلي ولا تصوم فذلك من نقصان دينكن، وأمّا ما ذكرت من نقصان عقولكن وشهادتكن إنّما شهادة المرأة على نصف شهادة الرجل.

السابع والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في المرض والطب وما يتعلق بهما.

وروى الإمام مالك عن عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى- أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أستأذن على أمي؟ قال: نعم، فقال الرجل إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها فقال الرجل: إني أخدمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة» قال: لا، قال: «فاستأذن عليها» . وروى ابن ماجه عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السّلام فما الاستئذان؟ قال: يتكلّم الرّجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح، ويؤذن أهل البيت. وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وابن حبان، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أشرف من الآخر، فعطس الشريف، فلم يحمد الله تعالى، فلم يشمته وعطس الآخر، فحمد الله، فشمته النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشريف: عطست عندك، فلم تشمتني، وعطس هذا فشمّته؟ فقال: إن هذا ذكر الله- عز وجل- فذكرته، وأنت نسيت الله تعالى فنسيتك. وروى الشيخان أبو داود والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشمّت أحدهما، ولم يشمّت الآخر، فقيل له فقال: هذا حمد الله تعالى، وهذا لم يحمد الله تعالى. وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قل: الحمد لله، قال القوم: ما نقول له يا رسول الله؟ قال: قولوا له: يرحمك الله، قال: ما أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قل لهم: يهديكم الله، ويصلح بالكم والله تعالى أعلم. السابع والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في المرض والطب وما يتعلّق بهما. روى الإمام أحمد والترمذي عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أشدّ بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون. وروى الحكيم الترمذي والطبراني في الكبير عن سرّاء بنت نبهان الغنوية- رضي الله تعالى عنها-: سأل غلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الحيات ما نقتله منها؟ قالت: فسمعته يقول اقتلوا الحيّات صغيرها وكبيرها أبيضها وأسودها، فإن من قتلها من أمتي كانت له فداء من النّار، ومن قتلته كان شهيدا.

وروى أبو داود والطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيّات البيوت، فقال: إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم، فقولوا: أنشدكنّ العهد الذي أخذ عليكن نوح أنشدكنّ العهد الذي أخذ عليكن سليمان، أن لا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن. وروى البيهقي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وعك، فوضعت يدي [ (1) ] فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قال: فقلت: ذلك، أن لك أجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل» ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض، فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» . وروى الإمام أحمد عن زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا؟ قال كفارات قال أبي: وإن قلّت؟ قال: وإن شوكة فما فوقها، قال: فدعا أبي على نفسه ألا يفارقه الوعك حتى يموت في أن لا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله ولا صلاة مكتوبة في جماعة فما مسّه إنسان إلّا وجد حرّه حتى مات. وروى الطبراني في الأوسط وقال: حسن، وابن عساكر عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما جزاء الحمّى؟ قال تجدي الحسنات على صاحبها، ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق، فقال أبي: - رضي الله تعالى عنه- اللهم، إنّي أسألك حمّى لا تمنعني خروجا في سبيلك، ولا خروجا إلى بيتك، ولا إلى مسجد نبيك. وروى الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به جرح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي طبيب بني فلان، قال: فدعوه فجاءه، فقالوا: يا رسول الله، أو يغني الدواء شيئا فقال: سبحان الله، وهل أنزل الله تبارك وتعالى من داء في الأرض ألا جعل له شفاء. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن أبي خزامة عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به؟ ورقى نسترقي بها، واتّقاء نتقيها هل يردّ ذلك من قدر الله من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّه من قدر الله.

_ [ (1) ] سقط في أ.

وروى الشيخان والترمذي عن وائل بن حجر أنّ طارق بن سويد الجعفي- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء. وروى مسلم عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك» . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقية الحية لبني عمرو بن حزم، قال أبو الزبير: فسمعت جابرا- رضي الله تعالى عنه- يقول: لدغت رجلا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟ قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل، ورواه الإمام أحمد بلفظ كان خالي يرقى من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرّقى فأتاه فقال: يا رسول الله، إنّك نهيت عن الرّقى، وإني أرقي من العقرب، فقال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عبيد الله بن رفاعة الزرقي- رضي الله تعالى عنه- أنّ أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا رسول الله، إن ولد جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ قال: نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين. وروى الإمام مالك عن حميد بن قبيس قال: دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب، فقال لحاضنتهما: مالي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما: يا رسول الله، إنّه تسرع إليهما العين. ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنّا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النّشرة، فقال: هي من عمل الشيطان النّشرة حل السّحر للمسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السّحر، وقد قال الحسن- رضي الله تعالى عنه-: لا يطلق السّحر إلا ساحر، فلا يجوز فعل ذلك وقد بسطت الكلام على ذلك في موضعه فيما تقدّم. وروى ابن أبي شيبة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام، كأن رأسي قطع فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدّثنّ به الناس. وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن

الطّاعون، فقال: كان عذابا يبعثه الله على من كان قبلكم، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد، يكون فيه ويمكث فيه، لا يخرج من البلد صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه، إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد. وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، عندنا أرض يقال لها أبين، وهي أرض رفقتنا وميراثنا وإنها وبئة أو قال: إنّ بها وباء شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها عنك فإنّ القرف التلف. وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة. وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة. وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل قال: قيل: وما الفأل قال: الكلمة الطيبة. وروى ابن عساكر عن النعمان بن الرازية- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله إنّا كنّا نتغاول في الجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام فما تأمرنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفى الإسلام أحد من يتغوّل ولكن لا يمنعنّ أحدكم من سفر الفأل، هو مثل أن يكون مريضا فيسمع آخر يقول: يا سالم أو يكون طالب ضالة فيسمع يا واجد فيستبشر بذلك الكلام، فالفأل ترجى الخيرة، والطيرة ترجى الشر ووقوعه. وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة ولا هامّة، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت البعير يكون فيه الجرب فتجرب به الإبل؟ قال: ذلك القدر فمن أجرب الأول. وروي ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، النقبة تكون بمشفر البعير أو بعجمه فتشمل الإبل كلّها جربا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما أعدى الأوّل ثم قال: لا عدوى ولا هامّة ولا صفر، خلق الله تعالى كلّ نفس فكتب حياتها ومصيباتها ورزقها. وروى الإمام مالك مرسلا عن يحيى بن سعيد الأنصاري- رحمه الله تعالى- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: دار سكنّاها والعدد كثير والمال كثير وافر فقلّ العدد، وذهب المال فقال: دعوها ذميمة.

الثامن والعشرون: في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الرقاق، وما يلتحق بها وغير ذلك.

وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ردّته الطّيرة عن حاجته، فقد أشرك قالوا: يا رسول الله ما كفّارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللهم، لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، والله تعالى أعلم. الثامن والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الرّقاق، وما يلتحق بها وغير ذلك. روى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أمّ؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرّها. وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين، ثمّ ندم فجاء قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هل له من توبة؟ فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ [آل عمران/ 86] إلى قوله تعالى «غَفُورٌ رَحِيمٌ» فأرسل إليه، فأسلم. وروى ابن أبي الدنيا في التوبة عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل كم للمؤمنين من ستر؟ قال: هي أكثر من أن يحصى، ولكن المؤمن إذا عمل خطيئة هتك منها سترا، فإذا تاب رجع إليه ذلك السّتر وتسعة معه، وإذا لم يتب هتك عنه منها ستر واحد حتى إذا لم يبق عليه منها شيء قال الله تعالى لمن يشاء من ملائكته: إنّ بني آدم يعيرون ولا يغفرون، فحفوه بأجنحتكم، فيفعلون به ذلك، فإن تاب رجعت إليه الأستار كلها، وإن لم يتب عجبت منه الملائكة، فيقول الله لهم، أسلموه، فيسلموه حتى لا يستر منه عورة. وروى الطبراني والبزار عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، أحدنا يذنب قال: يكتب عليه، قال: ثمّ يستغفر منه، ويتوب، قال: يغفر له، ويتاب عليه، قال: فيعود فيذنب، قال: فيكتب عليه قال ثم يستغفر منه ويتوب. قال: يغفر له ويتاب عليه ولا يملّ الله حتّى تملّوا. وروى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا؟ فقال رجل من أشراف الناس: هذا- والله حريّ- إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرّ رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا.

وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: انظر أرفع رجل في المسجد، قال: فنظرت فإذا رجل عليه حلّة، قال: قلت هذا، قال: انظر أوضع رجل في المسجد، قال: فنظرت فإذا رجل عليه أخلاق، قال: قلت: هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهذا عند الله أخير يوم القيامة من ملء الأرض من مثل هذا. وروى الترمذي عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا نزلت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة/ 34] قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره. فقال بعض أصحابه: أنزل في الذّهب والفضّة ما أنزل، لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. وروى ابن النجار عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما يكفيني من الدّنيا، قال: ما سدّ جوعتك ووارى عورتك، فإن كان لك بيت يظلّك فذاك وإن كانت لك دابة تركبها فبخ. وروى الترمذي وقال: حسن وابن أبي الدنيا في العزلة والبيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: أملك عليك لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك. وروى أبو نعيم عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جدّه إن رجلا من الأنصار، قال: يا رسول الله أوصني وأوجز قال: عليك بالإياس مما في أيدي الناس، وإيّاك والطّمع، فإنّه فقر حاضر، وصلّ صلاتك، وأنت مودّع، وإياك وما تعتذر منه. وروى ابن ماجة بسند حسن عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته أحبّني الله، وأحبّني الناس، قال: ازهد في الدّنيا يحبّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبّك الناس. وروى أبو نعيم وابن عساكر عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل في الجنّة خيل؟ قال: إن يدخلك الله الجنّة فلا تشأ أن تركب على فرس من ياقوتة حمراء، يطير بك في الجنّة، حيث شئت، فجاء رجل آخر، فقال: يا رسول الله، هل في الجنّة إبل؟ فلم يقل: له مثل الذي قال لصاحبه، قال: إن يدخلك الله الجنّة يكن لك فيها، ما اشتهت نفسك ولذّت عينك. وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبي للغرباء، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل من ناس سوء كثير من بعصيهم أكثر ممن يطيعهم.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلعت الشّمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي ناس من أمتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس، قلنا: من أولئك يا رسول الله؟ فقال: فقراء المهاجرين الذين تتّقى بهم المكاره يموت أحدهم، وحاجته في صدره يحشرون من أقطار الأرض. وروى الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع مصعب بن عمير ما عليه إلّا بردة له مرقوعة بفرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو اليوم فيه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلّة، وراح في حلّة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منّا اليوم نتفرغ للعبادة، ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأنتم اليوم خير منكم يومئذ. وروى الترمذي وابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول الله، مالنا إذا كنّا عندك رقّت قلوبنا، وزهدنا في الدنيا، ورغبنا في الآخرة، فقال: لو تكونون على الحال التي تكونون عندي لزارتكم الملائكة، ولصافحتكم في الطّرقات، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون حتى تبلغ خطاياهم عنان السّماء، فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم على ما كان منهم ولا يبالي. وروى الترمذي واستغربه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة واجتهاد وذكر آخر بورعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعدل بالرّعة. وروي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: إنما أخاف عليكم بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها فقال رجل: أو يأتي الخير بالشّرّ فسكت، فقيل له: ما شأنك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلّمك، ورأينا أنّه ينزل عليه، فأفاق يمسح عن الرّحضاء، فقال: أين السّائل، وكأنّه حمده، فقال: إنه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الربيع ما يقتل أو يسلم الأكلة الخضر فإنها أكلت حتى امتلأت خاصرتها، ثم استقبلت عين الشمس فبالت وتلطّت وارتعت، وإنّ هذا المال خضر حلو، ونعم مال المسلم هو لمن أعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنّه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة. وروى الترمذي واستغربه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكّل.

وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب صدوق اللّسان» . قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد» . وروى ابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن أبا ريحانة قال: يا رسول الله، إني لأحب الجمال، حتى إني أجعله في شراك نعلي وعلاق سوطي أفمن الكبر ذاك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحبّ الجمال ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده. وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله، قال: فأيّ الناس شرّ؟ قال: من طال عمره وساء عمله. وروى ابن ماجه عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف آية لو أخذتم بها لكفتكم، قالوا: يا رسول الله، أيّ آية؟ قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق/ 2] . وروى مسلم وأبو داود عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الدّين النّصيحة، زاد أبو داود: الدّين النّصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم. وروى الترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون/ 60] هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: لا، يا بنت الصديق، ولكن هم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات. وروى سعيد وابن أبي شيبة عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأنبياء أوّل؟ قال: آدم قلت: أو كان نبيّا؟ قال: نعم، نبي مكلّم قلت: فكم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر. وروى الإمام أحمد، والترمذي والبخاري في التاريخ عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حقّ الحياء، فإن الله تعالى قسّم بينكم أخلاقكم، كما قسّم بينكم أرزاقكم. وروى الإمام أحمد والترمذي، وقال: غريب والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب

عن ابن مسعود والخرائطي في مكارم الأخلاق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله حقّ الحياء قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي، والحمد لله، قال: ليس من استحيا من الله حق الحياء ذلك ولكن الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء. وروى الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن الحكم بن عمير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله حقّ الحياء، احفظوا الرّأس وما حوى، والبطن وما وعى، واذكروا الموت والبلى فمن فعل ذلك، ثوابه جنّة المأوى. وروى الطحاوي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا، فإنّ الله لا يستحي من الحق. وروى الإمام أحمد عن أسامة بن شريك- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنده، وعليهم السّكينة كأنّما على رؤوسهم الطّير، فسلّمت ثمّ قعدت فجاءت الأعراب من هاهنا، ومن هاهنا يسألونه، فقالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي النّاس؟ قال: حسن الخلق. وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل، وهو يقول: اللهم، إنّي أسألك الصّبر، قال: سألت البلاء فسل الله تعالى العافية ومرّ برجل، وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام، قال: قد استجيب لك فسل. وروى الإمام أحمد عن محمود بن لبيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر، قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرّياء، يقول الله- عز وجل- لهم يوم القيامة إذا جزي النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟. وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا ذات يوم، فقال: أيّها الناس، اتّقوا هذا الشّرك، فإنه أخفى من دبيب النمل قالوا: وكيف نتّقيه، يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم، إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. وروي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فجلست فقال: يا أبا ذر، هل صليت، فقلت: لا، قال: قم، فصلّ قال: فقمت،

الباب التاسع والعشرون: في بعض فتاويه - صلى الله عليه وسلم - في التفسير:

فصليت، ثم جلست، فقال: يا أباذر، تعوّذ بالله من شر شياطين الأنس والجن، قال: قلت: يا رسول الله، أو للإنس شياطين؟ قال: نعم، قلت: يا رسول الله، الصّلاة، قال: خير موضوع من شاء أقلّ، ومن شاء أكثر، قال: قلت: يا رسول الله، فالصّوم؟ قال: فرض مجزيّ وعند الله مزيد، قال: قلت: يا رسول الله، الصّدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة قال: قلت، فأيّها أفضل؟ قال: جهد من مقلّ أو سر إلى فقير، قلت: يا رسول الله، أيّ الأنبياء كان أوّل؟ قال: آدم، قلت: يا رسول الله، ونبيّا كان؟ قال: نعم، نبيّ مكلّم، قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جمّا غفيرا أو قال مرة خمسة عشر، قلت: يا رسول الله، آدم نبي، قال: نعم، مكلّم قال: قلت: يا رسول الله، أيما أنزل عليك أعظم، قال: آية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة/ 255] . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث، أوّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث: أسعد النّاس بشفاعتي من قال «لا إله إلا الله» مخلصا من قلبه أو نفسه. الباب التاسع والعشرون: في بعض فتاويه- صلّى الله عليه وسلم- في التّفسير: أخرج ابن مردويه عن أبي ذرّ: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم، قال: اليهود، قلت: الضالين؟ قال: النصارى. وأخرج ابن مردويه والحاكم في مستدركه وصححه من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ... [البقرة/ 25] قال: «من الحيض والغائط، والنخامة والبزاق» . وأخرج الطبراني وغيره عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، وعفّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم» . وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا [النساء/ 3] قال: ألّا تجوروا، وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف. وأخرج أبو الشيخ في الفرائض عن البراء سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فقال: ما عدا الولد والوالد.

وأخرج الحاكم، وصححه عن عياض الأشعري قال: لما نزلت فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة/ 54] . وأخرج أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام/ 82] شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه! قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13] ! إنما هو الشرك. وأخرج ابن أبي حاتم وغيره بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام/ 103] ، قال: لو أنّ الجنّ والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا، صفّوا صفا واحدا، ما أحاطوا بالله أبدا. أخرج ابن مردويه وغيره بسند ضعيف، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف/ 31] قال: «صلوا في نعالكم» له شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي الشيخ. وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر العبد الكافر إذا قبضت روحه، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ [الأعراف/ 40] ، فيقول الله: اكتبوا كتابه في سجّين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ [الحج/ 31] . وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال: «أولئك أصحاب الأعراف» له شواهد. وأخرج الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور وغيرهم، عن عبد الرحمن المزني، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، فقال: «هم أناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم، ومنعهم من النار قتلهم في سبيل الله» . له شاهد من حديث أبي هريرة عند البيهقي، ومن حديث أبي سعيد عند الطبراني. وأخرج البيهقي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا أنهم مؤمنو الجن. وأخرج ابن جرير عن عائشة، قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطوفان الموت» . وأخرج أحمد والترمذي والحاكم- وصححه عن أنس- أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فَلَمَّا تَجَلَّى

رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف/ 143] ، قال: هكذا، وأشار بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمني، فساخ الجبل، وخرّ موسى صعقاً. وأخرج أبو الشيخ بلفظ «وأشار بالخنصر، فمن نورها جعله دكا» . وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة، كان طول اللوح اثني عشر ذراعا» . وأخرج أحمد والنسائي والحاكم- وصححه عن ابن عباس- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة» ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرّاها فنشرها بين يديه، ثم كلمهم، فقال: «ألست بربّكم؟» قالوا بلى. أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ [الأنفال/ 26] ، قيل: يا رسول الله، ومن الناس؟ قال: «أهل فارس» . وأخرج الترمذي- وضعّفه- عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنزل الله عليّ أمانين لأمتي: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال/ 33] ، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» . وأخرج مسلم وغيره عن عقبه بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وهو على المنبر: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال/ 60] ، إلا وإنّ القوة الرمي. أخرج مسلم عن صهيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] الحسنى الجنة، والزيادة النّظر إلى ربهم. وفي الباب عن أبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وكعب بن عجرة وأنس وأبي هريرة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا [يونس/ 26] قال: شهادة أن لا إله إلا الله، الحسنى: الجنة، وزيادة النظر إلى الله تعالى. وأخرج أبو الشيخ وغيره عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ [يونس/ 58] ، قال: القرآن، وَبِرَحْمَتِهِ، أن جعلكم من أهله. أخرج ابن مردويه بسند ضعيف، عن ابن عمر، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود/ 7] ، فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: «أيّكم أحسن عملا، وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله تعالى، وأعملكم بطاعة الله تعالى» .

وأخرج الطبراني بسند ضعيف، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لم أر شيئا أحسن طلبا، ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لسيّئة قديمة، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود/ 114] . وأخرج أحمد عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: «إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها» ، قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات «لا إله إلا الله» ؟ قال: «هي من أفضل الحسنات» . وأخرج الطبراني وأبو الشيخ عن جرير بن عبد الله، قال: لما نزلت وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ [هود/ 117] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأهلها ينصف بعضهم بعضا» . أخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى والحاكم- وصححه- والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها؟ فلم يجبه بشيء، حتى أتاه جبريل، فأخبره، فأرسل إلى اليهودي، فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بها؟ قال: نعم، فقال: خرثان وطارق والذيال وذو الكيعان وذو الفرع ووثّاب وعمودان وقابس والضّروح والمصبّح والفيلق والضياء والنور- يعني أباه وأمه- رآها في أفق السماء ساجدة له فلما قصّ رؤياه على أبيه، قال: أرى أمرا متشتتا يجمعه الله. وأخرج ابن مردويه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما قال يوسف: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف/ 52] ، قال له جبريل: يا يوسف، اذكر همّك، قال: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف/ 53] . أخرج الترمذي- وحسنه- والحاكم- وصححه- عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد/ 4] ، قال: الدّقل والفارسي والحلو والحامض. وأخرج أحمد والترمذي- وصححه- والنسائي، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أخبرنا عن الرّعد ما هو؟ قال: «ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، بيده مخراق من نار يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله» ، قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: «صوته» . وأخرج ابن مردويه، عن عمرو بن بجاد الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرعد ملك يزجر السحاب، والبرق طرف ملك يقال له روفيل» .

أخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطى الشكر لم يحرم الزيادة، لأن الله تعالى يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم/ 7] . وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحاكم- وصححه- وغيرهم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ [إبراهيم/ 17] ، قال يقرب إليه فيتكرّهه، فإذا أدنى منه شوي وجهه، ووقع فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [محمد/ 15] وقال تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف/ 29] . أخرج الطبراني وابن مردويه وابن حبان عن أبي سعيد الخدري أنّه سئل: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر/ 2] ، قال: نعم، سمعته يقول: يخرج الله ناسا من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم، لما أدخلهم النار مع المشركين قال لهم المشركون: تدعون بأنكم أولياء الله في الدنيا، فما بالكم معنا في النار! فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم، فتشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتى يخرجوا بإذن الله تعالى، فإذا رأى المشركون ذلك، قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم، فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم، فذلك قول الله: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ. [الحجر/ 2] وله شاهد من حديث أبي موسى الأشعري وجابر بن عبد الله وعلي. وأخرج ابن مردويه، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر/ 44] قال: جزء أشركوا، وجزء شكّوا في الله تعالى، وجزء غفلوا عن الله تعالى. وأخرج البخاري والترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» . أخرج ابن مردويه، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل/ 88] ، قال: عقارب أمثال النخل الطوال، ينهشونهم في جهنم. أخرج البيهقي في الدلائل، عن سعيد المقبري، أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر، فقال: كانا شمسين، فقال الله: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء/ 12] ، فالسواد الذي رأيت هو المحو. وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلمي عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء/ 70] ، قال: الكرامة الأكل بالأصابع. وأخرج ابن مردويه عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَ

أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء/ 71] ، قال: يدعى كل قوم بإمام لهم وكتاب ربهم. وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء/ 78] ، قال: لزوال الشمس. أخرج أحمد والترمذي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لسرداق النار أربعة أجدر، كثافة كلّ جدار مثل مسافة أربعين سنة» . وأخرجا عنه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: بِماءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف/ 29] قال: «كعكر الزيت، فإذا قرّبه إليه سقطت فروة وجهه فيه» . وأخرج أحمد عنه أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ [الكهف/ 46] ، التكبير والتهليل والتسبيح، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أخرج مسلم وغيره عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرؤون: يا أُخْتَ هارُونَ [مريم/ 28] ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا! فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم» . أخرج ابن أبي حاتم والترمذي عن جندب بن عبد اللَّه البجلي، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إذا وجدتم الساحر فاقتلوه» ، ثم قرأ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى [طه/ 69] ، قال: «لا يؤمّن حيث وجد» . وأخرج البزار بسند جيد عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه/ 124] ، قال: عذاب القبر. أخرج أحمد عن أبي هريرة، قال قلت: يا رسول اللَّه، أنبئني عن كل شيء، قال: «كل شيء خلق من الماء» . أخرج ابن أبي حاتم، عن يعلى بن أمية، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «احتكار الطعام بمكة إلحاد» . أخرج ابن أبي حاتم، عن مرة البهزي، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لرجل: «إنك تموت بالربوة فمات بالرملة» ، قال ابن كثير: غريب جدا. وأخرج أحمد عن عائشة، أنها قالت: يا رسول اللَّه وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون/ 60] ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف اللَّه؟ قال: «لا يا

بنت الصديق، ولكنه الذي يصوم ويصلي ويتصدّق ويخاف اللَّه» . أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سورة ابن أخي أيوب، قال: قلت: يا رسول اللَّه، هذا السلام، فما الاستئناس؟ قال: يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت. أخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي أسيد برفع الحديث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن قوله: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ [الفرقان/ 13] ، قال: «والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار، كما يستكره الوتد في الحائط» . أخرج البزار عن أبي ذرّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: «أوفاهما وأبرّهما» ، قال: وإن سئلت، أيّ المرأتين تزوّج؟ فقل: الصغرى منهما» . إسناده ضعيف، ولكن له شواهد موصولة ومرسلة. أخرج أحمد والترمذي- وحسنه- وغيرهما عن أم هانئ، قالت: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن قوله: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت/ 29] ، قال: كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فهو المنكر الذي كانوا يأتون. أخرج الترمذي وغيره عن أبي أمامة، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلموهنّ، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام» ، في مثل هذا أنزلت: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... [لقمان/ 6] الآية إسناده ضعيف. أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في قوله: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، قال: «أما إن است القردة ليست بحسنة، ولكنه أحكم خلقها» . وأخرج الترمذي عن معاوية: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «طلحة ممن قضى نحبه» . أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس، أن رجلا سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن سبأ، أرجل هو، أم امرأة، أم أرض؟ فقال: «بل هو رجل، ولد له عشرة، فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة» . أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فاطر/ 32] ، قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة. وأخرج أحمد وغيره عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: قال اللَّه: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ

سابِقٌ بِالْخَيْراتِ، [فاطر/ 32] فأما الذي سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلافاهم اللَّه برحمته، فهم الذين يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ... الآية [فاطر/ 34] . أخرج الشيخان، عن أبي ذر، قال: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس/ 38] ، قال: «مستقرها تحت العرش» . أخرج ابن جرير عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول اللَّه، أخبرني عن قوله: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة/ 22] ، قال: «العين: الضخام العيون شفر الحوراء، مثل جناح النّسر» ، قلت: يا رسول اللَّه، أخبرني عن قول اللَّه: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات/ 49] ، قال: «رقتهن كرقة الجلدة التي في داخل البيضة التي تلي القشر» . أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم، عن عثمان بن عفان، أنه سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن تفسير لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الزمر/ 63] ، فقال: تفسيرها: «لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، وسبحان اللَّه وبحمده، أستغفر اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، بيده الخير يحيى ويميت» . الحديث غريب وفيه نكارة شديدة. أخرج أحمد وأصحاب السنن والحاكم وابن حبان عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر/ 60] . أخرج النسائي والبزار وأبو يعلى وغيرهم عن أنس، قال: قرأ علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت/ 30] ، قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها. أخرج أحمد وغيره عن عليّ، قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب اللَّه، وحدثنا به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى/ 30] ، «وسأفسرها لك يا علي، ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، واللَّه أحلم من أن يثنّي عليه العقوبة في الآخرة، وما عفا اللَّه عنه في الدنيا، فاللَّه أكرم من أن يعود بعد عفوه» . أخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» ، ثم تلى: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف/ 58] .

أخرج الطبراني وابن جرير بسند جيد، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال» . له شواهد. أخرج أحمد، عن ابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف/ 4] قال: الخط. أخرج الترمذي وابن جرير، عن أبي بن كعب، أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الفتح/ 26] قال: لا إله إلا اللَّه. أخرج أبو داود والترمذي، عن أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول اللَّه ما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» ، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» . أخرج البخاري عن أنس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «يلقى في النار وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فيها فتقول: قط قط» . أخرج البزار عن عمر بن الخطاب، قال: الذَّارِياتِ ذَرْواً [الذاريات/ 1] هي الرياح، فَالْجارِياتِ يُسْراً [الذاريات/ 3] هي السفن، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً هي الملائكة، ولولا إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقوله ما قلته. أخرج عبد اللَّه بن أحمد في زوائد المسند، عن علي، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار» ثم قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... [الطور: 21] الآية. وأخرجا عن معاذ بن أنس، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألا أخبركم لم سمّى اللَّه إبراهيم خليله الَّذِي وَفَّى؟ أنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ... [الروم/ 17] حتى ختم الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/ 29] ، قال: من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين. أخرج أبو بكر النجار، عن سليم بن عامر، قال: أقبل أعرابي فقال: يا رسول اللَّه، ذكر اللَّه في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، قال: وما هي؟ قال: السّدر، فإن له شوكا مؤذيا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أليس يقول اللَّه: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة/ 28] ؟ خضد اللَّه شوكه،

فجعل مكان كل شوكة ثمرة» . وله شاهد من حديث عتبة بن عبد السلمي أخرجه ابن أبي داود في البعث. أخرج الترمذي- وحسّنه- وابن جرير عن أم سلمة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قوله: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة/ 12] قال: النّوح. أخرج الطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أن أول ما خلق اللَّه القلم والحوت» ، قال: اكتب: قال ما أكتب؟ قال: كل شيء كائن يوم القيامة، ثم قرأ ن وَالْقَلَمِ [ن/ 1] والنون الحوت، والقلم القلم. أخرج أحمد عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج/ 4] ما أطول هذا اليوم! فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفّف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا. أخرج الطبراني عن ابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل/ 20] ، قال: مائة آية، قال ابن كثير: غريب جدا. أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «الصعود: جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا، ثم يهوي به كذلك» . أخرج البزار عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «واللَّه لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقابا، والحقب بضع وثمانون سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون» . أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي بريد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال في قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير/ 1- 3] قال: كورت في جهنم وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير/ 2] ، قال: في جهنم. أخرج ابن جرير والطبراني بسند ضعيف، من طريق موسى بن عليّ بن رباح، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال له: «ما ولد لك؟» قال: ما عسى أن يولد لي! إما غلام أو جارية! قال: «فمن يشبه؟» قال: من عسى أن يشبه! إما أباه وإما أمه! فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «مه لا تقولن هذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها اللَّه تعالى كل نسب بينها وبين آدم، أما قرأت: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار/ 8] قال: سلكك» . أخرج الشيخان عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين/ 6] ، حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.

أخرج أحمد والشيخان وغيرهما عن عائشة، قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب» ، وفي لفظ عند ابن جرير: «ليس يحاسب أحد إلا عذّب» قلت: أليس يقول اللَّه: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً [الانشقاق/ 8] ؟ قال: «ليس ذلك بالحساب ولكن ذاك العرض» . أخرج ابن جرير عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة وشاهد يوم الجمعة، ومشهود يوم عرفة» . له شواهد. أخرج البزار عن جابر بن عبد اللَّه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى/ 14] ، قال: «من شهد أن لا إله إلا اللَّه وخلع الأنداد، وشهد أني رسول اللَّه، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى/ 15] ، قال: هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها. وأخرج أحمد والترمذي عن عمران بن حصين أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر، فقال: «الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر» . أخرج أحمد عن البراء، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: علّمني عملا يدخلني الجنة قال: «عتق النسمة، وفك الرقبة» ، قال: أو ليستا بواحدة؟ قال: إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها. أخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر، عن الضحاك عن ابن عباس، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول في قول اللَّه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9] أفلحت نفس زكاها اللَّه تعالى. أخرج أبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فقال: إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي» . أخرج أحمد عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها [الزلزلة/ 4] ، قال: أتدرون، ما «أخبارها» ؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: «أن تشهد على كلّ عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا» . أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات/ 6] قال: «الكنود الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده» .

تنبيهات

أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم مرسلا، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ألهاكم التكاثر عن الطاعة، حتى زرتم المقابر حتى يأتيكم الموت» . أخرج ابن مردويه، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة/ 8] قال: مطبقة. أخرج ابن جرير وأبو يعلى عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون/ 5] ، قال: «هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها» . أخرج أحمد ومسلم عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «الكوثر نهر أعطانيه ربّي في الجنة» له طرق لا تحصى. أخرج أحمد عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، [النصر/ 1] قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «نعيت إليّ نفسي» . أخرج ابن جرير عن بريدة لا أعلمه إلا رفعه، قال: «الصمد الذي لا جوف له» . وأخرج أحمد والترمذي، وصححه النسائي عن عائشة، قالت: أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي، فأراني القمر حين طلع، وقال: «تعوّذي باللَّه من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب» . أخرج أبو يعلى عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم، فإن ذكر اللَّه خنس أي سكن، وإن نسى التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس» . تنبيهات الأول: قوله صلى اللَّه عليه وسلم فيمن سرّه أن يطلع على عمله له أجران أجر لسّر وأجر لعلانية قال الترمذي: قد فسّر بعض أهل العلم هذا الحديث، إذا اطّلع عليه، وأعجبه إنما معناه يعجبه ثناء الناس عليه بالخير، لقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أنتم شهداء اللَّه تعالى في الأرض» فيعجبه ثناء الناس عليه بهذا، فأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير فيكرم ويعظّم على ذلك فهو رياء. وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يعمل به من الخير، فيكون له مثل أجورهم، فهذا له مذهب أيضا. انتهى. الثاني: قوله صلى اللَّه عليه وسلم فيمن جامع ولم ينزل «يغسل ما مسّ المرأة منه ثم يتوضأ» قال العلماء رحمهم اللَّه تعالى أنه منسوخ بحديث التقاء الختانين. الثالث: قول الرجل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أصبت حدا» قال النووي- رحمه اللَّه تعالى-

معناه معصية توجب التّعزير وليس المراد الحد الشرعيّ الحقيقيّ كحد الزنا والخمر وغيرهما، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصّلاة، ولا يجوز للإمام تركها. الرابع: الرّقوب براء مفتوحة فقاف فواو موحدة قال أبو عبيد: معناه في كلامهم إنما هو على فقد الأولاد في الدنيا فجعل اللَّه تعالى فقدهم في الآخرة فكأنّه حوّل الموضع إلى غيره. قال في النهاية: هو الرجل والمرأة، إذا لم يعش لهما ولد، لأنه يرقب موته ويرصده خوفا عليه فنقله صلى اللَّه عليه وسلم إلى الذي لم يقدّم من الولد شيئا: أي يموت قبله، تعريفا أن الأجر والثواب لمن قدّم شيئا من الأولاد، وأنّ الاعتداد به أكثر والنّفع به أعظم، وأنّ فقدهم وإن كان في الدنيا عظيما، فإنّ فقد الأجر والثواب على الصبر والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم، وأنّ المسلم ولده في الحقيقة من قدّمه، واحتسبه، ومن لم يرزق ذلك فهو كالذي لا ولد له، ولم يقله صلى اللَّه عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللّغوي كما قال: إنّما المحروب من حرب دينه. ومثله كما قال الحافظ الدمياطي رحمه اللَّه تعالى: «ما تعدّون المفلس؟ قالوا: الذي لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأخذ مال هذا» . وهذا ومن الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللّغويّ لضرب من التّوسّع والمجاز. والعائل: الفقير، فنقله صلى اللَّه عليه وسلم أيضا [ (1) ] . الخامس: أمره صلى اللَّه عليه وسلم بالقيام للجنازة منسوخ بما تقدّم في جماع أبواب سيرته صلى اللَّه عليه وسلم في المريض والمحتضرين. السادس: قوله صلى اللَّه عليه وسلم في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] إنها تعدل ثلث القرآن قال بعض أهل العلم رحمهم اللَّه تعالى: إن القرآن ثلاثة أقسام: قسم توحيد اللَّه تعالى ومعرفة صفاته، وقسم قصص الماضين، وقسم تشريع وأحكام، فهي قسم التوحيد وليس فيها قصص ولا تشريع، فصارت تعدل ثلث القرآن. السابع: قوله صلى اللَّه عليه وسلم في المعتدة ترمي بالبعرة إلى آخره «كانت المرأة المتوفّى عنها زوجها في الجاهليّة تدخل بيتا مظلما ضيّقا، وتلبس شر ثياب ولا تمسّ طيبا حتى يمرّ عليها سنة، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثمّ ترجع بعدها فتضع من طيب أو غيره» . الثامن: في قوله صلى اللَّه عليه وسلم فيمن قتل من قال لا إله إلا اللَّه بعد ما أسلم فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته، قبل أن يقول كلمته التي قال: أي في إباحة الدم، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدّم فإذا أسلم، فقتله أحد فإن قاتله مباح الدم بحق القصاص فكأنه بمنزلته في الكفر.

_ [ (1) ] أعاد المصنف هذا الكلام برمّته في موضع سابق قريب.

التاسع: في قوله «يعجبه الفأل» هو مثل أن يكون مريضا، فيسمع آخر يقول: يا سالم أو يكون طالب ضالّة، فيسمع من يقول: يا واجد، فيستبشر بذلك الكلام، فالفأل يرجي الخير، والطّيرة ترجي الشّرّ ووقوعه. العاشر: قال بعض العلماء رحمهم الله تعالى في الجمع بين حديثي سهل بن سعد وأبي ذر [ (1) ] : أن الحديث الذي تقدم فيه سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه والجواب، وهذا الحديث يقصد ذلك، فإن بعض الناس يقول: إن ذلك الغني كان كافرا فهؤلاء كانوا في المسجد، ولا يجلس في المسجد إلا المسلم، قلت: الظاهر والله تعالى أعلم أن من قال كان كافرا أراد به أنه كان منافقا والله أعلم. الحادي عشر: في بيان غريب ما سبق: البهم بموحدة مضمومة فهاء ساكنة فميم جمع بهيم (وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه، قال الخطابي- رحمه الله تعالى-: أراد برعاة الإبل والبهم الأعراب، وأهل البوادي وجاء في رواية البهم- بضم الموحدة والهاء- على الرّعاة، وهم السود والبهم جمع البهم) [ (2) ] وهو المجهول الذي لا يعرف. الحممة: بحاء مهملة فميمين مفتوحات الفحمة. جهد المقل- بجيم مضمومة فهاء ساكنة فدال مهملة- أي قدر ما يحتمله حال القليل المال. غبر- بغين معجمة فموحدة فراء- أي بقي. كسل: بكاف فسين مهملة فلام إذا جامع أدركه الفتور ولم ينزل ومعناه صار ذا كسل. [ (3) ] الاستطابة- بهمزة مكسورة فسين مهملة فمثناة ففوقية فطاء فألف فموحدة الاستنجاء فإن الإنسان إذا فعل ذلك طابت نفسه. التّغوّط- بمثناة ففوقية فغين معجمة فواو فطاء مهملة: قضاء الحاجة. يتنكّب القبلة- أي لا يستقبلها ولا يستدبرها. الرّجيع- براء فجيم فمثناة تحتية فعين مهملة- الرّوث والعذرة سمّي رجيعا، لأنه صار للذي رجع إليه بعد أن كان طعاما أو علفا.

_ [ (1) ] هما حديثا أبي ذر وسهل في باب الرقائق (الثامن والعشرون) . [ (2) ] سقط في أ. [ (3) ] ثبت في الأصل تقرضه، ضلع السرية تقدمت.

الحيضة- بحاء مهملة فتحتية ساكنة فضاد معجمة مفتوحة فتاء تأنيث- المرة من الحيض وبكسر الحاء الاسم من الحيض والحال التي تلزمها الحائض من التجنب. المركن- بميم مكسورة فراء ساكنة فكاف فنون- الإجانة التي يغسل فيها الثياب، والميم زائدة. الدّرع- بدال وعين مهملتين بينهما راء القميص. القرن- بقاف فراء مفتوحتين فنون: الجعبة يجعل فيها النشاب، وإنما أمره بطرحها لاحتمال أن تكون من جلد غير مزكي ولا مدبوغ، فلا تصح الصلاة مع حملها لأنها نجسة والقوس معروف. الحدق- بحاء فدال مهملتين مفتوحتين- فقاف: جمع حدقة، وهي العين. الاختلاس- بخاء معجمة فمثناة وآخره سين مهملة سلب الشّيء بسرعة. الخلال- بخاء معجمة مكسورة فلامين بينهما ألف أولاهما مفتوحة- الخصلة. الشّفع- بشين معجمة ففاء فعين مهملة الزوج، والوتر الفرد الواحد. القنوت- بقاف فنون فواو آخره مثناة ففوقية- المراد به هنا القيام في الصلاة. الفجاءة بفاء مضمومة فجيم مفتوحة فألف فهمزة فتاء تأنيث: الهجوم على غفلة. الفوات- بفاء فواو فألف وآخره تاء مثناة ففوقية هو موت الفجأة، من قولك فاتني فلان بكذا، أي سبقني به. انفحي: بالحاء المهملة، وانفحي بمعني أنفقي المنيحة- بميم فنون مكسورة فتحتية- هي الشاة التي تقاد لينتفع بلبنها، وتعاد إلى صاحبها، إذا طلبها، وهذا هو المراد، ولها معنى آخر أن يهب له أصلها فيملّكه إيّاها. العتود: بعين مهملة ففوقية فواو فدال مهملة: الشابّ من أولاد المعز وقد دخل في السنة الثانية. أوجب- أي عمل عملا توجب له به الجنة والله تعالى أعلم. يستحسر: أي يستنكف عن السؤال، وأصله من حسر الطرف إذا كلّ وضعف يعني أن الداعي إذا دعا وتأخّرت إجابته، تضجّر وملّ، وترك الدعاء، واستنكف عنه. وقطيعة الرحم: الهجران، للأهل، والأقارب.

رياض الجنّة- براء مكسورة فتحتيّة مفتوحة فألف فضاد معجمة- المراد به الذّكر. ارتعوا: بهمزة فراء ساكنة فمثناة فوقية فعين مهملة فواو خوضوا شبه الخوض بالرّتع في الخصب وهو الطواف حوله والإشباع منه. «الهن» - بفتح الهاء وتخفيف النون- من ألفاظ الكنايات، وأكثر ما يطلق على ما يستحي من التلفظ به هنا الفرج، ولذا قال مني يريد به النّطفة. مبرور: مقبول ليس فيه إثم يقال بر وإثم. يحتاج- يهلك ويتلف في الإنفاق. الإشراف: بالشين المعجمة التطلع إلى العطاء والرغبة فيه. القسامة- بضم القاف- ما يأخذه القسام من رأس المال عن أجرته لنفسه كما يأخذ السماسرة رسما مرسوما، لا أجرا معلوما، وقيل: إنما هو من يأخذ سهم من ولي عليه بغير إذنه، فيستأمر به عليه [ (1) ] . التعيل: أريد به القوى على الشيء وقطع الأرض والسقاء. أهويت بيدك أي: مددت يدك إليه والمعنى: أنه لو فعل ذلك كان قد صار ذلك ركازا لا يكون قد أخذه بشيء من فعله، فحينئذ كان يجب فيه الخمس وإنما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم اللقطة لما لم يباشر الحجر بيده، والحجر هو الثقب وترك أخذ الزكاة منها، لأنه لم يكن نصابا، ولو كان نصابا لم يكن حال عليها الحول. الحلقوم- بحاء مهملة مضمومة فلام ساكنة فقاف مضمومة فواو- فميم الخلق المبادر. المنابل- بميم الذي يدخر المال ويقنيه، أنفسها عند أهلها، النفيس الجيد من كل شيء المرغوب فيه، وحقيقته الشيء الذي يتنافس فيه الناس. قوله «يعين ضائعا» أي: ذا ضياع من فقر وعيال، أو نحو ذلك أو حال فقير عن القيام به، والخرق ضد الرفق، يقال: رجل أخرق إذا لم يتيقن ما يحاول. والصنائع- بصاد مهملة فنون- هو المشهور. وروي «ضايعا» بالمعجمة أي ذا ضياع من فقر وعيال ونحو ذلك.

_ [ (1) ] ثبت في الأصل الوضية الحذاء بحاء مهملة مكسورة فذال معجمة مفتوحة فألف مهدوة.

الوليدة: الأمة والحديث محمول على أن أخوالها كان بهم حاجة شديدة إلى الخادم، وهم فقراء البضع. الغصن: الأراك. العلائق- بعين مهملة وآخره قاف المهور وأحدها علاقة. مذّمة الرضاع- بتثليث الذال المعجمة وبالكسر من الذمام وبالضم من الذم والمذمة الحق والحرمة التي يذّم مضيعها، والمراد بمذمّة الرّضاع الحقّ اللّازم بسبب الرّضاع، أو حق ذات الرضاع فحذف المضاف، قال النخعي: - رحمه الله تعالى- كانوا يستحبون أن يعطوا عند فصال الصبي للمرضعة شيئا سوى الأجرة. الغرة: خيار المال وأصله غرة الوجه، فكنى بالغرة عن الذات فكأنه قال: عبد أو أمة. التيس- بمثناة فوقية فمثناة تحتية فسين مهملة- معروف في المعز، يقال: العاهر بعين مهملة وآخره راء الزاني، والمعنى أنه لا حظ للزاني في الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، وهو الزوج والسيد وله الحجر أي يرجم بالحجارة، أو ليس له إلا الحجارة أو ليس له شيء، ولا له إلا الخيبة من لحوق الولد من لعنه وذكر الحجر استعارة أي لا منفعة له فيه. يسلم بها: أي يطأها. الحجّ- بالجيم والحاء المهملة المشددة هي الحامل التي دنت ولادتها. «تجد» بمثناة فجيم فدال مهملة يقطع ويجني. أعلاج: جمع علج الرجال من كبار العجم. القدوم: بالتشديد موضع بينه وبين المدينة ستة أميال. النّعي: بنون فعين مهملة النداء على الميت وإخبار الناس بموته. المجس: تقدم الحريسة: تقدمت. أعتم: أظلم الليل عليه، ومضى منه طائفة. الدف: تقدم. المروة: حجر أبيض يبرق والمراد به جنس الحجر أي بأي حجر كان إذا كان له حد يذبح، وكذلك شق العصا.

المضارعة: بالضاد المعجمة المشابهة والمقاربة، وذلك أنه سأله عن طعام النصارى فكأنه أراد لا يتحركن في نفسك شك، أن ما شبهت فيه النصارى حرام، ومكروه. جوامع الكلم: أي لا يجاوز البلاغة فتكون ألفاظه قليلة ومعاني كلامه كثيرة، وكذلك كانت ألفاظه صلى الله عليه وسلم. الصعدات: [ ... ] . إنفاذ عهدهما: أي إمضاء وصيتهما، وما عهدا إليه قبل موتهما. الملّ- بفتح الميم وتشديد اللام الحجارة التي تخير عليها العرب، أي تلقي في أفواههم. تقبّح: أي تقول قبحك الله. الحرج: الإثم والضيق والجناح الإثم والميل. والهرم: الضعف من كبر السن. النّشرة: بنون مضمومة فشين معجمة ساكنة فراء حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر، وقد قال الحسن: - رحمه الله تعالى- لا يطلق السحر إلا ساحر، فلا يجوز فعل ذلك، ولهذا نهى عنه، وقد بسطت الكلام على ذلك في «لا عدوى ولا طيرة» . طوبى- بطاء مهملة فواو فموحدة الطيب وجمع الطيبة، وتأنيث الأطيب- والحسنى والخير والخيرة شجرة في الجنة والجنة بالهندية. الرّعة: بكسر الراء مع الورع، وهو الكف. مخموم: بالخاء المعجمة، وذكر تفسيره في الحديث، وأصله من خميت البيت إذا كنسته، ونظفته. النصيحة: تفعيلة نصح له، أخلص له، ولم يغشه. عاجلته بالسيف: ضربته، وهو من المعالجة، وهي مزاولة الشيء ومحاولته والله تعالى أعلم.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الشعر

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الشعر الباب الأول في مدحه- صلى الله عليه وسلم- لحسن الشعر وذمّه لقبيحه وتنفيره من الإكثار منه روى الإمام الشافعي وأبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والإمام الشافعي عن عروة مرسلا والدارقطني مرسلا بذكر عائشة قالت: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر فقال: كلام فحسنه حسن، وقبيحه قبيح. وروى البخاري في الأدب والدارقطني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام» . وروى الحارث بن أبي أسامة عن رجل من أهل اليمن عن رجل من هذيل عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الشّعر جزل من كلام العرب، به يعطي السّائل، وبه يكظم الغيظ، وبه يتبلّع القوم في ناديهم» . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن أبي بن كعب وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشعر لحكمة» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بيّن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة. وروى البخاري عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الشعر لحكمة» . وروى مسدد والدارقطنيّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والإمام أحمد والبخاري عن ابن عمر والإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة عن سعد بن أبي وقاص، والإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «امرؤ القيس صاحب لواء الشعر إلى النار» .

وروى إسحاق بن راهويه بسند حسن عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم بعض القوم بكلام «فيه شبه» الرجز، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا سلمة» . وروى أبو الحسن بن الضّحّاك وابن جرير عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، ماذا ترى في الشعر؟ فقال: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه» . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن مالك بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح وخيبر والطائف، فقلت: يا رسول الله إني امرؤ شاعر فأفتني في الشّعر فقال: «لأن يمتلئ ما بين لبتك إلى عاتقك قيحا خير لك من أن تمتلئ شعرا» قال: قلت: يا رسول الله، فامسح عنّي الخطيئة، قال: فوضع يده على رأسي ثمّ أمرّها على كبدي، ثم على بطني، حتّى إنّي لأحتشم من مبلغ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «إن أتاك منه شيء فشبّب بامرأتك، وامدح راحلتك» ، قال: فما قلت شيئا بعد ذاك ومالك الذي يقول: ومن ينتزع ما ليس من شوس نفسه ... يدعه ويغلبه على النّفس خيمها فشاب بن مالك رأسه ولحيته غير موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الباب الثاني في استماعه - صلى الله عليه وسلم - لشعر أصحابه في المسجد وخارجه

الباب الثاني في استماعه- صلى الله عليه وسلم- لشعر أصحابه في المسجد وخارجه روى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه وأبو بكر بن أبي خيثمة عن سماك بن حرب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لجابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه-: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم كان أصحابه يتناشدون الشّعر، ويتذاكرون شيئاً من أمر الجاهليّة، وهو ساكت وربما تبسّم معهم. وروى الإمام أحمد والشيخان عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، قليل الضّحك، وكان أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- يذكرون عنده الشّعر، وأشياء من أمورهم فيضحكون، وربما تبسّم. وروي أيضا عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشّعر، وأشياء من الجاهلية، فربما تبسّم معهم. وروى الإمام أحمد وأبو داود موصولا عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- مر بحسّان، وهو ينشد الشّعر في المسجد، فلحظ إليه شرارا فقال: قد كنت أنشد الشّعر فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أجب عني، اللهم أيّده بروح القدس، قال: اللهم نعم. وروى الإمام أحمد والنسائي عن الأسود بن سريع- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنّي حمدتّ ربي- عز وجل- بمحامد ومدح وإياك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن ربّك يحب المدح، هات ما حمدت به ربك تعالى، قال: فجعلت أنشده وذكر الحديث ويأتي بتمامه في مناقب عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن الحسن بن عبيد الله، قال: حدثني من سمع النّابغة الجعدي، يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدني قولي: وإنّا لقوم ما نعوّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن نحيد وتنفرا وننكر يوم الرّوع ألوان خيلنا ... من الطّعن حتّى نحسب الجون أشقرا وليس بمعروف لنا أن نردّها ... صحاحا ولا مستنكر أن تعقّرا بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى أين؟» قلت: إلى الجنة، قال: «نعم! إن شاء الله» قال: فأنشدته:

ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... أريب إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك» قال: فكان أحسن الناس ثغرا، فكان إذا سقطت له سنّ نبت له مكانها أخرى. وروى البيهقي من طريق يعلى بن الأشدق، قال: سمعت النابغة الجعديّ يقول: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت الجنة، قال: أجل إن شاء الله تعالى ثم قال: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك مرّتين» . وروى أبو يعلى بسند صحيح عن الأعشى المازني- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته: يا مالك النّاس وديّان العرب ... إنّي لقيت ذربة من الذّرب غدوت أبغيها الطّعام في رجب ... فخلّفتني بنزاع وحرب اخلفت العهد ولطّت بالذّنب ... وهنّ شرّ غالب لمن غلب فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتمثّلها ويقول: «وهنّ شرّ غالب لمن غلب» . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أخا لكم لا يقول الرّفث- يعني بذلك ابن رواحة- قال: فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

الباب الثالث في أمره - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه بهجاء المشركين

الباب الثالث في أمره- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه بهجاء المشركين روى الإمام أحمد والشيخان عن البراء بن عازب- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال يوم قريظة لحسان- رضي اللَّه تعالى عنه-: اهج المشركين وفي لفظ: هاجهم وجبريل معك وفي لفظ: فإن روح القدس معك. وروى ابن سعد عن جابر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من يحمي أعراض المسلمين؟ فقال عبد اللَّه بن رواحة: أنا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنك لا تحسن الشعر» ، فقال حسان بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- أنا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «اهجهم، فإنّ روح القدس سيعينك» . وروى ابن سعد عن ابن سيرين مرسلا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إذا نصر القوم بسلاحهم أنفسهم، فألسنتهم أحقّ» فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه، أنا، فقال: لست هناك، فجلس فقام آخر فقال: يا رسول اللَّه أنا، فقال بيده: يعني لا أجلس فقام حسان- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه، ما يسرني به مقولا بين صنعاء وبصرى، وإنك واللَّه، ما سببت قوما قطّ هو أشد عليهم من شيء يعرفونه فمرّ بي إلى من يعرف أيامهم وبيوتاتهم حتى أضع لساني فأمر به إلى أبي بكر- رضي اللَّه تعالى عنه-. وروى مسلم والبرقاني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنّه سمع حسان بن ثابت يستشهد بأبي هريرة، أنشدك اللَّه، هل سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا حسّان أجب عني، اللهم، أيّده بروح القدس؟ قال أبو هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه-: نعم. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن حسان- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إذا حارب أصحابي بالسّلاح، فحارب أنت بلسانك» . وروى الإمام أحمد عن عمار بن ياسر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «قولوا لهم كما يقولون لكم» قال: فلقد رأيتنا تعمله إماء أهل المدينة. وروى أبو الحسن بن الضّحاك، وقال هذا غريب من حديث يسار من مسند حسان بن ثابت ورجاله ثقات، والمحفوظ أنه من مسند البراء بن عازب- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: سمعت حسان بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اهجهم، أو هاجمهم يعني المشركين، وجبريل- عليه السلام- معك» .

وروى مسلم عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «اهجوا قريشا، فإنه أشدّ عليها من رشق النّبل» فأرسل إلى ابن رواحة، قال: اهجهم فهاجهم، فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه حسّان، قال: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه، فجعل يحرّكه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينّهم بلساني فري الأديم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يخلص لك نسبي» فأتاه حسّان، ثم رجع، فقال: يا رسول اللَّه، قد محّص لي نسبك، والذي بعثك بالحق، لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين، قالت عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- فسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه-: «إن روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن اللَّه ورسوله» قالت: وسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى وأشفى قال حسان- رضي اللَّه تعالى عنه-: هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند اللَّه في ذاك الجزاء وروى ابن وهب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن- رحمه اللَّه تعالى- أن قريشا لما هجت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أرسل إلى ابن رواحة فذكر نحو ما تقدم وزاد، فكان لا يحسن إلا في الحرب فهجاهم، فلم يرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم أرسل إلى حسّان، وكان يكره أن يرسل إليه، فما جاء الرّسول، قال: «أما واللَّه لأفرينهم بلساني فري الأديم» فقالت عائشة: - رضي اللَّه تعالى عنهما- فأخرج لسانه كأنه لسان حيّة على طرفه خال أسود، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «كيف لي بهم» فقال: والذي نفسي بيده، لأسلّنّك منهم سلّ الشعرة من العجين، وذكر نحو ما تقدم. وروى مسدد وابن أبي شيبة والنسائي في السنن الكبرى عن الأسود بن سريع- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه قال: يا رسول اللَّه، إني مدحت اللَّه- عز وجل- مدحة ومدحتك بأخرى، فقال: «هات وابدأ بمدحة اللَّه عز وجل» . وروى مسدد عن محمد بن علي- رحمه اللَّه تعالى- أن رجلا مدح اللَّه تعالى، ومدح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأعطاه لمدحه اللَّه تعالى الذي خلقه، ولم يعطه لمدحه نفسه، واللَّه تعالى أعلم.

الباب الرابع فيما تمثل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشعر

الباب الرابع فيما تمثل به رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وسلم- من الشعر روى الإمام أحمد والشيخان والطبراني عن جندب بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تعالى عنه- قال أصابت أصبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم شيئا فدميت، وفي لفظ قال: بينما نحن جلوس مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بعض المشاهد إذ أصابه حجر فعثر فدميت أصبعه فقال: هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لقيت وروى بن سعد عن الحسن البصري- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتمثل بهذا: ............... ........ ... كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا فقال أبو بكر- رضي اللَّه تعالى عنه- يا رسول اللَّه إنما قال الشاعر: ............... ....... ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا» فقال أبو بكر: - رضي اللَّه تعالى عنه- أشهد أنك رسول اللَّه ما علّمك اللَّه الشعر وما ينبغي لك. وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- والطبراني في الأوسط عن عكرمة قال: سئلت عائشة- رضي اللَّه عنها- هل سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتمثل شعرا قطّ؟ قالت: كان أحيانا إذا دخل بيته وفي لفظ إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة. ............... .... ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وروى أنشد «من لم تزوّده الأخبار» . رواه البزار عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما-. وروى الإمام أحمد وابن ماجة والشيخان عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل............... ...... وللشيخين وللترمذي أشعر كلمة قالتها العرب كلمة لبيد. ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل................ وكاد أميّة بن أبي الصلت أن يسلم. وروى الإمام أحمد وابن السكن عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن

الباب الخامس فيما طلب إنشاده من غيره - صلى الله عليه وسلم -

رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنشد قول أميّة بن أبي الصلت: زحل وثور تحت رجل يمينه ... والنّسر للأخرى وليث موصد فقال: صدق هذا. صفة حمله العرش فقال: والشّمس تطلع كلّ آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورّد فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صدق. وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ... الحديث. الباب الخامس فيما طلب إنشاده من غيره- صلى اللَّه عليه وسلم- روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب ومسلم وابن ماجه عن الشريد بن سويد الثقفي- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: أردفني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما خلفه فقال هل معك من شعر أميّة بن أبي الصّلت؟ قلت: نعم قال أنشدني فأنشدته بيتا فقال: هيه فلم يزل يقول هيه حتى أنشدته مائة بيت وفي لفظ مائة قافية، فقال: لقد كاد أن يسلم، واللَّه أعلم [ (1) ] .

_ [ (1) ] سقط في أ.

جماع أبواب هديه - صلى الله عليه وسلم - وسمته ودله غير ما سبق

جماع أبواب هديه- صلى اللَّه عليه وسلم- وسمته ودله غير ما سبق الباب الأول في استحبابه- صلّى اللَّه عليه وسلّم- التيامن روى الجماعة عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه التّيمّن في ترجّله وتنعّله وطهوره وفي شأنه كلّه، وفي رواية كان يحبّ التّيمّن ما استطاع وذكر بعضهم «وفي سواكه» . وروى ابن الجوزي عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أخذ شيئا أخذ بيمينه، وإذا أعطى شيئا أعطاه بيمينه، ويبدأ بميامينه في كل شيء. وروى أبو داود عنها قالت: كانت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه، وما به من أذّى.

الباب الثاني في محبته - صلى الله عليه وسلم - للفال الحسن وتركه الطيرة

الباب الثاني في محبته- صلى اللَّه عليه وسلم- للفأل الحسن وتركه الطيرة روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن بريدة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتطير من شيء، ولكنّه كان إذا أراد أن يأتي أرضا سأل عن اسمها، فإن كان حسنا فرح به، ورؤي البشر في وجهه، وإن كان قبيحا رؤي كراهية ذلك في وجهه، فكان إذا بعث رجلا وفي لفظ عاملا سأل عن اسمه فإن كان حسن فرح له، ورؤي البشر في وجهه، وإن كان قبيحا رؤي كراهية ذلك في وجهه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتفأل ولا يتطير، ويعجبه كلّ اسم حسن. وروى أبو داود وابن حبان عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال: «أخذنا فألك من فيك» . وروى الترمذي وصحّحه عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع يا راشد، يا نجيح. وروى البخاري في الأدب عن أبي حدرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من يسوق إبلنا هذه؟ أو قال: من يبلغ هذه؟ قال رجل: أنا فقال ما اسمك؟ قال: فلان. قال: اجلس ثمّ قام آخر، فقال فلان فقال اجلس ثم قام آخر، فقال: ما اسمك؟ قال: ناجية، قال: أنت لها فسقها. وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن الحضرمي بن لاحق والبزار عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إذا أبردتم بريدا، فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم» . وروى الطبراني- رحمه اللَّه تعالى- برجال ثقات غير سعيد بن أسد بن موسى فيحرر حاله عن عقبة بن عامر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من يبلغنا من لقاحنا؟» فقام رجل، فقال: أنا، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: صخر أو جندل، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اجلس، ثم قال: «من يبلّغنا من لقاحنا؟» فقام رجل آخر، فقال: أنا، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: يعيش، قال: «بلغنا من لقاحنا» . وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد موقوفا عليه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا ناقة يوما فقال من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال: أنا، فقال له: ما اسمك؟ فقال الرجل: مرة فقال له: اجلس، ثم قال: «من يحلب هذه؟» فقال رجل آخر: أنا، فقال: «ما اسمك؟» فقال:

_ [ (1) ] سقط في أ.

تنبيهات

جمرة، فقال له: اجلس، ثم قال: «من يحلب هذه؟» فقال رجل: أنا فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسمك؟ فقال: يعيش، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «احلبها» . وروى الحكيم الترمذي والقاسم بن أصبع عن عبد اللَّه بن بريدة نحوه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتطير ولكن يتفاءل، وكانت قريش جعلت مائة من الإبل لمن يأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حيث توجه إلى المدينة، فرد إليهم، فركب بريدة في سبعين راكبا من قريش، فتلقّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فالتفت إلى أبي بكر- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: يا أبا بكر، برّد أمرنا وصلّح قال وممن أنت؟ قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: سلمنا، قال: وممن؟ قال: من بني سهم، قال: خرج سهمك، فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه، وتقدمت القصة في حديث الهجرة. وروى الطبراني برجال ثقات غير كثير بن عبد اللَّه ضعيف، وحسّن له الترمذي عن عمرو بن عوف المزني- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمع رجلا يقول: هاكها خضرة، فقال رسول اللَّه: «يا لبّيك، نحن أخذنا ذلك من فيك اخرجوا بنا إلى خضرة» ، فخرجوا إليها فما سلّ فيها سيف ورواه أبو نعيم في الطّبّ من حديث عبد اللَّه بن كثير المزني عن أبيه عن جدّه. وروى الشيخان عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصّالح، والكلمة الطّيّبة» . تنبيهات الأول: قال ابن القيّم في المفتاح في قوله «لا عدوى» هذا يحتمل أن يكون نفيا وأن يكون نهيا أي: لا تطيّروا، ولكن قوله في الحديث «لا عدوى ولا صفر ولا هامّة يدل على أن المراد النّهي وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعنيها، والنفي في هذا أبلغ، لأن النفي يدل على بطلان ذلك، وعدم تأثيره، والنهي يدل على المنع منه انتهى. وروي: والفأل الصالح أي هو من تتمة الحديث المرفوع، وليس مدرجا بذلك الأثر قاله الخطابي وابن الأثير. قال الخطابي: قد أعلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن الفأل هو أن يسمع الإنسان الكلمة الحسنة، فيفأل بها أي يتبرّك بها، ويتأوّلها على المعنى الذي يطابق اسمها وأن الطّيرة بخلافها، وإنما أخذت من اسم الطّير، وذلك أن العرب كانت تتشاءم ببروح الطّير إذا كانت في سفر أو مسير

ومنهم من كان يتطير بسنوحها فيصدهم ذلك عن المسير ويردهم عن بلوغ ما يتمنّونه من مقاصدهم، فأبطل ذلك صلى اللَّه عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثير في اجتلاب ضرر أو نفع، واستحب الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها من ناحية حسن الظّنّ باللَّه- عز وجل-. وروى عن الأصمعي- رحمه اللَّه تعالى عليه- أنه قال: سألت بن عون عن الفأل فقال: هو أن تكون مريضا، فتسمع يا سالم، أو تكون طالب ضالّة، فتسمع يا نجيح، أو يا واجد قال: في النهاية: فيقع في ظنّه أن يبرأ من مرضه وأنه يجد ضالته قال: وإنما أحبّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الفأل، لأن الناس إذا أمّلوا فائدة من اللَّه تعالى ورجوا عائدته عند كلّ سبب ضعيف أو قويّ، فهم على خير، ولو غلطوا في جهة الرجاء فإنّ الرّجاء لهم خير، فإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من اللَّه تعالى كان ذلك من الشر. وأما الطّيرة فإنّ فيها سوء الظّنّ باللَّه تعالى وتوقّع البلاء. الثاني في بيان غريب ما سبق: «الفأل» بالهمزة وتركه من تفاءلت بالشيء. وتفألت على التخفيف والقلب: استعمل فيما يسرّ ويسوء.

الباب الثالث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الأسماء والكنى وتسميته بعض أولاد أصحابه وتغييره الاسم القبيح

الباب الثالث في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأسماء والكنى وتسميته بعض أولاد أصحابه وتغييره الاسم القبيح وفيه أنواع: الأول: في دعائه الرّجل بأحبّ أسمائه إليه. روى البخاري في الأدب وأبو نعيم عن حنظلة بن حذيم- بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح التحتانية- رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدعى الرّجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه. الثاني: في تغييره الاسم إلى اسم آخر. روى الترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير الإسم القبيح، إلى ما هو أحسن منه. وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن أبي شيبة وابن سعد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن بنتا لعمر كانت: يقال لها عاصية فسمّاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جميلة. وروى الشيخان وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: أن زينب بنت أبي سلمة كان اسمها برّة، فقال: تزكّي نفسها، فسماها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زينب. وروى مسلم عن زينب بنت أم سلمة أن زينب بنت جحش دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واسمها برّة فسماها زينب. وروى البخاري في الأدب ومسلم عن سعد وابن أبي شيبة عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: كان اسم جويرية بنت الحارث برّة، فحول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اسمها إلى جويرية وكان يكره أن يقال خرج من عند برّة. وروى البخاري في الأدب عن محمد بن عمرو بن عطاء- رحمهم اللَّه تعالى- أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة فسألته عن اسم أخت له عنده، فقال: اسمها برّة، قالت: غيّر اسمها، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نكح زينب بنت جحش، واسمها برّة فغير اسمها إلى زينب فدخل على أم سلمة حين تزوجها واسمي برّة فسمعها تدعوني برّة فقال: لا تزكوا أنفسكم، فإن اللَّه تعالى هو أعلم بالبرّة منكنّ والفاجرة، سميها زينب، فقلت لها: اسمي فقالت: غير إلى ما غيّر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسمّاها زينب.

وروى البخاري في الأدب وابن أبي شيبة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان اسم ميمونة برّة، فسمّاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ميمونة. وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب عن علي- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما ولد الحسن فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلنا: حربا قال: بل هو حسن فلما ولد الحسين سميته حربا قال: هو حسين فلما ولد محسنا سميته حربا، قال: هو محسن، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنّي سميت بني هؤلاء بتسمية هرون بنيه شبر وشبير ومشبر» ، وفي رواية أخرى لما ولد الحسن سمّاه جعفرا فلما ولد الحسين سمّاه بعمه جعفر، فدعاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين فقلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا. وروى البخاري- رحمه اللَّه تعالى- في الأدب وأبو داود وابن السكن والطبراني والحاكم وابن أبي شيبة عن أسامة بن أخدري- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه ابتاع عبدا حبشيا، فقال: يا رسول اللَّه، سمّه وادع له، قال: ما اسمك؟ قال: أحرم قال: بل زرعة. وقال لمولاه: فما تريده؟ قال: راعيا، فقبض أصابعه، وفي لفظ: وقبض كفه وقال: هو عاصم. وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن سعد عن سعيد بن المسيب والبخاري عن الزهري عن سعيد بن المسيّب- رحمه اللَّه تعالى- عن أبيه أن جدّه حزنا قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغيّر اسما سمّانيه أبي، السّهل يوطأ ويمتهن قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة. وفي لفظ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لجدي حزن، أنت سهل قال: يا رسول اللَّه اسم سماني به أبواي فعرفت به في الناس قال: فسكت عنه النبي عليه السلام فتعرف فينا الحزونة. وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لرجل: ما اسمك؟ قال: شهاب قال: «أنت هشام» . وروى الإمام أحمد وابن سعد وابن أبي شيبة عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة أن أباه عبد الرحمن ذهب مع جدّه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسم ابنك؟ قال: عزيز، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تسمّه عزيزا، ولكن سمّه عبد الرحمن» ، قال: خير الأسماء عبد اللَّه وعبد الرّحمن، وفي لفظ قال: لا عزيز إلا اللَّه. وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وفي تاريخه وابن أبي شيبة عن بشير ابن الخصاصية- رضي اللَّه تعالى عنه- وكان قد أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واسمه زحم «فسماه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشيرا» .

وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال «أتى بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين ولد فوضعه على فخذه فقال: ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لكن اسمه المنذر» . وروى الإمام أحمد عن سعيد بن جهمان قال: لقيت سفينة ببطن نخلة فقلت له: ما اسمك؟ قال: ما أنا بمخبرك عن اسمي، سماني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سفينة قلت: ولم سمّاك سفينة؟ قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال: ابسط رداءك فبسطه، فحطّوا فيه متاعهم، ثم حملوه عليّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم احمل، فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ، وقر بعير وبعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل عليّ. وروى البزار بسند حسن عن بريدة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر فكان كلّما بقي شيء حمله عليّ وسماني الزّاملة. وروى البخاري في الأدب وأبو يعلى والبزار عن رائطة بنت مسلم عن أبيها- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنينا، فقال: ما اسمك؟ قلت غراب، قال: لا بل اسمك مسلم. وروى البخاري في الأدب والإمام أحمد برجال ثقات وابن أبي شيبة عن مطيع بن الأسود- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان اسمي العاص فسماني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مطيعا. وروى الطبراني عن زيادة عن جدّه مسعود- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سماه مطاعا وقال: يا مطاع، أنت مطاع في قومك وحمله على فرس أبلق وأعطاه الراية، وقال: يا مطاع امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت رايتي هذه، فقد أمن من العذاب. وروى محمد بن أبي عمر برجال ثقات عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن أمّة لعمر بن الخطاب- رضي اللَّه تعالى عنه- كان لها اسم من أسماء العجم، فسماها عمر- رضي اللَّه تعالى عنه- جميلة فقال عمر: بيني وبينك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال لها: أنت جميلة، فقال عمر- رضي اللَّه تعالى عنه-: خذيها على رغم أنفك. وروى الطبراني بسند ضعيف عن عبد الرحمن بن أبي سبرة قال: دخلت أنا وأبي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال لأبي: هذا ابنك؟ قال: نعم، قال: ما اسمه؟ قال: الحباب، قال: «لا تسمه الحباب، فإن الحباب شيطان، ولكن هو عبد الرحمن» ، الحديث. وقد غير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أسماء جماعة: منهم عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول وكان يسمى الحباب وقال: حباب اسم شيطان رواه ابن سعد، والحصين بن سلّام الحبر عالم أهل الكتاب سماه عبد اللَّه رواه ابن أبي شيبة، والحكم بن سعيد بن العاص سماه عبد اللَّه، وعبد الحجر سماه عبد اللَّه رواه البخاري في الأدب ورواه الإمام أحمد والبخاري في تاريخه، وجبار بن

الثالث: في تسميته صلى الله عليه وسلم بعض أولاد أصحابه.

الحارث سماه عبد الجبار رواه أبو نعيم في المعرفة، وعبد عمرو ويقال عبد الكعبة أحد العشرة سمّاه عبد الرحمن رواه ابن سعد وابن مندة، وغراب سماه مسلما رواه ابن أبي شيبة، وعبد شرّ من ذوي ظليم سمّاه عبد خير رواه أبو نعيم، وأبو الحكم بن هانئ بن يزيد سماه أبا شريح بأكبر أولاده رواه ابن أبي شيبة، وحرب سماه مسلما، والمضجع سمّاه المنبعث. وروى أبو يعلى برجال ثقات عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ بأرض، يقال لها غدرة فسمّاها خضرة. وشعب الضلالة: شعب الهدى وبني الزّينة: بني الرشدة. وبني مغويّة- بالمعجمة- بني رشدة رواها أبو داود. وأرضا تسمى بجدبة مخضرة رواه بقي بن مخلد عن عائشة. الثالث: في تسميته صلى اللَّه عليه وسلم بعض أولاد أصحابه. روى الطبراني عن ياسر بن سويد الجهني- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجّهه في خيل أو سرية وامرأته حامل، فولدت مولودا فحملته أمه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه، قد ولد هذا المولود، وأبوه في الخيل فسمّه فأخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمر يده عليه وقال: «اللهمّ، أكثر رجالهم، وأقل أياماهم، ولا تحوجهم، ولا تر أحدا منهم خصاصة» ، فقال: سميه مسرعا قد أسرع في الإسلام فهو مسرع بني ياسر. وروى الترمذي عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأى في بيت الزّبير صياحا، فقال: يا عائشة [ (1) ] ما أرى أسماء إلّا قد نفست، فلا تسموه حتى أسمّه فسمّاه عبد اللَّه، وحنّكه بتمر بيده. وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: ولد لي غلام فأتيت به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسمّاه إبراهيم وحنّكه بتمر، ودعا له بالبركة ودفعه إليّ، وكان أكبر ولد أبي موسى. وروى مسلم وأبو داود عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يؤتى بالصبيان، فيدعو لهم بالبركة، ويحنّكهم. وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن أمة ولدت غلاما من أبي طلحة، فقال أبو طلحة: احتمله حتّى تأتي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معه

_ [ (1) ] الطبراني في الصغير والأوسط وقال الهيثمي وفي اسناده من لم أعرفهم.

الرابع: في سيرته صلى الله عليه وسلم في الكنى.

بتمرات فقال: أمعه شيء؟ فقلت: نعم فأخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمضغها، ثم أخذها في فيه، فجعلها في في الصّبيّ، ثم حنكّه، وسماه عبد اللَّه وفي لفظ ذهبت بعبد اللَّه بن أبي طلحة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم ولد والنبي صلى اللَّه عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا له فقال: أمعك تمرات؟ قلت: نعم، فناولته تمرات فألقاهن في فيه فلاكهن ثم فغرنا الصّبي فمجّه في فيه فجعل الصبي يتلمظه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حب الأنصار التمر وسماه عبد اللَّه. وروى الإمام أحمد عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال أجلسني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجره، ومسح على رأسي، وسمّاني يوسف. الرابع: في سيرته صلّى اللَّه عليه وسلم في الكنى. روى البخاري في الأدب عن هانئ بن يزيد- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه لما وفد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه قومه فسمعهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم يكنونه بأبي الحكم، فدعا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن اللَّه هو الحكم وإليه الحكم كلّه، فلم تكنّيت بأبي الحكم؟ قال: لا، ولكن قومي إذا اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا ثم قال مالك من الولد، قلت له: شريح وعبد اللَّه ومسلم بنو هانئ فقال: من أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح، ودعا له ولولده، وسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسمّون رجلا منهم عبد الحجر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسمك؟ فقال عبد الحجر قال: لا أنت عبد اللَّه. قال شريح: وإنّ هانئ لما حضر رجوعه إلى بلاده أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أخبرني أيّ شيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام، وبذل الطّعام. وروى الشيخان عن أبي حازم أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: هذا فلان، لأمير المدينة يذكر عليا عند المنبر، فقال: فماذا يقول. قال: يقول، أبو تراب، فضحك وقال: واللَّه ما سمّاه به إلا النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذكره بتمامه في مناقب سيدنا علي- رضي اللَّه تعالى عنه-. [ (1) ] وروى البخاري في الأدب عن سهل بن سعد- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: إن كان أحبّ أسماء علي إليه لأبا تراب، وكان ليفرح أن يدعى بها، وما كنّاه أبا تراب، إلا النبي صلى اللَّه عليه وسلم غاضب يوما فاطمة فاضطجع إلى جدار المسجد، وجاءه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتبعه فقال: هوذا مضطجع في الجدار فجاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقد امتلأ ظهره ترابا، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمسح

_ [ (1) ] سقط في أ.

التراب عن ظهره ويقول: اجلس أبا تراب. وروى أبو داود عن المغيرة بن شعبة- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كنّاه (بأبي عيسى) [ (1) ] . وروى أحمد والترمذي عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كنّاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبا حمزة ببقلة كنت أجتنيها. وروى ابن ماجه عن صهيب- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كنّاه بأبي يحيى. وروى الإمام أحمد عن حمزة بن صهيب- رضي اللَّه تعالى عنه- أن صهيبا كان يكنى أبا يحيى فقال عمر بن الخطاب، - رضي اللَّه تعالى عنه-: يا صهيب، مالك تكنى أبا يحيى، وليس لك ولد؟ فقال صهيب: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كنّاني بأبي يحيى. وروى البخاري في الأدب عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدخل علينا، ولي أخ صغير، يكنى أبا عمير، وكانت له نغر يلعب به، فمات فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علينا فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟ فقال: مات نغيره، فقال: يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟. وروى البخاري في الأدب عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه كنيّت نساءك، وما كنّيتني؟ فقال: تكني بابن أختك عبد اللَّه يعني ابن الزبير، وكانت تكنى بأمّ عبد اللَّه. وروى البزّار برجال ثقات غير أبي المنهال البكراوي فيحرر رجاله عن أبي بكرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما كان يوم الطائف، تدليت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببكرة فقال: أنت أبو بكرة. روى البخاري عن أسامة بن زيد- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فدكية، وأردف أسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة قبل واقعة بدر، فسار حتى مرّ بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين وعباد الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد اللَّه بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمّر عبد اللَّه بن أبي أنفه بردائه قال: لا تغيروا علينا. فسلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووقف ونزل، فدعاهم إلى اللَّه، فقرأ عليهم القرآن فقال له عبد اللَّه بن أبي: يا أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا، فلا تؤذنا به في مجالسنا وارجع إلى

_ [ (1) ] في أأبي يحيى.

الخامس: في اختصاره صلى الله عليه وسلم بعض أسماء أصحابه.

رحلك فمن جاءك منّا فاقصص عليه. قال ابن رواحة: بلى يا رسول اللَّه، فاغشنا به في مجالسنا، فإنّا نحبّ ذلك. فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يخفّضهم حتى سكتوا، فركب النبي صلى اللَّه عليه وسلم دابّته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له: أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب- يريد عبد اللَّه ابن أبيّ- قال سعد: يا رسول اللَّه، اعف عنه، واصفح، فلقد أعطاك اللَّه ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه، فلما ردّ ذلك بالحق الذي أعطاك اللَّه شرق بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت. الخامس: في اختصاره صلى اللَّه عليه وسلم بعض أسماء أصحابه. روى البخاري في الأدب عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا عائش، هذا جبريل، يقرأ عليك السلام قالت: وعليه السلام ورحمة اللَّه وبركاته [ (1) ] . وروى البخاري في الأدب عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لعثمان- رضي اللَّه تعالى عنه- اكتب يا عثم [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1896، وأحمد 6/ 88 والبخاري في الأدب المفرد (827، 1036) . [ (2) ] أخرجه البخاري في الأدب (828) وانظر المجمع 9/ 86.

الباب الرابع في آدابه - صلى الله عليه وسلم - عند العطاس والبزاق والتثاؤب

الباب الرابع في آدابه- صلّى اللَّه عليه وسلم- عند العطاس والبزاق والتثاؤب روى أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا عطس وضع يده، أو ثوبه على وجهه وخفّض، أو قال: غضّ بها صوته. ورواه ابن سعد بلفظ «إذا عطس غض صوته، وغطّى وجهه» . وروى الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن جعفر- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا عطس حمد اللَّه تعالى، فيقال له: يرحمك اللَّه، فيقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم. وروى الترمذي والبخاري في الأدب ومسلم وأبو داود عن سلمة بن الأكوع- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رجلا عطس عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له: «يرحمك اللَّه» ثم عطس أخرى، فقال له: «يرحمك اللَّه» ثم عطس أخرى، فقال: «الرجل مزكوم» وعند غير الترمذي أنه قال له «ذلك في الثانية» . وروى البخاري في الأدب وأبو داود والترمذي والحاكم عن أبي موسى- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان اليهود يتعاطسون عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: يرحمكم اللَّه، فكان يقول «يهديكم اللَّه، ويصلح بالكم» . وروى البخاري في الأدب وأبو نعيم عن الحارث بن عامر السهمي- رضي اللَّه تعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان بمنى أو بعرفات، فذهب يبزق فقام بيده فأخذ بها بزاقه، فمسح بها نعله كراهة أن يصيب أحدا من إخوانه. وروى بن سعد عن يزيد بن الأصم قال ما رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم متثائبا في صلاة قطّ. وروى البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أن اللَّه يحب العطاس، ويكره التثاؤب» ، الحديث. وفيه أن التثاؤب إنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب يضحك منه الشّيطان. وروى مسلم والإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي سعيد- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في التثاؤب: «إذا تثاءب أحدكم، فليضع يده على فمه، فإن الشيطان يدخل» .

تنبيهات

وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حدّث حديثا، فعطس فهو حقّ» . تنبيهات الأول: الظاهر أن اليهود كانوا يحمدون وإلا لما شمّتهم النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: قال النوري: - رحمه الله تعالى- يستحب وضع اليد على الفم إذا حصل التثاؤب في الصلاة، أو خارجها، وإنما يكره للمصلي وضع يده على فمه إذا لم يكن حاجته لها كالتثاؤب ونحوه. الثالث: قوله «فإن الشيطان يدخل» : قال الحافظ: يحتمل أن يراد به الدخول حقيقة، ويحتمل أن يراد بالدخول: التمكن منه. الرابع: قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضى والإرادة أي: أن الشيطان يحبّ أن يرى الإنسان متثائبا، لأنها حالة تتغير فيها صورته، فيضحك منه إلا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: قد بيّنا أن كل فعل مكروه أضافه الشرع إلى الشيطان، لأنه واسطة، وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك، لأنه واسطة، قال: والتثاؤب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ عنه النّشاط، وذلك بواسطة الملك. وقال النووي: - رحمه الله تعالى- أضيف التثاؤب إلى الشيطان، لأنه يدعو إلى الشّهوات إذ يكون عن ثقل البدن، واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد عنه ذلك، وهو التوسع في المآكل. قال العلماء: ومعنى «إن الله يحبّ العطاس» أن سببه محمود، وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لأنه يضعّف الشّهوة، ويسهّل الطاعة والتثاؤب بضد ذلك، وفي فتاوى شيخنا- رحمه الله تعالى- الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم «العطاس في الصلاة والنعاس والتثاؤب من الشيطان» كما رواه الترمذي وحديث «إن الله يحبّ العطاس في الصلاة» رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- موقوفاً بسند ضعيف بأن المقام مقامان مقام إطلاق ومقام نسبي، فأما مقام الإطلاق، فإن التثاؤب والعطاس في الصلاة كلاهما من الشيطان، وعليه يحمل حديث الترمذي الأول، وأما المقام النسبي، فإذا وقعا في الصلاة مع كونهما من الشيطان فالعطاس أحبّ إلى الله تعالى من التّثاؤب، والتثاؤب

فيها أكره إلى الله تعالى من العطاس فيها، وعلى هذا يحمل أثر ابن أبي شيبة، فهو راجع إلى تفاوت رتب بعض المكروه على بعض، هذا على تقدير ثبوت لفظ في الصلاة في الأثر. الخامس: قال الحافظ أبو الفضل العراقيّ: أكثر الروايات فيها أن التثاؤب من الشيطان، ووقع في رواية تقيدها بحالة الصلاة فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد في الأمر لا في النهي، ويحتمل أن يكون كراهته في الصلاة أشد، ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة، ويؤكد ذلك كونه من الشيطان، وقد صرح النووي- رحمه الله تعالى- في «التحقيق» بكراهة التثاؤب أيضا في غير الصلاة ويؤيد ذلك لكونه من الشيطان. السادس: قال القاضي أبو بكر بن العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حال ما استطاع وإنما خص الصلاة، لأنها أولى الأحوال بدفعه لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة انتهى. السابع: قال الحافظ أبو الفضل العراقيّ: قد جاء في الأثر نسب الشيطان في التثاؤب للمصلّي. روى ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح عن عبد الرحمن بن زيد أحد التابعين عن كعب قال: نبّئت أنّ للشّيطان قارورة يشمها القوم في الصلاة كي يتثاءبوا، وفي رواية قال: إن للشيطان قارورة فيها تفوح، فإذا قاموا للصلاة تنشقوها، فأمروا عند ذلك بالانتشار. الثامن: من الخصائص النبوية عدم التثاؤب. روى البخاري في الأدب وفي التاريخ وابن أبي شيبة في مصنّفه عن يزيد بن الأصم- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قطّ» . وروى الخطّابيّ عن سلمة بن عبد الملك بن مروان وقد أدرك بعض الصحابة، وهو صدوق «ما تثاءب نبيّ قطّ» . التاسع: في بيان غريب ما سبق. يكظم: - بفتح الياء التحتية، وكسر الظاء المعجمة- أي: يحبسه ما أمكنه.

الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الأطفال ومحبته لهم ومداعبته إياهم وسيرته في النساء غير نسائه

الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأطفال ومحبته لهم ومداعبته إياهم وسيرته في النساء غير نسائه وفي أنواع: الأول: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في المولود. روى الطبراني عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن والحسين حين ولدا وأمر به. وروى الطبراني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أما حسن وحسين ومحسن، فإنما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقّ عنهم، وحلق رؤوسهم وتصدّق بوزنها وأمر بهم فسروا وختنوا. وروى الطبراني والبزار بسند جيد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برأس الحسن والحسين يوم سابعة أن يحلق ويتصدق بوزنه فضّة وسبق لهذا مزيد بيان في باب سيرته صلّى الله عليه وسلم في العقيقة. الثاني: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في الأطفال. روى البخاري في الأدب المفرد عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه وهو يقول: «اللهم، إني أحبه فأحبه» . وروى أحمد بن منيع برجال ثقات عن الحسن بن علي أو الحسين بن علي قال حدثتنا امرأة من أهلي، قالت: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره يلاعب صبيا على صدره، إذ بال فقامت لتأخذه فقال: دعوه ... الحديث. وروى ابن أبي شيبة عن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صدره أو بطنه الحسن، والحسين فبال: فرأيت بوله أساريع فقمت إليه فقال: دعوا ابني، فلا تفزعوه. وعن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبّلون صبيانكم؟ فقال: فما نقبلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة» . وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنه- وعنده الأقرع بن حابس التيمي، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبّلت أحدا منهم فنظر إليه صلى الله عليه وسلم ثم قال: «إن من لا يرحم لا يرحم» .

وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيديه جميعا بكفّي الحسن والحسين وقدماهما على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ارق، فرقى الغلام» حتى وضع الغلام قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح فاك، ثم قبله ثم قال: «اللهمّ، أحبّه، فإنّي أحبّه» رواه البخاري في الأدب. وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة عن محمود بن الربيع- رضي الله تعالى عنه- قال: عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجّها في وجهي من دلو، وفي لفظ: «بئر» في دارنا وأنا ابن خمس سنين. روى الطبراني عن موسى بن طلحة- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وعلقمة معي، فوجدناه يأكل تمرا في قناع، ومعه ناس من أصحابه فقبض لنا من ذلك قبضة، ومسح على رؤوسنا، وروى الطبراني عن كثير بن العباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعنا أنا وعبد الله وعبيد الله فيفرّج يديه هكذا يمد باعه ويقول: «من سبق إليّ فله كذا وكذا» . وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله، وكثير بن العباس ثم يقول «من سبق إليّ فله كذا وكذا» فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره، فيقبلهم ويلتزمهم. وروى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت حسنا- رضي الله تعالى عنه- إلا فاضت عيناي دموعا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فوجدني في المسجد فأخذ بيدي، فانطلقت معه فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع فطاف فيه ونظر ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد فجلس فينا، فقال: أين لكاع، ادع لي لكاع فجاء حسن يشتد، فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فاه فيدخل فاه في فيه ثم قال: «اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبّه» . وروى البخاري عن أمّ خالد- رضي الله تعالى عنهما- قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعليّ قميص أصفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنه سنه. وهي بالحبشيّة: حسنة حسنة قالت: فذهبت ألعب بخاتم النّبوّة فزبرني أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي» قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر. وروى البخاري في الأدب عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا بحسين يلعب في الطريق، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام

الثالث: في سيرته صلى الله عليه وسلم مع النساء غير زوجاته.

القوم ثم بسط يديه، فجعل يمره مرا هاهنا، مرة هاهنا يضحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه، والأخرى بين رأسه ثم اعتنقه فقبّله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبّ الحسين، والحسن والحسين سبطان من الأسباط» . وروى الطبراني بسند حسن عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت لي ذؤابة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدّها، ويأخذ منها. وروى أبو يعلى بسند حسن عن أبي يحيى الكلاعيّ، قال: أتيت المقدام بن معد يكرب في المسجد، فقلت له: يا أبا كريمة، إن الناس يزعمون أنّك لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سبحان الله! لقد رأيته وإني لأمشي مع عم لي فأخذ بأذني هذه، وقال لعمي: أترى هذا يذكر أمّه وأباه؟ الحديث. وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمر بصبيان، فيسلم عليهم. وروى النّسائيّ عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم، ويدعو لهم. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن الوليد بن عقبة قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكّة يأتونه بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم، ويدعو لهم. وروى ابن مردويه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب النّاس على المنبر، خرج حسين بن علي فوطئ في ثوب كان عليه فسقط، فبكى فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، فلما رآه الناس سعوا إلى الحسين يتعاطونه بعطيّة بعضهم بعضا، حتى وقع في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قاتل الله الشّيطان، إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده، ما دريت أنّي نزلت عن منبري» . وروى ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير مرسلا قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاء حسن أو حسين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد فتنة، لقد قمت إليه، وما أعقل» . الثالث: في سيرته صلّى الله عليه وسلم مع النّساء غير زوجاته. روى الترمذي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتّسليم، وأشار عبد الحميد بيده. وروى الحميديّ عنها قالت: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في نسوة، فسلّم علينا. وروى ابن أبي شيبة ومسلم والبرقاني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت

رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقلها شيء فقالت: إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أيّ الطريق شئت قومي فيه، حتى أقوم معك فقام معها، فناجاها حتى قضى حاجتها وروى البخاري عنه أيضا قال: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت. وروى عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين في قضاء الحاجة. وروى عبد بن حميد عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم، وجب بغير أمان ولا كتاب، فلما دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كنت قبل ذلك لا أرجو أن يجعل الله تعالى يده في يدي، قال: فقام إلى بيته فلقيته امرأة وصبيّ معها، فقالا: إن بنا إليك حاجة فقام معها، حتّى قضى حاجتها. وروى النسائي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وامرأة بين يديه، فقلت: الطريق للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: الطريق معترض إن شاء أخذ يمينا، وإن شاء أخذ شمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعها فإنّها جبّارة» انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - عند الغضب

الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- عند الغضب وفيه أنواع: الأول: فيما يقال ويفعل. روي عن سليمان بن صرد- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب وقد احمرّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] فقال: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه، «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقام رجل إلى ذلك الرجل، فقال: أتدري ما قال؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل: أمجنونا تراني؟. وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «علّموا ويسّروا، علّموا ويسّروا» ، قالها: ثلاثا، وإذا غضبت فاسكت رواهما البخاري في الأدب. وروى أبو داود وابن حبان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم، وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلّا فليضطجع» . وروى أبو داود عن ابن المسيب- رحمه الله تعالى- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومع أصحابه، وقع رجل بأبي بكر فأذاه، فصمت عنه أبو بكر. ثم آذاه الثانية، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثّالثة، فانتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أوجدتّ علي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك، فلما انتصرت وقع الشيطان فلم أكن لأجلس، إذ وقع الشّيطان» .

_ [ (1) ] سقط فى أ.

الباب السابع في شفاعته - صلى الله عليه وسلم - والشفاعة إليه

الباب السابع في شفاعته- صلى الله عليه وسلم- والشفاعة إليه وفيه أنواع: الأول: في ردّ بريرة- رضي الله تعالى عنها- بشفاعته وعدم غضبه عليها، وعدم مؤاخذته لها. الثاني: في أمره بالشفاعة إليه صلى الله عليه وسلم. روى مسدد عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشفعوا تؤجروا، فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا» . الثالث: في شفاعته صلى الله عليه وسلم. روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئاً إلا أعطاه حتى ادّان دينا أغلق ماله قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلّم غرماءه ففعل، فلم يضعوا له شيئا، فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبرح حتى باع ماله وقسّمه بين غرمائه، فقام معاذ لا مال له فلمّا حجّ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليجبر قال وكان أول من بحر في هذا المال معاذ فقدم على أبي من اليمن وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الباب الثامن في زيارته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وإصلاحه بينهم

الباب الثامن في زيارته- صلّى الله عليه وسلم- لأصحابه وإصلاحه بينهم روى الإمام أحمد وأبو داود عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنهما- قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا.... وتقدم بتمامه في أبواب هديه في الاستئذان. وروى أبو إسحاق وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم. وروى الإمام أحمد وأبو داد وعن جابر- رضي الله تعالى عنه- فقال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلنا..... وذكر الحديث. وروى الإمام أحمد والنسائي عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث عندهم حتّى ينحدر للمغرب. وروى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يزور أم سليم فتدركه الصلاة، فيصلي أحيانا على بساط لنا، وهو حصير لنا ننضحه بالماء. وروى الإمام أحمد والنسائيّ والدّارقطني وأبو داود عن الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس في بادية له، الحديث. وروى الإمام أحمد وأبو داود والدّارقطني عن أم ورقة بنت نوفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك أمرّض مرضاكم، لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: «قري في بيتك، فإن الله- عز وجلّ- يرزقك الشهادة» قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذّنا، فأذن لها، قال: وكانت قد دبرت غلاما لها وجارية، فقاما إليها باللّيل فغماها بقطيفة لها حتّى ماتت وذهبا، فأصبح عمر، فقام في الناس فقال: من كان عنده من هذين علم، أو من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب بالمدينة. وروى ابن أبي شيبة عن أم بشر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وهي تطبخ حشيشا، الحديث. وروى البخاري عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم» .

الباب التاسع في سؤاله الدعاء من بعض أصحابه وتأمينه على دعاء بعضهم - صلى الله عليه وسلم -

الباب التاسع في سؤاله الدعاء من بعض أصحابه وتأمينه على دعاء بعضهم- صلى اللَّه عليه وسلم- روى الحاكم في المستدرك عن زيد بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ادعوا فدعوت أنا، وصاحبي وأمّن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم دعا أبو هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: «اللهم، إني أسألك مثل ما سألك صاحبي، وأسألك علما لا ينسى» فأمّن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلنا: ونحن كذلك يا رسول اللَّه، قال: سبقكما الغلام الدّوسيّ. الباب العاشر في تهنئته- صلى اللَّه عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: في تمنيه صلى اللَّه عليه وسلم الشهادة. روى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلّفت عن سريّة تغدو في سبيل اللَّه، والذي نفسي بيده لوددتّ أنّي أقتل في سبيل اللَّه ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا، ثمّ أقتل» . الثاني: في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» . روى البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وأهللت مع الناس» . الثالث: في قوله صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة ليت رجلا من أصحابي يحرسني اللّيلة قال: فبينا أنا على ذلك، إذ سمعت صوت السّلاح فقال: من هذا قال: أنا سعد يا رسول اللَّه، جئت أحرسك فنام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتّى سمعنا غطيطه.

الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في العذر والاعتذار

الباب الحادي عشر في سيرته- صلّى اللَّه عليه وسلم- في العذر والاعتذار وفيه أنواع: الأول: في تحذيره صلى اللَّه عليه وسلم من عدم قبول العذر. روى ابن ماجة عن جوذان قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من اعتذر إلى أخيه بمعذرة، فلم يقبلها، كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس» . والثاني: في اعتذاره صلى اللَّه عليه وسلم إلى بعض أصحابه- رضي اللَّه تعالى عنهم-. وروى الشيخان عن جابر- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه سلّم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي فلم يرد عليه فلما انصرف، قال: إنّه لم يمنعني أن أرّد عليك إلا أني كنت أصلّي. الثالث: في قبوله صلى اللَّه عليه وسلم عذر من اعتذر إليه. [روى مسلم عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، أن عبد اللَّه بن كعب كان قائد كعب، من بنيه، حين عمي. قال: سمعت بن مالك يحدّث حديثه حين تخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش. حتّى جمع اللَّه بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام. وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري، حين تخلّفت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، في غزوة تبوك، أني لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. واللَّه! ما جمعت قبلها راحلتين قطّ. حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حر شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا. واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الذي يريد. والمسلمون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريد بذلك الدّيوان. قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب، يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من اللَّه عز وجلّ. وغزا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر. فتجهّز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمون معه. وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم. فأرجع ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غاديا والمسلمون معه. ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت

فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو. فهممت أن أرتحل فأدركهم. فيا ليتني فعلت. ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت، إذا خرجت في النّاس، بعد خروج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النّفاق. أو رجلا ممّن عذر اللَّه من الضعفاء. ولم يذكرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتّى بلغ تبوكا فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول اللَّه! حبسه برداه والنّظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. واللَّه! يا رسول اللَّه! ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا يزول به السّراب فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «كن أبا خيثمة» فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ. وهو الذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون. فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد توجّه قافلا من تبوك، حضرني بثّي. فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل. حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه. وصبّح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قادما. وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للنّاس. فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون. فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له. وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم. ووكل سرائرهم إلى اللَّه. حتى جئت. فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب ثمّ قال «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» قال قلت: يا رسول اللَّه! إني، واللَّه! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا. ولكنيّ، واللَّه! لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ اللَّه أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إنّي لأرجو فيه عقبى اللَّه. واللَّه! ما كان لي عذر. واللَّه! ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أمّا هذا، فقد صدق. فقم حتى يقضي اللَّه فيك» فقمت. وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني. فقالوا لي: واللَّه! ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بما اعتذر به إليه المخلّفون. فقد كان كافيك ذنبك، استغفار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لك. قال: فو اللَّه! ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فأكذّب نفسي. قال ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم. لقيه معك رجلان. قالا مثل ما قلت. فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيعة العامري، وهلال بن أميّة

الواقفيّ. قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال فمضيت حين ذكروهما لي. قال ونهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال، فاجتنبنا النّاس. وقال، تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض. فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام، أم لا؟ ثم أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ. وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ. فسلّمت عليه. فو اللَّه! ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك باللَّه! هل تعلمنّ أنّي أحبّ اللَّه ورسوله؟ قال فسكت. فعدت فناشدته. فسكت فعدت فناشدته. فقال: اللَّه ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت، حتى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدل على كعب بن مالك. قال فطفق النّاس يشيرون له إليّ. حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان. وكنت كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا إن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك اللَّه بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. قال فقلت، حين قرأتها: وهذه أيضا من البلاء. فتياممت بها التّنور فسجرتها بها. حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، إذا رسول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي اللَّه في هذا الأمر. قال فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فقالت له: يا رسول اللَّه! إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم. فهل تكره أن أخدمه؟ قال «لا. ولكن لا يقربنّك» فقالت: إنّه، واللَّه! ما به حركة إلى شيء. وو اللَّه! ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان. إلى يومه هذا. قال فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وما يدريني ماذا يقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. قال فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على

ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر اللَّه عز وجل منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر. قال فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال فآذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النّاس بتوبة اللَّه علينا، حين صلّى صلاة الفجر، فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا. وسعى ساع من أسلم قبلي. وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. واللَّه! ما أملك غيرهما يومئذ،. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة اللَّه عليك. حتّى دخلت المسجد، فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس في المسجد، وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد اللَّه يهرول حتّى صافحني وهنّأني. واللَّه! ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك؟ يا رسول اللَّه! أم من عند اللَّه؟ فقال: «لا. بل من عند اللَّه» وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك. قال فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول اللَّه! إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى اللَّه وإلى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» قال فقلت: فإنّي أمسك سهمي الذي بخيبر. قال وقلت: يا رسول اللَّه! إنّ اللَّه إنّما أنجاني بالصّدق وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال فو اللَّه! ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه اللَّه في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسن ممّا أبلاني اللَّه به. واللَّه! ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، إلى يومي هذا. وإني لأرجو أن يحفظني اللَّه فيما بقي. قال: فأنزل اللَّه عز وجلّ لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ، إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ [التوبة/ 117 و 118] حتّى بلغ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة/ 119] .

قال كعب: واللَّه! ما أنعم اللَّه على من نعمة قطّ، بعد إذ هداني اللَّه للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا. إنّ اللَّه قال للّذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شرّ ما قال لأحد. وقال اللَّه: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [التوبة/ 95 و 96] . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم. وأرجأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمرنا حتّى قضى اللَّه فيه. فبذلك قال اللَّه عز وجلّ: وعلى الثّلاثة الذين خلّفوا. وليس الذي ذكر اللَّه ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.

الباب الثاني عشر في صفة دخوله بيته وخروجه منه ومخالطته الناس وحديث أصحابه بين يديه واستماعه لهم وحديثه معهم وسمره - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني عشر في صفة دخوله بيته وخروجه منه ومخالطته الناس وحديث أصحابه بين يديه واستماعه لهم وحديثه معهم وسمره- صلى اللَّه عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: في سيرته صلّى اللَّه عليه وسلم وسلم- في دخوله بيته وخروجه منه. روى الترمذي والبيهقي عن الحسن بن علي- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: سألت أبي عن مدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: كان مدخله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا للَّه تعالى، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه ثم جزّأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامّة والخاصّة، ولا يدّخر عنهم شيئا، وكان من سيرته صلّى اللَّه عليه وسلم في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مساءلتهم عنه وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلّغ الشّاهد منكم الغائب وبلّغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي عن حاجته وفي لفظ «إبلاغها» «فإن من بلّغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبّت اللَّه تعالى قدميه يوم القيامة» لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه روّادا ولا يتفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة يعني على الخير وفي لفظ يعني فقها. وقوله: «فيرد ذلك على العامة والخاصة أراد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت، وكانت الخاصة غير العامة بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد إلى العامّة بالخاصّة. وقيل: إن الباء في «بالخاصّة» بمعنى من أي: فجعل وقت الخاصة بعد وقت العامة، وبدلا منهم. والروّاد: جمع رائد، وهو الذي يتقدم القوم يكشف لهم حال الماء والمرعى قبل وصولهم له. ويخرجون أدلة أي: يدلون الناس بما قد علموه منه وعرفوه، يريد أنهم يخرجون من عنده فقهاء. ومن قال: «أذلّة» بذال معجمة جمع ذليل أي: يخرجون من عنده متواضعين. وقوله: «ولا يتفرّقون من عنده إلا عن ذواق» ضرب الذّواق مثالا لما ينالون عنده من

الثاني: في مخاطبته صلى الله عليه وسلم للناس.

الخير أي لا يتفرقون إلا عن علم يتعلّمونه يقوم لهم مقام الطّعام والشّراب، لأنّه يحفظ الأرواح كما يحفظ الأجسام. وروى الطبراني عن زيد بن عبد اللَّه بن خصيفة عن أبيه عن جده- رضي اللَّه تعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: «بسم اللَّه ولا حول ولا قوة إلا باللَّه ما شاء اللَّه توكّلت على اللَّه، حسبي اللَّه ونعم الوكيل» . روى الطبراني عن ميمونة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: ما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بيتي قطّ إلا رفع طرفه إلى السماء، فقال: «اللهم إني أعوذ بك من أن أضلّ أو أضلّ أو أزلّ أو أزلّ أو أجهل أو يجهل عليّ أو أظلم أو أظلم» . وروى الشيخان عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رجلا اطّلع في بعض حجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقام إليه بمشقص أو بمشاقص، وجعل يختله ليطعنه. وروي عن سهل بن سعد الساعدي- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رجلا اطّلع في حجر في باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مدرى يحكّ به رأسه- فلما رآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لو أعلم أنّك تنتظرني لطعنت به في عينيك قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنّما جعل الإذن من قبل البصر» . الثاني: في مخاطبته صلى اللَّه عليه وسلم للناس. وروى أبو داود وأبو الشيخ عن ابن مسعود- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا يبلّغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا، فإنّي أحبّ أن أخرج إليهم، وأنا سليم الصّدر» . ورواه التّرمذيّ وزاد «قال عبد اللَّه: فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمال فقسّمه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فانتهيت إلى رجلين جالسين وهما يقولان: ما أراد محمد بالقسمة التي قسمها، وجه اللَّه تعالى، ولا الدّار الآخرة فتثبّت حين سمعتها فأتيته فأخبرته فقال: «دعني عنك فقد أوذى موسى بأكثر من ذلك فصبر» . وروى البيهقي عن علي- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أجود الناس كفا وأصدقهم لهجة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبّه يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى اللَّه عليه وسلم. وروى الترمذي عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخزن لسانه إلّا فيما يعنيه دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب ولا مشاحّ، يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه، ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه.

وترك النّاس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا ولا يعيره ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه، وكأنما على رؤوسهم الطّير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب مما يتعجّبون منه. ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: «إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتّى يجوز فيه فيقطعه بنهي أو قيام» ويؤلّفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذّر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهيه معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة لا يقوم من مجلسه إلّا على ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ولا يوطّن المواطن وينهى عن إيطانها، يعطي كلّ جلسائه بنصيبه ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلّا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته متعادلين، يتفاضلون فيه بالتّقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب» . وروى الإمام أحمد وابن سعد عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، وكان أصحابه يتناشدون الأشعار في المسجد وأشياء من أمور الجاهلية فيضحكون ويتبسم. وروى ابن سعد والترمذي في الشمائل عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكرنا الدّنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا. وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من قريش، فذكروا النّساء فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم حتى أحببت أن يسكت. وروى الخرائطي عن أبي حازم وحفص بن عبد الله بن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث أصحابه عن أمر الآخرة، فإذا رآهم قد كسلوا عرف ذلك فيهم

الثالث: في حديث أصحابه بين يديه واستماعه لهم صلى الله عليه وسلم.

حدّثهم في بعض أحاديث الدّنيا، حتى إذا نشطوا أقبل يحدثهم في حديث الآخرة. شرح غريب ما سبق. البشر: بكسر الباء الموحدة طلاقة الوجه وبشاشته. الصخاب: من الصخب وهو الضجة، واختلاط الأصوات للخصام. الفحاش والعياب: فعال من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة فيهم. تؤبن: بضم المثناة الفوقية وبهمزة ساكنة وموحدة ونون أي لا يقذف، ولا يرمي بعيب. الحرم: جمع حرمة وهي المرأة. لا تنثى فلتاته: بضم المثناة الفوقية ونون فمثلثة أي لا يتحدث بهفوة أو نزلة كانت في مجلسه من بعض القوم، يقال: نثوت الحديث أنثوه نثوا إذا ادعيته والفلتات جمع فلتة، وهو ها هنا السقطة والزلة. وقوله: كأنما على رؤسهم الطير يريد أنهم يسكنون ولا يتحركون ويغضّون أبصارهم، والطير لا تسقط إلا على ساكن. وقوله: «لا يقبل الثناء إلا من مكافئ» إلى آخره يريد أنه إذا ابتدأ بثناء ومدح عرف ذلك إذا اصطنع معروفا فاثنى عليه مثن، وشكر له قبل ثناء وأنكر ابن الأعرابي هذا التأويل، وقال: المعنى لا يقبل الثناء عليه ممن يعرف حقيقة إسلامه، ويكون من المنافقين الذين يقولون بأفواههم، ما ليس في قلوبهم. وقال الأزهري: معناه لا يقبل إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا يقتصر عما دفعه الله تعالى إليه. والمكافأة: المجاوزة على الشيء. وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصبحت؟ قال: «بخير من رجل لم يصبح صائما، ولم يعد سقيما» . الثالث: في حديث أصحابه بين يديه واستماعه لهم صلى الله عليه وسلم. روى ابن أبي شيبة وأبو الحسن بن الضحاك عن سماك بن حرب- رحمه اللَّه تعالى- قال قلت: لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرا: كان يطيل الصّمت، وكان يصلي الصبح، فيجلس ونجلس معه، فيتذاكرون الشّعر وأمر الجاهليّة فيضحكون، ويتبسم الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ورواه الإمام احمد وابن سعد عن جابر. وروى الحارث بن أبي أسامة وأبو الحسن بن الضحاك عن خارجة بن زيد بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: دخل نفر على أبي زيد بن ثابت، فقالوا: حدّثنا عن بعض أخلاق

رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: كنت جاره، وكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّ فأكتب الوحي، وكنّا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا فكل هذا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورواه ابن سعد والترمذي عن زيد مختصرا. وروى الإمام أحمد عن عمران بن حصين والبزّار عن ابن عمر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحدّثنا ليلة عامّة عن بني إسرائيل حتى يصبح، لا يقوم فيها إلا لعظم صلاة. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عثمان بن عبد اللَّه بن أوس عن جده أنه كان في الوفد الذين قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بني مالك فأنزلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قبة له بين المسجد وأهله، فكان يختلف إليهم فيحدثهم، بعد العشاء الآخرة. وروى أبو داود الطيالسي عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأتينا فيحدّثنا بعد عشاء الآخرة، فاحتبس عنّا ليلة عن الوقت الذي كان، يأتينا فيه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن، فأحببت أن لا أخرج حتّى أقرأه» ، أو قال أقضيه ... الحديث. وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن عبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كثيرا ما يحدثنا هذا الحديث، عن امرأة كانت ترضع صبيا لها على سفح جبل، فقال: يا أمّه من خلقك؟ قالت: اللَّه؟ قال: فمن خلق أبي؟ قالت: اللَّه قال: فمن خلق السّماء؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق الأرض؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق الجبل؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق البقر؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق الغنم؟ قالت: اللَّه، قال الطفل: إنّي لا أسمع للَّه شأنا فألقى نفسه من الجبل فتقطع انتهى.

الباب الثالث عشر في وفائه بالعهد والوعد - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثالث عشر في وفائه بالعهد والوعد- صلى اللَّه عليه وسلم- روى البخاري عن أبي سفيان بن حرب- رضي اللَّه تعالى عنه- أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ... الحديث، وفيه: وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرّسل لا تغدر. وروى ابن أبي خيثمة وأبو داود والخرائطيّ عن عبد اللَّه بن أبي الحسماء- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: بايعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث، وبقيت له بقية فوعدتّه أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه فقال: يا أخي وفي لفظ يا فتى «لقد شفقت عليّ أنا ها هنا من منذ ثلاث أنتظرك» . وروى ابن العربي والحاكم، وقال على شرطهما وأقرّه الذهبي عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو عندي، فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا جثامة المزنيّة، قال: «بل أنت حسّانة المزنية كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟» قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، فلما خرجت، قلت: يا رسول اللَّه، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: «إنّها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» . وروى الشيخان والترمذي عنها قالت: ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها، وفي لفظ «وما بي أن أكون أدركتها، وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لها» وقد أمره ربه- تبارك وتعالى- أن يبشرها ببيت في الجنّة من قصب وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها، وفي لفظ: «في صدائقها» ، وفي لفظ: «فيتبع بها صدائق خديجة فيهديها لهنّ» فربما قلت: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد فأغضبته يوما فقلت: «لقد أبلغك اللَّه» وفي لفظ «لقد أعقبك اللَّه من عجوز من عجائز قريش حمراء الشّدقين هلكت في الدهر الأول، قالت: فتغيّر وجهه ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى مخيلة الرعد حين ينظر أرحمة هي أم عذاب؟ وفي لفظ: «كأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا ذكر خديجة أحسن الثّناء عليها فقلت: ما تريحني منها، وقد أبد لك اللَّه خيرا منها، قال صلى اللَّه عليه وسلم: «ما أبدلني اللَّه خيرا منها آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذّبني النّاس، وواستني بما لها إذ حرمني الناس، ورزقني منها اللَّه الولد، إذ لم يكن لي من غيرها» .

وروى الحاكم وصححه عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بشيء يقول: «اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت تحب خديجة» . «وروى البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد» [ (1) ]- أخت خديجة- على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم استئذان خديجة، فارتاع لذلك، وفي لفظ «فارتاح لذلك» فقال: اللهمّ، هالة بنت خويلد قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك اللَّه خيرا منها.

_ [ (1) ] سقط فى أ.

الباب الرابع عشر في إكرامه - صلى الله عليه وسلم - من يستحق إكرامه وتألفه أهل الشرف

الباب الرابع عشر في إكرامه- صلى اللَّه عليه وسلم- من يستحق إكرامه وتألّفه أهل الشّرف روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن حميد بن هلال، قال: كان رجل من الطفاوة طريقه علينا يأتي على الحي، فحدثهم قال: أتيت المدينة مع عير لنا، فبعنا بضاعتنا، ثم قلت: لأنطلق إلى هذا الرجل فلآتينّ من بعدي بخبره فانتهيت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو يريني بيتا قال: أن امرأة كانت فيه فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت اثنتي عشرة عنزا لها وصيصتها كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزا من غنمها وصيصتها، فقالت: يا رب، إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزا من غنمي وصيصتي، وإنّي أنشدك عنزي وصيصتي، قال: فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذكر شدة منا شدتها لربها- تبارك وتعالى- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فأصبحت عنزها ومثلها وصيصيتها ومثلها وهاتيك فائتها فاسألها إن شئت قال: قلت: بل أصدّقك. وروى أبو الحسن بن الضحاك وأبو الشيخ والخرائطي عن جرير بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتيت لأبايعه، قال: ما جاء بك يا جرير، قلت: لأسلم على يديك، قال: فألقى إليّ كساء، ثم أقبل على أصحابه فقال: «إن أتاكم كريم قوم فأكرموه» ورواه أبو الشيخ والخرائطي عنه، قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعض بيوته فامتلأ البيت فقعد جرير خارج البيت، فأبصره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذ ثوبه ورمى به إليه، وقال: اجلس على هذا فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبّله. وروى ابن سعد عن أشياخ من طيء قالوا: أن عدي بن حاتم قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلّم عليه، وهو في المسجد، فقال: من الرّجل؟ قال عدي بن حاتم: فانطلق به إلى بيته وألقى إليه وسادة محشوّة بليف، وقال: «اجلس عليها» فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الأرض، وعرض عليه الإسلام، فأسلم عديّ، واستعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدقات قومه. وروى الترمذي عن عكرمة بن أبي جهل- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يوم جئته «مرحبا بالرّاكب المهاجر» وذكر الرشاطي إن أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الأصبحي الحميري، وفد على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ففرش له رداءه، وكان يعد من الحكماء.

وروى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير في التهذيب وأبو يعلى وابن منده وابن عساكر عن صفوان بن أمية، قال: لقد أعطاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين وإنه لمن أبغض النّاس إليّ، فما زال يعطيني حتى إنّه لأحبّ الناس إليّ قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في التحقيق: أعلم أن من المؤلفة قلوبهم ما تألفوا في بدء إسلامهم ثم تمكن الإسلام من قلوبهم، فخرجوا بذلك عن حدّ المؤلّفة، وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة باعتبار ابتداء أحوالهم، وفيهم من لم يعلم منه حسن إسلامه والظاهر بقاؤه على حال الناس، ولا يمكننا أن نفرق بين من حسن إسلامه وبين من لم يحسن إسلامه، لجواز أن يكون من ظننّا به الشّرّ على خلاف ذلك، وأن الإنسان قد يتغيّر حاله، ولا ينقل إلينا أمره فالواجب أن نظن بكل من سمعنا عنه الإسلام خيرا، ومما يقوي ما ذكرت ما رواه الإمام أحمد عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان الرجل يأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا، فلا يمشي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها، قال: وأسماء من بلغنا منهم. الأقرع بن حابس التميمي. والمجاشعي جبير بن مطعم بن عدي. المجد بن قيس السهمي والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي. وحويطب بن عبد العزى. حكيم بن حزام بن خويلد. حكيم بن طليق بن سفيان. خالد بن قيس السّهمي. سعيد بن يربوع بن عنكشة. سهيل بن عمرو وأبو سفيان العباس بن مرداس السلمي. عبد الرحمن بن يربوع من بني مالك. علقمة بن علاثة. عمير بن وهبة الجمحي. عمرو بن مرداس السلمي. عمرو بن بعكك أبو السنابل، ويقال اسمه: لبيد. عيينة بن حصن الفزاري. قيس بن عدي السهمي.

قيس بن مخرمة. مالك بن عوف البصريّ. مخرمة بن نوفل الزّهريّ. معاوية بن أبي سفيان. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب واسمه المغيرة والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة. هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحرث بن حنيف بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي.

الباب الخامس عشر في ربطه - صلى الله عليه وسلم - الخيط في خاتمه وأصبعه إذا أراد أن يتذكر حاجة إن صح الخبر

الباب الخامس عشر في ربطه- صلى اللَّه عليه وسلم- الخيط في خاتمه وأصبعه إذا أراد أن يتذكر حاجة أن صح الخبر وروى ابن سعد وابن أبي أسامة وأبو سعيد بن الأعرابي وابن عدي وأبو يعلى من طريق عقبة بن عبد الرحمن وابن عمر والطبراني عن رافع بن خديج وابن عدي عن واثلة بن الأسقع وأبو سعيد بن الأعرابي وابن عدي عن علي- رضي اللَّه تعالى عنه- قالوا: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في خنصره أو في خاتمه خيطا وسندها ضعيف كما اقتصر عليه الحافظ في تخريج أحاديث الإحياء ففي سند حديث ابن عمر، وفي سند حديث واثلة بن الأسقع، وفي سند حديث رافع غياث بن إبراهيم وهو ضعيف جدا.

الباب السادس عشر في احتياطه - صلى الله عليه وسلم - في نفي التهمة عنه

الباب السادس عشر في احتياطه- صلى اللَّه عليه وسلم- في نفيّ التهمة عنه روى الإمام أحمد عن حبة وسواء خالد ابني الخزاعي- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يعمل عملا أو يبني بناء، فأعناه فلما فرغ دعا بنا، وقال: «لا تيأسا من الخير ما تهززت رؤوسكم إنّ الإنسان ولدته أمه أحمر ليس عليه قشر، ثمّ يرزقه اللَّه عز وجل» . وروى الشيخان عن صفية بنت حيي قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معتكفا فأتيت أزوره ليلا فحدّثته، ثم قمت فانقلبت، فقام معي يقبّلني، وكان مسكنها في دار أم أسامة بن زيد فمرّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسرعا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «على رسلكما، إنها لصفية بنت حييّ» ، فقالا: سبحان اللَّه! يا رسول اللَّه وكبر عليهما فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو شيئا» . وروى الإمام أحمد ومسلم والبخاري في الأدب وأبو الحسن بن الضحاك عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: بينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع امرأة من نسائه إذ مر به رجل فدعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «يا فلان هذه زوجتي فلانة» قال: من كنت أظنّ به، فلم أظنّ بك قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم» . وروى البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبي إِذَا جَاءك الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ إلى قوله غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة/ 12] فمن أقرت بهذا الشرط من المؤمنات [قال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «قد بايعتك كلاما ولا واللَّه ما مست يده امرأة قطّ في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك» ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك بسند ضعيف عن الشّعبي مرسلاً- رحمه اللَّه تعالى- قال: وفد عبد قيس على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة، فأجلسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وراء ظهره.

الباب السابع عشر في خروجه - صلى الله عليه وسلم - لبساتين بعض أصحابه ومحبته لرؤية الخضرة وإعجابه

الباب السابع عشر في خروجه- صلى الله عليه وسلم- لبساتين بعض أصحابه ومحبته لرؤية الخضرة وإعجابه روى ابن السّنيّ وابن عدي وأبو نعيم عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة، والماء الجاري، والوجه الحسن. وروى ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان أحبّ الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة، وكان يعجبه النظر إلى الخضرة، والماء الجاري والوجه الحسن. وروى أبو نعيم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النّظر إلى الخضرة. وروى الطبراني وابن السني وأبو نعيم عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: يا خضرة فقال: لبيك أخذنا فألنا من فيك. وروى أبو داود الطيالسي والترمذي عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه، وفي لفظ «يستحب» الصلاة في الحيطان قال أبو داود: يعني: البساتين. وروى البخاري في الأدب عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن البدو قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو؟ قالت: نعم، كان يبدو إلى هؤلاء التلاع. وروى الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء ماشيا وراكبا. قال أبو عمر- رحمه الله في التمهيد: قيل: كان يأتي يتفرج في حيطانها، ويستريح عندهم. لطيفة: قال بعض العلماء: - رحمهم الله تعالى-: إنّ الطبيعة لتمل الشّيء الواحد إذا دام عليها، ولذلك اتّخذت ألوان الأطعمة وأصناف الشّراب وأنواع الطيب وأطلق التزويج بأربع نسوة ورسم البيت ويتحول من مكان إلى مكان، والاستكثار من الإخوان والتفنن في الأدب والجمع بين الجدّ والهزل والزهد واللهو، وقيل: لأبي سليمان الدّارنيّ- رحمه الله-: ما بالكم يعجبكم الخضرة؟ فقال: لأن القلوب إذا غاصت في بحار الفكرة غشيت الأبصار فإذا نظرت

إلى الخضرة عاد إليها نسيم الحياة. رواه أبو نعيم وقال ابن المقري في فوائده: حدثنا عبد الصمد بن سعيد بن العباس بن السعدي، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا أبو الطاهر حدثنا الموقري عن الزهري عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «روّحوا القلوب ساعة فساعة» وقال وهب بن منبه من حكم آل داود: حق على العاقل أن يشتغل بأربع ساعات: ساعة يناجي ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يجبرونه ويعينونه وينفّسوا عن نفسه، وساعة يخلى بين نفسه ولذاتها فيما يحلّ فإن هذه الساعة عون على باقي الساعات وإجمام للقلوب، حق على العاقل أن لا يطعن إلا في إحدى ثلاث زاد لمعاد أو مرمّة لمعاش أو لذّة في غير محرم رواه البيهقي في الشعب وفي وصية بعض الحكماء: فراغ العلماء إنما يكون في إجمام أنفسهم، إذا كلّت خواطرهم، وضاق ذرعهم في استخراج دقائق الحكمة، فحينئذ يروّح العالم قلبه بالنّزهة، حتى يعود نشاطه ويجتمع رأيه، ويصفو فكره. وقال أبو عبيدة: ليس شيء أحسن عند العرب من الرياض في المعيشة، ولا أطيب ريحا قال الأعشى: ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل وقال بعضهم: ما استدعى عن شارد الشعر بمثل الماء الجاري والشرف والمكان الخضر الخالي.

الباب الثامن عشر في إعجابه بالأترج والحمام الأحمر إن صح الخبر

الباب الثامن عشر في إعجابه بالأترج والحمام الأحمر إن صح الخبر روى الطبراني بسند ضعيف عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الأترجّ، وكان يعجبه النّظر إلى الحمام الأحمر [ (1) ] . وروى أبو القاسم البغوي وقاسم بن أصبع وأبو بكر بن أبي خيثمة والدارقطني في غرائب مالك عن أبي كبشة الأنماري- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب وفي لفظ «كأن يعجبه» النظر إلى الأترجّ وإلى الحمام الأحمر. وهذه الأسانيد ضعيفة جدا. وروى الطبراني وابن قانع وابن السّني وأبو نعيم كلاهما في الطّبّ النّبويّ بسند ضعيف عن حبيب بن عبيد الله عن أبي كبشة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه النظر إلى الأترج ويعجبه النظر إلى الحمام الأحمر [ (1) ] . وروى الحاكم في التاريخ وأبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر. وروى ابن حبان في الضعفاء وابن السني وأبو نعيم معا في الطب عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر وإلى الأترج. شرح غريب ما سبق. التّلاع: بمثناة ففوقية فلام فألف وعين مهملة مسائل الماء من علو إلى أسفل واحدها تلعة، وقيل: هو من الأضداد، يقع على ما انحدر من الأرض، وأشرف منها. الأترج- بهمزة مضمومة ومثناة ساكنة وراء وجيم- والأترج والترنجة والترنج معروف.

_ [ (1) ] أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 9 والسيوطي في اللآلي 2/ 124 وانظر المجمع 4/ 67 والعقيلي في الضعفاء 4/ 413 والدولابي في الكنى 1/ 50 وابن القيسراني (558) .

الباب التاسع عشر في عومه - صلى الله عليه وسلم -

الباب التاسع عشر في عومه- صلى الله عليه وسلم- وروى ابن سعد عن الزهري عن عاصم بن عمر بن قتادة عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ستّ سنين خرجت به أمّه إلى أخواله من بني عدي بن النّجّار بالمدينة يزورهم ومعه أم أيمن، فنزلت به في دار النابغة، فأقامت به عندهم شهرا، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك، ونظر إلى الدّار فقال: «ها هنا نزلت بي أمي، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النّجّار» . وروى أبو القاسم البغوي حدثنا أبو داود عمرو حدثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير ماء، فقال: يسبح كلّ رجل إلى صاحبه، فسبح كل رجل منهم إلى صاحبه، حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فسبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر حتّى اعتنقه، وقال: لو كنت متخذاً خليلا حتّى ألقى الله- عز وجل- لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه صاحبي. تابعه وكيع عن عبد الجبار رواه ابن عساكر في تاريخه وعبد الجبّار ثقة، وكذا شيخه إلا أنه مرسل، وقد روي موصولا قال ابن شاهين: في السّنّة: حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا محمد بن عثمان حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية حدثنا أبي حدثنا سليمان بن جرير عن عكرمة عن ابن عباس بن نحوه، وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد العزيز بن مروان بن معاوية الفزاري (حدثني ابن أبي غريب بن حديرية) [ (1) ] وقال: في آخره أنا إلى صاحبي.

_ [ (1) ] في أحدثني أبي عن سليمان بن حويرية.

الباب العشرون في مسابقته - صلى الله عليه وسلم - بنفسه على الأقدام

الباب العشرون في مسابقته- صلى الله عليه وسلم- بنفسه على الأقدام روى النسائي عن أنس بن مالك قال: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيّ، فسبقه فكأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك: فقال «حقّ على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله» . الباب الحادي والعشرون في جلوسه- صلى الله عليه وسلم- على شفير البئر وتدليته رجليه وكشفه عن فخذيه روى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، - وقد قتل زوجها، وكانت عروسا- فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها، حتى بلغنا سدّ الروحاء حلّت، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنع حيسا في نطع صغير، ثم قال لي: آذن من حولك، فكانت تلك وليمته على صفية ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوّي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب. وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه وساقيه. وروى الإمام أحمد عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن فأذن له. وروى البخاري عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه، فلما دخل عثمان غطاهما. وروى عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع من رجع وعقب من عقب.

الباب الثاني والعشرون في آداب متفرقة صدرت منه - صلى الله عليه وسلم - غير ما تقدم

الباب الثاني والعشرون في آداب متفرقة صدرت منه- صلى الله عليه وسلم- غير ما تقدم وفيه أنواع: الأول: روي في مشاورته صلى الله عليه وسلم أصحابه قال تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ الآية [آل عمران 159] . وروى سعيد بن منصور وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: قد علم الله أنّ ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد ليستن به من بعده. وروى ابن جرير وابن أبي خيثمة عن قتادة قال: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- في الأمور، وهو يأتيه الوحيّ من السّماء- لأنّه أطيب لأنفس القوم، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا، وأرادوا بذلك وجه الله تعالى عزم عليهم على أرشده. وروى ابن أبي شيبة عن الضّحّاك قال: ما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة لما فيها من الفضل والبركة. وروى ابن أبي حاتم والخرائطي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت من الناس أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الطبراني بسند جيد عن عمر، وقال كتب أبو بكر الصديق إلى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب فعليك به. وقد تقدم في باب الجهاد شيء من ذلك. وروى ابن سعد عن يحيى بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار النّاس يوم بدر، فقام الحباب بن المنذر، فقال: نحن أهل الحرب أرى أن تعوّر المياه إلا ماء واحدا نلقاهم عليه قال: واستشارهم يوم قريظة والنضير، فقام الحباب بن المنذر فقال: أرى أن ننزل بين القصور، فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء، وخبر هؤلاء عن هؤلاء، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله. وروى الحاكم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت مستخلفا أحدا من غير مشورة لاستخلفت ابن أمّ عبد» . قال العلامة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المرسي، الأمور الممكنة على ضربين الضرب الأول: ما جعل الله فيه عادة مطردة لا تنخرم، فهذا مالا يستشار فيه بل من علم السيادة كان أعلم ممن لا يعلمها.

الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم كان كثير الصمت، كثير الذكر، قليل اللغو.

والضرب الثاني: ما كانت العادة فيه أكثرية، فهذا الذي يستشار فيه، فإن من حاول تلك الأمور أكثر كان عليه بها أكثر ورأيه فيها صواب، ألا ترى أن من حاول التجارة علم وقت رخصها وغلائها وما يصلح منها للنشر وما لا يصلح فهذا يستشار فيها، لأن علمه بها أكثر. الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم كان كثير الصمت، كثير الذكر، قليل اللّغو. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة والبيهقي عن هند بن أبي هالة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الذكر، ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت. وروى مسلم والبيهقي عن سماك بن حرب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، قليل الضّحك انتهى. وروى الإمام أحمد والشيخان عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، قليل الضّحك. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذّكر، ويقلّل اللّغو، ويطيل الصّلاة، ويقصّر الخطبة ولا يأنف، ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين. الثالث: في عدم مواجهته أحدا بما يكره وأدابه مع خدمه وما كان يقوله، ويفعله إذا اهتم، وما يطرأ عليه من السرور عند فرحه، وأنه كان يلمح الأشياء بمؤخر عينه، ولا يلتفت ولا يصرف وجهه عن أحد إذا استقبله، وصافحه، وأنّه لا يبثّ بصره في وجه أحد، ومصافحته، وما كان يقوله إذا أراد دخول قرية وغير ذلك غير ما سبق. روى النسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يواجه أحدا بشيء يكرهه، ودخل عليه رجل يوما، وعليه أثر خلوف، فلما خرج الرجل قال: لو أمرتم هذا بغسله. وروى ابن عدي عن محمد بن سلمة- رضي الله تعالى عنه- قال: قدمت من سفر فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فما ترك يدي حتى تركت يده. وروى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت أحدا التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتّى يكون الرجل، هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرّجل هو الذي يدع يده. وروى عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافح الرّجل لم ينزع يده حتى يكون

الرجل هو الذي ينزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرف وجهه. روى الطيالسي والنّسائي في الكبير وابن حبان عن ابن مسعود وابن أبي شيبة عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط خطا هكذا أمامه فقال: «هذا سبيل الله- عز وجل- ثم خطّ خطوطا» ، ولقط جابر وخط عن يمينه وخط عن شماله فقال: «هذا سبيل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم وضع يده في الخطّ الأوسط ثم تلا هذه الآية وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ذكره أبو الحسن بن الضّحّاك عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلمح بمؤخّرة عينه، ولا يلتفت. وروى عبد الله بن المبارك عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استقبل الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرّجل هو الذي ينزع ولا يصرف وجهه حتّى يكون الرّجل هو الذي يصرف، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس. وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية يريد دخولها، قال: «اللهم بارك لنا فيها» ثلاثا «اللهم ارزقنا حياها وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا» . وروى الطبراني بسند جيد عن أبي لبابة بن عبد المنذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد دخول قرية لم يدخلها، حتى يقول: «اللهم، رب السموات السبع وما أظلت وربّ الأرضين السّبع وما أقلت ورب الرّياح وما أذرت ورب الشياطين وما أضلّت إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها» . وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: والله ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا قطّ. ورواه الخلعيّ وزاد «إلا أن يجاهد في سبيل الله» . وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع: وفي لفظ عشر سنين فما قال لي أفّ، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته ولا بئس ما صنعت وفي لفظ «ما قال لي: لم فعلت؟ وألا فعلت هذا» . وروى أبو داود عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت أمّر على صبيان، وهم يلعبون في السّوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه، وهو

يضحك، فقال: يا أنس، اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم يا رسول الله. وروى الشيخان عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أن أنسا غلاما كيّسا، فليخدمك، قال: فخدمته في السفر والحضر فو الله، ما قال لي لشيء قد صنعته: لم صنعت كذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا. هكذا رواه الإمام أحمد بلفظ «أخذت أم سليم بيدي مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هذا ابني وهو غلام يخدمك قال: فخدمته تسع سنين، فما قال لي لشيء قطّ صنعته، أسأت أو بئس ما صنعت. وروى أبو ذر الهرويّ وأبو الحسن بن الضحاك عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفة له فأبطأت عليه، فقال: «لولا مخافة القصاص لأوجعتك بهذا السّواك» . وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اهتمّ أكثر من مسّ لحيته وفي رواية: يقبض عليها أو يخللها. وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اهتمّ أكثر من مس لحيته، وفي رواية «يقبض عليها أو يخللها» . وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اهتمّ أكثر، أدخل يده في لحيته. وروى أبو بكر بن أبي شيبة والبزّار والحسن بن عرفة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي من ملء الأرض من شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمرّت وجنتاه فجأة وهو على تلك الحال، فقال: يا رسول الله، لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل «اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون» ولكن، والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح الله لك فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسرّه خرّ ساجدا لله تعالى. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الرّجل مغيّر الخلق خرّ ساجدا وإذا رأى القرد خرّ ساجدا وإذا قام من منامه خرّ ساجدا شكراً لله تعالى.

وروى النسائي عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر استنار وجهه كأنه قطعة من القمر. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يحب قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات» وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كل حال» . وروى ابن أبي خيثمة وأبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن بريدة عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأله عن اسمه، فإن أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسما رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه. وروى الطبراني بسند جيد عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، فسقطت على لحيته ريشة، فابتدر إليه أبو أيوب فأخذها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «نزع الله عنك ما تكره» . وروى الإمام أحمد عن نافع أن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- سمع مزمار راع، فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل براحلته عن الطّريق «وهو يقول: يا نافع، هل تسمع شيئا فأقول: نعم، فيمضي حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق» [ (1) ] وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع مزمار راع ففعل مثل هذا، رواه أبو داود وزاد الترمذي، قال: نافع وكنت إذ ذاك صغيرا. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن محمد بن عجلان قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب قدمه شوكة أو شيء، فاسترجع لذلك، فقال له بعض أصحابه، ما هذا يا رسول الله؟ قال: «إن الله إذا أراد أن يكبر الصغير كبر» . وروى الإمام أحمد عن عمير بن إسحق قال: كنت مع الحسن بن علي فلقينا أبو هريرة فقال: اكشف لي عن بطنك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك فقال فكشف له عن بطنه فقبّله. وروى مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والإمام أحمد بسند صحيح عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو الوليد أنّه ضربها فقال: «ارجعي، فقولي له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارني» قال: فانطلقت فمكثت ساعة، ثم جاءت فقالت: يا رسول الله، ما أقلع عنّي، قالت: فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هدبة من ثوبه

_ [ (1) ] سقط فى أ.

فأعطاها إياها، فقال: «قولي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجارني، هذه هدبة من ثوبه» فمكثت ساعة، ثم إنّها رجعت، فقالت: يا رسول الله ما زادني إلا ضربا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: «اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا» . وروى الطبراني برجال ثقات عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجت مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس من بين خارج وقائم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى جالسا إلا دنا إليه فسأله «هل لك من حاجة» وبدأ بالصف الأول، ثم الثاني، ثم الثالث حتى دنا إليّ فقال: «هل لك من حاجة» فقلت: نعم، يا رسول الله، قال: «وما حاجتك» ؟ قلت: الإسلام، قال: «هو خير لك» . .. الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم.

جماع أبواب معجزاته - صلى الله عليه وسلم - السماوية

جماع أبواب معجزاته- صلى الله عليه وسلم- السماوية الباب الأول وفيه فصول الأول: في الكلام على المعجزة والكرامة والسّحر قال القاضي- رحمه الله تعالى-: إذا تأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره وحميد سيره وبراعة علمه ورجاحة عقله، وجملة كمالاته وجميع خصاله المرضية وشاهد حاله وصواب مقاله لم يمتر في صحّة نبوّته وصدق دعوته الخلق إلى الحقّ، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به، روى الترمذي وابن قانع عن عبد الله بن سلام- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. وعن أبي رمثة- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي فأريته فلمّا رأيته قلت: هذا نبي الله صلّى الله عليه وسلم رواه ابن سعد قال ذلك لما ظهر عليه من ملابس الصّدق، وعلامات الحق. وروى مسلم وغيره أن ضمادا لمّا وفد عليه فقال له صلى الله عليه وسلم- وقد سمع بعض قريش وفي لفظ «بعض الكفّار» يقول: محمد مجنون فقال: يا محمد، إنّي راق هل بك شيء أرقيك؟ فقال صلى الله عليه وسلم نفيا لما نسب إليه: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله» ، قال له: أعد عليّ كلماتك هؤلاء فلقد بلغني قاموس البحر، هات يدك أبايعك، قال ذلك تعجبا من بلاغتها، وإيرادها مطابقة لمقتضى الحال. وروى البيهقي عن جامع بن شدّاد، قال: كان رجلا منافقا يقال له: طارق، فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل معكم شيء تبيعونه؟» فقلنا هذا البعير قال: بكم؟ قلنا: بكذا وكذا وسقا من تمر، فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا من رجل، ما ندري من هو ومعنا ظعينة، فقالت: أنا ضامنة لثمن البعير، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم، فأصبحنا، فجاء رجل بتمر فقال: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التّمر، وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا انتهى. قالت ذلك لما ظهر لها عليه من مخائل الصدق، وملابس الوفاء. وروى ابن موسى في كتاب الرّدّة عن ابن إسحاق في خبر الجلندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فقال الجلندى: والله لقد دلّني على هذا النبي

أحدها:

الأميّ أنه لا يأمر بخير إلا كان أوّل آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أوّل تارك له وأنّه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يفجر، ويفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي جمّلته هذه المحاسن، فتأمله لها على الإقرار بنبوّته. وقال نفطويه في قوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [النور/ 35] هذا مثل ضربة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول: يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة- رضي الله تعالى عنه-. لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنةٌ ... لكان منظره ينبيك بالخبر قال المحققون: المعجزة هي الأمر الخارق للعادة المقرون بالتّحدّي الدّالّ على صدق الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- الواقع على وفق دعوى المتحدّى بها مع أمن المعارضة وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها فعلم أن لها شروطا: أحدها: أن تكون خارقة للعادة كانشقاق القمر، وانفجار الماء من بين الأصابع، وقلب العصا حية، وإخراج ناقة من صخرة، فخرج غير الخارق للعادة كطلوع الشمس كل يوم. الثاني: أن تكون مقرونة بالتّحدّي، ولم يشترط بعضهم التحدي، قال: لأن أكثر الخوارق الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم خالية من التحدي، وعلى القول بالتحدي يسمى معجزة وذلك باطل، وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم لما ادّعى النبوة استجيب على هذا الخارق دعوى النبوة من حين ابتداء الدعوة فكلما وقع له من الخوارق كان معجزة لاقترانه بدعوى النبوة حكما وكأنه يقول في كل وقت أنا رسول الله إلى الخلق، وأنه يقول في كل وقت وقع فيه الخارق للعادة هذا دليل صدقي ذكره الشيخ كمال الدين بن الهمام في المسايرة وتلميذ الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في شرحهما. الثالث: أن لا يأتي أحد بمثل ما أتى به المتحدّي مع أمن المعارضة، وهو أحسن من التعبير بعدم المعارضة، لأنه لا يلزم من عدم المعارضة امتناعها، والشرط إنما هو عدم إمكانها وخرج بقيد «التحدي» الخارق من غير تحدّ، وهو الكراهة للوليّ، وبالمقارنة الخارق المتقدم على التحدّي كإظلال الغمام وشق الصدر الواقعين لنبينا صلى الله عليه وسلم قبل دعوى الرسالة، وكلام عيسى صلى الله عليه وسلم في المهد، فإنها ليست معجزات وإنما هي كرامات ظهورها على الأولياء جائز، والأنبياء قبل نبوتهم لا يقتصرون عن درجة الأولياء فيجوز ظهورها عليهم أيضا، وحينئذ يسمى إرهاصا أي تأسيسا للنبوة، وخرج أيضا بالمقارن المتأخر عن التحدي بما يخرجه عن المقارنة العرفيّة، نحو ما رؤي بعد وفاته صلّى الله عليه وسلم من نطق بعض الموتى بالشهادتين، بما تواترت به الأخبار.

الرابع:

وخرج أيضا بأمن المعارضة، السحر المقرون بالتّحدّي، فإنّه تمكن معارضته بمثله من المرسل إليهم. الرابع: أن تقع عليّ وفق دعوى المتحدي بها، فلو قال مدعي الرسالة آية نبوتي أن تنطق يدي أو هذه الدابة، فنطقت يده أو الدابة بكذبه، فقالت: كذب وليس هو نبي، فإن الكلام الذي خلقه الله- عز وجل- دالّ على كذب ذلك المدّعي، لأن ما فعله الله تعالى لم يقع على وفق دعوى المدّعي كما روي أن مسلمة الكذاب لعنه الله تعالى، تفل في بئر ليكثر ماؤها فغارت، وذهب ما فيها من الماء. فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم تكن معجزة، ولا يقال: قضية ما قلتم أنّ ما توفرت فيه الشروط الأربعة من المعجزات، لا يظهر إلا على أيدي العارفين، وليس كذلك أن المسيخ الدجّال يظهر على يديه من الآيات العظام ما هو مشهور كما وردت به الأخبار الصحيحة، لأن ما ذكره فيمن يدعي الرسالة، وهذا يدعي الربوبية وقد قام الدليل العقلي على أن بعثته بعض الخلق غير مستحيل، فلم يبعد أن يقيم الله- عز وجل- الأدلة على صدق مخلوق أتى عنه بالشرع والملة ودلت القواطع على كذب المسيخ الدجال فيما يدعيه للتغير من حال إلى حال، وغير ذلك من الأوصاف التي تليق بالمحدثات، ويتعالى عنها ربّ البريات- سبحانه وتعالى- وها هنا فصول من كلام القاضي- رحمه الله تعالى-. الفصل الأول ويؤخر هذا عنه الفصل الثاني. قال القاضي- رحمه الله تعالى-: أعلم أن الله- عز وجل- قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده، والعلم بذاته أي كونها موجودة وأسمائه الحسنى الدالة على أحسن المعاني، وصفاته وجميع تكليفاته التي ألزمها عباده، فيعلمون أن لهم ربا موجودا ذا أسماء وصفة كمال ابتداء دون واسطة، لو شاء خلق ذلك فيهم ابتداء بلا مرشد إليه ومبين لهم إياه كما حكي عن سنة بعض الأنبياء إذ خلق فيهم ذلك إلهاما أو إلقاء في الرّوع أو رؤيا، كما رأى إبراهيم مناما يذبح ولده ورؤياهم وحي وذكره بعض أهل التفسير في قوله تعالى وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى 51] أي وحي إلهام أو رؤيا بشهادة وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ أي يلقيه في قلبها دون واسطة وكما هو تعالى قادر على خلق ما ذكر في قلوبهم ابتداء بدون واسطة جائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلّغهم ما أمر بتبليغه إليهم مما يدل على ذلك من كلام يهدى إليه، ويكون ذلك الواسطة، إما بغير البشر كالملائكة مع الأنبياء- عليهم السلام- يوحون إليهم ما أرسلوا به أو من جنسهم كالأنبياء مع الأمم ينبئونهم ما أنزل إليهم، ولا مانع لهذا الذي ذكر يمنع وصوله إلى عباده بواحدة من حالتي

الفصل الثالث

الابتداء والواسطة من دليل العقل بتجويزه إياه إذا جاز هذا ولم يستحل، وجاءت الرسل- عليهم الصلاة والسلام- بما دل على صدقهم من معجزات وجب على المرسل إليهم تصديقهم في جميع ما أتوا به مما كلفوا بتبليغه لأن المعجزة مع التحدي من النبي قائم مقام قول الله: صدق عبدي فأطيعوه واتّبعوه وشاهد على صدقه فيما يقوله من دعواه النبوة والرسالة إلى من أرسل إليهم، وهذا كان في قضائه بإمكان ما ذكر وأن المعجز مؤذن بصدق النبي صلى الله عليه وسلم لقيامه مقام إخبار الله تعالى بأنه صادق تجري عادته في خلق العلم بصدقهم علما ضروريا. الفصل الثالث قال القاضي- رحمه الله تعالى-: أعلم أن تسميتنا ما جاءت به الأنبياء من الآيات الخارقة للعادة معجزة هو أنّ الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها، فكان عجزهم عنها سببا لتسميتها معجزة من العجز المقابل للقدرة، وحقيقة الإعجاز إثبات عجز المرسل إليهم، استعير لإظهار عجزهم ثم استند إلى ما هو سبب لإظهاره من الخوارق، والمعجزة على ضربين: من حيث كونها مقدورة للبشر وغير مقدورة، وله ضرب هو من نوع ما يمكن دخوله تحت قدرة البشر ويمكنهم الإتيان به فعجزوا عنه فتعجيز الله إياهم عنه فعل لله تعالى دل على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه كصريح قوله: صدق عبدي في دعواه الرسالة لجري العادة بخلقه تعالى علما ضروريا بصدقه كمن قال لجمع أنا رسول الله- تعالى- إليكم ثم نتق فوقهم جبلا، ثم قال: إن كذبتموني وقع عليكم وإلا انصرف عنكم فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم أو تكذيبه قرب منهم، فإنهم يعلمون ضرورة صدقه مع قضاء العادة بامتناع صدور ذلك من الكاذب منهم، كصرف اليهود عن تمني الموت إذ يعجزهم عن تمنيه مع إمكانه فيعلمون ضرورة أنه صادق. وضرب من المعجزة وهو خارج عن قدرتهم، فلم يقدروا على الإتيان بمثله كإحياء الموتى، إذ ليس من جنس أفعالهم وأما إحياؤهم على يد عيسى صلى الله عليه وسلم معجزةً له، فكأنما كان من الله تعالى لأمّته شهادة، وإحياء الموتى بإذن الله تعالى «وأن تخرج الموتى بإذني» وقلب العصا حية تسمى معجزة لموسى صلى الله عليه وسلم، وإخراج ناقة من صخرة بلا واسطة وأسباب معهودة معجزة لصالح صلى الله عليه وسلم، وكلام الشجرة، ونبع الماء من بين الأصابع وانشقاق القمر معجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم مما لا يمكن أن يفعله أحد إلا الله فيكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الله تعالى حقيقة وتحدّيه من يكذبه إن طلب منه أن يأتي بمثله تعجيز له عن ذلك. واعلم أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وبراهين صدقه من هذين النوعين معا أي لما هو من نوع قدرة البشر، وما هو خارج عنها، وهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزة، وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا، وهي مع كثرتها لا يحيط بها ضبط فإن واحدا منها وهو

الفصل الرابع

القرآن لا يحصي عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجزوا عنها قال أهل العلم: وأقصر سور القرآن إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر/ 1] لأنها ثلاث آيات حروفها أقل من حروف آيات سورة هي ثلاث مثل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] وكل آية منه طويلة بعدد آياتها كلمات وحروفا أو آيات منه بعددها آيات وحروفا كلمات معجزة لا تتعارض موازاة ومداناة ثم في سورة الكوثر نفسها معجزات على ما سنفصله فيما اشتمل عليه القرآن من المعجزات التي فاقت الحصر. الفصل الرابع قال القاضي- رحمه الله تعالى- أيضا: معجزاته صلى الله عليه وسلم علي قسمين. الأول: ما علم قطعا، ونقل إلينا متواترا كالقرآن فلا مرية ولا خلاف في مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به وظهوره من قبله واستدلاله به على ثبوت نبوته صلى الله عليه وسلم وكونه رسولا إلى الناس كافة ونحو ذلك، وإن أنكر مجيئه به وظهوره من قبله واستدلاله به معاند حائر عن منهج القصد باغ يردّ الحق مع علمه جاحد له منكر، فإنكاره كإنكاره وجود محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وإنما جاء اعتراض الجاحدين في كونه حجة صلى الله عليه وسلم كما ورد في كونه كلام الله إذ قالوا: «أساطير الأوّلين» «ما أنزل على بشر من شيء» «هذا سحر مبين» فالقرآن في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة، وكما شهدت به الأعداء كالوليد بن المغيرة، إذ قال حين تلي عليه منه: إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أسفله مغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما هو من كلام البشر. ووجه إعجازه معلوم ضرورة بجزالة لفظه، وفخامة تأليفه، وبلوغه أقصى درجات مراتب البلاغة والفصاحة وحسن التئام كلماته ونظم آياته وبراعة إيجازه وغرابة فنونه وفصاحة وجوه فواتحه وخواتمه، فلا يحتاج العلم به إلى دليل. قال بعض الأئمة- رحمهم الله تعالى-: ويجري هذا القسم من معجزاته الذي علم قطعا ونقل إلينا متواترا أنه قد جرى على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغ واحد منها معيّنا القطع فيبلغه جميعها، فلا مرية في جريان جميع معانيها على يديه صلى الله عليه وسلم ناطقة بصدقه شاهدة بنبوته، ولا يختلف مؤمن ولا كافر أنه قد جرت على يديه صلى الله عليه وسلم عجائب، وإنما صدر خلاف المعاند في كون العجائب فائضة من قبل الله تعالى من حيث أن ذلك المعجز مع التّحدّي من النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة قوله تعالى: يا عبدي، صدقت فيما تدّعيه من الرّسالة! فقد علم وقوع مثل هذا من نبينا صلى الله عليه وسلم ضرورة لاتّفاق معانيها في كونها خوارق عادات مفحم من تصدّى لمعارضتها كما يعلم ضرورة جود حاتم الطائي وشجاعة عنترة العبسي وحلم أحنف بن قيس- رضي الله تعالى عنه- لاتّفاق الأخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم

تنبيهات

حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف، وإن كان كل خبر من أخبارهم الثلاثة لا يوجب العلم، ولا يقطع بصحته لعدم تواتر كل واحد منها منفردا في كل عصر. القسم الثاني من معجزاته صلى الله عليه وسلم لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين: الأول: ما اشتهر وانتشر ورواه العدد الكثير، وشاع الخبر به عند المحدثين والرواة، ونقلته السير والأخبار كنبع الماء من بين أصابعه صلّى الله عليه وسلم وتكثير الطعام. الثاني: ما لم يشتهر ولا ينتشر اختص به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير واشتهر اشتهار غيره لكنه إذا جمع إلى مثله، اتفقا في المعنى المقصود به الإعجاز، واتفقا على الإتيان بالمعجزة كما قدمنا من أنه لا مرية في جريان معانيها على يديه، وأنه إذا انضم بعضها إلى بعض أفاد القطع. تنبيهات الأول: قال ابن الصلاح- رحمه الله تعالى- في «فتاويه» : انتدب بعض العلماء لاستقصاء معجزاته صلى الله عليه وسلم فجمع منها ألف معجزة، وعددناه مقصرا إذ هي فوق ذلك بأضعاف لا تحصى فإنّها ليست محصورة على ما وجدناه منها في عصره صلى الله عليه وسلم بل لم تزل تتجدّد بعده صلى الله عليه وسلم علي تعاقب العصور وتتلاحق كرامات الأولياء من أمته وإجابات المتوسلين به في حربهم ومعوناتهم عقب توسلهم به في شدائد براهين له قواطع ومعجزات له سواطع لا يعدّها عادّ ولا يحصرها حاصر. الثاني: فرق جماعة بين المعجزة والسحر والكرامة قال الإمام المازري: الفرق بينهما أنّ السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للسّاحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنّما تقع غالبا اتفاقا، أمّا المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السّحر لا يظهر إلّا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق. ونقل النووي في زيادات الروضة عن المتولي نحو ذلك، وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه، فإن كان متمسّكا بالشريعة متجنبا للموبقات فالذي يظهر على يديه من الخوارق كرامة وإلّا فهو سحر، لأنّه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين غير أنها لدقتها لا يتوصّل إليها إلا آحاد الناس، ومادّته الوقوف على خواصّ الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف/ 116] مع أن حبالهم وعصيّهم لم تخرج عن كونها حبالا وعصيا، ثم قال: والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب كالحبّ والبغض وإلقاء

الخير والشّرّ، وفي الأبدان بالألم والسّقم، وإنما المنكور أن الجماد ينقلب حيوانا أو عكسه بسحر السّاحر ونحو ذلك. وقال القرطبي: السحر حبل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب. الثالث: التحدي بطلب المعارضة والمقابلة. قال الجوهري: تحدّيت فلانا إذا باريته في فعل ونازعته الغلبة وحدأ حدوا هو حادي الإبل، وأحدى بها حداء إذا غنّى، ومن المجاز: تحدّى أقرانه إذا باراهم ونازعهم الغلبة، وأصله في الحدا يتبارى فيه الحاديان ويتعارضان فيتحدى كل واحد منهما صاحبه أي طلب حداه، وفي حواشي الكشاف: كانوا عند الحدو يقوم حاد عن يمين العطّار، وحاد عن يساره يتحدّى كل واحد منهما صاحبه المعنى يمتحديه أي يطلب منه حداه ثم اتسع فيه، حتى استعمل في كل مباراة ذكره الإمام الطيبي- رحمه الله تعالى-. الرابع: الهاء في المعجزة للمبالغة وتوكيد الصفة، كما في علاّمة ونسابة، وأضيفت الهاء لهذا المعنى دون باقي الحروف، لأنّها كما قال السهيلي في روضه: غاية الصّوت ومنتهاه، لأنها من أقصى الحلق، إمّا قبلها أو معها أو بعدها، وقبل الألف أو معها أو بعدها أيضا كما هو مذهب سيبويه، ومن ثمّ لا يكسّر لما هي فيه فلا يقال في علاّمة ونسابة، علاليم ونساسيب لئلّا يذهب اللفظ الدالّ على المبالغة كما لم يكسّر المصغّر لذلك، وقيل: الهاء فيه للنّقل من الوضعيّة كما في الحقيقة، لأنّها مأخوذة من العجز وجعل الدلالة. الخامس: قال بعضهم: إنّ كبار الأئمة يسمّون معجزات الأنبياء دلائل النبوة، وآيات النبوة، ولم يرد في القرآن ولا في السنة لفظ المعجزة، وإنّما فيهما لفظ الآية والبيّنة والبرهان، فأمّا لفظ الآية فكثير ولفظ المعجزة إذا أطلق لا يدل على كون ذلك آية إلّا إذا فسّر المراد به، وذكرت شرائطه، والحاكم في توجيه ذلك وتصنيف التعيين بالمعجزة. قلت: لفظ المعجزة وضعه المتكلمون على ما اشتمل على الشروط الأربعة السابقة من آيات الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ولا صيغة لذلك خلافاً لما زعمه والتعيين بالآية والبرهان والبينة لا ينافس ذلك. وكل معجزة آية وبرهان وبينة ولا عكس كما يظهر في الكلام على حدّ المعجزة. السادس: أنه صلى الله عليه وسلم كون الحمد لله في خبر ضماد بأن اسمية الجملة التي هي في الأصل إخبارية أريد بها الإنشاء تنزيلا للسلامة منزلة المذكر كونه «الحمد لله» بالذات لله إزالة لما عسى يكون عنده من الإنكار وأردف صلى الله عليه وسلم بكل الجملة بجملة فعلية تلويحا بأنه مقام تجديد نعم يؤذّن الحمد بازديادها، فناسب أن يورد ما يدل على تجدّد، والحدوث أو حمد الله- تبارك وتعالى- بهما مبالغة من حمده لما مرّ عليه من شرائف النعم وكرائم التتميم أو حملا

للأولى على الخبر، وهذه على الإنشاء، وهي بكون العظمة إخطار لملزومها الذي هو ما أنعم عليه ربّه به، تعظيما وتبجيلا امتثالاً لقوله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى/ 11] فلم يقل وشهّد ليجري على ما قبله تفنّنا من الكلام، فإنّه نقله من أسلوب إلى آخر يزيده حسن نظرته، أي إحداثا وتجديدا لنشاط السّامع وإيقاظا لإصغائه أكثر. السابع: في بيان غريب ما سبق: آثر وجمع أثرة- بفتح الهمزة والمثلثة- وتقدم تفسيرها. برع: بموحدة وراء وعين مهملتين فاق أقرانه. رجاحة:..... لم يمتر:.... أبو رمثة: براء مكسورة فميم ساكنة فمثلثة فتاء تأنيث اسم. ضماد: بضاد معجمة مكسورة فميم فألف فدال مهملة أصله الشد. قابوس البحر: وسطه والجّنة. الوسق: بفتح الواو وكسرها ستون صاعا. الخطام: بكسر الخاء المعجمة وبالطاء المهملة ما يقاد به البعير. الظعينة: بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالنون وتاء التأنيث. الجلندى: بضم الجيم وفتح اللّام والدال المهملة بينهما نون ساكنة. عمّان: بفتح العين المهملة وتشديد الميم مدينة قديمة بالشام في أرض البلقاء فأما عمان: بالضم والتخفيف فموضع عند البحرين. لا يبطر: لا يبغي إذا انتصر عليهم بل يسلك فيهم ما أمر به. لا يفجر: لا ينهي عن شيء من مكروه ببنيته بالبناء للفاعلية أو المفعولية.

الباب الثاني في إعجاز القرآن واعتراف مشركي قريش بإعجازه، وأنه لا يشبه شيئا من كلام البشر، ومن أسلم لذلك

الباب الثاني في إعجاز القرآن واعتراف مشركي قريش بإعجازه، وأنه لا يشبه شيئاً من كلام البشر، ومن أسلم لذلك قال الله سبحانه وتعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء/ 88] منهم العرب العاربة وأرباب البيان وتفانوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن من بلاغته وحسن نظمه وقوله لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء: 88] جواب قسم محذوف وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88] معينا على الإتيان بمثله، ولم يدرج الملائكة في الفريقين مع عجزهم أيضا عنه، لأنهما هما المتحدّيان، ومن ثمّ تعجبت الجنّ من حسن نظمه وبلاغته البالغة أقصى درجاتها، فقالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن: 1- 2] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله- عز وجل- فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا» رواه الشيخان. قال الحافظ- رحمه الله- قوله: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطى» هذا دالّ علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه، ولا يضرّه من أصرّ على المعاندة قال ابن قرقول: «من» الأولى بيانية والثانية زائدة، و «ما» موصولة أو نكرة موصوفة، ووقعت مفعولا ثانيا «لأعطى» و «مثله» مبتدأ آمن خبره، والجملة صفة للنكرة صلة الموصول والراجع إلى الموصول ضمير المجرور في «عليه» أي مغلوبا عليه في التحدّي والمباراة، والمراد بالآيات المعجزات وموقع المثل هنا موقعه في قوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/ 23] أي ممّا يبيّن عليه صفته في البيان وعلوّ الطبقة في حسن النظم، والمثل يطلق ويراد به عين الشّيء وما يساويه، والمعنى إن كل نبي من الأنبياء قد أعطاه الله تعالى من المعجزات الدالة على نبوته الشيء الذي من صفته، أنه إذا شوهد اضطر الشاهد إلى الإيمان به. وتحريره: إن كل نبي اختص بما يثبت دعواه من خوارق العادات حسب زمانه، فإذا انقطع زمانه انقطعت تلك المعجزة فكانت تلقف ما صنعوا كقلب العصا ثعبانا في زمن موسى فخصّ كل نبي بما أثبت به دعواه من خوارق العادات المناسبة لحال قومه، وإخراج اليد بيضاء وإنما كان كذلك، لأنه الغالب في زمانه السحر، إذ كان ماشيا عند فرعون فأتاهم بما هو فوقه فاضطرّهم إلى الإيمان به ولم يقع ذلك لغيره، وفي زمن عيسى الطب، فجاءهم بما هو أعلى منه من إبراء الأكمه والأبرص بما ليس في قدرة بشر وهو إحياء الميّت، وأمّا النبي صلى الله عليه وسلم فأرسله في العرب العرباء أصل الفصاحة والبلاغة وتأليف الكلام على أعلى طبقاتها ومحاسن بدايتها باسم القرآن فأعجزهم عن الإتيان بأقصر سورة منه وقوله «آمن» وقع في رواية حكاها ابن قرقول

«أومن» بضم الهمزة ثم واو وقوله «عليه» هنا بمعنى اللّام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة، أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكنه قد يجحد فيعاند، كما قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً [النمل/ 14] وقال الطّيبيّ: المجرور في «عليه» حال، أي مقلوبا عليه في التحدي، وموقع المثل موقعه من قوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/ 23] أي من صفته من البيان وعلوّ الطبقة في البلاغة، وقوله: «وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا» إلخ معناه معظم الذي أوتيته وإلّا فقد أوتي من المعجزات مالا ينحصر والمراد به القرآن وقد تقدم أنه المعجزة الباقية على وجه الدوام إلى يوم القيامة لبلوغه أعلى طبقات البلاغة وأقصى غايات الإعجاز، فلا يتأتى لأحد أن يأتي بأقصر سورة منه لجزالة تركيبه، وفخامة ترتيبه الخارج عن طوق البشر، وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنّه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدّمه، المراد به المعجزة العظمى التي اختصّه بها دون غيره، لأنّ كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدّى بها قومه، ولذلك رتب على قوله: «وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» يريد لاضطرار الناس إلى الإيمان به إلى يوم القيامة وذكر ذلك على وجه الرجاء لعدم العلم بما في الأقدار السابقة وقيل المعنى أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعمارهم، فلم يشاهدها إلّا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمرّ عصر من الأعصار إلّا ويظهر فيه شيء مما أخبر أنه سيكون يدل على صحة دعواه، ولهذا قال «وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» . قال الحافظ: هذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده. وقيل: المعنى أنّ المعجزات الماضية كانت حسّيّة تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة مرّة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل يشاهده كل من جاء بعد الأوّل مستمرا، قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: ويمكن نظم هذه الأقوال كلها في كلام واحد، فإنّ محصلها لا ينافي بعضه بعضا، رتب صلى الله عليه وسلم قوله: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعموم نفعه، لاشتماله على الدّعوة والحجة والإخبار بما سيكون فعمّ نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد، فحسن ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك وهذه الرجوى قد تحقّقت فيه فإنّه أكثر الأنبياء تابعا ولا خلاف بين الفقهاء أنّ كتاب الله- عز وجل- معجز لم يقدر أحد على معارضته مع تحديهم بذلك قال تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6] فلولا

أنّ سماعه حجّة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون حجّة وإلّا فهو معجزة. وقال الله تعالى: وقالوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [العنكبوت/ 50] أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ [العنكبوت/ 51] فأخبر أنّ الكتاب آية من آياته كان في الدّلالة قائم مقام معجزات غيره، وآيات من سواه من الأنبياء وقد جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء، وتحدّاهم على أن يأتوا بمثله، وأمهلهم طول السّنين، فلم يقدروا ثم تحداهم بعشر سور منه، ثم تحدّاهم بسورة، فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء نادى عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن، هذا وهم الفصحاء الذين كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره، وإخفاء أمره، فلو كان في مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها قطعا للحجّة، ولم ينقل عن أحد منهم أن حدّث نفسه بشيء من ذلك ولا رامه بل عدلوا إلى العناد تارة وإلى الاستهزاء أخرى، فتارة قالوا: «سحر» للطافته، وتارة قالوا: «سحر» لحسن نظمه وفصاحته، وقال آخرون إنّه أساطير الأولين، لاستغرابهم معانيه، وقال آخرون: «قول الكهنة» لتحيّرهم فيه، كل ذلك من التحيّر والانقطاع، ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم وسبي ذراريهم وحرمهم واستباحة أموالهم، وقد كانوا آنف شيء وأشدّه حمية، فلو علموا أن الإتيان بمثله من قدرتهم لبادروا إليه، لأنّه كان أهون عليهم. وقال بعض العلماء: الذي أورده صلى الله عليه وسلم على العرب من الكلام الذي أعجزهم عن الإتيان بمثله أعجب في الآية وأوضح في الدلالة من فلق البحر وإحياء الموتى وإبراء الأكمه، لأنّه أتى أهل البلاغة وأرباب الفصاحة ورواد البيان والمتقدمة في اللغز بكلام مفهوم المعنى وكان عجزهم عنه أعجب من عجز من شاهد عيسى صلى الله عليه وسلم عند إحياء الموتى لأنّهم كانوا لا يطمعون فيه، ولا في إبراء الأكمه والأبرص ولا يتعاطون علمه، وقريش كانت تتعاطى الكلام الفصيح والبلاغة والخطابة، وقال القاضي: معجزات الرسل كانت واردة على أيديهم بقدر أحوال أهل زمانهم، وكانت بحسب المعنى الذي علا واشتهر فيه، فلما كان زمن موسى صلى الله عليه وسلم غاية علم أهل السّحر بعث إليهم بمعجزة تشبه ما يدعون قدرتهم عليه، فجاءهم على يديه صلى الله عليه وسلم منها ما خرق عادتهم من انقلاب العصا حيّة واليد السمراء يدا بيضاء من غير سوء لم يكن ذلك المعجز في قدرتهم، وقد أبطل ما جاءهم منها بسحرهم، وكذلك زمن عيسى صلى الله عليه وسلم كان انتهاء ما كان عليه أهل الطب، وأوفر ما كان في أهله فجاءهم على يديه صلى الله عليه وسلم أمر لا يقدرون عليه لاستحالة إتيانهم كغيرهم به وأتاهم بما لم يخطر لهم ببال من إحياء الموتى وإبراء الأكمه الذي ولد ممسوح العين والأبرص، وهو الذي بيده بياض فكان يأتيه من أطاق

الإتيان، ومن لم يطق ذهب به إليه فربما اجتمع عنده الألفان يظهر لهم ذلك، فيداويهم من دون معالجة، وذلك بالدعاء، وهكذا سائر معجزات الأنبياء بقدر علم أهل زمانهم، فإن كان نبي مرسل إلى قومه بمعجزة من جنس ما عاينوه من علم وصناعة وغيرها. ثم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم، وجملة معارف العرب وعلومها أربعة: البلاغة: وهي ملكة يبلغ بها المتكلّم من تأدية المعاني حدا يوزن بتوفيته خاصية كل تركيب حقّها. والشّعر: وهو كلام موزون مقفى مراد به الوزن. والخبر والكهانة: الخبر عن الكائنات وادّعاء معرفة الأسرار كان متفشيا فأنزل الله سبحانه عليه القرآن الخارق لهذه الأربعة الفصول من أجل الفصاحة والإيجاز والبلاغة الخارجة عن نوعه وطريقته، وكان العرب يتباهون بالفصاحة، ويتباهون في تحبير الشّعر والبلاغة، وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء، فأنزله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم قرآنا عربيا مبينا يشتمل على مذاهب لغة العرب، فتلا عليهم كلاما متشابه الرصف متجانس الوصف، سهل الموضوع، عذب المسموع، خارجا عن موضوع القريض والأسماع مستعذبا لأفهام الأسماع فلما سمعوه استبعدوه فقالوا فيه ما قالوا، فتحدّاهم على أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحدّاهم بعشر سور من مثله فعجزوا، ثمّ تحدّاهم بسورة من مثله، فآلوا عند العجز إلى القتل والقتال، وسبقوا العصور إلى الجحود والجدال، فلمّا عدلوا عن معارضته التي لو تمّت كان يدل على كذبه إلى قتاله الذي لو تم موضعهم فيه لم يدلّ على كذبه كان الإعجاز باديا ظاهرا وعجزهم عن معارضته وانتحاله معلوم، فالقرآن أفضل المعجزات لبقائه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبق معجز غيره بعد وفاته، آمنّا به، ولأن الأحكام الشرعيّة مستنبطة منه ولم تستنبط من معجز سواه، فالقرآن بحر لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وحكى أبو عبيد: أنّ أعرابيا سمع رجلا يقول فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر: 94] ضحك وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام، وسمع رجلا آخر يقرأ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف: 80] فقال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام. وحكى الأصمعي: أنّه سمع كلام جارية، وهي تقول: أستغفر الله من ذنوبي، فقلت لها: لم تستغفرين، ولم يجر عليك القلم؟ قال: فقالت: أستغفر الله لذنبي كلّه: قتلت إنسانا لغير حلّه مثل غزال نائم في دلّه، انتصف اللّيل ولم أصلّه فقلت لها: لماذا تبكي، ما أفصحك، فقالت: أو يعد هذا فصاحة، بعد قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

[القصص: 7] فجمع في آية واحدة بين أمرين، ونهيين، وخبرين وبشارتين، والآثار في هذا النوع كثيرة. وقال القاضي- رحمه الله تعالى-: وحقا، إن العرب قد خصّوا من البلاغة والحكم بما لم يخصّ به غيرهم من الأمم وأتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان، ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب عن أن تلهج بتراكيب صناعتهم وتبهيج أساليب صياغتهم أفانين الكلام، فجعل الله- تعالى- ذلك لهم طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كلّ سبب، فيخطبون بديهة في المقامات شديد الخطب، ويرتجزون به بين الطّعن والضّرب، ويمدحون ويقدحون، ويتوسّلون به إلى ما يرومونه من نجاح مآربهم، ويتوصّلون به إلى الفوز بمطالبهم، ويرفعون ويضعون من أرادوا، فيأتون من ذلك بالسّحر الحلال الّذي انسجم لفظه، ولطف معناه في مواسمهم ومقاصدهم، ويطوّقون من أوصافهم الحميدة وسماتهم الحميدة ما رأوه أهلا من أوصافهم أجمل سمط اللآل، فيخدعون الألباب، ويذلّلون الصّعاب، ويذهبون الأحن، ويهجون الرتن ويجرّئون الجبان، ويبسطون الجعد البنان، ويصيرون الناقص كاملا، ويتركون النّبيه خاملا، منهم البدويّ ذو اللّفظ الجزل، والقول الفصل والكلام الفخم، والطبع الجوهريّ والمنزع القويّ، ومنهم الحضري، ذو البلاغة البارعة، والألفاظ التابعة، والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرف في القول، القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين لهما في البلاغة الحجّة البالغة، والقوة الدامغة، والقدح الفالج، والمهيع الناهج، لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، يتصرفون في معاني أفانين الكلام، فيقلدون بجوز الأذهان روائع طرائفه، ويسترقون الأسماع ببدائع عوارفه، وقد حووا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في الخطير والمهين، وتفننوا في الغث والسمين وتفاولوا في القلّ والكثير وتساجلوا في النظم والنثر، فما راعهم إلا رسول كريم منهم، بكتاب عزيز بلسانهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، أحكمت آياته وفصّلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كلّ مقول، وتظاهر إيجازه، وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتبارت في الحسن مطالعه، ومقاطعه، وحوت كلّ البيان جوامعه، وبدائعه واعتدل مع إيجازه، حسن نظمه، وانطبق على كثرة فوائده، مختار لفظه أزلا لله تعالى، فارقا لعلومهم الأربعة، من الفصاحة والإيجاز والبلاغة الخارجة عن نوع كلامهم، ومن النّظم الغريب، والأسلوب العجيب، الذي لم يهتدوا في المنظوم إلى طريقته، ولا علموا في أساليب الكلام والأوزان مثلا، ومن الإخبار عن الكوائن والحوادث والأسرار والمجنات والضمائر، فيوجد على ما كانت عليه ويعترف المخبر عنها نصحه ذلك وصدقه، وإن كان أعدى العدو

إذا أبطل الكهانة الذي تصدق مرة وتكذب عشرا، ثم ليجتثّها من أصلها برجم الشّهب ورسل النجوم، وجاء من القرآن من الأخبار عن القرون السّالفة، عن الأنبياء والأمم البائدة من الحوادث الماضية ما ينجز من تفرّغ لهذا العلم عن بعضه، وهم أفسح ما كانوا في هذا الباب مجالا، وأشهر في الخطابة رجالا، وأكثر في السجع والشعر سجالا، وأوسع في اللّغة والغريب مقالا، بلغتهم التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يناضلون صارخين بها في كل حين ومقرعا لهم بضعا وعشرين عاما على رءوس أشرافهم ورؤسائهم أجمعين، فتحدّاهم أوّلا بكلّ القرآن، ثم تحدّاهم بعشر سور، فقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ: افْتَراهُ [يونس: 38] أي بل يقولون اختلقه، والهمزة إشارة لقولهم، أو تقرير لإلزام الحجّة عليهم، وهما متقاربان، لأنّ مآلهما واحد وهو إبطال قولهم وتثبيت التقرير بما يؤذن به قل على سبيل التهكّم عليهم، والتقريع لهم، والمناداة على كمال عجزهم، وإلزام الحجّة عليهم، إن كان الأمر كما زعمتم على وجه الافتراء بعشر سور مثله في البيان وحسن النظم مفتريات مختلفات من عند أنفسكم، «وادعوا من استطعتم من دون الله» أي استعينوا بغير الله ممّن يمكن استعانتكم به على الإتيان بذلك، لأنّه تعالى هو القادر عليه وحده «إن كنتم صادقين» في أنّه افتراه، فعجزوا عن ذلك فتحدّاهم بسورة واحدة منها، كما قرّ عليهم، فقال الله- عزّ وجلّ-: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا [البقرة/ 23] أي مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النّظم وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة/ 23] أي استظهروا لمعارضته من حضركم، أو ارجوا معونة غير الله تعالى، فإنّه هو القادر عليه إن كنتم صادقين في أنّنا لم ننزله عليه، فلمّا عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشهد عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن، وكانوا أحرص شيء على إخفاء نوره، فلو كان في مقدرتهم معارضته، لعدلوا إليها قطعا للحجّة، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يقرعهم أشد التقريع، ويوبّخهم غاية التوبيخ، ويسفه أحلامهم، ويحطّ أعلامهم، ويشتت نظامهم، ويذم آلهتهم، ويستبيح أرضهم، وديارهم، وأموالهم، وهم في كلّ هذا ناكصون عن معارضته، محجمون عن مماثلته يخادعون أنفسهم بالتشغيب، والتكذيب، والإغراء بالافتراء، كقولهم إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر/ 24] وسِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] وإِفْكٌ افْتَراهُ [الفرقان/ 4] وأساطير الأوّلين والمباهتة، والرضا بالدنية كقولهم قُلُوبُنا غُلْفٌ [البقرة/ 88] فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت/ 5] ، لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه بخرافات وسواقط الكلم رافعين أصواتهم بها، تشويشا على قارئه، والادّعاء مع العجز بقولهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال/ 31] وقاحة وفرحا وعنادا وإلا فما منعكم لو ساعدتهم الاستطاعة إن شاءوا ذلك أن تحدّاهم وقرعهم بالعجز ليفوزوا للغلبة فرحا بأنفسهم واستنكافهم أن يغلبوا فيها في باب البيان وقد قال تعالى وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة/ 24] فما فعلوا،

وما قدروا على أن يأتوا بمقدار سورة توازيه وتدانيه، مع علمهم في مضادّته ومضارعته. فصل: لما أثبت كون القرآن معجزة لنبينا صلى الله عليه وسلم وجب الاهتمام بمعرفة وجه الإعجاز، وقد خاض النّاس في ذلك كثيرا بين محسن ومسيء فزعم قوم أنّ التحدّي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذّات وأنّ العرب كلّفت في ذلك ما لا يطاق، وبه وقع عجزها وهو مردود، لأن ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصوّر التحدي به والصّواب ما قاله الجمهور أنه وقع بالدّالّ على القديم الذي يوصف به الذّات، وأنّ العرب كلّفت في ذلك مالا يطاق، وهو الألفاظ، ثم زعم النظّام من «المعتزلة» أنّ إعجازه بالصّرفة أي أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم، وكان مقدورا لهم، لكن عاقهم أمر خارجي فصار كسائر المعجزات، وهذا قول فاسد، بدليل قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء/ 88] الآية، فإنه على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم لمنزلة منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى ممّا يحتفل بذكره، هذا مع أن الإجماع منعقد على أنّ الإضافة للإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا، وليس فيه صفة إعجاز، بل المعجز هو الله تعالى، حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله، وأيضا فيلزم من القول بالصّرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التّحدّي وخلوّ القرآن من الإعجاز، وفي ذلك خرق إجماع الأمة، فإن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظمى باقية ولا معجزة له باقية سوى القرآن، قال قاضي أهل الحقّ أبو بكر الباقلاني: وممّا يبطل القول بالصّرفة أنّه لو كانت المعارضة ممكنة، وإنما منع عنها الصّرف لم يكن الكلام معجزا، وإنّما يكون بالمنع معجزا فلا يتضمّن الكلام فضيلة على غيره في نفسه قال: وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم أنّ الكلّ قادرون على الإتيان بمثله، وإنّما تأخّروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيبه، ولو تعلّموه لوصلوا إليه به، ولا أعجب من قول آخرين أنّ العجز وقع منهم، وأما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله، وكلّ هذا لا يعتدّ به، ومن الأول قول القاضي أبي بكر: وجه إعجازه ما فيه من النّظم والتأليف والتّرصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النّظم المعتاد في كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم، قال: ولهذا لم يمكنهم معارضته. قال: ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعوها في الشّعر، لأنّه ليس مما يخرق العادة، بل يمكن استدراكه بالعلم والتّدريب والتّصنّع به، كقول الشّعر ورصف الخطب، وصناعة الرسالة، والحذق في البلاغة، وله طريق تسلك، فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذي عليه، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتّفاقا، ونحن نعتقد أنّ الإعجاز في بعض القرآن أظهر، وفي بعض أدقّ وأغمض. وقال الإمام الرّازيّ: وجه الإعجاز الفصاحة، وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب.

وقال الزّملكانيّ: وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاصّ به، لا مطلق التّأليف، بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة وعلت مركباته معنى بأن يوقّع كلّ فنّ في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى. وقال حازم في «منهاج البلغاء» : وجه الإعجاز في القرآن، من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا يوجد له فترة، ولا يقدر عليه أحد من البشر، وكلام العرب ومن تكلّم بلغتهم لا تستمرّ الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلّا في الشّيء اليسير المعدود ثمّ تعرض الفترات الإنسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه، فلا تستمرّ لذلك الفصاحة في جميعه، بل توجد في تفاريقه وأجزاء منه. وقال ابن عطية الصحيح والّذي عليه الجمهور والحذّاق في وجه إعجازه، أنّه وصحّة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، وذلك بأنّه- عزّ وجلّ- أحاط بالكلام كلّه علما، فإذا ترتّبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أيّ لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أوّل القرآن إلى آخره، والبشر يعمّهم الجهل والنّسيان والذّهول، ومعلوم ضرورة أنّ أحدا من البشر لا يحيط بذلك، فبهذا جاء نظم القران في الغاية القصوى من الفصاحة، وبهذا يبطل قول من قال: إنّ العرب كان في قدرتها الإتيان بمثله فصرفوا عن ذلك، والصّحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قطّ، ولهذا ترى البليغ ينقّح القصيدة أو الخطبة حولا ثمّ ينظر فيها فيغيّر فيها، وهلمّ جرّا، وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، ونحن تتبيّن لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذّوق وجودة القريحة، وقامت الحجّة على العالم بالعرب، إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة، وفي معجزة عيسى بالأطبّاء، فإن الله- عز وجل- إنّما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشّهير أبرع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره، فكان السحر قد انتهى في مدّة موسى إلى غايته، وكذلك الطّبّ في زمن عيسى، والفصاحة في زمن محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الخطّابيّ: ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أنّ وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها، وصغوا فيه إلى حكم الذوق، قال: والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمنها البليغ الرصين الجزل، ومنها الفصيح الغريب السّهل، ومنها الجائز الطلق الرّسل، وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود، فالأول أعلاها، والثاني أوسطها، والثالث أدناها وأقربها، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصّة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام،

بجمع صفتي الفخامة والعذوبة وهما على الانفراد في نعوتهما، كالمتضادين، لأن العذوبة تتابع السهولة، والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الزعورة، فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كل واحد منهما على الآخر فضيلة خصّ بها القرآن، ليكون آية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم وإنما تعذّر على البشر الإتيان بمثله لأمور. منها: أنّ علمه لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية، وأوضاعها التي هي ظروف المعاني ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض فيتوصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله، وإنّما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة، لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا، وأشد تلاؤما، وتشاكلا من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والتّرقي إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاثة، على التفرّق في أنواع الكلام، فأمّا أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلّا في كلام العليم القدير، فخرج من هذا أن القرآن إنّما صار معجزا، لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التآليف مضمنا أصحّ المعاني، من توحيد الله تعالى، وتنزيهه له في صفاته، ودعاء إلى طاعته وبيان لطريق عبادته، في تحليل وتحريم وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأمر بالمعروف، ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساويها، واضعا كلّ شيء منها موضعه الذي لا يرى شيئا أولى منه، ولا يتوهّم في صورة العقل أليق به منه مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل منه مثلات الله تعالى بمن مضى وعاند منهم منبئا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان جامعا في ذلك بين الحجّة والمحتجّ له، والدليل والمدلول عليه، ليكون ذلك أكبر للزوم ما دعا عليه وإنباء عن وجوب ما أمر به، ونهى عنه، ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتّى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه، وعجزوا عن معارضته بمثله، أو مناقضته في شكله، ثم صار المعاندون له يقولون مرّة إنه شعر لمّا رأوه منظوما، ومرّة إنّه سحر لمّا رأوه معجوزا عنه غير مقدور عليه، وقد كانوا يجدون له وقعا في القلوب، وفزعا في النفوس يريبهم ويحيرهم، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف، ولذلك قالوا إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وكانوا مرّة بجهلهم، يقولون أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: 5] مع علمهم أنّ صاحبهم أمّيّ وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك، من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز، ثم قال: وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس، وهو صنيعه في

القلوب، وتأثيره في النفوس، فإنّك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما، ولا منثورا إذا قرع السّمع خلص له إلى القلب من اللّذّة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في حال آخر، ما يخلص منه إليه قال الله- سبحانه وتعالى- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: 21] وقال نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر/ 23] . وقال ابن سراقة اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن، فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلّها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره. فقال قوم: هو الإيجاز مع البلاغة. وقال آخرون: هو البيان والفصاحة. وقال آخرون: هو الرّصف والنّظم وقال آخرون: فهو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النّظم والنّثر والخطب والشّعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم، وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم، وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم، حتى إن من اقتصر على معانيه، وغيّر حروفه، أذهب رونقه، ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه، أبطل فائدته، فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه، وقال آخرون: هو كون قارئه لا يكلّ، وسامعه لا يملّ، وإن تكرّرت عليه تلاوته. وقال آخرون: هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية. وقال آخرون: هو ما فيه من علم الغيب، والحكم على الأمور بالقطع. وقال آخرون: هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها. قال الزركشي في «البرهان» : أجمع أهل التحقيق على أنّ الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على انفراده، فإنه جمع ذلك كلّه، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك مما لم يسبق، فمنها الرّوعة التي له في قلوب السّامعين وأسماعهم سواء المقرّ والجاحد، ومنها: أنه لم يزل ولا يزال غضا طريّا في أسماع السامعين وعلى السنة القارئين، ومنها: جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادّين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر. ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه، كما قال سبحانه وتعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل/ 76] وقال القاضي وغيره من العلماء: [....] اختلف الناس في الوجه الذي وقع به إعجاز القرآن على أقوال حاصلها: أنّه وقع بعدّة وجوه منها: يخصّ حسن تأليفه، ومنها: التئام كلمه، وفصاحته ووجوه إيجازه، من قصر وحذف جزء جملة مضاف أو موصوف أو صفة في نحو «واسأل القرية» أي أهلها ومنادون أي برجال، و «يأخذ كلّ

سفينة غصبا» أي سفينة صالحة وغير ذلك مما استدل عليه من وجوه الإعجاز، وبلاغته الخارقة لعادة العرب في عجائب تراكيبهم ومنها صورة نظمة العجيب، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب، ومنهاج نظمها ونثرها، الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته، وانتهت إليه فواصل كلماته، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ومنها: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغّيبات، وما لم يكن موجوداً فوجد كما ورد. ومنها إنباؤه عن أخبار القرون الماضية والأمم البائدة والشرائع السالفة ما كان لا يعلم منه القصّة الواحدة إلا الفذّ من إخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلّم ذلك، فيورده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على وجهه، ويأتي به على نصّه، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب. ومنها: ما تضمّنه عن الأخبار بالضمائر كقوله تعالى إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ [آل عمران/ 122] وقوله: يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ [المجادلة: 8] . ومنها آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنّهم لا يفعلونها، فما فعلوا، ولا قدروا على ذلك كقوله في اليهود: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [البقرة/ 95] . ومنها ترك المعارضة مع توفّر الدواعي وشدة الحاجة. ومنها: الرّوعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته، كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور، فلما بلغ هذه الآية أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ إلى قوله الْمُصَيْطِرُونَ [الطور/ 35- 37] كاد قلبي [....] أن يطير، قال: وذلك أوّل ما وقر الإسلام في قلبي، وقد سمع غير واحد آيات منه، فمات لوقته، وألّف بعضهم كتابا فيمن قتله القرآن. ومنها: أن قارئه لا يملّه، وسامعه لا يمجّه، بل الإكباب على تلاوته، يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبّة وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد، ويملّ مع الترديد، ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنّه لا يخلق على كثرة «الترداد» . ومنها: كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفّل الله عز وجل بحفظه، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد، في كلمات قليلة، وأحرف معدودة. ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا. ومنها جعله آخر الكتب غنيّا عن غيره، وجعل غيره من الكتب قد يحتاج إليه كما قال

تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل/ 76] قال القاضي: والوجوه الأربعة الأول هي المعتمد عليها في الإعجاز والباقي يعدّ في خصائصه، وبقي من خصائصه كونه نزل على سبعة أحرف، وكونه نزل مفرّقا منجّما، وكونه ميسّرا للحفظ، وسائر الكتب بخلاف ذلك في الثّلاثة. قال القاضي: وإذ عرفت ما ذكر من وجوه إعجاز القرآن عرفت أنّه لا تحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر، لأنه صلى الله عليه وسلم قد تحدّى به بسورة منه فعجزوا عنها. قال أهل العلم: وأقصر الصّور «إنا أعطيناك الكوثر» فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة، ثم فيها نفسها معجزات على ما سبق. قال الشيخ- رحمه الله تعالى ورضي الله عنه- وإذا أعددتّ كلمات سورة الكوثر وجدتّها بضع عشرة كلمة، وقد عدّ قوم كلمات القرآن سبعا وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربعا وثلاثين تقريبا فالقدر المعجز منه يكون في العدد نحو: سبعة آلاف تقريبا تضرب في ثمانية أوجه الأوّلان، والسابع والثامن، والتّاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر تبلغ ستة وخمسين ألف معجزة، ثمّ تضمّ إلى ذلك ما في بعضه من الثالث، والرابع، والخامس، والسادس جملة وافرة فتصل معجزات القرآن بذلك إلى ستين ألف معجزة أو أكثر. انتهى. وقال القاضي أيضا: معجزات الرّسل، ويرحم الله سيدي محمد وفا حيث قال: له معجز القرآن في غير جمعه ... جوامع آيات بها أفصح الرّشد حديث ثرية عن حدوث منزه ... قديم صفات الذّات ليس له ضدّ بلاغ بلاغ للبلاغة معجز ... له معجزات لا يعدّ لها حدّ تحلّت بروح الوحي حلّت نسجه ... عقود اعتقاد لا يحلّ لها عقد وغاية أرباب البلاغة عجزهم ... لديد وإن كانوا هم الألسن اللدّ ورحم الله السرقسطي حيث قال: عجّزت بالوحي أرباب البلاغة في ... عصر البيان فضلّت أوجه الحيل سألتهم سورة في مثل حكمته ... قتلهم عنه العجز حين تلي ورام رجس كذوب أن يعارضه ... بغي عييّ فلم يحسن ولم يطل مشيح بركيك الإفك ملتبس ... ملهج بذوي الزّور والخطل يمجّ أوّل حرف سمع سامعه ... ويعتريه كلال العجز والملل كأنّ منطق أنورها شدّ به ... لبس من الخيل أو مسّ من الخبل أمرت البين وأعوزت محبته ... فيها وأعمى بصير العين بالنّقل

وأبيض الدّرع من شؤم راحته ... من بعد إرساله رسل منه منهل برئت من دين قوم لا قوام له ... عقولهم من وقاف الفيّ في عقل يستخبرون فتى الغيب من حجر ... صلد ويرجون غوث النّصر من هبل الأولى: اختلف في قدر المعجزة من القرآن فذهبت بعض المعتزلة إلى أنّه يتعلق بجميع القرآن، والآيتان السابقتان تردّه. وقال القاضي أبو بكر: يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت أو قصيرة، تشبثا بظاهر قوله: «بسورة» . وقال في موضع آخر: يتعلّق بسورة أو قدرها من الكلام، بحيث يتبين فيه تفاضل قوى البلاغة. قال: فإذا كانت آية بقدر حرف سورة، وإن كانت سورة كسورة الكوثر، فذلك معجز قال: ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر. قال قوم: لا يحصل الإعجاز بآية بل يشترط الآيات الكثيرة. وقال آخرون: يتعلق بقليل القرآن وكثيره لقوله تعالى فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور/ 34] قال القاضي أبو بكر: ولا دلالة في الآية، لأنّ الحديث التامّ لا يتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة. الثانية: اختلف في أنّه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة. قال القاضي: فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعريّ إلى أنّ ظهور ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ضرورة وكونه معجزا يعلم بالاستدلال، قال: والذي تقوله: أن الأعجميّ لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالا، وكذلك من ليس ببليغ، فأمّا البليغ الذي قد أحاط بمذاهب العرب، وغرائب الصّنعة، فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله. الثالثة: اختلف في تفاوت القرآن في مراتب الفصاحة، بعد اتفاقهم على أنّه في أعلى مراتب البلاغة بحيث لا يوجد في التراكيب ما هو أشدّ تناسبا ولا اعتدالا في إفادة ذلك المعنى منه، فاختار القاضي المنع، وأن كلّ كلمة فيه موصوفة بالذّروة العليا، وإن كان بعض النّاس أحسن إحساسا له من بعض، واختار أبو النصر القشيري وغيره التّفاوت، فقال: لا ندّعي أن كل ما في القرآن على أرفع الدّرجات في الفصاحة وكذا قال غيره: في القرآن الأفصح والفصيح، وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم أورد سؤالا، وهو إنه لم يأت القرآن جميعه

بالأفصح؟، وأجاب عنه الصّدر موهوب الجزريّ بما حاصله أنّه لو جاء القرآن على ذلك لكان على غير النّمط المعتاد في كلام العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح، فلا تتم الحجّة في الإعجاز فجاء على نمط كلامهم المعتاد، ليتمّ ظهور العجز عن معارضته، ولا يقولوا مثلا أتيت بما لا قدرة لنا عليه أو على جنسه كما لا يصح للبصير أن يقول للأعمى: قد غلبتك بنظري، لأنّه يقول له: إنّما تتمّ لك الغلبة، لو كنت قادرا على النّظر، وكان نظرك أقوى من نظري، فأمّا إذا فقد أصل النّظر، فكيف يصح من المعارضة والله أعلم. الرابعة: قيل: الحكمة من تنزيه القرآن عن الشّعر الموزون، مع أن الموزون من الكلام رتبته فوق رتبة غيره، أنّ القرآن منبع الحقّ ومجمع الصدق، وقصارى أمر الشاعر التخييل، بتصوير الباطل في صورة الحقّ والإفراط في الإطراء والمبالغة في الذّمّ والإيذاء دون إظهار الحقّ وإثبات الصدق، ولهذا نزه الله- سبحانه وتعالى- نبيّه عنه، ولأجل شهرة الشّعر بالكذبة سمّى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعريّة. وقال بعض الحكماء: لم ير متدين صادق اللهجة مغلقا في شعره، وأما ما وجد في القرآن مما صورته صورة الموزون، فالجواب عنه إن ذلك لا يسمّى شعرا، لأنّ شرط الشّعر القصد، ولو كان شعرا لكان كل من اتّفق في كلامه شيء موزون شاعرا، ولكان الناس كلّهم شعراء، لأنه قلّ أن يخلو كلام احد عن ذلك، وقد ورد ذلك على الفصحاء، فلو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته والطعن عليه، لأنّهم كانوا أحرص شيء على ذلك، وإنّما يقع ذلك لبلوغ الكلام الغاية القصوى في الانسجام. وقيل: البيت الواحد وما كان على وزنه لا يسمّى شعرا، وأقلّ الشّعر بيتان فصاعدا. وقيل: الرّجز لأنه لا يسمى شعرا أصلا، وقيل: أقل ما يكون من الرّجز شعرا أربعة أبيات، وليس ذلك في القرآن بحال. الخامسة: قال بعضهم: التحدي إنما وقع للإنس دون الجنّ، لأنهم ليسوا من أهل اللسان العربيّ الذي جاء القرآن على أساليبه وإنّما ذكروا في قوله قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الاسراء: 88] تعظيما لإعجازه، لأنّ للهيئة الاجتماعية من القوّة ما ليس للأفراد فإذا فرض اجتماع الثّقلين فيه، وظاهر بعضهم بعضا وعجزوا عن المعارضة، كان الفريق الواحد أعجز. وقال غيره: بل وقع للجن والملائكة منويون في الآية، لأنّهم لا يقدرون أيضا على الإتيان بمثل هذا القرآن.

وقال الكرماني في «غرائب التفسير» : إنّما اقتصر في الآية على ذكر الإنس والجنّ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الثقلين دون الملائكة، قلت: وسيأتي بسط الكلام عن ذلك في الخصائص. السادسة: قال القاضي أبو بكر: فإن قيل هل تقولون: إن غير القرآن من كلام الله تعالى معجز كالتّوراة والإنجيل؟ قلنا: ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف، وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الأخبار بالغيوب وإنما لم يكن معجزا، لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن، ولأنّا قد علمنا أنه لم يقع التّحدي إليه، كما وقع في القرآن، ولأنّ ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التّفاضل الذي ينتهي إلى حدّ الإعجاز. وقد ذكر ابن جني في «الخاطريّات» في قوله تعالى: يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [طه: 65] إن العدول عن قوله «إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ» لغرض أحدهما: لفظيّ وهو المزاوجة لرؤوس الآي، والآخر معنويّ، وهو أنّه سبحانه أراد أن يخبر عن قوّة نفس السّحرة، واستهانتهم على موسى فجاء عنهم باللّفظ أتمّ وأوفى منه إسنادهم الفعل إليه، ثم أورد سؤالا، وهو أنّا نعلم أنّ السّحرة لم يكونوا أهل لسان، فيذهب هذا المذهب من صنعة الكلام، وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللّسان من القرون الخالية إنّما هو معرب عن معانيهم وليس بحقيقة ألفاظهم، ولهذا لا يشكّ في أن قوله تعالى: قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى [طه: 63] أنّ هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم. السابعة: سئل الغزاليّ عن معنى قوله تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء/ 82] . فأجاب: الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن، يقال: هذا كلام مختلف، أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة، أو هو مختلف الدّعوى، أي بعضه يدعو إلى الدين، وبعضه يدعو إلى الدنيا، وهو مختلف النظم، فبعضه على وزن الشعر، وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة، وبعضه على أسلوب يخالفه، وكلام الله منزّه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره، وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغثّ والسمين، ومسوق لمعنى واحد، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى، وصرفهم عن الدنيا إلى الدّين، وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات إذ كلام الشعراء والمترسّلين إذا قيس عليه، وجد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة، بل في أصل الفصاحة،

حتى يشتمل على الغثّ والسمين، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة، لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون، فتارة يمدحون الدنيا، وتارة يذمونها، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة، وتارة يذمّونها ويسمّونها تهوّرا، ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات، لأن منشأها اختلاف الأغراض والأحوال، والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه، وتتعذر عليه عند الانقباض، وكذلك تختلف أغراضه، فيميل إلى الشيء مرّة، ويميل عنه أخرى، فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة، فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة- وهي مدة نزول القرآن- فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله. فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. الثامنة: قال البارزي في أول كتابه «أنوار التحصيل في أسرار التنزيل» : اعلم أنّ المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض، وكذلك كل واحد من جزأي الجملة، قد يعبّر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولا بد من استحضار معاني الجمل، أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ، ثم استعمال أنسبها وأفصحها، واستحضار هذا متعذّر على البشر في أكثر الأحوال، وذلك عتيد حاصل في علم الله تعالى، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه، وإن كان مشتملا على الفصيح والأفصح، والمليح والأملح، ولذلك أمثلة، منها قوله تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ، [الرحمن/ 54] لو قال مكانه: «وثمر الجنتين قريب» ، لم يقم مقامه من جهة الجناس بين الجني والجنتين، ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجنى فيها، ومن جهة مؤاخاة الفواصل. ومنها قوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ [العنكبوت/ 48] ، أحسن من التعبير ب «تقرأ» لثقله بالهمزة. ومنها لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة/ 2] أحسن من «لا شك فيه» لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب منها. وَلا تَهِنُوا [آل عمران/ 139] ، أحسن من «ولا تضعفوا» لخفته. ووَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي [مريم/ 4] أحسن من «ضعف» لأن الفتحة أخف من الضمة. ومنها آمَنَ أخفّ من «صدق» ، ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق وآثَرَكَ اللَّهُ [يوسف/ 91] أخفّ من «فضلك» وآتَى أخف من «أعطى» . وأُنْذِرَ [يس/ 6] أخفّ من «خوف» . وخَيْرٌ لَكُمْ [البقرة/ 54] أخفّ من «أفضل لكم» ، والمصدر في نحو هذا خَلْقُ اللَّهِ [لقمان/ 11] ، يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/ 3] ، أخف من «مخلوق» و «الغائب» ، وتَنْكِحَ [البقرة/ 230] أخف من «تتزوج» ، لأن «تفعل» أخف من «تفعّل» ، ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر.

التاسع في بيان غريب ما سبق. الخطباء: بالمد جمع خطيب وهو الحسن الخطبة من الكلام المنثور. الرّصف: براء مفتوحة فصاد مهملة ساكنة ففاء: الشّد والضم. العذبة: القريض وهو الشعر. ذرابة اللّسان: من ذرب ككتف حدّته. الألباب: جمع لب بضم اللام والموحدة العقل. المآرب: كفاعل جمع مأرب الحاجة. أنسجم: بهمزة فنون ساكنة فسين مهملة فجيم فميم مفتوحات. سمط اللآل: أصل السمط السلك ما دام فيه الخرز. إحن: بهمزة مكسورة فحاء مهملة مفتوحة فنون جمع إحنة وهي الحقد. الدّمن: بدال مهملة مكسورة فميم مفتوحة فنون جمع دمنة وهي مبارك الإبل وهي في الأصل ما في مبارك الإبل من بعرها المتلبد. الجعد: بجيم مفتوحة فعين مهملة الندم فدال للمجتمع. البنان: بموحدة تنوين بينهما ألف الأصابع، وقيل: أطرافها وواحدها بنان. الجزل: بجيم مفتوحة فراء ساكنة الكلام التام القوي الشديد. الرونق: الحسن واللطافة. الدامغة: بدال مهملة وألف فميم مكسورة غير معجمة فتاء تأنيث المهلك من دمغه إذا أصاب دماغه. ألهمه: ما ألقى في روعه. بدايع- بموحدة فدال مهملة مفتوحتين فألف فتحتية فعين مهملة- أي نجائهم بغتة من غير موعد ومعرفة فراعهم ذلك وأفزعهم. المجال.... الاتجال.... التوبيخ.... الإحجام: بهمزة مكسورة فحاء مهملة ساكنة فجيم فألف فميم التأخر عن الشيء والهيبة من أخذه.

بهرت- بموحدة فهاء فراء مفتوحات فتاء تأنيث- غلبت بلاغتها. ناكصون:.... تلهم- بمثناة فوقية فلام مفتوحتين فهاء فميم- التهمه. حين- بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية- الهلاك. الرجز: براء مكسوة فجيم ساكنة فمهملة كالنجس. بعي- بعين مهملة مكسورة- العجز. الغي- بغين معجمة مفتوحة فمثناة تحتية مشددة. يزرى- بزاء فراء التحقير. الخطل- بخاء معجمة فطاء مهملة مفتوحتين فلام- المنطق الفاسد. الكلال: العي والتعب. الورهاء- بواو مفتوحة فراء ساكنة فهاء ممدودة ذا الخرقاء. شذّبه- بشين وذال معجمتين فموحدة- فرّقه ونقبه. لبس- بلام مفتوحة فموحدة ساكنة فسين مهملة اختلاط. الخبل- بخاء معجمة وموحدة ساكنة- الفساد وبفتحها الجنون. أمرّت- بهمزة وميم مفتوحتين وراء شدت أي صار ماؤها مرّ أو أعمى بصير العين. والتفل: بمثناة مفتوحة وفاء محركة: هو البصاق.

في سؤال قريش - رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر

في سؤال قريش- رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر قال الله- سبحانه وتعالى-: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر/ 1] أي وقع انشقاقه ويؤيده قول الله- سبحانه وتعالى- بعد ذلك بآية: يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] ، فإنّ ذلك ظاهر في أن المراد وقوع انشقاقه، لأنّ الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وإذا تبيّن أنّ قولهم ذلك إنما هو في الدّنيا يتبيّن وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنّها سحر. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود، وكان يقول: خمس قد مضين: الروم، واللزوم والبطشة، والدّخان، والقمر، وقد وردت قصّة انشقاق القمر من حديث ابن مسعود، رواه الإمام أحمد والشيخان والبيهقي وأبو نعيم من طرق عن ابن عمر، ورواه الشيخان والبيهقي عن جبير بن مطعم ورواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي عن حذيفة بن اليمان ورواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم ببعض هذه القصة عن ابن عباس ورواه الإمام أحمد والشيخان وابن جرير وأبو نعيم من طرق وأنس بن مالك ورواه الإمام أحمد والشيخان وأبو نعيم من طرق متقاربة المعنى أدخلت بعضها في بعض عن أهل مكة قال ابن عباس رضي الله عنهما كما عند أبي نعيم اجتمع المشركون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل هشام والعاصي ابن وائل والأسود بن حبر يغوث والأسود بن عبد المطلب والنضر بن الحرث ونظراؤهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، وقالوا: إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان وفي لفظ: حتى راوحوا من بينهما قدر ما بين العصر إلى الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا» ، فنظر الكفّار ثم مالوا بأبصارهم فمحوها ثم أعادوا النّظر فنظروا ثم مسحوا أعينهم ثم نظروا فقالوا: سحر محمد أعيننا، فقال بعضهم لبعض: لئن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر النّاس كلّهم، فانظروا إلى السّفّار، فإن أخبروكم أنّهم رأوا مثل ما رأيتم، فقد صدق فكانوا يلتقون الرّكب فيخبرونهم أنّهم رأوا مثل ما رأوا فيكذبونهم فأنزل الله عز وجلّ «اقتربت السّاعة» . تنبيهات الأول: لم ينشقّ القمر لأحد غير نبينا صلى الله عليه وسلم. الثاني: وقع في بعض الروايات عن أنس: فأراهم انشقاق القمر بمكة مرّتين رواه الإمام أحمد ومسلم.

قال الحافظ ابن كثير: في ذلك نظر، والظّاهر أنّه أراد فرقتين وتكلم ابن القيم على هذه الرّواية فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأوّل أكثر ومن الثّاني «انشقّ القمر مرّتين» أي شقّتين وفرقتين، وقد خفي على بعض النّاس فادّعى أنّ انشقاق القمر وقع مرّتين، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسّير أنه غلط، لأنه لم يقع إلّا مرّة واحدة وقال البيهقي: قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة وهم سعيد بن أبي عروبة ومعمر بن راشد، وشعبة لكن اختلف عن كلّ منهم في هذه اللّفظة، ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم، ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين، إنّما فيه «فرقتين أو فلقتين» بالراء أو اللام وكذا في حديث ابن عمر «فلقتين» وفي حديث جبير بن مطعم «فرقتين» وفي لفظ عنه «فانشقّ باثنتين» وفي رواية عن ابن عباس عن أبي نعيم في «الدلائل» «فصار قمرين» وفي لفظ: «شقّتين» وعند الطبراني من حديثه «حتّى رأوا شقّين» قال: ووقع في النّظم لشيخنا الحافظ أبي الفضل: وانشقّ مرّتين بالإجماع، ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شرّاح الصحيحين ثم ذكر كلام ابن القيم وابن كثير قال: وهذا لا يتجه غيره جمعا بين الروايات قال: ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه: فصار فرقتين فرقة علت ... وفرقة للطود منه نزلت وذاك مرتين بالإجماع ... والنص والتواتر السّماع فجمع بين قوله «فرقتين» وبين قوله «مرتين» فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد، ووقع في بعض الروايات عن ابن مسعود «وانشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى جزأين» وهذا لا يعارض قول أنس أنّه كان بمكة، لأنّه لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلة بمكة، وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة، فلا تعارض وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «فرأيته فرقتين» . قال الحافظ: وإنما قال انشق القمر بمكة يعني أن الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وقول ابن مسعود «انشق القمر نصفين نصفا على جبل أبي قبيس ونصفا على قعيقعان. قال الحافظ: وهو محمول على ما ذكرت، وكذا ما وقع في غير هذه الرّواية ومثله روايته عن عبد الله بن مسعود وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود وقال: «انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضع أنّ مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة، ونحرر أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى.

وقال في موضع آخر في الكلام على الجمع بين روايتي ابن مسعود والجمع بين قول ابن مسعود تارة بمنى وتارة بمكة إمّا باعتبار التعدد إن ثبت، وإمّا بالجمل على أنه كان بمنى ومن قال كان بمكة لا ينافيه لأن من كان بمنى كان بمكة من غير عكس، ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها: «ونحن بمنى» ، والرواية التي فيها «مكة» لم يقل فيها ونحن وإنما قال: «انشق بمكة» يعني أن الإنشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وقول ابن مسعود رضي الله عنه انشق القمر نصفين نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان وأن لفظ السويد قال الحافظ: كان ليلتئذ بمكة، وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة فلا تعارض، وقد وقع عند الطبراني من طريق ذر بن حبيش عن ابن مسعود قال: «انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين، وفي لفظ «السويداء» قال الحافظ: يحتمل أن يكون رآه كذلك وهو بمنى كأن يكون على جبل مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس، قال: ويحتمل أن يكون القمر استمر منشقا حتى رجع ابن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك وفيه بعد، والذي يقتضيه غالب الروايات أنّ الإنشقاق كان قرب غروبه يؤيد ذلك إسنادهم الرواية إلى جهة الجبل ثم قال الحافظ: ويحتمل أن يكون الإنشقاق وقع أول طلوعه فإن في بعض الروايات أن ذلك كان ليلة البدر، أو التعبير بأبي قبيس من تغيير الرواة، لأن الفرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والأخرى على جبل آخر ولا يغير ذلك قول الراوي الآخر «رأيت الجبل بينهما» أي بين الفرقتين، لأنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق أن بينهما أي جبل آخر كان من جهة يمينه أو يساره صدق أنّها عليه أيضا. قال: وقد أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين أن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السّماء ليلة الاسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين، ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى انكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في المعاني: أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا انكار للعقل فيه، لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه. وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام وقل من يراصد السماء إلا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أي ينكشف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا

يشاهدها إلا الآحاد فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها. قال ذهب بعض أهل العلم من القدماء إلى أن المراد بقوله تعالى «وانشق القمر» أي سينشق. كما قال تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1] أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع الذي ذهب إليه الجمهور أصح، كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] كما تقدم تقريره في أول الباب، وذكر الإمام الحليمي أنّ القمر انشقّ في عصره وأنّه شاهد الهلال في الليلة الثالثة منشقا نصفين عرض كل واحد كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ثم اتّصل فصار في شكل أترجه إلى أن غاب.

الباب الرابع حبس الشمس له - صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع حبس الشمس له- صلى الله عليه وسلم- روى الطبراني وحسنه الحافظ أبو الحسن الهيثمي في «مجمع الزوائد» وأبو الفضل بن حجر في فتح الباري وأبو زرعة العراقي في شرح تقريب والده عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس أن تتأخر ساعة في النهار فتأخرت ساعة من النهار. روى البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أسباط بن نصر عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال: «لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير، قالوا فمتى يجيء قال: يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم يجيء فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس فلم تردّ الشمس على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة فلما أدبرت الشمس فخاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل السبت فلا يحل له قتالهم فيه فدعا الله فرد عليه الشمس حتى فرغ من قتالهم» وقد قال الحافظ أبي الفتح ابن سيّد الناس في قصيدة من كتابه «بشرى اللبيب بذكرى الحبيب» . وقفت له شمس النهار كرامة ... كما وقفت شمس النّهار ليوشعا وروّت عليه الشمس بعد غروبها ... وهذا من الإتقان أعظم موقعا والعلّامة بهاء الدين بن السبكي رحمهما الله تعالى في قصيدته المسماة بهدية المسافر إلى الفور المسافر فقال شعرا: وشمس الضحى طاعته وقت مغيبها ... فما غربت بل وافقتك بوقفة وردت عليك الشمس بعد مغيبها ... كما أنّها قدما ليوشع ردت

الباب الخامس في رد الشمس بعد غروبها ببركة دعائه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الخامس في ردّ الشمس بعد غروبها ببركة دعائه- صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في «معجمه الكبير» حدثنا جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى الجرادي بالموصل حدثنا علي بن المنذر حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الفضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين بن علي عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحي يكاد يغشى عليه فأنزل عليه يوما ورأسه في حجر علي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صليت العصر يا علي قال: لا يا رسول الله فدعى الله عز وجل فرد عليه الشمس حتى صلى العصر قالت: فرأيت الشمس طلعت بعدها غابت حين ردت حتى صلّى العصر. قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحسن وهو ثقة وثقه ابن حبان، قلت: وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه حرجا وأورده الذهبي في المغني في الضعفاء وقال الحافظ ابن حجر في «تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الاربعة» ولم يذكر لذكره فيه مستندا قلت: إنّما ذكره لأجل الحديث ولم ينفرد به إبراهيم بل تابعه عليه عروة بن عبد الله بن قشير عن فاطمة بنت علي كما سيأتي وقال الهيثمي وفاطمة بنت علي بن أبي طالب لا أعرفها قلت: فاطمة هذه روى لها النسائي وابن ماجة في التفسير ووثقها الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب» وتابعها أبو جعفر بن محمد وجعفر بن أبي طالب، وقال الطبراني حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا عثمان بن أبي شيبة (ح) وحدثنا عبيد بن سنام حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا عبيد الله بن أبي موسى عن فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس فذكر نحوه الحسين بن إسحاق قال الذهبي في تاريخ الإسلام: محدث ثقة، وعبيد بن غنام وهو ابن حفص بن غياث وثقّه مسلم بن قاسم، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة من رجال الصحيحين، وعبيد الله بن موسى من رجال الصحيحين وثقوه، وفضيل بن مرزوق روى له مسلم والأربعة. قال الحافظ ابن حجر في تقريبه صدوق بهم، وإبراهيم بن الحسن ثقة وأنّ ابن حبّان وثّقه وفاطمة بنت الحسين روى لها أبو داود في المراسيل وثقها الحافظ في التقريب. تنبيه قال في الرواية السابقة عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت علي عن أسماء وفي هذه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها وقد جمع كل من فاطمة بنت علي وفاطمة بنت الحسين عن

أسماء وفاطمة بنت الحسين هي أم إبراهيم بن الحسن بن الراوي عنهما فكأنه سمعه من أمّه وعمته فاطمة بنت عليّ فرواه مرة عن أمّه ومرة عن عمتها وقد عد ذاك ابن الجوزي وغيره اضطرابا وليس كذلك. وقال الطبراني: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف حدثنا شاذان بن الفضل حدثنا أبو الفضل محمد بن عبيد الله القصار بمصر حدثنا يحيى بن أيوب العلاف قال حدثنا أحمد بن صالح عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أخبرني محمد بن محمد بن موسى القطري عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن أسماء بنت عميس فذكر نحوه. وقال شاذان حدثنا أبو الحسن أحمد بن عمير حدثنا أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك به عن إسماعيل بن الحسن بن الخفاف وثّقه ابن يونس، ويحيى بن أيوب من رجال النسائي قال الحافظ في «التقريب» : صدوق وأحمد بن صالح من رجال البخاري وأبو داود، وقال في التقريب ثقة حافظ، تكلم فيه النسائي بلا حجة، وأبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصاء وثقّه الطبراني وقال أبو علي الحافظ: كان ركنا من أركان الحديث. واماما من أئمة المسلمين قد جاز القنطرة وقال الحافظ في الكشاف: صدوق وقال الدارقطني: ليس بالقوي، قال الذهبي في «تاريخ الإسلام هو ثقه ليس له غرائب فما للضعف عليه من علة. علة أحمد بن الوليد بن برد وثقه ابن حبان وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه حرجا وقال كتب عن أبي محمد بن إسماعيل بن أبي فديك نعم القاص روى عنه الأئمة والأربعة وذكره البخاري في التاريخ ولم يخرجه، وقال الحافظ في التقريب صدوقا رمي بالتشيع. وعون بن محمد بن علي بن أبي طالب وثقه ابن حبان وذكره البخاري في «التاريخ» ولم يضعفه وأم جعفر ويقال لها أم عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب من رجال ابن ماجة قال في «التقريب» مقبولة ولهذا أورد الذهبي هذا الطريق في مختصر الموضوعات وابن الجوزي قال غريب عجيب تفرد به ابن أبي فديك وهو صدوق، شيخه القطري صدوق واعترض على هذا فذكر حديث «لم تحبس الشمس لأحد إلا ليوشع بن نون» وسيأتي الجواب عنه ولم يذكر علة غير ذلك. وقال شاذان الفضلي حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن إسماعيل بن كعب الدقاق بالموصل ثنا علي بن جابر الأودي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثنا أبي حدثنا عروة بن قشير دخلت على فاطمة بنت علي الأكبر فقالت حدثتني أسماء بنت عميس فذكره.

علي بن إبراهيم وثّقه الأزدي نقله الخطيب في التاريخ وعلي بن جابر الأودي بفتح الألف وسكون الواو ودال مهملة وثقه ابن حبان وعبد الرحمن بن شريك روى له البخاري في الأدب المفرد قال الحافظ في التقريب صدوق وأبوه من رجال مسلم والأربعة، وروى له البخاري تعليقا قال في «التقريب» صدوق يخطئ كثيرا، وعروة بن قشير: بضم القاف وفتح الشين المعجمة من رجال أبي داود والترمذي في الشمائل ووثّقه الحافظ في التقريب، وفاطمة بنت علي تقدمت ولهذا الحديث طرق أخرى عن أسماء أوردت بعضها في كتابي «مزيل اللبس عن حديث رّدّ الشمس» وورد من حديث علي ورواه شاذان ومن حديث ابن الحسين بن علي رواه الدولابي في «الذرية الطاهرة» والخطيب في «تلخيص المتشابه» ومن حديث أبي سعيد رواه الحافظ أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن حسكان بمهملتين وفتح أوله الفقيه الحنفي القاضي النيسابوري فيما أملاه من طرق هذا الحديث نقله الذهبي في موضوعات ابن الجوزي من حديث أبي هريرة وابن مردويه وابن شاهين وابن مندة وحسنه شيخنا في «الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» وقد سبقت أحاديثهم وتكلمت على رجالها في كتابي «مزيل اللبس من حديث رد الشمس» وحديثا مما رواه الطحاوي من طريقين في كتابه «مشكل الآثار» وقال هذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات، ونقله عن القاضي عياض في الشفاء والحافظ به سير الناس في كتابه «بشرى اللبيب» . وقال في قصيدة ذكرها في شعره. ورد عليه الشمس بعد غروبها ... وهذا من الإيقان أعظم موقعا والحافظ علاء الدين بن مغلطاي في كتابه «الزهر الباسم» واللاذري في «توثيقه عرى الإيمان» والنووي في «شرح مسلم» في باب حل الغنائم لهذه الأمة ونقله عنه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي في باب الآذان كما في النسخ المعتمدة وأقره وصححه الحافظ أبو الفتح الأزدي ونقله ابن العديم في تواريخ حلب وحسنه الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ أبي الفضل العراقي في تكملته لشرح تقريب والده وقال الإمام أحمد وناهيك ولا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حديث اسماء لأنه من أجل علامات النبوة رواه الطحاوي فقد أنكر الحفاظ على ابن الجوزي إيراده لهذا الحديث في الموضوعات فقال الحافظ ابن حجر: في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «أحلت لكم الغنائم» من «فتح الباري» بعد أن أورد الحديث أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في الموضوعات انتهى. ومن خطّه نقلت وقال الحافظ مغلطاي في الزهر الباسم بعد أن أورد الحديث من عند جماعة لا يلتفت إليهم لما أغل به ابن الجوزي من حيث إنه لم يقع له الإسناد الذي وقع لهؤلاء وقال شيخنا في مختصر الموضوعات أفرط بإيراده له هنا.

تنبيهات

تنبيهات الأول: نقل ابن كثير عن الإمام أحمد وجماعة من الحفاظ أنّهم صرحوا بوضع هذا الحديث. قلت: والظاهر أنّه وقع له من طريق بعض الكذابين ولم يقع له من الطرق السابقة وإلا فالطرق السابقة يتعذر معها الحكم عليه بالضعف فضلا عن الوضع، ولو عرضت عليهم أسانيدها لاعترفوا بأنّ للحديث أصلا وليس هو بموضوع وما مهدوه من القواعد وذكر جماعة من الحفاظ في كتبهم المعتمدة أو تقوية من قواه كما تقدم ويردّ على من حكم عليها بالوضع. التنبيه الثاني: قد علمت رحمني الله وإياك ما أسلفنا من كلام الحفاظ في حكم هذا الحديث وتبيّن لك ثقات رجاله وأنّه ليس فيهم متهم ولا من أجمع على تركه ولا لك ثبوت الحديث وعدم بطلانه فلم يبق إلا الجواب عما أعل به وقد أعل بأمور. الأمر الأول: من جهة بعض رجال طرقه فرواه ابن الجوزي من طريق فضيل بن مرزوق وأعله به ثم نقل عنه ابن معين تضعيفه وان ابن حبان قال فيه كان يخطئ على الثقات ويأتي بالموضوعات انتهى، وفضيل من رجال مسلم ووثقه السفيانيين وابن معين كما نقله عن ابن أبي خثيمة وقال عبد الخالق بن منصور أنه قال فيه صالح الحديث، وقال الإمام أحمد لا أعلم إلا خيرا وقال العجلي جائز الحديث صدوق. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وذكره البخاري في التاريخ ولم يضعفه وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح الحديث صدوق يهم كثيرا نقل جميع ذلك شيخ الإسلام ابن حجر في «تهذيب التهذيب» ومن قيل فيه ذلك لا يحكم على حديثه بالوضع ثم ذكر ابن الجوزي ان ابن شاهين رواه عن شيخه ابن عبده من طريق عبد الرحمن شريك قال وعبد الرحمن قال فيه أبو حاتم واهي الحديث انتهى، وعبد الرحمن هذا ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ، وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» صدوق ثم قال ابن الجوزي وأنا لا أتهم بهذا إلا ابن عقدة أنه كان رافضيا انتهى، فإن كان يتهمه بأصل الحديث فالحديث معروف قبل وجود ابن عقدة وقال الذهبي في مختصر منهاج الاعتدال لشيخه ابن تيمية لا ريب أن ابن شريك حدّث به وجاء من وجه آخر قوي عنه انتهى. أراد الطريق الذي رواه ابن شاهين منه فابن عقدة لم ينفرد به بل تابعه غيره، قال شاذان: حدثنا أبو الحسن عليّ بن سعيد بن كعب الدقاق بالموصل حدثنا علي بن جابر الأودي حدثنا عبد الرحمن بن شريك به حدثنا علي بن سعيد، وعلي بن سعيد، وعليّ بن جابر ثقتان، وثق الأول أبو الفتح الأسدي، والثاني ابن حبان. الأمر الثاني: قال الجوزقاني وابن الجوزي وغيرهما يقدح في صحة هذا الحديث ما في الأحاديث الصحيحة أنّ الشمس لم تحبس إلّا ليوشع بن نون. انتهى..

وأجاب الطحاوي في مشكل الآثار، وأقرها ابن رشد في مختصره بأن حبسها غير ما في حديث أسماء من ردها بعد الغروب، وقال الحافظ: في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «أحلت لكم الغنائم» من «فتح الباري» بعد أن أورد حديث حبس الشمس صبح ليلة الإسراء ولا يعارضه ما رواه أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة «لم تحبس الشمس إلّا ليوشع بن نون» إلى آخره، ووجه الجمع أن لمصر محمول على ما معنى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، وقوله: «لم تحبس الشمس إلّا ليوشع بن نون فيه نفي، إنّما قد تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم» . الأمر الثالث: في الاضطراب، وتقدم ردّ ذلك في التنبيه المتقدم أول الكتاب. الأمر الرابع: قال الجوزقاني ومن تبعه لو ردت الشمس لكان ردها يوم الخندق للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى. قلت: رد الشمس لعليّ إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجيء في خبر قط أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في واقعة الخندق أن تردّ فلم تردّ بل لم يدع على أن القاضي عياض ذكر في الإكمال أن الشمس ردّت على النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة الخندق فالله أعلم، وقد بينت ضعفه في كتاب «مزيل اللبس» . الأمر الخامس: أعل ابن تيمية حديث أسماء بأنها كانت مع زوجها بالحبشة وقلت: هو وهم بلا شك، وبلا أدنى خلاف أن جعفر قدم من الحبشة هو وامرأته اسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد فتحها، وقسم لهما ولأصحاب سفينتهما. الأمر السادس: قال ابن الجوزي: ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يتلمح إلى عدم الفائدة فإن صلاة العصر لغيبوبة الشمس صارت قضاء ورجوع الشمس لا يعيدها أداء. انتهى. قلت: لثبوت الحديث على أنّ الصلاة وقعت أداء بذلك صرح القرطبي في التذكرة قال: فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا وأنه لا يتجدد الوقت لما ردّها عليه ذكره في باب «ما يذكر الموت والآخرة» من أوائل التذكرة ووجهه أن الشمس لما عادت كأنها لم تغب والله سبحانه وتعالى أعلم. التنبيه الثالث: ليحذر من يقف على كلامي هنا أن يظن بي أني أميل إلى التشيع والله يعلم أن الأمر ليس كذلك والحامل لي على هذا الكلام أن الذهبي ذكر في ترجمة الحافظ الجسكاني أنّه كان يميل إلى التشيع، لأنه أملى جزءا في طرق حديث رد الشمس وهذا الرجل ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغفار بن إسماعيل الفارسي في «ذيل تاريخ نيسابور» فلم يسعفه بذلك بل أثنى عليه ثناء حسنا وكذلك غيره من المؤرخين نسأل الله تعالى السلامة من الخوض في أعراض الناس بما نعلم وبما لا نعلم.

الباب السادس في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - ربه - عز وجل - لأمته حين تأخر عنهم المطر وكذلك استصحاؤه - صلى الله عليه وسلم -

الباب السادس في استسقائه- صلّى الله عليه وسلم- ربه- عز وجل- لأمته حين تأخر عنهم المطر وكذلك استصحاؤه- صلى الله عليه وسلم- قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب. وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل رواه البخاري وابن ماجه وقال أنس أنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان وجاه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله عز وجل أن يغيثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا مرتين قال أنس وأيم الله لا نرى في السماء من سحاب ولا قرحة وما بينا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة كأمثال الجبال ثم لم ينزل عن المنبر حتى رأيت الماء يتحادر على لحيته متوالية وما رأيت الشمس صبحا وما زالت تمطر إلى الجمعة المقبلة ثم دخل ذلك الرجل من ذلك الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب واستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله عز وجل أن يمسكها قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهمّ حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فما جعل يسير إلى ناحية من السحاب إلّا تمزقت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي شهرا ولم يجيء أحد إلا حدث بالجود رواه الإمام أحمد والشيخان من طرق. قصة أخرى. قال أنس: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يصيح وأنشد: أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أمّ الصبيّ عن الطّفل وألقى بكفّيه الصّبيّ استكانة ... من الجوع ضعفا ما يمرّ وما يحلي ولا شيء ممّا يأكل النّاس عندنا ... سوى الحنظل القاميّ والعلهز الغسل وليس لنا إلّا إليك فرارنا ... وأين فرار النّاس إلّا إلى الرسل فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد المنبر ثم رفع يديه فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار تملأ به الضّرع وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون فو الله ما ردّ يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأردافها وجاء أهل

قصة أخرى.

الوطابة يضجون يا رسول الله الغرق فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب من المدينة فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه فقال علي كأنك أردت يا رسول الله قوله. وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل وقام رجل من كنانة فقال: لك الحمد والحمد لمن شكر ... سقينا بوجه النّبيّ المطر دعا الله خالقه دعوة ... إليه وأشخص منه البصر أغاث به الله عليا مضر ... وهذا العيان لذاك الخبر فلم تك إلّا ككفّ الرّدا ... وأسرع حتّى رأينا الدّرر وكان كما قال عمه أبو طالب: أبيض ذو غرر. به الله يسقي صوب الغمام ... ومن يكفر الله يلقى الغير فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن يك شاعرا يحسن فقد أحسنت رواه البيهقي وابن عساكر. قصة أخرى. قال أبو أمامة- رضي الله تعالى عنه- قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى في المسجد فكبر ثلاث تكبيرات ثم قال: اللهم ارزقنا سمنا ولبنا وشحما ولحما وما نرى في السماء من سحاب فثارت ريح وغبرة ثم اجتمع السحاب فصبت السماء فصاح أهل الأسواق ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم فسالت في الطرق فما رأيت عاما كان أكثر لبنا وسمنا وشحما ولحما منه إن هو إلا في الطرق ما يشتريه أحد رواه أبو نعيم والبيهقي. قصة أخرى. قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذا احتاج الناس إليّ فالتمسوا في الركب ماء فلم يجدوا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمطرت حتى استقى النّاس وسقوا رواه أبو نعيم. قصة أخرى. قالت عائشة: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فخرج إلى المصلى وقعد على المنبر ورفع يديه حتى رأى بياض إبطيه فأنشأ الله سبحانه وتعالى سبحانه فرعدت وبرقت ثم أمطرت فلم يأت المسجد حتى سالت السّيول فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله. رواه أبو نعيم.

قصة أخرى.

قصة أخرى. قال كعب بن مرة أو مرة بن كعب البهزي: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتاه أبو سفيان فقال: إنّ قومك قد هلكوا فادع الله لهم فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا طبقا مريعا نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، فما لبثنا إلّا جمعة حتى مطرنا فأتوه فشكوا إليه المطر فقالوا: لقد تهدمت البيوت فقال: اللهمّ حوالينا ولا علينا فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا رواه ابن ماجة والبيهقي. قصة أخرى. روى أبو الشيخ عن يزيد بن عبيد الله السّلمي والبيهقي بإسناد حسن عن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري: أن وفد بني فزارة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فصل من غزوة تبوك مقرين بالإسلام، وقدموا على إبل ضعاف عجاف فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم فقالوا: يا رسول الله أسنت بلادنا، وأجدبت جنانا، وعزر عيالنا، وهلكت مواشينا فادع الله لنا أن يغيثنا، واشفع لنا إلى ربك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله!! ويلك أن اشفع إلى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه لا إله إلا الله العليّ العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الحديد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليضحك من شعثكم، وقرب غياثكم» ، فقال الأعرابيّ: أو يضحك ربنا يا رسول الله قال: نعم فقال الأعرابيّ: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وتكلم بكلمات، ورفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه وكان مما حفظ من دعائه قال: «اللهم اسق بلدك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت. اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل، نافعا غير ضارّ. اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء» فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن التمر في المرابد ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره قال فلا والله ما في السماء سحاب ولا قزعة وما بين المسجد وبين سلع من بناء ولا دار فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت فو الله ما رأوا الشمس ستا وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج التمر منه فجاء ذلك الرّجل أو غيره فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه مدا حتى رؤي بياض إبطيه ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر» فانجابت السحابة عن المدينة كانجياب الثوب.

قصة أخرى.

قصة أخرى. قال ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يحصد لهم فحل فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا طبقا مريعا غدقا عاجلا غير رائث ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من وجوه إلا قالوا أحينا رواه ابن ماجة. قصة أخرى. قال عمر بن الخطاب خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربها به ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله أن الله قد عوّدك في الدعاء خيرا فادع الله لنا فقال أتحب ذلك قال نعم فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعها حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر. رواه ابن خزيمة وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه. قال الواقدي كان مع المسلمين في هذه الغزوة اثنا عشر ألف بعير ومثلها من الخيل وكانوا ثلاثين ألفا من المقاتلة. قصة أخرى. روى ابن سعيد وأبو نعيم عن عبد الرحمن بن إبراهيم المزي عن أشياخهم قالوا قدم وفد بني مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف البلاد قالوا: والله إنّا لمسنتون وما في المال مخ فادع الله لنا فقال اللهم اسقهم الغيث فرجعوا إلى بلادهم فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه قادم وهو متجهز لحجة الوداع فقال يا رسول الله: رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مصبوبة مطرا لذلك اليوم الذي دعوت لنا فيه ثم قلدتنا أقلاد الزرع في كل خمسة عشرة مطيرة جودا وقد رأيت الإبل تأكل وهي برك وإنّ غنمنا ما توارى من أبياتها، فترجع، فتقيل في أهلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي هو صنع ذلك» رواه أبو نعيم. قصة أخرى. قال ابن عباس: إن ناسا من مضر أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يدعو الله أن يسقيهم فقال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث فأطبقت عليهم حتى مطروا سبعا» رواه أبو نعيم.

قصة أخرى.

قصة أخرى. روى أبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي عن أشياخه: أن وفد سلامان قدموا في شوال سنة عشر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف البلاد عندكم؟ قالوا: مجدبة فادع الله أن يسقينا في أوطاننا فقال: «اللهم اسقهم الغيث في بلادهم» فقالوا: يا رسول الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب فتبسم ورفع يديه حتى بدا بياض إبطيه ثم رجعوا إلى بلادهم فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة وفي هذا الباب أحاديث كثيرة، وفيما ذكر كفاية ويرحم الله- عز وجل- السرقسطي فلقد أحسن حيث قال: دعوت للخلق عام الحل مبتهلا ... أفديك بالخلق من داع ومبتهل صعّدت كفّيك إذ كفّ الغمام فما ... صوّبت إلّا بصوب الواكف الهطل أراق بالأرض شجا صوب ريقته ... فحلّ بالأرض شجا رائق الحلل زهو من النّور حلّت روض أرضهم ... زهرا من النّور صافي النّبت مكتمل من كلّ عصر نضير مورق خضر ... وكلّ نور نضيد موثق خضل تحية أحيت الأحياء من مضر ... بعد المضرّة تروي السّبل بالسّيل دامت على الأرض سبعا غير مقلعة ... لولا دعاؤك بالإقبال لم تزل تبيه في غريب ما سبق. السبل: بسين مهملة فموحدة فلام مضمومات جمع سبيل، وهو في الأصل الطريق الموصل إلى المراد من كل شيء، والمراد به هنا طريق التقرّب إلى الله تعالى. وأيم الله:.... القزعة: بقاف فزاي فعين مهملة مفتوحات واحده القزع، وهي قطع من السحاب دقيقة، وقيل: هي السحاب المتفرق. سلع الإكام: بهمزة مكسورة فكاف فألف فميم جمع أكمه وهي الرابية. الظراب: جمع ظرب ككتف ما اقنا من الحجارة، وحد طرفه، أو الجبل المنبسط أو الصغير. الجوبة: بجيم مفتوحة بواو ساكنة فموحدة فتاء تأنيث: الحفرة المستديرة الواسعة، وكل منفتح بلا بناء أي حتى صار الغيم والسحاب محيطا بآفاق المدينة. الجود: بجيم مفتوحة فواو ساكنة فدال مهملة المطر الغزير.

يئط: بمثناة تحتية مفتوحة فهمزة مكسورة فطاء أي تصوت. وأطيط الإبل: صوتها وحنينها. العذراء تدمى لبانها: أي يدمى صدرها لامتهانها نفسها في الخدمة، لا تجد ما تعطيه من يحذنها من الجدب وشدة الزمان، وأصل اللبان موضع اللبيب ثم استعير للناس. وقوله «وما يجر وما يحلى» : أي ما ينطق بخير ولا شر من الجوع والضعف. وقوله: «سوى الحنظل العاص» نسبة إلى العام لأنه يتخذ في عام الجدب كما قالوا للجدب سنة. انتهى. الاستكانة: بهمزة فسين مهملة ساكنة ففوقية مكسورة فكاف فنون فتاء تأنيث: الخضوع. العلهز: بالكسر طعام كانوا يتخذونه من الدم ووبر الإبل في سني المجاعة. الغياسة: بكسر الغين المعجمة وسكون السين المهملة واللام الرذل. الدرر: بدال مكسورة فراءين أولاهما مفتوحة. غير رائث: براء مفتوحة فهمزة مكسورة فمثلثة غير محبوس ولا متفرق. أسنت بلادنا: بهمزة مفتوحة فمهملة ساكنة فنون فتاء تأنيث أي أجدبت. أجدبت جنانا: بهمزة فجيم فدال مهملة فموحدة فتاء تأنيث. الفرث: بفاء مفتوحة فراء ساكنة فمثلثة المسرجين من الكرش. مسنتون: مجدبون. الابتهال: بهمزة فموحدة ساكنة فمثناة فوقية فهاء فألف فلام التضرع والمبالغة في السؤال، والمراد به كل مدّ اليدين جميعا لذلك. صعدت بكفيك: رفعتهما. صوبت: جاءت بالمطر كمجيء السماء بالمطر. الواكف: [ ... ] . الهطل: [ ... ] . الثج: بمثلثة مفتوحة فجيم أي سائلا كثيرا. الزهر: بزاي مضمومة فهاء ساكنة فراء جمع أزهر وهو الأبيض المستنير. النور الزهر: بفتح الزاي والزهرة الحسن والبهجة وكثرة الخير.

الخضل: بخاء معجمة مفتوحة فضاد معجمة مكسورة فلام. السبل: جمع سبيل، السبل: بسين مهملة فموحدة مفتوحتين فلام المراد به هنا المطر الهاطل الغزير والسبل الثياب المسبلة.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في المياه وعذوبة ما كان منها مالحا

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في المياه وعذوبة ما كان منها مالحا الباب الأول في نبع الماء الطّهور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وهو أشرف المياه كما قال البلقيني في «التدريب» قال: قال أبو العباس القرطبي: قصة نبع الماء من بين أصابعه [ (1) ]- صلّى الله عليه وسلم- تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ووردت عنه من طرق كثيرة يفيد عمومها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة العظيمة من غير نبينا- صلى الله عليه وسلم- حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه. ونقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال: نبع الماء من بين أصابع النبي- صلى الله عليه وسلم- أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى- صلى الله عليه وسلم- بالعصا [ (2) ] فتفجرت منه المياه، لأن خروج (الماء) [ (3) ] من الحجارة معهود، بخلاف خروجه من بين اللحم والدم. قال قتادة وغيره عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزوراء وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوا ماء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء فحين بسط يده فيه فضمّ أصابعه فأمر الناس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأوا من عند آخرهم. قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: كنا زهاء ثلاثمائة رواه الشيخان [ (4) ] . قصة أخرى. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا ماء، فقال: اطلبوا من معه فضل ماء، فأتى بماء فوضعه في إناء، فوضع يده فيه، فجعل الماء يجري، وفي لفظ يخرج من بين أصابعه، ثم قال: «حيّ على الطّهور المبارك، البركة من الله» فتوضأوا

_ [ (1) ] في ج أصابع النبي صلى الله عليه وسلم. [ (2) ] سقط في ج. [ (3) ] في ج المياه. [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 580 (3572) ومسلم 4/ 1783 (7/ 2279) .

وشربوا، قال عبد الله: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل رواه النسائيّ والبيهقيّ وابن مردويه [ (1) ] . قصة أخرى. روى الحسن البصري: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه، معه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ماء يتوضئون به، فقالوا: يا رسول الله: والله ما نجد ماء نتوضأ به، ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح فيه ماء يسير، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ منه ثم مدّ أصابعه الأربع في القدح ثم قال: «هلموا فتوضأوا» فتوضأ القوم حتى بلغوا ما يريدون، قال الحسن: سئل أنس كم بلغوا؟ قال: سبعين أو ثمانين رواه الإمام أحمد والشيخان [ (2) ] . قصة أخرى. قال زياد بن الحارث: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال له: «هل معك من ماء؟» فقلت: لا إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال: «اجعله في إناء وائتني به» ، ففعلت فوضع كفه في الماء، فرأيت الماء بين أصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال: «ناد في أصحابي من كان له حاجة في الماء» ، فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم رواه الحارث بن أبي أسامة والطبراني [ (3) ] وأبو نعيم والبيهقي. قصة أخرى. روى الشيخان من طريق سالم بن أبي الجعد ومن طريق الأعمش عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش النّاس يوم الحديبية، وكان الذي بين يديه ركوة يتوضّأ منها وجهش الناس نحوه، قال: «ما لكم؟» قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا ماء نشربه إلا ما بين يديك، فوضع يده في الرّكوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قال سالم: قلت لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة [ (4) ] ، قال بعضهم: وحديث جابر هذا مخالف لما رواه البخاري عن البراء بن عازب قال: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ماء فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] أخرجه الدارمي 1/ 15 والنسائي 1/ 60 وابن أبي شيبة 11/ 474 وأبو نعيم في الدلائل (144) وأحمد 1/ 460 وابن عبد البر في التمهيد 1/ 219 والطحاوي في المشكل 4/ 332 والبيهقي في الدلائل 4/ 129، 6/ 62. [ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 216 والبيهقي في الدلائل 4/ 124. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 244، 250 والبيهقي 1/ 58. [ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 581 (3576) (4152) ومسلم 3/ 1484 (73/ 1856) .

فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فمضمض وبخّ في البئر، فمكث غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وصررنا ركائبنا [ (1) ] وجمع ابن حبّان بينهما بأن ذلك في وقتين. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون الماء لما انفجر من بين أصابعه ويده في الرّكوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصبّ الماء الذي بقي في الركوة في البئر، فتكاثر الماء فيها. وفي صحيح البخاري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحديبية الطويل فعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمد قليل الماء يتربص الماء تربصا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، وأمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. والجمع بينه وبين حديث البراء بأن الأمرين وقعا معا. وقد روى الواقديّ من طريق أوس بن خولي أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو، ثم أفرغه فيها وانتزع السهم، فوضعه فيها هكذا ذكر أبو الأسود في روايته عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو، وصبه في البئر، ونزع سهما من كنانته، فألقاه فيها ودعا ففارت، زاد ابن سعد «حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر» كذا في رواية الأسود عن عروة. قال الحافظ: وهذه القصّة غير حديث جابر وكان ذلك قبل قصة البئر. قصة أخرى. قال أبو قتادة: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسير في الجيش إذ لحقهم عطش كاد يقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا فدعا بركوة فيها ماء فوضع أصابعه عليها، فنبع الماء من بين أصابعه، فاستقى النّاس، وفاض الماء حتى رووا خيلهم وركابهم، وكان من العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس رواه أبو نعيم. قصة أخرى. قال ابن عباس رضي الله عنه: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء، فقال رجل: يا رسول الله، ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شيء؟ قال: نعم فأتي بإناء فيه شيء من ماء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الإناء وفتح أصابعه، قال: فرأيت العيون تنبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بلالا ينادي في الناس بالوضوء المبارك. رواه الإمام أحمد والبزّار وروى الدّارميّ وأبو نعيم عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 581 (3577، 4150، 4151) .

فطلب الماء، فقال: لا والله ما وجدتّ. قال: «هل من شيء؟» فأتاه بشيء فبسط كفه فيه، فانبعث تحت يده عين فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ [ (1) ] . قصة أخرى. قال أبو ليلى الأنصاري: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصابنا عطش فشكونا إليه، فأمره بحفرة فوضع عليها نطعا ووضع يده عليها، وقال: «هل من ماء؟» فأتي بماء، فقال لصاحب الإداوة: «صبّ الماء على كفّي واذكر اسم الله» ، ففعل. قال أبو ليلى: فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم حتى روى القوم وسقى ركابهم رواه الطبراني وأبو نعيم [ (2) ] . قصة أخرى. قال جابر أيضا: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن يومئذ بضع عشرة مائة فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وهل في القوم من ماء؟» فجاءه ماء وعبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح وقالوا: تمسحوا تمسحوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء ثم قال: «سبحان الله» ، ثم قال: «أسبغوا الوضوء» قال جابر: والذي ابتلاني ببصري، فلقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فما رفعهما حتى توضئوا أجمعون رواه الإمام أحمد والشيخان [ (3) ] . قال الحافظ ابن كثير: وظاهره أنها قصة أخرى غير ما تقدم. قصة أخرى. قال أبو رافع: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: «يا قوم كلّ رجل يلتمس من إداوته» ، فلم يجدوا غير واحد فصبه في إناء ثم قال: «توضئوا» فنظرت إلى الماء وهو يفور من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم حتى توضأ الركب أجمعون ثم جمع كفيه فما خلتها إلا النطفة التي صب أول مرة رواه أبو نعيم. قصة أخرى. قال: أبو عمرة الأنصاري رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وأصاب الناس مخمصة ثم دعا بركوة فوضعت بين يديه، ثم دعا بماء، وصبه فيها، ثم مسح فيها بما شاء الله أن يتكلم، ثم أدخل خنصره فيها، فأقسم بالله لقد رأيت أصابع النبي صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 426 والمجمع 8/ 10. [ (2) ] انظر المجمع 1/ 217، 320. [ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 292 والبيهقي في الدلائل 4/ 117 والدارمي 1/ 13.

تفجر ماء مع الماء، ثم أمر الناس فشربوا وملأوا قربهم وإداواتهم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله لا يلقى الله بهما أحد يوم القيامة إلا دخل الجنة» رواه أبو نعيم. قصة أخرى. قال جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في غزوة ذات الرّقاع: «يا جابر، ناد بوضوء» ، فقلت: ألا وضوء، ألا وضوء، قلت: يا رسول الله، ما وجدت في الرّكب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء، فقال لي: «انطلق إلى فلان الأنصاري فانظر هل في أشجابه من شيء» ، فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة من عزلاء شجب منها لو أني أفرغه لشربة يابسة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «اذهب فأتيني به، فذهبت فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال: «يا جابر، ناد بجفنة الركب» فقلت يا جفنة الركب فأتيته بها فوضعت بين يدي رسول الله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها في الجفنة وفرّق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: «خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقل: بسم الله» ، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ففارت الجفنة، ودارت حتى امتلأت، فقال: «يا جابر، ناد من كانت له حاجة بماء» فأتى الناس فاستقوا حتى رووا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى رواه مسلم والبيهقي وأبو نعيم [ (1) ] . روي عن حبّان- وهو بكسر المهملة وفتح الباء المشددة- ابن بحّ- بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء- الصدائيّ قال: كفر قومي، فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم جهز جيشا لهم، فأتيته، فقلت: إن قومي على الإسلام، قال: كذلك، قلت: نعم، واتبعته ليلتي إلى الصباح، فأذنت بالصلاة لما أصبحت وأعطاني إناء فتوضأت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه في الإناء فنبع عيون، فقال: «من أراد منكم أن يتوضأ فليتوضأ» ، فتوضأت وصلّيت فأمرني عليهم وأعطاني صدقتهم، فقال رجل: يا رسول الله أن فلانا ظلمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في الإمارة لرجل مسلم» ، ثم جاء رجل يسأل الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة صداع في الرأس وحريق في البطن أو داء» فأعطيته صحيفتي أو صحيفة أمرتي وصدقني، فقال: «ما شأنك؟» فقلت: كيف أقبلها وقد سمعت منك ما سمعت فقال: «هو ما سمعت [ (2) ] » .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الزهد (74) وابن ماجة (3549) . [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 169 والطبراني في الكبير 4/ 42 والطبراني 4/ 542/ 203 والبيهقي في 10/ 86 وفي الدلائل 5/ 356 وانظر المجمع 5/ 204.

تنبيهان

تنبيهان الأول: حديث نبع الماء جاء من حديث ابن عباس رواه الإمام أحمد والطبراني من طريقين، ومن حديث ابن مسعود رواه البخاريّ والتّرمذي، ومن حديث أبي ليلى والد عبد الرحمن رواه الطبراني، وجابر بن عبد الله عن قصة الحديبية رواه مسلم وحبان رواه الإمام أحمد وأبي رافع رواه أبو نعيم، وأبي عمرة الأنصاري رواه أبو نعيم وتقدمت أحاديثهم. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الزوراء- بزاي فواو فراء-: موضع بالمدينة قرب المسجد. حانت الصلاة بحاء مهملة فألف فنون: قربت أي قرب وقتها، ودخل إذ الحين: الوقت. من عند آخرهم: أي جميعهم. زهاء ثلاثمائة (بزاي مضمومة فهاء فهمزة ممدودة) : قدر، من زهوت القوم إذا حذرتهم وهو ملازم البناء للمفعول ك [دعى] . بينما نحن: بين بالنون زيدت عليها «ما» عوضا عن المضاف إليه أي أوقات أو أحيان. حالون منبع بتثليث الباء، أي جميعهم. الثّمد: بفتح المثلثة والميم: أي حفرة فيها ماء قليل وقوله «قليل الماء» تأكيد، لدفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد الماء الكثير قيل: الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء، ويذهب في الصيف، وقوله: «فيتربصّنه الناس» (بالموحدة والتشديد والضاد المعجمة) هو الأخذ قليلا قليلا، وقوله: «فلم تلبث» (بضم أوله وسكون اللام) من الإلباث، وقال ابن التّين (بفتح التاء وكسر الموحدة) أي لم يتركوه، ويلبث: أي يقيم وقوله: «يجش» (بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة) أي: يفور، وقوله: «بالرّيّ» بكسر الراء ويجوز فتحها وقوله: «صدروا عنه» أي نهلوا بعد ورودهم. الرّكاب: ككتاب لا واحد له من لفظه، وواحده راحلة. «الرّكوة» (براء مهملة مثلثة فكاف فواو) وزورق صغير إذا الأنياب والتي تلي الأنياب أو الأضراس كلها واحدها ناجذ إذا جعلته قيد. وفي رواية قال لأبي قتادة: احفظ عليّ مضابك، فإنه سيكون لها شأن.

«نفث» بنون ففاء فمثلثة حذفت همزته تخفيفا وحى وألقى من النّفث بالفم، وهو أقل من التفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق. «النبأ» بنون فموحدة الخبر العظيم. «الإداوة» : بهمزة مكسورة فمهملة فألف فواو المطهرة. «المخمصة» : (بميم فمعجمة فميم فمهملة: المجاعة. «الخنصر» (بفتح الصاد) الأصبع الصغرى أو الوسطى. «النواجذ» (بنون فواو فألف فجيم فدال معجمة) أقصى [الأسنان] : «أشجابه» جمع شجب (بفتح المعجمة وسكون الجيم) سقاء يقطع نصفه، فيتخذ أسفله دلوا. عزلاء (بعين مهملة فزاي فلام فألف ممدودة كجفنة) . «الشّربة» (بشين معجمة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة) شيء يسقى به. «جفنة الركب» (بجيم مفتوحة ففاء فنون) القصعة.

الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلم ماء الميضاة والقدح

الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء الميضاة والقدح روى الإمام أحمد والشيخان وأبو محمد بن جرير الطبريّ (عن أبي قتادة والبيهقي عن أنس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فقال لأبي قتادة: «أمعكم ماء؟» قلت: نعم، في ميضاة فيها شيء من ماء، قال: «ائت بها» قال: فأتيته بها فقال لأصحابه: «تعالوا مسّوا منها فتوضئوا» ، وجعل يصبّ عليهم، فتوضأ القوم، وبقيت جرعة، فقال: «يا أبا قتادة، احفظها، فإنها ستكون لها نبأ» فذكر الحديث إلى أن قال: فقالوا: يا رسول الله، هلكنا عطشنا، انقطعت الأعناق، فقال: «لا هلك عليكم» ثم قال: «يا أبا قتادة، ائت بالميضاة» فأتيته بها، فقال: «أطلقوا لي غمري» - يعني قدحي- فحللته فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فازدحم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس [ (1) ] أحسنوا الملأ، فكلكم سيروى» ، فشرب القوم، وسقوا دوابّهم وركابهم وملئوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة حتى لم يبق غيري وغيره، قال: «اشرب يا أبا قتادة» ، قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قال: «ساقي القوم آخرهم شربا» فشربت، وشرب بعدي، وبقي في الميضاة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة [ (2) ] . قصة أخرى. روى عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فأصابنا جهد شديد فأتى بشيء من ماء في إداوة، فأمر بها فصبّت في قدح، فجعلنا نتطهّر حتى تطهرنا جميعا، وفي لفظ: فأفرغها في قدح فتوضأنا كلّنا ندغفقه دغفقة وكنا أربع عشرة مائة [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الميضاة: بكسر الميم والقصر وقد تمد وزنها مفعلة ومفعال وميمها زائدة: مطهرة كبيرة. الجرعة: بجيم مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة: الاسم من الشرب اليسير وبفتح الجيم المرة الواحدة منه. غمري: بضم الغين المعجمة أي احلل لي قدحي.

_ [ (1) ] سقط في ب. [ (2) ] مسلم 1/ 472 (311/ 681) وأبو داود في الأدب باب (130) والنسائي 1/ 76 وأحمد 1/ 398 والدارمي 1/ 358. [ (3) ] الدلائل للبيهقي (4/ 119) .

الملء: بفتح الميم وكسرها وسكون اللام والهمز. نطفة: بنون مهملة ففاء شيء يسير من الماء وقد يقال للكثير. ودغفقة: بمعجمة ففاء فقاف يدفعه ويصبه صبا كثيرا. سيصدر: سيرجع. المزادة: بميم فزاي مفتوحة فألف فدال وعاء الزاد.

الباب الثالث في تكثيره صلى الله عليه وسلم ماء عين تبوك

الباب الثالث في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء عين تبوك روى مسلم عن جابر والإمامان مالك وأحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في غزوة تبوك: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاءها فلا يمسّ من مائها شيئا حتى آتي» فجئنا وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبضّ بشيء من ماء، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل مسيتما من مائها شيئا؟» قالا: نعم، فسبهما وقال لهما: «ما شاء الله أن يقول» ، ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ماء ههنا قد ملئ جنانا» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. شراك: بكسر المعجمة ثم راء فكاف أحد سور النعل التي تكون على وجهه شبه به لقلته لا للتحديد. تبض: بمثناة فوقية فموحدة فمعجمة: تقطر وتسيل. يوشك: أي يسرع ويدنو ويقرب، والوشيك السريع القريب [ (2) ] . الجنان: بجيم مكسورة جمع جنّة وهي البستان الكثير الأشجار من الاجتنان وهو الستر أو لتكاثر أشجارها وتظليلها لاتفاق أصولها وأغصانها، سميت جنّة.

_ [ (1) ] أحمد (5/ 237، 238) . [ (2) ] في د التقرب.

الباب الرابع في تكثيره صلى الله عليه وسلم ماء بئر بقباء

الباب الرابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر بقباء روى ابن [ (1) ] سعد والبيهقي عن يحيى بن سعيد [ (2) ] أن أنس بن مالك أتاهم بقباء، فسأله عن بئر هناك قال: فدللته عليها فقال: لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فتنزح، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بذنوب فسقى فإما أن يكون توضأ منه وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر فما نزحت بعد. وروى البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سكب من فضل وضوئه في بئر قباء فما نزحت بعد. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. نزح: بفتح النون والزاي: فني أي لم يفنى بعد. الباب الخامس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر باليمن روى الحارث بن أبي أسامة وأبو نعيم البيهقي عن زياد بن الحارث الصّدائيّ قال: قلت: يا رسول الله، أن بئرنا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان في الصيف قل: ماؤها وتفرقنا عن مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا لنا عدوّ، فادع الله لنا في بئرنا فيسقينا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق فدعا بسبع حصيات فعرّكهن بيده ودعا فيهن، ثم قال: «اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا اسم الله عز وجل» ، قال: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا أن ننظر إلى قعرها- يعني البئر-[ (3) ] .

_ [ (1) ] في د أبو والصواب ما ذكر. [ (2) ] سقطت في د. [ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 127، 5/ 357 وابن كثير في البداية 5/ 84.

الباب السادس في تكثيره صلى الله عليه وسلم ماء قطيعة برهاط باليمن

الباب السادس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء قطيعة برهاط باليمن روى أبو نعيم عن راشد بن عبد ربّه السّلميّ قال: كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلاة قال: فأرسلتني بنو ظفر بهدية إليه فألفيت مع الفجر إلى صنم قبل صنم سواع، وإذا صارخ يصرخ من جوفه العجب كل العجب من خروج نبيّ من بني عبد المطلب يحرم الزنا والرّبا والذبح للأصنام وحرست السّماء ورمينا بالشّهب، ثم هتف هاتف من جوف صنم آخر ترك الضماد وكان يعبد خرج أحمد نبي يصلي الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام والبر والصّلة للأرحام، ثم هتف من جوف صنم آخر هاتف إنّ الذي ورث النبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتدي نبي يخبر بما سبق، وما يكون في غد، قال راشد: فألقيت سواعا مع الفجر وثعلبان يلحسان ما حوله ويأكلان ما يهدى له ثم يعرجان عليه ببولهما فعند ذلك أقول في ذلك: أربّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب وذلك عند مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فخرج راشد حتى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلم وبايعه، ثم طلب منه قطيعة برهاط فأقطعه إيّاها وأعطاه إداوة مملوءة من ماء، وتفل فيها، وقال له: «أفرغها في أعلى القطيعة ولا تمنع الناس فضولها» ففعل فجاء الماء عينا جمة إلى اليوم فغرس عليها النّخل ويقال: إن رهاط كلّها تشرب منه وسماه الناس ماء الرسول وأهل رهاط يغتسلون منه ويستقون به [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. القطيعة: طائفة من أرض الخراج. رهاط: اسم موضع.

_ [ (1) ] أبو نعيم في الدلائل (81) .

الباب السابع في تكثيره صلى الله عليه وسلم ماء بئر أنس بن مالك رضي الله عنه

الباب السابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر أنس بن مالك رضي الله عنه روى أبو نعيم البزار عن أنس رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلنا فسقيناه من بئر كانت لنا في دارنا وكانت تسمى في الجاهلية «النزور» فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد. الباب الثامن في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر الحديبية روى البخاري عن البراء ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية ونحن أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفيرها، قال البراء: وأتي بدلو فيه ماء فبصق ودعا. ثم قال: «دعوها ساعة» وقال سلمة: فجاشت فأرووا أنفسهم وركابهم بالماء فسقينا واستقينا. وفي غير هاتين الروايتين من طريق ابن شهاب فأخرج سهما من كنانته فوضعه في قليب بئر ليس فيه ماء فروّى النّاس حتى ضربوا بعطن خيامها. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. خيامها: بالفتح ما حول البئر، وبالكسرة جميع ما فيها من الماء. فجاشت: بجيم معجمة: فارت وارتفعت. القليب: بئر لم تطو تذكر وتؤنث. العطن: بفتح المهملتين مبرك الإبل حول الماء فإما دعا وإما بزق فيها فجاشت فسقينا واستقينا [ (1) ] . وروى الدارميّ في مسنده عن أنس عن جابر مثله وقد تقدم في غزوتها بأبسط مما هنا.

_ [ (1) ] في د وأسقينا.

الباب التاسع في تكثيره صلى الله عليه وسلم ماء بئر غرس

الباب التاسع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر غرس روى ابن سعد عن سعيد بن رقيش عن أنس رضي الله عنه قال: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فانتهى إلى بئر غرس وإنه ليستقى منه على حمار ثم نقوم عامّة النّهار ما نجد فيها ماء فمضمض في الدلو ورده فجاشت بالرواء. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. بئر غرس: بغين معجمة فراء ساكنة فسين مهملة: بئر بالمدينة.

الباب العاشر في تكثيره صلى الله عليه وسلم ماء المزادتين

الباب العاشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء المزادتين روى الإمام أحمد والشيخان [ (1) ] والطبراني والبيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فاشتكى إليه الناس العطش، فنزل ثم دعا عليّا، ورجلا آخر وفي رواية: وعمران بن حصين، فقال: «اذهبا فابغيا الماء فإنّكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا معها بعير عليه مزادتان فأتيا بها» فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة. فقالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: الذي يقال له الصّابئ؟ قالا: هو الذي تعنين، فانطلقا فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثاه بالحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين فمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين وأوكأ أفواههما، وأطلق الغرارتين ونودي في الناس اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء وملأنا كل قربة معنا وإداوة وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها وأيم الله، لقد أقلع عنها وإنها ليخيل إليها أنها أشد ملئة منها حيث ابتدأ فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا لها طعاما» فجمعوا لها ما بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها وقالوا لها: تعلمين ما رزأنا من مائك شيئا ولكن الله هو الذي أسقانا الحديث وفيه أنها أسلمت وقومها بعد ذلك. تنبيهات الأول: في قول سيدنا عليّ ورفيقه لها لما قالت: الصّابئ: (هو الذي تعنين) أدب حسن ولو قالا لها: لا، لفات المقصود أو نعم لما يحسن بهما إذ فيه طلب تقرير ذلك فتخلّصا أحسن تخليص. الثاني: قال بعض العلماء: إنما أخذوها واستجازوا أخذ ما بها لأنها كانت كافرة حربية وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم إمّا المملوك لغيره على عوض وإلّا فنفس الشّارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب. الثالث: في بيان غريب ما سبق: ابغيا: بغين معجمة: اطلبا.

_ [ (1) ] تقدم.

المزادتان: بفتح الميم والزاي تثنية مزادة وهي قربة كبيرة يزاد فيه جلد من غيرها ويسمى أيضا السطيحة والمراد بها الرواية. البعير: بموحدة فمهملة فتحتية فراء يطلق على الذكر والأنثى وجمعه أبرعة وبعران. أمس: خبر المبتدأ. السّاعة: بالنصب على الظرفية. النّفر: ما دون العشرة وعن كراع الناس قال الحافظ وهو اللاتي هنا، لأنها أرادت أن رجالها تخلفوا لطلب الماء. الخلوف: بضم المعجمة واللام جمع خالف قال ابن فارس: الخالف المستقي ويقال أيضا غاب ولعله المراد هنا أي أن رجالها غابوا عن الحي ويكون قولها معربا خلوف جملة مستقلة زائدة على جواب السؤال. الصابئ: بلا همز المائل وبالهمز من صبا يصبو إذ خرج من دين إلى دين. أوكأ: أي ربط. أطلق: فتح. العزالي: بفتح المهملة والزّاي وكسر اللام ويجوز فتحها: جمع عزلا بإسكان الزاي هي مصب الماء من الرواية ولكل مزادة عزلاوان من أسفلها. أشد ملئه: بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة أي إنهم يظنون أن ما بقي من الماء أكثر مما كان أوّلا. تعلمي: بفتح أوله وثانية وتشديد اللام: أي اعلمي. ما رزأنا: بفتح الراء وكسر الزاي ويجوز فتحها وبعدها همزة ساكنة أي نقصنا، وظاهره أن جميع ما أخذوه من ماء زاده الله تعالى، وأوجده وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلطا، وهذا أبدع وأغرب في المعجزة، وهو ظاهر قوله: «ولكن الله سقانا» ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من مائك شيئا.

الباب الحادي عشر في عذوبة ماء بئر باليمن ببركته صلى الله عليه وسلم

الباب الحادي عشر في عذوبة ماء بئر باليمن ببركته صلى الله عليه وسلم روى ابن السّكن عن همّام بن نقيد السّعديّ قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله: حفرنا لنا بئرا فخرجت مالحة فدفع إليّ إداوة فيها ماء، فقال: «صبّه» ، فصببته فيها، فعذبت فهي أعذب ماء بئر باليمن. الباب الثاني عشر في نبع الماء من الأرض له صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد [ (1) ] عن عمرو بن سعيد قال: قال أبو طالب: أن أول ما أنكرت من ابن أخي أنا كنا بذي المجاز في إبلنا، وكان رديفي في يوم صائف فأصابني عطش شديد فقلت له: يا ابن أخي أذاني العطش فثنى رجله، فنزل، فقال: «يا عمّ، أتريد ماء؟ قلت: نعم، فقال: «انزل» فنزلت، فانتهيت إلى صخرة فركضها برجله، وقال شيئا فنبعت ماء لم أر مثله فشربت حتى رويت فقال: «أرويت» ، قلت: «نعم، فركضها ثانية فعادة كما كانت [ (2) ] . قصة أخرى. روى أبو نعيم عن خديج بن سدرة بن عليّ السّلميّ من أهل قباء عن أبيه عن جدّه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا القاحة وهي التي تسمى اليوم السّقيا، لم يكن بها ماء، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مياه بني غفار على ميل من القاحة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الوادي واضطجع بعض أصحابه ببطن الوادي فبحث بيده في البطحاء فنديت فجلس ففحص، فانبعث عليه الماء، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسقى واستقى جميع من معه حتى اكتفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه سقيا سقاكموها الله عز وجل» فسمّيت السّقيا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. ذو المجاز: بفتح الميم فجيم فألف فزاي سوق على فرسخ من عرفة. يوم صائف: بصاد مهملة فهمزة مكسورة ففاء: حارّ. ركضها: براء فكاف فضاد معجمة فهاء مفتوحات: ضربها برجله.

_ [ (1) ] في د أبو سعيد. [ (2) ] أخرجه الديلمي (6955) وانظر جمع الجوامع 2/ 572.

القاحة: بقاف فألف فحاء مهملة. الميل: بميم مكسورة فتحتية ساكنة فلام: مد البصر ومسافة من الأرض متراخية بلا حدّ أو مائة ألف أصبع إلا أربعة آلاف أصبع أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو ستة آلاف كل أصبع ذراع بذراع القدم أو اثنا عشر ألف ذراع بذراع المحدثين. بحث: بموحدة فمهملة مفتوحتين فمثلثة: نبش. فحص: بفاء فحاء فصاد مهملتين مفتوحتين: بحث. السّقيا: تقدّمت.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في الأطعمة

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الأطعمة الباب الأول في تكثيره صلى الله عليه وسلّم اللبن في القدح روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإني كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدتّ يوما على طريقهم الذي يخرجون فيه فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلّا ليستتبعني فمرّ ولم يفعل ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل، فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هرّ» فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: «الحق» ومضى فتبعته، فدخل واستأذنت فأذن لي، فدخلت فوجدت لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللّبن؟» فقالوا: أهدى ذلك فلان أو فلانة، فقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق بأهل الصّفّة فادعهم لي» وقال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، فأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي، وإني لرسول فإذا جاءوا أمرني أن أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم، فدعوتهم، فأقبلوا وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح أعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلّهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ وتبسّم، وقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» ، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فشربت فقال: «اشرب» فشربت حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا فأعطيته القدح فحمد الله عز وجل وسمّى وشرب الفضلة [ (1) ] .

_ [ (1) ] البيهقي 7/ 83، 88، 8/ 55 والحاكم 3/ 15 والبيهقي في الدلائل 6/ 101 وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم.

الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلم لبن الشاة

الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلّم لبن الشاة روى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وابن سعد والطّبرانيّ عن ابنة خبّاب بن الأرثّ قالت: خرج خبّاب في سريّة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا حتى كان يحلب عنزا لنا، فكان يحلبها في جفنة لنا فتمتلئ فلما قدم خبّاب حلبها، فعاد حلابها كما كان، فقالت أمي: أفسدتّ علينا شاتنا، قال: وما ذاك؟ قالت: إن كانت لتحلب ملء هذه الجفنة، قال: ومن كان يحلبها؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقد عدلتيني به؟ هو والله أعظم بركة [ (1) ] . قصة أخرى. روى البيهقيّ عن نضلة بن عمر والغفاري أنه حلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إناء فشرب ثم شرب نضلة فامتلأ، فقال: يا رسول الله، إني كنت لأشرب السقية فما أمتلئ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ المؤمن ليشرب في معاء واحد، وإنّ الكافر ليشرب في سبعة أمعاء» [ (2) ] . قصة أخرى. روى البيهقي عن أبي العالية قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه التّسع يطلب طعاما، وعنده ناس من أصحابه، فلم يوجد، فنظر إلى عناق في الدار ما نتجت [ (3) ] قطّ فمسح مكان الضّرع، قال: فدفعت بضرع مليء بين رجليها فدعى بقف فحلب فيه فبعث إلى أبياته بعثا ثم حلب فشرب وشربوا. تنبيهان الأول: معنى قوله: إنّ الكافر ليشرب في سبعة أمعاء. الثاني: في بيان غريب ما سبق:. الجفنة: بجيم ففاء ساكنة فنون فتاء تأنيث [القصعة] . المعا: [هذا مثل ضربه للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها وليس معناه كثرة الأكل دون الاتساع في الدنيا] . الضرع: [تقدم] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 111 والمجمع 8/ 312. [ (2) ] مسلم (3/ 1632) . [ (3) ] والبيهقي في الشعب 5/ 23.

الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في عكة أم سليم وأم أوس البهزية وأم شريك الدوسية ونحي حمزة الأسلمي وأم مالك البهزية الأنصارية رضي الله عنهم.

الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في عكّة أم سليم وأم أوس البهزية وأم شريك الدوسية ونحى حمزة الأسلمي وأم مالك البهزية الأنصارية رضي الله عنهم. روى أبو يعلى والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن أم أنس رضي الله عنهما، قالت: كانت لنا شاة فجمعت من سمنها في عكّة فملأتها العكّة وبعثت بها مع الجارية فقالت: أبلغي هذه العكّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أمّ سليم، قال: «فرّغوا لها عكّتها» ففرغت العكّة فدفعت إليها فانطلقت وجاءت أم سليم، فرأت العكّة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم: أليس قد أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: قد فعلت فإن لم تصدّقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت أم سليم، فقالت: يا رسول الله إني بعثت إليك بعكّة سمن قال: «قد فعلت جاءت بها» ، قالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق إنها للممتلئة تقطر سمنا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أمّ سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي» ، فجاءت إلى البيت، ففتت لنا كذا وكذا وتركت فيها ما ائتدمنا شهرا أو شهرين [ (1) ] . قصة أخرى. روى الطبراني والبيهقي عن أمّ أوس البهزيّة رضي الله عنها قالت: سليت سمنا لي فجعلته في عكة فأهديته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وترك في العكّة قليلا ونفخ فيه، ودعا بالبركة، ثم قال: «ردّوا عليها عكّتها» فردوها عليها وهي ممتلئة سمنا، قالت: فظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبلها فجاءت ولها صراخ فقالت: يا رسول الله إنما سلّيته لك لتأكله فعلم أنه قد استجيب له، فقال: «اذهبوا فقولوا لها لتأكل سمنها وتدعو بالبركة» ، فأكلت بقية عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاية أبي بكر وولاية عمر وولاية عثمان حتى كان من أمر عليّ ومعاوية ما كان [ (2) ] . قصة أخرى. روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كانت امرأة من دوس يقال لها أمّ شريك أسلمت فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت رجلاً من اليهود، فقال: تعالي

_ [ (1) ] المجمع (8/ 311) انظر البداية والنهاية 6/ 120 وأبو نعيم في الدلائل 148 والكنز (35444) . [ (2) ] ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 120.

أنا أصحبك، قالت: انظرني حتى أملأ سقائي ماء، قال: معى ماء فانطلقت معه، فساروا حتى أمسوا، فنزل اليهودي ووضع سفرته وتعشّى، وقال: يا أم شريك، تعالي إلى العشاء، قالت: اسقني، فإني عطشى ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب، قال: لا أسقيك قطرة حتى تهوّدي، قالت: والله لا أتهوّد أبدا فأقبلت إلى بعيرها فعقلته ووضعت رأسها على ركبته، قالت: فما أيقظني إلا برد دلو قد وقع على جبيني فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فشربت حتى رويت ثم نضحت على سقائي حتى ابتلّ ثم ملأته ثم رفع بين يديّ وأنا أنظر حتى توارى منّي في السماء فلما أصبحت جاء اليهوديّ، فقال: يا أم شريك قلت: والله قد سقاني الله. قال: من أين؟ أنزل عليك من السماء ماء؟ قالت: نعم، والله لقد أنزل على من السماء ماء ثم رفع بين يدي حتى توارى عنّي في السماء ثم أقبلت حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا وقال: «كلوا ولا تكيلوا» ، وكان معها عكّة سمن هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فأخذوها، فأفرغوها، وأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ردّتها أن تعلّقها ولا توكئها فدخلت أمّ شريك فوجدتها ملأى، فقالت: للجارية: ألم آمرك أن تذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: قد فعلت ثم أقبلت بها ما ينظر منها شيء، ولكنه قال: «علّقوها ولا توكئوها» ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن لا يوكئوها، فلم تزل حتى أوكأتها أمّ شريك ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء. قصة أخرى. روى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن محمد بن عمرو بن حمزة الأسلميّ عن أبيه عن جدّه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وخرجت على خدمته ذلك السّفر، فنظرت إلى نحي السّمن قد قلّ ما فيه وهيّأت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ووضعت السمن في الشمس ونمت فانتبهت بخرير النحي فقمت فأخذت برأسه بيدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركته لسال واديا سمنا» [ (1) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: إن البهزية أم مالك كانت تهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عكّة لها سمنا، فيأتيها بنوها يسألونها عن إدام وليس عندها شيء فعمدت إلى العكة التي كانت تهدي فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت فيها سمنا فما زال يقيم لها إدام بنيها

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (155) وانظر المجمع (6/ 194) .

حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أعصرتيها؟» قالت: نعم، قال: «لو تركتها ما زال قائما» [ (1) ] . قصة أخرى. روى ابن أبي شيبة عن رجل عن أم مالك الأنصارية قالت: جاءت أمّ مالك بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا بعصرها، ثم دفعها إليه فرجعت فإذا هي مملوءة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، نزل في شيء؟ قال: «وما ذاك يا أم مالك؟» قالت: رددت هديتي فدعا بلالا، فسأله عن ذلك، فقال: والذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هنيئا لك يا أم مالك، هذه بركة عجّل الله تعالى لك ثوابها» . الحديث [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. العكّة: بمهملة مضمومة فكاف مشددة: إناء من جلد. الوتد: بفتح الواو والمثناة الفوقية ودال مهملة ككتف: بارز في الأرض والحائط من خشب.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1784 (8/ 2280) . [ (2) ] ابن أبي شيبة 11/ 495 وانظر المجمع 10/ 102.

الباب الرابع في تكثيره صلى الله عليه وسلم الشعير

الباب الرابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم الشعير روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال يأكل منه هو وامرأته ومن ضيفهما حتى كالوه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم» [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. شطر: بمعجمة فمهملة نصف، والوسق بفتح الواو: ستون صاعا ثلاثمائة وعشرون رطلا حجازية وأربعمائة وثمانون رطلا عراقية على اختلافهم في قدر زنة الصاع والمدّ. قصة أخرى. روى الحاكم والبيهقي عن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيّوب بدرعه فرهناه عند يهوديّ بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، قال: فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو لم تكله لأكلت منه ما عشت» [ (2) ] . قصة أخرى. روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلّا شطر وسق من شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال عليّ فكلته ففني [ (3) ] . وتقدمت قصة أم شريك في الباب قبله. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الشّطر: بشين معجمة مفتوحة فطاء ساكنة فراء: الشطر النصف. والوسق: بواو مفتوحة فسين مهملة ساكنة فقال: ستون صاعا أو حمل البعير. الرّف: براء ففاء مفتوحتين: خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يرقى له ما يوضع عليه، وجمعه رفوف ورفاف.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 337، 347 ومسلم في الفضائل باب (3) حديث (9) والبيهقي في الدلائل 6/ 114. [ (2) ] الحاكم في المستدرك 3/ 346 والبيهقي في الدلائل 6/ 114. [ (3) ] تقدم.

الباب الخامس في تكثيره صلى الله عليه وسلم التمر

الباب الخامس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم التمر روى الإمام أحمد وابن سعد والترمذي وابن حبّان والبيهقي من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل عثمان، والمزود قال زيد بن أبي منصور عن أبيه: فقلت: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال: «يا أبا هريرة عندك شيء؟» قلت: شيء من تمر في مزود لي قال: «جيء به» قال فجئت بالمزود، قال: «هات نطعا» ، فجئت بالنّطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر، فإذا هو إحدى وعشرون تمرة فجعل يضع كلّ تمرة ويسمّي الله عز وجل حتى أتى على التّمر، فقال به هكذا فجمعه فقال: «ادع عشرة» ، فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا وكذلك حتى أكل الجيش كله وفضل تمرات، فقلت: يا رسول الله، ادع لي فيهنّ بالبركة فقال: فقبضهنّ ثم دعا فيهنّ بالبركة ثم قال: «خذهنّ فاجعلهنّ في المزود، وإذا أردتّ أن تأخذ منهن شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكفأ فيكفأ عليك» قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه، ولقد حملت منه خمسين وسقا في سبيل الله، ونأكل ونطعم منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وحياة عثمان وكان معلّقا خلف رحلي فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود وفي رواية فلم نزل نأكل منه حتى كان آخر إصابة أهل الشام حين غاروا بالمدينة ألا أخبركم كم أكلت منه أكثر من مائتي وسق [ (1) ] . قصة أخرى. روى أبو نعيم وابن عساكر عن العرباص بن سارية رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فقال ليلة لبلال: «هل من عشاء؟» فقال: والذي بعثك بالحقّ لقد نفضنا جرابنا، قال: «انظر عسى تجد شيئا» ، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا. فتقع التمرة والتمرتان حتى رأيت في يده سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها ثم وضع يده على التمرات وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا ثلاثة أنفس فأحصيته أربعا وخمسين تمرة أعدها عدّا ونواها في يدي الأخرى وصاحبيّ يصنعان كذلك فشبعنا ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هن فقال: «يا بلال ارفعهن، فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل منها شبعا» فلما كان من الغد دعا بلالا بالتمرات فوضع يده عليها ثم قال «كلوا باسم الله» ، فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 110.

وإذا التمرات كما هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أني مستح من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا» فأعطاهن غلاما فولّى يلوكهنّ [ (1) ] . قصة أخرى. روى أبو نعيم معضلا عن محمد بن عمرو الأسلمي قال: قال رجل من بني سعد: جئت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه وهو سابعهم، فأسلمت، فقال: «يا بلال، أطعمنا» ، فبسط نطعا ثم جعل يخرج شيئا له فأخرج شيئا من تمر معجون بالسّمن والأقط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا» فأكلنا حتى شبعنا فقلت: يا رسول الله، إني كنت آكل هذا وحدي، ثم جئته من الغد، فإذا عشرة نفر حوله فقال: «أطعمنا يا بلال» ، فجل يخرج من جراب تمرا بكفّه قبضه قبضة، فقال: «أخرج ولا تخف من ذي العرش إقلالا» فجاء بالجراب فنثره فحزرته مدّين فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على التمر ثم قال: «كلوا باسم الله» ، فأكل القوم، وأكلت معهم حتى ما أجد له مسلكا وبقي على النّطع مثل الذي جاء به كأنا لم نأكل منه تمرة واحدة ثم غدونا من الغد وعاد نفر عشرة يزيدون رجلا أو رجلين، فقال: «يا بلال، أطعمنا» فجاء بذلك الجراب بعينه فنثره فوضع يده عليه، وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا، ثم رفع مثل الذي صب ففعل ذلك ثلاثة أيام [ (2) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن دلين بن سعيد الخثعمي والنعمان بن مقرن قالا: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «قم فأعطهم» ، فقال: يا رسول الله، ما عندي إلا ما يقيظني والصبية، قال: «قم فأعطهم» ، قال: يا رسول الله، سمعا وطاعة، فقام عمر وقمنا معه وصعد بنا إلى غرفة له فإذا فيها من التمر مثل الفصيل الرابض قال: شأنكم. فأخذ كلّ رجل منا حاجته ما شاء قال: وإني لمن آخرهم فكأنّا لم نرزأ منه تمرة [ (3) ] . قصة أخرى. روى الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر بسند لا بأس به عن أبي رجاء قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فإذا هو يسنو فيه فقال: «ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا» ، قال: إني أجهد أن أرويه فلا أطيق ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجعل

_ [ (1) ] انظر الجامع الكبير للسيوطي 2/ 566 والبداية والنهاية (6/ 122- 123) . [ (2) ] انظر جمع الجوامع 2/ 566 والكنز (16189) وانظر المجمع 3/ 126، 10/ 241 وكشف الخفاء 1/ 243. [ (3) ] أخرجه البخاري في التاريخ 3/ 255.

لي مائة تمرة أختارها من تمرك» قال: نعم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الترب فما لبث أن أرواه حتى قال الرجل: غرقت على حائطي فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمره مائة تمرة، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى شبعوا ثم رد عليه مائة تمرة كما أخذها [ (1) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد والشيخان من طرق وألفاظه متقاربة هذا حاصلها عن جابر رضي الله عنه أن أباه توفّي وعليه ديون ليهوديّ منها ثلاثون وسقا فاستعنت بالنبي صلى الله عليه وسلم علي غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب إليهم فلم يفعلوا فاستنظرهم فلم يفعلوا فعرضت عليهم أن يأخذوا تمري كله فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّخل ودعا في تمره بالبركة، ثم قال: «إذا جددته فوضعته في المربد فاجعله أصنافا، العجوة على حدة، وعذق ابن زيد على حدة» ، ثم أرسل إليّ» ففعلت فلما وضعته في المربد أرسلت إليه فجاء أبو بكر وعمر فطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ودعا بالبركة ثم قال: «ادع غرماءك فأوفهم» فما تركت أحدا له عليّ دين إلا قضيته وأنا أرضى أن يرد الله عز وجل أمانة والدي ولا أرجع إلى إخوتي منه بتمرة فسلم والله البيادر كلّها، حتى إني لأنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنّه لم تنقص منه تمرة واحدة فقلت: يا رسول الله ألا ترى أنى كلت لغريمي تمره فوفاه الله عز وجل وفضل من التمر كذا وكذا فقال ابن عمر بن الخطاب: فجاء يهرول فقال: سل جابر بن عبد الله عن غريمه وغيره، فقال: ما أنا بسائله قد علمت أن الله عز وجل سوف يوفيه إذا أجزت فيه فكرر عليه الكلمة ثلاث مرات كل ذلك يقول: ما أنا بسائله، وكان لا يراجع بعد المرة الثالثة، فقال: «يا جابر، ما فعل غريمك وتمرتك» ، قال: قلت: وفّاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا [ (2) ] . قصة أخرى. روى ابن سعد عن ابنة بشير بن سعد قالت: دعتني أمي فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: يا بنيّة، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما، قالت: فأخذته ثم انطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تعالي ما معك؟» فقلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغدّيانه فقال: «هاتيه» ، فصببته في كفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأها ثم أمر بثوب فبسط ثم دعا بالتمر فصبه فوق الثّوب ثم قال لإنسان

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 18/ 244 والمجمع 8/ 301 والبداية لابن كثير 6/ 141. [ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 344 (2127، 2709، (2781، 4053) والنسائي 6/ 46، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2152) وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 391.

عنده: «اخرج في أهل الخندق أن هلمّوا إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنّه ليسقط من أطراف الثوب [ (1) ] . قصة أخرى. روى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت يوما من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع فوجدت نفرا قالوا: ما أخرجنا إلا الجوع فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فدعا بطبق فيه تمر فأعطى كلّ رجل منّا تمرتين فقال: «كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا» [ (2) ] . قصة أخرى. روى البيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه غلام فقال: بأبي أنت يا رسول الله غلام يتيم وأخت له يتيمة وأمّ له أرملة أطعمنا أطعمك الله مما عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انطلق إلى أهلنا فأتنا بما وجدت عندهم» فأتى بواحدة وعشرين تمرة فوضعها في كفّ النبي صلى الله عليه وسلم فأشار النبي صلى الله عليه وسلم بكفّه إلى فيه، ونحن نرى أنه يدعو بالبركة ثم قال: «يا غلام، سبعا لك وسبعا لأمك، وسبعا لأختك فتعشى بتمرة وتغدى بأخرى» [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. المزود: بميم مكسورة فزاي فواو مفتوحة وعاء من جلد يجعل فيه الزاد. البيدر: بموحدة فمثناة تحتية فمهملة فراء الموضع الذي يداس فيه الطعام ليخلص من تينه. القبضة: بقاف مفتوحة فموحدة ساكنة فمعجمة مفتوحة: المقبوضة كالفرقة بمعنى المفروقة وهو الأخذ بجميع الكف وبالضم اسم للمقبوض. يلوكهنّ: من اللّوك بفتح اللام وسكون الواو: أهون المضغ أو مضغ صلب أو علك نيء. النّطع: بكسر النون وفتح الطاء. جربا: بجيم فراء مضمومة فموحدة فألف جمع جراب. الصحفة: بصاد مفتوحة فحاء مهملتين ساكنة ففاء دون الجفنة وفوق الكيلة.

_ [ (1) ] ابن كثير في البداية 6/ 133. [ (2) ] ابن سعد 4/ 2/ 55. [ (3) ] وانظر المجمع (8/ 164.

الإقفار: بهمزة مكسورة فقاف ساكنة ففاء فألف فراء: ذهاب الطعام. حزرته: بحاء مهملة فزاي مفتوحتين فراء: قدّرته. الفصيل: بفاء مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية فلام: ولد الناقة إذا فصل عن أمه. الرّابض: براء فألف فموحدة مكسورة فضاد معجمة: الجالس المقيم. شأنكم: بشين معجمة فألف فنون الحظر من الأمر والحال. نرزأ: بنون مفتوحة فمهملة ساكنة فزاي فهمزة ساكنة: ننقص. جذذته: بجيم فذالين معجمتين: قطعته. المربد: بميم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة فدال مهملة: الجرين. العجوة: ضرب من التمر. عذق زيد: بعين مهملة مكسورة فذال معجمة ساكنة فقاف: نوع من التمر وأطم بالمدينة لبني أمية بن زيد.

الباب السادس في تكثيره صلى الله عليه وسلم البيض

الباب السادس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم البيض روى أبو نعيم عن جابر رضي الله عنهما قال: لمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو ذات الرّقاع جاء له علبة زيد بثلاث بيضات أداحي، فقال: يا رسول الله، وجدت هذه البيضات في مفحص نعام، فقال: «دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات» فعملتهن ثمّ جئت بهنّ في قصعة، فجعلت أطلب خبزا فلا أجده، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى إلى حاجته، والبيض في القصعة كما هو ثمّ قام فأكل منه عامّة أصحابه ثم رحلنا مبردين قال ابن سعد: وكانوا أربعمائة ويقال: سبعمائة. الباب السابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم اللحم روى ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وأبو نعيم من طرق عن علي وابن مردويه وأبو نعيم عن البراء رضي الله عنهما ان الله تعالى لما أنزل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [سورة الشعراء 214] جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا يأكلون المسنة ويشربون العس فأمر عليّا أن يصنع لهم طعاما وأن يجعل عليه رجل شاة فصنعها ثم قربها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منها بضعة فأكل منها ثم تتبع بها جوانب القصعة ثم قال: «ادنوا باسم الله» فدنا القوم فأكلوا عشرة عشرة، فأكلوا حتى صدروا ما نرى إلا أثر أصابعهم، والله إن كان الرّجل ليأكل مثل ما قدم لجميعهم، ثم قال: «يا عليّ، اسق القوم» فجاءهم بذلك العس فشرب منه ثم ناولهم، وقال: «اشربوا باسم الله» فشربوا حتى رووا عن آخرهم، وايم الله، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فذكر الحديث [ (1) ] . قصة أخرى. روى الحسن بن سفيان والنّسائيّ في الكنى والطبراني والبيهقي عن خالد بن عبد العزى بن سلامة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجزره شاة وكان عيال خالد كثيرا يذبح الشّاة فلا يبدّ عياله عظما عظما وأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منها ثمّ قال: «أرني دلوك يا أبا حباش» فوضع فيه فضلة الشّاة، ثم قال: «اللهم بارك لأبي حباش» فانقلب به، فنثره لهم، وقال: «تواسوا فيه فأكل منه عياله وأفضلوا [ (2) ] .

_ [ (1) ] السّيوطي في الدر المنثور 5/ 97. [ (2) ] أخرجه الدولابي في الكنز 1/ 68 والبيهقي في الدلائل 6/ 116 وانظر الكنز (35687) .

قصة أخرى. روى الطبراني عن مسعود بن خالد، قال: بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة ثم ذهبت في حاجة فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شطرها فرجعت فإذا لحم فقلت: يا أمّ خناس ما هذا اللحم؟ قالت: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي بعثت بها إليه شطرها، قلت: ما لك لا تطعمينه عيالك، قالت: هذا سؤرهم، وكلّهم قد أطعمت، وكانوا يذبحون الشاتين والثلاثة فلا تجزئهم [ (1) ] . قصة أخرى. روى الحاكم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: لما قتل أبي ترك دينا.. الحديث وفيه: فقلت لامرأتي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب النوم نصف النهار فدخلت وفرشت له فنام فذبحت له عناقا فلما استيقظ وضعتها بين يديه، فقال: «ادع أبا بكر» ، ثم دعا الذين كانوا معه، فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا وفضل منا لحم كثير [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العس: بمهملتين الأولى مضمومة: قدح كبير من خشب. القصعة: بفتح القاف ولا تكسر.

_ [ (1) ] انظر المجمع (8/ 313. [ (2) ] تقدم.

الباب الثامن في تكثيره صلى الله عليه وسلم طعام أبي طلحة رضي الله تعالى عنه

الباب الثامن في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام أبي طلحة رضي الله تعالى عنه روى الإمام أحمد والشيخان وأبو يعلى والبغوي من طرق كثيرة متواترة عن مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس أنه كان شاهد أبا طلحة قال لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: ما عندنا إلا نحو من مدّ شعير، قال: فاعجنيه وأصلحيه، عسى أن ندعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل عندنا، قالت: فعجنته وخبزته، فجاء قرصا، فقال: ادع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس: فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، قال مبارك بن فضالة، فأحسبه قال: بضعة وثمانون، فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسلك أبو طلحة؟» فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: «قوموا» فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: فضحتنا، قلت: إني لم أستطع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، فتلقّاه أبو طلحة فدهش لمن أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى جنبه، فقال: يا رسول الله، إنما هو قرص فقال: «إن الله عز وجل سيبارك فيه» ، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب قال لهم: «اقعدوا» ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرص، ودعا بجفنة فوضعه فيها، وقال: «هل من سمن» قال أبو طلحة: قد كان في العكّة شيء قال: فجاء بها فجعل هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعصرانها حتى خرج شيء مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ، وقال: «باسم الله» فانتفخ فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة ثم قال: «ادع عشرة من أصحابي» ، فدعوت له عشرة، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وسط القرص، وقال: «كلوا باسم الله» فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا فلم يزل يدعو عشرة بعشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالي القرص حتى شبعوا، وإنّ وسط القرص حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده كما هو، وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا وفضلت فضلة أهديناها لجيران لنا [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 115، 7/ 89 ومسلم في كتاب الأشربة (142) والترمذي (3630) والبيهقي 7/ 273 وفي الدلائل 6/ 89 وأبو نعيم في الدلائل 147 ومالك في الموطأ 927.

الباب التاسع في تكثيره صلى الله عليه وسلم طعام جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما

الباب التاسع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما روى الإمام أحمد والبخاري والإسماعيليّ والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا يوم الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه كدية من الجبل عرضت فقال: «أنا نازل» ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعادت كثيبا مهيلا. فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فأذن لي فقلت لامرأتي: إني رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا ما في ذلك صبر فعندك شيء؟ فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير ولنا عناق فذبحتها وطحنت ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه، فجئته فساررته فقلت: اطعم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال: «كم هو؟» فذكرت له، قال: «كثير طيب» ، قل لها: لا تنزع البرمة والخبز من التّنّور حتى آتيكم واستعر صحافا» ثم صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أهل الخندق إن جابرا صنع لكم سؤرا فحيهلا بكم» ، فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلّا الله عز وجل فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقلت: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم فقالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فكشفت عنّي غمّا شديدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال: «يا جابر، ادع خبازة فلتخبز معك واقدح من برمتكم ولا تنزلوها» وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبرد ويغرف اللحم ويخمر هذا ويخمر هذا فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا فكلما فرغ قوم جاء قوم حتى صدر أهل الخندق وهم ألف حتى تركوه، وانحرفوا وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا ليختبز كما هو ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلي وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة» فلم نزل نأكل ونهدي يومنا [ (1) ] . تنبيهان الأول: وقوله «وهم ألف» كذا في الصحيح وفي غيره تسعمائة أو ثمانمائة أو ثلاثمائة، قال الحافظ والحكم الزائد لمزيد علمه ولأن القصة متحدة.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 395 والبغوي في الشرح 14/ 5 وابن كثير في البداية 4/ 97.

الثاني: في بيان غريب ما سبق:. كدية: بضم الكاف وهي القطعة الصلبة الصّمّاء. الذواق: بذال معجمة مفتوحة فواو فألف فقاف: أي ما ذيق منها. المعول: كبير الحديدة ينقر بها في الجبال. كثيبا مهيلا: رملا سائلا. والعجين قد انكسر أي لان ورطب وتمكن من الخبز. البرمة: بموحدة فراء فميم إناء من حجر أو مدر يطبخ فيه الطعام. الأثافي: بمثلثة وفاء: الحجارة التي توضع عليها القدر. سورا: بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همزة هو ها هنا ما يصنع بالحيسة. فحيهلا بكم: كلمة استدعاء فيها حث أي هلموا مسرعين بكّ وبكّ. ولا تضاغطوا: بضاء وغين معجمتين وطاء مهملة مشالة أي لا تزدحموا. اقدحي: اغرفي والمقدحة: المغرفة. خمّر البرمة: غطّاها. انحرفوا: أي مالوا عن الطعام. تغط: بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء أي تغلي وتفور.

الباب العاشر في تكثيره صلى الله عليه وسلم حيس أم سليم رضي الله تعالى عنها

الباب العاشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم حيس أم سليم رضي الله تعالى عنها روى أبو يعلى وأبو نعيم وابن عساكر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش قالت لي أمي: يا أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح عروسا ولا أدري أصح له (غذاء) فهلمّ تلك العكّة فأتيتها بالعكّة وبتمر فجعلت منه حيسا فقالت: يا أنس: اذهب بهذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال: «دعه ناحية البيت وادع أبا بكر، وعمر وعليّا وعثمان ونفرا من أصحابه ثم ادع لي أهل المسجد ومن رأيت في الطّريق» فجعلت أتعجب من قلة الطعام وكثرة ما يأمرني أن أدعو النّاس وكرهت أن أعصيه حتى امتلأ البيت والحجرة، فقال: «هات ذلك التور» فجئت به فوضعه قدّامه فعمس ثلاث أصابع في التور فجعل التّمر يربو فجعلوا يتغدّون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون، وبقي في التور نحو ما جئت به، فقال: «ضعه قدّام زينب» ، قال ثابت: يا حمزة، كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور؟ قال: واحدا وسبعين أو اثنين وسبعين [ (1) ] . الحيس- بمهملة فمثناة تحتية فمهملة- سمن وأقط وربما جعل عوض الأقط دقيق. التور: بمثناة فوقية إناء من مدر أو حجارة.

_ [ (1) ] ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 127.

الباب الحادي عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلم طعام أبي أيوب

الباب الحادي عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام أبي أيّوب روى جعفر الفريابي والبيهقي وأبو نعيم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما، فأتيتهما به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فادع ثلاثين من أشراف الأنصار،» قال: فشقّ ذلك علي، وقلت: ما عندي شيء أزيده، قال: فكأني تثاقلت، فقال: «اذهب فأدع لي ثلاثين من أشراف الأنصار [ (1) ] » فدعوتهم فجاؤوا، فقال: أطعموا فأكلوا حتىّ صدروا ثمّ شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال: اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار، قال أبو أيوب: فو الله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعموا فأكلوا حتى صدروا» ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا، ثم قال: «اذهب فادع لي تسعين من الأنصار فلأنا أجود بالتسعين مني بالثلاثين» ، قال: فدعوتهم فأكلوا حتّى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه قبل أن يخرجوا فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار [ (2) ] .

_ [ (1) ] هذه الزيادة سقطت من د. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 221، 222 والبيهقي في الدلائل 6/ 94 وابن عبد البر في التمهيد 1/ 294 وابن كثير في البداية 6/ 127.

الباب الثاني عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلم طعام ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها

الباب الثاني عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها روى أبو يعلى عن جابر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة، فقال: «يا بنية، هل عندك شيء أكلة، فإني جائع» فقالت: لا والله، فلما خرج من عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها، وقالت: والله، لأوثرنّ بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي فكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: قد آتى الله بشيء فخبأته لك، قال: «هلمي يا بنية» ، فكشفت عن الجفنة، فإذا هي مملؤة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله عز وجلّ، فحمدت الله عز وجل وصلت على نبيه- صلى الله عليه وسلم وقدّمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله عز وجل، وقال: «من أين لك هذا يا بنيّة؟» قالت: يا أبت، هذا من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: «الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله عز وجل شيئا فسئلت عنه قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب،» فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته حتى شبعوا وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت بقيّتها على جميع جيرانها، وجعل الله عز وجل فيها بركة وخيراً كثيراً [ (1) ] .

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 20 وابن كثير في التفسير 2/ 29.

الباب الثالث عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلم فضلة أزواد أصحابه رضي الله تعالى عنهم

الباب الثالث عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم فضلة أزواد أصحابه رضي الله تعالى عنهم روى الشيخان عن سلمة بن الأكوع والإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة وأحمد عن أبي الحسين الغفاريّ وابن سعد والحاكم وصححه عن أبي عمرة الأنصاريّ والبزّار والطبراني والبيهقي عن أبي الحسين العبديّ وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى وأبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم- قالوا:. كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة بتبوك فأصاب الناس مخمصة شديدة، فاستأذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم، وقالوا يبلغنا الله عز وجل فأذن لهم، فأخبر عمر رضي الله عنه- فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيّ الله، ماذا صنعت؟ أمرت الناس أن ينحروا ظهورهم فعلى ماذا يركبون؟، قال: «فما ترى يا ابن الخطّاب؟» قال: أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب، ثم تدعو الله عز وجل بالبركة، فإن الله عز وجلّ سيبلغنا بدعوتك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقايا أزوادهم، فجعل الناس يجيئون بالحثية من الطعام وفوق ذلك فكان أعلاهم من جاء بالصّاع من التمر، فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب ثم دعا لهم، ثم قال: «ائتوني بأوعيتكم» فملأ كلّ إنسان وعاءه ولم يبق في الجيش وعاء إلّا ملؤوه حتى إن الرجل ليعقد قميصه فيأخذ فيه وبقي مثله، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله لا يلقى الله عبد مؤمن بها إلا حجبت عنه النّار [ (1) ] » . قصة أخرى. روى الطبرانيّ عن صفية أمّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: «هل عندك شيء، فإني جائع» ، قلت لا، إلا مدّين من طحين قال: «فاسخنيه» فجعلته في القدر وأنضجته، فقلت: قد نضج ثم دعا ينحي ليس فيه إلا القليل فعصر حافتيه في القدر موضع يده فقال: «بسم الله ادعي أخواتك، فإني أعلم أنهن يجدن مثل ما أجد» فدعوتهنّ فأكلنا حتى شبعنا ثم جاء أبو بكر فدخل ثم عمر فدخل ثم جاء رجل فأكلوا حتى شبعوا وفضل عنهم [ (2) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لمّا نزل

_ [ (1) ] تقدم انظر الدر المنثور 2/ 20 وابن كثير في التفسير 2/ 29. [ (2) ] انظر مجمع الروائد 8/ 309.

رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران في عمرته بلغ أصحابه أن قريشا تقول ما يتباعثون من العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهورنا، فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقة لاصبحنا غدا ندخل على القوم وبنا جمامة فقال: «لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم» فجمعوا له وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تولّوا وحثا كل واحد منهم في جرابه [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 305 وانظر المجمع 3/ 278 والبداية لابن كثير 4/ 231.

الباب الرابع عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلم أطعمة مختلفة غير ما تقدم

الباب الرابع عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم أطعمة مختلفة غير ما تقدم روى أبو جعفر الفريابي وابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي أصحابك فجعلت أتتبعهم رجلا رجلا، فجئنا باب النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنا فأذن لنا، قال أبو هريرة فوضعت بين أيدينا صحفة صنيع قدر مدّ من شعير فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها يده وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا ما شئنا وكنا ما بين السّبعين إلى الثمانين، ثم رفعنا أيدينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت الصحفة: «والذي نفسي بيده ما أمسى لآل محمد طعام» . قيل لأنس: كم كانت حين فرغتم منها؟ قال مثلها حين وضعت إلّا أن فيها أثر الأصابع [ (1) ] . قصة أخرى. روى الطّبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع، قال: بعثني أهل الصّفّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون الجوع فالتفت في بيته، فقال: «هل من شيء؟» قالوا: نعم، كسرة أو كسرتين وشيء من لبن فأتي به ففتوه فتا دقيقا، ثم صبّ عليه اللّبن ثم حلبه بيده حتى جعله كالثريد ثم قال: «يا واثلة، ادع عشرة من أصحابك» ففعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا باسم الله من حواليها، وأبقوا رأسها فإن البركة تأتيها من فوقها وإنها تمدّ» فرأيتهم يأكلون ويتخلّلون أصابعه حتى تمثلوا شبعا ثم ذهبوا، فقال: «جيء بعشرة» ، فقال لهم مثل ذلك، فأكلوا حتى شبعوا ثم قال: «هل بقي أحد» ، قلت: نعم، عشرة، قال: «جى بهم» ، فقال لهم مثل ما قال لمن قبلهم فأكلوا حتى شبعوا، وحتى انتهوا وإن فيها فضلة، فقمت متعجبا مما رأيت [ (2) ] . قصة أخرى. روى ابن سعد عن علي رضي الله عنه قال: نمنا ليلة بغير عشاء فأصبحت فالتمست فأصبت ما أشتري به طعاما ولحما بدرهم ثم أتيت به فاطمة فخبزت وطبخت فلما فرغت، قالت: لو أتيت أبي، فدعوته، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «أعوذ بالله من الجوع ضجيعا» ، فقلت: يا رسول الله، عندنا طعام فهلمّ، فجاءوا والقدر تفور، فقال: «اغرفي لعائشة في صحفة» حتى غرفت لجميع نسائه، ثم قال: «اغرفي لأبيك وزوجك» ، فغرفت، فقال: «اغرفي فكلي،» ، فغرفت ثم رفعت القدر، وإنها لتفيض فأكلنا منها ما شاء الله عز وجل [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 470 وابن سعد 1/ 2/ 13. [ (2) ] أبو نعيم في الحلية 2/ 23 وفي الدلائل 150 وانظر جمع الجوامع 2/ 619. [ (3) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 124.

قصة أخرى. روى الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال: عملت طعاما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهبت به فتحرّك به النّحي فأهريق ما فيه فقلت: على يدي أهريق طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادنه» فقلت: يا رسول الله لا أستطيع فرجعت مكاني فإذا النّحي يقول قب قب، فقلت: مه قد أهريق فضلة فضلت فيه، فاجتذبته، فإذا هو قد ملي إلى يديه فأوكيته ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: «أما إنك لو تركته لمليء إلى فيه ثم أوكى [ (1) ] » . قصة أخرى. روى الطبراني بسند حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: صنعت أميّ طعاما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ادعه، فجئت فساررته، فقال لأصحابه: «قوموا» ، فقام معه خمسون رجلا، فقال: «ادخلوا عشرة عشرة» فأكلوا حتى شبعوا وفضل نحو ما كان [ (2) ] . قصة أخرى. روى أبو نعيم عن صهيب رضي الله عنه قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقمت حياله، فلما نظر إلى أومأت إليه، فقال: «وهؤلاء» قلت لا مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا فقلت: نعم، وهؤلاء وإنما كان شيئا يسيرا صنعته لك فأكلوا وفضل منهم [ (3) ] . قصة أخرى. روى ابن سعد عن أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مسجدنا المغرب، فجئت إلى منزلي فجئته بعرق وأرغفة فقلت: بأبي وأمي تعشّ، فقال: لأصحابه: «كلوا باسم الله» ، فأكل هو وأصحابه الذين جاءوا معه، ومن كان حاضرا من أهل الدار، فو الذي نفسي بيده [ (4) ] لرأيت بعض العرق لم يتعرقه وعامّة الخبز وإنّ القوم أربعون رجلا. قصة أخرى. روى الإمام احمد وابن سعد وأبو نعيم عن عبد الله بن طهفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع الضيفان قال: «لينقلب كل رجل مع جليسه» ، فكنت أنا ممّن انقلب مع

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 313 وقال رواه الطبراني. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 310 وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله وثقوا. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 58 وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح إلا أن ضريب بن نضير لم يسمع من صهيب. [ (4) ] ابن سعد 1/ 2/ 110.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عائشة، هل من شيء» ، قالت: حويسة كنت أعددتّها لإفطارك، فأتي بها في قعبة فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قدمها إلينا ثمّ قال: «بسم الله كلوا» فأكلنا منها حتى والله ما ننظر إليها، ثم قال: «هل من شراب؟» فقالت لبينة: أعددتّها لإفطارك، فجاءت بها فشرب منها شيئاً، ثم قال: «باسم الله اشربوا» ، فشربنا حتى والله ما ننظر إليها [ (1) ] . قصة أخرى. روى الطبراني بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فانطلق إلى المنزل فقال: «هلموا إلى الطعام الذّي عندكم فأعطوني صحفة فيها عصيدة بتمر» فأتيته بها، فقال: «ادع أهل المسجد» فقلت في نفسي: الويل لي مما أرى من قلة الطعام والويل لي من المعصية، فدعوتهم، فاجتمعوا، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه فيها وغمز نواحيها وقال: «كلوا بسم الله» فأكلوا حتى شبعوا وأكلت حتّى شبعت ورفعتها فإذا هي كهيئتها حين وضعتها إلا أن فيها أثر الأصابع [ (2) ] . قصة أخرى. روى ابن عساكر عن عبد الله بن مغيث أبي بردة الأنصاري قال: أرسلت أم عامر الأشهليّة بقصعة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبته وعنده أم سلمة فأكلت أمّ سلمة حاجتها ثم خرجت بالقعبة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائه فأكل أهل الخندق وهي كما هي. قصة أخرى. روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت عليّ ثلاثة أيام لم أطعم فجئت أريد الصّفّة فجعلت أسقط فجعل الصبيان يقولون: جنّ أبو هريرة، قال فجعلت أناديهم، وأقول: بل أنتم المجانين حتى انتهينا إلى الصّفّة، فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة من ثريد، فدعا عليها أهل الصّفّة وهم يأكلون منها، فجعلت أتطاول كي يدعوني حتى قام القوم وليس في القصعة إلا شيء في نواحي القصعة، فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت لقمة فوضعه على أصابعه، فقال لي: «كل باسم الله» ، فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت [ (3) ] . قصة أخرى. روى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 526 وأبو نعيم في الدلائل (153) وانظر المجمع 8/ 101. [ (2) ] الطبراني في الكبير 18/ 138 وانظر المجمع 8/ 311. [ (3) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2148) والسيوطي في الدر المنثور 4/ 216.

مع أصحابه يحدثهم قد عصب بطنه بعصابة، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه فقالوا: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أمي فقال: هل من شيء؟ قالت: نعم عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاء معه بأحد قلّ عنهم، فقال لي أبو طلحة: قم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قام فدعه حتى يتفرق عنه أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه، فقل: أبي يدعوك، ففعلت ذلك، فلما قلت: أبي يدعوك، قال لأصحابه: «يا هؤلاء تعالوا» ثم أخذ بيدي فشدها، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنونا من بيتنا أرسل يدي فدخلت وأنا حزين لكثرة من جاء به، فقلت: يا أبتاه، قد قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قلت لي فدعا أصحابه، وقد جاء بهم، فخرج أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندي ما يشبع من أرى، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخل، فإن الله سيبارك فيما عندك، فدخلت فقال: «اجمعوا ما عندكم ثم قربوه» فقرّبنا ما كان عندنا من خبز وتمر، فجعلناه على حصير فدعا فيه بالبركة، فقال: «يدخل عليّ ثمانية» فأدخلت عليه ثمانية، فجعل كفّه فوق الطعام، فقال: «كلوا وسمّوا الله عز وجل» فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا، ثم أمرني أن أدخل عليه ثمانية فما زال ذلك أمره حتى دخل عليه ثمانون رجلا كلّهم يأكل حتى يشبع، ثم دعاني وأمي وأبا طلحة، فقال: «كلوا» ، فأكلنا حتى شبعنا، ثم رفع يده، فقال: يا أمّ سليم، أين هذا من طعامك حين قدّمتيه؟ فقالت: بأبي أنت وأمي، لولا أني رأيتهم يأكلون لقلت: ما نقص من طعامنا شيء [ (1) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد في الزهد والبزار والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن شيء فدخل يطلب له فأصابه لقمة في بعض حجره، فأخذها، ففتها أجزاء، ووضع يده عليها ثم قال: «كل» ، فأكل الأعرابي حتى شبع وفضلت منه فضلة فجعل الأعرابي ينظر إليه ويقول: إنك لرجل صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلم» فجعل يأبى الإسلام ويقول إنك لرجل صالح [ (2) ] . تنبيه في بيان غريب ما سبق:. العرق [.....] . الأرغفة [قطعة من العجين تخبز] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (143/ 2040) والبيهقي في الدلائل 1/ 963 وأبو نعيم في الدلائل 148 وانظر المجمع 8/ 306. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 313، 314 وقال رواه البزار وفيه السري بن عاصم وهو كذاب.

الباب الخامس عشر في قصة الذراع

الباب الخامس عشر في قصة الذراع روى الإمام أحمد وأبو يعلى من طرق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهديت لنا شاة، فجعلتها في قدر، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا أبا رافع؟ فقلت: شاة أهديت لنا، فطبختها في القدر، فقال: «ناولني الذراع» فناولته ثم قال: «ناولني الذراع يا أبا رافع» ، فناولته ثم قال: «ناولني الذراع الآخر» فقلت: يا رسول الله، إنما للشاة ذراعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو مسكت لناولتني ذراعا ما دعوت به [ (1) ] » . قصة أخرى. روى الإمام أحمد وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن شاة طبخت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطني الذراع» ، فناولته إياه، ثم قال: «الذراع» زاد أبو نعيم من وجه آخر فناولته إياه، ثم دعا بذراع آخر، فقلت: يا رسول الله، إنما للشاة ذراعان، قال: «أما إنك لو التمستها لوجدتها» [ (2) ] . قصة أخرى. روى أبو يعلى وأبو نعيم بسند حسنه الحافظ ابن حجر عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن امرأة جاءت بابن لها فذكر الحديث وفيه: فأهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مشوية، فقال: «خذ الشاة منها» ، ثم قال: «ناولني ذراعها» ، فناولته ثم قال: «ناولني ذراعها» ، فقلت يا رسول الله إنما هما ذراعان، وقد ناولتك فقال: «والذي نفسي بيده، لو سكتّ ما زلت تناولني ذراعا ما قلت لك ناولني ذراعا [ (3) ] » . قصة أخرى. روى الإمام أحمد والدّراميّ عن أبي عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طبخ للنبي صلى الله عليه وسلم قدرا فيه لحم، فقال: «ناولني ذراعها» فناوله ثم قال: «ناولني ذراعها» فناوله، ثم قال: «ناولني ذراعها» ، فقلت: يا رسول الله، كم للشاة من ذراع، فقال: «والذي نفسي بيده، لو سكتّ لأعطتك ذراعا ما دعوت به» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 392 وانظر المجمع 8/ 311 والمشكلة (327) . [ (2) ] أحمد في المسند 2/ 517 وابن كثير في البداية 6/ 140. [ (3) ] انظر المجمع 8/ 314. [ (4) ] أحمد 3/ 484، 485 وانظر المجمع 8/ 311 وابن كثير في البداية 5/ 322.

الباب السادس عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلم سواد البطن

الباب السادس عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم سواد البطن روى الشيخان عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة فقال: «هل مع أحد منكم من طعام؟» فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فاشترى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة، فصنعت، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى، قال: وايم الله، ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له رسول الله صلى الله عليه وسلم حزّة حزّة من سواد بطنها. إن كان شاهدا أعطاه، وإن كان غائبا خبّأ له، وجعل منها قصعتين فأكلنا منها أجمعون، وشبعنا وفضل في القصعتين، فحملته على البعير [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. سواد البطن: بسين مهملة فواو مخففة: الكبد، وقيل حشوه كله. مشعان: بضم أوله وسكون الشين المعجمة بعدها مهملة وآخره نون: فسره البخاري بأنه الطويل جدا فوق الطّول ونحوه، زاد غيره: مع إفراط في الطّول، شعث في الرّأس قال الحافظ: ويحتمل أن قوله أقوى لأن في الأطعمة من وجه آخر بلفظ مشعان طويل، وقال القزاز: المشعان: الطويل الجافي الثائر الرأس.

_ [ (1) ] البخاري 3/ 14، 213 ومسلم في الأشربة (175) وأحمد 1/ 197، 198 والبيهقي في الكبرى 9/ 215 وفي الدلائل 6/ 95.

الباب السابع عشر في الطعام الذي أتاه صلى الله عليه وسلم من السماء

الباب السابع عشر في الطعام الذي أتاه صلى الله عليه وسلّم من السماء روى الإمام أحمد والنّسائيّ والدّارميّ والحاكم وصححه، وقال الذهبي في مختصر المستدرك: إنه من غرائب الصّحاح عن أبي سلمة بن نفيل السكوني رضي الله تعالى عنه قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال له قائل: يا رسول الله هل أتيت بطعام من السماء، وفي لفظ: من الجنة؟ قال: «نعم» ، قال: وبماذا؟ قال: «بطعام مسخنة» ، قالوا: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: «نعم» ، قال: فما فعل به؟ قال: «رفع إلى السماء» [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن الحراث بن عجد حدثني رجل يقال له أبو سعيد، قال: قدمت المدينة، فسمعت رجلا يقول لصاحبه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرى الليلة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله بلغني أنك قريت الليلة، قال: «أجل» ، قلت: وما ذاك؟ قال: «طعام فيه مسخنة» ، قلت: فما جعل في فضله؟ قال: «رفع» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والنّسائيّ والتّرمذيّ وابن حبان والحاكم والبيهقيّ وصححوه والذهبيّ عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة فيها ثريد، فأكل وأكل القوم، فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر، يأكل قوم ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبونه. فقال له رجل: هل كانت تمدّ بطعام؟ قال: أمّا من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تمدّ من السماء [ (3) ] . تنبيهان الأول: خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقرئك السلام، وأرسلني إليك بهذا القطف لتأكله، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن عساكر من طريق حفص بن عمر الدّمشقيّ عرف بصاحب القطف، قال البخاري: لا يتابع عليه، وقال الذهبيّ: خبر منكر، وأما خبر حوط بن مرّة، قيل: يا رسول الله هل أتيت من طعام الجنة بشيء؟ قال: «نعم، أتاني جبريل بخبيصة من خبيص الجنة فأكلتها» ، قال الحافظ بن حجر في الإصابة: هذا حديث موضوع.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 104. [ (2) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 3/ 464 والبخاري في التاريخ 9/ 34 والكنز (31379. [ (3) ] أخرجه الدارمي 1/ 30 والترمذي 5/ 553 (3625) وقال حسن صحيح وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2149) والحاكم 2/ 618.

الباب الثامن عشر في تسبيح الطعام والشراب بين يديه صلى الله عليه وسلم

الثاني: في بيان غريب ما سبق:. مسخنة: وهي قدر كالتّور يسخّن فيها الطعام. قريت الليلة: قريت الضيف قرا أي أحسنت إليه. الباب الثامن عشر في تسبيح الطعام والشراب بين يديه صلى الله عليه وسلم روى الشيخان والترمذيّ وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسمع تسبيح الطعام، وهو يؤكل [ (1) ] . وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطعام ثريد، فقال: «إن هذا الطعام يسبّح» ، قالوا: يا رسول الله، وتفقه تسبيحه، قال: «نعم» ، ثم قال لرجل: «ادن هذه القصعة من هذا الرجل» ، فأدناها منه فقال: نعم، يا رسول الله، هذا الطعام يسبح فقال: «ادنها من آخر» وأدناها منه فقال: هذا الطعام يسبح ثم قال: «ردها» فقال رجل: يا رسول الله، لو أمرّت على القوم جميعا، فقال: «لا إنها لو سكتت عند رجل لقالوا: من ذنب ردّها» ، فردّها، وروى أبو الشيخ عن خيثمة قال: كان أبو الدرداء يطبخ قدرا، فوقعت على وجهها فجعلت تسبح [ (2) ] . وروى البيهقي وأبو نعيم عن قيس، قال: بينا أبو الدرداء وسلمان يأكلان من صحفة إذ سبّحت وما فيها. وروى النّسائيّ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا نسمع صوت الماء وتسبيحه وهو يشرب، الحديث وتقدم في باب نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 185.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في الأشجار

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الأشجار الباب الأول في حنين الجذع شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم روى الإمام الشافعيّ حنين الجذع أكبر من إحياء الموتى، زاد البيهقي [ما أعطى الله- عز وجل- نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيّء له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذاك] وسيأتي توجيهه في الخصائص أن شاء الله تعالى. وقد روى القصة أبي بن كعب رواه الإمام الشافعي وأحمد وابن ماجة والبغوي وابن عساكر وأنس بن مالك رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه وأبو يعلى والبزار وابن ماجه وأبو نعيم من طرق على شرط مسلم وبريدة، رواه الدارميّ، وجابر بن عبد الله، رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي، والمطلب بن أبي وداعة، رواه الزبير بن بكار، وأبو سعيد الخدري، رواه عبد بن حميد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى وأبو نعيم بسند على شرط مسلم، وعائشة رواه الطبراني والبيهقي، وأم سلمة رواه أبو نعيم والبيهقي بإسناد جيد بألفاظ متقاربة المعنى أدخلت بعضها في بعض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع نخلة، فاتّخذ له منبر، فلما فارق الجذع، وغدا إلى المنبر الذي صنع له جزع الجذع فحنّ له كما تحنّ الناقة، وفي لفظ: فخار كخوار الثّور، وفي لفظ: فصاحت النخلة صياح الصبيّ حتى تصدع وانشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكن فسكن وقال: «اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت، وإن شئت أن أغرسك في الجنة، فتشرب من أنهارها وعيونها، فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك الصالحون» فاختار الآخرة على الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة» ، وقال: لا تلوموه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارق شيئا إلا وجد [ (1) ] ، ولقد أبدع من قال: وألقى له الرحمن في الجمد حبّه ... فكانت لإهداء السّلام له تهدا وفارق جذعا كان يخطب عنده ... فأنّ أنين الأمّ إذ تجد الفقدا

_ [ (1) ] أخرجه من حديث جابر البخاري 2/ 397 (918، 2095، 3584، 3585) وأخرجه الدارمي 1/ 16، 19 وأحمد 1/ 249، 267، 363 وابن ماجة (1415) والبخاري في التاريخ 7/ 26 والطبراني في الكبير 12/ 187 وأبو نعيم في الدلائل (142) وانظر البداية 6/ 145، 147، 148 والكنز (31784، 32084) .

يحنّ إليه الجذع يا قوم هكذا ... أما نحن أولى أن نحنّ له وجدا إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة ... فليس وفاء أن نطيق له بعدا

الباب الثاني في انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم روى مسلم وأبو نعيم والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتّبعته بإداوة من ماء، فنظر فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: «انقادي علي بإذن الله» ، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى إلى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها، وقال: «انقادي عليّ بإذن الله تعالى» ، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما: فقال: «التئما عليّ بإذن الله» ، فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد وقال محمد ابن عباد فيتبعد فجلست أحدّث نفسي، فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا. فقامت كلّ واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة، فقال برأسه هكذا يمينا وشمالا [ (1) ] . قصة أخرى. روى أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فأراد أن يتبرّز، فقال: «يا عبد الله، انظر هل ترى شيئا» ، فنظرت فإذا شجرة واحدة، فأخبرته، فقال: «انظر هل ترى شيئا؟» فنظرت شجرة أخرى متباعدة عن صاحبتها فأخبرته، فقال: «قل لهما: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا» ، فقلت لهما، فاجتمعتا ثم أتاهما فاستتر بهما ثم قام فانطلقت كلّ واحدة منهما إلى مكانها. رواه ابن سعد عن عطاء مرسلا [ (2) ] . قصة أخرى. روى الإمام احمد وابن سعد وابن أبي شيبة برجال ثقات والحاكم وصححه عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزل منزلا فقال لي: «ائت تلك الأشاءتين (يعني نخلتين) فقل لهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا» ، فأتيتهما، فقلت لهما ذلك، فوثبت إحداهما إلى الأخرى، فاجتمعتا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستتر بهما فقضى حاجته ثم وثبت كل واحدة منهما إلى مكانها [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2306 (74/ 3012) والبيهقي في السنن 1/ 94 وفي الدلائل 6/ 8 وأبو نعيم في الدلائل (139) وابن عبد البر في التمهيد 1/ 222. [ (2) ] البداية والنهاية 6/ 159. [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 172 وابن ماجة (339) وابن سعد 1/ 1/ 112 وانظر المجمع 9/ 6.

قصة أخرى. روى أبو نعيم وابن عساكر عن غيلان بن سلمة الثقفي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا منه عجبا، مررنا بأرض فيها إشات متفرق فقال: «يا غلام، ائت هاتين الأشاءتين فمر إحداهما تنضم إلى صاحبتها» ، فانطلقت، فقمت بينهما، فقلت: إن نبي الله صلّى الله عليه وسلم يأمر إحداكما أن تنضم إلى صاحبتها فنزل فتوضأ خلفهما ثم ركب وعادت تخد في الأرض إلى موضعها [ (1) ] . قصة أخرى. روى أبو يعلى وأبو نعيم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «انظر هل ترى من نخل أو حجارة؟» فقلت: رأيت شجرات متفرقات ورضخا من حجارة، قال: «انطلق إلى النّخلات فقل لهنّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركن أن تدانين لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل للحجارة مثل ذلك» ، فأتيتهن، فقلت لهن ذلك، فو الذي بعثه بالحق لقد جعلت أنظر إلى النخلات يخددن الأرض خدّا حتى اجتمعن وإلى الحجارة يتقافزن حتى صرن رضخا خلف النخلات، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، وانصرف قال: «عد للنخلات والحجارة، فقل لهن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركنّ أن ترجعن إلى مواضعكنّ» [ (2) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد والدارمي والبيهقيّ واللفظ له ورجاله ثقات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر ولا حجر، فقال لي: «يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا» فملأت الإداوة ماء وانطلقنا، فمشينا حتى لا نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما أربعة أذرع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلق، فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما» ، ففعلت فرجفت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ثم رجعتا إلى مكانهما [ (3) ] .

_ [ (1) ] انظر جمع الجوامع 2/ 587. [ (2) ] جمع الجوامع 2/ 349. [ (3) ] تقدم وانظر البيهقي 1/ 93 وأبو داود حديث (2) والبداية والنهاية 6/ 160.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الإداوة: إناء صغير يحمل فيه الماء. شاطئ الوادي: بمعجمة فألف فطاء طرفه وجانبه. الغصن: ما شبّ من ساق الشجرة دقيقة وغليظه. البعير المخشوش: بخاء معجمة ومعجمتين بينهما واو: جعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنفه ويشتد به الزمام لينقاد بسهولة.

الباب الثالث في نزول العذق من الشجرة ومشي شجرة أخرى إليه وشهادتهما له بالرسالة صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في نزول العذق من الشجرة ومشي شجرة أخرى إليه وشهادتهما له بالرسالة صلّى الله عليه وسلم روى البخاري في التاريخ والترمذي وصححه وأبو يعلى وابن حبان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال: نعم، فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط على الأرض، فأقبل إليه، وهو يسجد ويرفع ويسجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: «ارجع» فرجع إلى مكانه، فقال: والله لا أكذبك بشيء تقوله بعد أبدا أشهد أنك رسول الله وآمن [ (1) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححاه وأبو نعيم عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر فقال: يا رسول الله، أرني الخاتم الذي بين كتفيك فإني من أطيب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أريك آية؟» قال: بلى، قال: فنظر إلى نخلة، فقال: ادع ذلك العذق، قال: فدعاه، فأقبل يخدّ الأرض ويسجد ويرفع رأسه حتى وقف بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع» فرجع إلى مكانه فقال: أشهد أنك رسول الله وآمن [ (2) ] . قصة أخرى. روى الدّارميّ وابن حبان والحاكم وصححاه وقال الذهبيّ إسناده جيد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في سفر، فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال: «هل لك في خير؟» قال: وما هو؟ قال: «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله» ، قال: هل لك من شاهد على ما تقول؟ قال: «هذه الشجرة» ، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدّا فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يتبعوني آتك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 5/ 554 (3628) والحاكم في المستدرك 2/ 620 ابن كثير في البداية 6/ 143، 311 وابن سعد 1/ 1/ 121. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 223 والدارمي 1/ 13 وابن كثير في البداية 6/ 142. [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 432 والطحاوي في المعاني 3/ 21 وانظر المطالب (3836) والمجمع 8/ 295.

تنبيه:

قصة أخرى. روى البيهقي عن الحسن رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغمّ ما شاء الله تعالى من تكذيب قومه إياه، فقال: «يا رب، أرني ما أطمئنّ إليه ويذهب عنّي هذا الغمّ» فأوحى الله عز وجل ادع إليك أيّ أغصان هذه الشجرة شئت، قال: فدعا غصنا فانتزع من مكانه ثم خد الأرض حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى مكانك» فرجع الغصن فخدّ في الأرض حتى استوى كما كان فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وطابت نفسه [ (1) ] . قصة أخرى. روى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الحجون كئيبا لما آذاه المشركون، فقال: «اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها» ، فأمر فنادى شجرة من قبل الوادي، فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه ثم أمرها فرجعت إلى موضعها، فقال: «ما أبالي من كذبني بعد هذا من قومي» [ (2) ] . قصة أخرى. روى الإمام احمد وابن ماجة بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضّب بالدماء ضربه بعض أهل مكة، فقال له: مالك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فعل بي هؤلاء وفعلوا» فقال له جبريل: كم تحبّ أن أريك آية؟ فقال: «نعم» ، فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: مرها فلترجع، فأمرها، فرجعت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبي» ، ورواه ابن سعد عن عمر وفيه: فسلّمت عليه [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. العذق: العرجون بما فيه من الشماريخ.

_ [ (1) ] البداية لابن كثير 6/ 142. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 13 وابن سعد 1/ 1/ 112 وانظر المطالب (3837) . [ (3) ] أخرجه ابن ماجة (4028) وأحمد 3/ 113 وابن كثير في البداية 6/ 142.

الباب الرابع في إعلام الشجرة بمجيء الجن إليه وسلام شجرة أخرى عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الرابع في إعلام الشجرة بمجيء الجنّ إليه وسلام شجرة أخرى عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه روى الشيخان عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: سألت مسروقا من إذن النبي صلّى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن، فقال: حدّثني أبوك، قال: آذنته بهم شجرة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. آذنته: بهمزة ممدودة: أعلمته. قصة أخرى. روى الإمام أحمد والبيهقي وأبو نعيم عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة استأذنت تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له ذلك، فقال: «هي شجرة استأذنت ربها عز وجل إن تسلم عليّ فأذن لها» [ (1) ] . قصة أخرى. روى البزار وأبو نعيم عن بريدة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أسلمت فأرني شيئا أزداد به يقينا، قال: «ما الذي تريد؟» قال: ادع تلك الشجرة، فلتأتك، قال: «اذهب فادعها» ، فأتاها الأعرابيّ، فقال: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالت على جانب من جوانبها، فقطعت عروقها، ثم مالت على الجانب الآخر فقطعت عروقها حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «بم تشهدين، يا شجرة؟» قالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبد الله ورسوله، قال: «صدقت» ، فقال الأعرابي: حسبي حسبي، مرها فلترجع إلى مكانها، فقال: «ارجعي إلى مكانك، وكوني كما كنت» ، فرجعت إلى حفرتها، فجلست على عروقها في الحفرة، فوقع كل عرق مكانه الذي كان فيه، ثم التأمت عليها الأرض، فقال الأعرابي: أتأذن لي يا رسول الله أن أقبّل رأسك ورجليك، ففعل، ثم قال: أتأذن لي أن أسجد لك؟ فقال: «لا يسجد أحد لأحد» [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. آذنته: بهمزة ممدودة: أعلمته. غشيته: غطّيته.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 173 وأبو نعيم في الدلائل 139 وانظر المجمع 9/ 6 والبداية 6/ 158. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (138) .

الباب الخامس في الآية في النخل الذي غرسه لسلمان رضي الله تعالى عنه لما كاتب سيده عليه

فمالت. [....] حسبي حسبي. [....] الباب الخامس في الآية في النخل الذي غرسه لسلمان رضي الله تعالى عنه لما كاتب سيده عليه روى البيهقي عن أبي يزيد عن أبيه أن سلمان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لمن أنت؟» قال: لقوم، قال: «فاطلب إليهم أن يكاتبوك» ، قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم، وأقوم عليها حتى تطعم، قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فغرس النخل كلّه إلا نخلة واحدة غرسها عمر ابن الخطاب فأطعم النخل من سنته إلا تلك النخلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من غرسها؟» قالوا: عمر ابن الخطاب، فغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فحملت من عامها وقد تقدم مبسوطا في أول الكتاب والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكر كفاية لمن وفّق [ (1) ] ويرحم الله الشيخ شرف الدين البوصيري حيث قال: جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشي إليه على ساق بلا قدم كأنّما سطرت سطرا لما كتبت ... حروفها من بديع الخطّ في اللّقم تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. اللّقم: بفتح اللام والقاف: وسط الطريق.

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 46 والبيهقي 10/ 351.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في الجمادات

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الجمادات الباب الأول في تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم روى الطبراني والبيهقي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات أو قال: تسع حصيات، فأخذهن في كفه، فسبّحن، حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهنّ فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهنّ فوضعهنّ في يد عثمان فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه خلافة النبوة» [ (1) ] . ورواه البزّار والطبراني والبيهقي ورواه محمد بن يحيى الذهبي والبيهقي وابن عساكر عن أنس نحوه. قصة أخرى. روى أبو نعيم والحكيم الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم ملوك حضرموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم الأشعث بن قيس، فقالوا إنا قد خبأنا لك خبأ فما هو؟ قال: «سبحان الله! إنما يفعل هذا الكاهن والكهانة في النار» ، فقالوا: فكيف نعلم أنك رسول الله عز وجل فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفّا من حصى، فقال: «هذا يشهد أني رسول الله» فسبح الحصى في يده، فقالوا: نشهد أنك رسول الله عز وجل [ (2) ] . قصة أخرى. روى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: تناول النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض سبع حصيات، فسبّحن في يده، ثم ناولهنّ أبا بكر فسبّحن كما سبّحن في يد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ناولهنّ النبي صلى الله عليه وسلم عمر فسبّحن في يده كما سبّحن في يد أبي بكر، ثم ناولهنّ عثمان فسبّحن في كفّه كما سبحن في يد أبي بكر وعمر.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 65 وانظر الكنز (35409) والبداية 6/ 151، 7/ 206. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 78 وانظر الدر المنثور 4/ 201، 5/ 270.

الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلم الذهب الذي دفعه لسلمان

قصة أخرى. روى عن ثابت البنانيّ عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حصيات في يده فسبّحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في يد أبي بكر فسبحن حتى سمعنا التّسبيح، ثم صيّرهنّ في يد عمر فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في يد عثمان فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في أيدينا رجلا رجلا فما سبّحت حصاة منهنّ. الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلم الذهب الذي دفعه لسلمان روى الإمام أحمد وابن سعد والحاكم من طرق عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من بعض المعادن بمثل بيضة الدجاجة من ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ هذه يا سلمان، فأدبها ما عليك» ، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه مما علي؟ فقلّبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسانه ثم قذفها إلي، ثم قال: «انطلق بها، فإن الله سيؤدّي بها عنك، فوالذي نفسي بيده، لو وزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وبقي عندي مثل ما أعطيتهم» ، الحديث [ (1) ] . وتقدم في قصة إسلامه أول الكتاب في باب ما أخبرته الأحبار والرهبان والكهان بأنه النبي المبعوث آخر الزمان.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 444 والطبراني في الكبير 6/ 277 أخرجه البيهقي 10/ 322 والخطيب في التاريخ 6/ 169 وابن عساكر كما في التهذيب 6/ 197 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 89 وابن سعد 1/ 1/ 123 وانظر المجمع 9/ 336.

الباب الثالث في تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في تأمين أسكفّة الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: «يا أبا الفضل، لا ترمّ منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فإنّ لي فيكم حاجة» ، فانتظروه، حتى جاء بعد ما أضحى، فدخل عليهم، فقال: «السلام عليكم» فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قال لهم: «تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض» حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: «يا رب، هذا عمّي وصفو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه» ، قال: فأمّنت أسكفّة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين [ (1) ] . ورواه ابن ماجة مختصرا وليس في سنده متّهم. ورواه أبو نعيم من حديث عبد الله بن الغسيل. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. ملاءته: ملحفته. صفو أبي: مثل أبي. أسكفّة الباب: عتبته.

_ [ (1) ] ابن عساكر كما في التهذيب 7/ 238 والبيهقي في الدلائل 6/ 71 وابن كثير في البداية 6/ 153.

الباب الرابع في تحرك الجبل فرحا به صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في تحرك الجبل فرحاً به صلى الله عليه وسلم روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال: «اثبت، عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان» [ (1) ] . وروى أبو يعلى والبيهقي من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد فقط، وروى مسلم من حديث أبي هريرة مثله، وزاد (وعليّ وطلحة والزبير) فقال: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» رواه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء فقط [ (2) ] . وروى أبو نعيم عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حراء فتحرك فضربه برجله، ثم قال: «اسكن حراء، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» ، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأنا [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 42 (3686) . [ (2) ] أخرجه مسلم في الفضائل (50) وأحمد 2/ 419 والترمذي (3696) والبيهقي في الدلائل 6/ 352 والبغوي في التفسير 1/ 74 وانظر الكنز (33098، 36719) . [ (3) ] أخرجه البيهقي 6/ 167 والدارقطني 4/ 198 والبخاري في التاريخ 8/ 105 وابن عساكر كما في التهذيب 5/ 363، 7/ 80، 435، 6/ 102 وانظر البداية والنهاية 7/ 179.

الباب الخامس في تنكيس الأصنام حين أشار إليها صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في تنكيس الأصنام حين أشار إليها صلّى الله عليه وسلم روى الشيخان عن ابن مسعود والإمام أحمد وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس وابن إسحاق والبيهقي عن عليّ وأبو نعيم والبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما فأشار إلى كل صنم بعصا، فقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (1) ] [سورة الإسراء 81] جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط من غير أن يمسّه بعصا وفي لفظ: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فأخذ بقوسه فجعل يهوي إلى صنم صنم وهو يهوي حتى مرّ عليها كلّها وفي ذلك يقول تميم بن أسد الخزاعيّ: وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثّواب أو العقابا وأخرجه ابن مندة من وجه ثالث عن ابن عباس وقال: حديث غريب تفرد به يعقوب بن محمد الزّهريّ. قال البيهقي في حديث ابن عمر إسناده إن كان ضعيفا فحديث ابن عباس يؤكده.

_ [ (1) ] تقدم.

الباب السادس في تحرك المنبر حين أمعن في وعظ الناس عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب السادس في تحرك المنبر حين أمعن في وعظ الناس عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه روى الإمام أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده ثم يقول: أنا الجبار، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» ويعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إنّي أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وروى الحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر 67] قال: «يقول أنا الجبّار، ويمجّد الربّ نفسه» ، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم منبره حتى قلنا: ليخرّنّ [ (2) ] . وروى البزار وابن عديّ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على المنبر: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ حتى بلغ: عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر 67] فقال المنبر هكذا فجاء وذهب ثلاث مرات. الباب السابع في إلانة الصخرة التي عجز الناس عنها له صلى الله عليه وسلم روى البخاري عن جابر بن عبد الله، وأبو نعيم عن عبد الله بن عمر، والبيهقي وأبو نعيم عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير والبيهقي وأبو نعيم عن كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف عن أبيه عن جدّه، وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنهم قالوا: عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذها المعاول، فشكونا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنا نازل» ، ثم قال: فلما رآها أخذ المعول وقال: «باسم الله» وضربها ضربة تكسر ثلثها وبرقت برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حتى كأنّ مصباحا في جوف ليلة مظلمة، فقال: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إنيّ لأبصر قصر المدائن الأبيض» ثم ضربه التالية فقطع بقية الحجر، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، فقال «الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر صنعاء من مكاني السّاعة» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2148، 2149 والطبراني في الكبير 12/ 355. [ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 88. [ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 395 والبغوي في الشرح 14/ 5 وابن كثير في البداية 4/ 97 وأخرجه أحمد 4/ 303 وابن أبي شيبة 14/ 422 والبيهقي في الدلائل 3/ 421 والخطيب في التاريخ 1/ 131، 4/ 131.

الباب الثامن في سلام الأحجار عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الثامن في سلام الأحجار عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه روى مسلم والإمام أحمد عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعرف حجرا كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن [ (1) ] » ، وروى الترمذي، وحسنه عن علي رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال: السلام عليك، يا رسول الله [ (2) ] . وروى أبو نعيم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «لما كانت ليالي بعثت ما مررت بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك، يا رسول الله،» وتقدّم ذلك مبسوطا في أبواب البعثة.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1782 وأحمد 5/ 89، 95 والطبراني في الكبير 2/ 257 وفي الصغير 1/ 6 وأبو نعيم في الدلائل (142) والبيهقي في الدلائل 2/ 153 وابن أبي شيبة 11/ 464. [ (2) ] الدارمي 1/ 12 والترمذي 5/ 593 (3626) والحاكم 2/ 65 والبيهقي في الدلائل 2/ 153.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في الحيوانات

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الحيوانات الباب الأول في انقياد الإبل له صلى الله عليه وسلم روى الطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء قوم من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أن لنا بعيرا فطم في حائط فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تعال» ، فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه، وأعطاه أصحابه، فقال له أبو بكر: يا رسول الله، كأنه علم أنك نبيّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبيّ إلا كفرة الإنس والجن [ (1) ] » . وروى الإمام أحمد عن حماد بن سلمة، قال: سمعت شيخا من قيس يحدّث عن أبيه، قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا بكرة صعبة لا نقدر عليها، فدنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ضرعها فاحتفل فحلب. وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حوائط بني النّجار إذا فيه جمل لا يدخل أحد إلا شدّ عليه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير، فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هاتوا خطامه» ، ودفعه إلى صاحبه ثم التفت إلى الناس، فقال: «إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الإنس والجن [ (2) ] » . وروى أبو بكر بن أبي شيبة برجال ثقات والإمام أحمد وعبد الله بن حميد والبزّار عنه، قال: أقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النّجّار إذا فيه جمل هائج لا يدخل الحائط أحد إلا شدّ عليه قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الحائط، فدعا البعير فجاءه ووضع مشفره في الأرض حتى برك بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هاتوا خطامه» فخطمه ودفعه إلى أصحابه ثم التفت إلى الناس، فقال: «ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله غير عصاة الجن والإنس [ (3) ] » .

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 4. [ (2) ] أخرجه الدارمي 1/ 11 وأحمد 3/ 310 وأبو نعيم في الدلائل (135) وابن كثير في البداية 6/ 155 وانظر المجمع 7/ 9، 9/ 7. [ (3) ] انظر المجمع 7/ 9، 9/ 7.

الباب الثاني في سجود الإبل له وشكواها إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في سجود الإبل له وشكواها إليه صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد والنسائي بسند جيد عن أنس رضي الله عنه قال: كان أهل بيت من الأنصار، لهم جمل يستقون عليه الماء، وإنّه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وإنّ الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نستقي عليه، وإنّه استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد عطش الزّرع والنّخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا» ، فقاموا فدخل الحائط، والجمل من ناحية، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه فقال الأنصار: يا رسول الله، قد صار مثل الكلب، وإنما نخاف عليك صولته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس عليّ منه بأس» ، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خرّ ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلّ ما كانت قطّ حتى أدخله في العمل، فقال أصحابه: يا رسول الله، هذه بهيمة لا تعقل، تسجد؟ فنحن أحقّ أن نسجد لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو صح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقّه عليها، والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه تنبجس بالقيح والصّديد ثم استقبلته فلحسته ما أدّت حقه [ (1) ] » . قصة أخرى. روى الإمام أحمد والبيهقي واللّفظ له، ورجاله ثقات، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن جملا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان قريبا منه خر الجمل ساجدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، من صاحب هذا الجمل؟» فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله، قال: «فما شأنه؟» قالوا: سنونا عليه عشرين سنة فما كبرت سنّه، أردنا نحره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبيعونه؟» فقالوا: هو لك يا رسول الله، فقال: «أحسنوا إليه حتى يأتيه أجله» ، فقالوا يا رسول الله، نحن أحقّ أن نسجد لك من البهائم، فقال: «لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان النساء لأزواجهنّ» [ (2) ] . قصة أخرى. روى الإمام أحمد وأبو نعيم والطبراني بسند جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في نفر فجاء بعير فسجد له، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحقّ أن نسجد لك، قال: «اعبدوا ربكم، وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» . . الحديث [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 150 وأبو نعيم في الدلائل (137) وانظر المجمع 9/ 4 والبداية 6/ 155. [ (2) ] أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 1/ 224 انظر البداية والنهاية 1/ 261. [ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 76 وانظر المجمع 4/ 310، 9/ 9.

قصة أخرى. روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا فجاء بعير فسجد..... الحديث. قصة أخرى. روى الإمام أحمد والبيهقي، وقال الذهبي: على «شرط» مسلم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه إلى سنامه وزفر له فسكن، فقال: «من صاحب هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار قال: هو لي يا رسول الله، قال: «أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكتها، إنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه» [ (1) ] . قصة أخرى. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا، فسدّ عليهما الباب، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد معه نفر من الأنصار فقال: يا رسول الله، إني جئت في حاجة، وإن فحلين لي اغتلما، وإني أدخلتهما حائطا، وسددتّ عليهما الباب، فأحب أن تدعو لي أن يسخّرهما الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا معنا» فذهب حتى أتى الباب، فقال: «افتح» ، فأشفق الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «افتح» ، ففتح، فإذا أحد الفحلين قريب من الباب، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتني بشيء أشد به رأسه وأمكّنك منه» ، فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر، فلما رآه وقع ساجدا له، فقال للرجل: «ائتني بشيء أشدّ به رأسه» ، فشدّ رأسه وأمكنه منه، فقال: «اذهب فإنهما لا يعصيانك» [ (2) ] . قصة أخرى. روى أبو نعيم عن بريدة رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّ لنا جملا صئولا في الدّار وليس أحد منا يستطيع أن يقربه فقام معه النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فأتى ذلك الباب ففتحه فلما رآه الجمل جاء إليه فسجد له ووضع جرانه فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فمسحه ثم دعا بالخطام فخطمه ثم دفعه إلي صاحبه، فقال له أبو بكر، وعمر

_ [ (1) ] أحمد في المسند 1/ 204 وابن كثير في البداية 6/ 157. [ (2) ] الطبراني في الكبير 11/ 356 وانظر المجمع 9/ 4.

وقد عرفك، يا رسول الله، إنك نبيّ، قال: «ليس شيء إلا يعرف أني رسول الله غير كفرة الجنّ والإنس [ (1) ] » . قصة أخرى. روى الإمام أحمد أبو عبد الله محمد بن حامد الفقيه في كتابه (الدلائل) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: انطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فأشرفنا على حائط فإذا نحن بناضح فلما أقبل الناضح، رفع رأسه فأبصر بالنبي صلى الله عليه وسلم فوضع جرانه على الأرض، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فنحن أحقّ أن نسجد لك من هذه البهيمة، فقال: «سبحان الله أدون الله؟ ما ينبغي لأحد أن يسجد لشيء دون الله عز وجل، ولو أمرت أحدا أن يسجد لشيء من دون الله عزّ وجلّ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» . قصة أخرى. روى أبو نعيم عن ثعلبة بن أبي مالك قال: اشترى انسان من بني سلمة جملا ينضح عليه، فأدخله في مربد فجرّد كيما يحمل عليه فلم يقدر أحد أن يدخل عليه إلا يخبطه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «افتحوا عنه» ، فقالوا: إنّا نخشى عليك منه، قال: «افتحوا عنه» ، ففتحوا فلما رآه الجمل خر ساجدا، فسبّح القوم، فقالوا: يا رسول الله، كنا أحقّ بالسّجود من هذه البهيمة، قال: «لو ينبغي لشيء من الخلق أن يسجد لشيء دون الله لا نبغى للمرأة أن تسجد لزوجها [ (2) ] » . قصة أخرى. روى الطبراني عن عصمة رضي الله عنه قال: شرد علينا بعير ليتيم من الأنصار فلم يقدر على أخذه فذكرنا ذلك له فقام معنا حتى جاء الحائط الذي فيه البعير فلما رأى البعير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل حتى سجد له فقلنا: يا رسول الله، لو أمرتنا أن نسجد لك كما يسجد للملوك! فقال: «ليس ذاك في أمتي، لو كنت فاعلا لأمرت النّساء أن تسجد لأزواجهن [ (3) ] » . قصة أخرى. روى الإمام أحمد والبيهقي من طرق عن يعلى بن مرة قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ جاء جمل يرغو حتى ضرب بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه حتّى بلّ ما حوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما يقول البعير؟ إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره» ، ثم قال: «ويحك أنظر لمن هذا الجمل» فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] أبو نعيم في الدلائل (136) . [ (3) ] انظر المجمع 4/ 311.

فدعوته إليه، فقال: «ما لبعيرك يشكوك زعم أنك أفنيت شبابه حتى إذا كبر تريد أن تنحره؟» قال: صدقت والذي بعثك بالحق لقد هممنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: «فلا تفعل هبه لي أو بعنيه» ، فقال يا رسول الله، مالي مال أحب إلي منه» ، قال: «فاستوص به خيرا» ، فقال لا جرم، لا أكرم مالا لي كرامته يا رسول الله، وفي رواية: أنه وهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به [ (1) ] . قصة أخرى. روى ابن سعد عن علي بن محمد عن الحسن بن دينار عن الحسن قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده [ (2) ] إذا أقبل جمل نادّ حتى وضع رأسه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وجرجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إن هذا الجمل يزعم أنه لرجل وأنه يريد أن ينحره في طعام عن أبيه الآن فجاء يستغيث» فقال رجل: يا رسول الله هذا جمل فلان، وقد أراد ذلك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل فسأله عن ذلك فأخبره أنه أراد ذلك، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينحره ففعل [ (3) ] . قصة أخرى. روى البزار والطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: لما رجعنا من غزوة ذات الرقاع حتى إذا كنا بمهبط الحرّة، أقبل جمل يرغل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما قال هذا الجمل هذا جمل يستعديني على سيده يزعم أنّه يحرث عليه منذ سنين، وأنه أراد أن ينحره، اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به» ، فقلت: لا أعرفه قال: «إنه سيدلك عليه» فخرج بين يديه مقنعا حتى وقف على صاحبه فجئت به..» الحديث. قصة أخرى. روى البيهقي وأبو نعيم عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: بينا نحن قعود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه آت، فقال: إنّ ناضح آل فلان قد أبق عليهم، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضنا معه فقلنا يا رسول الله، لا تقربه، فإنّا نخافه عليك، فدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من البعير فلما رآه البعير سجد ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح في غرّة البعير من الماء ثم ضربه ودعا له ووضع يده على رأسه، فقال: «هاتوا السفار» ، فجيء بالسفار فوضعه في رأسه وقال: «ادعوا لي صاحب البعير» ، فدعي، فقال: «أحسن علفه ولا تشقّ عليه في العمل [ (4) ] » .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 172 وانظر المجمع 9/ 6. [ (2) ] في مجلسه في المسجد. [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 124. [ (4) ] أبو نعيم في الدلائل (137) .

الباب الثالث في بركته صلى الله عليه وسلم في جمل جابر وناقة الحكم بن أيوب وناقة رجل آخر

تنبيه: في بيان غريب ما سبق: مفرق رأسه: حيث يفرق الشّعر. القيح [....] . الصّديد [....] . جرجر: من الجرجرة وهي صوت البعير عند الضجر. ذرفت عيناه [....] . مقنّعا: المستور وجهه. السّفار. الزمام والحديدة: التي يخطم بها البعير ليذلّ وينقاد. الباب الثالث في بركته صلى الله عليه وسلم في جمل جابر وناقة الحكم بن أيوب وناقة رجل آخر روى الشيخان وأبو نعيم عن جابر رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاحق بي وتحتي ناضح أعيا ولا يكاد يسير حتى ذهب الناس فجعلت أرقيه ويهمّني شأنه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في آخر الناس فقال لي: «ما لبعيرك؟» قلت: عليل فمسح في نحره من الماء ثم ضربه ودعا له، فوثب ثم قال: «اركب باسم الله» ، قلت: إنيّ أرضى أن يساق معنا قال: «اركب» فركبت، فو الذي نفسي بيده، لقد رأيتني وإني لأكفّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إرادة ألا يسبقه فما ركبت دابّة قبله ولا بعده أوسع ولا أوطأ منه، وما زال بين الإبل يسير قدّامها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف ترى بعيرك؟» قلت: بخير، قد أصابته بركتك [ (1) ] . قصة أخرى. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا فأتاه، فقال: يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث، فأتاها فضربها برجله، قال أبو هريرة والذي نفسي بيده، لقد رأيتها تسبق القائد. وروى ابن حبان في تاريخه والحسن بن سفيان والطّبراني عن الحكم بن أيوب، ويقال ابن الحارث السّلمي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حلب ناقتي فرجّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدّمت الرّكاب.

_ [ (1) ] تقدم وانظر البخاري 4/ 320 (2097، 2718، 2967) ومسلم 3/ 1221 (110/ 715) .

الباب الرابع في بركته صلى الله عليه وسلم في ظهر المسلمين في غزوة تبوك

الباب الرابع في بركته صلى الله عليه وسلم في ظهر المسلمين في غزوة تبوك روى الطبراني بسند صحيح عن فضالة بن عبيد، قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فجهد الظّهر جهدا شديدا فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم رجالا لا يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق، والناس يمرّون فيه فنفخ فيها نفخا وقال: «اللهم بارك فيها واحمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القويّ والضعيف والرّطب واليابس في البرّ والبحر» ، فاستمرت فما دخلت المدينة إلا وهي تنازعنا أزمّتها [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. يزجّون: بزاي وجيم: يسرقون. الباب الخامس في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم- ذكرنا ذلك- روى أبو نعيم وأبو عبد الله بن حامد الفقيه عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمر، ورجل من الأنصار وفي الحائط غنم فسجدت له ... الحديث.

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 11/ 376 وانظر المجمع 6/ 196 وفيه يرحون بدل من يزجون.

الباب السادس في شهادة الذئب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة

الباب السادس في شهادة الذئب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححاه عن أبي سعيد والبيهقي عن ابن عمر، وأبو نعيم عن أنس وابن مسعود، والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنهم بينما أعرابيّ ببعض نواحي المدينة في غنم له إذ عدا ذئب على شاة، فأخذها، فطلبها الراعي، فاستنقذها منه فصعد الذّئب على تلّ فاقع واستقرّ، وقال: ألا تتقي الله عز وجل، تنزع مني رزقا ساقه الله عز وجل إليّ؟ فقال: يا عجبا لذئب يقع على ذنبه يكلّمني بكلام الإنس! فقال الذئب: أتعجب منّي؟ فقال الرجل: كيف لا أعجب من ذئب مستذفر ذنبه يتكلّم! فقال الذئب: والله إنك تصادف أعجب من هذا، وفي لفظ: إنا أخبرك بأعجب من كلامي، قال: وماذا أعجب من هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّخلات بين الحرّتين يحدث الناس عن نبأ ما سبق وما يكون بعد ذلك، وفي لفظ: يدعو الناس إلى الهدى، وإلى دين الحق وهم يكذّبونه، فأقبل الراعي يسوق حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زوايا المدينة، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره وفي حديث أبي هريرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلّيت الصّبح معنا غدا فأخبر الناس بما رأيت» ، فلما أصبح الرجل وصلّى الصّبح فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للأعرابي: «أخبرهم» ، فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق، والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يخرج من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله من بعده» . روى ابن عساكر عن محمد بن جعفر بن خالد الدّمشقيّ، قال رافع بن عمير الطائيّ فيما يزعمون: كلّمه الذئب وهو في ضأن له يرعاها، فدعاه الذئب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره باللّحوق بالنبي صلى الله عليه وسلم وله شعر قاله في ذلك يرحمه الله تعالى آمين: دعيت الضّأن أجمعها بكلبي ... من اللّصّ الخفيّ وكلّ ذيب فلمّا أن سمعت الذّئب نادى ... يبشّرني بأحمد من قريب سعيت إليه قد شمّرت ثوبي ... على السّاقين في الوفد الرّكيب فألفيت النّبيّ يقول قولا ... صدوقا ليس بالقول الكذوب فبشّرني بدين الحقّ حتّى ... تبيّنت الشّريعة للمنيب وأبصرت الضّياء يضيء حولي ... أمامي إن سعيت وعن جنوبي ألا بلّغ بني عمرو بن عوف ... وأخبرهم جديدا أن أجيبي دعاء المصطفى لا شك فيه ... فإنّك إن أجبت فلن تجيبي

الباب السابع في خشية الوحش الداجن إياه صلى الله عليه وسلم

قصة أخرى. قال القاضي في الشفاء روى ابن وهب مثل هذا أنّه جرى لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أميّة مع ذئب وجداه أخذ ظبيا، فدخل الظّبي الحرم، فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك، قال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنّة وتدعونه إلى النار؟ فقال: واللات والعزى لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنّها خلوفا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. التّل. الزّاوية: الرّكن. اللّصّ [....] . حديدا [....] . الباب السابع في خشية الوحش الداجن إياه صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد [ (1) ] ومسدد وأبو يعلى والبزّار والطّبراني بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش، وفي لفظ: داجن فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتدّ وأقبل وأدبر، فإذا أحسّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الدّاجن: بمهملة فألف فجيم ما يألف البيوت من الحشرات كالشاة والطير.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 112 والبيهقي في الدلائل 6/ 31.

الباب الثامن في خدمة الأسد لسفينة مولاه صلى الله عليه وسلم

الباب الثامن في خدمة الأسد لسفينة مولاه صلّى الله عليه وسلم روى ابن سعد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه والبيهقي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ركبت سفينة في البحر فانكسرت، فركبت لوحا منها، فأخرجني إلى أجمة فيها أسد فأقبل الأسد، فلما رأيته قلت: يا أبا الحارث، أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل إليّ فدفعني بمنكبه حتى ضربني بجنبه كأنما سمعت صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبي خراقا حتى أقامني على الطريق ثم همّهم ساعة فرأيت أنّه يودّعني [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الأجمة: الشجر الكثير الملتف. الباب التاسع في استجارة الغزالة به وشهادتها له بالرسالة صلى الله عليه وسلم روى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن زيد بن أرقم والبيهقي من طريق عليّ بن قادم وأبو العلاء خالد بن طهمان عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري، والطبراني وأبو نعيم عن أم سلمة، وأبو نعيم عن أنس بن مالك وهو غريب، ورجاله خرّج لهم في الكتب الستة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قوم قد اصطادوا، ولفظ أنس: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فمررنا بخبأ أعرابي وإذا بظبية مشدودة إلى الخباء، فقالت: يا رسول الله، إن هذا الأعرابي اصطادني. وفي لفظ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم صادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط فقالت: يا رسول الله أخذت ولي خشفان في البرّيّة، وقد انعقد اللّبن في أخلافي، فلا هو يذبحني فأستريح، ولا يدعني، فأرجع إلى خشفي في البريّة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن تركتك ترجعين؟» قالت: نعم، وإلّا عذبني الله عذابا أليما، وفي لفظ: فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم، قال: «وتفعلين؟» قالت: عذّبني الله عذاب العشار إن لم أفعل، فقال: «أين صاحب هذه؟» فقال القوم: نحن يا رسول الله، قال: «خلّو عنها حتى تأتي خشفها ترضعها وترجع إليكم» ، فقالوا: من لنا بذلك؟ قال: «أنا» ، فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أين صاحب هذه؟» قالوا:

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 369.

تنبيهان

هوذا نحن يا رسول الله، قال: «تبيعونها؟» فقالوا: هي لك يا رسول الله، فقال: «خلّوا عنها» وأطلقوها، فذهبت، وهي تضرب برجلها الأرض فرحا وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسبح في البريّة وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله [ (1) ] ، قال القطب الحضرميّ في خصائصه: هذا الحديث ضعّفه بعض الحفّاظ لكن طرقه يتقوى بعضها ببعض، انتهى. وقال الشيخ: لهذا الحديث طرق كثيرة تشهد أن للقصّة أصلا، انتهى. وقال الحافظ في أماليه على مختصر ابن المهلّب بعد أن أورده من حديث أبي سعيد حديث غريب وعلي بن قادم، وشيخه وشيخ شيوخه كوفيّون فيهم مقال، وأشدّهم ضعفا عطيّة ولو توبع حكمت بحسنه. تنبيهان الأول: تسليم الغزالة على النبي صلى الله عليه وسلم مشهور على الألسنة، وفي المدائح ولم أقف لخصوص السلام على سند وإنّما ورد الكلام في الجملة. الثاني: في بيان غريب ما سبق:. الظّبية. الخشفان: بكسر الشين بعيران. الباب العاشر في شهادة الضب له بالرسالة صلّى الله عليه وسلم روى البيهقي عن عمر بن الخطاب، أن أعرابيّا صاد ضبّا فقال: لا آمنت بك حتى يؤمن هذا الضّبّ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الضّبّ، فقال: «يا ضبّ» ، قال: لبّيك وسعديك يا رسول الله يا زين من وافى القيامة، قال: «من تعبد؟» قال: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه، قال: «من أنا؟» قال: رسول ربّ العالمين وخاتم النبيين، قد أفلح من صدّقك، وخاب من كذّبك، فقال الأعرابي: والله لا أبتغي أثرا بعد عين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله [ (2) ] . قال البيهقي وروي في ذلك عن عائشة وأبي هريرة وما ذكرناه هو أمثل أسانيده، وهو

_ [ (1) ] انظر المجمع 8/ 294. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 37 وأبو نعيم في الدلائل (134) .

الباب الحادي عشر في شكوى الحمرة إليه صلى الله عليه وسلم

أيضا ضعيف والحمل فيه علي محمد بن عليّ بن الوليد السّلميّ البصريّ، قال الذّهبيّ: صدق والله البيهقي فإنه خبر باطل، وقال المزنيّ: لا يصح إسنادا ولا متنا، وبالغ رفيقه ابن تيمية، فقال: وضعه بعض قصاص البصرة، ولفظه متبيّن عليه شواهد الوضع. قال الحيضريّ: رجال أسانيده وطرقه ليس فيهم من يتّهم بالوضع، وأما الضعف ففيهم، ومثل ذلك لا يتجاسر على دعوى الوضع فيه، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة فيها ما هو أبلغ من هذا، فليس فيه ما ينكر شرعا خصوصا مع رواية الأئمّة له فيها، وهو ضعيف لا ينتهي إلى درجة الوضع. انتهى. ولحديث عمر طريق آخر ليس في السّلميّ، رواه أبو نعيم وقد ورد أيضا مثله من حديث عليّ، رواه ابن عساكر ومن حديث ابن عباس رواه ابن الجوزي. الباب الحادي عشر في شكوى الحمّرة إليه صلى الله عليه وسلم روى أبو داود الطّيالسيّ وأبو نعيم وأبو الشيخ في كتاب العظمة والبيهقيّ واللفظ له عن ابن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فررنا بشجرة فيها فرخان لحمرة، فأخذناهما، فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقرس يعني تقرب من الأرض وترفرف بجناحها، فقال: «من فجع هذه بفرخيها؟» قال: فقلنا: نحن، قال: «ردوهما» فرددناهما إلى موضعهما، فلم ترجع [ (1) ] انتهى.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 33 والحاكم 4/ 239.

الباب الثاني عشر في مجيء الشاة في البرية إليه صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني عشر في مجيء الشاة في البرّية إليه صلّى الله عليه وسلم روى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم وابن السّكن وغيرهم عن نافع بن الحارث بن كلدة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكنّا زهاء أربعمائة، فنزلنا منزلا في موضع ليس فيه ماء فشقّ على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءت شاة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها، فشرب حتى روي وسقى أصحابه حتى رووا ثم قال: «يا نافع احفظها الليلة وما أراك تملكها» قال: فأخذتها فوتدتّ لها في الأرض ثم أخذت رباطا فربطتها فاستوثقت منها، ثم قمت بعض الليل فلم أر الشاة، ورأيت الحبل مطروحا فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ذهب بها الذي جاء بها» [ (1) ] . قصة أخرى. روى الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن سعد مولى أبي بكر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعد احلب تلك العنز» ، قال: وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه فجئته، فإذا بعنز حافل فاحتلبتها لا أدري كم مرة واحتفظت بالعنز وأوصيت بها فاشتغلنا بالرحلة ففقدتّ العنز، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذهب بها ربّها» انتهى. الباب الثالث عشر في قصة الكلب الأسود روى ابن عدي عن محمد بن كعب القرظيّ رحمه الله تعالى قال: عدا كلب أسود على رجل من أهل الذّمّة فدخل البحر، فمكث الكلب قائما عليه ينتظره، فلما أبطأ عليه، قال: يا كلب، إني في ذمّة محمد صلى الله عليه وسلم فولّى الكلب يعدو.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 211 والبيهقي في الدلائل 6/ 137 وابن كثير في البداية 6/ 119.

الباب الرابع عشر في بركته صلى الله عليه وسلم في فرس جعيل وفرس أبي طلحة

الباب الرابع عشر في بركته صلى الله عليه وسلم في فرس جعيل وفرس أبي طلحة روى النّسائي في الكبرى والطبراني برجال ثقات والبيهقي بسند صحيح عن جعيل الأشجعي رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة فكنت في آخر الناس، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع مخفقة فضربها بها وقال: «اللهم، بارك فيها» ، قال: فلقد رأيتني ما أمسك رأسها أن أتقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا [ (1) ] . قصة أخرى. روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أهل المدينة فزعوا مرّة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف به أو به قطاف. وفي رواية بطيئا فلما رجع، قال: «وجدنا فرسك بحرا» ، فكان بعد لا يجارى [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. جعيل: بجيم مضمومة فمهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة: الأشجعيّ. مخفقة: بميم مكسورة فمعجمة ساكنة ففاء فقاف مفتوحتين: درّة. يقطف: يقارب خطاه والقطاف بكسر القاف. يبطّأ: بمثناة تحتية مضمومة فموحدة فمهملة مشددة مفتوحتين فهمزة: أي يضيق الخطا.

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 39 والطبراني في الكبير 11/ 376. [ (2) ] تقدم.

الباب الخامس عشر في بركته صلى الله عليه وسلم حماري عصيمة بن مالك وأبي طلحة رضي الله عنهما

الباب الخامس عشر في بركته صلى الله عليه وسلم حماري عصيمة بن مالك وأبي طلحة رضي الله عنهما روى الطبراني عن عصمة بن مالك الخطميّ قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فلما أراد أن يرجع جئناه بحمار يتجافى قطوف فركبه، وردّه علينا فهو هملاج ما يساير [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الهملجة: سرعة السير شبه الهرولة فارسيّ معرّب ويسمّى الآن رهوانا. قصة أخرى. روى ابن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا، فقال عنده فلما برد جاءوا بحمار قطوف فوطئوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقطيفة عليه، فركب، فرده، وهو هملاج فزيع لا يساير [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. هملاج: الهملجة سرعة السير فارسيّ معرب ويسمى الآن رهوانا. فزيغ: بفاء وغين معجمة أي واسع المشي.

_ [ (1) ] تقدم. [ (2) ] تقدم.

الباب السادس عشر في قصة الطائر الذي حلق بإحدى خفيه صلى الله عليه وسلم

الباب السادس عشر في قصة الطائر الذي حلّق بإحدى خفيه صلّى الله عليه وسلم روى الطبراني، وأبو نعيم والبيهقي والخرائطيّ في المكارم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بخفيه فلبس إحداهما فجاء طائر أخضر فأخذ الخفّ الآخر فحلّق به في السماء فاستلب أسود سالخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله عز وجل بها» زاد الخرائطيّ: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما يمشي على أربع» [ (1) ] . قصة أخرى. روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفّيه، فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر فرمى به فخرجت منه حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما» [ (2) ] . الباب السابع عشر في ازدلاف البدنات لما أراد نحرهن إليه صلى الله عليه وسلم روى أبو داود والنسائي وأبو مسلم (الكجي) عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه قال: قرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس أو ستّ بدنات ينحرهنّ يوم عيد فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن [ (3) ] يبدأ، فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة لم أفهمها، فسألت الذي يليه فقال: قال: «من شاء فليقتطع» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. يزدلفن: أي يقربن.

_ [ (1) ] انظر المجمع 1/ 203 والبداية والنهاية 6/ 173. [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 162 والمجمع 5/ 140. [ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 369 (1765) والنسائي في الكبير كما في التحفة 6/ 405.

المجلد العاشر

[المجلد العاشر] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤيته المعاني في صورة المحسوسات الباب الأول في رؤيته صلى الله عليه وسلم الرحمة والسكينة وإجابة الدعاء روى الحاكم وصححه عن سلمان رضي الله عنه أنه كان في عصابة يذكرون الله عز وجل فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء نحوهم قاصدا حتى دنا منهم، فكفوا عن الحديث إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما كنتم تقولون؟ فأني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها» [ (1) ] . قصة أخرى. روى ابن أبي حاتم وابن عساكر مرسلا عن سعد بن مسعود الصدفي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فرفع طرفه إلى السماء ثم طأطأ نظره، ثم دفعه، فسئل عن ذلك، فقال: «إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله» يعني أهل مجلس أمامه، «فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة فلما دنت تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم» [ (2) ] . قصة أخرى. روى البخاري في التاريخ عن أنس رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وفيه قوم رافعو أيديهم يدعون، فقال: «ترى ما بأيديهم ما أرى؟» قلت: وما بأيديهم؟ قال: «بأيديهم نور» ، قلت: ادع الله عز وجل أن يرينيه، فدعا الله عز وجل فأرانيه. قصة أخرى. روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» [ (3) ] .

_ [ (1) ] الحاكم (1/ 122) . [ (2) ] السيوطي في الدر المنثور 1/ 317 وانظر كنز العمال (1879) . [ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 170، 232 ومسلم في كتاب صلاة المسافرين (241) أخرجه الترمذي (2885) وأحمد 4/ 293، 298 والطيالسي كما في المنحة (1892) والبيهقي في الدلائل 7/ 82.

قصة أخرى. روى أبو نعيم من طريق عاصم بن زرارة وأبي وائل قال أسيد بن حضير: كنت أصلي إذ جاءني شيء فأظلني ثم ارتفع، فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «تلك السكينة نزلت تسمع القرآن» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أبو نعيم في الحلية 4/ 342.

الباب الثاني في رؤيته صلى الله عليه وسلم الحمى وسماع كلامها

الباب الثاني في رؤيته صلى الله عليه وسلم الحمى وسماع كلامها روى البيهقي عن جابر بن عبد الله وابن سعد والبيهقي عن أم طارق مولاة سعد، والبيهقي عن سلمان رضي الله عنهم إذ الحمى أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه فأذن لها، فقال: «من أنت؟» قالت: أم ملدم، ولفظ سلمان، الحمى أبري اللحم وأمص الدم، انتهى، زادت أم طارق: قال: «لا مرحبا بك، ولا أهلا انهدين إلى أهل قباء» ولفظ جابر: «أتريدين أهل قباء؟» قالت: نعم، قال: «اذهبي» فأتتهم، فحموا، ولقوا منها شدة، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصفرت وجوههم فشكوا إليه الحمى، قال: «إن شئتم دعوت الله عز وجل، فكشفها عنكم، وإن شئتم كانت لكم طهورا فأسقطت ذنوبكم» ، قالوا: بل ندعها تكون لنا طهورا [ (1) ] . وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ابعثني إلى أحب قومك إليك، فقال: «اذهبي إلى الأنصار» ، فذهبت فضمت عليهم فصرعتهم، فقالوا: يا رسول الله، ادع الله لنا بالشفاء فدعا فكشفت عنهم، قال البيهقي: يحتمل أن هذا في قوم آخرين من الأنصار [ (2) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى وابن حبان عن جابر قال: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟» فقالت: أم ملدم فأمرها لأهل قباء فلقوا ما لا يعلمه إلا الله، فأتوه فشكوا ذلك إليه، فقال: «ما شئتم إن شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم، وإن شئتم تكون لكم طهورا» ، قالوا: أو تفعل؟ قال: «نعم» ، قالوا: دعها. وروى البخاري والترمذي وابن ماجه والطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة، فأولتها أن وباء المدينة نقل إليها [ (3) ] . تنبيهات الأول: روى الإمام أحمد بسند رجاله ثقات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأرسلت الحمى بالمدينة، وأرسلت بالطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجز على الكافرين» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 28، 6/ 378 والحاكم 1/ 346. [ (2) ] ابن كثير في البداية 6/ 183. [ (3) ] أحمد 5/ 28، 6/ 378. [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 81 والدولابي 2/ 141 وابن عساكر كما في التهذيب 1/ 79 وانظر المجمع 2/ 310 وفتح الباري 10/ 191.

قال السيد نور الدين: والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية لكن قال الحافظ: لما رحل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان في قلة من أصحابه فاختار الحمى، لقلة الموت بها على الطاعون، لما فيها من الأجر الجزيل وقضيتها (إضعاف الأجساد) فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار، ثم استمر ذلك بالمدينة، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها قال السيد: وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر، والمشاهد في زماننا عدم خلوها عنها أصلا لكنه ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون، فإنها محفوظة بالكلية، فالأقرب أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعه ذلك، فقال في دعائه: فحمى إذا أو طاعونا أراد بالدعاء بالحمى للموضع الذي لا يدخله الطاعون، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء بل حمى رحمة بدعائه صلى الله عليه وسلم. الثاني: إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الحمى إليها، لأنها كانت دار شرك، ولم تزل من يومئذ أكثر بلاد الله حمى. قال بعضهم: وإنه ليتقي شرب الماء من عينها التي يقال عين حم، فقل من شرب منها إلا حم. وروى البيهقي عن هشام بن عروة قال: كان وباء بالمدينة معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان بالوادي وباء فأشرف عليه الإنسان قيل له: انهق نهيق الحمار، فإذا فعل لم يضره وباء ذلك الوادي. وروى ابن شيبة عن عامر بن جابر، قال: كان لا يدخل المدينة أحد من طريق واحد من ثنية الوداع فإن لم يعشر بها أي ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد مات قبل أن يخرج منها، فإذا وقف على الثنية قبل أن يدخل ودع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد العبسي فقيل له: عشر بها فلم يعشر وأنشأ يقول: لعمري لئن عشرت من خشية الردى ... نهاق حمير إنني لجزوع ثم دخل فقال: يا معشر يهود، ما لكم وللتعشير؟ قالوا: إنه لا يدخلها أحد من غير أهلها، فلم يعشر بها إلا مات، أو لا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع إلا قتله الهزال، فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية. الثالث: في بيان غريب ما سبق: السكينة: الطمأنينة والوقار. ثائرة الرأس هاج وانتشر تقول: ثار الدخان والغبار وثار الدم بفلان وثارت به الحصبة.

الباب الثالث في رؤيته صلى الله عليه وسلم الفتن

الباب الثالث في رؤيته صلى الله عليه وسلم الفتن روى الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أطم من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن [تقع خلال بيوتكم كوقع المطر] » [ (1) ] . وروى الطبراني عن بلال رضي الله عنه قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء فقال: «سبحان الذي يرسل عليهم الفتن إرسال القطر» [ (2) ] . الباب الرابع في رؤيته الدنيا وسماع كلامها روى البيهقي والحاكم وصححه عن أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئا، ولم أر معه أحدا، فقلت: يا رسول الله، ما الذي تدفع؟ قال: «هذه الدنيا مثلت لي، فقلت لها: إليك عني، ثم رجعت فقالت: إن أفلت مني فلن ينفلت مني من بعدك» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد في الزهد عن عطاء بن يسار مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتتني الدنيا خضرة حلوة ورفعت لي رأسها وتزينت لي، فقلت: لا أريدك، فقالت: إن انفلت مني لم ينفلت مني غيرك» . الباب الخامس في رؤيته صلى الله عليه وسلم الجمعة والساعة روى البزار وأبو يعلى والطبراني وابن أبي الدنيا من طرق جيدة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك، لتكون لك عيدا ولقومك، قلت: ما هذه النكتة السوداء فيها؟ قال: هذه الساعة» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 94 (1878) (7060) ومسلم 4/ 2211 (9/ 2885) . [ (2) ] انظر المجمع 7/ 307 وكنز العمال (31029) (31030) . [ (3) ] أخرجه الحاكم 4/ 309 والخطيب في التاريخ 10/ 268. [ (4) ] أخرجه الآجرى في الشريعة (265) وابن أبي شيبة 2/ 150 والطبري في التفسير 26/ 209 وانظر المجمع 10/ 421 وابن أبي حاتم في العلل (593) والعقيلي في الضعفاء 1/ 292 وانظر الدر المنثور 6/ 108.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في انقلاب الأعيان له

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في انقلاب الأعيان له الباب الأول في انقلاب الماء لبنا وزبدا ببركته صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد مرسلا عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين في بعض أمره فقالا: يا رسول الله، ما معنا ما نتزوده، فقال: «ابتغيا لي سقاء» فجاءاه بسقاء، قالا: فأمرنا فملأناه ماء ثم أوكأه وقال: «اذهبا حتى تبلغا مكان كذا وكذا فإن الله عز وجل سيرزقكما» فانطلقا حتى أتيا ذلك المكان الذي أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فانحلّ سقاؤها فإذا لبن وزبد فأكلا حتى شبعا [ (1) ] . الباب الثاني في انقلاب العصا سيفا ببركته صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد عن زيد بن أسلم ويزيد بن رومان وغيرهما والبيهقي عن ابن إسحاق أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه في يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من شجرة فصار في يده سيفا صارما صافي الحديد شديد المتن فقاتل بها حتى فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده وكان ذلك يسمى القويّ.

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 1/ 114.

الباب الثالث في انقلاب العرجون سيفا ببركته صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث في انقلاب العرجون سيفا ببركته صلى الله عليه وسلم روى عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن الجرشي قال: أخبرنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب سيفه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عسيبا من نخل فرجع في يد عبد الله سيفا. قصة أخرى. روى الزبير بن بكار في الموافقيات عن عبد الله بن جحش أن سيفه انقطع فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا فصار في يده سيفا فكان يسمى العرجون ولم يزل بعد يتوارث حتى بيع من التركي بمائتي دينار. قصة أخرى. روى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال: «اضرب به» ، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 370، 3/ 99.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في تجلي ملكوت السموات والأرض واطلاعه على أحوال البرزخ والجنة والنار وأحوال يوم القيامة

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في تجلي ملكوت السموات والأرض واطلاعه على أحوال البرزخ والجنة والنار وأحوال يوم القيامة الباب الأول في تجلي ملكوت السموات والأرض له صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد والطبراني عن رجل من الصحابة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وهو طيب النفس، مسفر الوجه فسألناه فقال: «وما يمنعني، وأتاني الليلة ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات والأرض ثم قرأ وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [ (1) ] [الأنعام 75] . تنبيهات الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «أتاني ربي» مجاز أي أتاني أمر ربي، وقوله: «فوضع يده بين كتفي» قال البيضاوي: هو مجاز عن تخصصه إياه ومزيد الفضل عليه، وإيصاله فضله إليه، لأن من عادة الملوك إذا أرادوا أن يدنوا إلى أنفسهم بعض خدمهم في بعض أحوال مملكتهم، يضعون يدهم على ظهره تلطفا به وتعظيما لشأنه وتنشيطا له من فهم ما يقول، فحصل ذلك حيث لا يد ولا وضع حقيقة كناية عن التخصيص لهم بمزيد الفضل والتأييد وتمكين الملهم في الروع. الثاني: قوله: «فعلمت ما في السموات» إلى آخره يدل على أن وصول ذلك الفيض صار سببا لعلمه، وأورد الآية على سبيل الاستشهاد والمعنى: أنه تعالى كما أرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ملكوت السموات والأرض وكشف له ذلك، كذلك فتح علي أبواب الغيوب حتى علمت ما فيها من الذوات والصفات والظواهر والمغيبات. الثالث: في بيان غريب ما سبق: [ ... ] .

_ [ (1) ] تقدم.

الباب الثاني فيما اطلع عليه من أحوال البرزخ والجنة والنار صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني فيما اطلع عليه من أحوال البرزخ والجنة والنار صلى الله عليه وسلم روى ابن ماجة عن الحسين بن علي رضي الله عنه قال: لما توفي القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت خديجة رضي الله عنها: وددت لو كان الله أبقاه حتى يستكمل رضاعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تمام رضاعه في الجنة» ، قالت: لو أعلم ذلك يا رسول الله يهون علي أمره قال: «إن شئت دعوت الله عز وجل يسمعك صوته» ، قالت: بل أصدق الله ورسوله [ (1) ] . وروى مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط بني النجار على بغلة له ونحن معه إذ جادت به فكادت تلقيه، وإذا بقبر ستة أو خمسة، فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا، فقال: قوم هلكوا في الجاهلية فقال: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر» [ (2) ] . وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس» [ (3) ] . وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: كسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار» [ (4) ] . وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت قال: «إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثرها النساء» . وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة، فمد يده ثم أخرها فسألناه، فقال: «إنه عرضت علي الجنة، فرأيت قطوفها دانية، فأردت أن أتناول منها شيئا، وعرضت علي النار فيما بينكم وبيني كظلي وظلكم فيها» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1512) . [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الجنة (67) وأحمد 5/ 190 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (785) . [ (3) ] تقدم. [ (4) ] تقدم. [ (5) ] تقدم.

وروى الحاكم عنه، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يمشيان فقال: «يا بلال، هل تسمع ما أسمع؟» قال: لا والله يا رسول الله، ما أسمع شيئا، قال: «ألا تسمع أهل القبور يعذبون؟» [ (1) ] ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح بلفظ قال: صاحب القبر يعذب، فسئل عنه، فوجده يهوديا. وروى ابن خزيمة في كتاب السنة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد فوقف على قبرين ثريين، قال: «أدفنتم هاهنا فلانا وفلانة؟» أو قال: «فلانا وفلانا؟» قالوا: نعم، قال: قد أقعد فلان الآن يضرب» ، ثم قال: «والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة سمعها الخلائق إلا الثقلين ولولا تمريج قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع» ، ثم قال: «الآن يضرب هذا» ، ثم قال: «والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عظم إلا انقطع» ، وقال: «تطاير قبره نارا» ، قالوا: يا رسول الله، وما ذنبهما؟ قال: «أما هذا فإنه كان لا يستبرئ من البول، وأما هذا فكان يأكل لحوم الناس» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين، فقال: «إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد بإسناد جيد عن عبد الله بن عمر والطبراني برجال ثقات عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الضعفاء والفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» وفي رواية عمران: «النساء» ، وفي رواية ابن عمرو: «الأغنياء» [ (4) ] . وروى الطبراني بإسناد جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطال القيام وكان إذا صلى لنا خفف فرأيته أهوى بيده ليتناول شيئا ثم ركع بعد ذلك، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «علمت أنه راعكم طول صلاتي وقيامي» ، قلنا: أجل، يا رسول الله، وسمعناك تقول: «أي رب، وأنا فيهم؟» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ما من شيء وعدتموه في الآخرة إلا قد عرض علي في مقامي هذا حتى عرضت علي النار، فأقبل منها حتى حاذى خبائي هذا فخشيت أن تغشاكم فقلت: أي رب، وأنا فيهم؟ فصرفها الله تعالى عنكم فأدبرت قطعا كأنها الزرابي فنظرت نظرة، فرأيت عمران بن حرثان بن الحارث أحد بني غفار متكئا في جهنم على قوسه، ورأيت فيها الحميريّة صاحبة

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 1/ 40 وأحمد 3/ 151، 259. [ (2) ] الترغيب والترغيب 3/ 513. [ (3) ] أحمد 6/ 208. [ (4) ] أخرجه أحمد 1/ 234، 359، 2/ 173، 297، 4/ 429 وانظر المجمع 10/ 261 والطبراني في الكبير 12/ 162، 18/ 134.

القطة التي ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها» [ (1) ] . قال أحمد بن صالح: الصواب حرمان. وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جهنم يحطم بعضها على بعض ورأيت عمرا بن عامر الخزاعي يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله وأبي بن كعب رضي الله عنهما قالا: بينما نحن صفوفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر إذ رأيناه يتناول شيئا بين يديه في الصلاة ليأخذه ثم يتناوله ليأخذه ثم حيل بينه وبينه، ثم تأخر وتأخرنا ثم تأخر الثانية وتأخرنا فلما سلم، قال أبي بن كعب: يا رسول الله، رأيناك اليوم تصنع في صلاتك شيئا لم تكن تصنعه، قال: «إني عرضت لي الجنة بما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت قطفا منها لآتيكم به ولو أخذته لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه فحيل بيني وبينه، ثم عرضت علي النار فلما وجدت حر شعاعها، تأخرت، وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن سئلن أخفين وإن أعطين لم يشكرن، ورأيت فيها لحي بن عمرو يجر قصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكتم» قال معبد: أي رسول الله يخشى على من شبهه فإنه والد، قال: «لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أول من جمع العرب على عبادة الأصنام» . ورواه أيضاً عن أبي بن كعب [ (3) ] رضي الله عنهما.

_ [ (1) ] انظر المجمع 2/ 88 وهو عند الطبراني في الكبير 17/ 315. [ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 69 والبيهقي في الكبرى 3/ 341 وانظر ذار المسير لابن الجوزي 2/ 437 والدر المنثور 2/ 338. [ (3) ] انظر المجمع 2/ 87، 88 وابن كثير في التفسير 4/ 386.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إحياء الموتى وإبراء المرضى

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إحياء الموتى وإبراء المرضى الباب الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إحياء الموتى وسماع كلامهم روى ابن أبي الدنيا وأبو نعيم والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته عجوز عمياء مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله، قال: «يا أنس، ائت أمه فأعلمها» ، قال: فأعلمتها فجاءت حتى جلست عند قدميه، فأخذت بهما، ثم قالت: اللهم، إني أسلمت لك طوعا وخلعت الأوثان زهدا وهاجرت إليك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها، قال: فو الله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه، وطعم وطعمنا معه، وعاش حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم حتى هلكت أمه [ (1) ] وفي لفظ عند البيهقي، قال: عدنا شابا من الأنصار وعنده أم له عجوز، فما برحنا أن فاض يعني مات ومددنا على وجهه الثوب، وقلنا لأمه: يا هذه، احتسبي مصابك عند الله، قالت: أمات ابني؟ قلنا: نعم، قالت: اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك، وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شدة، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم، قال أنس: فو الله، ما برحت حتى كشف الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه. وروى أبو نعيم ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن حماد ثنا أبو برة محمد بن أبي هاشم مولى بني هاشم ثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاري عن أبيه ثنا عن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن كعب عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى وجهه متغيرا فرجع إلى امرأته، فقال: قد رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم متغيرا وما أحسب إلا متغيرا من الجوع، فذكر الحديث السابق في باب تكثيره صلى الله عليه وسلم الأطعمة وزاد فقال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلوا ولا تكسروا عظما» ثم جمع العظام في وسط الجفنة فوضع يده عليها ثم تكلم بكلام لم أسمعه فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها، فقال: «خذ شاتك يا جابر بارك الله لك» ، قال: فأخذتها ومضيت، وإنها لتنازعني أذنها حتى أتيت المنزل فقالت المرأة: ما هذا يا جابر، فقلت: والله، هذه شاتنا التي ذبحناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله تعالى فأحياها لنا، فقالت: أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 52 وابن كثير في البداية 6/ 293.

ورواه الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر والمعروف بشكر في كتاب العجائب والغرائب فقال: [ ... ] . وروى أبو نعيم عن ضمرة قال: كان لرجل غنم وكان له ابن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن إذا حلب ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم افتقده فجاء أبوه، فأخبره أن ابنه هلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريد أن أدعو الله تعالى أن ينشره لك أو تصبر، فيؤخره لك إلى يوم القيامة فيأتيك فيأخذ بيدك فينطلق بك إلى الجنة، فتدخل من أي أبواب الجنة شئت؟» فقال الرجل: من لي بذلك يا رسول الله؟ قال: «هو لك ولكل مؤمن» . وروى البيهقي وصححه عن إسماعيل بن خالد عن أبي سبرة النخعي قال: أقبل رجل من اليمن، فلما كان ببعض الطريق نفق حماره فقام وتوضأ وصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إني جئت مجاهدا في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور لا تجعل لأحد علي اليوم منة، أطلب إليك أن تبعث حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه. قال البيهقي: ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة حيث يكون في أمته، ثم رواه هو وابن أبي الدنيا من وجه آخر عن إسماعيل بن خالد عن الشعبي مثله. زاد الشعبي: أنا رأيت الحمار يباع في الكناسة، قال البيهقي: فكان إسماعيل بن أبي خالد سمعه منهما ثم رواه هو وابن أبي الدنيا أيضاً عن مسلم بن عبد الله بن شريك بن النخعي قال: خرج ابن يزيد رجل من النخع في زمن عمر بن الخطاب غازيا فذكر نحوه، وزاد فقال رجل من رهطه أبياتا منها: ومنا الذي أحيا الإله حماره ... وقد مات منه كل عضو ومفصل وروى الشيخان والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة، والشيخان عن أنس، والإمام أحمد وابن سعد وأبو نعيم عن ابن عباس، والدارمي والبيهقي عن جابر بن عبد الله، والبيهقي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، والطبراني عن كعب بن مالك، وابن سعد عن أبي سلمة، والبزار وأبو نعيم والحاكم عن أبي سعيد الخدري أن خيبر لما فتحت أهدت يهودية للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية فأخذ الذراع فلما بسط القوم أيديهم قال: «كفوا أيديكم، فإن عضوها يخبرني أنها مسمومة» ودعا اليهودية، فقال: «أسممت هذه الشاة؟» قالت: من أخبرك؟ قال: «هذا العظم لساقها وهو في يده» ، قالت: نعم، قال: «فما حملك على هذا؟» قالت: قلت: إن كان نبيا، فلا يضره، وإن الله سيطلعه عليه، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الله ليسلطك علي» فعفا عنها ولم يعاقبها [ (1) ] .

_ [ (1) ] تقدم وانظر الدارمي 1/ 33 وأبو داود 4/ 648 (4510) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

قصة أخرى. روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع، ثم استقبلتني امرأة يهودية على رأسها جفنة فيها جدي مشوي، فقالت: الحمد لله يا محمد، الذي سلمك، كنت نذرت لله إن سلمك الله وقدمت المدينة سالما لأذبحن هذا الجدي فلأشوينه ولأحملنه إليك لتأكل منه، فاستنطق الله تعالى الجدي، فقال: يا محمد لا تأكلني فإني مسموم. قصة أخرى. روى أبو الشيخ وابن حبان من مرسل عبيد بن مرزوق قال: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد، فماتت، فلم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبرها فقال: «ما هذا القبر؟» قالوا له: أم محجن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كانت تقم المسجد؟» قالوا: نعم، فصف الناس، فصلى عليها، ثم قال: «أي العمل وجدت أفضل» قالوا: يا رسول الله، أتسمع ما تقول؟ قال: «ما أنتم بأسمع منها» فذكر أنها أجابته: قم المسجد [ (1) ] . ثم قم المسجد: تنظيفه مما لا ينبغي أن يكون فيه، وقد تقدم في غزوة بدر أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب أهل القليب، وقول عمر رضي الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ وقول قتادة: أحياهم الله تعالى حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا وحسرة وندامة. قصة أخرى. روى الإمام أحمد عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم تبوك: «لا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له» ، ففعل الناس ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم به إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه- أي موضعه- ثم دعا له صلى الله عليه وسلم فشفي، الحديث وتقدم بتمامه في غزوة تبوك. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. قم المسجد: تنظيفه مما لا ينبغي أن يكون فيه.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 287 والسيوطي في الدر المنثور 5/ 157، 249.

الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الأعمى والأرمد ومن فقئت عينه

الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الأعمى والأرمد ومن فقئت عينه روى ابن أبي شيبة والبيهقي وأبو نعيم عن حبيب بن فديك أن أباه خرج به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا، فسأله: «ما أصابك؟» فقال: وقعت رجلي على بيضة حية فأصيب بصري، فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر فرأيته وهو يدخل الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة، وإن عينيه لمبيضتان [ (1) ] . وروى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين «هذه» الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، فلما أصبح، قال: «أين علي بن أبي طالب؟» قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع [ (2) ] . وروى الطبراني عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فقلت: إني رمد فتفل في عيني فما وجدت حرا ولا بردا ولا رمدت عيناي. وروى أبو يعلى والبيهقي من طريق عاصم بن عمرو بن أبي سعيد الخدري عن قتادة، والبيهقي وابن سعد عن زيد بن أسلم، وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان، وكان أخوه لأمه وأبو ذر الهروي أن قتادة بن النعمان أصيبت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فقالوا: حتى تستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمروه، فقال: «لا» ، فدعي به فرفع حدقته ثم غمزها براحته، وقال: «اللهم اكسبه جمالا، وبزق فيها» ، فكانت أصح عينيه وأحسنها [ (3) ] . وفي لفظ: فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. قال عمر بن عبد العزيز: كنا نتحدث أنها تعلقت بعرق فردها النبي صلى الله عليه وسلم قال السهيلي: وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى. وروي إن رجلا من ولد قتادة وفد إلى عمر بن عبد العزيز فلما قدم عليه، قال: ممن الرجل؟ فقال: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرّدّ

_ [ (1) ] البداية والنهاية 6/ 334. [ (2) ] تقدم. [ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 252.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسنها عينا ويا حسن ماجد فقال عمر بن عبد العزيز: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ووصله وأحسن جائزته. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: في بعض طرق القصة: أن ذلك كان في بدر، وفي بعضها في أحد، وبعضها في وقعة الخندق، وفي بعضها أن عينيه أصيبتا معا، وصحح ابن الأثير القول بسقوط إحدى عينيه. روى الحاكم والبيهقي وأبو نعيم بسند جيد عن رفاعة بن رافع بن مالك قال: رميت بسهم يوم بدر، ففقئت عيني، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء. وروى أبو نعيم عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيدة عن جده قال: أصيبت عين أبي ذر يوم أحد، فبزق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أصح عينيه.

الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الأبكم والرتة واللقوة

الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الأبكم والرتة واللقوة روى البيهقي عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة بصبي قد شب فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال: «من أنا؟» قال: أنت رسول الله. وروى البيهقي من طريق محمد بن يونس الكديمي ثنا معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليمامي عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع، فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت منه عجبا جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنا؟» قال: أنت رسول الله، قال: «صدقت، بارك الله فيك» ، ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب فكنا نسميه مبارك اليمامة [ (1) ] . قال الحافظ بن كثير: وهذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس بسببه، وأنكروه عليه واستغربوا شيخه، وليس هذا مما ينكر عقلا بل ولا شرعا، على أنه قد ورد هذا الحديث من غير طريق محمد بن يونس، فرواه البيهقي من طريق أبي الحسين محمد أحمد بن جميع. حدثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد الله بن الفضل حدثنا أبي حدثنا جدي شاصونة بن عبيد قال حدثنا معرض بن عبد الله بن معيقيب عن أبيه عن جده، قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجبا أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام من أنا؟» قال: أنت رسول الله، فقال له: «بارك الله فيك» ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها. وروى الحاكم عن أبي عمر الزاهد قال: لما دخلت اليمن دخلت إلى حرة فسألت عن هذا الحديث فوجدته ودخلت إلى قبره فزرته. وروى الإمام إسحاق بن إبراهيم الرملي في فوائده عن بشير بن عقربة الجهني قال: أتى عقربة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذا معك، يا عقربة؟» قال: ابني بحير قال: «ادن» فدنوت حتى قعدت عن يمينه، فمسح على رأسي بيده، فقال: «ما اسمك؟» قلت: بحير يا رسول الله، قال: «لا، ولكن اسمك بشير» وكانت في لساني عقدة فنفث النبي صلى الله عليه وسلم في في فانحلت من لساني وأبيض كل شيء من رأسي ما خلا ما وضع يده عليه فكان أسود [ (2) ] .

_ [ (1) ] والخطيب في التاريخ 3/ 443 وانظر الشفاء 1/ 613. [ (2) ] انظر المجمع 8/ 54.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

بحير: بفتح أوله وكسر المهملة كما وجد بخط الحافظ السلفي. روى ابن سعد عن عكرمة والزهري وعاصم بن عمرو بن قتادة مرسلا أن مخوس بن معدي كرب، قال: يا رسول الله، ادع الله أن يذهب عني الرتة، فدعا له، فذهبت. وروى أيضاً عن ابن أبي عبيد من ولد عمار بن ياسر، قال: وفد مخوس بن معدي كرب فيمن معه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجوا من عنده، فأصابت مخوسا اللقوة، فرجع منهم نفر، فقالوا: يا رسول الله، سيد العرب ضربته اللقوة، فادللنا على دوائه، فقال رسول الله: «خذوا بخيط فاحموه في النار ثم اقلبوا شفرة عينه ففيها شفاؤه وإليها مصيره» فصنعوه به فبرأ [ (1) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الرتة: العجمة في اللسان وهي اللثغة والتردد في النطق. اللقوة: داء يعرض للوجه يعوج منه الشدق.

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 80.

الباب الرابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء القرحة والسلعة والحرارة

الباب الرابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء القرحة والسلعة والحرارة روى البيهقي عن محمد بن إبراهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل في رجله قرحة قد أعيت الأطباء فوضع أصبعه على ريقه، ثم رفع طرف الخنصر فوضعها على التراب ثم رفعها، فوضعها على القرحة، ثم قال: «باسمك اللهم ريق بعضنا بتربة أرضنا ليشفى سقيمنا بإذن ربنا» [ (1) ] . وروى البخاري في التاريخ والطبراني والبيهقي عن شرحبيل الجحفي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكفي سلعة فقلت: يا رسول الله هذه السلعة قد آذتني وتحول بيني وبين قائم السيف أن أقبض عليه، وعنان الدابة فنفث في كفي ووضع كفه على السلعة، فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها [ (2) ] عنها، وما أرى أثرها. وروى البيهقي عن الواقدي وابن سعد عن الوليد بن عبد الله الجحفي عن أبيه عن أشياخهم، قالوا: إن أبا سبرة قال: يا رسول الله، إن بظهر كفي سلعة، قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فجعل يضرب به على السلعة يمسحها فذهبت. السلعة: بفتح السين المهملة: الغدة تكون في العنق. يصرخ [ (3) ] . وروى الطبراني برجال ثقات وأبو نعيم والبيهقي وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان عن أبيض بن حمال أنه كان بوجهه جدرة، وفي لفظ حذارة وهي وقد التقمت وجهه. وفي لفظ: التقمت أنفه فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح وجهه فلم يمس من ذلك اليوم منها أثر. وروى أبو نعيم [ (4) ] والواقدي عن عروة أن ملاعب الأسنة أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشفيه من وجع كان به الدبيلة، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم مدرة من الأرض، فتفل فيها ثم ناولها لرسوله، فقال: «دفها بماء ثم اسقها إياه» ، ففعل فبرأ، ويقال: إنه بعث إليه بعكة عسل فلم يزل يلعقها حتى برا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الدبيلة: خراج ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا.

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 6/ 170. [ (2) ] في حرضها. [ (3) ] ما بين القوسين سقط. [ (4) ] ما بين القوسين سقط في ح.

الباب الخامس في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الحرق

الباب الخامس في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الحرق روى البخاري في التاريخ والنسائي والطيالسي وابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي عن محمد بن حاطب عن أمه أم جميل، قالت: أقبلت بك من أرض الحبشة حتى إذا كنت من المدينة بليلة طبخت طبيخا، ففني الحطب، فخرجت أطلب الحطب، فتناولت القدر، فانكفأت على ذراعك، فأتيت بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتفل على يدك وهو يقول: «اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما» فما قمت بك من عنده حتى برأت يدك [ (1) ] . الباب السادس في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء وجع الضرس والرأس روى البيهقي عن يزيد بن ذكوان أن عبد الله بن رواحة قال: يا رسول الله، أشتكي ضرس آذاني واشتد علي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على الخد الذي فيه الوجع فقال: «اللهم أذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك المكين عندك» سبع مرات. فشفاه الله تعالى قبل أن يبرح [ (2) ] . وروى البيهقي عن أسماء بنت أبي بكر أنها أصابها ورم في رأسها ووجهها، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسها ووجهها من فوق الثياب، فقال: «باسم الله، أذهب عنها سوءه وفحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك» ، ففعل ذلك ثلاث مرات، فذهب الورم. وروى البيهقي إن رجلا من ليث يقال له فراس بن عمرو أصابه صداع شديد، فذهب به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجلدة ما بين عينيه فجذبها فنبتت في موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبينه شعرة فذهب عنه الصداع فلم يصدّع.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري في التاريخ 1/ 17 وابن حبان وذكره الهيثمي في الموارد (1415، 1416، 1417) والطيالسي في المنحة (1767) والبيهقي في الدلائل 6/ 174، 175 والحاكم 4/ 62. [ (2) ] جمع الجوامع 2/ 718.

الباب السابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الجراحة والكسر

الباب السابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الجراحة والكسر روى أبو القاسم البغوي والطبراني عن عبد الله بن أنيس قال: ضرب المستنير بن رزام اليهودي وجهي فشجني منقلة أو مأمومة، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عنها ونفث فيها فما آذاني منها شيء. ورواه أبو نعيم والبيهقي عن عروة وابن شهاب وزاد فلم يعم ولم تؤذه حتى مات. وروى ابن أبي السكن وأبو نعيم عن معاوية بن الحكم، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزى أخي علي بن الحكم فرسه خندقا فقصر الفرس فدق جدار الخندق ساقه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم علي فرسه، فمسح ساقه فما نزل عنها حتى برأت. ورواه ابن القاسم البغوي بلفظ: فأصاب رجل أخي علي بن الحكم جدار الخندق فدقتها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فمسحها وقال: «باسم الله» فما آذاه منها شيء. وروى البخاري عن البراء بن عبد الله بن عتيكة: لما قتل أبو رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الأرض فانكسرت ساقه، قال: فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ابسط رجلك» ، فبسطتها فمسحها فكأنما لم أشكها قط [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وعبيد بن حميد عن أبي أزهر قال: إن خالد بن الوليد أثقل بالجراحة يوم حنين فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هزم الله الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي، يقول: «من يدل على رحل خالد بن الوليد» ، قال: فمشيت أو قال: سعيت بين يديه، وأنا محتلم أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد، حتى دللنا على رحله، فإذا بخالد بن الوليد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى جرحه فنفث فيه فبرأ [ (2) ] . وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث بن أوس أن الحارث بن أوس أصابه في قتل كعب بن الأشرف بعض أسيافهم فجرح في رأسه وفي رجله فاحتملوه فجاؤوا به النبي صلى الله عليه وسلم فتفل على جرحه فلم يؤذه. وروى ابن وهب فيما ذكره السهيلي أن أبا جهل قطع يوم بدر يدع معوذ بن عفراء فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يحمل يده فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وألصقها فلصقت. وروى البخاري عن يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، يعني ابن

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 38. [ (2) ] أخرجه أحمد (4/ 88، 351) والحميدي (897) والبيهقي في الدلائل 5/ 140.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

الأكوع، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة [ (1) ] . وذكر القاضي أن كلثوم بن حصين رمي يوم أحد في نحره فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فبرأ. وروى البيهقي عن حبيب بن يساف قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا فأصابتني ضربة على عاتقي فتعلقت يدي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت وقتلت الذي ضربني. وروى أبو نعيم والبيهقي عن عروة وابن شهاب قالا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلا فأقبل المستنير بن رزام اليهودي فضرب المستنير وجه عبد الله بن أنيس فشجه مأمومة، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في شجته، فلم يؤذه حتى مات. وروى الحاكم وأبو نعيم وابن عساكر عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه قال: أصابتني رمية يوم حنين في وجهي فسال الدم على وجهي وصدري فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الدم بيده عن وجهي وصدري إلى ثندوتي ثم دعا لي قال: جئت مع والد عبد الله فرأيت أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منتهى ما مسح صدره فإذا غرة سائلة كغرة الفرس. وروى عبد الرزاق وابن عساكر عن عبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنه قال: كان خالد بن الوليد خرج يوم حنين، وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما هزم الله الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي في المسلمين، ويقول: «من يدلني على رحل خالد بن الوليد» فسعيت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا غلام محتلم أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد، حتى دللنا عليه فإذا خالد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى جرحه فتفل فيه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الشجة: [ ... ] . منفكة: الشجة التي تخرج منها كسر العظام. مأمومة: الشجة التي تصيب أم الرأس. النفث: شبيه بالنفخ وهو أقل من التّفل.

_ [ (1) ] البخاري 7/ 475 (4206) .

الباب الثامن في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إذهاب التعب وحصول القوة في الرمي

الباب الثامن في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إذهاب التعب وحصول القوة في الرمي روى الإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن سفينة أنه قيل له ما اسمك؟ قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة قيل: ولم؟ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فحملوه على ظهري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احمل، فإنما أنت سفينة» ، فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي [ (1) ] . وروى البيهقي عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على الناس ينتضلون فقال: «ما أحسن هذا اللهو! ارموا وأنا معكم جميعا» ، فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا [ (2) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: وقر بعير: الوقر الحمل الثقيل. ينتضلون: يرتمون بالسهام للسبق. الباب التاسع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إذهاب النسيان وحصول العلم والفهم وإذهاب البذاء وحصول الحياء روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «من يبسط ثوبه حتى أفرغ فيه من حديثي ثم يقبضه إليه؟» فبسطت ثوبي ثم حدثنا فقبضته إليّ، فو الله ما نسيت شيئا سمعته منه [ (3) ] . وروى الحارث عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: كنت أنسى القرآن، فقلت: يا رسول الله، إني أنسى القرآن، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري ثم قال: «اخرج، يا شيطان، من صدر عثمان» ، فما نسيت شيئا بعد أريد حفظه [ (4) ] . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثا

_ [ (1) ] أحمد 5/ 221 أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 97 وأبو نعيم في الحلية 1/ 369 والحاكم 3/ 606. [ (2) ] أخرجه البيهقي 10/ 17. [ (3) ] البخاري 9/ 133 أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (159) وأحمد 2/ 274 والبيهقي في الدلائل 6/ 201. [ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 308.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

كثيرا فأنساه، قال: «ابسط رداءك» ، فبسطت، فغرف بيده فيه، ثم قال: «ضمه» فضممته فما نسيت حديثا بعده [ (1) ] . وروى البيهقي والحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني، وأنا شاب أقضي بينهم، ولا أدري ما القضاء؟ فضرب بيده في صدري وقال: «اللهم اهد قلبه، وثبّت لسانه» فو الذي فلق الحبة، ما شككت في قضاء بين اثنين [ (2) ] . وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كانت امرأة ترافث الرجال، وكانت بذيئة فمرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل ثريدا فطلبت منه فناولها، فقالت: أطعمني مما في فيك، فأعطاها، فأكلت، فعلاها الحياء، فلم ترافث أحدا حتى ماتت. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الرفث: التصريح بالكلام القبيح. الحياء [ ... ] . الباب العاشر في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الجنون روى أبو نعيم عن الوازع أنه انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن له مجنون، فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعقل منه. وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سلمة، فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي فأفقت. وروى الدارمي والطبراني عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها، فقالت: يا رسول الله، إن بابني هذا جنونا، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له، فثغ ثغة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي [ (3) ] . وروى البيهقي بسند جيد عن محمد بن سيرين مرسلا أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هذا ابني، وقد أتى عليه كذا وكذا، وهو كما ترى، فادع الله تعالى أن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 41، 4/ 253 والترمذي (3835) وابن سعد 2/ 2/ 118، 4/ 2/ 56. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2310) وابن أبي شيبة 10/ 176 وابن سعد 2/ 2/ 100 والبيهقي في الدلائل 5/ 397 والخطيب في التاريخ 12/ 444 وانظر نصب الراية 4/ 61. [ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 254، 268 والدارمي 1/ 11- 12.

يميته، قال: «أدعو الله تعالى أن يشفيه ويشب ويكون رجلا صالحا فيقاتل في سبيل الله، فيقتل فيدخل الجنة» ، فدعا الله تعالى فشفاه الله تعالى، وشب وكان رجلا صالحا فقاتل في سبيل الله فقتل [ (1) ] . وروى البزار بسند حسن عن الوازع أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه: فقال الوازع: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي جئت بابن أخ لي مصابا لتدعو الله تعالى له وهو في الركاب قال: «فائت به» ، فأتيته فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر نظر المجنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعل ظهره من قبلي» ، فأقمته فجعلت ظهره من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه من قبلي، فأخذه ثم جره بجامع ثيابه، فرفع يده حتى رأيت بياض إبطه، ثم ضرب بيديه ظهره، وقال: «اخرج عدو الله» ، فالتفت، وهو ينظر نظر الصحيح، فأقعده بين يديه، ودعا له ومسح وجهه، وقال: فلم تزل تلك المسحة في وجهه، وهو شيخ كبير، وكان وجهه وجها عذرا شبابا وما كان في القوم رجل يفضل عليه بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الإمام أحمد والطبراني بلفظ: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركب ومعنا رجل مصاب، فقلت: يا رسول الله، إن معي رجلا مصابا، فادع الله له، فقال: «ائتني به» ، فأتيته به، فأخذ طائفة من ردائه فرفعها حتى رأيت بياض إبطه، ثم ضرب ظهره وقال: «اخرج عدو الله» ، فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده بين يديه فدعا له ومسح وجهه، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه [ (2) ] . وروى الحاكم عن أبي بن كعب، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله، إن لي أخا أصابه وجع، قال: «وما وجعه؟» قال: به لمم. قال: «فأتني به» فأتاه به فوضعه بين يديه [فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من آخر سورة البقرة وهاتين الآيتين: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ [البقرة 163] ، وآية الكرسي وآية من آل عمران: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ... [آل عمران 18] وآية من الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأعراف 54] وآخر سورة المؤمنين: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [المؤمنون 116] ، وآية من سورة الجن: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً [الجن 3] ، وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشك شيئا قط] . وروى أبو نعيم وابن عساكر عن غيلان بن سلمة الثقفي، قال: خرجنا مع

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 182. [ (2) ] انظر المجمع 8/ 6 والدلائل للبيهقي 6/ 21، 22.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا، فأقبلت امرأة بابن لها، فقالت: يا نبي الله ما كان في الحي غلام أحب إلي من ابني هذا، فأصابته الموتة، فأنا أتمنى موته، فادع الله له، فأدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام منه، ثم قال: «باسم الله، أنا رسول الله، اخرج عدو الله» ، ثلاثا، ثم قال: «اذهبي بابنك لن تري بأسا إن شاء الله» ، ثم رجعنا، فجاءت أم الغلام، فقالت: والذي بعثك بالحق ما زال من أعقل غلمان الحي. وروى أحمد بن منيع عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثغ ثغة فخرج من فيه. وفي لفظ: من منخره مثل الجرو الأسود فشفي. وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو نعيم عن أم جندب قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من جمرة العقبة جاءته امرأة ومعها ابن لها به مس قالت: يا نبي الله، هذا به بلاء لا يتكلم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بتور من حجارة فيه ماء فأخذه فمج فيه، ودعا فيه وأعاده فيه ثم أمرها، فقال: «اسقيه واغسليه فيه» قال: فتبعتها، فقلت: صبي لي من هذا الماء، قالت: خذي منه، فأخذت منه جفنة فسقيته ابني عبد الله فعاش فكان من بره ما شاء الله أن يكون، ولقيت المرأة فزعمت أن ابنها برئ وعقل عقلا ليس كعقول الناس [ (1) ] . وروى إسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم معها صبي تحمله، فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخسأ عدو الله أنا رسول الله» ثلاثا ثم ناولها إياه فلما رجعنا عرضت لنا المرأة كبشان تقودهما، والصبي تحمله فقالت: يا رسول الله، اقبل مني هذين، فو الذي بعثك بالحق، ما عاد إليه بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا أحدهما» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وابن سعد والحاكم وصححه عن يعلى بن مرة قال: سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فرأيت منه شيئا عجبا فذكر الحديث، وفيه: فأتته امرأة فقالت: يا نبي الله إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين فقال: «أدنيه» ، فتفل في فيه وقال: «اخرج عدو الله، أنا رسول الله» ، ثم قال لها: «إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع» فلما

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 5/ 444. [ (2) ] أخرجه الدارمي 1/ 10 وابن عبد البر في التمهيد 1/ 223.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

رجعنا استقبلتنا، فقالت: والذي أكرمك ما رأينا به شيئا منذ فارقتنا [ (1) ] . ورواه إبراهيم الحربي بلفظ، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتلقته امرأة، معها صبي قد عرض به جنون ففتح فاه، فبزق فيه فبرأ. وعن طاوس مرسلا قال: لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم بأحد به مس، فصك في صدره إلا ذهب. ورواه الحافظ إبراهيم الحربي في غريبه وقال: المس: الجنون. وروى أبو يعلى وأبو نعيم بسند جيد عن أسامة بن زيد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجة التي حجها حتى إذا كان ببطن الروحاء نظر إلى امرأة تؤمه، فحبس راحلته فلما دنت منه، قالت: يا رسول الله، هذا ابني ما أفاق من يوم ولادته إلى يومي هذا، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه فيما بين صدره وواسطة الرحل ثم تفل فيه وقال: «اخرج يا عدو الله» ، فأتى رسول الله ثم ناولها إياه، وقال: «خذيه، فلا بأس به» ، قال أسامة: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته وانصرف حتى إذا نزل ببطن الروحاء، أتت تلك المرأة بشاة، قد شوتها فقالت: أنا أم الصبي، قال: «وكيف هو؟» قالت: ما رأيت منه شيء بعد، قال: «خذ منها الشاة» [ (2) ] . والأحاديث في ذلك كثيرة وفيما ذكر كفاية. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بطن الروحاء: الروحاء من الفرع، على نحو أربعين ميلا من المدينة وفي صحيح مسلم على ستة وثلاثين ميلا.

_ [ (1) ] الدلائل للبيهقي 6/ 61. [ (2) ] البيهقي في الدلائل 6/ 25.

الباب الحادي عشر في إبراء أمراض شتى

الباب الحادي عشر في إبراء أمراض شتى روى أبو نعيم والبيهقي عن رفاعة بن رافع قال: أخذت شحمة فازدردتها، فاشتكيت منها سنة ثم إني ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بطني فألقيتها خضراء، فو الذي بعثه بالحق، ما اشتكيت بطني حتى الساعة، ورواه الطبراني برجال وثقوا إلا أبا أمية الأنصاري فسموا رجاله عن رافع بن خديج. وروى الطبراني عن جرهد بن خويلد أنه أكل بيده الشمال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل باليمين» ، فقال: إنها مصابة، فنفث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما اشتكى حتى مات [ (1) ] . وروى الحاكم وصححه عن علي قال: أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاك، فقال: «اللهم اشفه» أو قال: «عافه» ، فما اشتكيت وجعي ذلك بعد [ (2) ] . وروى الشيخان عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة فوجدني لا أعقل فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي فأفقت.

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 2/ 306 وانظر الكنز (35373) . [ (2) ] أخرجه الحاكم 2/ 620 وأحمد 1/ 84، 128 والبيهقي في الدلائل 6/ 179 وأبو نعيم في الدلائل (161) .

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم وأثر يده الشريفة وريقه الطيب غير ما تقدم

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم وأثر يده الشريفة وريقه الطيب غير ما تقدم الباب الأول في بركة يده صلى الله عليه وسلم في شاة أبي قرصافة روى الطبراني برجال ثقات عن أبي قرصافة رضي الله تعالى عنه قال: كان بدء إسلامي أني كنت يتيما بين أمي وخالتي وكان أكثر يلي لخالتي، وكنت أرعى شويهات لي وكانت خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بني، لا تمر على هذا الرجل فيغويك ويضلك فكنت أخرج حتى آتي المرعى، وأترك شويهاتي وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسمع منه ثم أروح غنمي ضمرا يابسات الضروع فقالت لي خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت: لا أدري، ثم عدت إليه اليوم الثاني، ففعل كما فعل اليوم الأول، ثم إني رحت بغنمي كما رحت في اليوم الأول، ثم عدت إليه في اليوم الثالث، فلم أزل عنده أسمع منه حتى أسلمت وبايعته وصافحته، وشكوت إليه أمر خالتي، وأمر غنمي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جئني بالشياة» فجئته بهن، فمسح ظهورهن وضروعهن ودعا فيهن بالبركة، فامتلأت لحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بني هكذا فارع، قلت: يا خالة، ما رعيت إلا حيث أرعى كل يوم ولكن أخبرك بقصتي، وأخبرتها بالقصة، وإتياني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرتها بسيرته وبكلامه، فقالت أمي وخالتي: اذهب بنا إليه فذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمنا، وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصافحهن [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 3/ 1 وأبو نعيم في الدلائل 162 وانظر الكنز (37578) .

الباب الثاني في بركة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم في نبات الشعر والشعر الذي لم ينبت

الباب الثاني في بركة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم في نبات الشعر والشعر الذي لم ينبت روى البيهقي عن أبي الطفيل أن رجلا ولد له غلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به فدعا له بالبركة، وأخذ بجبهته، فنبت شعره في جبهته كأنها هلبة فرس، فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أجابهم فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه، فسقطت تلك الشعرة فشق عليه سقوطها، فقيل له: هذا مما هممت به، ألم تر بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت، فلم نزل به حتى تاب، فرد الله تعالى عليه الشعرة بعد في وجهه، قال أبو الفضل: فرأيتها بعد ما نبتت قد سقطت ثم رأيتها قد نبتت. قال الحافظ محمد بن سعد في طبقاته الهلب بن يزيد بن عدي وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقرع فنبت شعره فسمي الهلب [ (1) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن أبي عطية البكري، قال: انطلق بي أهلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاب فمسح رأسي، قال: فرأيت أبا عطية أسود الرأس واللحية وكانت قد أتت عليه مائة سنة [ (2) ] . وروى الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن هلال الأنصاري قال: ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله له فما أنسى. وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي حتى وجدت بردها فدعا لي، وبارك علي، فرأيته أبيض الرأس واللحية ما يستطيع أن يفرق رأسه من الكبر، وكان يصوم النهار ويقوم الليل [ (3) ] . وروى البغوي في معجمه والبيهقي عن أبي الوضاح بن سلمة الجهني عن أبيه عن عمرو بن تغلب، والطبراني عن عمرو بن ثعلبة الجهني رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسالة فأسلمت فمسح رأسي، قال الراوي: فأتت على عمرو مائة سنة، وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه. وروى ابن سعد والبيهقي والطبراني في الثلاثة إلا أنه قال في الكبير: كان وسط رأس السائب أسود، وبقيته أبيض، وذكر الحديث عن عطاء مولى السائب بن يزيد رحمه الله تعالى

_ [ (1) ] انظر الطبقات (6/ 106) . [ (2) ] انظر المجمع (9/ 401) . [ (3) ] انظر المجمع (9/ 402) .

قال: رأيت السائب لحيته بيضاء، ورأسه أسود فقلت: يا مولاي، ما لرأسك لا تبيض؟ فقال: لا تبيض رأسي أبدا!، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى وأنا غلام ألعب مع الغلمان، فسلم عليهم وأنا فيهم، فرددت عليه السلام، من بين الغلمان، فدعاني، فقال: «ما اسمك؟» فقلت: السائب بن يزيد بن أخت النمر فوضع يده على رأسي، وقال: «بارك الله فيك» ، فلا يبيض موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . وروى البخاري في التاريخ وابن سعد والبيهقي عن آمنة بنت أبي الشعثاء وقطبة كلاهما عن مدلوك أبي سفيان قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع موالي فأسلمت فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي قال: فرأينا مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه أسود وقد شاب ما سوى ذلك. وروى البخاري في تاريخه والبيهقي عن يونس بن محمد بن أنس الظفري عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن أسبوعين، فأتي بي فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة وحج حجة الوداع، وأنا ابن عشرين سنة. قال يونس: ولقد عمر أبي حتى شاب كل شيء منه، وما شاب موضع يد النبي صلى الله عليه وسلم من رأسه، ولا من لحيته. وروى الزبير بن بكار عن محمد عبد الرحمن بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأس عبادة بن سعد بن عثمان الزرقي، ودعا له، فمات وهو ابن ثمانين سنة، وما شاب. وروى ابن عساكر وإسحاق بن إبراهيم الرملي وأبو يعلى في فوائده عن بشير بن عقربة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه، فكان أثر يده من رأسه أسود، وسائره أبيض. وروى الترمذي وحسنه والبيهقي وصححه عن أبي زيد الأنصاري قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأسي وقال: «اللهم جمله وأدم جماله» قال: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات [ (2) ] . وروى البيهقي عن أنس أن يهوديا أخذ من لحية النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم جمله» فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء [ (3) ] . وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة، قال: حلب يهودي للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة، فقال:

_ [ (1) ] انظر المجمع 2/ 181، 5/ 32، 106، 7/ 194، 8/ 32، 47، 50. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 77، 340 وعبد الرزاق (19462) وابن حبان ذكره الهيثمي (2273) والبيهقي في الدلائل 6/ 210 وما بعدها. [ (3) ] انظر الدلائل المصدر السابق.

«اللهم جمله» فاسود شعره، حتى صار اشد سوادا من كذا وكذا، قال معمر: وسمعت قتادة يذكر أنه عاش تسعين سنة فلم يشب [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن الذيال بن عبيد أنه سمع جده حنظلة بن جذيم بن حنيفة التميمي أن أباه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي بنين ذوي لحى وإن هذا أصغرهم، فادع الله له، فمسح رأسه، وقال: «بارك الله فيك» أو قال: «بورك فيك» ، قال الذيال: (فلقد رأيت حنظلة) يؤتى بالإنسان الوارم وجهه فيتفل على يديه ويقول: باسم الله، ويضع يده على رأسه موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يمسح موضع الورم، فيذهب الورم [ (2) ] . رواه الإمام احمد وابن سعد والحسن ويعقوب بن سفيان وأبو يعلى وصححه والضياء في المختارة عن حنظلة برجال ثقات.

_ [ (1) ] المصنف (19462) . [ (2) ] البيهقي في الدلائل 6/ 214.

الباب الثالث في بركة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم في مسحه وجه بعض أصحابه

الباب الثالث في بركة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم في مسحه وجه بعض أصحابه روى ابن سعد وابن شاهين وعبد الله بن عامر البكائي عن أبيه، والبخاري في تاريخه، وأبو نعيم وأبو القاسم البغوي في معجمه من طريق الجعد عن صاعد بن العلاء بن بشر عن أبيه عن جده بشر بن معاوية بن ثور أنه وفد من بني البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر، معاوية بن ثور، وابنه بشر، والفجيع بن عبد الله، ومعهم عبد عمرو البكائي فقال معاوية: يا رسول الله، إني أتبرك بمسك فامسح وجه ابني بشر، فمسح وجهه، ودعا له، فكانت في وجهه مسحة النبي صلى الله عليه وسلم كالغرة، وكان لا يمسح شيئا إلا برأ وأعطاه أعنزا عفرا قال الجعد: فالسنة ربما أصابت بني البكاء ولا تصيبهم. قال محمد بن بشر بن معاوية: وأبي الذي مسح الرسول برأسه ... ودعا له بالخير والبركات أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزا ... عفرا نواجل ليس باللجبات يملأن وفد الحي كل عشية ... ويعود ذاك الملء بالغدوات بورك في منح وبورك مانحا ... وعليه مني ما حييت صلاتي وروى ابن سعد عن محمد بن صالح عن أبي وجزة السعدي قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع وهم عشرة نفر منهم سواء بن الحارث، وابنه خزيمة، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة، فصارت له غرة بيضاء، وروى ابن شاهين عن خزيمة بن عاصم البكائي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه فما زال جديدا حتى مات. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي العلاء بن عمير قال: كنت عند قتادة بن ملحان حيث حضر فمر رجل من أقصى الدار فأبصرته في وجه قتادة، قال: وكنت إذا رأيته كأن على وجهه الدهان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه [ (1) ] . وروى الطبراني عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه قال: أصابتني رمية- وأنا أقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر- في وجهي، فلما سالت الدماء على وجهي وجبيني وصدري، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فسلت الدم عن وجهي وصدري إلى ثندوتي ثم دعا لي. قال حشرج: فكان عائذ يخبرنا بذلك حياته، فلما هلك وغسلناه نظرنا إلى ما كان

_ [ (1) ] أحمد (5/ 28) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

يصف لنا من أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي مسها ما كان يقول لنا من صدره، فإذا غرة سائلة كغرة الفرس [ (1) ] . وروى البيهقي عن أبي العلاء قال: عدت قتادة بن ملحان في مرضه، فمر رجل في مؤخرة الدار، فرأيته في وجه قتادة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه، وكنت فلمّا رأيته إلا رأيت كأن على وجهه الدهان. وروى المدائني عن خاله أن أسيد بن أبي إياس رضي الله عنه مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وألقى يده على صدره فكان أسيد يدخل البيت المظلم فيضيء. وروى الطبراني بسند جيد عن أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد قالت: كنا عند عتبة أربع نسوة ما منا امرأة إلا وهي تجتهد في الطيب، لتكون أطيب من صاحبتها، وما يمس عتبة الطيب، وهو أطيب منا، وكان إذا خرج إلى الناس قال: ما شممنا ريحا أطيب من ريح عتبة، فقلنا له في ذلك، فقال: أخذني السرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت ذلك إليه فأمرني أن أتجرد من أثوابي فتجردت، وقعدت بين يديه، وألقيت ثوبي على فرجي فنفث في يده، ثم وضع يده على ظهري وبطني فعلق هذا الطيب من يومئذ [ (2) ] . وروى البيهقي وابن عساكر عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: كنت أصافح النبي صلى الله عليه وسلم أو يمس جلدي جلده فأعرف في يدي بعد ثالثة أصيب من ريح المسك. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الغرة: بياض في جبهة الفرس. الثندوة: رأس الثدي.

_ [ (1) ] مجمع (9/ 415) . [ (2) ] مجمع (8/ 285) .

الباب الرابع في تبرك أصحابه رضي الله تعالى عنهم بكل شيء منه صلى الله عليه وسلم أو اتصل به ومحافظتهم على ذلك كله واغتباطهم به وتعظيمهم له صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع في تبرك أصحابه رضي الله تعالى عنهم بكل شيء منه صلى الله عليه وسلم أو اتصل به ومحافظتهم على ذلك كله واغتباطهم به وتعظيمهم له صلى الله عليه وسلم روى الشيخان والبرقاني وأبو سعيد بن الأعرابي رضي الله عنه عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به. وروى البخاري تعليقا وأسنده الإسماعيلي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة فذكر حديثا وفيه ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه ومج فيه، ثم قال لهما: «اشربا منه، وافرغا على وجوهكما ونحوركما ... » [ (1) ] الحديث. وروى البخاري تعليقا وأسنده الإسماعيلي عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة يصدق كل واحد منهما صاحبه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه. وروى البخاري وغيره عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت، ولا يريد قتالا، فذكر الحديث، وفيه: أن قريشا بعثت إليه عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه فجعل عروة يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فو الله ما نخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ما يحدون النظر إليه تعظيما له، فرجع إلى أصحابه، وقد رأى ما يصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، فو الله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا [ (1) ] والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وكفه، وإن أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم فيه [ (2) ] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 59، 5/ 199 والبداية والنهاية 4/ 360. [ (2) ] أخرجه البخاري (5/ 389) (2731) .

صلى الغداة جاء خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء فلم يؤت بإناء إلا غمس يده فيه فربما في الغداة جاءوا الباردة فيغمس يده فيها. وروى أبو القاسم البغوي أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدم رأسه يرسلها فتبلغ الأرض إذا جلس فقلنا له: ألا تحلقها؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها بيده، فلم أكن لأحلقها حتى أموت، فما حلقها حتى مات. وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بتمر يفرقه علينا وكنا ندنيه منه ليمسه لما نرجو من بركة يده، فإذا رآه قد اجتمع فرقه بيننا. وروى البخاري عن عروة عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وقع فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ... الحديث. وروى البخاري عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه. وروى الطبراني عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة، وكرهت أن أرحل ناقته، وأنا جنب وخشيت أن أغتسل بالماء البارد، فأمرض، فأموت فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ووضعت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت ثم لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال لي: «يا أسلع مالي أرى راحلتك قد تغيرت؟» فقلت: يا رسول الله، لم أرحلها، رحلها رجل من الأنصار [ (1) ] . وروى أبو نعيم عن أم إسحاق قالت: هاجرت مع أخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: نسيت نفقتي بمكة، فرجع ليأخذها فقتله زوجي، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أخي قتل، فأخذ كفا من ماء فنفخه في وجهي، فكانت تصيبها المصيبة، فترى الدموع في عينيها ولا تسيل على خدها. وروى عبد الرزاق عن الزهري، قال: حدثني من لا أتهم من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أو تنخم ابتدروا نخامته، فمسحوا بها وجوههم وجلودهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تفعلون هذا؟» فقالوا: نلتمس البركة [ (2) ] .

_ [ (1) ] الطبراني في الكبير 1/ 277 وانظر المجمع 1/ 261. [ (2) ] انظر جمع الجوامع 2/ 713.

وروى ابن عدي عن أبي العشراء عن أبيه قال: لما مرض أبي أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرنه إلى قدمه ثلاث مرات بريقه إلى جسده. وروى أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كحل علي ببزاقه. وروى عبد الله ابن الإمام أحمد عن العطاف بن خالد بن أمية أن زينب بنت أبي سلمة دخلت. وهي صغيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغتسله فنضح في وجهها الماء وقال: «ارجعي» ، قال عطاف: قالت أمي: ورأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء. وروى أبو الحسن بن الضحاك وأبو يعلى بسند صحيح عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلق شعره فاستبق الناس إلى شعره، فسبقت إلى الناصية فأخذتها فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة فما وجهت في وجه إلا فتح لي. وروى أبو علي بن السكن ثنا عبد الملك بن عبد الرحمن أنبأنا محمد بن إسماعيل أنبأنا إبراهيم بن المنذر ثنا عياش بن أبي شملة عن موسى بن يعقوب عن مصعب بن الأسقع عن رشح بن عبد الله بن إسماعيل عن أبي سعيد أن أباه مالك بن سنان لما أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه يوم أحد مص دم رسول الله صلى الله عليه وسلم وازدرده فقال له: «أتشرب الدم؟» قال: أشرب دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من خالط دمي دمه لا يضره الله» [ (1) ] . وروى أبو القاسم البغوي ثنا صلت بن مسعود حدثنا موسى بن محمد بن علي الأنصاري حدثني أبي حدثتني أمي أم سعد بنت مسعود بن حمزة بن أبي سعيد الخدري أنها سمعت أم عبد الرحمن ابنة أبي سعيد تحدث عن أبيها وقال في آخره، وقال: من أحب أن يخالط ينظر إلى من خالط دمي دمه فلينظر إلى مالك بن سنان. وقال البزار أنبأنا إسحاق أنبأنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال حدثنا إبراهيم بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده سفينة قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «وغيب عني الدم» ، فذهبت فشربته، ثم جئته فقال: «ما صنعت؟» قلت: غيبته، قال: «أشربته؟» قلت: نعم [ (2) ] . رواه بقي بن مخلد عبد الله بن عمر الخطابي عن ابن فديك قال: حدثتني برثة بنت عمير بن سفينة عن أبيه عن جده، قال: حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاما فأمر أن يواري الدم من الطير والدواب فذهبت فشربته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فضحك ولم يقل لي شيئا.

_ [ (1) ] انظر المجمع (8/ 273) . [ (2) ] انظر المجمع (8/ 273) .

وقال أبو القاسم البغوي أنبأنا ابن حميد الداري حدثنا مجاهد ثنا رباح النوني وأبو محمد مولى آل الزبير، قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر تقول للحجاج: إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، فدفع دمه إلى ابني فشربه فأتاه جبريل فأخبره فقال: «ما صنعت؟» قال: كرهت أن أصب دمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمسك النار» ، ومسح على رأسه، وقال: «ويل للناس منك، وويل لك من الناس» [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: ذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح برأسي ودعا لي بالرزق. وروى أبو يعلى والبزار بإسناد حسنه الأبو صيري في التحفة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: «يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراه أحد فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت إلى الدم فحسوته فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما صنعت يا عبد الله؟» قال: جعلته في مكان ظننت أنه خاف عن الناس، قال: «فلعلك شربته؟» قال: نعم قال: «ومن أمرك أن تشرب الدم ويل لك من الناس وويل للناس منك» . قال أبو سلمة فحدثت أبا عاصم بهذا الحديث فقال: كانوا يرون أن القول ألقى به من ذلك اليوم [ (2) ] . وروى أبو يعلى عن سفينة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم ثم قال: «خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والناس» قال: فذهبت فتغيبت فقال لي: «ما صنعت؟» ، قلت: شربته، فتبسم، في سنده مجهول [ (3) ] . وروى أبو يعلى عن أم أيمن رضي الله عنها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فخارة في جانب البيت، فبال فيها فقمت من الليل، وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة» قالت: قد والله شربت ما فيها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: «أما إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك» [ (4) ] .

_ [ (1) ] انظر كنز العمال 37234 والدارقطني 1/ 228 وانظر الشفاء 1/ 659 وابن عساكر كما في التهذيب 7/ 401. [ (2) ] انظر المجمع 8/ 270 والحاكم 3/ 554 والكنز (37226) . [ (3) ] البيهقي 7/ 67 والطبراني في الكبير 7/ 95 والبخاري في التاريخ 4/ 29 وابن حجر في المطالب (3848) وانظر المجمع 8/ 270. [ (4) ] ابن كثير في البداية 5/ 326 انظر المجمع (8/ 274) .

الباب الخامس في بركة ريقه الطيب صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في بركة ريقه الطيب صلى الله عليه وسلم روى الطبراني عن أبي عقيل الديلي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنت به، وصدقت وسقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم- شربة سويق، شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولها وشربت آخرها فما زلت أجد بلتها على فؤادي إذا ظمئت، وبردها إذا أضحيت [ (1) ] رواه قاسم بن ثابت في الدلائل عن حنش وهو بفتحتين ثم شين معجمة ابن عقيل بفتح أوله، قال: دعاني النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأسلمت فسقاني فضلة سويق فما زلت أجد ريها إذا عطشت، وشبعتها إذا جعت. وروى ابن سعد قال: (أخبرنا) الواقدي حدثني أبي بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه سمعت عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبو أسيد وأبو حميد وأبو سهل بن سعد يقولون: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، ورده في البئر ومج مرة أخرى في الدلو، وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في عهده يقول: «اغسلوه من ماء بضاعة» ، فيغسل، فكأنما حل من عقال [ (2) ] . وروى الحاكم عن حنظلة بن قيس أن عبد الله بن عامر بن كريز أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليه وعوده فجعل يتسرع ريق النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه ليشفى» وكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له فيها الماء ... وروى الحاكم وصححه وأقره الذهبي عن ثابت بن قيس بن شماس أنه فارق جميلة بنت عبد الله بن أبي وهي حامل بمحمد، فلما ولدته حلفت لا تلبنه من لبنها، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبزق في فيه، وحنكه بتمرة عجوة، وسماه محمدا، وقال: اختلف به، فإن الله رازقه، فأتيته في اليوم الأول والثاني والثالث، فإذا أنا بامرأة من العرب، تسأل عن ثابت بن قيس ابن شماس فقلت: ما تريدين منه؟ فقالت: رأيت أني أرضع ابنا له، يقال له: محمد، قال: فأنا ثابت، وهذا ابني محمد، قال: وإذا درعها ينعصر من لبنها [ (3) ] . وروى البيهقي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق على أثر سهم في وجهه في يوم ذي قرد، قال: فما ضرب علي قط ولا قاح.

_ [ (1) ] انظر المجمع (9/ 400) . [ (2) ] ابن سعد 1/ 2/ 185. [ (3) ] البيهقي في الدلائل 6/ 227.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل على رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف أي العلب حين قتل ابن الأشرف فبرأت. ورواه الواقدي لكن قال: الحارث بن أوس، بدل زيد بن معاذ، وروى ابن عساكر عن بشير بن عقربة، قال: لما قتل أبي يوم أحد، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: «أما ترضى أن أكون أبوك [ (1) ] ، وعائشة أمك» ، فمسح رأسي فكان أثر يده من رأسي أسود وسائره أبيض، وكانت بي رثة فتفل فيها فانحلت [ (2) ] . وروى الطبراني عن جرهد رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه طعام، (فأدنى) جرهد يده الشمال وكانت يده اليمنى مصابة، فنفث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما شكا حتى مات. وروى الحميدي برجال ثقات عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم، فشرب، ثم توضأ، ثم مجه في الدلو مسكا أو أطيب من المسك، واستنثر خارجا من الدلو. وروى الطبراني وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع صوت الحسن والحسين، وهما يبكيان، فقال لفاطمة: «ما شأن ابني؟» قالت: العطش، فنادى في الناس «هل أحد منكم معه ماء؟» فلم يجد أحد منهم قطرة، فقال: «ناوليني أحدهما» فناولته إياه من تحت الخدر، فأخذه فضمه إلى صدره وهو يضغو لم يسكت، فادلع لسانه فجعل يمصه حتى هدأ، وسكن فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: «ناوليني الآخر» فناولته إياه ففعل به كذلك فسكتا فما سمع لهما صوتا. والأحاديث في هذا الباب كثيرة وتقدم بعضها. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: مجّ: لفظ.

_ [ (1) ] على المشهور (أباك) وبعض العرب ترفع بكان الجزءين فجاء على ذلك قول الشافعي: إذا سبّني نذل تزايدت رفعة ... وما العيب إلّا أن أكون مساببه ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة ... لمكّنتها من كلّ نذل تحاربه [ (2) ] البخاري في التاريخ 2/ 78 وانظر الكنز (36862) وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 269، 389، 10/ 160.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العرجون والعصا والأصابع والبرقة

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العرجون والعصا والأصابع والبرقة الباب الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العرجون وما وقع في ذلك من الآيات روى الطبراني والإمام أحمد في حديث طويل، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، وأبو نعيم بسند صحيح عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي مظلمة، فقلت: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الصلاة، وآنسته بنفسي، وفي لفظ: فقلت: لو أني اغتنمت شهود العتمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت، فلما دخلت المسجد برقت السماء، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا قتادة، ما هاج عليك؟» قلت: يا رسول الله، أردت بأبي أنت وأمي أن أؤنسك وفي لفظ: فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عرجون، قال: «خذ هذا العرجون فتحصن به، فإنك إذا خرجت أضاء لك عشرا أمامك، وعشرا خلفك» . وفي لفظ: فقال: «إن الشيطان قد خلفك في أهلك، فاذهب بهذا العرجون، فاستك به حتى تأتي بيتك، فخذه من زاوية البيت» ، ثم قال لي: «إذا دخلت بيتك مثل الحجر الأخشن في أستار بيتك، فإن ذلك الشيطان» ، قال: فخرجت فأضاء لي العرجون مثل الشمعة فاستضأت به، فأتيت البيت فوجدتهم قد رقدوا، فنظرت في الزاوية، فإذا فيها قنفذ فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج. وفي لفظ: ثم ضربت مثل الحجر الأخشن حتى خرج من بيتي.

الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العصا

الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العصا روى الحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن أبي عبس بن جبر رضي الله عنه أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات ثم يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة مظلمة، فنور له في عصاه حتى دخل على [ (1) ] بني حارثة. وروى ابن سعد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال: كان عباد بن بشر وأسيد بن حضير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة حتى ذهب من الليل ساعة، وهي ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا، وبيد كل واحد منهما عصا، فأضاءت لهما عصا أحدهما، فمشيا في ضوئها، حتى إذا افترقت بهم الطريق، أضاءت للآخر عصاه حتى بلغ أهله. رواه الشيخ مختصرا. وروى أبو نعيم من وجه آخر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر سمرا عند أبي بكر يتحدثان عنده حتى ذهب الليل، ثم خرجا، وخرج أبو بكر معهما جميعا في ليلة مظلمة مع أحدهما عصا، فجعلت تضيء لهما، وعليهما نور حتى بلغوا المنزل. الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة الأصابع روى البخاري في التاريخ والبيهقي وأبو نعيم والطبراني بسند جيد عن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتفرقنا في ليلة مظلمة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم، وما هلك منهم وإن أصابعي لتنير. الباب الرابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في البرقة التي برقت للحسن والحسين روى الحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رقيقا، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحدا هاهنا وواحدا هاهنا فجئت فقلت: يا رسول الله، ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: «لا» فبرقت برقة، فقال: «الحقا بأمكما» ، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا.

_ [ (1) ] سقط في ب.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض أصحابه الملائكة والجن وسماع كلامهما

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض أصحابه الملائكة والجن وسماع كلامهما الباب الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض أصحابه الملائكة وسماع كلامهم إكراما له صلى الله عليه وسلم روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت الملائكة تسلم علي فلما اكتويت، انقطع عني فتركت الكي، فعادوا يسلمون، وكان يراهم عيانا. وروى الشيخان من طريق أبي عثمان النهدي قال: نبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، ثم قام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» قالت: هذا دحية الكلبي، قالت: ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر جبريل قلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ قال: من أسامة. وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس، فأتاه رجل، فقال: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وبكتابه ورسله، وتؤمن بالبعث» ، قال: ما الإسلام؟ قال: «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان» ، قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنّه يراك» ، قال: متى الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت المرأة ربتها، وإذا تطاول رعاء الإبل إليهم (في البنيان) في خمس لا يعلمهن إلا الله» ، ثم أدبر فقال: ردوه فلم يروا شيئا، فقال: «هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم» . وروى أحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح أن حارثة بن النعمان قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل، فسلمت عليه ومررت، فلما رجعنا وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل رأيت الذي كان معي؟» قلت: نعم، قال: «فإنه جبريل قد رد عليك السلام» . وروى أبو موسى المديني في المعرفة عن تميم بن سلمة، قال: بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ انصرف من عنده رجل، فنظرت إليه موليا معتما بعمامة قد أرسلها من ورائه، قلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: «جبريل» . وروى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه، فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا، فقال: أي بني، ألم تر أن ابن عمك كالمعرض عني؟ قلت: نعم، يا أبت! إنه كان عنده رجل يناجيه، فرجع، فقال: يا

رسول الله، قلت لعبد الله كذا وكذا فقال: إنه كان عندك رجل يناجيك، هل كان عندك أحد؟ قال: «وهل رأيته، يا عبد الله؟» قلت: نعم، قال: «ذاك جبريل هو الذي كان يشغلني عنك» . وروى ابن سعد عنه قال: رأيت جبريل مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين. وروى الحاكم عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لما رأيت جبريل لم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا ولكن أن يجعل ذلك في آخر عمرك» . وروى البيهقي عنه قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فلما دنا من منزله سمعته يتكلم في الداخل، فلما دخل لم ير أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت تكلم؟» قال: يا رسول الله، دخل علي داخل ما رأيت رجلا قط بعدك [ (1) ] أكرم مجلسا ولا أحسن حديثا منه، قال: «ذاك جبريل وإن منكم لرجالا لو أن أحدهم (يقسم) [ (2) ] على الله لأبره» . وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن مسلمة، قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واضع خده على خد رجل فلم أسلم ثم رجعت، فقال: «ما منعك أن تسلم؟» قلت: يا رسول الله، رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئا ما فعلته بأحد من الناس فكرهت أن أقطع عليك حديثك، فمن كان يا رسول الله؟ قال: «جبريل» . وروى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه، فقلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: «بمن تشبهينه؟» قالت: بدحية، فقال: «لقد رأيت جبريل» ، قالت فما لبثت إلا اليسير حتى قال: «يا عائشة، هذا جبريل يقرئك السلام» ، قلت: وعليه السلام جزاه الله من دخيل خيرا. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبي بن كعب رضي الله عنه: لأدخلن المسجد ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد، فلما صلى وجلس ليحمد الله، ويثني عليه إذا هو بصوت عال من خلفه يقول: اللهم لك الحمد كله ولك الأمر كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، لك الحمد إنك على كل شيء قدير، اغفر ما مضى من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني أعمالا زاكية، ترضى بها عني، وتب علي. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه، فقال: «ذاك جبريل عليه السلام» . وروى البيهقي وابن عساكر عن حذيفة بن اليمان، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ

_ [ (1) ] سقط في ح. [ (2) ] في ح أقسم.

خرج فتبعته فإذا عارض قد عرض له فقال لي: «يا حذيفة. هل رأيت العارض الذي عرض لي؟» قلت: نعم، قال: «ذاك ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبلها، استأذن ربه فسلم علي، وبشرني بالحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» . وروى الشيخان عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فرفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبح الناس ينظرون إليها لا تتوارى منهم» .

الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض الصحابة الجن وسماع كلامهم إكراما له صلى الله عليه وسلم

الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض الصحابة الجن وسماع كلامهم إكراما له صلى الله عليه وسلم روى النسائي والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن حبان والروياني وأبو الشيخ في العظمة والطبراني في الكبير، والحاكم وأبو نعيم معا في الدلائل، والضياء في المختارة عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان له جرين فيه تمر، وكان يتعاهده فيجده ينقص فحرسه ذات ليلة، فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم فسلمت، فرد السلام، فقلت: ما أنت جني أم إنسي؟ فقال: جني، فقلت: ناولني يدك، فناولني يده فإذا يده يد كلب، فقلت: هكذا خلق الجن فقال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني، قلت: ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغنا أنك رجل تحب الصدقة، فأحببنا أن نصيب من طعامك، قلت: فما الذي يجيرنا منك؟ قال: هذه الآية- آية الكرسي التي في سورة البقرة- من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي، فلما أصبح أبي غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «صدق الخبيث» . وروى أبو الشيخ في العظمة عن أبي إسحاق، قال: خرج زيد بن ثابت ليلا إلى حائط له، فسمع فيه جلبة، فقال: ما هذا؟ قال: رجل من الجان أصابتنا السنة، فأردت أن أصيب من ثماركم فطيبوه لنا، قال: نعم، ثم قال زيد بن ثابت: ألا تخبرنا بالذي يعيذنا منكم؟ قال: آية الكرسي. وروى أبو عبيد في فضائل القرآن والدارمي والطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن ابن مسعود أن رجلا لقى شيطانا في سكة من سكك المدينة (فصارعه فصرعه) فقال: دعني أخبرك بشيء يعجبك فودعه، فقال: هل تقرأ سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: فإن الشيطان لا يسمع منها شيئا إلا أدبر وله خبج كخبج الحمار فقيل لابن مسعود: من ذاك الرجل؟ قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. جلبة: الصياح والصخب. يعيذنا: يجيرنا. ودعه [ ... ] . خبج: بفتح الخاء المعجمة والموحدة وجيم: الضراط [ويروى بالحاء المهملة] .

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إخباره رجالا بما حدثوا أنفسهم وغير ذلك

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إخباره رجالا بما حدثوا أنفسهم وغير ذلك الباب الأول في إخباره صلى الله عليه وسلم من حدث نفسه بالفتك به صلى الله عليه وسلم روى الحاكم وصححه والطبراني عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: من أنت؟ قال: «أنا نبي» ، قال: وما نبي؟ قال: «رسول الله» ، قال: متى تقوم الساعة؟ قال: «غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله» ، قال: أرني سيفك، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه، فهزه الرجل، ثم ردّه عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لم تكن تستطيع ذلك الذي أردت» ، قال: وقد كان. زاد الطبراني: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا أقبل، فقال: آتيه، فأسأله ثم آخذ السيف، فأقتله ثم أغمد السيف» .

الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم من حدث نفسه بأنه ليس في القوم أحد خير منه وما وقع في ذلك من الآيات

الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم من حدث نفسه بأنه ليس في القوم أحد خير منه وما وقع في ذلك من الآيات روى ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: ذكروا رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا قوته في الجهاد واجتهاده في العبادة، فإذا هم بالرجل مقبل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى على وجهه سفعة من الشيطان» ، فلما دنا سلّم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل حدثت نفسك بأنه ليس في القوم أحد خير منك؟» قال: نعم، ثم ذهب فاختط مسجدا، ووقف يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يقوم إليه فيقتله؟» فقام أبو بكر، فانطلق فوجده يصلي، فرجع، فقال: وجدته يصلي فهبت أن أقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يقوم إليه فيقتله؟» فقام عمر، فصنع كما صنع أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يقوم إليه فيقتله؟» فقال علي: أنا قال: «أنت إن أدركته» ، فذهب فوجده قد انصرف، فرجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أول قرن خرج من أمتي لو قتلته ما اختلف اثنان بعده من أمتي» .

الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم وابصة بن معبد [1] رضي الله عنه بأنه جاء يسأل عن البر والإثم

الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم وابصة بن معبد [ (1) ] رضي الله عنه بأنه جاء يسأل عن البر والإثم روى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع من البر والإثم شيئا إلا سألته عنه، فأتيته، وهو في عصابة من المسلمين حوله، فجعلت أتخطاهم لأدنو منه، فانتهرني بعضهم، فقال: إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: إني أحب أن أدنو منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا وابصة، ادن مني وابصة» ، فأدناني حتى كنت بين يديه، فقال: «أتسألني أم أخبرك؟» فقلت: لا، بل تخبرني، قال: «جئت تسأل عن البر والإثم؟» قلت: نعم، فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري وقال: «البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسك، وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك» . الباب الرابع في إخباره صلى الله عليه وسلم الثقفي والأنصاري بما جاءا يسألان عنه روى مسدد والبزار والأصبهاني من طريق إسماعيل بن رافع والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف فلما سلما، قالا: جئناك، يا رسول الله، لنسألك، قال: «إن شئتما أخبرتكما بما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أسكت وتسألاني فعلت» ، قالا: لا، أخبرنا يا رسول الله، نزدد إيمانا أو نزدد يقينا، فقال الأنصاري للثقفي: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بل أنت فسله، فإني أعرف حقك، فسأله، فقال: أخبرنا يا رسول الله، قال: «جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام ومالك فيه وعن طوافك بالبيت، ومالك فيه، وركعتيك بعد الطواف، ومالك فيهما، وعن طوافك بالصفا والمروة، وعن وقوفك بعرفة، ومالك فيه، وعن رميك الجمار ومالك فيه، وعن نحرك ومالك فيه، وعن حلاقك رأسك، ومالك فيه، وعن طوافك، ومالك فيه» - يعني الإفاضة- قال: والذي بعثك بالحق عن هذا جئت أسألك! قال: «فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، لم تضع ناقتك خفا ولن ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة، ويرفع لك بها درجة، وأما ركعتاك بعد الطواف فإنهما كعتق رقبة من ولد إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة فكعتقك سبعين رقبة، وأما وقوفك عشيّة

_ [ (1) ] سقط في ب.

الباب الخامس في أمره صلى الله عليه وسلم أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه الاستعفاف لما أراد أن يسأله شيئا من الدنيا، وما وقع في ذلك من الآيات

عرفة، فإن الله تعالى يهبط إلى السماء الدنيا، فيباهي بكم الملائكة يقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم عدد الرمل وكزبد البحر لغفرتها، أفيضوا مغفورا لكم، ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاق رأسك فبكل شعرة حلقتها حسنة يمحى عنك بها خطيئة» ، قال: يا رسول الله، فإن كانت الذنوب أقل من ذلك؟ قال: «يدخر لك في حسناتك، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك، فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يده بين كتفيك، ثم يقول: اعمل لما تستقبل فقد غفر لك ما مضى» قال الثقفي: أخبرني رسول الله، قال: جئت تسألني عن الصلاة!» قال: «إذا غسلت وجهك انتثرت الذنوب من أشفار عينيك، وإذا غسلت يديك انتثرت الذنوب من أظفار يديك، وإذا مسحت برأسك انتثرت الذنوب عن رأسك، وإذا غسلت رجليك انتثرت الذنوب من أظفار قدميك» . .. الحديث. وروى الطبراني في الكبير والبزار وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما [....] . الباب الخامس في أمره صلى الله عليه وسلم أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه الاستعفاف لما أراد أن يسأله شيئا من الدنيا، وما وقع في ذلك من الآيات [وأخرج البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: أصابنا جوع ما أصابنا مثله قط فقالت لي أختي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله فجئت فإذا هو يخطب، فقال: «من يستعفف، يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» ، فقلت في نفسي: والله لكأنما أردت بهذا إلا جرم لا أسأله شيئا فرجعت إلى أختي فأخبرتها، فقالت: أحسنت، فلما كان من الغد فإني والله لأتعب نفسي تحت الأجم، إذ وجدت من دراهم يهود فابتعنا به، وأكلنا منه وجاءت الدنيا، فما من أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا. وأخرجه ابن سعد بلفظ: فكان أول ما واجهني به. وبلفظ: فقلت ما قال هذا القول إلا من أجلي وبلفظ: فأتاح الله لي رزقا ما كنت أحتسبه] .

الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم من قال في نفسه شعرا به

الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم من قال في نفسه شعرا به روى البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي يريد أن يأخذ مالي، فدعا أباه فهبط جبريل، فقال: إن الشيخ قد قال في نفسه شيئا لم تسمعه أذناه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلت في نفسك شيئا لم تسمعه أذناك؟» قال: لا يزال يزيدنا الله تعالى بك بصيرة ويقينا، نعم، قال: هات، فأنشأ يقول: غذوتك مولودا ومنتك يافعا ... تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت ... لسقمك إلا ساهرا أتململ تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... لتعلم أن الموت حتم موكل كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي ... إليك مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة ... كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق مودتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بتأنيب ابنه وقال: «أنت ومالك لأبيك» . الباب السابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشاة التي أخذت بغير إذن أهلها روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر وأصحابه بامرأة فذبحت لهم شاة واتخذت لهم طعاما، فلما رجع، قالت: يا رسول الله إنا ذبحنا لكم شاة، واتخذنا لكم طعاما، فادخلوا فكلوا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا لا يبدءون حتى يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم لقمة، فلم يستطع أن يسيغها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه ذبحت بغير إذن أهلها» ، فقالت المرأة: يا رسول الله، إنا لا نحتشم من آل معاذ، نأخذ منهم ويأخذون منا، في لفظ: إنا لا نحتشم من آل فلان ولا يحتشمون منا، نأخذ منهم، ويأخذون منا، وروى الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قوما من الأنصار في دارهم فذبحوا له شاة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللحم شيئا ليأكله، فمضغه ساعة لا يسيغه فقال: «ما شأن هذا اللحم؟» قالوا: شاة لفلان ذبحناها حتى يجيء نرضيه من ثمنها، فقال: «أعطوها الأسارى» .

الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بنزول قوم بالجابية وأخذ الطاعون إياهم فكان كما أخبر

الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بنزول قوم بالجابية وأخذ الطاعون إياهم فكان كما أخبر روى الطبراني من طريق الحسن بن يحيى الخشني أن معاذاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنزلون منزلا يقال له الجابية أو الجويبية فيصيبكم فيه داء مثل غدتي الجمل يستشهد الله تعالى به أنفسكم وزراريكم، ويزكي به أعمالكم» . الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم شداد بن أوس رضي الله عنه بأنه يعافى من مرضه وأن يسكن الشام فكان كذلك روى الطبراني عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقال: «مالك يا شداد؟» قال: ضاقت بي الدنيا، قال: «عليك، (الشام تفتح) ويفتح (بيت المقدس) [ (1) ] فتكون أنت وولدك أئمة فيهم» . الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم من أرسله إلى ابنته بما حبسه روى ابن عساكر من طريق أبي العاصم، قال: حدثني مولى لعثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بهدية، فاحتبس (الرسول) ثم جاء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حبسك؟» ثم قال: إن شئت أخبرتك بما حبسك، كنت تنظر إلى عثمان مرة، وإلى رقية مرة، أيهما أحسن؟» قال: إي والذي بعثك بالحق، إنه الذي حبسني. وروى ابن عساكر من طريق الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن سلام الجمحي قال: حدثني أبو المقدام مولى عثمان بن عفان قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجل بظلف إلى عثمان بن عفان، فاحتبس الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شئت أخبرتك بما حبسك» ، قال: نعم، يا رسول الله، قال: «تنظر إلى عثمان ورقية تعجب من حسنهما» .

_ [ (1) ] زيادة في ب.

الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم من قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فقتل نفسه

الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم من قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فقتل نفسه روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بالسيف، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه من أهل النار» ، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه فكلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» . وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار» فلما حضر القتال، قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، إن الذي قلت إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار» ، زاد غيره: فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع منها سهما فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، صدق الله حديثك، قد انتحر فلان فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. مال: [....] . شاذة: منفردا عن أصحابه. فاذة: منفرد عن نظرائه. ذباب السيف: حد طرفيه.

الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بسبب اللحم الذي صار حجرا

الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بسبب اللحم الذي صار حجرا روى البيهقي وأبو نعيم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أهدي إلي بضعة من لحم فقلت للخادم: ارفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء سائل فقام على الباب، فقال: تصدقوا بارك الله فيكم، وذهب السائل، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للخادم: أقربي إليه اللحم، فجاءت بها فإذا هي قد صارت مروة حجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتاكم اليوم سائل فرددتموه؟» قلت: نعم، قال: «فإن ذاك لذاك» ، فما زالت حجرا في ناحية بيتها تدق حتى ماتت. الباب الثالث عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بما سحر به روى ابن سعد والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن زيد بن أرقم قال: كان رجل من الأنصار يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويأتمنه وأنه عقد له عقدا فألقاه في بئر فصرع لذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه ملكان يعودانه، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا، وهي في بئر فلان، ولقد اصفر الماء من شدة عقده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرج العقد فوجد الماء قد اصفر، فحل العقد، وقام النبي صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئا من ذلك ولم يعاقبه. وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم طب حتى أنه ليخيل أنه صنع الشيء وما صنعه، وأنه دعا ربه ثم قال: «أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته؟» قلت: وما ذاك؟ قال: «جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع هذا الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في ماذا؟ [ (1) ] قال: في مشط ومشاطه وجف طلقه، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان» ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه البئر التي أريتها كان نخلها رؤوس الشياطين، وكان ماؤها نقاعة الحناء» فأمر به فأخرج. وروى البيهقي عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضا شديدا، فأتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما ترى؟ قال: طب، قال: وما طبه؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟

_ [ (1) ] في ح فيم ذا.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: أين هو؟ قال: في بئر آل فلان تحت صخرة في ركية فأتوا الركي، فانزحوا ماءها، وارفعوا الصخرة، ثم خذوا الركية وأحرقوها» ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر في نضر فأتوا الركي فإذا ماؤها نقاعة الحناء، فنزحوا الماء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الركية، وأحرقوها، فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد، فأتاه جبريل بالمعوذتين يعوذه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحا. وروى ابن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد وكان لبيد هو الذي ذهب به، فأدخله تحت راعوفة البئر، ودس بنات أعصم إحداهن، فدخلت على عائشة فسمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره ثم خرجت إلى أخواتها بذلك، فقالت إحداهن: إن يكن نبيا فسيخبر، وإن يكن غير ذلك فسوف يدلهه هذا السحر فيذهب عقله، فدله الله عليه. وروى ابن سعد عن عمر بن الحكم رضي الله عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم مرجعه من الحديبية. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. مشاطة: ما سقط من شعر عند مشطه. الركية: البئر لم تطو.

الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم معاذا بأن ناقته تبرك بالجند.

الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم معاذاً بأن ناقته تبرك بالجند. روى ابن عبد الحكم في فتوح مصر- من طريق مكحول عن معاذ- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بعثه إلى اليمن، حمل على ناقته وقال: «يا معاذ، انطلق، حتى تأتي الجند، فحينما بركت بك هذه الناقة، فأذن وصل وابتن مسجدا» ، فانطلق معاذ رضي الله عنه حتى انتهى إلى الجند، دارت به الناقة وأبت أن تبرك، فقال: هل من جند غير هذا؟ قالوا: نعم، جند ركامة، فلما أتاه دارت، وبركت، فنزل معاذ بها فنادى بالصلاة ثم قام يصلي الجند. ركانة [ (1) ] . الباب الخامس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم من سأل رجلا عن حاله بما سأل عنه. [ ... ] الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الأرضة أكلت الصحيفة الظالمة التي كتبتها قريش روى البيهقي وأبو نعيم من طريق موسى بن عقبة عن الزهري، وابن سعد عن شيخ من قريش، وابن سعد عن ابن عباس، وعاصم بن عمر بن قتادة وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، دخل حديث بعضهم في بعض، وابن سعد عن عكرمة ومحمد بن علي، وابن عساكر عن الزبير بن بكار، وأبو نعيم عن عثمان بن أبي سليمان وبن جبير بن مطعم، أن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، حين هاجر المسلمون إلى النجاشي وبلغهم كرمه إياهم، وأجمعت قريش أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب، وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أرادوا قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فلما عرفت قريش أن القوم منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا

_ [ (1) ] سقط في ح.

رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا صحيفة وعهودا ومواثيق، لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا حتى يسلموه للقتل، فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد، وفي لفظ: فحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من تنبؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم، وأجمعوا أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه وبعث الله تعالى على صحيفتهم الأرضة فأكلت كل ما كان فيها من عهد وميثاق، وكانت معلقة في سقف البيت، فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق، فلم تترك فيها اسما لله إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم. وفي لفظ: فأكلت ما كان فيها من جور وظلم وبقي ما فيها من ذكر الله تعالى. وفي لفظ: فأرسل الله تعالى على الصحيفة دابة فأكلت كل شيء فيها إلا اسم الله. وفي لفظ: إلا باسمك اللهم، واطلع الله تعالى نبيه على الذي صنع بصحيفتهم. وفي لفظ: ثم أطلع الله تعالى رسوله على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما فيها من جور وظلم وبغي، وبقي ما كان فيها من ذكر الله تعالى، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، فقال أبو طالب: لا والثواقب، ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد، وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامرين بجماعتهم أنكروا ذلك، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء، فأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب، فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فأتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها، فلعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعا إليهم، فوضعوها بينهم فقال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف، أن ابن أخي قد أخبرني أن الله تعالى بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم، ومحا منها كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم، وقطيعتكم إيانا، وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان ما قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فو الله، لا يسلم أبدا حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان باطلا رفعناه إليكم فقتلتم أو استحييتم، قالوا: قد رضينا بالذي تقول، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال، قالوا: والله إن كان هذا قط إلا سحر من صاحبكم! فقال: أولئك النفر: إن الأولى بالكذب والسحر غيرنا فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم، وهي بأيديكم طمس الله تعالى ما كان فيها

الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم قريشا ليلة الإسراء بصفة بيت المقدس ولم يكن رآه قبل ليلة الإسراء

من اسم له وما كان من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم؟ فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف ومن قصي: نحن براء من هذه الصحيفة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعاشوا، وخالطوا الناس، وقال أبو طالب في الصحيفة: ألم يأتكم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله يفسد كان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري، فشلت يده حتى يبست فما كان ينتفع بها، فكانت قريش تقول بينها: إن الذي صنعنا إلى بني هاشم لظلم، انظروا ما أصاب منصور بن عكرمة. الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم قريشا ليلة الإسراء بصفة بيت المقدس ولم يكن رآه قبل ليلة الإسراء قد تقدم في أبواب المعراج أن المشركين قالوا له: يا محمد، صف لنا بيت المقدس كيف بناؤه، وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل؟ فقال لهم: «بناؤه كذا وهيئته كذا» حتى التبس عليه النعت فوضع جبريل له بيت المقدس وسألوه عن أبوابه، ولم يكن أتاها فجعل ينظر إليه ويخبرهم بها، وأبو بكر يقول: صدقت، صدقت فراجعها إن شئت. الباب الثامن عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم نوفل بن الحارث بماله الذي خبأه بجدة روى البيهقي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، إني قد كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فالله يجزيك بذلك فأما ظاهر منك فكان علينا فافد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر» ، قال: ما أخال ذاك عندي يا رسول الله. قال: «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، فقلت لها: إن أصبت في سفري فهذا المال لبني الفضل بن العباس وعبد الله بن العباس وقثم بن العباس؟» فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ذاك شيء أعطاناه الله تعالى منك» ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه، وأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال 70] .

الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل مجذر بن زياد

الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل مجذر بن زياد [روى ابن سعد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن الحارث بن سويد قتل المجذر بن زياد غيلة وأمره أن يقتله به فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد بالمجذر بن زياد وكان الذي ضرب عنقه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة على باب مسجد قباء] . الباب العشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل أصحابه يوم الرجيع روى البخاري والبيهقي عن أبي هريرة، والبيهقي وأبو نعيم عن ابن شهاب والبيهقي من طريق ابن إسحاق أن خبيبا لما قال: اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك عني السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: «وعليك السلام» قال أصحابه: يا رسول الله، من قال؟ قال: «خبيب يقتل» ، وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ذلك اليوم الذي قتل فيه خبيب: «عليك السلام خبيب قتلته قريش» . الباب الحادي والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل أصحابه يوم بئر معونة روى مسلم والبيهقي عن أنس رضي الله عنه أن أناسا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالا يعلموننا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم: القراء، فتعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا إنا قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إن إخوانكم قتلوا، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أن قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا» . وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فلم نلبث إلا قليلا، حتى قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن إخوانكم قد لقوا المشركين واقتطعوهم فلم يبق منهم أحد، وإنهم قالوا: ربنا بلغ قومنا إنا قد رضينا ورضي عنا ربنا، فأنا رسولهم إليكم، إنهم قد رضوا ورضي عنهم» .

الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن خيبر تفتح على يد علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه

الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن خيبر تفتح على يد علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح خيبر: «لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، فلما أصبح قال: «أين علي بن أبي طالب؟» قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» ، فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع. وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه [ (1) ] تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان رمدا، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فخرج فلحق به، فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه» ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه الراية ففتح الله عليه. ورواه مسلم (من) [ (2) ] وجه آخر عن سلمة وذكر قوله: فبصق في عينيه فبرأ. ورواه الحارث وأبو نعيم من وجه آخر عن سلمة وزاد فأخذ الراية، فخرج بها حتى ركزها تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي، قال: علوتم وما أنزل على موسى، فما رجع حتى فتح الله على يديه. وروى البيهقي وأبو نعيم عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يأخذها عنوة» ، وليس ثم علي فتطاولت لها قريش، وجاء علي على بعير له وهو أرمد، قال: «ادن مني» ، فتفل في عينيه فما وجعها حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية.

_ [ (1) ] سقط في ب. [ (2) ] في ح «في» .

الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فمات فوجدوه قد غل من الغنيمة وما في ذلك من الآيات

الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فمات فوجدوه قد غلّ من الغنيمة وما في ذلك من الآيات روى أبو داود والنسائي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على صاحبكم، إنه غل في سبيل الله» ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار» ، فلما حضرنا القتال قاتل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت له آنفا: أنه من أهل النار، فإنه قاتل قتالا شديدا، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار» ، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: فإنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله» ، ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وروي عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها فضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أنه من أهل النار» ، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدا، قال: فجرح الرجل جراحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» ، وقد تقدم في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر قرمان يقول: «أنه من أهل النار» فقتل نفسه.

الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل من قتل في غزوة مؤتة يوم أصيبوا

الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل من قتل في غزوة مؤتة يوم أصيبوا روى البيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مر علي جعفر بن أبي طالب في الملائكة يطير كما يطيرون له جناحان، وزعموا أن يعلى بن منيه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت فأخبرني، وإن شئت أخبرتك» ، قال: أخبرني يا رسول الله به، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كلهم ووصفه لهم فقال: والذي بعثك بالحق، ما تركت من حديثه حرفا لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت، فقال: «إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم» . وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيدا وجعفرا وعبد الله ابن رواحة ودفع الراية إلى زيد فأصيبوا جميعا، فنعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء الخبر، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب» ، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير أمره ففتح عليه. الباب الخامس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكتاب حاطب إلى أهل مكة روى ابن إسحاق والبيهقي عن عروة رضي الله عنه قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من المسير إليهم ثم أعطاه امرأة من مزينة، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها وخرجت به، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال: «أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا إلى قريش يحذرهم» . وروى الشيخان عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها» ، قال [ (1) ] : فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس بمكة من

_ [ (1) ] سقط في ح.

الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأنصار بما قالوه في غزوة الفتح

المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حاطب، ما هذا؟!» قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، يقول: كنت حليفا ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت أن تكون إذ فاتني ذاك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقكم» ، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «إنه شهد بدرا، وما يدريك، لعل الله اطلع على من شهد بدرا، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!» فأنزل الله تعالى هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلى قوله: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة 1] . الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأنصار بما قالوه في غزوة الفتح روى مسلم والطيالسي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة: أما الرجل فقد أدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، وكان الوحي إذا جاء لم يخف علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي فلما رفع الوحي قال: «يا معشر الأنصار، قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته كلا فما أسمي إذن كلا، إني عبد الله ورسوله المحيا محياكم، والممات مماتكم» ، فأقبلوا يبكون، وقالوا والله، ما قلنا إلا للضن بالله ورسوله، فقال: «إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» . الباب السابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عثمان بن طلحة بأنه سيصير مفتاح البيت إليه يضعه حيث شاء روى ابن سعد عن عثمان بن طلحة قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة فدعاني إلى الإسلام، فقلت: يا محمد، العجب لك حيث تطمع أن أتبعك، وقد خالفت دين قومك، وجئت بدين محدث وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل يوما يريد الكعبة أن يدخلها مع الناس، فغلظت عليه، ونلت منه وحلم عني، ثم قال: «يا عثمان، لعلك سترى هذا المفتاح بيدي، أضعه حيث شئت» ، فقلت: لقد هلكت قريش، وذلت، فقال: «بل عمرت يومئذ وعزت» . فدخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعا، ظننت أن الأمر سيصير

الباب الثامن والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم شيبة بن عثمان بأنه لم يسلم بعد

إلى ما قال، فأردت الإسلام، فإذا قومي يزبرونني زبراً شديدا، فلما كان يوم فتح مكة، قال لي: «يا عثمان، ائت بالمفتاح» فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إلي، وقال: «خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» ، فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال: «ألم تكن الذي قلت لك؟» فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة، لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي، أضعه حيث شئت، فقلت: بل أشهد أنك رسول الله حقا. الباب الثامن والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم شيبة بن عثمان بأنه لم يسلم بعد روى البيهقي وابن عساكر عن شيبة بن عثمان رضي الله عنه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، والله، ما خرجت إسلاما، ولكني خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش، فو الله، إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت: يا رسول الله، إني لأرى خيلا بلقا قال: «يا شيبة، إنه لا يراها إلا كافر» ، قال: فضرب بيده في صدري فقال: «اللهم اهد شيبة» ، ففعل ذلك ثلاثا، فما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يده عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه. وروى ابن سعد وابن عساكر عنه قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت: أسير مع قريش إلى هوازن، بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب غرة من محمد فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا فكنت مرصدا لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته فدنوت منه، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره فرفع لي شواظ من نار كالبرق كاد يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ادن مني» ، فدنوت فمسح صدري، وقال: «اللهم أعذه من الشيطان» فو الله لهو من حينئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله ما كان بي، فقال: «يا شيبة، الذي أراد الله بك خيرا مما أردت بنفسك؟» ثم حدثني بما أضمرت في نفسي! فقلت: بأبي أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، استغفر لي يا رسول الله، قال: «غفر الله لك» .

الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن بما قاله لأهل الطائف

الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن بما قاله لأهل الطائف روى البيهقي وأبو نعيم عن عروة قال: استأذن عيينة بن حصين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهل الطائف يكلمهم، لعل الله تعالى أن يهديهم فأذن له، فأتاهم، فقال: تمسكوا بمكانكم فو الله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به حدث لتمسن العرب عز ومنعة فتمسكوا بحصنكم، وإياكم أن تعطوا بأيديكم ولا يتكاثرنّ عليكم قطع هذا الشجر، ثم رجع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماذا قلت لهم؟» قال: قلت لهم، وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه، وحذرتهم من النار، ودللتهم إلى الجنة، قال: «كذبت، بل قلت لهم: كذا وكذا» ، فقال: صدقت، يا رسول الله، أتوب إلى الله تعالى وإليك من ذلك. الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل كسرى يوم قتل روى البزار والبيهقي وأبو نعيم عن دحية، وأبو نعيم عن سعيد بن جبير، وابن سعد عن ابن عباس، وأبو نعيم وأبو سعد في «شرف المصطفى» ، والإمام أحمد والبزار والطبراني وأبو نعيم عن أبي بكرة، والديلمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرسول صاحب صنعاء: «اذهبوا إلى صاحبكم، فقولوا: إن ربي قد قتل ربكم الليلة» ، وفي لفظ: «انطلقا إلى باذان فأعلماه أن ربي قد قتل كسرى في هذه الليلة» . وفي لفظ: «أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة، لسبع ساعات مضت منها وإن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله» ، فرجعا إلى باذان بذلك فأسلم هو والأبناء الذين باليمن. وفي لفظ: فأخبرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بإن الله قد قتل كسرى وسلط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا من شهر كذا بعد ما مضى من الليل، وقولا له: «إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك» ، فقدما على «باذان» فأخبراه، فقال دحية: ثم جاء الخبر بأن كسرى قد قتل تلك الليلة. وفي لفظ: فقال باذان: فو الله، ما هذا بكلام ملك، ولننظر ما قال، فلم يلبث أن قدم عليه كتاب شيرويه، أما بعد، فإني قتلت كسرى، فلا كسرى بعد اليوم، وقد قتل قيصر، فلا قيصر بعد اليوم، فكتب قوله في الساعة التي تحدث بها واليوم والشهر، فإذا كسرى قد قتل وإذا قيصر قد مات.

الباب الحادي والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأناس يسمون الخمر بغير اسمها

الباب الحادي والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأناس يسمون الخمر بغير اسمها روى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس والنسائي عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ناسا من أمتي يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها» . وروى الإمام أحمد بسند لا بأس به، وابن ماجه، وابن منيع، وابن أبي عاصم، والنسائي، والضياء عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يستحل طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» . وروى ابن عساكر عن ابن كيسان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستشرب أمتي من بعد الخمر، يسمونها بغير اسمها يكون عونهم عليها أمراءهم» . وروى ابن ماجه، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والضياء في المختارة بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الأيام والليالي حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها» . وروى عبد الرزاق عن جرير مرسلا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتشربن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه» . الباب الثاني والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الأذان في آخر الزمان يليه سفلة الناس، ويرغب عنه سادتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن» ، فقال رجل: يا رسول الله، تركتنا نتنافس في الآذان، فقال: «إنه يكون زمان سفلتهم مؤذنوهم» . رواه أبو طاهر السلفي في بعض أجزائه، وقال: تفرد به أبو حمزة محمد بن ميمون السمرقندي المعروف بابن السكوي وهو أحد الأئمة من علماء المشرق وفقهائهم، متفق على عدالته وأمانته، وفيه دلالة موضحة على ما خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من إعلامه بما يكون بعده من الحوادث. وقال الحافظ أبو نعيم: هذا من دلائل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا نشاهد جماعة أخزاهم الله تعالى من حيله إلا منا من المؤذنين يتنافسون عليه ويتحاسدون تشوقا وتكسبا، والفصحاء والأمناء عن التأذين مرفوعون.

الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الأمر سيعود في حمير

الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الأمر سيعود في حمير روى الطبراني برجال ثقات عن ذي مخمر، والإمام أحمد ونعيم بن حماد في الفتن، والبغوي عن سمرة عن ذي مخمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان هذا الأمر في حمير، فنزعه الله منهم، فجعله في قريش، وسيعود إليهم» . الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا يبقى أحد من أصحابه بعد المائة من الهجرة روى ابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تسألوني عن الساعة، والذي نفسي بيده، ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة» . وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو عوانة، وابن حبان، والحاكم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله» ، وأقسم بالله، ما على الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة. وروى مسلم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأتي مائة سنة، وعلى الأرض نفس منفوسة» . وروى الطبراني في الكبير، والحاكم، وابن عساكر والحسن بن سفيان وابن شاهين، وابن قانع عن سفيان بن وهب الخولاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تأتي مائة سنة وعلى ظهرها أحد باق» .

الباب الخامس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن أخذ بكشح المرأة

الباب الخامس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن أخذ بكشح المرأة روى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن أبي شهم رضي الله عنه قال: أتيت المدينة، فمرت بي امرأة، فأخذت بكشحها، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، قال: فأتيته فلم يبايعني، وقال: «أنت صاحب الجبذة بالأمس» ، فقلت: يا رسول الله، لا أعود له يا رسول الله، فبايعني. الباب السادس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال الدجال روى الحميدي عن رجل من بني حنيفة، قال: قال لي أبو هريرة رضي الله عنه: أتعرف الدجال؟ قلت: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ضرسه في النار أعظم من أحد، وكان أسلم ثم ارتدّ ولحق بمسلمة» ، وقال: «كبشان انتطحا فأحبها إلي أن يغلب كبشي» . الباب السابع والثلاثون باب إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه جعل بأس هذه الأمة بينها عن معاذ بن جبل، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة فأطال فيها فلما انصرف قلنا (أو قالوا) : يا رسول الله! أطلت اليوم الصلاة، قال: «صليت صلاة رغبة ورهبة سألت الله عز وجل لأمتي ثلاثا. فأعطاني اثنتين ورد علي واحدة. سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم غرقا، فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردها علي» . الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان قال البخاري حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال أخبرنا أبو الزناد عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض» . الباب التاسع والثلاثون إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عبد الله بن بسر يعيش قرنا روى البخاري في التاريخ الصغير أيضاً عن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يعيش هذا الغلام قرنا» فعاش مائة سنة.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من الكوائن بعده فكان كما أخبر غير ما تقدم

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من الكوائن بعده فكان كما أخبر غير ما تقدم الباب الأول في إخباره صلى الله عليه وسلم بما يفتح على أصحابه وأمته من الدنيا وأنها سيكون لهم أنماط، وأنهم يتحاسدون ويقتتلون روى الإمام أحمد ومسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستفتح عليكم الأرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه» . وروى (مسلم) [ (1) ] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» . وروى الشيخان عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله، ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت علي من كان قبلكم، فتنافسوا كما تنافسوا وتلهيكم كما ألهتهم» . وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لكم من أنماط؟» قلنا: يا رسول الله، وأنى لنا أنماط؟ قال: «إنها ستكون لكم أنماط، فأنا أقول اليوم لامرأتي نحي عني أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستكون لكم أنماط بعدي» . وروى الإمام أحمد، والحاكم وصححه، والبيهقي عن طلحة النضري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عسى أن تدركوا زمانا حتى يغدى على أحدكم بجفنة، ويراح عليه بأخرى، وتلبسون أمثال أستار الكعبة» ، قالوا: يا رسول الله، أنحن اليوم خير أم ذاك اليوم؟ قال: «بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم متحابون، وأنتم يومئذ متباغضون، يضرب بعضكم رقاب بعض» . وروى أبو نعيم في الحلية عن الحسن رضي الله عنه مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ [ (1) ] في ح سلمه.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

«ستفتح مشارق الأرض ومغاربها على أمتي ألا وعمالها في النار، إلا من اتقى الله، وأدى الأمانة» . وروى الطبراني في الكبير عن وحشي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم ستفتحون بعدي مدائن عظاما، وتتخذون في أسواقها مجالس، فإذا كان ذلك فردوا السلام، وغضوا من أبصاركم، وأهدوا الأعمى، وأعينوا المظلوم» . وروى البغوي عن طلحة بن عبد الله البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستدركون زمانا من أدركه منكم يلبسون فيه مثل أستار الكعبة، ويغدى ويراح عليه بالجفان» . وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي بالمطيطياء وخدمها أبناء فارس والروم، رد الله بأسهم بينهم، وسلط شرارهم على خيارهم» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الأنماط: بهمزة مفتوحة فنون ساكنة وآخرها طاء مهملة: نوع من البسط له حمل رقيق يغشى به الفرش والهوادج واحدها نمط. الحلة: ثوبان من جنس واحد. الصحفة: إناء كالقصعة. المطيطاء: بميم مضمومة ومهملتين بينهما تحتية تمد وتقصر بمعنى التمطي أي: التبختر مع مد اليدين، وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر.

الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وفارس

الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وفارس روى أبو نعيم، والبيهقي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه وأشار إلى تضعيفه وقال: المشهور إن هذا الحديث عن خريم بن أوس وهو الذي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه يقتله، وأخرجه كذلك ابن قانع في معجم الصحابة، والبخاري في تاريخه، والطبراني، والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب، أو إنكم ستفتحونها» ، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، هب لي ابنة نفيلة، فقال: «هي لك» ، فأعطاه إياها لما فتحت، فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم، قال: بكم قال: احكم بما شئت، قال: ألف درهم، قال: لو قلت ثلاثين ألفا لأخذتها قال: وهل عدد أكثر من ألف؟. ورواه الطبراني في الكبير بلفظ: «تمثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها» . وروى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن خريم بن أوس بن حارثة بن لام رضي الله عنه قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشهباء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود» ، فقلت: يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما قلت فهي لي، قال: «هي لك» ، فلما كان زمان أبي بكر وفرغنا من مسيلمة، أقبلنا إلى الحيرة فأول من تلقانا حين دخلناها الشهباء بنت نفيلة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود» ، فتعلقت بها، وقلت: هذه وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني خالد بن الوليد عليها بالبينة، فأتيته بها، وكانت البينة محمد بن مسلمة، ومحمد بن بشر الأنصاري فسلمها إلي، فنزل إليها أخوها، يريد الصلح، فقال: تعال، بعنيها، فقلت: لا أنقصها، والله، من عشرة مائة درهم، فأعطاني ألف درهم، فقيل: لو قلت لي مائة ألف لدفعها إليك، قال: ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشرة مائة. وفي رواية فجاء أبوها، فقال: أتبيعها؟ قال: بكم؟ قال: بألف درهم، قال: لو قلت: بثلاثين ألفا لأخذتها، قال: وهل عدد أكثر من ذلك.

الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن والشام والعراق

الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن والشام والعراق روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستفتح عليكم الشام فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنها خير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين من الملاحم وفسطاطها منها بأرض يقال لها الغوطة ومعقلهم من الدجال ببيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور» . وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن محمد بن عبد الرحمن بن شداد بن أوس عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن الشام، وبيت المقدس ستفتح عليكم، إن شاء الله وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها إن شاء الله» . وروى الشيخان والإمام مالك وعبد الرزاق وابن خزيمة وابن حبان عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» . وروى الإمام أحمد عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستهاجرون إلى الشام فيفتح لكم ويكون عليكم داء كالدمل أو كالحرة، يأخذ بمراق الرجل، فيستشهد الله به أنفسهم، ويزكي أعمالهم» . وروى الطبراني في الكبير عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تجند الناس أجنادا جند باليمن وجند بالشام، وجند بالمشرق، وجند بالمغرب، عليكم بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده ليسوق إليها صفوته من عباده، عليكم بالشام، فإن الله تكفل بالشام وأهله، فمن أبى فليلحق بيمينه» . وروى الطبراني في الكبير والبيهقي عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا فو الله، لأنا لكثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الأمر فيكم، حتى يفتح الله أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حمير، وحتى يكون أجناد ثلاثة: جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها» ، قيل: ومتى نستطيع الشام مع الروم ذات القرون؟ فقال: «والله ليفتحها الله عليكم، ويستخلفكم فيها حتى تظل العصابة منها البيض قمصهم المحلقة أقفاؤهم قياما على الرويجل الأسود منكم، ما أمرهم بشيء فعلوه وإن بها اليوم رجالا لأنتم أحقر في عيونهم من القردان في أعجاز الإبل» ، قال

عبد الله بن حوالة: اختر لي يا رسول الله، إن أدركني ذلك، قال: «إني أختار لك الشام، (فإنها صفوة الله من بلاده، وإليها يجتبي صفوته من عباده، يا أهل اليمن عليكم بالشام فإن من صفوة الله من أرضه الشام [ (1) ] ، فمن أبى فليستبق في غدر اليمن، فإن الله تبارك وتعالى قد تكفل لي بالشام وأهله» . وروى ابن أبي حاتم والخليلي معا في فضائل قزوين، والرافعي في تاريخه عن بشير بن سلمان الكوفي عن رجل مرسلا والخطيب البغدادي في فضائل قزوين عن بشير بن سلمان عن أبي السرى عن رجل نسي أبو السرى اسمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا قزوين فإنه من أعلى أبواب الجنة» . وأسند عن أبي زرعة: أنه قال: ليس في قزوين حديث أصح من هذا. وروى الخليل بن عبد الجبار في فضائل قزوين، والرافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الثغور أرض ستفتح يقال لها: قزوين، من بات بها ليلة احتسابا مات شهيدا، وبعث مع الصديقين في زمرة النبيين حتى يدخل الجنة» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الرابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح بيت المقدس وما معه

الباب الرابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح بيت المقدس وما معه روى البخاري والحاكم عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اعدد ستا بين يدي الساعة موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتوكم تحت ثمانين غاية، (تحت كل غاية) اثنا عشر ألفا» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستا من أشراط الساعة: موتي، وفتح بيت المقدس، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها، وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم، وموت يكون في الناس كقعاص الغنم، وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا» . وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير، فعليكم بالجهاد إن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان» .

الباب الخامس في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح مصر وما يحدث فيها

الباب الخامس في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح مصر وما يحدث فيها روى البغوي والطبراني والحاكم وابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق مالك عن ابن شهاب وروى من طريق الليث، وفي آخره قال الليث: قلت لابن شهاب: ما رحمهم؟ قال: إن أم إسماعيل منهم. وروى من طريق ابن عيينة وابن إسحاق وأبو الشيخ وهذا الحديث صحيح، أخرجه الطبراني في الكبير [ (1) ] وأخرجه البيهقي وأبو نعيم، كلاهما في دلائل النبوة عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فتحتم مصر، فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما» . وروى ابن عساكر عن عمرو بن عبد الحكم من طريق يحيى بن ذاخر عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سيفتح عليكم مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا، فإن لكم فيهم صهرا وذمة» . وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستفتحون مصر، وهي أرض يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما» . وروى أيضاً ابن عبد الحكم ومحمد بن الربيع الحبري في كتاب «من دخل مصر من الصحابة» رضي الله عنهم والبيهقي في دلائل النبوة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيت رجلين يقتتلان على موضع لبنة فاخرج منها» ، قال: فمر أبو ذر بربيعة، وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها. وروى الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة بسند صحيح عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند وفاته فقال: «الله الله، في قبط مصر إنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة، وأعوانا في سبيل الله» . وروى أبو يعلى في مسنده، وابن عبد الحكم بسند صحيح عن أبي عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم فاستوصوا بهم خيرا، فإنهم قوة لكم وإبلاغ إلى عدوكم، بإذن الله» يعني قبط مصر. وروى ابن عبد الحكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو يعلى في تاريخ مصر

_ [ (1) ] سقط في ب.

تنبيهات

عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا منها جندا كثيفا فذاك الجند خير أجناد أهل الأرض» ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة» انتهى. تنبيهات الأولى: اشتهر على ألسنة كثير من الناس في قوله تعالى: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ أنها مصر، وقد نص ابن الصلاح على أن ذلك غلط نشأ من تصحيف، وإنما الوارد عن مجاهد وغيره من مفسري السلف في قوله سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ [الأعراف 145] مصيرهم، فصحف بمصر. الثانية: قال ابن عبد الحكم: إن صهرهم تسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أي بمارية، ونسبهم إن أم إسماعيل، هاجر منهم من أم العرب قرية كانت أمام الفرما من مصر، وعن يزيد بن أبي حبيب أن قرية هاجر «باق» التي عند أم دنين. الثالث: ما رواه الطبراني عن رباح اللخمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مصر ستفتح عليكم فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها دارا فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارا» ، قال الشيخ: في إسناده مطهر بن الهيثم قال فيه أبو سعيد بن يونس: إنه متروك الحديث، قال: والحديث منكر جدا، قد أورده ابن الجوزي في الموضوعات. الرابعة: روى ابن عبد الحكم عن يزيد بن حبيب أن المقوقس أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عسلا من عسل بنها، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له بالبركة، قال الشيخ: مرسل حسن الإسناد. وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو عوانة وابن حبان رضي الله عنه عن أبي ذر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا» . وفي لفظ: «فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها» .

الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم بغزاة البحر وأن أم حرام منهم

الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم بغزاة البحر وأن أم حرام منهم روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوما فأدخلته فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه، فنام، ثم استيقظ يضحك فقالت: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة» ، فقالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة» ، قلت: يا رسول الله، فادع الله أن يجعلني منهم فقال: «أنت من الأولين» ، فركبت البحر زمن معاوية مع زوجها عبادة بن الصامت، فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين، قدموا إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت، وفي لفظ: فصرعت. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. أم حرام: بمهملتين وميم بينهما ألف من بني عدي بن النجار ودخوله صلى الله عليه وسلم بمخزومية بينهما من حيث إن أم جده عبد المطلب من بني النجار. ثبج: بمثلثة فموحدة مفتوحتين: وسطه. الباب السابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتال خوز وكرمان وقوم نعالهم الشعر روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر» وهم أهل البارز. وروى عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة تقاتلون قوما ينتعلون بالشعر ولتقاتلن قوما كأن في وجوههم المجان المطرقة» . وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان قوما من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر» . وروى مسلم وأبو داود والنسائي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر» .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

وروى الإمام أحمد وابن ماجة وابن حبان والضياء في المختارة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين عراض الوجوه، كأن أعينهم حدق الجراد، وكأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر، ويتخذون الدرق حتى يربطوا خيولهم بالنخل» . وروى الخطيب في تاريخه بسند ضعيف، والإمام أحمد، والطبراني في الكبير عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة» . وروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك عراض الوجوه صغار العيون ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر» . وروى الشيخان وابن أبي شيبة وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. خوزا: بمعجمة مضمومة وواو ساكنة: طائفة من الترك [ (1) ] . الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بغزو الهند وفتح فارس والروم روى النسائي والطبراني بسند جيد عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار، عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليهما السلام» . وروى الطبراني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لتفتحن عليكم فارس والروم، ولتصبن عليكم الدنيا صبا، وليكثرن عليكم الخبز واللحم حتى لا يذكر على كثير منه اسم الله تعالى» . وروى البزار عن سعد بن أبي وقاص، والطبراني في الكبير عن عبد الله بن بسر

_ [ (1) ] ثبت في الأصل الخرز: بالتحريك ضيق العين وصغرها.

رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يظهر المسلمون على الروم (ويظهر المسلمون على فارس) ويظهر المسلمون على جزيرة العرب» . وروى الحارث مرسلا عن أبي محيريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعد هذا أبدا، والروم ذات القرون كلما هلك قرن خلفه قرن، أهل صخر، وأهل بحر، هيهات لآخر الدهر، هم أصحابكم ما دام في العيش خير» . وروى مسلم وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم، أي قوم أنتم؟» قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله؟ قال: «أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين، فتجعلون بعضكم على رقاب بعض» . وروى نعيم بن حماد في الفتن عن صفوان بن عمرو مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى وعدني فارس والروم ونساءهم وأبناءهم، ولأمتهم وكنوزهم، وأمدني بحمير أعوانا» . وروى الحاكم في الكنى والمستدرك عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يظهر المسلمون على جزيرة العرب، ويظهر المسلمون على فارس، ويظهر المسلمون على الروم، ويظهر المسلمون على الأعور الدجال» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبغوي عن رجل من خثعم، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن منده، وأبو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن سعد الأنصاري، ونعيم بن حماد في الفتن عن صفوان بن عمرو مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى أعطاني الكنزين كنز فارس والروم» . وفي لفظ: أعطاني فارس (ونساءهم) [ (1) ] وأبنائهم وسلاحهم (وأموالهم) . وأعطاني الروم ونساءهم وسلاحهم (وأموالهم) ، وأمدني بحمير أعوانا. وفي لفظ: «وعدني فارس والروم، ونساءهم وأبناءهم ولأمتهم وكنوزهم، وأمدني بحمير أعوانا» . وفي لفظ: «وأمدني بالملوك ملوك حمير، ولا ملك إلا لله، يأتون فيأخذون من مال الله، ويقاتلون في سبيل الله» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم بهلاك كسرى وقيصر، وإنفاق كنوزهما، وأنه لا يكون بعدهما كسرى ولا قيصر فكان ذلك

الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم بهلاك كسرى وقيصر، وإنفاق كنوزهما، وأنه لا يكون بعدهما كسرى ولا قيصر فكان ذلك روى الإمام أحمد والشيخان وابن حبان عن جابر بن سمرة والإمام أحمد والشيخان، والترمذي والخطيب عن أبي سعيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله» . وروى أبو داود والطيالسي ومسلم وابن حبان، والحاكم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض» فكنت أنا وأبي فيهم فأصابنا من ذلك ألف درهم. وروى الحسن بن سفيان وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا، فو الله، لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله، لا يزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح لكم أرض فارس والروم وأرض حمير، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة دينار فيتسخطها» . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر، ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله» . وروى الشيخان عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده، لتنفقن كنوزهما في سبيل الله» . وروى أحمد وأبو يعلى والطبراني عن عفيف الكندي قال: قدمت مكة فأتيت العباس لأبايع منه، فإني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خبأ قريب منه إذ نظر إلى السماء فلما رآها مالت قام يصلي، ثم خرجت امرأة، فقامت تصلي خلفه، ثم خرج غلام فقام معه يصلي، فقلت للعباس: ما هذا؟ قال: محمد بن أخي، وامرأته خديجة، وابن عمه علي يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه، وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر.

الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالخلفاء بعده وبالملوك والأمراء

الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالخلفاء بعده وبالملوك والأمراء روى مسلم وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رغب وتابع» قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال: «لا ما صلوا الصلاة» . وروى النسائي عن عرفجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة ويريد أن يفرق أمر أمة محمد كائنا من كان، فاقتلوه فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض» . وروى الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون عليكم أمراء من بعدي، يأمرونكم بما تعرفون، ويعملون بما تنكرون، فليس أولئك عليكم بأئمة» . وروى أبو يعلى في مسنده والطبراني في الكبير عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي أمراء، يقولون ولا يرد عليهم يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة» . وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» . وروى أبو داود الطيالسي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا (كان) عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها» قال: قلت: فما تأمرني قال صلى الله عليه وسلم: «صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» . وروى الطبراني في الكبير، والضياء عن عبد الله بن بسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا جارت عليكم الولاة؟» . وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن سعد، والروياني، والضياء عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟» قال قلت: والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي فأضرب به حتى ألقاك، قال: «أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني» . وروى ابن حبان والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء لا يصلون الصلاة لوقتها» قيل: ما تأمرني يا رسول الله؟ قال: «صل الصلاة لوقتها واجعل صلاتك معهم نافلة» . وروى الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخاف عليكم ستا، إمارة السفهاء، وسفك الدماء، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، وناس يتخذون القرآن مزامير وكثرة الشرط» . وروى أبو داود والإمام أحمد ونعيم بن حماد وأبو يعلى والبغوي وابن حبان، والترمذي، وقال حسن وأبو نعيم من فضائل الصحابة، والطبراني في الكبير عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه رومان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك» .

الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بخلفائه الأربعة رضي الله تعالى عنهم

الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بخلفائه الأربعة رضي الله تعالى عنهم روى أبو يعلى والحارث بن أبي أسامة والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن سفينة رضي الله عنه قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هؤلاء ولاة الأمر من بعدي» . وروى أبو يعلى، والحاكم، وأبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول حجر حمله النبي صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد، ثم حمل أبو بكر حجرا، ثم حمل عمر حجرا، ثم حمل عثمان حجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هؤلاء الخلفاء بعدي» . وروى أبو نعيم عن قطبة بن مالك قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، وهو يؤسس مسجد قباء، فقلت: يا رسول الله تبني هذا البناء، وإنما معك هؤلاء الثلاثة، قال: «إن هؤلاء أولياء الخلافة بعدي» . وروى الحاكم وصححه والبيهقي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرى الليلة (رجلا صالحا) أن أبا بكر نيط برسول الله، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر» ، قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: الرجل الصالح النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما ذكر من نوط بعضهم بعض، فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله تعالى به نبيه. وروى ابن ماجه والحاكم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر» وروى الحاكم مثله من حديث ابن مسعود. وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها أبو بكر، فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزعه، حتى ضرب الناس بعطن» وأخرجاه أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال الشافعي رحمه الله تعالى: رؤيا الأنبياء وحي، والضعف المذكور قصر مدة أبي بكر وعجلة موته. وروى الطبراني وأبو نعيم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «إنك مؤمر مستخلف، وإنك مقتول، وإن هذه مخضوبة من هذه، يعني لحيته من رأسه» . وروى الحاكم عن ثور بن مجزاه قال: مررت بطلحة يوم الجمل، في آخر رمق، فقال

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

لي: ممن أنت؟ فقلت من أصحاب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقال: ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي وبايعني، وفاضت نفسه، فأتيت عليا فأخبرته، فقال: الله أكبر، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: [ ... ] .

الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية معاوية

الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية معاوية روى الديلمي عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك معاوية» . وروى ابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك ستلي أمر أمتي من بعدي فإذا كان ذلك، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم» . وروى البيهقي وضعفه عن معاوية، قال: ما حملني على الخلافة إلا (قول) النبي صلى الله عليه وسلم لي: «يا معاوية، إن ملكت فأحسن» . وروى ابن أبي شيبة في مسنده من طريق عبد الملك بن عمير عن معاوية، بلفظ: ما زلت أطمع في الخلافة، منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن ملكت فأحسن» . وروى البيهقي عن سعيد بن العاص رضي الله عنه أن معاوية أخذ الإداوة فتبع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «يا معاوية، إن وليت أمرا فاتق الله واعدل» ، (فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم) [ (1) ] . وروى البيهقي عن عبد الله بن عمير رضي الله عنه قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله، واعدل» ، فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم. وروى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاوية، إن وليت أمرا، فاتق الله واعدل» ، قال: فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن راشد بن سعد عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أو عثرات الناس، أفسدتهم أو كدت تفسدهم» . وروى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: «كيف بك لو قد قمصك الله قميصا؟ يعني الخلافة» ، فقالت أم حبيبة: يا رسول الله، وإن الله تعالى مقمص أخي قميصا؟ قال: «نعم، ولكن فيه هنات وهنات وهنات» . وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاوية، إن الله ولاك من أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع» ، قالت أم حبيبة: أو يعطي الله أخي ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم، وفيها هنات وهنات وهنات» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

وروى ابن عساكر من طريق الحسن عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك ستلي أمر أمتي بعدي، فإذا كان ذلك، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم» ، فما زلت أرجوها حتى قمت مقامي هذا. وروى ابن سعد وابن عساكر عن مسلمة بن مخلد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: «اللهم علمه الكتاب، ومكن له في البلاد، وقه العذاب» . وروى ابن عساكر عن عروة بن رويم قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صارعني، فقام إليه معاوية فقال: أنا أصارعك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يغلب معاوية أبدا» ، فصرع الأعرابي، فلما كان يوم صفين، قال علي رضي الله عنه: لو ذكرت هذا الحديث، ما قاتلت معاوية.

الباب الثالث عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية يزيد وأنه أول من يغير أمر هذه الأمة

الباب الثالث عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية يزيد وأنه أول من يغير أمر هذه الأمة روى الحارث وابن منيع ونعيم بن حماد في الفتن وابن عساكر وأبو يعلى، وفي سنده انقطاع، عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أمر هذه الأمة قائما بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له: يزيد» . وروى ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية» . وروى الحاكم بسند جيد عن فاطمة بنت [ ... ] امرأة بني المغيرة أنها سألت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: هل تجد يزيد بن معاوية في الكتاب؟ قال لا أجده باسمه، ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية، يسفك الدماء ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي وإلا فذكريني، قال ابن الحويرث وكان منزلها على أبي قبيس، فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير، ورأيت البيت ينقض قالت: رحم الله ابن عمرو، قد كان يحدثنا بهذا. وروى ابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يزيد، لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان أما إنه نعي إلي حبيبي حسين، أتيت بتربته، ورأيت قاتله، أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم، فلا ينصرونه إلا عمهم الله بعقاب» . وروى أبو يعلى ونعيم بن حماد في الفتن وابن عساكر وفي سنده انقطاع عن أبي عبيدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال هذا الدين، قائما بالقسط حتى يثلمه» ، وفي لفظ: «لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد» .

الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني أمية

الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني أمية روى ابن عساكر عن صخرة بن حبيب رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمروان بن الحكم، وهو مولود، ليحنكه فلم يفعل وقال: «ويل لأمتي من هذا وولد هذا» . وروى أيضاً عن صالح بن أبي صالح عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم: فمر الحكم بن أبي العاص فقال: «ويل لأمتي مما في صلب هذا» . وروى الطبراني في الكبير، والبيهقي عن ابن عباس ومعاوية معا وأبو يعلى عن أبي هريرة، والإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير، والحاكم عن أبي سعيد، والدارقطنيّ والحاكم عن سبرة بن معبد، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن عساكر عن أبي ذر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بلغ بنو الحكم» ، وفي لفظ «بنو أبي العاص» وفي لفظ «بنو أمية ثلاثين» ، وفي لفظ: «أربعين رجلا، اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله دولا» ، وفي لفظ: «بينهم دولا وكتاب الله دغلا وفي لفظ «دخلا» وفي لفظ: «كأن دين الله دخلا» ، زاد ابن عباس ومعاوية فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة، وفي رواية: قال ابن عباس لمعاوية: اللهم، نعم وذكر مروان حاجة له فرد مروان عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها فلما أدبر عبد الملك، قال معاوية: يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا، فقال: أبو الجبابرة الأربعة فقال ابن عباس: اللهم، نعم. وروى الحاكم عن أبي هريرة، ومعاوية رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة» . ورواه البيهقي في الدلائل، بلفظ: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الحكم ينزون على منبره، فأصبح كالمتغيظ وذكر الحديث قال: فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى مات. وروى الطبراني عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت بني مروان يتعاورون منبري، فساءني ذلك، ورأيت بني العباس يتعاورون منبري، فسرني ذلك» ، وفي لفظ: «بني هاشم مكان بني العباس» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

للحكم: «إن هذا سيخالف كتاب الله، وسنة نبيه، ويخرج من صلبه [ (1) ] فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته» . وروى الطبراني في الأوسط، وابن عساكر عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال الخلافة في بني أمية يتلقفونها تلقف الكرة، فإذا نزعت منهم فلا خير في عيش» .

_ [ (1) ] في ج صدره.

الباب الخامس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني العباس رضي الله عنهم

الباب الخامس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني العباس رضي الله عنهم روى الإمام أحمد بسند ضعيف عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان» ، وفي لفظ: «يخرج من أهل بيتي رجل يقال له: السفاح، فيكون عطاؤه المال حثيا» . وروى البيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل والخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي» . وروى الخطيب والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس والخطيب عن أبي سعيد رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح ومنا المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمة من دم، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما» . وروى الدارقطني في الإفراد وابن عساكر وابن النجار عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن في ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي، يعز الله تعالى بهم الدين» . وروى الخطيب عن ابن عباس عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: «يا عباس، أنت عمي وصنو أبي، وخير من أخلف بعدي من أهلي، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهديّ» . وروى الدارقطني في الإفراد والخطيب وابن عساكر، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عباس إن الله بدأ هذا الأمر بي وسيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلا كما ملئت جورا، وهو الذي يصلي بعيسى عليه الصلاة والسلام» . وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني أم الفضل، قالت: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنك حامل بغلام فإذا ولدت فأتيني به» ، قلت: يا رسول الله أنى ذاك، وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا النساء؟ قال: «هو ما قد أخبرتك» ، قالت: فلما ولدته أتيته به، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى وألبأه من ريقه، وسماه عبد الله وقال: «اذهبي بأبي الخلفاء» ، فأخبرت العباس فأتاه فذكر له، فقال: «هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى عليه الصلاة والسلام»

الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتال الترك وبأنهم يسلبون الأمر من قريش إذا لم يقيموا الدين

الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتال الترك وبأنهم يسلبون الأمر من قريش إذا لم يقيموا الدين روى الحاكم عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء قوم صغار العيون، عراض الوجوه كأن وجوههم الحجف، فيلحقون أهل الإسلام بمنابت الشيح كأني أنظر إليهم، وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد» ، قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: «الترك» . وروى ابن أبي شيبة والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون» وفي لفظ: «حتى يقاتلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة» وفي لفظ: «قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله، وماله» . وروى الإمام أحمد والبزار والحاكم بسند صحيح عن بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه صغار الأعين، حتى كأن وجوههم الحجف ثلاث مرات، حتى يلحقوهم بجزيرة العرب، أما السابقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما الثالثة فيصطلمون [ (1) ] من بقي منهم» ، قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: «الترك والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى جنب سواري المسلمين» . وروى أبو يعلى عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتظهرن الترك على العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح والقيصوم» . وروى الطبراني وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتركوا الترك ما تركوكم، فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء» . وروى الطبراني والحاكم عنه قال: «كأني بالترك قد أتتكم على براذين محدمة الآذان حتى تربطها بشط الفرات» . وروى أبو نعيم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن أرضا تسمى

_ [ (1) ] هذا المثبت على لغة (أكلوني البراغيث) أو كما يسميها ابن مالك لغة (يتعاقبون فيكم ملائكة) المشهور (فيصطلح من بقي منهم) وهو رأي جمهور قبائل العرب.

الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقوم يأخذون الملك يقتل بعضهم بعضا

البصرة أو البصيرة ينزلها ناس من المسلمين عندهم نهر يقال له: دجلة يكون لهم عليها جسر، ويكثر أهلها، فإذا كان في آخر الزمان جانبوا فنظروا كأنهم عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فتتفرق الناس عند ذلك فرقا، فرقة تلحق بأصلها فيهلكون، وفرقة تأخذ على أنفسها فيفرون، وفرقة تقاتلهم قتالا شديدا فيفتح الله على بقيتهم» . الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقوم يأخذون الملك يقتل بعضهم بعضا روى ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن عمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون بعدي قوم يأخذون الملك يقتل عليه بعضهم بعضا» . الباب الثامن عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخرج بن سعد وابن أبي شيبة عن أبي الأشهب، عن رجل من مزينة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا فقال: «أجديد أم غسيل؟» فقال بل غسيل: فقال: «يا عمر البس جديدا وعش حميدا وتوف شهيدا» . مرسل وقد أخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا مثله، وأخرجه البزار من حديث جابر مثله. وأخرج أبو يعلى بسند صحيح، عن سهل بن سعد أن أحدا أرتج وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان» . وأخرج الطبراني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط فاستأذن أبو بكر، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» ، ثم استأذن عمر فقال: «ائذن له وبشره بالجنة والشهادة» ، ثم استأذن عثمان فقال: «ائذن له وبشره بالجنة والشهادة» .

الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة لثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه

الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة لثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه روى الطبراني من طرق جيدة الإسناد أن ثابت بن قيس رضي الله عنه لما أنزل الله تبارك وتعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [لقمان 18] وقوله تعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات 2] وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات 4] اشتد على ثابت، وأغلق بابه عليه، وطفق يبكي، فمر به عاصم بن عدي رضي الله عنه فقال: ما يبكيك؟ فأخبره بحاله، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله، فقال: يا رسول الله، والله لقد خشيت أن أكون هلكت، قال: «لم؟» قلت: نهى الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال، ونهى الله تعالى أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟» قال: رضيت بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استنفر أبو بكر رضي الله عنه المسلمين إلى قتال أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب سار ثابت بن قيس فيمن سار، فلقوا مسيلمة وبني حنيفة، وهزموا المسلمين ثلاث مرات، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قتلا. ورأى رجل من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال: إني لما قتلت بالأمس مر بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعا نفيسة، ومنزله في أقصى العسكر، وعند منزله فرس يستن من طوله، وقد أكفأ على الدرع برمة، وجعل فوق البرمة رحلا فأت خالد بن الوليد فليبعث إلى درعي، فليأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه أن علي من الدين كذا وكذا ولي من المال كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، فأتى خالد بن الوليد فأخبره فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر فأنفذ أبو بكر رضي الله عنه وصيته بعد موته، فلا نعلم أن أحدا جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس. وروى الطبراني برجال الصحيح (وهو في الصحيح) بدون قصة الدرع عن أنس رضي الله عنه أن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جاء يوم اليمامة وقد نشر أكفانه وتحنط ثم قال: اللهم، إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، فقتل، وكانت له درع فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم، فقال: إن درعي في قدر تحت الكانون في مكان كذا وكذا

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

ووصاه بوصايا فطلبوا الدرع فوجدوها وأنفذوا الوصايا. وروى الطبراني بسند حسن عن عروة رحمه الله تعالى قال: قتل ثابت في وقعة اليمامة سنة اثنتي عشرة. تنبيه في بيان غريب ما سبق: المختال [ ... ] الفخور [ ... ] طفق [بمعنى أخذ في الفعل وجعل يفعل وهو من أفعال المقاربة. الخيلاء [ ... ] جهير الصوت [شديد الصوت] . الباب العشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالردة بعده روى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، وابن حبان عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والبخاري، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة عن ابن عمر، والبخاري، والنسائي عن أبي بكرة، والبخاري والترمذي عن ابن عباس، والطبراني في الكبير عن أبي سعيد وعن أبي أمامة، والإمام أحمد، والطبراني في الكبير عن أبي مسعود، والدارقطني في الإفراد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» . ورواه النسائي عن ابن عمر وزاد: ولا يؤخذ الرجل بجريرة بجناية أبيه، ولا بجناية أخيه. وروى مسلم والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان» . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ليذادن رجال من حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا فأقول: فسحقا فسحقاً» . وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا إنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة/ 117] فيقال: «إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» .

الباب الحادي والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن جزيرة العرب لا تعبد فيها الأصنام أبدا

الباب الحادي والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن جزيرة العرب لا تعبد فيها الأصنام أبدا روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الشيطان (قد أيس) أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» . الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن سهيل بن عمرو يقوم مقاما حسنا روى الحاكم والبيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن بن محمد بن الحنفية، قال: قال عمر: يا رسول الله، دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو، فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا، فقال: «دعها لعلها أن تسرك يوما» ، قال سفيان: فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم نفر منه أهل مكة، فقام سهيل بن عمرو عند الكعبة فقال: من كان محمد إلهه فإن محمدا قد مات، والله حي لا يموت. وروى يونس بن بكير في المغازي، وابن سعد من طريق ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: لما أسر سهيل بن عمرو، قال عمر: يا رسول الله أنزع ثنيته يدلع لسانه، فلا يقوم خطيبا أبدا، وكان سهيل أعلم من شفته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أمثل فيمثل الله بي، وإني كنت نبيا ولعله يقوم مقاما لا تكرهه» . وروى ابن سعد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي عمرو بن عدي بن الحمراء الخزاعي قال: نظرت إلى سهيل بن عمرو يوم جاء نعي رسول الله إلى مكة وقد خطبنا بخطبة أبي بكر التي خطب بالمدينة كأنه سمعها، فلما بلغ ذلك عمر، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن ما جاء به حق، هذا هو المقام الذي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لي: «لعله يقوم مقاما لا تكرهه» . ورواه المحاملي في فوائده موصولا من طريق سعيد بن أبي هند عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها. شرح غريب ما سبق: الثنية: [إحدى الأسنان الأربع التي في مقدم الفم] . الأعلم: [ ... ] . النعي: [أذاع خبر موته] .

الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن البراء بن مالك رضي الله عنه لو أقسم على الله تعالى لأبره

الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن البراء بن مالك رضي الله عنه لو أقسم على الله تعالى لأبره روى الترمذي والحاكم وصححه، والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من ضعيف مستضعف ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك» ، وإن البراء لفي رحفاء يتستر فانكشف المسلمون، فقالوا له: يا براء، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنك لو أقسمت على الله لأبرك» ، فأقسم على ربك، قال: أقسم عليك يا رب، لما منحتنا أكتافهم، فمنحوا أكتافهم، ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا: أقسم على ربك يا براء، قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك، ثم حملوا، فانهزم الفرس، وقتل البراء شهيدا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. الزحف: الجيش. يتستر: الذي يخرج في السرية. انكشف المسلمون: انهزم. قنطرة السوس: [ ... ] [ (1) ] .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأقرع بن شفي رضي الله تعالى عنه بأنه يدفن بالربوة من أرض فلسطين

الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأقرع بن شفي رضي الله تعالى عنه بأنه يدفن بالربوة من أرض فلسطين روى الطبراني وابن السكن وصححه وابن منده وأبو نعيم كلاهما في المعرفة، وابن عساكر من طرق عن الأقرع بن شفي العكي رضي الله عنه قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضي، فقلت: يا رسول الله، لا أحب إلا أني ميت من مرضي، قال: «كلا لتبقين ولتهاجرن إلى أرض الشام وتموت، وتدفن بالربوة من أرض فلسطين» ، فمات في خلافة عمر، ودفن بالرملة. وروى ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني عن مرة البهزي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل: «إنك تموت بالربوة» فمات بالرملة. الباب الخامس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من المحدثين روى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة، والإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب» . وفي لفظ: «فعمر» ، وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمته محدث، وإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر» ، قالوا: يا رسول الله، كيف يحدث؟ قال: «تتكلم الملائكة على لسانه» . وروي أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما كان نبي إلا في أمته معلم أو معلمان فإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب» . وروى الطبراني في الأوسط والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: ما كنا نشك ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن السكينة تنطق على لسان عمر» . وروى البيهقي عن طارق بن شهاب، قال: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينطق على لسان ملك. وروى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر يقول لشيء إني لأظن كذا وكذا إلا كان كما يظن.

الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأول أزواجه لحوقا به

الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأول أزواجه لحوقا به روى تمام وابن عساكر عن واثلة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول من يلحقني من أهلي أنت يا فاطمة، وأول من يلحقني من أزواجي زينب، وهي أطولكن كفا» . وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» ، فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، فكانت زينب أطولنا يدا، لأنها كانت تعمل بيديها وتتصدق، ورواه عن الشعبي مرسلا. وروى البخاري عنها قال: اجتمع زوجاته صلى الله عليه وسلم فقلن له: أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: «أطولكن يدا» ، فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة بنت زمعة أطولنا ذراعا. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أسرعنا لحوقا به سودة بنت زمعة، فعرفنا أن طول يدها كان بالصدقة، وكانت تحب الصدقة. تنبيه: هذا مخالف لما رواه مسلم والشعبي مع ما فيه من المنافاة لأن قولهما: إن طول يدها كان بالصدقة يدل على أن الطول معنوي، وقولها: كانت أطولنا ذراعا يدل على أنه طول حسي. قال البيهقي: وزينب هي التي كانت أطول ذراعا بالصدقة وأسرع لحوقا به. الباب السابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكتابة المصاحف روى ابن عساكر عن نبيط الأشجعي قال: لما نسخ عثمان المصاحف، قال له أبو هريرة: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي، ولم يروني، ويعملون بما في الورق المعلق» ، قلت: أي ورق حتى رأيت المصاحف فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله، ما علمت أنك تحبس علينا حديث نبينا. الباب الثامن والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأويس القرني رضي الله تعالى عنه روى العقيلي في الضعفاء والإمام أحمد ومسلم والحاكم، وابن سعد عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من

مراد ثم من قرن، وكان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة، وهو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» . ولفظ مسلم: «إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم» . وفي لفظ: إن رجلا من أهل اليمن يقدم عليكم، ولا يدع باليمن غير أم له قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم» . وروى ابن عدي، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر» . وروى أبو يعلى والبيهقي من وجه آخر عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له: أويس بن عامر يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه، فيذهب، فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له منه ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له» . وروى ابن سعد والحاكم من طريق أسيد بن جابر عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأويس القرني: استغفر لي، قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني» . وروى الحاكم عن علي والبيهقي وابن عساكر عن رجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير التابعين أويس القرني» . وروى مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير التابعين رجل من قرن يقال له: أويس القرني، له والدة هو بها بر وكان به بياض، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم من سرته» . وروى ابن أبي شيبة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيقدم عليكم رجل يقال له: أويس، وكان به بياض فدعا الله فأذهبه الله، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم» . وروى ابن سعد والحاكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين، فقال: فيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من خير التابعين أويس القرني» ، ثم ضرب دابته فدخل فيهم، والله تعالى أعلم.

الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي ذر رضي الله تعالى عنه

الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي ذر رضي الله تعالى عنه روى أحمد بن منيع وابن حبان، والنسائي في الكبرى وابن ماجه مختصرا عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا ذر، كيف تصنع، إن أخرجت من المدينة؟» قال: للسعة والدعة إلى مكة فأكون حمامة من حمام مكة، قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟» قال: للسعة والدعة، إلى الشام والأرض المقدسة، قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت من الشام؟» قال: قلت: والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأقاتل حتى أموت قال: «أو خير من ذلك؟ تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا» . وروى الإمام أحمد عنه قال: بينا أنا نائم في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني برجله وقال: «ألا أراك نائما فيه؟» قلت: يا نبي الله، غلبتني عيني. قال: «كيف تصنع إذا أخرجت منه» ، قال: آتي الشام والأرض المقدسة. قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت منه» قال: ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك» قال أبو ذر: والله، لألقين الله، وأنا سامع مطيع لعثمان. وروى الإمام أحمد وإسحاق عن القرظي رحمه الله تعالى قال: خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة فأصابه قدره، فأوصاهم أن غسلوني وكفنوني، ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على غسله ودفنه ففعلوا، فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من العراق، وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق، فقام عليه غلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تمشي وحدك، وتموت وحدك وتبعث وحدك» . وروى الإمام أحمد عن مجاهد عن إبراهيم يعني ابن الأشتر عن أبيه قال: أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال: لا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض فيشهده عصابة من المؤمنين» ، فكل من كان معي (في المجلس) [ (1) ] مات في جماعة وقرية فلم يبق منهم غيري، وقد

_ [ (1) ] سقط في ج.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.

أصبحت بفلاة أموت فراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول، فإني والله ما كذبت، ولا كذبت، قالت: أنى وقد انقطع الحاج، قال: راقبي الطريق، قال: فبينا هي كذلك، إذا هي بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، فغدوه بإبلهم ووضعوا السياط في نحورها يبتدرونه، قال: أبشروا، فأنتم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال: ثم أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه، فأنشدكم الله لا يكفّنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا، فكل القوم قد نال من ذلك إلا فتى من الأنصار، وكان مع القوم، قال: أنا أكفنك في ردائي هذا الذي علي وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي [ (1) ] ، قال: أنت فكفني. وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إني أراك منفيا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم» . وروى أبو داود والطيالسي وابن أبي شيبة ومسلم وابن سعد وابن خزيمة وأبو عوانة والحاكم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. [....] .

_ [ (1) ] في ج أبي.

الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الأعرابي قبل أن ينخرق سقاؤه فكان كما قال صلى الله عليه وسلم

الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الأعرابي قبل أن ينخرق سقاؤه فكان كما قال صلى الله عليه وسلم روى الطبراني برجال الصحيح، عن كدير الضبي أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبرني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: «تقول العدل وتعطي الفضل» ، قال: والله لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة، وما أستطيع أن أعطي الفضل قال: «فتطعم الطعام وتفشي السلام» قال: هذه أيضاً شديدة، قال: «فهل لك إبل؟» قال: نعم، قال: «فانظر إلى بعير من إبلك، وسقاية ثم اعمد إلى أهل بيت لا يشربون الماء إلا غبا فاسقهم، فلعلك لا يهلك بعيرك، ولا ينخرق سقاؤك حتى تجب لك الجنة» ، فانطلق الأعرابي يكبر فما انخرق سقاؤه ولا هلك بعيره، حتى قتل شهيدا. الباب الحادي والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم برجل من أمته يدخل الجنة في الدنيا فكان كما قال صلى الله عليه وسلم روى الطبراني في مسند الشاميين وابن حبان في الثقات من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن شريك بن خباشة النميري، أنه ذهب يستقي من جب سليمان ببيت المقدس فانقطع دلوه فنزل ليخرجه فبينا هو في طلبه، إذا هو بشجرة فتناول منها ورقة فأخرجها معه فإذا هي ليست من شجر الدنيا، فأتى بها عمر، فقال: أشهد أن هذا هو الحق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدخل الجنة من هذه الأمة رجل من أهل الدنيا» فجعل الورقة بين دفتي المصحف. وأخرجه الكلبي من وجه آخر عن امرأة شريك بن خباشة عنه، قال: خرجنا مع عمر أيام خرج إلى الشام فذكر القصة، وفيه فأرسل عمر إلى كعب، فقال: هل تجد في الكتاب أن رجلا من هذه الأمة يدخل الجنة في الدنيا؟ قال: نعم. الباب الثاني والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال محمد بن حنفية رحمه الله تعالى روى البيهقي عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي» ] .

الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بصلة بن أشيم رحمه الله تعالى ووهب والقرظي وغيلان والوليد

الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بصلة بن أشيم رحمه الله تعالى ووهب والقرظي وغيلان والوليد روى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم في الحلية من طريق ابن المبارك أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في أمتي رجل يقال له: صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا» . وروى ابن عدي والبيهقي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له: غيلان، هو أضر على الناس من إبليس» . وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر» . قال البيهقي: فيه إشارة إلى غيلان القدري. وروى ابن سعد والبيهقي عن أبي بردة الظفري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده» قال نافع بن يزيد: فكنا نقول هو محمد بن كعب القرظي والكاهنان قريظة والنضير. ورواه البيهقي مرسلا بلفظ: يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره قال: فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي، والكاهنان قريظة والنضير. وروى البيهقي عن عون بن عبد الله رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي. وروى البيهقي وقال: مرسل حسن، وأبو نعيم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: ولد لأخي أم سلمة غلام فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسمون باسم فراعنتكم؟ سيكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو شر لأمتي من فرعون لقومه» . وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثله، قال الأوزاعي: فكان الناس يرونه الوليد بن عبد الملك بن يزيد، وأخرجه الحاكم بلفظه من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه موصولا وصححه.

الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن فناء أمته بالطعن والطاعون وبالطاعون الذي وقع بالشام

الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن فناء أمته بالطعن والطاعون وبالطاعون الذي وقع بالشام روى الإمام أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي موسى والطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فناء أمتي بالطعن والطاعون» قيل يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: «وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة» . وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون» قلت يا رسول الله هذا الطعن وقد عرفناه فما الطاعون قال: «غدة كغدة الإبل، المقيم فيه كالشهيد، والفار منه كالفار من الزحف» . وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستهاجرون إلى الشام فتفتح لكم ويكون فيكم داء كالدمل أو كالحزة يأخذ بمراق الرجل، يستشهد الله به أنفسكم ويزكي أعمالكم» . وروى الطبراني عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنزلون منزلا، يقال به: الجابية، فيصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أعمالكم» . تنبيه في بيان غريب ما سبق. الطاعون: [المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان] . المراق: [ما رق من أسفل البطن] . الحزة: [القطعة من اللحم قطعت طولا] . الدمل: [الخراج] . الجابية: [وهي بلد بدمشق بالشام وقيل: مدينة بالشام.

الباب الخامس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم أم ورقة رضي الله تعالى عنها بالشهادة

الباب الخامس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم أم ورقة رضي الله تعالى عنها بالشهادة روى أبو داود وأبو نعيم عن جميع وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا، قالت يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: «قري في بيتك، فإن الله تعالى يرزقك الشهادة» ، فكانت تسمى الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن، ثم إنها دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها من الليل فغماها بقطيفة حتى ماتت، وذلك في إمارة عمر رضي الله عنه فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة. ورواه ابن راهويه وابن سعد والبيهقي وأبو نعيم من وجه آخر وزاد في آخره: فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: «انطلقوا نزور الشهيدة رحمها الله تعالى. الباب السادس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عبد الله بن بسر رضي الله عنه يعيش قرنا والثؤلول الذي يذهبه فكان كذلك روى الطبراني والبزار برجال ثقات والحارث والإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال: «يعيش هذا الغلام قرنا» فعاش مائة سنة، وكان في وجهه ثؤلول، فقال: «لا يموت حتى يذهب هذا الثؤلول من وجهه» ، فلم يمت حتى ذهب الثؤلول من وجهه. وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن الحسن بن أيوب الحضرمي رحمه الله تعالى قال: أراني عبد الله بن بسر رضي الله عنه شامة في قرنه، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليها وقال: «ليدركن قرنا» . الباب السابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال زيد بن صوحان وجندب ابن كعب رضي الله عنهما روى أبو يعلى عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان» . وروى ابن عساكر عن الحارث الأعور، قال: كان مما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وهو زيد بن صوحان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي رجل من التابعين وهو زيد

الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعمى زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه

الخير يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة بعشرين سنة» ، فقطعت يده اليسرى بنهاوند وعاش بعد ذلك عشرين سنة، ثم قتل يوم الجمل بين يدي علي رضي الله عنه وقال قبل أن يقتل: إني رأيت يدي خرجت من السماء تشير إلي أن تعال، وأنا لا حق بها. وروى ابن منده وابن عساكر عن بريدة قال: ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فجعل يقول: «جندب وما جندب والأقطع الخير زيد» فسئل عن ذلك فقال: «أما جندب فيضرب ضربة يكون فيها أمة وحده، وأما زيد فرجل من أمتي تدخل الجنة يده قبل بدنه ببرهة» فلما ولي الوليد بن عقبة الكوفة في زمن عثمان أجلس رجل يسحر، يريهم أنه يحيي ويميت فأتى جندب بسيف فضرب به عنق الساحر، وقال: أحي نفسك الآن وأما زيد بن صوحان فقطعت يده يوم القادسية وقتل يوم الجمل. وأخرجه ابن عساكر من حديث علي ومن حديث ابن عباس وابن عمرو من طريق أبي مجاز مرسلا. الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعمى زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه روى البزار عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه يعوده من مرض كان به فقال له: «ليس عليك من مرضك هذا بأس، ولكنه كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت؟» قال: إذا أحتسب وأصبر قال: «إذا تدخل الجنة بغير حساب» ، قال فعمي زيد رضي الله عنه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رد الله عليه بصره ثم مات. الباب التاسع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعمر جماعة وبانخرام القرن روى الحسن بن سفيان وابن شاهين وابن نافع، والطبراني في الكبير، والحاكم وابن عساكر عن سفيان بن وهب الخولاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تأتي المائة، وعلى ظهرها أحد باق» . وروى مسلم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأتي مائة سنة وعلى وجه الأرض نفس منفوسة اليوم» . وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ليلة في آخر حياته، فلما قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ قال: فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى اليوم ممن هو على ظهر الأرض أحد يريد بذلك انخرام القرن» .

الباب الأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة للنعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بشهر: «تسألون عن الساعة وإنما علمها عند الله، فأقسم بالله ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة» . وروى مسلم عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: لم يبق أحد ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري، وقد مات أبو الطفيل على رأس المائة. وروى الحاكم والبيهقي وأبو نعيم من طريق محمد بن زياد الألهاني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: «يعيش هذا الغلام قرنا» فعاش مائة سنة، وكان في وجهه ثؤلول، فقال: «لا يموت حتى يذهب الثؤلول من وجهه» ، فلم يمت حتى ذهب. وروى ابن سعد والبغوي وأبو نعيم في الصحابة، والبيهقي عن حبيب بن مسلمة الفهري أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة ليراه فأدركه أبوه فقال: يا رسول الله يدي ورجلي، فقال: «ارجع معه، فإنه يوشك أن يهلك» ، فهلك في تلك السنة. وروى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن أبي مليكة أن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة غازيا وإن أباه أدركه بالمدينة، فقال مسلمة: يا رسول الله، إنه ليس لي ولد غيره، فيقوم في مالي، وضيعتي، وعلى أهل بيتي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رده معه، وقال: «لعلك أن يخلو لك وجهك في عامك، فارجع يا حبيب مع أبيك فرجع فمات مسلمة في ذلك العام، وغزا حبيب فيه» . الباب الأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة للنعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه روى ابن سعد عن عاصم بن عمرو بن قتادة قال: جاءت عمرة بنت رواحة تحمل ولدها النعمان بن بشير في ليفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يكثر ماله وولده، فقال: «أما ترضين أن يعيش كما عاش خاله، عاش حميدا، وقتل شهيدا ودخل الجنة» . وروى ابن سعد عن عبد الملك بن عمير أن بشير بن سعد جاء بالنعمان بن بشير رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله لابني هذا، قال: «أما ترضى أن يبلغ ما بلغت؟ ثم يأتي الشام، فيقتله منافق من أهل الشام» . وروى عن مسلمة بن محارب رضي الله عنه وغيره قالوا: لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط في خلافة مروان، أراد النعمان بن بشير رضي الله عنه أن يهرب من حمص، وكان عاملا عليها فخالف، ودعا لابن الزبير فطلبه أمير حمص فقتلوه واحتزوا رأسه.

الباب الحادي والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بتغيير الناس في القرن الرابع

الباب الحادي والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بتغيير الناس في القرن الرابع روى ابن ماجة عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف» . وروى الإمام احمد وابن أبي شيبة والطحاوي وابن أبي عاصم، والروياني والضياء عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير هذه الأمة القرن الذي بعثت أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم» . وروى الباوردي وسمويه وابن قانع والبغوي والطبراني في الكبير والضياء عن بلال بن سعد بن تميم السكوني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير أمتي أنا وأقراني ثم القرن الثاني، ثم القرن الثالث، ثم يكون قوم يحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستشهدون، ويؤتمنون ولا يؤدون» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود وابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يخلف قوم، يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا» . وروى ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون، ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» . وروى عبد بن حميد وابن أبي شيبة والبغوي والماوردي وابن قانع والطبراني في الكبير والحاكم وأبو نعيم والضياء عن جعدة بن هبيرة وهو ابن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني الذي أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، والآخرون أردى» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الثاني، ثم الثالث، ثم يجيء قوم لا خير فيهم» .

الباب الثاني والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا لا تذهب حتى تصير للكع بن لكع

الباب الثاني والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا لا تذهب حتى تصير للكع بن لكع روى ابن أبي شيبة والإمامان أحمد وإسحاق وأبو يعلى برجال ثقات عن أبي بردة بن نيار والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن تذهب الدنيا حتى تكون عند لكع، وابن لكع» . وروى أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وأفضل الناس مؤمن بين كريمين» . الباب الثالث والأربعون في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى حال الوليد بن عقبة روى الحاكم والبيهقي عن الوليد بن عقبة، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتون بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم، فخرجت بي أمي إليه وأنا مطيب بالخلوق، فلم يمسح على رأسي ولم يمسني، قال البيهقي: هذا السابق علم الله تعالى في الوليد، فمنع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبار الوليد حين استعمله عثمان رضي الله عنه معروفة، من شربه الخمر وتأخيره الصلاة. وهو من جملة الأسباب التي نقموا بها على عثمان حتى قتلوه. الباب الرابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال ابن عباس رضي الله عنهما روى البيهقي وأبو نعيم عن العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فوجد رجلا فرجع ولم يكلمه، من أجل مكان الرجل منه، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بعد ذلك فقال: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك ورجع، قال: «ورآه؟» قال: نعم، قال: «ذاك جبريل، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما» . وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثياب بيض، وهو يناجي دحية الكلبي، وهو جبريل وأنا لا أعلم فلم أسلم، فقال جبريل: ما أشد

الباب الخامس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي هريرة رضي الله عنه

وضح ثيابه، أما إن (ذريته) [ (1) ] ستسود بعده، لو سلم لرددت عليه، فلما رجعت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منعك أن تسلم؟» قلت: رأيتك تناجي دحية الكلبي، فكرهت أن أقطع عليكما، قال: «ورأيته؟» قلت: نعم قال: «أما إنه سيذهب بصرك، ويرد عليك في موتك» . قال عكرمة: فلما قبض ابن عباس، ووضع على سريره، جاء طائر شديد الوضح، فدخل في أكفانه فلم يرده فقال عكرمة: هذه بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال له. فلما وضع تلقى بكلمة سمعها من على شفير قبره يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر 27- 30] . وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري، فقد ذهب وحدثني أني سأغرق فقد غرق في بحيرة الطبرية، وحدثني أني سأهاجر من بعد فتنة، اللهم، إني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى محمد بن علي بن أبي طالب. الباب الخامس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي هريرة رضي الله عنه روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبو هريرة وعاء العلم» . وروى ابن سعد عن عمر رضي الله عنهما قال: أبو هريرة أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه. الباب السادس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأشياء تتعلق بعمرو بن الحمق رضي الله عنه فكان كما أخبر روى الطبراني عن عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فقالوا: يا رسول الله، إنك تبعثنا، ولا لنا زاد ولا طعام، ولا علم لنا بالطريق، فقال: «إنكم ستمرون برجل صبيح الوجه يطعمكم من الطعام ويسقيكم من الشراب، ويدلكم على الطريق، وهو من أهل الجنة» ، فلم يزل القوم على جعل يشير بعضهم إلى بعض، وينظرون إلي فقلت:

_ [ (1) ] في ج أولاده.

الباب السابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم ميمونة رضي الله عنها بأنها لا تموت بمكة

يشير بعضكم إلى بعض وينظرون إلي؟ فقلت: ما لكم يشير بعضكم إلى بعض وتنظرون إلي فقالوا: أبشر ببشرى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنا نعرف فيك نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروني بما قال لهم، فأطعمتهم وسقيتهم وزودتهم وخرجت معهم حتى دللتهم على الطريق، ثم رجعت إلى أهلي وأوصيتهم بإبلي ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي تدعو إليه؟ قال: «أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» فقلت: إذا أجبناك إلى هذا فنحن آمنون على أهلنا ودمائنا وأموالنا؟ قال: «نعم» ، فأسلمت ثم رجعت إلى أهلي، فأعلمتهم بإسلامي، فأسلم على يدي بشر كثير منهم، ثم هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا عنده ذات يوم فقال: «يا عمرو، هل لك أن أريك آية الجنة، تأكل الطعام، وتشرب الشراب وتمشي في الأسواق؟» قلت: بلى، بأبي أنت وأمي، قال: «هذا وقومه، وأشار إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه» وقال لي: «يا عمرو، هل لك أن أريك آية النار تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وتمشي في الأسواق؟» قلت: بلى، بأبي أنت وأمي، قال: «هذا» ، وأشار إلى رجل، فلما وقعت الفتنة ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففررت من آية النار إلى آية الجنة، ويرى بني أمية قاتلي بعد هذا، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: والله، لو كنت حجرا في جوف حجر لاستخرجني بنو أمية حتى يقتلوني، حدثني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رأسي أول رأس تجز ويحتز في الإسلام وينقل من بلد إلى بلد. الباب السابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم ميمونة رضي الله عنها بأنها لا تموت بمكة روى ابن أبي شيبة والبيهقي عن يزيد بن الأصم رضي الله عنه قال: ثقلت ميمونة بمكة، فقالت: أخرجوني من مكة، فإني لا أموت بها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة فحملوها حتى أتوا سرف إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها فماتت. الباب الثامن والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم أبا ريحانة رضي الله عنه- بما غيبته روى محمد بن الربيع الجيزي في كتاب من دخل مصر من الصحابة عن أبي ريحانة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنت يا أبا ريحانة يوم تمر على قوم قد صبروا دابة؟ فتقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن هذا، فيقولون اقرأ لنا الآية التي أنزلت فيها» ، فمر على قوم يصبرون دجاجة فنهاهم، فقالوا: اقرأ لنا الآية التي أنزلت فيها، فقال: صدق الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم.

الباب التاسع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكلام الميت بعده

الباب التاسع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكلام الميت بعده روى الطبراني في الأوسط بسند جيد عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون في أمتي رجل يتكلم بعد الموت» . وروى البيهقي وصححه وأبو نعيم من طرق عن ربعي بن حراش قال: مات أخي الربيع وكان أصومنا في اليوم الحار، وأقومنا في الليلة الباردة، فسجيته فضحك، فقلت: يا أخي، أحياة بعد الموت؟ قال: لا، ولكني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان، ووجه غير غضبان، فقلت: كيف رأيت الأمر؟ قال: أيسر مما تظنون، فذكر لعائشة رضي الله عنها، فقالت: صدق ربعي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يتكلم بعد الموت» ، وفي لفظ: «يتكلم رجل من أمتي بعد الموت من خير التابعين» ، قال الشيخ في الخصائص الكبرى: لهذا الحديث طرق وقد استوفيت أخبار من تكلم بعد الموت في كتاب البرزخ. الباب الخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يرد سنته ولا يحتج بها، وبمن يجادل ويحتج بمتشابه القرآن روى البيهقي عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» . وروى أبو داود والبيهقي عن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري، فما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله تعالى اتبعناه» . وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ [آل عمران 7] فقال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين رمى الله فاحذروهم» . ورواه البيهقي بلفظ: «إذا رأيتم الذين يجادلون به» قال أيوب: ولا أعلم أن من أصحاب الأهواء أحدا إلا وهو يجادل بالمتشابه.

الباب الحادي والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأنصار بأنهم سيلقون بعده أثرة

الباب الحادي والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأنصار بأنهم سيلقون بعده أثرة روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي والترمذي والنسائي عن أسيد بن حضير والإمام أحمد في المسند والترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار حين أفاء الله عليه أموال هوازن: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» . وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها» ، قالوا: يا رسول الله، ما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» . وروى الحاكم وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: «ستلقون بعدي أثرة في القسم، والأمر، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» . وروى الحاكم عن مقسم أن أبا أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له فجفاه ولم يرفع به رأسا، فقال أبو أيوب: أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خبّرنا أنه ستصيبنا بعده أثرة قال: فبم أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض، قال: فاصبروا إذا، فغضب أبو أيوب، وحلف أن لا يكلمه أبدا. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أثرة: بفتح الهمزة والمثلثة أي تفضلا لغيركم عليكم. الباب الثاني والخمسون في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى دولة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى روى البيهقي عن نافع رضي الله عنه قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: في ولدي رجل بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلا، قال نافع: لا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز. وروى البيهقي عن نافع رضي الله عنه قال: كان ابن عمر يقول كثيرا: ليت شعري، من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا. وروى البيهقي عن عبد الله بن دينار رضي الله عنه قال: قال ابن عمر رضي الله عنه: يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر، يعمل بمثل عمر، فكانوا يرونه

الباب الثالث والخمسون في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى وجود الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي رحمهم الله تعالى

بلال بن عبد الله بن عمر، وكان بوجهه أثر فلم يكن هو، فإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب. وروى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا تلعنوا بني أمية، فإن فيهم أميرا صالحا، يعني عمر بن عبد العزيز. وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: الخلفاء أبو بكر والعمران، فقيل: من عمر الآخر؟ قال: يوشك أن تعرفه. قال البيهقي وابن المسيب مات قبل عمر بن عبد العزيز بسنتين ولا يقوله إلا توقيفا. الباب الثالث والخمسون في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى وجود الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي رحمهم الله تعالى روى الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب وبقية رجاله رجال الصحيح وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، والشيخان والترمذي، وأبو نعيم في الحلية، وابن أبي شيبة عنه من طريق آخر، وأبو بكر الشيرازي في الألقاب، والطبراني من طريق آخر برجال الصحيح، وأبو يعلى والبزار وابن أبي شيبة عن قيس بن سعد بن عبادة، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان الإيمان عند الثريا» ، ولفظ الشيرازي وأبي نعيم: «لو كان العلم معلقا بالثريا لناله رجال من فارس» . وفي لفظ: «من أبناء فارس» ، زاد الطبراني في حديث قيس: «لناله رجال من أبناء فارس» ولفظ مسلم: «لناله رجل» ، وفي لفظ: «قوم» ، وفي لفظ: «ناس من أبناء فارس» . قال الشيخ رحمه الله تعالى: فهذا أصل صحيح يعتمد عليه في البشارة والفضيلة، ويستغنى به عن الخبر الموضوع. انتهى. وما جزم به شيخنا من أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه هو المراد من هذا الحديث السابق ظاهر لا شك فيه، لأنه لم يبلغ من أبناء فارس في العلم مبلغه، ولا مبلغ أصحابه، وليس المراد بفارس البلد المعروف، بل جنس من العجم وهم الفرس، كان جد الإمام أبي حنيفة منهم.

الباب الرابع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعالم المدينة

الباب الرابع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعالم المدينة روى الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل، فلا يجدوا عالما أعلم من عالم المدينة» ، قال سفيان بن عيينة رضي الله عنه نوى هذا العالم مالك بن أنس، ولم يعرف بهذا الاسم غيره، ولا ضربت أكباد الإبل إلى أحد مثل ما ضربت إليه. وقال أبو مصعب رضي الله عنه: كان الناس يزدحمون على باب مالك ويقتتلون عليه من الزحام، يعني لطلب العلم، وممن روي عنه من الأئمة المشهورين، محمد بن شهاب الزهري، والسفيانان، والشافعي، والأوزاعي إمام أهل الشام، والليث بن سعد إمام أهل مصر [ (1) ] ، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الإمام، وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن مهدي شيخ الإمام أحمد، ويحيى شيخ البخاري، وأبو رجاء قتيبة بن سعد شيخ البخاري ومسلم، وذا النون المصري، والفضل بن عياض، وعبد الله بن المبارك، وإبراهيم بن أدهم رضوان الله عليهم أجمعين. الباب الخامس والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعالم قريش روى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد قريشا، فإن علم العالم يسع طباق الأرض» . ورواه الخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة والبيهقي في المدخل عن علي وابن عباس وأبو داود الطيالسي في مسنده وفيه الجارود مجهول بلفظ: «فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما» ، وقد جمع الإمام الحافظ ابن حجر طرقه في كتاب سماه: لذة العيش، في طرق حديث (الأئمة من قريش) . الباب السادس والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقوم يأتون من بعده يحبونه حبا شديدا روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أناسا من أمتي يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب السابع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالنار التي تخرج من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى

الباب السابع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالنار التي تخرج من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى روى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستخرج نار من حضر موت، أو من نحو حضر موت، قبل يوم القيامة تحشر الناس» ، قيل يا رسول الله، ما تأمرنا؟ قال: «عليكم بالشام» . وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» . وروى أبو عوانة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه [ (1) ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ركوبة تضيء منها أعناق الإبل ببصرى» . وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى» . وروى الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما رجعنا، تعجل ناس فدخلوا المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تدعوها أحسن ما كانت، ليت شعري، متى تخرج نار من جبل ورقان تضيء لها أعناق البخت ببصرى» . قال الشيخ: خرجت هذه النار سنة أربع وخمسين وستمائة. تنبيه: جبل الورقان: [جبل أسود من أعظم الجبال بين العرج والرويثة وهو أول جبل بيمين المصعد من المدينة إلى مكة حرسها الله تعالى. الباب الثامن والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال قيس بن مطاطية روى الخطيب في رواة مالك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فقال: هؤلاء الأوس والخزرج

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب التاسع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون قوم في هذه الأمة يعتدون في الطهور والدعاء

قاموا بنصرة هذا الرجل، فما بال هؤلاء؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا يجر رداءه، حتى دخل المسجد ثم نادى: الصلاة جامعة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا أيها الناس: إن الرب رب واحد، وإن الأب أب واحد، وإن الدين دين واحد، وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم، إنما هي لسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي» ، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو آخذ بسيفه: يا رسول الله، ما تقول في هذا المنافق؟ فقال: «دعه إلى النار، فكان فيمن ارتد فقتل في الردة» . الباب التاسع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون قوم في هذه الأمة يعتدون في الطهور والدعاء روى الطبراني وابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل، وأبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة، والإمام أحمد وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء» . الباب الستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال قيس بن خرشة رضي الله تعالى عنه روى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي رضي الله عنه قال: إن قيس بن خرشة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبايعك على ما جاء من الله تعالى وعلى أن أقول بالحق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا قيس، عسى أن يمدك الدهر، أن يلقاك بعدي من لا تستطيع أن تقول بالحق معهم» ، قال قيس: والله لا أبايعك على شيء إلا وفيت لك به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا لا يضرك بشر، وكان قيس يعيب زياد بن أبي سفيان، وابنه عبيد الله» ، فبلغ ذلك عبيد الله، فأرسل إليه فقال: أنت الذي تفتري على الله تعالى وعلى رسوله؟ قال: لا، ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفتري على الله وعلى رسوله؟ قال: من ذاك؟ قال: أنت وأبوك الذي أمركما، قال قيس: وما الذي افتريت على الله ورسوله؟ فقال: «تزعم أنه لا يضرك بشر!» قال: نعم، قال: «لتعلمن اليوم أنك قد كذبت، ائتوني بصاحب العذاب وبالعذاب» ، قال: فمال قيس عند ذلك، فمات.

الباب الحادي والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم باتخاذ أمته الخصيان

الباب الحادي والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم باتخاذ أمته الخصيان روى ابن عدي والدّارقطنيّ في الإفراد وابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون قوم ينالهم الإخصاء فاستوصوا بهم خيرا» . الباب الثاني والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته لا تزال على الحق حتى تقوم الساعة ولا يردها عنه شيء روى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجة عن معاوية، والطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم، ومسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان، ومسلم والبيهقي عن عقبة بن عامر، والإمام أحمد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية، وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، وابن عدي وعبد الجبار بن عبد الله الخولاني في تاريخ داريا وابن عساكر عن أبي هريرة وابن منده وابن عساكر عن أبي هريرة، وشرجيل بن حسنة معا، والبخاري في التاريخ، وابن عدي في الكامل، وأبو داود والضياء وأبو داود الطيالسي والحاكم عن عمر، والبخاري والإمام أحمد ومسلم، وابن جرير وابن حبان والحاكم وأبو داود الطيالسي عن جابر، والشيخان والبيهقي عن المغيرة، ومسلم وأبو نصر السجزي في الإبانة، والهروي في ذم الكلام عن سعد، وابن عساكر عن أبي الدرداء والطبراني في الكبير عن مرة البهزي، والإمام أحمد والضياء وأبو داود الطيالسي وعبد بن حميد عن زيد بن أرقم والإمام أحمد والطبراني في الكبير والضياء عن أبي أمامة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين، وابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية بن قرة عن أبيه، وابن قانع وابن عساكر والضياء عن قتادة عن أنس، قال البخاري: إنما هو قتادة عن (مطهر) [ (1) ] رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال أمتي» وفي لفظ «طائفة» وفي لفظ «عصابة» وفي لفظ «أناس من أمتي» وفي لفظ «أهل المغرب من أمتي ظاهرين على الحق به» وفي لفظ: «ظاهرين حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون» ، وفي لفظ: «يقاتلون على الحق وهم ظاهرون» وفي لفظ: «على من ناوأهم» وفي لفظ: «من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» وفي لفظ: «على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ، وفي لفظ: «إلى يوم القيامة» وفي لفظ: «حتى تقوم الساعة» ، وفي لفظ: «حتّى

_ [ (1) ] في ج مطر عن عمران.

تنبيه:

يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» ، وفي لفظ: «حتى يأتيهم الأمر» وفي لفظ: «فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعالى صل لنا؟ فيقول لا، إن بعضكم على بعض أمير تكرمة من الله عز وجل هذه الأمة» ، وفي لفظ: «حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» ، وفي لفظ: «منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة» ، وفي لفظ: «من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من يضرهم» وفي لفظ: «لا تزال أمتي قوامة على أمر الله» وفي لفظ: «عزيزة على الدين إلى يوم القيامة [ (1) ] يقاتلون من خذلهم ولا يعزهم من والاهم» وفي لفظ: «على من يغزوهم ظاهرين لا يضرها من خالفها» ، وفي لفظ: «ولا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم» وفي لفظ: «لا يزال لهذه الأمة عصابة على الحق لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ، وفي لفظ: «لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة» ، وفي لفظ: «عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك» ، وفي لفظ: «وهم ظاهرون على الناس» ، وفي لفظ: «يقذف الله بهم كل مقذف حتى يقاتلوا فلول الضلال، لا يضرهم من خالفهم حتى يقاتلوا الأعور الدجال. وهم أكثر أهل الشام» وفي لفظ: «تقاتله على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة» وفي لفظ: «لا تزال بدمشق عصابة يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون» وفي لفظ: قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس» . تنبيه: ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني رضي الله عنه أن المراد بالغرب الدلو، والمراد بأهله العرب، لأنهم أصحابها لا يستقي بها غيرهم وقال غيره: المراد بالغرب: أهل القوة والاجتهاد في الجهاد يقال: لسان غرب بفتح ثم سكون أي فيه حدّة.

_ [ (1) ] سقط في ب.

الباب الثالث والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يجدد لهذه الأمة أمر دينها كل مائة سنة

الباب الثالث والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يجدد لهذه الأمة أمر دينها كل مائة سنة روى أبو داود والحاكم في المستدرك والبيهقي في المعرفة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» . الباب الرابع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا يأتي زمان إلا والذي يليه شر منه روى الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» . الباب الخامس والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الخطباء يغفلون عن ذكر الدجال على المنابر روى عبد الله بن الإمام أحمد وابن قانع عن الصعب بن جثامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى يترك الأئمة ذكره على المنابر» . الباب السادس والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالكذابين بعده وبالحجاج روى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة كذابون منهم صاحب اليمامة، ومنهم صاحب صنعاء العنسي، ومنهم صاحب حمير، ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة» . وروى الحاكم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهم أشر من الأول، وهو المبير» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من المدينة مبير وكذاب» . وروى الإمام أحمد والطبراني عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: «والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور الدجال» . وروى الطبراني في الكبير عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة من قريش، ثم يخرج كذابون وبين يدي الساعة» . وروى ابن أبي شيبة عن عبيد بن عمير الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم القيامة» . وروى أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يكذب على الله ورسوله» . وروى ابن عساكر في تاريخه عن العلاء بن زياد العدوي رضي الله عنه قال: قال حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه نبي فمن قاله فاقتلوه، ومن قتل منهم أحدا فله الجنة» . وروى أبو نعيم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم المسيح» . . الحديث. وروى ابن أبي شيبة وابن عدي في الكامل بسند ضعيف عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف» . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان وتكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله» . وروى الترمذي وقال: حسن صحيح والحاكم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي» . وروى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا» . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن هذا الرجل يعني مسيلمة: «أما بعد، فقد أكثرتم في شأنه، فإنه كذاب

الباب السابع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكذابين في الحديث وشياطين يحدثون الناس

من ثلاثين كذابا يخرجون قبل الدجال وأنه ليس من بلد إلا يبلغها رعب المسيح إلا المدينة على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح» . الباب السابع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكذابين في الحديث وشياطين يحدثون الناس روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم [ (1) ] وإياهم» . وروى ابن عدي والبيهقي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في الأسواق، ويقول حدثني فلان ابن فلان بكذا وكذا» . وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم، فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون. وروى البخاري في تاريخه والبيهقي عن سفيان قال: حدثني من رأى قاصا يقص في مسجد الخيف فطلبته فإذا هو شيطان. وروى ابن عدي والبيهقي عن عيسى بن أبي فاطمة الفزاري قال: كنت جالسا عند شيخ في المسجد الحرام أكتب عنه فقال الشيخ: حدثني الشيباني، فقال رجل: حدثني الشيباني فقال: عن الشعبي فقال: حدثني الشعبي، فقال عن الحارث؟ فقال: قد والله، رأيت الحارث وسمعت منه، فقال عن علي؟ فقال: قد والله رأيت عليا وشهدت معه صفين، فلما رأيت ذلك، قرأت آية الكرسي فلما قلت: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة 255] التفت فلم أر شيئا. الباب الثامن والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأول الأرض خرابا وأول الناس هلاكا روى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول الأرض خرابا يسراها ثم يمناها» .

_ [ (1) ] في ج وآباؤهم.

الباب التاسع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور المعدن في أرض بني سليم

وروى الطبراني في الكبير عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الناس هلاكا قريش، وأول قريش هلاكا أهل بيتي» . وروى أبو يعلى في مسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الناس فناء قريش، وأول قريش فناء بنو هاشم» . الباب التاسع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور المعدن في أرض بني سليم روى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يظهر معدن في أرض بني سليم، يقال له: فرعون أو فرعون وذلك بلسان أبي الجهم قريب من السواء يخرج إليه شرار الناس، أو يحشر إليه شرار الناس» . وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا، فقال: «إنها ستكون معادن وسيكون فيها شر الخلق» . وروى ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه عن رجل من بني سليم عن جده رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضّة، فقال: من معدن لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون معادن (يحضرها شرار الناس) [ (1) ] » . رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح، وفيه راو لم يسم عند زيد بن أسلم عن رجل من بني سليم عن جده. الباب السبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بصفة رجال ونساء يكونون في آخر الزمان روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الحادي والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأقوام يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر

الباب الحادي والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأقوام يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر روى مسدد وابن أبي شيبة والإمام أحمد عن عمر بن سعد بن أبي وقاص، والضياء في المختارة عن سعد، والإمام أحمد والنسائي وابن حبان والخرائطي في مكارم الأخلاق عن عمر بن سعد قال: كانت لي حاجة إلى أبي فقدمت بين يدي حاجتي كلاما، مما يحدث الناس يتوصلون به لم يكن سعد يسمعه فلما فرغت قال: يا بني فرغت من كلامك؟ قلت: نعم، قال: ما كنت من حاجتك أبعد ولا كنت فيك أزهد مني منذ سمعت كلامك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما يأكل البقر بألسنتهم من الأرض» . الباب الثاني والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بذهاب الأمانة والعلم والخشوع وعلم الفرائض روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأينا أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة، قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر، دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أكرمه ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» . وروى الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة» . وروى الحكيم الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة، ورب مصل لا خلاق له عند الله» . وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّل لما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة» . وروى ابن ماجه والدّارقطني والحاكم والشيرازي في الألقاب والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنه نصف العلم،

وإنه ينسى، وهو أول شيء ينزع من أمتي» . وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي والحاكم، واللفظ له عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض، وعلموا الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما» . ورواه الدارقطني وقال الأصح أنه مرسل. وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا العلم قبل أن يرفع، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده» . ورواه ابن مسعود وزاد: وإياكم والتنطع والبدع وعليكم بالعتيق. وروى البخاري وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض» . وروى الإمام أحمد والدارمي والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في تفسيره، وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم، وقبل أن يرفع العلم» ، قيل: يا رسول الله، كيف يرفع العلم وهذا القرآن بين أظهرنا؟ فقال: «ثكلتك أمك، وهذه اليهود والنصارى أو ليست بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا بالحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم ألا وإن ذهاب العلم أن تذهب حملته» . وروى الطبراني في الكبير والخطيب عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس، عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع، العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس بعد» . وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة والشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر، والخطيب عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» . وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء، فإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل» . وروى الشيخان والترمذي وابن ماجة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .

تنبيهات.

تنبيهات. الأول: قال النووي: المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده والعهد الذي أخذه عليهم وهي التي في قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ [الأحزاب 72] . الثاني: معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا فإذا زال أول جزء منها، زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله، فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجسر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط وأخذه الحصاة ودحرجته إياها أراد بها زيادة البيان وإيضاح المذكور. الثالث: في بيان غريب ما سبق:. الجدر: بفتح الجيم وإسكان الدال هو الأصل. الوكت: بفتح الواو وسكون الكاف ومثناة فوقية الأثر اليسير، وقيل: سواد يسير، وقيل: لون يحدث يخالف اللون الذي كان قبله. المجل: بفتح الميم وفي الجيم الفتح والإسكان وهو المشهور يقال: منه مجلت يده بكسر الجيم تمجل بفتحها مجلا أيضاً، ومجلت بفتح الجيم تمجل بضمها وبإسكانها لغتان مشهورتان وأمجلها غيرها. النفط: بفتح النون وكسر الفاء والمجل هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها، ويصير كالقبة فيه ماء قليل وذكره مع أن الرجلة مؤنث لإرادة العضو. منتبرا: بنون ثم مثناة فوقية ثم موحدة وراء مرتفعا ومنه المنبر لارتفاعه، وارتفاع الخطيب عليه. الباب الثالث والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه لا تضره الفتنة روى أحمد بن منيع والبيهقي في الكبرى وابن أبي شيبة وابن ماجة عن أبي بردة رضي الله عنه قال: مررت بالربذة فإذا فسطاط، فقلت لمن هذا؟ فقيل لمحمد بن مسلمة

الباب الرابع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بموت أبي الدرداء قبل الفتنة

فاستأذنت عليه، فدخلت عليه فقلت رحمك الله، إنك من هذا الأمر بمكان فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ستكون فتنة وفرقة واختلاف فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه واكسر نبلك، واقطع وترك، واجلس في بيتك، فقد كان ذلك، ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط فاخترطه فإذا سيف من خشب» ، فقال: قد فعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذت هذا أرهب به الناس. الباب الرابع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بموت أبي الدرداء قبل الفتنة روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي الدرداء قال: قلت يا رسول الله بلغني أنك تقول ليرتدن أقوام بعد إيمانهم، قال: «أجل ولست منهم» فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان رضي الله عنه. وروى الطيالسي عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلين اختصما إلى أبي الدرداء في شبر من الأرض فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنت في أرض فسمعت رجلين يختصمان في شبر من الأرض فاخرج منها فخرج أبو الدرداء إلى الشام» . الباب الخامس والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية وأنها تفتح قبل رومية روى ابن أبي شيبة برجال ثقات والإمام أحمد عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش ذلك الجيش» . وروى الحارث والطبراني عن جبير بن نفير رحمه الله تعالى قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه يقول بالفسطاط في خلافة معاوية أعد الناس للقسطنطينية، والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم، وإذا رأيت الشام مائدة رجل، وأهل بيته، فعند ذلك تفتح القسطنطينية. وروى الطيالسي وابن منيع وابن أبي شيبة وأبو يعلى برجال ثقات إلا أسيد جابر وهو ثقة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، يجمع الروم لكم، وفي لفظ يجمعون لأهل الإسلام ونحا بيده نحو الشام، قلت الروم تعني؟ قال: نعم، فيكون عند ذلك ردة شديدة فيشرط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا

غالبة فيقاتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء ويفيء هؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقاتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقاتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فجعل الله الدائرة عليهم، فيقتتلون مقتلة عظيمة إما قال لم ير مثلها وإما قال لم نر مثلها حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فلا يخلفهم حتى يخر ميتا فيتعاد بنو الأب وكانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح أو ميراث يقسم؟ قال: فبينما هم كذلك إذا سمعوا بناس هم أكثر من ذاك جاءهم الصريخ أن الدجال قد خلف في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ» أو قال: «هم خير من على ظهر الأرض» . وروى ابن أبي شيبة وابن منيع والإمام أحمد والحاكم وصححه عن أبي قبيل رحمه الله تعالى قال: كنا عند عمرو بن العاص رضي الله عنهما فسئل: أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، فأخرج منه كتابا يقرؤه قال: بينا نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل أي المدينتين تفتح أولا، قسطنطينيّة أو روميّة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بل مدينة هرقل تفتح أولا» . وروى ابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء يا علي إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم، حتى يخرج إليهم روقة الإسلام، أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ويفتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة ويأتي آت، فيقول: إن المسيح قد خرج ببلادكم، ألا وهي كذبة، فالآخذ نادم، والتارك نادم» . وروى الديلمي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يفتح الله على المؤمنين القسطنطينية والرومية بالتسبيح والتكبير» . وروى الإمام أحمد والبخاري في التاريخ والبزار وابن خذيمة والبغوي والبارودي وابن السكن وابن قانع والطبراني في الكبير، وأبو نعيم والحاكم والضياء عن عبد الله بن بشر الغنوي عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش» .

الباب السادس والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال القراء بعده

الباب السادس والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال القراء بعده روى الإمام أحمد بسند جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا نحن نقرأ، فينا العربي والعجمي والأسود إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنتم بخير تقرؤون كتاب الله، وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي قوم يثقفونه كما يثقفون القدح يتعجلون أجورهم ولا يتأجلونها» . وروى أبو يعلى والبزار والطبراني عن العباس بن عبد المطلب، والبزار برجال ثقات والطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والطبراني برجال ثقات عن أم الفضل بنت العباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يظهر الدين حتى يجاوز التجار، وتخاض البحار بالخيل في سبيل الله، حتى يرد الكفر إلى موطنه، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرأونه، ثم يقولون: قد قرأنا القرآن، فمن أقرأ منا؟ ومن أفقه منا ومن أعلم منا؟» ثم التفت إلى أصحابه، فقال: «هل في أولئك من خير؟» قالوا: لا، قال: «أولئك منكم من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار» . رواه ابن أبي شيبة بسند ضعيف عن العباس رضي الله عنه ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم يأتي من بعدهم أقوام يقرأون القرآن، يقولون: قد قرأنا القرآن من أقرأ منا؟ أو من أفقه منا؟ أو من أعلم منا؟» ثم التفت ... الحديث. وروى أحمد بن منيع بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما يقرأون القرآن فقال: «اقرأوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» . وروى الشيخان والإمام أحمد والنسائي وابن جرير وأبو داود الطيالسي وابن ماجه وأبو عوانة وأبو يعلى وابن حبان عن علي، وابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح وابن ماجه وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنهما ولفظ علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج» وفي لفظ: «يخرج» وفي لفظ: «يأتي في آخر الزمان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام» وفي لفظ: «يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقولون: من قول خير البرية» وفي لفظ: «لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا رأيتموهم، فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» وفي لفظ: «فمن لقيهم فليقتلهم فإن قتلهم أجر عظيم عند الله لمن قتلهم يوم القيامة» . وروى مسلم وأبو داود وأبو عوانة عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا، ولا صلاتكم إلى

صلاتهم شيئا ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش (الذي يصيبونهم) [ (1) ] ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل، وأية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليست له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض» . وروى أبو نصر السجزي في الإبانة والديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرث هذا القرآن قوم يشربونه شرب اللبن، لا يجاوز تراقيهم» . وروى ابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر الزمان قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم سيماهم التحليق إذا لقيتموهم فاقتلوهم» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والنسائي والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليفة» . وروى الإمام أحمد والبخاري والطبراني في الكبير، والبيهقي عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج قوم أحداء أشداء ذليقة ألسنتهم بالقرآن يقرأونه ينثرونه نثر الدقل لا يجاوز تراقيهم فإذا رأيتموهم فأتوهم فاقتلوهم فالمأجور من قتل هؤلاء» . وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو يعلى عن أبي سعيد، وابن أبي شيبة والإمام أحمد والشيخان عن سهل بن حنيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج ناس من المشرق» وفي لفظ: «من المشرق أقوام محلقة رؤوسهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم» وفي لفظ: «يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» وفي لفظ: «ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه، سيماهم التّلحيق» . وروى السجزي في الإبانة والخطيب وابن عساكر عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من المشرق حلقان الرؤوس، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم. طوبى لمن قتلوه، وطوبى لمن قتلهم» . وروى الشيخان والنسائي في حديث مالك عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعلمكم مع علمهم، ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم

_ [ (1) ] في ج الّذين يصونهم.

تنبيهات.

من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق هل علق به من الدم شيء» . وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي على الناس زمان يتعلمون القرآن فيجمعون حروفه، ويضيعون حدوده، ويل لهم مما جمعوا وويل لهم مما صنعوا، إن أولى الناس بهذا القرآن من جمعه لم ير عليه أثره» . وروى الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه والطبراني في الكبير عن أبي ذر ورافع بن عمر والغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن، لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليفة سيماهم التحليق» . تنبيهات. الأول: مذهب مالك الشافعي وجماهير العلماء رضي الله عنهم أن الخوارج لا يكفرون، وكذلك القدرية والمعتزلة، وسائر أهل الأهواء. الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا» . قال القاضي: أجمع العلماء رضي الله عنهم على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام، وخالفوا رأي الجماعة، وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم والإعذار لهم فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات 9] ولكن لا يجهز على جريحهم، ولا يتبع منهزمهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا تباح أموالهم ما لم يخرجوا عن الطاعة، وينتصبوا للحرب لا يقاتلون، بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم، فإن كفروا بها جرت عليهم أحكام المرتدين. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: «شر الخليقة» المشهور فيه بغير ألف، تأوله الجمهور على أنه شرار المسلمين» . الرابع: قوله: «يقولون من خير قول البرية» معناه في ظاهر الأمر، كقولهم: لا حكم إلا لله ونظائره من دعاياهم إلى كتاب الله. الخامس: في بيان غريب ما سبق الرصاف: بكسر الراء وصاد مهملة مدخل النصل من السهم: القدح: بكسر القاف وسكون الدال والحاء المهملتين عود السهم. القذذ: بقاف مضمومة وذالين معجمتين ريش السهم.

الباب السابع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن المساجد ستزخرف (والمباهاة)

القرفة: بضم القاف الذي يجعل فيه الوتر. النضي: بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء القدح. البصرة: بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة: الشيء من الدم أي لا يرى شيئا من الدم يستدل به على إصابة الرمية. سيماهم التحليق فيه ثلاث لغات: القصر وهو الأفصح وبها جاء القرآن، والمد، والثالثة (سيمياء) بزيادة ياء مع المد لا غير، وهي العلامة، قال النووي: ولا دلالة فيه على كراهة حلق الرأس، لأن العلامة قد تكون بحرام وبمباح. انتهى. الباب السابع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن المساجد ستزخرف (والمباهاة) روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» . وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت بتشييد المساجد» قال ابن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. وروى ابن ماجه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها وكما شرفت النصارى بيعها» . وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما سيكون في آخر أمتي أقوام يزخرفون مساجدهم ويخربون قلوبهم، يتقي أحدهم على ثوبه ما لا يتقي على دينه، لا يبالي أحدهم إذا سلمت له دنياه ما كان من أمر دينه. الباب الثامن والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بإتيان قوم يقرأون القرآن يسألون به الناس روى الإمام احمد وابن منده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه مر على قارئ يقرأ القرآن يسأل الناس به، فاسترجع عمران وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ القرآن فليسأل به الله، فإنه ستجيء أقوام يقرأون القرآن، ويسألون به الناس» . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن، وسلوا الله به قبل أن يأتي قوم يقرأون

الباب التاسع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بزخرفة البيوت

القرآن فيسألون الناس به» . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن منيع والبيهقي في الشعب والضياء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرأوا القرآن، وابتغوا به الله من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» . وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرأوا القرآن، واسألوا الله به، فإنه سيقرؤه قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» . الباب التاسع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بزخرفة البيوت روى البزار برجال ثقات، والطبراني في الكبير عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح عليكم الدنيا حتى تتخذوا بيوتكم كما نتخذ الكعبة،» قلنا: ونحن على ديننا اليوم؟ قال: «وأنتم على دينكم اليوم» ، قلنا فنحن يومئذ خير أم ذلك اليوم؟ قال: «بل أنتم اليوم خير» . وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون لكم أنماط» ورواه الترمذي عن علي وزاد ويغدو أحدهم في حلة، ويرجع في أخرى، ويوضع بين يديه صحفة، ويرفع أخرى ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة، وأنتم اليوم خير منهم يومئذ. الباب الثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون في أمته رجال نساؤهم على رؤوسهن كأسنمة البخت كاسيات عاريات روى الإمام أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهم كأسنمة البخت فالعنوهن فإنهن ملعونات لو كانت وراءكم أمة من الأمم، لخدم نساؤكم نساءهم كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم» ولفظ الطبراني: «سيكون في أمتي رجال يركب نساؤهم على سروج كأشباه الرجال» . وروى الطبراني في الكبير عن أبي شقرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم اللاتي

الباب الحادي والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مكان بأنه سيصير سوقا

ألقين على رؤوسهن مثل أسنمة البقر، فأعلموهن أنهن لا تقبل لهن صلاة» . وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا!» . الباب الحادي والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مكان بأنه سيصير سوقا روى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رب يمين لا تصعد إلى الله تبارك وتعال بهذه البقعة» ، قال: فرأيت فيها النخاسين بعد. وروى عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيدة عن أبيه عن جده أنه خرج مع أبي هريرة رضي الله عنه من المسجد وليس بين الزوراء وبين الثنية يومئذ بيت ولا حجر، والسوق يومئذ غير مرة وائل حتى إذا كان عند دار ابن مسعود رضي الله عنه قال: يا أبا الحارث، من لحق أبا القاسم صلى الله عليه وسلم؟ أخبرني، قال: «رب يمين بهذه البقعة لا تصعد إلى الله تعالى» ، قلت: وأتى ذلك أباه هريرة، قال: أما إني أشهد ما كذبت فقلت: وأنا أشهد. الباب الثاني والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن القرآن والسلطان سيفترقان روى أحمد بن منيع برجال ثقات وإسحاق من طريق آخر عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم من ذلك المخافة والفقر، ألا وإن رحى الإيمان دائرة، وإن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث يدور، ألا وإن السلطان والكتاب سيفترقان ألا فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم» ، قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: «كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم حملوا على الخشب ونشروا بالمناشير، موت في طاعة الله، خير من حياة في معصية الله» .

الباب الثالث والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال الولاة بعده

الباب الثالث والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال الولاة بعده روى الطبراني عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته: «ألا إني أوشك أن أدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي يعملون بما تعملون ويعملون ما تعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك زمانا، ثم فيليكم عمال من بعدهم يعملون بما لا تعملون، ويعملون بما لا تعرفون فمن قادهم، وناصحهم، فأولئك قد هلكوا وأهلكوا خالطوهم بأجسادكم، وذايلوهم بأعمالكم، واشهدوا على المحسن أنه محسن وعلى المسيء أنه مسيء» . وروى الطبراني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا جاءت عليكم الولاة؟» . وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون بعدي أئمة يعطون الحكمة على منابرهم، فإذا نزلوا نزعت منهم، وأجسادهم شر من الجيف» . وروى الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم» ، قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع؟ قال: «كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة، خير من حياة في معصية الله» . وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء فقال: «يكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أدخلوكم النار، وإن عصيتموهم قتلوكم» ، فقال رجل منهم: يا رسول الله، سمهم لنا، لعلنا نحثوا في وجوههم التراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلهم يحثون في وجهك ويفقئون عينيك» . وروى الطبراني برجال ثقات إلا مطر بن العلاء الرملي فيحرر رجاله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثون نبوة، وثلاثون ملكا وجبروتا وما وراء ذلك لا خير فيه» . وروى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون عليكم أمراء من بعدي يعظون بالحكمة على منابر، فإذا نزلوا اختلست منهم، وقلوبهم أنتن من الجيف» . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلون» .

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين [ (1) ] ، وإذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنهم إلى يوم القيامة» . وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابيا، ولا عريفا ولا شرطيا» . وروى البزار برجال الصحيح إلا حبيب بن عمران الكلاعي فيحرر رجاله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة، سمتهم سمت الرهبان وليس لهم رغبة، أو قال: رعية أو قال رعة فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم» . وروى الطبراني برجال الصحيح خلا مؤمل بن إهاب وهو ثقة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون عليكم أمراء هم شر من المجوس» . وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في هذه الأمة في آخر الزمان» ، أو قال: «يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم سياط كأذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه» . وروى البزار برجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طالت بك حياة يوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنة الله، بأيديهم مثل أذناب البقر. وروى أبو يعلى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون أمراء لا يرد عليهم قولهم يتهافتون» ، وفي لفظ: «يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة، يتبع بعضهم بعضا» . وروى أبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليأتين على الناس زمان يكون عليهم أمراء سفهاء، يقدمون شرار الناس، ويظهرون بخيارهم، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا» . وروى أحمد بن منيع برجال ثقات وابن أبي شيبة، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الرابع والثمانون فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال

عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا بالله من رأس السبعين، ومن إمارة الصبيان [وقال: لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع] » . وروى الإمام احمد وابن حبان وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء عن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا، إنه سيكون عليكم أمراء، فلا تعينوهم على ظلمهم، ولا تصدقوهم بكذبهم، فإنه من أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم، فلن يرد علي الحوض» . وروى الترمذي وقال: صحيح غريب وابن حبان والنسائي عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا، هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد على الحوض» . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك رجل يقال له الجهجاه» . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا عاما ولا تنبت الأرض شيئا» . الباب الرابع والثمانون فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون بين يدي الساعة إلا ذكره في مقامه ذلك، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وقد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه. وروى الإمام أحمد ومسلم عنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلا أن تقوم الساعة، فما منه شيء، إلا وقد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة؟ وروى الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا بما هو كائن في أمته إلى يوم القيامة، وعاه من وعاه ونسيه من نسيه. وروى الإمام أحمد ومسلم عن عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل، فصلى، ثم

صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطب حتى غربت الشّمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة فما علمنا احتفظناه فأعلمنا أحفظنا. وروى الإمام احمد وابن سعد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحين في السماء إلا ذكر لنا منه علما. وروى عبد بن حميد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فحدثنا بما هو كائن إلى يوم القيامة. وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمام، فقال: «إنه سيكون بعدي حمامات، ولا خير في الحمامات للنساء» ، فقالت: يا رسول الله إنها تدخله بإزار فقال: «لا وإن دخلته بإزار ودرع وخمار، وما من امرأة تنزع خمارها في غير بيت زوجها إلا كشفت الستر فيما بينها وبين ربها» . وروى أبو داود والبيهقي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بإزار، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء» . وروى ابن عدي في الكامل والخطيب في المتفق وأبو القاسم النجار في كتاب الحمام وابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح عليكم الشام فستجدون فيها بيوتا يقال لها: الحمامات، هي حرام على رجال أمتي إلا بالأزر وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو مريضة» . وروى عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أفقا فيها بيوت يقال لها الحمامات [حرام على أمتي دخولها» فقالوا: يا رسول الله إنها تذهب الوصب، وتنقي الدرن قال: «فإنها حلال لذكور أمتي في الأزر، حرام على إناث أمتي] » . وروى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء» . وروى ابن عدي والخطيب في المتفق وأبو القاسم البخاري في كتاب الحمامات وابن عساكر عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح عليكم الشام، وتجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، هي حرام على رجال أمتي إلا بالأزر وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو سقيمة» .

وروى الطبراني بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم، تسلط بعضهم على بعض» . وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول: المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. .. الحديث» . وروى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان [فتطعمه وكان أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة. قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله- كما قال الأول-» قالت فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت من الأولين» . فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت» ] . وروى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها» ، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» .

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إخباره بالفتن والملاحم الواقعة بعده.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إخباره بالفتن والملاحم الواقعة بعده. الباب الأول في إخباره صلى الله عليه وسلم بالفتن وإقبالها ونزولها كمواقع القطر والظلل ومن أين تجيء وفيه أنواع روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه والطيالسي ومحمد بن يحيى بن أبي عمر المدني، والإمام أحمد برجال ثقات عن الحسن البصري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» زاد النعمان بن بشير رضي الله عنه قال الحسن: ولقد رأيناهم صورا ولا عقولا، جسام ولا أحلام، فراش بار وذباب يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العير. وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتفتننّ أمتي بعدي فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم لعرض من الدنيا قليل» . وروى ابن أبي شيبة عن قيس رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ورفع رأسه إلى السماء سبحان الله ترسل عليهم الفتن إرسال القطر» . وروى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة، ثم قال: «هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر» . وروى الطيالسي والبيهقي والإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وقال: صحيح عن كرز بن علقمة الخزاعي رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل للإسلام منتهى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام» ، قال: ثم ماذا؟ قال: «ثم تقع الفتن كالظلل» ، فقال الرجل كلا، والله إن شاء الله قال: «بلى والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، أفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يتّقي ربه ويدع الناس من شره» . وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه والطبراني في الأوسط عن حذيفة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أظلتكم» وفي لفظ: «أتتكم فتن كقطع الليل

المظلم، أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه، أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه» . وروى الطبراني في الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل» ، قلت فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: «تكسر يدك» ، قلت: فإن انجبرت؟ [ (1) ] قال: «تكسر الأخرى» قلت: حتى متى؟ قال: «حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية» . وروى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فزعا، يقول: «سبحان الله! ماذا فتح الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مدة دوران رحى الإسلام

الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مدة دوران رحى الإسلام روى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن بقوا يقم لهم دينهم سبعين عاما مما بقي. الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الرجل يمر بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانك من كثرة الفتن روى الإمامان مالك وأحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني كنت مكانك» . وروى نعيم بن حماد في الفتن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على القبر، فيقول: لوددت أني مكان صاحبه لما يلقى الناس من الفتن» . وروى الديلمي بسند ضعيف عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يرى الحي الميت على أعواده، فيقول: يا ليته كان مكان هذا، فيقول له القائل: هل تدري على ما مات؟ فيقول كائن ما كان» . وروى مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين إلا البلاء» . الباب الرابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد خير من القائم روى ابن أبي شيبة وأبو يعلى والحاكم والترمذي عن سعد بن أبي وقاص وأبو يعلى والإمام أحمد عن خرشة بن الحر وابن أبي شيبة والإمام أحمد وأحمد بن منيع وأبو يعلى عن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي فتن،

الباب الخامس في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يبيع دينه في الفتنة بعرض يسير

النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب، والراكب فيها خير من الموضع» ، وفي حديث خرشة فمن أتت عليه فليأخذ سيفه ثم ليمشي إلى صفاة فليضربها به حتى ينكسر ثم ليضطجع لها حتى تنجلي على ما انجلت عليه. وفي حديث خباب فإن أدركك ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل. وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به» . وروى الحاكم عن خالد بن عرفطة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون أحداث وفتنة وفرقة واختلاف فإن كان ذلك فإن استطعت أن تكون المقتول، لا تكون القاتل فافعل» . وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من استشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف» . وروى ابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم» . الباب الخامس في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يبيع دينه في الفتنة بعرض يسير روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن الضحاك بن قيس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، فتنا كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل المؤمن كما يموت بدنه يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع فيها قوم أخلاقهم، ودينهم بعرض من الدنيا قليل» . وروى أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تذهب الليالي والأيام حتى يقوم القائم، فيقول: من يبيعنا دينه بكف من دراهم؟» .

الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم بكثرة الهرج

الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم بكثرة الهرج روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو داود والحارث والشيخان عن أبي هريرة، وابن أبي شيبة ومسدد برجال ثقات وأبو يعلى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج» ، قالوا: وما الهرج قال: «القتل» وفي لفظ: «يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» ، قيل: يا رسول الله، إنا لنقتل في العام الألف والألفين من المشركين؟ قال: «لا أعني ذلك، ولكن يقتل بعضكم بعضا» ، قالوا: يا رسول الله أنى يقتل بعضنا بعضا، ونحن أحياء ونفعل؟ قال: «يميت الله قلوب أهل ذلك الزمان كما يميت أبدانهم» . وروى الطبراني في الأوسط والحاكم وأبو نصر السجزي في الإبانة، وقال: غريب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على أمّتي زمان يكثر فيه القراء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال من أمتي لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافق الكافر المشرك بالله المؤمن بمثل ما يقول» . الباب السابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن مبدأ الفتنة قتل عمر روى الديملي عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن» . وروى الطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك الخطمي، وابن عدي عن أبي هريرة، وابن عمر مرفوعا رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك إذا مات عمر، فإن استطعت أن تموت فمت» . وروى الديلمي عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن» . وروى ابن سعد وابن أبي شيبة عن أبي الأشهب عن رجل من مزينة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا، فقال: «أجديد أم غسيل؟» فقال: بل غسيل، فقال: «يا عمر، البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا» مرسلا. وقد أخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا مثله.

الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه

وأخرج البزار من حديث جابر رضي الله عنه مثله وروى أبو يعلى بسند صحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أحدا أرتج، وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثبت أحد فما عليك نبي أو صديق أو شهيدان» . وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حائط فاستأذن أبو بكر، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» ، ثم استأذن عمر فقال: «ائذن له وبشره بالجنة وبالشهادة» ، ثم استأذن عثمان، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة وبالشهادة» . وروى الطبراني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن يسار، قال: شهدت موت عمر بن الخطاب فانكسفت الشمس يومئذ. الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه روى الترمذي وقال: حسن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: «لعل الله أن يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه» . وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فقال: «يقتل فيها هذا مظلوما، وأشار لعثمان» . وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي سهلة مولى عثمان رضي الله عنه قال: قال عثمان رضي الله عنه يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، فأنا صابر عليه. وروى مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة، ثم قال: «هل ترون ما أرى، إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر. فوقعت فتنة، قتلت عثمان رضي الله عنه وتتابعت الفتن إلى فتنة الحرة، وكانت لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة وجرت فيها وقائع كثيرة موجودة في كتب التواريخ. وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال: «يقتل فيها هذا يومئذ ظلما» قال: فنظرت فإذا هو عثمان رضي الله عنه وقال عليه الصلاة والسلام لأبي موسى، وهو قاعد على قف بئر أريس لما طرق عثمان رضي الله عنه الباب: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» ، إشارة إلى ما يقع من استشهاده يوم الدار، فاستشهد وبين يديه المصحف، فنضح الدم على هذه الآية: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة 137] . وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عثمان، تقتل

الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم بوقعة الجمل وصفين والنهروان وقتال عائشة والزبير عليا رضي الله تعالى عنهم أجمعين وبعث الحكمين

وأنت تقرأ سورة البقرة فتقطر قطرة من دمك على فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة 137] قال الحافظ الذهبي رضي الله عنه: إنه حديث موضوع. وروى ابن منيع عن نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان قالت: لما حوصر عثمان ظل يومه صائما، فلما كان عند الإفطار سألهم الماء العذب، فقالوا: دونك هذا الركي وإذا ركي يلقى فيها النتن فبات تلك الليلة على حاله، لم يطعم، فلما كان من السحر، أتيت جارات لنا، على أجاجير (يعني أسطحة متواصلة) فسألتهم الماء العذب، فجئته بكوز من ماء، فلما نزلت إذا هو نائم، في أسفل الدرجة، يغط، فأيقظته فقلت: هذا ماء عذب قد أتيتك به، فرفع رأسه، فنظر إلى الفجر، فقال: أنا صائم أصبحت صائما، فقلت ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب، قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: «اشرب يا عثمان» ، فشربت حتى رويت ثم قال: «ازدد» ، فشربت حتى تملأت، فقال: «إن القوم سيبكرون عليك، فإن تركتهم أفطرت عندنا» قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه رضي الله عنه قال ابن لهيعة: كان عبد الرحمن بن أبي بكر صار بأهل مصر إلى عثمان فقتله، فعرفنا بعد ذلك بعام أو عامين. وأخرج أبو نعيم عن عدي بن حاتم قال: سمعت صوتا يوم قتل عثمان: «أبشر يا ابن عفان بروح وريحان. الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم بوقعة الجمل وصفين والنهروان وقتال عائشة والزبير عليا رضي الله تعالى عنهم أجمعين وبعث الحكمين أخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أم سلمة قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: «أنظري يا حميراء أن لا تكوني أنت» ، ثم التفت إلى علي فقال: «إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها» . وأخرج أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم والبيهقي وأبو نعيم، عن قيس قال: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقال: أي ماء هذا؟ قالوا الحوأب قالت: ما أظنني إلا راجعة، قال الزبير: لا بعد تقدمي فيراك الناس ويصلح الله ذات بينهم. قالت ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب» . وأخرج البزار وأبو نعيم، عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيتكن صاحبة

ذكر وقعة صفين.

الجمل الأحمر الأدبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل حولها قتلى كثيرة ثم تنجو بعد ما كادت» . وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم، عن حذيفة أنه قيل له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو فعلت لرجمتموني» . قلنا: سبحان الله! قال: «لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تغزوكم في كتيبة تضربكم بالسيف ما صدقتموني» . قالوا: سبحان الله، ومن يصدقك بهذا قال: «أتتكم الحمراء في كتيبة تسوق بها أعلاجها، قال البيهقي، أخبر بهذا حذيفة ومات قبل مسير عائشة. وأخرج البزار والبيهقي، عن أبي بكرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة قائدهم في الجنة» . وأخرج أحمد والبزار والطبراني، عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر فإذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها» . وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أبي الأسود قال: شهدت الزبير خرج يريد عليا، فقال له علي: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقاتله وأنت له ظالم» فقال لم أذكر ثم مضى الزبير منصرفا. وأخرج أبو يعلى والحاكم والبيهقي وأبو نعيم، عن أبي جروة المازني قال: سمعت عليا يقول للزبير نشدتك بالله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنك تقاتلني وأنت ظالم لي؟ قال: بلى، ولكن نسيت. وأخرج الحاكم، عن قيس قال: قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحبه» فقلت وما يمنعني، فقال: «أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم» قال: فرجع الزبير. وأخرج أبو نعيم، عن عبد السلام قال: قال علي للزبير يوم الجمل: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك» قال قد سمعته لا جرم لا أقاتلك. ذكر وقعة صفين. وأخرج الشيخان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة» . وأخرج البيهقي، عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل

اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا وأن هذه الأمة ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما» . وأخرج الطبراني، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في هذه الأمة حكمان ضالان ضال من تبعهما» قال سويد بن غفلة، فقلت يا أبا موسى أنشدك الله أليس إنما عناك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنها ستكون فتنة في أمتي أنت فيها يا أبا موسى نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير منك قائما وقائما خير منك ماشيا فخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعم الناس» . وأخرج أبو نعيم، عن الحارث قال: كنت مع علي بصفين، فرأيت بعيرا من إبل الشام جاء عليه راكبه ونقله، فألقى ما عليه وجعل يتخلل الصفوف إلى علي، فجعل مشفره فيما بين رأس علي ومنكبه وجعل يحركها بجرانه فقال علي: والله إنها للعلامة التي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أبي سعيد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطعت نعله، فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلا ثم قال: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» ، فقال أبو بكر، أنا. قال: «لا» . قال عمر: أنا. قال: «لا ولكن خاصف النعل» . وأخرج الحاكم، عن أبي أيوب قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين» . وأخرج الطبراني في الأوسط مثله، عن ابن مسعود، وعن علي بلفظ «أمرت، وبلفظ عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم، على علي قال: «إن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده» . وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «أما إنك ستلقى بعدي جهدا» قال في سلامة من ديني؟ قال: «نعم» . وأخرج الحميدي وابن أبي عمرو البزار وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وأبو نعيم، عن أبي الأسود الديلي أن عبد الله بن سلام أتى عليا وقد وضع رجله في الغرز، فقال: لا تأتي العراق، فإنك إن أتيته أصابك به ذباب السيف، فقال علي: «وأيم الله لقد قالها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك» .

الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه

وأخرج أبو نعيم، عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن وستحاج قومك» قلت فما تأمرني؟ قال: «أحكم بالكتاب» . وأخرج الحاكم، عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحذركم سبع فتن فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام وهي السفياني» . قال ابن مسعود منكم من يدرك أولها ومن هذه الأمة من يدرك آخرها. قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء. روى الحاكم وصححه والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال: انظري يا حميراء، أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي رضي الله عنه فقال: إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها. وروى البزار وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا أيتكن صاحبة الجمل الأديب تخرج حتى ينبحها كلاب الحوأب يقتل حولها قتلى كثيرة بعد ما كادت. وروى الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الأسود قال: شهدت الزبير يريد عليا، فقال له علي: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقاتله وأنت له ظالم؟» فمضى الزبير منصرفا، وفي رواية أبي يعلى والبيهقي فقال الزبير: بلى، ولكن نسيت. الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه روى الطبراني والبزار بإسناد حسن عن مولاة لعمار بن ياسر رضي الله عنهما قالت: اشتكى عمار بن ياسر شكوى ثقل منها، فغشي عليه فأفاق، ونحن نبكي حوله قال: ما يبكيكم؟ أتحسبون أني أموت على فراشي، أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنا آخر زادي مذقة من لبن، وفي رواية ضياح لبن وفي لفظ: «أن آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن» . ورواه أبو يعلى والطبراني بنحوه إلا أنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني أقتل يوم صفين. وروى مسلم وابن عساكر وابن أبي شيبة عن أم سلمة، والإمام أحمد وابن عساكر والطبراني في الكبير أبو يعلى والخطيب عن عثمان، والإمام أحمد وابن سعد وابن أبي شيبة

الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بما سيلقى أهل بيته بعده من القتل والشدة وبقتل علي رضي الله تعالى عنه

وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم عن عمرو بن العاص، وابن عساكر وابن أبي شيبة وأبو يعلى وأبو عوانة والطبراني في الكبير عن أبي رافع. وأبو يعلى وابن سعد في كتاب الموالاة والطبراني في الكبير والدارقطني في الإفراد عن عمار بن ياسر وابن عساكر عن ابن عباس وعن حذيفة وعن أبي هريرة وعن جابر بن عبد الله وعن جابر بن سمرة وعن أنس عن أبي أمامة وعن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وعن عمرو بن العاص، وابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن سعد والبغوي وأبو نعيم والطبراني في الكبير، والحاكم عن عمرو بن حرام، والإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عمرو وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن معاوية بن عتبة، والطبراني عن أبي رافع والطبراني عن أبي أيوب، والطبراني في الكبير، والباوردي وابن قانع، والدارقطني في الإفراد عن أبي البشير بن عمرو عن زياد بن الجرد وأبو يعلى والطبراني عن معاوية بن أبي سفيان، والبزار برجال الصحيح عن أبي سعيد الخدري، وأبو يعلى برجال الصحيح عن أبي هريرة والطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو وأبيه عمرو ومعاوية والبزار عن أبي مسعود، وحذيفة والطبراني بإسناد حسن عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو يبني المسجد لعمار بن ياسر رضي الله عنه: «تقتلك الفئة الباغية» . وروى الإمام أحمد والبخاري وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، ويدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» . وروى الترمذي وقال: حسن صحيح غريب عن أبي هريرة والباوردي عن إسماعيل بن عبد الرحمن الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: «أبشر، عمار، تقتلك الفئة الباغية» . الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بما سيلقى أهل بيته بعده من القتل والشدة وبقتل علي رضي الله تعالى عنه روى ابن عساكر بسند ضعيف ونعيم بن حماد في الفتن، والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم» . وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل فئة من بني هاشم، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اغرورقت عينه.

الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين

وروى الإمام أحمد في المناقب أنه عليه الصلاة والسلام قال لعلي رضي الله عنه: «أتدري من أشقى الآخرين؟» قال: الله ورسوله أعلم، قال: «قاتلك» . ورواه ابن أبي حاتم بلفظ: «الذي يضربك على هذه» ، وأشار إلى جبينه ورأسه (والمحاملي بلفظ: قال: قال علي: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتخضبن هذه من هذه» ، وأشار إلى لحيته ورأسه [ (1) ] . ورواه أبو الحسن الضحاك بلفظ: «الذي يضربك على هذه، فسل منها هذه،» فضربه عبد الرحمن بن ملجم. وروى الطبراني وأبو نعيم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا: «إنك امرؤ مستخلف وإنك مقتول، وإن هذه مخضوبة من هذه» لحيته من رأسه. الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين [روى البخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» وأخرج البيهقي من حديث جابر مثله] . الباب الثالث عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما روى الخليل في الإرشاد عن عائشة وأم سلمة معا رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل أخبرني أن ابني الحسين يقتل، وهذه تربة تلك الأرض» . وروى الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل كان معنا في البيت، فقال: أتحبه، فقلت: أما في الدنيا فنعم؟ قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض، يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأرانيه» . وروى ابن عساكر عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل أخبرني إن ابني هذا يعني الحسين يقتل، وأنه اشتد غضب الله على من يقتله» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه فيا عائشة، والذي نفسي بيده، إنه ليحزنني فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي» . وروى العقيلي والطبراني عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل أتاني فأخبرني أن ابني تقتله أمتي قلت فأرني تربته فأتاني بتربة حمراء» . وروى الحاكم عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا يعني الحسين وأتاني بتراب من تربته حمراء» . وروى ابن سعد عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فجاء بها فهذه تربتها» . وروى ابن سعد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخبرني جبريل أن حسينا يقتل بشاطئ الفرات» . وروى البغوي في معجمه والحاكم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: استأذن ملك المطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، وكان في يوم أم سلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أم سلمة، احفظي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد» ، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقع على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الملك: أتحبه؟ قال: «نعم» ، قال: فإن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل به، فأراه فجاءه بشهلة أو بتراب أحمر فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: إنه كربلاء، ورواه أحمد بنحوه. والشهلة: بكسر الشين المعجمة: رمل خشن ليس بالدقاق الناعم. وفي رواية الملاء: قالت: ثم ناولني كفا من تراب أحمر، وقال: إن هذه من تربة الأرض التي يقتل بها، فمتى صار دما فاعلمي أنه قد قتل، قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي، وكنت أقول إن يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم.

الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأغيلمة من قريش

الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأغيلمة من قريش وبرأس الستين وبأن هذا الحي من مضر لا يدع مصليا إلا فتنه. روى الطيالسي برجال ثقات، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجري هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء من قريش» ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: لو شئت سميتهم بنو فلان وبنو فلان. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أبي سعيد والطيالسي برجال ثقات وابن أبي شيبة والإمام أحمد عن حذيفة، والطبراني والإمام أحمد والحاكم والضياء عن أبي الطفيل عن حذيفة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الحي من مضر لا يدع عبدا لله صالحا في الأرض إلا فتنته وأهلكته حتى يدركها الله عز وجل بجنود من عنده أو من السماء، فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعة» . التلعة: بمثناة فوقية مفتوحة، فلام ساكنة، فعين مهملة: واحدة التلاع وهي مسايل الماء من علو إلى سفل، وقيل: هو من الأضداد يقع على ما انحدر من الأرض وأشرف منها. وروى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش» أغيلمة تصغير أغلم: جمع غلام ولم يرد جمعة على أغلمة أي أحداث. الباب الخامس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل أهل الحرة [البيهقي عن أيوب بن بشير المعاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فلما مر بحرة زهرة وقف، فاسترجع فسألوه فقال: «يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي» مرسل. وروى البيهقي عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها [الأحزاب 14] قال: لأعطوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على المدينة. وروى البيهقي عن الحسن قال: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة حتى كاد لا ينفلت منهم أحد. وروى أيضاً عن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن منهم ثلاثمائة من الصحابة، وذلك في خلافة يزيد] .

الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالمقتولين ظلما بعذراء من أرض دمشق

الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالمقتولين ظلما بعذراء من أرض دمشق روى يعقوب بن سفيان وابن عساكر عن أبي الأسود، قال: دخل معاوية على عائشة رضي الله عنها فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه؟ فقال: يا أم المؤمنين، إني رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وبقاءهم فسادا للأمة، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم، وأهل السماء» . وروى ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية حج فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا معاوية قتلت حجر بن الأدبر وأصحابه؟ أما والله، لقد بلغني أنه سيقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله لهم وأهل السماء» . الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عمرو بن الحمق رضي الله تعالى عنه [ابن عساكر عن رفاعة بن شداد البجلي أنه خرج مع عمرو بن الحمق حين طلبه معاوية قال: فقال لي يا رفاعة أن القوم قاتلي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن الجن والإنس تشترك في دمي، قال رفاعة: فما تم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته وأدركوه فاحتزوا رأسه وكان أول رأس أهدي في الإسلام] . الباب الثامن عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأئمة يصلون الصلاة لغير وقتها فكان كما أخبر وذلك في زمن بني أمية روى الطبراني عن أنس، والطبراني عن ابن عمر، والإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن مسعود، وأبو داود وابن ماجه عن عبادة بن الصامت، والإمام أحمد والطبراني عن عامر بن ربيعة والإمام أحمد والبزار والطبراني عن شداد بن أوس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون أمراء تشغلهم أشياء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فاجعلوا صلاتكم معهم تطوعا» ، وفي لفظ: «أئمة لا يصلون الصلاة لوقتها ويؤخرونها عن وقتها» ، وفي لفظ: «ستكون أئمة يميتون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لوقتها، فإن أدركتموها معهم فاجعلوا صلاتكم معهم سبحة» ، وفي لفظ: «فإن صلوا الصلاة لوقتها وصليتموها معهم فلكم ولهم، وإن أخروها

الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالخوارج فكان كما أخبر

عن وقتها فصليتموها معهم فلكم وعليهم، من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، ومن مات ناكثا للعهد جاء يوم القيامة لا حجة له» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن سلامة بنت الحر الفزاري رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد فلا يجدون إماما يصلي بهم، والله تعالى الموفق للصواب» . الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالخوارج فكان كما أخبر روى ابن أبي شيبة وابن منيع وأبو يعلى والإمام أحمد برجال ثقات عن جابر بن عبد الله، وابن منيع وابن حنبل والحارث بسند صحيح عن أبي بكرة، وابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى برجال ثقات عن أنس رضي الله عنه قال أنس: ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم نكاية في العدو واجتهاده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أعرف هذا» ، قال: بل نعته كذا وكذا، قال: «ما أعرفه» ، فبينما نحن كذلك إذ طلع الرجل، فقال: هو هذا يا رسول الله، قال: «ما كنت أعرف هذا، هذا أول قرن رأيته في أمتي، إن فيه لسفعة من الشيطان، فلما دنا الرجل سلم، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشدك بالله، هل حدثت نفسك حين طلعت علينا، أنه ليس في القوم أحد أفضل منك؟» قال: اللهم، نعم فدخل المسجد يصلي، وقال جابر رضي الله عنه: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالوا فيه وأثنوا عليه خيرا، وقال أبو بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ساجد وهو ينطلق إلى الصلاة، فقضى الصلاة، ورجع إليه وهو ساجد، ثم اتفقوا فقال رسول الله: «من يقتل» وفي لفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «قم فاقتله» فدخل أبو بكر فوجده قائما يصلي، فقال أبو بكر في نفسه: إن للصلاة حرمة وحقا، ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قتلته؟» قال: لا، رأيته يصلي ورأيت للصلاة حرمة وحقا، وإن شئت قتلته، قال: لست بصاحبه، إذهب أنت يا عمر فاقتله، فدخل عمر المسجد فإذا هو ساجد، فانتظره طويلا، ثم قال عمر في نفسه: إن للسجود حقا، ورجع ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استأمره من هو خير مني، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أقتلته؟» قال: يا رسول الله، لا، رأيته ساجدا، ورأيت للسجود حقا، وإن شئت أن أقتله قتلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست بصاحبه» ، قم يا علي، أنت صاحبه إن وجدته فذهب فوجده قد خرج من المسجد، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أقتلته؟» فقال: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قتل ما اختلف رجلان من أمتي حتى يخرج الدجال» وفي رواية لكان أول فتنة وآخرها.

الباب العشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالرافضة والقدرية والمرجئة والزنادقة ومن هم؟

الباب العشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالرافضة والقدرية والمرجئة والزنادقة ومن هم؟ روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدري أوله مجوسي، وآخره زنديق» . وروى البخاري في التاريخ عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدرية مجوس هذه الأمة» . وروى أبو داود والحاكم والبيهقي عن ابن عمر وابن النجار عن سعد بن سهل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وروى ابن عدي في الكامل عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدرية الذين يقولون: الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب، ولا أنا منهم ولا هم مني» . وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند والبيهقي من طرق كلها ضعيفة، والبزار عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يظهر في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام» ، وفي رواية: «ويلفظونه، فاقتلوهم، فإنهم مشركون» . وروى الخطيب في التاريخ عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تموت حتى تسمع بقوم يكذبون بالقدر، ويحملون الذنوب على العباد، اشتقوا قولهم من قول النصارى، فابرأ إلى الله منهم» . وروى البزار وابن أبي حاتم في السنة والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عباس وضعف، والطبراني في الكبير عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلاك أمتي في ثلاث: في العصيبة والقدرية» والرواية من غير ثبت. وروى الحاكم في تاريخه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا، الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل» . وروى الدارقطني في «العلل» عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك إن تبقى بعدي حتى تدرك قوما يكذبون بقدر الله يحملون الذنوب على عباده واشتقوا كلامهم ذلك من النصرانية، فإذا كان ذلك فابرأ إلى الله تعالى منهم» .

تنبيه:.

وروى ابن أبي عاصم والطبراني في الأوسط والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آخر الكلام في القدر لشرار هذه الأمة في آخر الزمان» . وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة، المرجئة والقدرية» . وروى ابن عدي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا يدخلون الجنة: القدرية والمرجئة» . وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا سهم لهم في الإسلام، المرجئة والقدرية» ، قيل: وما المرجئة؟ قال: «الذين يقولون الإيمان قول ولا عمل» قيل: فما القدرية قال: «الذين يقولون لم يقدر الشر» . وروى ابن عدي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا يدخلون الجنة: القدرية والحرورية» . وروى الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا سهم لهم في الإسلام: القدرية والمرجئة، وجهادهم أحب إلي من جهاد فارس والديلم» تنبيه:. القدرية، لإنكارهم القدر، وإسنادهم أفعال العباد إلى قدرهم، وسموا معتزلة، لقول الحسن البصري: قد اعتزلنا واصل، لإثباته منزلة بين منزلتين بقوله: مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر، فاعتزلوا إليه، وكان رئيسهم واصل بن عطاء وسماهم صلى الله عليه وسلم مجوسا، لمشاركتهم المجوس في إثبات خالقين. والمرجئة القائلون بالإرجاء، وهو تأخير العمل عن النية والاعتقاد، بأنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. الباب الحادي والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة روى الإمام أحمد والأربعة والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منهم واحدة» قال صلى الله عليه وسلم: «الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي» . وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الناس يغربلون ويتغير حالهم

«سيأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله إن بني إسرائيل تفرقوا على ثنتين وسبعين ملة، وستفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار غير واحدة» قيل: وما تلك الواحدة؟ قال: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي» . الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الناس يغربلون ويتغير حالهم روى الحاكم واللفظ له والحارث والإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا هكذا وهكذا، وشبك بين أصابعه» ، قالوا: يا رسول الله، فكيف تأمرنا؟ قال: «تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على الأمر خاصتكم، وتدعون أمر عامتكم» . وروى أبو نعيم في الحلية عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم، وخرجت أماناتهم» ، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله؟ قال: «تعملون بما تعرفون، وتنكرون ما تنكرونه بقلوبكم» . وروى الدارقطنيّ في الإفراد والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية عن الحنبل بن أبي الحسين أنه سمع شريحا يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم [ (1) ] وخربت أماناتهم» ، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله؟ فقال: «تقولون بما تعرفون، وتتركون ما تنكرونه بقلوبكم» . الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل جعل بأس هذه الأمة بينها روى الإمام أحمد والطبراني في الكبير عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي أربعا، فأعطاني ثلاثا، ومنعني واحدة، سألته ألا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلكت الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ومسلم وابن خذيمة وابن حبان عن عامر بن سعد عن

_ [ (1) ] في ج عقولهم.

الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور كنز الفرات

أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» . وروى الطبراني في الكبير عن جبر بن عتيك قال: سألت ربي عز وجل ثلاث خصال لأمتي فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، قلت: يا رب لا تهلك أمتي جوعا، قال: هذه لك، قلت: يا رب، لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم يعني الترك يجتاحهم قال: لك ذلك، قلت: يا رب، لا تجعل بأسهم بينهم فمنعني هذا. الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور كنز الفرات روى الطبراني في الكبير عن أبي بن كعب، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه الناس فيقتل من كل عشرة تسعة» . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ويقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو» . الباب الخامس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بنقض عرى الإسلام وأنه سيعود غريبا كما بدأ وأنه يدرس كما يدرس وشي الثوب روى مسدد برجال ثقات وابن ماجة، والحاكم وصححه عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدرس الإسلام كما يدرس وشيء الثوب، حتى لا يعلم أحد لا صلاة ولا صيام ولا نسك، حتى إن الرجل والمرأة ليقولان: قد كان من قبلنا، يقولون: لا إله إلا الله؟ قال صلة بن أشيم لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ قال: يدخلون بها الجنة وينجون بها من النار» . وروى الحاكم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليكونن أئمة مضلون، وليخرجن على أثر ذلك الدجالون الثلاثة» .

الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بإحراق البيت العتيق

وروى الإمام أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير، والبيهقي والحاكم في السنن والشعب، والضياء عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انقضت عروة تشبثت بالتي تليها، فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة» . الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بإحراق البيت العتيق روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأحمد بن منيع بسند حسن عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا مرج أمر الدين، وظهرت الرّغبة، واختلفت الإخوان وحرق البيت العتيق» . الباب السابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الإيمان بالشام حتى تقع الفتن روى الإمام أحمد عن رجال من الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها: دمشق، فإنها معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاطها منها بأرض يقال لها: الغوطة» . وروى الترمذي وقال: حسن صحيح، وتمام وابن عساكر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتن» ، قيل: يا رسول الله، فما تأمرنا قال: «عليكم بالشام» . الباب الثامن والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بملاحم الروم وتواترها وأن الساعة لا تقوم حتى تكون الروم ذات قرون وتداعي الأمم على أمر الإسلام روى الطيالسي عن ثوبان رضي الله عنه قال: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قيل: من قلة؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم بحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت. وروى الشيرازي في «الألقاب» عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بتكليم السباع الإنس وغير ذلك مما يذكر

«لا تفرحوا بجلب بني حام الملعونين على لسان نوح عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده، لكأني بهم كالشياطين قد داروا بين رايات الفتن، لهم همهمة وزمزمة، تهب السماء من أعمالهم، وتعج الأرض من أفعالهم، لا يروعون عن حرمة ذمتي ولا ملتي، ألا، فمن أدرك ذلك الزمان، فليبك على الإسلام إن كان باكيا» . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله، لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث، لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهاليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته» . الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بتكليم السباع الإنس وغير ذلك مما يذكر روى ابن منيع، وعبد بن حميد، والترمذي وقال: حسن صحيح (غريب وأبو يعلى، وعنه ابن حبان في صحيحه، والإمام أحمد والحاكم) [ (1) ] عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده «لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده» . وروى مسدد والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في آخر الزمان يخرج الرجل من بيته فيرجع، فتخبره عصاه ونعله بما أحدث أهله» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون هجرة إلى مهاجر إبراهيم صلى الله عليه وسلم

الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون هجرة إلى مهاجر إبراهيم صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تكون هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلف» . الباب الحادي والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ويرتفع الركن والمقام روى مسدد بسند على شرط البخاري وأبو يعلى والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا «لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت» . الباب الثاني والثلاثون في بعض ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الشدائد والفتن روى الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان تحل فيه الغربة، ولا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق، أو من جحر إلى جحر، كالطائر يغير فراخه، وكالثعلب بأشباله، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعتزل الناس إلا من خير، ولمائة شاة عفراء بسلع أحب إلي من ملك بني النضير، ذلك إذا كان كذا وكذا» . وقوله: «ولمائة شاة ... » إلى آخره الظاهر أنه مدرج. وروى الطيالسي برجال ثقات عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلين اختصما إلى أبي الدرداء رضي الله عنه في شبر من الأرض فقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنت في أرض، فسمعت رجلان يختصمان في شبر من الأرض فاخرج منها» ، فخرج أبو الدرداء فأتى الشام. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيتكن

الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن مجيء الفتن من قبل المشرق

صاحبه الجمل الأدبب؟ يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت» . وروى نعيم بن حماد في الفتن بسند جيد رجاله ثقات وفيه انقطاع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع فتن تكون بعدي: الأولى تسفك فيها الدماء، والثانية تستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة تستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ تطيف بالشام، وتغشى العراق، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها، تعدل الأمة فيها بالبلاء عدل الأديم، ثم لا يستطيع أحد من الناس أن يقول فيها: مه مه، لا يدفعونها من ناحية إلا انفقعت من ناحية أخرى» . وروى الخطيب عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصابتكم فتنة الضراء فصبرتم، وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء من قبل النساء إذا تسوّرن الذّهب، ولبسن ريط الشام، وعصب اليمن وأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد» . وروى أبو يعلى وابن حبان عن قيس بن أبي حازم عن أنس رضي الله عنه قال: بلغت عائشة بعض مياه بني عامر ليلا فنبحت الكلاب عليها، فقالت: أي ما هذا؟ قالوا: الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ذات يوم: «كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟» فقال الزبير رضي الله عنه لا ترجعين عسى أن يصلح الله بك بين الناس. الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن مجيء الفتن من قبل المشرق روى الإمام مالك والشيخان والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر مستقبل المشرق وهو يقول: «ألا إن الفتنة تجيء من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان» ، قاله ثلاثا وأشار نحو المشرق. وروى الإمام مالك والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «رأس الكفر نحو المشرق.. الحديث» . وللبخاري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان يمان والفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان» . ولمسلم: «الإيمان يمان والكفر قبل المشرق» .

الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن أمته تفتح عليهم مشارق الأرض ومغاربها

وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من هاهنا جاءت الفتن نحو المشرق.. الحديث» . الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن أمته تفتح عليهم مشارق الأرض ومغاربها روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها ألا وعمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة» . الباب الخامس والثلاثون في أحاديث جامعة لأشراط الساعة أخبر بها صلى الله عليه وسلم وجد غالبها وفيه أنواع روى الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشراط الساعة الفحش والتفحش، وسوء الجوار، وقطع الأرحام، وأن يؤتمن الخائن، ويخون الأمين، كمثل القطعة الذهب الجيدة أوقد عليها، فخلصت ووزنت فلم تنقص، ومثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا، ألا إن أفضل الشهداء المقسطون، ألا إن أفضل المهاجرين من هجر ما حرم الله عليه، إلا أن أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، ألا إن حوضي طوله كعرضه أبيض من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد النجوم من أقداح الذهب والفضة، من شرب منه شربة لم يظمأ آخر ما عليها أبدا» . وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد» . وروى الإمام أحمد والبخاري وابن ماجة عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة» . وروى البغوي وابن عساكر عن عروة بن محمد بن عطية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: «إن من أشراط الساعة إخراب العامر، وإعمار الخراب، وأن يكون الغزو فداء، وأن يتمرس الرجل بأمانته كما يتمرس البعير بالشجرة» . وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر، وهو هذا البارز» . وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل» . زاد ابن أبي شيبة عن أنس وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن عن مجاهد رضي الله عنه مرسلا يمسي الرجل فيها مؤمنا، ويصبح كافرا، ويمسي كافرا، ويصبح مؤمنا، يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل» . وروى ابن عساكر في التاريخ عن ابن شريحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط إذا سقطت منه واحدة توالت: خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام وفتح يأجوج ومأجوج والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها» . وروى [ (1) ] الحاكم عن عقبه بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع إلى السماء حتى تملأ السماء، ثم ينادي مناد: أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض، هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم، ومنهم من يشك، ثم ينادي الثانية: يا أيها الناس، فيقول للناس: هل سمعتم؟ فيقولون نعم، ينادي أيها الناس، أتى أمر الله فلا تستعجلوه، فو الذي نفسي بيده، إن الرجلين ينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليمدر حوضه، فما يسقى منه شيئا أبدا، وإن الرجل ليحلب ناقته، فما يشربه أبدا» . وروى الإمام أحمد ومسلم عن المستورد ونعيم بن حماد في الفتن عن ابن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» . وروى الإمام أحمد وأبو الشيخ في العظمة والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل فيقول: من صعق فيكم الغداة؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان» .

_ [ (1) ] من هنا إلى قوله (العظام التي لم تكونوا ترونها) سقط في ج.

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والضياء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء مطرا، ولا تنبت الأرض شيئا» . وروى الطبراني في الكبير عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تزول الجبال عن أماكنها وترون الأمور العظام التي لم تكونوا ترونها» . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال غريب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار» . وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» . وروى البخاري وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض» . وروى الشيخان عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا إرب لي فيه» . وروى ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير وأبو نصر السجزي في الإبانة وابن عساكر عن أبي موسى ولا بأس بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارا ويكون الإسلام غريبا وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يقبض العلم ويهرم الزمان، وينقص عمر البشر وتنقص السنون والثمرات، ويؤمن التهماء ويتهم الأمناء ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى تبنى الغرف فتطاول، وحتى تحزن ذوات الأولاد، وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، ويهلك الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويكثر المطر، ويقل الثمر، ويغيض العلم غيضا ويفيض الجهل فيضا، ويكون الولد غيظا والشتاء قيظا وحتى يجهر بالفحشاء وتزوى الأرض زيا ويقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقي لشرار أمتي فمن صدقهم بذلك ورضي به لم يرح رائحة الجنة» . وروى سمويه والحاكم عن ابن عمر عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمين ممسوحة، والأخرى كأنها زهرة تشق الشمس شقا ويتناول الطير من الجولة ثلاث صيحات يسمعهن أهل المشرق وأهل المغرب ومعه جبلان جبل من دخان ونار وجبل من شجر وأنهار ويقول هذه الجنة وهذه النار»

وسمعته يقول: يخرج من قبله كذاب قال: قلت فما الثالث قال: «إنه أكذب الكذابين إنه يخرج من قبل المشرق يتبعه حشارة العرب وسفلة الموالي أولهم مثبور، وآخرهم مثبور هلاكهم على قدر سلطانهم عليهم اللعنة من الله دائمة» قال: فقلت العجب كل العجب قال: «وأعجب من ذلك سيكون، فإذا سمعت به فالهرب الهرب» قال: قلت: كيف أصنع بمن خلفت قال: «مرهم فليلحقوا برؤوس الجبال» ، قال: قلت فإن لم يتركوا وذاك قال: «مرهم أن يكونوا أحلاسا من أحلاس بيوتهم» قال قلت فإن لم يتركوا وذاك، قال: «يا بن عمر زمان خوف وهرج وسلب» ، قال فقلت: يا أبا عبد الله ما لهذا الهرج من فرج قال: «بلى أنه ليس من هرج إلا وله فرج ولكن أين ما يبقى لها إنها فتنة، يقال لها الجارفة تأتي على صريح العرب، وصريح الموالي وذوي الكنوز وبقية الناس ثم تنجلي عن أقل من القليل» . وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان، لم تخلق له عين، والأخرى كأنها كوكب ممزوجة من دم، يشوي في الشمس شيئا، يتناول الطير من الجولة، ثلاث صيحات يسمعها أهل المشرق والمغرب، له حمار، ما بين عرض أذنيه أربعون باعا، يطأ كل منهل في كل سبعة أيام يسير معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء، وأحدهما فيه دخان ونار يقول: هذه الجنة، وهذه النار» . وروى الخطيب في فضائل قزوين والرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان حتى يأتي الكوفة فيلحقه قوم من المدينة، وقوم من الطور وقوم من ذي يمن وقوم من قزوين» ، قيل: يا رسول الله، وما قزوين؟ قال: «قوم يكونون بآخرة يخرجون من الدنيا زهدا فيها، يرد الله بهم قوما من الكفر إلى الإيمان» . وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج من المشرق فيحشر الناس إلى المغرب» . وروى مسلم والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته» . وروى أبو داود والطيالسي والإمام أحمد ومسلم والأربعة وابن حبان عن أبي الطفيل عن

حذيفة بن أسيد الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، ونار تخرج من قعرة عدن تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن سلامة ابنة الحر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد فلا يجدون إماما يصلي بهم» . وروى الطبراني عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يقبض العلم ويفشو المال، وتفشو التجارة» . ورواه الإمام أحمد والنسائي بلفظ: «ويكثر الهرج» . وزاد «ويظهر القلم، ويبيع الرجل البيع، فيقول: لا، حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحواء العظيم الكاتب فلا يوجد» . وروى ابن النجار عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل» . وروى العسكري في الأمثال عن عمر ورجاله ثقات: «إن من أشراط الساعة أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وأفضل الناس مؤمن بين كريمين» . وروى الطبراني وابن المبارك عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عن الأصاغر» . وروى الحاكم عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل، وتظهر الفتن، وتفشو التجارة» . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة» .

الباب السادس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج المهدي

الباب السادس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج المهدي روى الإمام أحمد والحاكم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فائتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي» . وروى الترمذي وقال: حسن عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا- شك زيد- فيجيء إليه الرجل، فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله» . وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج المهدي في أمتي خمسا أو سبعا أو تسعا» قال قلت أي شيء قال «سنين ثم يرسل عليهم السماء مدرارا، ولا تدخر الأرض من نباتها شيئا، ويكون المال كدوسا» ، وقال «يجيء الرجل إليه، فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل» . وروى الحاكم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا» يعني حججا. وروى الإمام أحمد والباوردي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا بالمهدي، رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويقسم المال صحاحا» ، قالوا: وما صحاحا يا رسول الله؟ قال: «بالسوية، ويملأ قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله، حتى أنه يأمر مناديا فينادي فيقول، من كان له حاجة إلي فليأتيني؟ فما يأتيه أحد إلا رجل واحد يأتيه فيسأله، فيقول: ائت السدان حتى نعطيك، فيأتيه، فيقول: أنا رسول المهدي إليك أرسلني لتعطيني مالا، فيقول: احث، فيحثي ولا يستطيع أن يحمله، فيلقي حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله، فيخرج فيندم، فيقول: إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه فلبث في ذلك ستا أو سبعا أو ثمانيا أو تسع سنين ولا خير في الحياة بعده» . وروى ابن ماجه والطبراني في الكبير عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من قبل المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه» . وروى أبو يعلى وابن خذيمة وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلما وعدوانا، ثم يخرج رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا» . وروى الرافعي- في تاريخ قزوين- وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية، وجبل الديلم، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها» وفي لفظ: «لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم والقسطنطينية» . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وسمويه والضياء في المختارة بسند ضعيف عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي أجلى أقنى، يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله ظلما، يكون سبع سنين» . وروى الطبراني في الكبير والدارقطني في الإفراد والحاكم وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لملك فيها رجل من أهل بيتي» وفي لفظ: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل» وفي لفظ: «لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وقال: حسن صحيح- والطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» . وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» . وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يلي رجل من أهل بيتي» . وروى ابن عدي والطبراني في الكبير وابن عساكر عن معاوية بن قرة المزني عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتملأن الأرض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما يبعث الله رجلا (مني) [ (1) ] اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فلا تمنع السماء شيئا من قطرها، ولا الأرض شيئا من نباتها يلبث فيكم سبعا أو ثمانيا، فإن أكثر فتسعا» يعني التسع سنين.

_ [ (1) ] في ج من أهل بيتي.

الباب السابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج الدجال وفيه أنواع

وروى ابن عساكر عن علي بن الحسين عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشري يا فاطمة، المهدي منك» . وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عباس يا عم النبي، إن الله ابتدأ الإسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يتقدم عيسى ابن مريم» . وروى الخطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبرك أن الله فتح هذا الأمر بي ويختمه بولدك» . الباب السابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج الدجال وفيه أنواع الأول: في كثرة المطر وقلة النبات قبله وتحذيره صلى الله عليه وسلم منه. روى أبو يعلى والبزار برجال ثقات عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون أمام الدجال سنون خوادع، يكثر فيها المطر، ويقل فيها النبات ويكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويضة» ، قيل: يا رسول الله، وما الرويضة؟ قال: «من لا يؤبه له» . وروى الطيالسي وابن أبي شيبة، والحميدي والإمام أحمد والحارث وأبو يعلى عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان قبل خروج الدجال بثلاث سنين حبست السماء ثلث قطرها، وحبست الأرض ثلث نباتها، فإذا كانت الثانية حبست السماء ثلثي قطرها، وحبست الأرض ثلثي نباتها، فإذا كانت السنة الثالثة حبست السماء قطرها كله، وحبست الأرض نباتها كله، فلا يبقى ذو خف ولا ظلف إلا هلك» .. الحديث. وفيه: قالوا: يا رسول الله، ما يجزئ المؤمنين يومئذ؟ قال: «يجزئ المؤمنين ما يجزئ الملائكة من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد» . ثم قال: «لا تبكوا فإن يخرج الدجال، وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي على كل مسلم» . وروى الإمام أحمد برجال ثقات وأبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا شديدا يكون بين يدي الدجال، فقلت: يا رسول الله، ما يجزئ المؤمن يومئذ من الطعام؟ قال: «التسبيح والتهليل» قلت: فأي المال يومئذ خير؟ قال: «غلام شديد يسقي أهله من الماء، أما الطعام فلا طعام» .

الثاني: فيما يقوله من رأى الدجال.

الثاني: فيما يقوله من رأى الدجال. روى أحمد بن منيع برجال ثقات والإمام أحمد والحاكم عن أبي قلابة عن هشام بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك، وإنه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن ومن قال كذبت ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب فلا يضره أو قال: ولا فتنة عليه» . الثالث: في وجوده الآن. روى أبو يعلى من طريق علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال قد أكل ومشى في الأسواق» . وروى أبو يعلى من طريق مجالد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أن الدجال قد أكل الطعام ومشى في الأسواق» . وروى الحميدي من طريق علي بن زيد بن جدعان عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما إنه قد أكل الطعام، ومشى في الأسواق» يعني الدجال. الرابع: في مكان خروجه. روى سمويه والحاكم عن ابن عمر عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمين ممسوحة، والأخرى فإنها زهرة» . روى الحاكم وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان لم تخلق له عين والأخرى كأنها كوكب ممزوجة من دم يشوي في الشمس شيئا يتناول الطير من الجولة ثلاث صيحات يسمعها أهل المشرق والمغرب له حمار ما بين عرض أذنيه أربعون باعا يطأ كل منهل في كل سبعة أيام معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء وأحدهما فيه دخان ونار يقول هذه الجنة وهذه النار» . وروى الخطيب- في فضائل قزوين- والرافعي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان حتى يأتي الكوفة، فيلحقه قوم من المدينة، وقوم من الطور، وقوم من ذي يمن، وقوم من قزوين» قيل: يا رسول الله، وما قزوين؟ قال: «قوم يكونون بآخرة، يخرجون من الدنيا زهدا فيها، يرد الله بهم قوما من الكفر إلى الإيمان» .

الخامس: في صفته وأن كل نبي أنذر قومه الدجال.

وروى الطيالسي وابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن منيع وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان» . . الحديث. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى من طريق محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفا من اليهود عليهم التيجان» . وروى مسدد موقوفا- برجال ثقات- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يخرج الدجال من نحو المشرق ... الحديث. وروى مسدد عن العريان بن الهيثم عن أبيه رضي الله عنه قال: ذكروا الدجال، فقال عبد الله بن عمرو: إن بأرضكم أرضا يقال لها: كوثا، ذات سباخ ونخل؟ فقالوا: نعم، فقال: فإنه يخرج منها. وروى أبو يعلى والحاكم وصححه وابن جرير في تهذيبه عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من أرض من قبل المشرق يقال لها خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة» . الخامس: في صفته وأن كل نبي أنذر قومه الدجال. روى الطيالسي بسند صحيح وابن أبي شيبة والإمام أحمد رضي الله عنه عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث وفيه: «ألا وإنه» أي الدجال «أعور عينه اليسرى، وباليمين ظفرة غليظة، بين عينيه كافر» . وروى الطبراني عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحذركم المسيح وأنذركموه، وكل نبي قد حذر قومه، وهو فيكم أيتها الأمة، وسأحكي لكم من نعته ما لم يحك الأنبياء قبلي لقومهم، يكون قبل خروجه سنون خمس حدب حتى يهلك كل ذي حافر» قيل: فبم يعيش المؤمنون؟ قال: «بما تعيش به الملائكة، ثم يخرج وهو أعور وليس الله بأعور بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتبا وغير كاتب، أكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب، ترون السماء تمطر وهي لا تمطر، وترون الأرض تنبت وهي لا تنبت، ويقول للأعراب: ما تبغون مني؟ ألم أرسل السماء عليكم مدرارا وأحيي لكم أنعامكم شاخصة دارها، خارجة خواصرها، دارة ألبانها، وتبعث معه الشياطين على صورة من قد مات من الآباء والإخوان والمعارف فيأتي أحدهم إلى أبيه وأخيه وذي رحمه، فيقول. ألست فلانا؟ ألست تعرفني، هو ربك فاتبعه، يعمر أربعين سنة، السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة في النار، يرد كلّ منها إلا المسجدين» ثم قام

رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فسمع بكاء الناس وشهيقهم فرجع فقام بين أظهرهم فقال: «أبشروا فإن يخرج وأنا بين أظهركم، فالله كافيكم ورسوله، وإن يخرج بعدي فالله خليفتي على كل مسلم» . وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا حذر أمته وسأحذركموه بحديث لم يحذره نبي أمته، إنه أعور والله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن..» الحديث. وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال، وإني آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه يخرج من خلة بين العراق والشام، وعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله، اثبتوا فإنه يبدأ يقول: أنا نبي ولا نبي بعدي، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن فمن لقيه فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتح سورة أصحاب الكهف، وإنه يسلط على نفس من بني آدم فيقتلها، ثم يحييها، وإنه لا يعدو ذلك، ولا يسلط على نفس غيرها، وإن من فتنته أن معه جنة ونارا، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلى بناره، فليغمض عينيه، وليستعن بالله تكون بردا وسلاما كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم، وإن أيامه أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كالأيام، (وآخر أيامه) [ (1) ] كالسراب، يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل أن يبلغ بابها الآخر، قالوا: وكيف نصلي يا رسول الله في تلك الأيام القصار؟ قال: «تقدرون فيها كما تقدرون في الأيام الطوال» . وروى الطيالسي وابن أبي شيبة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال أعور هجان أزهر، كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإن هلك الهالك فإن ربكم ليس بأعور» . وروى مسدد والإمام أحمد وأحمد بن منيع والحارث برجال ثقات عن قتادة بن أمية رحمه الله تعالى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنذركم الدجال ثلاثا، فإنه جعد ممسوح العين اليسرى» . انتهى. وروى ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نبي إلا حذر أمته الدجال، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .

_ [ (1) ] في ج ويوم.

السادس: في ادعائه إذا خرج الصلاح ثم ادعائه النبوة ثم الربوبية

وروى أبو يعلى عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فكان أكثر خطبته حديثا، حدثناه عن الدجال، فكان من قوله أن قال: «إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا قط بعد نوح إلا حذر أمته، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم، فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج بعدي، فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم» . . الحديث. وروى الإمام أحمد، وأحمد بن منيع برجال ثقات عن هشام بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك [وإنه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن ومن قال كذبت ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب فلا يضره أو قال فلا فتنة عليه] » . وروى أبو يعلى من طريق مجالد بن سعيد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إن كل نبي أنذر قومه الدجال، ألا وإنه قد أكل الطعام، ألا إني عاهد إليكم عهدا لم يعهده نبي لأمته، ألا وإن عينه اليمنى ممسوحة كأنها نخاعة في جانب حائط، ألا وأن عينه اليسرى كأنها كوكب دري.. الحديث. السادس: في ادعائه إذا خرج الصلاح ثم ادعائه النبوة ثم الربوبية روى الطبراني بسند واه عن عبد الله بن معتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال ليس به خفاء، إنه يجيء من قبل المشرق، فيدعو لي فيتبع، وينصب للناس فيقاتلهم ويقاتلونه فيظهر عليهم، فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر دين الله ويعمل به فيتبع ويحب على ذلك، ثم يقول بعد ذلك إني نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك حتى يقول: أنا الله فتغشى عينه، وتقطع أذنه، ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» . . الحديث. السابع: في أنه يطأ الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس والطور. روى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد وأبو داود وأبو يعلى وأبو عوانة والحاكم والضياء المقدسي في المختارة عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال معه نهر ماء ونار، فمن دخل نهره وجب وزره وحط أجره، ومن دخل ناره، وجب أجره وحط وزره» قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: «ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة» . وروى الإمام أحمد وابن خزيمة وأبو يعلى والحاكم والضياء عن جابر رضي الله عنه أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال في خفة من الدين وإدبار من العلم، وله أربعون يوما يسيحها في الأرض، اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، فيقول للناس: أنا ربكم، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يمر بكل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابهما، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منه، نهر يقول له الجنة ونهر يقول له النار، فمن أدخل الذي يقول الجنة، فهو النار، ومن أدخل الذي يقول النار فهو الجنة، ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتية عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس لا يسلط على غيرها من الناس، فيقول للناس: أيها الناس، هل يفعل مثل هذا إلا الرب؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى عليه السلام فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني، فإذا هم بعيسى ابن مريم عليه السلام فتقام الصلاة فيقال له: تقدم يا رسول الله وروح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله، هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله» . وروى الإمام أحمد والشيخان والدارمي عن أنس بن مالك والطبراني عن عبد الله بن عمرو والطحاوي عن نجادة بن أي أمية عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من بلد إلّا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» . وقال الطبراني: إلا الكعبة وبيت المقدس، وقال الطحاوي: ومسجد الطور، وفي رواية: فلا يبقى موضع إلا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور، فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع، وليس نقب من أنقابها- يعني المدينة- إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق» . وفي رواية: «يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة، فيأتي المدينة، فيجد عند كل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه، فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة» [ (1) ] .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الثامن: في أحاديث جامعة لبيان حال الدجال.

وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي (وقال صحيح) [ (1) ] وأبو عوانة وابن حبان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الدجال المدينة فيجد الملائكة يحرسونها فلا يدخلها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله» . وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون» . وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة» . وروى ابن أبي شيبة والبخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان» [ (2) ] . وروى الزبير بن بكار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجمع السيول، فقال: «ألا أخبركم بمنزل الدجال من المدينة ثم قال: هذا منزله، يريد المدينة لا يستطيعها يجدها منتظمة بالملائكة، على كل نقب من أنقابها ملك شاهر سلاحه لا يدخلها الدجال ولا الطاعون فتنزل بالمدينة وبأصحاب الدجال زلزلة لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، وأكثر من تبعه النساء فلا يشهر الرجل منهن سيفه» . قال السيد نور الدين رضي الله عنه: يستفاد من هذا الحديث أن المراد من قوله في الأحاديث المتقدمة: فترجف المدينة يعني بسبب الزلزلة لا يشكل بما تقدم من أنه لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، ويستغنى عما جمع به بعضهم من أن الرعب المنفي هو أن لا يجعل لمن بها بسبب قربه منها خوف أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها، والمراد بالرجفة ساعة مجيئه، وأنه لا طاقة لأحد به فيسارع حينئذ إليه من كان يوصف بالنفاق والفسق. قال الحافظ وما قدمناه أولى. الثامن: في أحاديث جامعة لبيان حال الدجال. وردت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [ (1) ] في ج برجال الصحيح. [ (2) ] سقط في ج.

مطولة ومختصرة، وفي كل حديث ما ليس في الآخر فأدخلت بعضها في بعض، ورتبت القصة على نسق واحد، فأقول: روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني وأبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن سمرة بن جندب، والطبراني عن عبد الله بن مغفل، وأبو يعلى عن أبي سعيد، والبزار بأسانيد حسنة، وابن كثير عن جابر، والطبراني من طريق آخر، وأحمد بن حنبل وقاسم بن أصبغ من طريق آخر، وأحمد والحاكم- بسند جيد- والطيالسي وأحمد وأبو القاسم والبغوي في معجمه عن سفينة، والإمام أحمد والستة عن النواسي بن سمعان، وابن ماجة وابن أبي عمر وتمام في فوائده، والطبراني في المطولات عن أبي أسامة، والطيالسي وعبد الرزاق والإمام أحمد والطبراني عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله، لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، أحدهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى الشيخ من الأنصار، وإنه متى يخرج» أو قال: «متى ما يخرج فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه فليس ينفعه صالح من عمل له سلف، ومن كفر به وكذبه فليس يعاقب بشيء من عمل له سلف، وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، ويحصره» وفي لفظ: «يحصر المؤمنين في بيت المقدس فيزلزلون زلزالا شديدا فيهزمه الله تعالى وجنوده، ويهلكه الله تعالى حتى إن حرم الحائط أو أصل الشجرة ينادي يا مؤمن، هذا يهودي أو كافر مستتر بي فتعال فاقتله، ولن يكون ذاك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم فتتساءلون بينكم، هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تزول جبال عن مراتبها، ثم على أثر ذلك القبض» وأشار بيده إلى الموت. وروى الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال ومعه سبعون ألفا من الحاكة، على مقدمته أشعر من فيهم، يقول: بدو بدو» . وروى مسلم وأبو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، فيقولون: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه، قال: فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن، قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، فيقول: أوما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطيعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما

التاسع: في من أشد الناس عليه.

ازددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول: يا أيها الناس، إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقى به في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين» . وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو عوانة وابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتبع الدجال من يهودية أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة» . وروى الإمام أحمد والشيخان، وابن حبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله الثانية فلا يسلط عليه» . التاسع: في من أشد الناس عليه. روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني تميم، فقال: «هم ضخام الهام ثبت الأقدام، أنصار الحق في آخر الزمان أشد قوما على الدجال» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم أن رجلا قال: أبطأ هؤلاء القوم بصدقاتهم، فأقبلت نعم حمر وسود لبني تميم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه نعم قومي» ، ونال رجل من بني تميم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تقل لبني تميم إلا خيرا، فإنهم أطول الناس رماحا على الدجال» .

الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى ابن مريم صلى الله عليهما وسلم

الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى ابن مريم صلى الله عليهما وسلم روى الإمام أحمد والطبراني والروياني والضياء عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال خارج، وإنه أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، ويقول للناس: أنا ربكم، فمن قال: أنت ربي فقد فتن، ومن قال: ربي الله، حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنة الدجال ولا فتنة عليه، فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم من قبل المغرب مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم فيقتل الدجال وإنما هو قيام الساعة» . وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن روح الله عيسى ابن مريم نازل فيكم فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك الله في زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمنة على أهل الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون» . وروى الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين (لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما) فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى تقبضهم، فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله مطرا كأنه الظل فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس، هلم إلى ربكم وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات 24] أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق» . وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم

الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم حكما مقسطا، وإماما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعمال أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون القسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون- وذلك باطل- فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا يذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته» . وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، وإماما عادلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» . وروى مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله، لينزلن عيسى ابن مريم حكما عدلا فليكسر الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، وليتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض، والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد» . وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما» . وروى (البخاري) [ (1) ] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم» وفي لفظ «وإمامكم منكم» .

_ [ (1) ] في ج الشيخان.

الباب التاسع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج يأجوج ومأجوج وفيه أنواع

الباب التاسع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج يأجوج ومأجوج وفيه أنواع الأول: في نسبتهم. روى عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولن يموت الرجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وإن من ورائهم ثلاث أمم قاويل وتاريس ومنسك» . الثاني: في كثرتهم. روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج فقال: «يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة بأربعمائة ألف أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح ... » . وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمرو بن أوس عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاءوا، وشجر يلقحون ما شاءوا، فلا يموت الرجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا» . وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما مات رجل من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذري لصلبه» . وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الرجل من يأجوج ومأجوج ليترك بعده من الذرية ألفا فما زاد، وإن وراءهم ثلاث أمم منسك وقاويل وتاريس لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى» . وروى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إن الله عز وجل جزأ الخلق عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء الملائكة، وجزءا سائر الخلق وجزأ الملائكة عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزءا لرسالته وجزأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الجن وجزءا بني آدم وجزأ بني آدم عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزءا سائر الناس، والسماء ذات الحبك قال السماء السابعة والحرم بحيال عرشه. وروى عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة رحمه الله تعالى قال: أن الله تعالى جزأ الإنس عشرة أجزاء، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج، وجزء سائر الناس.

الثالث: في صفتهم.

وروى ابن المنذر وأبو الشيخ عن حسان بن عطية رحمه الله تعالى قال: إن يأجوج ومأجوج خمس وعشرون أمة، لا تشبه واحدة منها الأخرى. الثالث: في صفتهم. روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن يأجوج ومأجوج: «هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز» . قلت: وما هو الأرز؟ قال: «شجرة الصنوبر، شجرة بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في السماء» . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم الذين لا يقوم لهم الجبل ولا حديد. وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى ولا يمرون بقليل ولا كثير ولا بجمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد- ورواته ثقات- عن خالد بن عمر وعن ابن حرملة عن خالته رضي الله عنها قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب، فقال: «إنكم تقولون: لا عدو، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوا حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة» . وروى ابن المنذر عن كعب رحمه الله تعالى قال: «خلق يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف، صنف أجسامهم كالأرز، وصنف أربعة أذرع طول وأربعة أذرع عرض، وصنف يفترشون آذانهم، ويلتحفون بالأخرى ويأكلون مشائم نسائهم» . الرابع: في بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ليلة الإسراء إن صح الخبر. وروى نعيم بن حماد في الفتن وابن مردويه بسند واه جدا عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثني الله عز وجل ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وعبادته فأبوا أن يجيبوني فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس» . الخامس: في نقبهم السد كل يوم من حين بني. روى الشيخان عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمرا وجهه، وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» - وعقد سفيان تسعين ومائة- قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث» .

السادس: في خروجهم وكونه زمن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم

وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فتح الله اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وعقد بيده تسعين. السادس: في خروجهم وكونه زمن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة، والإمام أحمد وابن ماجة وأبو يعلى وابن المنذر والحاكم- وصححه- عن أبي سعيد وابن جرير عنه من طريق آخر، والإمام أحمد ومسلم والأربعة عن النواس بن سمعان، وابن جرير عن حذيفة وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنهم موقوفا عليهما وله حكم المرفوع، وابن جرير عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال الأربعة الأول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السد: «يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا، قال: فيعيده الله كأشد ما كان» . وفي حديث كعب، قال: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل، قالوا: نجيء غدا فنخرج فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل قالوا: نجيء غدا، فنخرج، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم. انتهى، وفي حديث أبي علي: فيلحسونه وقد جعلوه مثل قشر البيض. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه حتى إذا بلغوا مدتهم، وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم: ستخرقونه غدا إن شاء الله تعالى، واستثنى، فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيفر الناس منهم إلى حصونهم» . وفي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا عند الحاكم، بعد أن ذكر قتل عيسى عليه الصلاة والسلام للدجال وكسره الصليب، وقتله الخنزير ووضعه الجزية، قال: فبينما هم كذلك أخرج الله تعالى يأجوج ومأجوج. وفي حديث النواس بن سمعان: فيوحي الله تعالى إلى عيسى ابن مريم أن قد أخرجت عبادا من عبادي، لا بد أن تقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور، فيبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [الأنبياء 96] فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ثم يمر آخرهم فيقول لقد كان في هذه ماء ... وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لقيه ليلة الإسراء الأنبياء،

وقول عيسى عليه السلام، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون، فيطوف بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه. وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيسيرون إلى خراب الدنيا، وتكون مقدمتهم بالشام، وساقتهم بالعراق، فيمرون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات، ودجلة وبحيرة طبرية. وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه المرفوع ويشربون مياه الأرض حتى إن أحدهم ليمر بالنهر، فيشرب ما فيه حتى يتركوه يبسا، حتى إن بعضهم من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقولون: قد كان هاهنا مرة ماء. وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية، فيلحسون طينها، ثم تمر الزمرة الثالثة، فيقولون: قد كان هاهنا مرة ماء، فيأتون بيت المقدس، فيقولون: قد غلبنا أهل الدنيا، فيرمون سهامهم في السماء، وفي لفظ: بالنشاب إلى السماء فترجع سهامهم مخضبة بالدم، وفي حديث أبي سعيد المرفوع رضي الله عنه حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أخذ في حصن أو مدينة، قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض، قد فرغنا منهم، وبقي أهل السماء، فيهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع إليه مخضبة دما: للبلاء والفتنة. وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيقولون: قد قتلنا من في السماء. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيقولون: قد قهرنا من في الأرض وعلونا وفي لفظ وغلبنا من في السماء. وفي حديث أبي سعيد عند أحمد بن منيع رضي الله عنهما ثم يصبح يأجوج ومأجوج، فيهلكون من في الأرض إلا من تعلق بحصن، فلما فرغوا من أهل الأرض، أقبل بعضهم على بعض فقالوا: إنما بقي من في الحصون ومن في السماء، فيرمون سهامهم فخرت عليهم مخضوبة دما، فقالوا: قد استرحتم ممن في السماء، وبقي من في الحصون، فحاصروهم حتى إذا اشتد عليهم البلاء والحصر. وفي حديث النواس رضي الله عنه ويحضر نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله تعالى نغفا في أعناقهم فتهلكهم غير عيسى وأصحابه، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة.

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشام إلى حاق المشرق حتى تنتن الأرض من جيفهم، فو الذي نفسي بيده، إن دواب الأرض تسمن وتئط وتسكر سكرا من لحومهم. وفي حديث أبي سعيد عند أبي يعلى والحاكم رضي الله عنه فقال رجل: قتلهم الله ورب الكعبة، قال: إنما يفعلون هذا مخادعة فنخرج إليهم فيهلكوننا كما أهلكوا إخواننا، فقال: افتحوا لي الباب، فقالوا: لا نفتح، فقال: دلوني بحبل، فلما نزل وجدهم موتى، فخرج الناس من حصونهم. وفي حديث النواس رضي الله عنه فيهبط نبي الله عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم، حيث شاء الله، ويستوقد الناس من قسيهم ونشابهم سبعا، ويرسل الله تعالى مطرا، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ويقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وفي حديث أبي سعيد عند ابن جرير رضي الله عنه ويغرس الناس بعد النخل والشجر، وتخرج الأرض ثمرتها. وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس يغرسون بعدهم الغرس ويتخذون الأموال، فيومئذ يأكل النفر من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، فيتهارجون تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة» . وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم، وينبتها حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن، قيل: وما السكن يا كعب؟ قال: أهل البيت، قال: فبينما الناس على ذلك إذ أتاهم الصرايخ أن ذا السويقتين أتى البيت يريده، فيبعث عيسى ابن مريم عليه السلام طليعة سبعمائة أو بين سبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله تعالى ريحا يمانية طيبة فتقبض فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى محاح من الناس فيتسافدون كما تتسافد البهائم، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينظرها متى تقنع.

الثامن: في حج الناس بعدهم.

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عند ابن جرير رضي الله عنه فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها. وروى ابن المنذر عن كعب رضي الله عنه قال: عرض أسكفة يأجوج ومأجوج التي تفتح لهم أربعة وعشرون ذراعا تحفيها حوافر خيلهم، والعليا اثنا عشر ذراعا تحفيها أسنة رماحهم. الثامن: في حج الناس بعدهم. روى عبد بن حميد برجال ثقات عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الناس يحجون ويعتمرون، ويغرسون النخل بعد يأجوج ومأجوج» ورواه البخاري في صحيحه دون قوله: «ويغرسون النخل» والحاكم ولفظه: «ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج » ، والجمع بينهما أن يحج ويعتمر بعد ذلك ثم ينقطع الحج بمرة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق:. يأجوج: بمثناة تحتية وألف فجيمين بينهما واو ساكنة. مأجوج: كذلك إلا أن أوله ميم مهموزين وغير مهموزين [يأجوج ومأجوج: هما قبيلتان من خلق الله تعالى] .

الباب الأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحبشة تهدم الكعبة

الباب الأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحبشة تهدم الكعبة روى ابن أبي شيبة والشيخان والنسائي عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير وفي سنده ابن إسحاق، وهو ثقة لكنه يدلس عن ابن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أقيرع يضرب عليها بمسحاته ومعوله» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت إلا أهله يستخرجون كنزه» . وروى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عمرو والإمام أحمد رضي الله عنه عن رجل من أصحاب النبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» . وروى أبو نعيم في الحلية والحاكم والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حجوا قبل أن لا تحجوا، فكأني أنظر إلى حبش أصيلع، أقيرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا» . وروى أبو داود عن رجل من الصحابة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم» . ورواه أبو داود في الملاحم عن أمامة بن سهل عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. الباب الحادي والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج الدابة وفيه أنواع الأول: في سبب خروجها. روى ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل 82] قال: «ذلك حين لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن

الثاني: في صفتها.

منكر» ، رواه ابن المبارك وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، والحاكم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا على حكم الرفع. الثاني: في صفتها. روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الدابة: «إنها ذات ريش وزغب، وإنه يخرج ثلثها حضر الفرس الجواد ثلاثة أيام وثلاث ليال» . وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن الدابة فيها من كلّ لون ما بين قرنيها فرسخ للراكب. وروى ابن أبي حاتم عن النزال بن سبرة رضي الله عنه قال: قيل لعلي رضي الله عنه: أن أناسا يزعمون أنك دابة الأرض، فقال: والله، إن لدابة الأرض ريشا زغبا ومالي ريش ولا زغب، وإن لها لحافرا ومالي حافر، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا وما خرج ثلثاها. الثالث: في وقت خروجها ومن أين تخرج وتكرر خروجها. روى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى، فتحملهم بين نحرها وذنبها، فلا يبقى منافق إلا خطمته وتمسح المؤمن، فيصبحون وهم بشر من الدجال. وروى أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ألا أريكم المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن دابة الأرض تخرج منه» ، فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا. وروى البخاري في تاريخه، وابن ماجة وابن مردويه عن بريدة رضي الله عنه قال: ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب من مكة، فإذا بأرض يابسة حولها رمل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج الدابة من هذا الموضع» فإذا شبر في شبر. وروى ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس الشعب جلاد» - مرتين أو ثلاثا- قالوا: ومم ذاك يا رسول الله؟ قال: «تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات ليسمعها من بين الخافقين» . وروى الإمام أحمد وسمويه وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يعمرون فيه حتى يشتري الرجل البعير فيقال: ممن اشتريت؟ فيقال: من أحد المخطمين» .

الرابع: في أحاديث جامعة.

الرابع: في أحاديث جامعة. روى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان، وعصى موسى فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل الحواء يجتمعون فيقول: هذا يا مؤمن، ويقول هذا يا كافر. الباب الثاني والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بطلوع الشمس والقمر من المغرب وروى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تغيب الشمس تحت العرش فيؤذن لها فترجع، فإذا كانت تلك الليلة تطلع صبحتها من المغرب لم يؤذن لها» . وروى الطبراني في الكبير والبغوي والخطيب وابن النجار عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول الآيات طلوع الشمس من مغربها» . وروى الطبراني في الكبير والحاكم وابن مردويه عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدجال والدخان، ونزول عيسى عليه السلام، فيأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تحشر الذر والنمل» . وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولتقومن الساعة، وقد انصرف الرجل بلين لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» . وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس إنّ هذه تجري إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فتخر ساجدة، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك،

الباب الثالث والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع في هذه الأمة مسخ وخسف وقذف وإرسال صواعق وشياطين وغير ذلك مما ذكر. وفيه أنواع

فتصبح طالعة من مغربها، أتدرون متى ذاك؟ حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي: إلهي، مرني أن أسجد لمن شئت، قال فتجتمع إليه زبانيته، فيقولون: يا سيدهم، ما هذا التضرع؟ فيقول: أنا سألت ربي عز وجل إن ينظرني إلى يوم الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا أول خطوة تضعها في أنطاكية فتأتي إبليس فتلطمه» . الباب الثالث والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع في هذه الأمة مسخ وخسف وقذف وإرسال صواعق وشياطين وغير ذلك مما ذكر. وفيه أنواع الأول: في المسخ. روى مسدد عن عطاء قال لي عبادة بن الصامت رضي الله عنه يا عطاء، كيف تصنعون إذا فرت منكم علماؤكم وقراؤكم وكانوا في رؤوس الجبال مع الوحوش؟ قلت: ولم ذاك أصلحك الله؟ قال: خشيت أن تقتلوهم وكتاب الله بين أظهرنا، قال: ثكلتك أمك يا عطاء أو لم يؤت التوراة اليهود فتركوها، وضلوا عنها؟ أو لم يؤت النصارى الإنجيل؟ ... ] الحديث. وروى مسدد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يمسخ قوم من أمتي آخر الزمان قردة وخنازير» ، قالوا: يا رسول الله، أمسلمون هم؟ قال: «نعم، يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويصومون ويصلون» ، قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: «اتخذوا المعازق والقينات والدفوف، وشربوا الأشربة، فباتوا على شرابهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير» ، ورواه ابن حبان بلفظ لا تقوم الساعة حتى يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو يعلى برجال ثقات عن صحار بن صخر العبري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل فيقال من بقي من بني فلان؟ فعرفت حين قال قبائل أنها العرب، لأن العجم تنسب إلى قراها» . وروى الإمام أحمد عن فرقد السبخي رحمه الله تعالى قال: حدثني حبيب أبو حبيب الشامي عن أبي عطاء عن عبادة بن الصامت وحدثني شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم وحدثني عاصم بن عمر البجلي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني سعيد بن المسيب،

الثاني في الخسف:

أو حدثت عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم الحرام واتخاذهم القينات، وشربهم الخمر، وبأكلهم الربا، ولبسهم الحرير» . الثاني في الخسف: روى الحميدي برجال ثقات عن بقيرة امرأة القعقاع بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريبا فقد أظلت الساعة» . وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من تبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جندا من جنده، فيهزمهم بنفسه، فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صاروا ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم» . وروى نعيم بن حماد في الفتن عن قتادة مرسلا، والإمام أحمد والنسائي عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث الله إلى مكة جند من الشام فإذا كانوا ببيداء الأرض خسف بأولهم وآخرهم، وفي لفظ الطبراني يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلا من أهل مكة حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم، لينظر ما فعل القوم، فيصيبهم ما أصابهم» ، قيل: فكيف بمن كان مستكرها؟ قال: «يصيبهم كلهم ذلك، ثم يبعث الله كل امرئ منهم على نيته» ، وفي لفظ: «يبعث جند إلى هذا الحرم فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم، وما ينج أوسطهم» ، قيل: أرأيت إن كان فيهم مؤمنون؟ قال: «يكون لهم فتوراء» . وروى أبو داود والطيالسي وعبد الله بن الإمام أحمد وسمويه والخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن ماجة والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة والطبراني في الكبير عن سعيد بن المسيب مرسلا وعبد الله بن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير، وليصيبنهم خسف، ومسخ، وقذف حتى يصبح الناس فيقولون قد خسف الليلة ببني فلان، وخسف الليلة بدار فلان خواص، وليرسلن عليهم حاصبا من السماء كما أرسلت على قوم لوط، وعلى قبائل فيها وعلى دور فيها، وليرسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادا على قبائل فيها، وعلى دور فيها، بشربهم الخمر ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعتهم الرحم» وروى بن أبي شيبة والطبراني في الكبير والحاكم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبايع الرجل من أمتي بين الركن والمقام كعدة أهل بدر

فيأتيه عصب العراق، وأبدال الشام فيأتيهم جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، ثم يسير إليه رجل من قريش أخواله كلب فيهزمهم الله، فكان يقال الخائب من خاب من غنيمة كلب» . وروى الحاكم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتهي البعوث عن غزو بيت الله حتى يخسف بجيش منهم» . وروى ابن ماجة عن صفية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزوه جيش حتى إذا كانوا بالبيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم» ، قلت يا رسول الله: أرأيت المكره قال: «يبعثهم الله على ما في أنفسهم» . وروى نعيم بن حماد عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخسف برجل كثير المال والولد» . وروى الإمام أحمد والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والحاكم والضياء عن عبد الرحمن بن صحار بن صخر العبدي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل حتى يقال من بقي من بني فلان» . وروى ابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بدّ من مسخ وخسف ورجف» ، قالوا يا رسول الله، في هذه الأمة؟ قال: «نعم، إذا اتخذوا القيان واستحلوا الزنا، وأكلوا الربا، واستحلوا الصيد في الحرم، ولبس الحرير، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء» . وروى عبد الله بن الإمام أحمد في روائد الزهد عن عبادة بن الصامت، وعن عبد الرحمن بن غنم وعن أبي أمامة وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو، فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم الحرام واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير» . وروى نعيم بن حماد في الفتن عن مالك الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من هذه الأمة قوم قردة وقوم خنازير، وليصبحن فيقال: خسف بدار بني فلان، ودار بني فلان، وبينما الرجلان يمشيان يخسف بأحدهما لشرب الخمور ولبس الحرير، والضرب بالمعازف الزمارة» . وروى ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف» .

الثالث في كثرة الصواعق:

وروى البخاري وأبو داود وابن حبان والنسائي والطبراني في الكبير والبيهقي عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرام والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام على جنب علم تروح عليهم سارحتهم فيأتيهم آت لحاجته فيقولون له ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويقع العلم عليهم، ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» . وروى الترمذي وقال: غريب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف وشرب الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة، وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه، فتتابع» . وروى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال، فبشرهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق فيمسخ بعضهم، ويخسف ببعض ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» . الثالث في كثرة الصواعق: روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والحارث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل فيقول من صعق تلكم الغداة؟ فيقولون: فلان وفلان» . الرابع في أحاديث تجمع الأنواع الثلاثة: روى عبد بن حميد وابن ماجة عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف» قيل: فمتى ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا ظهرت القينات والمعازف، واستحلت الخمور» . وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ ورجف وقذف» . الخامس في الممسوخ لا نسل له: روى أبو يعلى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من مسخ أيكون له نسل؟ قال: «ما مسخ أحد قط فكان له نسل ولا عقب» .

الباب الرابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بما يؤول إليه أمر المدينة الشريفة

وروى أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير هل هي من نسل اليهود؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله لم يلعن قوما فمسخهم، فكان لهم نسل حتى يهلكهم، ولكن هذا خلق كان، فلما غضب الله تعالى على اليهود مسخهم فكانوا مثلهم» . الباب الرابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بما يؤول إليه أمر المدينة الشريفة روى بن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتتركن المدينة أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب، أو الذئب فيغذي على بعض سواري المسجد، أو على عود من أعواد المنبر» ، فقال: يا رسول الله، فلمن تكون الثمار يومئذ؟ قال: «للعوافي الطير والسباع» انتهى. وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة» ، قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله؟ قال: «السباع والعائف» . وروى الإمام أحمد بسند حسن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليسيرن الراكب في جنبات المدينة فيقولن: لقد كان في هذا حاضر من المؤمنين كثير» . وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما إنهم سيدعونها يعني المدينة أحسن ما كانت عليه» . وروى الطبراني عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيبلغ البنيان مبلغا، ثم يأتي على المدينة زمان يمر السفر على بعض أقطارها فيقول قد كانت هذه مرة عامرة من طول الزمان وعفو الأثر» . وروى الإمام أحمد بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يرجع الناس إلى المدينة حتى تصير مسالحهم بسلاح» .

الباب الخامس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالريح التي تقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان ورفع القرآن

الباب الخامس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالريح التي تقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان ورفع القرآن روى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن عياش بن أبي ربيعة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تجيء ريح بين يدي الساعة تقبض فيها روح كل مؤمن» . وروى الطبراني في الكبير والحاكم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجيء الريح التي يقبض الله فيها نفس كل مؤمن ثم طلوع الشمس من مغربها، وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه» . ورواه الطبراني في الكبير عن أبي سريحة رضي الله عنه [وقال الهيثمي وفيه عبيد بن إسحاق العطار وهو متروك] . وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة على مؤمن حتى يبعث الله بين يدي الساعة ريحا فتهب، فلا يبقى مؤمن إلا مات» . وروى ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلى مائة سنة يبعث الله ريحا باردة طيبة يقبض فيها روح كل مؤمن» . وروى ابن أبي شيبة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يبعث الله تعالى ريحا حمراء من قبل اليمن فيكفت الله تعالى بها كل نفس تؤمن بالله واليوم الآخر وما ينكرها الناس من قلة من يموت فيها، مات شيخ من بني فلان، ماتت عجور من بني فلان، ويسرى على كتاب الله عز وجل فيرفع إلى السماء، فلا يبقى على وجه الأرض منه آية وتفيء الأرض أفلاذ كبدها من الذهب والفضة فلا ينتفع بها بعد ذلك اليوم فيمر الرجل فيضربها برجله ويقول: في هذه كان يقتل قبلنا، وأصبحت اليوم لا ينتفع بها» قال أبو هريرة رضي الله عنه أن أول قبائل العرب فناء لقريش، والذي نفسي بيده يوشك أن يمر الرجل على النعل وهي ملقاة في الكناسة فيأخذها بيده ثم يقول: هذه من نعال قريش في الناس.

الباب السادس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن تقوم عليه الساعة

الباب السادس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن تقوم عليه الساعة وأنها لا تقوم نهارا وأنها لا تقوم على أحد يقول في الأرض الله، وأنها لا تقوم حتى تعبد الأوثان، وأن لا يعرف معروف ولا ينكر منكر. روى أبو يعلى برجال وفيه أنواع ثقات، والإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله تعالى شريطته من أهل الأرض فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا» . وروى الإمام أحمد وأبو داود، والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن خذيمة وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير والبيهقي والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» . وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وابن حبان وعدي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» وفي لفظ: «لا يقال: الله الله» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال لا إله إلا الله، وحتى تمر المرأة بالبعل فينظر إليها فيقول لقد كان لهذه مرة رجل وحتى يكون الرجل قيما لخمسين امرأة وحتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الأرض» . وروى الإمام أحمد ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن، وعلي بن أحمد بن حجر في الفوائد، ونعيم بن حماد في الفتن وأبو نعيم والضياء عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا» وفي لفظ: «بالدنيا لكع ابن لكع» . وروى أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع» . وروى ابن جرير والحاكم والخطيب عن أنس والديلمي والخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة على رجل يقول: لا إله إلا الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر» . وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن أبي بردة بن نيار ونعيم بن

حماد في الفتن عن أبي بكر بن حزم مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع» . وروى الطبراني في الأوسط والضياء بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع» .

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم بإجابة دعواته لأقوام بأشياء فحصلت لهم.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم بإجابة دعواته لأقوام بأشياء فحصلت لهم. الباب الأول في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لآله رضي الله تعالى عنهم روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» قال البيهقي: وقد رزقوا ذلك وصبروا عليه. الباب الثاني في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها روى البيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة رضي الله عنها فوقفت بين يديه، فنظر إليها ووجهها مصفر من شدة الجوع فرفع يده فوضعها على صدرها في موضع القلادة، وفرج أصابعه ثم قال: «اللهم مشبع الجاعة، ورافع الوضيعة، ارفع فاطمة بنت محمد» قال عمران بن حصين رضي الله عنه فنظرت إليها وقد ذهبت الصفرة من وجهها فلقيتها بعدها، فسألتها فقالت: ما جعت بعد يا عمران، قال البيهقي: الظاهر إنه رآها قبل نزول الحجاب. الباب الثالث في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه روى البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فارفعني، وإن كان بلاء فصبرني، فقال: «اللهم اشفه اللهم عافه ثم قال: فقمت فما عاد ذلك الوجع بعد. وروى ابن ماجة والبيهقي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعلي رضي الله عنه فقال: «اللهم أذهب عنه الحر والبرد» ، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف، ويلبس في الصيف ثياب الشتاء ولا يصيبه حر ولا برد. وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر قال: «أين علي» فقيل يا رسول الله، يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» ، فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرئ، حتى كأنه لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.

الباب الرابع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

الباب الرابع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه روى الطبراني في الأوسط والحاكم بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: «اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيمانا» . الباب الخامس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه روى البيهقي وحسنه عن قيس بن أبي حازم مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد: «اللهم استجب له إذا دعاك» رواه الترمذي موصولا أنه عليه الصلاة والسلام دعا لسعد بن أبي وقاص أن يجيب الله دعوته كلما دعا على أحد إلا استجيب له، وقد استجيب له دعوات منها أن رجلا نال من علي بحضرته فقال: اللهم إن كان كاذبا فأرني فيه آية فجاء جمل فتخبطه. رواه البخاري وغيره، منها ما رواه البخاري أنه دعا على أبي سعدة اللهم أطل عمره وأطل نقره، وعرضه للفتن! قال الرواي فلقد رأيته شيخا كبيرا سقط حاجباه عن عينيه من الكبر وقد افتقر يتعرض للجواري في الطريق يغمزهن فيقال له: كيف أنت فيقول شيخ مفتون أصابته دعوة سعد. روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أنه دعا في الاستسقاء يوم جمعة على المنبر، فسقوا ثم سألوا الله المطر في الجمعة الثانية، وهو على المنبر، فدعا فصحوا أي انكشف ما بهم من السحاب. الباب السادس في إجابته دعائه صلى الله عليه وسلم لغلام من تجيب رضي الله عنه روى ابن سعد عن أبي الحويرث قال: قدم وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع وفيهم غلام فقال يا رسول الله: اقض لي حاجتي قال: «وما حاجتك» ؟ قال: تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فقال: «اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه» فرجعوا ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر فسألهم عن الغلام، فقالوا: ما رأينا مثله أقنع منه بما رزقه الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن يموت جميعا» .

الباب السابع في إجابته دعائه صلى الله عليه وسلم للنابغة رضي الله عنه

الباب السابع في إجابته دعائه صلى الله عليه وسلم للنابغة رضي الله عنه روى الحافظ السلفي عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت النابغة يعني عبد الله بن قيس الجعدي يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته حتى أتيت إلى قولي وفي لفظ أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم: أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا واضح الحق نيرا بلغنا السماء مجدنا وثراؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال لي: «إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال: قلت: إلى الجنة قال: «كذلك إن شاء الله» ثم قال: ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجدت» وفي لفظ: «صدقت لا يفضض الله فاك» ، قال: فبقي عمره أحسن الناس ثغرا كلما سقطت سنة عادت أخرى مكانها، وكان معمرا. روى البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنابغة إذ أنشده قصيدته: «لا يفضض الله فاك» ، فما سقطت سن وفي رواية فكان أحسن الناس ثغرا إذا سقطت له سنة نبتت له أخرى، وعاش عشرين ومائة سنة وما ذهب له سن. شرح غريب. يفضض بمثناة تحتية ففاء معجمة، فضاضين معجمتين أي لا يسقط الله أسنانك وأصله الكسر أي لا يكسر أسنان فيك. الباب الثامن في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عتبة رضي الله عنه روى البيهقي عن أم ولد عبد الله بن عتبة قالت: قلت لسيدي عبد الله بن عتبة: إيش تذكر من النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذكر أني غلام خماسي أو سداسي، أجلسني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره ودعا لي ولولدي بالبركة: قالت: فنحن نعرف ذلك إنا لا نهرم.

الباب التاسع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لثابت بن يزيد رضي الله عنه

الباب التاسع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لثابت بن يزيد رضي الله عنه روى الطبراني في «مسند الشاميين» وابن مندة والباوردي في «المعرفة» عن ابن عائذ قال: قال ثابت بن يزيد يا رسول الله: إن رجلي عرجاء لا تمس الأرض. قال: فدعا لي فبرأت حتى استوت مثل الأخرى. الباب العاشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الأسود رضي الله عنه روى أبو نعيم في الدلائل عن ضباعة بنت الزبير قالت: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الأسود رضي الله عنه بالبركة، فكانت له غرائر من الورق في بيت المقداد. الباب الحادي عشر باب دعائه لعمرو بن الحمق روى ابن أبي شيبة في (مسنده) وأبو نعيم وابن عساكر عن عمرو بن الحمق أنه سقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا فقال: «اللهم أمتعه بشبابه» ، فمرت به ثمانون سنة لم ير الشعرة البيضاء. الباب الثاني عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأولاد أبي سبرة رضي الله عنه روى الطبراني عن سبرة أن أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لولده، فلم يزالوا في شرف إلى اليوم. الباب الثالث عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه روى الطبراني بسند حسن عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرم دم ابن ثعلبة على المشركين والكفار» ، فكنت أحمل في عرض القوم، فيتراءى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهم فقال لي: يا ابن ثعلبة، إنك لتغرر، وتحمل على القوم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتراءى لي

الباب الرابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي كعب رضي الله عنه

خلفهم، فأحمل عليهم حتى أقف عنده، ثم يتراءى لي أصحابي فأحمل حتى أكون مع أصحابي، قال: فعمر زمانا طويل من دهره. الباب الرابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي كعب رضي الله عنه روى البيهقي عن سليمان بن صرد أن أبي بن كعب أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجلين قد اختلفا في القراءة كل واحد منهما يقول: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما، فقال: «أحسنتما» قال أبي فدخل في قلبي من الشك أشد مما كنت عليه في الجاهلية، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري وقال: «اللهم أذهب عنه الشيطان» فارفضضت عرقا، وكأني أنظر إلى الله فرقا. الباب الخامس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما روى الشيخان عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الهم فقّهه في الدين وعلمه التأويل» ، فسمي بعد الحبر، فكان يقال له حبر الأمة رضي الله عنه. الباب السادس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: قالت أمي: يا رسول الله، خادمك أنس أدع الله له قال: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته!» قال أنس رضي الله عنه فو الله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون نحو المائة، وفي رواية دفنت يداي مائة من ولدي، ولا أقول سقطا ولا ولد ولد. الباب السابع عشر في دعائه صلى الله عليه وسلم لبهية بنت عبد الله البكرية رضي الله عنه روى الباوردي عن بهية بنت عبد الله البكرية قالت: وفدت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايع الرجال وصافحهم، وبايع النساء ولم يصافحهن، قالت: فنظر إلي، فدعاني ومسح برأسي، ودعا لي ولولدي فولد لها ستون ولدا أربعون رجلا وعشرون امرأة.

الباب الثامن عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما

الباب الثامن عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما على وجه الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبني قلت: وما علمك؟ قال كنت أدعو أمي للإسلام فتأبى، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة إلى الإسلام فدعا لها فرجعت، فلما دخلت البيت قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي من الفرح كما كنت أبكي من الحزن، فقلت: يا رسول الله، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فقلت: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، وأن يحببهم إلينا، فقال: «اللهم حبب عبدك هذا، وأمه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما» فما على وجه الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبني وأحبه، وروى الحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما أنا وأبو هريرة وغلام في المسجد ندعو، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسالك مثل ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمين» فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علما لا ينسى، فقال: «سبقكما الدوسي» . الباب التاسع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للسائب بن يزيد رضي الله عنه روى البخاري عن الجعد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: مات السائب ابن يزيد رضي الله عنه وهو ابن أربع وتسعين سنة، وكان جلدا معتدلا وقال: لقد علمت ما متعت بسمعي وبصري إلا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. الباب العشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه: «بارك الله لك!» رواه ابن سعد والبيهقي من وجه آخر، وزاد قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب تحته ذهبا أو فضة قال القاضي: وفتح الله عليه ومات، فجعل الذهب في تركته بالقوس، حتى كلت فيه الأيدي، وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا، وكن أربعا وقيل: بل [ثلاثا لأن] إحداهن طلقها في مرضه على نيف وثمانين

الباب الحادي والعشرون في إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لعروة بن البارقي رضي الله عنه

ألفا، وأوصى بخمسين ألفا بعد صدقاته الغاشية في حياته وعوارفه العظيمة. أعتق يوما ثلاثين عبدا، وتصدق يوما بعير فيها سبعمائة بعير، وردت عليه تحمل كل شيء تصدق بها وما عليها وبأقتابها وأحلاسها. الباب الحادي والعشرون في إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لعروة بن البارقي رضي الله عنه روى البيهقي عن عروة البارقي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى التراب لربح فيه، وروى أبو نعيم عنه رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك في صفقة يمينك» ، فكنت أقوم بالكناسة فما أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفا. الكناسة: مكان بالكوفة. الباب الثاني والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه روى ابن سعد عن جرير بن عثمان مرسلا ورجاله يحتج بهم، وله شواهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، علمه الكتاب ومكن له في البلاد وقه العذاب» . الباب الثالث والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأم قيس رضي الله عنهما روى البخاري في «الأدب» والنسائي عن أم قيس أنها قالت: توفي ابني فجزعت، فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد فيقتله، فانطلق عكاشة بن محصن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها ثم قال: «طال عمرها، فلا تعلم امرأة عمرت ما عمرت» . الباب الرابع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لرجل من اليهود روى عبد الرزاق عن قتادة قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم جمله» فاسود شعره، حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا، وفي رواية عن أنس فاسودت لحيته بعد أن كانت بيضاء.

الباب الخامس والعشرون في إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه

الباب الخامس والعشرون في إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه روى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني بسند حسن عن عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بقدح، فكانت فيه شعرة فأخذتها فقال: «اللهم جمله» ، قال الراوي: فرأيته وهو ابن أربع وتسعين سنة ليس في لحيته شعرة بيضاء وروى الإمام أحمد عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جملك الله» ، وكان رجلا جميلا حسن الشمط. وروي بإسناد صحيح عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادن مني» فدنوت، فمسح بيده على رأسي ولحيتي، وقال: «اللهم جمله، وأدم جماله» ، فبلغ بضعا ومائة سنة، وما في لحيته بياض إلا نبذة يسيرة ولقد كان منبسط الوجه حتى مات. الباب السادس والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحمل أم سليم رضي الله عنها روى الشيخان والبيهقي من طرق عن أنس رضي الله عنه قال: اشتكى ابن لأبي طلحة، فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئا، ونحته من جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة فقال: كيف الغلام قالت: هدأت نفسه، وأرجو أن قد استراح فظن أبو طلحة أنها صادقة، فلما أصبح اغتسل وكان قد أصابها، فلما أراد أن يخرج قالت: أرأيت أن رجلا أعارك عارية، ثم أخذها منك أجزعت؟ قال: لا، قالت: فإن الله قد أعارك ابنك وقد أخذه منك، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره لما كان منهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لكما في ليلتكما!» قال: فولدت غلاما فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه ثم مسح بناصيته، وسماه عبد الله، فكانت تلك المسحة غرة في وجهه وما كان في الأنصار ناشئ أفضل منه. الباب السابع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن هشام رضي الله عنه روى البخاري عن أبي عقيل رضي الله عنه أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام

الباب الثامن والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه

إلى السوق ليشتري الطعام فيتلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان له: أشركنا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لك بالبركة فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل. الباب الثامن والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه روى ابن سعد من طريق أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام بدينار يبتاع له به أضحية فمر بها، فباعها بدينارين فابتاع له أضحية بدينار وجاء له بدينار، فدعا له أن يبارك له في تجارته، وروي أيضاً عن حكيم أنه كان رجلاً مجدودا في التجارة ما باع شيئا قط إلا ربح فيه. الباب التاسع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه روى البخاري عن جرير رضي الله عنه قال: كنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بيده في صدري حتى رأيت أثر يده في صدري، وقال: «اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا!» قال: فما وقعت عن فرس بعد. الباب الثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للسوداء التي كانت تصرع رضي الله تعالى عنها روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع فادع الله لي قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» فقالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. الباب الحادي والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأمته في بكورها روى الإمام أحمد والأربعة وابن خزيمة عن صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الباب الثاني والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بالمحبة بين رجل وامرأته كانا متباغضين

«اللهم بارك لأمتي في بكورها» وكان صخر رجلا تاجرا يبعث غلمانه أول النهار فأثرى وكثر ماله، حتى لم يدر أين يضعه، وروى الزجاجي في أماليه عن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبها يوم الخميس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» . الباب الثاني والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بالمحبة بين رجل وامرأته كانا متباغضين روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن امرأة شكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتبغضينه؟» قالت: نعم، قال: «أدنيا رؤوسكما» ، فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال: «اللهم ألف بينهما، وحبب أحدهما إلى صاحبه» ، ثم لقيته المرأة بعد فقبلت رجليه فقال: «كيف أنت؟ وكيف زوجك؟» قالت: ما طارق ولا تالد ولا ولد أحب إلي منه فقال: «أشهد أني رسول الله» ، قال عمر: وأنا أشهد أنك رسول الله. وروى الطبراني برجال الصحيح غير مقداد بن داود عن جابر رضي الله عنه أن امرأة كان بينها وبين زوجها خصومة فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت المرأة: هذا زوجي، والذي بعثك بالحق، ما في الأرض أبغض إلي منه، وقال الآخر: هذه امرأتي، والذي بعثك بالحق ما في الأرض أبغض إلي منها، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدنوا إليه، ثم دعا لهما، فلم يفترقا من عنده حتى قالت المرأة: والذي بعثك بالحق ما خلق الله شيئا أحب إلي منه، وقال الرجل: والذي بعثك بالحق، ما خلق الله شيئا أحب إلي منها. الباب الثالث والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بإقبال أهل اليمن وأهل الشام على الإسلام روى البيهقي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليمن فقال: «اللهم، أقبل بقلوبهم» ، ثم نظر إلى العراق فقال: «اللهم، أقبل بقلوبهم» .

الباب الرابع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة وأهل سريته رضي الله تعالى عنه

الباب الرابع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة وأهل سريته رضي الله تعالى عنه [روى أبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة فأتيته فقلت: يا رسول الله: ادع لي بالشهادة، فقال: «اللهم سلمهم وغنمهم» ، فغزونا فسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ غزوة فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ادع لي بالشهادة، فقال: «اللهم، سلمهم وغنمهم» ، فغزونا فسلمنا وغنمنا] . الباب الخامس والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لبكر بن شداخ الليثي رضي الله تعالى عنه [روى ابن منده وابن عساكر عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكر بن شداخ الليثي، وكان ممن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، فلما احتلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني كنت أدخل على أهلك، وقد بلغت مبلغ الرجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم، صدق قوله ولفظه ولقه الظفر» . فلما كان من ولاية عمر جاء وقد قتل يهوديا فأعظم ذلك عمر وجزع وصعد المنبر، وقال: إني ما ولاني الله تعالى، واستخلفني بقتل الرجال أذكر الله رجلا كان عنده علم إلا أعلمني فقام إلي بكر بن شداخ فقال: أنا به، فقال: الله أكبر، بؤت بدمه، فهات المخرج، قال: بلى، خرج فلان غازيا ووكلني بأهله فجئت إلى بابه، فوجدت هذا اليهودي في منزله، وهو يقول: وأشعث غره الإسلام حتى ... خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسي ... على قوداء لاحبة الحزام كأن مجامع الريلات منها ... فئام ينهضون إلى فئام قال: فصدق عمر قوله وأبطل دمه بدماء النبي صلى الله عليه وسلم] . الباب السادس والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لثعلبة بن حاطب رضي الله تعالى عنه [روى الباوردي وابن شاهين وابن السكن والبيهقي عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالاً وولداً، فقال: «ويحك يا ثعلبة، قليلٌ تطيق

الباب السابع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام رضي الله عنه

شكره خيرٌ من كثير لا تطيقه» فأبى، فقال: «ويحك يا ثعلبة، أما تحب أن تكون مثلي، فلو شئت أن يسير ربي معي هذه الجبال ذهبا لسارت» ، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا وولدا، فو الذي بعثك بالحق، إن أتاني الله مالا أعطينّ كل ذي حق حقه، فدعا له فاشترى غنما، فبورك له فيها، ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة، فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهدها بالليل ثم نمت فتنحى بها فكان لا يشهد الصلاة لا بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة ثم نمت فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويح ثعلبة بن حاطب» ، ثم إن الله أمر رسوله أن يأخذ الصدقات فبعث رجلين وكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها وأمرهما أن يمرا على ثعلبة فمرا به فسألاه الصدقة فقال: أرياني كتابكما فنظر فيه فقال: ما هذه إلا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا، فلما فرغا مرا به فقال: ما هذه إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا المدينة فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما: «ويح ثعلبة بن حاطب» ، وأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ أتانا مِنْ فَضْلِهِ الآيات الثلاث، فبلغ ثعلبة ما أنزل فيه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقته، فقال: «إن الله منعني أن أقبل منك» ، فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر حتى هلك في خلافة عثمان] . الباب السابع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام رضي الله عنه [وروى أبو يعلى عن الزبير بن العوام قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولدي ولولد ولدي فسمعت أبي يقول لأخت لي كانت أسن مني: يا بنية إنك ممن أصابته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم] . الباب الثامن والثلاثون في إجابة دعائه لمن بلغ سنته من أمته [وروى الأربعة عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي، فبلغها فوعاها فأداها كما سمعها» ] .

الباب التاسع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للقيط بن أرطأة رضي الله تعالى عنه

الباب التاسع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للقيط بن أرطاة رضي الله تعالى عنه روى الطبراني برجال ثقات غير نضر بن خزيمة عن أبيه رضي الله عنه فيحرر رجالهما عن لقيط بن أرطأة السكوني رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي معوجتان لا تمسان الأرض فدعا لي النبي صلى الله عليه وسلم فمشيت على الأرض. الباب الأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للوليد بن قيس رضي الله عنه روى الطبراني عن الوليد بن قيس رضي الله عنه قال: كان بي برص فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأت منه. الباب الحادي والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار روى الطبراني عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يعود رجلا من الأنصار، فلما دخل عليه وضع يده على جبينه فقال: «كيف تجدك؟» فلم يحر إليه شيئا فقيل يا رسول الله، إنّه عنك مشغول، فقال: «خلوا بيني وبينه» ، فخرج الناس من عنده وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فأشار المريض أن أعد يدك حيث كانت، ثم ناداه يا فلان ما تجد؟ قال: أجد خيرا. وقد حضرني اثنان أحدهما أسود، والآخر أبيض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيهما أقرب منك؟» قال: الأسود، قال: «إن الخير قليل وإن الشر كثير» ، قال: فمتعني يا رسول الله منك بدعوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر الكثير وأنم القليل» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى؟» قال: خيرا بأبي أنت وأمي أرى الخير ينمى وأرى الشر يضمحل، وقد استأخر عني الأسود، قال: «أي عملك كان أملك بك؟» قال: كنت أسقي الماء. [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمع يا سلمان هل تنكر مني شيئا؟» قال: نعم بأبي وأمي، قد رأيتك في مواطن ما رأيتك على مثل حالك اليوم قال: «إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا وهو يألم الموت على حدته» ] .

الباب الثاني والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في إذهاب الحر والبرد

الباب الثاني والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في إذهاب الحر والبرد روى البيهقي وأبو نعيم والطبراني عن بلال رضي الله عنه قال: أذنت في غداة بادرة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير في المسجد أحدا، قال: «أين الناس يا بلال؟» قال: منعهم البرد، فقال: «اللهم أذهب عنهم البرد» ، قال بلال: فرأيتهم يتروحون. روى الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه يلبس في الحر الشديد العباء المحشوّ الثخين وما يبالي الحر، ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، وسئل عن ذلك فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خيبر: «لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرار» فدعاني فأعطاني الراية ثم قال: «اللهم اكفه الحر والبرد» فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا. وروى أبو نعيم عن شبرمة بن الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت عليا بذي قار عليه إزار ورداء في يوم شديد البرد وإن جبهته لترشح عرقا. الباب الثالث والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله تعالى عنها روى أبو يعلى وابن منيع والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما مثلي ينكح، أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال، فقال: «أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله تعالى، وأما العيال فإلى الله ورسوله» ، فكانت في النساء، كأنها ليست منهن لا تجد ما يجدن من الغيرة. الباب الرابع والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحنظلة بن حذيم رضي الله تعالى عنه روى الطبراني والإمام أحمد برجال ثقات عن حنظلة بن حذيم رضي الله عنه قال: وفدت مع جدي حذيم فقال: يا رسول الله إن لي بنين ذوي لحى وهذا أصغرهم، فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح على رأسي، وقال: «بارك الله فيك» ، قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها، فيقول: بسم الله على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه فيذهب الورم.

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه على أقوام بأشياء فحصلت لهم

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه على أقوام بأشياء فحصلت لهم الباب الأول في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من رآه يأكل بشماله روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: «كل بيمينك» ، فقال: لا أستطيع، قال: «لا استطعت، ما منعه إلا الكبر» ، قال فما رفعها إلى فيه بعد، ورواه الدارمي وعبد بن حميد وابن حبان وزادوا أن اسمه بسر بضم الباء وسكون المهملة ابن راعي. روى البيهقي عن عقبه بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها، فقال: «أخذها داء غزة» ، فلما مرت بغزة أصابها الطاعون فقتلها. الباب الثاني في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على قيس روى البيهقي عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل يقال له قيس فقال: «لا أقرته الأرض» ، فكان لا يدخل أرضا يستقر بها حتى يخرج منها. الباب الثالث في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بأن لا يشبع بطن معاوية روى مسلم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادع لي معاوية» ، فقلت: إنه يأكل، فقال في الثالثة: «لا أشبع الله بطنه» فما شبع بطنه أبدا. الباب الرابع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي من كف شعره عن التراب في الصلاة روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ساجدا وهو يقول: بشعره هكذا يكفه عن التراب فقال: «اللهم قبح شعره» قال: فسقط.

الباب الخامس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل أن تضرب عنقه

الباب الخامس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل أن تضرب عنقه روى البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فقال لرجل: ضرب الله عنقك» ، فسمعه الرجل فقال: يا رسول الله في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله، ورواه الحاكم وصححه، وقال في بعض مغازيه وقال في آخره، فقتل يوم اليمامة. الباب السادس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي عتبة بن أبي لهب روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، والبيهقي عن قتادة وأبو نعيم وابن عساكر عن عروة عن هبار بن الأسود، وأبو نعيم عن طاوس، وابن إسحاق وأبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي، يزيد بعضهم على بعض أن عتبة بن أبي لهب قال: يا محمد هو يكفر بالذي دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، كذا في حديث هبار، وفي حديث طاوس وأبو الضحى، ويكفر برب النجم، إذا هوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلط عليه كلبا من كلابك» ، وكان أبو لهب يحتمل البز إلى الشام، ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه، ويقول: إنكم قد عرفتم سني وحقي، وإن محمدا قد دعا على ابني دعوة، والله ما آمنها عليه، فتعاهدوه، فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فطاف بهم الأسد، فجعل عتبة يقول: يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي، قتلني محمد وهو بمكة وأنا بالشام، لا والله ما أظلت السماء، على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ثم جاء النوم، فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم، وناموا فجاء الأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى إليه، وقال هبار: فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقابض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففضخ رأسه فقال وهو بآخر رمق: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس؟ ومات فبلغ ذلك أبا لهب، فقال: ألم أقل لكم إني أخاف عليه دعوة محمد؟ قد والله عرفت ما كان لينفلت من دعوة محمد. زاد القرظي أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال في ذلك: سائل بن الأشقر إن جئتهم ... ما كان أبناء أبي واسع؟! لا وسع الله قبره ... بل ضيق الله على القاطع

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

رحم بني جده ثابت ... يدعو إلى نور له ساطع أسبل بالحجر لتكذيبه ... دون قريش نهزة القادع فاستوجب الدعوة منه بما ... بين للناظر والسامع إن سلط الله بها كلبه ... يمشي الهوينا مشية الخادع حتى أتاه وسط أصحابه ... وقد علتهم سنة الهاجع فالتقم الرأس بيافوخه ... والنّحر منه فغرة الجائع تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الضغم: العض ومنه قيل للأسد الضيغم، بزيادة ياء. الفدغ: بالغين المعجمة أي شدخه، والفدغ، والقلع والشدغ، والشلغ، والشدخ، والشق. الباب السابع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل خالفه في الصلاة [روى ابن عساكر عن ضمرة ومهاجر ابني حبيب قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصلى بأصحابه على ظهر فاقتحم رجل من الناس، فصلى على الأرض، فقال: «خالف خالف الله به» فما مات الرجل حتى خرج من الإسلام] . الباب الثامن في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي من احتكر طعاما روى البيهقي عن أبي يحيى عن فروخ مولى عثمان أن عمر، قيل له: إن مولاك فلانا قد احتكر طعاما فقال: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام أو بالإفلاس» فقال مولاه: نشتري بأموالنا ونبيع فذكر أبو يحيى أنه رأى مولى عمر بعد حين مجذوما] . الباب التاسع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي شعر رجل عبث به في الصلاة [روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ساجدا وهو يقول بشعره: هكذا يكفه عن التراب فقال: «اللهم قبح شعره» قال: فسقط] .

الباب العاشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي ثروان

الباب العاشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي ثروان [روى أبو نعيم من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن أبي ثروان أنه كان راعيا لإبل بني عمرو بن تميم فخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش فخرج فدخل في الإبل، فرآه أبو ثروان فقال: من أنت؟ قال: «رجل أردت أن أستأنس إلى إبلك» . قال: أراك الرجل الذي يزعمون أنه خرج نبيا. قال: «أجل» . قال: اخرج فلا تصلح إبل أنت فيها، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم أطل شقاءه وبقاءه» قال هارون: فأدركته شيخا كبيرا يتمنى الموت، فقال له القوم: ما نراك إلا قد هلكت دعا عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كلا إني قد أتيته بعد حين ظهر الإسلام، فأسلمت فدعا علي واستغفر ولكن الأولى قد سبقت] . الباب الحادي عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بالحمى على بني عصية روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قنوته: «يا أم ملدم عليك ببني عصية، فإنهم عصوا الله ورسوله» ، فصرعتهم الحمى. الباب الثاني عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي ليلى بنت الخطيم روى ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه وابن سعد عن عاصم بن عمرو بن قتادة مرسلا أن ليلى بنت الخطيم أقبلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مول ظهره للشمس فضربت على منكبه فقال: «من هذا أكله الأسود» فقالت: أنا بنت مطعم الطير ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لأعرض عليك نفسي تزوجني. قال: «قد فعلت» ، فرجعت إلى قومها فقالت: قد تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: بئس ما صنعت أنت امرأة غيرى والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب نساء تغارين عليه فيدعو الله عليك، فاستقيليه نفسك، فرجعت، فقالت: يا رسول الله أقلني. قال: «قد أقلتك» فتزوجها مسعود بن أوس، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل إذ وثب عليها ذئب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فأكل بعضها، وأدركت فماتت.

الباب الثالث عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على امرأة كانت تفشي السر بين أزواجه

الباب الثالث عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على امرأة كانت تفشي السر بين أزواجه [روى أبو الفرج الأصبهاني في «الأغاني» من طريق إبراهيم بن المهدي قال عبيدة بن أشعث عن أبيه أنه ولد سنة تسع من الهجرة، وأن أمه كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعضهن إلى بعض فتلقي بينهن الشر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فماتت] . الباب الرابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على قريش بالسنة روى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت: «اللهم انج سلمة بن هشام، اللهم انج الوليد بن الوليد، اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف» . الباب الخامس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل ممن شهد هوازن أن يخيس سهمه [روى أبو نعيم عن عطية السعدي أنه كان ممن كلم النبي صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فردوا عليه سبيهم إلا رجلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أخس سهمه» فكان يمر بالجارية البكر، وبالغلام فيدعه حتى مر بعجوز فقال: إني آخذ هذه فإنها أم حي، فسيفدونها مني، بما قدروا عليه، فكبر عطية، وقال أخذها والله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد، ولا وافرها بواحد عجوز يا رسول الله سيئة بتراء مالها أحد، فلما رأى أنه لا يعرض لها أحد تركها. الباب السادس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على بني حارثة بن عمرو [روى أبو نعيم من طريق الواقدي عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى بني حارثة بن عمرو بن قرط يدعوهم إلى الإسلام، فأخذوا صحيفته فغسلوها، ورقعوا بها دلوهم، فقال

الباب السابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على سراقة بن مالك بن جعشم قبل إسلامه حين اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لهم ذهب الله بعقولهم» قال: فهم أهل رعدة وعجلة، وكلام مختلط، وأهل سفه. قال الواقدي: قد رأيت بعضهم عيا لا يحسن تبيين الكلام] . الباب السابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي سراقة بن مالك بن جعشم قبل إسلامه حين اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه روى أبو نعيم في المستخرج عن مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه قال: «اللهم اكفناه بما شئت» ، فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها. الباب الثامن عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي القين روى الطبراني برجال الصحيح عن سعيد بن جهمان عن أبي القين رضي الله عنه أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه شيء من تمر، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه قبضة لينثرها بين يدي أصحابه فضم طرف ردائه إلى بطنه وإلى صدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زادك الله شحا» زاد أبو عبد الله بن مندة، فكان من أشح الناس، زاد البغوي وابن السكن رضي الله عنه فكان لا يسفك منه شيء. الباب التاسع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على لهب بن أبي لهب روى الحارث برجال ثقات عن أبي نوفل عن أبيه قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلط عليه كلبك» ، فخرج يريد الشام في قافلة من أصحابه، فنزلوا منزلا، فقال: والله إني لأخاف دعوة محمد قالوا له: كلا، قال: فحفظوا المتاع حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء السبع فانتزعه، فذهب به.

الباب العشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على الحكم بن أبي العاص والد مروان

الباب العشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على الحكم بن أبي العاص والد مروان روى الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكر، والبيهقي عن مالك بن دينار عن هند بن خديجة رضي الله عنهم قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم اختلج فبصر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أنت كذلك» فما زال يختلج حتى مات، وفي لفظ مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم، فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: فرآه، فقال: «اللهم اجعل به وزعا» ، فرجف مكانه والوزع الارتعاش. رواه عبد الله بن أحمد في روائد الزهد والبغوي مثله، وقالا بالحكم بن مروان، زاد عبد الله فما قام حتى ارتعش. الباب الحادي والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على معاوية بن حيدة قبل إسلامه روى البيهقي عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال: «أما إني سألت الله أن يعينني عليكم بالسنة تحفيكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم» ، فقال: بيديه جميعا، أما إني قد خلقت هكذا وهكذا ألا أومن بك، ولا أتبعك، فما زالت السنة تحفيني، وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك. الباب الثاني والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من مر بين يديه أن يقطع أثره روى الإمام أحمد وأبو داود عن يزيد بن نمران، بكسر النون، وسكون الميم- قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار، وهو يصلي فقال: «اللهم اقطع أثره» ، فما مشيت عليها بعد. وروى أيضا عن سعيد بن غزوان- بفتح المعجمة، وسكون الزاي عن أبيه رضي الله عنه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا هو برجل مقعد، فقال: سألته عن أمره فقال: سأحدثك حديثا، فلا تحدث به ما سمعت، إني حي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال: «هذه قبلتنا» ثم صلى إليها، فأقبلت، وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: «قطع صلاتنا قطع الله أثره» ، فما مشيت عليها إلى يومي هذا.

الباب الثالث والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على كسرى حين مزق كتابه

الباب الثالث والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على كسرى حين مزق كتابه روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. وروى البيهقي من طريق ابن شهاب قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد القارئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، فمزقه كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مزق ملكه» . وروى البيهقي عن طريق ابن عون عن عمير بن إسحاق رضي الله عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما قيصر فوضعه وأما كسرى فمزقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية» . الباب الرابع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي محلم بن جثامة روى البيهقي عن قبيصة والحسن قالا: بلغنا وابن جرير موصولا عن ابن عمر والبيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم بن جثامة، فمات لسبع أيام وفي الروض الأنف: مات بحمص أيام ابن الزبير، فلفظته الأرض، وروى فلفظته الأرض مرات، فألقوه بين صدين ودفعوا عليه الحجارة. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: محلم: بميم مضمومة، فلام مشددة مكسورة: أخو الصعب بن جثامة بجيم مفتوحة فمثلثة مشددة ابن ربيعة. لفظته: بلام ففاء فظاء معجمة. صدصد: بصاد وصاد مهملتين الأولى مضمومة، وقد تفتح، والثانية مشددة واحدها صد، وهو جانب الوادي، وقيل: إنه الجبل.

جماع أبواب ما علمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله تعالى عنهم من الدعوات والرقى فظهرت أثاره

جماع أبواب ما علمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله تعالى عنهم من الدعوات والرقى فظهرت آثاره الباب الأول فيما علمه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها لما وعكت روي عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي عائشة رضي الله عنها وهي موعكة تسب الحمى، فقال: «لا تسبيها، فإنها مأمورة، ولكن إن شئت أعلمك كلمات إذا قلتيهن أذهبها الله عنك» قالت: فعلمني، قال: «فقولي: اللهم ارحم جلدي الدقيق، وعظمي الرقيق من شدة الحريق، يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم، فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من يجعل مع الله إلها آخر» ، قال: فقالتها، فذهبت عنها. الباب الثاني فيما علمه صلى الله عليه وسلم لعائشة في قضاء الدين وغير ذلك روى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم، وقال: صحيح الإسناد عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء: اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم اللهم إني أسألك من الخير ما سألك به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا. وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن أباها دخل عليها فقالت: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء لو كان على أحدكم جبل دين ذهبا قضاه الله عنه، إذا قرأه وهو «اللهم فارج اللهم كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، برحمة، تغنيني بها عن رحمة من سواك» ، قال أبو بكر: وكان علي ذنابة من دين، وكنت للدين كارها، فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني الله بفائدة، فقضى الله ما كان علي من الدين قالت عائشة رضي الله عنها: وكانت لأسماء علي دين، فكنت أستحي منها، كلما

الباب الثالث فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كاده بعض الجن

نظرت إليها، فكنت أدعو بذلك، فما لبثت إلا يسيرا حتى جاءني الله بفائدة رزق من غير صدقة، ولا ميراث، فقضيتها. وروى داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، إذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: «يا أبا أمامة، ما لي أراك في المسجد في غير وقت صلاة؟» فقال: يا رسول الله، هموم وديون لازمتني، قال: «أفلا أعلمك حديثا إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك» قال: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال» ، فقلته، فأذهب الله غمي وهمي، وقضى عني ديني. وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن غريب والحاكم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك، قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك» . وروى أبو داود والطيالسي وسعد بن منصور والضياء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: «ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل أحد دينا لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمان الدنيا والآخرة، تعطهما من تشاء، وتمنعهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك» . الباب الثالث فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كاده بعض الجن روى عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن أبي رافع والطبراني في الكبير، وابن سعد والبيهقي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أجد فزعا بالليل، فقال: «ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام، وزعم أن عفريتا من الليل يكيدني، أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن» قال: ففعلت فأذهب الله عني.

وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع، أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون، قال: كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها من بلغ من ولده ومن لم يبلغ منهم كتبها في صك ثم علقها في عنقه، ورواه الترمذي وقال حسن ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فزع أحدكم في النوم فليقل وذكره، وقال فيه: ومن لم يعقل كتبها في صك، ثم علقها في عنقه» ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد، وقال مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد بلغني أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أروع في منامي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وروى الطبراني نحوه من حديث أبي أمامة. وقال في آخره: قالت عائشة رضي الله عنها: فلم ألبث إلا ليلاي حتى جاء خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، والذي بعثك بالحق ما أتممت الكلمات التي علمتني ثلاث مرات، حتى أذهب الله عني ما كنت أجد ما أبالي، لو دخلت على أسد في حبسته بليل. ورواه ابن السني بلفظ: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا له أهاويل يراها في المنام، فقال: «إذا أويت إلى فراشك فقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك أن يحضرون» . وروى ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع «بسم الله، أعوذ بكلمات الله من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» وكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده، ومن كان صغيرا لا يعقل كتبها له وعلقها في عنقه، رواه الإمام أحمد وأبو داود ولم يذكر النوم، ورواه ابن السني عن الوليد بن المغيرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، إني أجد وحشة، فقال: «إذا أخذت مضجعك فقل ... » فذكره. وروى ابن السني عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يشكو الوحشة، فقال: «أكثر من أن تقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات والأرض بالعزة والجبروت» فقالها الرجل فذهبت عنه الوحشة.

الباب الرابع فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من لدغة العقرب

الباب الرابع فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من لدغة العقرب روى البيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن رجل من أسلم قال: لدغت رجلا عقرب فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو قال حين أمسى: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، لم تضره» . قال: فقالتها امرأة من أهلي فلدغتها حية، فلم تضرها. وروى ابن سعد عن أبي بكر بن محمد قال: نهش عبد الله بن سهل بحريرات الأفاعي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا به إلى عمارة بن حزم فليرقه» ، قالوا: يا رسول الله، إنه يموت، قال: «وإن تذهبوا به إلى عمارة بن حزم» فرقاه فشفاه الله تعالى. وروى ابن سعد عن سهل بن أبي حثمة قال: لدغ رجل منا بحرة الأفاعي، فدعا له عمرو بن حزم برقية فأبى حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه، فقال له: «اعرضها علي» . فعرضها عليه فأذن له فيها. حرة الأفاعي: موضع قريب من الأبواء. وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أنه كان مع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فيهم لديغ فرقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب فبرأ. وروى البيهقي عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه مر بقوم وعندهم مجنون موثق في الحديد، فقال له بعضهم: أعندك شيء تداوي به هذا فإن صاحبك قد جاء بخير، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين، فبرأ فأعطاه مائة شاة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «كل فمن أكل برقية باطل، فقد أكلت برقية حق» . وروى ابن أبي الدنيا أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أجد فزعا بالليل، فقال: «ألا أعلمك كلمات علمني جبريل عليه أفضل الصلاة والسلام إن جبريل ذكر لي أن عفريتا من الجن يكيدني، فقال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارق يطرق بخير يا رحمان» .

الباب الخامس فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لما حصل له الأرق

الباب الخامس فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لما حصل له الأرق روى الطبراني في الكبير عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: كنت أفزع بالليل فآخذ سيفي، فلا ألقى شيئا إلا ضربته بسيفي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن نمت قل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شر خلقك أجمعين أن يفرط علي أحد منهم أو يطغى، عز جارك، وتبارك اسمك» . وروى الترمذي، وقال: إسناد ليس بالقوي عن بريدة بلفظ: اشتكى خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ما أنام الليل من الأرق، فقال: «إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم رب السموات» ، فذكره، وروى أبو يعلى وابن عساكر وابن السني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أرقا أصابني قال: «قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلي، وأنم عيني» ، فقلتها فذهب عني ما كنت أجد من الأرق. الباب السادس فيما علمه صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه أدبرت عنه الدنيا روى الخطيب في «رواة مالك» عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رجلا قال: يا رسول الله، أن الدنيا أدبرت عني وتولت، قال له: «فأين أنت من صلاة الملائكة، وتسبيح الخلائق، وبه يرزقون، قل عند طلوع الفجر: سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله العظيم، استغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا صاغرة» ، فمكث الرجل ثم عاد، فقال: يا رسول الله، لقد أقبلت علي الدنيا، فما أدري أين أضعها. الباب السابع فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأمته للأمان من السرقة وغيرها روى الطبراني في الكبير وسمويه عن أنس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فقال: «اللهم، أقبل بقلوبهم على طاعتك، وحط من وراءهم برحمتك» . وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في قوله تعالى:

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الآية، «هو أمان من السرقة» ، وإن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها حين أخذ مضجعه، فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى به إلى الباب، فوجده مسدودا، فوضع الكارة، فإذا هو مفتوح ففعل ذلك ثلاث مرات، فضحك صاحب الدار، ثم قال: إني أحصنت بيتي. وروى ابن سعد عن أبان بن أبي عياش أن أنس بن مالك رضي الله عنه كلم الحجاج، فقال له الحجاج: لولا خدمتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب أمير المؤمنين فيك، كان لي ولك شأن، فقال أنس: أيهات أيهات لما غلظت أرنبتي، وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتي، علمني كلمات لم يضرني معهن عتو جبار، ولا عنوته مع تيسير الحوائج، ولقاء المؤمنين بالمحبة فقال الحجاج: لو علمتنيهن، فقال: لست لذلك بأهل فدس إليه الحجاج ابنيه ومعهما مائتا ألف درهم، وقال لهما: الطفا بالشيخ عسى أن تظفرا بالكلمات، فلم يظفرا بها، فلما كان قبل أن يهلك بثلاث، قال لي: دونك هذه الكلمات، ولا تضعها إلا في موضعها، فذكر أبان ما أعطاه الله تعالى مما أعطى أنسا مع ذهاب ما أذهبه الله عني مما كانت أجد- الله أكبر الله أكبر، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطاني بسم الله خير الأسماء، بسم الله رب الأرض والسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء، بسم الله افتتحت وعلى الله توكلت الله الله ربي، لا أشرك به أحدا، أسألك اللهم بخيرك من خيرك الذي لا يعطيه غيرك، عز جارك، جل ثناؤك، ولا إله إلا أنت اجعلني في عياذك وجوارك من كل سوء، ومن الشيطان الرجيم، اللهم إني أستجيرك من كل شيء خلقت، وأحترس بك منهن، وأقدم بين يدي، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي يقرأ في هذه الست قل هو الله أحد إلى آخر السورة. وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني كلاما أقوله، قال: «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم» ، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: «قل: اللهم اغفر لي وارحمني، وارزقني، وعافني، شك الراوي في وعافني» ، وروى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أبا حصين كلمتين يدعو بهما: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي، وروى الترمذي وقال: غريب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة، اللهم، إني أسالك من صالح ما تؤتي الناس من المال والأهل والولد غير الضال ولا المضل» ،

الباب الثامن فيما علمه صلى الله عليه وسلم لفاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها

وروى الترمذي وقال: حديث صحيح عن العباس رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، علمني شيئا أسأل الله تعالى، قال: «سل الله العافية» ، فمكثت أياما، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأل الله تعالى، قال: «يا عباس، يا عم رسول الله، سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة» ، وروى ابن أبي شيبة والحاكم، وصححه عن بريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا أعلمك كلمات، من يرد الله به خيرا يعلمهن إياه» ، ثم علمه إياهن اللهم إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي، اللهم، إني ضعيف فقوني، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فارزقني. الباب الثامن فيما علمه صلى الله عليه وسلم لفاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها روى النسائي والطبراني برجال الصحيح عن عثمان بن موهب وهو ثقة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» . الباب التاسع فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه والإمام أحمد والبخاري في الأدب والترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، علمني كلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: «قل اللهم، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى مسلم إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك» . وروى الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: الّلهم، إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» . يروى كثيرا بالموحدة والمثلثة.

الباب العاشر فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه

الباب العاشر فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه روي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أصبحنا وإذا أمسينا، وإذا دخلنا فرشا: اللهم، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، والملائكة يشهدون أنك لا إله إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من شر أنفسنا ومن شر الشيطان، ومن شركه، وأن نقترف سوءا على أنفسنا أو نجره إلى مسلم. الباب الحادي عشر ما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وروى عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا أصبحنا أن نقول: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين» ، وإذا أمسينا نقول مثل ذلك. الباب الثاني عشر فيما علمه صلى الله عليه وسلم لبعض بناته رضي الله تعالى عنهن روى أبو داود والنسائي عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمها فيقول: «قولي حين تصبحين وحين تمسين: سبحان الله وبحمده، لا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، فإنه من قالها حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي حفظ حتى يصبح» .

جماع أبواب آيات في منامات رويت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب آيات في منامات رويت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الباب الأول فيما رآه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقصونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شاء الله» ، وأنا غلام حديث السن، وبيتي المسجد قبل أن أنكح، فقلت في نفسي: لو كان فيك خيرا لرأيت مثل ما يرى هؤلاء، فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم، إن كنت تعلم في خيرا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله، اللهم إني أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد، فقال لي: لن تراع، نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة، فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطي البئر، له قرون كقرون البئر، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالا من قريش فانصرفوا بي عن ذات اليمين، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عبد الله رجل صالح» ، وروى البخاري عنه قال: رأيت في المنام كأن بيدي سرقة من حديد لا أهوي بها إلى مكان في الجنة إلا طارت إليه فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أخاك رجل صالح» . الباب الثاني فيما رآه عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه روى البخاري عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: رأيت كأني في روضة، وسط الروضة عمود، في أعلى العمود عروة، فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت فاستمسكت بالعروة، فانتبهت، وأنا مستمسك بها فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال متمسكاً بالإسلام حتى تموت» . وروى ابن سعد عنه قال: رأيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا، رأيت كأن رجلا

الباب الثالث فيما رآه ابن زميل الجهني رضي الله تعالى عنه

أتاني، فقال: انطلق، فسلك بي في منهج عظيم، فبينما أنا أمشي إذ عرض لي طريق عن شمالي فأردت أن أسلكها، فقال: إنك لست من أهلها ثم عرضت لي طريق عن يميني، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل زلق، فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال لي: استمسك بالعروة فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «رأيت خيرا، أما المنهج العظيم فالحشر، وأما الطريق التي عرضت عن شمالك فطريق أهل النار، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق فمنزل الشهداء، وأما العروة الوثقى التي استمسكت بها فالإسلام فاستمسك بها حتى تموت» . الباب الثالث فيما رآه ابن زميل الجهني رضي الله تعالى عنه روى الطبراني والبيهقي عن ابن زميل الجهني رضي الله عنه قال: رأيت رؤيا فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب، والناس على الجادة منطلقون، فبينما هم كذلك، إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيناي مثله، يرف رفيفا، ويقطر نداه فيه من أنواع الكلاء، فكأني بالرعلة الأولى، حين أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق فلم يظلموه يمينا ولا شمالا، فكأني أنظر إليهم منطلقين ثم جاءت الرعلة الثانية وهم أكثر منهم أضعافا، فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ومضوا على ذلك، ثم قدم عظم الناس، فلما قدموا على المرج كبروا، وقالوا: هذا خير المنزل، فكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج، فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة فإذا عن يمينك رجل آدم شثن أقنى، إذا هو تكلم يسمو فيفرع الرجال طولا، وإذا عن يسارك رجل سمار ربعة أحمر كثير خيلان الوجه، كأنما حمم شعره بالماء، إذا هو تكلم أصغيتم له إكراما له، وإذا أمامكم شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها كلهم يؤمونه يريدونه، وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف، وإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعثها، فانتقع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم سري عنه، فقال: «أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب، فذلك ما حملتكم عليه من الهدى، فأنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها، مضيت وأنا وأصحابي لم نتعلق بها، ثم جاءت الرعلة الثانية بعد وهم أكثر منا، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث ونجوا على ذلك، ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يمينا وشمالا، وأما أنت فمضيت على طريق صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني، وأما المنبر الذي رأيت سبع

الباب الرابع فيما رآه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا من آخرها ألفا وأما الرجل الذي رأيت عن يميني فذلك موسى إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه، والذي رأيت عن يساري، فذلك عيسى نكرمه لإكرام الله إياه، وأما الشيخ فذاك أبونا إبراهيم كلنا نؤمه ونقتدي به، وأما الناقة فهي الساعة علينا تقوم، فلا نبي بعدي، ولا أمة بعد أمتي» . الباب الرابع فيما رآه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه روي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه قال: إن رجلين من «بلي» قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إسلامهما معا، وكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر فغزا المجتهد فاستشهد، ومكث الآخر بعده سنة، ثم توفي، قال طلحة: فبينا أنا عند باب الجنة يعني في النوم إذ أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي مات الآخر منهما، ثم رجع فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلى فقال: ارجع فإنه لم يؤذن لك فأصبح طلحة يحدث الناس فعجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس قد مكث بعده سنة، فصلى كذا وكذا من سجدة، وأدرك رمضان فصامه» . الباب الخامس فيما رآه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه روى البيهقي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: رأيت في المنام كأني أقرأ سورة «ص» فلما انتهيت على السجدة سجد كل شيء، رأيت الدواة واللوح والقلم، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأمر بالسجود فيها. الباب السادس فيما رآه زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر ثلاثا وثلاثين، فأتى رجل من الأنصار في نومه، وقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة كذا وكذا، قال: نعم، قال: فاجعلوها خمسا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فافعلوا» .

الباب السابع فيما رآه الطفيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه

الباب السابع فيما رآه الطفيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه روى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: هاجر الطفيل بن عمرو رضي الله عنه وهاجر معه رجل من قومه، فمرض الرجل، فأخذ مشقصا، فقطع رواجبه، فمات فرآه الطفيل في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي بهجرتي قال: ما شأن يديك؟ قال: قيل لي: إنا لا نصلح منك ما أفسدت من نفسك، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم وليديه فاغفر» . الباب الثامن فيما رآه سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه روت عنه ابنته عائشة أنه قال: رأيت في المنام قبل أن أسلم كأني في ظلمة لا أبصر شيئا، إذ أضاء لي قمر فاتبعته فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مستخفيا، فلقيته في شعب أجياد، وقد صلى العصر فأسلمت فما تقدمني أحد إلا هم. الباب التاسع فيما رآه رجال من أصحابه رضي الله تعالى عنهم في شأن ليلة القدر روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام أن ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الأواخر فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر» .

جماع أبواب بعض آيات وقعت لأصحابه وأتباعهم رضي الله تعالى عنهم فهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب بعض آيات وقعت لأصحابه وأتباعهم رضي الله تعالى عنهم فهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم الباب الأول في وجوب اعتقاد إثبات كرامات الأولياء رحمهم الله تعالى روى البخاري وابن حبان عن أبي هريرة، والإمام أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد، والطبراني من طريق آخر عن عائشة، والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة، والإسماعيلي في مسند علي، والطبراني عن ابن عباس وأبو يعلى والبزار والطبراني عن أنس وأبو يعلى عن ميمونة بنت الحارث، والطبراني بسند حسن عن حذيفة وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى قال: من آذى لي وليا، وفي آخر: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» . تنبيه: قال العلماء: ومعنى قوله: «كنت سمعه» إلى آخره أي صار سمعه الله، وبصره كذلك، وقوله: «عادى» أي آذى، وأغضب بالقول والفعل، حال من قوله: «وليا» قدم عليه لتنكيره وجعل ظرفا لغوا وقوله: وليا فقيل: إما بمعنى «فاعل» كعليم وقدير، فيكون معناه «الموالي لطاعة ربه» ، وأما بمعنى «مفعول» كقتيل وجريح، لأن الله تعالى تولاه قال الله تعالى: «وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ» ، وقوله: «آذنته» بالمد وفتح المعجمة بعدها نون، أي أعلمته، وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعل من الجانبين، مع أن المخلوق من أمر الخالق، والجواب من أنه من المخاطبة بما يفهم، فإن الحرب الهلاك، والله تعالى لا يغلبه غالب، فكأن المعنى تقرير لإهلاكي إياه، فأطلق تاج الدين بن الفاكهاني في هذا تهديد، لأن من حارب الله تعالى وعانده، ومن عانده أهلكه، وفي بعض الأحاديث القدسية إني لأغضب لأوليائي، كما يغضب الليث الحرد. وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: إن الله

تعالى قال لموسى بن عمران حين كلمه: واعلم أن من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرض بنفسه ودعاني إليها، فأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أو يظن الذي يغازيني أن يعجزني، أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري» فتأمل رحمك الله هذا التهديد الشديد لمن آذى أحدا من أولياء الله تعالى، والخائض في هذا الوادي، المتضمن بسالكه إلى المهالك، إنما يضر نفسه، ولا يلتحق بالولي شيء من ذلك، وما مثله إلا كما قيل: كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل وقال غيره: ما يضر البحر زاخرا ... إن رمى فيه صغير بحجر ورحم الله الإمام العالم العلامة الشيخ شهاب الدين المنصوري حيث قال: أجدر الناس بالعلا العلماء ... فهم الصالحون والأولياء سادة ذو الجلال أثنى عليهم ... وعلى مثلهم يطيب الثناء وبهم تمطر السماء وعنا ... يكشف السوء ويزول البلاء خشيه الله فيهم ذات حضرا ... ففي غيرهم يكون العلاء فالبرايا جسم وهم فيه روح ... والبرايا موتى وهم أحياء فتعفف عن لحمهم فهو سم ... حل منه الضنا وعز الشفاء قد سموا قطبة وزادوا ذكاء ... فعمى عليهم الأنباء قلت للجاهل المشاقق فيهم ... هل جزاء الشقاق إلا الشقاء قد رأينا لكل دهر عيونا ... ولعمري هم للعيون ضياء لا يسألون ما يقول جهول ... أنهيق كلامه أم عواء وإذا الكلب في ظلام الليالي ... شبح الأرض لا تبالي السماء فلبسوا بالشقاء كل جهول ... ولتفز بالسعادة العلماء قال الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر رحمه الله تعالى في كتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري» لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقضيهم معلومة.

الباب الثاني في فوائد تتعلق بكرامات الأولياء نفعنا الله تعالى بهم

قال في موضع آخر: لحوم العلماء سم من شمها مرض، ومن ذاقها مات، انتهى. فإن قيل: فهل يكون الولي معصوما؟ قيل: إما وجوبا كما في الأنبياء فلا، وإما أن يكون محظوظا فممكن، فإن قيل: فهل يجوز أن يعلم الولي ولايته؟ قيل: منعه الإمام ابن فورك، لأن ذلك يسلبه الخوف، ويوجب له الأمن وأجازه أبو القاسم القشيري، وقال: هو الذي نؤثره ونقول به، وليس ذلك واجبا في جميع الأولياء، حتى يكون كل ولي يعلم أنه ولي، ولكن يجوز أن يعلم ذلك، ولهذا قال بعضهم: يجوز أن يبلغ الولي إلى حد يمنع يسقط عنه الخوف، ولكن الغالب خلافه، وهذا السري السقطي، يقول: لو أن أحدا دخل بستانا فيه أشجار على كل شجرة طير يقول بلسان فصيح: السلام عليك يا ولي الله فلو لم يخف أنه مكر، لكان ممكورا به فإن قلت: هل يجوز أن يكون وليا في الحال ثم يتغير حاله؟ قيل: فيه خلاف مبني على خلاف، وذلك أنه اختلف هل يشترط في الولاية حسن الموافاة أم لا؟ فمن شرط ذلك لم يخبره، ومن لم يشترط أجازه ولكن الغالب على الولي في أوان صحوة صدقه في أداء حقوقه تعالى، والشفقة على الخلق في جميع أحوالهم، ودوام تحمله عنهم وابتدائه بطلب الإحسان من الله تعالى إليهم، من غير التماس منهم وترك الطمع بكل وجه فيهم، وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، ودوام حزنه وغير ذلك، كما هو معروف عند أهله نفعنا الله بهم، ولا حرمنا بركته. الباب الثاني في فوائد تتعلق بكرامات الأولياء نفعنا الله تعالى بهم اعلم أن الكرامة الواقعة لولي هي في الحقيقة من معجزات النبي الذي هذا الولي متبع له لأنها إنما ظهرت بسبب إتباعه وبركته، وقد اختلف فيها، فذهب أهل السنة إلى جوازها، وأنكرها المعتزلة وأبو إسحاق بناء على أن إمام الحرمين في «الإرشاد» يميل إلى قريب منهم، وممن نقل جوازها إمام المتكلمين القاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين والغزالي والقشيري في رسالته، والرازي، ونصر الدين الطوسي في قواعد العقائد، والنسقي، والبيضاوي في طوالعه ومصابيحه، والشيخ أبو الوليد بن رشد، ونص كلامه في أجوبته أن إنكارها، والتكذيب بها بدعة وضلالة يثبتها في الناس أهل الزيغ والتعطيل الذين لا يقرون بالوحي والتنزيل، ويجحدون آيات الأنبياء والمرسلين، انتهى. والدليل على جوازها وقوعها، إذ لو لم تكن جائزة لم تقع، وقد ثبت وقوعها بالكتاب،

والأحاديث، والآثار المسندة الخارجة عن الحصر والتعداد، وآحادها وإن لم تتوافر فالمجموع يفيده القطع بلا إشكال. أما الكتاب فقصة أهل الكهف، وقصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام، وقصة ذي القرنين، وما أخبر الله في مريم بقوله: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران 37] قال ابن عباس وغيره: وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وقوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم 25] وقصة آصف بن برخيا عليه السلام مع سليمان عليه السلام في إحضاره عرش بلقيس قبل ارتداد الطرف، كما قال عز وجل: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل 40] وأما السنة فقد روى الشيخان من حديث جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر ابن الخطاب رضي الله عنه» . واحتجت المعتزلة بأن الخوارق لو ظهرت على يد غير الأنبياء لالتبس النبي بالمتنبئ، لأن تمييز الأنبياء عن غيرهم إنما هو بسبب ظهور خوارق العادات منهم، إذ الأمة تشاركهم في الإنسانية ولوازمها، ولولا ظهور المعجزة منهم لما تميزوا عن غيرهم فلو جاز أن يظهر الخارق للعادة على غيرهم لالتبس النبي بالمتنبئ، والجواب: لا نسلم حصول اللبس، بل يتميز النبي بالتّحدّي، ودعوى النبوة هنا هو الفرق بين المعجزة والكرامة، واختلف في تجويز الكرامات على حكم الاختيار، شرط الكرامة صدورها بلا اختيار من الولي، وأن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه، قال إمام الحرمين في الإرشاد: وهذا غير صحيح قال: وصار صائرون إلى جواز وقوعها اختيارا، ومنع وقوعها على قضية الدعوى، ورأوا أن الدعوى هي الفرق بينها وبين المعجزة، وهذه الطريقة غير مرضية أيضاً، وصار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة لنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر، وقلب العصا ثعبانا، وإحياء الموتى وإلى غير ذلك، وهذه الطريقة غير سديدة أيضاً، والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العوائد في معارض الكرامات، وفي «رسالة القشيري» اعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للأولياء بضرورة أو شبه ضرورة فمنها حصول إنسان من غير أبوين، وقلب جماد بهيمة أو حيوانا، وأمثال هذا كثير وشرط الكرامة أن يصحب صاحبها (السر) من الله تعالى وإلا فهو ناقص مغرور وهالك مقبور. وظهور الكرامة لا تدل على أفضلية صاحبها، وإنما تدل على صدقه وفضله، وقد تكون لقوة يقين صاحبها، وإنما الأفضلية بقوة اليقين، وكمال المعرفة، ولهذا قال أستاذ هذه الطريقة

أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى: مشى رجال باليقين على الماء، ومات بالعطش أفضل منهم، لأنهم يقصدون ادخار الكرامة للآخرة، ويدلك على ما ذكرنا من أن الكرامة لا تدل على الأفضلية كثرة الكرامات، بعد زمن الصحابة. قال الإمام أحمد بن حنبل: وذلك لأن إيمان الصحابة قوي بخلاف إيمان من بعدهم فاحتاجوا إلى زيادة تقوى إيمانهم، وأيضاً فلأن الزمان الأول كثير النور لا يفتقرون لزيادة تقوى، ولو حصلت لم تظهر لاضمحلالها في زمن النبوة بخلاف الظلام، والنجوم لا يظهر لها ضوء مع الشمس، ولهذا قال بعض المشايخ في مريم ابنة عمران رضي الله عنها: إنها كانت في بدايتها يصرف إليها بخرق العادة بغير سبب، تقوية لإيمانها، فكانت كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، ولما قوي إيمانها ردت البيت، فقيل لها: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم 25] ، ولهذا سأل موسى ربه مع كمال رتبته بقوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف 143] لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص 24] قال علي وغيره: والله، ما طلب إلا خبزا يأكله، ونادى باسم الربوبية، فإن الرب من رباك بإحسانه، وغناك بإنعامه، فإن قلت: فلأي شيء لم يطلب الخليل عليه الصلاة والسلام حين رمي بالمنجنيق في النار، قد تعرض له جبريل، وقال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فلي، قال: سله قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي؟ فالجواب: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعاملون كل مقام بما يفهمون عن الله تعالى أنه الأليق بهم، ففهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن مراد الحق في ذلك المقام، عدم إظهار الطلب والاكتفاء بالعلم، فكان فهمه لأن الحق أراد أن يظهر من قوله: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة 30] في جواب أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [البقرة 30] قال سيدي أبو الحسن الشاذلي فكأنه يقول: يا من؟ قال: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كيف رأيتم إبراهيم خليلي؟ وإنما تصدر الكرامة وإخفاءها، نص على ذلك القشيري وغيره، وقد يكون بقلب العين وهي الأرض وكلام الجماد، وبرء العلل، ونبع الماء والاطلاع على الضمائر، وجفاف البحر، وكلام الموتى، ففي رسالة الشيخ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى بإسناده أن أبا عبيدة السري رحمه الله تعالى غزا سنة، فجرح في السرية فمات المهر، وهو في السرية فقال: يا رب، أعرني إياه إلى [بسر يعني قريته] فإذا المهر قائم، فلما غزا ورجع قال لابنه خذ السرج عن المهر، فقال: إنه عرق، فقال: إنه عارية، فلما أخذ السرج وقع ميتا.

الباب الثالث في بعض آيات وقعت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه

وفيها أيضاً عن الشيخ سعيد الحراز قال: كنت مجاورا بمكة، حرسها الله تعالى، فجزت يوما بباب بني شيبة فرأيت شابا حسن الوجه ميتا، فنظرت له، فنظر في وجهي وتبسم، وقال: أما علمت أن الأحباب أحياء وإن ماتوا، وإنما ينقلون من دار إلى دار. وفيها أيضاً عن بعضهم: كنا في مركب فمات رجل معنا فأخذنا في جهازه وقصدنا أن نلقيه، فصار البحر جافا، ونزلت السفينة فخرجنا وحفرنا له قبرا ودفناه، فلما فرغنا جاء الماء وارتفع واستوى المركب وسرنا، والحكايات كثيرة وما ذكر كفاية. الباب الثالث في بعض آيات وقعت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من ذلك وهو قوله على المنبر: يا سارية الجبل، وأسمع جيشه فيها فسمعه الجيش، فانتصروا، وقد تقدم ذلك في الكلام على بعض فضائله. الباب الرابع في بعض آيات وقعت لسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه روى أبو نعيم عن أبي عثمان النهدي، وعن أبي بكر بن حفص بن عمر وعن عمير الصائدي رضي الله عنه أن سعدا لما نزل نهر شير، وهي المدينة الدنيا، طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى، فلم يقدر على شيء ووجدهم قد ضموا السفن فأقاموا بنهر شير أياما من صفر، وفجأهم المد فرأى رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها فغيرت، وقد أقبلت من المد بأمر عظيم، فعزم لتأويل رؤياه على العبور، فجمع الناس، وقال: إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليهم، وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا فيناوشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه. وإني قد عزمت على قطع هذا البحر عليهم، فأجابوه فأذن للناس في الاقتحام، وقال: قولوا: نستعين بالله، ونتوكل عليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم اقتحموا دجلة وركبوا اللجة، وإن دجلة لترمي بالزّبد وإنها لمسودّة، وإنّ الناس ليتحدثون في عومهم، وقد اقترنوا كما كانوا يتحدثون في مسيرهم على الأرض، فخرجت بهم خيلهم تنفض أعرافها لها صهل وما ذهب لهم في الماء شيء إلا قدح كانت علاقته رثة، فذهب به الماء وإذا به قد ضربته الرياح والموج حتى وقع على الشاطئ، فأخذه صاحبه، ولم يغرق منهم أحد، ففجئوا أهل فارس بأمر لم يكن في حسابهم، وأعجلوهم على حمل أموالهم،

الباب الخامس في بعض آيات وقعت لعبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه

فدخلها المسلمون في صفر سنة ست عشرة واستولوا على كل ما بقي في بيوت كسرى من الثلاثة آلاف ألف ألف شيرويه وما جمع من بعده. الباب الخامس في بعض آيات وقعت لعبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه روى الطبراني برجال الصحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال له يوم أحد: ألا تدعو الله تعالى؟ فخلوا في ناحية، فدعا سعدا فقال: يا ربّ، إذا لقيت العدو فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله ويقاتلني ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمن عبد الله، ثم قال: اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه شديدا حرده، أقاتله فيك، ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا قلت: من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم، فتقول: صدقت، قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط. الباب السادس في بعض آيات وقعت لأبي الدرداء رضي الله تعالى عنه روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال: عن أبي البختري قال: بينما أبو الدرداء يوقد تحت قدر له، وسلمان عنده إذ سمع أبو الدرداء في القدر صوتا، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة الصبي، قال: ثم ندرت القدر فانكفأت، ثم رجعت إلى مكانها لم ينصب منها شيء، فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان، انظر إلى العجب، انظر إلى ما لم ينظر مثله أنت ولا أبوك، فقال سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى انتهى. الباب السابع في بعض آيات وقعت للعلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه روى البيهقي عن أنس وأبي هريرة وسهم بن منجاب عن منجاب بن راشد رضي الله عنهم أنهم غزوا مع العلاء الحضرمي على البحرين، فقال: يا أرحم الراحمين، يا عليم يا حكيم، يا علي يا عظيم، يا عزيز يا كريم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، اجعل لنا سبيلا إلى عدوك، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قال: فأجزنا.

الباب الثامن في بعض آيات وقعت لأنس بن مالك رضي الله عنه

روى البخاري عن سهم بن منجاب وابن سعد والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة والبيهقي عن أنس رضي الله عنهم قال أبو هريرة: خرجت مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فرأيت منه خصالا لا أدري أيتهن أعجب، قال أنس رضي الله عنه: أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لم تقاسمها الأمم، قال منجاب: غزونا مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه دارين، ثم اتفقوا، واللفظ لأنس، قالوا: كنا في غزاة فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا أثار الماء والحر الشديد وجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها، صلى بنا ركعتين ثم مد يده إلى السماء وما نرى في السماء شيئا، فو الله، ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا ثم أتينا عدونا، وقد جاوز خليجا من البحر إلى جزيرة، فوقف على البحر، وقال: يا عليم يا عظيم، يا حليم يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قالوا: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا وأتينا العدو فقتلنا وأسرنا وسبينا ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، وذكروا بقية الحديث، وقال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر. ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل الباب الثامن في بعض آيات وقعت لأنس بن مالك رضي الله عنه روى أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال: أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: يا جارية، هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ، فقال: اسجري التنور، فأوقدته، فأمر بالمنديل، فطرح فيه، فخرج أبيض كأنه اللبن، فقلنا: ما هذا؟ قال: منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه، فإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء. الباب التاسع في بعض آيات وقعت لتميم الداري رضي الله عنه روى البيهقي عن معاوية بن حرمل قال: خرجت نار من الحرة فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقام معه وتبعتهما، فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيده، حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير قالها ثلاثا.

الباب العاشر في بعض آيات وقعت لخالد بن الوليد رضي الله عنه

وروى أبو نعيم عن مرزوق رضي الله عنه أن نارا خرجت على عهد عمر رضي الله عنه، فجعل تميم الداري رضي الله عنه يدفعها بردائه حتى دخلت غارا فقال: لمثل هذا كنا نختبئك يا أبا رقية. الباب العاشر في بعض آيات وقعت لخالد بن الوليد رضي الله عنه روى أبو يعلى عن أبي السفر رضي الله عنه قال: نزل خالد بن الوليد رضي الله عنه الحيرة على أمير بني المرازبة، فقيل له: احذر السم لا تسقيكه الأعاجم، فقال: ائتوني به فأخذه بيده، ثم اقتحمه، وقال: بسم الله، فلم يضره شيئا، وروى ابن سعد برجال ثقات عن قيس بن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: رأيت خالد بن الوليد رضي الله عنه أتى بسم فقال: ما هذا قالوا: سم، قال: بسم الله، وشربه. الباب الحادي عشر في بعض آيات وقعت لسفينة رضي الله عنه روى ابن سعد وأبو يعلى والطبراني وأبو نعيم والبيهقي وله طرق في المستدرك للحاكم وغيره عن سفينة رضي الله عنه قال: ركبت سفينة في البحر، فانكسرت لوح منها فلم نعرف الطريق فإذا أنا بالأسد قد عرض لنا فتأخر أصحابي فدنوت منه فقلت: أنا سفينة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أضللنا الطريق، فمشى بين يدي حتى وقفنا على الطريق ثم تنحى، ودفعني كأنه يوريني الطريق فظننت أنه يودعنا. الباب الثاني عشر في بعض آيات وقعت لعمار بن ياسر رضي الله عنه روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كم من ذي طمرين لا ثوب له، لو أقسم على الله لأبره، منهم عمار بن ياسر» . وروى الطبراني برجال الصحيح وهو منقطع عن سعيد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أقسم يوم أحد فهزم المشركون، وأقسم يوم الجمل فغلبوا أهل البصرة وقيل له يوم صفين: لو أقسمت، فقال: لو ضربونا بأسيافهم حتى نبلغ سعفات هجر

الباب الثالث عشر في بعض آيات وقعت لأبي قرصافة رضي الله عنه

لعلمنا أنا على الحق، وهم على الباطل، فلم يقسم فقتل يومئذ، فقال يوم أحد: أقسمت يا جبريل ويا ميكائيل: لا يغلبنا معشر ضلال ... إنا على الحق وهم جهال حتى خرق صف المشركين. وروى ابن سعد حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا أبو عوانة ابن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر يده على رأسه فيقول: «يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم» . الباب الثالث عشر في بعض آيات وقعت لأبي قرصافة رضي الله عنه [روى الطبراني برجال ثقات عن عزة بنت عاص بن أبي قرصافة قالت: أسرت الروم ابنا لأبي قرصافة إذا حضر وقت كل صلاة صعد سور عسقلان ونادى يا فلان، الصلاة فيسمعه وهو في بلد الروم] . الباب الرابع عشر في بعض آيات وقعت لأبي مسلم الخولاني رضي الله عنه روى البيهقي بسند صحيح عن سليمان بن المغيرة وابن عساكر عن حميد بن هلال العدوي وأبو داود في سننه رواية الأعرابي عن محمد بن زياد وأبو داود وأحمد في الزهد عن حميد قالوا: إن أبا مسلم الخولاني رضي الله عنه جاء إلى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها، فمشى على الماء وفي لفظ: أن أبا مسلم رضي الله عنه غزا أرض الروم فمروا بدجلة وهي ترمي الخشب من مدها قال: أجيزوا بسم الله، ومر بين أيديهم، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم أجزت بني إسرائيل البحر، وإنا عبيدك، وفي سبيلك، فاجزنا هذا البحر اليوم، ثم قال: اعبروا بسم الله ومر بين أيديهم، فلما بلغ الماء بطون الخيل حتى عبر الناس كلهم ثم وقف فقال: يا معشر المسلمين، هل ذهب لأحد منكم شيء فليدعو الله تعالى برده؟ وفي لفظ: والتفت إلى أصحابه، وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا، فندعو الله؟ وكان رجل قد ألقى مخلاته عمدا فقال الرجل: مخلاتي وقعت في هذا النهر، فقال له: اتبعني فإذا بها قد تعلقت ببعض أعواد النهر فقال: خذها، وروى ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عباس عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود بن قيس رضي الله عنه تنبأ باليمن، فبعث إلى مسلم،

الباب الخامس عشر في بعض آيات وقعت لأم أيمن رضي الله عنها

أشهد أني رسول الله قال: ما تسمع؟ قال: تشهد أن محمدا رسول الله، قال: نعم، فأمر بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره الحديث، وسيأتي بتمامه. الباب الخامس عشر في بعض آيات وقعت لأم أيمن رضي الله عنها روى البيهقي عن ثابت وأبي عمران الجوني وهشام بن حسان رضي الله عنهم قالوا: هاجرت أم أيمن إلى المدينة وليس معها زاد، فلما كانت عند الروحاء عطشت عطشا شديدا، قالت: فسمعت حفيفا شديدا فوق رأسي، فرفعت رأسي فإذا دلو مد لي من السماء برشاء أبيض فتناولته بيدي، حتى استمسكت به، فشربت منه حتى رويت، قالت: فلقد أصوم بعد تلك الشربة في اليوم الحار الشديد، ثم أطوف في الشمس كي أظمأ، فما ظمئت بعد تلك الشربة. الباب السادس عشر فيٍ بعض آيات وقعت لعامر بن ربيعة رضي الله عنه روى البيهقي عن الأعمش عن بعض أصحابه رضي الله عنهم قال: أتينا إلى دجلة، وهي بأرض الأعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم الله، ثم اقتحم فرسه فارتفعوا على الماء، فنظر إليهم الأعاجم، وقال: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم، فما فقدوا إلا قدحا كان معلقا بقدية سرج فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء ببيضاء. الباب السابع عشر في بعض آيات وقعت لذؤيب بن كليب رضي الله عنه روى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة، وغلب على صنعاء. أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار، فلم تضره النار الحديث، وسيأتي بتمامه. الباب الثامن عشر في بعض آيات وقعت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه روى الحارث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي، خذ الباب، فلا تدخلن علي أحدا،

الباب التاسع عشر في بعض آيات وقعت لخبيب بن عدي

فإن عندي زورا من الملائكة استأذنوا ربهم أن يزوروني فأخذ علي الباب، وجاء عمر فاستأذن فقال: يا علي، استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: «ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن، فرجع عمر، وظن أن ذلك من سخطة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصبر عمر أن رجع فقال: استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن فقال: ولم؟ قال: لأن زورا من الملائكة عنده استأذنوا ربهم أن يزوروه [قال: وكم هم يا علي؟ قال: ثلاثمائة وستون ملكا، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الباب فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه أخبرني أن زورا من الملائكة استأذنوا ربهم تبارك وتعالى أن يزوروك] وأخبرني يا رسول الله أن عدتهم ثلاثمائة وستون ملكا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: «أنت أخبرت بالزور؟» قال: نعم يا رسول الله، قال: «فأخبرت بعدتهم؟» قال: نعم، قال: «فكم يا علي؟» قال: ثلاثمائة وستون ملكا، قال: «وكيف علمت؟» قال: سمعت ثلاثمائة وستين نغمة فقلت: إنهم ثلاثمائة وستون، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي صدره ثم قال: «يا علي زادك الله إيمانا وعلما» . الباب التاسع عشر في بعض آيات وقعت لخبيب بن عدي عن عمر بن أسيد بن جارية الثقفي، حليف بني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهمدة، بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، قالوا: نوى تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى قردد، فأحاط بهم القوم فقالوا: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم بن ثابت أمير القوم: أما أنا فو الله لا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، ونزل إليهم نفر على العهد والميثاق، فيهم: خبيب الأنصاري، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أو تار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء لأسوة، يريد القتلى، فجرروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف: خبيبا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها

الباب العشرون في آيات وقعت لأبي بن كعب

للقتل، فأعارته إياها، فدرج بني لها، قالت وأنا غافلة، حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتحسبين أني أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، فقالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده، وأنه لموثق في الحديد، وما بمكة من تمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع من الموت لزدت، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا: فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة، واستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا عظيما منهم يوم بدر، فبعث الله إلى عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا. الباب العشرون في آيات وقعت لأبي بن كعب وروي عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: الله سماني لك؟ قال: «نعم» فجعل أبي يبكي. الباب الحادي والعشرون في بعض آيات وقعت لسلمان الفارسي وروى عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان، من جيّ، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس: وكان أبي دهقان أرضه، وكنت أحب الخلق إليه- وفي حديث البكائي: أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية- وفي حديث علي بن جابر: في المجوسية- فكنت في النار التي توقد فلا تخبو، وكان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس في حديثه: في داره- فقال لي يوما: يا بني، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة، ولا تحتبس

فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت- هذا والله خير من ديننا. فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. فرجعت إلى والدي، فقال: يا بني، قد بعثت إليك رسلا، فقلت: مررت بقوم يصلون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أن دينهم خير من ديننا. فقال: يا بني، دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلا والله. فخافني وقيدني. فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشام، ففعلوا فألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأسقف، فأتيته، فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك؟ قال: أقم. فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه، حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فتوفي، فأخبرتهم بخبره، فزبروني، فدللتهم على ماله فصلبوه، ولم يغيبوه ورجموه، وأحلوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا، فألقى الله حبه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أوصي، فذكر رجلا بالموصل، وكنا على أمر واحد حتى هلك. فأتيت الموصل، فلقيت الرجل، فأخبرته بخبري، وأن فلانا أمرني بإتيانك، فقال: أقم. فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصي، فقال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية. فأتيته بعمورية، فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيئا، واتخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت فتخلص إليه. فتوفي. فمر بي ركب من العرب، من كلب، فقلت أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟ فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود، فرأيت النخل، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي، فأقمت عند الذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف، فإني لفي رأس

نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة، يزعم أنه نبي، فو الذي ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني القر ورجفت بي النخلة، حتى كدت أن أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك؟ أقبل على شأنك، فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت شيئا فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي، أردت أن أتصدق به، فبلغني أنك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحق به، فوضعته بين يديه، فكف يديه، وقال لأصحابه: كلوا. فأكلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت. وتحوّل إلى المدينة، فجمعت شيئا فأتيته به، فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هدية، وليست بصدقة، فمد يده فأكل، وأكل أصحابه، فقلت: هاتان اثنتان، ورجعت. فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه، فسلمت، وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم، فقبلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجبه ذلك، وأحب أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرق، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أعينوا أخاكم بالنخل» ، فأعانوني بالخمس والعشر، حتى اجتمع لي، فقال لي: «فقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي» ، ففعلت، فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها، ويسوي عليها ترابا، فأنصرف، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة، وبقي الذهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: «ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب» ، فقال: «أد هذه» فقلت: يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي؟ وروى أبو الطفيل، عن سلمان، قال: أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه. وقيل: إنه لقي بعض الحواريين، وقيل: إنه أسلم بمكة، وليس بشيء. وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه، وبين أبي الدرداء. أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد القاري، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان، أخبرنا أحمد بن عثمان بن أحمد بن السماك، أخبرنا يحيى ابن جعفر، أخبرنا حماد بن مسعدة، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن [ ... ] [ (1) ] .

_ [ (1) ] هنا بياض في الأصول.

الباب الثاني والعشرون بعض آيات وقعت لأهبان بن صيفي

الباب الثاني والعشرون بعض آيات وقعت لأهبان بن صيفي وروى المعلى بن جابر بن مسلم عن أبيه عن عديسة بنت وهبان بن صيفي أن أباها لما حضرته الوفاة أوصى أن يكفن في ثوبين فكفنوه في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثوب الثالث على السرير وكذلك رواه الطبراني من طريق عبد الله بن عبيد عن عديسة بنت أهبان. الباب الثالث والعشرون بعض آيات وقعت لعامر بن فهيرة قال ابن إسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض فقالوا عامر بن فهيرة. الباب الرابع والعشرون بعض آيات وقعت للبراء بن مالك وروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله عز وجل لأبره، منهم البراء بن مالك» . فلما كان يوم تستر، من بلاد فارس، انكشف الناس فقال له المسلمون: يا براء: أقسم على ربك، فقال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقتني بنبيك، فحمل وحمل الناس معه، فقتل مرزبان الزأرة، من عظماء الفرس، وأخذ سلبه، فانهزم الفرس، وقتل البراء. الباب الخامس والعشرون بعض آيات وقعت لعاصم بن ثابت روى الحسن بن سفيان في مسنده من طريق رفاعة بن الحجاج عن أبيه عن الحسين ابن السائب قال: لما كانت ليلة العقبة أو ليلة بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن معه: «كيف تقاتلون» فقام عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فأخذ القوس والنبل وقال: إذا كان القوم قريبا من مائتي ذراع كان الرمي وإذا دنوا حتى تنالهم الرماح كانت المداعسة حتى تقصف فإذا تقصفت وضعناها وأخذنا بالسيوف وكانت المجالدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هكذا نزلت الحرب من قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم» [وفي الصحيحين من طريق عمرو بن أبي سفيان عن أبي هريرة قال

الباب السادس والعشرون في بعض آيات وقعت لأبي أمامة

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليهم عاصم بن أبي الأقلح الحديث بطوله في قصة خبيب بن عدي وفيه قصة طويلة وفيه أن عاصما قال: لا أنزل في ذمة مشرك وكان قد عاهد الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك فأرسلت قريش ليؤتوا بشيء من جسده وكان قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته منهم ولذلك كان يقال حمي الدبر وفي هذه القصة يقول حسان لعمري لقد ساءت هذيل بن مدرك ... أحاديث كانت في خبيب وعاصم أحاديث لحيان صلوا بقبيحها ... ولحيان ركابون شر الجرائم الباب السادس والعشرون في بعض آيات وقعت لأبي أمامة وروى أبو يعلى من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم فانتهيت إليهم وأنا طاووهم يأكلون الدم فقالوا: هلم قلت: إنما جئت أنهاكم عن هذا فنمت وأنا مغلوب فأتاني آت بإناء فيه شراب فأخذته وشربته فكظني بطني فشبعت ورويت ثم قال لهم رجل منهم: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تتجفوه فأتوني بلبن فقلت: لا حاجة لي به وأريتهم بطني فاسلموا عن آخرهم. الباب السابع والعشرون في بعض آيات وقعت لأبي ريحانة وقال إبراهيم بن الجنيد في كتاب الأولياء حدثنا أحمد بن أبي العباس الواسطي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن عروة الأعمى مولى بني سعد قال: ركب أبو ريحانة البحر وكانت له صحف وكان يخيط فسقطت إبرته في البحر فقال: عزمت عليك يا رب إلا رددت عليّ إبرتي فظهرت حتى أخذها. الباب الثامن والعشرون في بعض آيات وقعت لحجر بن عدي أو قيس بن مكشوح وروى إبراهيم بن الجنيد في كتاب الأولياء بسند منقطع أن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به: أعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا فقال: أخاف أن تموت عطشا فيقتلني معاوية قال: فدعا الله فانسكبت له سحابة بالماء فأخذ منها الذي احتاج إليه

الباب التاسع والعشرون بعض آيات وقعت لعمران بن حصين

فقال له أصحابه: ادع الله أن يخلصنا فقال: اللهم خر لنا قال: فقتل هو وطائفة منهم. الباب التاسع والعشرون بعض آيات وقعت لعمران بن حصين وروي عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين أنه قال: اعلم يا مطرف أنه كانت تسلم الملائكة علي عند رأسي وعند البيت وعند باب الحجر فلما اكتويت ذهب ذلك فلما برئ كلمه قال: اعلم يا مطرف أنه عاد إلي الذي كنت أفقد اكتم علي يا مطرف حتى أموت. الباب الثلاثون بعض آيات وقعت لأم مالك روي عن أم مالك الأنصارية، أنها جاءت بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فعصرها ثم دفعها إليها، فرجعت فإذا هي مملوءة سمنا، قالت: فأتيت، فقلت: نزل في شيء يا رسول الله؟ قال: «وما ذاك يا أم مالك؟» قالت: رددت علي هديتي، قال: فدعا بلالا فقال: والذي بعثك بالحق، لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هنيئا لك يا أم مالك، هذه بركة قد عجل الله لك ثوابها» . الباب الحادي والثلاثون بعض آيات وقعت لأويس القرني روي عن عبد الله بن سلمة قال: غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا- يعني أويس- فحملناه، فلم يستمسك فمات فنزلنا فإذا قبر محفور، وماء مسكوب، وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه. فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبور ولا أثر. الباب الثاني والثلاثون بعض آيات وقعت للطفيل روى البيهقي عن طفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها، قال: رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود، فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم،

لولا أنكم تقولون: عزيز ابن الله، فقالوا: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله، وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى، فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أن تقولوا: المسيح ابن الله، فقالوا: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت به ناسا، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بها فقال: «هل أخبرت بهذا أحدا؟» فقلت: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإن طفيلا رأى رؤيا، فأخبر بها من أخبر منكم، إنكم تقولون كلمة، وكان يمنعني الحياء منكم عنها فلا تقولوا: «ما شاء الله وشاء محمد» .

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في عصمته من الناس

جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في عصمته من الناس الباب الأول في كفاية الله تعالى رسوله أمر المستهزئين والكلام على قوله تبارك وتعالى والله يعصمك من الناس قال الله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [الأنعام 10] وقال عز وجل: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا، وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ، وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام 34] وقال تبارك وتعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر 95] وروى أبو نعيم والبيهقي وصححه الضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: المستهزؤون هم الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب، والحارث بن عيطلة السهمي، فلما أكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أتاه جبريل فشكا إليه فأراه الوليد، فأومأ جبريل إلى أكحله، قال: «ما صنعت؟» قال: كفيته ثم أراه الأسود بن المطلب فأومأ إلى عينيه، فقال: «ما صنعت؟» قال: كفيته، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث، فأومأ إلى رأسه، فقال: «ما صنعت؟» قال: كفيته، فأما الوليد فمر به رجل من خزاعة، وهو يريش نبلا له، فأصاب أكحله، فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة، فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا، وهو يقول: قد هلكت ها هو ذا أطعن بالشوك في عيني فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج من فيه فمات منها، أما العاص فركب إلى الطائف على حمار فربض على شبرقة، فدخل في أخمص قدمه شوكة فقتلته. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الأبجل: بالباء الموحدة والجيم عرق في باطن الذراع وهو من الفرس والبعير بمنزلة الأبجل من الإنسان وقيل هو عرق غليظ في الرجل ما بين العصب والعظم. الحزؤ: العذرة وجمعه حزوء. الشبرقة: حجازي وهو شوك فإذا يبس سمي الضريع. وروى أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان رجل

الباب الثاني في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل

يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء اختلج بوجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كن كذلك» فلم يزل يختلج حتى مات. وروى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم علي ناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي، ومعه جبريل، فغمز جبريل، فوقع مثل الظفر في أجسادهم فصارت قروحا حتى نتنوا فلم يستطع أحد أن يدنو منهم فأنزل الله تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر 95] وروى الطبري عن مالك بن دينار قال: حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وسلم [فنزلت] . الباب الثاني في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» ، فأنزل الله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى إلى آخر السورة، ورواه البخاري من حديث ابن عباس مختصرا. وروى البزار والطبراني والحاكم وصححه عن العباس قال: كنت يوما جالسا في المسجد، فأقبل أبو جهل، فقال: إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه، فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبانا حتى أتى المسجد فعجل قبل أن يدخل من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا يوم شر فاتزرت واتبعته. وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني لأعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه ثم رجع، منتقعا

الباب الثالث في عصمته صلى الله عليه وسلم من العوراء بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب

لونه، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، فأتى قريشا، فقالوا له: مالك؟ قال: لما قمت إليه عرض لي فحل من الإبل، فو الله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريل، لو دنا مني لأخذه» ، وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمد، لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: فليدع ناديه سندع الزّبانية، فو الله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب. الباب الثالث في عصمته صلى الله عليه وسلم من العوراء بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب روى أبو يعلى وابن حبان والحاكم، وصححه ابن مردويه، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر، وابن أبي شيبة والدارقطني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مردويه عن أبي بكر رضي الله عنهم قالوا: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ أقبلت العوراء أم جميل، ولها ولولة، وفي يديها فهر، وهي تقول: مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه إلى جنبه فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال: «إنها لن تراني» ، وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء 45] فجاءت حتى أقامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أين الذي هجاني وهجا زوجي، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت، وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها وفي لفظ: يا أبا بكر، ما شأن صاحبك ينشد في الشعر، بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر: والله ما صاحبي بشاعر ولا هجاك، فقالت: أليس قد قال: «في جيدها حبل من مسد» ، فما يدريه ما في جيدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قل لها: هل ترين عندي أحدا، فإنها لن تراني، جعل الله بيني وبينها حجابا» ، فسألها أبو بكر، فقالت: أتهزأ بي والله، ما أرى عندك أحدا، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، إنها لم ترك، فقال: «حال بيني وبينها جبريل، يسترني بجناحيه حتى ذهبت» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الفهر: [....] . الجيد: [....] .

الباب الرابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من المخزوميين

الباب الرابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من المخزوميين روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما إن ناسا من بني مخزوم تواصوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، منهم أبو جهل والوليد بن المغيرة ونفر من بني مخزوم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي فلما سمعوا قراءته فأرسلوا إليه الوليد ليقتله، فانطلق حتى انتهى إلى المكان الذي يصلي فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فرجع إليهم فأعلمهم بذلك، فأتاه من بعده أبو جهل والوليد ونفر منهم، فلما انتهوا إلى الصوت، فإذا الصوت من خلفهم، فينتهون إليه فيسمعونه أيضاً من خلفهم، ثم انصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا، وروى ابن جرير نحوه عن عكرمة ما يؤكد هذا. الباب الخامس في عصمته صلى الله عليه وسلم من دعثور بن الحارث الغطفاني روى الواقدي عن محمد بن زياد بن أبي هنيدة والضحاك بن عثمان وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهم قالوا: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، معهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا ومعهم أفراس فهزمت منه الأعراب فوق ذروة من الجبال، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا أمر فعسكر به، وأصابهم مطر كثير، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون، فقالت لدعثور وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه، حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله، فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم، فقال: «الله عز وجل» ، ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام على رأسه، فقال: «من يمنعك مني؟» قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه سيفه ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه فقال: والله، لأنت خير مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أحق بذلك منك» ، فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول، والسيف في يدك، قال: قد كان والله ذلك، ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل فدفع في صدري، فوقعت لظهري، وعرفت أنه ملك،

الباب السادس في عصمته صلى الله عليه وسلم من النضر بن الحارث

وشهدت أن محمدا رسول الله، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام، ونزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ الآية [المائدة 11] ، وأخرجه البيهقي وقال: روي في غزوة ذات الرقاع قصة أخرى، مثل هذه، فإن كان الواقدي قد حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكانت قصتان. الباب السادس في عصمته صلى الله عليه وسلم من النضر بن الحارث روى أبو نعيم عن عروة رضي الله عنه أن النضر بن الحارث كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعرض له، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يريد حاجته في نصف النهار في حر شديد، فبلغ أسفل من ثنية الحجون، فرآه النضر بن الحارث، فقال: لا أجده أبدا أخلى منه الساعة، فاغتاله، فدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى منزله فلقي أبا جهل، فقال: من أين؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده، فإذا أسود تضرب بأنيابها على رأسي فاتحة أفواهها فذعرت منها ووليت راجعا قال أبو جهل: هذا بعض سحره. الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من الحارث روى الشيخان وابن إسحاق وأبو نعيم والحاكم والبيهقي من طرق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة، تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان: لأقتلن لكم محمدا، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة، فعلق سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال: «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده- صلتا- فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله» ، زاد الحاكم وفي رواية: فسقط السيف من يده، زاد أبو نعيم: وأخذه راجفا. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال: «من يمنعك مني؟ قال: كن خيرا آخذ» ، فخلى سبيله فأتى أصحابه، فقال: جئتكم من عند خير الناس. تنبيهات الأول: غورث هذا وزن جعفر، وقيل: بضم أوله وهو بغين معجمة وراء، ومثلثة مأخوذة من الغرث، وهو الجوع، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة، وحكى الخطابي فيه

الباب الثامن في عصمته صلى الله عليه وسلم من سراقة بن مالك قبل إسلامه

غويرث بالتصغير، وحكى القاضي: أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة، وصوابه بالمعجمة. الثاني: ذكره الحافظ الذهبي في التجريد من جملة الصحابة وعبارته غورث بن الحارث الذي قال: من يمنعك مني؟ قال: الله، قال: ما يمنعك مني؟ قال: الله، قالها ثلاثا، فوقع السيف من يده وأسلم، رواه البخاري من حديث جابر انتهى. ونازعه الحافظ بأنه ليس في البخاري تعرض لإسلامه، ثم أورد الطرق التي رواها البخاري في صحيحه ثم قال: ورويناه أي حديث جابر ... في قصة غورث في المسند الكبير، لمسدد، وفيه ما يصرح بعدم إسلامه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي بعد أن سقط السيف من يده: «من يمنعك مني؟» قال: كن خير آخذ، قال: «أوتسلم؟» قال: لا، ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فجاء إلى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس، وكذا رواه أحمد وذكره الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، فذكر نحوه عن جابر فيما يتعلق بعدم إسلامه، ثم قال: هذه الطرق ليس فيها أنه أسلم، وكأن الذهبي لما رأى ما في ترجمة دعثور بن الحارث أن الواقدي ذكر له شبها بهذه القصة وأنه ذكر أنه أسلم فجمع بين الروايتين فأثبت إسلام غورث فإن كان كذلك ففيما صنعه نظر من حيث إنه عزاه للبخاري، وليس فيه أنه أسلم ومن حيث إنه يلزم منه الجزم بكون القصتين واحدة مع احتمال كونهما واقعتين إن كان الواقدي أتقن ما نقل وفي الجملة هو على الاحتمال وقد يتمسك من يثبت إسلامه بقوله: جئتكم من عند خير الناس. الباب الثامن في عصمته صلى الله عليه وسلم من سراقة بن مالك قبل إسلامه روى الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه قال: طلبنا القوم فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك على فرس له، فقلت: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا قال: «لا تحزن، إن الله معنا» ، فلما كان بيننا وبينه قيد رمح أو ثلاثة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم، أكفناه بما شئت» ، فساخت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنها، قال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فو الله لأعمين كل من ورائي من الطلب، فدعا له فانطلق راجعا وقد تقدمت القصة مبسوطة في الهجرة.

الباب التاسع في عصمته صلى الله عليه وسلم من اليهود حين أرادوا الفتك به

الباب التاسع في عصمته صلى الله عليه وسلم من اليهود حين أرادوا الفتك به روى ابن جرير عن عكرمة وبرير بن أبي زياد وعبد الحميد عن مجاهد وابن إسحاق عن عاصم بن عمر، وابن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وأبو نعيم والبيهقي عن الزهري وعروة بن الزبير قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين فقالوا: اجلس يا أبا القاسم، حتى تطعم وترجع بحاجتك، فجلس ومن معه في ظل جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم فلما خلوا والشيطان معهم ائتمروا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن تجدوه من الآن، فقال رجل منهم: إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته، فجاؤوا إلى رحى عظيمة ليطرحوها عليه فأمسك الله عنها أيديهم، وأخبره بما ائتمروا به من شأنه، فقام ورجع أصحابه، ونزل القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة 11] الآية. الباب العاشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من زيد بن قيس وعامر بن الطفيل روى الطبراني وابن المنذر وأبو نعيم عن ابن عباس وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد والبيهقي عن ابن إسحاق أن عامر بن الطفيل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يغدر به، فقال لأربد: إنا قدمنا على الرجل، فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك، فاعله بالسيف، قال: أفعل فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريدك يا محمد قم معي أكلمك، فقام معه فخليا إلى جدارا ووقف عامر يكلمه، فقال: يا محمد خالني قال: «لا، حتى تؤمن بالله وحده» ، فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله، لأملأنها عليك خيلا حمرا ورجالا. فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم، اكفني عامر بن الطفيل» . فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لإربد: ويحك يا إربد، أين ما كنت أمرتك به؟ قال: والله، ما كان علي ظهر الأرض رجل أخوف عندي على نفسي منك، وأيم الله، لا أخاف بعد اليوم أبدا، قال: لا أبا لك، لا تعجل علي، فو الله، ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟.

الباب الحادي عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن أراد الفتك به

الباب الحادي عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن أراد الفتك به روى ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: «الله» ، فرعدت يد الأعرابي، وسقط السيف منه، وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فأنزل الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] وروى ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد، من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله يمنعني منك، ضع السيف» فوضعه، فنزلت: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] ، وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: جعل للرجل أواق على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على ذلك فأمر به فصلب، وكان أول من صلب معه في الإسلام، وروى ابن أبي شيبة عنه قال: أول رجل صلب في الإسلام رجل من بني ليث جعلت له قريش أواقي على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل فأخبره، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فصلب، وروى ابن جرير رضي الله عنه أن رهطا من قريش جلسوا في الحجر بعد بدر، فقالوا: قبح الله العيش بعد موت آبائنا ببدر، ليتنا أصبنا رجلا يقتل محمدا، وجعلنا له جعلا فقال رجل: أنا والله جريء الصدر، جواد الشد جيد الحديد، أقتله، فجعل له أربعة رهط، كل رهط منهم أوقية من ذهب، فخرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل من قومه مسلم، فقال له: ما جاء بك قال: أسلمت، فجئت، قال: فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما في نفسه، فبعث إلى الرجل الذي نزل عليه، ينظر ضيفه فيشده وثاقا، ثم ابعث به إلي قال: فجعل الرجل ينادي حين خرجوا به هكذا تفعلون بمن يتبعكم، هكذا تفعلون بمن اختار دينكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصدقني» حتى ظن الناس أنه لو صدقه خلى عنه، قال: ما جئت إلا لأسلم، قال: «كذبت» ، ثم قص الرسول صلى الله عليه وسلم قصته في قصة القوم، فقال ما كان ذلك فأمر به فصلب على ذباب، فإنه لأول مصلوب. الباب الثاني عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من شيبة بن عثمان قبل إسلامه روى البيهقي عن أبو نعيم عن عكرمة قال: قال عثمان بن شيبة لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فذكرت أبي وعمي، وقتل علي وحمزة إياهما فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، فجئته

الباب الثالث عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين لعنهم الله حين أرادوا الفتك به

من خلفه فدنوت منه حتى لم يبق إلا أن أسوره بالسيف إذ دفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه البرق، فنكصت القهقرى، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا شيبة، ادن مني» فوضع يده على صدري، واستخرج الله الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري، وهو أحب إلي من سمعي وبصري. الباب الثالث عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين لعنهم الله حين أرادوا الفتك به روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك والبيهقي، عن عروة عن حذيفة وعن ابن إسحاق رضي الله عنه في قوله تعالى: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه فتآمروا عليه أن يطرحوه في عقبة في الطريق وفي لفظ: أن يقتلوه، فلما هموا وبلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم، فقال: «من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم» ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر فمشيا معه مشيا وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة وأمر حذيفة أن يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم، قد غشوهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها بالمجن وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر، فرعّبهم الله حين أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أدركه قال: «اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار» ، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حذيفة، هل عرفت من هؤلاء الرهط، أو الركب أو أحدا منهم؟» قال: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل علمتم شأنهم وما أرادوا؟» قالوا: لا، والله يا رسول الله، قال: «فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، وأن الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وأبو حاضر الأعرابي، وأبو عامر والجلاس بن سويد بن الصامت، ومجمع بن جارية وفليح التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق وعبد الله بن عيينة، ومرة بن الربيع» ، قيل: يا رسول الله، أفلا تأمر بهم فتضرب

الباب الرابع عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن قصد أذاه من الشياطين

أعناقهم، قال: أكره أن يتحدث الناس، ويقولوا: إن محمدا وضع يده في أصحابه» ، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم، فقال: «أردتم كذا وكذا» فحلفوا بالله ما قالوا، ولا أرادوا الذي سألهم عنه فذلك قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا [التوبة 74] فهم اثنا عشر رجلا، حاربوا الله ورسوله، وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار. الباب الرابع عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن قصد آذاه من الشياطين روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه، وأردت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم أجمعون، فذكرت دعوة أخي سليمان «ربِّ هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي» فرده خاسئا» . قصة أخرى روى الإمام أحمد عن أبي التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدرت عليه الشياطين تلك الليلة من الجبال والأودية يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم شيطان بيده شعلة من نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء جبريل فقال: يا محمد قل: فقال: «ما أقول؟» قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان، قال: فانطفأت نارهم وهزمهم الله، وروي عن أنس رضي الله عنه قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه إبليس يكيده فانقض عليه جبريل، فدفعه بمنكبه، فألقاه بوادي الأردن، وروى أبو الشيخ والطبراني وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساجدا بمكة، فجاء إبليس فأراد أن يطأ عنقه فنفخه جبريل نفخة فما استقرت قدماه حتى بلغ الأردن. الباب الخامس عشر في دفع أذى الهوام عنه صلى الله عليه وسلم روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بخفيه يلبسهما فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الأخرى فرمى بها، فخرجت منه حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما» .

جماع أبواب موازاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في فضائلهم بفضل نبينا صلى الله عليه وسلم.

جماع أبواب موازاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في فضائلهم بفضل نبينا صلى الله عليه وسلم. الباب الأول في فوائد تتعلق بالكلام على ذلك قال العلماء: ما أتى نبي من المعجزات ولا فضيلة إلا ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي نظيرها وأعظم منها، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما رواه البيهقي في مناقبه وابن أبي حاتم رضي الله عنهما: ما أعطى الله ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم ولفظ البيهقي رضي الله عنه: ما أعطى الله نبيا قط شيئا إلا وقد أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر فقال له عمرو وسوار: قد أعطى الله عيسى عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى، قال: أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يقف على جنبه، وهي له كالمنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع الناس صوته، فهذا أكثر من ذلك، وقال الحافظ جمال الدين المزني رضي الله عنه وأول من تكلم في هذا الباب أبو عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي رضي الله عنه وعقد أبو عبيد في كتابه «الدلائل» فصلا في ذلك، وكذا أبو محمد وأبو عبد الله بن حامد الفقيه، وكذلك شيخ الإسلام كمال الدين بن الزملكاني في آخر مولده وكذلك شيخنا رحمهم الله تعالى وكذلك الصرصري الشاعر، يورد في بعض قصائده شيئا من ذلك، وأنا أذكر في هذا الباب حاصل ما ذكروه إن شاء الله تعالى. الباب الثاني في موازاته ما أوتيه آدم صلى الله عليه وسلم في ذلك أن الله تعالى خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وكلمه كما في حديث أبي داود والطبراني، وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم شرح صدره تعالى بنفسه، وخلق فيه الإيمان والحكمة، وهو الخلق النبوي فتولى من آدم الخلق الوجودي ومن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق السوي مع أن المقصود كما مر بخلق آدم خلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المقصود وآدم الوسيلة والمقصود سابق على الوسيلة، وأما سجود الملائكة لآدم فقال الإمام فخر الدين إن الملائكة أمروا بالسجود لآدم لأجل أن نور محمد صلى الله عليه وسلم كان في وجهه ولله در القائل: تجليت الله في وجه آدم* فصلى له الأملاك حين توصلا وقال الإمام سهل بن محمد هذا التشريف الذي شرف الله به محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً

الباب الثالث في موازاته ما أوتيه وأوتي إدريس صلى الله عليه وسلم رفعه الله مكانا عليا

[الأحزاب 56] أتم وأجمع من تشريف آدم عليه الصلاة والسلام بأمر الملائكة له بالسجود، لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف، فتشريف يصدر عنه وعن الملائكة والمؤمنين أبلغ من تشريف مختص به وبالملائكة، وهذا وقع وانقطع، وشرفه صلى الله عليه وسلم مستمر أبدا، رواه الواحدي في أسباب النزول عنه بسند صحيح، وأما تعليم الأسماء، فروى الديلمي في سند الفردوس عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها» ، قلت: وله شاهد عند الطبراني من حديث أبي حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أمتي البارحة أدنى هذه الشجرة أولها إلى آخرها» فقال رجل يا رسول الله، عرض عليك من خلق، فكيف من لم يخلق؟ فقال: «صوروا إلي في الطين حتى إني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه» . الباب الثالث في موازاته ما أوتيه وأوتي إدريس صلى الله عليه وسلم رفعه الله مكانا عليا وقد رفع الله نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قاب قوسين، وقد تقدم في أبواب المعراج ما يغني عن إعادته. الباب الرابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه نوح عليه الصلاة والسلام قال أبو نعيم: آيته التي أوتي إجابة دعوته وإغراق قومه بالطوفان وكم لنبينا صلى الله عليه وسلم من دعوة مستجابة، وزاد نبينا على نوح بأنه في مدة عشرين سنة آمن به ألوف كثيرة، ودخل الناس في دينه أفواجا، ونوح أقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم يؤمن به إلا دون المائة نفس، وقال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه رضي الله عنه فكان ذلك فضيلة أوتيها إذا أجيبت وشفي صدره بإهلاك قومه، وأوتي النبي صلى الله عليه وسلم مثله، حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف، فأنزل الله ملك الجبال وأمره بطاعته فيما يأمره من إهلاك قومه فاختار الصبر على أذيتهم، والابتهال في الدعاء لهم وقد تقدم ذلك في عرض نفسه الكريمة على القبائل. قال الشيخ رحمه الله تعالى: ومما أوتيه نوح تسخير الحيوانات له في السفينة، وقد سخرت أنواع الحيوانات لنبينا صلى الله عليه وسلم نفي الحمى من المدينة إلى الحجفة، وأوتي نوح النجاة في السفينة، ولا شك أن حمل الماء للناس من غير سفينة أعظم من سلوك عليه في السفينة، وقد مشى كثير من الأولياء على متن الماء.

الباب الخامس في موازاته صلى الله عليه وسلم وما أوتيه هود عليه الصلاة والسلام

الباب الخامس في موازاته صلى الله عليه وسلم وما أوتيه هود عليه الصلاة والسلام قال أبو نعيم: أوتي النصر بالريح، وقد نصر بها نبينا صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر والخندق. الباب السادس في موازاته صلى الله عليه وسلم وما أوتيه صالح عليه الصلاة والسلام قال أبو نعيم: أوتي الناقة ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم كلام الجمل، وطاعته له كما تقدم. الباب السابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أوتي النجاة من النار، وقد خمدت نار فارس لنبينا صلى الله عليه وسلم روى أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: يا جارية، هلمي المائدة نتغدى، فأتت بها ثم قال: هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ، فقال: اسجري التنور فأوقدته فأمر بالمنديل فطرح فيه فخرج أبيض كأنه اللبن، فقلنا: ما هذا؟ قال: هذا منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح به وجهه فإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء، وألقى غير واحد من أمته في النار، فلم تؤثر فيه، منهم: ذؤيب بن كليب بن ربيعة الخولاني، وروى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة، وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار لتصديقه بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم تضره النار، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل إبراهيم الخليل. وروى ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود تنبأ فبعث إلى أبي مسلم الخولاني، فأتاه فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: تشهد محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فأتى بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره، فقيل للأسود: إن لم تنف هذا عنك فسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فقال أبو بكر: الحمد لله الذي ألبثني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم خليل الرحمن، ومنهم عمار بن ياسر، قال ابن سعد: حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق

المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: «يا نار كوني بردا وسلاما على عمار، كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية» . وأوتي الخلة، فقد أخرج ابن ماجة وأبو نعيم رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين والعباس بيننا، مؤمن بين خليلين» ، وروى أبو نعيم عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل وفاته بخمس: «إن الله اتخذ صاحبكم خليلا» . وروى الطيالسي، وابن أبي شيبة، وابن منيع برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل، وان محمدا صلى الله عليه وسلم أكرم الخلائق على الله، ثم قرأ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء 79] زاد ابن منيع وإن محمدا سيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة، قال أبو نعيم: وقد حجب إبراهيم عن نمرود بحجب ثلاث، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حجب عن من أراد قتله، وقد تقدم ذلك في الباب، وقد ناظر إبراهيم نمرودا فبهته بالبرهان والحجة كما قال تعالى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة 258] وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أتى أبي بن خلف يكذب بالبعث بعظم بال ففركه، قال: من يحيي العظام وهي رميم، فأنزل الله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس 79] وهذا البرهان القاطع، وقد كسر إبراهيم أصنام قومه غضبا لله، ونبينا صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصنام قومه وهي ثلاثمائة وستون صنما فتساقطت، كما تقدم في فتح مكة، قال الشيخ رضي الله عنه: ومما أوتيه إبراهيم كلام الأكبش، روى ابن أبي حاتم عن علباء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان البيت فقال: ما لكما ولأرضي؟ فقالا: نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة قال: فهاتا البينة على ما تدعيان، فقام خمسة أكبش فقلن: نحن نشهد أنّ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عدة من الحيوانات ومن معجزاته ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: انطلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام يمتار فلم يقدر على الطعام، فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله، فقالوا: ما هذا؟ قال: حنطة حمراء فوجدوها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها شيء خرج سنبلها من أصلها إلى فرعها حبا متراكما، وقد تقدم في النوع الأول من الباب نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم في السقاء الذي زوده لأصحابه وملأه ماء، ففتحوه فإذا لبن وزبد، وقال إبراهيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء 82] قال الله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 2] وقال إبراهيم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشعراء 87] وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا

الباب الثامن في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه إسماعيل عليه الصلاة والسلام

مَعَهُ [التحريم 8] وقال إبراهيم حين ألقي في النار: حَسْبِي اللهُ ونِعْمَ الوَكيل وقال الله لمحمد: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [الأنفال 64] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضحى 7] وقال إبراهيم: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء 84] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح 4] وقال إبراهيم: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إبراهيم 35] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] [الأحزاب 33] وقال إبراهيم: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء 85] وقال الله لمحمد: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر 1] . الباب الثامن في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه إسماعيل عليه الصلاة والسلام أوتي الصبر على الذبح، وقد تقدم في صفاته شق الصدر وإن ذلك نظيره، بل بلغ منه لأن وقع حقيقة، والذبح لم يقع، وأوتي الفداء من الذبح وكذلك عبد الله أبو نبينا صلى الله عليه وسلم وأوتي ماء زمزم، وكذلك عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وأوتي العربية، فروى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاما» وروى أبو نعيم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ما لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: «كانت لغة إسماعيل درست، فجاء بها جبريل فحفظنيها» . الباب التاسع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يعقوب، انه ابتلي بفراق ولده وصبر حتى كاد يكون مرضا من الحزن، ونبينا صلى الله عليه وسلم فجع بولده ولم يكن له من البنين غيره، فرضي واستسلم، ففاق صبره صبر يعقوب عليهما الصلاة والسلام.

_ [ (1) ] سقط في ب.

الباب العاشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوسف عليه الصلاة والسلام

الباب العاشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوسف عليه الصلاة والسلام قال أبو نعيم: أعطى يوسف من الحسن ما فاق به الأنبياء والمرسلين بل والخلق أجمعين، ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي من الجمال ما لم يؤته أحد، ولم يؤت يوسف إلا شطر الحسن، وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم الحسن جميعه كما تقدم في أبواب صفاته، قال أبو نعيم ويوسف: ابتلي بفراقه عن أبويه وعن بيته، وعن وطنه، ونبينا صلى الله عليه وسلم فارق الأهل والعشيرة والأحبة والوطن مهاجرا إلى الله تعالى قلت: وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك كما تقدم بيانه. الباب الحادي عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه موسى عليه الصلاة والسلام أوتي نبع الماء من الحجر، وقد وقع ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وزاد بنبعه من بين الأصابع الشريفة، قال أبو نعيم وهو أعجب، فإن نبعه من الحجر متعارف معهود، وأما بين اللحم والدم فلم يعهد، وأوتي تظليل الغمام، وتقدّم ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، وأوتي العصا، قال أبو نعيم ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم حنين الجذع ونظيرها في قلبها ثعبانا في قصة الفحل الذي رآه أبو جهل، قال الشيخ رحمه الله تعالى: وأوتي اليد ونظيرها النور الذي جعله آية للطفيل، فصار في وجهه، ثم خاف أن يكون مثله، فتحول إلى سوطه كما تقدم، وأوتي انفلاق البحر، وقد تقدم نظيره في الإسراء أن البحر الذي بين السماء والأرض انفلق له وجاوزه، وأوتي المن والسلوى، ودعا موسى على قومه بالطوفان والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، قال أبو نعيم: ونظيره دعاؤه صلى الله عليه وسلم على قومه بالسنين، وقال موسى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه 84] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى 5] فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة 144] وقال الله تعالى لموسى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه 39] وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران 31] وأوتي آية من كنز العرش كما رواه هشام بن عمار عن عمرو بن حسان وأوتي النبي صلى الله عليه وسلم عدة آيات كما ستأتي مبينة في الخصائص، وقال ابن عقيل وأعظم من ذلك قوله لموسى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه 41] وقوله لنبينا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح 10] .

الباب الثاني عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوشع، أوتي حبس الشمس حين قاتل الجبارين

الباب الثاني عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوشع، أوتي حبس الشمس حين قاتل الجبارين وقد حبست الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم في الإسراء، وردت عليه صلى الله عليه وسلم بعد غروبها في غزوة خيبر. الباب الثالث عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه داود قال أبو نعيم: أوتي تسبيح الجبال، ونظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا والطعام كما تقدم، وأوتي تسخير الطير، وتقدم تسخير سائر الحيوانات لنبينا صلى الله عليه وسلم وأوتي إلانة الحديد وقد لينت الحجارة لنبينا صلى الله عليه وسلم وصم الصخور حين استتر من المشركين يوم أحد، مال برأسه إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم، فلين الله تعالى له الجبل حتى أدخل رأسه، وذلك ظاهر باق يراه الناس، وكذلك في بعض شعاب مكة حجر أصم استروح إليه صلى الله عليه وسلم في صلاته فلان له الحجر، حتى أثر فيه بذراعيه وساعديه وذلك مشهور، وهذا أعجب، لأن الحديد يلينه النار ولم تر النار تلين الحجر، وأوتي الحكمة، وفصل الخطاب، وقد كانت الحكمة التي أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم، والشريعة التي شرعت له أكمل من كل حكمة وشرعة كانت قبله من الأنبياء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارا» ولا شك أن العرب أفصح الأمم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصحهم لفظا، وأجملهم لكل خلق جميل مطلقا، وأوتي سرعة القراءة وحسن الصوت، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم حسن الصوت بتلاوة القرآن، قال جبير بن مطعم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب بالتين والزيتون فما سمع صوتا أطيب من صوته، وكان يقرأ ترتيلا كما أمره الله تعالى. الباب الرابع عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه سليمان عليه الصلاة والسلام قال أبو نعيم: أوتي ملكا عظيما، وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم من ذلك مفاتيح خزائن الأرض فأباها، قال: «لو شئت لأجرى الله معي جبال الأرض ذهبا، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما» ، وأوتي سليمان الريح تسير به غدوها شهر ورواحها شهر، وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم ما

الباب الخامس عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم يحيى بن زكريا علية الصلاة والسلام

هو أعظم من ذلك البراق سار به مسيرة خمسين ألف سنة، في أقل من ثلث ليلة، فدخل السموات سماء سماء، ورأى عجائبها، ووقف على الجنة والنار وسخرت له الريح، كما قال تعالى في شأن الأحزاب: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب 9] وقال صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» وفي الصحيحين: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» ومضى ذلك أنه إذا قصد قتال قوم من الكفار ألقى الله الرعب في قلوبهم قبل وصوله إليهم بشهر ولو كانت مسيرة شهر، فهذا في مقابلة غدوها شهرا، ورواحها شهرا، بل هذا أبلغ في التمكين والنصر، وسخرت لسليمان الجن وكانت تعاص عليه حتى يصفدها ويعذبها، ونبينا صلى الله عليه وسلم أتته وفود الجن طائعة مؤمنة، وسخر له الشياطين والمردة منهم، حتى هم أن يربط الشيطان الذي أخذه بسارية المسجد، وأنزل الله تعالى الملائكة المقربين في غير ما موطن كبدر، وأحد، والأحزاب، وحنين، كما تقدم مفصلا، وذلك أعظم وأجل من تسخير الشياطين، قد ثبت في الصحيح أنه إذا دخل شهر رمضان صغرت الشياطين ومردة الجن، وأعطى سليمان النبوة والملك، ونبينا صلى الله عليه وسلم خير عن ذلك فاختار أن يكون نبيا عبدا. الباب الخامس عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام وقال أبو نعيم أوتي الحكم صبيا، وكان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم، وأعطي نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من هذا، فإن يحيى لم يكن في عصر الأوثان والأصنام والجاهلية، ومع ذلك أوتي الفهم والحكم صبيا بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، فما رغب لهم صنما قط، ولا شهد لهم عيدا، ولم يسمع منه قط كذب، ولا عرفت له صبوة، وكان يواصل الأسبوع صوما، ويقول: «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» وكان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، فإن قيل: كان يحيى حصورا والحصور الذي لا يأتي النساء قيل: إن نبينا صلى الله عليه وسلم بعث رسولا إلى الخلق كافة، وأمر بالنكاح لتقتدي به الخلق فيه لما جبلت عليه النفوس من التوقان إليه. الباب السادس عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ

وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران 49] وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم الذراع المسمومة، وهذا الإحياء أبلغ من إحياء الإنسان الميت من وجوه: أحدها: إنه إحياء جزء من الحيوان دون بقيته، وهذا معجز لو كان متصلا بالبدن. الثاني: أنه إحياء وحدة منفصلة عن بقية أجزاء ذلك الحيوان مع موت البقية. الثالث: أنه أعاد عليه الحياة مع الإدراك والعقل، ولم يكن هذا الحيوان يعقل في حياته فصار جزؤه حيا يعقل. الرابع: أنه أقدره الله تعالى على النطق والكلام، ولم يكن الحيوان الذي هو جزؤه مما يتكلم وفي هذا ما هو أبلغ من حياة الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وقال ابن كثير: وفي حلول الحياة والإدراك والعقل في الحجر الذي كان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام ما هو أبلغ من حياة الحيوان في الجملة، لأنه كان محلا للحياة في وقت بخلاف هذا حيث لا حياة له بالكلية قبل ذلك، وكذلك تسليم الأحجار والمدر والشجر، وحنين الجذع، وجعله أبو نعيم نظير خلق الطين طيرا، وجعل العسيب سيفا، كما تقدم وقال تعالى: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة 112] وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم إنه أتى بطعام من السماء في عدة أحاديث تقدمت. وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج إلى البرية فقالت امرأته: اللهم، ارزقنا ما نعتجن ونختبز قال: فإذا الجفنة ملأى خميرا، والرحى تطحن، والتنور ملأى خبزا وشواء قال: فجاء زوجها وسمع الرحى، فقامت إليه لتفتح له الباب، فقال: ماذا كنت تطحنين؟ فأخبرته وإن رحاها لتدور وتصب دقيقا، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ فرفع الرحى فنكس ما حوله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما فعلت بالرحى؟» قال: رفعتها ونفضتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم» ، وفي رواية: «لو تركتها دارت إلى يوم القيامة» ، وقال تعالى: يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران 46] وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيانه. روى الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه وقد تقدم في باب ولادة نبينا صلى الله عليه وسلم نظير ذلك، وأوتي عيسى الرفع إلى السماء، قال أبو نعيم: وقد وقع ذلك لجماعة من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، منهم عامر بن فهرة، وخبيب والعلاء بن الحضرمي، وقال ابن الزملكاني: ومما أوتيه عيسى الإبراء من الجنون، وقد أبرأ نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك كما تقدم، وأوتي عيسى المشي على الماء، وقد وقع ذلك لغير

واحد من هذه الأمة، وقال الشيخ الإمام العلامة ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك يشبهه في عصره بحسان بن ثابت أبو زكريا يحيى بن يوسف الأنصاري الصرصري، وكان ضرير البصر بصير البصيرة في قصيدة من حرف الحاء من ديوانه: محمد المبعوث للناس رحمة ... وسيدنا أوهى الضلالة مصلح لئن سبحت صم الجبال مجيبة ... لداود أو لان الحديد المصفح فإن صخور الصم لانت بكفه ... وإن الحصى في كفه ليسبح وإن كان موسى نبع الماء من العصا ... فمن كفه قد أصبح الماء يطفح ولو كانت الريح الرخاء مطيعة ... سليمان لا تألو تروح وتسرح فإن الصبا كانت لنصر نبينا ... برعب على شهر به الخصم تكلح وإن أوتي الملك العظيم وسخرت ... له الجن تسعى بأرض تكدح فإن مفاتيح الأمور بأسرها ... أتته فرد الزاهد المترجح وإن كان إبراهيم أعطي خلة ... وموسى بتكليم على الطور يمنح فلهو الحبيب والخليل وكليم ... ويختصّ بالرؤيا وبالحق أشرح وبالمقعد الأعلى المقرب ناله ... عطاء لعينيه أقر وأبرح وبالرتبة العليا الوسيلة دونها ... مراتب أرباب المواهب تطمح ولهو إلى الجنات أول داخل ... له بابها قبل الخلائق يفتح

جماع أبواب خصائصه صلى الله عليه وسلم في فوائد تتعلق بكلام عن الخصائص

جماع أبواب خصائصه صلى الله عليه وسلم في فوائد تتعلق بكلام عن الخصائص الباب الأول فيما اختص به عن الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام في ذاته في الدنيا الأولى. خص صلى الله عليه وسلم بأنه أول الأنبياء خلقا. روى الحسن بن سفيان وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب 7] الآية قال: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» فبدئ به قبلهم. وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» . الثانية. وتقدم نبوته صلى الله عليه وسلم وكان نبيا وآدم مجندل في طينته، روى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، متى جعلت نبيا؟ قال: «وآدم مجندل في الطين» . وروى ابن سعد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا؟ قال: «بين الروح والطين من آدم» . وروى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله، متى أخذ ميثاقك؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» . الثالثة. وبأنه أول من قال بلى، يوم ألست بربكم. وروى الحافظ أبو سهل القطان في «جزء من أماليه» عن سهل بن صالح الهمداني قال: سالت أبا جعفر محمد بن علي [كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الأنبياء، وهو آخر من بعث؟ قال: إن الله تعالى لما اخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم: الست بربكم؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال: «بلى» ، ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث] .

الرابعة.

الرابعة. وبخلق آدم عليه الصلاة والسلام وجميع المخلوقات لأجله عليه السلام. الخامسة. وبكتابة اسمه الشريف على العرش، وكل سماء الجنان، وما فيها، وسائر ما في الملكوت. السادسة. وبذكر الملائكة له في كل ساعتها. روى ابن عساكر عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: إن الله تعالى أنزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والرسل، ثم أقبل على ابنه شيت، فقال: يا بني، أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعمارة التقوى، والعروة الوثقى وكلما ذكرت الله عز وجل فاذكر إلى جنبه اسم محمد، فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، وأنا بين الروح والطين، ثم طفت في السموات، فلم أر موضعا في السموات إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وإن ربي أسكنني الجنة، فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب أجام الجنة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب، وبين أعين الملائكة، فأكثر من ذكره، فإن الملائكة تذكره في كل ساعتها، وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في أوائل الكتاب فراجعه، فإن فيه نفائس. السابعة. وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في عهد آدم عليه الصلاة والسلام. روى أبو نعيم وابن عساكر بسند لم أر فيه من أتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما نزل آدم صلى الله عليه وسلم بالهند استوحش، فنزل جبريل فنادى، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إلى آخره. الثامنة. وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في الملكوت الأعلى وفي عهد آدم. روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها: البراق، فأراد أن يركبها فاستصعبت عليه، فقال لها جبريل: اسكني، فو الله، ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد، فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي

الرحمن، فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب، فقال: الله أكبر، الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، قال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أرسلت محمدا، فقال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ثم قال الملك: الله أكبر، الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر، ثم قال الملك: لا إله إلا الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه، فأما أهل السموات فيهم آدم ونوح فيومئذ أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السموات والأرض. رواه البزار بسند جيد، وأبو الشيخ وابن شاهين، ورواه عن عائشة، ورواه ابن شاهين عن محمد بن الحنفية، ورواه الطبراني وابن شاهين عن ابن عمر وأسانيدها كلها تالفة كما بينت ذلك في بيان اتحاف البيت ببيان ما وضع في معراج البيت، قلت: في سنده زياد بن المنذر أبو الجارود، قال ابن معين: كذاب عدو الله. وقال الذهبي وابن كثير: هذا من وضعه، وأورده القاضي في الشفاء، والسهيلي في الروض، والنووي في شرح مسلم ساكتين عليه وما في الحديث من ذكر الحجاب فهو في حق المخلوق، لا في حق الخالق، فهم المحجوبون والبارئ جل اسمه تنزه عما يحجبه من الحجب إنما يحيط بقدر محسوس، ولكن حجبه عن أنصار خلقه، وبصائرهم وإدراكاتهم ما يشاء وكيف يشاء، لقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين 15] ، فقوله في هذا الحديث: الحجاب وخروج ملك من الحجاب، يجب أن يقال: حجاب حجب به من وراءه من ملائكته عن الاطلاع على ما دونه من سلطانه وعظمته، وحجاب ملكوته وجبروته، ويدل عليه من الحديث قول جبريل عليه السلام من الملك خرج من ورائه، إن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه، فدل أن هذا الحجاب لم يختص بالذات، ويدل عليه قول كعب رضي الله عنه في تفسير سدرة المنتهى إليها ينتهي علم الملائكة، وعندها يجدون أمر الله تبارك وتعالى لا يجاوزها علمهم، وأما قوله: «الذي يلي الرحمن» ، فيعمل على حذف مضاف، أي يلي عرش الرحمن أو امرا ما من عظيم آياته أو مبادئ حقائق معارفه، وكما هو أعلم به كما قال تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف 82] أي أهلها، فقوله: «قيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، وأنا أكبر» ظاهره سمع في هذا الموطن كلام الله تعالى ولكن من وراء حجاب أي وهو لا يراه حجب بصره عن رؤيته، فإن صح القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فيحمل في هذا الموطن بعد هذا وقبله رفع الحجاب عن بصره حتى رآه، قلت: وفي هذا المعنى أحاديث بينت محالها في باب بدء الأذان فراجعه.

التاسعة والعاشرة، والحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة.

التاسعة والعاشرة، والحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة. بأخذ الميثاق على النبيين وآدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه، والتبشير به في الكتب السابقة، وتقدم ذلك كله في أول الباب. الرابعة عشرة. في نعت أصحابه في الكتب السابقة. قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء 105] . وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور، وسابق علمه، قبل أن تكون السموات والأرض، أن يورث أمة محمد الأرض. وروى الطيالسي والمدني برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلبه صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء. قال الله سبحانه وتعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح 29] الآية، وروى ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صاحب موسى، أخيه المصدق لما جاء به موسى، ألا إن الله تعالى قد قال لكم، يا معشر أهل التوراة، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً إلى آخر السورة. وروى ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما: ذلك مثلهم في التوراة، يعني نعتهم مكتوب في التوراة، ومثلهم في الإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض. وروى أبو عبيد وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية عن عمار مولى بني هاشم قال: سألت أبا هريرة رضي الله عنه عن القدر، فقال: اكتف منه بآخر سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ إلى آخرها يعني أن الله سبحانه وتعالى نعتهم قبل أن يخلقهم.

الخامسة عشرة. في نعت خلفائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة.

وروى الطبراني في الأوسط والصغير، وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح 29] قال: «النور يوم القيامة» . وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه في الآية قال: أما إنه ليس الذي ترون، ولكن سيما الإسلام وسحنته وسمته وخشوعه. ورواه البيهقي عنه بلفظ: السمت الحسن. وروى البخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عنه قال في الآية: بياض يغشى وجوههم يوم القيامة. وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد، ومحمد بن نصر عن مجاهد، قال: ليس له أثر في الوجه، ولكن الخشوع والتواضع. وروى ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ قال: جعل الله الرحمة في قلوبهم بعضهم لبعض، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، قال: علامتهم الصلاة، ذلك مثلهم في التوراة، قال: هذا المثل في التوراة أو مثلهم في الإنجيل، قال: هذا مثل آخر كزرع أخرج شطأه قال: هذا نعت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل قبل أن يخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وروى ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ [الفتح 29] قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة. ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح 29] قال: سنبله حين يبلغ نباته عن حباته فآزره يقول: نباته مع التفافه حين يسنبل فهذا مثل ضربه لأهل الكتاب، إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع، فيهم رجال يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ثم يغلظ فيهم الذين كانوا معه، وهو مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث الله النبي وحده، ثم يجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به، ثم يكون القليل كثير ويغلظون، ويغيظ الله تعالى بهم الكفار يعجب الزراع من كثرته وحسن نباته. الخامسة عشرة. في نعت خلفائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة. روى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: خرجت إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت على شيخ من الأزد عالم، قد قرأ

الكتب، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين، فقال: أحسبك حرميا؟ قلت: نعم، وأحسبك قرشيا؟ قلت: نعم، قال: وأحسبك يتيما؟ قلت: نعم، قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟ قال: تكشف عن بطنك، قلت: ولم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصادق أن نبيا يبعث في الحرم يعاون عليه أمره، فتى وكهلا، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك إلا أن تريني، فقد تكاملت لي فيك الصفة، إلا ما خفي علي. فقال أبو بكر الصديق: فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو، ورب الكعبة. وروى ابن عساكر عن الربيع عن أنس رضي الله عنه قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر رضي الله عنه كمثل القطر أينما يقع نفع. وروى ابن عساكر عن أبي بكر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل من أهل الكتاب: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة رسول الله وصديقه. وروى الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق زيد بن أسلم قال: أخبرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرجت مع ناس من قريش، في تجارة إلى الشام في الجاهلية فذكر قصته، قال: فانتهيت إلى دير فاستظللت في ظله فخرج إلي رجل، فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا؟ قلت: أضللت عن أصحابي، فجاءني بطعام وشراب، وصعد في النظر وخفضه. ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك التي تخرجنا من هذا الدير، وتغلب على هذه البلدة، قلت: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: والله أنت صاحبنا، فهو غير شك فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفا، فلا تكدره، فقال: اكتب لي كتابا في رق كيس عليك فيه شيء فإن تك صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى، فليس يضرك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت عليه، فلما قدم عمر الشام في خلافته، أتاه ذلك الراهب، وصاحب دير القدس بذلك الكتاب، فلما رآه عمر تعجب منه، وأنشأ يحدثنا حديثه، فقال: أوف لي بشرطي، فقال: ليس لعمر ولا لابن عمر منه شيء. وروى ابن سعد عن ابن مسعود، وعبد الله ابن الإمام أحمد، في زوائد الزهد، عن أبي عبيدة رضي الله عنهما قالا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركض فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكشف ثوبه عن فخذه، فرأى أهل نجران أن بفخذه شامة سوداء فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا، وروى أبو نعيم من طريق شهر بن حوشب عن كعب، قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام: إنه مكتوب في هذه الكتب، إن

هذه البلاد مفتوحة على يد رجل صالح من المؤمنين، رحيم بهم، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، القريب والبعيد سواء في الحق عنده أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار، متراحمون، متواصلون، متبارون، قال عمر رضي الله عنه: أحق ما تقول؟ قال: إي والله، قال: الحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وروى ابن عساكر عن عبيد بن آدم، وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية، فقدم خالد بن الوليد إلى بيت المقدس قالوا: ما اسمك وما اسم صاحبك؟ قال: عمر بن الخطاب، قالوا: انعته لنا، فنعته، قالوا: أما أنت فلست تفتحها، ولكن عمر فإنا نجد في الكتب كل مدينة تفتح قبل الأخرى، وكل رجل يفتحها نعته، وإنا نجد في الكتاب قيسارية، تفتح قبل بيت المقدس، فاذهبوا فافتحوها ثم تعالوا بصاحبكم. وروى ابن عساكر عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئا؟ فانتهره، فقال: أنا أجد رجلا يرى أمر الأمة في منامه. وروى الطبراني وأبو نعيم عن مغيث الأوزاعي رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: كيف تجد نعتي في التوراة؟ قال: خليفة قرن من حديد، أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم، ثم خليفة من بعدك تقتله أمة ظالمون له، ثم يقع البلاء بعده. وروى ابن عساكر عن الأقرع مؤذن عمر، أن عمر رضي الله عنه دعا الأسقف، فقال: هل تجدوننا في شيء من كتبكم؟ قالوا: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدونني؟ قالوا: قرنا من حديد، قال: ما قرن من حديد. قالوا: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر، قال: والذي من بعدي؟ قالوا: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، فالذي من بعده، قال: صداء حديد، فقال عمر: وادفراه. قال: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء والسيف مسلول. وروى إسحاق بن راهويه في مسنده بسند حسن عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن سلام قبل أن يأتي أهل مصر يدخل على رؤوس قريش، فيقول لهم: لا تقتلوا هذا الرجل، يعني عثمان فيقولون، والله، ما نريد قتله، فيخرج وهو يقول: والله، ليقتلنّه، ثم قال لهم: لا تقتلوه، فو الله، ليموتن إلى أربعين يوما، فأبوا فخرج عليهم بعد أيام، فقال لهم: لا تقتلوه، فو الله، ليموتن إلى خمس عشرة ليلة. انتهى. وروى ابن سعد وابن عساكر عن طاوس، قال: سئل عبد الله بن سلام، حين قتل عثمان رضي الله عنه: كيف تجدون صفة عثمان في كتابكم، قال: نجده يوم القيامة أميرا على القاتل والخاذل.

وروى أبو القاسم البغوي عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل لذي قربات الحميري، وكان من أعلم يهود: يا ذا قربات، من بعده؟ قال: الأمير، يعني أبا بكر رضي الله عنه قيل فمن بعده؟ قال: قرنا من حديد، يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل: فمن بعده؟ قال: الأزهر، يعني عثمان رضي الله عنه قيل: فمن بعده؟ قال: الوضاح المنصور، يعني معاوية. وروى إسحاق بن راهويه والطبراني عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال: قال ابن سلام: لما قتل علي قال: هذا رأس الأربعين، وسيكون عندها صلح. وروى ابن سعد عن أبي صالح رضي الله عنه قال: كان الحادي يحدو بعثمان رضي الله عنه وهو يقول: إن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف مرضي فقال كعب: لا، بل معاوية، فأخذ معاوية بذلك، وقال: يا أبا إسحاق، أنى يكون هذا، وها هنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علي والزبير؟ قال: أنت صاحبها. وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد الثقفي رضي الله عنه قال: اصطحب قيس بن خرشة، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين، وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله، فقال قيس: ما يدريك، فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به؟ فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي انزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة. وروى الحاكم عن عبيد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: لما أتي برأس المختار، قال: ما حدثني كعب الأحبار بحديث إلا وجدت مصداقه إلا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني، قال الأعمش: ما درى أن الحجاج خبئ له. وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، في زوائد الزهد، عن هشام بن خالد الربعي رضي الله عنه قال: قد قرأت في التوراة أن السماء والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة. وروى أيضا عن محمد بن فضالة رضي الله عنه أن راهبا قال: إنا نجد عمر بن عبد العزيز من أئمة العدل موضع رجب من الأشهر الحرم. وروي أيضاً عن الوليد بن هشام بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال: نزلنا أرض كذا، فقال رجل: ألا تسمع ما يقول هذا الراهب؟ زعم أن سليمان بن عبد الملك توفي قال: فمن استخلف بعده؟ قال: الأشج عمر بن عبد العزيز، فلما قدمت الشام إذا هو كما قال، فلما كان

السادسة عشرة.

العام الرابع نزلنا ذلك المنزل، فأتاه ذلك الرجل، فقال: يا راهب، الحديث الذي حدثتناه وقع، كما قلت، قال: فإنه والله، إنه قد سقي عمر السم فأتيناه فوجدناه كذلك. وروى ابن عساكر من طريق المغيرة بن النعمان عن رجل من أهل البصرة قال: خرجت أريد بيت المقدس، فأواني المطر إلى صومعة راهب، فأشرف علي، فقال: إنا نجد في كتابنا أن قوما من أهل دينكم يقتلون بعذراء، لا حساب عليهم، ولا عذاب، فما مكثت إلا يسيرا حتى جيء بحجر بن عدي وأصحابه، فقتلوا بعذراء، وروى البيهقي عن كعب تظهر رايات سود لبني العباس، حتى ينزلوا الشام، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وعدو لهم، والآثار في هذا كثيرة. السادسة عشرة وبشق الصدر في أحد القولين والأصح، قلت: الراجح المشاركة، فقد روى سعيد بن منصور وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة تابوت بني إسرائيل «فيه سكينة من ربكم» قال: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيها قلوب الأنبياء، ورواه من طريق آخر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنه ولكن سند هذا الطريق ضعيف، ولم أر لعدم المشاركة ما يعتمد عليه ببعض الفحص، ولم يتعرض الشيخ في الكبرى لدلائل ما رجحه هنا، وتقدم في شرح قصة المعراج ما يتعلق بشق الصدر أنه وقع أربع مرات فراجعه. السادسة عشرة. وتجعل خاتم النبوة يظهر بأن قلبه حيث يدخل الشيطان، وقد أبيت القول في ذلك في شرح غريب قصة المعراج فراجعه. السابعة عشرة. وبأنه له صلى الله عليه وسلم ألف اسم. الثامنة عشرة. وباشتقاق اسمه من اسم الله تعالى. التاسعة عشرة. وبأنه سمي من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسما وتقدم بيان ذلك في بيان أسمائه الشرعية. العشرون. وبأنه صلى الله عليه وسلم سمي أحمد، ولم يسم أحد قبله كما في حديث علي عند الإمام أحمد ومسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.

الحادية والعشرون.

الحادية والعشرون. وبإطلال الملائكة له في سفره صلى الله عليه وسلم تقدم ذلك في سفره إلى الشام مرة ثانية وزواجه خديجة رضي الله عنها. الثانية والعشرون. وكان أرجح الناس عقلا كما رواه أبو نعيم عن وهب بن منبه رضي الله عنه وتقدم في أرجح الناس عقلا من أسمائه. الثالثة والعشرون. بأنه أوتي كل الحسن، ولم يؤت يوسف عليه الصلاة والسلام إلا شطره كما تقدم في باب المعراج وباب حسنه. الرابعة والعشرون. وبغطه عند بدء الوحي كما نقله الحافظ في الفتح عن بعضهم. الخامسة والعشرون. وبرؤيته صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته التي خلق عليها قلت: وقع ذلك مرتين، الأولى: ليلة الإسراء، والثانية: وهو بمكة، وتقدم بيان ذلك والله أعلم. السادسة والعشرون. وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السماء من استراق السمع والرمي بالشهب وبإحياء أبويه حتى آمنا به، ورد ذلك في حديث جزم جماعة بوضعه، كالحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي والشيخ، وغيرهما بضعفه، وألف الشيخ لذلك ثلاثة مؤلفات، وتقدم بيان ذلك. السابعة والعشرون. وبوعده من العصمة من الناس، وقال الله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] وتقدم في باب عصمته أواخر المعجزات. الثامنة والعشرون. وبالإسراء وما تضمنه اختراق السموات. التاسعة والعشرون. وبالعلو إلى قاب قوسين.

الثلاثون.

الثلاثون. ووطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وبإحياء الأنبياء له صلى الله عليه وسلم. الحادية والثلاثون. ولصلاته صلى الله عليه وسلم إماما بالأنبياء والملائكة. الثانية والثلاثون. وباطلاعه صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار فيما ذكره البيهقي. الثالثة والثلاثون. وبرؤيته صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى. الرابعة والثلاثون. بحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى. الخامسة والثلاثون. وبرؤيته صلى الله عليه وسلم الباري مرتين أحدهما بفؤاده والثانية في المنام، وكلاهما في اليقظة، لأن رؤيته في المنام تكررت وتقدم بيان جميع ذلك في باب الإسراء والمعراج، والله سبحانه وتعالى أعلم. السادسة والثلاثون. وبالقرب. السابعة والثلاثون. وبالدنو. الثامنة والثلاثون. وبإعطاء الرضا والنور، وتقدم بيان ذلك في أبواب المعراج. التاسعة والثلاثون. وبقتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا مع غيره إلا مددا. الأربعون. وبركوب البراق كما تقدم في باب المعراج قلت: وقع قتال من الملائكة في بدر وأحد خلافا لمن زعم اختصاصه ببدر فقط كما تقدم بيان ذلك في غزوة بدر وأحد. فائدة: سئل السبكي، عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، فأجاب: بأن ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم

الحادية والأربعون.

وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله في عباده، والله سبحانه وتعالى هو فاعل الجميع. الحادية والأربعون. وسير الملائكة معه صلى الله عليه وسلم حيث سار خلف ظهره كما رواه الإمام أحمد وابن ماجة وصححه ابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشوا أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة. الثانية والأربعون. وبإتيانه الكتاب وهو صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب قال الله تعالى: النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ [الأعراف 157] . روى ابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فحدث بنعمة الله فقال: «إن جبريل أتاني فقال: اخرج فحدث بنعمة الله التي أنعم عليك» الحديث وفيه: «ولقاني كلامه وأنا أمي وقد أوتي داود الزبور وموسى الألواح وعيسى الإنجيل» . الثالثة والأربعون. وبأن كتابه صلى الله عليه وسلم معجز قال تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء 88] وتقدم بيان ذلك في المعجزات. الرابعة والأربعون. وبأنه محفوظ من التبديل والتحريف على مر الدهور قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر 9] وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت 42] وقال تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ [الإسراء 106] . روى البيهقي عن الحسن في الآية الثانية قال: حفظه الله من الشيطان فلا يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا. وروى أيضاً عن يحيى بن أكثم قال: دخل يهودي على المأمون فدعاه المأمون إلى الإسلام فأبى، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، فتكلم على الفقه فأحسن الكلام. فقال له المأمون: ما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك، فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، فأدخلتها

الخامسة والأربعون.

البيعة، فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن، فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ فكان هذا سبب إسلامي. قال يحيى بن أكثم: حججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له هذا الحديث. فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله، قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [المائدة 44] فجعل حفظه إليهم وقال في القرآن: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر 9] فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع. الخامسة والأربعون. وبأنه مشتمل على ما اشتملت عليه جميع الكتب وزيادة. روى البيهقي عن الحسن البصري قال: أنزل الله تبارك وتعالى مائة كتاب وأربعة كتب أودع علومها أربعة كتب منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وأودع علوم التوراة والإنجيل والزبور في القرآن. السادسة والأربعون. وبأنه جامع لكل شيء، قال الله تعالى وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل 89] وقال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام 38] . روى سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإنّ فيه خبر الأولين والآخرين وأنزل فيه كل علم، وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن. السابعة والأربعون. وبأنه مستغن عن غيره. أخرج الترمذي والدارمي وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وهو الحبل المتين وهو الذكر الحكيم حكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل ما تركه من حبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيع به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة

الثامنة والأربعون.

ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط المستقيم. الثامنة والأربعون. وبأنه ميسر للحفظ، قال الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر 17] . التاسعة والأربعون. وبأنه نزل منجما قال الله سبحانه وتعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [الواقعة 75] . روى ابن أبي شيبة والبيهقي والحاكم من طريق سعيد بن جبير، والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة بأسانيد صحيحة وابن مردويه والبيهقي من طريق مقسم كلهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل الله القرآن من الذكر وأنزله في ليلة القدر جملة واحدة فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، وكان الله تعالى ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم علي مواقع النجوم رسلا في الشهور والأعوام، بعضه إثر بعض بجواب كلام العباد وأفعالهم وأعمالهم، كلما أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا. قال أبو شامة، قوله: «رسلا» أي رفقا، وعلى مواقع النجوم: أي على مثل مساقطها، يريد، أنه أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق. وقال العلماء [ (1) ] : في نزوله إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية الله تعالى ورحمته لهم، [ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام] ، وإن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليهم لننزله عليهم، وفيه التسوية بين موسى ونبينا صلى الله عليهما وسلم في إنزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد في إنزاله عليه منجما ليحفظه قال أبو شامة: فإن قيل ما السر في نزوله منجما؟ وهلا نزل كسائر الكتب جملة واحدة! قلنا: هذا سؤال قد تولى الله جوابه، فقال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الفرقان 32] يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: كَذلِكَ أي أنزلناه كذلك مفرَّقاً لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الفرقان 32] أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليهم، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملائكة إليه، وتجدد العهد به، وما معه من الرسالة الواردة من ذلك الكتاب العزيز، فيحدث له من السرور ما

_ [ (1) ] قاله السخاوي في جمال القراء.

الخمسون.

تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان، لكثرة لقائه جبريل. وقيل: معنى لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي لنحفظه فإنه عليه الصلاة والسلام كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء، فإنه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع. وقال غيره: إنما لم ينزل جملة واحدة، لأن منه الناسخ والمنسوخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا، ومنه ما هو جواب لسؤال، وما هو إنكار على قول قيل، أو فعل فعل، وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس: ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم، وفسر به قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان 33] رواه عنه ابن أبي حاتم. فالحاصل أن الآية تضمنت حكمتين لإنزاله مفرقا. الخمسون. وبأنه نزل على سبعة أحرف. الحادية والخمسون. ومنه سبعة أبواب. روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» . وروى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن يا رب هون على أمتي، فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين فرددت إليه فقلت: يا رب هون على أمتي فرد الثالثة وما زلت كذلك حتى قيل لي اقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها فقلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه الصلاة والسلام» . وروى الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زجر وأمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال ... » . تنبيه: ليس المراد بالسبعة الأحرف سبع قراءات، فإن ذلك- كما قال أبو شامة- خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل بل المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو «أقبل» «وتعال» «وهلم» «وأسرع» وإلى هذا ذهب ابن

عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق، ونسبه أبو عمرو لأكثر العلماء [ (1) ] . وقيل المراد: سبع لغات، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة وثعلب والأزهري وآخرون واختاره ابن عطية، وصححه البيهقي في الشعب وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها [ (2) ] . قال أبو عبيدة: ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن وغيرهم [قال: وبعض اللغات أسعد بها من بعض، وأكثر نصيبا] . قال البيهقي: والمراد بالسبعة الأحرف في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الأنواع التي نزل عليها، والمراد بها في تلك الأحاديث اللغات التي يقرأ بها. وقال غيره: من أول الأحرف السبعة بهذا فهو تأويل فاسد، لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو حلالا لا ما سواه، ولأنه لا يجوز أن يكون القرآن على أنه حلال كله أو حرام كله أو أمثال كله. وقال ابن عطية: هذا القول ضعيف، لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تحريم حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة [ (3) ] . وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمداني: أشهد أن قوله في الحديث «زاجر وآمر» الخ استئناف كلام آخر، أي هو زاجر أي القرآن، ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة، وإنما توهم

_ [ (1) ] ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة «أن جبريل قال: يا محمد أقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده ... حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال، وأقبل وهلمّ واذهب وأسرع وعجّل» . هذا اللفظ رواية أحمد، وإسناده جيد. وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه. وعند أبي داود عن أبي: «قلت: سميعا عليما عزيزا حكيما، ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب» . [ (2) ] فجاء عن أبي صالح، عن أبي عباس، قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن. قال: والعجز: سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف، وهؤلاء كلهم من هوازن. ويقال لهم: عليا هوازن ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم- يعني بني دارم. وأخرج أبو عبيد من وجه آخر، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة، قيل، وكيف ذاك؟ قال: لأن الدار واحدة- يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم. وقال أبو حاتم السّجستاني: نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر، واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال: لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش، واحتج بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم 4] فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش، وبذلك جزم أبو عليّ الأهوازيّ. [ (3) ] وقال الماورديّ: هذا القول خطأ، لأنه صلّى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف، وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام.

الثانية والخمسون.

ذلك من جهة الاتفاق في العدد، ويؤيده أن في بعض طرقه زاجرا وآمرا بالنصب أي نزل على هذه الصفة في الأبواب السبعة. وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه أي أنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصره منها على صنف واحد كغيره من الكتب، وفي هذه المسألة نحو أربعين قولا سردها الشيخ في الاتقان في النوع السادس عشر. الثانية والخمسون. وأنه نزله بكل لغة عدّ هذ ابن النقيب قلت: وكذا رواه ابن أبي شيبة عن أبي ميسرة والضحاك وابن المنذر عن وهب بن منبه، قال أبو عمرو: في التمهيد قول من قال إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب والله أعلم لأن غير لغة قريش موجودة في جميع القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها وقريش لا تهمز. وقال الشيخ جمال الدين بن مالك: أنزل الله تعالى القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلا فإنه نزل بلغة التميميين كالإدغام في شاقِقِ اللَّهَ [الأنفال 13] وفي مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [المائدة 54] ، فإن إدغام المجزوم لغة تميم ولهذا قيل، الفك لغة الحجاز، وهذا أكثر نحو وَلْيُمْلِلِ [البقرة 282] يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران 31] يُمْدِدْكُمْ [آل عمران 125] اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [طه 31] وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي [طه 81] قال: وقد أجمع القراء على نصب إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء 157] ، لأن لغة الحجاز بين التزام النصب في المنقطع كما أجمعوا على نصب ما هذا بَشَراً [يوسف 31] ، لأن لغتهم أعمال «ما» وزعم الزمخشري في قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل 65] أنه استثناء منقطع جاء على لغة بني تميم. وقال أبو بكر الواسطي في «الإرشاد في القراءات العشر» في القرآن من اللغات خمسون لغة [ (1) ] ، وسردها الشيخ وذلك في الإتقان في النوع السابع والثلاثين. تنبيه: اختلف هل وقع في القرآن شيء بغير لغة العرب، فالأكثرون ومنهم الإمام الشافعي وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس إلى عدم وقوع ذلك فيه، بقوله تعالى:

_ [ (1) ] لغة قريش، وهذيل، وكنانة، وخثعم، والخزرج، وأشعر، ونمير، وقيس عيلان، وجرهم، واليمن، وأزد شنوءة، وكندة، وتميم، وحمير، ومدين، ولخم، وسعد العشيرة، وحضرموت، وسدوس، والعمالقة، وأنمار، وغسان، ومذحج، وخزاعة، وغطفان، وسبأ، وعمان، وبنو حنيفة، وثعلبة، وطيئ، وعامر بن صعصعة، وأوس، ومزينة، وثقيف، وجذام، وبليّ، وعذرة، وهوازن، والنّمر، واليمامة.

قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف 2] وقوله وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا: لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ، ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت 44] وقد شدد الشافعي التنكير على القائل بذلك. وقال أبو عبيدة: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول. وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله، لأنه أتى بلغات لا يعرفونها. وقال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره في تفسير ألفاظ من القرآن بالفارسية أو (الحبشية) [ (1) ] أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد. وقال آخرون: كل هذا الألفاظ عربية صرفة، ولكن لغة العرب متسعة جدا، ولا يبعد أن يخفى على الأكابر الجلة وقد خفي على ابن عباس معنى «فاطر» و «فاتح» . وقال الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة إلا نبي. وذهب آخرون إلى وقوع ذلك في القرآن، وقد بسط الكلام على ذلك الشيخ في الاتقان [ (2) ] .

_ [ (1) ] سقط في ج. [ (2) ] وذهب آخرون إلى وقوعه فيه، وأجابوا عن قوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف 2] بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيّا، والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، وعن قوله تعالى: ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت 44] بأن المعنى من السياق: «أكلام أعجميّ ومخاطب عربيّ!» . واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو «إبراهيم» للعلميّة والعجمة، وردّ هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها موجّه بأنّه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس، وأقوى ما رأيته للوقوع- وهو اختياري- ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعيّ الجليل قال: في القرآن من كل لسان. وروى مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبّه. فهذه إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين، ونبأ كل شيء، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب. ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك، فقال: من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم، ولم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم، والقرآن احتوى على جميع لغات العرب، وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير. انتهى. وأيضا النبي صلّى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم 4] ، فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو. وقد رأيت الخويي ذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة أخرى، فقال: إن قيل أن «إستبرق» ليس بعربيّ وغير العربي من الألفاظ دون العربيّ في الفصاحة والبلاغة، فنقول: لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك، وذلك لأن الله تعالى إذ حثّ عباده على الطاعة، فإن لم يرغبهم بالوعد

_ [ () ] الجميل ويخوّفهم بالعذاب الوبيل، لا يكون حثّه على وجه الحكمة، فالوعد والوعيد نظرا إلى الفصاحة واجب. ثم إن الوعد بما يرغب فيه العقلاء، وذلك منحصر في أمور: الأماكن الطيبة، ثم المآكل الشهيّة، ثم المشارب الهنية، ثم الملابس الرفيعة ثم المناكح اللذيذة، ثم ما بعده مما يختلف فيه الطباع، فإذن ذكر الأماكن الطيبة والوعد به لازم عند الفصيح، ولو تركه لقال من أمر بالعبادة ووعد عليها بالأكل والشرب: إن الأكل والشرب لا ألتذّ به، إذا كنت في حبس أو موضع كريه، فإذن ذكر الله الجنة ومساكن طيبة فيها، وكان ينبغي أن يذكر من الملابس ما هو أرفعها، وأرفع الملابس في الدنيا الحرير، وأما الذهب فليس مما ينسج منه ثوب. ثم إن الثوب الذي من غير الحرير لا يعتبر فيه الوزن والثقل، وربما يكون الصفيق الخفيف أرفع من الثقيل الوزن، وأما الحرير فكلما كان ثوبه أثقل كان أرفع، فحينئذ وجب على الفصيح أن يذكر الأثقل الأثخن، ولا يتركه في الوعد لئلا يقصر في الحث والدعاء. ثم هذا الواجب الذكر، إما أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح، أو لا يذكر بمثل هذا، ولا شكّ أنّ الذكر باللفظ الواحد الصريح أولى، لأنه أوجز وأظهر في الإفادة، وذلك «إستبرق» فإن أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ، ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه، لأنّ ما يقوم مقامه إما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة، ولا يجد. العربيّ لفظا واحدا يدّل عليه، لأنّ الثياب من الحرير عرفها العرب من الفرس، ولم يكن لهم بها عهد، ولا وضع في اللغة العربية للدّيباج الثخين اسم، وإنما عرّبوا ما سمعوا من العجم واستغنوا به عن الوضع لقلّة وجوده عندهم ونزرة تلفظهم به، وأما إن ذكره بلفظين فأكثر، فإنه يكون قد أخّل بالبلاغة، لأنّ ذكر لفظين لمعنى يمكن ذكره بلفظ تطويل، فعلم بهذا أن لفظ «إستبرق» يجب على كلّ فصيح أن يتكلم به في موضعه ولا يجد ما يقوم مقامه، وأيّ فصاحة أبلغ من أن لا يوجد غيره مثله!. انتهى. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن العربية: والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فعربتها بألسنتها وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال: أعجمية فصادق. ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزيّ وآخرون. وهذا سرد الألفاظ الواردة في القرآن من ذلك مرتبة على حروف المعجم: (أباريق) : حكى الثعالبيّ في فقه اللغة أنها فارسية، وقال الجواليقيّ: الإبريق فارسي معرب، ومعناه طريق الماء أو صبّ الماء على هينة. (أبّ) : قال بعضهم: هو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيذلة. (ابلعي) : أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى: ابْلَعِي ماءَكِ قال: بالحبشية «أزدرديه» . وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اشربي بلغة الهند. (أخلد) : قال الواسطيّ في الإرشاد: أخلد إلى الأرض، ركن بالعبرية. (الأرائك) : حكى ابن الجوزيّ في فنون الأفنان، أنها السّرر بالحبشية. (آزر) : عدّ في المعرب على قول من قال: إنه ليس بعلم لأبي إبراهيم ولا للصم. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقرأ» : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزرُ (1) يعني بالرفع، قال: بلغني أنها أعوج وأنها أشدّ كلمة قالها إبراهيم لأبيه وقال بعضهم: هي بلغتهم يا مخطئ. (أسباط) : حكى أبو الليث في تفسيره أنّها بلغتهم كالقبائل بلغة العرب. (إستبرق) : أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه الديباج الغليظ، بلغة العجم. (أسفار) : قال الواسطيّ في الإرشاد: هي الكتب بالسريانية، وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: هي الكتب بالنّبطية. (إصري) : قال أبو القاسم في لغات القرآن: معناه عهدي بالنّبطية. (أكواب) : حكى ابن الجوزي أنها الأكواز بالنّبطية. وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنها بالنبطية جرار ليست لها عرى. (إلّ) : قال ابن جني: ذكروا أنه اسم الله تعالى بالنّبطيّة. (أليم) : حكى ابن الجوزيّ أنّه الموجع بالزنجية. وقال شيذلة: بالعبرانية. (إناه) : نضجه بلسان أهل المغرب، ذكره شيذلة، وقال أبو القاسم: بلغة البربر، وقال في قوله تعالى: حَمِيمٍ آنٍ:

_ [ () ] هو الذي انتهى حرّه بها، وفي قوله تعالى: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (3) أي حارّة بها. (أوّاه) : أخرج أبو الشيخ بن حبّان من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة، وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن مجاهد وعكرمة. وأخرج عن عمرو بن شرحبيل، قال: الرحيم بلسان الحبشة، وقال الواسطي: الأوّاه الدعاء بالعبرية. (أوّاب) : أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل قال: الأوّاب: المسبّح بلسان الحبشة وأخرج ابن جرير عنه في قوله تعالى: أَوِّبِي مَعَهُ، قال: سبّحي بلسان الحبشة. (الملة الآخرة) : قال شيذلة: الجاهلية الأولى أي الآخرة في الملّة الآخرة، أي الأولى بالقبطية والقبط يسمّون الآخرة الأولى، والأولى الآخرة. وحكاه الزركشي في البرهان (2) . (بطائنها) : قال شيذلة في قوله تعالى: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ أي ظواهرها بالقبطية. وحكاه الزركشي. (بعير) : أخرج الفريابيّ عن مجاهد في قوله تعالى: كَيْلَ بَعِيرٍ، أي كيل حمار، وعن مقاتل: إنّ البعير كلّ ما يحمل عليه بالعبرانية. (بيع) : قال الجواليقي في كتاب المعرب: البيعة والكنيسة جعلهما بعض العلماء فارسيين معرّبين. (تنّور) : ذكر الجواليقي والثعالبي أنه فارسي معرب. (تتبيرا) : أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً قال: تبره بالنبطية. (تحت) : قال أبو القاسم في لغات القرآن في قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها أي بطنها بالنبطية. ونقل الكرماني في العجائب مثله عن مؤرّج. (الجبت) : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: الجبت اسم الشيطان بالحبشية. وأخرج عن ابن حميد عن عكرمة، قال: الجبت بلسان الحبشة الشيطان، وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: الجبت: الساحر، بلسان الحبشة. (جهنم) : قيل: أعجميّة، وقيل فارسية وعبرانيّة، أصلها «كهنام» . (حرم) : أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال) : وحرم: وجب بالحبشية. (حصب) : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله تعالى: حَصَبُ جَهَنَّمَ قال: حطب جهنم، بالزنجية. (حطّة) : قيل: معناه: قولوا صوابا، بلغتهم. (حواريون) : أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: الحواريّون: الغسالون بالنبطية، وأصله «هواري» . (حوب) : تقدم في مسائل نافع بن الأزرق عن ابن عباس، أنه قال: حوبا: إنما بلغة الحبشة. (دارست) : معناه قارأت بلغة اليهود. (درّيّ) : معناه المضيء بالحبشية، حكاه شيذلة وأبو القاسم. (دينار) : ذكر الجواليقي وغيره أن فارسي. (راعنا) : أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: راعنا سبّ بلسان اليهود. (ربّانيّون) : قال: الجواليقي: قال أبو عبيدة: العرب لا تعرف الربانيين، وإنما عرفها الفقهاء وأهل العلم قال: وأحسب الكلمة ليست بعربية وإنما هي عبرانية أو سريانية، وجزم القاسم بأنها سريانية. (ربّيّون) : ذكر أبو حاتم أحمد بن حمدان اللغوي في كتاب الزينة أنّها سريانية. (الرحمن) : ذهب المبرّد وثعلب إلى أنه عبرانيّ، وأصله بالخاء المعجمة. (الرس) : في العجائب للكرمانيّ: إنه عجمي ومعناه البئر. (الرّقيم) : قيل: إنه اللوح بالرّومية حكاه شيذلة، وقال أبو القاسم: هو الكتاب بها، وقال الواسطيّ: هو الدواة بها. (رمزا) : عدّه ابن الجوزي في فنون الأفنان من المعرّب، وقال الواسطيّ: هو تحريك الشفتين بالعبرية. (رهوا) : قال أبو القاسم في قوله تعالى: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً أي سهلا دمثا، بلغة النّبط، وقال الواسطي: أي ساكنا، بالسريانية. (الرّوم) : قال الجواليقيّ: هو أعجميّ. اسم لهذا الجيل من الناس.

_ [ () ] (زنجبيل) : ذكر الجواليقيّ والثعالبي أنه فارسي. (السّجل) : أخرج ابن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس، قال: السجلّ بلغة الحبشة الرجل. وفي المحتسب لابن جني السّجلّ: الكتاب. قال قوم: هو فارسي معرب (4) . (سجيل) : أخرج الفريابيّ عن مجاهد، قال: سجّيل بالفارسية، أوّلها حجارة، وآخرها طين. (سجيّن) : ذكرها أبو حاتم في كتاب الزينة أنه غير عربيّ. (سرادق) : قال الجواليقي: فارسي معرّب، وأصله سرادر، وهو الدهليز. وقال غيره. الصواب أنه بالفارسية سردار، أي ستر الدار. (سريّ) : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى: سَرِيًّا، قال نهرا، بالسريانية وعن سعيد بن جبير بالنّبطية، وحكى شيذلة أنه باليونانية. (سفرة) : أخرج ابن أبي حاتم: من طريق ابن جريح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قال: بالنّبطية: القرّاء. (سقر) : ذكر الجواليقي أنها أعجمية. (سجدا) : قال الواسطي في قوله تعالى: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، أي مقّنعي الرؤوس، بالسريانية. (سكر) : أخرج ابن مردويه، من طريق العوفيّ، عن ابن عباس، قال: السّكر بلسان الحبشة الخلّ. (سلسبيل) : حكى الجواليقيّ أنه عجميّ. (سنا) : عدّه الحافظ ابن حجر في نظمه، ولم أقف عليه لغيره. (سندس) : قال الجواليقي هو رقيق الديباج بالفارسية، وقال الليث: لم يختلف أهل اللغة والمفسرون في أنّه معرّب. وقال شيذلة: هو بالهنديّة. (سيّدها) : قال الواسطي في قوله تعالى: وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ، أي زوجها بلسان القبط: قال أبو عمرو: لا أعرفها في لغة العرب. (سينين) : أخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير عن عكرمة قال: سينين: الحسن بلسان الحبشة. (سيناء) : أخرج ابن أبي حاتم، عن الضّحاك، قال: سيناء بالنّبطية الحسن. (شطر) : أخرج ابن أبي حاتم، عن رقيع في قوله تعالى: شَطْرَ الْمَسْجِدِ، قال: تلقاء، بلسان الحبش. (شهر) : قال الجواليقي: ذكر بعض أهل اللغة أنه بالسريانية. (الصراط) : حكى النقّاش وابن الجوزي أنه الطريق بلغة الرّوم، ثم رأيته في كتاب الزّينة لأبي حاتم. (صرهن) : أخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله تعالى: فَصُرْهُنَّ، قال: هي نبطية، فشقّقهن. وأخرج مثله عن الضحاك، وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال: ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء، قيل: وما فيه من الرومية؟ قال: فَصُرْهُنَّ يقول: قطّعهن. (صلوات) : قال الجواليقي: هي بالعبرانية كنائس اليهود، وأصلها «صلوتا» وأخرج ابن أبي حاتم نحوه عن الضحاك. (طه) : أخرج الحاكم في المستدرك، من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: طه قال: هو كقولك: يا محمد، بلسان الحبش، وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: طه بالنّبطية. وأخرج عن سعيد بن جبير قال: طه يا رجل، بالنّبطية، وأخرج عن عكرمة قال: طه يا رجل بلسان الحبشة. (الطاغوت) : هو الكاهن بالحبشية. (طفقا) : قال بعضهم: معناه قصدا بالرومية، وحكاه شيذلة. (طوبى) : أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير، قال: بالهندية. (طور) : أخرج الفريابي، عن مجاهد. قال: الطّور: الجبل بالسريانية. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، أنه بالنّبطية. (عبدت) : قال أبو القاسم في قوله تعالى: عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ، معناه قتلت بلغة النبط. (عدن) : أخرج ابن جرير، عن ابن عباس أنه سأل كعبا عن قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ قال: كروم وأعناب بالسريانية، ومن تفسير جويبر أنه بالرّومية.

_ [ () ] (العرم) : أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد، قال: العرم بالحبشية، وهي المسنّاة التي يجمع فيها الماء ثم ينبثق. (غسّاق) : قال الجواليقي والواسطيّ: هو البارد المنتن بلسان الترك. وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن بريدة قال: الغسّاق: المنتن، وهو بالطخاريّة. (غيض) : قال أبو القاسم: غيض: نقص، بلغة الحبشة. (فردوس) : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد، وقال: الفردوس بستان بالرومية. وأخرج عن السديّ، قال: الكرم بالنبطية. وأصله «فرداسا» . (فوم) : قال الواسطيّ: هو الحنطة بالعبرية. (قراطيس) : قال الجواليقي: يقال إن القرطاس أصله غير عربي. (قسط) : أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: القسط العدل، بالرومية. (قسطاس) : أخرج الفريابيّ، عن مجاهد، قال: القسطاس: العدل بالرومية. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، قال: القسطاس بلغة الروم: الميزان. (قسورة) : أخرج ابن جرير، عن ابن عباس، قال: الأسد، يقال له بالحبشية: قسورة. (قطنا) : قال أبو القاسم: معناه كتابنا، بالنبطية. (قفل) : حكى الجواليقيّ عن بعضهم أنه فارس معرب. (قمّل) : قال الواسطيّ: الدّبا (5) بلسان العبرية والسريانية. قال أبو عمرو: لا أعرفه في لغة أحد من العرب. (قنطار) : ذكر الثعالبي في فقه اللغة أنه بالرومية اثنتا عشرة ألف أوقيّة: وقال الخليل: زعموا أنه بالسريانية ملء جلد ثور ذهبا أو فضة. وقال بعضهم: إنه بلغة بربر ألف مثقال، وقال ابن قتيبة: قيل إنه ثمانية آلاف مثقال، بلسان أهل إفريقية. (القيوم) : قال الواسطيّ: هو الذي لا ينام بالسّريانية. (كافور) : ذكر الجواليقيّ وغيره أنه فارسي معرب. (كفّر) : قال ابن الجوزي: كفّر عنا معناه: امح عنا بالنّبطية. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجونيّ في قوله تعالى: كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ قال: بالعبرانية. (كفلين) : أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي موسى الأشعري، قال: كفلين: ضعفين بالحبشية. (كنز) : ذكر الجواليقي أنه فارسي معرب. (كوّرت) : أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير: كورت: غوّرت، وهي بالفارسية. (لينة) : في الإرشاد للواسطي: هي النّخلة، وقال الكلبيّ: لا أعلمها إلا بلسان يهود يثرب. (متّكأ) : أخرج ابن أبي حاتم، عن سلمة بن تمام الشقريّ، قال: متكأ بلسان الحبش يسمون التّرنج متّكأ. (مجوس) : ذكر الجواليقي أنه أعجمي. (مرجان) : حكى الجواليقي عن بعض أهل اللغة أنه أعجمي. (مشكاة) : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: المشكاة: الكوّة، بلغة الحبشة. (مقاليد) : أخرج الفريابيّ عن مجاهد: قال: مقاليد: مفاتيح بالفارسية. وقال ابن دريد والجواليقيّ: الإقليد والمقليد: المفتاح فارسيّ معرب. (مرقوم) : قال الواسطيّ في قوله تعالى: كِتابٌ مَرْقُومٌ، أي مكتوب، بلسان العبرية. (مزجاة) : قال الواسطي: مزجاة: قليلة، بلسان العجم، وقيل بلسان القبط. (ملكوت) : أخرج بن أبي حاتم، عن عكرمة في قوله تعالى: مَلَكُوتَ، قال: هو الملك، ولكنه بكلام النّبطيّة «ملكوتا» . وأخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس وقال الواسطي في الإرشاد: هو الملك بلسان النّبط. (مناص) : قال: أبو القاسم: معناه فرار بالنّبطيّة. (منسأة) : أخرج ابن جرير عن السّديّ قال: المنسأة: العصا بلسان الحبشة. (منفطر) : أخرج ابن جرير عن ابن عباس، في قوله تعالى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال: ممتلئة به، بلسان الحبشة.

_ [ () ] (مهل) : قيل: هو عكر الزيت بلسان أهل المغرب، حكاة شيذلة وقال أبو القاسم: بلغة البربر. (ناشئة) : أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود، قال: ناشئة الليل: قيام الليل بالحبشية. وأخرج البيهقي عن ابن عباس مثله. (ن) : حكى الكرماني في العجائب، عن الضحاك أنه فارسيّ، أصله النون، ومعناه: اصنع ما شئت. (هدنا) : قيل معناه تبنا بالعبرانية، حكاه شيذلة وغيره. (هود) : قال الجواليقيّ: الهود اليهود، أعجمي. (هون) : أخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله تعالى: يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قال: حكماء بالسّريانية، وأخرج عن الضّحاك مثله، وأخرج عن أبي عمران الجونيّ أنه بالعبرانية. (هيت لك) : أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: هيت لك، هلمّ لك بالقبطية. وقال الحسن: هي بالسريانية كذلك، أخرجه ابن جرير. وقال عكرمة: هي بالحورانية، كذلك أخرجه أبو الشيخ. وقال أبو زيد الأنصاريّ: هي بالعبرانية، وأصله «هيتلج» أي تعالى. (وراء) : قيل: معناه أمام بالنبطيّة، وحكاه شيذلة وأبو القاسم، وذكر الجواليقي أنها غير عربية. (وردة) : ذكر الجواليقي أنها غير عربية. (وزر) : قال أبو القاسم: هو الحبل والملجأ، بالنّبطية. (ياقوت) : ذكر الجواليقي والثعالبي وآخرون أنه فارسي. (يحور) : أخرج ابن أبي حاتم، عن داود بن هند، في قوله تعالى: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (4) ، قال: بلغة الحبشة «يرجع» . وأخرج مثله عن عكرمة، وتقدم في أسئلة نافع بن الأزرق عن ابن عباس. (يس) : أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله تعالى: يس قال: يا إنسان بالحبشية، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: يس: يا رجل بلغة الحبشة. (يصدّون) قال ابن الجوزي: معناه يضجّون بالحبشية. (يصهر) : قيل معناه ينضج، بلسان أهل المغرب، حكاه شيذلة. (اليم) : قال ابن قتيبة: اليّم البحر بالسريانية، وقال ابن الجوزيّ: بالعبرانية، وقال شيذلة: بالقبطية. (اليهود) : قال الجواليقي: أعجمي معرّب، منسوبون إلى يهوذا بن يعقوب، فعرّب بإهمال الدال. (فهذا ما وقفت من الألفاظ المعرّبة في القرآن بعد الفحص الشديد سنين، ولم تجتمع قبل في كتاب قبل هذا. وقد نظم القاضي تاج الدين بن السبكي منها سبعة وعشرين لفظا في أبيات، وذيل عليها الحافظ أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرون لفظا وذيّلت عليها بالباقي، وهو بضع وستون، فتمت أكثر من مائة لفظة. فقال ابن السبكي. السّلسبيل وطه كوّرت بيع ... روم وطوبى وسجيل وكافور والزنجبيل ومشكاة سرادق مع ... إستبرق صلوات سندس طور كذا قراطيس ربانيهم وغى ... ودينار والقسطاس مشهور كذاك قسورة واليم ناشئة ... ويوت كفلين مذكور ومسطور له مقاليد فردوس يعد كذا ... فيما حكى ابن دريد منه تنّور وقال ابن حجر: وزدت حرم ومهل والسّجل كذا ... السّريّ والأبّ ثم الجبت مذكور وقطنا وإناه ثمّ متّكئا ... دارست يصهر منه فهو مصهور وهيت والسّكر الأوّاه مع حصب ... وأوبى معه والطّاغوت مسطور صرهنّ إصري وغيض الماء مع وزر ... ثمّ الرقيم مناص والسنا النّور وقلت أيضا: وزدت يس والرّحمن مع ملكو ... ت ثم سينين شطر البيت مشهور ثم الصراط ودريّ يحور ومر ... جان ويمّ مع القنطار مذكور

الثالثة والخمسون.

الثالثة والخمسون. وجعل بقراءته لكل حرف عشر حسنات عد هذا الزركشي. قلت: روى البخاري في تاريخه والترمذي ومحمد بن نصر وأبو جعفر النحاس والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ولفظ ابن نصر والنحاس: ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر، فتلك ثلاثون [ (1) ] . الرابعة والخمسون. ويتفضل القرآن على سائر الكتب المنزلة بثلاثين خصلة لم تكن في غيره، قاله صاحب التحرير [ (2) ] قلت: ونقله الشيخ في الكبرى عن الإمام الرازي. الخامسة والخمسون. وبأنه نزل مع بعضه ما سد الأفق. روى الإسماعيلي في «معجمه» والحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه قال: لما أنزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق [ (3) ] » . وروى الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة [ (4) ] يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد» .

_ [ () ] وراعنا طفقا هدنا ابلعي وورا ... ء والأرائك والأكواب مأثور هود وقسط كفّر رمزه سقر ... هون يصدّون والمنساة مسطور شهر مجوس وإقفال يهود حوا ... ريّون كنز وسجّين وتتبير بعير آزر حوب وردة عرم ... إل ومن تحتها عبّدت والصّور ولينة فومها رهو وأخلد من ... جاة وسيّدها القيوم موقور وقمّل ثم أسفار عنى كتبا ... وسجّدا ثم ربيّون تكثير وحطّة وطوى والرّس نون كذا ... عدن ومنفطر الأسباط مذكور مسك أباريق ياقوت رووا فهنا ... ما فات من عدد الألفاظ محصور وبعضهم عد الأولى مع بطائنها ... والآخره لمعاني الضّدّ مقصور [ (1) ] أخرجه الترمذي (2910) وابن أبي شيبة 10/ 461 والطبراني في الكبير 18/ 76 والسيوطي في الدر 1/ 22. [ (2) ] التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير في معاني كلام السميع البصير وهو تفسير مجير للشيخ العلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان المعروف بابن النقيب. [ (3) ] أخرجه الحاكم 2/ 315 وانظر الدر المنثور 3/ 2، 3 والكنز (2580) وابن كثير 3/ 233. [ (4) ] أخرجه الطبراني في الصغير 1/ 81 وانظر المجمع 7/ 19 والدر المنثور 3/ 2.

السادسة والخمسون.

وروى الطبراني وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة، وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح [ (1) ] . وروى الإمام أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا استخرجت اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة 255] من تحت العرش فوصلت بها [ (2) ] . وروى الطبراني عن أنس وابن المنذر عن أبي جحيفة وعبد بن حميد عن ابن المنكدر والفريابي وابن راهويه عن شهر بن حوشب وابن مردويه عن ابن مسعود والطبراني وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد والبيهقي والخطيب عن علي نحوه، ولم يقف الإمام النووي على هذه الأحاديث فأنكر نزول الأنعام جملة وتعقبه الحافظ في أماليه رحمه الله تعالى وهذه المسألة من زياداتي والله تعالى أعلم. السادسة والخمسون. وبأنه دعوة وحجة ولم يكن لمثل هذا النبي قط منهم إنما يكون لكل نبي منهم دعوة، ثم تكون له حجة غيرها، وقد جمعها الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن فهو دعوة بمعانيه حجة بألفاظه، وكفى الدعوة شرفا أن تكون حجتها معها، وكفى الحجة شرفا أن لا تفصل الدعوة عنها قاله الحليمي رحمه الله تعالى. السابعة والخمسون. وبأنه أعطى من كنز العرش ولم يعط أحد منه. الثامنة والخمسون. وبالفاتحة. التاسعة والخمسون. وبآية الكرسي. الستون. وبخواتيم سورة البقرة

_ [ (1) ] انظر الدر المنثور 3/ 2 وأبو نعيم في الحلية 3/ 44. [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 26 وانظر المجمع 6/ 311 والكنز (2548) .

الحادية والستون.

الحادية والستون. وبالسبع الطوال- بكسر المهملة وفتح الواو-. الثانية والستون. وبالمفصل.. روى أبو عبيد وابن الضريس كلاهما في «الفضائل» عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الكرسي من كنز تحت العرش ولم يعطها نبي قبل نبيكم [ (1) ] . وروى أبو عبيد عن كعب قال: إن محمدا أعطي أربع آيات لم يعطها موسى لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [البقرة 284] حتى ختم البقرة فتلك ثلاث آيات وآية الكرسي. روى الإمام أحمد والطبراني والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي [ (2) ] » . وروى مسلم والنسائي وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذا سمع نقيضا من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: يا محمد هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف إلا أوتيته. وروى الحاكم عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش والمفصل نافلة [ (3) ] » . وروى البيهقي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، مكان الزبور المبين، ومكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل [ (4) ] . وروى أبو الشيخ في الثواب والطبراني والضياء في المختارة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع أنزلت من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهن، أم

_ [ (1) ] البخاري في التاريخ 1/ 249 والسيوطي في الدر 1/ 226، 227 والكنز (2563، 4059) . [ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 383 والبيهقي 1/ 213 وانظر المجمع 6/ 312 وانظر الفتح 1/ 439. [ (3) ] أخرجه الحاكم 1/ 559. [ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 107 والطبري في التفسير 17/ 34 وانظر المجمع 7/ 46، 158 والدر المنثور 2/ 116.

الثالثة والستون.

الكتاب، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، والكوثر [ (1) ] » . وروى ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر 87] قال: هي السبع الطوال ولم يعطهن أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأعطي موسى منهن اثنتين [ (2) ] . وروى ابن مردويه عنه في الآية قال: ادخرت لنبيكم صلى الله عليه وسلم ولم تدخر لنبي سواه. الثالثة والستون. وبالبسملة. قلت: الصحيح المشاركة لما في القرآن من سورة النمل. الرابعة والستون. وبأن معجزاته صلى الله عليه وسلم مستمرة إلى يوم القيامة، وهي القرآن ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت لوقتها كما تقدم في أول المعجزات عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه. الخامسة والستون. وبأنه صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزات، فقد قيل: إنها تبلغ ألفا، قاله البيهقي، وقيل: ألفا ومائتين، نقلة النووي، وقيل: ثلاثة آلاف سوى القرآن، ذكره البيهقي ونقله الزاهري من الحنفية سوى القرآن، فإن فيه ستين ألف معجزة تقريبا، وأظن أن كتاب الشيخ أصل هذا الكتاب، لا يقتصر عن ذلك، وتقدم بيان ذلك في أول المعجزات. السادسة والستون. وبأن في معجزاته صلى الله عليه وسلم معنى آخر هو أنه ليس في شيء من معجزاته غيره ما ينحو نحو اختراع الأجسام، وإنما ذلك في معجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله الحليمي، قلت: وذلك كتكثيره التمر والأطعمة كما تقدم بيان ذلك في المعجزات. السابعة والستون. وبأنه جمع له كل ما أوتيه الأنبياء من معجزات وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره بل اختص بكل نوع.

_ [ (1) ] السيوطي في الدر 1/ 5 وانظر الكنز (2504) . [ (2) ] انظر المجمع 7/ 46.

الثامنة والستون.

وقال بعضهم: اختص الله تعالى بعضا بمعجزات في الأفعال كموسى، وبعضا بالصفات كعيسى، ونبينا بالمجموع لتمييزه. وروى البيهقي في مناقب الإمام الشافعي رضي الله عنه عن عمرو بن سوار السروجي، قال: ما أعطى الله نبيا قط شيئا إلا وقد أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر، قال عمرو: فقلت له قد أعطى الله عيسى أكثر منه أن يحيي الموتى، قال الشافعي: فالجذع الذي كان يخطب جنبه قبل أن يجعل له المنبر حين حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني فهذا أكبر من ذلك وتقدّم بيان هذا في موازنة معجزات الأنبياء بمعجزاته صلى الله عليه وسلم. الثامنة والستون. وبانشقاق القمر. التاسعة والستون. وبتسليم الحجر. السبعون. وبحنين الجذع. الحادية والسبعون. وبنبع الماء من بين الأصابع ولم يثبت لواحد من الأنبياء مثل ذلك، ذكره سلطان العلماء ابن عبد السلام. الثانية والسبعون. وبكلام الشجر. الثالثة والسبعون. وبشهادتها له بالنبوة. الرابعة والسبعون. وبإجابتها دعوته. الخامسة والسبعون. وبإحياء الموتى وكلامهم. السادسة والسبعون. وبكلام الصبيان والمراضع.

السابعة والسبعون.

السابعة والسبعون. وشهادتهم له بالنبوة ذكره الدماسي وتقدم الكلام على ذلك في المعجزات. الثامنة والسبعون. وبأنه خاتم النبيين وآخرهم بعثا فلا نبي بعده، قال تبارك وتعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب 40] . روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين [ (1) ] » والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة. ولا يقال: «عيسى» ينزل في آخر الزمان، فإنه كان نبيا قبله ورفعه الله تعالى لحكمة اقتضتها الإرادة الإلهية وإذا نزل لا يأتي بشريعة مستقلة ناسخة لشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بل إنما يحكم بشريعتنا وللشيخ رحمه الله تعالى في ذلك مصنف حافل. التاسعة والسبعون. وبأن شرعه صلى الله عليه وسلم مؤبد لا ينسخ. الثمانون. وبأنه ناسخ لجميع الشرائع قبله قال الله سبحانه وتعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ [المائدة 48] بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة 33] . الحادية والثمانون. ولو أدركه الأنبياء لوجب عليهم إتباعه قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم: «لو كان موسى حيا اليوم لما وسعه إلا أن يتبعني» وتقدم بيان ذلك في الباب السادس. الثانية والثمانون. وبأن في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ قال الله عز وجل ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة 106] ليس في سائر الكتب مثل ذلك ولهذا كان اليهود ينكرون النسخ، والسر في ذلك أن سائر الكتب نزلت دفعة واحدة فلا يتصور أن يقع فيها

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من حديث جابر 6/ 558 (3534) مسلم 4/ 1791 (23/ 2287) ومن حديث أبي هريرة مسلم (20/ 2286) (21) .

الثالثة والثمانون.

الناسخ والمنسوخ، لأن شرط الناسخ أن يتأخر إنزاله عن المنسوخ. الثالثة والثمانون. وبعموم الدعوة للناس كافة. قال الله سبحانه وتعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ 28] وقال تبارك وتعالى تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان 1] . روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: الجن داخلون في مسمى الناس وصرح به أئمة اللغة. وروى أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله فضل محمدا على أهل السماء، وعلى الأنبياء. قال ابن عباس، ما فضله على أهل السماء؟ قال: إن الله تعالى قال لأهل السماء: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء 29] قال لمحمد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 1] فقد كتب له براءة، قالوا: فما فضله على الأنبياء؟ قال: «إن الله تعالى قال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم 4] وقال لمحمد: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ 28] فأرسله إلى الإنس والجن. وروى البخاري في تاريخه والبزار والبيهقي وأبو نعيم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت أنا إلى الجن والإنس» فإن قيل: كان نوح مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليهم فالجواب: أن عموم هذا الإرسال من نوح لم يكن من أصل البعثة وإنما اتفق بالحادث الذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد إهلاك سائر الناس. وذكر ابن الجوزي أنه كان في الزمن الأول إذا بعث نبي إلى قوم بعث غيره إلى آخرين وكان يجتمع في الزمن الأول جماعة من الرسل وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة: أنه أوّل رسول الله إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثه بل أولية الرسالة، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو بخصوص تخصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم، واستدل بعضهم بعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض وأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء 15] وقد ثبت أنه أول الرسل، وأجيب بجواز أن يكون

الرابعة والثمانون.

غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعلم نوح أنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه، ومن غيرهم فأجيب، قال الحافظ: وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح غيره ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود، قال: وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد بطول المدة، ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط وهي عامة في الصورة: لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم، قال العيني: وفيه نظر لا يخفى لأنه تكون بعثته عامة لقومه لكونهم هم الموجودين ثم قال العيني: وعندي جواب آخر، وهو جيد إن شاء الله تعالى وهو أن الطوفان لم يرسل إلا على قومه فقط الذين هو فيهم ولم يكن عاما انتهى وهو كلام من ليس له اطلاع على أخبار الطوفان فإنه عم الأرض بأسرها ولم ينج منه إلا من كان في السفينة. الرابعة والثمانون. وبأنه أكثر الأنبياء تابعا. روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أكثر الناس تابعا» . وروى عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما صدق نبي من الأنبياء ما صدقت، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد» . وروى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل السيل والليل فتحطم الناس حطمة فتقول الملائكة لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع سائر الأمم والأنبياء» . الخامسة والثمانون. وبإرساله إلى الخلق كافة من لدن آدم والأنبياء نواب له بعثوا بشرائع له مغيبات فهو نبي الأنبياء قاله السبكي والبارزي في التوفيق وتقدم مبسوطا في الباب أول الكتاب. السادسة والثمانون. وأرسل إلى الجن بالإجماع، وإلى الملائكة في أحد قولين رجحه السبكي والبارزي

وابن حزم والشيخ قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان 1] العالمون شامل للملائكة كما هو شامل للإنس والجن، وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة 2] شامل لهؤلاء الثلاثة، فكذلك هذا، والأصل بقاء اللفظ على عمومه حتى يدل الدليل على إخراج شيء منه، ولم يدل هنا دليل على إخراج الملائكة، ولا سبيل إلى وجوده، لا من القرآن ولا من الحديث، وقد نوزع من ادعى الإجماع على عدم إرساله إليهم، فمن أين تخصيصه بالإنس والجن فقط دون الملائكة؟ وكذا قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء 107] فإنه شامل للملائكة ومما يدل على ذلك قوله تعالى: وَقالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء 26] يعني الملائكة لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ: إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء 27، 28، 29] . كذلك روى ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ قال: يعني الملائكة. وروى ابن المنذر نحوه عن ابن جريج رضي الله عنه وفي حديث ابن عباس فهذه الآية إنذار للملائكة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الذي أنزل عليه وقد قال تعالى وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام 19] قال الشيخ ولم أقف إلى الآن على إنذار، وقع في القرآن للملائكة سوى هذه الآية. والحكمة في ذلك واضحة، لأن غالب المعاصي راجعة إلى البطن والفرج، وذلك يمتنع عليهم من حيث الخلقة فاستغنى عن إنذارهم فيه، ولما وقع من إبليس، وكان منهم على ما رجحه غير واحد، منهم النووي أو فيهم نظير هذه المعصية أنذروا فيها، وقد أفرد الشيخ رحمه الله تعالى الكلام على هذه المسألة مؤلفا سماه «تزيين الأرائك في إرسال النبي إلى الملائك» بسط فيه الأدلة، فليراجعه من أراده. أعطى الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم من الملائكة أمورا لم يعطها أحد من الأنبياء، وقال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح «جمع الجوامع» ، وفي تفسير الإمام الرازي والبرهان للنسفي: حكاية الإجماع في تفسير الآية الثانية، يعني آية الفرقان على أنه لم يكن مرسلا إليهم وعبارة الإمام قالوا: هذه الآية تدل على أحكام. الأول: أن العالم كل ما سوى الله فيتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة لكنا أجمعنا على أن قوله «أجمعنا» ليس صريحا في إجماع الأمة، لأن مثل هذه العبارة تستعمل لإجماع الخصمين المتناظرين بل لو صرح به لمنع فقد قال الإمام السبكي في جواب السؤال

السابعة والثمانون.

عن رسالته إلى الجن في تعداد الآيات الدالة عليه، الآية العاشرة لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان 1] قال المفسرون كلهم في تفسيرها للجن والإنس وقال بعضهم: والملائكة انتهى. وبالجملة فالاعتماد على تفسير الرّازيّ والنّسفي في حكاية الإجماع حكاية أمر لا تنهض حجته على طريق علماء النقل لأن مدارك نقل الإجماع من كلام الأئمة وحفاظ الأمة كابن المنذر، وابن عبد البر ومن فوقهما في الاطلاع كالأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة من يلتحق بهم في سعة دائرة الاطلاع والحفظ والإتقان. السابعة والثمانون. وبإرساله إلى الحيوانات والجمادات والحجر والشجر قاله البارزي واستدل بشهادة الضب والشجر والحجر له والرسالة. الثامنة والثمانون. وبإرساله رحمة للعالمين حتى للكفار بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الأمم المكذبة. قال الله سبحانه وتعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً [الأنبياء 107] وقال تبارك وتعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال 33] . روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، ألا تدعو على المشركين؟ قال: «إنما بعثت رحمة، ولم أبعث عذابا» . روى ابن جرير والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية الأولى قال: من آمن به تمت له الرحمة على الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن به عوفي مما كان يصيب الأمم من عاجل الدنيا من العذاب، والخسف، والمسخ، والقذف. روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين» . وروى الإمام العلامة أبو الثناء محمود جمال الدين بن محمد بن جملة في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: كونه صلى الله عليه وسلم رحمة لأهل الدنيا بأجمعهم واضح وأما الملائكة فهو رحمة لهم من وجوه: أحدها: صلاتهم عليه رحمة لهم فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا» وأي فائدة أنفع من هذه؟. الثاني: قال القاضي عياض في الشفاء: حكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل صلى الله عليه وسلم: «هل

التاسعة والثمانون.

أصابك من هذه الرحمة شيء؟» قال: نعم كنت أخشى العاقبة فأمنت، لثناء الله تعالى على بقوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير 20، 21] . الثالث: مقامه المحمود يوم القيامة يحمده فيه الأولون والآخرون، والملائكة وغيرهم والأنبياء وأتباعهم. قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه مسلم: «وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم» . ثم نقل عن عمه قاضي القضاة أبي العباس أحمد رضي الله عنه أن الحكمة في تخصيص إبراهيم أن الله تعالى أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بإتباعه وهو مع هذا فهو يرغب إليه في ذلك اليوم. انتهى. الرابع: قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ [الأحزاب 56] ولم يقل: «والملائكة» تعظيماً لشأنهم لعظم شأن من يصلي عليه ثم في تأخيره سبحانه وتعالى الخبر رحمة لهم واضحة حين جمعهم معه في خبر، واحتمل أن يكون وقد قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران 18] الآية فذكر سبحانه وتعالى ما شهد به، ثم عطف شهادة الملائكة، وأولي العلم عليه، ولا كذلك في هذه الآية فانظر إلى هذا التعظيم العظيم، بسبب صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم. التاسعة والثمانون. وبأن الله عز وجل أقسم بحياته قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ، إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر 72] . روى أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلق الله تعالى وما ذرأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما حلف بحياة أحد قط إلا بحياة محمد، فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر 72] . وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم قال: لَعَمْرُكَ، إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ» [الحجر 72] . العمر: بفتح العين وضمها واحد لكنه في القسم بالفتح لكثرة الاستعمال. التسعون. وبإقسام الله تبارك وتعالى على رسالته قال: يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس 1، 3] .

الحادية والتسعون.

الحادية والتسعون. وبتولي الله سبحانه تعالى الرد على أعدائه عنه صلى الله عليه وسلم بخلاف من تقدمه من الأنبياء، كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم لقول نوح: يا قَوْمِ، لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الأعراف 61] وقول هود: يا قَوْمِ، لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ [الأعراف 67] وأشباه ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم تولى الله سبحانه وتعالى تبرئته عما نسب إليه أعداؤه ورد عليهم بنفسه. فأجاب حين قالوا: «مجنون» : ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم 2] وأجاب عنه تعالى حين قالوا: «هو شاعر» فقال: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس 69] فنفى الله تبارك وتعالى عنه الشعر بسائر الأوزان. وأجاب سبحانه وتعالى عنه حين قالوا: «افترى القرآن» ، فقال عز وجل: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس 37] . الافتراء: الكذب. وأجاب تبارك وتعالى اسمه عنه حين قالوا: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ فقال عز وجل: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل 103] وأجاب تقدس اسمه عنه حين قال العاص بن وائل، إنه أبتر، فقال سبحانه وتعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر 3] . الثانية والتسعون. وبمخاطبته سبحانه وتعالى له بألطف ما خاطب به الأنبياء، فإن الله تعالى قال لداود ع: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص 26] وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم 3] ، تنزيها له عن ذلك بعد الإقسام عليه، وقال عن موسى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [الشعراء 21] وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال 30] الآية فكنى عن خروجه وهجرته بأحسن العبارات ولم يذكره بالفرار الذي فيه نوع من الغضاضة. الثالثة والتسعون. وبأنه تعالى قرن اسمه صلى الله عليه وسلم باسمه في كتابه في ثمانية مواضع: أولها: الطاعة، قال الله تبارك وتعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء 80] وقال عز وجل: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [آل عمران 32] وآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحديد 7] فجمع بينهما بواو العطف المشركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في حق غيره صلى الله عليه وسلم. ففي سنن أبي داود عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن

الرابعة والتسعون.

أحدكم: ما شاء الله، وشاء فلان، ولكن: ما شاء الله، ثم شاء فلان» فالواو تقتضي الجمع دون الترتيب على الصحيح وثم: تقتضي الترتيب مع التراخي. ثانيها: المحبة قال الله جل جلاله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران 31] فجعل عز وجل علامة محبته اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ونهى عنه وشرط مع ذلك محبته إياهم ومغفرة ذنوبهم. ثالثها: في المعصية، قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء 14] . رابعها: في العزة، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ [المنافقون 8] أي الامتناع وجلالة القدرة. خامسها: في الولاية، قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة 55] والولاية إذا كانت بمعنى الولاء جاز فيها الفتح والكسر والولاية بكسر الواو الإمارة. وسادسها: في الإجابة قال تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ [الأنفال 24] . سابعها: في التسمية، قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحديد 9] وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة 128] ولهذه تتمة تقدمت في آخر باب أسمائه الشريفة. ثامنها: في الرضى، قال الله عز وجل: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة 62] فالله رفع بالابتداء ورسوله عطف عليه وأحق أن يرضوه الخبر فإن قيل: جاز رد الضمير الواحد في الله وفي رسوله أحق أن يرضوه ولم يقل يرضوهما، فالجواب أن رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الله، فترك، لأنه دال عليه مع الاتحاد. الرابعة والتسعون. وبإقسام الله تعالى ببلده، قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد 1، 2] . الخامسة والتسعون. وبإقسام الله تبارك وتعالى بعصره، قال عز وجل: وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر 1، 2] نقل الرازي والبيضاوي وغيرهما، أن المراد بالعصر هنا زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهذه المسألة من زيادتي.

السادسة والتسعون.

السادسة والتسعون. وبأن الله تعالى فرض على العالم طاعته والتأسي به فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء فقال جل اسمه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر 7] وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء 80] وقال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب 21] واستثنى في التأسي بخليله، فقال: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ إلى أن قال: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة 4] الآية. وبأنه تعالى وصفه في كتابه عضوا عضوا فقال في وجهه: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ [البقرة 144] وفي عينيه: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه 131] وفي لسانه: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ [الدخان 58] وفي يده وعنقه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [الإسراء 29] وفي صدره وظهره: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح 1، 2، 3] وفي قلبه: نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [البقرة 97] وفي خلقه: إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم 4] . السابعة والتسعون. وبأنه صلى الله عليه وسلم فضل الله تبارك وتعالى مخاطبته من مخاطبة الأنبياء قبله تشريفا له وإجلالا وذلك أن الأمم كانوا يقولون لأنبيائهم: راعنا سمعك فنهى الله هذه الأمة إن يخاطبوا نبيهم بهذه المخاطبة فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا، وَقُولُوا: انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة 104] . الثامنة والتسعون. وبأنه تعالى لم يخاطبه في القرآن باسمه بل: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ بخلاف غيره من الأنبياء فلم ينادهم إلا بأسمائهم كما قال تعالى في حق غيره: يا آدَمُ، اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة 35] يا نُوحُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود 46] أَنْ يا إِبْراهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات 105] يا لُوطُ، إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود 81] يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص 26] يا مُوسى، إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص 30] يا زَكَرِيَّا، إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى [مريم 7] يا يَحْيى، خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ [مريم 12] يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ [المائدة 110] وجمع في الذكر بين اسمه واسم خليله إبراهيم فسمى الخليل، وكنى محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهذَا النَّبِيُّ [آل عمران 68] فهذا غاية الإجلال

والتعظيم صلى الله وسلم عليهما. فإن قيل: قد ذكر باسمه في قوله تعالى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف 6] وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ [محمد 2] وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران 144] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح 29] ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب 40] وغير ذلك فكيف يتم ما تقدم؟ فالجواب أنه إنما ذكر باسمه للتعريف بأنه الذي أخذ الله عهده على الأنبياء بالإيمان به، ولو لم يسمه لم يعرفوه بذلك والنداء إنما هو بالإجلال والتعظيم، والتسمية في مقام الخبر، فإن قيل: فقد ناداه ب: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل 1] وب: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر 1] فالجواب: أن هذا من باب التلطيف والرفق. وقال الإمام العلامة جمال الدين محمود بن محمد بن جملة: إن قيل: والحكمة في التصريح باسمه في حديث الأعمى الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه برفع العمى عنه فعلمه أن يقول: «اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي» إلى آخره فيمكن أن يقال في الأول: إنه إنما كان كذلك، لأنه لما كان التعليم من جهته تواضع لربه فصرح باسمه إلى آخره. وأما الثاني: فلم يذكر الاسم فيه إلا مقترنا بالتعظيم، وهو وصفه للنبي بالرحمة، إذ المقام يقتضي ذلك، وظهر لي هاهنا معنى حسن وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا ألجم الناس العرق وسألوا عن من يشفع لهم إلى ربهم فسألوا آدم فمن بعده إلى أن ينتهوا إلى عيسى، فيقول: اذهبوا إلى محمد، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فذكره باسمه الدال على الصفة التي يحمده بها جميع الخلائق، وكأنه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود الذي يطلب فيه الشفاعة له علمهم أن يذكروا هذا الاسم الذي هو صفته في عرصات القيامة، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في وحين يأتي في ذلك اليوم، ويخر لربه ساجدا، يقول له ربه سبحانه وتعالى: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع إلى آخره فيناديه سبحانه وتعالى باسمه يا محمد، لما تقدم من المعنى، وفي الدنيا يناديه البارئ تعالى ب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ فانظر إلى هذا التعظيم العظيم ينادي في كل مقام بأشرف تعظيم يناسبه ذلك المقام ففي الدنيا بالنبوة والرسالة يشهد له بهما، وفي الآخرة لما تحقق الخلائق ناداه باسمه لما اشتمل عليه من المعنى المناسب لذلك المقام، وخص هذا الاسم من بين الأسماء، ليشهد له أيضاً سبحانه وتعالى بما دل عليه من المعنى المناسب لذلك اليوم وكيفا سبحانه وتعالى بما دل على صفة يحمده بها الخلق ليستدل بالنداء بها صلى الله عليه وسلم علي قبول شفاعته ثم عقّب ذلك سبحانه وتعالى بقوله: قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه فهو تكريم بعد تكريم، وتعظيم بعد تعظيم، وتفخيم بعد تفخيم.

التاسعة والتسعون.

التاسعة والتسعون. وبأنه تعالى حرم على الأمة نداءه باسمه بخلاف سائر الأمم، فإن أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم كما حكاه الله تعالى عنهم في القرآن، فقال تعالى لهذه الأمة: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور 63] . روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فناهم الله تعالى عن ذلك إعظاما لنبيه فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله، وروى البيهقي عن علقمة بن الأسود رضي الله عنه في الآية قال: لا تقولوا: يا محمد، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وروى أبو نعيم في الآية قال: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يعظم، ويسود، وأما قول حماد أن ثعلبة قال له: يا محمد، فلعله كان قبل النهي عن مخاطبته باسمه، إذ رأى إنما جاء لأسباب الرسالة ولوازمها فلهذا لم يخاطبه بها. مائة. وبأنه يكره أن يقال في حقه الرسول، بل رسول الله، لأنه ليس فيه من التعظيم ما في الإضافة قاله الشافعي رضي الله عنه. الواحدة بعد المائة. وبأنه فرض على من ناجاه أن يقدم بين يدي نجواه صدقة ثم نسخ ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة 12] . روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: إن المسلمين أكثروا المسألة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك خف كثير من الناس وكفوا عن المسألة فأنزل الله تبارك وتعالى: أَأَشْفَقْتُمْ [المجادلة 13] الآية فوسع الله عليهم ولم يضيق. روى سعيد بن منصور عن مجاهد قال: كان من ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بدينار، وكان أول من صنع ذلك علي بن أبي طالب، ثم نزلت الرّخصة فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا، وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة 13] . الثانية بعد المائة. وبأنه لم يره الله تعالى في أمته شيئا يسوءه حتى قبضه بخلاف سائر الأنبياء.

الثالثة بعد المائة.

الثالثة بعد المائة. وبأنه حبيب الرحمن. الرابعة بعد المائة. وبأنه جمع له بين المحبة والخلة. روى البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتخذ الله إبراهيم خليلا، وموسى نجيا، واتخذني حبيبا، ثم قال: وعزتي وجلالي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي» . وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو يعلى عن أبي هريرة في حديث المعراج «فقال له ربه: قد اتخذتك خليلا، وهو مكتوب في التوراة محمد حبيب الرحمن» وتقدم بيان ذلك كله في أسمائه الشريفة. الخامسة بعد المائة. وبأنه جمع له بين الكلام والرؤية. السادسة بعد المائة. وبأنه كلمه عند سدرة المنتهى وكلم موسى بالجبل، عد هذه ابن عبد السلام، وتقدم بيان ذلك في باب المعراج. السابعة بعد المائة. وبأنه جمع له بين القبلتين كما تقدم بيان ذلك في الحوادث، والله أعلم. الثامنة بعد المائة. وبأنه جمع له بين الهجرتين [والقبلتين] قلت: النبي صلى الله عليه وسلم لم يهاجر إلا هجرة واحدة إلى المدينة فقط، ولم أفهم ما المراد بالهجرة الثانية، فإن أريد بها هجرة أصحابه إلى الحبشة ففيه نظر، والله تعالى أعلم. التاسعة بعد المائة. وبأنه جمع له بين الحكم بالظاهر والباطن والعمل بمقتضى كل منهما خصوصية له تفرد بها عن سائر الخلق. أما أولياء أمته فليس لهم العمل بالحقيقة ولا الحكم بمقتضاها بإجماع المسلمين، وإنما يعملون بالشريعة فقط. قال القرطبي: أجمع العلماء على بكرة أبيهم إنه لا يجوز للحاكم أن يقتل بعلمه، وقال

ابن دحية: اختص النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان له قتل من اتهمه بالزنى من غير بينة، ولا يجوز ذلك لغيره انتهى. ولو رفع إلينا ولي قتل غلاما أبواه مؤمنان، واحتج على ذلك بأنه كشف له أنه طيع كافرا لقتلناه، قصاصا بحكم الشرع بالإجماع، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد من أمته أن يقتل بحكم الحقيقة في قتل ولا غيره، ولو أراد أحد من أرباب الكشف أن يقتدي بإمام بينه وبينه حائل في غير المسجد لمنع صحة الاقتداء، لحكمنا ببطلان صلاته، ولم نعرج على ما يقع له من الكشف الذي يرفع فيه الجدر وتزال فيه الحجب، لأن الأولياء وغيرهم مكلفون بالعمل بالشرع وقد نص أهل الحقيقة على أنه لا يعمل بالحقيقة، وإنما هي علم لا عمل فلم يكن لأحد من الأولياء مساواة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما الأنبياء فمنهم من بعثه تعالى ليحكم بالشريعة فقط، ويعمل بها، كموسى عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالحقيقة، ولا يعمل بها، وإن علمها، ومنهم من بعثه ليحكم بالحقيقة فقط، ويعمل بها كالخضر عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالشريعة، وإن علمها ويبعث الله تعالى من يشاء من أنبيائه بما يشاء. وقال شيخ الإسلام البلقيني في «شرح البخاري» في قول الخضر لموسى: إني على علم من الله علمنيه لا ينبغي لك أن تعلمه، وأنا على علم من علم الله علمكه الله لا ينبغي لي أن أعلمه. هذا قد يشكل بأن العلم المذكور في الجهتين، كيف لا ينبغي أن يعلمه قال: وجواب هذا حمل العلم على تنفيذه والمعنى لا ينبغي لك أن تعلمه لتعمل به، لأن العمل به مناف لمقتضى الشرع، ولا ينبغي لي أن أعلمه فأعمل بمقتضاه، لأنه مناف (لمقتضى) [ (1) ] الحقيقة، (قال: فعلى هذا لا يجوز للولي التابع للنبي صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على الحقيقة أن ينفذ ذلك بمقتضى الحقيقة) [ (2) ] وإنما عليه أن ينفذ الظاهر. قال الحافظ في «الإصابة» : قال أبو حيان في تفسيره: الجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه بمعرفة بواطن أوحيت إليه، وعلم موسى الحكم بالظاهر، فأشار إلى أن المراد في الحديث بالعلمين الحكم بالظاهر والباطن لا أمر آخر. وقد قال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي: إن الذي بعث به الخضر عليه السلام شريعة له فالكل شريعة، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أمر أولا أن يحكم بالظاهر دون ما اطلع عليه من الباطن

_ [ (1) ] في جد لعلم. [ (2) ] سقط في ج.

العاشرة بعد المائة.

والحقيقة، كغالب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال: «نحن نحكم بالظاهر» وفي لفظ: «إنما أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر» . وقال: «إنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما هي قطعة من النار» وقال للعباس: «أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله تعالى» وقال في تلك المرأة: «لو كنت راجما أحدا من غير بينة لرجمتها» وقال أيضاً: «لولا القرآن لكان لي ولها شأن» فهذا كله صريح في أنه إنما يحكم بظاهر الشرع بالبينة أو الاعتراف دون ما أطلعه الله عليه من بواطن الأمور وحقائقها، ثم إن الله تبارك وتعالى زاده شرفا، وأذن له أن يحكم بالباطن، وما اطلع عليه من حقائق الأمور، فجمع له بين ما كان للأنبياء، وما كان للخضر خصوصية خصه الله بها ولم يجمع الأمران لغيره. العاشرة بعد المائة. وبأنه نصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه. الحادية عشر بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه. روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر» الحديث. وروى أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم» . وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين. وروى أيضا عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي» . وروى الطبراني بسند حسن عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال: «أما إني سألت الله أن يعينني بالسنة تخيفكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم» قال: فقال بيديه جميعا: أما إني قد خلقت هذا، وهكذا ألا أومن بك، ولا أتبعك، فما زالت السنة تخيفني وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك

تنبيه:

[أفبالله الذي أرسلك، أهو أرسلك بما تقول؟ قال: «نعم ... » الحديث. وروى النسائي نحوه مختصرا. وروى البزار برجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتت الصباء الشمال ليلة الأحزاب فقالت: مري حتى تنصري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بالليل وتقدم الحديث في غزوة الخندق. وقوله: «مسيرة شهر» مفهومه أنه لا يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن الإمام أحمد: «ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر» فالظاهر اختصاصه بها مطلقا. وروى ابن أبي شيبة في مسنده، وأبو يعلى عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت فواتح الكلم، وجوامعه وخواتمه» . قال الحافظ: وإنما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه. وقال تلميذه الخضري: وهذا فيه نظر، بل دعوته بلغت أطراف البلاد البعيدة مما مسيرته أكثر من شهر، وكل من لم يجبه إلى الإسلام، فهو عدوه اللهم إلا أن تحمل العداوة على من راسله واستمر على المخالفة والمنابذة. قلت: الظاهر أن مراد الحافظ بالعداوة هنا من تصدى لقتال، والله تعالى أعلم. وهذه الخصوصية حاصلة له صلى الله عليه وسلم على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، ويرحم الله البوصيري حيث قال: كأنه وهو فرد من جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم تنبيه: في حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما مسيرة شهر وفي حديث لابن عباس مسيرة شهرين والرواية الأولى مقدمة على الثانية بالصحة. قلت: لا مخالفة بينهما. قال محمد بن شهاب الزّهري: بلغني أن [إيتاءه صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم] أن جوامع الكلم أن يجمع الله تعالى له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين وقال الهروي: هي القرآن، جمع الله فيه الألفاظ الشهيرة من المعاني الكثيرة وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني ومن تأمل الأحاديث الصحيحة ظهر له ذلك وقد ذكرت شيئا من ذلك في باب فصاحته صلى الله عليه وسلم. قال الإمام القاضي أبو بكر محمد بن أبي الوليد أحمد بن عيسى بن حجاج الأشبيلي

الثانية عشر بعد المائة.

قاضي مراكش رحمه الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم: «بين يدي» يشعر أنه يريد إذا شرعت في حركة لعدو يقدمني الرعب إليهم، وبيني وبينهم مسيرة شهر، ولا شك أن كل متوجه لقتال قوم لا بد من وقوع خوف منه لأول سماعهم، بتوجهه إليهم على مسيرة شهر، أو على أكثر، أو على أقل، هذا الذي خص به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الرعب اللاحق للمقصود على مراتب، رعب يلحق على البعد، ورعب يلحق على القرب [....] . ثم قال: إن الرعب الذي يلحق بالمشاهدة يلحق من توجهه صلى الله عليه وسلم علي مسيرة شهر، ومن هنا يعرف حكمة التخصيص بشهر وذلك أن سليمان صلى الله عليه وسلم سخر له الجن والريح تجري به من غدوته وروحته مسيرة شهر فكان إذا توجه نحو عدو كانت مرحلته إليه مسيرة شهر لغيره فكان رعب المشاهدة يأتي منه على مسيرة شهر لقطعه إياه في الرحلة الواحدة، فأعطى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رعب المشاهدة على مقدار تلك المسافة، وإن لم يكن يلحق إياه بعد قطعها، والله تعالى أعلم. انتهى كلامه وظاهر حديث السائب رضي الله عنه أن العدو الواحد لا يكون في جهتين بعيدتين وإنما يكون في إحدى الجهات، إما أمامه أو خلفه فهو يرعب ولو لم يقابله، فأطلق الشهر باعتبار إحدى الجهتين، وكذا لو كانا عدوين في جهتين أمامه وخلفه فالشهر نهاية مسافة الخوف، ولم أر من نبه على هذا وهو بديع والله تعالى أعلم. الثانية عشر بعد المائة. وبأنه نصر بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت عذابا على من قبله كما رواه الإمام الشافعي. روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» [ (1) ] . الثالثة عشر بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي مفاتيح خزائن الأرض على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه. الرابع عشر بعد المائة. وبهبوط إسرافيل عليه ولم يهبط على أحد قبله. عد هذه ابن منيع رضي الله عنه. روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت بين يدي» قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها.

_ [ (1) ] سقط في ج.

الخامسة عشر بعد المائة:

وروى الإمام أحمد وابن حبان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق، جاء به جبريل عليه قطيفة من سندس» . وروى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال: «يا جبريل، ما أمسى لآل محمد سفة من دقيق ولا كفة من سويق» ، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هذه من السماء، فأتاه إسرافيل فقال: إن الله سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض عليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة، فعلت: فإن شئت نبيا ملكا، وإن شئت نبيا عبدا فأومأ إليه جبريل أن تواضع فقال: «بل نبيا عبدا» . وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي، ولا يهبط على أحد بعدي وهو إسرافيل، فقال: أنا رسول ربك إليك، أمرني أن أخيرك، إن شئت نبيا عبدا، وإن شئت نبيا ملكا، فنظرت إلى جبريل، فأومأ إلي أن تواضع، فلو أني قلت: نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا» . وسبقت أحاديث من هذا النمط في باب زهده صلى الله عليه وسلم وقال الإمام الخطابي: المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة، وقيل: يحمل على ما سواهم من ذلك. قلت: وهو أظهر، والأحاديث تشعر به وقيل: المراد بمفاتيح خزائن الأرض بلادها التي ستفتح له ولأمته ويصل إليها دينه وشرعه فصار حكمه فيها كحكم الملك على ما تحت يده يتصرف فيها بأمر ربه تبارك وتعالى كيف أمره، وقيل: أراد الله تعالى تنبيهه على ذلك وإعلامه بأن دينه سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك وقع، ولله الحمد على ذلك، وهذا معنى بديع يتعين اعتقاده وتكون الخصوصية له صلى الله عليه وسلم وهي أن بلاده التي تدخل في طاعته، وتصير تحت حكمه تسلم مفاتيحها في يده عطية من الله تبارك وتعالى، ولذلك أخبر أمته صلى الله عليه وسلم بفتح كثير من البلاد كما تقدم في المعجزات. الخامسة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم جمع له بين النبوة والسلطان. عد هذه الغزالي رحمه الله تعالى ونصه لأجل اجتماع النبوة والملك والسلطنة لنبينا صلى الله عليه وسلم كان أفضل من سائر الأنبياء، فإنه أكمل الله به صلاح الدين والدنيا ولم يكن السيف والملك لغيره من الأنبياء. روى البيهقي عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء 80] قال: أخرجه من مكة مخرج صدق وأدخله المدينة مدخل صدق، قال: وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة

السادسة عشر بعد المائة.

له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم، قلت: وقد يشكل على كلام الغزالي. السادسة عشر بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم كل شيء إلا الخمس. روى الإمام أحمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان 34] الآية. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم مفاتيح كل شيء غير الخمس، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... الآية. وروى الإمام أحمد وسعيد بن منصور والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش قال: حدثني رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله، هل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ قال: «لقد علمني خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله تعالى: الخمس: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية. وروى الفريابي والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم في غد إلا الله، ولا متى تقوم الساعة إلا الله، ولا ما في الأرحام إلا الله، ولا متى ينزل الغيث إلا الله، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله وما تدري نفس ماذا تكسب إلا الله» . السابعة عشر بعد المائة. وبأنه أوتي علم الخمس وأمر بكتمها، قاله بعضهم، قلت: والأحاديث السابقة تبين أن ذلك خلاف الصواب ولذلك سقتها. الثامنة عشر بعد المائدة. وبأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على الروح فيما قاله بعضهم. التاسعة عشر بعد المائة. وبأنه بين له صلى الله عليه وسلم في أمر الدجال ما لم يبين لأحد. روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث نبي إلا حذر أمته الدجال وإني قد بين لي في أمره ما لم يبين لأحد، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور» .

عشرون بعد المائة.

عشرون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم وعد بالمغفرة وهو يمشي حيا صحيحا، عد هذه ابن عبد السلام وابن كثير رضي الله عنهما قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 1، 2] . روى البزار بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد قبلي، غفر لي ما تقدم من ذنبي، وما تأخر» .. الحديث. وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما أمن الله أحدا من خلقه إلا محمدا صلى الله عليه وسلم قال: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 2] وقال للملائكة: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ: إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء 29] . رواه أبو يعلى والطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما تدري نفس مغفور لها ليس هذا الرجل الذي بين لنا أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وسلم. رواه الحاكم. وروى ابن سعد عن مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: لما كنا بضجنان حتى توافينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح 1] فلما نزل بها جبريل عليه السلام قال: يهنيك يا رسول الله، فلما هنأه جبريل عليه السلام هنأه المسلمون. وقد تقدم الكلام على ذلك في المعجزات. الحادي والعشرون بعد المائة. وبشرح صدره صلى الله عليه وسلم. الثانية والعشرون بعد المائة. وبوضع وزره صلى الله عليه وسلم. الثالثة والعشرون بعد المائة. وبرفع ذكره صلى الله عليه وسلم. قال الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ [الإنشراح 1- 2] . وروى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت: يا رب إنه كان قبلي رسل منهم من كان يحيي الموتى، ومنهم من سخرت له الريح، قال: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا رب» .

الرابعة والعشرون بعد المائة.

وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الانشراح 4] قال: «قال لي جبريل: قال الله: إذا ذكرت ذكرت معي» . وروى ابن أبي حاتم عن أبي قتادة رضي الله عنه في الآية قال: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. الرابعة والعشرون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم عرضت عليه أمته بأسرهم حتى رآهم. الخامسة والعشرون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه ما هو كائن في أمته حتى تقوم الساعة. روى الطبراني عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها» فقال: يا رسول الله: عرض عليك من خلق، فيكف بمن لم يخلق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوروا لي بالماء والطين حتى إني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه» . وروى الديلمي عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها» . وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المعراج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع ولا المتبوع منهم، ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما خرمت أعينهم بالخيط فلم يخف علي ما هم لاقون من بعدي» . وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من الله أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل» . وتقدم في المعجزات في باب إخباره صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده من ذلك شيء كثير. السادسة والعشرون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه الخلق كلهم، آدم فمن بعده كما علم آدم أسماء كل شيء، قاله أبو إسحاق الأسفرايني في تعليقه والعراقي في شرح المهذب.

السابعة والعشرون بعد المائة.

السابعة والعشرون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم سيد الناس يوم القيامة. الثامنة والعشرون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق على الله فهو أفضل من سائر النبيين والمرسلين والملائكة المقربين. روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد الناس يوم القيامة» فإذا كان سيدهم في الآخرة كان سيدهم في الدنيا من باب أولى، لأن مقام الآخرة أشرف من الدنيا، لاجتماع النبيين والمرسلين وغيرهم، وإنما خص يوم القيامة بالذكر، لظهور سؤدده في ذلك المقام لكل أحد من غير منازع، بخلاف الدنيا فقد نازعه ملوك الكفار وزعماء المشركين، وهذا قريب من قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر 16] مع أن الملك له سبحانه وتعالى قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدعي الملك، أو من يضاف إليه مجازا فانقطع كل ذلك، قاله النووي، ورواه أبو داود بلفظ: «أنا سيد الناس» ولم يذكر يوم القيامة. ورواه الشيخان بلفظ: «أنا سيد ولد آدم» فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يطلع على أنه سيد الناس، فلما اطلع على ذلك قال: «أنا سيد الناس» . وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: «وما من بني آدم فمن دونه إلا تحت لوائي» . وروى الحارث عن مسلم بن سلام رضي الله عنه قال: إن أكرم الناس أو خلق الله تعالى عليه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض، فإذ كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة واحدة ونبيا نبيا، حتى يكون محمد وأمته آخر الأمم من كذا، ثم يوضع جسر جهنم ثم ينادي مناد: أين محمد وأمته؟ فيقوم وتتبعه أمته برها وفاجرها. تنبيه: قال الهروي: السيد هو الذي يفوق قومه في الخير وغيره. وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في الشدائد والنوائب، فيقوم بأمورهم، ويتحمل عنهم مكارههم، ويدفعها عنهم، ذكره النووي. وروى أبو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن غنم رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فإذا سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلم علي ملك، فقال: لم أزل أستأذن ربي في لقائك حتى إذا كان أوان أذن لي أن أبشرك أنه ليس أحد أكرم على الله منك» .

التاسعة والعشرون بعد المائة.

وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن محمدا أكرم الخلق على الله يوم القيامة» . وروى أيضاً عن عبد الله بن سلام قال: إن أكرم الخليقة على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم. ولازم هذه الأحاديث تفضيله على جميع الخلائق صلى الله عليه وسلم. قال العلماء: ولا يرد على ذلك حديث: «لا تخيروني من بين الأنبياء على موسى» وحديث أنه قيل له: يا خير البرية، قال: «ذاك إبراهيم» وحديث: «لا تفضلوا بين الأنبياء» لأن عن ذلك أجوبة منها: أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه خير الخلق. ومنها: أنه قاله على سبيل التواضع ونفي الكبر. ومنها: أنه منع للتفضيل في حق النبوة والرسالة، فإن الأنبياء على حد واحد، إذ هي شيء واحد لا يتفاضل وإنما التفاضل بأمور أخر زائدة عليها وكذلك الرسل ومنهم أولو العزم من الرسل، ومنهم من رفع مكانا عليا، ومنهم من أوتي الحكم صبيا. التاسعة والعشرون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم أفرس العالمين عد هذه ابن سراقة. ثلاثون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد يغلبه بالقوة قاله ابن منيع، وتقدم في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم بيان ذلك. الحادية والثلاثون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم أيد بأربعة وزراء جبريل وميكائيل وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. روى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله تعالى أيدني بأربعة وزراء، اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر» . وروى الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وزرائي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر» . الثانية والثلاثون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم أعطي من أصحابه سبعة عشر مجيبا، وكل نبي أعطي سبعة. روى الحاكم وابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نبي أعطي سبعة رفقاء، وأعطيت أربعة عشر» قيل لعلي من هم؟ قال: أنا وحمزة وابناي وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير.

الثالثة والثلاثون بعد المائة.

الثالثة والثلاثون بعد المائة. وبإسلام قرينه. روى مسدد وأبو يعلى والبزار وابن حبان عن شريك بن طارق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا ومعه شيطان» ، قالوا: ومعك؟ قال: «ومعي ألا إن الله تعالى أعانني عليه، فأسلم، وما منكم من أحد يدخله عمله الجنة» ، قالوا: ولا أنت؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» . الرابعة والثلاثون بعد المائة. وبأن أزواجه كن عونا له صلى الله عليه وسلم. روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الأنبياء لخصلتين، كان شيطاني كافرا، فأعانني الله عليه فأسلم، ونسيت الخصلة الأخرى» . وروى البيهقي وأبو نعيم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني الله تعالى عليه حتى أسلم، وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته» . وروى ابن عساكر عن أبي هريرة مثله. وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة» قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: «وإياي، ولكن أعانني الله عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» . وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن زيد رضي الله عنه إن آدم صلى الله عليه وسلم ذكر محمدا رسول الله، فقال: «إن أفضل ما فضل به علي ابني صاحب البعير، أن زوجته عون له على دينه، وكانت زوجتي عونا لي على الخطيئة» . قال في الروضة: ويفضل زوجاته على سائر النساء. قال السبكي في الحلبيات: المراد بسائر: الباقي لا الجميع لئلا يلزم تفضيلهن على أنفسهن، لأنهن من جملة النساء، والذي يحمل السؤال التردد بين مجموع الباقي وبين كل فرد منه وجه الإكمال أن النساء جمع معرف وهو محتمل لذلك، إذ دلالة العموم ترجيح كل فرد على فرد، وكذا الاحتمالات في زوجاته، لأنه جمع مضاف، والظاهر الحمل على كل فرد من المفضل والمفضل عليه، ولأنه نص في جانب المفضل عليه وهو: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب 32] وعبارة القاضي رضي الله عنه: قال الحسن: نساؤه أفضل نساء العالمين.

تنبيه:

والمتولي: نساؤه خير نساء هذه الأمة المذكورة يحتملهما. والآية محتملة أيضاً لظاهر العموم، وقد يحتج له بأن هذه أمة خير الأمم، فنساؤها خير نساء الأمم، والتفضيل على الأفضل تفضيل على من دونه بطريق الأولى. وفي هذا بحث من جهة أن التفضيل تحمله هذه الأمة، وتفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل فرد، فقد يكون في الجملة المفضولة واحد أفضل من كل فرد في الجملة الفاضلة، ويكون في باقي الجملة الفاضلة أفراد كثيرة مجموعها أفضل من باقي الجملة المفضولة، أو من كلها، إذا فهمت هذا فانظر إلى الآية الكريمة تجدها اقتضت التفضيل على كل فرد لا على الجملة، فإن حملناها على العموم اقتضت تفضيل نسائه عليه الصلاة والسلام على كل فرد من جميع النساء، فيلزم أن لا يكون في واحد من النساء المتقدمة. تنبيه: الإجماع على أن النبي أفضل من غير النبي، وقد اختلفوا في مريم: هل هي نبية أم لا؟ وكذلك في أم موسى وآسية وحواء وسارة، ولم يصح عندنا في ذلك شيء وقد يشهد لنبوة مريم ذكرها في سورة مريم مع الأنبياء، وهي قرينة فإذا ثبتت نبوة امرأة، فإما أن يكون عاما مخصوصا، وإما أن يكون المراد نساء هذه الأمة وفي الحديث: «لم يكمل من النساء إلا أربع» ذكر منهن مريم وخديجة. ولا شك أن خديجة ليست نبية فلا دلالة في الحديث على كون مريم نبية أو ليست نبية، وبقي بحث وهو أن الآية الكريمة نصت على الإفراد بقوله: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب 32] وهو عام لأنه نكرة في سياق النفي، ولا شك أنه إذا أخذ واحد واحد كان مفضلا عليه، وإذا أخذ المجموع لم يلزم ذلك فيه وإذا أخذت جملة من آحاد المجموع احتمل أن يقال: إن حد العموم يشملها، ولا يخرج عنها إلا المجموع بضرورة التبعيض، فهذا البحث ينبغي أن ينظر فيه ويعمل ما يقتضيه ولا شك أنك إذا قلت: ما جاءني من أحد من النساء اقتضى نفي مجيء كل واحد منهم مطابقة، واقتضى نفي المجموع التزاما، وأما اقتضاؤه لنفي مجيء جملة منهم فهو بالالتزام كالمجموع، وقد قال القرافي: إن الضمائر عامة والظاهر أنه يحسب ما يعود عليه وهي هنا لجمع مضاف، فهي بجنسه وهو عام يدل ظاهرا على كل فرد ويحتمل المجموع، فضميره كذلك، فإن جعلناه للمجموع فمعناه أن جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل جمع من النساء قل أو كثر، وهذا نتيجة البحث المتقدم، فإن أحدا يجيء هنا بمعنى بعض، فهو وإن جعلناه لكل فرد فمعناه أن كل واحدة منهن مفضلة على جمع من النساء، على البحث المتقدم. وأما تفضيل كل واحدة منهن على مجموع النساء سواهن فاللفظ ساكت عنه، وقد ظهر من هذا أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم مفضلات على نساء هذه الأمة، وكذا على نساء سائر الأمم: إن جعل اللفظ على عمومه إن لم يكن في النساء نبية لكن في هذا إشكال من ثلاثة أوجه:

الأول: أن فاطمة رضي الله عنها أفضل كما سنبينه. دل اللفظ بها أو نقول: إنها داخلة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنها ابنته وهي داخلة معهن في اسم النساء في الجملة، والإضافة مختلفة فيها معنى النبوة وفيهن بمعنى الزوجية. الثاني: أن الخطاب للنساء الموجودات حين نزول الآية، فيلزم أنهن أفضل من خديجة، ولا خلاف أن خديجة رضي الله عنه أفضل منهن بعد عائشة، وجوابه: أن خديجة داخلة في جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم تكن مخاطبة لكن دل الخطاب على أن التفضيل إنما حصل للمخاطبات لكونهنّ نساء النبي حاصل فيها فلا تخرج عن حكمه. الثالث: أن يلزم تفضيل حفصة وأم سلمة وزينب وميمونة وسودة وجويرية، وأم حبيبة على نساء سائر الأمم إذا جعلنا النساء للعموم ولا شك أن مريم أفضل من هؤلاء الثمان للحديث: «لم يكمل من النساء أربع» فذكر مريم وخديجة وجوابه: إنا نلتزم التخصيص لذلك، وعند هذا أقول: أن الآية تضمنت تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بأمور منها: أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب 29] وكلهن محسنات فعلمنا أن الله أعد لهن أجرا عظيما عنده، ويصغر في عين العظيم العظائم فمعظم الأجر المعد لهن لا يعلمه إلا الله. ومنها أنهن يؤتين أجرهن مرتين، ولهذا لم يحصل لغيرهن إلا للثلاثة المذكورات في القرآن والحديث. ومنها إعداد الله عز وجل لهن رزقا كريما، والشهداء أثنى عليهم بأنهم عند ربهم يرزقون، وهؤلاء زادهن مع الرزق كونه كريما. ومنها المعاونة (بينهن وبين) [ (1) ] غيرهن وإرادته تعال بإذهاب الرجس عنهن، وتطهيرهن تطهيرا مؤكدا، وما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وليس في الآية إلا ذلك، وشرفهن بانتسابهن إليه عليه الصلاة والسلام وأناقة قدرهن بذلك حتى تفارق صفاتهن صفات غيرهن، وليس في الآية تصريح بما أراده الفقهاء، وتكلفوا فيه من التفضيل حتى يتكلف النظر بينهن وبين مريم، فنقول ما قاله الله تعالى بقوله، ونسكت عما سكت عنه، وزعم بعضهم أن أفضل الصحابة زوجاته عليه الصلاة والسلام، لأنهن معه في درجته التي هي أعلى الدرجات، وهذا قول ساقط مردود، وأما فاطمة وخديجة ثم عائشة، رضي الله عنهن فقال البلقيني في «فتاويه» : الذي نختاره أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، للحديث الصحيح، وأنه قال لفاطمة: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين» وفي النسائي مرفوعا: «أفضل

_ [ (1) ] في ج (عليهن وعن) .

الخامسة والثلاثون بعد المائة.

نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد» سنده صحيح، فالحديث صريح في أنها وأمها أفضل نساء أهل الجنة، والحديث الأول يقتضي فضل فاطمة على أمها، وفي حديث آخر «فاطمة بضعة مني» وهو يقتضي تفضيل فاطمة على جميع نساء العالم ومنهن خديجة وعائشة رضي الله عنها وبقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدثتني فاطمة، قالت: أسر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت، فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة ونساء المؤمنين؟ فضحكت» . وروى البزار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن فاطمة: «هي خير بناتي إنها أصيبت في» . وأما تفضيل خديجة على عائشة فقد جاء فيه أحاديث بسطتها في «الفيض الجاري» . وأما بقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم مع بقية نسائه فبقية بناته أفضل، ويشهد لذلك ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: في الحديث الصحيح عن سعيد بن المسيب قال: أم عثمان من رقية، وأم حفصة من زوجها. انتهى وفي الصحيح: خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة بنت خويلد والضمير قيل: إنه للسماء والأرض ويؤيده ما ورد من الإشارة إليهما ويحتمل أن الضمير لمريم، وخديجة على أنهما سيدتان وإضافة النساء إليهم كإضافتهن في قوله: أو نسائهن. ويعود شرحه إلى معنى نساء زمانها وفي الصحيح: «ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة» وفي غير الصحيح: «ما أبدلني الله خير منها، وهي أول من آمن بي، وظهر عنها من النور والخير ما لا خفاء فيه» ، وفي الحديث: «إني رزقت حبها» وبقيت [ (1) ] المفاضلة بينها وبين مريم بنت عمران، فإن قلنا بنبوة مريم كانت أفضل من فاطمة وإن قلنا: ليس بنبية احتمل أنها أفضل، للاختلاف في نبوتها، واحتمل التسوية بينهما، تخصيصا لهما بأدلتهما الخاصة من بين النساء، واحتمل تفضيل فاطمة عليها، وعلى غيرها لما تقدم، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على زوجاته صلى الله عليه وسلم. الخامسة والثلاثون بعد المائة. وبأن بناته صلى الله عليه وسلم أفضل نساء العالمين.

_ [ (1) ] في ج وثبتت.

السادسة والثلاثون بعد المائة.

روى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نسائها مريم، وخير نسائها فاطمة» . وروى الحارث بن أبي أسامة عن عروة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها» . وروى أبو يعلى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزوج حفصة خير من عثمان، وتزوج عثمان خيرا من حفصة» قال الحافظ وهذا الحديث مما يستدل به على تفضيل بناته على رفقائه [ (1) ] . وروى أبو نعيم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران» . قال ابن دحية في «مرج البحرين» سئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن علي رحمه الله تعالى: من أفضل خديجة أم فاطمة رضي الله عنهما؟ فقال: «إن فاطمة بضعة مني» ولا أعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. وقال السهيلي: وهذا استقراء حسن ويشهد بصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ربط نفسه، وحلف أن لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت فاطمة لتحله فأبى لأجل قسمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما فاطمة بضعة مني» . السادسة والثلاثون بعد المائة. وبأن ثواب أزواجه صلى الله عليه وسلم وعقابهن يضاعف تفضيلا لهن وتكريما، قال الله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ، مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً [الأحزاب 30، 31] . وروى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعة يؤتون أجرهم مرتين: أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم» الحديث. قال العلماء: الأجر مرتين في الآخرة. وقيل: أحدهما في الدنيا، والآخر في الآخرة. واختلف في مضاعفة العذاب فقيل: عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، وغيرهن إذا عوقب في الدنيا لم يعاقب في الآخرة، لأن الحدود كفّارات.

_ [ (1) ] في ج (زوجاته) .

السابعة والثلاثون بعد المائة.

وقال مجاهد: حدان في الدنيا. قال سعيد بن جبير: وكذا عذاب من قذفهن يضرب في الدنيا فيجلد مائة وستين جلدة. قال القاضي: وعن بعضهم أن ذلك خاص بغير عائشة، فإن قاذفها يقتل، ولا يقتل من قذف واحدة من سائرهن. قال الماوردي: إن قتل فما في مضاعفة العذاب عليهن من تفضيل انتهى. السابعة والثلاثون بعد المائة. وبأن أصحابه أفضل العالمين إلا النبيين. روى ابن جرير في كتاب السنة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلي فجعلهم خير أصحابي كلهم خير واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون، الأول والثاني والثالث تترى والرابع مرادي» . وروى عن بلال بن سعد أبيه رضي الله عنه وكانت له صحبة قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: «أنا وقرني» ثم قلنا: ثم من؟ قال: «القرن الثاني ثم القرن الثالث» الحديث. الثامنة والثلاثون بعد المائة. وبأنهم يقاربون عدد الأنبياء، وكلهم مجتهدون ولهذا قال: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» . التاسعة والثلاثون بعد المائة. وبأن مسجده أفضل المساجد وبأن الصلاة فيه تضاعف. الأربعون بعد المائة. وبأن البلد الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض ثم مهاجره على قول الجمهور، وقيل: إن مهاجره صلى الله عليه وسلم أفضل البلاد، واختاره الشيخ وتقدم بيان ذلك في باب فضل المدينة. الحادية والأربعون بعد المائة. وبأن تربتها مؤمنة. روى ابن زبالة في حديث: «والذي نفسي بيده، إن تربتها لمؤمنة» . الثانية والأربعون بعد المائة. وأنها مكتوبة في التوراة مؤمنة، وذلك إما لتصديقها بالله حقيقة كذوي العقول إذ لا

الثالثة والأربعون بعد المائة.

تبعد أن يكون قد خلق الله تعالى في الجماد قوة قابلة للتصديق وقوة للتكذيب، وقد سمع تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم أو مجازا لاتصاف أهلها بذلك ولانتشار الإيمان منها، واشتمالها على أوصاف المؤمنين من النفع والبركة، وعدم الضر والمسكنة، وإما لإدخال أهلها في الإيمان من الأعداء وأمنهم من الدجال والطاعون. الثالثة والأربعون بعد المائة. وبأن غبارها يطفئ الجذام. روى ابن الجوزي في الوفاء وابن البخار عن إبراهيم بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غبار المدينة شفاء من الجذام» [ (1) ] . روى رزين عن سعد رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك تلقاه رجال من المتخلفين من المؤمنين فأثاروا غبارا فخمروا فغطى بعض من كان معه فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللثام عن وجهه، وقال: «والذي نفسي بيده، إن في غبارها شفاء من كل داء» . قال: وأراه ذكر من الجذام والبرص. وروى ابن زبالة عن صيفي بن أبي عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، إن تربتها لمؤمنة، وإنها شفاء من الجذام» ، قال السيد: وقد رأينا من استشفى بغبارها من الجذام، وكان أضر به كثيرا، فصار يخرج إلى الكوفة البيضاء ببطحان بطريق قباء، ويتمرغ بها ويتخذ فيها مرقدة فنفعه ذلك جدا. قال الإمام الحجة يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن [......] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتانا الجرب، فإذا هم روباء، فقال: ما لكم يا بني الحارث روباء؟ قالوا أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى، قال: فأين أنتم من صعيب؟ قالوا: يا رسول الله، ما نصنع به؟ قال: تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ثم يتفل عليه أحدكم، ويقول: بسم الله، تراب أرضنا، بريق بعضنا شفاء لمريضنا، بإذن ربنا، ففعلوا فتركتهم الحمى» . قال أبو القاسم طاهر بن يحيى، فصعيب وادي ببطحان دون الماجشونية، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منها اليوم، إذا وبأ إنسان أخذ منه، قال السيد: والماجشونية في الحديبية المعروفة اليوم بالدشنوية، وذكر المجد اللغوي: أن جماعات من العلماء ذكروا أنهم جربوا تراب صعيب للحمى فوجدوه صحيحا. قال: وأنا بنفسي سقيته غلاما لي مريضا من نحو سنة فانقطعت عنه من يومه وقال:

_ [ (1) ] سقط في ج.

الأربعة والأربعون بعد المائة.

[....] : وكيفية الاستشفاء به أن يجعل في الماء ويغسل به من الحمى. قال السيد: وينبغي أن يجعل في الماء ثم يتفل عليه ويقال عليه الرقية الواردة ثم يجمع بين الشرب والغسل. الأربعة والأربعون بعد المائة. وبأن من تصبح بسبع ثمرات عجوة على الريق من بين لابتي المدينة حتى يصبح لم يضره شيء حتى يمسي وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن في عجوة العالية شفاء، وإنها ترياق أول البكرة» . وروى النسائي والطيالسي والطبراني بسند جيد «العجوة من الجنة وهي شفاء من السم» . وروى الإمام أحمد والشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تصبح بسبع تمرات عجوة [ (1) ] من بين لابتي المدينة على الريق لم يضره شيء في ذلك اليوم سم ولا سحر» . ولفظ أحمد: «لا شيء حتى يمسي» . قال النووي تخصيصها دون غيرها، وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها واعتقاد فضلها، وما ذكره القاضي والمازري في هذا باطل وقصدت بذلك (التحذير) [ (2) ] من الاغترار به انتهى، وكذلك ما ذكره ابن التين، وهو مردود لأن سوق الأحاديث وإيراد العلماء لها وإطباق العلماء على التبرك بعجوة المدينة وغيرها، يرد التخصيص بزمنه مع أن الأصل عدمه ولم تزل العجوة معروفة بالمدينة يأبرها الخلف عن السلف، ويعلمها كبيرهم وصغيرهم علما لا يقبل التشكيك. قال ابن الأثير: العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده وذكر الأخير القزاز، فنقل الأرداء التي كاتب سلمان الفارسي عليها أهله وغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالعقير وغيره من العالية كانت عجوة، والعجوة توجد بالعقير إلى يومنا هذا، ويبعد أن يكون المراد أن هذا النوع إنما حدث بعد زمانه صلى الله عليه وسلم وأن جميع ما يوجد منه من غرسه صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى، قاله السيد.

_ [ (1) ] سقط في ح. [ (2) ] في ح اعتذر.

الخامسة والأربعون بعد المائة.

الخامسة والأربعون بعد المائة. وبأن نصف فراس الغنم فيها مثل مثلها في غيرها من البلاد. السادسة والأربعون بعد المائة. وبأنه لا يدخلها الدجال. السابعة والأربعون بعد المائة. ولا الطاعون. الثامنة والأربعون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم صرف الحمى عنها أول ما قدمها ونقلها إلى الجحفة، ثم لما أتاه جبريل بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام. روى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي عسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل بالحمّى والطاعون فأمسك الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة ورجز على الكافر» . قال السيد: والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية، لكن قال الحافظ: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان في قلة من أصحابه، فاختار الحمى لقلة الموت بها على الطاعون لما فيها من الأجر الجزيل، وقضيتها إضعاف الأجسام فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، ثم كانوا حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون لما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك دخلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ثم استمر ذلك بالمدينة، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها. قال السيد: وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر، والمشاهد في زماننا عدم خلوها منها أصلا، لكن ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون، فإنها محفوظة عنه الكلية، فالأقرب أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيئا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك، فقال في دعائه: «فحمى إذن أو طاعونا» أراد بالدعاء بالحمى الموضع الذي لا يدخله طاعون، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء، بل هي رحمة بدعائه صلى الله عليه وسلم، وقد استشكل قرن الدجال بالطاعون مع أن الطاعون شهادة ورحمة فكيف يمتدح بعدمه؟ وقد يشكل من وجوه: الأول: أن كونه كذلك ليس لذاته، وإنما المراد ترتب ذلك عليه، وقد ثبت ذلك من رواية الإمام أحمد «يؤخذ أعداؤكم من الجن» فيكون الإشارة بذلك إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من الطعن به، كما أن الدجال ممنوع منه، ألا ترى أن قتل الكافر المسلم شهادة، ولو ثبت ذلك أن الكفار لا تسلط عليه لحاز غاية الشرف.

التاسعة والأربعون بعد المائة.

الثاني: أن أسباب الرحمة لا تنحصر في الطاعون وقد عوضهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه الحمى حيث اختارها عند ما عرضها عليه كما تقدم، وهي طهرة للمؤمن، وحظه من النار، والطاعون يأتي في بعض الأعوام، والحمى تتكرر في كل حين، فتعادلا، وفيه نظر، لأن تكثير أسباب الرحمة مطلوب، ولأنه لا يرفع إشكال التمدح بعدمه. الثالث: أنه وإن اشتمل على الرحمة والشهادة، فقد ورد أن سببه أشياء تقع من الأمة كظهور بعض المعاصي، وقد روى الإمام أحمد بأسانيد حسان صحاح عن شرحبيل بن حسنة وغيره «أنه- يعني الطاعون- رحمة ربكم ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم» . وروى الإمام أحمد تفسير كونه دعوة نبيكم عن أبي قلابة رضي الله عنه بأنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه عز وجل أن لا يهلك أمته السنة، فأعطانيها، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسأله أن لا يلبسهم شيئا، ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «فحمى إذا أو طاعونا» ثلاثا، فقد تضمن الطاعون نوعا من المؤاخذة، لأنه صلى الله عليه وسلم دعا به لتحصل كفاية إذاقة بعضهم بأس بعض، ويكون هلاكهم حينئذ بسبب لا يعصون به فحفظ الله تعالى بلد نبيه صلى الله عليه وسلم من الطاعون المشتمل على الانتقام إكراما لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعل لهم الحمى المضعفة للأبدان عن إذاقة بعضهم بأس بعض، والمطهرة لهم، بقوله صلى الله عليه وسلم: «فحمى إذا» أي للموضع الذي لا يدخله الطاعون بل عصم منه، وهو جواره الشريف. وقوله: «أو طاعونا» أي للموضع الذي لم يعصم منه وهو سائر البلاد، هذا ما قال السيد نور الدين، وهذا ما ظهر لي في فهم هذه الأحاديث وهو يقتضي شرف الحمى الواقعة بالمدينة، وفضلها، لأنها دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم ورحمة بنا أيضاً، لأنها من لازم دعوته ولأنها جعلت في مقابلة الطاعون الذي هو رحمة لغيرهم فتكون الحمّى رحمة لهم فهي غير حمى الوباء الذاهبة من المدينة، والله تعالى أعلم. قال الحافظ: والحق أن المراد بالطاعون في هذه الأحاديث الذي ينشأ عن طعن الجن فيهيج به الدم في البدن، فهذا لم يدخل المدينة قط. التاسعة والأربعون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم لما عادت الحمى إلى المدينة باختياره إياها، لم تستطع أن تأتي أحدا من أهلها حين جاءت ووقفت ببابه، واستأذنته فيمن يبعثها إليه فأرسلها إلى الأنصار. روى الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟» قالت: أم ملدم، فأمر بها إلى أهل قباء، فلقوا ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فأتوه، فشكوا ذلك إليه فقال: «ما

الخمسون بعد المائة.

شئتم إن شئتم [ (1) ] دعوت الله عز وجل فيكشفها عنكم، وإن شئتم تكون لكم طهورا» وفي لفظ: «طهرت ذنوبكم» قالوا: أو تفعل؟ قال: «نعم» ، قالوا: فدعها. انتهى. الخمسون بعد المائة. وبإحلال مكة له ساعة من نهار لم تحل لأحد قبله صلى الله عليه وسلم. الحادية والخمسون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة. روى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ومسلم وابن جرير عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت ما بين لابتيها» . زاد جابر: «فلا يعضد شوكها ولا يقطع عضاهها» . وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة، فقال: «اللهم إني حرمت ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة» . .. الحديث. الثانية والخمسون بعد المائة. وبأنه لا يقتل حيات المدينة إلا بالإنذار. والحديث الوارد في القتل بالإنذار خاص بها. الثالثة والخمسون بعد المائة. وبأنه يسأل صلى الله عليه وسلم عنه الميت في قبره. روى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما فتنة القبر فبي تفتنون، وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس، فيقال له: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله» الحديث. قال الحكيم الترمذي وابن عبد البر: سؤال المقبور خاص بهذه الأمة. تنبيه: ذكر بعض من لا علم عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون حاضرا حين سؤال الميت، واستند إلى قول: «ما تقول في هذا الرجل» قال الحافظ: [....] . الرابعة والخمسون بعد المائة. باستئذان ملك الموت عليه صلى الله عليه وسلم ولم يستأذن على نبي قبله، وسيأتي بيان ذلك في الوفاة إن شاء الله تعالى.

_ [ (1) ] في ح أحييتم.

الخامسة والخمسون بعد المائة.

الخامسة والخمسون بعد المائة. وبتحريم نكاح أزواجه من بعده صلى الله عليه وسلم وأمة وطئها، قال الله سبحانه وتعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً [الأحزاب 53] ولم يثبت ذلك لأحد من الأنبياء، بل قصة سارة مع الجبار، وقول إبراهيم له: هذه أختي وأنه هم أن يطلقها ليتزوجها الجبار قد يستدل به على أن ذلك لم يكن لسائر الأنبياء، وما قيل في تعليل ذلك: إنهن أمهات المؤمنين، وإن في ذلك غضاضة ينزه عنها منصبه الشريف، وأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، ولهذا حكى الماوردي وجها أنه لا يجب عليهن عدة الوفاة، وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة والتي رأى بكشحها بياضا، أوجه:. أحدها: يحرمن أيضاً، وهو الذي نص عليه الشافعي، وصححه في الروضة، لعموم الآية وليس المراد «بمن بعده» بعدية الموت بل بعدية النكاح. وقيل: لا. والثالث: وصححه إمام الحرمين والرافعي في «الشرح الصغير» تحرم المدخول بها فقط، والخلاف جار أيضاً فيمن اختارت الفراق لكن الأصح فيها عند إمام الحرمين والغزالي الحل، وبه قطع جماعة، لتحصل به فائدة التخيير، وهو التمكن من زينة الدنيا، وفي أمة فارقها بعد وطئها أوجه:. ثالثها: تحرم إن فارقها بالموت كمارية، ولا تحرم إن باعها في الحياة، قيل: وسبب نزول هذه الآية أن رجلا قال: لو مات محمد لتزوجت عائشة أو أم سلمة فنزلت، رواه الطبراني بسند ضعيف جدا عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواه أيضاً ابن بشكوال من طريق الكلبي عنه وسمى القائل طلحة بن عبيد الله القرشي، وقد غلط جماعة من العلماء في طلحة هذا فظنوه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وليس هو كذلك، إنما هو آخر، شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه، فإن طلحة المشهور الذي هو أحد العشرة طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تميم التيمي، وطلحة صاحب القصة طلحة بن عبيد الله بن شافع بن عياض ابن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن كعب بن تميم التيميّ. روى موسى في الذيل نقلا عن ابن شاهين في ترجمة طلحة هذا: هو الذي نزل فيه: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب 53] الآية نبه على ذلك ابن شاهين، وأبو موسى المديني والحافظ والشيخ وغيرهم رضي الله عنهم. السادسة والخمسون بعد المائة. وبأن البقعة التي دفن فيها صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن العرش.

السابعة والخمسون بعد المائة.

قال العلماء: محل الخلاف في التفضيل بين مكة والمدينة في غير قبره صلى الله عليه وسلم. السابعة والخمسون بعد المائة. وبأنه يحرم التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم بيان ذلك في آخر باب أسمائه الشريفة. الثامنة والخمسون بعد المائة. وبأنه يجوز التسمي باسمه محمد. التاسعة والخمسون بعد المائة. والتسمي بالقاسم فلا يكنى أبوه أبا القاسم، حكاهما النووي في شرح مسلم. قال الشيخ: قال سراج الدين بن الملقن في خصائصه: شذ جماعة فمنعوا التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم جملة كيف ما تكنى حكاه الشيخ زكي الدين المنذري. وروى ابن سعد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير أسماءهم، فجاء آباؤهم فأقاموا البينة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمي عامتهم فخلى عنهم، قال أبو بكر: وكان أبي فيهم. الستون بعد المائة. وبأنه يجوز أن يقسم على الله به صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لأحد كما في حديث عثمان بن حنيف في قصة الضرير وفيه «اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد» ، قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يكون هذا مقصورا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء، لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون مما خص به صلى الله عليه وسلم تنبيها على علو درجته ومرتبته. الحادية والستون بعد المائة. وبأنه لم تر عورته قط، ولو رآها أحد طمست عيناه، وتقدم في باب حياته حديث عائشة ويأتي الكلام على ذلك في الوفاة. الثانية والستون بعد المائة. وبأنه لا يجوز عليه الخطأ، عد هذه ابن أبي هريرة والماوردي رضي الله عنه وعلى هذا القول باجتهاده، لأنه خاتم النبيين، فليس بعده نبي يستدرك خطؤه بخلافهم، فلذلك عصمه الله تعالى منه. وقال الإمام الشيرازي رحمه الله تعالى: إنه لا يخطئ اجتهاده، وجزم به البيضاوي، وقال ابن السبكي: إنه الصواب وهو ما نعتقده وندين به.

الثالثة والستون بعد المائة.

الثالثة والستون بعد المائة. بأنه لا يجوز عليه النسيان صلى الله عليه وسلم حكاه النووي في شرح مسلم. الرابعة والستون بعد المائة. وبأنه ما من نبي له خاصة نبوة في أمته إلا وفي هذه الأمة عالم من علمائه، يقوم في قومه مقام ذلك النبي في أمته، وينحو منحاه في زمانه، ولذا ورد «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» وورد «العالم في قومه كالنبي في أمته» قاله البارزي قلت: الحديث الأول، قال الحافظ وغيره: إنه موضوع وإنما الوارد «العلماء ورثة الأنبياء» . الحديث الأول رواه أبو نعيم بسند ضعيف بلفظ «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد» والثاني رواه الديلمي بلفظ «الشيخ في بيته كالنبي في قومه» . الخامسة والستون بعد المائة. وبتسميته صلى الله عليه وسلم عبد الله ولم يطلقها على أحد سواه، وإنما قال ذلك إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء 3] نِعْمَ الْعَبْدُ [ص 30] قاله البارزي. السادسة والستون بعد المائة. وبأنه ليس في القرآن ولا في غيره صلاة من الله على غيره، فهي خصيصة اختصه الله تعالى بها دون سائر الأنبياء، قاله البارزي. السابعة والستون بعد المائة. وبأنه من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا. الثامنة والستون بعد المائة. وبأن من صلى عليه عشرا صلى الله عليه مائة. التاسعة والستون بعد المائة. وبأن من صلى عليه مائة صلى الله عليه ألفا كما سيأتي بيان ذلك في باب فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. السبعون بعد المائة. وبأن الدعاء يتوقف إجابته حتى يصلى عليه، كما سيأتي بيانه في باب مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .

_ [ (1) ] سقط في ح.

الحادية والسبعون بعد المائة.

الحادية والسبعون بعد المائة. وبأن صلاة أمته تعرض عليه في قبره وسلامهم. الثانية والسبعون بعد المائة. وبأنه رغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه. الثالثة والسبعون بعد المائة. وبأنه ما جلس قوم مجلسا ولم يصلوا عليه إلا كان عليهم ترة وحسرة يوم القيامة وقاموا على أنتن من جيفة. الرابعة والسبعون بعد المائة. وبأن التحذير لمن ذكر عنده فلم يصل عليه وسيأتي بيان ذلك في باب التحذير من ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. الخامسة والسبعون بعد المائة. وبأنه من نسي الصلاة عليه فقد أخطأ طريق الجنة. السادسة والسبعون بعد المائة. وبأن من صلى عليه في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب أو لم تزل الصلاة جارية له. السابعة والسبعون بعد المائة. وبأن الصلاة عليه زكاة وطهارة وكفارة. الثامنة والسبعون بعد المائة. وموجبة للشفاعة. التاسعة والسبعون بعد المائة. وسبب للمغفرة. الثمانون بعد المائة. وبأنه من يصلي عليه في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة. الحادية والثمانون بعد المائة. وبأن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا. الثانية والثمانون بعد المائة. ورفع له عشر درجات.

الثالثة والثمانون بعد المائة.

الثالثة والثمانون بعد المائة. وكتب له عشر حسنات. الرابعة والثمانون بعد المائة. ومحى عنه عشر سيئات. الخامسة والثمانون بعد المائة. ويرجى إجابة دعاء من صلى عليه أوله وآخره. السادسة والثمانون بعد المائة. وبأنه صلى الله عليه وسلم سبب كفاية الله تعالى المصلي عليه ما أهمه. السابعة والثمانون بعد المائة. وقرب المصلي عليه منه يوم القيامة. الثامنة والثمانون بعد المائة. وبأنها تقوم للمعسر مقام الصدقة. التاسعة والثمانون بعد المائة. وبأنها سبب لقضاء الحوائج. التسعون بعد المائة. وللبشارة بالجنة قبل موت المصلي عليه. الحادية والتسعون بعد المائة. وللنجاة من أهوال يوم القيامة. الثانية والتسعون بعد المائة. ولرد النبي صلى الله عليه وسلم على المصلي عليه. الثالثة والتسعون بعد المائة. تذكر المصلي ما نسيه. الرابعة والتسعون بعد المائة. وسبب لطيب مجلس المصلي عليه، وأنه لا يعود عليه حسرة، ولا علي من كان منه يوم القيامة.

الخامسة والتسعون بعد المائة.

الخامسة والتسعون بعد المائة. وبأنها تنفي الفقر. السادسة والتسعون بعد المائة. وبأنها تنفي عن المصلي عليه إذا ذكر اسم البخل. السابعة والتسعون بعد المائة. وبأنها نجاة للمصلي عليه عند ذكره من الدعاء عليه برغم الأنف. الثامنة والتسعون بعد المائة. وبأنها تمر بالمصلي عليه عن طريق الجنة، وسيأتي بيان ذلك في باب التحذير من ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. التاسعة والتسعون بعد المائة. وبأنها تنجي من فتن المجلس. المائتين. وبأنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدأ فيه مع حمد الله تعالى. الحادية بعد المائتين. ولزيادة نور المصلي إذا جاز على الصراط. الثانية بعد المائتين. ولإلقاء الله تعالى الثناء الحسن على المصلي عليه بين أهل السماء وأهل الأرض. الثالثة بعد المائتين. وللتزكية في ذات المصلي عليه، وفي عمره وفي عمله وفي أسباب مصالحه. الرابعة بعد المائتين. ولنيل المصلي عليه رحمة الله تعالى له. الخامسة بعد المائتين. ولدوام محبة المصلي عليه له، وزيادتها وتضاعفها، وذلك أن العبد كلما أكثر من ذكر محبوبه ومن استحضاره في قلبه واستجلاء محاسنه ويذكر معانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه إليه وتزايد شوقه. السادسة بعد المائتين. ومحبته صلى الله عليه وسلم للمصلي عليه.

السابعة بعد المائتين.

السابعة بعد المائتين. وبهداية المصلي عليه. الثامنة بعد المائتين. وحياة قلبه. التاسعة بعد المائتين. وبأن أسماءه توقيفية جزم به أبو الفتوح الطائي في أربعينه. العاشرة بعد المائتين. وبأن التسمي باسمه مبارك ميمون. روى ابن أبي عاصم من طريق ابن أبي فديك عن جهم بن عثمان عن جشيب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تسمى باسمي يرجو بركتي غدت عليه البركة، وراحت إلى يوم القيامة» . وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولد له ثلاث، فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل» . الحادية عشرة بعد المائتين. وبكراهة سب من اسمه محمد وضربه. روى البزار وأبو يعلى وابن عدي والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم. وروى البزار عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سميتم محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه» . الثانية عشرة بعد المائتين. وبمطابقة اسمه لمعناه الذي هو سمته وأخلاقه، فكان اسمه يدل على مسماه، وكانت خلائقه [ (1) ] إنما هي تفضيل جملة اسمه وشرح معناه، وذلك أن أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم محمد، وتقدم الكلام في باب أسمائه الشريفة بتسميته صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه، وهو الحمد، فإنه صلى الله عليه وسلم محمود عند الله، محمود عند الملائكة، محمود عند إخوانه من الأنبياء، محمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم، فإن ما فيه من صفات الكمال

_ [ (1) ] في ح (خلايته) .

الثالثة عشرة بعد المائتين.

محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحود أو عناد أو جهل باتصافه بها، ولو علم اتصافه بها لحمده، فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له صلى الله عليه وسلم وقد اختص صلى الله عليه وسلم من معنى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإن اسمه محمد وأحمد، وأمته الحمادون يحمدون الله في السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبه مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وإذا سجد بين يدي الله تعالى في طلب الشفاعة يحمده ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مؤمنهم وكافرهم أولهم وآخرهم، وهو محمود بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان، والعلم النافع والعمل الصالح، وما حمله عليه من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وإن من نظر في أخلاقه وشيمه علم أنه خير أخلاق، وقد تقدم ذكر شيء منها. الثالثة عشرة بعد المائتين. وبأنه الله كلمه بأنواع الوحي وهي ثلاثة: الرؤيا الصادقة، والكلام بغير واسطة، والتكلم بواسطة جبريل صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عبد السلام، وتقدم بيان ذلك في أول البعثة.

الباب الثاني فيما اختص به عن الأنبياء صلى الله عليه وسلم عليهم في شرعه وأمته وفيه مسائل

الباب الثاني فيما اختص به عن الأنبياء صلى الله عليه وسلم عليهم في شرعه وأمته وفيه مسائل الأولى: اختص صلى الله عليه وسلم بإحلال الغنائم. الثانية: وبجعل الأرض كلها مسجدا ولم تكن الأمم تصلي إلا في البيع والكنائس. الثالثة: وبالتّراب طهورا وهو التيمم. روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد بعدي» الحديث. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الناس بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا» . وروى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت أنا وأمتي في الصلاة تصف كما تصف الملائكة، وجعل الصعيد لي وضوءا، وجعلت لي الأرض مسجدا، وأحلت لي الغنائم» . وروى البخاري في «التاريخ» والبزار والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان الأنبياء يقربون الخمس، فتجيء النار فتأكله وأمرت أنا أن أقسمه في فقراء أمتي» . قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين: من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن له غنائم، ومنهم من أذن له فيها، لكن كانوا إذا غنموا أشياء لم تحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته كما في الصحيح عن أبي هريرة: «غزا نبي من الأنبياء» فذكر القصة إلى أن قال: فجمع الغنائم فجاءت- يعني النار- فلم تطعمها. وعند أحمد ومسلم «فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار. زاد في رواية سعيد بن المسيب رضي الله عنه فكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله النار فأكلتها فذكر القصة، وقد تقدمت بكمالها في أواخر شرح قصة المعراج، وفي المعجزات في رد الشمس وفيها: «أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا انتهى فكان من قبلنا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها وعلامة قبول ذلك أن تنزل النار فتأكلها، وعلامة عدم القبول أن لا تنزل.

الرابعة:

قوله: «مسجدا» يعني موضع سجوده، وهو وضع الجبهة على الأرض، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويحتمل أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز القرآن، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد، قال الخطابي والقاضي: من كان قبل نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء إنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد، بلفظ: «وكان مما قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم» وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس رضي الله عنه نحو حديث جابر وفيه: «ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه» . الرابعة: وبالوضوء في أحد القولين، وهو الأصح، فلم يكن إلا للأنبياء دون أممهم، وبه جزم الحليمي رحمه الله تعالى، واستدل له بحديث الصحيحين «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء» ورد بأن الذي اختصت به الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، كيف، وفي الحديث: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» . قال الحافظ: والجواب إن هذا الحديث ضعيف، وعلى تقدير ثبوته يحتمل أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة. قال الشيخ: هذا الاحتمال قد ورد ما يؤيده فقد تقدم في باب ذكره في التوراة والإنجيل في صفة أمته صلى الله عليه وسلم يوضئون أطرافهم رواه أبو نعيم عن ابن مسعود مرفوعا والدارمي عن كعب الأحبار والبيهقي عن وهب: «افترضت عليهم أن يتطهروا في كل صلاة، كما افترضت على الأنبياء» . ثم رأيت الطبراني روى في الأوسط بسند فيه ابن لهيعة عن بريدة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ واحدة واحدة، ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به» ثم توضأ مرتين مرتين فقال: «هذا وضوء الأمم قبلكم» ، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا، فقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» . وفي هذا تصريح بكون الوضوء للأمم السابقة، نعم فيه خصوصية لنا عنهم وهو التثليث كما كان للأنبياء، ويرشد إلى ذلك قول ابن سراقة: خصوا بكمال الوضوء. قلت: الصحيح بخلاف ما صححه الشيخ في الصغرى، وخلاف احتمال الحافظ، ففي البخاري في قصة سارة مع الملك الذي أعطاها هاجر، أن سارة لما هم الملك بأن يدنو منها، قامت تتوضأ، وفي قصة جريج فيه أيضاً أنه قام فتوضأ ثم كلم الغلام. وروى الإمام أحمد من طريق زيد العمي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من

الخامسة:

توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء الذي لا بدّ منها، ومن توضأ مرتين فله كفلان من الأجر، ومن توضأ ثلاثا فذاك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» . وروى ابن ماجة والدّارقطني عن أبي بن كعب نحوه. الخامسة: وبمسح الخفّ. السادسة: وبجعل الماء مزيلا للنجاسة ويأتي ذلك. السابعة: وبأن كثير الماء لا يؤثر فيه نجاسة. الثامنة: وبالاستنجاء بالجامد، ذكر ذلك أبو سعيد النيسابوري في الشرف، وابن سراقة في الأعداد. التاسعة: وبالجمع فيه بين الماء والحجر. العاشرة: وبمجموع الصلوات الخمس. الحادية عشرة: وبأنه أول من صلى العشاء. روى الطحاوي عن عبيد الله بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن آدم لما تيب عليه عند الفجر، صلى ركعتين، فصارت الصبح، وفدي إسحاق عند الظهر، فصلى إبراهيم الظهر أربعا، فصارت الظهر، وبعث عزير، فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما، فرأى الشمس، فقال: أو بعض يوم، فصلى أربع ركعات، فصارت العصر، وغفر لداود عند المغرب فقام فصلى أربع ركعات، فجهد فجلس في الثالثة، فصارت المغرب ثلاثا، وأول من صلى العشاء نبينا صلى الله عليه وسلم. وروى ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في سننه عن معاذ رضي الله عنه قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة ليلا، حتى ظن الظان أنه قد صلى ثم خرج، فقال: «أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم» . وروى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ابهار الليل، ثم خرج فصلى فلما قضى صلاته، قال لمن حضر: «أبشروا فإن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم» [أو قال: «ما صلى هذه الساعة أحد غيركم» ] . تنبيه: قال الإمام الرافعي في شرح المسند في قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: «هذا وقت الأنبياء قبلك» فذاك يمكن حمله على ما روى من نسبة كل صلاة من الصلوات الخمس إلى نبي من الأنبياء، فعن عائشة رضي الله عنها سئل عن هذه الصلوات الخمس فقال: «هذه

الثانية عشرة:

مواريث آبائي وإخواني، أما صلاة الهاجرة فتاب الله على داود حين زالت الشمس، فصلى لله أربع ركعات، فجعلها الله تعالى لي ولأمتي تمحيصا، ودرجات، ونسب العصر إلى سليمان، والمغرب إلى يعقوب، وصلاة العشاء إلى يونس، وصلاة الفجر إلى آدم فكان المعنى أن كل واحد منهم صلى الصلاة المنسوبة إليه في الوقت الذي يبده انتهى. رواه ابن عساكر بسند ضعيف. قال شيخنا في «شرح الموطأ» : صحت الأحاديث المتعددة في الصحيح وغيره أنه لم يصل أحد صلاة العشاء قبل هذه الأمة، فيمكن حمل قوله: «وقت الأنبياء» على أكثر الصلوات، وذلك ما عدا العشاء، وتبقى على ظاهرها، ويكون ذلك النبي صلاها دون أمته، كما قيل ذلك في قوله: «هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء من قبلي» . الثانية عشرة: وبالأذان. الثالثة عشرة: وبالإقامة. روى سعيد بن منصور عن أبي عمير عن أنس قال: أخبرني عمومة لي من الأنصار، قالوا: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، (كيف يجمع) [ (1) ] الناس، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فلم يعجبه ذلك، فذكر له القبع، فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر اليهود» ، فذكر له الناقوس، فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر النصارى» ، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان والإقامة في منامه انتهى. والقصة مشهورة في الصحاح وغيرها. الرابعة عشرة: وبأن مفتاح الصلاة التكبير. روى عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أبان قال: لم يعط التكبير لأحد إلا هذه الأمة. الخامسة عشرة: وبالتأمين. السادسة عشرة: وبقول: اللهم ربنا لك الحمد. السابعة عشرة: وبالصف في الصلاة كصفوف الملائكة. الثامنة عشرة: وبتحية الإسلام، وهي تحية الملائكة وأهل الجنة. التاسعة عشرة: وباستقبال الكعبة.

_ [ (1) ] في م (كيف يتجمع) .

العشرون:

العشرون: وبيوم الجمعة عيدا له ولأمته. روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين» . وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تحسدنا اليهود بشيء حسدنا بثلاث: التسليم، والتأمين، واللهم ربنا لك الحمد» . وروى ابن أبي شيبة والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الناس بثلاث، ... » الحديث وفيه «وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة» . وروى الحارث بن أبي أسامة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت ثلاث خصال: أعطيت صلاة في الصفوف، وأعطيت السلام، وهو تحية أهل الجنة، وأعطيت آمين ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم، إلا أن يكون الله، أعطاها هارون، فإن موسى كان يدعو ويؤمن هارون» . وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنهم لا يحسدوننا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين» . وروى مسلم عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أضل الله تعالى عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ونحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق» . فإن قلت: لم يبين كيفية صفوف الملائكة المشبه بها في هذا الحديث؟ فالجواب: قد بين ذلك في حديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم وأبو داود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف المتقدمة، ويتراصون في الصف» . روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا الصفوف، فإنما تصفون كما تصف الملائكة، وحاذوا المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله» .

الحادية والعشرون:

الحادية والعشرون: وبتحريم الكلام في الصلاة. روى سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرظي، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، والناس يتكلمون في حوائجهم كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة في حوائجهم، حتى نزلت هذه الآية: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة 238] . وروى ابن جرير عن ابن عباس في الآية، قال: كل أهل دين يقومون فيها أي يتكلمون، فقوموا أنتم لله مطيعين. الثانية والعشرون: وبالركوع، فيما ذكره جماعة من المفسرين في قوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة 43] أن مشروعية الركوع في الصلاة خاص بهذه الأمة، وأنه لا ركوع في صلاة بني إسرائيل، ولذا أمرهم بالركوع مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ: وقد يستدل له بما أخرجه البزار [والطبراني في الأوسط] عن علي رضي الله عنه قال: أول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر، فقلت: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: «بهذا أمرت» . ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم صلى قبل ذلك صلاة الظهر، وصلى قبل فرض الصلوات الخمس قيام الليل، وغير ذلك، فتكون الصلاة السابقة بلا ركوع قرينة لخلو صلاة الأمم السابقة منه. الثالثة والعشرون: وبصلاة الجماعة. قال العلامة ابن فرشته في «شرح المجمع» في قوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا فهو منا» : أراد بقوله: «صلاتنا» صلاة الجماعة، لأن الصلاة منفردا موجودة فيمن كان قبلنا، وجزم بذلك قبله من أئمة الشافعية أبو سعيد في «الشرف» وابن سراقة في «الأعداد» . قلت: ذكر ابن دريد أن أول من جمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من الغار في الصبح، ولم تكن قبل جماعة، إنما كانوا يصلون فرادى، نقله في الزهد. الرابعة والعشرون: وبساعة الإجابة. الخامسة والعشرون: وبصلاة الجمعة. السادسة والعشرون: وبصلاة الليل. السابعة والعشرون: وبصلاة العيدين. الثامنة والعشرون: وبصلاة الكسوفين. التاسعة والعشرون: وبصلاة الاستسقاء. الثلاثون: وبصلاة الوتر، ذكر الستة ابن سراقة في الأعداد وأبو سعيد في الشرف.

الحادية والثلاثون:

روى الحاكم وصححه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت بعيد الأضحى، جعله الله لهذه الأمة» . الحادية والثلاثون: وبقصر الصلاة في السفر. الثانية والثلاثون: وبالجمع بين الصلاتين في السفر، وفي المطر، وفي المرض في أحد القولين، واختاره الخطابي والنووي والشيخ وبه أفتى السبكي والذهبي. الثالثة والثلاثون: وبصلاة الخوف، فلم تشرع لأحد من الأمم قبلنا. الرابعة والثلاثون: وبصلاة شدة الخوف عند التحام القتال، وحيثما توجه. الخامسة والثلاثون: وبشهر رمضان، ذكره القونوي في شرح التعرف. السادسة والثلاثون: وبإباحة الأكل والشرب والجماع ليلا إلى الفجر، وكان محرما على من قبلنا بعد النوم، وكذا كان في صدر الإسلام، ثم نسخ قلت: أما اختصاص رمضان بهذه الأمة فنقله الحافظ عن الجمهور وقالوا في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة 183] إن المراد بالتشبيه مطلق الصّيام دون وقته وقدره، ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن معاذ، وابن مسعود، وغيرهما من الصحابة والتابعين. وروى ابن جرير عن عطاء في الآية قال: كتب عليهم ثلاثة أيام من كل شهر، وكان هذا صيام الناس قبل ذلك، ثم فرض الله شهر رمضان. وقال الحسن والشعبي وغيرهما: إن التشبيه على الحقيقة، فيكون صيام رمضان قد كتب على من قبلنا، واستدل ذلك بما رواه ابن أبي حاتم، عن ابن عمر مرفوعا «صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم» إسناده ضعيف، وله شاهد، أخرجه الترمذي، عن دعقل النّسّابة، وهو من المخضرمين، ولم يثبت له صحبة. وروى ابن جرير، عن السدي في الآية، قال: الذين من قبلنا هم النصارى، كتب عليهم رمضان وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد اليوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فاشتد على النصارى صيام رمضان فاجتمعوا، فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا، فلم يزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله تعالى لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر، فقال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة 187] إلى قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ

السابعة والثلاثون:

الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة 187] . السابعة والثلاثون: وبأن الشياطين تصفد فيه. الثامنة والثلاثون: وبأن الجنة تزين فيه. التاسعة والثلاثون: وبأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. الأربعون: وبأن الملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا. الحادية والأربعون: ويغفر لهم في آخر ليلة منه. روى الأصبهاني في ترغيبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة كانت قبلكم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، وتصفد مردة الجن والشياطين، فلا يصلون فيه إلى ما كانوا يصلون إليه، ويزين الله تعالى جنته في كل يوم فيقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة، ويصيروا إليك، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان» فقالوا: يا رسول الله، هي ليلة القدر قال: «لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله» . الثانية والأربعون: وبالسحور. روى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» . الثالثة والأربعون: وبتعجيل الفطر. روى أبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر، إن النصارى واليهود يؤخرون» . الرابعة والأربعون: وبتحريم الوصال في الصوم، وكان مباحا لمن قبلنا. الخامسة والأربعون: وبإباحة الكلام في الصوم، وكان محرما على من قبلنا فيه، عكس الصلاة. قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: كان من قبلنا من الأمم، صومهم الإمساك عن الكلام، مع الطعام والشراب، فكانوا في حرج، فأرخص الله لهذه الأمة بحذف نصف زمانها، ونصف صومها، وهو الإمساك عن الكلام، ورخص لها فيه. السادسة والأربعون: وبليلة القدر، ولم تكن لمن قبلنا. ذكره النووي في شرح المهذب، قال: فيه ليلة القدر مختصة بهذه الأمة، زادها الله

تعالى شرفا، لم تكن لمن قبلنا، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به أصحابنا كلهم، وجماهير العلماء، وقاله الحافظ في الفتح، وجزم بذلك ابن حبيب، وغيره من المالكيّة، ونقله صاحب «العمدة» من الشافعية عن الجمهور ورجحه، قال: وسميت ليلة القدر أي: ليلة الحكم، والفصل، وقيل: لعظم قدرها، قال: ويراها من شاء الله تعالى من بني آدم، كما تظاهرت عليه الأحاديث، وأخبار الصالحين، قال: وأما قول المهلب بن أبي صفرة الفقيه المالكي: لا يمكن رؤيتها حقيقة، فغلط. انتهى. وقال مالك في «الموطأ» : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر. روى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله وهب لأمتي ليلة القدر، ولم يعطها أحدا ممن كان قبلكم» . وروى ابن أبي حاتم عن عروة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعا من بني إسرائيل عبدوا الله تعالى ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين، فعجب الصحابة من ذلك، فأتاه جبريل، فقال: قد أنزل الله تبارك وتعالى عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خيرا من ألف شهر، هذا أفضل من ذلك، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه. وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق، عن مجاهد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل كان يقوم الليل حتى يصبح، ويجاهد القوم بالنهار حتى يمسي، فعل ذلك ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر 3] ، فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر. قلت: أشار الحافظ في الفتح إلى تضعيف قول من قال: إنها خاصة بهذه الأمة، قال: وعمدة من قال بهذا القول أثر مالك إلى السابق، وهو محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح من حديث أبي ذر عند النسائي قال: قلت يا رسول الله أتكون مع الأنبياء، فإذا ماتوا رفعت أم هي باقية إلى يوم القيامة؟ قال: بل هي باقية إلى يوم القيامة. قال شيخنا في شرح الموطأ: وهذا الحديث الذي ذكره أيضاً محتمل التأويل، وهو أن مراده هل يختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم أم ترفع بعد موته بقرينة مقابلة ذلك بقوله: أم هي باقية إلى يوم القيامة، فلا يكون فيه معارضة لأثر الموطأ. وقد ورد ما يعضده، ففي فوائد أبي طالب المكي من حديث أنس رضي الله عنه «أن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم» .

السابعة والأربعون:

السابعة والأربعون: وبيوم عرفة، ذكره القونوي في «شرح التعرف» ، ويجعل يوم عرفة كفارة سنتين، لأنه سنته صلى الله عليه وسلم. الثامنة والأربعون: ويجعل يوم عاشوراء كفارة سنة، لأنه سنة موسى عليه السلام. روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: «يكفر السنة الماضية» ، وسئل عن صوم يوم عرفة، فقال: «يكفر السنة الماضية والسنة الآتية» . التاسعة والأربعون: وبغسل الأيدي قبل الطعام [لأنها] سنة، لأنه شرع التوراة وبعده، لأنه شرعه، رواه الحاكم في تاريخه عن عائشة مرفوعا، وروى في مستدركه عن سلمان رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قرأت في التوراة بركة الطعام قبله، فقال: «بركة الطعام الوضوء قبله وبعده» . المراد بالوضوء هنا غسل اليد. الخمسون: وبالاغتسال من العين وبأنه يدفع ضررها. الحادية والخمسون: وبالاسترجاع عند المصيبة، روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتي شيئا لم يعطهن أحد من الأمم، أن يقولوا عند المصيبة: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» . وروى عبد الرزاق وابن جرير في تفسيرهما عن سعيد بن جبير قال: «لم يعط أحد الاسترجاع غير هذه الأمة، إلا تسمعون إلى قول يعقوب عليه الصلاة والسلام: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف 84] . روى البيهقي عن وهب بن منبه أن الله تعالى قال: يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلهم، فذكر الحديث، إلى أن قال: وأعطيتهم في المصائب وفي البلايا إذا صبروا قالوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. الثانية والخمسون: وبالحوقلة. روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما فرغت من أمر السماء ... » الحديث، وفيه: قال الله تعالى: «وأنزلت إليك كلمة من كنوز عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله» . الثالثة والخمسون: وباللحد، ولأهل الكتاب الشق. وروى الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا، والشق لغيرنا» .

الرابعة والخمسون:

وروى الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب» . الرابعة والخمسون: وبالنحر ولهم الذبح فيما قاله مجاهد وعكرمة، رواه ابن أبي حاتم وابن المنذر رضي الله عنهما قلت: ما رواه وكيع، وابن أبي حاتم في تفسيرهما، عن عطاء رضي الله عنه قال: الذبح والنحر في البقر سواء، لأن الله تعالى يقول: فَذَبَحُوها [البقرة 71] وقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر 2] . الخامسة والخمسون: وبفرق الشعر، ولهم السّدل. روى الستة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ثم فرق بعد. السادسة والخمسون: وبصبغ الأحمر والأصفر، وكانوا لا يغيرون الشيب. روى الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم وغيروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود» . وروى الأربعة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما غيرتم به الشيب، الحناء والكتم» . السابعة والخمسون: وبتوفير العثانين. الثامنة والخمسون: وبتقصير السبال فكانوا يقصرون سبالهم، ويوفرون عثانيهم. العثانين: جمع عثنون وهي اللحية. وروى البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا المجوس، جزوا الشوارب واعفوا اللحى» . وروى مالك والشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب» . وروى ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه قال: جاء رجل من المجوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا؟» قال: في ديننا، قال: «لكن في ديننا أن تحفي الشوارب، وأن تبقي اللحى» . التاسعة والخمسون: وبالعق عن الذكر والأنثى، وكانوا يعقون عن الذكر دون الأنثى. الستون: وبترك القيام للجنازة. الحادية والستون: وبتعجيل المغرب.

الثانية والستون:

الثانية والستون: وبتعجيل الفطر. الثالثة والستون: وبكراهة اشتمال الصماء. الرابعة والستون: وبكراهة صوم يوم الجمعة منفردا، وكانت اليهود يصومون يوم عيدهم منفردا. الخامسة والستون: وبضم تاسوعاء إلى عاشوراء في الصوم. السادسة والستون: وبالسجود على الجبهة، وكانوا يسجدون على حرف. السابعة والستون: وبكراهة التميل في الصلاة وكانوا يميلون. الثامنة والستون: وبكراهة تغميض البصر في الصلاة. التاسعة والستون: وبكراهة الاحتضار. السبعون: وبكراهة القيام بعد الصلاة للدعاء. الحادية والسبعون: وبكراهة قراءة الإمام فيها في المصحف. الثانية والسبعون: وبكراهة التعلق في الصلاة بالحبال. الثالثة والسبعون: ويندب الأكل يوم عيد رمضان قبل الصلاة، وكان أهل الكتاب لا يأكلون يوم عيدهم حتى يصلوا. الرابعة والسبعون: وبالصلاة في النعال والخفاف. روى سعيد بن منصور عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود» ، ورواه أبو داود والبيهقي بلفظ: «خالفوا اليهود، فأنهم لا يصلون في خفافهم، ولا نعالهم» . الخامسة والسبعون: وبكراهة الصلاة في المحراب، وكان لمن قبلنا، كما قال تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ [آل عمران 39] . روى ابن أبي شيبة في المصنف، عن موسى الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى» . وروى أيضاً عن عبيد بن أبي الجعد رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد، يعني الطاقات. وروى أيضاً عن ابن مسعود قال: اتقوا هذه المحاريب. وروى أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه كره الصلاة في الطاق.

السادسة والسبعون:

وروى الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمر مرفوعا «اتقوا هذه المذابح» ، يعني المحاريب. فإن أول ما حدثت المحاريب في زمن عمر بن عبد العزيز ذكره الواقدي عن محمد بن هلال. السادسة والسبعون: وبكراهة مجاوبة الإمام إذا قرأ. روى أبو الشيخ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كانت بنو إسرائيل إذا قرأت أئمتهم، جاوبوهم، فكره الله ذلك لهذه الأمة، فقال تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف 204] . السابعة والسبعون: وبكراهة أن يعتمد الرجل وهو جالس يده اليسرى في الصلاة، وهي صلاة اليهود، رواه الحاكم. الثامنة والسبعون: وبأنه أذن لنسائنا في المسجد، ومنعت نساء بني إسرائيل. التاسعة والسبعون: وبأنه لا يجوز فسخ حكم حاكم إذا رفعه الخصم إلى آخر يرى خلافه، وكان ذلك في شرعها. الثمانون: وبالعذبة في العمامة. روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالعمائم، وأرخوها خلف ظهوركم، فإنها سيماء الملائكة» . الحادية والثمانون: وبالائتزار في الأواسط، تقدم في باب ذكره في التوراة، والإنجيل وصف هذه الأمة بذلك، ولفظه: «ويأتزرون على أوساطهم» . وروى الديلمي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ائتزروا كما رأيت الملائكة تأتزر عند ربها إلى أنصاف سوقها» . الثانية والثمانون: وبكراهة السدل. الثالثة والثمانون: وبكراهة الطيلسان المقور. الرابعة والثمانون: وشد الوسط على القميص. الخامسة والثمانون: وبكراهة القزع. السادسة والثمانون: وبالأشهر الهلالية. السابعة والثمانون: وبأن أمته خير الأمم، قال الله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران 110] .

الثامنة والثمانون:

روى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، والحاكم، عن معاوية بن صيدة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الآية: «إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله» . الثامنة والثمانون: وبأنها مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره. قال التوربشتي: لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة. وقال البيضاوي: نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية، وأراد به نفي التفاوت كما قال تعالى: [قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [يونس 18] أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم لأنه أمر لا يخفى ولكن لا يعلم] لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية، وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشو، والنماء، لا يمكنك إنكارها، والحكم بعدم نفعها، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات، وتلقوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنوا بالغيب، لما تواتر عندهم من الآيات، واتبعوا من قبلهم بالإحسان، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل ذنبهم مغفور، وسعيهم مشكور، وأجرهم موفور. وقال الطيبي: وتمثيل الأمة بالمطر، إنما يكون بالهدى والعلم كما أن تمثيله صلى الله عليه وسلم الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر، بالعلماء الكاملين منهم المكملين لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع، فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية، ولو ذهب إلى الخيرية، فالمراد وصف الأمة قاطبة، سابقها ولاحقها، وأولها وآخرها، [بالخير وأنها ملتحمة بعضها مع بعض مرصوصة بالبنيان] كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها تريد المكملة، ويلمح إلى هذا المعنى قول الشاعر: إن الخيار من القبائل واحد ... وبنو حنيفة كلهم أخيار فالحاصل أن الأمة بأسرها مرتبطة بعضها مع بعض في الخيرية، بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها، وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره، وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة: تشابه يوماه علينا فأشكلا ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل

التاسعة والثمانون:

يوما بداء العمر أم يوم يأسه ... وما منهما إلا أغر محجل ومن المعلوم علما جليا أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه، لكن البدء لما لم يكن يكمل ويستتب إلا باليأس، أشكل عليه الأمر، فقال ما قال، وكذلك أمر المطر والأمة، انتهى. التاسعة والثمانون: وبأنها آخر الأمم، ففضحت الأمم عندهم، ولم يفضحوا. التسعون: وبأن الله تعالى اشتق لهم اسمان من أسمائه. الحادية والتسعون: وبأنه تعالى سمى دينه الإسلام، ولم يوصف بهذا الوصف إلا الأنبياء، قال سبحانه وتعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج 78] . روى إسحاق بن راهويه، وابن أبي شيبة في المصنف، عن مكحول قال: كان لعمر على رجل من اليهود حق، فأتاه يطلبه، فقال عمر: لا والذي اصطفى محمدا على البشر لا أفارقك فقال اليهودي: والله ما اصطفى الله محمدا على البشر، فلطمه عمر فأتى اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «أما أنت يا عمر، فأرضه من لطمته، بل يا يهودي، آدم صفي الله، وإبراهيم خليل الله، وموسى نجي الله، وعيسى روح الله، وأنا حبيب الله، بل يا يهودي تسمى الله باسمين، سمى بهما أمتي، هو السلام، وسمى بها أمتي المسلمين، وهو المؤمن، وسمى بها أمتي المؤمنين، بل يا يهودي، طلبتم يوما دخر لنا اليوم، ولكم غد، وبعد غد للنصارى، بل يا يهودي، أنتم الأولون، ونحن السابقون يوم القيامة، بل إنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتى أدخلها وهي محرمة على الأمم حتى تدخلها أمتي» . وروي عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: تسموا بأسمائكم التي سماكم الله تعالى بها بالحنفية، والإسلام، والإيمان. انتهى. الثانية والتسعون: وبإباحة الكنز إذا أدوا زكاته. الثالثة والتسعون: وبأنه أحل لهم كثيرا مما شدد على من قبلهم. الرابعة والتسعون: وبأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج، قال الله سبحانه وتعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج 78] وقال عز وجل: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة 185] . روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فلم يرفع، حتى ظننا أن نفسه قد قبضت فيها، فلما رفع قال: «إن ربي استشارني في أمتي» الحديث، وفيه «وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، فلم أجد لي شكرا إلا هذه السجدة» .

الخامسة والتسعون:

وروى الفريابي، عن كعب رضي الله عنه قال: أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال، لم يعطهن إلا الأنبياء، كان النبي يقال له: بلغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك، وادع أجبك، وقال لهذه الأمة: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج 78] وقال: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة 143] وقال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر 60] . الخامسة والتسعون: وبإباحة أكل الإبل. السادسة والتسعون: والنعام. السابعة والتسعون: وحمار الوحش. الثامنة والتسعون: والأوز. التاسعة والتسعون: والبط. المائة: وجميع السمك الذي لا قشر عليه. الحادية بعد المائة: والشحوم. الثانية بعد المائة: والدم الذي ليس بمسفوح، كالكبد، والطحال، والعروق. الثالثة بعد المائة: وبرفع المؤاخذة عنهم بالخطأ، والنسيان. الرابعة بعد المائة: وما استكرهوا عليه. الخامسة بعد المائة: والإصر الذي كان على الأمم قبلهم. السادسة بعد المائة: وحديث النفس، قال الله تعالى: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا [البقرة 286] وقال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف 157] . روى الفريابي في تفسيره عن محمد بن كعب رضي الله عنه قال: ما بعث من نبي، ولا أرسل من رسول، أنزل عليهم الكتاب، إلا أنزل الله عليه هذه الآية: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة 284] فكانت الأمم تأتي على أنبيائها، ورسلها، ويقولون: نؤاخذ بما تحدث به أنفسنا، ولم تعمل جوارحنا، فيكفرون، ويضلون، فلما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم قبلهم، فقالوا: يا رسول الله أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمل جوارحنا؟ قال: «نعم، فاسمعوا، وأطيعوا، واطلبوا إلى ربكم» ، فذلك قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة 285] الآية، فوضع الله عنهم حديث النفس، إلا ما عملت الجوارح. وروى مسلم، والترمذي عنه نحوه، بدون ذكر الأنبياء والأمم.

السابعة بعد المائة:

وروى الإمام أحمد، وابن حبان والحاكم وابن ماجة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . وروى سفيان بن عيينة، والستة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» . الإصر: الثقل والمشقة، لأنه يأصر صاحبه أي يحبسه عن الحس لثقله. السابعة بعد المائة: وبأن من هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب سيئة، بل تكتب حسنة، فإن عملها كتبت سيئة. الثامنة بعد المائة: ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، فإن عملها كتبت عشرا إلى سبعمائة ضعف. روى البيهقي، عن وهب بن منبه قال: أن الله تعالى لما قرب موسى نجيا قال: يا رب إني أجد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها وكان من قبلهم يقرأون كتبهم نظرا ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر يقاتلون رؤوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم، وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها نارا فأكلتها فإن لم تقبل لهم تأكلها النار فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: يا رب، إني أجد في التوراة أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، وإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد. التاسعة بعد المائة: وبوضع قتل النفس عنهم في التوبة، قال الله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ [البقرة 54] الآية. روى ابن أبي حاتم، عن علي رضي الله عنه في قصة الذين عبدوا العجل، قالوا لموسى: ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين، فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وأمه، لا يبالي من قتل، حتى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم، وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي. وروى ابن أبي حاتم، عن الفضيل في قوله تعالى: وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً [البقرة 286] قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب، قيل له: توبتك أن تقتل نفسك، فيقتل نفسه، فوضعت الآصار عن هذه الأمة.

العاشرة بعد المائة:

وروى عبد بن حميد، عن قتادة في الآية قال: أمر القوم بشديدة من البلاء، فقاموا يتشاجرون بالشفار، ويقتل بعضهم بعضا، حتى بلغ الله نعمته فيهم وعقوبته، فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم، وأمسك عنهم القتل، فجعله الله تعالى للحي منهم توبة، وللمقتول شهادة. انتهى. العاشرة بعد المائة: وبوضع فقء العين عنهم من النظر إلى ما لا يحلّ. الحادية عشر بعد المائة: وبوضع قرض موضع النجاسة. روى الحاكم وصححه، عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أن بني إسرائيل كان إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض، وروى ابن أبي شيبة، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، عن عبد الرحمن بن حسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم رجل منهم فعذب في قبره» . وروى ابن أبي شيبة في المصنف، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي امرأة من اليهود، فقالت: إن عذاب القبر من البول، فقلت: كذبت. قالت: بلى، إنه ليقرض منه الجلد والثوب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقت» . الثانية عشر بعد المائة: وبوضع ربع المال في الزكاة. الثالثة عشر بعد المائة: ونسخ عنهم تحريم الأولاد. الرابعة عشر بعد المائة: ونسخ عنهم التحصر. الخامسة عشر بعد المائة: ونسخ عنهم الرهبانية. السادسة عشر بعد المائة: (والسياحة) [ (1) ] . روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل نبي رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» . وروى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، فقال: «سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» . وروى ابن المبارك، عن عمارة بن عزية أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله، والتكبير على كل شرف» . وروى ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام.

_ [ (1) ] في ح والمساجد.

السابعة عشر بعد المائة:

السابعة عشر بعد المائة: وبأنه ليس من ديننا ترك النساء. الثامنة عشر بعد المائة: ولا اللحم. التاسعة عشر بعد المائة: ولا اتخاذ الصوامع. العشرون بعد المائة: وبإباحة الشغل يوم الجمعة، وكان من عمل من اليهود شغلا يوم السبت يصلب. الحادية والعشرون بعد المائة: وبإباحة الأكل بغير وضوء كوضوء الصلاة. الثانية والعشرون بعد المائة: وبوضع الاسترقاق في السرقة، وكان كل من سرق منهم استرق عبدا، قال الله سبحانه وتعالى: قالُوا فَما جَزاؤُهُ [يوسف 74] أي السارق إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ [يوسف 74] في قولكم: ما كُنَّا سارِقِينَ [يوسف 73] ووُجِدَ فيكم [يوسف 75] قالُوا: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ يسترق فَهُوَ أي استرقاق السارق جَزاؤُهُ، أي المسروق لا غير، وكانت سنة آل يعقوب عليه السلام. الثالثة والعشرون بعد المائة: وبوضع تحريم دخول الجنة على من قتل نفسه، قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارا [النساء 29، 30] . الرابعة والعشرون بعد المائة: وباشتراط الملك إذا تملك عليهم وأنهم رقيقه. الخامسة والعشرون بعد المائة: وبوضع اشتراط أموالهم له، ما شاء أخذ وما شاء ترك. السادسة والعشرون بعد المائة: وبأنه شرع نكاح أربع. السابعة والعشرون بعد المائة: وبالطلاق الثلاث. الثامنة والعشرون بعد المائة: وبأنه رخص لهم نكاح الأمة. التاسعة والعشرون بعد المائة: وبالنكاح في غير ملتهم. روى ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: إنه مما وسع على هذه الأمة نكاح الأمة والنصرانية. الثلاثون بعد المائة: وبمخالطة الحائض سوى الوطء. روى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة 222] الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصيبوا كل

الحادية والثلاثون بعد المائة:

شيء إلا النكاح» ، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا به. وفي كتب التفسير: كانت النصارى يجامعون الحيض، ولا يبالون بالحيض، وكانت اليهود يعتزلونهن في كل شيء، فأمر الله بالقصد بين الأمرين. انتهى. الحادية والثلاثون بعد المائة: وبإتيان المرأة على أي هيئة شاءوا، روى أبو داود والحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، كانوا يرون أن لهم فضلا على غيرهم من العلم، فأنزل الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة 223] ، مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات. وروى ابن أبي شيبة، عن قرة الهمداني قال: كان اليهود يكرهون الإبراك، فأنزل الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة 223] الآية، فرخص للمسلمين أن يأتوا النساء في الفروج كيف شاءوا وأنّى شاءوا، من بين أيديهن أو من خلفهن. الثانية والثلاثون بعد المائة: وبأنه شرع التخيير بين القصاص والدية. روى البخاري، وابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية في نفس أو جرح، وذلك قوله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة 45] ، فقال الله تعالى لهذه الأمة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ [البقرة 178] فالعفو أن يقبل الدية في العمد ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة 178] مما كان على من كان قبلكم. روى ابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه قال: كان أهل التوراة، إنما هو القصاص أو العفو ليس بينهما أرش، وكان على أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به، وجعل الله تعالى لهذه الأمة القتل، والعفو، والدّية، إن شاءوا أحلها لهم، ولم تكن لأمة قبلهم. الثالثة والثلاثون بعد المائة: وبأنه شرع دفع الصائل، وكانت بنو إسرائيل كتب عليهم أن الرجل إذا بسط يده إلى الرجل لا يمتنع منه حتى يقتله أو يدعه، قاله مجاهد، وابن جريج. الرابعة والثلاثون بعد المائة: وبأنه حرم عليهم كشف العورة. الخامسة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم النوح على الميت. السادسة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم التصوير. السابعة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم شرب المسكر.

الثامنة والثلاثون بعد المائة:

الثامنة والثلاثون بعد المائة: وآلات الملاهي. التاسعة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم نكاح الأخت. الأربعون بعد المائة: وبتحريم أواني الذهب والفضة. الحادية والأربعون بعد المائة: وبتحريم الحرير. الثانية والأربعون بعد المائة: وحلي الذهب على رجالهم. الثالثة والأربعون بعد المائة: وبتحريم السجود لغير الله، وكانت تحية من قبلنا، فأعطينا مكانه السلام. الرابعة والأربعون بعد المائة: وبأنهم عصموا من الاجتماع على ضلالة ونشأ من ذلك أن إجماعهم حجة. الخامسة والأربعون بعد المائة: وبأنهم لا تعمهم سنة عامة. السادسة والأربعون بعد المائة: ولا يستأصلهم عدو. روى الشيخان، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ظاهرين» . وروى أيضا عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من حالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» . وروى الحاكم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبدا» . وروى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي بصرة الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين، كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» . وروى الدارمي، وابن عساكر، عن عمرو بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث: لا يعمهم بسنة، ولا يستأصلهم عدو، ولا يجمعهم على ضلالة» . وروى مسلم، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك سيبلغ ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم فأعطاني» .

السابعة والأربعون بعد المائة:

وروى ابن أبي شيبة، عن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردت علي» . السابعة والأربعون بعد المائة: وعصموا من أن يظهر أهل الباطل على الحق. روي عن معاوية قال: ما اختلفت أمة قط إلا غلب أهل باطلها على أهل حقها إلا هذه الأمة. الثامنة والأربعون بعد المائة: واختلافهم رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا. روى الشيخ نصر المقدسي في كتاب «الحجة» [....] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختلاف أمتي رحمة» . وروى الخطيب في رواة مالك عن إسماعيل بن أبي المجالد قال: قال هارون الرشيد لمالك بن أنس: با أبا عبد الله تكتب هذه الكتب، وتفرقها في آفاق الإسلام فتحمل عليها الأمة قال: يا أمير المؤمنين، إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكل على هدى، وكل يريد الله. التاسعة والأربعون بعد المائة: وعصموا من أن يدعو عليهم نبيهم بدعوة فيهلكوا. التاسعة والأربعون بعد المائة: وبأن الطاعون شهادة لهم ورحمة، وكان على الأمم [قبلنا] عذابا. روى الشيخان، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم» . وروى البخاري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني «أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، وليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له من الأجر مثل أجر شهيد» . الخمسون بعد المائة: وبأن ما دعوا به استجيب لهم. روى الحكيم الترمذي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت هذه الأمة ما لم يعط أحد» ، قوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر 60] وإنما كان يقال هذا للأنبياء، وقوله تعالى: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج 78] ، وإنما كان يقال هذا للأنبياء، وقوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة 143] ، وإنما كان يقال هذا للنبي: أنت شهيد على

الحادية والخمسون بعد المائة:

قومك، قال الترمذي: كان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الآية ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر 60] ، أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، وليس بينهما شرط، قال الترمذي: وإنما كانت هذه للأنبياء. وروى ابن أبي الدنيا في الذكر، عن سفيان بن عيينة قال: قال الله تعالى: «وأعطيتكم ما لو أعطيته جبريل ومكائيل كنت أجزلت لهما أو كلمة نحوها ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» . الحادية والخمسون بعد المائة: وبأنهم يؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر. الثانية والخمسون بعد المائة: ويحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبدا. الثالثة والخمسون بعد المائة: ويغفر لهم الذنب بالوضوء، وتبقى الصلاة نافلة. الرابعة والخمسون بعد المائة: ويأكلون صدقاتهم في بطونهم، ويثابون عليها. الخامسة والخمسون بعد المائة: ويعجل لهم ثوابهم في الدنيا مع ادخاره في الآخرة. السادسة والخمسون بعد المائة: وبأن الجبال والأشجار تتباشر بممرهم عليها بتسبيحهم وتقديسهم. السابعة والخمسون بعد المائة: وبأن أبواب السماء تفتح لأعمالهم وأرواحهم. الثامنة والخمسون بعد المائة: وبأن الملائكة تتباشر بهم. التاسعة والخمسون بعد المائة: وبأن الله وملائكته يصلون عليهم. الستون بعد المائة: وبأن الله تعالى هو الذي يصلي عليهم وملائكته، كما صلى على الأنبياء عن سفيان بن عيينة أكرم الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم فصلى عليهم كما صلى على الأنبياء. الواحد والستون بعد المائة: وبأنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله. الثاني والستون بعد المائة: وبأن المائدة توضع بين أيديهم، فما يرفعونها حتى يغفر لهم. الثالث والستون بعد المائة: ويلبس أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر له. الرابع والستون بعد المائة: وبأن صديقهم أفضل الصديقين. الخامس والستون بعد المائة: وبأنهم علماؤهم وحكماؤهم كادوا بعلمهم أن يكونوا كلّهم أنبياء. السادسة والستون بعد المائة: وبأنهم لا يخافون في الله [ (1) ] لومة لائم. السابعة والستون بعد المائة: وبأنهم أذلة على المؤمنين، وأعزة على الكافرين.

_ [ (1) ] سقط في ح.

الثامنة والستون بعد المائة:

الثامنة والستون بعد المائة: وبأن (قربانهم) [ (1) ] صلاتهم. التاسعة والستون بعد المائة: وبأن قربانهم دماؤهم. السبعون بعد المائة: وبأن يستر على من لم يتقبل عمله منهم، وكان بعضهم يفتضح إذا لم تأكل النار قربانه. الحادية والسبعون بعد المائة: وبأنه تغفر لهم الذنوب بالاستغفار. الثانية والسبعون بعد المائة: وبأنه إذا أخطأ أحدهم لم يحرم عليه طيب من الطعام. الثالثة والسبعون بعد المائة: ولا تصبح خطيئته مكتوبة على باب داره، كما كان ذلك في بني إسرائيل. روى ابن المنذر في «تفسيره» والبيهقي [في الشعب] عن ابن مسعود أنه ذكر عنده بنو إسرائيل، وما فضلهم الله تعالى به، فقال: كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا، أصبح وقد كتب كفارته على أسكفة بابه، وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه، تستغفرون الله فيغفر لكم، والذي نفسي بيده، لقد أعطانا الله آية لهي أحب إلي من الدنيا وما فيها وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً [آل عمران 135] الآية. روى ابن جرير عن أبي العالية قال: قال رجل يا رسول الله: لو كانت كفاراتنا ككفارات بني إسرائيل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أعطاكم الله خيرا، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزيا في الآخرة، وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك، قال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ [النساء 110] الآية، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن» . الرابعة والسبعون بعد المائة: وبأن الندم هو توبة، روى الإمام أحمد، والحاكم عن ابن مسعود مرفوعا «الندم توبة» قال بعضهم: كون الندم توبة من خصائص هذه الأمة. الخامسة والسبعون بعد المائة: وبأنه إذا شهد اثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة، وكانت الأمم السابقة إذا شهد منهم مائة. روى أبو يعلى، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأمم السالفة المائة أمة إذا شهدوا لعبد بخير وجبت له الجنة، وإن أمتي، الخمسون منهم أمة فإذا شهدوا لعبد بخير وجبت له الجنة» .

_ [ (1) ] في ح قرهم.

السابعة والسبعون بعد المائة:

وروى البخاري، والترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة» ، فقلنا: وثلاثة؟ قال: «وثلاثة» ، فقلنا واثنان؟ قال: «واثنان» ، ثم لم نسأله عن الواحد» . السادسة والسبعون بعد المائة: وبأنهم أقل الأمم عملا، وأكثر منهم أجرا، وأقصر أعمارا. السابعة والسبعون بعد المائة: وقد كان الرجل من الأمم السابقة أعبد منهم بثلاثين ضعفا، وهم خير منهم بثلاثين ضعفا. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، (ثم) أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا: أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا، قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: «فهو فضلي أوتيه من أشاء» . الثامنة والسبعون بعد المائة: وبأن معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر، وثوابنا أكثر من سائر الأمم، قاله السبكي فقيد الكلام بقول الإمام الرّازي: من كان معجزته من الأنبياء أظهر يكون ثواب قومه أقل. قال السبكي: يعني بالنسبة إلى التصديق، لوضوحه وظهور أسبابه وقلة التعب والفكر فيه. التاسعة والسبعون بعد المائة: أوتوا العلم الأول والآخر. الثمانون بعد المائة: وبأنهم فتح عليهم خزائن كل شيء (حتى) العلم. الحادية والثمانون بعد المائة: وبأنهم أوتوا الإسناد. الثانية والثمانون بعد المائة: والأنساب. الثالثة والثمانون بعد المائة: والإعراب، قاله أبو علي الجبائي. الرابعة والثمانون بعد المائة: وبأنهم أعطوا التصرف في التصنيف والتحقيق ولم يكن قط في الأمم من انتهى إلى حد هذه الأمة ولا جاراها في مداها من التفريع والتدقيق، قاله القاضي أبو بكر بن العربي.

الخامسة والثمانون بعد المائة:

الخامسة والثمانون بعد المائة: وبأن الواحد منهم يحصل له في العمر القصير من العلوم والفهوم ما لم يحصل لأحد من الأمم السالفة في العمر الطويل. ولهذا نهل المجتهدون من هذه الأمة من العلوم والاستنباطات، والمعارف ما تقصر عنه أعمارهم، قاله القرافي في «شرح المحصول» . السادسة والثمانون بعد المائة: وبأنه الله تعالى أعطاهم شيئا من الحفظ لم يعطه أحدا من الأمم قبلهم، قاله قتادة. السابعة والثمانون بعد المائة: وبأنه لا تزال طائفة منهم على الحق حتى يأتي أمر الله. روى الشيخان، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال ناس من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ظاهرون. الثامنة والثمانون بعد المائة: وبأنه لا تخلو الأرض من مجتهد فيهم، قائم لله بالحجة حتى يتداعى الزمان بتزلزل القواعد وتأتي أشراط الساعة الكبرى. التاسعة والثمانون بعد المائة: وبأن الله تعالى يبعث لهم على رأس كل مائة سنة من يجدد لهم أمور دينهم حتى يكون في آخر الزمان عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم انتهى. التسعون بعد المائة: وبأن فيهم من يشبه جبريل وميكائيل، وإبراهيم، ونوحا. روى الطبراني بسند حسن عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب جبريل وميكائيل ونبيان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب وذكر إبراهيم ونوحا ولي صاحبان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب وذكر أبا بكر وعمر» . الحادية والتسعون بعد المائة: وبأن فيهم أقطابا وأوتادا ونجباء، وأبدالا رضي الله عنهم عد هذه الأربعة الأخيرة علاء الدين القونوي أحد أئمة الشافعية في كتابه التلطف في شرح التعرف في التصوف للإمام الكلاباذي رحمهما الله تعالى. روى أبو نعيم، وابن عساكر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله في الخلق ثلاثمائة، قلوبهم على قلب آدم صفي الله ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل صلى الله عليه وسلم فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة،

وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة، فيهم يحيي ويميت، ويمطر وينيب، ويدفع البلاء» . قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كيف بهم يحيي ويميت؟ فقال: لأنهم يسألون الله تعالى إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون المطر فتنبت لهم الأرض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء. قال الإمام أبو عبد الله اليافعي في كتابه «كفاية المعتقد، ونكاية المنتقد» بعد أن أورد الحديث قال بعضهم: لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا على قلبه؟ لأنه لم يخلق الله سبحانه وتعالى في عالم الخلق والأمر أعز وألطف وأشرف من قلبه صلى الله عليه وسلم، وقلوب الملائكة والأنبياء والأولياء صلى الله عليهم وسلم بالإضافة إلى قلبه كإضافة سائر الكواكب إلى كمال الشمس لمنعهن انتهى. وروى عن الشعبي رضي الله عنه قال: شبه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أمته، فقال: «دحية يشبه جبريل، وعروة بن مسعود يشبه عيسى ابن مريم، وعبد العزى يشبه الدجال» . وروى الطبراني بسند ضعيف، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى (شبيه) [ (1) ] عيسى ابن مريم خلقا وخلقا، فلينظر إلى أبي ذر» . وروى الحاكم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه، فقلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: «بمن تشبهينه؟» قلت: بدحية، قال: «لقد رأيت جبريل» . وروى الطبراني بسند حسن، عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في السماء ملكين، أحدهما يأمر بالشدة، والآخر يأمر باللين، وكل مصيب» ، وذكر جبريل وميكائيل، ونبيان، أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة وكل مصيب» ، وذكر إبراهيم ونوحا، «ولي صاحبان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين، وكل مصيب» ، وذكر أبا بكر وعمر. وروى أيضاً بسند حسنه الحافظ أبو الحسن الهيثمي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن فيهم تسقون، وبهم تنصرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر» . قال قتادة: ولسنا نشك أن الحسن منهم. وروى الإمام أحمد بسند رجاله ثقات، عن عبادة بن الصامت قال: الأبدال في هذه

_ [ (1) ] سقط في ح.

الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا. قال أبو الزناد: لما ذهبت النبوة وكانوا أوتاد الأرض، أخلف الله مكانهم أربعين رجلا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الأبدال، لا يموت رجل منهم، حتى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه وهم أوتاد الأرض. وروى الإمام أحمد، والحكيم الترمذي، والخلال، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد، وقد وثقه العجلي، وأبو ذرعة عن عبد الواحد بن قيس عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا» . وله طريق آخر نحوه رواه الطبراني. وروى الإمام أحمد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب» ، رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد، وهو ثقة، ورواه ابن عساكر من طريق آخر عن شريح وعلي فإنه لم يبلغه، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء من طريق آخر وزاد قلت: يا رسول الله، صفهم لي، قال: «ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين ولا بالمتعمقين، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بسخاء الأنفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم» . وروى الحاكم وصححه، وأقره الذهبي وابن عساكر، عن علي رضي الله عنه قال: لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم الأبدال، وسبوا ظلمتهم. وروى الحكيم الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه قال: الأبدال بالشام، وهم ثلاثون رجلا على منهاج إبراهيم، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، والعصائب بالعراق أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، عشرون على اجتهاد عيسى ابن مريم، وعشرون منهم قد أوتوا من مزامير داود. وروى ابن عساكر، عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: خطبنا علي رضي الله عنه فذكر الخوارج (فقام رجل فلعن) [ (1) ] أهل الشام فقال: ويحك لا تعمم، فإن فيهم الأبدال ومنهم العصائب. وروى عنه، عن علي قال: الأبدال بالشام والنجباء بالكوفة. وروى الخلال، عن سعيد بن أبي الهلال، عن علي رضي الله عنه قال: قبة الإسلام

_ [ (1) ] في د (فغالهم رجل من) .

بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام. وروي أيضاً عن سعيد بن أبي الوليد الهجري، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: ألا إن الأوتاد من أبناء الكوفة، ومن أهل الشام الأبدال. وروى أيضا عن علي رضي الله عنه قال: النجباء بمصر، والأبدال بالشام. وروي أيضا عنه قال: الأبدال من أهل الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق. وروى الحافظ أبو محمد الخلال في الكرامات، عن حبيب بن أبي عثمان، عن رجل، عن علي رضي الله عنه قال: إن الله يدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيها. وروى الحكيم الترمذي، وابن عدي، وابن شاهين، والخلال عن محمد بن زهير بن الفضل عن عمرو بن يحيى بن نافع ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البدلاء أربعون رجلا، اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق، كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر» . وروى الخلال، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة» . وروى الحافظ بن لال في «مكارم الأخلاق» ، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم، ولكن دخلوها بسلامة صدورهم، وسخاوة أنفسهم» ، زاد ابن عدي، والخلال «والنصح للمسلمين» . وروى الحافظ تمام بن محمد الرازي، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما دعامة أمتي عصب اليمن، وأبدال الشام» ... الحديث. وروى الإمام أحمد في الزهد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض. وروى الطبراني، وأبو نعيم، وتمام، وابن عساكر، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، وأبدال أمتي أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه من الخمسمائة وأدخل من الأربعين مكانه» قالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمالهم، قال: «يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله» .

وروى أبو داود، والإمام أحمد، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو يعلى، والحاكم، عن أبي الجليل صالح، عن صاحب له، عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب العراق» الحديث. وله طرق، سمى في بعضها المبهم مجاهد، وفي بعضها عبد الله بن الحارث. وروى ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر، يدفع الله بهم عن أهل الأرض وتخرج بركتها إلا زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فإنه كان وحده. ورواه الخلال عن زاذان، والإمام أحمد في الزهد، عن كعب بدون قوله «إلا زمن إبراهيم» . وروى ابن عساكر، عن أبي سليمان الداراني قال: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب باليمن، والأخيار بالعراق. وروى الخطيب، وابن عساكر، عن الكناني قال: النقباء ثلاثمائة والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل إليها النقباء، ثم النجباء، ثم الأبدال، ثم الأخيار، ثم العمد، فإن أجيبوا، وإلا ابتهل الغوث، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته. قال الإمام اليافعي في كتاب «كفاية المعتقد، ونكاية المنتقد» : قال بعض العارفين: الصالحون كثير، مخالطون للعوام لصلاح الناس في دينهم ودنياهم، والنجباء في العدد أقل منهم، والنقباء في العدد أقل منهم وهم مخالطون للخواص، والأبدال في العدد أقل منهم وهم نازلون في الأمصار العظام، لا يكون من المصر منهم إلا واحد بعد الواحد، فطوبى لأهل بلدة كان فيهم اثنان منهم، والأوتاد واحد في اليمن، وواحد بالشام، وواحد في المغرب، وواحد في المشرق، والله سبحانه وتعالى يدير القطب في الآفاق الأربعة من أركان الدنيا كدوران الفلك في أفق السماء، وقد سترت أحوال القطب، وهو الغوث عن العامة والخاصة غيرة من الحق عليه، غير أنه يرى عالما كجاهل أبله كفطن تاركا آخذا قريبا بعيدا سهلا عسيرا أمنا حذرا وكشف أحوال الأوتاد للخاصة، وكشف أحوال البدلاء للخاصة والعارفين، وسترت أحوال النجباء والنقباء عن العامة خاصة، وكشف بعضهم لبعض، وكشف حال الصالحين للعموم والخصوص ليقضي الله أمرا كان مفعولا وعدة النجباء ثلاثمائة، والنقباء أربعون، والبدلاء قيل

ثلاثون، وقيل أربعة عشر، وقيل سبعة وهو الصحيح، والأوتاد أربعة فإذا مات القطب جعل مكانه خيار الأربعة، وإذا مات أحد الأربعة جعل مكانه خيار السبعة، وإذا مات أحد السبعة جعل مكانه خيار الأربعين، وإذا مات أحد الأربعين جعل مكانه خيار الثلاثمائة، وإذا مات أحد الثلاثمائة جعل مكانه خيار الصالحين، وإذا أراد الله تعالى أن يقيم الساعة أماتهم الله تعالى أجمعين، وبهم يدفع الله تعالى عن عباده البلاء وينزل قطر السماء. وقال اليافعي: وقال بعض العارفين: والقطب هو الواحد المذكور في حديث ابن مسعود أنه على قلب إسرافيل ومكانه من الأولياء كالنقطة في الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته بسنده، عن بلال الخواص قال: كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجل يماشيني فعجبت، فألهمت أنه الخضر عليه الصلاة والسلام، فقلت له: بحق الحق من أنت؟ قال: أخوك الخضر، قلت: أريد أن أسألك قال: سل، قلت: ما تقول في الشافعي؟ قال: هو من الأوتاد، قلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: رجل صديق، قلت: ما تقول في بشر الحافي؟ قال: لم يخلق بعده مثله، قلت: بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك لأمك. وروى الإمام أحمد في «الزهد» ، وابن أبي الدنيا، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن عساكر، عن جليس وهب بن منبه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، أين بدلاء أمتك؟ فأومأ بيده نحو الشام، قلت: يا رسول الله، أما بالعراق منهم أحد؟ قال: «بلى، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار، الذي يمشي في الناس بمثل زهد أبي ذر في زمانه» . وروى أبو نعيم، عن داود بن يحيى بن يمان قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله من الأبدال؟ قال: «الذين لا يضربون بأيديهم شيئا، وإن وكيع بن الجراح منهم» . وروى ابن عساكر، عن أبي مطيع معاوية بن يحيى أن شيخا من أهل حمص خرج يريد المسجد وهو يرى أنه قد أصبح فإذا عليه ليل، فلما صار تحت القبة سمع (صوت جرس) [ (1) ] الخيل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضا، قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم؟ قالوا: أولم تكونوا معنا؟ قالوا: لا قالوا: من جنازة البديل خالد بن معدان، قالوا: أو قد مات؟ ما علمنا بموته، فمن استخلفتم بعده؟ قالوا: أرطأة بن المنذر، فلما أصبح الشيخ حدث أصحابه

_ [ (1) ] في د (ضرب) .

الثانية والتسعون بعد المائة:

فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان، فلما كان نصف النهار قدم البريد بموته. وروى أبو نعيم عن أبي يزيد البسطامي أنه قيل له: إنك من الأبدال السبعة الذين هم أوتاد الأرض، فقال: أنا كل السبعة. ونقل اليافعي في «الكفاية» عن بعض أصحاب الشيخ عبد القادر رضي الله عنه قال: خرج الشيخ عبد القادر الجيلاني من داره ليلة فناولته الإبريق فلم يأخذه، وقصد باب المدرسة فانفتح له الباب، فخرج وخرجت خلفه، ثم عاد الباب مغلقا، ومشى إلى قرب من باب بغداد فانفتح له فخرج وخرجت معه، ثم عاد الباب مغلقا، ومشى غير بعيد، وإذا نحن في بلد لا أعرفه فدخل فيه مكانا شبيها بالرباط، وإذا فيه ستة نفر فبادروا إلى السلام عليه، والتجأت إلى سارية هناك وسمعت من جانب ذلك المكان أنينا، فلم ألبث إلا يسيرا حتى سكت الأنين، ودخل رجل وذهب إلى الجهة التي سمعت فيها الأنين ثم خرج يحمل شخصا على عاتقه، ودخل آخر مكشوف الرأس، طويل الشارب وجلس بين يدي الشيخ، فأخذ عليه الشيخ الشهادتين وقص شعر رأسه، وشاربه، وألبسه طاقية وسماه محمدا وقال لأولئك النفر: أمرت أن يكون هذا بدلا عن الميت، قالوا: سمعا وطاعة، ثم خرج الشيخ وتركهم وخرجت خلفه، ومشينا غير بعيد، وإذا نحن بباب بغداد، فانفتح كأول مرة، ثم أتى المدرسة فانفتح له بابها، ودخل داره، فلما كان الغد أقسمت عليه أن يبين لي ما رأيت قال: أما البلد فنهاوند، وأما الستة فهم الأبدال، وصاحب الأنين سابعهم كان مريضا، فلما حضرت وفاته، جئت أحضره، وأما الرجل الذي خرج يحمل شخصا فأبو العباس الخضر عليه السلام ذهب به يتولى أمره، وأما الرجل الذي أخذت عليه الشهادتين فرجل من أهل القسطنطينية، كان نصرانيا، وقد أمرت أن يكون بدلا عن المتوفى، فأتي به فأسلم على يدي، وهو الآن منهم. الثانية والتسعون بعد المائة: وبأن منهم من يشبه يوسف عليه الصلاة والسلام. الثالثة والتسعون بعد المائة: ومنهم يشبه لقمان الحكيم رضي الله عنه. الرابعة والتسعون بعد المائة: وبصاحب ياسين. روى عبد بن حميد، والطبراني عن ابن عباس، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، عن عروة، وابن مردويه، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عروة بن مسعود إلى الطائف إلى قومه ثقيف، فدعاهم إلى الإسلام، فرماه رجل بسهم فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أشبهه بصاحب ياسين» . وروى الطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهما والطبراني بسند حسن، عن عروة بن الزّبير، وعن الزهري بسند حسن، وأبو يعلى بسند حسن، عن علي بن زيد بن جدعان رحمهم

الخامسة والتسعون بعد المائة:

الله تعالى أن عروة بن مسعود قال لقومه زمن الحديبية: أي قوم، إني قد رأيت الملوك وكلمتهم، فابعثوني إلى محمد فأكلمه، فأتاه بالحديبية فجعل عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة شاك في السلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له المغيرة: كف يدك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك، فرفع عروة رأسه فقال: أنت هو، والله إني لفي غدرتك ما أخرجت منها بعد، فرجع عروة إلى قومه فقال: أي قوم، إني قد رأيت الملوك وكلمتهم، والله ما رأيت مثل محمد قط، وما هو بملك، ولقد رأيت الهدي معكوفا يأكل وبره، وما أراكم إلا ستصيبكم قارعة، فانصرف ومن معه من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه فرجع فقال: إني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قومه مسلما، فرجع عشاء، فجاءت ثقيف يحيونه، فدعاهم إلى الإسلام، فاتهموه وعصوه وأسمعوه ما لم يكن يحسب، ثم خرجوا من عنده، فلما أسحر وطلع الفجر قام عروة على غرفة داره فأذن بالصلاة وشهد فرماه رجل من ثقيف سهمه فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صاحب يس، دعا قومه فقتلوه» . الخامسة والتسعون بعد المائة: وبأن منهم من يصلي إماما بعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. روى أبو يعلى، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي ظاهرين على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم، فيقول إمامهم: تقدم، فيقول: أنت أحق بعضكم أمراء على بعض، أكرم الله هذه الأمة» . رواه مسلم بنحوه، وفيه: «فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء» . وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم» . السادسة والتسعون بعد المائة: وبأن منهم من يجري مجرى الملائكة في الاستغناء عن الطعام بالتسبيح. روى الإمام أحمد بسند صحيح، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا يكون بين يدي الدجال، قالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: غلام شديد يسقي أهله الماء وأما الطعام فليس» ، قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: «التسبيح والتكبير والتهليل» . ورواه من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها نحوه وفيه: «يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس» .

السابعة والتسعون بعد المائة:

روى الطبراني نحوه، عن أسماء بنت عميس وفيه: إن الله تعالى يعصم المؤمنين يومئذ بما عصم به الملائكة من التسبيح. السابعة والتسعون بعد المائة: وبأنهم يقاتلون الدجال. الثامنة والتسعون بعد المائة: وبأن علماءهم كأنبياء بني إسرائيل. قلت: أي كلما ذهب عالم أتى بعده غيره، وهو بهذا اللفظ لم يرد كما نبه عليه الحافظ في فتاويه. التاسعة والتسعون بعد المائة: وبأن الملائكة تسمع في السماء أذانهم وتلبيتهم. المائتين: وبأنهم الحمادون لله على كل حال. الواحد بعد المائتين: وبأنهم يكبرون الله على كل شرف. الثانية بعد المائتين: وبأنهم يسبحون الله عند كل هبوط. الثالثة بعد المائتين: وبأنهم يقولون عند إرادة الأمر أو فعله: إن شاء الله. الرابعة بعد المائتين: وبأنهم إذا غضبوا هللوا. الخامسة بعد المائتين: وبأنهم إذا تنازعوا سبحوا. السادسة بعد المائتين: وبأن ليس أحد منهم إلا مرحوما. السابعة بعد المائتين: وبأنهم يلبسون أنواع ثياب أهل الجنة. الثامنة بعد المائتين: وبأنهم يراعون الشمس للصلاة. التاسعة بعد المائتين: إذا رأوا أمرا استخاروا الله تعالى فيه ثم مضوا فيه. العاشر بعد المائتين: وبأنهم إذا استووا على ظهور دوابهم حمدوا الله. الحادية عشر بعد المائتين: وبأن مصاحفهم في صدورهم. الثانية عشر بعد المائتين: وبأن سابقهم سابق ويدخل الجنة بغير حساب. الثالثة عشر بعد المائتين: وبأن مقتصرهم ناج، ويحاسب حسابا يسيرا. الرابعة عشر بعد المائتين: وبأنه ظالمهم مغفور له. روى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فاطر 32] قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم مغفور له، ومقتصرهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.

الخامسة عشر بعد المائتين:

وروى سعيد بن منصور، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، أي الظالم لنفسه كما بين ذلك القرآن، وأخرجه ابن لال، عن عمر مرفوعا. الخامسة عشر بعد المائتين: وبأنهم أمة وسط. السادسة عشر بعد المائتين: وعدول بتزكية الله تعالى. قال تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة 143] . السابعة عشر بعد المائتين: وبأن الملائكة تحضرهم إذا قاتلوا. الثامنة عشر بعد المائتين: وبأنهم افترض عليهم ما افترض على الأنبياء والرسل، وهو الوضوء والغسل من الجنابة والحج والجهاد. التاسعة عشر بعد المائتين: وبأنهم أعطوا من النوافل ما أعطي الأنبياء. العشرون بعد المائتين: وبأن الله تعالى قال في حقهم: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف 181] وقال في حق غيرهم: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف 159] . الحادية والعشرون بعد المائتين: وبأنهم نودوا في القرآن ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة 1] ، نوديت الأمم في كتبها «يا أيها المساكين» وشتان ما بين الخطابين. روى ابن أبي حاتم عن خيثمة: ما تقرأون في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة 1] ، فإنه في التوراة «يا أيها المساكين» . الثانية والعشرون بعد المائتين: وبأنه الله تعالى خاطبهم بقوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة 152] فأمرهم أن يذكروه بغير واسطة، وخاطب بني إسرائيل بقوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [البقرة 40] فإنهم لم يعرفوا الله إلا بالآية، فأمرهم أن يقصدوا النعم ليصلوا بها إلى ذكر الله المنعم، نقله الشيخ كمال الدين الدميري شرح المنهاج عن بعض العلماء وهو نفيس. الثالثة والعشرون بعد المائتين: وبأنه ما كان مجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقا في أمته، بدليل أنه كان معصوما، وأمته إجماعها معصوم. قال بعضهم: وهذا لما أودع أسراره في أمته، وخير بين الحياة والممات، فاختار الموت، ولم يحصل لموسى ذلك، وجاء ملك الموت فلطمه، قاله الزركشي في الخادم. الرابعة والعشرون بعد المائتين: وبأنهم أكثر الأمم أيامى ومملوكين.

الخامسة والعشرون بعد المائتين:

الخامسة والعشرون بعد المائتين: وبأنهم رحل فيهم من أفاق الناس رواه ابن أبي حاتم عن عكرمة. السادسة والعشرون بعد المائتين: وبأنه الله أنزل في حقهم وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة 100] قال صلى الله عليه وسلم: «هذا لأمتي، وليس بعد الرضى سخط» . السابعة والعشرون بعد المائتين: وبأنهم سموا أهل القبلة ولم يسم بذلك أحد قبلهم. نقله الجزولي في شرح الرسالة. قلت: وتقدم اختصاصهم بالقبلة. الثامنة والعشرون بعد المائتين: وبأنه الله تعالى لا يجمع عليها سيفين منها وسيفا من عدوها. روى أبو داود وأحمد عن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يجمع الله عز وجل على هذه الأمة سيفين سيفا منها وسيفا من عدوها» . التاسعة والعشرون بعد المائتين: وبأنه لا يحل في هذه الأمة التجريد. الثلاثون بعد المائتين: الأمد. الواحدة والثلاثون بعد المائتين: ولا الغل الثانية والثلاثون بعد المائتين: ولا الحسد ولا الحقد. روي عن ابن مسعود رضي الله عنه والمراد بالتجريد هنا أن لا يتجرد من ثيابه، والأمد عند إقامة الحد، بل يضرب قاعدا وعليه ثوبه. الثالثة والثلاثون بعد المائتين: وبأنه تجوز شهادتهم على من سواهم ولا عكس. الرابعة والثلاثون بعد المائتين: وبأن شرعتهم في غاية الاعتدال، فإن بدء الشرائع كان على التخفيف، ولا يعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم تثقيل، ثم جاء موسى بالتشديد والإثقال، وجاء عيسى بأثقل من ذلك، وجاءت شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم تنسخ تشديد أهل الكتاب ولا يطلق تسهيل من كان قبلهم وقاله أبو الفرج بن الجوزي. الخامسة والثلاثون بعد المائتين: وبأن من أصحابه صلى الله عليه وسلم من اهتز له العرش عند موته فرحا بلقائه. السادسة والثلاثون بعد المائتين: وممن حضر جنازته سبعون ألفا من الملائكة لم يطأوا الأرض قبل موته. روى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عن جابر، وأبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص

والبيهقي عن ابن عمر ومعاذ بن رفاعة الزرقي والحسن وسلمة بن أسلم بن حريس، وأبو نغيم عن الأشعث بن قيس بن سعد عن سعيد بن أبي وقاص وابن سعد عن محمود بن لبيد- رضي الله تعالى عنهم- أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش، وتبع جنازته سبعون ألف ملك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا حتى إنه ليقطع. شسع نعلهم، فما يرجع ويسقط رداؤه فما يلوى عليه أحد على أحد حتى دخل على سعد بن معاذ، وما في البيت غير سعد، فوجده قد قبض، قال سلمة بن أسلم وأومأ إلى أن وقف فوقفت ورددت من ورائه وجلس ساعة، وقال الأشعث بن قيس قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبته، فلما خرج قال له سلمة يا رسول الله، ما رأيت في البيت أحدا وقد رأيتك تتخطى، فقال: ما قدرت على مجلس حتى قيض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه، ودخل ملك فلم يجد مجلسا، فارتفعت له. وروى ابن سعد عن أبي سعيد قال: كنت أنا ممن حفر لسعد قبره بالبقيع فكان يفوح علينا من المسك، كلما حفرنا قترة من تراب حتى انتهينا إلى اللحد. وروى ابن سعد عن إبراهيم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال: قبض إنسان يومئذ من تراب قبر سعد قبضة فذهب بها، ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك، وسبقت قبضة معاوية في غزوة تبوك.

الباب الثالث فيما اختص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن الأنبياء في ذاته في الآخرة - صلى الله عليه وسلم - وفيه مسائل:

الباب الثالث فيما اختص به نبينا- صلى الله عليه وسلم- عن الأنبياء في ذاته في الآخرة- صلى الله عليه وسلم- وفيه مسائل: الأولى: اختص صلى الله عليه وسلم بأنه أول من تنشق عنه الأرض. روى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع» . وروى الدارمي والترمذي وحسنه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فانفض التراب عن رأسي، فآتي قائمة من قوائم العرش فأجد موسى قائما عندها فلا أدري انفض التراب عن رأسه، أو كان ممن استثنى الله» . قوله «أنفض التراب» قال الحافظ: يحتمل أن تجويز المعية في الخروج من القبر، أو هي كناية عن الخروج من القبر وساق لذلك مزيد بيان في المسألة التي بعدها. الثانية: وبأنه أول من يفيق من الصعقة روى البخاري من طرق عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينفخ في الصور فيصعق الناس، فأصعق معهم، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث الله» ، وفي لفظ: «من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى وحوسب بصعقة النار» . تنبيهان: الأول: استشكل الجزم بكونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يفيق مع التردد من خروج موسى قبله، وإقامته قبله. وأجيب بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق في جميع الخلائق أحيائهم وأمواتهم، وهو الفزع كما وقع في سورة النمل فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النمل/ 87] ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة لما هم فيه وللأحياء موتا ثم ينفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعين، فمن كان مقبورا انشقت عنه الأرض فخرج من قبره ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك. وسيأتي لهذا مزيد بيان في التنبيه الثاني. الثاني: قال سلطان العلماء أبو محمد العز بن عبد السلام ما وجه هذا التردد مع صحة خبر أنه صلى الله عليه وسلم مر بموسى ليلة أسري به قائما يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر، وأخبر أيضاً

عن صعقة موسى وما جرى له مع ملك الموت، والكل من رواية أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وأجيب بأجوبة. قال: الصحيح منها ما ذهب إليه الإمام العلامة الحافظ أبو شامة المقدسي، وقال: إنه جواب صحيح أرشد إليه أبو عمرو بن الحاجب قال: ثم وجدت تقريره في الكتاب والسنة عن واحد من العلماء، أن هذه الصعقة المذكورة في الحديث ليست النفخة الواقعة في آخر الدنيا، ولا الثانية التي يعقبها نشور الموتى من قبورهم، فإنما هي صعقة كما في الناس يوم القيامة، فيصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله، وهي المشار إليها في آية الزمر، وذلك أول من حملها على صفة آخر الدنيا، والدليل على أن في آخر يوم القيامة صعقة قوله تعالى فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ [الطور/ 45] وهذا ظاهر في يوم تعمهم فيه الصعقة، فأصعق معهم فأكون أول من يفيق وفي رواية: «فأكون أول من تنشق عنه الأرض» قال: وهذا والله أعلم تفسير من الراوي، واللفظ الأول أولى أن يكون محفوظا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «من يبعث» فظن بعض الرواة أن المراد من ذلك البعث من القبور فقال: أول من تنشق عنه الأرض والنبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض حقا كما جاء في حديث آخر، لكن هذا الحديث لا يحتمل هذا اللفظ لأجل قوله: «يوم القيامة» ففي البخاري عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش» ، فهذا نص في إن الناس يصعقون في يوم القيامة، وهو تفسير ما في آخر الزمر كما مضى في بعض ألفاظ الحديث الصحيح، وطرق الحديث واختلاف ألفاظه إذا أمكن الجمع بينها لم يضر بعضها بعضا، وعند ذلك تظهر المناسبة في تردد النبي صلى الله عليه وسلم وأن موسى حوسب بصعقة الطور، لأنها من جنس ما أصاب الناس، وقدر الله أن بعض الناس مستثنى منه بقوله: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر/ 68] فجاز أن يكون منهم، ونحوه أجاب ابن القيم. وأنه قال: فإن قيل: فما يصعقون؟ بقوله «فلا أدري أفاق قبلي، أما كان ممن استثنى الله- عز وجل» ، والذين استثناهم [ (1) ] الله- عز وجل-، هم مستثنون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم القيامة، كما قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر 68] . ثم نفخ فيه أخرى ولم يقع الاستثناء في صعقة الخلائق يوم القيامة، قيل: هذا- والله أعلم- غير محفوظ، وهو وهم من بعض الرواة، والمحفوظ ما تواطأت عليه الروايات الصحيحة من قوله: «لا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» ، فظن بعض الرواة أن هذه الصعقة، هي صعقة النفخ، وأن موسى داخل فيمن استثنى الله تعالى منها، وهذا لا يلتئم على سياق الحديث قطعا، فإن الإفاقة حينئذ

_ [ (1) ] في ح (اصطفاهم) .

الثالثة:

هي إفاقة البعث فكيف يقول: «لا أدري أفاق [ (1) ] قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟» فتأمله وهذا بخلاف الصعقة التي يصعقها الناس يوم القيامة، فإذا جاء الله بفصل القضاء بين العباد وتجلى لهم فإنهم يصعقون، وأما موسى صلى الله عليه وسلم فإن كان لم يصعق معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضا من صعقة الخلائق لتجلي الرب- عز وجل- يوم القيامة. الثالثة: وبأنه يحشر في سبعين ألف ملك. الرابعة: وبأنه يحشر على البراق. الخامسة: وبأنه يؤذن باسمه في الموقف. السادسة: وبأنه يكسى في الموقف أعظم الحلل من الجنة. السابعة: وبأنه يقوم عن يمين العرش صلى الله عليه وسلم. الثامنة: وبأنه أعطي المقام المحمود. روى الترمذي، وابن ماجة عن سعد بن أبي وقاص قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود، فقال: «هو الشفاعة» . والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة. وقال مجاهد أيضاً: المقام المحمود مجلسه على العرش. - ورواه ابن جرير، وقال: الأول أولى، على أن الثاني ليس بمدفوع- لا من جهة النقل ولا من جهة الظن- قال ابن عطية: هو كذلك إذا حمل على ما يليق به، وبالغ الواحدي في رد هذا القول فقال: هذا قول رذل موحش فظيع ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير، وبسط الكلام على ذلك، وأما النقاش فنقل عن أبي داود صاحب السنن أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو متهم. قلت: والنقاش متهم بالوضع، وقد جاء عن ابن مسعود عند الثعلبي، وعن ابن عباس عند أبي الشيخ، وعن عبد الله بن سلام قال: إن محمدا يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب. قلت: وقال ابن كثير: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا ممن هو معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه ولا يصار بسببه إليه. وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة، ولم يصح إسناده إلى ابن سلام. قال الحافظ:

_ [ (1) ] في د أفاق.

فيحتمل أن تكون الإضافة إضافة تشريف، وعلى ذلك يحمل ما جاء عن علي وغيره، والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة التي وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان. الأول: الشفاعة العامة في فصل القضاء. الثاني: الشفاعة في إخراج المذنبين من النار. وقال الماوردي: اختلف في المقام المحمود على ثلاثة أقوال، فذكر القولين الشفاعة والإجلاس. والثالث: إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. وقال القرطبي: وهذا لا يغاير القول الأول، وأثبت غيره. رابعاً: هو ما رواه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن أبي هلال أحد صغار التابعين، أنه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع. خامسا: وهو ما اقتضاه حديث حذيفة، وهو ثناؤه على ربه، ولكنه يغاير الأول أيضاً. قال الإمام الرازي: القول الأول أولى، لأن سعيه في الشفاعة يفيد إقدام الناس على حمده، فيصير محمودا، وأما ما ذكره من الدعاء فلا يفيد إلا الثّواب، أمّا الحمد فلا، فأن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إنه تعالى يحمده على هذا القول؟ فالجواب أن الحمد في اللغة مختص بالثناء المذكور في مقابلة الإنعام فقط، فإن ورد لفظ «الحمد» في غير هذا المعنى فعلى سبيل المجاز. - قال القرطي وما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه وروت في ذلك حديثا وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفيه بعد. سادسا: وهو ما اقتضاه حديث ابن مسعود يشفع نبيكم رابع أربعة: جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم، لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه. وهذا الحديث لم يصرح برفعه، قد ضعفه البخاري وقال: المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول شافع» . قال الحافظ: وعلى تقدير نبوته، فليس في شيء من طرقه التصريح بأنه المقام المحمود مع أنه يغاير حديث الشفاعة في المذنبين. وجوازه المحب الطبري. سابعا: وهو ما اقتضاه حديث كعب بن مالك السابق ذكره فقال بعد أو أورده: هذا

التاسعة:

يشعر بأن المقام المحمود غير الشفاعة ثم قال: ويجوز أن تكون الإشارة بقوله: فأقول إلى المراجعة في الشفاعة. - قال الحافظ: وهو الذي يتجه، ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة، فإن إعطاءه لواء الحمد، وثناءه على ربه، وكلامه بين يديه، وجلوسه على كرسيه، وقيامه أقرب من جبريل، كل ذلك صفات للمقام المحمود الّذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق. وأما شفاعته صلى الله عليه وسلم في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك. قال الحافظ: واختلف في فاعل الحمد من قوله «مقاما محمودا» ، فالأكثر على أن المراد به أهل الموقف، وقيل: النبي صلى الله عليه وسلم أي أنه يحمد عاقبة ذلك المقام المحمود بتهجده في الليل، والأول أرجح لما ثبت في الصحيح عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- بلفظ «مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم» ، ويجوز أن يحمل على أعم من ذلك، أي مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، واستحسن هذا أبو حيان وأيده بأنه نكرة، فدل على أنه ليس المراد مقاما مخصوصا. التاسعة: وبان بيده لواء الحمد. العاشرة: وبأن آدم فمن دونه تحت لوائه. الحادية عشرة: وأنه إمام النبيين يومئذ. الثانية عشرة: وقائدهم. الثالثة عشرة: وخطيبهم. الرابعة عشرة: وبأنه أول من يؤذن له في السجود. الخامسة عشرة: وبأنه أول من يرفع رأسه. روى الإمام أحمد، والبزّار عن ابن الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه ... » الحديث. السادسة عشرة: وأول من ينظر إلى الله تبارك وتعالى. السابعة عشرة: وأول شافع، وأول مشفع كما ثبت في الصحيح. والمراد بهذه الشفاعة- والله تعالى أعلم- الشفاعة في أهل الموقف حين يقرعون إليه بعد الأنبياء، فيتقدم صلى الله عليه وسلم فيكون أول شافع، وبين أنه صلى الله عليه وسلم أول مشفع لتحقق قبول الشفاعة، وأنها غير مردودة. - وقال النووي: معنى أول مشفع: يعني أول من تجاب شفاعته، فقد يشفع اثنان، ويجاب الثاني قبل الأول.

الثامنة عشرة:

الثامنة عشرة: وبأنه يسأل في غيره، وكل الناس يسألون في أنفسهم. التاسعة عشرة: وبالشفاعة العظمى في فصل القضاء. العشرون: وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب. الحادية والعشرون: وبالشفاعة في من استحق النار أن لا يدخلها. الثانية والعشرون: وبالشفاعة في رفع درجات أناس في الجنة، كما جوز النووي اختصاصه بهذه، والتي قبلها ووردت به أحاديث في التي قبل، وصرح به القاضي وابن دحية. الثالثة والعشرون: وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد. ذكره السبكي. الرابعة والعشرون: وبالشفاعة لجماعة من صلحاء المسلمين يتجاوز عنهم في تقصيرهم من الطاعات، ذكره القزويني في «العروة الوثقى» . الخامسة والعشرون: وبالشفاعة من الموقف تخفيفا عمن يحاسب. السادسة والعشرون: وبالشفاعة فيمن يخلد في النار من الكفار أن يخفف عنه العذاب يوم القيامة. السابعة والعشرون: وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا. روى ابن أبي شيبة، وأبو نعيم بسند صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي في اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم، فأعطانيها، قال ابن عبد البر هم الأطفال، لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم» . الثامنة والعشرون: وألا يدخل النار واحدا من أهل بيته فأعطاه ذلك. التاسعة والعشرون: وبأنه أول من يجيز على الصراط بأمته. كما في حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عند الشيخين يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجيز من الرسل بأمته» . الثلاثون: وبأن له في كل شعرة من رأسه ووجهه نورا، وليس للأنبياء إلا نوران. روى الحكيم التّرمزيّ عن سالم بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رجلان جالسان إذ قال أحدهما: لقد رأيت البارحة كل نبي في الأرض، فقال الآخر: هات، قال: رأيت كل نبي معه أربعة مصابيح: مصباح بين يديه، ومصباح من خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن يساره، ومع كل صاحب له مصباح، ثم رأيت رجلا قام أضاءت له الأرض، وكل شعرة في رأسه مصباح، ومع كل صاحب له أربعة مصابيح: مصباح من بين يديه، ومصباح من

الحادية والثلاثون:

خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن يساره، فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبد الله. قال كعب: ما هذا الذي تحدث به؟ قال: رؤيا رأيتها البارحة، قال: والذي بعث محمدا بالحق إنها لفي كتاب الله- تبارك وتعالى- كما رأيت. الحادية والثلاثون: وبأنه يؤمر أهل الجنة بغض أبصارهم حتى تمر ابنته على الصراط. كما رواه الحاكم، وأبو نعيم عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة» قيل: يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم ونكسوا، فإن فاطمة بنت محمد تجوز على الصراط إلى الجنة، فتمر، وعليها ربطتان خضراوان. الثانية والثلاثون: وبأنه أول من يقرع باب الجنة كما رواه مسلم والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه-. قلت: وفي حديث أنس عند الطبراني «أنا أول من يقرع باب الجنة فيقول الخازن: من؟ فأقول: أنا محمد فأقوم فأفتح لك، لم أقم لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك» . قال القطب الخضيري: وفي هذا التحديد على هذا الدوام خصوصية عظيمة، وهو أن خازن الجنة لا يقوم لأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن قيامه إليه صلى الله عليه وسلم جاء إظهارا لمرتبته ولا يقوم في خدمة أحد بعده، بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم، وقد أقامه الله تعالى في خدمة عبده ورسوله حتى مشى إليه وفتح له الباب، والله سبحانه وتعالى أعلم. الثالثة والثلاثون: وبأنه أول من يدخل الجنة. الرابعة والثلاثون: وبعده أمته. روى أبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يدخل الجنة، وأول من يدخل علي الجنة فاطمة، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم من بني إسرائيل» ، ولا يشكل على ذلك ما رواه أحمد عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «بم سبقتني إلى الجنة؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي..» الحديث رواه الإمام أحمد فإن ذلك كان في المنام، كما رواه البخاري من حديث جابر مرفوعا «رأيتني دخلت الجنة، فسمعت خشخشة، فقيل: هذا بلال..» الحديث. فعرف أن ذلك وقع في المنام. الخامسة والثلاثون: ومفتاح الجنة بيده صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. رواه الترمذي، والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وقائدهم إذا وفدوا، وشافعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، ولواء الحمد بيدي ومفتاح الجنة يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم يومئذ

السادسة والثلاثون:

على ربي، يطوف علي ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون» . السادسة والثلاثون: وبالكوثر لا الحوض، خلافا لابن سراقة وأبو سعيد النيسابوري، فقد ورد «لكل نبي حوض» . السابعة والثلاثون: وبأن حوضه صلى الله عليه وسلم أكبر الحياض. روى ابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل حوضي أعظم الحياض» . الثامنة والثلاثون: وأكثرها واردا. التاسعة والثلاثون: وبالوسيلة. وهي أعلى درجة في الجنة. قال الإمام عبد الجليل بن عظوم: الوسيلة التي اختص بها صلى الله عليه وسلم هي التوسل، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون في الجنة بمنزلة الوزير من الملك بغير تمثيل، ولا يصل إلى أحد شيء إلا بواسطته، وسيأتي بيان جميع ذلك في باب بعثه وحشره آخر الكتاب. الأربعون: وبأنه سأل ربه [الوسيلة] . الحادية والأربعون: وبأن قوائم منبره رواتب في الجنة. روى البيهقي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قوائم منبري رواتب في الجنة» . ورواه الحاكم من حديث أبي واقد الليثي. الثانية والأربعون: وبأن منبره على ترعة من ترع الجنة. روى ابن سعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منبري هذا على ترعة من ترع الجنة» . الثالثة والأربعون: وبأن ما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة. رواه الشيخان بلفظ «ما بين بيتي ومنبري» من حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه. الرابعة والأربعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يطلب منه شهيد على التبليغ ويطلب من سائر الأنبياء. الخامسة والأربعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم يشهد لجميع الأنبياء بالبلاغ، ويأتي بيان ذلك في حديث الشفاعة. السادسة والأربعون: وبأن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببه ونسبه صلى الله عليه وسلم. رواه الحاكم والبيهقي- رضي الله تعالى عنهما- من حديث عمر مرفوعا.

السابعة والأربعون:

قيل: معنى الحديث أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم. وقيل: ينتفع يومئذ بالنسبة إليه، ولا ينتفع بسائر الأنساب. السابعة والأربعون: وبأن آدم صلى الله عليه وسلم يكنى به في الجنة دون سائر ولده تكريما له، فيقال: يا أبا محمد. الثامنة والأربعون: وبأن وردت أحاديث في أن أهل الفترة يمتحنون به يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، والظن بآل بيته كلهم أن يطيعوه عند الامتحان، لتقر بهم عينه. التاسعة والأربعون: وبأن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن. الخمسون: وأنه يقال لقارئه: اقرأ وارق، فآخر منزلتك عند آخر آية تقرأها، ولم يرد ذلك في سائر الكتب. الحادية والخمسون: وبأنه لا يقرأ في الجنة إلا كتابه. الثانية والخمسون: وبأنه لا يتكلم فيها إلا بلسانه. الثالثة والخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته بنفسه بإبلاغهم الرسالة. ذكره القزويني في الخصائص. روي عن قتادة- رضي الله تعالى عنه- قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً يعني على أمتك بالبلاغ.

الباب الرابع فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - في أمته في الآخرة وفيه مسائل:

الباب الرابع فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- في أمته في الآخرة وفيه مسائل: الأولى: اختص صلى الله عليه وسلم بأن أمته أول من تنشق عنهم الأرض. روى أبو نعيم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسلت إلى الجن والإنس وإلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم دون الأنبياء، وجعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب أمامي شهرا، وأعطيت خواتم سورة البقرة، وكانت من كنوز العرش، وخصصت بها دون الأنبياء، وأعطيت المثاني مكان التوراة والمئين مكان الإنجيل، والحواميم مكان الزبور، وفصلت بالمفصل وأنا سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عني، وعن أمتي ولا فخر وبيدي لواء الحمد يوم القيامة، وجميع الأنبياء تحته ولا فخر وإلي مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وبي تفتح الشافعة ولا فخر، وأنا سابق الخلق إلى الجنة ولا فخر، وأنا إمامهم وأمتي بالأثر» . الثانية: وبأنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. الثالثة: وبأن لهم سيما في وجوههم من أثر السجود. قال الله سبحانه وتعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح/ 29] . الرابعة: وبأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم. الخامسة: وبأن ذريتهم تسعى بين أيديهم. روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء» . وروى مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن حوضي أبعد من أيلة من عدن، إني لأذود عنه الرجل كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه، قيل: يا رسول الله، أتعرفنا؟ قال: نعم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء وسيماكم ليست لأحد غيركم» . وروى الإمام أحمد، والبزار عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه فأنظر إلى بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال: هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم بأيمانهم تسعى

السادسة:

ذريتهم بين أيديهم» . وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأعرف أمتي يوم القيامة من بين الأمم» ، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك؟ قال: «أعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم» . السادسة: وبأنهم يكونون في الموقف على كوم عال. السابعة: وبأن لهم نورين كالأنبياء، وليس لغيرهم إلا نور واحد. كما سبق ويأتي في آخر الكتاب. الثامنة: وبأنهم يمرون على الصراط كالبرق الخاطف وكالريح. التاسعة: وبأنهم يشفع محسنهم في مسيئهم. العاشرة: وبأن عذابها معجل في الدنيا، وفي البرزخ لتوافي القيامة ممحصة. الحادي عشرة: وبأنها تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها. الثانية عشرة: وبأن كل واحد منهم يعطى يهوديا أو نصرانيا فيقال له: يا مسلم، هذا فداؤك من النار. روى أبو يعلى والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن عذاب هذه الأمة جعل في دنياها» . وروى أيضا عن رجل من الصحابة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عقوبة هذه الأمة السيف» . وروى ابن ماجه والبيهقي في البعث عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الأمة مرحومة، عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة، دفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال له: هذا فداؤك من النار» . وروى الطبراني في الأوسط عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمتي أمة مرحومة، تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها، تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها» . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره» .

الثالثة عشرة:

قال الحكيم الترمذي: يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف، فيمحص في البرزخ، فيخرج من القبر وقد اقتص منه» . الثالثة عشرة: وبأن لها ما سعت، وما سعي لها وليس لمن قبلهم إلا ما سعى، قاله عكرمة- رضي الله تعالى عنه-، ورواه ابن أبي حاتم عنه. الرابعة عشرة: وبأنهم يقضى لهم قبل الخلائق. روى ابن ماجة عن أبي هريرة وحذيفة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق» . الخامسة عشرة: وبأنهم يغفر لهم المقحمات. روى مسلم عن ابن مسعود في حديث المعراج قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس. وأعطي خواتيم سورة البقرة. وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات. السادسة عشرة: وبأنهم أثقل الناس ميزانا. روى الأصبهاني في «ترغيبه» عن ليث- رضي الله تعالى عنه- قال: قال عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: «أمة محمد صلى الله عليه وسلم أثقل الناس في الميزان، ذلت ألسنتهم لكلمة ثقلت على من كان قبلهم لا إله إلا الله» . السابعة عشرة: وبأنهم نزلوا منزلة العدول من الحكام، فيشهدون على الناس أن رسلهم بلغتهم. قال الله سبحانه وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة/ 143] . وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي عن ابن سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النبي يوم القيامة، ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيقال لهم: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم، فيدعى قومهم، فيقال لهم: هل بلغوكم؟ فيقولون: لا، فيقال للنبيين: من يشهد لكم أنكم بلغتم؟ فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد، فيشهدون أنهم قد بلغوا، فيقال لهم: وما علمكم أنهم قد بلغوا؟ فيقولون: جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه، فيقال لهم: صدقتم. فذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة/ 143] . قال: عدولا، ورواه البخاري مختصرا.

الثامنة عشرة:

الثامنة عشرة: «بأنهم يدخلون الجنة قبل سائر الأمم» . روى الطبراني بسند حسن عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-. التاسعة عشرة: ويدخل الجنة منهم سبعون ألفا بغير حساب. العشرون: ومع كل ألف سبعون ألفا، ومع كل واحد سبعون ألفا. قال سلطان العلماء شيخ الإسلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله تعالى-: لم يثبت ذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. روى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «عرضت علي الأمم، يمر على النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان والنبي ليس معه أحد والنبي معه الرهط فرأيت سوادا كثيرا فرجوت أن يكون أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادا كثيرا قد سد الأفق فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب» . وروى الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت الأمم بالموسم، فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل، وأعجبني كثرتهم وهيبتهم، فقيل لي: رضيت؟ قلت: نعم قال: ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب، فلا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون» . وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات، والإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ «ألم تنزيل» السجدة، فأطال السجود ثم رفع، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أطلت السجود، قال: سجدت شكرا لربي فيما أعطاني في أمتي، سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أمتك أكثر وأطيب، فاستكثرتهم حتى قال مرتين أو ثلاثا، فقال عمر: يا رسول الله، قد استوعبت أمتك. ولفظ أحمد فقال عمر: هلا استزدته؟ فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفا، قال عمر: فهلا استزدته قال: قد استزدته فأعطاني هكذا، وفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بين يديه.. الحديث. وروى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف متماسكين، أخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر» . وروى الإمام أحمد عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا» . وروى الترمذي وحسنه وأبو يعلى عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله- عز وجل- يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي» . روى الإمام أحمد وابن حبان بلفظ «إن الله- عز وجل- وعدني أن يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب فقال يزيد بن الأخنس السلمي والله ما أولئك في أمتك إلا كالذباب الأصهب في الذبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربي وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا، مع كل ألف سبعين ألفا- مرتين وزادني ثلاث حثيات» . وروى الطبراني نحوه عن عمرو بن حزم الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- وفيه مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا. وروى الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عامر بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثا لا يخرج إلا إلى صلاة مكتوبة» الحديث وفيه: فأعطاني ربي سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، مع كل واحد من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، فقلت: إن أمتي لا تبلغ هذا أو تكمل هذا فقال: أكملهم لك من الأعراب. وروى أبو يعلى مرسلا عن سعيد بن عامر اللخمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، يجيء فقراء المسلمين، يوم القيامة يزفون كزف الحمام فيقال لهم: قفوا للحساب فيقولون: والله ما تركنا شيئا فتحاسبونا عليه، فيقول الله تعالى: صدق عبادي، أدخلوهم الجنة بغير حساب. روى عمر بن شبة في أخبار المدينة، عن كعب- رحمه الله تعالى- قال: «نجد مكتوبا في الكتاب أن مقبرة بالمدينة على حافة سبيل يحشر منها سبعون ألفا ليس عليهم حساب» . وروى الطيالسي والإمام أحمد وأبو يعلى عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدته، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا» . وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا» ، قالوا: زدنا يا رسول الله، قال: «لكل رجل سبعون ألفا» ، قالوا: زدنا يا رسول الله وكان على كثيب فحثا بيده فقالوا: زدنا يا رسول الله، قال: «هذا» وحثا بيده.

الحادية والعشرون:

قالوا: يا نبي الله، أبعد الله من دخل النار بعد هذا. روى الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عامر بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلا إلى صلاة مكتوبة الحديث. وفيه: «فأعطاني ربي سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب مع كل واحد من السبعين سبعون ألفا، فقلت: إن أمتي لا تبلغ هذا، قال: أكملهم من الأعراب» . الحادية والعشرون: وبأن أطفالهم كلهم في الجنة وليس لسائر الأمم. في أحد الاحتمالين للسبكي. قلت: ورجح النووي في شرح مسلم أنهم في الجنة [ (1) ] . الثانية والعشرون: وبأن أهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الأمة منها ثمانون، وسائر الأمم أربعون. روى مسدد وابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني برجال ثقات، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم وربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فكيف أنتم وثلثها؟ قالوا: فذاك أكثر، فقال: كيف أنتم والشطر؟ قالوا: فذاك كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صفّ، أنتم منها ثمانون صفا» ورواه البخاري مختصرا. الثالثة والعشرون: وبأن لله- تبارك وتعالى- يتجلى لهم فيرونه ويسجدون له بإجماع أهل السنة، كما في أحاديث الشفاعة. وفي الأمم السالفة احتمالا لسيدي الشيخ عبد الله بن أبي جمرة. الرابعة والعشرون: وبأن كل أمة بعضها في الجنة وبعضها في النار إلا هذه الأمة، فإنها كلها في الجنة، رواه القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله في فوائده من حديث ابن عمر مرفوعا. الخامسة والعشرون: وبأن ولد الزنا منهم لا يدخل الجنّة إلى خمسة آباء، ومن غيرهم إلى سبعين. كما في مصنف عبد الرزاق عن الربعي أنه قرأه في بعض الكتب. السادسة والعشرون: وبأنهم يؤذن لهم في المحشر في السجود دون سائر الأمم. روى ابن ماجة بسند فيه ضعف عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون طويلا» ثم يقال: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار» .

_ [ (1) ] سقط في ح.

الباب الخامس فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته عن الواجبات

الباب الخامس فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته عن الواجبات والحكمة من اختصاصه بها زيادة الزلفى والدرجات فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم، كما في الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-. قال العلماء: خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن خلقه بواجبات عليه، لعلمه بأنه أقوم بها منهم، وأصبر عليها منهم. وقيل: ليجعل أجره بها أعظم من أجرهم، وقربه بها أزيد من قربهم. وأما ما أباحه له مما حرمه عليهم، فليظهر بذلك كرامته، ويبين اختصاصه ومنزلته. وقيل: لعلمه بأن ما خصه به من الإباحة لا يلهيه عن طاعة، وإن ألهاهم، ولا يعجزه عن القيام بحقه وإن أعجزهم، ليعلموا أنه على طاعة الله أقدر، وعلى حقه أقوم. وفيه نوعان: الأول: فيما يتعلق بالأحكام غير النكاح. وفيه مسائل: الأولى: اختص صلى الله عليه وسلم بوجوب الوضوء لكل صلاة، وإن لم يحدث ثم نسخ. روى أبو داود والبيهقي في سننيهما، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن عبد الله بن حنظلة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه ذلك أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. إسناده جيد وفيه اختلاف لا يضر. الثانية: وبالسواك في الأصح للحديث السابق، وهل كان الواجب عليه في العمر مرة أو عند كل صلاة مفروضة، أو مطلقا أو في الأحوال التي يتأكد فيها استحبابه في حق الأمة، أو ما هو أعم من ذلك؟ وحكى بعضهم أنه كان واجبا عليه في الوقت المتأكد في حقنا، وقيل: لكل صلاة. قلت: ويشهد له حديث عبد الله بن حنظلة السابق في الأولى. وقيل: عند تغير الفم. وقيل: عند نزول الوحي، قاله النووي في «التنقيح شرح الوسيط» . الثالثة: وبوجوب صلاة الضحى على الصحيح وقال البلقيني: لم تكن الضحى واجبة

الرابعة:

عليه، جزموا به. ففي صحيح مسلم، عن عبد الله بن شقيق- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها-: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه. وذكر أحاديث كثيرة في ذلك. وقال في الخادم: أخرج البخاري عن ابن أبي ليلى يقول: «ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود» ثم قال: وإذا قلنا فهل كان الواجب عليه أقل الضحى، أو أكثرها أو أدنى كمالها، لم يتعرضوا له نعم. روى الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس مرفوعا: «ثلاث علي فريضة وهن لكم تطوع، الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى» . الرابعة: والوتر على الصحيح. وقال البلقيني: لم يكن الوتر واجبا عليه، خلافا لما صححوه. فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره، وبه احتج الشافعي- رضي الله تعالى عنه- على عدم وجوب الوتر على الأمة، فيكون مذهب الشافعي أنه ليس بواجب عليه مطلقا، ولا دليل لمن قال: كان واجبا عليه في الحضر دون السفر. وفي الخادم، من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الوتر على الراحلة، وبذلك صرح النووي في باب التطوع من شرح مسلم. قال في الخادم: وإذا قلنا بالوجوب، فهل كان الواجب عليه أقل الوتر أم أكثر أم أدنى؟ لم يتعرضوا له أيضاً، والظاهر أن مرادهم الجنس. الخامسة: وصلاة الليل. السادسة: وركعتا الفجر. السابعة: والأضحية. روى الطبراني والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هن علي فرائض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل» . وروى الإمام أحمد والدّارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الفجر» .

تنبيه:

ورواه الإمام أحمد والبزار من وجه آخر عنه. وروى الإمام أحمد والطبراني عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث علي فرائض وهن لكم تطوع: الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى» . وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد عنه «أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالأضحية ولم تكتب عليكم» . تنبيه: الأصح عند أئمتنا وجوب الثالثة والرابعة، والخامسة (والسابعة) [ (1) ] ، ولم يذكروا (السادسة) [ (2) ] مع أن أدلة الجميع ضعيفة لا تثبت الخصائص بمثلها. حكى الشيخ أبو حامد أن للشافعي (رضي الله عنه) نصا على نسخ وجوب قيام الليل في حقه صلى الله عليه وسلم قال النووي: وهذا هو الأصح أو الصحيح، ففي الصحيح ما يدل عليه، ورجحه البلقيني. ولهذا صحح جمع من المتأخرين عدم وجوب ذلك، ووردت أحاديث أخر تنفي الوجوب، لكنها أيضاً ضعيفة وصرف قوله تبارك وتعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر/ 2] . أمران: الأول: أن غالب الأئمة ذهبوا إلى أنه ليس المراد بها: انحر الأضحية، كما هو مقرر في كتب التفسير. الثاني: على تقدير القول بأن الصلاة: يوم العيد، والنحر: الأضحية، فلفظ الأمر ينصرف من الوجوب إلى الندب بالقرينة ومن القرينة ذكر الأضحية مع الصلاة، ولم يقل بوجوب صلاة العيد على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على غيره، على المذهب الصحيح. بل ذلك مسنون له ولأمته، فكذلك الأضحية. قلت: يؤخذ من حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن الواجب عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى أقلها لا أكثرها. قال في «العزر» : قيامه في الوتر كذلك. الثامنة: وقيل وبصلاة أربع عند الزوال. رواه البيهقي عن سعيد بن المسيب وسنده ضعيف. التاسعة: قيل وبوجوب الوضوء عليه كلما أحدث، فلا يكلم أحدا، ولا يرد سلاما حتى يتوضأ، تم نسخ.

_ [ (1) ] في د (السادسة) . [ (2) ] في د السابعة.

العاشرة:

العاشرة: وبوجوب المشاورة على الأصح، وقيدها الإمام- رضي الله تعالى عنه- بمشاورة ذوي الأحلام، وهم ذوو العقول. وقال صاحب التعليقة: خص صلى الله عليه وسلم بوجوب المشاورة في الأمر مع أهله وأصحابه. قال الله- سبحانه وتعالى-: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران/ 159] . والأظهر أن الأمر هنا للوجوب. روى ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما نزلت وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي» ، وتقدمت في ذلك أحاديث في باب مشاورته صلى الله عليه وسلم من أبواب صفاته المعنوية. قال الماوردي: اختلف العلماء فيما يشاور فيه، فقال قوم: في الحروب ومكابدة العدو خاصة. وقال آخرون: في أمور الدنيا والدين، وقال آخرون: في أمور الدين تنبيها لهم على علل الأحكام وطريق الاجتهاد. قلت: ويؤيد الأول ما رواه الطبراني بسند جيد عن ابن عمر قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب، فعليك به. تنبيه: وجوب المشاورة عليه هو الأصح عند الشيخين، لكن نص الشافعي على عدم وجوبها، حكاه البيهقي في المعرفة عند استئذان البكر. الحادية عشرة: قيل: وبالاستعاذة عند القراءة. الثانية عشرة: وبوجوب مصابرة العدو، وإن كثر عددهم، والأمة إنما يلزمهم إذا لم يروا عدد الكفار على الضعف، قال القاضي جلال الدين البلقيني: ولم يذكر أئمتنا لهذه المسألة دليلا، ولا يقال: قد صح عنه صلى الله عليه وسلم مصابرة العدو في غير موضع، وصابر يوم أحد بعد أن أفرد في اثني عشر رجلا كما في الصحيح، وصابر يوم حنين بعد أن أفرد في عشرة كما قاله العباس عمه في شعره، وتقدم إليهم وقال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. لأن هذه الوقائع لا تدل على الوجوب وإنما تدل على شجاعته صلى الله عليه وسلم. وقال الماوردي: قد يقال من الدليل على ذلك: إن فرار الإنسان وتوليه عند الزحف من خوف القتل. وذلك غير جائز على الأنبياء من جهة أنهم معصومون وبأنهم في أعلى مكان، فيعلمون أنه لا يتعجل شيء عن وقته، ولا يتأخر شيء عن وقته بخلاف غيرهم من المكلفين،

تنبيه:

فليس لهم مثل هذا الإيمان، ولا مثل هذا اليقين. قال القاضي جلال الدين البلقيني: وهذا الذي قاله حسن متجه، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه: إنما كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لشيئين: أحدهما: أن الله تعالى ضمن له النصرة والظفر، وقال له: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر 94] . والثاني: أنه لو لم يكن ينكره، لكان يوهم أن ذلك جائز، وأن أمره بتركه منسوخ. وقال غيره: الدليل على ذلك أن الله تعالى وعده بالعصمة، فقال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة/ 67] ، فلم يكونوا يصلوا إليه بسوء، ولو وصلوا إليه قلوا أو كثروا [لم يمسوه بشيء] قال: وجه الدلالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يقاتل عدوه» وفي رواية: «حتى يتأخر عدوه» . فإذا كان لبس اللأمة التي هي مظنّة الوقاية موجبة له صلى الله عليه وسلم على ملاقاة العدو ومقاتلته ومناجزته، فكيف عند مشاهدة العدو، وانتظام الشمل به صلى الله عليه وسلم، فإنه لو ولى لم ينتظم لهم شمل، فإذا ثبت انتظم شملهم بوجوده صلى الله عليه وسلم كما أنشق يوم حنين، فإن غالب الصحابة ولوا مدبرين عن ملاقاة العدو، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة من أصحابه فتقدم في وجه العدو، حتى نصره الله تعالى، وتراجع إليه أصحابه قال: ثم رأيت الأوزاعي نقل عن البغوي الإشارة إلى ما قلناه. تنبيه: قال الجلال البلقيني والخضيري: أطلق الأصحاب مصابرة العدو في حقه صلى الله عليه وسلم ولم يبينوا هل ذلك مع الجيش أو وحده؟ بحيث لو رأى الجيش ولى ولم يكن معه أحد من الصحابة هل يجب عليه الثبات لهم؟ زاد الخضيري: لكن عموم كلامهم يقتضيه، وهو ظاهر ما تقدم عن الماوردي. الثالثة عشرة: وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا بارز رجلا في الحرب لم ينفك عنه قبل قتله لما تقدم. الرابعة عشرة: وبوجوب الإنكار [المنكر] . الخامسة عشرة: وتغيير منكر رآه. السادسة عشرة: وأنه لا يسقط للخوف. السابعة عشرة: ولا إذا كان المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا. الثامنة عشرة: وبوجوب إظهار الإنكار كما في «الذخائر» . قال القاضي أبو الطيب: وإنما كان ذلك من الخصائص لشيئين. أحدهما: أن الله تعالى ضمن له النصرة والظفر، وقال له: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر/ 94] .

التاسعة عشرة:

والثاني: أنه لو لم ينكر، لكان يوهم أن ذلك جائز، وأن أمره بتركه منسوخ، بخلاف الأمة يسقط عنهم للخوف، وإذا كان المرتكب يزداد إغراء لم يجب كما قاله الإمام الغزالي في الإحياء. التاسعة عشرة: وبوجوب الوفاء بوعده كضمان غيره، كما ذكره ابن الجوزي والإسماعيليّ من أئمتنا والمهلب بن أبي صفرة فإن قيل: إذا كان وفاؤه بالوعد واجبا، صار بمنزلة ما لو خلف الميت وفاء، فكيف كان يمتنع من الصلاة على المدين؟ فالجواب: أن من حديث جابر وغيره ما يبين أن الامتناع كان في أول الإسلام، وفي المال قلة، فلما فتح الله الفتوح قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم» . العشرون: وبوجوب قضاء دين من مات من المسلمين معسرا على الصحيح. روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الذي عليه دين فيسأل: «هل ترك لدينه قضاء؟» فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: «صلوا على صاحبكم» . فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين ولم يترك وفاء فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته» . تنبيه: ظاهر كلام الرافعي والنووي وجوب الوفاء عليه صلى الله عليه وسلم سواء كان قادرا على الوفاء أو لم يكن قادرا، ويشمل ذلك قبل زمن الفتوح وضيق الحال، وليس الأمر كذلك، وإنما وجب عليه الوفاء عند قدرته عليه بسبب الفتوحات واتساع المال، كما صرح به الإمام، فتكون الخصوصية بالنسبة إلى أواخر الحال. فائدة: هل كان صلى الله عليه وسلم يقضيه من ماله أو من مال المصالح الذي كان خاصا به؟ رجح النووي في شرح مسلم الثاني. الحادية والعشرون: قيل وبوجوب قول: لبيك، إن العيش عيش الآخرة إذا رأى ما يعجبه. واستدل له بما رواه الشافعي عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية، حتى إذا كان ذات يوم رأى الناس ينصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك، إن العيش عيش الآخرة. وروى الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس نحوه. ولما رواه البخاري في قصة الخندق قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» . وليس

تنبيه:

في هذا الذي ذكر ما يدل على الوجوب، فإن القائل بالوجوب يحتاج إلى التزام صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في كل حالة رأى فيها ما يعجبه، ولم ينقل ذلك، وقد تحقق له صلى الله عليه وسلم أحوال رأى فيها ما يعجبه ويسره مثل يوم بدر، ويوم فتح مكة وغيرهما. ولم ينقل ذلك، ولو كان واجبا عليه لقاله. فإن قيل: يحتمل أنه قاله، ولم ينقل، أو قاله سرا. فالجواب: أن غالب أحواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم متضمنة للسرور، ولا يخفى مثل ذلك على أصحابه وملازميه. تنبيه: المراد بالإعجاب المذكور آنفا، الإعجاب الأخروي، يعني أنه أعجبه ما هو فيه كثرة الداخلين في دين الله تعالى أفواجا، وظهور دين الإسلام على الدين كله، وانتصار دين الله تعالى. الثانية والعشرون: وبوجوب أن يؤدي فرض الصلاة كاملة لا خلل فيها. ذكره النووي والماوردي والعراقي شارح المهذب، وفي كلام الإمام ما يرشد إليه، ولم يتعرض له الشيخان. ووجهه ظاهر، فإن الخلل الحاصل في الصلاة من تلاعب الشيطان، وهو معصوم منه صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره، وينبغي أن يتحقق بذلك سائر عبادته صلى الله عليه وسلم. الثالثة والعشرون: وبوجوب إتمام كل تطوع شرع فيه. وضعفه البلقيني، فقد روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة، هل عندكم شيء؟ قالت: ما عندنا شيء قال: فإني صائم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية، أو جاء لنا زود قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية أو جاءنا زود وقد خبأت لك شيئا قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائما» . فهذا الحديث صريح الدلالة على عدم وجوب ذلك عليه، ولزومه كما في حقنا. الرابعة والعشرون: وبوجوب الدفع بالتي هي أحسن، لأنه مأمور بذلك، ذكره ابن القاص، وأقره ابن الملقن، ولم يتعرض لهذا الشيخان. قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت/ 34] والأمر في الآية للوجوب، ويحتمل الندب فإن قلنا بالوجوب، فهو بالنسبة إلى هذه الأمة بحكم باق مستمر، وأما بالنسبة إلى الكفار من موادعتهم وترك التعرض لهم فمنسوخ بآية القتال، كما ذكره غير واحد من أئمة التفسير. الخامسة والعشرون: وبتكليف ما كلفه الناس بأجمعهم من العلم ذكره ابن القاص، ونقله عنه البيهقي وابن الملقن، وعبارة أبو سعيد في «الشرف» ، وكلف من العمل بما كلف الناس به أجمعون وبين الأمرين فرق.

السادسة والعشرون:

السادسة والعشرون: وبوجوب الاستغفار له والتوبة في اليوم مائة مرة إذا غان على قلبه. ذكره ابن القاص، ولم يذكره الشيخان، وقد جزم به البيهقي وأبو سعيد في الشرف ويستغفر كل يوم سبعين مرة. وعبارة رزين: «وبما وجب عليه أن يستغفر في كل يوم سبعين مرة» . روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» . وللترمذي عنه بلفظ: «إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» . وروى مسلم عن الأعز المرني- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه يغان على قلبي، وإني لأستغفر الله مائة مرة» . وقد تقدم الكلام على ذلك في باب استغفاره وتوبته صلى الله عليه وسلم، من صفاته المعنوية. والله أعلم. تنبيه: خوف المقربين خوف إجلال وأعظام. قال الشيخ شهاب الدين السهروردي: لا يعتقد أن الغني حالة يفقر حاله نقص، بل هو كمال أو تتمة كمال، ثم مثل ذلك يحقن العين أي يسيل لدفع القذى عن العين مثلا، فإنه يمنع العين من الرؤية. فهذا من هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة كمال هذا محصل كمال كلامه بعبارة طويلة. قال: فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغبرة من أنفاس الأغيار. فدعت الحاجة إلى الستر على صدقة بصيرته صيانة لها، ووقاية عن ذلك. السابعة والعشرون: وبوجوب كونه مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام. ذكرها ابن القاص والبيهقي وابن سعد، ولم يذكرها الشيخان قال الخضري: ولا أعلم دليلا صريحا على وجوب ذلك. انتهى. الثامنة والعشرون: وبوجوب الأحكام الشرعية حين كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي، فلا تسقط عنه صلاة ولا غيرها. ذكرها ابن القاص وتبعه البيهقي والنووي. وحديث عائشة وصفوان بن يعلى عن أبيه وابن سعيد- رضي الله تعالى عنهم- في شأن الوحي في الصحيحين صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتقل من حاله المعروف إلى حالة تستلزم الاستغراق والغيبة عن الحالة الدنيوية حتى ينتهي الوحي، ويفارقه الملك.

التاسعة والعشرون:

وقال شيخ الإسلام البلقيني: وهي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير موت، فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي، فلما كان البرزخ العام، ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال، خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ببرزخ في الحياة، يلقي الله تعالى فيه وحيه المشتمل على كثير من الأسرار. وقد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم، أو غيره اطلاع على كثير من الأسرار، وذلك مستمد من المقام النبوي، ويشهد لذلك «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» . التاسعة والعشرون: وبوجوب الركعتين عليه بعد العصر قاله رزين. الثلاثون: وبأن جميع نوافله صلى الله عليه وسلم كانت فرضا، لأن النفل إنما هو للجبر، ولا نقص في صلاته حتى يجبر. قاله رزين. قلت: وهذا الذي قاله رزين ليس بشيء، ولا يلزم من عدم وقوع نقص في صلواته الخمس أن يكون ما عداها من الصلوات فرضا، بل ذلك نافلة ليس إلا. ويدل لذلك ما رواه الإمام أحمد وابن جرير والطبراني عن أبي أمامة (رضي الله عنه) في قوله- تبارك وتعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء/ 79] ، قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، ولكم فضيلة. وفي لفظ: إنما كانت النافلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. وروى الطيالسي والطبراني بسند جيد عنه أنه قال: «إذا توضأ الرجل المسلم فأحسن الوضوء، فإن قعد قعد مغفورا له، وإن قام يصلي كانت له فضيلة، قيل: له نافلة؟ فقال: إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون نافلة وهو يسعى في الخطايا والذنوب؟ ولكن فضيلة» . وروى ابن جرير وابن المنذر في تفسيريهما، والبيهقي في «الدلائل» عن مجاهد (رضي الله عنه) في الآية قال: لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل مع المكتوب، فهو له نافلة سوى المكتوب، من أجل أنه لا يعمل ذلك من كفارة الذنوب فهي نوافل له وزيادة، والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم، فليس للناس نوافل، إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وروى ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وروى ابن المنذر وغيره عن الحسن قال: ليس لأحد نافلة إلى للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. ولأن فرائضه كانت للزيادة وأما غيره، فلا يخلو عن نقص، فنوافله تكمل فرائضه.

الحادية والثلاثون:

وروى أيضا عن الضحاك نحوه فتبين بهذه الآثار أن صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ليست كلها فرضا بل فيها الفرص والنفل. الحادية والثلاثون: وبصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة على وفق ما كان ليلة الإسراء، وأورد الأحاديث في صلاته عن الخمس فبلغت مائة ركعة. قلت: كذا أورد هذه من قسم الواجبات رزين يقول: إن الذي خفف ليلة الإسراء إنما كان عن الأمة فقط، فيرد ما رواه البخاري في صحيحه من طريق شريك عن أنس (رضي الله عنه) من حديث المعراج وفيه: ثمّ هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: «خمسين صلاة كل يوم» ، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع إلى ربك فليخفف عنك ربك وعنهم وفيه فقال: «يا رب، خفف» فوضع عنه عشرا ... إلى آخره. وروى النسائي وابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس (رضي الله عنه) فذكر حديث المعراج وفيه: «ثم مررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: إنك لن تستطيع أن تقوم أنت ولا أمتك، فاسأل ربك التخفيف، فرجعت فأتيت سدرة المنتهى، فخررت ساجدا فقلت: يا رب، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي قال: قد وضعت عنكم عشرا» إلى آخره. روى ابن مردويه من طريق كثير بن حبيش عن أنس نحوه. فذكر الحديث وفيه «فرجعت حتى أمر على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فاسأله، أن يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فوضع عني عشرا» . فتبين بما ذكر أن التخفيف وقع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمته. قال الحافظ: في الكلام على قوله تبارك وتعالى ليلة الإسراء هن خمس وهن خمسون، استدل به على عدم وجوب ما زاد على الخمس كالوتر، وعلى دخول النسخ في الإنشاءات ولو كانت مؤكدة خلافا لقوم فيما أكدوا على جواز النسخ، قبل الفعل. قال ابن بطال وغيره: ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى، ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب. وتعقبه ابن المنير فقال: هذا ذكره طوائف من الأصوليين، والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة وإن منعه المعتزلة، لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ، فهو مشكل عليهم جميعا. قال هذه نكتة مبتكرة قلت: إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد إلى الأمة فمسلم، لكن قد يقال: ليس هذا بالنسبة إليهم نسخا، لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كلف

الثانية والثلاثون:

بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه، وقبل أن يفعل، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى كلام الحافظ، فانظر إلى قوله: إنه كلف بذلك قطعا، ثم نسخ بعد أن بلغه. الثانية والثلاثون: وبوجوب إيقاظ نائم مر عليه وقت الصلاة، وهو امتثال، قال تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل/ 125] . قلت: الخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح، ولا دلالة فيما ذكر. الثالثة والثلاثون: وبوجوب العقيقة. الرابعة والثلاثون: وبوجوب الإثابة على الهدية. الخامسة والثلاثون: وبوجوب الإغلاظ على الكفار قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم/ 9] . السادسة والثلاثون: وبوجوب تحريض المؤمنين على القتال. السابعة والثلاثون: وبوجوب التوكل على الله. قال الله سبحانه وتعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأحزاب/ 3] . الثامنة والثلاثون: وبوجوب الصبر على ما يكره. التاسعة والثلاثون: وبوجوب صبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. الأربعون: وبوجوب الرفق وترك الغلظة. الحادية والأربعون: وبوجوب إبلاغ كل ما أنزل إليه. قال الله- تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ، بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة/ 67] . قلت: وفي هذه الخصائص نظر، إذ الأنبياء كلهم كذلك. الثانية والأربعون: وبوجوب خطاب الناس بما يعقلون. الثالثة والأربعون: وبوجوب الدعاء لمن أدى صدقة ماله. الرابعة والأربعون: وبوجوب كل ما يتقرب به. الخامسة والأربعون: وبوجوب الاستثناء إذا وعد أو علق أمرا على غد. قال الله تعالى: لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الكهف/ 23، 24] . السادسة والأربعون: وبوجوب مبرة عيال من مات موسرا. السابعة والأربعون: وبوجوب أداء الجنايات عمن لزمته. وهو معسر. الثامنة والأربعون: وكذا الكفارات ذكر السبعة عشر رزين ونقله الشيخ عنه في الصغرى، ولم يتعرض لذلك في الكبرى.

التاسعة والأربعون:

التاسعة والأربعون: وبأن الصلاة على الجنازة، في حقه صلى الله عليه وسلم فرض عين كما يؤخذ من قول بعض الحنفية أن في عهده لا يسقط فرض الجنازة إلّا بصلاته. الخمسون: وبوجوب حفظ أقوال المسلمين. قاله أبو سعيد النيسابوري في «الشرف» . النوع الثاني من الواجبات فيما يتعلق بالنكاح وفيه مسألة واحدة خص صلى الله عليه وسلم بتخيير بعض نسائه في فراقه واختياره على الصحيح، قال الله- سبحانه وتعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِأَزْواجِكَ: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الأحزاب/ 28] الآية، والأمر في ذلك للوجوب، ولا يجب ذلك على غيره. وسبب نزول هذه الآية قد اختلف فيه، فقيل: إن أزواجه سألنه النفقة وطلبن منه ما لا يقدر عليه صلى الله عليه وسلم، كما في حديث مسلم من حديث جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل أبو بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهما- على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله نساؤه يسألنه وهو ساكت فقال عمر- رضي الله تعالى عنه-: لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة ليضربها كلاهما يقولان: تسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة فقال: إني ذاكر لك أمرا، فأحب أن لا تعجلي منه حتى تستأمري أبويك، قالت: ما هو؟ فتلا عليها: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِأَزْواجِكَ: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها [الأحزاب/ 28] الآية، قالت عائشة: أفيك استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله. ولا مخالفة بين هذا الحديث وما في صحيح البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه سأل عمر بن الخطاب عن قصة المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وكان قال: ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة مؤاخذته عليهن حين عاتبه الله، فلما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة: يا رسول الله، إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علي شهرا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين، أعدها عدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: ثم نزلت بعد آية التخيير» . الحديث. لأنه يمكن الجمع، كما قال الحافظ: بأن تكون القصتان جميعا سبب الاعتزال، والاعتزال سبب التّخيير. فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما، وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة، وهو مفهوم من سياق الحديث.

فروع:

القول الثاني: إن التخيير كان لسبب قصة العسل الذي شربه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت زينب بنت جحش ومواطأة عائشة وحفصة أن يقولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نجد منك ريح مغافير فحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [التحريم/ 1] إلى قوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ [التحريم/ 4] هو مخرج في الصحيحين عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والمغافير بالعين المعجمة والفاء حلو المذاق. فروع: الفرع الأول: قال أئمتنا: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه اخترنه غير العامرية، فروى ابن سعد عن ابن أبي عون عن عمران بن مناح قالا: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، بدأ بعائشة فاخترنه جميعا غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: إنني الشقية، وسيأتي بيان ذلك في باب ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم فلما اخترنه حرم الله التزوج عليهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، ونزل قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الأحزاب/ 52] الآية. ثم نسخ حكم ذلك بقوله: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب/ 50] ، فتكون المنة له صلى الله عليه وسلم بترك التزوج عليهن. وقد قالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب [51] . الآية. رواه الإمامان الشافعي وأحمد وابن سعد، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي وقال: كأنها معنى اللاتي خطرن عليه في قوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب/ 52] الآية. وروى ابن سعد مثله عن أم سلمة وابن عباس وعطاء بن يسار ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) . وإذا قلنا إنه أحل له التزوج فهل هو عام من جميع النّساء، أو هو خاص ببنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات المهاجرات معه لظاهر الآية وجهان أظهرهما. الأول: لأن الإباحة رفعت ما تقدم من الحظر، فاستباح ما كان يستبيحه قبلها، ولأنه في استباحة النساء أوسع من أمته، فلم يجز أن ينقص عنهم. الفرع الثاني: لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق زوجاته بعد اختيارهن في الأظهر. الفرع الثالث: لو قدر أن واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم اختارت الحياة الدنيا، لم يحصل الاختيار بنفس الاختيار على الأصح.

الباب السادس فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته من المحرمات وفيه نوعان:

الباب السادس فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المحرمات وفيه نوعان: الأول: في غير النكاح. وفيه مسائل: الأولى: خص صلى الله عليه وسلم بتحريم الزكاة عليه، ويشاركه في حرمتها ذوو القربى ومواليهم، وكذا زوجاته، لكن التحريم عليهم بسببه أيضاً، فالخاصية عائدة إليه، وكذا صدقة التطوع عليه في الأظهر. روى مسلم عن المطلب بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي رافع، والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل الأرقم الزهري على السعاية، فاستتبع أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا رافع، إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمّد، وإن مولى القوم من أنفسهم» . وروى الإمام الشافعي والبيهقي عن جعفر بن محمد أن أباه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرم علينا الصدقة المفروضة، قال العلماء: لما كانت الصدقة أوساخ الناس، نزه منصبه الشريف عن ذلك، وأنجر إلى آله بسببه، وأيضاً فالصدقة تعطى على سبيل الترحم المبنيّ عن ذل الآخذ، فأبدلوا عنها الغنيمة المأخوذة بطريق الغزو الشريف المبني على عز الآخذ وذل المأخوذ منه. وجزم الحسن البصري بأن الأنبياء كلهم كذلك، وخالف سفيان بن عيينة. الثانية: وبتحريم الكفارة. الثالثة: والمنذورات، وكذا على آله فيهما. الرابعة: والوقف معينا. قاله الجلال البلقيني. قال في الجواهر ما يؤيده، فإنه قال: صدقة التطوع كانت حراما عليه على الصحيح. وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن صدقات الأعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الآبار.

الخامسة:

الخامسة: وبتحريم كون آله صلى الله عليه وسلم عمالا على الزكاة في الأصح. روى ابن سعد والحاكم عن علي قال: قلت للعباس: سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة، فسأله فقال: «ما كنت لأستعملك على غسالة الأيدي» . وروى ابن سعد عن عبد الملك بن المغيرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بني عبد المطلب، إن الصدقة أوساخ الناس، فلا تأكلوها ولا تعملوها» . السادسة: وبتحريم أكل ثمن أحد من ولد إسماعيل. روى الإمام أحمد عن عمران بن حصين الضبي- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا حدثه قال: كان شيخان للحي قد انطلق ابن لهما فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالا: ائته فاطلبه منه، فإن أبى إلا الفداء فافتده، فأتيته فطلبته منه فقال: «هوذا، فأت به أباه» ، فقلت: الفداء يا نبي الله، فقال: «إنه لا يصلح، لنا آل محمد أن نأكل ثمن أحد من ولد إسماعيل» وهذا الحكم المذكور في هذا الحديث لم يتعرض له أحد من الفقهاء. السابعة: قيل وبتحريم أكل ما له رائحة كريهة والأصح الكراهة والامتناع لتأذي الملك به، وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضلة إلي، وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثوما، فسألته أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أناجي من لا تناجي، أكرهه من أجل ريحه، قال: فإني أكره ما كرهت. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان بلفظ إني أستحي من ملائكة الله، وليس بمحرم. فهذا صريح في نفي التحريم عليه صلى الله عليه وسلم فائدة: روى الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت عن أكل البصل، فقالت: آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل. زاد البيهقي أنه كان مشويا في قدر، أي مطبوخا. الثامنة: قيل: وبتحريم الأكل متكئا، والأصح الكراهة. روى النسائي بسند حسن عن ابن عباس (رضي الله عنه) أن الله- سبحانه وتعالى- أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة ومعه جبريل فقال الملك: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون نبيا ملكا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول الله: لا، بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الليلة طعاما قط متكئا. والأحاديث في امتناعه من الأكل متكئا في الصحيح وليس فيها دليل على تحريم ذلك

تنبيه:

واجتنابه صلى الله عليه وسلم الشيء واختياره غيره لا يدل على كونه محرما عليه. وقد قال ابن شاهين في ناسخه: لم يكن محرما عليه، وإنما هو أدب من الآداب. تنبيه: قال الإمام الخطابي- رضي الله تعالى عنه- يحسب العامة أن المتكئ هو الآكل، على أحد شقيه، وليس كذلك، بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته. قال ومعنى الحديث لا أقعد متكئا على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من أكل الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد، فلذلك أقعد مستوفزا. وذكر القاضي نحوه، ثم قال: ليس هو الميل على الشق عند المحققين بل معناه: التمكن للأكل والتقعد في الجلوس كالمتربع وشبهه، وإنما كان جلوس النبي صلى الله عليه وسلم جلوس المستوفز. التاسعة: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحسن الخط. العاشرة: وبتحريم التوصل إليه. قال الله سبحانه وتعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت/ 48] . قال أئمة التفسير: الضمير في قوله: من قبله عائد إلى الكتاب وهو القرآن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم أي: وما كنت يا محمد تقرأ من قبله، ولا تختلف إلى أهل الكتاب، بل أنزلناه إليك في غاية الإعجاز والتضمن للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتابا، ويخط خطوطا لارتاب المبطلون من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلق، وقالوا: الذي تجده في كتبنا لا يكتب ولا يقرأ وليس به. فقد روى أين أبي حاتم عن مجاهد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم إن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ. وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّا أمة أمّية لا نكتب ولا نحسب» . فهذا الحديث صريح في أنه كان لا يحسنهما وأخرج من ذلك ما في الصحيح في باب عمرة القضاء، من حديث البراء- رضي الله تعالى عنه- قصة الحديبية قال فيه: أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر عليا أن يكتب كتاب الصلح بينه وبين قريش قال اكتب هذا ما صلح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- وذلك قبل أن يسلم: لو علمنا أنك رسول الله، ما صددناك، اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امح رسول الله فقال: والله، لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يحسن أن يكتب فكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» وقد تمسك بهذه الرواية من قال: إنه كان يحسن

الكتابة كالإمام الباجي وأبي ذر الصروي وأبو الفتح النيسابوري وأبي جعفر السمناني الأصولي. وقالوا: عدم معرفته كان بسبب المعجزة ولما أمن الارتياب في ذلك عرف حينئذ الكتابة من غير تقدم تعليم فكانت معجزة أخرى، ورجع عن ذلك أبو ذر كما في المعجزات سيأتي. فكانت معجزته عن ذلك أمور كما الجواب أن قصة الحديبية واحدة، وقد وردت بألفاظ مختلفة وإن الكاتب فيها هو علي لما وقع التصريح به في حديث المسور وفي رواية في حديث البراء ذكره البخاري في الجزية قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «امح رسول الله فقال علي: والله لا أمحاه أبدا قال فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده. وذكر مسلم نحوه. فيحتمل أن النكتة في قوله «فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب لبيان قوله أرني إياها، إنه ما احتاج أن يريه موضع الكلمة والتي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك، «فكتب» فيه حذف تقديره فمحاها، فأعادها لعلي فكتب، وبهذا جزم ابن التين قلت: هذا ويحمل قوله «فكتب» على أنه أمر بالكتابة ... ويؤيده الرواية الأخرى للبخاري من حديث أنس- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: لما صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي بينهم كتابا فكتب: محمد رسول الله، فتحمل الرواية الأولى على أن قوله: فكتب أي فأمر بالكتابة وهو كثير لحديث ابن عباس: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، وحديث كتب إلى النجاشي. وحديث عبد الله بن حكيم: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث كتب إلى كسرى. ويدل عليه أيضاً رواية المسور في الصحيح أيضاً في هذه القصة ففيها: «والله، أني رسول الله، وإن كذبوني فاكتب: محمد بن عبد الله» . وحكى مغلطاي في الزهر الباسم، أن الحافظ أبا ذر الهروي رأى في المنام أنه دخل مسجد المدينة فرأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشق ويميد ولا يستقر، فاندهش لذلك، وقال في نفسه: لعل هذا بسبب اعتقادي، ثم عقدت التوبة مع نفسي فسكن واستقر، فلما استيقظ قص الرؤيا على ابن معور فعبرها له كذلك الحافظ ابن معور، من غير أن ينسبه إلى نفسه فقال ابن معور: بغير صنعته أو ينحله ما ليس له بأهل ولعله مفترى عليه. فقال: من أين قلت هذا؟ قال: من قول الله تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً، وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [مريم/ 90- 91- 92] فقال: لله درك وأقبل يقبل عينيه مرة ويبكي ويضحك مرة

تنبيه:

أخرى ثم قال أنا صاحب هذه الروايات فاسمع ما يشهد لك صحة تأويلها، إني رأيتني في ذلك الفزع العظيم كنت أقول: والله ما هذا إلا أني أقول واعتقد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب فكنت أملي فأقول إني تائب، يا رسول الله، وأكرر ذلك مرارا، فأرى القبر الشريف قد عاد إلى هيئته أولا وسكن، ثم استيقظت وأشهدت على نفسي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب قط وعليه ألقى الله- عز وجل- ونقله الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي لكن قال ابن محمد الهروي بدل أبي ذر الهروي فالله تعالى أعلم. تنبيه: ما رواه عمر بن شبة وابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب، وهاه البيهقي وقال: إنه منقطع وقال، الطبراني هذا منكر وأظن أن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى قرأ عبد الله بن عتبة وكتب يعني أنه كان يعقل في زمانه. وكل حديث في هذا الباب فغير صحيح. الحادية عشرة: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحسن الشعر ويحرم عليه التوصل إلى تعلمه وروايته قال الله سبحانه وتعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس/ 69] أخبر سبحانه وتعالى عن نبيه بأنه لم يؤته معرفة الشعر، وأنه لا ينبغي له أن يصلح له، قال الخليل بن أحمد: كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ولكن لا يتأتى له. روى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري- رضي الله تعالى عنه- أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: ............... ...... ... كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا قال أبو بكر- رضي الله عنه- ............... .... ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا فأعادها بالأول فقال: أشهد أنك رسول الله، بقول الله تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس/ 69] . وروى ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس: أرأيت قولك أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين الأقرع وعيينة وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع فقال أبو بكر: إنما هو بين عيينة والأقرع، فقال: هم سواء. وروى أبو داود عن ابن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أبالي ما أتيت إن

أنا شربت ترياقا قال: أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل تعس» أي من جهة تعسي، فخرج به ما قاله حاكيا وعن غيره لا عن نفسه، كما في الصحيح صدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد. ألا كل شيء ما خلا الله باطل............... ... وسيأتي الكلام على حديث ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- في المسألة الآتية. قال الإمام إبراهيم الحربي، ولم يبلغني أنه صلى الله عليه وسلم أنشد بيتا تاما رويته بل إما الصدر كقول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل............... ........ أو العجز كقول طرفة: ............... ....... ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود فإن أنشد بيتا كاملا غيره كبيت العباس بن مرداس. وروى البيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط. وروى ابن سعد عن الزهري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا، وأطهر قال: فكان الزهري يقول: إنه لم يقل شيئا من الشعر إلا قد قيل قبله أو نوى ذاك إلا هذا. قال العلماء- رحمهم الله تعالى- وما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الرجز كقوله: هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت وغيره محمول على أنه لم يقصده ولا يسمى شعرا إلا ما كان مقصودا، وكذا وقع في القرآن آيات موزونة، لأنها لم تقصد. وقد قال أهل البديع: إن الانسجام هو أن يكون الكلام لخلوه من الانعقاد متحدرا كتحدر الماء المنسجم ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت فقراته موزونة بلا قصد لقوة انسجامه، ومن ذلك ما وقع في القرآن موزونا، فمنه من بحر الطويل: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف/ 29] ومن المديد وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود/ 37] . ومن البسيط: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف/ 25] . ومن الوافر: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة/ 14] .

ومن الكامل: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة/ 213] . ومن الهزج: فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً [يوسف/ 93] . ومن الرجز: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا [الإنسان/ 14] . ومن الرمل: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ/ 13] . ومن السريع: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ [البقرة/ 259] . ومن المنسرح: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ [الإنسان/ 2] . ومن الخفيف: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء/ 78] . ومن المضارع: يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ [غافر/ 32، 33] . ومن المقتضب: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة/ 10] . ومن المجتث: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر/ 49] . ومن المتقارب: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف/ 183] . والمشهور بين الناس قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران/ 92] . وروى أبو يعلى والبزار وابن حبان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1] ، جاءت امرأة أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر فلما رأى أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت، قال: إنها لن تراني، فجاءت فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد هجاني، قال: ما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مصدق وانصرفت، قلت: يا رسول الله، لم ترك، قال: ما زال ملك يسترني بجناحيه. وروى الحميدي وأبو يعلى من طريق إسحاق بن إبراهيم الهروي، وبقية الإسناد ثقات عن أسماء- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1] أقبلت العوراء أم جميل ابنة حرب ولها ولولة وفي يديها فهر من حجارة وهي تقول: مذمما عصينا ... .. وأمره أبينا .. ودينه ملينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ثم قرأ قرآنا ومعه أبو بكر، قال: يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» ، وقرأ قرآنا اعتصم به، كما

تنبيهان:

قال الله تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء/ 45] ، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك هجاني فقال: ورب هذا البيت، ما هجاك، قال: فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها. ووقع في «تنبيه» الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عدة مواضع موزونة. قال النووي: كان لا يحسن الشعر، ولكن يميز بين جيده ورديئه وقال الزركشي: ظاهر كلامهم أن هذا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأن غيره من الأنبياء ليس كذلك. قلت: وهو ظاهر لأن غيره من الأنبياء لم يؤتوا. تنبيهان: الأول: قال ابن فارس في فقه اللغة: الشعر كلام موزون مقفى، دال على معنى، ويكون أكثر من بيت، وإنما قلنا هذا، لأنه جائز اتفاقا سطر واحد، بوزن يشبه وزن الشعر من غير قصد، فقد قيل أن بعض الناس كتب في عنوان الكتاب: للأمير المسيب بن زهير بن عقال بن شيبة بن عقال، فاستوى هذا في الوزن الذي هو الخفيف، ولعل الكاتب لم يقصد به شعرا. الثاني: فإن قيل: ما الحكمة في تنزيه الله تعالى نبيه عن الشعر؟ فالجواب: أو ما في ذلك حكم الله بأن الشعراء يتبعهم الغاوون. وأنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون فلم يكن ينبغي لرسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر بحال، لأن للشعر شرائط لا يسمى الإنسان بغيرها شاعرا، وذلك لو أن إنسانا عمل كلاما مستقيما موزونا، يتحرى فيه الصدق من غير أن يفرط أو يتعدى، أو يمني أو يأتي منه بأشياء لا يمكن كونها منه لما سماه الناس شاعرا، ولكان ما يقوله محمولا ساقطا. وقال قال بعض العقلاء، وسئل عن الشعر فقال: إن هزل أضحك، وإن جد كذب، والشاعر بين كذب وإضحاك، وإذا كان كذلك فقد نزه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن هاتين الخصلتين، وبعد فإنا لا نكاد نرى شاعرا إلا مادحا غارقا أو هاجئا جبانا أقرع. وهذه أوصاف لا تصلح لنبي، فإن قال قائل: فقد يكون من الشعر الحكمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة» قيل له: إنما نزهه الله تعالى عن قليل الشعر وكثيره لما ذكرناه، فأما الحكمة فقد آتاه الله تعالى من ذلك القسم الأجزل، والنصيب الأوفر، في الكتاب والسنة، ومعنى آخر في تنزيهه عن قول الشعر: أن أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنظم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع، والإيقاع ضرب من الملاهي، لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما أنا من دد

الثانية عشرة:

ولا دد مني» . رواه البخاري في الأدب عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: «لست من دد ولا الدد مني» يعني: لست من الباطل ولا الباطل مني. الثانية عشرة: وبتحريم شرب الترياق. الثالثة عشرة: وتعليق تميمة. روى أبو داود عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال: سمعت عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا، أو علقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي» قال أبو داود: هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد رخص في الترياق لغيره. وروى الإمام العلامة ولي الله الشيخ شهاب الدين بن رسلان في شرح سنن أبي داود «أبالي» بضم الهمزة «وما أتيت» بفتح التاء الأولى، أي لا أكثرت لشيء من أمر ديني، ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئا منها. والترياق ليس المراد منه ما كان نباتا أو حجرا، بل المختلط بلحوم الأفاعي، يطرح منها رأسها وأذنابها، وتستعمل أوساطها في الترياق، وهو محرم لأنه نجس وإن أخذ الترياق من أشياء طاهرة، فهو طاهر، ولا بأس بأكله وشربه، وممن رخص فيما فيه شيء من الحيات مالك، ويقتضيه مذهب الشافعي لإباحة التداوي ببعض المحرمات. والتميمة جمعها تمائم. قال البيهقي: يقال إن التميمة خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات. وفي النهاية: التمائم خرزات كانت العرب يرون تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام، ورد عليهم اعتقادهم الفاسد والضلال، إذ لا نافع ولا دافع إلا الله تعالى. الرابعة عشرة: وبتحريم نزع لأمته إذا لبسها قبل أن يقاتل. روى الإمام احمد وابن سعد والدارمي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» . ورواه البخاري تعليقا، والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- للأمة بالهمز كما قيده صاحب المشارق وغيره: الدرع، ونقل ابن مالك عن الزهري أنها السلاح كله، وجمعها لأمر كتمر، وجمعت أيضاً على لؤم كرطب على غير قياس. كما قال الجوهري فإنها جمع لؤمة بضم اللام واستلأم الرجل لبس لأمته.

الخامسة عشرة:

الخامسة عشرة: وبتحريم الرجوع إذا خرج لحرب. السادسة عشرة: وبتحريم الانهزام إذا لقي العدو، وإن كثر عليه العدد ذكرهما ابن سراقة في الأعداد، وأبو سعيد في «الشرف» . روى السلمي في الحقائق عن الفيروذابادي في قوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ [الأنفال/ 66] قال: هذا التخفيف كان للأمة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لا يثقله حمل أمانة النبوة، كيف يخاطب بتخفيف اللقاء للامتداد؟ وكيف يخاطب وهو الذي يقول: بك أصول بك أجول؟ ومن كان به كيف يخفف عنه، أو يثقل عليه؟ ونقله الطيبي من حاشية الكشاف وأقره. السابعة عشرة: وبتحريم مد العين إلى ما متع به الناس قال الله- سبحانه وتعالى-: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [طه/ 131] . وقال تبارك وتعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [الحجر/ 87، 88] . فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي الزجر عن التشوق إلى متاع الدنيا على الدوام، فما الجمع بين ذلك وبين قوله «حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة» . والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوقا إلى زخرف الدنيا ولذاتها ولقد عرض عليه أن تكون له جبال مكة ذهبا تسير معه حيث سار فأباها، واختار الافتقار إلى الله تعالى. معلوم أن الذهب يتحصل به جميع ما يقصده من أعراض الدنيا وزخارفها، وتقلله من الدنيا أمر شائع ذائع أصحت به الأحاديث. وتقدم بعض ذلك في باب زهده صلى الله عليه وسلم إذا تقرر ذلك، فحبه للنساء والطيب ليس من زهرة الدنيا والافتتان، بل هو من أعمال الآخرة المحصلة لمعالي الدرجات، وبيان ذلك أنه حبب إليه كثرة النّساء، ليطّلعن على ما لديه من بواطن الشريعة وظواهرها، فينقلنه ويعلنه للناس، أو يكون التشريع بسببهن، وخصوصاً مما يستحيي الرجال من ذكره والسؤال عنه، فإنهن كن يطلعن من أحواله صلى الله عليه وسلم، وأقواله على ما لا يطلع عليه غيرهن، فقد تعلمن عنه صلى الله عليه وسلم ما رأينه في منامه، وحال خلوته من الآيات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده، ولم يشاهدها غيرهن، فحصل من ذلك من الفوائد الأخروية ما لا يحصى وأما حبه للطيب، فلأجل نزول الملك عليه، وملازمته له بالوحي، ولهذا كان يمتنع من تناول ماله رائحة كريهة، وقال: إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فظهر بذلك أن حبه للنساء، والطيب كان لمصلحة أخروية.

الثامنة عشرة:

الثامنة عشرة: وبتحريم خائنة الأعين. روى أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن سعد بن أبي وقاص (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، أمن الناس إلا أربعة نفر منهم عبد الله بن أبي سرح، فاختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به عثمان فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: أما منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا الخبيث؟ إني كففت يدي عن بيعته لتقتله، قالوا: ما درينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت بعينيك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» . وروى ابن سعد نحوه عن سعيد بن المسيب مرسلا وقال في آخره: «الإيماء خيانة ليس لنبي أن يومئ» . قال الرافعي: فسروا خائنة الأعين بالإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، وإنما قيل له خائنة الأعين، لأنه يشبه الخيانة من حيث يخفي، ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور. وقال ابن الأثير: معناها أن يضمر من نفسه غير ما يظهره، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين. سميت خائنة الأعين أي: ما يخونون فيه مسارقة النظر إلى ما لا يحل، والخافية بمعنى الخيانة، وهي من المصادر التي جاءت بلفظ الفاعل كالعاقبة. التاسعة عشرة: قيل وبتحريم أن يخدع في الحرب. قاله ابن القاص، وخالفه المعظم لما رواه الشيخان عن جابر (رض قال:) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة» . واختلف في ضبط قوله «خدعة» «خدعة» فقيل بفتح الخاء المعجمة، وضمها مع سكون المهملة فيهما، أو بضم أوله وفتح ثانيه. قال النووي- رحمه الله تعالى-: اتفقوا على أن الأول أفصح. وحكى المنذري لغة رابعة، الفتح فيهما. وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة، كسر أوله مع الإسكان، وأصل الخدع: إظهار أمر، وإضمار خلافه. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك. وقال ابن المنير: معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها، الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة، وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. انتهى.

العشرون:

فإن قيل: إذا كان أصل الخداع إظهار أمر، وإضمار خلافه فيكون هو وخائنة الأعين سواء، فيصح ما استنبطه ابن القاص، لأنه لا فرق بينهما، فالجواب بأنهما ليسا سواء، وإن اتفقا في المعنى، والفرق بينهما من وجه آخر، وهو أن الإيماء والتلويح بالمرء ممن يحط من قدر فاعله ويسقط الهيبة، فلذلك منع منه صلى الله عليه وسلم لشرفه وكمال منزلته، وأما الإيهام في الأمور العظام كمكائد الحروب وخصوصا لأعداء الدين، فإنها معدودة من قبيل حسن السياسات، وكمال العقول، ونهاية المعارف فهي لا تزري بصاحبها بل تزيده رفعة. أشار إلى ذلك إمام الحرمين، ويؤيده ما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم «كان إذا أراد سفرا ورى بغيره» . ويحتمل أن يفرق بوجه آخر، وهو أن الخداع المأذون فيه مخصوص بحالة الحرب وما قاربها، بخلاف «خائنة الأعين» فإنها في غير ذلك، فإن القصة اتفقت في حالة المبايعة، وليست بحالة الحرب. العشرون: وبتحريم الصلاة على من مات وعليه دين من غير ضامن ثم نسخ التحريم، فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له، ويوفيه من عنده. الحادية والعشرون: وبتحريم الإغارة إذا سمع التكبير. قاله ابن منيع. روى الشيخان عن أنس (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم. الثانية والعشرون: وبتحريم قبول هدية مشرك. الثالثة والعشرون: والاستعانة به. روى البخاري في تاريخه عن حبيب بن يساف- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وجها فأتيته أنا ورجل من قومي، قلنا إنا نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال: «أو أسلمتما؟» قلنا: لا قال: «إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين» . الرابعة والعشرون: وبتحريم الشهادة على جور. روى الشيخان عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: سألت أمي أبي لي بعض الموهبة من ماله، ثم بدا له فوهبه لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة قال: «ألك ولد سواه؟» قال: نعم، قال: فأراه قال: «لا تشهدني على جور» . وفي لفظ لهما فقال: «أكل ولدك نحلت» مثله؟ فقال: لا قال: «فأرجعه» . وفي رواية لمسلم: «لا أشهد على جور، أشهد على هذا غيري» . وظاهر هذا الحديث: التسوية بين الأولاد في الهبة، ويحمل الأمر في ذلك على الندب، والنهي للتسوية.

تنبيه:

وأما إذا فضل بعضهم على بعض، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك، رحمهم الله تعالى- أنه مكروه وليس بحرام، والهبة صحيحة. وقال الإمام أحمد: هو حرام، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشهدني على جور» ، واحتج الشافعي بقوله: «أشهد على هذا غيري» . فإن قيل: قاله تهديدا، قلنا: الأصل في كلام الشارع غير هذا، ويحتمل عند إطلاقه صيغة أفعل على الوجوب أو الندب، فإن تعذر فعلى الإباحة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أشهد على جور» ، فليس فيه أنه حرام، لأن الجور هنا الميل عن الاستواء والاعتدال فكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور، سواء كان حراما أو مكروها، وقد وضح بما قدمناه وقوله صلى الله عليه وسلم: «أشهد على هذا غيري» دليل على أنه ليس بحرام، فيجب تأويله على أنه مكروه كراهة تنزيه، قاله النووي في شرح مسلم. تنبيه: لما نقل ابن الملقن هذه الخصوصية عن القضاعي قال: وفي هذا نظر بالنسبة إلى غيره. قال الحضيري: وفي هذا النظر نظر أيضاً، فإن ظاهره يقتضي منع الخصوصية في عدم الشهادة على الجور فإن غيره من الناس مثله في ذلك، فلا تجوز الشهادة على الجور مطلقا، هذا يعني مقتضى كلامه، وليس بجيد فإن من الجور ما هو محرم، فلا تجوز الشهادة عليه، ومنه مكروه فلا تجوز في حقه صلى الله عليه وسلم، وتجوز في حق غيره، كما في هذه القصة، حيث حملنا ذلك على الكراهة كما في الصحيح، فإنه سمى ذلك جورا، وقال: «أشهد غيري» ، وهذا ينبني على أمر آخر، وهو المراد بالشهادة على الجور، هل هي بحملها أو أدائها؟ فإن قلنا: بحملها، ففي حقه صلى الله عليه وسلم لا يجوز ذلك، لأنه لا يقر على باطل ولا مكروه، وأما غيره، فالذي يظهر أنه يجوز مطلقا، سواء كان محرما أو مكروها، لأن الأمر دائر بين ظالم ومظلوم، فتحمل الشهادة على ذلك يحتاج إليها المظلوم في خلاص حقه عند طلبه فلا يمتنع، ولو كان الظالم لا يحتاجها. وإن قلنا: المراد الأداء، فهي ممتنعة في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه هو الحاكم والمشرع، فلا يمكن ردها عند غيره، اللهم إلا أن يقال: يشهد فيها ليحكم فيها بعلمه، وهو محل نظر، وأما غيره فلا يمتنع قطعا. الخامسة والعشرون: وبتحريم الخمر عليه من أول ما بعث قبل أن تحرم على الناس بنحو عشرين سنة، فلم تبح له قط، ولم يشربها قط. روى ابن حبان عن عروة بن رويم مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما نهاني ربي بعد عبادة الأوثان عن شرب الخمر، وملاحاة الرجال» .

السادسة والعشرون:

السادسة والعشرون: وبأنه كان لا يصلي على من غل. السابعة والعشرون: أو قتل نفسه. الثامنة والعشرون: وبأنه كان إذا دعي إلى جنازة سأل عنها، فإن أثني عليها خيرا صلى عليها، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها: شأنكم بها ولم يصل عليها. كما رواه الحاكم عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه-. التاسعة والعشرون: وبتحريم المن يستكثر. قال الله- سبحانه وتعالى-: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر 6] . قال: لا تعط لتأخذ أكثر ما أعطيت من المال، لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجلّ الأخلاق. يقال: مننت فلانا كذا، أي: أعطيته، ويقال للعطية: المن. هذا قول ابن عباس وعكرمة وقتادة، ونقله الثعلبي عن أكثر المفسرين. وقال القرطبي: إنه الأظهر. الثلاثون: وبأنه ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا. روى الحاكم عن علي (رضي الله عنه) أنه أضاف رجلا وضع له طعاما فقال لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى فراشا قد ضرب في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة ارجع فقل له ما رجعك يا رسول الله فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس لنبي أن يدخل بيتا مزروقا» . النوع الثاني من المحرمات في النكاح وفيه مسائل: الأولى: خص صلى الله عليه وسلم بتحريم إمساك كارهته. روى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- أن ابنة الجون لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك فقال: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» . قال ابن الملقن: ويشهد لذلك إيجاب التخيير المتقدم، وهل كان قيد التحريم مؤبدا أم لا؟ فيه وجهان. الثانية: وبتحريم من لم تهاجر. الثالثة: وبتحريم نكاح الأمة المسلمة في الأصح، لأن جوازه في حق الأمة مشروط بخوف العنت، وبفقدان طول الحرة، ونكاحه- عليه الصلاة والسلام- غير مفتقر إلى مهر ابتداء

تنبيه:

وانتهاء، ولأن من نكح أمة كان ولده رقيقا، ومنصبه- عليه الصلاة والسلام- منزه عن ذلك، ويشترط في نكاح الأمة أن لا تكون تحته حرة صالحة للاستمتاع، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تزويجه خديجة متزوجا. قال الجلال البلقيني: ويظهر في ذلك أن يقال: لم يقع ولا يقع، لأنه ينسب متعاطيه إلى أيضاًع شرفه، وإن كان حلالا له، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلا ذلك (لأنه لم يلتفت إلى الدنيا، فكيف يلتفت إلى نكاح الأمة التي هي كأكل الميتة التي لا تباح إلا للضرورة فلما لم يتصور في حقه الاضطرار إلى المأكولات من مالكه المحتاج إليه وعلى صاحبه دفعه إليه، فكذلك لا يتصور في حقه صلى الله عليه وسلم اضطرار إلى نكاح الأمة، بل لو أعجبته الأمة، وجب على مالكها بذلها له، قياسا على الطعام. وإذا قلنا: له نكاح الأمة، فأتت بولد، لم يكن رقيقا على الصحيح، وإذا قلنا: بجريان الرق على العرب على قولنا به وهو الجديد المشهور لا يلزمه قيمة الولد لسيدها كما جزم به القاضي الحسين، بخلاف ولد المغرور بحرية أمّه، لأنّ هناك فات الرق بظنه، وهنا الرق متعذر، قال الرافعي: ويوافق ما ذكره القاضي ما حكاه الإمام، أنه لو قدر نكاح غرور في حقه صلى الله عليه وسلم لم تلزمه قيمة الولد، لأنه مع العلم بالحال لا ينعقد رقيقا، فلا ينهض الظن رافعا للرق. قال ابن الرفعة: ومن تصوير ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم نظر: تنبيه: قال في أصل الروضة: المذهب القطع بتحريم نكاح الأمة الكتابية. الرابعة: وكان إذا خطب فرد لم يعد. روى ابن سعد عن مجاهد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب فرد لم يعد، فخطب امرأة فقالت: حتى أستأمر أبي، فاستأمرت أباها، فأذن لها، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له، فقال: «قد التحفنا لحافا غيرك» . قال الشيخ: فيحتمل التحريم والكراهة قياسا على أمساك كارهته، ولم أر من تعرض له. الخامسة: قال البلقيني في «التدريب» لا يقع منه صلى الله عليه وسلم الإيلاء الذي يضربه منه المدة ولا الظهار، لأنهما حرامان، وهو معصوم من كل فعل محرم. قال الحضيري وكذا كل محرم بعصمته من الكبائر، ومن الصغائر على الصحيح، سوى ما خصّ به دون أمته، فإنه من باب الإباحة، وحينئذ لا فائدة في تخصيص هاتين المسألتين سوى التنبيه، وكذلك ذكر مسألة أخرى وهي: استحالة اللعان في حقه صلى الله عليه وسلم. السادسة: الكفارة في حقه صلى الله عليه وسلم وهو استنباط حسن.

الباب السابع فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته من المباحات والتخفيفات وفيه نوعان:

الباب السابع فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المباحات والتخفيفات وفيه نوعان: اعلم أن التحقيقات توسعة عليه صلى الله عليه وسلم تنبيها على أن ما خص به صلى الله عليه وسلم من الإباحة لا يلهيه عن طاعة الله، وإن ألهى غيره، ومعظم ذلك لم يفعله مع إباحته، وليس المراد بالمباح هنا مستوى الطرفين، بل المراد به ما لا حرج في فعله ولا في تركه، فإنه صلى الله عليه وسلم واصل وقد قال الإمام: أنه قربه في حقه صلى الله عليه وسلم، وكذا صفي المفنم والاستبداد بالخمس فقد يكون راجح الفعل كصرفه في أهم المصالح. وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى ودخوله مكة بغير إحرام كما تقدم، وقد يترجح تركه، وكذا الزيادة على الأربع لا تساوي فيها، فإن أفعاله وأقواله كلها راجحة مثاب عليها، حتى في أكله وشربه، لأن الواحد منا يثاب بشرط أن يقصد وجه الله بذلك، وهو بذلك أولى صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الفعل نوعان: النوع الأول فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل: الأولى: اختص صلى الله عليه وسلم بالمكث في المسجد جنبا. عن خارجة بن سعد عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» . قاله ابن القاص في التلخيص: وتوزع في ذلك. قال النووي. وقد يحتج له بما رواه الترمذي عن عطية العوفي عن ابن سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» . قال الترمذي: حسن غريب قال النووي: لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية، فإنه ضعيف عند جمهور المحدثين، لكن الترمذي قد حسنه، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما تقرر لأهل هذا الفن فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص. انتهى. وروى البيهقي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء، وكل جنب من الرجال إلا محمدا وأهل بيته عليا، وفاطمة، والحسن، والحسين» . وروى البخاري في تاريخه، والبيهقي عن عائشة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب، إلا لمحمد وآل محمد» . وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول

الثانية:

الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي» . وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن أبي حازم الأشجعي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وأبناء علي» . فهذه الأحاديث تشهد لتحسين الترمذي، وفي عد هذه الخصائص نظر، لأن عليا يشاركه في ذلك. الثانية: وبأنه لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعا. روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، تنام قبل أن توتر؟ فقال: «يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» . ورويا في حديث الإسراء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. قال أبو عمر: هذا من علياء مراتب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم. كما روي: «إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا» ولذا قال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي، لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب ويساووهم في نوم العين، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم، لم تكن رؤياهم إلا كرؤيا من سواهم. ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ، لأن الوضوء إنما يجب لغلبة النوم على القلب لا على العين، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يساوي أمته في الوضوء من الحدث، ولا يساويهم في الوضوء من النوم. وروى مسدد وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنام عيني ولا ينام قلبي» . وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو ساجد، فما يعرف نومه إلا بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته. ورواه أبو يعلى بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام مستلقيا حتى ينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ. وروى عبد الرزاق عن أبي قلابة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لي: لتنم عينك، وليعقل قلبك، ولتسمع أذنك، فنامت عيني، وعقل قلبي، وسمعت أذني» .

تنبيهان:

تنبيهان: الأول: إن قيل: إذا كان نومه صلى الله عليه وسلم يساوي نومنا من انطباق الجفن وعدم السماع حتى أنه نام عن الصلاة، فما أيقظه إلا حر الشمس، فما الفرق بيننا وبينه في النوم؟ فالجواب: بأن النوم متضمن أمرين: أحدهما: راحة البدن، وهو الذي يشاركنا فيه. والثاني: غفلة القلب، وقلبه صلى الله عليه وسلم مستيقظ إذا نام، سليم من الأحلام، مشتغل في تلقف الوحي والتفكير في المصالح على مثل حال غيره إذا كان منتبها فلا يتعطل قلبه بالنوم كما وضع له [ ... ] . الثاني: تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم في الوادي وبين قوله صلى الله عليه وسلم: «أن عيني تنامان ولا ينام قلبي» بأوجه: الأول: إن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلق بالعين، لأنها نائمة والقلب يقظان. الثاني: أنه كان له حالان: حال كان قلبه لا ينام، وهو الأغلب. وحال ينام فيه قلبه، وهو نادر. فصادف قصة النوم في الصلاة. قال الإمام النووي: والصحيح المعتمد هو الأول، والثاني ضعيف. قال الحافظ: وهو كما قال، ولا يقال: القلب- وإن كان لا يدرك- ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا، لكنه يدرك- إذا كان يقظانا- بمرور الوقت الطويل من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حمت الشمس مدة طويلة، لا يخفى على من لم يكن مستغرقا لأنا نقول: يحتمل أن يقال: كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل، لأنه أوقع في النفس، كما في قصة سهوه في الصلاة، وقريبا منه جواب ابن المنير أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم بطريق الأولى، أو على السواء. وقال القاضي أبو بكر بن العربي. وقد أجيب عن الإشكال بأجوبة أخرى ضعيفة منها: أن معنى قوله: «لا ينام قلبي» أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه. ومنها: أن معناه لا يستغرقه النوم حتى يوجد منه الحدث. وهذا قريب من الذي قبله. قال ابن دقيق العيد: كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإحلال حالة الانتقاض،

الثالثة:

وذلك بعيد، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: «أن عيني تنامان ولا ينام قلبي» . خرج جوابا عن قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- له: تنام قبل أن توتر؟ وهذا كلام لا تعلق له بانتقاض الطهارة التي تكلموا فيها، وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر، فيحتمل يقظته على تعلق القلب لليقظة فلا تعارض، ولا إشكال من حديث النوم حتى طلعت الشمس، لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاء الفجر. قال الحافظ: ومحصلة تخصيص اليقظة المفهومة من قوله: «ولا ينام قلبي» ، بإدراكه. وقت الوتر إدراكا معنويا لتعلقه به، وأن نومه حتى طلعت الشمس كان مستغرقا، ويؤيد قول بلال له: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم، ولم ينكر عليه. ومعلوم أن نوم بلال كان مستغرقا. وقد اعترض عليه، بأن ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب وأجاب بأنه معتبر إذا قامت عليه قرية تدل أو ترشد عليه السياق، وهو هنا كذلك. الثالثة: وبعدم انتقاض وضوئه باللمس على أحد وجهين، جزم في الروضة بانتقاضه، واختار الشّيخ عدم الانتقاض لما رواه ابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ» . وفي لفظ له عنها: «كان يتوضأ ثم يقبل ويصلي ولا يتوضأ» قال عبد الحق: لا أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه. وقال الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي: إسناده، جيد قوي قال: وأجاب بأن يكون ذلك من الخصائص بعض الشافعية، لما أورد هذا الحديث عليهم الحنفية في أن اللمس لا ينقض مطلقا، لأن الحنفية احتجوا بأحاديث منها: ما رواه النسائي بإسناد صحيح عن القاسم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله. الرابعة: أبيح له صلى الله عليه وسلم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة. حكاه ابن دقيق العيد في شرح العمرة. قلت: واستدل له بحديث ابن عمر لقد راقيت على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته. قال ابن دقيق العيد: ولو كان هذا الفعل عاما للأمة لبينه بإظهاره بالقول، فإن الأفعال العامّة لا بد من بيانها، فلما لم يقع ذلك، وكانت هذه الرواية من ابن عمر على طريق الاتفاق وعدم قصد الرسول دل ذلك على الخصوص به صلى الله عليه وسلم وعدم العموم في حق الأمة.

الخامسة:

وتعقب القرطبي بأن كون هذا الفعل من خلوة لا يصلح مانعا من الاقتداء، لأن أهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة. وقال الحافظ دعوى خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها، إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والله تعالى أعلم. الخامسة: وبإباحة الصلاة بعد العصر. روى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال» . وروى مسلم والبيهقي عن أبي سلمة أنه سأل عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر، ثم أنه شغل عنهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان بسند صحيح عن أم سلمة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها قال: «قدم خالد فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد العصر فصليتهما الآن» ، قلت: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتنا؟ قال: «لا» ، وروى الشيخان عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، ثم رأته يصليهما، فأرسلت تساله، فلما انصرف قال: «يا بنت بني أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان» . فصريح هذه الأحاديث ناطق بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر، وقد نهى عن الصلاة في ذلك الوقت، وقد كان ابن عباس يضرب الناس مع عمر بن الخطاب على فعلهما. كما رواه الشيخان. وصرح حديث أم سلمة بأنهما الركعتان بعد الظهر، قضاهما في أول نوبة، وواظب على فعلهما في قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- ما تركها حتى لحق بالله تعالى وقولها: لم يكن يدعهما. مرادها من تأخير الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر. ولم يرد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة، ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه. وقول عائشة- رضي الله تعالى عنها- كان يصليهما قبل العصر يعني في وقت الظهر، لأنهما راتبة الظّهر ويصليها بعدها، كما في حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وليس المراد قبل العصر بعد دخول وقت العصر.

السادسة:

السادسة: وبإباحة الوصال في الصوم. روى الشيخان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تواصلوا» ، قالوا: إنك تواصل قال: «إني لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى، أو إني أبيت أطعم وأسقى» ورويا عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله قال: «وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . والأحاديث في ذلك كثيرة، وقد اختلف في تأويل هذه الأحاديث على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه على ظاهره وأنه يؤتى بطعام وشراب من الجنة، وطعام الجنة لا يفطر. الثاني: أن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه من الطعام والشراب. الثالث: أن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام ولا شراب، كما يحفظها بالطعام والشراب، فعبر بالطعام والشراب عن فائدتهما، وعليه اقتصر ابن العربي وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: للعلماء فيه مذهبان: قال بعضهم: المراد الطّعام والسقي الحقيقي، فكأنه يقول: أنا لا أواصل فإن الله يطعمني من غير طعام الدنيا. وقيل: بل المراد ما يرد عليه من المعارف والمواهب، فإنها تقوت النفس كما يقويها الطعام، فأطلق عليه الإطعام والسقي من مجاز التشبيه. وعلى هذا الأكثر. وقال العلامة الشيخ شمس الدين بن الصائغ في «الدرر الفريدة» هذا طعام الأرواح وشرابها، وما يفيض عليها من أنوار البهجة. لها أحاديث من ذكراك يشملها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور يستضاء به ... ومن حديثك في أعقابها حادي ومن قال: يأكل ويشرب حقيقة غلط من وجوه. أحدها: قوله في بعض الروايات «أظل» . الثاني: أنهم لما قالوا: إنك تواصل.. قال: «إني لست كأحدكم» . ولو كان كما قيل لقال: وأنا لا أواصل. الثالث: إنه لو كان كذلك لم يصح الجواب بالفارق فكأنه صلى الله عليه وسلم مفطر فلا يصح النفي. انتهى. قال الإمام الشافعي- رحمه الله- وجمهور أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- أن الوصال في حق النبي صلى الله عليه وسلم من المباحات. وقال إمام الحرمين: هو قربه في حقه قال: وخصوصيته صلى الله عليه وسلم بإباحة الوصال على كل

تنبيه:

الأمة لا على أفرادها لأن كثيرا من العلماء اشتهر عنهم الوصال. قال: والنبي صلى الله عليه وسلم توجه خصوصيته بحسب المجموع، لأنه مشرع قلت وهذا الكلام فيه نظر والوصال صيام يومين فأكثر لا يتناول فيهما شيئا من أكل وشرب. تنبيه: قال ابن حبان: يستدل بهذا الحديث على بطلان ما ورد أنه كان يضع الحجر على بطنه من الجوع، لأنه كان يطعم ويسقى عند ربه إذا واصل، فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شد حجر على بطنه؟ قال: وإنما لفظ الحديث: الحجز بالزاي، وهو طرف الإزار فتحرف بالراء. قلت: وهذا التأويل مردود بما سبق في غزوة الخندق. وتقدم بيان رده في باب صفة عيشه صلى الله عليه وسلم من صفاته المعنوية. السابعة: وباصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة كجارية وغيرها. روى أبو داود عن الشعبي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرضا يختاره قبل الخمس وقبل كل شيء. وروى عن ابن عون- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت محمد بن سيرين عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفي قال: كان يصرف له مع المسلمين سهم، وإن لم يشهدوا الصفي يؤخذ له من رأس الخمس قبل كل شيء. وروى ابن سعد وابن عساكر عن عمر بن الحكم- رضي الله تعالى عنه- قال: لما سبيت بنو قريظة، عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيه ريحانة بنت زيد بن عمرو فأمر بها فعزلت وكان يكون له صفي من كل غنيمة. قال أبو عمر: سهم الصفي مشهور في صحيح الآثار، معروف عند أهل العلم ولا يختلف أهل السير في أن صفيه منه. وأجمع العلماء على أنه خاص به. وذكر الرافعي أن ذا الفقار كان من الصفي. الثامنة: وبخمس الخمس من الفيء والغنيمة. التاسعة: وبأربعة أخماس الخمس بتمامها. قال الله سبحانه وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال/ 41] ، فسهم الرسول هو المراد، وقال سبحانه وتعالى: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الآية [الحشر/ 7] . روى الإمام أحمد والشيخان عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: إن الله تعالى كان

العاشرة:

يخص رسوله في هذا الفيء ما لم يعطه أحدا غيره، فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر/ 6] . فكانت هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ينفق على أهله نفقتهم سنة ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك حياته، فقال أبو بكر: أنا أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود والحاكم عن عمرو بن عنبسة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» . العاشرة: وبدخول مكة بغير إحرام على القول بوجوبه في حق غيره على تفصيل فيه، والأصح استحبابه. روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. وذكر القضاعي أن ذلك مما اختص به دون من قبله من الأنبياء، وتقدمت أحاديث في ذلك في باب لباسه- صلى الله عليه وسلم-. الحادية عشرة: وبأن مكة أحلت له ساعة من نهار. قال القضاعي: خص بذلك من بين سائر الأنبياء. الثانية عشرة: وبأن ماله لا يورث عنه وكذلك الأنبياء، عليهم أن يوصوا بكل مالهم صدقة. روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» . وروى النسائي أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال لعبد الرحمن وسعد وعثمان وطلحة والزبير: أتشهدوا بالله الذي قامت له السموات والأرض، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة؟ قالوا: اللهم، نعم. والحكمة في أن الأنبياء لا يورثون، أن لا يظن بهم مبطل أنهم يجمعون الدنيا لورثتهم، فقطع الله ظن المبطل، ولم يجعل للورثة شيئا. وقال الشيخ نصر الدين المقدسي: المعنى والله تعالى أعلم- أن الأنبياء- صلوات الله، وسلامه عليهم- لا يورثون، لأنه يقع في قلب الإنسان شهوة موت مورثه ليأخذ ماله في الغالب، فنزه الله تعالى الأنبياء وأهاليهم عن مثل ذلك، فقطع الإرث عنهم.

الثالثة عشرة:

فإن قيل: ما الجواب عن قوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل/ 16] ، وقوله- تبارك وتعالى- حكاية عن زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي [مريم/ 5، 6] ، وعموم قوله تقدس اسمه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء/ 11] ، فالجواب أن يقال: المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين لا المال. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء» وأما: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء/ 11] فهي عامة لمن ترك شيئا كان يملكه، وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته، فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث، وعلى تقدير أنه خلف شيئا فما كان ملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه أنه لا يورث، فحص من عموم المخاطبين وهم الأمة. الثالثة عشرة: وبأنه ضحى عن أمته، وليس لأحد بأن يضحي عن أحد بغير إذنه. روى الحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا أقرن بالمصلى ثم قال: «اللهم، هذا عني وعن من لم يضح من أمتي» . الرابعة عشرة: وبأن له أن يقضي بعلم نفسه، ولو في الحدود وفي غيره خلاف. روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، أن أبا سفيان رجل مسيك، فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ فقال: «لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف» . وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالبها بالبينة على الزوجية، لأنه علم أنها زوجته، فحكم بأخذ النفقة من ماله بالمعروف [ (1) ] . وهذا هو القضاء بالعلم، ذكر ذلك البخاري وابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم. الخامسة عشرة: وبأن يحكم بغير دعوى، ولا يجوز ذلك لغيره. قاله ابن دحية، واستدل بما روى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان يتهم بأم إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «اذهب فاضرب عنقه» ، فأتاه علي، فإذا هو في ركن يتبرد فيها، فقال له، علي: اخرج، فناوله يده فأخرجه، فإذا هو مجبوب، ليس له ذكر فكف علي عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! إنه لمجبوب ما له ذكر. وقد ورد تسمية هذا مأثورا، والذي كان يتهم بها مارية فقال الناس: علج يدخل على علجة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتله.

_ [ (1) ] سقط في ح.

السادسة عشرة:

قال الحضيري: والاستدلال به على ما ادعاه غير مسلم فإن الحديث قد استشكله جماعة من العلماء، حتى قال ابن جرير: يجوز أن يكون المذكور من أهل العهد، وفي عهده أن لا يدخل على مارية، فقال: ودخل عليها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لنقض عهده. وقال النووي تبعا للقاضي: قيل لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر، وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا، وكف عنه علي اعتمادا على أن القتل بالزنا وقد علم انتفاء الزنا، وفيه نظر أيضاً، لأنا نعتبر نفي ظن الزنا من مارية، فإنه لو أمر بقتله بذلك، لأمر بإقامة الحد عليها أيضاً، ولم يقع ذلك معاذ الله أن يختلج ذلك في خاطره أو يتفوه به. وأحسن ما يقال في الجواب عن هذا الحديث، ما أشار إليه أبو محمد بن حزم في «الإيصال إلى فهم كتاب الخصال» ، فإنه قال: من ظن أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله حقيقة بغير بينة ولا إقرار فقد جهل، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه بريء مما نسب إليه ورمي به، وأن الذي ينسب إليه كذب، فأراد صلى الله عليه وسلم إظهار الناس على براءته يوقفهم على ذلك مشاهدة، فبعث عليا ومن معه فشاهدوه مجبوبا- أي مقطوع الذكر- فلم يمكنه قتله لبراءته مما نسب إليه، وجعل هذا نظير قصة سليمان في حكمه بين المرأتين المختلفتين في الولد، فطلب السكين ليشقه نصفين إلهاما، ولظهور الحق، وهذا حسن انتهى كلام الحضيري. السادسة عشرة: وبأن له أن يحكم لنفسه. السابعة عشرة: ولفرعه. الثامنة عشرة: ويشهد لنفسه. التاسعة عشرة: ولفرعه. العشرون: وبقبول شهادة من شهد له [كشهادة خزيمة] . الحادية والعشرون: وبالهدية بخلاف غيره من الحكام، لأنه والأنبياء صلى الله عليه وسلم أجمعين معصومون، لا يجوز عليهم أن يحكموا بالهوى، وإنما منع الحاكم من الحكم لنفسه ولولده، لأنه يجوز عليه الهوى، فمنع من ذلك، والمعصوم- عليه السلام- لا يجوز عليه ذلك فجاز له، ولأن الهدية إنما حرمت على الحكام خوفا عليهم من الزيغ في الشريعة. الثانية والعشرون: وبعدم كراهة الحكم والفتوى حال الغضب، لأنه لا يخاف عليه من الغضب ما يخاف علينا. ذكره النووي في شرح مسلم عند حديث اللقطة، فإنه صلى الله عليه وسلم أفتى فيه، وقد غضب حتى احمرت وجنتاه.

الثالثة والعشرون:

الثالثة والعشرون: وبأن له أن يقتل من سبه أو هجاه، قاله ابن سبع، وذلك راجع إلى القضاء لنفسه. الرابعة والعشرون: وبأن له أن يحمي الموات لنفسه، مع أنه لم يقع ذلك منه، وليس لغيره من بعده أن يحموا لأنفسهم. روى البخاري عن الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلا لله ولرسوله» . الخامسة والعشرون: وبأنه لا ينقض ما حماه صلى الله عليه وسلم ومن أخذ شيئا مما حماه ضمن قيمته في الأصح بخلاف ما حماه غيره من الأئمة لو رعاه ذو قوة فلا غرم عليه. السادسة والعشرون: وبأن له أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج إليهما، وعليه البذل ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله- سبحانه وتعالى-: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب/ 6] . السابعة والعشرون: وبأن لو قصده ظالم لوجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه نقله في زوائد الروضة عن الفوراني وغيره. قال الجلال البلقيني: وهذا المتعقب، فإن قاصد نفسه كافر والكافر يجب دفعه عن كل مسلم، فلا خصوصية حينئذ قال الحضري: وهذا صحيح بالنسبة إلى قاصده فقط، لكن يدعى الخصوصية في ذلك من جهتين أخريين. إحداهما: أنه يجب بذل النفس في الدفع عنه صلى الله عليه وسلم مع الخوف على النفس، بخلاف غيره من الأمة، فإنه لا يجب الدفع مع الخوف كما قرره الرافعي والنووي في كتاب الصيد. والجهة الثانية: من الخصوصية: أن قاصد غير النبي صلى الله عليه وسلم مسلما لا يكفر، ولو وجب الدفع، وقاصده صلى الله عليه وسلم يكفر بذلك. الثامنة والعشرون: وبأن له القتل بعد الأمان قاله ابن القاص فيما نقله الإمام الرافعي وغيرهما عنه وخطأه وقال ابن الرفعة فيما نقله الزركشي عنه هذا النقل فيه خلل، والذي في التلخيص كان يجوز له القتل في الحرم بعد إعطائه الأمان. قال وهذا لا يطابق ما حكي عنه، لأن ذلك ينصرف بإطلاقه إلى جواز قتل من أمنه وهذا بظاهره يعطي أنه إذا قال: من دخل الحرم فهو آمن، فدخل شخص الحرم وكان ثم سبب يقتضي قتله، أبيح له قتله. وكذا قال ابن الملقن: إنه رآه كذلك في التلخيص فظهر بهذا أن ابن القاص قصد قصّة عبد الله بن خطل.

التاسعة والعشرون:

وروى الشيخان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله، ابن خطل معلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه. فابن القاص- رحمه الله تعالى- معذور، فإنه لما رأى حديث الأمان في دخول المسجد وحده، رأى في هذا الحديث الأمر بقتل ابن خطل بسط هذه الخصوصية، وهذا نهاية أمر الفقيه جمعا بين الأحاديث، لكنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما أمن الناس استثنى ابن أخطل وغيره، كما سبق في غزوة الفتح. التاسعة والعشرون: وبأن له تعزير من شاء بغير سبب يقتضيه، ويكون له رحمة، ذكره ابن القاص، وتبعه الإمام والبيهقي، ولا يلتفت إلى قول من أنكره. روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم، إني أتخذ عندك عهدا لا تخلفنيه فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة وصلاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة» . وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلان يكلمانه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئا مما أصابه هذان قال: «وما ذاك» ؟ قلت: لعنتهما وسببتهما قال: «أوما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم، إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها لها طهورا وزكاة، وقربة تقربه بها يوم القيامة» . قال النووي- رحمه الله تعالى-: هذه الأحاديث منبهة على ما كان عليه- عليه الصلاة والسلام- من الشفقة على أمته، ومن الاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم، والرغبة في كل ما ينفعهم، وهذه الرّواية الأخيرة تبين المراد من الرّوايات المطلقة، وأنّه يكون دعاؤه عليهم وسبه ولعنه ونحو ذلك، رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك، إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين، ولم يكن رحمة لهم. فإن قيل: فكيف يدعو على من ليس بأهل للدعاء عليه، أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن المراد ليس بأهل، لذلك عند الله تعالى في باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. انتهى. وهذا الجواب ذكره المازري، وهو مبني على قول من قال: إنه كان يجتهد في الأحكام، ويحكم بما أدى إليه اجتهاده، وأما من قال: لا يحكم إلا بالوحي، فلا يتأتى فيه هذا الجواب.

الثلاثون:

الثاني: أن ما وقع من سبه ودعائه ونحو ذلك ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية، كقوله لغير واحد «تربت يمينك» «وعقرى حلقي» ومثل «لا كبرت سنك» وفي حديث معاوية «ولا أشبع الله بطنك» ونحو ذلك لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل الله- سبحانه وتعالى- ورغب إليه أن يجعل ذلك رحمة، وكفارة، وقربة، وطهورا، وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه، وقد قيل: ادع على دوس فقال: «اللهم، اهد دوسا» ، وقال: «اللهم، اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون» . وهذا ذكره أيضاً المازري، وأشار القاضي إلى ترجيحه، وقال الحافظ: وهو حسن، إلا أنه يرد عليه قوله في إحدى الروايات أو جلدته إذ يقع الجلد عن غير قصد، وقد ساق الجميع مساقا واحدا، إلا أن يحمل على الجلدة الواحدة فيتجه. الثلاثون: وبجواز الوصية لآله قطعا، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب في الأصح، وفي غير آله خلاف والصحيح الصحة، وفي وجه: لا يصح لإبهام اللفظ وتردده بين القرابة وأهل الدين وغيرهما في الشرع. فالخصوصية على وجه. الحادية والثلاثون: وبجواز القبلة له وهو صائم من غير كراهة، وفي حق غيره فيمن لم تتحرك شهوته، وأما من حركت شهوته فحرام في حقه في الأصح. قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- وأيكم كان يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه. الثانية والثلاثون: وبأن له أن يستثني في يمينه ولو بعد حين إذا كان ناسيا بخلاف غيره، فإنه لا يستثني إلا في صلب يمينه. روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تبارك وتعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف/ 24] الاستثناء، فاستثن إذا نسيت، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. الثالثة والثلاثون: قيل وبأنه كان يفجأ في طعامه، ويؤكل منه معه بخلاف غيره للنهي عنه. ذكره ابن القاص والقضاعي، ولم يوافقا على ذلك. روى البيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من شعب الجبل، وقد قضى حاجته، وبين أيدينا تمر على ترس أو جفنة فدعوناه إليه فأكل معنا، وما مس ماء» .

الرابعة والثلاثون:

وروى مسلم والبيهقي عن قيس بن السكن، أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله يوم عاشوراء، وهو يأكل فقال: يا أبا محمد، أدنه تأكل، فقال: إني صائم، قال: إنا كنا نصومه ثم ترك. قال البيهقي: وفي هذا أخبار كثيرة وكل ذلك ينفي التخصيص، والنهي لم يثبت والله أعلم. الرابعة والثلاثون: وبأنه كان لا يجتنب الطيب في الإحرام، ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذ الطيب من أسباب الجماع ودواعيه، ذكره المهلب بن أبي صفرة المالكي، وأبو الحسن بن القصار وغيرهما، ورجحه القاضي أبو بكر بن العربي، واستدلوا لذلك بقول عائشة- رضي الله تعالى عنهما- كما في الصحيح كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم، ولحله حين يحل. وأجيب بأنه كان يفعل ذلك قبل الاغتسال للإحرام، واستشكل بقول عائشة- رضي الله تعالى عنها- في الصحيح: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الإسماعيلي: الوبيص الطيب زيادة على البريق، والمراد به التلألؤ، فإنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط. الخامسة والثلاثون: قيل وبأن له أن لا يكفر عن يمينه. ذكره الزمخشري في كشافه، في قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم/ 2] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كفر لذلك؟ فنقل عن الحسن أنه لم يكفر، لأنه كان مغفورا له، وقيل: إنه كفر عن يمينه. قال القرطبي: وهو الأصح، وأن المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الأمة تقتدي به في ذلك. السادسة والثلاثون: وبأنه كان يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة، لأنه منصبه المخصوص به، فله أن يضعه حيث شاء واستدل لذلك بما رواه الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، صل على آل أبي أوفى» ، ويكره لغيره، ذلك كما رجحه في الروضة، وصححه أكثر المتأخرين كابن النقيب في مختصر الكفاية والدميري. وقيل: يحرم. السابعة والثلاثون: قيل وبصلاته على الغائب. قاله جماعة من الحنفية والمالكية، واستدلوا بأشياء ردّها عليهم غيرهم، وقد بسط ذلك الحافظ في الفتح. الثامنة والثلاثون: وبإدخال العمرة على الحج.

التاسعة والثلاثون:

التاسعة والثلاثون: قيل وبإباحة حمل الصغير في الصلاة، نقله في الفتح عن بعضهم. الأربعون: وبإقطاع الأراضي قبل فتحها، لأن الله تعالى ملكه الأرض كلها. وأفتى الغزالي كما نقله عنه تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي في القانون بكفر من عارض أولاد تميم الداري فيما أقطعهم، وقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع أرض الجنة، فأرض الدنيا أولى. الحادية والأربعون: وبأنه لو قال: لفلان على فلان كذا جاز لسامعه أن يشهد بذلك، ذكره شريح الروياني في روضة الأحكام. الثانية والأربعون: قيل وبأنه والأنبياء لا تجب عليهم الزكاة، لأنه لا ملك لهم مع الله تعالى، إنما كانوا يشهدون ما في أيديهم من ودائع الله تعالى يبذلونه في أوان بذله، ويمنعونه في غير محله، ولأن الزكاة إنّما هي طهرة لما عساه أن يكون ممن أوجبت عليه، والأنبياء مبرءون من الدنس لعصمتهم. قاله ابن عطاء الله في «التنوير في إسقاط التدبير» قلت: وبنى ذلك على مذهب إمامه مالك، أن الأنبياء لا يملكون. الثالثة والأربعون: وبأنه عقد المساقاة مع أهل خيبر إلى مدة مبهمة، بقوله: «أقركم ما أقركم الله تعالى» لأنه كان يجوز مجيء الوحي بالنسخ، ولا يكون ذلك لغيره. انتهى. الرابعة والأربعون: وبالمن على الأسرى كما زعمه بعضهم. الخامسة والأربعون: وبالجمع في الضمير بينه وبين ربه. كقوله صلى الله عليه وسلم: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» ، وقوله: «ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه» . وذلك ممتنع على غيره، ولذلك أنكر على الخطيب، وإنما امتنع من غيره دونه، لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه هو، فإن منصبه لا يتطرق إليه إبهام ذلك، ذكره شيخ الإسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وقال الحافظ الصدائي في كتاب «الفصول المفيدة في الواو المزيدة» ، قيل في الجمع بين هذه الأحاديث وجوه: أحدها: أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعطي مقام الربوبية حقه، وإذ لا يتوهم فيه تسوية له بما عداه أصلا، بخلاف غيره من الأمة، فإنها مظنة التسوية عند الإطلاق في جمع الضميرين بين اسم الله تعالى وغيره، فلهذا جاز الإتيان بالجمع بين الاسمين بضمير واحد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخطيب بالإفراد كيلا يتوهم في كلامه التسوية، وهذا يرد عليه حديث ابن مسعود في صلاة الجماعة، وفيه «ومن يعصهما» ، فيدل على عدم الخصوصية إلا أن يقال: يوجد من مجموع الحديثين أن يقولوا في خطبة الحاجة: «ومن يعصي الله ورسوله» لا يجمع ألفاظها، وفيه نظر. ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنكر على الخطيب كان هناك من يتوهم التسوية بين

النوع الثاني من التخفيفات والمباحات ما يتعلق بالنكاح وفيه مسائل

المقامين عند الجمع بين ضمير واحد يمنع ذلك، وحيث لم يكن هناك من يلبس عليه أتى بالضمير، وهذا لعله أقرب من الذي قبله. ثالثها: أن ذلك الجمع لم يكن على وجه التحتم، بدليل الحديث الآخر، بل على وجه الندب والإرشاد إلى الأولوية، لما في إفراد اسم الله تعالى بلا ذكر من التعظيم اللائق بجلاله، وهذا يرجع في الحقيقة إلى ما قاله أئمة الأصول، وحينئذ فلا تكون الواو للترتيب. رابعها: أن ذلك الإنكار كان مختصا بذلك الخطيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه لم يجمع بينهما في الضمير إلا للتسوية بينهما في المقام، فقال له: «بئس الخطيب أنت» ، فيكون خطابا لمن حاله كذلك، ولعل هذا الجواب هو الأقوى بأن هذه القصة واقعة عين، وما ذكرناه محتمل، ويؤيد هذا الاحتمال فيما ذكره أن يحمل على العموم في حق كل واحد، فإن انضم إلى ذلك حديث أبي داود الذي علم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته كيف خطبة صلاة الحاجة وفيها «ومن يعصهما» بضمير التثنية قوى ذلك الاحتمال، وهذا مثل ما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تفضلوني على موسى» مع قوله: «أنا سيد الناس» ، فقيل في الجمع بينهما وجوه منها: أن الذي منعه من التفضيل يفهم منه نقصا من منصب موسى صلى الله عليه وسلم عند التفضيل عنه، فيكون ذلك مختصا بمن هو مثل حاله، والعلم عند الله تعالى. النوع الثاني من التخفيفات والمباحات ما يتعلق بالنكاح وفيه مسائل الأولى: خص صلى الله عليه وسلم بجمع أكثر من أربع نسوة وهو إجماع، وقد مات صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات كما ذكرنا في باب زوجاته، ووجه الزيادة على أربع أنه لما كان الحر لفضله على العبد يستبيح من النسوة أكثر مما كان يستبيحه أحد من الأمة [فكذلك فضل النبي صلى الله عليه وسلم على الحر ... ] . وقال بعض العلماء: السر في إباحة أكثر من أربع أن الله تعالى علمه بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحى من ذكرها ولا ما يستحى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء، فجعل الله تعالى له نسوة فينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله التي كان يستحيي من الإفصاح عنها بحضرة الرجال لتكمل الشريعة، فكثرة عدد النساء لنقلهن عنه من الأفعال ما يستحي هو من التلفظ به، وأيضاً إنهن نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه، وخلوته من الآيات الدالة على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب بأنها لا تكون إلا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن فحصل بذلك خير عظيم. الثانية: قيل وبأنه لا ينحصر طلاقه في الثلاث، والأصح خلافه.

الثالثة:

الثالثة: وبأن نكاحه ينعقد بلفظ الهبة على الأظهر لقوله تعالى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [الأحزاب/ 50] . قال الرافعي: وعلى قولنا بالانعقاد فلا يجب المهر بالفعل ولا بالدخول كما هي قضية الهبة، وهل يكفي لها لفظ الإتهاب من جهته أيضاً كما يكفي من جهة المرأة أو يشترط منه لفظ النكاح؟ وجهان أصحهما الثاني، لظاهر قوله: أَنْ يَسْتَنْكِحَها [ ... ] فاعتبر في جانبه النكاح. وروى ابن سعد والبيهقي عن الشعبي في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب/ 51] قال: كل نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجى بعضا فلم ينكحن بعده، منهن أم شريك. وروى سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن المسيب قال: لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم. الرابعة: وبأنه إذا رغب في نكاح امرأة وخطبها، فإن كانت خطبة لزمتها الإجابة، ولأنها إذا خالفت أمره كانت عاصية، وإن خالفت إرادته ورغبته كانت غير راضية بقوله وفعله، وذلك عصيان عظيم يؤدي إلى الكفر فيلزمها الإجابة، ويحرم على غيره خطبتها، لما فيه من المضارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل الماوردي بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال/ 24] . الخامسة: قيل: وبأنه إذا وقع بصره على امرأة، فوقعت منه موقعا وجب على الزوج تطليقها، لقصة زيد، قاله الغزالي. قال: ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليفه النزول عن أهله، ولعل السر فيه من جانب النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشر، ومنعه من خائنة الأعين، ومن الإضمار الذي يخالف الإظهار، ولذلك قال تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها.. [الأحزاب/ 37] الآية، ليس فيها كما ترى ما يدل على أنه أوجب الطلاق على زيد، وظاهر الآية أن زيدا طلقها باختياره، لقوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [الأحزاب/ 37] وأما السنة فليس فيها ما يقضي إيجاب الطلاق عليه، وقد سبق إلى تفسير قصة زيد على النحو الذي ذكره الغزالي جماعة من المفسرين فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قولها وعصيانها، وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب/ 37] أي فيما تقول وهو يخفي الحرص على

طلاق زيد إياها، وهذا الذي كان يخفى في نفسه ولكنه لزم ما يحبّ من الأمر بالمعروف. وقال القاضي، والحافظ، وغيرهما: وما زعمه هؤلاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي امرأة زيد وأحب طلاقها، وأنه أخفى ذلك عن زيد حين استشاره في طلاقه غيره صحيح، وإن صح عن قائله فهو منكر من القول يتحاشى جانب النبوة عنه، إذ كيف يتصور أن سيد الأولين والآخرين ينظر إلى زوجة رجل من أصحابه الخصيصين الذي ادعاه ولدا له وأنها تقع في خاطره، وأنه يقصد فراق زوجها، ليتزوجها، معاذ الله أن ينسب ذلك إليه، ولو نسب ذلك لآحاد الناس لم يرضه لنفسه، ولا يرضاه أحد لغيره، ومن قال هذه المقالة فقد اقتحم أمرا عظيما في جانب النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصا في زينب، فإنها ابنة عمته أميمة ونشأت بمكة ورآها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجاب ورآها مرارا كثيرة، وعرفها معرفة تامة، وهو الذي خطبها لزيد وزوجه إياها، فكيف يقال إنه لما جاء إلى بيت زينب يطلبه ورآها أعجبته حينئذ حتى عاتبه الله بسبب ذلك. قال الحافظ: وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة عن السدي فساقها مساقا حسنا، ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه، فكرهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها أياه ثم أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعد أنها من أزواجه، فكان يستحيي أن يأمره بفراقها، وكان لا يزال بين زينب وبين زيد ما يكون من الناس، فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» ، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا، وعند ابن أبي حاتم أيضاً عن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه قال: أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له: «اتق الله، وأمسك عليك زوجك» ، قال الله تعالى: قد أخبرتك أني لمزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه. قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها الطبري وابن أبي حاتم ونقلها أكثر المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد، والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله تعالى إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله تعالى إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا في وقوع ذلك من إمام المسلمين، ليكون أدعى لقبولهم، وإنما وقع الحبط في تأويل متعلق الخشية. انتهى والله أعلم فرضي الله تعالى عن هذا الحافظ، وقدس روحه، ونور ضريحه. وقال الشيخ أبو حيان: وهذا المروي عن علي بن الحسين، أي والسدي أصح ما قيل

السادسة:

في تفسير هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين. وقال القاضي: ما روي في حديث قتادة- رضي الله تعالى عنه- من وقوعها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند ما أعجبته، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج، وما لا يليق من مد عينيه لما نهى عنه [من زهرة الحياة الدنيا ولكان نفس الخس المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء فكيف سيد الأنبياء] وقال القشيري: هذا إقدام عظيم من قائله، وقلة معرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبفضيله، وكيف يقال: رآها وأعجبته وهي بنت عمته، ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه- عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي زوجها لزيد، وإنما جعل الله طلاق زيد لها وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنة الجاهلية، كما قال الله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب/ 40] . وقال تعالى: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ [الأحزاب/ 37] ثم قال: والأولى ما ذكرناه عن علي بن الحسين وحكاه أبو الليث السمرقندي، وهو قول عطاء، وصححه واستحسنه القاضي أبو بكر القشيري، وعليه قول ابن فورك قال: إنه معنى ذلك عند المحققين من أهل التفسير إلى آخره وذكر القاضي أبو بكر بن العربي نحوه، وإذا علم ما تقرر بطلب المسألة من ذلك لعدم قصور ذلك منه صلى الله عليه وسلم. السادسة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ينعقد نكاحه بغير ولي ولا شهود. قال الأئمة: وإنّما اشتراط الولي والشهود في نكاح غيره ولا بدّ منه، أما الولي فلأن لا يضعها عند غير كفء، وهذا المعنى مأمون من جهته صلى الله عليه وسلم لأنه أكفأ الأكفاء، وأما الشهود فلأجل استثبات الفعل، وحذرا من الجحود ونفي النسب، وكان هذا مأمونا من جهته صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم، فلم يحتج إلى ولي ولا شهود، ولأنها لو ذكرت خلاف قوله أو جحدت لم يلتفت إلى قولها لعصمته صلى الله عليه وسلم بل قال العراقي في «شرح المهذب» تكون كافرة بتكذيبه. السابعة: وبانعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم في الإحرام على الأصح قال الشيخ أبو حامد: وإنما منع غيره من العقد حال الإحرام، لأن فيه دواعي الجماع فربما يفضي بسببه إلى الجماع، فيسقط عنه الإحرام وهذا مأمون من جهته صلى الله عليه وسلم لأنه كان معصوما من ذلك وقادرا على الامتناع منه، ويدل عليه قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنه كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه فدل على أنه غير ممنوع من العقد وهو محرم، واستدل أئمتنا بحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، كما رواه الشيخان وللعلماء في ذلك كلام مذكور في المطولات. الثامنة: وبعدم وجوب القسم عليه بين زوجاته في أحد وجهين وهو قول الاصطخري،

التاسعة:

وطائفة وصححه الغزالي في الخلاصة، وعليه اقتصر في الوجيز، وأشار البلقيني إلى ترجيحه واختاره الشيخ، وقالوا: كان يفعله تطوعا، لأن في وجوبه عليه شغلا عن لوازم الرسالة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [الأحزاب/ 51] أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء فتقسم لها. قال القرطبي: وأصح ما قيل في هذه الآية التوسعة بين زوجاته صلى الله عليه وسلم وقال القاضي أبو بكر بن العربي هو الذي يعول عليه. التاسعة: وبجواز زواجه المرأة ممن يشاء بغير إذنها بغير رضى وليها واستدل القاضي جلال الدين البلقيني لذلك بحديث سهل بن سعد من الواهبة نفسها، وذلك أنه قال للذي قال: زوجنيها أن لم يكن لك بها حاجة: زوجتكها بما معك من القرآن، ولم ينقل في القصة أنه استأذنها أو استأذن أولياءها، وإذا نظر في الاحتمال إلى الوقائع سقط منها الاستدلال، قلنا: لا نسلم بل هذا من عبارة الشافعي الأخرى وهي: ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل بمنزلة العموم في المقال، لأن الوقائع من النبي صلى الله عليه وسلم لفظ يحال عليه العموم، وهو إسناد العقد إليه بقوله: «زوجتكها بما معك من القرآن» ، فلم يستفصل النبي (ص) إذ قال ذلك ولم يبين أن يكون لها أولياء ولا بين أن يأذن أم لا. العاشرة: وبأن يزوج المرأة بنفسه ويتولى الطرفين بغير إذنها وإذن وليها قال الله- سبحانه وتعالى-: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب/ 6] . الحادية عشرة: قيل: ونكاح المعتدة في وجه. قال النووي: وهو غلط، ولم يذكره جمهور الأصحاب بل غلّطوا من ذكره، بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره، قال القاضي جلال الدين: والدليل على المنع أنه لم ينقل فعل ذلك، وإنما نقل عنه غيره، ففي حديث صفية أنه سلمها إلى أم سليم وفيه: وأحسبه قال: وتعتد في بيتها وفي الصحيح: أنها لما بلغت عدتها فأحلت فبنى بها فبطل هذا الوجه بالكلية، وكيف يكون ذلك والعدّة والاستبراء وضعا في الشرع؟ لدفع اختلاط الأنساب، وإذا كان في المسبية من نساء أهل الحرب، فكيف بمن يمكنها عدة الزوج من نساء أهل الإسلام؟ ويطرد مثل ذلك في المستبرأة أيضاً، قال: ووقع في خلاصة الغزالي ما هو قريب من هذه الوجه، وقال ابن الصلاح: إنه غلط منكر وردت نحوه منه. الثانية عشرة: قيل: وبعدم نفقة أزواجه، والأصح خلافه، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت نفقة نسائي، ومؤونة عاملي فإنها صدقة» فإذا كان يجب أن ينفق من ماله على زوجاته بعد وفاته فكيف لا تجب النفقة لهن في حال حياته؟ فهذا الخلاف باطل قاله القاضي جلال الدين.

الثالثة عشرة:

الثالثة عشرة: وبأنه كانت تحل المرأة له بتزويج الله تبارك وتعالى كما في قصة زينب، قال الله- سبحانه وتعالى- زَوَّجْناكَها يعني صارت زوجة لك، وأما قوله: إنه نكحها بنفسه وتأويله الآية بإحلال النكاح فهو مردود لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس في قصة خطبتها، وإن زيدا قال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها بغير إذن، وما في صحيح البخاري من قول عائشة وأنس- رضي الله تعالى عنهما- كانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: «زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات، وما ذكره من التأويل لا يصح لمعارضة الأحاديث. الرابعة عشرة: وبجعل عتق أمته صداقها. روى الشيخان عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. وروى البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها فسئل ما أصدقها؟ قال: «نفسها» أي أنه اعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر، لا في الحال ولا فيما بعده كما صححه ابن الصلاح والنووي في الرّوضة، وقال: إنه اختيار المحققين، وقطع به البيهقي. قال ابن الصلاح: فيكون معنى قوله «وجعل عتقها صداقها» أنه لم يجعل لها شيئا غير العتق يحل محل الصداق، وإن لم يكن صداقا، وهو من قبيل قولهم: «الفقر زاد من لا زاد له» . وذهب الإمامان أحمد وإسحاق إلى عدم الخصوصية في ذلك، واختاره الشيخ، وقال ابن حبان: فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقم دليل على أنه خاصّ به دون أمته، فيباح لهم ذلك لعدم وجود تخصيصه فيه. الخامسة عشرة: قيل: وبأن له أن يجمع بين الأختين والأم والبنت في وجه حكاه الحناطي، قال القاضي جلال الدين: وهذا لا يحل حكاية لفساده، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتحريم الجمع بين الأختين عليه، وبتحريم نكاح بنت الزوجة المدخول بها. فروى الشيخان عن أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: يا رسول الله، انكح أختي عزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو تحبّين ذلك؟» قالت: نعم، يا رسول الله، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن ذلك لا يحل لي» ، قلت: يا رسول الله، فإنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة، قال: «بنت أم سلمة؟» قلت: نعم، قال: «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن» .

السادسة عشرة:

السادسة عشرة: وبالخلوة بالأجنبية وإردافها وبالنظر إليها، لأنه معصوم، وكان يملك إربه عن زوجته فضلا عن غيرها مما هوله وهو المبرأ عن كل فعل قبيح. روى أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن عن صفية الجهنية قالت: اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد. وروى البخاري عن خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل علي حتى دنا مني فجلس على فراشي كمجلسك مني. وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. وروى البخاري عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه وإلا على أم سليم، فإنه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معي، قال أبو عبد الله الحميدي. وأم سليم هي أم أنس بن مالك، ولعله أراد على الدوام، فإنه كان يدخل على أم حرام، وهي خالة أنس قال الحافظ أبو زرعة العراقي في شرح التقريب: أم حرام ليست محرما له صلى الله عليه وسلم ولا زوجة نعم، قيل: أنها خولة بنت قيس، وإنها كانت زوجة حمزة، وقيل: زوجة حمزة غيرها، فزوجة العم ليست محرما، ولا يبعد عد ذلك في الخصائص ولم يذكره أصحابنا، وقال الكرماني في الحديث الثاني: هذا محمول على أن ذلك قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة وللأمن من الفتنة وقال الحافظ في فتح الباري في باب من «من زار قوما فقال عندهم» الذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها، وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهم محرمية ولا زوجية. وقال أبو عمرو: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها، وتنال منه ما يجوز لذي محرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت محرما له، ثم روي عن يحيى بن إبراهيم بن مزين قال: إنما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي أم حرام رأسه، لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأنّ أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار. ومن طريق يونس بن عبد الأعلى: قال لنا ابن وهب: أم حرام إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه. قال الحضيري: ويؤيده ما في صحيح البخاري من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي

طلحة حدثني أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خاله حراما أخا أم سليم في سبعين راكبا ... الحديث وهذا هو حرام بن ملحان فبهذا السن خال النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لأم سليم، ولكن ما هي إلا خؤولة الرضاعة، قلت: وهذا الذي قاله فيه نظر، بل الضمير في قوله في حديث أنس- رضي الله تعالى عنه- بعث لأم سليم عائدة على السن فإن حراما أخا أم سليم خال أنس بلا خلاف. وقال النووي: اتفق العلماء على أنها- يعني أم حرام- كانت محرمة له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة. وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده، لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار، وتعقبه ابن الملقن فقال: ما ذكر من الاتفاق على أنها كانت محرما له فيه نظر، فمن أحاط بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ونسب أم حرام علم أنه لا محرمية بينهما، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وقد نهي عن الخلوة بالأجنبية نهي تحريم، فيحمل فعله هذا على الاختصاص وقد ادعاه بعض شيوخنا. وأجيب عن النووي بأنه لم يرد أن أم حرام كانت محرما من جهة النسب، فإنه أعلم الناس بنسبهما، وإنما أراد محرمية الرضاع التي حكاها ابن عبد البر وذهب إليها بلا شك، وحكى القاضي أبو بكر بن العربي: كلام ابن وهب وقال غيره: بل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما يملك إربه عن زوجته فكيف عن غيرها، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقوله رفث فكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب، قال الحافظ: ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب والقصة كانت بعد حجة الوداع. وقال الحافظ الدمياطي: زهل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي محرمية لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه صلى الله عليه وسلم معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا من عامر بن غنم جدهما الأعلى، وهذه الخؤولة المذكورة لا تثبت بها محرمية، لأنها خؤولة مجازية، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «هذا خالي» لكونه من بني زهرة وهي من أقارب أمه آمنة بنت وهب، وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاع ثم قال الدمياطي على إنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع.

قال الحافظ: وهو احتمال قوي لكنه لا يدفع الإشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذلك النوم في الحجر قال: وأحسن الأجوبة عندي الخصوصية، فلا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح. وقال الحافظ الدمياطي: وهم في أم حرام من جعلها من خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو النسب وأثبت لها خؤولة توجب محرمية لأن أمهاته صلى الله عليه وسلم اللاتي ولدته وأصهاره اللاتي أرضعنه كلهن من مضر وربيعة مرعى ولد إسماعيل وجرهم وقضاعة وخزاعة، ومن بني عامر النجار ومن الأزد ليس فيهن من بني قبيلة الأوس والخزرج سوى أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن عدي بن النجار وحرام وسليم وأم حرام وأم سليم وأم عبد الله، وكلهم أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم أولاد ملحان، واسم ملحان: مالك بن خلال بن زيد بن حرام وجندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، فلا يجتمع ملحان وسلمى إلا في عامر بن غنم، وهذه خؤولة بعيدة لا تثبت محرمية، ولا تمنع صالحا، لكن العرب تستعملها كثيرا توسعا كقوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن أبي وقاص ابن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة «هذا خالي، فليرني امرؤ خاله» ، وآمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة من كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وكقول عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فقلت: خالي يعني العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأم عمرو بنت هاشم بن المغيرة بنت عم العاص كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه بالمدينة فرأى امرأة حسنة فقال: من هذه؟ فقالت: إحدى خالاتك يا رسول الله، فقال: إن خالاتي في هذه الأرض لغرائب من هذه؟ فقالت: هذه خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة فقال: «سبحان الذي يخرج الحي من الميت» ، كان أبوها الأسود من المستهزئين، مات كافرا، وهي بنت خاله، ونحوه هذا كثير، إذا كانت أم الرجل من غير قبيلة أبيه كانت قبيلة أمه أخواله على وجه الاستعارة والمجاز، وذكر كلاما ثم قال: فقد ثبت بمجموع ما ذكرنا من الخصائص لأم حرام وأم سليم (رضي الله عنه) وهذا الحكم خاص بهما والله أعلم.

الباب الثامن فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته من الفضائل والكرامات، وفيه نوعان

الباب الثامن فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته من الفضائل والكرامات، وفيه نوعان الأول: فيما يتعلق بالنكاح. وفيه مسائل: الأولى: خص صلى الله عليه وسلم بأن النكاح في حقه عبادة مطلقا كما قال السبكي وهو في حق غيره ليس بعبادة عندنا بل مباح من المباحات والعبادة عارضة له. الثانية: وبأن مهر المثل لا يتصور في ابنته، لأنها لا مثل لها نقل عن البكري، وهو حسن بليغ. الثالثة: وبتحريم رؤية أشخاص أزواجه في الأزر كما صرح به القاضي عياض، واستدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها الناس عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش لما توفيت جعلت في القبة فوق نعشها لتستر شخصها قلت: قال الحافظ وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهم ولقد كن بعد ذلك يخرجن ويعظن، وكانت الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص وفي صحيح البخاري في «الحج» قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة أقبل الحجاب أو بعده قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. الرابعة: قيل: وبأنهن إذا أرضعن الكبير دخل عليهم، وسائر الناس لا يكون إلا ما كان في الصغر قاله معمر. الخامسة: وبأنه كان لهن رضعات معلومات ولسائر النساء رضعات معلومات، قاله طاووس، وورد أنها عشر رضعات لهن، ولغيرهن خمس. السادسة: وبأن زوجاته أمهات المؤمنين سواء متن في حياته، أو مات عنهن. قال الله تعالى وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] قال الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى-، وذلك لأنه لا يحل نكاحهن بحال ولا تحرم بناتهن لو كنّ لهن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج بناته وهن أخوات المؤمنين انتهى. [ومعنى هذا أن إطلاق الأمومة عليهن بالنسبة إلى تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن ولا يثبت لهن حكم الأمومة في جواز النظر والخلوة والمسافرة، ولا في النفقة، والميراث وأمومتهن لا تتعدى إلى أحوال المسلمين وحالاتهم ونقل في الروضة عن البغوي

السابعة:

أنهن كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء [لأن فائدة الأمومة في حق الرجال، وهي النكاح مفقودة في حق النساء] . رواه ابن أبي حاتم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-. السابعة: قيل وبتحريم خروجهن لحج أو عمرة، ووجوب جلوسهن بعده في البيوت في أحد قولين قال الله تعالى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب/ 33] . روى ابن سعد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه في حجة الوداع «هذه الحجة ثم ظهور الحصر» قال: وكنّ يحججن كلهن إلا سودة وزينب قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله. الثامنة: وبأن من فارقها في حياته كالمستعيذة وكالتي رأى بكشحها بياضا تحرم على غيره على الأرجح في الروضة، ونص عليه الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- في أحكام القرآن. قال ابن الصلاح: إنه أخذ بظاهر القرآن، وقال وهو ظاهر نص الشافعي- رحمه الله تعالى-. التاسعة: وبتحريم نكاح أمة وطأها ومات عنها كأم إبراهيم وإن لم تصر أما للمؤمنين لنقصها (بالرق) [ (1) ] . العاشرة: وإن باعها بقي تحريمها. الحادية عشر: وبتفضيل زوجاته على سائر النساء، قال الله- سبحانه وتعالى- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب/ 32] قال ابن عباس: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات أنتن أكرم علي، وثوابكن أعظم لدي وذلك لما خصهن الله- تعالى- به من خلوة رسوله ونزول الوحي بينهن. وقيل: لاصطفائهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجا في الدنيا والآخرة. واختلفوا هل المراد بتفضيلهن على سائر النساء من أهل زمانهن وما بعده أو أعم من ذلك على قولين حكاهما الماوردي والروياني. الثانية عشر: وبأنه لا يحل أن يسأل زوجاته صلى الله عليه وسلم إلا من وراء حجاب قال الله- سبحانه وتعالى- وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الأحزاب/ 53] .

_ [ (1) ] سقط في ج.

الثالثة عشر:

قال القاضي: والنووي في شرح مسلم خصص بفرض الحجاب عليهم بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا في غيرها. الثالثة عشر: وبأن بناته صلى الله عليه وسلم لا يجوز التزوج عليهن. روى الشيخان عن المسور بن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وهو على المنبر أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي ابن أبي طالب «فلا آذن، ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها» . قال الحافظ لا يبعد أن يكون من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم منع التزوج على ابنته انتهى. وبه صرح الشيخ أبو علي السنجي في «شرح التلخيص» أنه يحرم التزوج على بناته صلى الله عليه وسلم. قال المحب الطبري ولعله يريد من ينسب إليه بالنبوة، ويدل له ما رواه الإمام أحمد، والحاكم عن عبيد الله بن أبي رافع والطبراني برجال ثقات عن أم بكر بنت المسور- فيحرر حالها- عن المسور بن مخرمة إنه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال للرسول قل له: يوافيني في وقت ذكره فلقيه فحمد الله المسور فقال: والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي منكم، وفي لفظ من نسبكم وصهركم، وفي لفظ محبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها فإنه ينقطع يوم القيامة الأنساب إلا نسبي وشيعتي» وفي لفظ وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك. فاذهب عاذرا له. قال المحب الطبري: وفي هذا دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى من الحي. قال الشيخ: فإن أخذ هذا على عمومه فمقتضاه أنه يحرم التزوج على بناته إلى يوم القيامة وفيه وقفه. الرابعة عشر: وبأنه أعطى قوة أربعين في الجماع والبطش. روى البخاري عن قتادة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة وهن إحدى عشرة قلت لأنس أو كان يطيقه، قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين. روى ابن سعد عن مجاهد وطاووس قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع. وروى الطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس بأربع بالسماحة، والشجاعة، وكثرة الجماع، والبطش.

النوع الثاني فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل:

وروى عن مقاتل- رضي الله تعالى عنه- قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع وسبعين شابا. روى الحارث بن أبي أسامة عن مجاهد قال: أعطي قوة بضع أربعين رجلا، كل رجل من أهل الجنة. وقوة الرجل من أهل الجنة كمائة من أهل الدنيا فيكون أعطي قوة أربعة آلاف، وبهذا يدفع ما استشكل بعضهم، فقال: كيف يعطى قوة أربعين فقط؟ وقد أوتي سليمان قوة مائة أو ألف رجل على ما ورد؟ واحتاج إلى تكلف الجواب عن ذلك. وروى ابن سعد بسند جيد عن صفوان بن سليم- رضي الله تعالى عنه- مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل بقدر فأكلت منها فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع» وفي لفظ «فما أريد أن آتي النساء ساعة إلا فعلت» . وروى ابن عدي وابن سعد موصولا بسند واحد. قال القاضي أبو بكر بن العربي قد آتى الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم خصيصة عظمى، وهي قلة الأكل، والقدرة على الجماع، فكان أقنع الناس في الغداء تقنعه الفلقة وتشبعه التمرة، وكان أقوى الناس على الوطء. النوع الثاني فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل: الأولى: خص صلى الله عليه وسلم بأنه كان ينظر من وراء ظهره كما ينظر قدامه. روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل ترون قبلتي ها هنا؟ فو الله لا يخفى على ركوعكم وخشوعكم وإني لأراكم من وراء ظهري» . ورواه الإمام مالك وأحمد عنه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إني لأنظر من ورائي كما أنظر إلى ما بين يدي فصفوا صفوفكم وأحسنوا ركوعكم» والأحاديث في ذلك كثيرة. وقال المحققون: والصواب أن هذه الأحاديث على ظاهرها، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة، وهو مقتضى صنيع البخاري، حيث اخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره وهو ظاهر رواية مسلم «إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي» ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عنه انخرقت له العادة فيه أيضاً، فكان يرى بها من غير مقابلة، لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها

الثانية:

عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قربا وإنما ذلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا ولذلك حكموا بجواز رؤية الباري- سبحانه وتعالى- في الدار الآخرة خلافا لأهل البدع. وقيل: كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط بيصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره. نقله الزاهدي نجم الدين مختار بن محمود الحنفي «شارح القدوري» في «رسالته الناصرية» . الثانية: وتطوعه بالصلاة قاعدا بلا عذر كتطوعه قائما صلى الله عليه وسلم. روى مسلم وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي جالسا فقلت: يا رسول الله إنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة قائما وأنت تصلي قاعدا؟ قال «أجل ولكني لست كأحد منكم» . قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم «لست كأحد منكم» عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بغيرها، وقال القاضي معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة شديدة من القيام لحطم الناس والسن وكان أجره تاما بخلاف غيره ممن لا عذر له. قال النووي: هذا ضعيف أو باطل، لأن غيره صلى الله عليه وسلم أن كان معذورا فثوابه أيضاً كامل وإن كان هو أيضاً قادر على القيام فليس هو كالمعذور يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير: لست كأحد منكم وإطلاق هذا القول، فالصواب ما قاله أصحابنا: إن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص وتعقبه الزركشي مما لا يساوي سماعه. الثالثة: وبأن عمله له نافلة. روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أتعملون كعمله فإنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان عمله له نافلة. وتقدمت أحاديث في المسألة السابعة والعشرين من فضل الواجبات ما يتعلق بذلك الرابعة: وبأن المصلي يخاطبه بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا يخاطب سائر الناس وهو ثابت في حديث التشهد ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واجبة على الصحيح. قال السبكي السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوعين:

الخامسة

الأول: ما يقصد به الدعاء بالتسليم عليه من الله سواء كان بلفظ الغيبة أو الحضور كقولنا عليه الصلاة والسلام ويا رسول الله صلى الله عليك وسلم أو عليك الصلاة والسلام سواء كان من الغائب عنه أو الحاضر عنه، وهذا هو الذي قيل باختصاصه صلى الله عليه وسلم عن الأمة حتى لا يسلم على غيره من الأمة: إلا تبعا كالصلاة عليه فلا يقال فلان- عليه السلام-. الثاني: ما يقصد به التحية كسلام الزائر إذا وصل إلى قبره وهو غير مختص به بل يعم الأمة وهو الرد على المسلم بنفسه أو برسوله فيحصل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، وأما الأول: فالله أعلم فإن ثبت امتاز الثاني بالقرب والخطاب وإلا فقد جزم من يرد هذه الفضيلة وهو مقتضى ما فسر به الحديث الإمام الجليل أبو [ (1) ] عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقبري أحد أكابر شيوخ البخاري حيث قال في قوله: «ما من أحد يسلم علي» الحديث هذا في الزيارة «إذا زارني فسلم علي رد الله علي روحي حتى أرد عليه» ، وأما حديث «أتاني ملك فقال يا محمد أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا» فالظاهر أنه في السلام على النوع الأول. الخامسة وبتحريم رفع الصوت على صوته، قال الله- سبحانه وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات/ 2] فنهى الله تعالى عن رفع الصوت فوق صوته وشدد النهي بقوله أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ [الحجرات/ 2] لارتكابكم لهذا الذنب فدل ذلك على أنه حرام بل كبيرة، لأنه توعدهم على ذلك بإحباط العمل. قال الإمام الرازي والأصح أن المراد به رفع الصوت حقيقة لأن رفع الصوت دليل على قلة الاحتشام وترك الاحترام. قال العلماء: ومعنى الآية الأمر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه غالبا لكلامكم وجهره باهرا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته واضحة. قال القرطبي: في تفسيره وليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من حرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر به الكبراء فيتكلف الغض منه

_ [ (1) ] في ج ابن.

تنبيه:

ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزيز والتوقير، ولم يتناول النهي أيضاً رفع الصوت الذي يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو ما أشبه ذلك. تنبيه: قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما كان يلزمه، ذلك في مجلسه عند تلفظه به وقد نبّه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف/ 204] وكلام النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وله من الحكمة مثل ما للقرآن إلا معاني مستثناة، ببيانها في كتب الفقه فإذا كان رفع الصوت فوق صوته يحبط العمل فما الظن برفع الأمراء ونقائح الأفكار على سننه وما جاء به. السادسة: وبأن أصحابه إذا كانوا معه على أمر جامع كخطبة وجهاد ورباط لم يذهب أحد منهم في حاجة حتى يستأذنوه أي لم يذهب أحد في حاجة حتى يستأذنه. كما قال الله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور/ 62] فإذا كان هذا مذهبا مقيدا، أرضا فيه لحاجة لم يوسع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدين، أصوله وفروعه دقيقة وجليلة هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذان فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل/ 43] . السابعة: وبتحريم ندائه من وراء الحجرات كما قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات 4] . وجه الاستدلال أن الله تعالى وصف فاعل ذلك بعدم العقل أي عقل الأحكام الشرعية فدل على أن من الأحكام الشرعية أن لا يناديه من وراء الحجرات. الثامنة: وبتحريم ندائه باسمه مثل يا محمد يا أحمد، ولكن ينادى يا نبي الله، يا رسول الله، يا خيرة الله ونحو ذلك قال الله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور/ 63] . قال سعيد بن جبير ومجاهد بلغني قولوا يا رسول الله في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتهجم.

تنبيهان:

تنبيهان: الأول: روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أهل البادية جاء فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك ... الحديث. فيحمل هذا على احتمال أنه كان قبل النهي عن ذلك. الثاني: هل يجوز نداؤه صلى الله عليه وسلم بالكنية واللقب؟ قال القاضي جلال الدين ظاهر قول الشيخين يقتضي المنع بل نقول: يا نبي الله، يا رسول الله، من النداء بالكنية واللقب ولكنه محل نظر، وتقدم في الكلام على كناه من باب الأسماء ما يقتضي أنه كان يجوز النداء بالكنية، لأنه لو كان حراما لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» . وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يمشي بالبقيع فسمع رجلا يقول يا أبا القاسم، فرد رأسه إليه فقال الرجل: يا رسول الله لم أدعك إنما دعوت فلانا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» . فأفهم هذا جواز النداء بالكنية لأنه نهى عن التكني بها لئلا يحصل الالتفات منه صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، وأما الاسم وإن كان النداء لغيره صلى الله عليه وسلم ممكنا، إلا أن الالتفات منه صلى الله عليه وسلم لا يحصل، لأنه محرم على العباد النداء بالاسم. التاسعة: وبتحريم التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، وهو ذكر الرأي عنده، أو فعله، قبل رأيه صلى الله عليه وسلم، قال الله- تبارك وتعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات/ 1] لأن من قدم قوله أو فعله، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قدم على الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يأمر من أمر الله، والمعنى لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به، لأن «بين اليدين» ها هنا الإمام والقدام فتضمن حمله على قدام الأمر والنهي، فقدم هنا بمعنى تقدم كما في قولهم بين وتبين وفكر وتفكر، وهذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ فالتقدم بين يدي نبيه، بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته لا فرق بينهما عند ذي عقل سليم. العاشرة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يستشفى به، كذا قاله الرافعي وهو شامل لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا كدعائه ومس يده والغسل بريقه والتمسح بفضل وضوئه ونخامته وعرقه، وهذا أمر مشهور وقد تقدم بيان ذلك في المعجزات. فإن قيل ما وجه الخصوصية في ذلك وغيره من الأولياء قد كان يستشفى بدعائه ولمس يده وبريقه وشعره وعرقه ويتبرك بذلك؟ فالجواب عن ذلك أن هذا الاستشفاء من النبي صلى الله عليه وسلم متيقن الإجابة بخلاف غيره، فإنه مظنون وقد تتخلف الخصوصية في اليقين.

الحادية عشرة:

الحادية عشرة: وبأن النجس منا طاهر منه. الثانية عشر: ويستسقى به. روى البزار والطبراني والحاكم والبيهقي بسند حسنه الشيخ عن عبد الله بن الزبير قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني الدم فقال: «اذهب فغيبه» فذهبت فشربته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي «ما صنعت؟» قلت غيبته قال «لعلك شربته» قلت شربته. وروى الدارقطني في السنن عن أسماء بنت أبي بكر قالت ان النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فدفع دمه إلى ابني فشربه، فأتاه جبريل فأخبره فقال «ما صنعت؟» قال كرهت أن أصب دمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسك النار، ومسح على رأسه وقال: «ويل للناس منك وويل لك من الناس» . وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فتلقاه أبي فلحس الدم عن وجهه بفمه وازدرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من سره أن ينظر إلى رجل خالط دمه دمي فلينظر إلى مالك بن سنان» . ورواه سعيد بن منصور عن عمرو بن السائب مرسلا وروى البزار وأبو يعلى وابن أبي خيثمة والبيهقي في السنن والطبراني عن سفينة قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس فذهبت فشربته ثم جئت فقال ما صنعت؟ فأخبرته فضحك. ورواه ابن عدي من طريق شريح بن يونس ثنا ابن أبي فديك ثنا برية بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده بلفظ خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير أو قال الناس والدواب شك ابن أبي فديك. ورواه أبو الحسن بن الضحاك قال: حدثنا أبو الحكم حدثنا أبو الغنائم حدثنا عبد الله بن عبيد الله أنبأنا أبو عبد الله المحاملي أنبأنا علي بن شعيب أنبأنا ابن أبي فديك فذكره. وروى أبو يعلى والطبراني والدارقطني والحاكم وأبو نعيم عن أم أيمن- رضي الله تعالى عنها- قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل إلى فخارة فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها، فلما أصبح أخبرته فضحك وقال «أما إنك لا يتجعن بطنك أبدا» ولفظ أبي يعلى «أنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبدا» . وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره، فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت بهم من أرض الحبشة فقال «أين البول الذي كان في القدح؟» قالت شربته قال: «صحة يا أم يوسف» وكانت تكنى أم يوسف، فما مرضت قط حتى ماتت فيه،

الثالثة عشر:

وصحح ابن دحية أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين وهو واضح من اختلاف السياق وصحح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن، وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام البلقيني كما دل عليه كلامه في «التدريب» . وروى الطبراني والبيهقي بسند صححه الشيخ عن حكيمة بنت أميمة عن أمها قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره، فقام فطلبه فسأل عنه فقال أين القدح: فقالوا: شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لقد احتظرت من النار بحظار» . وموضوع الدلالة من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن الزبير ولا أم أيمن ولا من فعل مثل فعلها، ولا أمرهم بغسل الفم، ولا نهاهم عن العود إلى مثله، ومن حمل ذلك على التداوي، قيل له قد أخبر صلى الله عليه وسلم «إن الله يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها» رواه ابن حبان في صحيحه فلا يصح حمل الأحاديث على ذلك بل هي ظاهرة في الطهارة. الثالثة عشر: وبأن من زنا بحضرته واستهان به كفر. قال الرافعي: والدليل على ذلك قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح/ 8، 9] قال المفسرون معنى تعزروه أي تعظموه وتفخموه فالضمير عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالوقف تام بقوله تسبحوه أي تسبحوا الله تعالى بكرة وأصيلا فيكون معنى الكلام راجعا إلى الله- عز وجل- وهو وسبحوه من غير خلاف ويكون بعض الكلام راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو التوقير والتعظيم وهو من باب اللف والنشر المشوش. فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم يرسل إلى الخلق كافة ليأمرهم بالإيمان كذلك هو مرسل إليهم ليأمرهم بنصرته وتوقيره فمن خالف موجب ذلك كفر. تنبيه قال النووي- رحمه الله تعالى- وفي مسألة المزني نظر قال- الجلال البلقيني: مراده بذلك أن لا يكون الزاني قاصدا للاستهانة فمن قصد الاستهانة فالحق أنه لا نظر في ذلك، لأنه لا يتضمن استهانة له في ذلك ولا نظر إلى الزاني الخالي عن قصد [لعدم النية من الشخص: وفي هذا نظر] . فالفعل نفسه استهانة فلا حاجة إلى القصد معه وإن لم يكن قاصدا لها، لأن ترك الاستحياء من الشخص استهانة له فلا حاجة إلى القصد معه.

الرابعة عشر:

الرابعة عشر: وبأن من سبه وهجاه يقتل. روى الحاكم والبيهقي- رضي الله تعالى عنه- عن أبي بردة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سب أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- فقلت ألا أضرب عنقه يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ليست هذه لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى أبو داود والبيهقي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن يهودية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمها. وروى مسدد عن أبي إسحاق الهمداني رحمه الله تعالى قال كان رجل من المسلمين ذاهب البصر يأوي إلى يهودية وكانت حسنة الصنع إليه، وكانت تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكرته فنهاها فأبت أن تفعل فقتلها، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها. وروى الحارث برجال ثقات. عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه مر براهب فقيل له: إن هذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو سمعته لضربت عنقه إنا لم نعطهم العهد على أن يسبوا نبينا. وروى أبو يعلى بسند صحيح عن كعب بن علقمة أن عرفة بن الحارث وكانت له صحبة- رضي الله عنه- مر على رجل كان يلبس كل يوم ثوبا أو قال حلة لا تشبه الأخرى فلبس في السنة ثلاثمائة وستين ثوبا وكان له عهد فدعاه عرفة إلى الإسلام فغضب فسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله عرفة فقال له عمرو بن العاص: إنهم إنما يعظمون للعهد ما عهدناهم أن يؤذونا في الله ورسوله الحديث. الخامسة عشر: وبأن السب في حقه بالتعريض كالتصريح بخلاف غيره نقله الرافعي عن الإمام، وقال لا خلاف فيه. السادسة عشر: وبوجوب إجابته على المصلي إذا دعاه ولا تبطل صلاته وكذا الأنبياء. روى الإمام أحمد والبخاري عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله تعالى عنه- قال كنت أصلي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم أجبه، وفي رواية فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال: «ما منعك أن تأتي ألم يقل الله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال/ 24] . وروى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة والترمذي وصححه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أبي بن كعب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبي وهو يصلي

السابعة عشرة:

فالتفت أبي فلم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك» فقال: يا رسول الله كنت في الصلاة، قال: «أفلم تجد فيما أوحي إلي أن اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» الحديث. فظهر بهاتين القصتين وجوب الإجابة. قال القاضي جلال الدين وأما كونه لا تبطل الصلاة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالإجابة ولو كان في صلاة مفروضة أو نافلة لأن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم من المقال، فلو كان ذلك مبطلا للصلاة مطلقا لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لأن قطع الصلاة بعد الشروع فيها إذا كانت فرضا حرام فإذا لم يكن هنالك ما يوجب ذلك كأن وجد أعمى وقدامه نحو بئر يقع فيه وجب إعلامه، وتبطل بذلك لقوله تعالى وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [محمد/ 33] وذكر الإجابة بين في حديث أبي بن كعب. وأما حديث أبي سعيد ففيه ذكر الإتيان، والظاهر أنه محمول على الإجابة كما في الرواية الأخرى التي للبخاري فيكون من روى علم أنه روى بالمعنى والمعنى مشى في الصلاة والمشي مبطل فبطلت. قلت كلام الروضة كما قال شيخنا شيخ الإسلام زكريا في «شرح الروضة» شامل للإباحة بالفعل وإن كثر، صحت ولا تبطل به الصلاة. وقال الأسنوي وهو المتجه والله تعالى أعلم. وإذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم شخصا في الصلاة وكان ذلك في منزله دعاية له ولو قال يا فلان كما أشار إليه ابن حبان واستحسنه القاضي جلال الدين. قال الخضري ومحل وجوب الإجابة على لفظ يفهم عنه الجواب بأن يقول نعم ولبيك يا رسول الله وأما الزيادة على ذلك فلا تظهر لي فيه الجواز ولم أر من تعرض لذلك. السابعة عشرة: وبأن أولاد بناته ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم وأولاد غيره لا ينسبون إليه في الكفاءة ولا في غيرها. روى أبو نعيم في ترجمة عمر عنه في أثناء حديث رفقة قال: وكل ولد آدم كان عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم. قال الحافظ أبو الخير السخاوي- رحمه الله تعالى- في فتاويه رجاله موثقون وللحديث شواهد رواه الطبراني في «الكبير» من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن شيبة بن نعامة عن فاطمة ابنة الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى والخطيب من طريق محمد بن أحمد بن يزيد بن أبي العوام قال حدثنا أبي قال: حدثنا جرير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

الثامن عشر:

وروى الحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي أم عصبة إلا بني فاطمة أن وليهما وعصبتهما. الثامن عشر: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا نسبه صلى الله عليه وسلم وسببه. روي عن عبد الله ابن الإمام أحمد بسند قال الذهبي صالح عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري.» روى الحاكم والبيهقي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أنه خطب إلى علي أم كلثوم فتزوجها فأتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنئوني بأم كلثوم ابنة فاطمة. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي» فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب. وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي والضيا في المختارة عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وابن حبان عن ابنه عبد الله والطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري» قيل: ومعنى ذلك أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة وأمة سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم. قال القاضي جلال الدين البلقيني وهو مردود بما في الصحيح من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحي نوح وأمته فيقول الله هل بلغت فيقول نعم أي رب فيقول لأمته هل بلغكم ... الحديث. وهذا صريح في نسبة أمة نوح إليه يوم القيامة ومعناه أنه ينتفع به من ينسب إليه ولا ينقطع بسائر الأنساب قال وهو الذي يظهر. التاسعة عشر: بحرمة التكني بكنيته مع جواز التسمية باسمه. العشرون: وبعدم جواز الجنون على الأنبياء. الحادية والعشرون: وبعدم جواز الإغماء الطويل فيما ذكره الشيخ أبو حامد من تعليقه، وجزم به البلقيني في «حواشي الروضة» . الثاني والعشرون: وبأن إغماءهم يخالف إغماء غيرهم كما خالف نومهم نوم غيرهم قال الله سبحانه وتعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم/ 2] .. والأنبياء لم يزالوا على وصف الكمال من العلم بالله تعالى ولو أمكن الجنون والإغماء الطويل في حقهم لكانوا في حال من الأحوال جاهلين بالله تعالى ويفتتح أيضاً باب الطعن عليهم.

الثالثة والعشرون:

الثالثة والعشرون: وبعدم جواز الاحتلام عليهم على الصواب فإنه من تلاعب الشيطان. وروى الطبراني والدينوري في المجالسة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: ما احتلم نبي قط وإنما الاحتلام من الشيطان» . الرابعة والعشرون: وبأن الأرض لا تأكل لحومهم كما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أوس بن أوس الثقفي مرفوعا وسيأتي الكلام عليه في باب حياته صلى الله عليه وسلم في قبره بعد الوفاة. الخامسة والعشرون: وبأن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم كبيرة وليس كالكذب على غيره في تشديد الحرمة كما في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة وقد جاء في حديث التحذير من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من طرق جماعة من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- حتى قال النووي- رحمه الله تعالى- أنه قيل جاء عن مائتين من الصحابة، ولا فرق في تحريم الكذب عليه بين ما كان من الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب، والمواعظ وغير ذلك وكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع من يعتد به وبأن من كذب عليه عمدا من غير استحلال يكفر ويراق دمه قاله الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين، والجمهور على خلافه وأنه لا يكفر إلا إذا استحل ذلك. السادسة والعشرون: وبأن من رآه في المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان لا يتمثل في صورته كما رواه البخاري عن أنس والشيخان عن أبي قتادة والبخاري عن أبي سعيد ومسلم عن جابر والشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال القضاعي هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الأنبياء. وقال الشيخ أكمل الدين في «شرح المشارق» ذكر المحققون أن هذا المعنى خاص به صلى الله عليه وسلم وقالوا في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وإن ظهر بجميع أحكام الحق وصفاته تخلقاً وتحققاً فإن من مقتضى مقام رسالته وإرشاده للخلق ودعوته إياهم إلى صفات الحق الذي أرسله إليهم هو أن يكون الأظهر فيه حكماً وسأظنه من صفات الحق وأسمائه صفة الهداية، والاسم الهادي كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله.. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى/ 52] فهو- عليه الصلاة والسلام- صورة الاسم الهادي ومظهر صفات الهادي والشيطان مظهرا لاسم المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان ولا يظهر أحدهما بصورة الآخر فالنبي صلى الله عليه وسلم خلقه الله تعالى للهداية فلو ساغ ظهور إبليس في صورته زال الاعتماد بكل ما يبديه الحق ويظهره لمن شاء هدايته به فلهذه الحكمة عصم الله تعالى صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان. فإن قيل: عظمة الحق سبحانه وتعالى أتم من عظمة كل عظيم فكيف اعتاض على

إبليس أن يظهر بصورة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن إبليس اللعين قد تراءى لكثيرين وخاطبهم بأنه الحق طلبا لإضلالهم، وقد أضل جماعة بمثل هذا- حتى ظنوا أنهم رأوا الحق وسمعوا خطابه. فالجواب من وجهين أحدهما: أن كل عاقل يعلم أن الحق- سبحانه وتعالى- ليست له صورة معينة توجب الاشتباه بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذو صورة معينة معلومة مشهورة. والثاني: أن مقتضى حكم الله تعالى أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإنه متصف بصفة الهداية، وظاهر بصورتها فوجب عصمة صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد، وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله هداية به صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: المراد بقوله «من رآني في المنام فقد رآني» أن رؤياه صحيحة، لا تكون أضغاثا، ولا تكون من تشبيهات الشيطان قال: ويعضده قوله في بعض طرقه «فقد رأى الحق» وفي قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي» إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثا. وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فإن رآه على غيرها كانت تأويلا لا رؤيا حقيقية، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل. قال النووي وهذا الذي قاله ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري قال الحافظ: وهذا الذي رده النووي روى عن ابن سرين أمام المعبرين اعتباره فقد روى: إسماعيل بن إسحاق بسند صحيح عن أيوب قال كان محمد- يعني- ابن سيرين إذا قص رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال صف الذي رأيته فإن وصف له صبغة لم يعرفها قال لم تره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قاله المازري، بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير، وإن كان على غير صورته كان النقص من جهة الرأي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا: إذا قال الجاهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن صفته فإن وافق الصفة المرئية وإلا فلا يقبل منه. قال الحافظ: وذهب الشيخ ابن أبي جمرة إلى ما اختاره النووي فقال بعد أن حكى الخلاف، ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذلك حسن، في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص، فذلك خلل في الرائي من الدين، قال: وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أولا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة

الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حس أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم إنه يعرض على سنة فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل إنما هو في سمع الرائي، أو بصره. قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك. قال الحافظ: ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة وعلى ذلك فتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة فرؤياه الحق الذي لا تحتاج إلى تأويل وعليها يتنزل قوله «فقد رأى الحق» ومهما نقص من صفاته فيدخل التأويل بحسب ذلك، ويصح إطلاق أن كل من رآه في أي حالة من ذلك فقد رآه حقيقة وقال الغزالي: ليس معنى قوله «رآني» أنه رأى جسمي وبدني وإنما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، وكذلك قوله «فسيراني في اليقظة» وليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والآلة تارة تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق، قال ومثل ذلك من يرى الله- سبحانه وتعالى- في المنام قال فإن ذاته منزهة من الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس، من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف، فيقول: الذي رأيت الله تعالى في المنام لا يعني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري، ما حاصله: أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو فإنه لو رأى الله تبارك وتعالى على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك ويقدح في رؤيته، بل تكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل. وقال الطيبي: المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رآني الرؤيا الحق التي هي من الله تعالى وهي مبشرة لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي، وكذا أقوله فقد رأى الحق أي رؤية الحق للباطل، وكذا قوله: «فقد رآني» فإن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء وذكر الشيخ أبو محمد ابن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ من قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي» أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره أنه يكلمه، إن ذلك يكون حقا، بل ذلك أصدق من مرأى غيرهم لما من الله تعالى به عليهم من تنوير قلوبهم.

تنبيهان:

وقال القرطبي: اختلف في معنى هذا الحديث فقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم رآه على حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال: وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رئيان في آن واحد في مكانين وأن يحيى الآن ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس، ويخاطبوهم ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يرى في الليل وفي النهار مع اتصال على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل. وقالت طائفة معناه: أن من رآه على صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه على غير حقيقته أن تكون رؤياه من الأضغاث، ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به، وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رؤي ملأ دارا بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي» فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه، أو مما ينسب إليه عن ذلك. فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة، كما عصم من الشيطان في يقظته. قال والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها لو رؤي على غير صورته فتصور تلك ليس من الشيطان بل هو من قبل الله تعالى ويؤيده قوله «فقد رأى الحق» أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر إما ليخيف الرائي وإما لينزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه. تنبيهان: أحدهما: وقع في حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- في الصحيحين «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي» وكذا رواه الطبراني من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة والدارمي من حديث أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- وزاد مسلم من حديث أبي هريرة «أو فكأنما رآني في اليقظة» هكذا بالشك ووقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكور «فقد رآني في اليقظة» بدل قوله «فسيراني» ومثله في حديث ابن مسعود عن ابن ماجه وصححه الترمذي وأبو عوانة ووقع عند ابن ماجة من حديث أبي جحيفة فكأنما رآني في اليقظة. قال ابن بطال معنى فسيراني في اليقظة، يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها،

وخروجها على الحق وليس المراد أنه يراه في الآخرة لأنه سيراه يوم القيامة في اليقظة فتراه جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم فهذه ثلاثة ألفاظ: «فسيراني في اليقظة» ، «فكأنما رآني في اليقظة» ، «فقد رآني في اليقظة» . قال ابن التين المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره إنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز. وقال المازري إن كان المحفوظ «فكأنما رآني في اليقظة» فمعناه ظاهر وإن كان المحفوظ «فسيراني في اليقظة» احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أن يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى- الله تعالى- بذلك إليه صلى الله عليه وسلم قال القاضي: قيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وقيل معنى الرؤية في اليقظة أنه سيراه في الآخرة وتعقب بأن يراه في الآخرة جميع أمته من رآه في المنام ومن لم يره يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية، وأجاب القاضي باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها ووصف عليها موجبة لتكرمته في الآخرة، وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه أو الشفاعة له بعلو الدرجة ونحو ذلك من الخصوصيات قال ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين يوم القيامة بمنع رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم وحمله الشيخ أبي محمد بن أبي جمرة على محل آخر فذكر عن ابن عباس أو غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك وهذا نوع من الكرامات. قال شيخنا في شرح الترمذي وأكثر من يقع له ذلك إنما يقع قرب نومه أو عند الاحتضار، ويكرم الله سبحانه وتعالى به من يشاء. قال الحافظ وهذا مشكل جدا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف. قال مؤلفه محمد بن يوسف- رحمه الله تعالى-: أما ما ذكره من أنه لو حمل على ظاهره لكان هو لأصحابه فقد تقدم في قول الغزالي أن المراد بقوله فسيراني في اليقظة ليس المراد جسمي وبدني إلى آخر ما ذكره.

وأما أن جمعا جما رآه في المنام فلم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة فليس بلازم لاحتمال أن يكونوا رأوه وكتموا ذلك، إذ لم يقولوا ما رأيناه وقد ألف شيخنا- رحمه الله تعالى- في ذلك مؤلفا حافلا سماه تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك وأنا أذكر مقاصده هنا. فقال بعد أن ذكر الأحوال السابقة وقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعني: بعين رأسه، وقيل: بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر العربي. وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في (تعليقه) [ (1) ] على الأحاديث التي انتقاها من البخاري هذا الحديث يدل على أن من رآه صلى الله عليه وسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته أو هذا في حياته؟ وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته- عليه الصلاة والسلام-، واللفظ على العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف ثم ذكر ما تقدم نقله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- ثم قال فذكر عن السلف والخلف وهلم جرا عن جماعة ممن كانوا رأوه صلى الله عليه وسلم في النوم وكانوا مما يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك يقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص. قال: والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء، أو يكذب بها، فإن كان ممن يكذب بها فسقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة، وإن كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل، لأن الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي والسفلي عديدة فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك انتهى. قال الشيخ: وقوله إن ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته- عليه الصلاة والسلام- مراده وقوع الرؤية الموعود بها في اليقظة على الرؤية في المنام ولو مرة واحدة، تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف وأكثر ما يقع ذلك للعامة قبيل الموت عند الاحتضار فلا تخرج روحه من جسده حتى يراه في المنام ولو مرة وفاء بوعده، وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية طول حياتهم، إما كثيرا وإما قليلا بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة والإخلال بالسنة مانع كبير وقال الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال» ثم إنني لما فرغت من العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية والقدر الذي أذكره لينتفع به إني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم وسيرتهم أحسن السير وطريقتهم أحسن الطرق وأخلاقهم أذكى الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء

_ [ (1) ] في ج تعاقبه.

وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظواهرهم وبواطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به إلى أن قال: حتى أنهم وهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق. انتهى كلامه. قال حتى أنهم وهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً، ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق المنطق. وقال تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه «قانون التأويل» ذهبت الصوفية إلى أنه إذا حصل للإنسان طهارة النفس وتزكية القلب، وقطع العلائق، وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال والخلطة بالجنس، والإقبال على الله تعالى بالكلية علما دائما وعملا مستمرا كشفت له القلوب ورأى الملائكة وسمع أقوالهم واطلع على أرواح الأنبياء والملائكة وسمع كلامهم، ثم قال ابن العربي ورؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن كرامة، والكافر عقوبة. وقال ابن الحاج في «المدخل» رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة باب ضيق وقل من يقع له ذلك إلا من كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهم الله تعالى في بواطنهم وظواهرهم قال: وقد أنكر بعض علماء الظاهر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وعلل ذلك بأن قال: «العين الفانية لا ترى العين الباقية» والنبي صلى الله عليه وسلم في دار البقاء والرائي في دار الفناء وقد كان سيدي أبو محمد بن أبي جمرة يحل هذا الإشكال ويرده بأن المؤمن إذا مات يرى الله تعالى وهو لا يموت والواحد منهم يموت في كل يوم سبعين مرة. انتهى. وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي- رحمه الله تعالى- في «روض الرياحين» والشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في «رسالته» قال الشيخ الكبير قدوة الشيوخ العارفين وبركة أهل زمانه أبو عبد الله القرشي لما جاء الغلاء الكبير إلى ديار مصر توجهت لأن أدعو فقيل لي لا تدع فما يسمع لأحد منكم في هذا الأمر دعاء فسافرت إلى الشام فلما وصلت إلى قريب ضريح الخليل- عليه الصلاة والسلام- تلقاني الخليل، فقلت يا رسول الله: اجعل ضيافتي عندك الدعاء لأهل مصر فدعا لهم ففرج الله تعالى عنهم. قال اليافعي: وقوله: «تلقاني الخليل» قول حق لا ينكره إلا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الأحوال التي يشاهدون فيها ملكوت السماوات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير

أموات كما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى موسى في الأرض، ونظره أيضاً هو وجماعة من الأنبياء في السماوات وسمع منهم مخاطبات وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي. قال الشيخ سراج الدين بن الملقن في «طبقات الأولياء» في ترجمة الشيخ خليفة النهر ملكي: كان كثير الرؤية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقظة ومناما فكان يقال: أن أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه إما يقظة، وإما مناما، ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة قال له في إحداهن: يا خليفة لا تضجر مني، كثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي وقال الكمال الأدفوي في «الطالع السعيد» في ترجمة الصفي أبي عبد الله محمد بن يحيى الأسواني نزيل أخميم من أصحاب أبي يحيى بن شافع: كان مشهورا بالصلاح وله مكاشفات وكرامات كتب عنه ابن دقيق العيد، وابن النعمان، والقطب العسقلاني، وكان يذكر أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويتمتع به. وقال الشيخ عبد الغفار بن نوح في كتابه الوحيد من أصحاب الشيخ أبي يحيى أبو عبد الله الأسواني المقيم بأخميم كان يخبر أنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ساعة حتى لا تكاد ساعة إلا ويخبر عنه. وقال فيه أيضاً: كان للشيخ أبو العباس المرسي وصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه السلام ويجاوبه إذا تحدث معه. وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله: في «لطائف المنن في مناقب أبي العباس وشيخه أبي الحسن» قال رجل للشيخ أبي العباس المرسي: يا سيدي، صافحني بكفك هذه فإنك لقيت رجالا وبلادا فقال والله ما صافحت بكفي هذه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الشيخ: لو حجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين. وفي معجم الشيخ برهان الدين البقاعي- رحمه الله تعالى- قال: حدثني الإمام أبو الفضل بن أبي الفضيل النويري أن السيد نور الدين الأيجي والد الشريف عفيف الدين لما ورد إلى الروضة الشريفة وقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سمع من كان بحضرته قائلا يقول: من القبر وعليك السلام يا ولدي. قال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخه أخبرني أبو أحمد داود بن علي بن محمد بن هبة الله بن المسلمة: أنا أبو الفرج المبارك بن عبد الله بن محمد بن النقور قال: حكى شيخنا أبو نصر عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد الصوفي الكرخي قال: حججت وزرت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا أنا جالس عند الحجرة إذ دخل الشيخ أبو بكر الديار بكري ووقف بإزاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فسمعت صوتا من داخل الحجرة وعليك السلام يا أبا بكر وسمعه من حضر قال الشيخ بعد أن أورد حكايات

كثيرة من ذلك أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر وقد تقدم الأمر أن في كلام القاضي أبي بكر بن العربي لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض وإنما هي جمعية حالة وبرزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشر وهل الرؤية لذات المصطفى صلى الله عليه وسلم بجسمه وروحه أو لمثاله؟ الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني وبه صرح الغزالي فذكر كلامه السابق أولا، قال: فصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ولا يمتنع رؤية ذاته الشريف بجسده وروحه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم كما سيأتي بيان ذلك في باب حياته في قبره صلى الله عليه وسلم وذكر الوفاة ثم قال الشيخ فإن قال قائل يلزم على هذا إثبات الصحبة لمن رآه؟ والجواب أن ذلك ليس بلازم أما إن قلنا بأن المرئي المثال فواضح، لأن الصحبة إنما ثبتت برؤية ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم جسدا وروحا، وإن قلنا: المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه في عالم الملكوت وهذه الرؤية لا تثبت صحبته ويؤيد ذلك أن الأحاديث وردت بأن جميع أمته عرضوا عليه فرآهم ورأوه، ولم تثبت الصحبة للجميع، لأنها رؤية في عالم الملكوت فلا تقيد الصحبة، والحاصل مما تقدم من الأجوبة ستة. أحدها: التشبيه والتمثيل دل عليه قوله في الرواية الأخرى «فكأنما رآني في اليقظة» . ثانيهما: أن معناه سيراني في اليقظة وتأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير. ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه. رابعها: المراد أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك وهو أبعد المحامل كما قال الحافظ. خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ من لم يره في المنام. سادسها: يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه وقال القرطبي قد تقرر أن الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفسها، غير أن الأمثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها، فمن الأول رؤياه صلى الله عليه وسلم لعائشة وفيه «فإذا هي أتت» فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه. ومن الثاني: رؤيا البقر التي تخر المذكورة في قصة أحد، والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الأمور. ومن فوائد رؤيته- صلى الله عليه وسلم- تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته والى تلك الإشارة

بقوله «فيراني في اليقظة» أي أن من رآني رؤية معظم لحرمتي ومشتاق إلى مشاهدتي، وصل إلى رؤية محبوبه، وظفر بكل مطلوبه، قال: ويجوز أن يكون مقصود تلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه وشريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة أو نقصان أو إساءة أو إحسان قال الحافظ: وهذا جواب سابع، والذي قبله لم يظهر لي فإن ظهر فهو ثامن. التنبيه الثاني قال الزركشي في «الخادم» : قال العلماء إنما يصح رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأحد رجلين: أحدهما: صحابي فرآه فعلم صفته [ (1) ] فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان. وثانيهما: رجل تكررت عليه صفاته صلى الله عليه وسلم المنقولة في الكتب حتى انطبعت صفاته في نفسه ومثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن شاهده ورآه، فإذا رآه جزم برؤية مثاله صلى الله عليه وسلم كما جزم به من رآه وأما غير هذين فلا يحصل الجزم بل يجوز أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم بمثاله ويحتمل أن يكون من تخيل الشيطان، ولا يفيده قوله للذي رآه أنا رسول الله ولا قول من يحضر معه، ذكر ذلك القرافي في كتاب «القواعد» وأخذ بعض ذلك من كلام شيخه ابن عبد السلام قال فإذا تقرر هذا فكيف يقولون أن الذي رآه شيخا أو شابا أو أسود أو أبيض إلى غير ذلك من الصفات. والجواب أن هذه صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه وهو كالمراد له قلت لبعض مشايخي فكيف يبقى المثال مع هذه الأحوال المعتادة [ (2) ] فقال لي لو كان لك أب شاب فغبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان فاصفر أو اسود أو غير ذلك، أكنت تشك أنه أبوك؟ قلت لا، قال ما ذاك إلا لما ثبت في نفسك مثاله المتقدم عندك فذلك ثبت عنده حال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا لا يشك فيه مع عروض هذه الأحوال، فإذا صح له وانضبط فالسواد يدل على ظلم الرائي، والعمى يدل على عدم إيمانه، لأنه إدراك ذهب إلى غير ذلك. الثالث: قال في أصل الروضة: لا يعمل بما يسمعه منه الرائي صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بالأحكام لعدم ضبط الرائي [ (3) ] لا الشك في الرؤية فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه وذكر نحوه ابن الصلاح في فتاويه وقال ليس ذلك لعدم الوثوق بالمرئي بل من جهة عدم الوثوق بضبط الرائي وأن حالة النوم حالة غفلة وبطلان القوة الحافظة لما يجري في النوم على التفصيل انتهى.

_ [ (1) ] في ج صفاته. [ (2) ] سقط في ج. [ (3) ] سقط في ج.

السابعة والعشرون:

وبذلك جزم القاضي الحسين في فتاويه، ونقل القاضي عياض الإجماع عليه. قال النووي- رحمه الله تعالى- أما إذا رآه يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل به على وقفة، لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل ما تقرر من أصل ذلك. فائدة: نقل الزركشي عن الشيخ عز الدين بن خطيب الأشموني قال: أخبرني والدي أن إنسانا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له إذهب إلى موضع كذا وخذ منه ما فيه من ركاز ولا خمس عليك فيه وأنه توجه إليه فوجده كما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استفتى الفقهاء بدمشق فكلهم أفتاه بعدم الوجوب، وقالوا قد ظهرت دلائل صدق الرؤيا والشيطان ممنوع من التمثيل بالنبي صلى الله عليه وسلم قال وأفتاه شيخنا الشيخ عز الدين بن عبد السلام بوجوب الخمس عليه، واستدل على ذلك بأن طريق رفع القواعد النسخ فلا نسخ بعد انقطاع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم قال ثم إني حكيت هذه الحكاية لشيخنا الشيخ تقي الدين القشيري بن دقيق العيد فصدق روايتها وزاد على ذلك أن الشيخ عز الدين إنما كان يرى ذلك من باب الترجيح على تقدير صدق المنام قال وأظن أنه أراد الترجيح أن رواية الجمهور وجوب الخمس أيضاً ورواية هذا شاذة في منام انتهى. السابعة والعشرون: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. روى الشيخان عن صفوان بن يعلى بن أمية أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخا بالطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي ثم سري عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أين الذي سأل عن العمرة آنفا» فالتمس الرجل فأتى به فقال «أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك» . روى البيهقي عن ابن عمر- رضي الله عنه- سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير قال: لا أدري، قال أبي البقاع شر قال لا أدري فأتاه جبريل فقال «يا جبريل أي البقاع خير وأي البقاع شر؟» قال لا أدري قال «سل ربك» فانتفض جبريل انتفاضة كاد النبي صلى الله عليه وسلم يصعق منها فقال: ما أسأله عن شيء فقال الله- عز وجل- لجبريل: سألك محمد أي البقاع خير فقلت: له لا أدري فأي البقاع شر فقلت: لا أدري فأخبره أن خير البقاع المساجد وأن شر البقاع الأسواق. الثامنة والعشرون: وبزيادة الوعك عليه لزيادة الأجر له صلى الله عليه وسلم وسيأتي بيان ذلك في الوفاة. التاسعة والعشرون: وبأن إبطه لم يعهد له شعر ولم يكن له رائحة كريهة لما تقدم في باب صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم.

تنبيه

تنبيه قال الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي في «شرح تقريب والده» وذكر بعض الشافعية أنه لم ير مكشوفا ... وقال الأسنوي أن بياض الإبط من خواصه صلى الله عليه وسلم فورد التعبير بذلك في حقه فأطلق في حقه غيره وأما إبط غيره فأسود لما فيه من الشعر. قال أبو زرعة وما ادعاه من كون هذه من الخصائص فيه نظر إذ لم يثبت ذلك بوجه من الوجوه بل لم يرد ذلك في شيء من الكتب المعتمدة، والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من ذكر السن وغيره بياض إبطه، أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف يبقى المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر، ولذلك ورد في حديث عبد الله بن أقزم الخزاعي أنه صلى الله عليه وسلم صلى معه فقال كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد رواه الترمذي وحسنه. ويؤيده ما في الصحيحين في رواية أخرى حتى رأيت عفرة إبطيه. والعفرة هي البياض المشوب مأخوذ من عفر الأرض وناقة عفراء ليست بخالصة البياض وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي جعل المكان أعفر وإلا فلو كان خاليا من نبات الشعر جملة لم يكن أعفر وإطلاق بياض الإبطين في حقه غيره صلى الله عليه وسلم موجود في كلام جمع من الفقهاء، ولا إنكار فيه، لأن الإبط لا تناله الشمس في السفر والحضر فتغير لونه كسائر الجسد الذي يبدو للشخص، نعم الذي يعتقد فيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة بل كان نظيفا. الثلاثون: بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينزل عليه الذباب ذكره السبتي في مولده وابن سبع رضي الله عنه. الحادية والثلاثون: وبأن القمل لم يكن يؤذيه تعظيما له ذكره ابن سبع وقد تشكل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ... الحديث ولازم ذلك التفالي وجود شيء يؤذيه في الجملة إما قملا أو برغوثا ونحو ذلك. قال الحضري ويحتمل أن يكون التفلي لاستقذار وجوده ولو لم يحصل منه أذى في حقه صلى الله عليه وسلم لأن وجوده في الثوب والبدن مستقذر. الثانية والثلاثون: وبأنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما ذكره القاضي والقرطبي وذكر السهيلي أنه كان يرى إثنا عشر نجما وقد تقدم ذلك في أوائل الكتاب. الثالثة والثلاثون: وبأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً وقد تقدم بيان ذلك في أبواب المولد، وفي

الرابعة والثلاثون:

إدخال هذه الخصائص نظر فقد تقدم أن جماعة من الأنبياء ولدوا كذلك وجماعة من هذه الأمة حتى في عصرنا أخبر بعضهم بأنه ولد مختوناً. الرابعة والثلاثون: وبأنه يدعي له بلفظ الصلاة فلا يقال- رحمه الله- لدلالة لفظ الصلاة على معنى التعظيم ولا يشعر به لفظ الترحم. قال أبو عمرو: ولا يجوز لأحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول- رحمه الله-، لأنه قال «من صلى علي» ولم يقل من ترحم علي ولا من دعا لي وإن كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه خص بهذا اللفظ تعظيماً له فلا يعدل عنه إلى غيره، ويؤيده قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور/ 63] . قال الحافظ: وهو بحث حسن وقد ذكر نحو ذلك القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية والصيدلاني من الشافعية. قال شيخنا في شرح السنن: ولا يرد عليه بما كان يقوله صلى الله عليه وسلم بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني» لأن هذا سبق للتشريع، وتعليم الأمة كيف يقولون في هذا المحكي من الصلاة مع ما فيه من تواضعه صلى الله عليه وسلم لربه وأما نحن فلا ندعو له إلا بلفظ الصلاة التي أمرنا أن ندعو له بها لما فيها من التفخيم والتعظيم اللائق بمنصبه الشريف صلى الله عليه وسلم وذكر أنه ألف في المسألة جزءا لم أره، وقال أبو القاسم الأنصاري شارح «الإرشاد» يجوز ذلك مضافا للصلاة ولا يجوز مفردا، وفي «الذخيرة البرهانية» من كتب الحنفية عن محمد يكره ذلك لإيهامه النقص، لأن الرحمة إنما تكون لفعل ما يلام عليه قلت وما قاله الأنصاري هو الحق. الخامسة والثلاثون: وبأن الله- سبحانه وتعالى- أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق قائما على قبره صلى الله عليه وسلم يبلغه صلاة أمته صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في باب الصلاة عليه ولم ينقل حصول ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم انتهى. السادسة والثلاثون: وبأن كل موضع صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبط موقفه فهو نص بيقين لا يجوز الاجتهاد فيه بتيامن ولا تياسر فيه بخلاف بقية المحاريب انتهى. السابعة والثلاثون: وبأن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- لا يتثاءبون كما رواه البخاري في تاريخه الكبير عن مسلمة بن عبد الملك. تنبيه قال ثابت السرقطي في «دلائله» وغيره من أئمة اللغة: صواب هذا اللفظ تثأب مشددة الهمزة، ولا يقال تثاءب. الثامنة والثلاثون: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتمطى، لأنه من عمل الشيطان قاله ابن سبع.

التاسعة والثلاثون:

التاسعة والثلاثون: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرى له ظل كما في الضوء وقد تقدم بيان ذلك. الأربعون: وبأن الأرض كانت تبتلع ما يخرج منه من الغائط، فلا يظهر له أثر ويفوح كذلك رائحة طيبة وكذلك الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. روى ابن سعد أنبأنا إسماعيل بن أبان الوراق أنبأنا عتبة بن عبد الرحمن القشيري عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن عائشة ورجاله ثقات إلا محمد بن زاذان فينظر حاله والدارقطني في «الأفراد» أنبأنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد الباهلي النعماني أنبأنا محمد بن حسان الأموي أنبأنا عبيدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. روى ابن سعد أنبأنا إسماعيل بن أبان الوراق (نا) عنبسة بن عبد الرحمن القشيري عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن عائشة- ورجاله ثقات إلا محمد بن زاذان فينظر حاله قال البخاري يكتب حديثه والدارقطني في «الأفراد» أنبأنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد الباهلي النعماني أنبأنا محمد بن حسان الأموي ثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال الحافظ بن دحية في «خصائصه» ثابت وهو أقوى طرق الحديث، ومحمد بن حسان بغدادي ثقة صالح وعبدة من رجال الشيخين والحاكم في المستدرك أخبرني مخلد بن جعفر حدثنا محمد بن جرير ثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا إبراهيم بن سعد ثنا المنهال بن عبيد الله عمن ذكره عن ليلى مولاة عائشة- رضي الله تعالى عنها- وأبو نعيم ثنا محمد بن إبراهيم ثنا علي بن أحمد بن سليمان المصري ثنا زكريا بن يحيى البلخي حدثنا شهاب بن معمر العوفي حدثنا عبد الكريم الخزاز حدثنا أبو عبد الله المدني عن ليلى مولاة عائشة والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي أخبرنا أبو بلال ومحمد بن عبد العزيز الكلاني أخبرنا كثير بن محمد ثنا أبو الحسن بن الفراء أخبرنا أرطأة بن قيس بن الربيع الأسدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والسدي أخبرنا زيد بن إسماعيل الصائغ أخبرنا الحسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت يا رسول الله إنك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلت أثرك فما أرى شيئا. وفي لفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء ثم خرج دخلت بعده فلا أجد رائحة إلا أنني أجد ريح الطيب قالت فذكرت ذلك له وفي لفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المخرج دخلنا بعده فلا نرى أثر غائط ونجد رائحة الموضع رائحة الطيب وفي لفظ إذا دخل الخلاء ثم خرج دخلت بعده فلا أجد شيئا إلا أني أجد ريح الطيب قالت فذكرت ذلك له وفي لفظ قالت قلت يا رسول الله تأتي الخلاء فلا نرى منك شيئا من الأذى، وفي لفظ قالت

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته فلم أر شيئا ووجدت ريح المسك فقلت: يا رسول الله إني لم أر شيئا فقلت يا رسول الله: إذا دخلت لتتوضأ دخلنا بعدك فلا نجد أثر غائط ونجد رائحة الموضع رائحة الطيب فقال: «أو ما علمت يا عائشة بأن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء ولا يرى منه شيء» وفي لفظ «فلأن الأرض أمرت أن تبتلعه منا معاشر الأنبياء وفي لفظ نبتت على أجسادنا على أرواح الجنة فما خرج منا من شيء تبلعه الأرض» في لفظ «أما علمت أن معاشر الأنبياء نبتت أجسادنا على أرواح الجنة فما خرج منا من شيء ابتلعته الأرض يا عائشة» وفي لفظ: «إنا معاشر الأنبياء إذا تورطنا في بقعة أمر الله تعالى الأرض فابتلعته وحول الموضع رائحة الطيب» كذا وقع تروطنا قال أبو الحسن بن الضحاك وأظنه والله تعالى أعلم تغوطنا. روى الخطيب في «رواه مالك» نحوه عن جابر بن عبد الله الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- ولفظه حدثنا أبو يعلى محمد بن علي الواسطي أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن علي الجرجاني حدثنا إسحاق بن الصلت أخبرنا مالك بن أنس أخبرنا أبو الزبير المكي حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء لو لم يأت بالقرآن لآمنت به تصحرنا في جبانة تنقطع الطرق دونها فذكر الحديث وفيه فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادرته بالماء وقلت لعل الله أن يطلعني على ما خرج من جوفه فآكله فرأيت الأرض بيضاء فقلت يا رسول الله: أما كنت توضأت؟ قال: «بلى ولكنا معشر الأنبياء أمرت الأرض أن تواري ما يخرج منا من الغائط والبول» وذكر الحديث. فقال أبو الحسن بن الضحاك: حدثنا أبو القاسم محمد بن العاص حدثنا عبد الله بن فرج الزاهد حدثنا أبو جعفر بن محمد قال: أنبأنا ابن محمد بن يحيى قال: [ (1) ] أنبأنا أبو سعيد الفضل بن محمد بن إبراهيم حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد أخبرنا علي بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال بلغنا أنه لم يوجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجيع من الخلاء قط. ورواه الحكم الترمذي عن ذكوان وهذه الطرق إذا ضم بعضها إلى بعض أدت إلى قوة الحديث وقد رواه البيهقي من طريق الحسين صلى الله عليه وسلم بن علوان عن هشام بن عروة وقال هذا من موضوعات ابن علوان وقد علمت مما تقدم أن ابن علوان لم ينفرد به بل تابعه عبدة بن سليمان وسئل الحافظ عبد الغني- رحمه الله تعالى- عما كان يخرج منه صلى الله عليه وسلم فقال روى ذلك من وجه غريب والظاهر يؤيده فإنه لم يذكر أحد من الصحابة أنه رآه ولا ذكره، وأما البول فقد شاهد غير واحد، وشربته أم أيمن- رضي الله عنها-.

_ [ (1) ] سقط في ج.

الحادية والأربعون:

الحادية والأربعون: وبأن الإمام لا يكون بعده إلا واحدا ولم يكن الأنبياء قبله كذلك قاله ابن سراقة. الثانية والأربعون: وبأن الله تبارك وتعالى بدأ بالعفو قبل التأنيب والمخاطبة قبل أن يعرف الذنب، فقال- جل وعلا-: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة/ 43] أي لأي شيء أذنت لهم لأنك لو لم تأذن لهم عن الخروج معك وعند قعودهم عنك بعد نهيك لهم تبين لك صدقهم من كذبهم، لأنهم لا يخرجون معك بكل حال. قال الحسين بن منصور الاصطخري: الأنبياء يؤمنون على مقاديرهم واختلاف مقاماتهم فمنهم من نبه ثم أنسيه ولو لم ينه بعد التأنيب لتفطن كما قال نوح- عليه السلام- إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود/ 46] . ومنهم من أنسيه ثم نبه ليفطن لقربه منه، وذلك أنه- سبحانه وتعالى- أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة النور أن يأذن لمن شاء منهم بقوله فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور/ 62] وقال في سورة التوبة مرتين له عن ذلك عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة/ 43] فلو قال: لم أذنت لهم عفا الله عنك لأذنب وهذا ليس يذنب ولكن بالإضافة إلى الشرف ومقام الترقيات تقدم العفو عنه وقدره ورفع محله بالدعاء له كما يقال الكريم عفا الله عنك بما صنعت وقيل: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة. الثالثة والأربعون: وبأنه من تكلم في عهده صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بطلت صلاته. الرابعة والأربعون: وبأنه لا يجوز لأحد الخروج عن مجلسه صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور/ 62] ، الآية. وروى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان- رضي الله تعالى عنه- قال كان لا يصح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعد ما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بإصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيأذن لهم من غير أن يتكلم الرجل منهم، وكان إذا تكلم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بطلت جمعته. الخامسة والأربعون: وبمبالغته صلى الله عليه وسلم في الأدب مع ربه- عز وجل- في حال سروره وغضبه. قال ابن دحية: ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم في قوله حالة شدة خوفه إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء/ 62] فقدم اسمه على اسم ربه فلذلك أشركت أمته بالعجل وأما النبي فإنه في شدته قال لأبي بكر وهما في الغار لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة/ 40] فقدم اسم ربه على اسمه فعصمت أمته من الشرك، وأنزلت السكينة في قلوبهم، السكينة

السادسة والأربعون:

فعيلة من سكن يسكن سكونا وهو خلاف الاضطراب والحركة. السادسة والأربعون: بوجوب تقديمه على النفوس فلا يتم الإيمان إلا بمحبته قال الله- سبحانه وتعالى- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب/ 6] أي أحق وقدمه تعالى في القرآن على الآباء والأبناء والأخوة والأزواج والعشائر والأموال قال تعالى قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [التوبة/ 24] . وعن عمر- رضي الله تعالى عنه- أنه قال يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا والذي نفسي بيده لا تكون مؤمنا حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال عمر والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر، أنت مؤمن» وعن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» ورواه البخاري قال أبو الزناد- رضي الله تعالى عنه- هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم، لأنه قد جمع في هذه الألفاظ اليسيرة معاني كثيرة لأن أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد لولده ومحبة رحمة وشفقة كمحبة الولد، ومحبة استحسان ومشاركة كمحبة سائر الناس فحصر النبي صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في هذا اللفظ اليسير، ومعنى الحديث والله تعالى أعلم أن من استطعم الإيمان علم أن فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله أكبر من حق ابنه وأبيه والناس أجمعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم استنقذ الله به أمته وهداهم من الضلال والمراد من هذا الحديث بذل النفوس دونه. وقال الكسائي في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال/ 64] أي حسبك الله ناصرا وكافيا وحسبك من اتبعك من المؤمنين ببذل أنفسهم دونك. السابعة والأربعون: وبأنه لا يدخل الإيمان في قلب رجل حتى يحب أهل بيته، روى ابن ماجه والحاكم والطبراني عن العباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله: إني رأيت قوما يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا أنهم استحلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قد فعلوها والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم أتحبون أن تدخلوا الجنة بشفاعتي ولا تبرحوها من عبد المطلب. الثامنة والأربعون: وبأن شانيه أبتر- أي مقطوع البركة والنسل قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ 1- 3] ونقل ابن

التاسعة والأربعون:

إسحاق وابن عقبة في سبب نزول هذه السورة عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو هلك استرحتم منه فنزلت. وقيل نزلت في أبي جهل. وقيل غير ذلك فإن قيل إذا كان المستنقص هو الأبتر الذي لا ولد له كيف يستقيم ذلك في العاص بن وائل فإنه ذو ولد وعقب؟ فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد. فالجواب أن العاص وإن كان ذا ولد فقد انقطعت العصمة بينه وبينهم فليسوا بأتباع له، لأن الإسلام قد حجزهم عنه فلا يرثهم ولا يرثونه فهم أتباع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال السهيلي قوله- عز وجل-: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ 3] ولم يقل شانئك الأبتر ليضمن اختصاصه بهذا الوصف كما هو في مثل هذا الموضع يعطي الاختصاص مثل قول القائل إن زيدا فاسق فلا يكون مخصوصا بهذا الوصف دون غيره فإذا قلت إن يزيدا هو الفاسق لا الذي زعمت فدل أن الحصر من يزعم غير ذلك وهكذا قال الجرجاني وغيره في تفسيرها هو أن يعطي الاختصاص وكذلك قالوا في قوله تعالى: وأنه هو أغنى وأَبقَى [النجم/ 48] . ولما كان العباد يتوهمون أن غير الله قد يغني قال هو أغنى وأبقى لا غيره. التاسعة والأربعون: «وبأنه لا يدخل النار من تزوجت إليه أو تزوج إلي» فحرمه الله على النار وسلم كما رواه ابن عساكر من طريق الحارث عن علي مرفوعا والحاكم نحوه عن ابن أبي أوفى والحارث نحوه عن ابن عمر. الخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم منزه عن فعل المكروه قال القاضي تاج الدين بن السبكي في «جمع الجوامع» : وفعله غير محرم للعصمة وغير مكروه للنزاهة وما فعله مما هو مكروه في حقنا فإنما فعله بيان الجواز، فهو في حقه واجب للتبليغ، أو فضيلة ويثاب عليه ثواب واجب أو فاضل. والله تعالى أعلم. الحادية والخمسون: وبأن رؤياه وحي. الثانية والخمسون: وبأن ما رآه فهو حق وكذلك الأنبياء صلى الله عليه وسلم انتهى. روى الطبراني عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال «ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه ويقظته فهو حق» . وروى الحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تعالى إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً [يوسف/ 4] قال رؤيا الأنبياء وحي.

الثالثة والخمسون:

الثالثة والخمسون: وبفضيلة الصلاة قلت لم أفهم ما المراد بذلك إن كان صلاة الله عليه فقد تقدم في آخر الفصل الأول من الباب الأول وإن كان صلاته على غيره وهو الظاهر فقد تقدم في الفصل الثالث من هذا الباب. الرابعة والخمسون: قيل وبأن ما له باق على ملكه لينفق منه على أهله وصححه إمام الحرمين. الخامسة والخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه يجب على كل أحد الخروج معه لقوله تعالى ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة/ 120] ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء- رضي الله تعالى عنهم- قاله قتادة. السادسة والخمسون: قيل وبأن الجهاد كان في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عين وهو بعده من فروض الكفايات. السابعة والخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم أبو الرجال والنساء نقله في «زوائد الروضة» عن البغوي. وقال الواحدي قال بعض الأصحاب لا يجوز أن يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة لقوله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب/ 40] قال ونصّ الشافعي- رحمه الله تعالى- على أنه أبو المؤمنين أي في الحرمة، ومعنى الآية ليس أحد من رجالكم ولده من الصلب. الثامنة والخمسون: وبإباحة الجلوس لآله وأزواجه في المسجد مع الجنابة والحيض وقد تقدم بيان ذلك في المسألة الأولى من الفصل الثالث انتهى. التاسعة والخمسون: وبوجوب الاستماع والإنصات لقرآنه إذا قرأ في الصلاة الجهرية. الستون: وعند نزول الوحي. الحادية والستون: قيل وبأن الأمر بالتفسح في المجلس خاص بمجلسه صلى الله عليه وسلم قاله مجاهد. الثانية والستون: وبأن من ضحك في الصلاة خلفه أعاد الوضوء وليس على من ضحك في الصلاة خلف إمام غيره إعادة وضوءه قاله جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه-. الثالثة والستون: وبأن من كذب عليه لم تقبل روايته أبدا وإن تاب. الرابعة والستون: وبأنه صلى الله عليه وسلم والأنبياء معصومون من كل ذنب ولو صغيرا أو سهوا.

الخامسة والستون:

الخامسة والستون: وبأن من تمنّى موته وكذا الأنبياء كفر قاله المحاملي في الأوسط ورتب عليه تحريم إرثهم لئلّا يتمنّاه ورثته فيكفروا وقال غيره، ولذا لم يشب شعره، لأن النساء يكرهن الشيب ولو وقع ذلك في أنفسهم كفرن فعصم من ذلك رفقا بهن، قلت وقد تقدم الكلام على شيبته في الكتاب. السادسة والستون: وقيل بأن من قذف أزواجه صلى الله عليه وسلم فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنه-. السابعة والستون: وبأن قاذفهن يقتل كما نقله القاضي. وقيل: يختص القتل بمن سب عائشة (رضي الله عنها) فيحد في غيرها حدين. الثامنة والستون: وبأن من قذف أمّ أحد من الصحابة يحدّ حدّين. التاسعة والستون: وبأن من قذف آمنة قتل مسلما كان أو كافرا قاله الشيخ موفق الدين بن قدامة الحنبلي في «المقنع» . السبعون: وبأنه لم تبغ امرأة نبي قط. الحادية والسبعون: وقيل باختصاص صلاة الخوف بعهده، لأن إمامته لا عوض لها بخلاف غيره قاله أبو يوسف، والمزني. الثانية والسبعون: وبأنه يحرم النقش على نقش خاتمه فليس لأحد أن ينقش على نقش خاتمه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثالثة والسبعون: وبأنه لا يقول في المرض والغضب إلا حقا. الرابعة والسبعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه العمى وكذا الأنبياء فيما ذكره السبكي. الخامسة والسبعون: وبأنهم منزّهون عن النقائص في الخلق والخلق سالمون من العاهات، والمعايب، ولا التفات إلى ما يقع في بعض التواريخ من إضافة العاهات إلى بعضهم بل منزهون من كلّ عيبٍ وكل ما ينقص العيون أو ينفّر القلوب قاله القاضي. السادسة والسبعون: وبأنه يخص من شاء بما شاء كجعله شهادة خزيمة بشهادتين. السابعة والسبعون: قيل: وبأنه كان يقال له بأبي أنت وأمي ولا يقال ذلك لغيره فيما ذكره بعضهم [ (1) ] . الثامنة والسبعون: وبأنه كان يرى بالليل وفي الظلمة كما يرى بالنهار وفي الضوء.

_ [ (1) ] سقط في ج.

التاسعة والسبعون:

التاسعة والسبعون: وبأن ريقه صلى الله عليه وسلم يعذب الماء المالح. الثمانون: وبأنه يجزي الرضيع. الحادية والثمانون: وبأنه يبلغ صوته وسمعه ما لا يسمعه غيره صلى الله عليه وسلم. الثانية والثمانون: وبأن رائحة عرقه صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك. الثالثة والثمانون: وبأنه كان إذا مشى مع الطويل طال. الرابعة والثمانون: وبأنه صلى الله عليه وسلم يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين. الخامسة والثمانون: وبأن ظله صلى الله عليه وسلم لم يقع على الأرض. السادسة والثمانون: ولا يرى له ظل في شمس ولا قمر قال ابن سبع، لأنه صلى الله عليه وسلم كان نورا، تقدم بيان ذلك في أبواب صفاته وبعضها في أبواب المعجزات. السابعة والثمانون: وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابته لا تبول ولا تروث وهو راكبها نقل ذلك عن ابن إسحاق، وبنى عليه بعض المتأخرين طوافه صلى الله عليه وسلم على بعيره فجعله من خصائصه ولم يجز ذلك لغيره. الثامنة والثمانون: وبأن وجهه كان كالشمس تجري فيه. التاسعة والثمانون: وبأنه لم يكن لقدمه صلى الله عليه وسلم أخمص. التسعون: قيل وبأن خنصر رجليه كانت متظافرة. الحادية والتسعون: وبأن الأرض تطوى له إذا مشى صلى الله عليه وسلم وتقدم بيان ذلك في أبواب صفاته. الثانية والتسعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يقع في نسبه من لدن آدم سفاح قط. الثالثة والتسعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم تقلب في الساجدين حتى خرج نبيا. الرابعة والتسعون: وبأنه نكثت الأصنام لمولده صلى الله عليه وسلم. الخامسة والتسعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً ومقطوع السرة. أخرج الطبراني في (الأوسط) ، وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي» . وصححه الضياء في (المختارة) ، وقال ابن سعد، عن يونس بن عطاء المكي، حدثني الحكم بن أبان العدني، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: «ولد النبي صلى الله عليه وسلم مختوناً مسرورا وأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده» . وقال: «ليكونن

السادسة والتسعون:

لابني هذا شأن، فكان له شأن» . أخرجه البيهقي وأبو نعيم وابن عساكر. وأخرج ابن عدي وابن عساكر من طريق عطاء، عن ابن عباس قال: «ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختوناً» . وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً» . وأخرج ابن عساكر، عن ابن عمر قال: «ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختوناً» . قال الحاكم في (المستدرك) : تواترت الأحاديث أنه ولد مختوناً. وفي (الوشاح) لابن دريد قال ابن الكلبي «بلغنا عن كعب الأحبار أنه قال: نجد في بعض كتبنا أن آدم خلق مختوناً واثني عشر نبيا من بعده من ولده خلقوا مختتنين آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وشيث، وإدريس، ونوح، وسام، ولوط، ويوسف، وموسى، وسليمان، وشعيب، ويحيى، وهود، وصالح- صلى الله عليهم أجمعين-» . السادسة والتسعون: وبأنه ما افترقت فرجة إلا كان في خيرها. السابعة والتسعون: وبأنه كان نظيفا ما به قذر. الثامنة والتسعون: وبأنه وقع على الأرض ساجدا ورافع يده إلى السماء كالمتضرع المبتهل. التاسعة والتسعون: وبأن أمه رأت عند ولادته نورا خرج منها أضاء له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين. المائة: وبأن مهده صلى الله عليه وسلم كان يتحرك بتحريك الملائكة. الواحدة بعد المائة: وبأن القمر كان يناغيه وهو في مهده. وأخرجه البيهقي والصابوني في (المائتين) والخطيب وابن عساكر في تاريخيهما، عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله دعاني إلى الدخول في دينك إمارة لنبوتك رأتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بإصبعك فحيث أشرت إليه مال. قال: «إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش» قال البيهقي تفرد به أحمد بن إبراهيم الجيلي وهو مجهول. وقال الصابوني: هذا حديث غريب الإسناد والمتن في المعجزات حسن. الثانية بعد المائة: وبأنه كان يميل حيث أشار إليه. الثالثة بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم تكلم في المهد. الرابعة بعد المائة: وبأنه لم يلد أبواه غيره.

الخامسة بعد المائة:

الخامسة بعد المائة: وبأنه كما قال بعضهم لم ترضعه مرضعة إلا أسلمت. السادسة بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كانت تظله الغمامة في الحر وتقدم بيان ذلك في أبواب مولده صلى الله عليه وسلم. السابعة بعد المائة: وبأنه كان يميل إليه فيء الشجرة إذا سبق إليه كما تقدم بيان ذلك في باب سفره إلى الشام. الثامنة بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم يبيت جائعا ويصبح طاعما يطعمه ربه ويسقيه من الجنة كما تقدم بيانه في الفصل الثالث. التاسعة بعد المائة: وبأنه عصم من الأغلال الموجبة كما ذكره القضاعي في تاريخه. العشرة بعد المائة: وبأنه ردت إليه الروح بعد ما قبض ثم خير بين البقاء في الدنيا والرجوع إلى الله فاختار الرجوع إلى الله وكذلك سائر الأنبياء. الحادية عشر بعد المائة: وبأنه أرسل إليه جبريل ثلاثة أيام في مرضه ليسأله كيف حاله. الثانية عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم لما نزل إليه ملك الموت نزل معه ملك يقال له إسماعيل يسكن الهواء لم يصعد إلى السماء قط ولم يهبط إلى الأرض قط قبل ذلك اليوم. الثالثة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم سمع صوت ملك الموت باكيا عليه ينادي وا محمّداه. الرابعة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه. الخامسة عشر بعد المائة: رأى الملائكة. السادسة عشر بعد المائة: والناس أفواجا بغير إمام وقالوا: هو إمامكم حيا وميتا. السابعة عشر بعد المائة: وبغير دعاء الجنازة المعروف. الثامنة عشر بعد المائة: وبتكرير الصلاة عليه عند، مالك وأبي حنيفة- رضي الله تعالى عنهما- قيل: وبأنه لم يصل عليه أصلا إنما كان الناس يدخلون أفواجا إرسالا فيدعون وينصرفون وعلل بأنه بفضله غير محتاج إلى ذلك. التاسعة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ترك بلا دفن ثلاثة أيام. العشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم دفن بالليل وذلك في حق غيره مكروه عن الحسن وخلاف الأولى عند سائر العلماء.

الحادي والعشرون بعد المائة:

الحادي والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيته حيث قبض وكذلك الأنبياء والأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة. الثانية والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم فرش له قطيفة في لحده قال وكيع هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ويكره ذلك لغيره بالاتفاق. الثالثة والعشرون بعد المائة: وبأنه غسل في قميصه، ويكره ذلك في حق غيره قاله الحنفية والمالكية. الرابع والعشرون بعد المائة: وبأن الأرض أظلمت بموته ويأتي بيان ذلك كله في أبواب وفاته. الخامس والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يضغط في قبره وكذلك الأنبياء وفاطمة بنت أسد كما قاله القرطبي في «التذكرة» ولم يسلم من الضغطة لا صالح ولا غيره سواهم. السادس والعشرون بعد المائة: وبأنه تحرم الصلاة على قبره واتخاذه مسجدا. السابع والعشرون بعد المائة: وبأنه يحرم البول عند قبره صلى الله عليه وسلم وكذلك الأنبياء ويكره عند قبور غيرهم قاله الأوزاعي. الثانية والعشرون بعد المائة: وبأنه لا يبلى جسده وكذلك الأنبياء لا تأكل لحومهم الأرض، ولا السباع، وسيأتي بيان ذلك في أبواب الوفاة. التاسع والعشرون بعد المائة: وبأنه لا خلاف في طهارة ميتهم وفي غيرهم خلاف. الثلاثون بعد المائة: وبأنه لا يجري في أطفالهم الخلاف الذي لبعضهم. الواحدة والثلاثون بعد المائة: وبأنه لا يجوز للمضطر أكل ميتة. الثانية والثلاثون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره. الثالث والثلاثون بعد المائة: ويصلّي فيه بآذان وإقامة ولهذا قيل لا عن أزواجه، وسيأتي بيان ذلك. الرابع والثلاثون بعد المائة: وبأن المصيبة بموته صلى الله عليه وسلم عامة. الخامس والثلاثون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم وكل بقبره ملكان يبلغانه صلاة المسلمين عليه لأمته إلى يوم القيامة. السادس والثلاثون بعد المائة: وبأن أعمال أمته تعرض صلى الله عليه وسلم عليه ويستغفر لهم، وسيأتي بيان ذلك في أبواب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

السابع والثلاثون بعد المائة:

السابع والثلاثون بعد المائة: وبأن أول ما يرفع رؤيته في المنام والقرآن والحجر الأسود. الثامن والثلاثون بعد المائة: وبأن قراءة أحاديثه صلى الله عليه وسلم عبادة ويثاب عليها كقراءة القرآن في إحدى الروايتين. التاسع والثلاثون بعد المائة: وبأن النار لا تأكل شيئا من سائر وجهه وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. الأربعون بعد المائة: وبكراهة عمل ما كتب عليه اسمه وتقدم بيان ذلك في باب أسمائه. الواحد والأربعون بعد المائة: وبأنه يستحب الغسل لقراءة حديثه. الثانية والأربعون بعد المائة: والطيب. الثالثة والأربعون بعد المائة: ولا ترفع عنده الأصوات. الرابعة والأربعون بعد المائة: ويقرأ على مكان عال. الخامسة والأربعون بعد المائة: ويكره لقارئه أن يقوم لأحد كما سيأتي في أبواب توقيره. السادسة والأربعون بعد المائة: وبأن حملته لا تزال وجوههم نضرة لقوله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها إلى أهلها كما سمعها» الحديث. السابعة والأربعون بعد المائة: وبأنهم اختصوا بالحفاظ وأمر المؤمنين من بين سائر العلماء. الثامنة والأربعون بعد المائة: وبجعل كتب حديثه صلى الله عليه وسلم على كرسي كالمصاحف. التاسعة والأربعون بعد المائة: وبأن الصحبة ثبتت لمن اجتمع به صلى الله عليه وسلم لحظة بخلاف التابعي مع الصحابي فلا تثبت إلا بطول الاجتماع معه، على الأصح عن أهل الأصول، والفرق عظم منصب النبوة ونورها فبمجرد ما يقع بصره على الأعرابي الجلف ينطق بالحكمة. الخمسون بعد المائة: وبأن أصحابه صلى الله عليه وسلم كلهم عدول فلا يبحث عن عدالة أحد منهم كما يبحث عن عدالة سائر الرواة. الواحد والخمسون بعد المائة: وبأنهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم كما ذكره العراقي في شرح «جمع الجوامع» . الثانية والخمسون بعد المائة: وبأن الله تعالى أوجب الجنة والرضوان في كتابه

الثالثة والخمسون بعد المائة:

لجميع أصحابه، محسنهم ومسيئهم وشرط على من بعدهم أن يتبعوهم بإحسان قاله محمد بن كعب القرظي. الثالثة والخمسون بعد المائة: وبأنه لا يكره للنساء زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كما يكره لهن زيارة سائر القبور بل يستحب كما قال العراقي في «نكته» أنه لا شك فيه. انتهى. الرابعة والخمسون بعد المائة: وبأن المصلي في مسجده لا يبصق عن يساره أي في ثوب ونحوه كما هو السنة في سائر المساجد، نبه على ذلك الشيخ كمال الدين الدميري، وغيره. الخامسة والخمسون بعد المائة: وبأن مسجده صلى الله عليه وسلم لو بني إلى صنعاء لكان مسجدا وقال النووي رحمه الله تعالى في «شرح مسلم» «والمناسك» أن الصلاة إنما تضاعف في المسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم دون بقية الزيادات ولم يحك غيره، لكن الخطيب وابن جملة نقل عن المحب الطبري أن المسجد المشار إليه في حديث المضاعفة هو ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم مع ما زيد فيه لأخبار وآثار وردت في ذلك واستحسنه ابن جملة على ما ذهب إليه النووي من التخصيص، مع أن البرهان بن فرحون نقل في شرحه لابن الحاجب «الفرعي» أنه لم يخالف في هذه المسألة غير النووي، وأن الشيخ محب الدين الطبري نقل في كتابه «الأحكام» أن النووي رجع عن ذلك، وتعجب بأن ابن الجوزي نقل عن ابن عقيل ما يوافق ما ذكره النووي في «شرح مسلم» والأقشهري في «روضته» عن ابن نافع صاحب مالك عنه ولفظه في أثناء كلام قيل له إن لمالك هذا المسجد الذي جاء فيه الخبر هل هو ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو على ما هو عليه الآن؟ قال: بل هو على ما هو عليه الآن قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها وتحدث بما يكون بعده فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت، ونسيه من نسيه ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة أصحابه، ولم ينكره عليهم في ذلك منكر وعمدة من ذهب إلى التخصيص الإشارة إلى قوله «مسجدي هذا» ولعله صلى الله عليه وسلم إنما جاء بها ليدفع توهم دخول سائر المساجد المنسوبة إليه بالمدينة عن غير هذا المسجد لا كإخراج ما يزيد فيه وقد سلم النووي أن المضاعفة في المسجد الحرام مع ما زيد فيه فليكن مسجد المدينة كذلك كما أشار إليه ابن تيمية قال: وهو الذي يدل عليه كلام الأئمة المعتمدين وكان الأمر عليه في عهد عمر، وعثمان، فإن كلا منهما زاد في قبلة المسجد، وكان مقامه في الصلوات الخمس في رواية وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه ويمنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غيره.

السادسة والخمسون بعد المائة:

قال ولم يبلغني عن أحد من السلف خلاف هذا إلا أن بعض المتأخرين ذكر أن الزيادة ليست من مسجده، وما علمت له سلفا في ذلك. انتهى. السادسة والخمسون بعد المائة: وبأنه وكل بشقتي كل إنسان ملكان يحفظان عليه إلا الصلاة عليه خاصة. السابعة والخمسون بعد المائة: وبوجوب الصلاة عليه عندنا في التشهد الأخير. الثامنة والخمسون بعد المائة: وكلما ذكر عند الطحاوي والحليمي لأنه ليس بأقل من تشميت العاطس، وسيأتي بيان ذلك في باب وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. التاسعة والخمسون بعد المائة: وبأن من صلى عليه عن الأمر الذي تستقذر منه أو يضحك منه أو جعل الصلاة عليه كناية عن شتم القبر كفر، ذكره الحكيم ونقله في «الخادم» . الستون بعد المائة: وبأن من حكم عليه فكان في قلبه حرج من حكمه، كفر بخلاف غيره من الحكام ذكره الاصطخري- في أدب القضاء- وابن دحية واستدل لذلك بقوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء/ 65] . يقال: تشاجر القوم إذا اختلفوا يعني فيما شجر بينهم أي فيما وقع من التشاجر بينهم. الواحد والستون بعد المائة: وبأن أهله صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم الأشراف والواحد شريف وهم ولد علي وعقيل وجعفر والعباس كذلك مصطلح السلف وإنما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسين في مصر خاصة من عهد المغازية الزاعمين أنهم من ولد فاطمة- رضي الله تعالى عنها-. الثاني والستون بعد المائة: قيل: أن ابنته لم تحض ولما ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لا تفوتها الصلاة ولذلك سميت الزهراء، ذكره صاحب الفتاوى الظهيرية من الحنفية والمحب الطبري الشافعي وأورد فيه حديثين أنها حوراء أدمة طاهرة مطهرة لا تحيض، ولا يرى لها دم في طمس ولا في ولادة. انتهى. الثالث والستون بعد المائة: وبأنها لما احتضرت غسلت نفسها، وأوصت ألا يعاد غسلها فعسلها علي ذكره كما رواه الإمام أحمد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبوه. وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن أسماء بنت عميس أن فاطمة أوصت أن يغسلها علي فغسلاها وروى ابن أبي شيبة عن أسماء بنت عميس قالت: غسلت أنا وعلي فاطمة بنت

الرابع والستون بعد المائة:

رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب البيهقي هذا بأن أسماء في هذا الوقت كانت عند أبي بكر الصديق، وقد ثبت أن أبا بكر لم يعلم بوفاة فاطمة- رضي الله تعالى عنها- لما في الصحيح أن عليا دفنها ليلا، ولم يعلم أبو بكر فكيف يمكن أن تغسلها زوجته وهو لا يعلم، وأجاب في «الخلافيات» باحتمال أن أبا بكر علم بذلك وأحب أن لا يرد غرض علي في كتمانه منه. قال الحافظ: ويمكن أن يجمع بأن أبا بكر علم بذلك وظن أن عليا يدعوه لحضور دفنها، وظن علي أنه يحضر من غير استدعاء منه، وقد اتضح بحديث أسماء هذا للإمام أحمد وابن المنذر وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما فبطل ما رواه أنها غسلت نفسها، وأوصت ألا يعاد غسلها كما تقدم. الرابع والستون بعد المائة: وبأن الناس كانوا لعائشة محرما فمع أيهم سافرت سافرت مع المحرم، وليس غيرها من النساء، كذلك نقله الطحاوي في «معاني الآثار» عن الإمام أبي حنيفة- رضي الله تعالى عنه-. الخامسة والستون بعد المائة: وبأن شيئا من شعره سقط في النار. السادس والستون بعد المائة: وبأنه مسح رأس أقرع فنبت شعره في وقته. السابع والستون بعد المائة: وبأنه وضع كفه على المريض فعقل من ساعته. الثامن والستون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم غرس نخلا فأثمرت من عامها. التاسع والستون بعد المائة: وبأنه هز عمر فأسلم من ساعته وقد تقدم بيان ذلك في أبواب المعجزات. السبعون بعد المائة: وبأن اصبعه المسبحة كانت أطول أصابعه وتقدم بيان بطلان ذلك في صفاته الحسية. الواحد والسبعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ما أشار إلى شيء إلا أطاعه، وتقدم في المعجزات بيان ذلك. الثاني والسبعون بعد المائة: قيل: وبأنه ما وطئ على صخر إلا وأثر، فيه وتقدم في باب طاعات الجمادات له إن ذلك لا أصل له، وإن اشتهر على ألسنة كثير من المداح. الثالث والسبعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ما وطئ محلا إلا وبورك فيها كما تقدم بيانه في المعجزات. الرابع والسبعون بعد المائة: وبأنه كان إذا تبسم في الليل أضاء البيت كما تقدم بيانه في صفاته الحسية. انتهى.

الخامس والسبعون بعد المائة:

الخامس والسبعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع خفيق أجنحة جبريل وهو يصعد سدرة المنتهى. السادس والسبعون بعد المائة: ويشم رائحته إذا توجّه بالوحي إليه ذكر ذلك رزين. السابعة والسبعون بعد المائة: وبأنه كان المسلمون يهاجرون إليه وتقدم بيانه في أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم. الثامنة والسبعون بعد المائة: وطول الصعود فيه ذكره رزين. التاسعة والسبعون بعد المائة: بأنه حرم على الناس دخول بيته. الثمانون بعد المائة: قيل: وبأنه لم يصل على ابنه إبراهيم. قال بعض العلماء: لأنه استغنى ببنوة ابنه عن قربة الصلاة كما استغنى الشهيد بقربة الشهادة قاله الأسنوي في نكته ويأتي الكلام على ذلك في باب أولاده. الواحد والثمانون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة ولم يصل على أحد من الشهداء غيره وفي لفظ أنه كبر عليه سبعين صلاة. الثاني والثمانون بعد المائة: وبأنه صلى يوما على أهل أحد صلاته على الميت وذلك قرب موته بعد ثمان سنين من دفنهم رواه الشيخان عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- وفي الصحيح أنه خرج إلى أهل البقيع فصلى عليهم، ونقل القاضي عن بعضهم أنه يحتمل أن تكون الصلاة المعلومة على الموتى ويكون هذا خصوصا له ويكون أراد أن يعمهم بصلاته إذ فيهم من دفن وهو غائب أو لم يعلم به فلم يصل عليه فأراد أن يعمهم بركته. الثالث والثمانون بعد المائة: وبأنه يجوز أن يقال للنبي (ص) احكم بما تشاء فهو صواب موافق حكمي على ما صححه الأكثرون في الأصول وليس ذلك للعالم على ما اختاره السمعاني لقصور رتبته. الرابع والثمانون بعد المائة: قيل: وبامتناع الاجتهاد له لقدرته على اليقين بالوحي، ولغيره في عصره لقدرته على اليقين بتكفية منه. الخامس والثمانون بعد المائة: وأنه لا ينعقد الإجماع في عصره بالإجماع. السادس والثمانون بعد المائة: وبأنه ما صور نبي قط. السابع والثمانون بعد المائة: وبأن الإلهام حجة على الملهم وغيره إن كان الملهم نبيا، وعلم أنه من الله لا إن كان وليا قال السكاكي: في «شرح المنار» وقال اليافعي: فرق الشيخ عبد القادر بين ما يسمعه الأنبياء، وبين ما يسمعه الأولياء، يسمى حديثا فالكلام يلزم تصديقه، ومن رده كفر، والحديث من رده لم يكفر.

الثامنة والثمانون بعد المائة:

الثامنة والثمانون بعد المائة: وبأنه لا يقال لغيره احكم بما أراك الله كما رواه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-. التاسعة والثمانون بعد المائة: وبأنه لم يسمع بأن نبيا قتل في قتال قط كما رواه سعيد ابن منصور عن سعيد بن جبير. التسعون بعد المائة: قيل: بأن الوقف إنما يلزم من الأنبياء خاصة، دون غيرهم. قال صاحب المبسوط من الحنفية وحمل عليه حديث «لا نورث ما تركناه صدقة» وجعله مستثنى من قول أبي حنيفة- رضي الله عنه- أن الوقف لا يلزم. الواحد والتسعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كانوا إذا دخلوا عليه بدأهم بالسلام فقال: «السلام عليكم» وإذا لقيهم كذلك أيضاً لقوله تعالى وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ/ [الأنعام/ 54] رواه ابن المنذر عن ابن جريج والسنة في حقنا إن الداخل والمار هو الذي يبدأ ووجوب الابتداء عليه للأمر به، في الآية وليس أحد من الأمة يجب عليه الابتداء. الثاني والتسعون بعد المائة: قيل: وباختصاصه بجواز رؤية الله- تبارك وتعالى- في المنام ولا يجوز ذلك لغيره وهو اختيار الشيخ وعليه أبو منصور الماتريدي. الثالث والتسعون بعد المائة: وبأنه لا يحيط باللغة إلا نبي قاله الشافعي في «الرسالة» . الرابع والسبعون بعد المائة: وبأن ما عبره الأنبياء من الرؤيا كائن لا محالة قاله ابن جرير، وأما تعبير غيرهم فيحق الله فيها ما يشاء ويبطل ما يشاء قاله قتادة. الخامس والتسعون بعد المائة: وبعدم أخذ الزكاة من ثعلبة بن حاطب لما كذب فلم يقبلها منه عقوبة له، ولا أبو بكر ولا عمر، ولا عثمان حتى مات في خلافته. السادس والتسعون بعد المائة: وبامتناع رد تميمة بنت وهب إلى مطلقها رفاعة لما كذبت فلم يرجعها أبو بكر ولا عمر، وقال عمر: لأن أتيتني بعد هذه لأرجمنك. السابع والتسعون بعد المائة: وبعدم أخذ زمام من شعر غلة. روى أبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسها ويقسمها فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة قال: أسمعت بلالا نادى ثلاثا قال: نعم قال: فما منعك أن تجيء به قال يا رسول الله فاعتذر قال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك وبأنه يأخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-.

الثامن والتسعون بعد المائة:

الثامن والتسعون بعد المائة: [ ... ] [ (1) ] . التاسع والتسعون بعد المائة: وبأن «له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله تعالى» كما قال ابن عباس إن ذلك خاص به. المائتان: وبأن مثلهم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. روى الحاكم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا إن أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» . الواحد بعد المائتين: وبأن من تمسك بهم وبالقرآن لن يضل. الثاني بعد المائتين: وبأنهم أمان للأمة من الاختلاف. الثالث بعد المائتين: وبأنهم سادات أهل الجنة. الثالث بعد المائتين: وبأن الله تعالى قد وعدهم أن لا يعذبهم كما سيأتي بيان جميع ذلك قريبا. الرابع بعد المائتين: وبأن من أبغضهم أدخله الله النار. روى الحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد المطلب إني سألت الله تعالى لكم ثلاثا» ... [الحديث تقدم قريبا] . وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يبغض أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار» . الخامس بعد المائتين: وبأن الإيمان لا يدخل قلب أحد حتى يحبهم لله، ولقرابتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذلك قريبا. السادس بعد المائتين: وبأن من قاتلهم كان كمن قاتل مع الدجال وبأن من صنع مع أحد منهم برا كفاه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. السابع بعد المائتين: وبأن ما منهم أحد إلا وله شفاعة يوم القيامة. الثامنة بعد المائتين: وبأن الرجل يقوم لأخيه إلا بني هاشم لا يقومون لأحد. التاسعة بعد المائتين: قيل: وبأنه لا يجوز لأحد أن يؤمه لأنه لا يصلح للتقدم بين يده في الصلاة، ولا في غيرها لا في عذر ولا غيره. وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ولا يكون أحد شافعا وقد قال: أمتكم شفعاؤكم وكذلك قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه القاضي قلت قد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعة خلف عبد الرحمن بن عوف، وخلف أبي بكر- رضي الله عنهما- كما يأتي ذلك في أبواب الوفاة.

_ [ (1) ] بياض في الأصول.

العاشرة بعد المائتين:

العاشرة بعد المائتين: وبأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل بدر من بين أصحابه بأن يزيدوا في الجنازة على أربع تكبيرات. الحادي عشر بعد المائتين: وبأنه ما يمكث نبي في قبره أكثر من أربعين يوما يرفع كما رواه الترمذي في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه. الثانية عشرة بعد المائتين: وبأنه اختص بحقيقة حق اليقين، وللأنبياء حقيقة اليقين وخواص الأولياء عين اليقين وللأولياء علم اليقين نقله الرافعي. الثالثة عشرة بعد المائتين: وبأن الأنبياء يطالعون بحقائق الأمور والأولياء يطالعون بمثلها قاله الشيخ تاج الدين بن عطاء الله. الرابعة عشرة بعد المائتين: وبأن الأنبياء فرض الله- تعالى- عليهم ظهور المعجزات ليؤمنوا بها، وفرض على الأولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتنوا بها قاله أبو عمر الدمشقي الصوفي. الخامسة عشرة بعد المائتين: وبأن الحظوة للأنبياء والوسوسة للأولياء، والفكر للعوام قاله أبو العباس المروزي. السادسة عشرة بعد المائتين: وبأن أرواح الأنبياء تخرج من جسدها، وتكون في أجواف طير خضر قاله النسفي في «بحر الكلام» . السابعة عشرة بعد المائتين: وبأنه ينصب للأنبياء في الموقف منابر من ذهب، يجلسون عليها وليس ذلك لأحد سواهم كما سيأتي في باب حشره ونشره صلى الله عليه وسلم. الثامنة عشرة بعد المائتين: قيل: وبأنه لا اعتكاف عليه إلا بمسجد قاله سعيد بن المسيب كما رواه النسائي عنه. التاسعة عشرة بعد المائتين: وبأنه ما من مولود إلا ينخسه الشيطان إلا الأنبياء ك ما أشار إليه القاضي. العشرون بعد المائتين: وبأن من صلى معه صلى الله عليه وسلم وقام إلى خامسة عمدا لم تبطل صلاته، أو سلم من اثنين فتبعه عمدا لم تبطل صلاته لجواز أن يوحى إليه بالزيادة والنقصان، أما بعده فمتى تابع المأموم الإمام في ذلك عمدا بطلت صلاته أو سلم من اثنتين فتبعه عمدا بطلت صلاته قاله السبكي. الحادية والعشرون بعد المائتين: وبالشهادة بين الأنبياء وأممهم يوم القيامة كما سيأتي في باب حشره ونشره صلى الله عليه وسلم.

الثانية والعشرون بعد المائتين:

الثانية والعشرون بعد المائتين: لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه- كما تقدم في أبواب صفته. الثالثة والعشرون بعد المائتين: وبتنوير القبور بدعائه صلى الله عليه وسلم أورد ذلك القزويني في خصائصه. وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه القبور مملوءة مظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم» . الرابعة والعشرون بعد المائتين: قيل: وبأن كل دابة ركب عليها صلى الله عليه وسلم بقيت على القدر الذي كان يركبها عليه، فلم تهزم له مركب ذكره ابن سبع، وقال غريب ويرده ما رواه أحمد أن بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت أسنانها من الهرم، وعميت، قاله القزويني، والله تعالى أعلم.

المجلد الحادي عشر

[المجلد الحادي عشر] بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب بعض فضائل آل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والوصية بهم ومحبتهم والتحذير من بعضهم وذكر أولاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأولادهم- رضي الله تعالى عنهم- وتقدم في أبواب النسب النبوي الكلام على بعض فضائل العرب وقريش وبني هاشم، ونذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر. الباب الأول في فضائل قرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونفعها والحث على محبتهم. روى أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والإمام أحمد والحاكم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يقولون: إن رحمي لا ينفع، بلى، والله، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، ألا وإني فرطكم على الحوض، فإذا جئت، قام رجال فقال: هذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان، فأقول قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي، ورجعتم القهقرى» . وروى ابن ماجة والروياني والحاكم في «صحيحه» والطبراني (وابن عساكر والإمام أحمد عن العباس بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نلقى النفر) [ (1) ] من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم» - وفي لفظ- قلت: يا رسول الله، إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا أو سموا بوجوه حسنة وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «والذي نفسي بيده» وفي لفظ: «أن الله- عز وجل- لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله، ولقرابتهم مني.» وروى الإمام أحمد والترمذي والبغوي ومحمد بن نصر عن عبد الله بن الحارث عن عبد المطلب بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

_ [ (1) ] سقط في ج.

إنا لنخرج فنرى قريشا يتحدثون فإذا رأونا سكتوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودر العرق بين عينيه ثم قال: «والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان، حتى يحبكم لله ولقرابتي» وفي لفظ: لله ولرسوله. وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تركت فينا ضغائن مند صنعت الذي صنعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تنالوا الخير» أو قال: «الإيمان، حتى يحبونكم لله ورسوله ولقرابتي أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب» . وروى الديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب الله أحب القرآن، ومن أحب القرآن أحبني ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي» انتهى. وروى ابن أبي عاصم والطبراني وابن مردويه وابن منده برجال ثقات غير عبد الرحمن بن بشير الدمشقي وثقه ابن حبان وضعفه ابن أبي حاتم عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: قدمت درة بدال بنت أبي لهب مهاجرة فقالت نسوة: أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله تعالى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد/ 1] فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت، ثم صلى بالناس الظهر فخطب «يا أيها الناس مالي أوذي في أهلي؟ فوالله، إن شفاعتي لتنال قرابتي حتى إن صداء وحكم وحاء وسلهباً لتنالها يوم القيامة» . رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وإن شفاعتي لتنال حاء وحكم» قال: حاء وحكم قبيلتان. روى ابن منده والإمام الزاهد عمر الملى- بفتح الميم وتشديد اللام الموصلي- رحمه الله تعالى- وكان إماما عظيما، وكان على المنبر بجامع الموصل احتسابا، وكان السلطان نور الدين الشهيد- رحمه الله تعالى- يعتمد قوله، ويقبل شفاعته لجلالته- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاءت سبيعة بنت أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أن الناس يقولون أنتِ بنت حطب النار، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي؟ من آذاني في قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى» . وروى الطبراني مرسلا برجال ثقات عن عبد الله بن أبي رافع. وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر بني هاشم، والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت حلقة باب الجنة، ما بدأت إلا بكم» .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق.

وروى أبو بكر بن يوسف بن البهلول عن طلحة بن مصرف- رحمه الله تعالى- قال: كان يقال: بغض بني هاشم نفاق. وروى أبو قاسم حمزة السهمي في «فضائل العباس» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «أعطى الله- عز وجل- بني عبد المطلب سبعا الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم وحب الناس. وروى الحاكم وقال على شرط مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، إني سألت الله ثلاثة أن يجعلكم جوداء نجداء، رحماء» وفي لفظ: «أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ظالمكم، وأن يعلم جاهلكم، وسألته أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صُفن بين الركن والمقام فصلى وصام ولقي الله، وهو مبغض لأهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار» . وفي رواية «صفن قدمه» . ونجداء بدل مهملة. صفن بصاد مهملة ففاء خفيفة فنون جمع بين قدميه. والنجدة: الشجاعة وشدة البأس. وروى عمر الملا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، إني سألت الله- تعالى- أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وأن يجعلكم رحماء نجداء ولو أن رجلا صُفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم مات، وهو مبغض لأهل هذا البيت لدخل النار» . تنبيه: في بيان غريب ما سبق. [الرحم: هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء يقال ذو رحم محرم ومحرَّم وهم من لا يحل نكاحه كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة] . الحكم: بطن من بطون العرب. حاء: من جشم بن معد، أوحي من مذحج وقال ابن الأثير هما (أي حكم وحاء) حيان من اليمن. سلهب: قبيلة من قبائل العرب. [النجباء: جمع نجيب وهو الفاضل الكريم السخي] .

الباب الثاني في بعض فضائل أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في بعض فضائل أهل بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع الأول: في الحث على التمسك بهم، وبكتاب الله- عز وجل-. روى الترمذي وحسنه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: «إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي» . وروى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي» . الثاني: في وصية النبي- صلى الله عليه وسلم- وخلفائه- رضي الله تعالى عنهم- بأهل البيت- رضي الله تعالى عنهم- روى الترمذي وحسنه والعسكري في الأمثال عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن عيبتي التي آوى إليها أهل بيتي وإن كرشي الأنصار فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم» . ورواه الديلمي في مسنده بلفظ: «ألا إن عيبتي أهل بيتي والأنصار أثق بهم وأطلعهم على أسراري وأعتمد عليهم» . وقال الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب: معنى كرش باطني، وعيبتي ظاهري وجمالي وهذا غاية من التعطف عليهم والوصية بهم، وأما قوله: «وتجاوزوا عن مسيئهم» هو من نمط قوله صلى الله عليه وسلم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم لا الحدود» ، إذ أهل البيت النبوي، والأنصار من ذوي الهيئات. الثالث: في أنهم أمان لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم- روى ابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى والحكيم والترمذي والطبراني وابن عساكر عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي» . وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما توعدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون» .

الرابع في أنهم لا يقاس بهم أحد.

وروى الحاكم ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» . وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم، ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» . الرابع في أنهم لا يقاس بهم أحد. روى الديلمي وعمر الملا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد» الخامس: في الحث على حفظهم. روى البخاري عن أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم: في أهل بيته. وروى الديلمي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه» . السادس: في بشارتهم بالجنة ورفع منزلتهم: بالوقوف عند ما أوجبه الشارع وسنه، تقدمت في الباب الأول عدة أحاديث في التنصيص على شفاعته صلى الله عليه وسلم وغضبه حيث قيل: إنهم لا ينتفعون بقرابته. وروى الجصاص عن زيد بن علي- رحمهم الله تعالى- في قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى/ 5] قال: إن من رضى رسول الله أن يدخل أهل بيته الجنة. وروى الثعلبي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس فقال لي: «أما ترضى أن تكون رابع أربعة؟ أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا» . وروى الطبراني بسند رواه عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي- رضي الله تعالى عنه-: «أنا أول أربعة يدخلون الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين، وذريتنا خلف أظهرنا وأزواجنا خلف ذريتنا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا» وروى ابن السرى والديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن بنو عبد المطلب

السابع: في حثه والتحذير من بغضهم وأذاهم.

سادات أهل الجنة، أنا وحمزة، وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي في الفردوس» وعن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي- تبارك وتعالى- أن لا يدخل النار أحد من أهل بيتي» . السابع: في حثه والتحذير من بغضهم وأذاهم. وروى الطبراني في الأوسط والديلمي وسنده واه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبني من أمتي» . وروى الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي في «الشعب» وابن سعد وابن الجوزي- فذكر هذا الحديث في العلل- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله- تعالى- وأحبوا أهل بيتي بحبي» . وروى أبو نعيم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آذاني في أهلي، فقد آذى الله- عز وجل-» . وروى الإمام أحمد في المناقب عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أبغض أهل البيت فهو منافق» . وروى الطبراني وأبو الشيخ بن حيان في «الثواب» والبيهقي في «الشعب» والديلمي عن ابن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وإني أحب إليه من ذاك» . وروي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبغضنا إلا منافق- وفي لفظ- لا يبغضنا أهل البيت إلا شقي» . وروى الحاكم وابن حبان وصححاه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يبغض أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار» ، ورواه الطبراني في الأوسط عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال لمعاوية بن خديج- رحمه الله تعالى-: يا معاوية، إياك وبغضنا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبغضنا، ولا يحسدنا أحد إلا زيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار» . وروى أبو بكر البزقاني عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سب أهل البيت، فإنما يسب الله ورسوله.

تنبيه

وروي أيضا عنه قال: من والانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عادانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أيضاً عن عبد الله بن حسن بن حسين قال: كفى بالمحب لنا أن أنسبه إلى من يحبنا، وكفى بالمبغض لنا أن أنسبه، إلى من يبغضنا. وروي أيضاً عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آذاني وعترتي فعليه لعنة الله» . وروى الديلمي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من آذاني في عترتي فقد آذى الله- عز وجل-» . وروى أيضاً بلا إسناد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم» . وروى الطبراني في «الدعاء» عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «خمسة أو ستة لعنتهم وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك للسنة» . وروى عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: أيس من رحمة الله. وروى أبو الشيخ عن علي- رضي الله تعالى عنه- عن درة بنت أبي سهب- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى استوى على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: «ما بال الرجال يؤذونني في أهلي؟ والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي» . وروى الطبراني وأبو الشيخ عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله- عز وجل- ثلاث حرمات من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه ولا آخرته» قلت: ما هن؟ قال: «حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي» . تنبيه لو قال لرجل من بني هاشم لعن الله بني هاشم: وقال: أردت الظالم منهم، أو قال لرجل من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قولا قبيحا من آبائه أو من نسله أو ولده على علم منه أنه من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ولم تقم قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه وإخراج النبي صلى الله عليه وسلم فمن سبه منهم فحكم القاضي برهان الدين الأخنائي المالكي بقتل بعض الأمراء حدا لكونه لعن

الثامن: في الصلاة عليهم.

أجداد القاضي حسام الدين محمد بن جريز بعد أن قال له: أنا شريف وجدي الحسين بن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت عنقه ذكره الحافظ ابن حجر في «أبنائه» في حوادث سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. الثامن: في الصلاة عليهم. روى الشيخان عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى- رحمه الله تعالى- قال: لقيت كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قلت: بلى، قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال «قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وروى إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن يزيد النخعي- رحمه الله تعالى- قال: قالوا: يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا «اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد» . وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: «اللهم، صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» . وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت، فليقل: اللهم، صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته، وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد» . وروى النسائي وأحمد في مسنده عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم، اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» . وروى الدارقطني والبيهقي وغيرهما عن أبي مسعود البدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم يصل فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه» وهو عندهما موقوف من قول أبي مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: لو صليت صلاة لا

التاسع في مكافأته - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة لمن صنع إلى أهل بيته معروفا.

أصلي فيها على آل محمد ما رأيت أن صلاتي تتّم، وصوّب الدارقطني بأنه من قول أبي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهو حجة للقائل. يا أهل بيت رسول الله حبكم ... فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم ... من لم يصل عليكم لا صلاة له التاسع في مكافأته- صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة لمن صنع إلى أهل بيته معروفا. روى الطبراني في «الأوسط» والضياء المقدسي في «المختارة» والخطيب في التاريخ عن عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع إلى أحد من خلف عبد المطلب يدا فلم يكافئه بها في الدنيا فعلي مكافأته غدا، إذا لقيني» . وروى الملا وأبو سعيد النيسابوري عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته عنه يوم القيامة» . وروى الديلمي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة، المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه» . العاشر: في دعائه- صلى الله عليه وسلم- لهم. وروى أبو سعيد النيسابوري وعمر الملا عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي- عز وجل- أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطاني ذلك» . الحادي عشر: في أنهم أول من يشفع لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روى الديلمي في الفردوس عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب، فالأقرب» قال: «ثم الأنصار، ثم من آمن بي واتبعني من أهل اليمن ثم سائر العرب ثم العجم» . الثاني عشر: في أنهم كسفينة نوح- صلى الله عليه وسلم- من ركبها نجا. روى البزار والطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس والبزار عن عبد الله بن الزبير وابن جرير والحاكم والخطيب في «المتفق والمفترق» عن أبي ذر والطبراني في «الصغير» و «الأوسط» عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح في قوم نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» وفي لفظ «هلك» ومثل

الثالث عشر: في أخباره - صلى الله عليه وسلم - أنهم سيلقون بعده أثره.

حطة بني إسرائيل. قال الحافظ أبو الخير السخاوي: وبعض طرق هذا الحديث يقوي بعضها بعضا. الثالث عشر: في إخباره- صلى الله عليه وسلم- أنهم سيلقون بعده أثرة. والحث على نصرتهم وموالاتهم. وروى ابن ماجة وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا أهل البيت اختار الله- عز وجل- لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة وتشريدا وتطريدا في البلاد، حتى يأتي قوم من ها هنا» ، وأشار بيده نحو المشرق «وأصحاب رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه مرتين أو ثلاثا، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلا، كما ملئت ظلما فمن أدرك ذلك اليوم فليأتهم، ولو حبوا على الثلج» . الرابع عشر: في وعد الله- عز وجل- نبيه- صلى الله عليه وسلم- [روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم» ] . الخامس عشر: في بيان من هم أهل البيت. قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ومسلم والترمذي وصححه وابن جرير والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في السنن من طرق والطبراني من وجه آخر وابن أبي حاتم والطبراني عن أم سلمة وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن عمرو بن أبي سلمة وابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد وابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن واثلة بن الأسقع وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- قالت أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيتها على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا» فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ [الأحزاب/ 33] ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال: «اللهم، هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» ، قالها ثلاث مرات.

(وفي حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- خرج صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهم فأجلس حسنا وحسينا فيه وجلس علي عن يمينه، وجلست فاطمة عن شماله) [ (1) ] ، وفي رواية للطبراني عنها فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم، ثم قال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي» وفي لفظ آل محمد وفي رواية «فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على إبراهيم، إنك حميد مجيد،» قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: إنك على خير، وفي رواية لابن مردويه عنها في البيت سبعة جبريل، وميكائيل، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين وأنا على باب البيت قلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ قال: إنك على خير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: فأدخلت رأسي في الستر، فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم؟ فقال: إنك على خير مرتين، وفي رواية فقلت: وأنا معهم يا رسول الله فقال: أنت على مكانك، وأنت على خير، وفي حديث واثلة: فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهل بيتك؟ قال: أنت من أهلي، وفي حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاء علي، فأدخله معهم ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهم فأجلس حسنا وحسينا في حجره، وجلس علي عن يمينه وجلست فاطمة عن شماله. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت هذه الآية: في خمسة في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين ... إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] . وروى ابن سعد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: لما دخل علي بفاطمة- رضي الله تعالى عنها- جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» [الأحزاب/ 33] انتهى. وروى ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن أبي الحمراء- رضي الله تعالى عنه- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر وفي لفظ الطبراني: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب علي فرفع يده على جنبي الباب، ثم قال: الصلاة الصلاة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] .

_ [ (1) ] سقط في ج.

السادس عشر: في تعظيم السلف لأهل البيت.

وروى ابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: شهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أشهر يأتي كل يوم باب علي (ابن أبي طالب) عند وقت كل صلاة فيقول: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت» إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والطبراني وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] . وروى مسلم عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: أذكركم الله في أهل بيتي فقيل لزيد- رضي الله تعالى عنه- ومن أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. انتهى. السادس عشر: في تعظيم السلف لأهل البيت. روى البخاري في «غزوة خيبر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن أبا بكر، قال لعلي- رضي الله تعالى عنهما- والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي. وروي عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أنه قال للعباس- رضي الله تعالى عنهما- والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام ابن الخطاب. وروى البخاري عن عروة بن الزبير قال: ذهب عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- مع أناس من بني زهرة إلى عائشة- رضي الله تعالى عنها- وكانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عن رزين بن عبيد قال: كنت عند ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فأتى زين العابدين بن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهم- فقال له ابن عباس: مرحبا بالحبيب ابن الحبيب. وعن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: صلى زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- على جنازة، ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس، فأخذ بركابه، فقال زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا نفعل بعلمائنا، فقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس، وقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وعن عبد الله بن حسن بن حسين- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت عمر بن

عبد العزيز في حاجة لي فقال لي: إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو أكتب بها فإني أستحي من الله أن يراك على بابي. وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لو أتى أبو بكر وعمر وعلي- رضي الله تعالى عنهم- بحاجة بدأت بحاجة عليٍّ قبلهما، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقدمه عليهما أورد الثلاثة القاضي في «الشفاء» انتهى. وروى عن فاطمة بنت أبي طالب- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على عمر بن عبد العزيز- رضي الله تعالى عنه- وهو يسير بالمدينة، فأخرج من عنده، وقال: يا بنت علي، والله، ما على ظهر الأرض (أهل بيت) [ (1) ] أحب إلي منكم. وفي «المجالسة» للدينوري أن أبا عثمان النهدي- رحمه الله تعالى- كان من مساكين الكوفة، فلما قتل الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- تحول إلى البصرة، وقال: لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي «الشفاء» أن مالكا لما تعرض له جعفر بن سليمان والي المدينة ونال منه ما نال وحمل مغشيا عليه دخل عليه الناس، فأفاق، فقال: أشهدكم أني جعلت ضاربي في حلّ.

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الثالث في عدد أولاده - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثالث في عدد أولاده- صلى الله عليه وسلم- ومواليدهم، وما اتفق عليه منهم وما اختلف، جملة ما اتفق عليه ستة: اثنان ذكور: القاسم وإبراهيم، وأربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة- رضي الله تعالى عنهم- وكلهن أدركن الإسلام وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم واختلف فيما سواهن. فقيل: لم يولد له صلى الله عليه وسلم سواهم والمشهور خلافه. قال ابن إسحاق: وكان له الطيب والطاهر أيضاً، فيكون على هذا جملتهم أربعة ذكور وأربع إناث. وقال الزبير بن بكار: وفيما رواه عن الطبراني عنه برجال ثقات كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير إبراهيم القاسم وعبد الله وهو قول أكثر [أهل] النّسب. وقال الدارقطني: وهو الأثبت وصححه الحافظ عبد الغني المقدسي: ويسمى بالطيب والطاهر، لأنه ولد بعد النبوة وقيل: الطاهر والطيب غير عبد الله، فيكون على هذا جملتهم خمسة ذكور وقيل: كان له صلى الله عليه وسلم الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن، فيكون على هذا جملتهم أحد عشر. قال ابن إسحاق: ولد أولاده كلهم غير إبراهيم صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، ومات البنون قبل الإسلام وهم يرضعون، وتقدم في قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة، فلذلك سمي بالطيب والطاهر، فتحصل لنا من مجموع الأقوال سبعة ذكور اثنان متفق عليهما القاسم وإبراهيم وخمسة مختلف فيهم عبد الله والطيب والمطيب والطاهر والمطهر، والأصح قول الجمهور أنهم ثلاثة ذكور القاسم وعبد الله وإبراهيم الأربع البنات متفق عليهن وكلهن من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم فيمن مارية القبطية. قال محمد بن عمر: وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في ولادها وكانت تعق عن كل غلام بشاتين وعن الجارية بشاة، وكان بين كل ولدين لها سنة، وكانت تسترضع لهم وتعد بضم الفوقية وكسر العين والمهملة ذلك قبل ولادها بكسر الواو. وأكبر بناته صلى الله عليه وسلم زينب- عليها السلام- كما ذكره الجمهور. وقال الزبير بن بكار وغيره رقية- عليها السلام- والأول أصح. وقال الزبير أيضاً فيما نقله أبو عمرو عنه- رحمهما الله تعالى- ولد له صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده ثم زينب ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب، ويقال له: الطاهر ولد بعد النبوة، ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية هكذا الأول. فالأول ثم مات القاسم بمكة وهو أول ميت مات من ولد

تنبيهات

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مات عبد الله بمكة أيضاً. وقال ابن إسحاق: ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم من خديجة- رضي الله تعالى عنها- زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكنى والطاهر والطيب، وأما القاسم والطيب والطاهر، فماتوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن معه. قال أبو عمرو: قال علي بن عبد العزيز الجرجاني: أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، وهو أكبر ولده [ثم زينب] وقال ابن الكلبي: زينب ثم القاسم، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب والطاهر، هذا ذكر هم على سبيل الإجمال وسيأتي ذكرهم على سبيل التفصيل في أبواب ذكرهم، وقال بعضهم: فأول ولد المصطفى القاسم الرضي ... به كنية المختار فافهم وحصلا وزينب تتلوها رقية بعدها ... وفاطمة الزهراء جاءت على الولا كذا أم كلثوم تعد وبعدها ... في الإسلام عبد الله جاء مكملا هو النسب الميمون والطاهر الرضي ... وقد قيل ذا في غيره فتمثلا وكلهم كانوا له من خديجة ... وقد جاء إبراهيم في طيبة تلا من المرأة الحسناء مارية فقل ... عليهم سلام الله مسكا ومنولا تنبيهات الأول: نقل ابن الجوزي في «التحقيق» عن أبي بكر بن البرقي قال: جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة سبعة ويقال ثمانية: القاسم، والطاهر، والطيب، وإبراهيم، وزينب ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. قال في «العيون» : لولا أنه قال إنهم سبعة أو ثمانية لقلت: إن ذلك من النساخ، وهذا شيء عجيب وهو وهم إما من البرقي، وإما من غيره فإن قيل: لعله أراد آخر من خديجة يقال له: إبراهيم. فالجواب: أن هذا لا يعرف، ويدفع هذا قوله: جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة ولا مرية أن إبراهيم من مارية القبطية. الثاني: روى الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ولدت خديجة- رضي الله تعالى عنها- للنبي صلى الله عليه وسلم عبد العزى وعبد مناف والقاسم، قال الهيثم، قلت لهشام: فأين الطيب والطاهر؟ قال: هذا ما وصفتم أنتم يأهل العراق، فأما أشياخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف. قال الذهبي في «الميزان» والحافظ في «اللسان» هذا من افتراء الهيثم على هشام.

وقال أبو الفرج: الهيثم كذاب لا يلتفت إلى قوله، وقال لنا شيخنا ابن ناصر: لم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط، والهيثم كذبه البخاري وأبو داود والعجلي والساجي. وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار، وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني وغيرهم في الضعفاء، وقال في «الموارد» : لا يجوز لأحد أن يقول: إن هذه التسمية وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم ولئن قيل: إن هذه التسمية وقعت فتكون من غير النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ولد هذا الولد والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بعبادة ربه أو لغير ذلك فلما جاء سماه بعض أهل خديجة بهذا الاسم من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على تسميته، وأن الولد المذكور لم تطل له حياة فتوفي ذلك الولد ولم يسمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ويكون أحد من شياطين الأنس والجن اختلق ذلك لما ولد أحد أولاد النبي صلى الله عليه وسلم المذكورين ليدخل في ذلك لبس في قلب ضعيف الإيمان، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك غيره أو غير ذلك مما علمه الله- تعالى- انتهى. ورد الطحاوي في «مشكل الحديث» والبيهقي في السنن وأبو سعيد النقاش والجوزقاني فيما صنع من الموضوعات وغيرهم ما نقله الهيثم عن هشام بن عروة، ولم ينقل أحد من الثقات ما نقله الهيثم عن هشام. الثالث: قال الإمام العلامة شيخ الأطباء ابن النفيس- رحمه الله تعالى-: لما كان صلى الله عليه وسلم مزاجه شديد الاعتدال لم يكن أولاده صلى الله عليه وسلم إناثا فقط، لأن ذلك إنما يكون لبرد المزاج، ولا ذكورا فقط، لأن ذلك إنما يكون لحرارة المزاج، فلما كان مزاج النبي صلى الله عليه وسلم معتدلا فيجب أن يكون له بنون وبنات وبنوه يجب أن لا يطول أعمارهم، لأن أعمارهم إذا طالت بلغوا إلى سن النبوة وحينئذ فلا يخلو إما أن يكونوا أنبياء أو لا يكونوا كذلك، ولا يجوز أن يكونوا أنبياء، وإلا لما كان هو خاتم النبيين، ولا يجوز أن يكونوا غير أنبياء وإلا لكان ذلك نقصا في حقه صلى الله عليه وسلم وانحطاطا عن درجة كثير من الأنبياء، فإن كثيرا من الأنبياء أولادهم أيضاً أنبياء، وأما بنات هذا النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن تطول أعمارهن، إذ النساء لسن بأهل للنبوة. الرابع: روى ابن الإعرابي في معجمه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم جنينا يسمى عبد الله كانت تكنى به ومدار سنده على داود بن المحبر وهو متروك واتهمه جماعة بالوضع، ويرده ما رواه أبو داود وفي سننه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير ويروى بابنك عبد الله بن الزبير، لأنها كانت استوهبته من أبويه، فكان في حجرها يدعوها أما ذكره ابن إسحاق. المطهر- بضم الميم وفتح الطاء المهملة والهاء المشددة، والمطيب مثله.

الباب الرابع في ذكر سيدنا القاسم ابن سيدنا ومولانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع في ذكر سيدنا القاسم ابن سيدنا ومولانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان القاسم أكبر أولاد النبي صلى الله عليه وسلم وبه كان يكنى فهو أول أولاده، وأول من مات منهم، ولد بمكة قبل النبوة ومات صغيرا، وقيل: بعد أن بلغ سن التمييز. قال الزبير بن بكار وحدثني محمد بن نضلة عن بعض المشايخ قال: عاش القاسم حتى مشى. وقال مجاهد: عاش القاسم سبع ليال وخطأه الملا في ذلك. وروى (ابن سعد) عن محمد بن جبير بن مطعم، قال: مات القاسم، وله سنتان، وروي أيضاً عن قتادة نحوه، وعن مجاهد: أنه عاش سبعة أيام. قال المفضل بن غسان: هذا خطأ والصواب أنه عاش سبعة عشر شهراً. وقال السهيلي: بلغ المشي غير أن رضاعته لم تكمل. واختلفوا هل أدرك زمن النبوة، فروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن أبي عبد الله الجعفي وهو جابر عن محمد بن علي بن الحسين- رضي الله تعالى عنه- قال: كان القاسم بلغ أن يركب الدابة، ويسير على النجيدة، فلما قبض، قال العاص بن وائل: لقد أصبح محمد أبتر فنزلت إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر/ 1] عن مصيبتك يا محمد بالقاسم فهذا يدل على أن القاسم مات بعد البعثة. وروى الطيالسي، وابن ماجه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال: لما هلك القاسم قالت خديجة: يا رسول الله، درت لبينة القاسم، فلو كان الله أبقاه حتى يتم رضاعه قال: إن إتمام رضاعته في الجنة، زاد ابن ماجة (فقالت) : لو أعلم ذلك يا رسول الله ليهون علي، فقال: إن شئت دعوت الله تعالى، فأسمعك صوته فقالت: بل أصدق الله تعالى ورسوله، قال الحافظ: وهذا ظاهر جدا في أنه مات في الإسلام، ولكن في السند ضعف. وروى البخاري في تاريخه «الأوسط» من طريق سليمان بن بلال عن هشام بن عروة- رضي الله تعالى عنه- أن القاسم مات قبل الإسلام. وروى ابن أبي عاصم وأبو نعيم: ما أعفى أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد، قيل ولا القاسم قال: ولا القاسم ولا إبراهيم، وكان إبراهيم أصغرهما. قال الحافظ: هذا وأثر فاطمة بنت الحسين يدل على خلاف رواية هشام بن عروة.

تنبيه:

تنبيه: اختلف في القائل لما مات القاسم: إن محمدا أبتر فقيل: العاص بن وائل السهمي كما سبق، وجزم به خلائق، وقيل: أبو جهل، وقيل: كعب بن الأشرف، فإن قلنا: إنه العاص بن وائل فالعاص له عقب وهو عمرو، وهشام، فكيف يثبت له البتر، وانقطاع الولد؟ والجواب: أن العاص وإن كان ذا ولد، فقد انقطعت بينه وبينهم، فليسوا بأتباع له، لأن الإسلام قد حجزهم عنه فلا يرثهم ولا يرثونه.

الباب الخامس في بعض مناقب سيدنا إبراهيم ابن سيدنا ومولانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الخامس في بعض مناقب سيدنا إبراهيم ابن سيدنا ومولانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع الأول: في أمه، وميلاده، عقيقته، وتسميته: وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمه مارية القبطية بنت شمعون ذكرت في مناقب أمهات المؤمنين في أبواب نكاحه صلى الله عليه وسلم، ولد في ذي الحجة سنة ثمان بالعالية، قاله مصعب الزبير. وروى ابن سعد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية القبطية، وكانت بيضاء جميلة، فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم بنت ملحان، وعرض عليها الإسلام فأسلمت فوطأ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية، كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل، فكان يأتيها هناك، وكانت حسنة الدين وولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فسماه إبراهيم، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبي رافع، فأخبرته بأن مارية ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد. سلمى مولاة صفية ولا شك أن مولاة عمة الشخص مولاته. وروى ابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ولد إبراهيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، ورواه ابن منده، بلفظ لما ولد إبراهيم بن مارية جاريته كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه جبريل، فقال: السلام عليك، يا أبا إبراهيم!. وروى الإمام أحمد ومسلم وابن سعد عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح، فقال: إنه ولد لي في الليلة ولد وإني سميته باسم أبي إبراهيم. وذكر الزبير عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عنه بكبشين وحلق رأسه أبو هند، وسماه يومئذ هكذا قال الزبير: سماه يوم سابعه. الثاني: في رضاعه ومن أرضعه. روى ابن سعد والزبير بن بكار عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: ولد

الثالث: في وفاته وتاريخه وصلاته عليه، وحزنه عليه.

سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه وأحببن أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمن من ميله إليها، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن النجار فكانت ترضعه وكان يكون عند أبويه في بني النجار ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة فيقيل عندها ويؤتى بإبراهيم- عليه السلام- وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة نخل. وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع سيدنا إبراهيم- عليه السلام- إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة، يقال له: أبو سيف، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته حتى انتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره، وقد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول. وروي أيضاً عنه قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، فكان يأتيه (ونجيء معه) [ (1) ] فيدخل البيت وإنه ليدخن قال: وكان طئره قينا فيأخذه فيقبله. الثالث: في وفاته وتاريخه وصلاته عليه، وحزنه عليه. مات سنة عشر، جزم به الواقدي، وقال: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول. وقالت عائشة: عاش ثمانية عشر شهراً رواه الإمام أحمد، وفي صحيح البخاري أنه عاش سبعة عشر شهراً أو ثمانية عشر شهراً على الشك. وقال محمد بن المؤمل: بلغ سبعة عشر شهراً أو ثمانية أيام. وروى ابن سعد عن مكحول وابن سعد عن عطاء وابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف وابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج وابن سعد عن قتادة وابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فانطلقا به إلى النخل الذي فيه إبراهيم- عليه السلام-، فدخل وإبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجرة، فلما (مات) [ (1) ] زرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الرحمن بن عوف: تبكي يا رسول الله؟ أو لم تنه عن البكاء؟ قال: «إنما نهيت عن النوح وعن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو، ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجه، وشق جيب، ورنة شيطان» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

وفي رواية: «إنما نهيت عن النياحة، وأن يندب الميت بما ليس فيه» ، ثم قال: «وإنما هذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم بإبراهيم لولا أنه حق ووعد صادق، ويوم جامع» . وفي لفظ: «لولا أنه أجل معدود، ووقت معلوم، ووعد صادق، وأنها سبيل مأتية وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا وإن بك يا إبراهيم لمحزونون تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب» . وفي رواية فلقد رأيته يكيد بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، والله يا إبراهيم، إنا بك لمحزونون» . وروى مسلم وأبو داود وابن مسعد والإمام أحمد وعبد بن حميد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون» . وروى ابن ماجه والطبراني في «الكبير» وابن عساكر عن أسماء بنت يزيد- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ولولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم، وجدا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» . وروى ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم فصرخ أسامة بن زيد فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رأيتك تبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البكاء من الرحمة والصراخ من الشيطان» . وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلق بي إلى النخل الذي فيه إبراهيم فوضعه في حجره، وهو يجود بنفسه، فذرفت عيناه فقلت له: أتبكي يا رسول الله، أو لم تنه عن البكاء؟ قال: «إنما نهيت عن النوح عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان» ، قال: قال عبد الله بن نمير في حديثه: «إنما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صادق، وأنها سبيل مأتية، وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون تدمع العين، ويحزن القلب، ولا تقول ما يسخط الرب- عز وجل-. وروى ابن ماجة والحكيم والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- لمّا قبض إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تدرجوه في أكفانه، حتى أنظر إليه» فأتاه فانكب عليه وبكى.

الرابع: في انكساف الشمس يوم وفاته.

واختلف: هل صلى عليه أم لا؟. وروى الإمام أحمد وابن سعد من طريق جابر الجعفي وهو ضعيف عن البراء والبيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه، وابن ماجة بسند ضعيف عن ابن عباس وابن سعد وأبو يعلى عن أنس وأبو داود والبيهقي مرسلا عن عطاء بن أبي رياح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه سيدنا إبراهيم زاد البيهقي في المقاعد: وهو موضع الجنائز، زاد أنس: وكبر عليه أربعا، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا. وروى ابن سعد عن عطاء وابن سعد عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على شفير قبر ابنه فرأى فرجة في اللحد، فناول الحفار مدرة وقال: «إنها لا تضر ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي» ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي بإصبعه، ويقول: «إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه، فإنه مما يسلي بنفس المصاب» . قال الزبير بن بكار: ولما دفن قبل علي قبره وأعلى بصلاته، وهو أول قبر رش. وروى ابن سعد عن رجل من آل علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن سيدنا إبراهيم، قال: هل من أحد يأتي بقربة فأتى رجل من الأنصار بقربة ماء، فقال: رشها على قبر إبراهيم، وقال: وقبر إبراهيم قريب من الطريق، وأشار إلى قريب من دار عقيل. الرابع: في انكساف الشمس يوم وفاته. روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمه سرين قالت: حضرت موت إبراهيم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا، فلما مات نهانا عن الصياح وغسله الفضيل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم علي شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره، ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس في ذلك اليوم، فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته» ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة من اللبن، فأمر بها أن تسد، فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن تقر عين وإن الحي العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه، ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر. وروى الشيخان عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: انكسفت الشمس يوم موت إبراهيم فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد» .

الخامس: في أن له ظئرا تتم رضاعه في الجنة.

الخامس: في أن له ظئرا تتم رضاعه في الجنة. روى ابن ماجة بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن له مرضعاً في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولو عاش لعتقت أخواله القبط وما استرق قبطي انتهى. السادس: في الرد على من زعم أنه لقنه. اشتهر على الألسنة أنه لقن ابنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعد الدفن وهذا شيء لم يوجد في كتب الحديث، وإنما ذكره المتولي، في «تتمته والإبانة» بلفظ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال: «قل: الله ربي، ورسولي أبي والإسلام ديني» فقيل: يا رسول الله، أتت تلقنه فمن يلقننا؟ فأنزل الله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم/ 27] الآية والأستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى «النظامي» ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره، فقال: «يا بني القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، يا بني قل: الله ربي، والإسلام ديني، ورسول الله أبي» فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عمر يبكي وأصحابه فقال: «يا عمر، ما يبكيك؟» فقال: يا رسول الله، هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم، ويحتاج إلى ملقن فمثلك تلقن التوحيد في مثل هذا الوقت، فما حال عمر وقد بلغ الحلم، وجرى عليه القلم، وليس له ملقن مثلك أي شيء يكون صورته في تلك الحالة؟ فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه، فنزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله صلى الله عليه وسلم فصعد جبريل، ونزل، وقال: ربك يقرئك السلام وقال يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم/ 27] يريد بذلك وقت الموت، وعند السّؤال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الآية فطابت الأنفس، وسكنت القلوب وشكروا الله، وهذا كما ترى منكر جدا، بل لا أصل له. السابع في أنه لو عاش لكان نبيا. روى البخاري وابن ماجة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لابن أبي أوفى: هل رأيت السيد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: مات صغيرا، ولو قضي أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لعاش ابنه إبراهيم ولكن لا نبي بعده ورواه الإمام أحمد بلفظ سمعت ابن أبي أوفى، يقول: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم، ولكن لا نبي بعده. وروى ابن سعد بسند على شرط مسلم قال: أخبرنا عفان بن مسلم ويحيى بن حماد، وموسى بن إسماعيل، التبوذكي قالوا: أخبرنا أبو عوانة أخبرنا إسماعيل السدي قال: سألت أنس

فائدة:

ابن مالك- رضي الله تعالى عنه- أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم؟ قال: لا أدري- رحمة الله على السيد إبراهيم- لو عاش لكان صديقا نبيا. وروى ابن عساكر من طريقين عن السدي قلت لأنس: كم بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد كان غلاما بالمهد ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء صلى الله عليه وسلّم قال الباوردي في «المعرفة» حدثنا محمد بن عثمان بن محمد حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا أبو عامر الأسدي ثنا سفيان عن السدي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا» . وروى ابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن له مرضعاً في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا» . وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا» . فائدة: قال الشيخ تقي الدين السبكي- قدس الله روحه ونور ضريحه- في الكلام على حديث «كنت نبيا، وآدم بين الروح والجسد» فإن قلت النبوة وصف، لا بد أن يكون الموصوف به موجودا وإنما تكون بعد أربعين سنة أيضاً فكيف يوصف قبل وجوده وقبل إرساله؟ قلت: قد جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله: «كنت نبيا» إلى روحه الشريفة وإلى حقيقة والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها، ومن أمده الله تعالى بنور إلهي. ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من (قبل) [ (1) ] خلق آدم صلى الله عليه وسلم أتاها والله ذلك الوصف بأن يكون خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا انتهى. وقد سبق ذلك في أوائل الكتاب. ومن هذا يعرف تحقيق نبوّة السيد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال صغره، وإن لم يبلغ سن الوحي. الثامن: في الوصية بأخواله القبط. روى ابن سعد عن الزهري مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم، فإن لهم ذمة، وإن لهم رحما.

_ [ (1) ] سقط في ج.

تنبيهات

وروي عن أبي بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما» . وروى الطبراني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الله الله في قبط مصر فإنكم مستظهرون عليهم، فيكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله» . تنبيهات الأول: قد تقدم أن أم بردة خولة بنت المنذر أرضعته، والمشهور برضاعه أم سيف وسماها القاضي عياض خولة بنت المنذر، فليحرر. الثاني: لا تضاد بين حديث أنس وبين قول ابن الزبير أن التسمية كانت يوم سابعه بل ذلك محمول على أن التسمية كانت قبل السابع على ما اقتضاه حديث أنس ثم ظهرت التسمية يوم السابع ويحمل أمره صلى الله عليه وسلم بالأمر بالتسمية في اليوم السابع على أنه لا يؤخر عن السابع، لأنها لا تكون إلا فيه وهي مشروعة من وقت الولادة إلى يوم السابع قاله المحب الطبري. الثالث: قال الحكيم الترمذي: الولد من ريحان الله تعالى يشمه المؤمن فيلتذ به فكأنه أحب أن يتزود من ريحان الله- تعالى- عند آخر العهد به، وانكبابه عليه يدل على اشتمامه وكذلك قيل ريح الولد من ريح الجنة، فانكبابه على إبراهيم عند إدراجه في أكفانه تزود منه، وبكاؤه توجع منه لمفارقة من يشمه ريحانا من الله، وإنما قيل: من ريحان الله تعالى فنسب إلى الله- عز وجل- لأنه هبة الله فالهبة منه حشوها البر واللطف وظاهرها الابتلاء وقد يكون بكى رحمة له، لأن أجساد الأموات إنما زانت بالأرواح وأشرقت بالعبودية. الرابع: روى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه. قال الحافظ: إسناده حسن وصححه ابن حزم، لكن قال الإمام أحمد في رواية «حسل» عنه حديث منكر وقال الخطابي: حديث عائشة أحسن اتصالا من الرواية التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ولكن هي أولى» . وقال ابن عبد البر: حديث عائشة لا يصح، فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال، إذا استشهدوا، وهو عمل مستفيض في السلف والخلف، ولا أعلم أحدا جاء عنه غير هذا إلا عن سمرة بن جندب ثم قال: وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يصل عليه في جماعة أو أمر أصحابه بالصّلاة عليه فلم يحضرهم، فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك، وهو أولى ما حمل عليه حديثها. قال النووي: ذهب الجمهور إلى أنه صلى الله عليه وسلم صلى وكبر أربع تكبيرات. واختلف قول من قال: إنه لم يصل عليه في سبب ذلك، فقالت طائفة: استغنى بنبوة

السادس: في بيان غريب ما سبق.

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة التي هي شفاعة له كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه وقالت طائفة أخرى: إنه مات يوم كسفت الشمس فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه. وقالت فرقة أخرى: لا تعارض بين هذه الآثار في أنه أمر بالصلاة عليه وفي رواية أخرى: والمثبت أولى، لأن معه زيادة علم، وإذا تعارض النفي والإثبات قدم الإثبات. وقيل: إنما لم يصل عليه، لأنه نبي، ولا يصلى على نبي فقد ورد «لو عاش لكان نبيا» وهذا ليس بشيء فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه. الخامس: قد استنكر أبو عمر حديث أنس فقال بعد إيراده في «التمهيد» هذا: لا أدري ما هو فقد ولد نوح- عليه الصلاة والسلام- من ليس نبيا وكما يلد غير النبي نبيا، فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي، والله أعلم، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل واحد نبيا، لأنه من ولد نوح- عليه السلام- وذا آدم نبي مكلم وما أعلم في ولده لصلبه نبيا غير شيث، قال النووي في ترجمة إبراهيم من «تهذيبه» وأما ما روي: لو عاش لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلات. وقال الحافظ: وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله. فقال في إنكاره: وجوابه أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه ذكره في الإصابة، وقال في الفتح: قلت: ولو استحضر النووي هذه الأحاديث لما قال ما قال. السادس: في بيان غريب ما سبق. مارية: من أهل مصر أهداها له المقوقس مالك الإسكندرية. القبطية: منسوبة إلى القبط مذكورة في المناقب. يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله. خمش وجه: أي خدوش يقال خمش المرأة وجهها تخمشه خمشا وخموشا الخموش مصدر الصراخ: [.....] . القين بقاف مفتوحة فمثناة تحتية، فنون هو الجراد. يكيد: أي يسوق بها، وقيل: معناه يقارب بها الموت وقد يكون من الكيد وهو القيء. القبط جبل بمصر وقيل: هم أهل مصر. ظئرا [بكسر المعجمة وسكون التحتانية المهموزة بعدها راء. أي مرضعا، وأصل الظئر من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها] .

الباب السادس في مناقب السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في مناقب السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع الأول: في مولدها- عليها السلام-: لا خلاف في أنها أكبر بناته صلى الله عليه وسلم، إنما الخلاف فيها وفي سيدنا القاسم أيهما ولد أولا. قال ابن إسحاق: سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي يقول: ولدت السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدركت الإسلام وهاجرت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبا لها عليها السلام. الثاني فيمن تزوجها. تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي واسمه لقيط على الأكثر، وقيل: هشيم، وقيل مهشم أمه هالة بنت خويلد، أخت خديجة- رضي الله تعالى عنها-. روي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وتجارة وأمانة، فقالت خديجة- رضي الله تعالى عنها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه، فزوجه زينب- رضي الله تعالى عنها- فلما أكرم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت خديجة وبناتها- رضي الله تعالى عنهن- فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بأمر الله تعالى أتوا العاص بن الربيع فقالوا له: فارق صاحبتك، ونحن نزوجك بأي امرأة شئت من قريش (فقال: لا، والله، لا أفارق صحابتي مما يسرني أن لي بامرأتي أفضل من أي امرأة من قريش) [ (1) ] . الثالث: في هجرتها- رضي الله تعالى عنها-. روى الطبراني والبزار- برجال الصحيح- أن السيدة زينب بنت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها، فخرجت مع كنانة أو ابن كنانة بن الربيع، فخرجوا في طلبها، فأدركها هبار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها وألقت ما في بطنها، وهريقت دما واشتجر فيها بنو هاشم، وبنو أمية فقال نحن أحق بهما، وكانت تحت ابن عمهم أبي العاص وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة وكانت تقول: هذا في سبب أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: «ألا تنطلق فتجيء بزينب» فقال: بلى يا رسول الله، قال: فخذ خاتمي فأعطها إياه، فانطلق زيد، فلم

_ [ (1) ] سقط في ج.

الرابع: إسلام زوجها أبي العاص - رضي الله تعالى عنه -.

يزل يتلطف فلقي راعيا فقال لمن ترعى غنمك؟ فقال: لأبي العاص، فقال: لمن هذه الغنم؟ قال لزينب بنت محمد- فسار معه شيئاً- ثم قال له: هل لك أن أعطيك شيئاً تعطيها إياه ولا تذكر لأحد؟ قال: نعم، فأعطاه الخاتم وانطلق الراعي، وأدخل غنمه، وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل، قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا، فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه، فلما جاءته، قال لها اركبي بين يدي على بعيري، قالت: لا ولكن اركب أنت بين يدي فركب وركبت وراءه حتى أتت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي خير بناتي أصيبت في» . وروى الطبراني عن محمد بن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: كان في أسارى بدر أبو العاص بن الربيع العبشمي. الرابع: إسلام زوجها أبي العاص- رضي الله تعالى عنه-. روى الحاكم بسند صحيح عن الشعبي- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبي العاص بن الربيع فهاجرت، وأبو العاص على دينه، فاتفق أنه خرج إلى الشام في تجارة فلما كان بقرب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا إليه، فيأخذوا ما معه ويقتلوه فبلغ ذلك زينب، فقالت: يا رسول الله، أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدا؟ قال: بلى قالت: فاشهد أني أجرت أبا العاص، فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا إليه عزلا بغير سلاح فقالوا: يا أبا العاص، إنك في شرف قريش، وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره فهل لك أن تسلم فتغتنم ما معك من أموال أهل مكة؟ قال: بئس ما أمرتموني به أن أنسخ ديني بعذر، فمضى حتى قدم مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، ثم قال: يا أهل مكة أوفيت ذمتي؟ قالوا: اللهم نعم، فقال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم قدم المدينة مهاجرا ... الخامس: في ردها إلى زوجها أبي العاص- رضي الله تعالى عنه- من غير تجديد عقد. روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته إلى أبي العاص بعد سنين بنكاحها الأول، ولم يحدث صداقا. السادس: في ثناء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أبي العاص- رضي الله تعالى عنه-. روى الشيخان عن المسور بن مخرمة أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكحا ابنة أبي جهل قال المسور: فقام

السابع: في وفاتها - رضي الله تعالى عنه -:

النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد ثم قال: أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني وإنما أكره أن يفتنوها وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا قال: فترك علي الخطبة. [روى محمد بن عمر، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال: خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في عير لقريش وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك العير قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب فلقوا العير بناحية العيص في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة فأخذوها وما فيها من الأثقال وأسروا ناسا ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع. فلم يعد أن جاء المدينة فدخل على زينب بنت رسول الله بسحر وهي امرأته فاستجارها فأجارته، فلما صلى رسول الله الفجر قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها: إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. فقال رسول الله: «أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم. قال: «فوالذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم. المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم وقد أجرنا من أجارت» . فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه ففعل، وأمرها أن لا يقربها فإنها لا تحل له ما دام مشركا. ورجع أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه ثم أسلم ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا في المحرم سنة سبع من الهجرة، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بذلك النكاح الأول] . السابع: في وفاتها- رضي الله تعالى عنه-: روى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن ابن الزبير- رحمه الله تعالى- أن رجلا أقبل بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقه رجلان من قريش فقاتلاه حتى غلباه عليها فدفعاها فوقعت على صخرة، فأسقطت وهريقت دما، فذهبوا بها إلى أبي سفيان فجاءته نساء بني هاشم، فدفعها إليهن ثم جاءت بعد ذلك مهاجرة فلم تزل وجعة حتى ماتت، من ذلك الوجع فكانوا يرون أنها شهيدة، وكانت وفاتها في أول سنة ثمان من الهجرة فغسلتها أم أيمن وسودة بنت زمعة وأم سلمة وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبرها، ومعه أبو العاص وكان جعل لها نعش، فكانت أول من اتخذ لها ذلك. السابع: في ذكر أولادها- رضي الله تعالى عنهم-. قال أبو عمر وغيره ولدت السيدة زينب- رضي الله تعالى عنها- من أبي العاص غلاما يقال له: علي توفي وقد ناهز الحلم، كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، ومات في حياته، وولدت له جارية، يقال لها: أمامة تزوجها علي بعد فاطمة- رضي الله تعالى عنها- ولم تلد فليس لزينب عقب، قال مصعب بن الزبير كما رواه ابن أبي خيثمة عنه، وكان

رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها ويحملها في الصلاة، وكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني وسند الأولين حسن، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة من جزع، معلمات بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع جارية تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيف ترين هذه؟» فنظرن إليها، فقلن: يا رسول الله، ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب، فقال: «ارددنها إلي» ، فقالت: والله، لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إلي قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- فأظلت على الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن ولا أراهن إلا أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعا سكوتا، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص فسري عنا. وروى الزبير بن بكار والطبراني- رحمه الله تعالى- قال: أوصى أبو العاص بن الربيع بابنته أمامة إلى الزبير فزوجها الزبير علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- بعد وفاة السيدة فاطمة، وقتل علي وأمامة عنده. ورواه ابن أبي خيثمة عن مصعب عم الزبير. وروى أيضاً بسند ضعيف عن محمد بن عبد الرحمن أن عليا لما طعن، قال لأمامة: لا تتزوجي وإن أردت الزواج لا تخرجي من رأي المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فقال لها المغيرة: أنا خير لك منه، فاجعلي أمرك إلي، فجعلت، فدعا رجالا فتزوجها، فماتت أمية بنت أبي العاص عند المغيرة بن نوفل، ولم تلد له فليس للسيدة زينب- رضي الله تعالى عنها- عقب قيل: ولدت أمامة للمغيرة ولدا يقال له يحيى.

الباب السابع في بعض مناقب السيدة رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب السابع في بعض مناقب السيدة رقية بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع الأول: في مولدها واسمها وفيمن تزوجها. ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وسماها رقية- بقاف واحدة وبالتشديد-، أسلمت حين أسلمت أمها خديجة بنت خويلد وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه النساء، قال قتادة بن دعامة ومصعب بن الزبير: فيما رواه ابن أبي خيثمة- رضي الله تعالى عنه- كانت رقية- رضي الله تعالى عنها- تحت عتبة بن أبي لهب، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة فلما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد/ 1] قال أبوه لهما: رأس بين رؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة طلاق رقية، وسألته رقية ذلك فقالت له أمه: وهي حمالة الحطب: طلقها يا بني فإنها قد صبأت ففارقهما ولم يكونا دخلا بهما فتزوجت رقية عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهما- بمكة وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة، وذكر الدولابي أن تزوج عثمان إياها كان في الجاهلية، والذي ذكره غيره أنه كان بعد إسلامه. وروى الطبراني من طريقين بإسناده حسن والزبير بن بكار عن قتادة بن دعامة- رحمه الله تعالى- قال: كانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله تعالى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1] سأل النبي صلى الله عليه وسلم عتبة طلاقها، وسألته رقية ذلك فتزوج عثمان بن عفان رقية وتوفيت عنده. وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أتت قريش عتبة بن أبي لهب، فقالوا له: طلق ابنة محمد، ونحن نزوجك. الثاني: في أن تزويج رقية عثمان- رضي الله تعالى عنهما- كان بوحي. روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله- عز وجل- أوحى إلي أن أزوج كريمتي عثمان» . وروي عن عروة بن الزبير- رضي الله تعالى عنه-[.....] . الثالث: في حسنها- رضي الله تعالى عنها-: قال أبو عمرو- رحمه الله تعالى-: كانت رقية ذات جمال رائع وقال أبو محمد بن قدامة: وكانت ذات جمال بارع، فكان يقال: أحسن زوج رآها الإنسان مع زوجها.

الرابع: في هجرتها - رضي الله تعالى عنها -.

وروي عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بصحفة فيها لحم فدخلت عليه [ورقية جالسة فما رأيت اثنين أحسن منهما فجعلت مرة انظر إلى رقية ومرة انظر إلى عثمان فلما رجعت قال لي النبي صلى الله عليه وسلّم: أدخلت عليهما قلت: نعم قال: فهل رأيت زوجا أحسن منهما قلت لا يا رسول الله لقد جعلت مرة انظر إلى رقية ومرة انظر إلى عثمان. رواه الطبراني وقال: كان هذا قبل نزول الحجاب، وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح. وعن عبد الله بن حزم المازني قال: رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه رواه الطبراني وفيه الربيع بن بدر وهو متروك. وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه ازار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم أو خمسة وريطة كوفية ممشقة ضرب اللحم طويل اللحية حسن الوجه. رواه الطبراني واسناده حسن. وعن موسى بن طلحة قال: كان عثمان يوم الجمعة يتوكأ على عصا وكان أجمل الناس وعليه ثوبان أصفران ازار ورداء حتى يأتي المنبر فيجلس عليه. رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف. وعن عبد الله بن عون القاري قال: رأيت عثمان بن عفان أبيض اللحية. رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه وعن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن سعد قال: رأيت عثمان بن عفان أصفر اللحية. رواه الطبراني عن مقدام بن داود وهو ضعيف] . الرابع: في هجرتها- رضي الله تعالى عنها-. روى ابن أبي خيثمة بن سليمان وعمر الملا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أول من هاجر إلى أرض الحبشة عثمان، وخرج معه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما. فجعل يترقب الخبر فقدمت امرأة من قريش، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: رأيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على أي حال رأيتها؟» فقالت: رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب، وهو يسوقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منحهما الله- عز وجل- إن عثمان لأول من هاجر بأهله إلى الله- عز وجل- بعد لوط- عليه السلام-» . الخامس: في إجابة دعائها- رضي الله تعالى عنها-: قال أبو محمد بن قدامة: روينا أن فتيان أهل الحبشة كانوا يعرضون للسيدة رقية وينظرون إليها، ويعجبون من جمالها فأذاها ذلك، فدعت عليهم جميعا، فهلكوا. السادس: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-: قال مصعب بن الزبير: توفيت رقية عند عثمان بالمدينة وتخلف عليها عن بدر، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره. وقال ابن شهاب: تخلف عثمان على امرأته السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت- عليها السلام- وجعة فتوفيت يوم قدم أهل بدر المدينة، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابع: في ولدها - رضي الله تعالى عنها -:

بسهمه وأجره، رواهما ابن أبي خيثمة توفيت- عليها السلام- على رأس سبعة عشر شهراً من مهاجرته صلى الله عليه وسلم. السابع: في ولدها- رضي الله تعالى عنها-: أسقطت من عثمان سقطا ثم ولدت له عبد الله. قال مصعب بن الزبير: ولدت رقية لعثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهما- بالحبشة ولدا سماه عبد الله فكان يكنى به، بلغ سنتين، وقيل ست سنين فنقره في عينيه ديك، فتورم وجهه ومرض فمات. قال في: «العيون» إنه مات بعد أمه سنة أربع، ولم تلد شيئاً غيره. وقال صلى الله عليه وسلم: «ونزل في حفرته أبوه عثمان» . وقال الدولابي: مات، وهو رضيع، والله تعالى أعلم وشذ قتادة فقال: لم تلد لعثمان- رضي الله تعالى عنه- وغلطوه في ذلك.

الباب الثامن في بعض مناقب السيدة أم كلثوم بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثامن في بعض مناقب السيدة أم كلثوم بنت سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع الأول: في مولدها عليها السلام وفيمن تزوجها وولدت هي أكبر من أختها فاطمة- رضي الله تعالى عنها- وسماها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم كلثوم ولم يعرف لها اسم غيره وإنما تعرف بكنيتها، أسلمت أخواتها حين أسلمت وبايعت معهن، وهاجرت حين هاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما توفيت رقية تزوجها عثمان بن عفان في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة وبنى بها في جمادى الآخرة منها، وتقدم في الباب السابع أن عتيبة بن أبي لهب كان تزوجها ثم فارقها، ولم يدخل بها فخلف عليها عثمان- رضي الله تعالى عنهما- بعد أختها رقية بوحي من الله عز وجل. روى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها» . وروى ابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها» . وروى ابن ماجة وابن عساكر عنه قال: لقي النبي- صلى الله عليه وسلم- عثمان عند باب المسجد فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا عثمان، هذا جبريل أخبرني أن الله تعالى أمرني أن أزوجك أم كلثوم، بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها» . الثاني في كيفية تزويجها. روى ابن عساكر مرسلا عن سعيد بن المسيب- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا عثمان، هذا جبريل يأمرني عن الله عز وجل إن أزوجك أم كلثوم أختها على مثل صداقها- يعني صداق رقية- وعلى مثل عشرتها» . الثالث في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-. قال في العيون: إنها ماتت في شعبان سنة تسع من الهجرة فيحرر، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قبرها، ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة- رضي الله تعالى عنهم- ولم تلد من عثمان شيئاً- رضي الله تعالى عنها- والله تعالى أعلم.

الباب التاسع في بعض مناقب السيدة فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب التاسع في بعض مناقب السيدة فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع الأول: في مولدها- عليها السلام- واسمها وكيفيتها: نقل أبو عمرو عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي، قال: ولدت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- سنة إحدى وأربعين من مولد النبي- صلى الله عليه وسلم- وهذا مغاير لما ذكره ابن إسحاق، وغيره أن أولاد النبي- صلى الله عليه وسلم- ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم- عليه السلام- وقال ابن الجوزي وغيره: ولدت قبل النبوة بخمس سنين أيام بناء البيت. ونقل أبو عمرو عن الواقدي «أنها ولدت والكعبة تبنى، والنبي- صلى الله عليه وسلم- ابن خمس وثلاثين سنة وبه جزم المدائني وقيل: كان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر، وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين وانقطع نسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أوائل المحرم سنة اثنين بعد عائشة بأربعة أشهر، وكانت تكنى أم أبيها- بكسر الموحدة بعدها مثناة، تحتية- ومن قال غير ذلك فقد صحف- انتهى. الثاني: ما جاء في مهرها وكيف تزوجها ووليمة عرسها، وما جهزت به- رضي الله تعالى عنها- تزوجها علي- رضي الله تعالى عنه- وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة ونصف من السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها في ذي الحجة، وقيل: تزوجها في رجب وقيل: في صفر وسنها- رضي الله تعالى عنها- يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، ولم يتزوج عليها حتى ماتت- رضي الله تعالى عنهما-. قال جعفر بن محمد: تزوج علي فاطمة- رضي الله تعالى عنها- في شهر صفر في السنة الثانية، وبنى بها في شهر ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة. قال أبو عمر: وبعد وقعة بدر. وقال غيره: بعد بنائه بعائشة- رضي الله تعالى عنها- بأربعة أشهر ونصف شهر، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر. وروى الحاكم والبيهقي، وابن إسحاق عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قالت لي مولاة لي: هل علمت () . وروى مسدد عن رجل سمع عليا- رضي الله تعالى عنه- بالكوفة يقول: أردت أن أخطب فاطمة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته

فخطبتها، فقال: أرني درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا، وكذا قال: هي عندي، قال: فأعطها إياه، ثم قال: لا تحدث شيئاً حتى آتيكما، فأتاني وعلينا قطيفة أو كساء، فلما رآنا تحسسنا، فدعا فأتيا بإناء فدعا فيه، ثم دسه علينا، فقلت: يا رسول الله أينا أحب إليك؟ قال: هي أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها. وروى الطبراني عن حجر بن عنبس- رحمه الله تعالى- قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هي لك يا علي» . ورواه البزار ورجالهما ثقات وحجر لم يسمع من النبي- صلى الله عليه وسلم- وزاد «ولست بدجال» وقوله- صلى الله عليه وسلم- «ولست بدجال» : يدل على انه قد كان وعده فقال: لا أخلف الوعد. وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت قاعدا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي» . وروى البيهقي والخطيب وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت قاعدا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فغشيه الوحي فلما سري عنه قال: «يا أنس، أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي» . وروى إسحاق بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه لما تزوج فاطمة قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اجعل عامة الصداق في الطيب» . وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة فباع علي درعا له، وبعض متاع من متاعه، فبلغ أربعمائة وثمانين درهما، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجعل ثلثيه في الطيب، وثلثا في الثياب، ومج في جرة من ماء، وأمرهم أن يغتسلوا به، قال: وأمرها أن لا تسبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين، وأما الحسن فإنه- صلى الله عليه وسلم- صنع فيه شيئاً لا يدري (ما هو، فكان أعلم الرجلين) [ (1) ] . وروى ابن أبي خيثمة وابن سعد عن علباء بن أحمر اليشكري- رحمه الله تعالى- أن عليا- رضي الله تعالى عنه- تزوج فاطمة على أربعمائة وثمانين، فأمره النبي أن يجعل في ثلثين الطيب وثلثا في الثياب. وروى ابن سعد عنه أن عليا باع بعيرا له بثمانين وأربعمائة درهم، فقال النبي: - صلى الله عليه وسلم-: «اجعلوا ثلثيه في الطيب وثلثا في الثياب» .

_ [ (1) ] سقط في ج.

روى الطبراني وابن أبي خيثمة وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي، والبزار من طريق محمد بن ثابت بن أسلم، وهما ضعيفان عن أنس بن مالك وابن أبي خيثمة والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال ابن ثابت: إن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أتى أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لا يزوجني، قال: إذا لم يزوجك فمن يزوج إنك من أكرم الناس عليه، وأقدمهم في الإسلام قال: فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة، إذا رأيت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طيب نفس وإقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة فلعل الله عز وجل أن ييسرها إلي، قال: فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرأت منه طيب نفس، وإقبالا، فقالت: يا رسول الله أن أبا بكر ذكر فاطمة وأمرني أن أذكرها، فقال: حتى ينزل القضاء فرجع إليها أبو بكر فقالت: يا أبتاه، وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت وقال يحيى: أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله قد عرفت مني صحبتي، وقدمي في الإسلام قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة، فسكت عنه ساعة أو قال فأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر، فقال: هلكت، وأهلكت، قال: وما ذاك؟ قال خطبت فاطمة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعرض عني، وقال ابن ثابت: فانطلق عمر إلى حفصة، وقال لهما: إذا رأيت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة لعل الله أن ييسرها إلي، فلما جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت حفصة: ووجدت منه إقبالا وطيب نفس فذكرت له فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فقال: حتى ينزل القضاء، قال ابن ثابت: فأتى عمر- رضي الله تعالى عنه- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله، قد علمت مني صحبتي وقدمي في الإسلام، وإني وإني، قال: «وماذا؟» قال: تزوجني فاطمة، فأعرض عنه، فرجع عمر إلى أبي بكر، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها، فانطلق عمر إلى علي قال يحيى: إن أبا بكر وعمر قالا: انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا، قال علي: فأتياني وأنا في سبيل، فقالا: بنت عمك تخطب فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي طرف على عاتقي، والطرف الآخر في الأرض حتى أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال ابن ثابت: ولم يكن لعلي مثل عائشة ولا مثل حفصة، فلقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أريد أن أتزوج فاطمة، قال فافعل، قال: ما عندي إلا درعي الحطمية. .. الحديث. وفي حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عند الطبراني من طريق يحيى بن العلاء، قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا يذكرها أحد إلا صد عنه حتى يئسوا منها فلقي سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنه- عليا فقال: إني والله ما أرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحبها إلا عليك، فقال له: علي- رضي الله تعالى عنه-: هل ترى ذلك، ما أنا

بأحد الرجلين ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي وقد علم ما لي بيضاء ولا صفراء. وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه- يعني يتألفه بها، إني لأول من أسلم فقال سعد إني أعزم عليك لتفرجنها عني، فإن لي في ذلك فرجا قال: أقول ماذا؟ قال؟: جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت محمد- صلى الله عليه وسلم- فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- مرحبا، كلمة ضعيفة ثم رجع إلى سعد، فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فلم يزد على أنه رحب بي كلمة ضعيفة، فقال سعد: أنكحك والذي بعثه بالحق، إنه لا خلف ولا كذب عنده، أعزم عليك لتأتينه فلتقولن يا نبي الله، متى تبنيني؟ فقال علي: هذه أشد علي من الأولى أو لا أقول: يا رسول الله، حاجتي؟ قال: قل كما أمرتك، فانطلق علي فقال: يا رسول الله، تبنيني؟ قال: «الليلة إن شاء الله» . .. الحديث. وفي حديث بريرة عند النسائي في عمل اليوم والليلة والروباني في مسنده، وعند البزار والطبراني برجال ثقات غالبهم رجال الصحيح والدولابي: أن نفرا من الأنصار قالوا لعلي- رضي الله تعالى عنه-: لو خطب فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأبى. وفي لفظ: لو كانت عندك فاطمة فدخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال: يا رسول الله، ذكرت بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مرحبا وأهلا» لم يزده عليهما فخرج على أولئك النفر من الأنصار وهم ينتظرونه فقالوا له: ما وراءك؟ قال: ما أدري، غير انه قال لي: مرحبا وأهلا، قالوا: يكفيك من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إحداهما أعطاك الأهل والمرحب. وفي حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فقال سعد: أنكحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذي بعثه بالحق إنه لا خلف ولا كذب عنده، أعزم عليك لتأتينه غدا، فتقول يا نبي الله متى تبنيني بأهلي، فقال علي: هذه أشد علي من الأولى أو لا أقول: يا رسول الله حاجتي قال: قل كما أمرتك فانطلق علي، فقال: يا رسول الله، متى تبنيني بأهلي؟ قال: «الليلة إن شاء الله تعالى» - قال فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما عندك يا علي» فقلت: يا رسول الله، فرسي وبدني يعني درعي الحطمية- قال: «أما فرسك لا بد لك منه، وأما بدنك فبعها» فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما، فأتيت بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة، فقال: «يا بلال» ، أبغني بها طيبا وقال ابن ثابت: فقبض ثلاث قبضات، فرفعها إلى أم أيمن فقال: اجعلي منها قبضة في الطيب. أحسبه قال الباقي فيما يصلح المرأة، وزوجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما فرغت من الجهاز وأدخلتهم بيتا.

وفي حديث بريدة: فلما كان بعد ما زوجه قال: «يا على، أنه لا بد للعروس من وليمة» فقال سعد: عندي كبش. وجمع له رهط من الأنصار من ذرة، ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح غير عبد الكريم بن سليط وهو مستور بلفظ، وقال: على فلان كذا وكذا من ذرة. وفي حديث يحيى وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سريرا مشرطا بالشريط ووسادة من أدم حشوها ليف، وملأ البيت كثيبا يعني رملا، وقال: إذا أتتك، فلا تحدث شيئاً حتى آتيك فجاءت مع أم أيمن فقعدت في جانب البيت، وأنا في جانب. وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، وثور وسقاء وجرتين. وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنه- قالت: لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى علي- رضي الله تعالى عنهما- وما كان حشو فرشهما ووسادتهما إلا ليف. وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاطمة في خميلة وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف. وروى البلاذري عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام علي ناحية، ومنه تعجن فاطمة على ناحية. وروى ابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبض من المهر قبضة، وقال لبلال: اشتر لنا بها طيبا، وأمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجهزوها فجعل سريرا مشرطا بشرائط ووسادة من أدم حشوها ليف. وروى أبو بكر- بن فارس عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان فراش علي وفاطمة- رضي الله تعالى عنهما- ليلة عرسهما- إهاب كبش. وروى أيضا عن ضمرة بن حبيب- رضي الله تعالى عنهما- قال قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ابنته السيدة فاطمة بخدمة البيت، وقضى على علي بما كان خارج البيت. وروى مسدد مرسلا عن ضمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ابنته فاطمة- رضي الله تعالى عنها- بخدمة البيت، وقضى على علي- رضي الله تعالى عنه- بما كان خارج البيت. وروى أحمد بن منيع بسند ضعيف عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها-

قالت: تزوجت فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على درع ومنشفة بمغفرة ونصف قطيفة بيضاء، وقدح وإن كانت تستر بكم درعها، ومالها خمار وقالت: أعطاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصبعا من تمر ومن شعير، فقال: «إذا دخلن عليك نساء الأنصار فأطعميهن منه» . وروى الطبراني من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: حضرنا عرس علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما رأينا عرسا كان أحسن منه- حسا لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زبيبا وتمرا فأكلنا منه وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. ورواه البزار وزاد، وحشونا الفراش- يعني: الليف-. وروى عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السيدة فاطمة إلى علي- رضي الله تعالى عنهما- بعث معها بخميلة وهي القطيفة ووسادة من أدم حشوها ليف، وإذخر وقربتان وكانا يفترشان الخميل، ويلتحفان بنصفه انتهى. وروى من طريق عوف بن محمد بن الحنفية عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهديت جدتك فاطمة إلى جدك علي- رضي الله تعالى عنهما- فما كان حشو فراشهما ووسادتهما إلا ليفا، ولقد أولم علي على فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته ورهن درعه عند يهودي بشطر شعير. وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- أنه أولم على فاطمة وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر. وفي حديث ابن عباس فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بلالاً فقال: «يا بلال، إني زوجت ابنتي ابن عمي، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي إطعام الطعام عند النكاح، فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة، فاجعل لي قصعة وادع عليها المهاجرين والأنصار، فإذا فرغت فائتني بها» . فانطلق ففعل ما أمره به، ثم أتاه بالقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بإصبعه في رأسها، ثم قال: أدخل علي الناس زفة زفة ولا تغادرن إلى غيرها، يعني إذا فرغت زفة فلا يعودن ثانية، فجعل الناس يردون كلما فرغت زفة وردت أخرى حتى فرغ الناس ثم عمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ما فضل منها فتفل فيه وبارك. وقال: «يا بلال، احملها إلى أمهاتك، وقل لهن يأكلن منها ويطعمن من يمشيكن» انتهى، ثم قال- صلى الله عليه وسلم-: «يا علي، لا تحدثن إلى أهلك شيئاً» . وفي حديث أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- عند الطبراني برجال الصحيح قالت: لما أهديت السيدة فاطمة إلى علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنهما- لم نجد في

بيته إلا رملا مبسوطا ووسادة حشوها ليف وجرة وكوزا، فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تحدثن حدثا» أو قال: «لا تقربن أهلك حتى آتيك» فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أثم أخي» فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- فسمى، ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول، ثم مسح صدر علي ووجهه ثم دعا فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فقامت إليه تعثر في مرطها من الحياء فنضح من ذلك الماء ثم قال لها ما شاء الله أن يقول ثم قال لها: «أما إني لم آلك أن أنكحتك أحب أهلي إلي» . وفي حديث بريدة- رضي الله تعالى عنه- فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي فقال: «اللهم، بارك فيهما، وبارك لهما في أبنائهما» . وفي لفظ «بارك لهما وبارك في شبلهما» [ (1) ] . قال الحافظ ابن ناصر الدين راوي الحديث صوابه بنسلهما، وأورده الضياء المقدسي في المختارة وفي حديث أسماء، قالت أسماء: ثم رأى سوادا من وراء الستر، أو من وراء الباب فقال: من هذا؟ قالت: أسماء، قالت: نعم يا رسول الله جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفتاة يبنى بها الليلة ولا بد لها من امرأة تكون قريبا منها، إن عرضت لها حاجة أفضت بذلك إليها قالت: فدعا لي بدعاء، إنه لأوثق عملي عندي، ثم قال لعلي: «دونك أهلك» ، ثم خرج فولى فما زال يدعو لهما، حتى توارى في حجره. وفي حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على النساء فقال: إني قد زوجت ابنتي ابن عمي وقد علمتن منزلتها مني وأنا دافعها إليه، فدونكن فقمن النساء فغلفنها من طيبهن وألبسنها من ثيابهن وحلينها من حليهن، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فلما رأى النساء ذهبن، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستر وتخلفت أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كما أنت، على رسلك من أنت؟ قالت: أنا التي أحرس ابنتك، فإن الفتاة الليلة يبنى بها ولا بد من امرأة تكون قريبا منها، إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئاً أمضيت بذلك إليها، ثم صرخ بفاطمة. وفي حديث يحيى فقال لفاطمة: «ائتني بماء» فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء فأتته به، فمج فيه ثم قال لها: قومي فنضح على رأسها وبين ثدييها، وقال: «اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» ، ثم قال: «ائتني بماء،» فعلمت الذي يريده، فملأت القعب ماء فأتيته به فأخذ منه بفيه، ثم مجه فيه ثم صبه على رأسي وبين يدي ثم قال: «اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» ثم قال لي: «أدبري» فأدبرت فصب بين كتفي ثم

_ [ (1) ] في ج (اللهم بارك لهما في شبلهما) .

الثالث: في أنها كانت أحب الناس إليه - صلى الله عليه وسلم -.

قال: «اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» ثم قال لي: «أدخل على أهلك باسم الله والبركة» . الثالث: في أنها كانت أحب الناس إليه- صلى الله عليه وسلم-. روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وعلي- رضي الله تعالى عنهما- وهما جالسان يضحكان، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لكما كنتما تضحكان، فلما رأيتماني سكتما» فبادرت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فقالت: بأبي أنت يا رسول الله قال هذا: أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فقلت: بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا بنية لك رقة الولد وعلي أعز علي منك» . وروى أبو داود الطيالسي والطبراني في الكبير، والحاكم والترمذي وقال: حسن وأبو القاسم البغوي في معجمه عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب أهل بيتي إلي فاطمة» . وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله، أينا أحب إليك أنا أم فاطمة؟ قال: «فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها.» الرابع: في أن الله تبارك وتعالى يرضى لرضاها، ويغضب لغضبها. روى الطبراني بإسناد حسن وابن السني في معجمه وأبو سعيد النيسابوري في «الشرف» عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: «إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» انتهى. الخامس في أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها في فمها. [عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: ما رأيت أحدا كان شبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، فقبلها ورحب بها، وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه، وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه، فقبلته وأخذت بيده] . السادس: فيما جاء أنه- صلى الله عليه وسلم- إذا سافر كان آخر عهده بها، وإذا قدم أول ما يدخل عليها- رضي الله تعالى عنها-. روى الإمام أحمد والبيهقي في «الشعب» عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: كان

السابع: في غيرته - صلى الله عليه وسلم - لها - رضي الله تعالى عنها -.

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليه فاطمة إذا قدم صلى الله عليه وسلم. وروى أبو عمر عن أبي ثعلبة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد، فصلى ركعتين ثم أتى فاطمة- رضي الله تعالى عنها- (ثم أتى أزواجه) [ (1) ] . السابع: في غيرته- صلى الله عليه وسلم- لها- رضي الله تعالى عنها-. روى الطبراني عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: خطبني علي فبلغ ذلك السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أسماء متزوجة علي بن أبي طالب فقال لها: «ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله» . وروى الطبراني في المعاجم الثلاثة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عليا- رضي الله تعالى عنه- خطب بنت أبي جهل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كنت تزوّجها فرد علينا ابنتنا، والله، لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد» . وروى البزار عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي شيء خير للمرأة فسكتوا، فلما رجعت قلت لفاطمة: أي شيء خير للنساء؟ قالت: لا يراهن الرجال، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن فاطمة بضعة مني» . الثامن: في تشبهها- رضي الله تعالى عنها- هديا وسمتا ودلاء ومشيا وحديثاً به صلى الله عليه وسلم وقيامه صلى الله عليه وسلم لها إذا أقبلت وإجلاسه إياها مكانه. إخباره- صلى الله عليه وسلم- إنها سيدة نساء هذه الأمة ونساء أهل الجنة. روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- تمشي. [كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مرحبا يا بنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله: ثم إنه أسر إليها حديثاً فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضاً، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت: أنه كان حدثني «إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني

_ [ (1) ] سقط في ج.

التاسع: في إثبات فضلها - رضي الله تعالى عنها - بأبيها صلى الله عليه وسلم وأقاربها أصلا وفرعا.

إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك» فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة» ؟ فضحكت لذلك. وروى أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا، ولا حديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة- رضي الله تعالى عنها-. وروى ابن حبان عنها قالت: ما رأيت أحد أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة- رضي الله تعالى عنها- وكانت إذا دخلت قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه وكانت هي- رضي الله تعالى عنها- إذا دخل صلى الله عليه وسلم عليها قامت إليه فقبلته وأخذت بيده وأجلسته مكانها فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فأسر إليها فبكت ثم أسر إليها فضحكت فقلت: كنت أحسب أن لهذه المرأة فضلا على نسائنا فإذا هي امرأة منهن بينما هي تبكي إذ هي تضحك، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن ذلك فقالت أسر إلي أنه ميت فبكيت ثم أسر إلي أني أول أهله لحوقا به فضحكت. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى برجال الصحيح والترمذي من غير ذكر فاطمة ومريم- عليهما السلام- عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان من مريم بنت عمران» . وروى الطبراني في «الأوسط» «والكبير» برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فاطمة وخديجة ثم آسية بنت مزاحم امرأة فرعون- وفي لفظ- وآسية» . وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن مروان الذهلي وثقه ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ملكا من السماء لم يكن زارني فاستأذن ربّي في زيارتي فأذن له فبشرني وأخبرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي، وسيأتي لهذا مزيد بيان في مناقب السيدة خديجة- رضي الله تعالى عنها-. التاسع: في إثبات فضلها- رضي الله تعالى عنها- بأبيها صلى الله عليه وسلم وأقاربها أصلا وفرعا. روى الطبراني عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «نبينا خير الأنبياء، وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك» ... الحديث. وروى الطبراني برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها صلى الله عليه وسلم» .

العاشر: في أنها أصدق الناس لهجة.

العاشر: في أنها أصدق الناس لهجة. وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة- رضي الله تعالى عنها- إلا أن يكون أباها صلى الله عليه وسلم. وروى أبو عمر عنها قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة- رضي الله تعالى عنها- إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم. الحادي عشر: في برها برسول الله صلى الله عليه وسلم. روى أبو يعلى عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال: يا بنية، هل عندك أكلة، فإني جائع فقالت: لا والله، بأبي أنت وأمي، فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها، وغطت عليها، قالت: والله، لأوثرنّ بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شعبة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء فخبأته لك قال: «هلمي فأتته فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت، وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله وصلت على نبيه وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله وقال: «من أين لك هذا يا بنية؟» فقالت: يا أبت، هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا وبقيت الجفنة كما هي، قالت: فأوسعت ببقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيه بركة وخيراً كثيراً. الثاني عشر: فيما كانت فيه من ضيق العيش وخدمتها نفسها- رضي الله تعالى عنها- مع استصحاب الصبر الجميل. روى الدولابي عن أسماء بنت عميس عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتاها. وروى أبو يعلى برجال الصحيح وابن أبي شيبة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لأمي فاطمة بنت أسد- رضي الله تعالى عنها- اكفي بنت محمد صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجن. وروى الطبراني برجال ثقات إلا عتبة بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة عن عمران بن حصين قال: إني لجالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة، فقامت بحذاء النبي صلى الله عليه وسلم مقابلة فقال: «ادني يا فاطمة» ، فدنت دنوة، ثم قال «ادني يا فاطمة» ، فدنت دنوة، ثم قال:

«ادني يا فاطمة» فدنت دنوة حتى قامت بين يديه قال عمران: فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها وذهب الدم فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم وضع كفه بين ترائبها فرفع رأسه قال: «اللهم، مشبع الجوعة، وقاضي الحاجة، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد» ، فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها وظهر الدم، ثم سألتها بعد ذلك فقالت: ما جعت بعد ذلك. وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لفاطمة- رضي الله تعالى عنها- ذات يوم: والله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء أبوك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله، لقد طحنت حتى مجلت يداي فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما جاء بك أي بنية؟» قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله فأتيا جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا رسول الله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: يا رسول الله، لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخدمنا فقال: لا، والله، لا أعطيكم، وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم فرجع. فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما فتأثر فقال: مكانكما، ثم قال: «ألا أخبر كما بخير مما سألتماني» ، قالا: بلى، قال: «كلمات علمنيهن جبريل فقال: تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين» . [قال: فوالله، ما تركتهن منذ سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال له: أين الكوا ولا ليلة صفين، فقال: قاتلكم الله يأهل العراق ولا ليلة صفين. وروى الطبراني بسند حسن عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال: «أين أبنائي؟» يعني: حسنا وحسينا قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: اذهب بهما، فإني أتخوف أن يتليا عليك وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي فتوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في سرية بين أيديهما فضل من تمر، فقال: «يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر؟» قال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله، حتى أجمع لفاطمة شيئاً من التمر، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع لفاطمة شيء من التمر، فجعله في صرته ثم أقبل فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وعلي الآخر، حتى أقلبهما.

الثالث عشر: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - ووصيتها إلى أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - بما تصنعه بعد موتها ومن صلى عليها ومن دخل قبرها وموضعه.

وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن بلالا- رضي الله تعالى عنه- أبطأ عن صلاة الصبح، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حبسك؟ قال: مررت بالسيدة فاطمة، وهي تطحن، والصبي يبكي، فقلت: إن شئت كفيتك الرحا وكفيتيني الصبي، وإن شئت كفيتك الصبي، وكفيتيني الرحا، فقالت: أنا أرفق بابني منك فذاك الذي حبسني فقال: رحمتها، رحمك الله. الثالث عشر: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها- ووصيتها إلى أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- بما تصنعه بعد موتها ومن صلى عليها ومن دخل قبرها وموضعه. روى الطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح عن عائشة والبخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: توفيت السيدة فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وفي رواية: ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة ودفنها علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- ليلا. وروى الطبراني برجال الصحيح إلا أن جعفراً الصادق لم يدرك القصة، ففيه انقطاع عن جعفر بن محمد- رحمهما الله تعالى- قال: مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر، وما رؤيت ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم قد امتروا في طرف نابها. وروى الطبراني عن عبد الله بن محمد بن عقيل- رحمه الله تعالى- منقطعا، لأن عبد الله لم يدرك القصة، أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- لما حضرتها أمرت عليا فوضع لها غسلا، فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن، فلبستها ومست من حنوط ثم أمرت عليا أن لا يكشف عورتها إذا أقبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها، فقلت له: هل علمت أحدا فعل ذلك؟ قال: نعم، كثير بن العباس، وكتب في أطراف أكفانه: يشهد كثير أن لا إله إلا الله. وروى الإمام أحمد بسند فيه من لم يعرف عن أم سلمة قالت: اشتكت السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته فقالت: يا أمه، اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمي، أعطني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت: يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت، واستقبلت واضطجعت القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمه، إني مقبوضة الآن، وقد تطهرت، فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، فجاء علي فأخبرته. وروى أبو نعيم عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت لأسماء يا أسماء، إني قد

الرابع عشر: في أن الله تعالى حرمها وذريتها على النار.

استقبحت هذا الذي يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أريك شيئاً رأيته بالحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحتتها، ثم طرحت عليها ثوبا فقالت لفاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل على أحد ثم اصنعي بي هكذا، فلما توفيت صنع بها ما أمرت بعد أن غسلتها أسماء وعلي- رضي الله تعالى عنهم-. الرابع عشر: في أن الله تعالى حرمها وذريتها على النار. روى البزار وتمام في «فوائده» والطبراني وابن عدي والعقيلي والحاكم عن ابن مسعود وابن شاهين في مسند «الزهر» وابن عساكر من طريق آخر عنه، والطبراني في «الكبير» بسند رجاله ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله- عز وجل- وذريتها على النار» زاد العقيلي: قال ابن كريب: هذا للحسن والحسين ولمن أطاع الله- عز وجل- منهم. وفي لفظ: أن الله- عز وجل- غير معذبك ولا ولدك. وروى الخطيب أن الإمام علي بن موسى المديني- رضي الله تعالى عنه- سئل هذا الحديث فقال: هذا خاص بالحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما-. تنبيه: الصواب إن هذا الحديث سنده قريب من الحسن، والحكم عليه بالوضع خطأ كما بسطت الكلام على ذلك في كتابي «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» . الخامس عشر: في كيفية حشرها- رضي الله تعالى عنها-. روى تمام في الفوائد والحاكم والطبراني عن علي، وأبو بكر الشافعي عن أبي هريرة، وتمام عن أبي أيوب وأبو الحسين بن بشران، والخطيب عن عائشة والأزدي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- بأسانيد ضعيفة، إذا ضم بعضها إلى بعض أفاد القبول، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش أيها الناس» ، وفي لفظ: «يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم، ونكسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد إلى الجنة» وفي لفظ: «حتى تمر على الصراط،» فتمر، وعليها ربطتان خضروان. السادس عشر: في أولادها- رضي الله تعالى عنهم-. قال الليث بن سعد- رحمه الله تعالى-: تزوج علي فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- فولدت حسنا وحسينا ومحسنا- بميم مضمومة فحاء مفتوحة فسين مكسورة مشددة مهملتين-

- رضي الله تعالى عنهم- وزينب وأم كلثوم ورقية- رضي الله تعالى عنهن- مات محسن سقطا، وأم كلثوم كانت عند عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وولدت ولدا قال أبو عمر: ولدت أم كلثوم بنت فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- قبل وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجت زينب بنت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهما- فماتت عنده وقد ولدت له عليا وعونا وجعفراً وعباسا وأم كلثوم أبناء عبد الله بن جعفر. قال الشيخ- رحمه الله تعالى- في فتاويه: أولاد زينب المذكورة من عبد الله بن جعفر موجودون بكثرة وتكلم عليهم من عشرة أوجه: أحدها: أنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالإجماع، لأن آله هم المؤمنون من بني هاشم والمطلب. الثاني: أنهم من ذريته بالإجماع. الثالث: أنهم هل يشاركون أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم والجواب: لا، وفرق بين من يسمى ولدا للرجل، وبين من ينسب إليه. الرابع: هل يطلق عليهم أشراف؟. الجواب: الشرف على مصطلح أهل مصر أنواع: عام لجميع أهل البيت، وخاص بالذرية، فيدخل فيه الزينبية وأخص منه شرف النسبة، وهو مختص بذرية الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما-. الخامس: تحرم عليهم الصدقة بالإجماع، لأن بني جعفر من الآل. السادس: يستحقون سهم ذوي القربى بالإجماع. السابع: يستحقون من وقف بركة الحبش بالإجماع، لأنها وقفت نصفها على الأشراف، وهم أولاد الحسن والحسين ونصفها على الطالبيين، وهم ذرية علي بن أبي طالب، - رضي الله تعالى عنهم- من محمد بن الحنفية وأخويه وذرية جعفر بن أبي طالب وذرية عقيل بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- هذا الوقف على هذا الوجه على قاضي القضاة بدر الدين بن يوسف السنجاوي في ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، ثم اتصل ثبوته على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام تاسع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم اتصل ثبوته على قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ذكر ذلك ابن المتوج في كتابه «إيقاظ المتغفل، واتعاظ المتوسل» .

تنبيهات

الثامن: هل يلبسون العلامة الخضراء؟. والجواب: لا يمنع منها من أرادها من شريف أو غيره ولا يؤمر بها من تركها من شريف أو غيره، لأنها إنما أحدثت سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بأمر الملك الأشرف شعبان بن حسين أقصى ما في الباب أنه أحدث ليتميز بها هؤلاء عن غيرهم، وقد يستأنس لاختصاصها بهم بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب/ 59] فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس يختصون به من تطويل الأكمام، وإدارة الطيلسان ونحو ذلك، ليعرفوا فيجلوا تكريما للعلم، وهذا وجه حسن والله تعالى أعلم. التاسع: هل يدخلون في الوصية على الأشراف أم لا؟!. العاشر: هل يدخلون في الوقف على الأشراف أم لا؟!. والجواب: إن وجد في كلام الموصي والواقف نص يقتضي دخولهم أو خروجهم اتبع وإن لم يوجد فيه ما يدل على هذا ولا هذا فقاعدة الفقه أن الوصية والوقف ينزل على عرف البلد وعرف مصر من عهد الخلفاء الفاطميين إلى الآن. إن الشريف لقب لكل حسن وحسيني خاصة، فلا يدخلون على مقتضى هذا العرف، وإنما دخلوا في وقف بركة الحبش لأن واقفها نص في وقفه على أن نصفها للأشراف ونصفها للطّالبيين. تنبيهات الأول: قال ابن دريد: اشتقاق فاطمة من الفطم، وهو القطع، ومنه فطم الصبي إذا قطع عنه اللبن. يقول الرجل للرجل: والله لأفطمنك عن كذا وكذا أي لأمنعنك عنه. وروى الخطيب وقال فيه مجاهيل، وأورده ابن الجوزي في «الموضوعات» ، وتقدم أن الحكم عليه بالوضع ليس بصواب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى إنما سماها فاطمة، لأن الله تعالى فطمها وجنبها عن النار. الثاني: تقدم أن عليا- رضي الله تعالى عنه- أصدقها درعا، وأنه باع الدرع، وبعض متاعه وأصدقها بأربعمائة درهم. قال المحب الطبري يشبه أن يكون العقد وقع على الدرع كما دل عليه حديث علي وبعث بها علي ثم ردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيعها، فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين

الحديثين تضاد، وقد ذهب إلى مدلول كل واحد من الحديثين قائل، فقال بعضهم: كان مهرها- رضي الله تعالى عنها- الدرع ولم يكن إذ ذاك بيضاء ولا صفراء. وقال بعضهم: كان أربعمائة وثمانين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب. الثالث: تضمن حديث ابن عباس، وحديث علي، وحديث أنس- رضي الله تعالى عنهم- أن الذي حثه على تزويج فاطمة- رضي الله تعالى عنها- متضاد، ولا تضاد بينهما، بل يحتمل أن يكون مولاته، ثم أبو بكر وعمر أو بالعكس، ثم لما خرج لذلك لقيه الأنصار فحثوه على ذلك من غير أن يكون أحدهم علم بالآخر. الرابع: يحتمل أن تريد أسماء في حديثها بوليمة: ما قام هو بنفسه غير ما جاء به الأنصار من الكبش والذرة جمعا بين الحديثين، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع لها مع ذلك الآصاح من التمر والشعير وأن يكون ما جاء به الأنصار وليمة الرجال وما دفعه لها صلى الله عليه وسلم للنساء كما دل عليه حديثها. الخامس: كيفية صب الماء وتخصيص علي- رضي الله تعالى عنه- به مخالف لما رواه ابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال المحب الطبري- رحمه الله تعالى-: ولعله صلى الله عليه وسلم خص عليا- رضي الله تعالى عنه- بهذه الكيفية كما تضمنه الحديث، فإنه لم يذكر فيه فاطمة- رضي الله تعالى عنها- ونضح صلى الله عليه وسلم عليهما على تلك الكيفية كما في حديث ابن حبان. السادس: تضمن حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها بشيئين، بموته، وأنها أول أهله لحوقا به. فبكت فأخبرها ثانيا بشيء واحد، وهو: أنها سيدة نساء المؤمنين، وسيدة نساء أهل الجنة فضحكت. وتضمن حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- عند الدولابي أنه أسر إلى فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أولا بموته فقط فبكت، وفي الثانية بأنها سيدة نساء المؤمنين، فضحكت. وحديث فاطمة عند الدولابي أيضاً، أنه صلى الله عليه وسلم أسر إليها بموته أولا فبكت وثانيا بشيئين بلحوقها به، وأنها سيدة نساء أهل الجنة. وتضمن حديث عائشة عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- إنه أسر إليها أولا بموته فبكت، وثانيا بأنها أول لاحق به فضحكت فيحمل ذلك على صدوره في مجالس مختلفة توفيقا بين الأحاديث، وأن بكاءها- رضي الله تعالى عنها- في حديث مسلم لم يكن بمجموع الخبرين، بل بموته صلى الله عليه وسلم فقط يدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما أفرد خبر موته عن خبر لحوقها به كما في حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- في هذا

السابع: في بيان غريب ما سبق.

النوع بكت للأول وضحكت للثاني، ولو كان البكاء لمجموعهما لما حصل لأحدهما أو لكل واحد منهما كما ضحكت للثاني، ويدل أيضاً على أن ضحكها في حديث الدولابي، عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- لم يكن لمجموع الخبرين بل لكل واحد، إذ لو كان لهما لما استقل به أحدهما، وقد استقل به في حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- كما عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حاتم كما سبق، فدل على أنه لكل منهما. السابع: في بيان غريب ما سبق. أفحم- بفاء مهملة- أسكت وفحم الصبي بفتح الحاء يفحم إذا بكى حتى ينقطع صوته. الحطمية: - بحاء فطاء مهملتين- هي التي تحطم السيوف أي تكسرها وقيل: هي العريضة الثقيلة، وقيل: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لها حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، وهذا أشبه الأقوال. البيضاء: [.......] . الصفراء: [.......] . ثقيل: [.......] . حصر: [.......] . مرحبا: أي أتيت سعة من الرحب بالضم، وهو السعة. وأهلا: أي أتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش. الشطر لعله مكيال يعرف عندهم بذلك أو نصف مكيال إذ الشطر النصف. أصعا: جمع صاع. الشبل: بالشين المعجمة ولد الأسد فيكون ذلك كشف واطلاع منه صلى الله عليه وسلم وأطلق على الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- شبلين وهما كذلك. الهدي والدلّ بدال مهملة متقاربا المعنى وهما السكينة والوقار في الهيبة والنظر والشمائل وغير ذلك والسمت بمعناهما يقال: ما أحسن سمته أي: هديه.

الباب العاشر في بعض مناقب سيدي شباب أهل الجنة أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين - رضي الله تعالى عنهما - سبطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاشتراك

الباب العاشر في بعض مناقب سيدي شباب أهل الجنة أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين- رضي الله تعالى عنهما- سبطي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على سبيل الاشتراك وفيه أنواع الأول: في عقه- صلى الله عليه وسلم عنهما- وأمره صلى الله عليه وسلم بحلق رؤوسهما، وختانهما- رضي الله تعالى عنهما. روى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- كبشا كبشا، وعند النسائي: كبشين كبشين. وروى الإمام أحمد في «المناقب» عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: إن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- لما ولد أرادت أمه- رضي الله تعالى عنها- أن تعق عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعقي عنه واحلقي شعر رأسه، فتصدقي بوزنه من الورق» ، ثم ولد حسين- رضي الله تعالى عنه- فصنعت مثل ذلك فتحمل صلى الله عليه وسلم عنها ذلك لا تركا بالأصالة، يدل عليه ما رواه الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة» فوزناه فكان درهما وبعض درهم. وروى الطبراني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام. روى الدولابي عن محمد بن المنكدر- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- لسبعة أيام. الثاني: في تسميتهما- رضي الله تعالى عنهما-. روى الإمام أحمد في المناقب وابن حبان عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ فقلت: سميته حربا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو حسن» ، فلما ولد (الحسين) [ (1) ] قال: «أروني ابني ما سميتموه؟» قلت: سميته حربا، قال: «بل هو حسين» ، فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أروني ابني ما سميتموه؟» فقلت: حربا، فقال: «بل هو محسن» ، ثم قال: «إني سميتهم بأسماء أولاد هارون

_ [ (1) ] في ح- الثاني.

الثالث: في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أولاد السيدة فاطمة - رضي الله تعالى عنهم - وعصبتهم.

شبر وشبير ومشبر، وفي رواية قال علي- رضي الله تعالى عنه-: كنت رجلا أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا، فذكر الحديث وكنى الحسن أبا محمد، والحسين أبا عبد الله. انتهى. وروى أبو القاسم البغوي في «معجمه» ، والدولابي عن جعفر بن محمد عن أبيه- رحمهما الله تعالى- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى الحسن والحسين يوم سابعهما واشتق اسم حسين من حسن. وروى الدولابي عن عمران بن أبي سليمان قال: الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية. الثالث: في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أولاد السيدة فاطمة- رضي الله تعالى عنهم- وعصبتهم. روى الإمام أحمد في «المناقب» عن عمر- رضي الله تعالى عنهم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فإني أنا عصبتهم» . وروى الطبراني عن عمر والطبراني عن فاطمة الكبرى- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا بني فاطمة، فإني أنا عصبتهم، وأنا أبوهم» . وروى ابن أبي حاتم عن أبي الأسود والديلمي وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر، قال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قال: تجده في كتاب الله- عز وجل- وقد قرأته من أوله إلى آخره، فلم أجده، ولفظ عبد الملك أن الحجاج ذكر الحسين، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قال يحيى: كذبت قال الحجاج: لتأتيني على ما قلت ببينة، فقال: أليس تقرأ سورة الأنعام: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ [الأنعام 84] حتى بلغ «ويحيى وعيسى» قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟. وفي لفظ أخبر الله- عز وجل- إن عيسى من ذرية آدم من أمه، قال: صدقت. الرابع: في محبته صلى الله عليه وسلم لهما ودعائه لهما ولمن أحبهما وأنهما أحب أهل بيته إليه ودعا لمن أحبهما وأحب أبويهما. روى ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما» يعني: الحسن والحسين، انتهى.

وروى ابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» . وروى الإمام أحمد والطبراني في «الكبير» وابن عساكر عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن مني والحسين مني» . وروى الطبراني في «الكبير» وأبو نعيم وابن عساكر عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سبطان من الأسباط» . وروى ابن عساكر عن سلمان وأبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله ومن أحب الله تعالى أدخله الله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم، وله عذاب مقيم» . وروى الطبراني في «الكبير» عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، اللهم، إني أحبهما فأحبهما» . وروى الإمام احمد وابن ماجة وابن سعد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» . وروى ابن عساكر عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني» يعني الحسن والحسين وفاطمة وعليا- رضي الله تعالى عنهم-. وروى الطبراني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب هذين، يعني الحسن والحسين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» . روى الطبراني في «الكبير» عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبني فليحب هذين» يعني الحسن والحسين. وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: غريب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال

الخامس: في أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بمحبتهما.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» . وروى الترمذي وقال حسن صحيح عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم، إني أحبهما فأحببهما» . وروى ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما» يعني الحسن والحسين. وروى الطبراني بسند لا بأس به عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قال: من أحبنا للدنيا، فإن صاحب الدنيا يحبه البر والفاجر، ومن أحبنا لله، كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى. وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: استأذن علي- رضي الله تعالى عنه- على النبي صلى الله عليه وسلم [......] . وروى العقيلي والترمذي وقال حسن غريب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: «الحسن والحسين» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة- رضي الله تعالى عنها-: «ادعي لي ابني» ، فيشمهما ويضمهما إليه. وروى الإمام أحمد في «المناقب» عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين، وقال «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» ، زاد الترمذي: «وكان معي في الجنة» . وروى الإمام أحمد في «المناقب» والدولابي عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: «إن الولد مبخلة مجبنة، وإن آخر وطأها الرحمن- عز وجل- بوج» . الخامس: في أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بمحبتهما. روى الطبراني وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، ومن أحبنا يوم القيامة نأكل ونشرب حتى يفرق الله بين العباد، فبلغ ذلك رجلا من الناس فسألت عنه فأخبر به فقال: كيف بالعرض والحساب؟ فقلت له: كيف لصاحب ياسين بذلك حين أدخله الجنة من ساعته؟. السادس: في أنهما ريحانتاه من الدنيا صلى الله عليه وسلم وتقبيله إياهما وشمه لهما. روى الترمذي وقال: صحيح عن ابن عمر، والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنهم-

السابع: في توريثهما - رضي الله تعالى عنهما - بعض صفته صلى الله عليه وسلم.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الحسن والحسين هما ريحنتاي من الدنيا» . روي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما، يعني الحسن والحسين. وروى أبو الحسن الضحاك عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أحدهما قبل الآخر، فجعل يده في رقبته حتى ضمه إلى بطنه ثم جاء الآخر فجعل يده في رقبته حتى ضمه إلى بطنه ثم قبل هذا وقبل الآخر، وقال: اللهم، إني أحبهما فأحبهما، ثم قال «أيها الناس إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة» . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن يعلى العامري- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: «الولد مجبنة مبخلة» . وروى الطبراني في «الكبير» والضياء عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- يلعبان بين يديه أو في حجره فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ فقال: «وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما» ، يعني الحسن والحسين. السابع: في توريثهما- رضي الله تعالى عنهما- بعض صفته صلى الله عليه وسلم. روي عن أبي رافع عن فاطمة والطبراني وابن منده وابن عساكر عن السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها أتت بابنيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه التي توفي فيها فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك، فورثهما شيئاً فقال لها: «أما حسن فله هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جراءتي وجودي» . وروى ابن عساكر عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- أن فاطمة أتت بابنيها- رضي الله تعالى عنها- فقالت: يا رسول الله، انحلهما، قال: «نعم، أما حسن فقد نحلته حلمي وهيبتي، وأما الحسين فقد نحلته نجدتي، وجودي» . الثامن: في شبههما برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا. روى البخاري عن عقبة بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى بنا أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال ثم خرج هو وعلي يمشيان فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وجعل يقول: بأبي شبيه النبي ... ليس شبيه علي وعلي يضحك.

تنبيه:

وروي عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت أبا جحيفة- رضي الله تعالى عنه- يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه. وروي أيضاً عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أشبههم وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن إسحاق عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. وروى أبو داود عنه قال: كان الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه إلى سرته- وكان الحسين أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. وروى الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحرامي قال: كان وجه الحسن يشبه وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجسد الحسين يشبه جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم) [ (1) ] . وروى الترمذي وابن حبان عن علي- رضي الله تعالى عنه- كان الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه به ما كان أسفل من ذلك. تنبيه: قال الشيخ في قول البخاري: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن، لا يعارضه ما تقدم من قوله أيضاً في حسين أنه أشبهه، لأن ذلك بعد وفاة الحسن، وهذا في حياته فكأنه كان أشبه به من الحسين لكن في الترمذي وابن حبان وذكر ما تقدم انتهى. وبه وبما قبله يجمع أيضاً قال: نعم، ثم لا يعارض ذلك قول علي- رضي الله تعالى عنه- في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: لم أر قبله ولا بعده مثله، أخرجه الترمذي في «الشمائل» لأن المنفي عموم الشبه، والمثبت أصله أو معظمه انتهى. التاسع: في أنهما سيدا شباب أهل الجنة. روى ابن سعد والحاكم عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» . وروى ابن عساكر عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني ملك فسلم علي نزل من السماء نزلة لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» . وروى الإمام احمد وابن عساكر عن علي بن أبي طالب والروياني في مسنده وابن مندة

_ [ (1) ] سقط في ح.

وابن قانع وأبو نعيم وابن عساكر عن جهم والإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا» . وفي رواية: «وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم ابنة عمران» . وفي رواية: دخل الحسن والحسين ابنا علي المسجد، فقال جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- من أحب أن ينظر إلى سيدي شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذين سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن عساكر عن ابن عمر، وعلي- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابناي هذان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبو هما خير منهما» . وروى الطبراني في «الكبير» وأبو نعيم في «فضائل الصحابة» عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: «ما من نبي إلا ولد الأنبياء غيري وإن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى» . وروى الطبراني في الكبير عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت عنده شخصا فقال لي: «يا حذيفة، هل رأيت» قلت: نعم، قال: هذا ملك، لم يهبط منذ بعثت أتاني الليلة وبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وعن حذيفة أيضاً قال: رأينا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم السرور يوما من الأيام فقلنا: يا رسول الله، لقد رأينا في وجهك تباشير السرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكيف لا أسر وقد أتاني جبريل فبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنّة، وأبو هما أفضل منهما» . وروى الترمذي وقال حسن صحيح عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» . وروى الترمذي وحسنه والنسائي عن حذيفة أن أمه- رضي الله تعالى عنها- بعثته يستغفر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل صلى الله عليه وسلم فتبعته فسمع صوتي فقال: «من هذا، حذيفة؟» قلت نعم، قال: «ما حاجتك، غفر الله لك ولأمك؟ إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه- عز وجل- أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» . وقد روي هذا من حديث علي بن أبي طالب والحسن نفسه وعمر وابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود وغيرهم.

العاشر: في نزوله صلى الله عليه وسلم من على المنبر حين رآهما يمشيان ويعثران.

العاشر: في نزوله صلى الله عليه وسلم من على المنبر حين رآهما يمشيان ويعثران. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والأربعة عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، ويقومان، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر، فقال: صدق الله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن/ 15] إني نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان، ويعثران، فلم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما. الحادي عشر: في وثوبهما على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة. روى ابن حبان وعبد بن حميد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، والحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- يتواثبان على ظهره فباعدهما الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بأبي وأمي من أحبني فليحب هذين» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما أخذا رقيقا فيضعهما عن ظهره فإذا عاد عادا حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه قال: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أرادهما، فبرقت برقة فقال لهما: «الحقا بأمكما» ، قال: فمكث ضوءها حتى دخلا على أمهما. الثاني عشر: في حملهما- رضي الله تعالى عنهما- على بغلته وحمله صلى الله عليه وسلم إياهما على عاتقه. روى مسلم عن ابن إياس عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء، حتّى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه. وروى مسلم عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن والحسين على (ناقته) [ (1) ] وهو يقول: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما» . الثالث عشر: في تعويذه صلى الله عليه وسلم إياهما. روى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: «أعيذ كما بكلمات الله (التامة) [ (2) ] من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» ، ويقول: إن أباكم إبراهيم- صلوات الله وسلامه عليه- كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق- عليهما الصلاة والسلام-.

_ [ (1) ] في ح على عاتقه. [ (2) ] في نفس الكتاب سبق «التامات» بدل التامة.

الرابع عشر: في مصارعتهما - رضي الله تعالى عنهما - بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرابع عشر: في مصارعتهما- رضي الله تعالى عنهما- بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى ابن الإعرابي في معجمه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- يصطرعان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي حسين» فقالت السيدة فاطمة: يا رسول الله لم لا تقول: هي حسن؟ فقال: «إن جبريل يقول: هي حسين» . وروى أبو القاسم البغوي والحارث بن أبي أسامة عن جعفر بن محمد- رضي الله تعالى عنهما- عن أبيه قال: إن الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- كانا يصطرعان فاطلع علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: وهي الحسن، فقال علي- رضي الله تعالى عنه- يا رسول الله، هي الحسين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن جبريل يقول: وهي الحسين» . الخامس عشر: في أنهما يحشران يوم القيامة على ناقته العضباء والقصواء. روى السلفي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تبعث الأنبياء على الدواب، ويحشر صالح على ناقته، وتحشر بنا فاطمة على ناقتي، العضباء والقصواء، وأحشر أنا على البراق خطواها عند أقصى طرفها، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة» . السادس عشر: في كرمهما- رضي الله تعالى عنهما-. روى البخاري عن حرملة مولى أسامة بن زيد قال: «أرسلني أسامة إلى علي وقال: إنه سيسألك الآن، فيقول: ما خلف صاحبك؟ يقول لك: لو كانت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره، فلم يعطني شيئاً، فذهبت إلى حسن وحسين، وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي» . السابع عشر: في حبهما ماشين- رضي الله تعالى عنهما-. روى ابن الجوزي [......] .

الباب الحادي عشر في بعض ما ورد مختصا بالحسن - رضي الله تعالى عنه -

الباب الحادي عشر في بعض ما ورد مختصا بالحسن- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في مولده، - وقدر عمره- ووفاته. ولد- رضي الله تعالى عنه- في منتصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. قال أبو عمر: هذا أصح ما قيل، وقيل: في شعبان منها قال الدولابي: لأربع سنين وستة أشهر من الهجرة، وقيل: سنة أربع. وقيل سنة خمس، قال في «الإصابة» : والأول أثبت. وتوفي ليلة السبت لثمان خلون من المحرم سنة خمس وأربعين، وهو أشبه بالصواب، وقيل: في شهر ربيع الأول، سنة تسع وأربعين وقيل: خمسين، أو أحد وخمسين وقيل: سنة ثمان وخمسين، فليعلم من ذلك قدر عمره وأرضعته أم الفضل امرأة العباس مع ابنها قثم وسمته جعدة بنت الأشعث بن قيس، فمات، وصلى عليه سعيد بن العاص ودفن بالبقيع ورجح جمع أنه مات، وله سبع وأربعون سنة. وروى أبو القاسم البغوي والدولابي، عن قابوس بن المخارق قال: إن أم الفضل قالت: يا رسول الله، أرأيت إن كان عضو من أعضائك في بيتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيراً رأيته، تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم» ، (فولدت الحسن فأرضعته بلبن) [ (1) ] قثم ورواه ابن ماجة بلفظ فولدت حسنا أو حسينا فأرضعته بلبن قثم، فجئت به يوما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعته في حجره صلى الله عليه وسلم قالت: فضربت كتفه فقال صلى الله عليه وسلم: «أوجعت ابني، يرحمك الله» . الثاني: في محبته صلى الله عليه وسلم والدعاء له ولمن أحبه وحمله إياه على عاتقه وأمره بمحبته- رضي الله تعالى عنه-. روى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى والطبراني في «الكبير» عن سعيد بن زيد والطبراني في الكبير وابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» . وروى الشيخان وابن حبان عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «اللهم، إني أحبه فأحبّه» .

_ [ (1) ] سقط في ح.

الثالث: في دعائه صلى الله عليه وسلم له - رضي الله تعالى عنه -.

وروى البخاري عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذني والحسن، ويقول: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما» أو كما قال. وروى الترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسين بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الراكب هو» . وروى الإمام أحمد في «المناقب» عن زهير بن الأقمر رجل من الأزد- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للحسن بن علي: «من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثتكم» . وروى الطيالسي عن البراء وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبني فليحب هذا» يعني الحسن انتهى. (وروى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجة وابن عدي في «الكامل» وأبو يعلى عن أبي هريرة والطبراني في «الكبير» عن سعيد بن زيد والطبراني في الكبير وابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أحب حسنا فأحبه وأحب من يحبه» ) [ (1) ] . الثالث: في دعائه صلى الله عليه وسلم له- رضي الله تعالى عنه-. وروى ابن حيان عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه (الأخرى) [ (2) ] ويقول: «اللهم، إني أحبهما فارحمهما» . وروى الدولابي عن محمد بن عبد الرحمن بن مولى بني هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الحسن- رضي الله تعالى عنه- مقبلا فقال: اللهم، «سلمه، وسلم منه» انتهى. الرابع: في أنه صلى الله عليه وسلم سأل أن الله تعالى سيصلح به بين فئتين، وقد كان ذلك ببركة الخلافة، والقتال لا لعلة، ولا لزلة، وأصلح الله بذلك بين طائفة وطائفة طائفته وطائفة معاوية تحقيقا لمعجزته صلى الله عليه وسلم حيث كان ذلك كما أخبر. روى الترمذي وقال حسن صحيح والإمام أحمد والبخاري والنسائي عن أبي بكرة، وابن

_ [ (1) ] سقط في ح. [ (2) ] في ح اليسرى.

الخامس: في مصه صلى الله عليه وسلم لعاب الحسن ومحبته له وتقبيله سرته - رضي الله تعالى عنه -.

عساكر عن أبي سعيد ويحيى بن معين في «فوائده» والطبراني والبيهقي في «الدلائل» والخطيب وابن عساكر والضياء عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ابني هذا سيد» وفي لفظ: «وإنه ريحانتي، وإني لأرجو أن يصلح الله به» وفي لفظ: «لعل الله أن يصلح به» ، وفي لفظ: وليصلحن الله به، وفي لفظ: «يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين» وفي لفظ: من المسلمين عظيمتين. الخامس: في مصه صلى الله عليه وسلم لعاب الحسن ومحبته له وتقبيله سرته- رضي الله تعالى عنه-. روى الإمام أحمد في «المناقب» عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسان الحسن أو شفته، وأنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: لا زلت أحب هذا الرجل يعني حسنا بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع، رأيت الحسن في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصبعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فمه أو لسان الحسن في فمه، ثم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» . وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبه، فأحبه» ، يعني الحسن. السادس: (في تقبيله صلى الله عليه وسلم سرة الحسن- رضي الله تعالى عنه-) [ (1) ] . وروى ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه رأى الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- في بعض طرق المدينة، فقال له: اكشف لي عن بطنك، فداك أبي، حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله، فكشف له عن بطنه فقبل سرته. السابع: في وثوبه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم. روى ابن أبي الدنيا وأبو بكر الشافعي عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت الحسن بن علي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فيركب على ظهره وهو ساجد، فما ينزل حتى يكون هو الذي ينزل، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر. وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن

_ [ (1) ] سقط في ح.

الثامن: في علمه - رضي الله تعالى عنه -.

- رضي الله تعالى عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فركب على ظهره فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فأقامه على ظهره، ثم ركع ثم أرسله فذهب. الثامن: في علمه- رضي الله تعالى عنه-. روى ابن أبي الدنيا في كتاب «اليقين» عن محمد بن معشر اليربوعي قال: قال علي للحسن ابنه- رضي الله تعالى عنهما-: كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع أصابع، قال: اليقين ما رأته عيناك، والإيمان ما سمعته أذنك، وصدقت به، قال: اشهد أنك ممن أنت منه، ذرية بعضها من بعض. التاسع: في خطبته يوم قتل أبوه- رضي الله تعالى عنهما-. روى الدولابي عن زيد بن الحسن- رضي الله تعالى عنهما- قال: خطب الحسن- رضي الله تعالى عنه- الناس حين قتل أبوه علي- رضي الله تعالى عنه- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله- عز وجل- عليه وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه، وأراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن الرضى، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل فيه ويصعد من عندنا وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله- عز وجل- عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودتهم على كل مسلم، فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى 42] ومن يقترف حسنة تزد له فيها حسنا [......] واقتراف الحسنة تزد لنا أهل البيت. العاشر: في بيعته وخروجه إلى معاوية، وتسليمه الأمر له بعد قتل أبيه- رضي الله تعالى عنهما- لثلاث عشرة بقيت من رمضان بايعه أكثر من أربعين ألفا وقال صالح ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: بايع الحسن تسعون ألفا فزهد في الخلافة وصالح معاوية، ببذله له تسليم الأمر على أن تكون الخلافة له بعده، وعلى أن لا يطلب أحد، من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان من أيام أبيه، وغير ذلك، فظهرت المعجزة النبوية بقوله صلى الله عليه وسلم: «أن ابني هذا سيد، يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولم يسفك في أيامه دم، وبقي نحو (ستة) [ (1) ] أشهر وكان صلحهما لخمس بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين،

_ [ (1) ] في ح- سبعة.

الحادي عشر: في ذكر جوده وزهده في الدنيا وجمل من مكارم أخلاقه (وتعظيم) [1] الصحابة له - رضي الله تعالى عنهم

ولامه الحسين على ذلك، والصواب مع الحسن قالوا: فإن مدة الخلافة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضت بخلافته ولم يبق إلا الملك، وقد صان الله تعالى أهل بيته ببركة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الدولابي: أقام الحسن- رضي الله تعالى عنه- بالكوفة إلى ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقد قتل عبد الرحمن بن ملجم ويقال أنه ضربه بالسيف فقتله ثم سار إلى معاوية، فالتقيا بمسكن من أرض الكوفة، واصطلحا وسلم إليه الأمر وبايع له لخمس بقين من شهر ربيع الأول في سنة إحدى وأربعين وقيل: إنه صالحه وآخذ منه مائة ألف دينارا وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام. وروى الحافظ أبو نعيم وغيره عن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: شهدت خطبة الحسن- رضي الله تعالى عنه- حين سلم الأمر إلى معاوية، قال: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن أكيس الكيس التقى وإن أحمق الحمق الفجور ألا وإن هذه الأمور التي اختلفت فيها أنا ومعاوية، إنما هو لأمري، فإن كان له أحق فهو بحقه، وإن كان لي فقد تركته له إرادة إصلاح الأمة وحقن دمائها: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ثم نزل. الحادي عشر: في ذكر جوده وزهده في الدنيا وجمل من مكارم أخلاقه (وتعظيم) [ (1) ] الصحابة له- رضي الله تعالى عنهم - قال: إني أستحي من الله- عز وجل- أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى عشرين حجة إلى مكة من المدينة على رجليه، وفي رواية: خمس عشرة ماشيا، وإن النجائب لتقاد معه ولقد قاسم الله تعالى ثلاث مرات، حتى إنه يعطى الخف ويمسك النعل وخرج من ماله مرتين قال محمد بن سيرين: ربما كان يجيز الواحد بمائة ألف، واشترى حائطا من قوم من الأنصار بأربعمائة ألف، ثم إنه بلغه أنهم احتاجوا إلى ما في أيدي الناس، فرده إليهم، ولم يقل لسائل قط: لا، وكان لا يأنس به أحد فيدعه يحتاج إلى غيره، ورأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلبا هناك لقمة، فقال: ما يحملك على هذا؟ قال: إني أستحي أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح حتى آتيك فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه وأعتقه وملكه الحائط، فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط الذي وهبتني وكان سيدا حليما زاهدا عاقلا فاضلا فصيحا ذا سكينة، ووقار جوادا يكره الفتن وسفك الدماء، دعاءه ورعه، وزهده وحمله إلى أن ترك الخلافة، وقال: خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو أقل أو أكثر فنضح أوداجهم دما، وكان من أحسن الناس وجها وأكرمهم وأجودهم وأطيبهم كلاماً، وأكثرهم حياءا، وكان أكثر دهره (صائما) [ (1) ] ، وكان فعله يسبق قوله في المكارم والجود، وكان كثير الأفضال على إخوانه، لا يغفل عن أحد منهم، ولا

_ [ (1) ] في ح- وتعليم.

الثاني عشر: في وصيته لأخيه الحسين - رضي الله تعالى عنهما

يحوجه إلى أن يسأله، بل يبتدئه بالعطاء قبل السؤال، وقال لأصحابه: إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد وما سمع كلمة فخشى قط، وأعظم ما سمع أنه كان بينه وبين شخص خصومة، فقال له: ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه، وقيل: أن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلى من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله- عز وجل- لم يتمن شيئاً غير الحالة التي اختارها الله- عز وجل-، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء. ومن كلامه: كن في الدنيا ببدنك، وفي الآخرة بقلبك. وكان يقول لبنيه وبني أخيه: يا بني، وبني أخي، (يا بني، وبني أخي) [ (1) ] تعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه، أو قال: يرويه، فليكتبه وليضعه في بيته. وقد كان أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- يجله ويعظمه، ويحترمه ويكرمه، وكذلك عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وقد جاء الحسن والحسين يوم الدار، وعثمان محصور ومعهما السيف ليقاتلا عن عثمان فخشي عليهما، فأقسم عليهما ليرجعا إلى منازلهما تطييبا لقلب علي، وخوفا عليهما، وكان علي- رضي الله تعالى عنه- أرسلهما وأمرهما بذلك، وكان علي يكرم الحسن إكراما زائدا ويعظمه، ويبجله، وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويرى هذا من النعم، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما لما يزدحمون عليهما- رضي الله تعالى عنهما-. وكان عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- يقول: والله، ما قامت النساء عن مثل الحسن. وقال أبو جعفر الباقر: جاء رجل إلى الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- فاستعان به في حاجة فوجده معتكفا، فاعتذر إليه، فذهب إلى أخيه الحسن، فاستعان به، فقضى حاجته، وقال: لقضاء حاجة أخ لي في الله- عز وجل- أحب إلي من اعتكاف شهر. وكان كثير التزوج، وكان لا يفارقه أربع حرائر، وكان مطلاقا مصداقا، وكان علي- رضي الله تعالى عنه- يقول لأهل الكوفة: لا تزوجوه، فإنه مطلاق، فيقولون: والله، يا أمير المؤمنين، لو خطب لنا كل يوم زوجناه منا ابتغاء في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثاني عشر: في وصيته لأخيه الحسين- رضي الله تعالى عنهما - قال أبو عمر: هو

_ [ (1) ] سقط في ح.

الثالث عشر: في ولده - رضي الله تعالى عنهم

روينا من وجوه أنه رأى في منامه مكتوبا بين عينيه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الصمد] ففرح بذلك فبلغ سعيد بن المسيب- رضي الله تعالى عنه- ذلك، فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا، فقل: ما بقي من أجله، قال: فلم يلبث الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنه- بعد ذلك إلا أياما حتى مات- رضي الله تعالى عنه- وقد أوصى أخاه الحسين ألا يطلب الخلافة، ورغبه في الزهد في الدنيا والعروض عنها إلى غير ذلك من وصايا كثيرة. قال في آخرها أبى الله- عز وجل- أن يجعل فينا أهل البيت مع النبوة والخلافة الملك، والدنيا فإياك وطاعتها وإياك وأهل الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك، فتندم حيث لا ينفع الندم، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم إني احتسبت نفسي عندك، فإني لم أصب بمثلها فارحم صرعتي وأنسي في القبر وحدتي، وارحم غربتي، يا أرحم الراحمين. وفي رواية قال: لما احتضر الحسن قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار، أنظر في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه إلى صحن الدار فرفع رأسه فنظر فقال: اللهم، إني احتسبت نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي. الثالث عشر: في ولده- رضي الله تعالى عنهم - نقل الإمام شمس الدين سبط ابن الجوزي في كتابه «تذكرة الخواص» عن الإمام الحافظ محمد بن سعد في «الطبقات» قال: كان للحسن محمد الأصغر، وجعفر، وحمزة، وفاطمة ومحمد الأكبر، وزيد، والحسن، وأم الحسن، وأم الخير وإسماعيل، ويعقوب، والقاسم، وأبو بكر، وعبد الله، قتلوا مع الحسين، وقيل: قتل معه القاسم وأبو بكر، وقيل طلحة وعبد الله والعقب لزيد والحسن، دون من سواهما، والحسين الأشرم وعبد الرحمن وأم سلمة، وعمر وأم عبد الله، وطلحة، وعبد الله الأصغر. وعن محمد بن عمر الأسلمي- رحمه الله تعالى- أنهم خمسة عشر ذكرا وثمان بنات، علي الأكبر وعلي الأصغر، وجعفر، وفاطمة، وسكينة، وأم الحسن، وعبد الله، والقاسم، وزيد وعبد الرحمن، وأحمد، وإسماعيل، والحسين، وعقيل والحسن انتهى. اقتصر البلاذري في «الأنساب» على ذكر الحسن وزيد وحسين الأشرم، وعبد الله، وأبي بكر وعبد الرحمن، والقاسم وطلحة، وعمر. ونقل الإمام أبو جعفر محب الدين الطبري في «الذخائر» عن أبي بشر والدولابي، أنهم حسن، وعبيد الله، وعمر وزيد، وإبراهيم، وعن أبي بكر بن الدراع أنهم أحد عشر ابنا وبنتا: عبد الله، والقاسم، والحسن، وزيد، وعمر، وعبد الله، وعبد الرحمن وأحمد، وإسماعيل، والحسين، وعقيل، وأم الحسن.

الباب الثاني عشر في بعض ما ورد مختصا بسيدنا الحسين - رضي الله تعالى عنه - من المناقب غير ما تقدم

الباب الثاني عشر في بعض ما ورد مختصا بسيدنا الحسين- رضي الله تعالى عنه- من المناقب غير ما تقدم وفيه أنواع الأول: في مولده وقدر عمره ووفاته. ولد- رضي الله تعالى عنه- لخمس ليال خلون من شعبان، سنة أربع وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع من الهجرة، قال في الإصابة: وليس بشيء. قال جعفر بن محمد: لم يكن بين الحمل بالحسين وبين ولادة الحسن إلا طهر واحد. قال الحافظ: لعلها ولدته لعشرة أشهر، وأبطأ الطهر شهرين، وحنكه صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف الطيب في أذنه، وتفل في فمه، ودعا له وسماه حسينا. وقيل: إنما سماه يوم السابع وعق عنه، واستشهد يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وجزم جمع كثير بأنه عاش ستا وخمسين سنة. وقيل: وخمسة أشهر، وقيل: ابن ثمان وخمسين سنة، واسم قاتله سنان- بكسر المهملة والتنوين- ابن أنس النخعي في الأصح. الثاني: في تقبيله صلى الله عليه وسلم فاه، والدعاء له وتقبيله زبيبته، ومص لعابه، ودلعه لسانه له- رضي الله تعالى عنه-. روى أبو عمر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بكفي حسين، وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أنت عين بقه، فرمى الغلام حتى وضع قدمه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح قال، ثم قبله ثم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه» . وروى ابن أبي خيثمة وأبو الحسن الضحاك، وقال أبو الحسن بن الهيثمي: رجاله كلهم ثقات عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلقنا إلى سوق بني قينقاع فلما رجعنا دخل المسجد فجلس، فقال: أين لكع؟ فجاء الحسين يمشي حتى سقط في حجره، فجعل أصابعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه، فأدخل فاه في فيه، ثم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه» قال أبو هريرة: فما رأيته قط إلا فاضت عيناي دموعا. وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام

الثالث: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم [.] .

دعي إليه، فإذا حسين مع غلمان يلعب في طريق فاستهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم، ثم بسط يده، وانطلق الصبي بعدها هنا مرة، وها هنا مرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه، حتى أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والأخرى تحت قفاه، ثم أقام رأسه فوضع فاه على فيه فقبله فقال: «حسين مني وأنا من حسين، رحم الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط» انتهى. وروى ابن أبي عاصم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما قتل الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- جيء برأسه إلى ابن زياد فجعل ينكت بقضيب معه على ثناياه وقال: كان حسن الثغر، فقلت في نفسي لأسوءنك، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه. وروى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال: والله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرج رجليه يعني للحسين، ويقبل زبيبته. وروى ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، فقال عيينة بن بدر الأزدي أراك تصنع هذا بهذا، فوالله، إنه ليكون لي الولد قد خرج وجهه. وما قبلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم» ورواه أبو عبيد، وعنده: فإذا رأى الصبي حمرة لسانه يهش إليه. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لعاب الحسين كما يمص الرجل التمرة. الثالث: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم [......] . الرابع: في أنه من أهل الجنة- رضي الله تعالى عنه-. روى ابن حبان وابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر والضياء عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة. وفي لفظ: إلى سيد شباب أهل الجنة، فلينظر إلى الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما-، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. الخامس: في نزوله على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى أبو القاسم البغوي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: خلونا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل حسين، فجعل ينزو على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى بطنه فبال فقمنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه» ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فصبه على ثوبه.

السادس: في قوله صلى الله عليه وسلم: "حسين مني، وأنا من حسين، ومن أحبه فقد أحبني".

السادس: في قوله صلى الله عليه وسلم: «حسين مني، وأنا من حسين، ومن أحبه فقد أحبني» . روى سعيد بن منصور والترمذي وحسنه عن يعلى بن مرة العامري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وحسين سبط من الأسباط» . وروى الإمام أحمد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سبطان من الأسباط» . روى الطبراني في الكبير عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب هذين يعني الحسن والحسين فقد أحبني» . وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم، إني أحبه، فأحبه» ، يعني الحسين. السابع: في أن المهدي من ذريته- رضي الله تعالى عنهما-. روى أبو نعيم في الدلائل [عن أم الفضل، قالت: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتيني به» ، قالت: فلما ولدته أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، وألباه من ريقه وسماه عبد الله، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، فأخبرت العباس، وكان رجلا لباسا. فلبس ثيابه ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما بصر به قام فقبل بين عينيه، قال: قلت: يا رسول الله، ما شيء أخبرتني به أم الفضل؟ قال: هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم عليه السلام] . الثامن: في تأذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببكائه- رضي الله تعالى عنه-. روى أبو القاسم البغوي عن يزيد بن أبي زياد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة- رضي الله تعالى عنها- فمر على باب فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فسمع حسينا- رضي الله تعالى عنه- يبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تعلمي أن بكاءه يؤذيني» . التاسع: في إخبار جبريل وملك المطر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين وإراءتهما له تربة الأرض التي يقتل بها. روى الطبراني في «الكبير» وابن سعد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه» .

وروى الإمام أحمد عن ثابت عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، فقال لأم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: «احفظي علينا الباب لا يدخل أحد» فجاء حسين فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الملك: أتحبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «نعم» قال: إن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه قال: فضرب بيده، فأراه ترابا أحمر، فأخذت أم سلمه ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها قال: فكنا نسمع بقتله بكربلاء. ورواه البيهقي من حديث وهب بن ربيعة وزاد قال: أخبرتني أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو خاثر، دون ما رأيت منه في المرة الأولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقبلها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: «أخبرني جبريل أن ابني هذا يقتل بأرض العراق» ، قال: قلت له: يا جبريل، أرني تربة الأرض، فقال: هذه تربتها. وروى البزار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: أتحبه؟ فقال: «وكيف لا أحبه، وهو ثمرة فؤادي؟» فقال: أما إن أمتك ستقتله، ألا أريك من موضع قبره، فقبض قبضة، فإذا تربة حمراء. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه سار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- كرم الله تعالى وجهه- فلما حاذى شط الفرات قال: خيراً يا عبد الله، قلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان، فقلت: مم ذاك يا رسول الله- صلى الله عليك وسلم-؟ قال: «قام من عندي جبريل- عليه الصلاة والسلام- وأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات» ، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ فقلت: نعم، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا. وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تبكوا هذا الصبي» يعني حسينا فكان يوم أم سلمة فنزل جبريل- عليه الصلاة والسلام- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «لا تدعي أحدا يدخل» ، فجاء الحسين فأخذته واحتضنته، فبكى فخلته يدخل حتى قعد في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل- عليه الصلاة والسلام-: إن أمتك ستقتله، قال «يقتلونه وهم مؤمنون؟» قال: نعم، وأراه من تربته. وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل، أفلا أراجع فيه ربي- عز وجل» -؟ قال: لا، إنه أمر قد قضي وفرغ منه. وروى الإمام أحمد عن عائشة أو أم سلمة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

العاشر: في رؤيا أم سلمة وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامهما وإخباره إياهما أنه شهد قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه -.

قال: «لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علي قبلها» ، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء. وروى البغوي عن أنس بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ابني هذا يعني الحسين، يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره» قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء، فقاتل مع الحسين- رضي الله تعالى عنه- فقتل. وروى ابن سعد وغيره عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه مر بكربلاء، وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها، فقيل: كربلاء، فنزل فصلى عند شجرة هنالك، فقال: يقتل ها هنا شهداء وهم خير الشهداء، يدخلون الجنة بغير حساب، وأشار إلى مكان فعلموه بشيء، فقتل فيه الحسين- رضي الله تعالى عنه - وقد تقدم في باب إخباره بقتل الحسين من المعجزات بشيء غير ذلك. العاشر: في رؤيا أم سلمة وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامهما وإخباره إياهما أنه شهد قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه-. روى ابن أبي الدنيا عن علي بن زيد بن جدعان، قال: استيقظ ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- من نومه، فاسترجع، فقال: قتل الحسين، والله، فقال له أصحابه: كلّا يا ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا ترى ما صنعت أمتي من بعدي قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعه إلى الله- عز وجل- فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فجاء الخبر بعد أيام أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة. وروى الترمذي عن سلمى، قالت: دخلت على أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، قلت: ما لك يا رسول الله- صلى الله وسلم عليك؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا. وروى ابن سعد عن شهر بن حوشب- رضي الله تعالى عنه- قال: أنا لعند أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- فسمعتها صارخة فأقبلت حتى انتهيت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، فقالت: قد فعلوها، ملأ الله قبورهم أو بيوتهم نارا، ووقعت مغشيا عليها وقمنا. الحادي عشر: في نوح الجن لقتل الحسين- رضي الله تعالى عنه - قد حكى غير واحد أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح الجن على الحسين- رضي الله تعالى عنه- وهن يقلن: مسح الرسول جبينه ... فله بريق في الخدود

الثاني عشر: في خطبته - رضي الله تعالى عنه - حين أيقن بالقتل.

أبواه في عليا قريش ... وجده خير الجدود وقد أجابهم بعض الناس فقال: خرجوا به وفدا إليه ... فهم له شر الوفود قتلوا ابن بنت نبيهم ... سكنوا به دار الخلود زاد بعضهم أن نساء الجن ينحن ويقلن: أيها القاتلون ظلما حسينا ... أبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعوا عليكم ... ونبي مرسل وقبيل قد لعنتم على لسان داود ... وموسى وصاحب الإنجيل وروى الطبراني من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الليلة وما أرى ابني إلا قد قتل يعني الحسين، فقالت لجاريتها: أخرجي فاسألي فأخبرت أنه قد قتل وإذا بجنية تنوح: ألا يا عين فاحتفلي بجهدي ... ومن يبكي على الشهداء بعدي على رهط تقودهم المنايا ... إلى متجبر في ملك عبدي وروى أبو نعيم عن بريدة بن جابر الحضري عن أمه قالت: سمعت الجن تنوح على الحسين وهي تقول: انعي حسينا هبلا ... كان حسين جبلا وروى أبو نعيم من طريق ابن لهيعة عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- اجتزوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرا بدم. أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب روى ابن عساكر عن المنهال بن عمرو قال: أنا- والله- رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف، حتى بلغ قوله تعالى أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً [الكهف/ 9] فأطلق الله تعالى الرأس بلسان درب فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي. الثاني عشر: في خطبته- رضي الله تعالى عنه- حين أيقن بالقتل. روى الزبير بن بكار، حدثني محمد بن الحسين قال: لما أيقن الحسين- رضي الله

تعالى عنه- بأنهم قاتلوه قام خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: قد نزل ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر خيرها، ومعروفها، واشتمرت حتى لم يبق فيها إلا صبابة كصبابة الأفاود الرعا للرسل ألا ترون الحق؟ ألا ترون الحق يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله- عز وجل-، وإني لا أرى الموت إلا ساعة، والحياة مع الظالمين إلا ندامة. قالوا: وذكر كلاماً كثيراً غير ذلك وبات هو وأصحابه يصلون ويستغفرون ويتضرعون وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وقال علي زين العابدين بن الحسين- رضي لله تعالى عنهما-: إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها، وعمتي زينب من جنبي سمعت أبي يقول: يا دهر أف لك من خليل ... كم لك بالإشراق والأصيل من صاحب أو طالب قتيل ... والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الأمر إلى الجليل ... وكل حي سالك السبيل قال: فأعادها مرتين أو ثلاثا، فعرفت ما أرادهما، فخنقتني العبرة، فقامت عمتي، حاسرة، حتى جاءت إليه، فقالت: والله، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت أمي فاطمة وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، قال: فنظر إليها، وقال: يا أختاه لا يذهبن حلمك الشيطان، فقالت: بأبي أنت يا أبا عبد الله، وبكت ولطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشيا عليها، فقام إليها فصب على وجهها الماء، وقال: يا أختاه، اتقي الله وتعزي بعز الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وكل شيء هالك إلا وجهه، سبحانه وتعالى، يا أختاه، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم حرج عليها أن لا تفعل شيئاً من هذا بعد قتله، ثم أخذ بيدها فردها إلى عندي- رضي الله تعالى عنهم أجمعين-. وذكر أبو بكر بن الأنباري- رحمه الله تعالى- أن زينب بنت عقيل بن أبي طالب لما قتل أخوها الحسين- رضي الله تعالى عنه- أخرجت رأسها من الخباء وأنشدت رافعة صوتها: ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

الثالث عشر: في خروجه إلى أرض العراق - رضي الله تعالى عنه - ونهي ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم إياه عن ذلك ومكاتبة جماعة من وجوه أهل الكوفة في القدوم عليهم، وأنهم ينصرونه، وخذلانهم له وكيفية قتله - رضي الله تعالى عنه -.

ومن كلامه- رضي الله تعالى عنه-: أعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله- عز وجل- فلا تملوا النعم، فتعود نقما، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا، ويعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه، رجلا حسنا جميلا يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رجلا لرأيتموه رجلا سمجا مقبوحا تنفر منه القلوب، وتغض دونه الأبصار، واعلموا أن من جاد ساد، ومن بخل رذل. ومن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غدا وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: إياك ودم آل أبي طالب، فإني رأيت بني حرب لما قتلوا حسينا- رضي الله تعالى عنه- نزع الله- عز وجل- الملك منهم. الثالث عشر: في خروجه إلى أرض العراق- رضي الله تعالى عنه- ونهي ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم إياه عن ذلك ومكاتبة جماعة من وجوه أهل الكوفة في القدوم عليهم، وأنهم ينصرونه، وخذلانهم له وكيفية قتله- رضي الله تعالى عنه-. روى ابن حيان وأبو داود الطيالسي في «مسنده» عن الشعبي قال: بلغ ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق ومعه طوامير، وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم: فقال له: إن الله- عز وجل- خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وأنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا، فأبى، وقال هذه: كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر، وقال: استودعك الله من قتيل. وقد وقع ما فهمه ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- سواء بسواء من أهل هذا البيت لأنها صارت ملكا، والله- عز وجل- قد صان أهل بيت نبيه- عليه الصلاة والسلام- عن الملك والدنيا. وروى أبو القاسم البغوي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: استشارني الحسين في الخروج فقلت: لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها يعني مكة، وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه. وروي عن بشر بن غالب، قال: كان ابن الزبير يقول للحسين- رضي الله تعالى عنهما-: تأتي قوما قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، فقال الحسين- رضي الله تعالى عنه- لأن أقتل بموضع كذا وكذا أحب إلي من أن يستحل بي، يعني الحرم. الرابع عشر: في كرامات حصلت له، وآيات ظهرت لمقتله- رضي الله تعالى عنه-.

روى عمر الملا عن رجل من كلب، قال: صاح الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما-: اسقونا ماء فرماه رجل بسهم فشد شدقه فقال- رضي الله تعالى عنه-: لا أرواك الله عز وجل فعطش الرجل إلى أن رمى بنفسه في الفرات، فشرب حتى مات. وروى ابن أبي الدنيا عن العباس بن هشام بن محمد الكوفي عن أبيه عن جده، قال: كان رجل يقال له زرعة شهد قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- فرمى الحسين- رضي الله تعالى عنه- بسهم فأصاب حنكه، وذلك أن الحسين- رضي الله تعالى عنه- دعا بماء ليشرب، فرماه فحال بينه وبين الماء فقال- رضي الله تعالى عنه-: اللهم ظمه، فحدثني من شهد موته، وهو يصيح من الحر في بطنه، ومن البرد في ظهره وبين يديه الثلج والمراوح، وخلفه، الكانون، وهو يقول: اسقوني، أهلكني العطش، فيؤتى بالعسل العظيم، فيه السويق والماء واللبن، لو شربه خمسة لكفاهم، فيشربه فيعود، ثم يقول: اسقوني أهلكني العطش فانقد بطنه كانقداد البعير. وروى أبو القاسم البغوي عن علقمة بن وائل أو وائل بن علقمة أنه شهد هنالك قال: قام رجل فقال: أفيكم الحسين؟ قالوا: نعم، قال: أبشر بالنار قال- رضي الله تعالى عنه-: أبشر برب رحيم، وشفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا جويرة، قال: اللهم جره إلى النار، فنفرت به الدابة، فتعلقت رجله في الركاب فو الله، ما بقي عليها منه إلا رجله. روي أيضاً عن أبي معشر عن بعض مشايخه قال: إن قاتل الحسين لما جاء ابن زياد وذكر له كيفية قتله اسود وجهه، ولما قاله للحسين، اسود وجهه. وروى عمر الملا عن سفيان قال: حدثني جدتي أنها رأت رجلين ممن شهدا قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- قالت: أما أحدهما فطال ذكره، حتى كان يلفه وأما الآخر فإنه كان يستقبل الرّواية فيشربها إلى آخرها فما يروى. وروى سعيد بن منصور عن أبي محمد الهلالي قال: شرك رجلان مني في دم الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنه- فأما أحدهما فابتلي بالعطش، فكان لو شرب راوية، ما روي، وأما الآخر فابتلي بطول ذكره فكان إذا ركب الفرس يلفه على عنقه. وروي أيضا عنه عن جدته أن رجلا ممن شهد قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- كان يحمل ورسا فصار ورسه رمادا. وروى الإمام أحمد في المناقب عن أبي رجاء أنه كان يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت، فإن جارا لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة فقال: ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق، إن

الله تعالى قتله، يعني الحسين- رضي الله تعالى عنه- فرماه الله تعالى بكوكبين في عينيه فطمس بصره. وروى منصور بن عمار عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنه- بعث برأسه إلى يزيد، فنزلوا أول مرحلة، فجعلوا يشربون ويبحثون بالرأس، فبينما هم كذلك، إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد، فكتب سطرا بدم: أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب وروى الحافظ ابن عساكر- رحمه الله تعالى- أن طائفة من النّاس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الرّوم فوجدوا في كنيسة: أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب فسألوا من كتب هذا؟ فقالوا: هذا مكتوب من قبل مبعث نبيّكم بثلاثمائة سنة. وروى أبو نعيم في «الدلائل» عن نضرة الأزديّة أنها قالت: لما قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- أمطرت السّماء دما فأصبحنا وجباهنا وجوارحنا مملؤة دما. وروى أبو القاسم البغويّ عن مروان مولى هند بنت المهلّب قالت: حدّثني أيّوب بن عبيد الله بن زياد أنّه لما جيء برأس الحسين- رضي الله تعالى عنه- رأيت دار الإمارة تسيل دما. وروى أيضا عن جعفر بن سليمان قال: حدّثني خالتي أم سلمة قالت: لما قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- أمطرنا مطرا كالدّم على البيوت، والجدار، قال: وبلغني أنّه كان بخراسان والشّام والكوفة. وروى ابن السّدّيّ عن أم سلمة قالت: لما قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- مطرنا دما. وروى أيضا عن ابن شهاب قال: لما قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- لم يرفع، ولم يقلع حجر بالشام إلا عن دم. وروى الترمذي وصحّحه عن عمارة بن عمير، قال: لما جيء برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد وأصحابه نضّدت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا حيّة قد جاءت تتخلل الرّؤوس حتّى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد، وأصحابه فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيّبت ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين، أو ثلاثا.

الخامس عشر: فيما جاء فيما يقتل به - رضي الله تعالى عنه -.

الخامس عشر: فيما جاء فيما يقتل به- رضي الله تعالى عنه-. روى عمر الملا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن جبريل- عليه الصلاة والسلام- أخبرني أن الله- عزّ وجلّ- قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا وهو قاتل بدم الحسين، سبعين ألفا وسبعين ألفا، انتهى. في انتقام الله- عز وجل- من قتله الحسين وتسليط الجبارين عليهم [.......] . السادس عشر: في ولد الحسين- رضي الله تعالى عنه - ذكر الشيخ شمس الدين سبط ابن الجوزي- رحمه الله تعالى-: علي الأكبر، وعلي الأصغر، وهو زين العابدين والنّسل له وجعفر، وفاطمة، وعبد الملك، وسكينة، ومحمد، وأسقط البلاذري جعفرا، وروى، قال المحب الطبري في الذخائر: ولد للحسين- رضي الله تعالى عنه- ستة بنين، وثلاث بنات، علي الأكبر استشهد مع أبيه، وعليّ وزين العابدين، وعليّ الأصغر، ومحمّد، وعبد الله، استشهد مع أبيه، وجعفر، وسكينة، وفاطمة، وجعل المحبّ الطبريّ عليا الأصغر غير زين العابدين، وهو غير موافق على ذلك. تنبيه: في نسختي من أنساب البلاذري، وهي نسخة صحيحة قوبلت عدّة مرّات ما نصه قال المدائني: قيل الحسين والباقر والعبّاس، وعثمان، ومحمد ولد علي، وعلي بن الحسين وأبو بكر، وعبد الله، والقاسم، بنو حسين- بالتصغير- كذا في النسخة أن أبا بكر، وعبد الله، والقاسم بنو حسين بالتصغير، وهو تصحيف من الكاتب ولا شك، والصواب بنو حسن مكبرا. السابع عشر: في بعض ما قاله وما رثي به الحسين وأهل البيت- رضي الله تعالى عنهم-. قال في الثّقة بالله وذمّ الطّمع في الخلق. لا تخضعنّ لمخلوق على طمع ... فإنّ ذلك وهن منك في الدّين واسترزق الله ممّا في خزائنه ... فإنّ ذلك بين الكاف والنّون

جماع أبواب أعمامه وعماته وأولادهم وأخواله - صلى الله عليه وسلم -

جمّاع أبواب أعمامه وعماته وأولادهم وأخواله- صلى الله عليه وسلم- الباب الأول في ذكر أعمامه وعماته- صلى الله عليه وسلم- على سبيل الإجمال اختلف في عدد أولاد عبد المطلّب فقيل: هم ثلاثة عشر وقيل: اثنا عشر، وقيل: عشرة، وقيل: تسعة. فمن قال: أنهم ثلاثة عشر تلاهم الحارث، وأبو طالب، والزّبير، وعبد الكعبة، وحمزة، والعبّاس، والمقوّم، وحجل واسمه المغيرة، وضرار وقثم، وأبو لهب، والغيداق. فهؤلاء اثنا عشر، وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن جعل عدّتهم عشرة أسقط عبد الكعبة، وقال: هو مقوّم، وجعل الغيداق وحجلا واحدا. ومن جعلهم تسعة أسقط قثم، ولم يذكر أبا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن إسحاق وابن قتيبة غيره، وجعلهم الحافظ عبد الغني أحد عشر، عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم والحارث وهو أكبر ولد عبد المطلّب، وبه كان يكنى، شهد معه حفر زمزم، ومات في حياة أبيه، ولم يدرك الإسلام، أمّه صفيّة بنت جندب من نساء بني هاشم، وقثم قال في الصحاح: هو معدول عن قاثم، وهو المعطى. قال البلاذريّ: هلك صغيرا ولم يعقّب، ولم يدرك الإسلام، كذا ذكره الزّبير، وبه جزم عبد الغنيّ وقال ابن الكلبي: إنّه شقيق العبّاس، والزّبير بفتح الزّاي، كذا ضبطه الحافظ مغلطاي في «الزهر الباسم» في غير موضع بالحروف وعن ذلك هو والوزير الأحمد بن يحيى البلاذري في الأنساب وحده، والباقون على ضمّها ا. هـ. وقد طال تتبّعي لذلك على أنّي وجدتّ على نسخة صحيحة من تاريخ البلاذري قوبلت ثلاث مرّات على أصول صحيحة في ترجمة عبد المطلّب ما نصه: في الأصل حيث وقع الزّبير بفتح الزاي وكسر الباء، فسررت بذلك، قال ابن ماكولا: ومن ذيل عليه لم يذكروا ذلك ولا شيخ الإسلام ابن حجر في التبصير مع سعة اطّلاعه، ولله الحمد، ويكنى أبا الحارث، وكان أحد حكّام قريش، وهو أسنّ من عبد الله ومن أبي طالب، كان شاعرا سريعا رئيس بني هاشم وبني المطلّب والفهمامة في حرب الفجار، كان ذا عقل ونظر لم يدرك الإسلام، وحمزة كنيته أبو يعلى، وقيل: أبو عمارة وهما ولدان له، وأمّه هالة بنت وهيب ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهي بنت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان أسنّ من

رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين ذكره الحاكم، قال في الامناع في ذلك إشكالان. أحدهما: ما ثبت في الحديث أنّ حمزة وعبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزوميّ أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي صحيح مسلم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، مالك تتوّق في قريش وتدعنا؟ قال: وعندكم شيء؟ قلت: نعم، بنت حمزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لا تحلّ لي، إنها ابنة أخي من الرّضاعة» . وجه الإشكال أنّ حمزة إذا كان أسنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأربع سنين، كيف يصحّ أن تكون ثويبة أرضعتهما معا، والحديث صحيح فهو مقدّم على غيره إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين، ويؤيّد ذلك قول البلاذريّ: وكانت ثويبة مولاة أبي لهب، أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيّاما قلائل قبل أن تأخذه حليمة من لبن ابن لها، يقال: له: مسروح، وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلّب، وأرضعت بعده أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزوميّ، وبهذا ينحلّ الإشكال، والله تعالى أعلم. الإشكال الثّاني: إنّه قد اشتهر أن عبد المطلب بن هاشم نذر إن آتاه الله عشرةً من الولد ذكورا، لينحرن أحدهم عند الكعبة، كما سبق بيان ذلك، لكن يزيل الإشكال ما رواه البلاذريّ من طريقين عن محمد بن عمر الأسلمي قال: سألت عبد الله بن جعفر متى كان حفر عبد المطلب زمزم؟ فقال: وهو ابن أربعين سنة، قلت: فمتى أراد ذبح ولده؟ قال: بعد ذلك بثلاثين سنة، قلت: قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجل، وقبل مولد حمزة استشهد بأحد وهو ابن أربع وخمسين، وتقدّم ذكره مبسوطا في غزوتها. والعبّاس أسلم وحسن إسلامه، وهاجر إلى المدينة وكان له عشر من الذّكور لهم صحبة، وثلاث إناث، الفضل، وهو أكبر أولاده، وبه كان يكنى، وعبد الله، وهو الحبر، وعبيد الله وكان جوادا، وقثم، ومعبد، وأم حبيب، وأمّهم واحدة، وعبد الرّحمن، وكثير، وتمام، وأمهم روميّة، قالوا: ما رأينا بني أم قط تباعدت قبورهم كتباعد قبور بني أم الفضل لبابة بنت الحارث الكبرى، فقبض الفضل بالشّام باليرموك، وعبد الله بالطّائف، وعبيد الله بالمدينة، وقثم بسمرقند، ومعبد بإفريقيّة، وكان أيسر بني هاشم، وكان له ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، ويقظة لجاهلهم كان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، وكان نديمه في الجاهلية أبا سفيان بن حرب، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم العقبة ليستوثق، ولم يسلم يومئذ، ثم أسلم بعد ذلك، واختلف في وقت إسلامه فروي أنّه أسلم قبل بدر، ولكنّه كان يكتم إيمانه، وقيل: أسلم بعد وقعة خيبر، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتح مكّة وحنينا والطائف، وثبت معه يوم حنين، وأبو طالب بن عبد مناف شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم

كفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جدّه، لأنّه أوحي إليه، فأحسن القيام بنصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يقرّ بنبوّته، ولكنّه أبي أن يدين بذلك خشية العار، والله غالب على أمره، مات في النصف من شوّال في السّنة العاشرة من الهجرة، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وقيل: أكثر من ذلك، ولد له من الذكور أربعة، ومن الإناث اثنتان، وطالب مات كافرا، وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى، وعليّ، وجعفر، وعقيل، وأمّ هانئ، كنيت باسم ابنها، واسمها فاختة، وقيل: عاتكة وقيل: فاطمة، وقيل: هند، وجمانة أمّهم فاطمة بنت أسد بن هاشم- رضي الله تعالى عنها- وكان عليّ أصغرهم وجعفر أسنّ منه بعشر سنين، وعقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين، وأبو لهب، واسمه عبد العزّى، تقدم خبر وفاته أواخر قصّة بدر [ (1) ] ، ومن ولده عتبة، ومعتّب، ثبتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وأصيبت عين معتّب، أسلما يوم الفتح، وآخرهما عتيبة بالتّصغير، مات كافرا سلّط الله عليه الأسد كما سبق في المعجزات. وعبد الكعبة، لم يدرك الإسلام، قاله البلاذريّ: درج صغيرا، ولم يعقّب، وهو شقيق عبد الله. وحجل، قال الدارقطنيّ، والنّووي في تهذيبه وبحاء مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة، وهو في الأصل الخلخال، وضبطه في العيون، بتقديم الجيم على الحاء، وهو في الأصل نوع من اليعاسيب. وقال أبو حنيفة الدّينوريّ: كل شيء ضخم فهو حجل، وحجل يسمّى المغيرة، وقيل: مصعب والعباس، وضرار مات أيّام أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان من أكثر فتيان قريش جمالا وسخاء، لا عقب له وهو شقيق العباس. والغيداق- بغين معجمة فتحتية فدال مهملة فألف فقاف-، لقب بذلك، لجوده، وكان أكثر قريش مالا، قال ابن سعد: اسمه مصعب، وقال الدّمياطي: نوفل، وأمّه ممنّعة بنت عمرو بن مالك. والمقوّم- بضم الميم وفتح القاف وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة- يكنى أبا بكر والعوّام نقله في «العيون» عن بعضهم وقال بعضهم: اعدد ضرارا إن عددتّ فزائدا ... واللّيث حمزة واعدد العبّاسا واعدد زبيرا والمقوّم بعده ... والصّمت حجلا والفتى الرّآسا وأبا عبيدة فاعددنه ثامنا ... والقرم عبد مناف العبّاسا والعرم عبدا ما يعدّ حجا حجا ... سادوا على رغم العدوّ النّاسا

_ [ (1) ] في أوقعة بدر.

والحارث الفيّاض ولّى ماجدا ... أيّام نازعه الهمام لكاسا ما للأنام عمومة كعمومتي ... أنّى وهم خير الأناس أناسا عاتكة شقيقة عبد المطّلب وعبد الله، قال أبو عبد الله: الأكثر على أنها لم تسلم، وذكرها ابن فتحون في ذيل الاستيعاب، واستدلّ على إسلامها بشعر لها تمدح به النبي صلى الله عليه وسلم وتصفه بالنّبوّة، وقال الدارقطني: لها شعر، يذكر فيه تصديقها، وقال ابن سعد: أسلمت عاتكة بمكّة، وهاجرت إلى المدينة، وهي صاحبة الرّؤيا المشهورة كانت تحت أبي أميّة بن المغيرة المخزوميّ، فولدت له عبد الله وزهيرا، وكلاهما ابنا عمّ أبي جهل أخي أمّ سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها كما جزم به أبو عمر، فأما عبد الله فأسلم، وكان قبل إسلامه شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء/ 90] إلى أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ [الإسراء/ 93] ثم إنّه- رضي الله تعالى عنه- خرج مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطّريق بين السّقيا والفرع مريدا مكّة عام الفتح فتلقاه، فأعرض عنه مرة بعد أخرى، حتى دخل على أخته أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وسألها أن تشفع فشفّعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه، وشهد فتح مكّة وحنينا والطائف، فرمى يوم الطّائف بسهم فقتله، ومات، شهيدا- رضي الله تعالى عنه- وأما زهير بن أميّة وأميمة فاختلف في إسلامهما فنفاه ابن إسحاق، ولم يذكرها غير ابن سعد، وقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أطعمها أربعين وسقا من خيبر، قاله الحافظ، فعلى هذا كانت لما تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتها زينب موجودة، وكانت تحت جحش بن رئاب أخي بني تميم من دودان بن أسد بن خزيمة فولدت له عبد الله وعبيد الله وأبا أحمد، وزينب وحمنة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأمّ حبيبة وحمنة أسلموا كلّهم، وهاجر الذّكور الثلاثة إلى أرض الحبشة، فتنصّر عبيد الله هناك وبانت منه زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان. وأما البنات فأسلمن كلّهن، والبيضاء وهي الحصان لا تكلم، والضاع لا تعلم، توأمة عبد الله أم حكيم- بفتح المهملة وكسر الكاف- كانت تحت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له عامرا، وبنات لم يذكر عددهن ولا أسماءهنّ ولا إسلامهنّ، أما عامر- رضي الله تعالى عنه- فأسلم يوم فتح مكة، وبقي- رضي الله تعالى عنه- إلى خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه- وهو والد عبد الله بن عامر بن كريز الذي ولّاه عثمان، أمّره العراق وخراسان، وكان عمره أربعا وعشرين سنة. وبرة كانت عند أبي رهم بن عبد العزى العامري، ثم خلف عليها بعده عبد الأسد بن هلال المخزومي، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد الذي كانت عنده أمّ سلمة قبل

رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: كانت أوّلا عند الأسلم ثم خلف عليها أبو رهم، أسلم أبو سلمة، وهاجر الهجرتين كما تقدم بيان ذلك مبسوطا، وشهد بدرا، وجرح يوم أحد جرحا اندمل ثم نقص عليه فمات منه، وتزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بعده أمّ سلمة، وصفيّة والدة الزبير بن العوام، شقيقة حمزة، أسلمت، وهاجرت مع ولدها الزّبير، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقتلت رجلا من اليهود، وضرب لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهم، وكانت في الجاهليّة تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس ثم هلك عنها فخلف عليها العوّام بن خويلد أخو أم المؤمنين خديجة- رضي الله تعالى عنها- فولدت له الزّبير والسّائب وعبد الكعبة، أسلم الزّبير والسّائب- رضي الله تعالى عنهما- وقتل الزّبير يوم اليمامة شهيدا، وتوفّيت في خلافة عمر- رضي الله تعالى عنها- سنة عشرين ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع- رضي الله تعالى عنها- وجمانة وأروى، حكى أبو عمر عن ابن إسحاق أنه لم يسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفيّة، وتعقّب بقصّة أروى وذكرها العقيليّ في الصّحابة وأسند عن محمد بن عمر قصّة إسلامها، وقال ابن سعد: أسلمت أروى وهاجرت. قال في زاد المعاد: وصحّح بعضهم إسلام أروى، وذكر ابن سعد أن أروى هذه رثت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيات: ألا يا رسول الله، كنت رجاءنا ... وكنت بنا برّا ولم تك جافيا أفاطم، صلّى الله، ربّ محمّد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا أبا حسن فارقته وتركته ... فبكّ بحزن آخر الدّهر شاحبا فدىّ لرسول الله أمي وخالتي ... وعمّي ونفسي قصرة ثمّ خاليا صبرت وبلّغت الرّسالة صادقا ... وقمت صليب الدّين أبلج صافيا فلو أنّ ربّ الناس أبقاك بيننا ... سعدنا، ولكن أمرنا كان ماضيا عليك من الله السّلام تحيّة ... وادخلت جنّات من العدن راضيا وكنت بنا رؤوفا رحيما نبيّنا ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكي النّبي لموته! ... ولكن لهرج كان بعدك آتيا وكان على قلبي لذكر محمّد ... وما خفت من بعد النّبي المكاويا فسألته في منام رأته قبل وقعة بدر، رواه الطبراني بإسناد حسن عن مصعب بن عبد الله وغيره من قريش، وتقدّم ذلك في غزوة بدر، كانت تحت عمير بن قصيّ بن وهب بن عبد قصيّ فولدت طليبا، خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ، وأسلم طليب، وكان- رضي الله تعالى عنه- سببا في إسلام أمّه.

قال محمد بن عمر: إن طليبا أسلم في دار الأرقم، ثم خرج فدخل على أمّه أروى، فقال: تبعت محمدا صلى الله عليه وسلّم وأسلمت لله- عز وجل- فقالت: إنّ أحقّ ما وازرت وعضّدت ابن خالك والله، لو كنا على قدر ما تقدر عليه الرّجال لمنعناه، وذبّينا عنه، قال لها طليب: ما منعك أن تسلمي وتتّبعيه، وقد أسلم أخوك حمزة؟ فقالت: أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون من إحداهنّ، قلت: فإنّي أسألك بالله إلا أتيته، فسلّمت عليه وصدقته وشهدت أن لا إله إلا الله، فقالت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ثم كانت بعد تعضّد النبي صلى الله عليه وسلّم بلسانها وتحضّ على نصرته والقيام بأمره، وهاجر طليب إلى أرض الحبشة وإلى المدينة، وشهد بدرا ولا عقب له، استشهد بأجنادين، قيل: باليرموك. وأمهات هؤلاء الذكور والإناث شتى، فحمزة- رضي الله تعالى عنه- والمقوم، وحجلا، وصفية والعوام لأم وهي هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة بنت فهر آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلّم والعباس- رضي الله تعالى عنه- وضرار، وقثم لأم وهي نتلة بفتح النون وسكون الفوقية أو نتيلة تصغير الأول والنتل: بيض النعام، وبعضهم يصحفها- بالتاء المثلثة بنت جناب- بجيم مفتوحة فنون وبعد الألف موحدة- بن كليب بن ثمّر بن قاسط يقال: إنها أول عربية كست البيت الحرام الديباج وأصناف الكسوة، وذلك أن العباس ضل وهو صبي فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت، والحارث، وأروى، وقثم من صفية بنت جندب بن حجير- بضم الحاء المهملة وفتح الجيم- بن زباب- بفتح الزاي والموحدة وبعدها ألف فموحدة مخففة- بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة، وأبو لهب من لبنى بنت هاجر بكسر الجيم كما جزم به السهيلي في «روضه» قبيل المولد بيسير ولم يذكره الأمير، ولا من تبعه وعجبت من إغفال الحافظ له في «التبصير» ابن عبد مناف بن خاطر بن حيشية بن سلول بن خزاعة، وعبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، وعاتكة، وبرة والبيضاء لأم، وهي فاطمة بنت عمرو بن عابد بالموحدة بن عمران بن مخذوم، والغيداق من ممنعّة بنت عمرو بن مالك بن خزاعة، ولم يعقب من الذكور إلا أربعة، الحارث، والعباس- رضي الله تعالى عنه- وأبو طالب وأبو لهب، ولم يدرك الإسلام منهم غير أربعة أبو طالب، وأبو لهب وحمزة، والعباس- رضي الله تعالى عنهما- وأسلم من الإناث صفية- رضي الله تعالى عنها- بلا ظان، واختلف في أروى وعاتكة، فذهب العقيلي إلى إسلامهما وعدّهما من جملة الصحابيات، وذكر الدارقطني عاتكة من جملة الإخوة والأخوات ولم يذكر أروى، وجملة أولاد الأعمام خمسة وعشرون اثنان لم يسلما: طالب بن أبي طالب، وعتيبة بالتصغير ابن أبي لهب، والباقون أسلموا ولهم صحبة.

وتفصيلهم: أربعة لأبي طالب: طالب، مات كافرا، وعقيل وجعفر، وعلي، وعشرة للعباس: الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد، وكثير، وتمام لأم، والحارث أمه هذيلة، وآمنة، وأم كلثوم، وصفية لأمهات أولاد زاد هشام في الكلبي، وصبيح، وشهر، ولم يتابع على ذلك، وزاد إبراهيم المزني: لبابة، وآمنة، ومعقل، وعون، وأم حبيب، وأمهم أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، وهمام وخمسة للحارث: أبو سفيان، ونوفل، وربيعة، والمغيرة، وعبد شمس. وثلاثة للزبير: عبد الله وضباعة، وأم الحكم، وواحد للزبير وهو عبد الله، وشهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان فارسا مشهورا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ابن عمتي وحبي» ومنهم من يقول: أنه كان يقول: ابن أبي وحبي. قال أبو عمر: ولا أحفظ له رواية، وكان سنة يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم نحو ثلاثين سنة استشهد بأجنادين بعد أن أبلى بها بلاء حسنا، ولا عقب له. واثنان لحمزة: عمارة، ويعلى، وقال مصعب: ولد لحمزة خمسة رجال لصلبه، وماتوا ولم يعقبوا، وقال الزبير بن بكار لم يعقب أحد من بني حمزة إلا يعلى وحده، فإنه ولد له خمسة رجال لصلبه، وماتوا ولم يعقبوا، وثلاثة لأبي لهب: عتبة، ومعتب، وعتيبة مات كافرا. وإناث عشرة: ابنتان لأبي طالب: أم هاني، وجمانة وثلاث للعباس: أم حبيبة، وصفية، وأميمة. وواحدة للحارث هي: أروى، واثنتان للزبير: ضباعة وأم هانئ، وأم الزبير، وصفية، ذكرهما في العيون ولهن صحبة، ولأبي لهب: درة، وخالدة، وعزة وواحدة لحمزة وهي أمامة، ويقال أمة الله، وكان الواقدي يقول فيها: عمارة. قال الخطيب: انفرد الواقدي بهذا القول، وإنما عمارة ابنة لأبيه، قال في العيون: ولحمزة أيضا ابنة تسمى أم الفضل وابنة تسمى فاطمة، ومن الناس من يعدهما واحدة، وفاطمة هذه إحدى الفواطم التي قال صلى الله عليه وسلم لعلي وقد أهدى له حلة من إستبرق اجعلها خمر بين الفواطم فشققتها أربعة أخمرة خمارا لفاطمة بنت أسد أم علي. وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلّم زوج علي وفاطمة ابنة حمزة، وفاطمة بنت عتبة. وجملة أولاد العمات أحد عشر رجلا وثلاث بنات عرفن فالذكور عامر بن بيضاء بن كريز بن ربيعة، وعبد الله وزهير ابنا عاتكة بن أبي أمية المخزومي، وعبد الله وعبيد الله وأبو أمية بن جحش، وطليب بن أروى بن عمير بن وهب، والزبير والسائب، وعبد الكعبة بنو صفية بن العوام، وكلهم أسلموا وثبتوا على الإسلام إلا عبيد الله بن جحش، وأما الإناث فزينب وحمنة وأم حبيبة بنات أمية بن جحش ذكر لأم حكيم لم يذكر عددهن ولا إسلامهن ولا أسماؤهن وسيأتي لذلك بعض بيان في الأبواب الآتية. وأخواله صلى الله عليه وسلّم الأسود بن عبد يغوث بن وهب.

قال البلاذري: وهو خال النبي صلى الله عليه وسلم وكان من المستهزئين، ثم روى عن عكرمة قال: أخذ جبريل بعنق الأسود بن عبد يغوث فحنى ظهره حتى احقوقن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «خالي خالي» فقال: يا محمد، دعه عنك. روى الخرائطي عن محمد بن عمير بن وهب خال النبي صلى الله عليه وسلم قال: جاء والنبي صلى الله عليه وسلّم قاعد، فبسط رداءه فقال: أجلس على ردائك يا رسول الله؟ قال: «نعم فإن الخال وارث» . وروى ابن الإعرابي في «معجمة» عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخاله الأسود بن وهب: «ألا أعلمك كلمات من يرد الله به خيرا يعلمهن إياه ثم لا ينسيه أبدا؟» قال: بلى يا رسول الله، قال: قل: «الّلهم إني ضعيف فقوني، رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي» . وروى ابن منده عن الأسود بن وهب خال النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئك بشيء عسى الله أن ينفعك به؟» قال: بلى، قال: «إن الربا أبواب، الباب منه عدل سبعين حوبا أدناها فجرة كاضطجاع الرجل مع أمه، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه بغير حق» . وروى ابن شاهين عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن الأسود بن وهب خال النبي صلى الله عليه وسلم استأذن عليه فقال: يا خال ادخل، فدخل فبسط له رداءه عمير بن وهب. وروى الخرائطي من مكارم الأخلاق بسند ضعيف عن محمد بن عمير بن وهب قال: جاء الأسود بن وهب والنبي صلى الله عليه وسلّم قاعد فبسط له رداءه فقال: أجلس على ردائك؟ قال: «نعم فإنّما الخال والد» .

الباب الثاني في بعض مناقب سيدنا حمزة - رضي الله تعالى عنه -

الباب الثاني في بعض مناقب سيدنا حمزة- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في وقت إسلامه. أسلم حمزة- رضي الله تعالى عنه- قديما في السنة الثانية من المبعث. وقال ابن الجوزي كان بعد دخول النبي صلّى الله عليه وسلم دار الأرقم في السادسة. وروى ابن عساكر أنه يوم ضرب أبو بكر حين ظهر الرسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل إسلام عمر بثلاثة أيام. وتقدم سبب إسلامه، وحسن بلائه في غزوة أحد، ومقتله وتقدم في السرايا أن أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة- رضي الله تعالى عنه- عز بإسلامه الإسلام، وكفت قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما كانوا ينالون منه، خوفا من حمزة- رضي الله تعالى عنه- وعلما منهم أنه سيمنعه، وكان عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأخوه من الرضاعة وأم كل منهما ابنة عم أم الآخر. الثاني: أنه أسد الله تعالى وأسد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. روى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن عمير بن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسيفين ويقول: أنا أسد الله وأسد رسوله. وروى الطبراني برجال الصحيح غير يحيى وأبيه فيحرر حالهم عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن أبيه عن جده والبغوي في معجمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، إنه مكتوب عند الله- عز وجل- في السماء السابعة حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله» . وروى الحاكم وابن هشام عن محمد بن عمر عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات» ، ولفظ ابن هشام «وحمزة مكتوب في السموات السبع أسد الله وأسد رسوله» . الثالث: أنه خير أعمامه- صلى الله عليه وسلم-. روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة وأبو نعيم عن عابس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أعمامي حمزة» . وروى الديلمي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير إخوتي علي، وخير أعمامي حمزة» .

الرابع: في أنه سيد الشهداء - رضي الله تعالى عنه -.

الرابع: في أنه سيد الشهداء- رضي الله تعالى عنه-. روى الطبراني في «الأوسط» عن ابن عباس، والطبراني في «الكبير» عن علي، والخلعي عن ابن مسعود، والديلمي والحاكم والخطيب والضياء عن جابر- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيد» ولفظ الديلمي «خير الشهداء» ولفظ جابر «عند الله» وفي لفظ «يوم القيامة حمزة» زاد ابن عباس وابن مسعود وجابر «ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» . الخامس: في شهادته- صلى الله عليه وسلّم- له بالجنة- رضي الله تعالى عنه-. روى ابن عمر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت البارحة الجنة فإذا حمزة مع أصحابه» رضي الله تعالى عنهم. السادس: في آية نزلت فيه. روى السّديّ في قوله تعالى أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ [القصص/ 61] أنها نزلت في حمزة. وروى السلفي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- في قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر/ 27] قال حمزة: فيّ. السابع: في شدة حزنه- صلى الله عليه وسلّم- حين قتل. روى أبو الفرج بن الجوزي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، فنظر إلى شيء، لم ينظر إلى شيء كان أوجع لقلبه منه، وقد تقدم في غزوة أحد ما يغني عن الإعادة. الثامن: في تغسيل الملائكة له- رضي الله تعالى عنه-. روى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أصيب حمزة بن عبد المطلب وحمزة بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «رأيت الملائكة تغسلهما» . وروى الحاكم وقال: صحيح الإسناد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن حمزة قتل جنبا فغسله الملائكة. التاسع: في كفنه- رضي الله تعالى عنه-. روى أبو يعلى واللفظ له برجال الصحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحمزة وقد جدع أنفه، ومثل به فقال: «لولا أن تجد صفية في

العاشر: في سنة يوم قتل ووصيته إلى زيد بن حارثة - رضي الله تعالى عنهما -.

نفسها لتركته، حتى يحشره الله من بطون السباع والطير» فكفن في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه، وإذا خمر رجلاه بدت رأسه. وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما قتل حمزة بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنه- كان عليه نمرة، وكان هو الذي أدخله في قبره، وكان إذا غطى بها رأسه، خرجت قدماه، وإذا غطى قدميه خرج رأسه، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأمره أن يغطي رأسه، وأن يأخذ شجرا من هذا العلجان فيجعله على رجله. العاشر: في سنة يوم قتل ووصيته إلى زيد بن حارثة- رضي الله تعالى عنهما-. كان سنه يوم قتل تسعا وخمسين سنة، ودفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد. الحادي عشر في ولده- رضي الله تعالى عنه-. له من الولد ذكران وأنثى، عمارة وأمه خولة بنت قيس بن مالك بن النجار الأنصارية الخزرجية، ويعلى وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما أعوام ولم تحفظ لواحد منهما رواية، واسم الأنثى أمامة كما ذكره ابن الجوزي، وقال ابن قتيبة يقال لها: أم أبيها، أمها زينب بنت عميس الخثعمية، وهي التي اختصم في حضانتها علي وجعفر وزيد، فقال علي: ابنة عمي وقال جعفر ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضي بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لخالتها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخالة بمنزلة الأم» . رواه البخاري، وكانت أحسن فتاة في قريش والله سبحانه وتعالى أعلم.

الباب الثالث في بعض مناقب سيدنا العباس - رضي الله تعالى عنه -

الباب الثالث في بعض مناقب سيدنا العباس- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في مولده واسمه وكنيته وصفته. ولد- رضي الله تعالى عنه- قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بثلاث. روى ابن أبي عاصم عن أبي رزين والبغوي في معجمه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قيل للعباس- رضي الله تعالى عنه-: أيما أكبر؟ أنت أو النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله، وكان- رضي الله تعالى عنه- وسيما أبيض بضّا له خفيرتان، معتدل القامة وقيل: كان طوالا. انتهى. وروى ابن أبي عاصم وابن عمر عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن الأنصار لما أرادوا أن يكسوا العباس حين أسر يوم بدر، ولم يصلح عليه قميص إلا قميص عبد الله بن أبي فكساه إياه، فلما مات عبد الله بن أبي ألبسه النبي صلى الله عليه وسلّم وتفل عليه من ريقه، قال سفيان: فظني أنه مكافأة للعباس- رضي الله تعالى عنه- وكان- رضي الله تعالى عنه- رئيسا في قريش، وإليه- رضي الله تعالى عنه- عمارة المسجد الحرام، فكان لا يدع أحدا يسبه فيه، ولا يقول فيه هجرا، وكانت قريش قد اجتمعت وتعاقدت على ذلك، فكانوا له عونا وأسلموا ذلك إليه، وكان- رضي الله تعالى عنه- جوادا مطعما، وصولا للرحم ذا رأي حسن ودعوة مرجوة. الثاني: في شفقته- رضي الله تعالى عنه- على النبي- صلى الله عليه وسلّم- في الجاهلية والإسلام. [روى مسلم وغيره عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله. فسأل عن القوم حتى انتهى إلى. فقلت: أنا محمد بن عليّ بن حسين. فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى. ثمّ نزع زرّي الأسفل. ثم وضع كفه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شاب فقال: مرحبا بك. يا ابن أخي! سل عمّا شئت. فسألته. وهو أعمى. وحضر وقت الصّلاة، فقام في نساجة ملتحفا بها. كلّما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها. ورداؤه إلى جنبه على المشجب. فصلّى بنا. فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال بيده. فعقد تسعا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أذن في الناس في العاشرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حاجّ. فقدم المدينة بشر كثير. كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلى الله عليه وسلم. ويعمل مثل عمله. فخرجنا معه. حتّى أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر.

فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال «اغتسلي. واستثفري بثوب وأحرمي» فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. ثمّ ركب القصواء. حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء. نظرت إلى مدّ بصري بين يديه. من راكب وماش. وعن يمينه مثل ذلك. وعن يساره مثل ذلك. ومن خلفه مثل ذلك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا. وعليه ينزل القرآن. وهو يعرف تأويله. وما عمل به من شيء عملنا به. فأهلّ بالتّوحيد «لبيك اللهم! لبيك. لبّيك لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنّعمة لك. والملك لا شريك لك» . وأهلّ النّاس بهذا الذي يهلّون به. فلم يردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. قال جابر (رضي الله عنه) : لسنا ننوي إلّا الحجّ. لسنا نعرف العمرة. حتّى إذا أتينا البيت معه، استلم الرّكن فرمل ثلاثا ومشى أربعا. ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام. فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة/ الآية 125] فجعل المقام بينه وبين البيت. فكان أبي الذي قدم به عليّ من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا. إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التّروية توجّهوا إلى منّى. فأهلّوا بالحجّ. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثمّ مكث قليلا حتى طلعت الشمس. وأمر بقيّة من شعر تضرب له بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشكّ قريش إلّا أنّه واقف عند المشعر الحرام. كما كانت قريش تصنع في الجاهلية. فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أتى عرفة. فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها. حتى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء. فرحلت له. فأتى بطن الوادي. فخطب الناس وقال «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم. كحرمة يومكم هذا. في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع. ودماء الجاهليّة موضوعة. وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث. كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهليّة موضوع. وأوّل ربا أضع ربانا. ربا عبّاس بن عبد المطلب. فإنّه موضوع كلّه. فاتّقوا الله في النّساء. فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله. واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله. ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله. وأنتم تسألون عنّي. فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السّبّابة، يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس «اللهمّ! اشهد. اللهمّ! اشهد» ثلاث مرات. ثمّ أذّن. ثم أقام فصلّى الظّهر. ثمّ أقام فصلّى العصر. ولم يصلّ بينهما شيئا. ثمّ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلّم. حتّى أتى الموقف. فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات. وجعل حبل المشاة بين يديه. واستقبل القبلة. فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس. وذهبت الصّفرة قليلا حتّى غاب القرص. وأردف أسامة خلفه. ودفع

رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزّمام. حتّى إنّ رأسها ليصيب مورك رحله. ويقول بيده اليمنى: «أيّها الناس! السّكينة السّكينة» كلّما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا. حتّى تصعد. حتّى أتى المزدلفة. فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبّح بينهما شيئا. ثمّ اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى طلع الفجر. وصلى الفجر، حين تبيّن له الصّبح، بأذان وإقامة. ثمّ ركب القصواء. حتى أتى المشعر الحرام. فاستقبل القبلة. فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده. فلم يزل واقفا حتّى أسفر جدا. فدفع قبل أن تطلع الشّمس. وأردف الفضل بن عباس. وكان رجلا حسن الشّعر أبيض وسيما. فلمّا دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّت به ظعن يجرين. فطفق الفضل ينظر إليهنّ. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل. فحوّل الفضل وجهه إلى الشّقّ الآخر ينظر. فحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشّقّ الآخر على وجه الفضل. يصرف وجهه من الشّقّ الآخر ينظر. حتّى أتى بطن محسّر. فحرّك قليلا. ثمّ سلك الطّريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى. حتّى أتى الجمرة التي عند الشّجرة، فرماها بسبع حصيات. يكبّر مع كلّ حصاة منها. حصى الحذف. رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر. فنحر ثلاثا وستّين بيده. ثمّ أعطى عليا. فنحر ما غبر. وأشركه في هديه. ثمّ أمر من كلّ بدنة ببضعة. فجعلت في قدر. فطبخت. فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثمّ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأفاض إلى البيت. فصلّى بمكّة الظّهر. فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم. فقال: «انزعوا بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم النّاس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلوا يقول: (ولا أعلمه ذكره إلّا عن النبي صلى الله عليه وسلم) : كان يقرأ في الرّكعتين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، [الإخلاص] وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون] ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا. فلما دنا من الصفا قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [البقرة/ 158] «أبدأ بما بدأ الله به» فبدأ بالصّفا. فرقي عليه حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة. فوحّد الله، وكبّره. وقال «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده. أنجز وعده. ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده» ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذا ثلاث مرات. ثمّ نزل إلى المروة. حتى إذا انصبّت قدماه في بطن الوادي سعى. حتّى إذا صعدتا مشى. حتّى أتى المروة. ففعل على المروة كما فعل على الصّفا. حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي. وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ. وليجعلها عمرة» . فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى. وقال «دخلت العمرة في الحجّ» مرّتين «لا بل لأبد أبد» وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم. فوجد فاطمة- رضي الله تعالى عنها- ممّن حلّ. ولبست ثيابا صبيغا. واكتحلت فأنكر ذلك عليها. فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا. قال: فكان عليّ

الثالث: في شهوده مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العقبة وهو على دين قومه.

يقول، بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم محرّشا على فاطمة. للذي صنعت. مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها. فقال «صدقت صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحجّ؟» قال قلت: اللهمّ! إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال «فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» قال: فكان جماعة الهدي] [ (1) ] . روي أيضاً عن ابن هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد والعباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد: فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل، وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها، ثم قال: يا عمر أما شعرت أنّ عمّ الرجل صنو أبيه؟. الثالث: في شهوده مع النبي- صلى الله عليه وسلم- العقبة وهو على دين قومه. روى ابن إسحاق وابن قتيبة وابن سعد وأبو عمرو- رحمهم الله تعالى- جاء قوم من أهل العقبة يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لهم: في بيت العباس، فدخلوا عليه، فقال العباس: إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم، فاخفوا أمركم حتى يتصدع هذا الحاج، ونلتقي نحن وأنتم فنوضح لكم هذا الأمر فتدخلون فيه على أمر بين، فوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة التي سفر صبيحتها عن النفر الآخران أسفل العقبة، وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا فخرج القوم تلك الليلة يتسللون، وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه العباس وليس معه غيره، وكان يثق به في أمره كله، فلما اجتمعوا كان أول من تكلم العباس بكلام فيه طول وبلاغة، فقال البراء بن معرور: قد سمعنا ما قلت، أما والله لو كان في أنفسنا غير ما تنطق به لقلناه لكن نريد الوفاء والصدق ونبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلّم يؤكد له البيعة تلك الليلة على الأنصار وفي رواية الشعبي- رضي الله تعالى عنه- قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى السبعين الذين أسلموا وبايعوا عند العقبة تحت الشجرة والعباس معه فذكره. انتهى. الرابع: في سروره- رضي الله تعالى عنه- بفتح خيبر على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وسلامته وشدة حزنه حين بلغه خلاف ذلك. [أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ثابت عن أنس بن مالك قال: «لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجّاج بن علاط: يا رسول الله، إن لي بمكة مالا، وإن لي بها أهلا، وإني أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن نلت منك أو قلت شيئا؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء، فأتى إلى امرأته حين قدم فقال: اجمعي لي ما كان عندك فإني أريد أن اشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 886- 892 (147/ 1218) .

الخامس: في ألم النبي - صلى الله عليه وسلم - لألم العباس لما شدوا وثاقه في الأسر.

قد استبيحوا وأصيبت أموالهم. قال: وفشا ذلك بمكة فأوجع المسلمين، وأظهر المشركون فرحا وسرورا، فبلغ العباس بن عبد المطلب فعقر في مجلسه وجعل لا يستطيع أن يقوم. قال معمر: فأخبرني الجزري عن مقسم قال: فأخذ العباس ابنا له يقال له قثم وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلقى فوضعه على صدره وهو يقول: حبي قثم، شبيه ذي الأنف الأشم، برغم من زعم. قال معمر قال ثابت عن أنس: ثم أرسل غلاما له إلى الحجّاج بن علاط: ويلك ما جئت به وماذا تقول؟ فما وعد الله خير مما جئت به. قال الحجاج لغلامه: اقرأ أبا الفضل السلام وقل له: فليخل لي بعض بيوته لآتيه فإن الخبر على ما يسره. فجاء غلامه، فلما بلغ الباب قال: أبشر يا أبا الفضل فإن الخبر على ما يسرك. فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه، ثم جاء العباس فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد افتتح خيبر. وغنم أموالهم، وجرت سهام الله في أموالهم، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حي فأخذها لنفسه، وخيرها بين أن يعتقها فتكون زوجته أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته. ولكني جئت لمال لي ها هنا أردت أن أجمعه وأذهب فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت، فأخف عني ثلاثا ثم اذكر ما بدا لك. قال: فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع جمعته فدفعته إليه، ثم استمر، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال: ما فعل زوجك؟ فأخبرته أنه قد ذهب، وقالت: لا يحزنك الله أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك. قال: أجل لا يحزنني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، وقد أخبرني الحجاج إن الله قد فتح خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وجرت سهام الله فيها، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به. قالت: أظنك والله صادقا. قال: فإني صادق، والأمر على ما أخبرتك. قال: ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون: لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل. قال لم يصبني إلا خير بحمد الله، قد أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله على رسوله، وجرت فيها سهام الله، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا، وإنما جاء ليأخذ مالا كان له ثم يذهب، قال فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر، فسر المسلمون ورد الله ما كان من كآبة أو غيظ أو خزي على المشركين» [ (1) ]] . الخامس: في ألم النبي- صلى الله عليه وسلّم- لألم العباس لما شدوا وثاقه في الأسر. روى ابن عمر وابن الجوزي عن سويد بن الأصم قال: العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر

_ [ (1) ] موارد الظمآن 413- 414 (1698) .

السادس: في إسلام العباس.

بات النبي صلى الله عليه وسلّم ساهرا تلك الليلة، فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا رسول الله؟ قال: أنين العباس، فقام رجل فأرخى وثاقه شيئا قال: فافعل ذلك بالأسارى كلهم، كل ذلك رعاية للعدل ومحافظة على الإحسان المأمور به في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النحل/ 90] . السادس: في إسلام العباس. قال أهل العلم بالتاريخ: كان إسلام العباس- رضي الله تعالى عنه- قديما، وكان يكتم إسلامه، وخرج مع المشركين يوم بدر مكرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها» فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو، ففادى نفسه ورجع إلى مكة، ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا رواه أبو سعد. قيل: أسلم يوم بدر واستقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بالأبراء وكان معه يوم فتح مكة وبه ختمت الهجرة، قال أبو عمرو: أسلم قبل فتح خيبر، وكان يكتم إسلامه، ويسره ما فتح الله- عز وجل- على المسلمين، وأظهر إسلامه يوم فتح مكة، وشهد حنينا والطائف وتبوك، ويقال: كان إسلامه- رضي الله تعالى عنه- قبل بدر، وكان- رضي الله تعالى عنه- يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان المسلمون بمكة يقوون به، وكان يحب القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن مقامك بمكة خير لك» . روى أبو القاسم السهيلي عن شرحبيل بن سعد قال: لما بشر أبو رافع- رضي الله تعالى عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلّم العباس بن عبد المطلب أعتقه. السابع: في تعظيم النبي- صلى الله عليه وسلّم- للعباس ولطفه به. قال أبو عمرو: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكرم العباس بعد إسلامه ويعظمه ويقول: «هذا عمي وصنو أبي» . وروى أبو القاسم البغوي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا ابن أخي لقد رأيت من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلّم عمه العباس أمرا عجبا. وروى أبو القاسم السهمي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره وعثمان بين يديه، وكان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء العباس- رضي الله تعالى عنه- تنحى له أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- من مكانه فجلس فيه. وروى أيضا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس لطفا بالعباس.

الثامن: في قوله - صلى الله عليه وسلم - إن عم الرجل صنو أبيه والزجر عن أذاه، والإيذان بأنه من النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - منه والوصية به.

وروي عن كريب مولى ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليجل العباس محل الوالد لولده، خاصة خص الله- تعالى- بها العباس من دون الناس. وروى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس عن أمه أم الفضل- رضي الله تعالى عنها- أن العباس- رضي الله تعالى عنه- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه وقبل ما بين عينيه ثم قال: «هو عمي فمن شاء فليباهي بعمه» ، قال العباس: بعض القول يا رسول الله، قال: «ولم لا أقول وأنت عمي وبقية آبائي والعم والد» . وروى ابن حبان عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنهم- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحضر جيشا إذ طلع العباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «العباس عم نبيكم أجود قريش كفا وأوصلها» . الثامن: في قوله- صلى الله عليه وسلم- إن عم الرجل صنو أبيه والزجر عن أذاه، والإيذان بأنه من النبي- صلى الله عليه وسلم- والنبي- صلى الله عليه وسلم- منه والوصية به. روى الترمذي وحسنه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم- لعمر-- رضي الله تعالى عنه-: أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه، وكان عمر- رضي الله تعالى عنه- كلمة في صدقته. ورواه البيهقي وزاد: إنا كنا احتجنا فاستلفنا من العباس صدقة عامين. وروى أبو القاسم البغوي في معجمه عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لعمر- رضي الله تعالى عنه- أما تذكر حين شكوت العباس- رضي الله تعالى عنه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه» . وروى أيضا عن عطاء الخراساني وابن عساكر في التاريخ عنه مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «العباس عمي وصنو أبي، من آذاه فقد آذاني» . وروى الترمذي وابن عساكر عن ابن عباس وابن أبي الدنيا في مناقب العباس، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» وابن النجار والخطيب عن المطلب وابن أبي شيبة عن مجاهد مرسلا- صحيح الإسناد- عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: إن العباس- رضي الله تعالى عنه- دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من آذى العباس فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه» وفي لفظ:

«احفظوني في العباس، فإنه بقية آبائي، وإن عم الرجل صنو أبيه» . وروى الترمذي وقال: حسن عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإن عم الرجل صنو أبيه» . وروى أبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العباس عمي وصنو أبي» . وروى ابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- وعبد الرزاق وابن جرير عن مجاهد- مرسلا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تؤذوني في العباس، فإن عم الرجل صنو أبيه» ، وفي لفظ: «فإنه بقية آبائي، وإن عم الرجل صنو أبيه» . وروى ابن عساكر عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تؤذوا العباس فتؤذوني، من سب العباس فقد سبني، فإن عم الرجل صنو أبيه» . ورواه أيضاً عن ابن عباس بدون فإن عم الرجل. وروى الترمذي وقال حسن غريب والحاكم وابن سعد عن ابن عباس وأبو داود الطيالسي والإمام أحمد وأبو داود وصححه والضياء عن البراء، وابن سعد عن أبي مجلز مرسلا- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العباس مني وأنا منه» وفي لفظ «أن العباس مني وأنا منه» . قال أبو عوانة: هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته، قال ابن مندة: إسناده متصل مشهور وهو ثابت على شرط الجماعة، وفي لفظ «إنما العباس صنو أبي فمن آذى العباس فقد آذاني» . وروى الخليلي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العباس وصيي ووارثي وعليّ مني وأنا منه» . وروى الحاكم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «العباس مني وأنا منه، لا تؤذوا أمواتنا فتؤذوا به الأحياء» . وروى ابن قانع عن حنظلة الكاتب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إنما أنا ابن العباس، فاعرفوا ذاك، إنه صار لي والدا، وصرت له فرطا» . وروى ابن عدي وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفظوني في العباس، فإنه بقية آبائي» . وروى ابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «احفظوني في عمي عباس فإن عم الرجل صنو أبيه» .

التاسع: في أن الخلافة في ولده ودعائه - صلى الله عليه وسلم - للعباس ولولده وتحليلهم بكساء.

وروى ابن عدي وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالعباس خيرا فإنه عمي وصنو أبي» . وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالعباس خيرا، فإن عم الرجل صنو أبيه» . التاسع: في أن الخلافة في ولده ودعائه- صلى الله عليه وسلّم- للعباس ولولده وتحليلهم بكساء. روى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: «إذا كان غداة الإثنين فائتني أنت وولدك، حتى أدعو بدعوة» . وروى الهيثم بن كليب وابن عساكر عن عبد الله بن عباس عن أبيه وسنده رجاله ثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم انصر العباس وولد العباس- ثلاثا- يا عم، أما علمت أن المهدي من ولدك موفقا راضيا مرضيا» . وروى الروياني والشاشي والخرائطي والحاكم- وتعقب- وابن عساكر عن سهل بن سعد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان القيظ فنزل منزلا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم يغتسل، فقام العباس فستره بكساء من صوف، قال سهل: فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من جانب الكساء وهو رافع رأسه إلى السماء يقول: «اللهم استر العباس وولد العباس من النار» . وروى عن ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي- مرسلا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إن عمي العباس حاطني بمكة من أهل الشرك وأخذني على الأنصار وأجرني في الإسلام مؤمنا بالله مصدقا بي اللهم فاحفظه وحظه واحفظ له ذريته من كل مكروه» . وروى الترمذي- وقال: حسن غريب- وأبو يعلى وابن عدي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والطبراني في «الكبير» عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم انصر العباس» وفي لفظ «اللهم اغفر للعباس» وفي لفظ «ما أسر وما أعلن، وما أبدى وما أخفى وما كان وما يكون منه، ومن ذريته إلى يوم القيامة» وفي لفظ «ولولد العباس ومن أحبهم» وفي لفظ. «لأبناء العباس وأبناء أبناء العباس» وفي لفظ «وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللهم اخلفه» وفي لفظ «احفظه في ولده» . العاشر: في تبشرة العباس بأن له من الله- عز وجل- حتى يرضى، وأنه لا يعذب بالنار ولا أحد من ولده.

الحادي عشر: في منزلته في الجنة.

روى الديلمي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم هذا عمي، وصنو أبي، وخير عمومة العرب، اللهم أسكنه معي في البيت الأعلى» . الحادي عشر: في منزلته في الجنة. روى ابن ماجة والحاكم في الكنى وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله- عز وجل- اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين، والعباس بيننا، مؤمن بين خليلين» . وروى ابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن له- يعني العباس- في الجنة غرفا كما تكون الغرف، يطل عليّ يكلمني وأكلمه» . الثاني عشر: في ملازمة العباس- رضي الله تعالى عنه- رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- آخذا بلجام بغلته يوم حنين. [عن كثير بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فلم نفارقه، والنبي صلى الله عليه وسلم علي بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. فلما التقى المسلمون والكفّار ولى المسلمون مدبرين وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا عبّاس ناد يا أصحاب السّمرة» . قال عبّاس: وكنت رجلا صيّتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة؟ قال فوالله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبّيك. يا لبيك. قال فاقتتلوا هم والكفّار والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث. قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على بغلته وهو كالمتطاول عليها إلى قتالهم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا حين حمي الوطيس» ، قال: ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا وربّ محمد! قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال فو الله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحصياته ثم ركب فإذا حدّهم كليل وأمرهم مدبر حتى هزمهم الله] [ (1) ] . الثالث عشر: في استسقاء الصحابة بالعباس- رضي الله تعالى عنه-. روى البخاري أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- كان إذا قحطوا استقوا

_ [ (1) ] الطبقات لابن سعد (4/ 13.

الرابع عشر: في تعظيم الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - للعباس - رضي الله تعالى عنه -.

بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلّم تسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلّم فاسقنا فيسقون وقد قال عباس بن عتبة بن أبي لهب: بعمّي سقى الله الحجاز وأهله ... عشيّة يستسقى بشيبة عمر توجّه بالعبّاس في الجذب راغبا ... إليه فما إن رام حتى أتى المطر ومنّا رسول الله فينا تراثه ... فهل فوق هذا في المفاخر مفتخر ومناقبة كثيرة مشهورة- رضي الله تعالى عنه- وأرضاه. الرابع عشر: في تعظيم الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- للعباس- رضي الله تعالى عنه-. قال ابن شهاب: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعرفون للعباس من فضله، فيقدمونه ويشيرونه ويأخذون برأيه، وقال ابن أبي الزناد عن أبيه: أن العباس لم يمر بعمر وعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجاوزهما العباس إجلالا ويقولون: عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم رواه أبو عمر. الخامس عشر: في بر علي بن أبي طالب به ودعائه له. روى السلفي في المشيخة البغدادية عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: اعتل أبي العباس فعاده عليّ فوجد في أخمص رجليه فأخذ بهما من يدي وجلس موضعي وقال: أنا أحق بعمي منك إن كان الله- عز وجل- توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعمي حمزة، فقد أبقى لي العباس، عم الرجل صنو أبيه، وبره به بره بأبيه، اللهم هب لعمي عافيتك، وارفع له درجتك، واجعله عندك في عليين. السادس عشر: في إعطائه- صلى الله عليه وسلّم- للعباس السقاية ورخصته له في ترك المبيت بمنى لأجلها. روى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكة قال له العباس: ادفع لي مفاتيح البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لأبل أعطيكم شيئا يرزأكم ولا ترزؤونها» . السابع عشر: في إثبات رخصته للأمة على ممر الزمان بسببه- رضي الله تعالى عنه-. [روى البخاري ومسلم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال قال: استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يبيت بمكة ليالي منّى من أجل سقايته، فأذن له] . الثامن عشر: في فراسته- رضي الله تعالى عنه-. التاسع عشر: في سياسته- رضي الله تعالى عنه-. روى أبو محمد بن السقاء عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال لي

العشرون: في صدقته بداره لتوسيع المسجد.

العباس: يا بني، إن أمير المؤمنين يعني يدعوك ويستشيرك فاحفظ عني ثلاث خصال: لا يجربن عليك كذبة، ولا تفش له سرا ولا تغتابن عنده أحدا. العشرون: في صدقته بداره لتوسيع المسجد. روي عن كعب قال: كان للعباس- رضي الله تعالى عنه- دارا، فلما أراد عمر أن يوسع المسجد طلبها من العباس، فقال: قد جعلتها صدقة مني على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحادية والعشرون: في عتقه. روى ابن أبي عاصم عن مجاهد- رضي الله تعالى عنه- قال: أعتق العباس بن عبد المطلب سبعين عبدا. الثانية والعشرون: في جمل من مكارم أخلاقه ووفاته- رضي الله تعالى عنه-، وما يتعلق به في الاكتفاء. قال الزبير بن بكار: وكان العباس- رضي الله تعالى عنه- ثوبا لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، وكان يمنع الجار ويبذل المال ويعطي من النوال. قال ابن المسيب: كانت جفنة العباس تدور على فقراء بني هاشم، وكان يطعم الجائع، ويؤدب السفيه. قال الزهري: هذا والله هو السؤدد، وكان عونا للمستضعفين بمكة، وكان وصولا لأرحام قريش، محسنا إليهم، وكانت الصحابة تكرمه، وتعظمه، وتقدمه وتشاوره، وتأخذ برأيه، وكان شديد الصوت. قال النووي: ذكر الحازمي في «المؤتلف» أن العباس كان يقف على «سلع» فينادي في الأماكن غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خمسة وثلاثون حديثا اتفقا على حديث وانفرد البخاري بحديث ومسلم بثلاثة. روى عنه ابناه [عبد الله وكثير وجابر والأحنف بن قيس وعبد الله بن الحارث، وغيرهم من الصحابة، توفي- رضي الله تعالى عنه- وهو معتدل القامة، وله ثمان وثمانون سنة يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رجب سنة اثنين وثلاثين في خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه- ودفن بالبقيع- رضي الله تعالى عنه-. تنبيه: في بيان غريب ما سبق. الجميل: [.....] .

الوسيم: [.....] . السقاية [ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ] . التشبيب: - بمثناة فوقية فشين معجمة فموحدتين بينهما مثناة تحتية- ترقيق الشعر بذكر الشنباء. الهجر: بالضم: الهذيان وقول الباطل ويطلق على الكلام الفاحش. الجراد [.....] . الوصول [.....] . الرائي [.....] . الصنو [المثل] . الفرط [المتقدم والسّابق] . لا تغادر [.....] . السنا: الضوء. الأعلى [.....] .

الباب الرابع في بعض مناقب سيدنا جعفر - رضي الله تعالى عنه - ابن أبي طالب

الباب الرابع في بعض مناقب سيدنا جعفر- رضي الله تعالى عنه- ابن أبي طالب وفيه أنواع الأول: في اسمه وكنيته وهجرته. اسمه جعفر، وكنيته عبد الله، ولقبه الطيار، وذو الجناحين، وذو الهجرتين، الجواد. أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس، وولدت هناك بنيه عبد الله، وهذا أول مولود ولد في الإسلام بالحبشة، والعقب له دون أخويه، ومحمدا، وعونا، فلم يزل هنالك حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، فحصلت له الهجرتان- رضي الله تعالى عنه- وتقدم ذكر هجرته إلى الحبشة، وما وقع له مع النجاشي وأخوتهم لأمهم: محمد بن أبي بكر، ويحيى بن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنهم- فأما محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشبه عمنا أبو طالب، وزوّجه علي بابنته أم كلثوم بعد عمر، وكانت كنيته: أبو القاسم استشهد بتستر- رضي الله تعالى عنه- وأما عون فاستشهد بستر لا عقب له أيضا. روى ابن الجوزي عن عمرو بن العاص. الثاني: فيما ثبت لجعفر ومن هاجر إلى الحبشة من الفضل. روى الشيخان عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان» . الثالث: في قدوم جعفر- رضي الله تعالى عنه- على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. روى البغوي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- والبغوي عن الشعبي قال: لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلّم قدوم جعفر وفتح خيبر قال صلى الله عليه وسلم: «ما أدري أنا بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر؟» ثم التزمه وقبّل ما بين عينيه. وروى الطبراني والثلاثة- برجال ثقات- غير أنس بن مسلم فيحرر رجاله عن أبي جحيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم جعفر بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أرض

الرابع في شبهه برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الحبشة، فقبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه وقال: «ما أدري أنا بقدوم جعفر أسر أم بفتح خيبر» . وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: «لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتح خيبر» قيل له: قدم جعفر بن أبي طالب من عند النجاشي فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا أدري أنا بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر أو فتح خيبر» فأتاه ثم قبل ما بين عينيه. وروى أبو يعلى برجال الصحيح غير مجالد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا قدم جعفر من الحبشة عانقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الطبراني وفي سنده علي بن عبد الله الرعيني وهذا من مناكيره عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا قدم جعفر بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- من الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حجل، قال سفيان: حجل: مشى على رجل واحدة إعظاما منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه وقال صلى الله عليه وسلم: «حدثني ببعض عجائب الحبشة» فقال: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا سائر في بعض طرقاتها إذ بعجوز على رأسها مكتل، فأقبل شاب يركض على فرس له، فزحمها فألقاها بوجهها، وألقى المكثل عن رأسها، فاسترجعت قائمة، واتبعت النظر وهي تقول: الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيه، فانتصر للمظلوم من الظالم قال جابر: فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإن دموعه على لحيته مثل الجمان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا قدس الله أمة لا يؤخذ للمظلوم من الظالم غير متعتع» . الرابع في شبهه برسول الله- صلى الله عليه وسلم-. روى الإمام أحمد والترمذي وصححه وابن حبان عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشبهت خلقي وخلقي» . وروى الإمام أحمد بسند حسن عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- والإمام أحمد والطبراني والبغوي والحاكم والضياء عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال: اجتمع علي وجعفر وزيد بن حارثة فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال زيد: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى نسأله قال أسامة: فجاؤوا يستأذنونه فقال: «اخرج فانظر من هؤلاء،» فقلت: هذا جعفر وعلي وزيد ما أقول أبي؟ قال: «ائذن لهم» فدخلوا فقالوا: يا رسول الله من أحب إليك؟ قال: «فاطمة» قالوا: نسألك عن الرجال قال: «أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي وأنت مني وشجرتي، وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت مني، وأما أنت يا زيد فمولاي وأنت مني وأحب القوم- أعني- إليّ» .

الخامس: في أنه - رضي الله تعالى عنه - كان خير الناس للمساكين

وروى الإمام أحمد بإسناد حسن عن أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» . وروى الخطيب عن علي (رضي الله تعالى عنه) قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها» . وروى ابن سعد عن محمد بن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشبهت يا جعفر خلقك خلقي، وأشبه خلقك خلقي فأنت مني ومن شجرتي» . الخامس: في أنه- رضي الله تعالى عنه- كان خير الناس للمساكين روى ابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان جعفر بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- يحب المساكين، ويجلس معهم، ويحدثهم، ويحدثونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكنيه أبا المساكين. السادس: في أنه- رضي الله تعالى عنه- كان أفضل من ركب الكور بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- روى الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر- رضي الله تعالى عنه-. وروى ابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «أسمح أمتي جعفر» . السابع: في إبرار علي- رضي الله تعالى عنه- القسم به روى أبو عمر عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أذا سألت عليا، فمنعني قلت له: بحق جعفر، أعطاني. الثامن: فيما جاء أنه يطير بجناحين مع الملائكة في الجنة روى الطبراني برجال ثقات- غير عمر بن هارون ضعف ووثق- عن عبد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أسماء بنت عميس فوضع عبد الله ومحمد بن جعفر على فخذه، ثم قال: «إن جبريل أخبرني أن الله تعالى استشهد جعفرا، وإن له جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة» ثم قال: «اللهم اخلف جعفرا في ولده» . وروى الطبراني بإسنادين أحدهما حسن عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «رأيت

جعفر بن أبي طالب في الجنة ذا جناحين يطير منها حيث شاء، مضرّجة قوادمه بالدماء» . وروى الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «هنيئا لك يا عبد الله بن جعفر، أبوك يطير مع الملائكة في السماء» . وروى الطبراني برجال ثقات غير سعدان بن الوليد فيحرر حاله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام ثم قال: «يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل، مروا علينا فرددت عليهم السلام، وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا» فأصبت في جسدي في مقاديمي ثلاثا وسبعين بين طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة أنزل فيها حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت، فقالت أسماء: هنيئا لجعفر ولكني أخاف أن لا يصدقني الناس، فاصعد المنبر فأخبر الناس يا رسول الله، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل له جناحان من بدنه عوضه الله من يديه، يطير بهما في الجنة حيث شاء، فسلم علي وأخبرني كيف كان أمرهم حين لقي المشركين، فاستبان للناس بعد ذلك أن جعفرا لقيهم، فسمي جعفر الطيار. وروى الطبراني في الصحيح عن سالم بن أبي الجعد- رحمه الله تعالى- قال: أراهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فرأى جعفرا ذا جناحين بالدماء وزيدا مقابله على السرير. وروى الدارقطني في «الإفراد» والحاكم وابن عساكر عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: إن الله- عز وجل- جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة. وروى الدارقطني في غرائب مالك وضعّف عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مر بي جعفر بن أبي طالب في ملأ من الملائكة فسلم علي» . وروى ابن سعد عن عبد الله بن المختار- مرسلا- والحاكم عن عبد الله بن المختار عن ابن سيرين عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مر بي جعفر بن أبي طالب الليلة في ملأ من الملائكة، له جناحان مضرجان بالدماء، أبيض القوادم» . وروى النسائي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تبكيه أولا تبكيه الملائكة تظله بأجنحتها» . وروى أبو سهل بن زياد القطان في الرابع من «فوائده» والحاكم وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل فسلم عليّ وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا قال: فأصبت في

التاسع: في وفاته - رضي الله تعالى عنه - ودعائه صلى الله عليه وسلم لأهله

جسدي في مقادمي ثلاثا وسبعين من رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها حيث شئت» انتهى. التاسع: في وفاته- رضي الله تعالى عنه- ودعائه صلى الله عليه وسلّم لأهله روى أبو القاسم البغوي وأبو عمر عن عبد الله بن الزبير قال: «حدثني- أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرة قال: شهدت مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه- رضي الله تعالى عنهم- فرأيت جعفر حين التحم القتال، اقتحم على فرس له أشقر ثم عقره، وقاتل القوم حتى قتل، وكان أول من عقر في الإسلام» . وروى البخاري وابن حبان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل فعبد الله بن رواحة» . قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين طعنة ورمية. استشهد هو وزيد في جمادي سنة ثمان من الهجرة وروى الواقدي وابن سعد وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر وابن سعد عن عامر والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عباس وأبو داود الطيالسي وابن سعد والإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إن جعفرا قد قدم إلى أحسن الثواب فأخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته» وفي لفظ: «أخلف جعفرا في ولده» وفي لفظ: «وبارك لعبد الله في صفقة يمينه» - ثلاث مرات. وروى ابن إسحاق عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- أن جعفرا وأصحابه قدموا من أرض الحبشة بعد فتح خيبر فقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر. وروى الطيالسي والإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه والطبراني في الكبير، والحاكم والبيهقي والضياء عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم ما يشغلهم» . وروى ابن ماجه عن أم عيسى الجزار عن أم عون ابنة جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم، فاصنعوا لهم طعاما» . وروى الطبراني برجال الصحيح- مرسلا- عن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: قتل

العاشر: في أولاده - رضي الله تعالى عنه -

جعفر- رضي الله تعالى عنه- يوم مؤتة بالبلقاء. العاشر: في أولاده- رضي الله تعالى عنه- وهم عبد الله، وعون، ومحمد. قال ابن سعد: ويقال أنه كان له ولد اسمه أحمد. تنبيه في بيان غريب ما سبق: المكثل [.....] . يركض [.....] . الجمان [اللؤلؤ الصّغار] . احتذى النعال [اقتفاها] . المطايا [.....] . الكور [العامة] . النعي [......] قوادمه [.....] . المضرّج [ملطخ] . والله سبحانه وتعالى أعلم.

الباب الخامس في بعض مناقب عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه -

الباب الخامس في بعض مناقب عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في مولده تقدم أنه ولد بأرض الحبشة وهو أول مولود بها للمسلمين وقدم مع أبيه- رضي الله تعالى عنهما- المدينة، وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وروى عنه. الثاني: في بيعته- رضي الله تعالى عنه- روى البغوي والطبراني بسند جيد عن هشام بن عروة عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: إن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهما- بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآهما تبسم وبسط يده فبايعهما. الثالث: في دعائه صلى الله عليه وسلّم له روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- وهو يلعب مع الغلمان أو مع الصبيان فقال: «بارك الله بعبد الله في بيعته أو في صفقته» . وروى الإمام أحمد والبغوي عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثا، كلما مسح قال: «اللهم أخلف جعفرا في ولده» . وروى ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس، والإمام أحمد وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر، وأبو داود الطيالسي وابن سعد والإمام أحمد والطبراني في «الكبير» والحاكم وابن عساكر والواقدي وابن سعد عن عبد الله بن جعفر وابن سعد عن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إن جعفرا قد قدم إلى أحسن الثواب فأخلف في ذريته، بأحسن ما أخلفت أحدا من عبادك في ذريته» وفي لفظ «اللهم أخلف جعفرا في ولده» وفي لفظ: «في أهله وبارك لعبد الله في صفقة- يمينه» - ثلاثا. الرابع: في حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه على دابته روى مسلم عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقّى بصبيان أهل بيته. قال، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه. فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه. قال، فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة.

الخامس: في كرمه وجوده وبعض صفاته الجملية

الخامس: في كرمه وجوده وبعض صفاته الجملية قال أبو عمر- رحمه الله تعالى-: كان عبد الله- رضي الله تعالى عنه- جوادا، ظريفا، حليما، عفيفا، سخيا، يسمى بحر الجود، يقال: أنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، وكانوا يقولون: أجواد العرب في الإسلام عشرة. فأجواد الحجاز عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وأجواد أهل الكوفة عتاب بن ورقاء، وأحمد بن رياح بن يربوع، وأسماء بنت خارجة بن حصين الفزاري وعكرمة بن ربعي الفياض أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وأجواد أهل البصرة عمر بن عبد الله بن معمر وطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي أحد بني مليح وهو طلحة الطلحات، وعبد الله بن أبي بكر، وأجواد أهل الشام خالد بن عبد الله بن أسيد، قلت: ليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهم- ولم يكن مسلم يبلع مبلغه في الجود، وعوتب عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- في ذلك فقال: إن الله- عز وجل- عودني عادة، وعودت الناس عادة، فأنا أخاف إن قطعتها قطعت عني. السادس: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم روى أبو القاسم البغوي عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات جعفر دعا الحالق فحلق رؤوسنا، وقال صلى الله عليه وسلم: «إما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي ثم أخذ بيدي وقال: اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه» ثلاث مرات، فجاءت أمنا أسماء تذكر ميتها فقال صلى الله عليه وسلّم: «العيلة تكافئين عليها وأنا وليهم في الدنيا والآخرة» . انتهى.

الباب السادس في بعض مناقب عقيل بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -

الباب السادس في بعض مناقب عقيل بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في اسمه وأخلاقه قال الفزاري: كان عقيل- رضي الله تعالى عنه- قد خرج مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر، ففداه عمه العباس- رضي الله تعالى عنه- ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد- رضي الله تعالى عنه- غزوة مؤتة. قال الطبراني في «معجمه الكبير» : حضر عقيل فتح خيبر وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلّم منها. الثاني: في محبة النبي صلى الله عليه وسلم له- رضي الله تعالى عنه- روى الإمام إسحاق والطبراني والبغوي وأبو عمر برجال ثقات عن محمد بن عقيل، والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن ابن إسحاق مرسلا والحاكم عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقيل: «يا أبا يزيد، إني أحبك حبين، حبا لقرابتك مني، وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك» ا. هـ. وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعقيل: «إني لأحبك حبين حبا لك وحبا لحب أبي طالب لك» . الثالث: في ترحيب النبي صلى الله عليه وسلم- به رضي الله تعالى عنه- روى البغوي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: إن عقيلا دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرحبا بك أبا يزيد، كيف أصبحت» ؟ قال: بخير، صبحك الله بخير يا أبا القاسم» انتهى. الرابع: في معرفته بعلم النسب وأيام العرب روى الزبير بن بكار قال كان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بآبائهم، وكانت له قطيفة تفرش له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليها ويجتمع إليه في النسب وأيام العرب، وكان أسرع الناس جوابا، وأحضرهم مرجعة في القول وأبلغهم في ذلك. الخامس: في خروجه إلى معاوية روى البغوي عن جعفر بن محمد عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: إن عقيلا- رضي الله تعالى عنه- جاء إلى علي- رضي الله تعالى عنه- بالعراق فسأله فقال: إن أحببت أن

السادس: في نبذ من أخباره

أكتب لك إلى مالي بينبع فأعطيك منه، فقال عقيل: لأذهبن إلى رجل هو أوصل لي منك، فذهب إلى معاوية فعرف له ذلك، قال أبو عمر: كان عقيل غاضب عليا، وخرج إلى معاوية فأقام عنده، فزعموا أن معاوية قال يوما بحضرته: هذا أبو يزيد، لولا علمه بأني خير له من أخيه ما أقام عندنا وتركه، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي. السادس: في نبذ من أخباره قال أبو عمر: قدم عقيل- رضي الله تعالى عنه- البصرة ثم الكوفة ثم الشام. السابع: كان له أولاد مسلم ويزيد وبه كان يكنى.

الباب السابع في ذكر الإناث من أولاد أبي طالب

الباب السابع في ذكر الإناث من أولاد أبي طالب كان له ابنتان الأولى: أم هانئ، واسمها فاختة، وقيل: هند، أسلمت يوم الفتح، وتزوجها هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن أبي مخزوم، وولدت له أولادا، وهرب إلى نجران، ومات مشركا. الثانية: جمانة، وتزوجها ابن عمها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنه- وولدت له والله سبحانه أعلم. الباب الثامن في بعض مناقب الفضل بن العباس- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول في اسمه وصنعته- رضي الله تعالى عنه- اسمه الفضل في الجاهلية والإسلام، ويكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا محمد، وكان- رضي الله تعالى عنه- أجمل الناس وجها. روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع من «المزدلفة» إلى منى أردف الفضل بن العباس خلفه- رضي الله تعالى عنه-. الثاني في نبذ من أخباره- رضي الله تعالى عنه- قال ابن سعد: قالوا: وكان الفضل بن عباس فيمن غسل النبي صلى الله عليه وسلّم وتولى دفنه، ثم خرج بعد ذلك إلى الشام مجاهدا. الثالث في وفاته- رضي الله تعالى عنه- توفي بناحية الأردنّ في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب. الرابع في ذكر أولاده- رضي الله تعالى عنه- ولد له محمد، وكان يكنى به ولا عقب له إلا بنت يقال لها أم كلثوم، وكانت عند أبي موسى الأشعري.

الباب التاسع في بعض مناقب عبيد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -

الباب التاسع في بعض مناقب عبيد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في مولده واسمه وكنيته- رضي الله تعالى عنه- كان أصغر من أخيه عبد الله بسنة. الثاني: في كرمه وجوده. كان كريما جميلا وسيما يشبه أباه في الجمال، وكان سمحا جوادا محمودا مقصدا للوافدين عليه، وكان يقول: لولا لذة العطاء ما ألبست [ (1) ] المحامد، وجاءه في يوم ستة آلاف، ففرق الجميع في يومه ذلك، وكان يذبح في كل يوم جزورا ويطعمه الناس، فكان أهل المدينة يتغدون ويتعشون عنده، وهو أول من وضع الموائد على (الطريق) [ (2) ] . روي أنه نزل في منزله على خيمة رجل من العرب، فلما رآه الأعرابي أعظمه وأجله لما رأى من حسنه وشكله فقال لامرأته: ويحك ما عندك لضيفنا غدا، فقالت: ليس عندنا إلا الشويهة التي حياة ابنتك على لبنها فقال: إنه لا بد من ذبحها، قالت: أتقتل ابنتك؟ قال: وإن كان ذاك، وأخذ الشفرة والشاة، وجعل يذبحها ويسلخها ويقول مرتجزا: يا جارتي لا توقظي البنيّة ... إن توقظيها تنتحب عليّه وتنزع الشّفرة من يديّه ثم هيأها طعاما وحملها، فوضعها بين يديّ عبيد الله ومولاه فعشاهما، وكان عبيد الله سمع محاورتهما في الشاة، فلما أراد الارتحال، قال لمولاه: ويحك، ما معك من المال؟ قال خمسائة دينار فضلت من نفقتك، فقال: ويحك، ادفعها للأعرابي، وعرفه أنه ليس معنا غيرها، فقال له مولاه: سبحان الله تعطيه خمسمائة دينار وإنما دفع لنا شاة تساوي خمسة دراهم!! فقال: ويحك، والله لهو أسخى منا وأجود، إنما أعطيناه بعض ما نملك وجاد هو علينا، وآثرنا على مهجة نفسه وولده بجميع ما يملك. روي له حديث واحد في مسند الإمام أحمد. وروى الطبراني برجال الصحيح إلا أن حبيبا لم يسمع من أبي أيوب عن حبيب بن أبي

_ [ (1) ] ارى- اكتسب. [ (2) ] في أالطرق.

الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه -

ثابت- رحمه الله تعالى- أن أبا أيوب الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم نزل عليه حين غزا أرض الروم فمر على معاوية فجفاه، فانطلق ثم رجع من غزوته فجفاه، ولم يرفع به رأسا، فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنبأني أنا سنرى بعده أثرة، قال معاوية: فبم أمركم؟ قال: أمرنا بالصبر، قال: اصبروا إذا، فأتى عبد الله بالبصرة ، وقد أمره عليها عليّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا أيوب: إني أريد أن أخرج لك عن سكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا، وأعطاه كل شيء أغلق عليه الدار، فلما كان انطلاقه قال: حاجتك، قال: حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي، وكان عطاؤه أربعة آلاف فأضعفها له خمس مرات، فأعطاه عشرين ألفا وأربعين عبدا انتهى. الثالث: في وفاته- رضي الله تعالى عنه- قال خليفة بن خياط: توفي سنة ثمان وخمسين بالمدينة، وقيل: بالشام، وقيل: باليمن والله أعلم، وعمره بضع وثمانون سنة. الرابع: في أولاده- رضي الله تعالى عنه- كان له عدة أولاد ذكور وإناث، والله تعالى أعلم.

الباب العاشر في بعض مناقب قثم بن العباس - رضي الله تعالى عنه -

الباب العاشر في بعض مناقب قثم بن العباس- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في اسمه وصنعته وهو رضيع الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنه-. روى ابن أبي عاصم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان العباس- رضي الله تعالى عنه- يأخذ قثم وهو صغير فيضعه على صدره وهو يقول: يا قثم يا شبيه ذي الكرم ... منا وذي الأنف الأشمّ برغم من زعم الثاني: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلّم. الثالث: في إردافه صلى الله عليه وسلّم لقثم- رضي الله تعالى عنه- روى الإمام أحمد وأبو عمرو، وابن عساكر واللفظ له عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد، وفي لفظ: لو رأيتني وقثما وعبيد الله بني عباس صبيانا، وفي لفظ نحن صبيانا نلعب إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلّم على دابة فقال: ارفعوا هذا إليّ فحملني فجعلني أمامه، وقال لقثم: ارفعوا هذا إليّ، فجعلني خلفه، وكان عبيد الله أحب إلي عباس من قثم، فما استحى من عمه أن حمل قثم وتركه، ثم مسح على رأسي ثلاثا كلما مسح قال: «اللهم أخلف جعفرا في ولده» . وروى ابن عساكر عنه قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا ألعب مع الصبيان، فحملني أنا وغلام من بني العباس على الدابة وكنا ثلاثة. الرابع: في أنه كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره وقد ذكره أبو عبد الله الحاكم في «تاريخ نيسابور» فقال كان شبيه النبي صلى الله عليه وسلّم وآخر الناس عهدا. وحديث أم الفضل ناطق بذلك بأسانيد كثيرة. فعن أم الفضل قالت: رأيت كأن في بيتي عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فجزعت من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال «خيرا، تلد فاطمة غلاما فتكفلينه بلبن ابنك قثم قالت فولدت حسنا، فأعطيته فأرضعته، حتى تحرك أو فطمته ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأجلسته في حجره ... الحديث.

الخامس: في وفاته

الخامس: في وفاته سافر- رضي الله تعالى عنه- إلى خراسان مع سهيل بن عثمان وكان معاوية ولى سعدا خراسان فقال له سعيد في بعض غزواته: يا ابن عم أضرب لك بمائة سهم، فقال: يكفني سهم واحد لي، وسهمان لفرسي أسوة بالمسلمين، ومات بسمرقند ويقال: استشهد بها ولا عقب له. السادس: في بعض ما يؤثر عنه من محاسن الأخلاق قال البلاذري: يروي عنه أنه قال: الجواد من إذا سئل أعطى عطية، فكان على يد عظيمة ورأى من بذل وجهه إليه متفضلا عليه، والله- سبحانه وتعالى- أعلم. انتهى.

الباب الحادي عشر في بعض مناقب ترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -

الباب الحادي عشر في بعض مناقب ترجمان القرآن عبد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في مولده واسمه وكنيته وصفته- رضي الله تعالى عنه- ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بني هاشم منه، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكنيته أبو العباس، وكان طوالا إذا طاف بالبيت كأنما الناس حوله مشاة من طوله، وهو راكب من طوله، مفرطا في الطول، وكان مع ذلك يكون إلى منكب أبيه العباس، وكان العباس إلى منكب أبيه عبد المطلب، وذكر [......] الطائي أن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه بريقه ودعا له، وقال: «اللهم بارك فيه وانشر منه، وعلمه الحكمة» ، وسماه ترجمان القرآن، وكان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاث عشرة سنة، روي ذلك عنه. وروي أيضا عنه أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم- يعني المفصل- وفي رواية وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنا ختن. قال المحب الطبري: ولعله الأشبه إذا روي عنه أنه قال في حجة الوداع، وأنا قد ناهزت الأحلام، وصحح أبو عمر الأول. وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين ونحن في الشعب، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة سنة. وروي أيضاً برجال الصحيح عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا ابن خمس عشرة سنة، وكان يكنى بأبي العباس، وكان له وفرة، كان طويلا أبيض، مشربا بشقرة، جسيما وسيما صبيح الوجه، وكان يصفر لحيته، قيل: يخضب بالحناء. وروى حبيب بن أبي ثابت قال: إن رجلا نظر إلى ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- وقد دخل المسجد فنظر هيبته وطوله فقال: من هذا؟ قال: ابن عباس هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ. قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-: كان عبد الله بن عباس طويلا مشربا بحمرة جسيما وسيما صبيح الوجه له ضفيرتان، رواه الطبراني. وروى أيضا بإسناد حسن عن حسين- رحمه الله تعالى- قال: رأيت ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أيام منى طويل الشعر عليه إزار فيه بعض الإسبال، وعليه رداء أصفر.

الثاني: في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم به أمه وهي حامل

وروى أيضا برجال الصحيح عن حبيب بن أبي ثابت- رحمه الله تعالى- قال: رأيت ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- وله جمة. الثاني: في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم به أمه وهي حامل روى الطبراني بإسناد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: حدثتني أم الفضل ابنة الحارث قالت: بينا أنا مارة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر فقال: «يا أم الفضل» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «إنك حامل بغلام» ، قلت: كيف وقد تخالفت قريش لا يولدون النساء؟ قال: «هو ما أقول، فإذا أوضعتيه فاتيني به» ، فلما وضعته أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسماه عبد الله وألباه بريقه أو قال: «اذهبي به فلتجدنه كيسا» ، قالت: فأتيت العباس فأخبرته فتبسم الحديث ورواه أبو نعيم بلفظ: «اذهبي بأبي الخلفاء» فأخبرت العباس فأتاه فذكر له فقال «هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم» . الثالث: في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له روى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي أو منكبي- شك سعيد- ثم قال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» . وروى أيضا في الكبير وأبو نعيم في «الحلية» عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم ترجمان القرآن أنت دعاك جبريل مرتين» . وروى عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره، فوجد عبد الله بردها في صدره، ثم قال: «اللهم أحش جوفه حكما وعلما» فلم يستوحش في نفسه إلى مسألة أحد من الناس، ولم يزل حبر هذه الأمة إلى أن قبضه الله. وروى ابن ماجة وابن سعد والطبراني في «الكبير» عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب» . الرابع: في سعة علمه- رضي الله تعالى عنه- ولذا سمى الحبر روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثا، اتّفق البخاري ومسلم منها على خمسة وتسعين حديثا، وانفرد البخاري بمائة وعشرين ومسلم بتسعة وأربعين. وروى البيهقي في مناقب الشافعي، إنه لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا نحو مائة حديث.

وروى عنه ابن عمر وأنس وأبو الشعثاء وأبو أمامة بن سهل، ومن التابعين خلائق لا يحصون. قال الإمام أحمد وغيره، وهو أكثر الصحابة فتوى، وقال مجاهد: لكن يسمى الحبر من كثرة علمه، ومن كلامه: لو أن جبلا بغى على جبل لجعل الله الباغي دكا وكان يأخذ بطرف لسانه فيقول: ويحك، قل خيرا تغنم، واسكت عن الشر تسلّم، فقيل له في ذلك فقال: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحق منه على لسانه. وقال: لما ضرب الدينار والدرهم، أخذه إبليس فوضعه على عينيه وقال: أنت ثمرة قلبي وقرة عيني، بك أطغى وبك أدخل النار وبك أكفر، رميت من بني آدم أن يحب الدنيا، فإنه من أحبها عبدني، أو قال: تعبد لي، وهذا صحيح، فإن حب الدنيا والدرهم رأس كل خطيئة. وقال: ما ظهر البغي في قوم إلا وظهر فيهم الموتان، وقال في قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء/ 89] شهادة أن لا إله إلا الله، وقال: ما من مؤمن ولا فاجر إلا وقد كتب الله رزقه من الحلال، فإن صبر حتى يأتيه الله- عز وجل-، وإن جزع فتناول شيئا من الحرام نقصه الله من رزقه من الحلال. وقال: يلتقي الخضر وإلياس كلّ عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله، ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، بسم الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، بسم الله، ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، بسم الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من تلاها حفظ من كل آفة وعاهة وعدو وظالم وشيطان وسلطان وحية وعقرب، وما يقولها أحد في يوم عرفة عند غروب الشمس إلا ناداه الله، أي عبدي قد أرضيتني ورضيت عنك فسلني ما شئت، فوعزتي وجلالي لأعطينك. وقال: حياة المريض أول مرة سنّة، وما ازدادت منافلة. وروى سعيد بن منصور وابن سعد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني وغيرهم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان عمر يدخلني في أشياخ بدر وفي لفظ: يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله فقال: أنتم ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم وما أراه دعاهم يومئذ إلا ليريهم منّي، فقال: ما تقولون في قوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر/ 1] حتى ختم السورة فقال بعضهم: أمرنا الله- عز وجل- أن نحمده، ونستغفره إذ جاء نصر الله وفتح علينا. وقال بعضهم: لا ندري وقال بعضهم: لم يقل شيئا، فقال لي: يا ابن عباس كذاك تقول: قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله- عز وجل- إِذا جاءَ

نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً [النصر/ 2] والفتح: - فتح مكة- فذاك علامة أجلك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [النصر/ 3] فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما يعلم هذا، كيف تلومونني عليه بعد ما ترونه؟!. وروى ابن الجوزي أن عمر بن الخطاب قال لابن عباس- رضي الله تعالى عنه-: إنك والله لأصح فتياننا وجها، وأحسنهم عقلا، وأفقههم في كتاب الله- عز وجل-. وروى عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس وعاش بعد ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- نحو خمس وثلاثين سنة، فشدت إليه الرحال وقصد من جميع الأقطار. وروى عن طاووس قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وروى عن مجاهد قال: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول: قال رسول الله. وروى ابن عمر عن يزيد بن الأصم قال: خرج معاوية حاجا ومعه ابن عباس، وكان لابن عباس موكب ممن يطلب العلم. وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الملك بن ميسرة قال: جالست سبعين أو ثمانين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحب [ (1) ] أحد منهم خالف ابن عباس فيلتقيان إلا قال: القول كما قلت، أو قال: صدقت. وروى أيضا عن مسروق والأعمش قالا: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث قلت: أعلم الناس. زاد الأعمش وإذا سكت قلت: أعلم الناس. وروى أيضا عن سفيان عن أبي وائل قال: خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة النور، وفي لفظ البقرة، فجعل يقرأ ويتغير، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله ولو سمعته فارس والروم والقرى لأسلمت. وروى الطبراني عن الحسن قال: كان ابن عباس يقوم على منبرنا هذا، أحسبه قال: عشية عرفة فيقرأ بالبقرة وآل عمران فيفسرها، وفي رواية: ثم يفسرها آية آية وكان يتجه نجدا غربا.

_ [ (1) ] سقط في أ.

وروى الطبراني عنه أن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان إذا ذكر ابن عباس يقول ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول وفي رواية إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا. وروى ابن الجوزي عن عمرو بن دينار أن رجلا سأل ابن عمر عن السماوات كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الأنبياء/ 30] قال: فاذهب إلى ذلك الشيخ فسأله فقال: كانت السماوات رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت ففتق هذه بالمطر وفتق هذه بالإنبات، فرجع الرجل إلى ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- فأخبره فقال: أن ابن عباس قد أوتي علما حدث هكذا كانت ثم قال ابن عمر: كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن فالآن قد علمت أنه أوتي علما وحكمة أو كما قال. وروى أيضا الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنتعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: العجب والله يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فركبت ذلك وأقبلت على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأجده راقدا فأتوسد ردائي على باب داره تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إلي، فإذا رآني قال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم مالك؟ قلت: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأحببت أن أسمعه منك فيقول: هلا أرسلت إلى فآتيك، فأقول: أنا كنت أحق أن آتيك وكان ذلك الرجل يراني، وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد احتاج الناس إلى منقول، أنت أعلم مني. وروي عن عمرو بن دينار قال: ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام، والعربية والأنساب والشعر. وروى الحربي عن عطاء قال: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب وأناس لأيام العرب في وقائعها وأناس للعلم فما منهم نصف إلا يقبل عليهم بما شاءوا. وروى ابن عمر عن طاوس- رحمه الله تعالى- قال: كان ابن عباس قد سبق الناس في العلم كما تسبق النخلة السحوق على الودي الصغار. وروى أيضا عن عبد الله بن عبد الله قال: «ما رأيت أحدا كان أعلم بالنسبة، ولا أجله رأيا ولا أثقب نظرا من ابن عباس، ولقد كان عمر- رضي الله تعالى عنه- يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين. وروى أيضا عن القاسم بن محمد قال: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلا قط، وما

الخامس: في رجوع بعض الخوارج إلى قوله وانصرافهم عن قتال علي - رضي الله تعالى عنه -

سمعت فتوى أشبه بالسنّة من فتواه، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسمونه البحر ويسمونه الحبر. وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن هرقل كتب إلى معاوية وقال: إن كان بقي فيه من النبوة، فسيجيبوني عن ما سألتهم عنه، وكتب إليه سأله عن المجرة وعن القوس وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة، فلما أتاه الكتاب والرسول فقال: هذا شيء ما كنت أراه أسأل عنه إلا يومي هذا، فطوى معاوية الكتاب- كتاب هرقل- فبعث به إلى ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فكتب إليه أن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرة باب السماء التي تنشق منه، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار، فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل. الخامس: في رجوع بعض الخوارج إلى قوله وانصرافهم عن قتال علي- رضي الله تعالى عنه- روى بكار بن قتيبة في «مشيخته» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنها- قال: اجتمعت الخوارج وهم ستة آلاف، وفي لفظ: أربعة وعشرون ألفا، فقلت: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة، لعلي ألقى مولى القوم فقال: إني أخافهم عليك، فقلت: كلا إن شاء الله فلست أحسن ما أقدر عليه من هذه المجانبة ثم دخلت عليهم وهم قائلون في حر الظهيرة، فدخلت على قوم لم أر أقواما قط أشد اجتهادا منهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم» الحديث فلما دخلت قالوا: مرحبا بك يا ابن عباس، ما جاء بك؟ قلت: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه، وقال بعضهم: لنحدثنه، قلت: أخبروني ما تنقمون عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وختنه، وأول من آمن به وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم معه، قالوا: ننقم عليه ثلاثا؟ قلت: وما هن قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في دين الله- عز وجل- وقد قال الله- عز وجل-: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام/ 57] قال: قلت وماذا؟ قالوا: قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم، قال: قلت: وماذا قالوا مجير نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال: قلت: إن قرأت عليكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون أترجعون؟ قالوا: نعم قال: إنه حكم الرجال في دين الله- عز وجل- فإن الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلى قوله يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة/ 95] وقال تعالى في المرأة وزوجها: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها [النساء/ 35] أنشدكم الله الحكم للرجال في حقن دمائهم وأنفسهم، وصلاح ذات بينهم أحق أم في بيت ثمنها ربع

السادس: في أنه كان يغزي جماعة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم

درهم، قالوا أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن مقاتلهم لخلع الطاعة. السادس: في أنه كان يغزي جماعة من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم روى الشيخان عنه قال: كنت أقوى رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذي يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كلّ مطيّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسّنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أمّا والله- إن شاء الله- لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرّواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر عليّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلى، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ إنّ الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلّم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرّجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرّجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثمّ إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم- أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله. ثمّ إنه بلغني أنّ قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترونّ امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكنّ

الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتيّنهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك. فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم- معشر المهاجرين- رهط، وقد دفّت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم- وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوفر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً ودارا. وقد رضيت لكم أخذ هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم- فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا- فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسوّل إليّ نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب. منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلهم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وأنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 148، 149 (6830) .

السابع: في رؤيته لجبريل صلى الله عليه وسلم

وروى ابن حبان عن رافع قال: كان ابن عباس خليطا لعمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهما- كان من أهله، وكان يقرؤه القرآن. السابع: في رؤيته لجبريل صلى الله عليه وسلّم روى الترمذي وأبو عمر عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت جبريل مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحكمة مرتين، وفي رواية قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعنده جبريل فقال له جبريل: أنه كائن حبر هذه الأمة واستوصى به خيرا. وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عنه قال: كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه، وكان كالمعرض عن أبي فخرجنا من عنده فقال لي أبي: أي بني؟ ألم ترى إلى ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: يا أبت إنه كان عنده رجل يناجيه قال: فرجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أبي: يا رسول الله، قلت لعبد الله كذا وكذا فأخبرني إنه كان عندك رجل يناجيك، فهل كان عندك أحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وهل رأيته يا عبد الله؟» قلت: نعم قال: «ذاك جبريل- عليه السلام- هو الذي شغلني عنك» . وروى عنه قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثياب بيض وهو يناجي دحية بن خليفة الكلبي وهو جبريل، وأنا لا أعلم فسلم عليّ. الثامن: في حبه الخير لغيره إن لم ينله منه شيء. روى الطبراني برجال الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن أبي بريدة- رحمه الله تعالى- أن رجلا شتم ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- فقال: إنك لتشتمني وفي ثلاث خصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله فلوددت أن جميع الناس يعلمون ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح، ولعلي لا أماضي عليه أبدا، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين، فأفرح ومالي به سائمة. التاسع: في أنه أبو الخلفاء روى أبو نعيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال «اذهبي بأبي الخلفاء ... » الحديث. العاشر: في صبره واحتماله اعلم أن الإمام ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- كان من أحواله الصبر والرضا ولا سيما عند فقد بصره. روي عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: ما بلغني عن أخ لي بمكروه إلا أنزلته إحدى ثلاث منازل: إما أن يكون فوقي، فأعرف له قدره، أو نظيري تفضلت عليه، أو دوني فلم أحفل به.

الحادي عشر: في شوقه - رضي الله تعالى عنه - في دينه

وروى عن عكرمة- رضي الله تعالى عنه- قال رجل: يا ابن عباس، فلما قضى حاجته قال: يا عكرمة، انظر هل للرجل حاجة فنقضيها؟ قال: فنكس الرجل رأسه استحياء. وروي عن عكرمة بن سليم- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أكل معه، فدخل قوم فقالوا: أين ابن عباس الأعمى؟ فقال ابن عباس فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج/ 46] . الحادي عشر: في شوقه- رضي الله تعالى عنه- في دينه روي عن طاوس- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت أحدا كان أشد تعظيما لحرمات الله- عز وجل- من ابن عباس- رضي الله تعالى عنه-. وروى أبو محمد الإبراهيمي في كتاب «الصلاة» عن سماك أن الماء لما برد في عين ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- فذهب بصره أتاه الذي يثقب العين ويسيل الدماء فقال: أخل بيننا وبين عينيك يسيل ماءها، ولكن تمسك خمسة أيام عن الصلاة فقال: لا والله ولا ركعة واحدة، إني حدثت أنه من ترك صلاة واحدة لقي الله، وهو عليه غضبان وقال: وآخر شدة يلقاها المؤمن الموت، وكذلك كف بصر والده العباس وجده عبد المطلب. الثاني عشر: في سخائه وكرمه- رضي الله تعالى عنه- روي عن ... أن معاوية أمر لابن عباس- رضي الله تعالى عنه- بأربعة آلاف درهم، ففرقها في بني عبد المطلب، فقالوا: إنا لا نقبل الصدقة، فقال: إنها ليست بصدقة، وإنما هي هدية. الثالث عشر: في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- كلمات ينفعه الله تعالى بهن. وروى عبد بن حميد والخلعي وأبو نعيم واللفظ له عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا غلام، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله- عز وجل- بهن؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك، وعلى أن يمنعوك شيئا كتبه الله لك لن يقدروا على ذلك، فاعمل لله- عز وجل- بالرضى واليقين، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا» .

الرابع عشر: في حرصه على الخير في صغره

الرابع عشر: في حرصه على الخير في صغره روى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقبلت راكبا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير جدار بمنى. وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير- رضي الله تعالى عنه- عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أمسى، فقال: أصلى الغلام؟ قالوا: نعم، فاضطجع حتى مضى من الليل ما شاء، ثم قام فتوضأ، فقمت فتوضأت بفضلته، ثم اشتملت بإزاري، ثم قمت عن يساره فأخذ بأدني فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم صلى سبعا أو خمسا أو تربهن لم يسلم إلا في آخرهن. وروي عن عكرمة- رضي الله تعالى عنه- قال: بت عند خالتي ميمونة فقمت فقلت: لأنظرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام من الليل فقمت معه فبال فتوضأ وضوءا خفيفا، ثم عاد ثم قام، فبال فتوضأ وضوءا فأحسن الوضوء ثم توضأ قال: فصلى من الليل فقمت خلفه، فأهوى بيده وأخذ برأسي فأقامني عن يمينه إلى جنبه، فصلى أربعا ثم أربعا، ثم أوتر بثلاث، ثم نام، حتى سمعته ينفخ ثم أتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة، ولم يحدث وضوءا. وروى ابن أبي شيبة عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: بت ذات ليلة عند ميمونة بنت الحارث، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره فأخذ بداوية كانت لي أو برأسي، فأقامني عن يمينه. وروى عبد الرزاق عنه قال: بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فأتى الحوخة ثم جاء فغسل وجهه ويديه، ثم قام يصلي من الليل فأتى القربة فتوضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ، ثم قام يصلي، وتمطيت كراهية أن يراني القتيبة- يعني أراقبه- ثم قمت ففعلت كما فعل فقمت عن يساره فأخذ بما يلي أذني فكنت عن يمينه، وهو يصلي فتتامت صلاته إلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم جاء بلال فأذنه بالصلاة فقام يصلي، ولم يتوضأ. وروي أيضا عنه قال: كنت في بيت ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره فأخذ بيدي، فجعلني عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة حررت قيامه في كل ركعة قدر يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. الخامس عشر: في قوله صلى الله عليه وسلم هذا شيخ قريش وهو صغير روى أبو زرعة الرازي في «العلل» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت خالتي ميمونة فقلت: إني أريد أن أبيت عندكم الليلة، فقالت: وكيف تبيت وإنما الفراش

السادس عشر في فزعه إلى الصلاة عند شدة تعرقه

واحد؟!! فقلت: لا حاجة لي بفراشكما، أفرش نصف إزاري، وأما الوسادة فإني أضع رأسي مع رأسكما من وراء الوسادة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحدثته ميمونة بما قال ابن عباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هذا شيخ قريش» . السادس عشر في فزعه إلى الصلاة عند شدة تعرقه روى الطبراني عن حسان- رضي الله تعالى عنه- قال: بدت لنا معشر الأنصار حاجة إلى الوالي، وكان الذي طلبنا إليه أمرا صعبا فمشينا إليه برجال من قريش وغيرهم فكلموه وذكروا له وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا، فذكر لهم صعوبة الأمر فعذره القوم وألح عليه ابن عباس فو الله ما وجد بدا من قضاء حاجته، فخرجنا حتى دخلنا المسجد فإذا القوم أندية، قال حسان فضحكت، وأنا أسمعهم إنه والله كان أولاكم بها، إنها والله صبابة النبوة ووراثة أحمد ويهديه أعرافه، وانتزاع شبه طباعه فقال القوم: أجمل يا حسان، فقال ابن عباس: صدقوا فأجمل فأنشأ حسان يمدح ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- إذا ما ابن عبّاس بدا لك وجهه ... رأيت له في كل مجمعة فضلا إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بمنتظمات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النّفوس فلم يدع ... لذي أرب في القول جدّا ولا هزلا سموت إلى العلياء بغير مشقّة ... فنلت ذراها لا دنيّا ولا وغلا خلقت خليفا للمروءة والنّدى ... بليجا ولم تخلق كهاما ولا خبلا فقال الوالي: ما أراد بالكهام غيري والله بيني وبينه. السابع عشر: في وفاته- رضي الله تعالى عنه- توفي بالطائف. روى الطبراني برجال الصحيح عن سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- قال: مات ابن عباس- رحمه الله- ورضي الله عنه بالطائف، وشهدنا جنازته فجاء طائر لم يرى على خلقه، حتى دخل في نعشه ثم لم يرى خارجا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على القبر يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر/ 27، 30] . وروى أيضا عن عبد الله بن ياسين عن أبيه نحو إلا أنه قال: جاء طائر أبيض يقال له: الغرنوف قال يحيى بن بكير- رحمه الله تعالى-: توفى عبد الله بن عباس سنة ثمان وستين وهو ابن إحدى أو اثنتين وسبعين سنة، وكان يصفر لحيته.

الثامن عشر: في ولده - رضي الله تعالى عنه -

الثامن عشر: في ولده- رضي الله تعالى عنه- كان له- رضي الله تعالى عنه- من الولد العباس، وبه كان يكنى، وعلي البحار، والفضل، ومحمد، وعبيد الله، ولبابة، وأسماء- رضي الله تعالى عنها-. تنبيه في بيان غريب ما سبق: الشعب والوفرة تقدم الكلام عليها. الجسيم [.....] . الوسيم [.....] . الكيس [الفطن] . الكهل [.....] . العقول [.....] . الصبيح [منور] . التأويل [.....] . السؤول [كثير السؤول] . الرتق [أي شيء مرتوقا] .

الباب الثاني عشر في بعض تراجم بني العباس رضي الله عنهم

الباب الثاني عشر في بعض تراجم بني العباس رضي الله عنهم غير من تقدم- رضي الله عنهم- وفيه. الأول: عبد الرحمن- رضي الله عنه- ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم- ولا بقية له وكان أصغر إخوته قال البلاذري: مات في طاعون عمواس. وقال مصعب: استشهد بإفريقية مع أخيه معبد في خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه- سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن أبي السرح، وقال ابن الكلبي- رحمه الله تعالى استشهد بالشام. الثاني: - معبد يكنى أبا عباس ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولم يحفظ عنه شيئا واستعمله علي- رضي الله تعالى عنه- على مكة واستشهد بإفريقية وله عقب. الثالث: كثير يكنى أبا تمام ولد قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأشهر في سنة عشر من الهجرة، كان رضي الله تعالى عنه فقيها ذكيا فاضلا أمه وأم أخيه تمام رومية اسمها سبا، وقيل: حميرية. الرابع: السراج تمام ولد على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وروى عنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا عليّ قلحا فلولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» . رواه البغوي. قال أبو عمر رحمه الله وكان تمام أصغر أولاد العباس وكان يحمله، ويقول: تمّوا بتمّام فصاروا عشره ... يا ربّ فاجعلهم كراما بررة واجعل لهم ذكرا وأنم الشّجره قال ابن سعد: وله من الإناث أمّ حبيبة وزميمة وصفيّة وأكثرهم من لبابة أم الفضل. تنبيهان: الأول: ما ذكره أبو عمر من أن تميما أصغر أولاد العباس رضي الله عنه يعارض ما تقدم من كثير، لأنه ذكر أن كثيرا ولد قبل وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأشهر وذكر أنّ تمّاما روى عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيكون كثير أصغر منه قطعا. الثاني في بيان غريب ما سبق: عمواس: [.....] إفريقية: [يطلق على الجزء الشمالي من قارة إفريقيا المطل على البحر الأبيض غربي مصر] . له عقب: أي ولد. القلخ: صقرة تعلو الأسنان ووسخ يركبها. السواك [.....] .

الباب الثالث عشر في بعض مناقب أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب - رضي الله عنه -

الباب الثالث عشر في بعض مناقب أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب- رضي الله عنه- وفيه أنواع: الأول: في مولده واسمه: أبو سفيان بن الحارث ابن عم النبي- صلى الله عليه وسلّم- وأخوه من الرضاعة وأمه [غزية بنت قيس] [ (1) ] . قيل: كان اسمه المغيرة. ولم يذكر الدارقطني غيره. وقيل: بل اسمه كنيته، والمغيرة أخوه، وكان يألف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عاداه وهجاه. الثاني: في إسلامه- رضي الله تعالى عنه-: أسلم عام الفتح وحسن إسلامه ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- حياءا منه، وأسلم معه ولده جعفر لقيا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأبواء وأسلما قبل دخول مكة، وقيل: بل لقيهما هو وعبد الله بن أبي أمية بين السّقيا والعرج، فأعرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنهما، فقالت له أم سلمة (لا تكفر) [ (1) ] ابن عمك وأخوك. ابن عمتك أشقى الناس بك. وقال له علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يوسف/ 91] ، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولا منه، ففعل ذلك أبو سفيان رضي الله تعالى عنه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرّاحمين» . الثالث: في شهادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- له بالجنة وإثبات (الخيرية) [ (2) ] له- رضي الله تعالى عنه-: روى أبو عمر عن عروة عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: أبو سفيان بن الحارث من شباب أهل الجنة وسيد فتيان أهل الجنة. رواه ابن سعد والحاكم مرسلا. وروى الحاكم والطبراني بسند جيد وأبو عمر عن أبي حيّة البدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أبو سفيان خير أهلي أو من خير أهلي» ، وفي لفظ: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين كان لا ينظر إلى ناحية إلا رأى أبا سفيان بن الحارث يقاتل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إن أبا سفيان خير أهلي أو من خير أهلي» .

_ [ (1) ] سقط في ج. [ (2) ] في ج: الجزية

الرابع - في نبذ من فضائله رضي الله تعالى عنه:

الرابع- في نبذ من فضائله رضي الله تعالى عنه: قالوا: شهد أبو سفيان رضي الله تعالى عنه- حنينا وأبلى فيها بلاءا حسنا، وكان ممن ثبت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أو [غرزه] على اختلاف في النقل، حتى انصرف الناس وكان رضي الله تعالى عنه يشبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحبّه. الخامس: في وفاته- رضي الله تعالى عنه-: توفي بالمدينة سنة عشرين، ودفن في دار عقيل بن أبي طالب، قاله أبو عمر: وقال ابن قتيبة: دفن بينبع، وقيل: توفّي في سنة خمس عشرة، وكان- رضي الله تعالى عنه- هو الذي حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام، وسبب موته أنه كان في رأسه ثؤلول فحلقه الحلّاق، فقطعه، فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج، روي عنه أنه قال لما حضرته الوفاة: «لا تبكوا عليّ فإنّي لم أتنطّف بخطيئة منذ أسلمت» . السادس: في أولاده- رضي الله تعالى عنه-: كان له- رضي الله تعالى عنه- من الولد عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث، رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- وروى عنه، وكان مسلما بعد الفتح وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث ذكر أهل بيته أنه شهد حنينا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولم يزل مع أبيه ملازما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى قبض، وتوفّي جعفر في خلافة معاوية. وأبو الهيّاج بن أبي سفيان قيل: اسمه عبد الله وقيل: عليّ، والإناث عاتكة بنت أبي سفيان بن الحارث تزوجها معتب بن أبي لهب فولدت له، وذكر ابن سعد في ولده المغيرة، والحارث، وكعب، وله رواية وكان يلقب ببّه بموحدتين، ثانيهما ثقيلة. تنبيه في بيان غريب ما سبق: الأبواء والسقيا والعرج: أسماء مواضع تقدم الكلام عليها. آثرك: اختارك وفضلك. البلاء: مبالغة الجهد في الأمر. الثؤلول: بثر صغير صلب مستدير يظهر على الجلد كالحمّصة أو دونها. أتنظّف: بهمزة فنون فطاء مهملة ففاء: يقال نطف ينطف إذا قطر قليلا قليلا ومنه النّطفة لقلتها وأشار به إلى المبالغة في عدم المعصية، والله تعالى أعلم.

الباب الرابع عشر في بعض مناقب نوفل بن الحارث بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه -

الباب الرابع عشر في بعض مناقب نوفل بن الحارث بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في اسمه وكنيته رضي الله تعالى عنه: لم يرد اسمه نوفلا ويكنى أبا الحارث كان أسنّ من إخوته، ومن جميع من أسلم من بني هاشم، حتى حمزة والعباس وأسر يوم بدر، وفداه العبّاس، وقيل: بل فدى نفسه. الثاني: في إسلامه رضي الله تعالى عنه: أسلم وهاجر أيام الخندق، وقيل: أسلم يوم فدى نفسه. وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل رضي الله تعالى عنه قال: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر، قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «افد نفسك» قال: ما لي شيء أفدي نفسي به، قال صلى الله عليه وسلّم: «افد نفسك برماحك التي بجدّه» ، فقال: والله، ما علم أحد أنّ لي بجدّة رماحا غيري بعد الله، أشهد بأنك رسول الله. الثالث: في نبذ من فضائله: شهد- رضي الله تعالى عنه- مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتح مكّة وحنينا، والطائف وكان- رضي الله تعالى عنه- يوم حنين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأعان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة آلاف رمح، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: كأني أرى رماحك تقضّ أصلاب المشركين وآخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين العباس- رضي الله تعالى عنهما- وكانا مشركين في الجاهلية متحابّين. الرابع: في وفاته- رضي الله تعالى عنه: [توفي نوفل بن الحارث بعد أن استخلف عمر بن الخطاب بسنة وثلاثة أشهر فصلى عليه ثم تبعه إلى البقيع حتى دفن هناك] . الخامس: في أولاده: كان له- رضي الله تعالى عنه- من الولد الحارث، وعبد الله، وعبيد الله، والمغيرة، وسعيد، وعبد الرحمن، وربيعة، فأمّا الحارث فكان يلقب ببّه، لأن أمّه هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية كانت ترقّصه وهو طفل وتقول: لأنكحنّ ببّه ... جارية خدبّه مكرمة محبّه ... بحبّ أهل الكعبة والخديب: هو العظيم الباقي.

وأسلم مع إسلام أبيه، وكان على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا، ولد له ولده عبد الله فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فحنّكه ودعا له واستعمله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بعض عمالة مكة، واستعمله أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- أيضا وولي الحارث مكة، وانتقل من المدينة إلى البصرة وكان- رضي الله تعالى عنه- قد اصطلح عليه أهل البصرة حين توفّي يزيد ابن أبي سفيان. مات بالبصرة في خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه-. وأما المغيرة فيكنى أبا يحيى، ولد على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل الهجرة، وقيل: بعدها، ولم يدرك من حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غير ستّ سنين، وهو الذي طرح على عبد الرحمن بن ملجم القطيفة حين ضرب عليا- رضي الله تعالى عنه- على هامته بسيفه، فصرعه، فلما همّ الناس به حمل عليهم بسيفه فخرجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة، فرماها عليه واحتمله، وضرب به الأرض وقعد على صدره وانتزع سيفه منه، وكان رضي الله تعالى عنه- أيّدا أي قويا ثم حمل ابن ملجم وحبس حتى مات علي- رضي الله تعالى عنه- فقتل، وكان المغيرة هذا قاضيا في زمن معاوية، وشهد مع عليّ صفّين وتزوّج أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بعد علي- رضي الله تعالى عنه- روى عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وقيل: إن حديثه مرسل، ولم يسمع من النبي- صلى الله عليه وسلّم- ومن ولده عبد الملك بن المغيرة بن نوفل، وأما عبد الله بن نوفل بن الحارث فكان جميلا يشبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان رضي الله تعالى عنه أول من وليّ القضاء بالمدينة في خلافة معاوية وأما أخواه عبيد وسعيد فقد روي عنهما العلم، وأما عبد الرحمن وربيعة ابنا نوفل بن الحارث فلا بقية لهما.

الباب الخامس عشر في بعض مناقب بقية أولاد الحارث بن عبد المطلب

الباب الخامس عشر في بعض مناقب بقية أولاد الحارث بن عبد المطلب الأول: ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي- رضي الله تعالى عنه- وكنيته أبو أروى أثنى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأكرمه. روى الدّارقطنيّ في كتاب الإخوة والأخوات عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «نعم الرجل ربيعة لو قصّر من شعره، وشمّر من ثوبه، وأطعمه النبي- صلى الله عليه وسلّم- مائة وسق من خيبر كلّ عام» . روى عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكان شريك عثمان بن عفان في التجارة توفّي سنة ثلاث وعشرين في خلافة عمر- رضي الله تعالى عنهما- وكان له بنون وبنات: العباس، وعبد المطلب، وعبد الله، والحارث، وأمية، وعبد شمس، وآدم بن ربيعة، وكان مسترضعا في بني هذيل، وكان العبّاس ذا قدر وأقطعه عثمان دارا بالبصرة وأعطاه مائة ألف درهم. روى ابن حبان عن المطلب بن ربيعة. الثاني: عبد شمس بن الحارث بن عبد المطلّب القرشي الهاشمي، سمّاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله، مات صغيرا في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فدفنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قميصه وقال في حقه: «أدركته السّعادة» . وقال الدّارقطنيّ: في كتاب «الإخوة والأخوات» والبغويّ في المعجم: وليس له عقب، وقال ابن قتيبة: عقبه بالشام، يقال لهم الموزة، لقلتهم لأنهم لا يكادون يزيدون على ثلاثة. الثالث: المغيرة بن الحارث القرشي الهاشمي [كان قاضيا بالمدينة في خلافة عثمان، وشهد مع علي صفين وأوصاه علي أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص بعده، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم] . الرابع: هند بنت ربيعة، قيل: اسمها أسماء ولدت على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وتزوّجها حبّان بن منقذ، فولدت له [واسع بن حبان] ويحيى بن حبّان. الخامس: أروى بنت الحارث ذكرها ابن قتيبة، وأبو سعد، تزوجها أبو وداعة بن صبرة السّهميّ، فولدت له المطلب، وأبا سفيان بن أبي وداعة.

الباب السادس عشر في معرفة أولاد الزبير بن عبد المطلب وأولاد حمزة - رضي الله عنهما - وأولاد أبي لهب

الباب السادس عشر في معرفة أولاد الزبير بن عبد المطلب وأولاد حمزة- رضي الله عنهما- وأولاد أبي لهب أولاد الأول ثلاثة: ذكر وانثيان، فالذكر عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب القرشيّ الهاشميّ، وأمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية أدرك الإسلام، وأسلم وثبت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين فيمن ثبت. وقتل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- شهيدا فوجد حوله عصبة من الرّوم قد قتلهم، ثمّ أثخنته الجراحة، وذكر محمد بن عمر الأسلميّ أنه أول قتيل قتل بطريق معلم، برز يدعو إلى المبارزة فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلّب فاختلفت ضربات، ثم قتله عبد الله ولم يتعرض لسلبه، ثم برز آخر يدعو إلى البراز فبرز إليه فاقتتلا بالرّمحين ساعة ثم صار إلى السّيفين فضربه عبد الله على عاتقه، وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدّرع، وأشرع في منكبه ثم ولّى الروميّ [منهزما] فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز. فقال: لا أصبر فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها بعضا وجد في ربضة من الروم عشرة حوله مثّلا وهو مقتول بينهم. كانت سنّة نحوا من ثلاثين سنة، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول له-: ابن عمي وحبّي، ومنهم من يقول: كان ابن أمي ولم يعقّب، قاله ابن قتيبة. والأنثيان الأولى منهما: وهي ضباعة وهي التي أمرها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (بالاستمرار) [ (1) ] في الحج وكانت تحت المقداد بن الأسود. والثانية: أم الحكم كانت تحت ربيعة بن الحارث. وأولاد حمزة- رضي الله تعالى عنه-: عمارة، ويعلى ولم يعقب من ولد حمزة غيره عقّب خمسة رجال ولم يعقبوا لما سبق بيانه. وأما أولاد أبي لهب فخمسة: عتبة: بعين مهملة مضمومة، ففوقية ساكنة فموحدة فتاء تأنيث. ومعتّب: بميم مضمومة، فعين مهملة مفتوحة ففوقية مكسورة مشددة أسلما- رضي الله تعالى عنهما- يوم الفتح وكانا قد هربا، فبعث العباس- رضي الله تعالى عنه- إليهما ودعا لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وشهدا معه حنينا، والطائف وفقئت عين معتّب يوم حنين ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة، ولهما- رضي الله تعالى عنهما- عقب.

_ [ (1) ] في ج: بالأشواط.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

ودرة: أسلمت وكانت عند الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنهما- وروت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أنت منّي وأنا منك» رواه الطبراني برجال الصحيح عنها. وخالدة [بنت أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمها أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس. تزوجها أوفى بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي فولدت له عبيدة وسعيدا وإبراهيم بن أوفى] . وعتيبة: بزيادة تحتية بين الموحدة والفوقية: مات كافرا وكان عقد علي أم كلثوم بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلما جاء الإسلام طلّقها. روى ابن خيثمة عن قتادة أن عتيبة لما فارق أمّ كلثوم جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلّم- فقال: كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تجيئني ولا أجيئك، ثم سطا عليه فشق قميص النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو خارج نحو الشّام تاجرا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أما إني أسأل الله أن يسلّط عليك كلبه. فخرج مع نفر من قريش حتى نزلوا بمكان من الشام يقال له الزرقة ليلا فطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمّد. أقاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام؟ فعدا عليه السّبع من بين القوم، فأخذ برأسه فضمغه ضمغة فقتله بها. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أجنادين: بفتح الهمزة على لفظ تثنية (أجناد) ، ذكره البكريّ، وقال أبو محمد بن قدامة: بكسر الهمزة وفتح الدال: موضع ببلاد الشام. العصبة: [الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين] . الربضة: [الجماعة] . يسلّط: [.....] . الزّرقاء: بفتح الزاي فراء ساكنة فقاف فألف: تأنيث أزرق.

الباب السابع عشر في ذكر أخواله - صلى الله عليه وسلم -

الباب السابع عشر في ذكر أخواله- صلّى الله عليه وسلّم- الأسود بن عبد يغوث قال البلاذري: وهو خال النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان من المستهزئين ثم روى عن عكرمة. قال: أخذ جبريل عليه السلام بعنق الأسود بن عبد يغوث فحنى ظهره، حتى احقوقف، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «خالي خالي» ، فقال: يا محمد، دعه عنك. وروى ابن الإعرابي، في معجمه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لخاله الأسود بن وهب: ألا أعلمك كلمات؟ من يرد الله به خيرا يعلمهن إياها ثم لا ينسيه أبدا، قال: بلى يا رسول الله، قال: قل: الّلهم، إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي. وروى ابن منده: عن الأسود بن وهب خال النبي- صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أنبّئك بشيء عسى الله أن ينفعك به» قال: إن أربى الربا الباب منه عدل سبعين حوبا أدناها فجرة كاضطجاع الرجل مع أمه، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه بغير حق. وروى ابن شاهين عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن الأسود بن وهب خال النبي- صلى الله عليه وسلم- أستأذن عليه، فقال: «يا خال، ادخل» ، فدخل، فبسط له رداءه فقال: اجلس على ردائك يا رسول الله؟ قال: «نعم، فإنما الخال والد» . روى الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف عن محمد بن عمير بن وهب خال النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: جاء يعني عمير النبي- صلى الله عليه وسلم- والنبي- صلى الله عليه وسلّم- قاعد، فبسط له رداءه، فقال: أجلس على ردائك؟ قال: نعم، فإنما الخال والد، وفي لفظ «وارث» . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلّم- فحنى ظهر الأسود ابن عبد يغوث حتى احقوقف صدره، فقال- صلى الله عليه وسلّم- خالي خالي، فقال جبريل: دعه عنك فقد كفيته فهو من المستهزئين. وروى أبو يعلى عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعطي خالته غلاما، فقال: «لا تجعليه قصّابا، ولا حجّاما ولا صائغا» . تنبيه في بيان غريب ما سبق: احقوقف: استطال واعوجّ الناحية. [.....] . حوبا: [الإثم والهلاك] الفجرة الفجرة: [.....] . الاستطالة: [الاعتداء] .

جماع أبواب ذكر أزواجه - صلى الله عليه وسلم -

جماع أبواب ذكر أزواجه- صلى الله عليه وسلم- الباب الأوّل في الكلام على أزواجه- صلى الله عليه وسلم- اللاتي دخل بهن على سبيل الإجمال، وترتيب تزويجهن- رضي الله تعالى عنهن وفيه أنواع: الأول: في أنه لم يتزوج إلّا من أهل الجنة وعددهن. روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عثمان بن زفر حدثنا سيف بن عمر عن عبد الله بن محمد عن هند بن هند بن أبي هالة عن أبيه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن الله تعالى أبى لي أن أزوّج أو أتزوّج إلا أهل الجنة. الثاني: عددهن وترتيبهن: هنّ إحدى عشرة امرأة. روى أبو طاهر المخلص عن طريق سيف بن عمر وهو ضعيف جدا عن قتادة: عن أنس وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّج خمس عشرة امرأة، دخل بثلاث عشرة واجتمع عنده إحدى عشرة، وتوفّي عن تسع. ورواه ابن عساكر عن طريق بحر بن كثير السّقّاء وهو ضعيف جدا عن أنس، ورواه أيضا من طريق عثمان بن مقسم، وهو متروك عن قتادة وهو موقوف عليه ورواه أيضاً ابن بحر عن عائشة وسمّى في هذا الطريق الثانية عشرة، والثالثة عشرة، فإن اللتين دخل بهما: أمّ شريك بنت جابر بن حكيم والنشاة بنت رفاعة، ولم أجد ذكرا في التجريد للذهبي ولا في الإصابة، واللتان تزوجهما ولم يدخل بهما عمرة بنت يزيد الغفاريّة والشنباء: بشين معجمة ونون. لم أجد لها ذكرا [ (1) ] . ست قرشيات: خديجة بنت خويلد، بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر اللام، وبالدال المهملة، ابن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضير بن كنانة. وعائشة بنت أبي بكر الصديق، واسمه عبد الله أو عتيق بن أبي قحافة، بضم القاف وفتح الحاء المهملة، واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن وهب بن سعيد بن تميم بن مرّة بن

_ [ (1) ] ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية 5/ 255.

كعب بن لؤي. وحفصة بنت عمر بن الخطّاب بن نفيل بضم النون ابن عبد العزى بن رياح- بكسر الراء، وبالتحتية المثناة- ابن عبد الله بن قرط- بضم القاف والراء المفتوحة والطاء المهملتين- ابن رزاح- بفتح الراء والزاي، ابن عديّ بن كعب بن لؤيّ. وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشيّة العدويّة [ (1) ] . وأمّ سلمة هند بنت (أمية) [ (2) ] واسمه حذيفة أو زهير أو سهل ويعرف بزاد الراكب، وهو أحد أجواد العرب المشهورين بالكرم، وكان إذا سافر لم يحمل معه أحد من رفقته زادا بل كان يكفيهم. ابن المغيرة بن عبد الله عمرو بن مخزوم، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وبالزاي ابن يقظة بفتح التحتية والقاف والظاء المشالة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشية المخزومية. وسودة بنت زمعة بن قيس، بفتح القاف وسكون التحتية ابن عبد شمس بن عبد ودّ، بفتح الواو وبالدال المهملة المشددة واسمه حذيفة وزهير بن نفير بن مالك بن حسل، بكسر الحاء وسكون السين المهملتين وباللام، ابن عامر بن لؤي بن غالب. وأربع عربيات من غير قريش. فمن خلف قريش: زينب بنت جحش بن رياب (بكسر الراء) وتخفيف المثناة التحتية) ومد همزة وبعد الألف. موحدة ابن يعمر، بفتح التحتية وسكون العين المهملة وضم الميم، ابن صبرة، بفتح الضاد المهملة وكسر الموحدة، ابن مرّة بن كبير ضد صغير، ابن غنم، بفتح الغين المعجمة، وسكون النون، ابن دودان، بضم الدال المهملة، وسكون الواو فدال أخرى فألف فنون، ابن أسد بن خزيمة. وميمونة بنت الحارث بن حزن بفتح الحاء المهملة، والزاي وبالنون، ابن بجير بضم الموحدة، وسكون التحتية، وبالراء- ابن الهزم بضم الهاء، وفتح الزاي- ابن رويبة بضم الراء بعدها همزة مفتوحة، وتبدل واو- ابن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة (بفتح الخاء المعجمة، والصاد المهملة والفاء) ابن قيس عيلان (بفتح المهملة، وسكون التحتية) الهلالية. وزينت بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمر بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بفتح الموحدة ابن هوازن بفتح الهاء وكسر الزاي ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان الهلالية.

_ [ (1) ] سقط في ج. [ (2) ] في ج: أبى أمية.

وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ (بهمزة بعد الألف فذال معجمة) ابن مالك بن حذيمة بفتح الحاء وكسر الذال المعجمة وهو المصطلق بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام وبالقاف، ابن سعد بن كعب بن عمرو (وهو خزاعة- بضم الخاء المعجمة وبالزاي- ابن ربيعة بن حارثة بن عمرو مرتقيا بن عامر ماء. الخزاعية ثم المصطلقية وواحدة غير عربية وهي من بني إسرائيل وهي صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير) . هؤلاء المشهورات من نسائه- صلّى الله عليه وسلّم- اللائي دخل بهن متفق عليهن لم يختلف فيهن اثنان وذكر غيرهن وباقيهن يأتي في باب مفرد. مات عنده- صلى الله عليه وسلّم- منهن اثنتان- خديجة بنت خويلد وزينت بنت خزيمة وفي ريحانة خلاف وسيأتي ذكرها في السراري وقال أبو عبيد معمر بن المثنى رحمه الله تعالى: أول نسائه- صلّى الله عليه وسلّم- لحاقا به زينب ثم سودة ثم حفصة ثم أم حبيبة ثم أم سلمة آخرهن موتا. ومات- صلى الله عليه وسلم- عن تسع، خمس منهنّ من قريش: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيبة، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلمة. وثلاث من العرب غير قريش: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت جحش، وجويريّة بنت الحارث، ومن غير العرب: صفية بنت حيي ولا خلاف أن أول امرأة تزوج بها منهن خديجة- رضي الله تعالى عنها، وأنه لم يتزوج عليها رضي الله تعالى عنها حتى ماتت، واختلف في ترتيب البواقي مع الاتفاق على نكاح جملتهن. فقال عبد الله بن محمد بن عقيل: خديجة، وعائشة، وسودة، وأمّ حبيبة، وبنت أبي سفيان، وحفصة بنت عمر، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، ثم زينب بنت خزيمة الكندية التي سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يطلقها، وقال قتادة: خديجة ثم سودة ثم عائشة ثم أمّ حبيبة، ثم أم سلمة، ثم حفصة، ثم زينب بنت جحش، ثم جويرية ثم ميمونة بنت الحارث، ثم صفية، ثم زينب بنت خزيمة. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج خديجة، ثم سودة بمكة، ثم عائشة قبل الهجرة بسنتين، ثم أمّ سلمة بعد وقعة بدر سنة اثنتين بالمدينة، ثم حفصة سنة اثنتين، ثم زينب بنت جحش سنة ثلاث، ثم جويرية سنة خمس، ثم أمّ حبيبة سنة ستّ ثم صفية سنة سبع، ثم ميمونة بنت الحارث، ثم فاطمة بنت سريح، ثم زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم أسماء بنت النعمان، ثم قتيلة بنت الأشعث، ثم شتا بنت أسماء قلت: وسيأتي الكلام على ذكر فاطمة، وهند، وأسماء، وشنباء، واختلف عقيل- بضم العين المهملة، وبفتح القاف وسكون التحتية- والزّهري في وصف عددهن. فقال عقيل رضي الله عنه: خديجة، ثم سودة، ثم عائشة، ثم حبيبة، ثم حفصة، ثم أم سلمة ثم زينب بنت جحش، ثم جويرية، ثم ميمونة، ثم صفية ثم امرأة من بني الجوث من كندة، ثم العمرية ثم العالية، وقال يونس عنه: خديجة، ثم عائشة، ثم

تنبيه:

سودة، ثم حفصة، ثم أم حبيبة، ثم أم سلمة ثم زينب بنت جحش، ثم ميمونة، ثم جويريّة، ثم صفية، وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، وابن إسحاق: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خديجة ثم عائشة وأصدقها أربعمائة درهم زوجها منه- صلى الله عليه وسلّم- أبوها، ثم سودة زوجها منه أباها وفدان بن قيس ابن عمها. ويقال سليط بن عمرو ويقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس. وتعقّبه ابن هشام بأن ابن إسحاق خالف ذلك، وذكر إنهما كانا في هذا الوقت بالحبشة وأصدقها أربعمائة درهم، ثم حفصة وزوجها إياه أبوها عمر بن الخطاب، ثم زينب بنت خزيمة زوجه إياها بعقبة بن عمرو الهلالي ثم أم سلمة زوجه إياها ابنها سلمة بن أبي سلمة وهو صغير كما سيأتي وأصدقها فراشا حشوه ليف وقدحا، [المجش وهي الرحى] ثم زينب بنت جحش زوجه إياها أخوها أحمد بن جحش، وأصدقها أربعمائة درهم، ثم جويرية زوجه إياها خالد بن سعيد بن العاص ثم ريحانة، أم حبيبة زوجه إياه خالد بن سعيد العاص بالحبشة وأصدقها النبي شيئا ثم صفية، ثم ميمونة زوجه إياها العباس بن عبد المطلب وأصدقها العباس- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقال: إنها وهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلّم- ويقال: إنها زوّجه إياها خالد بن سعيد بن العاص، وأصدقها النجاشيّ عنه أربعمائة دينار، وهو الذي خطبها على النبي- صلى الله عليه وسلم-. تنبيه: ما ذكر ابن إسحاق من أن صداقه- صلى الله عليه وسلّم- لأكثر أزواجه أربعمائة درهم. ورد ما يخالفه، روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان صداق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا، قالت: النش نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم، فذلك صداق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأزواجه، وهذا أولى بالصحة، لأنه متفق عليه، ولأنه فيه زيادة على ما ذكره ابن إسحاق، ومن ذكر الزيادة معه زيادة علم. الثاني: في ذكر الآيات التي نزلت في شأن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] يعني أمهات المؤمنين ثم في تعظيم الحرمة وتحريم نكاحهن على التأبيد، فهن كالأمهات لا في النّظر إليهنّ، والخلوة بهن فإن ذلك حرام في حقّهنّ كما في الأجانب، ولا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين ولا لاخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم، فقد تزوج الزبير من أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة- رضي الله تعالى عنها- وتزوج العباس أمّ الفضل أخت ميمونة، ولم يقل: هما خالتا المؤمنين، ويقال: لأزواج النبي- صلى الله عليه وسلّم- أمّهات المؤمنين الرجال دون النساء بدليل ما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة- رضي الله تعالى عنها-: يا أمة، فقالت: لست لك بأمّ إنما أنا أمّ رجالكم، فبان بذلك أن معنى الآية أن الأمومة في الأمة المراد بها تحريم نكاحهن على التأبيد كالأمهات: وقال تعالى في سورة الأحزاب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب/ 28] .

الثالث: في حسن خلقه معهن ومداراته - صلى الله عليه وسلم - لهن، وحثه على برهن والصبر عليهن رضي الله تعالى عنهن:

روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن [عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاءها حين أمر الله أن يخبر أزواجه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك» ، وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت ثم قال: إن الله قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى تمام الآيتين فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة] . الثالث: في حسن خلقه معهن ومداراته- صلى الله عليه وسلّم- لهن، وحثّه على برّهن والصبر عليهن رضي الله تعالى عنهن: روى الطيالسي والإمام أحمد وابن عساكر عن عبد الله الجدلي، قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها- كيف كان خلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أهله؟ قالت: كان أحسن الناس خلقاً لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخّابا في الأسواق ولا يجازي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويغفر. وروى الحارث بن أسامة والخرائطيّ وابن عساكر عن عمرة قالت: سئلت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن خلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خلا مع نسائه، قالت: كان كالرجل من رجالكم إلا أنه كان أكرم النّاس، وأحسن الناس خلقا، وألين النّاس في قومه وأكرمهم، ضحّاكا بسّاما. روى ابن سعد عن ميمونة رضي الله تعالى عنها قالت: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب فجاء يستفتح الباب، فأبيت أن أفتح له، فقال: «أقسمت عليك أن تفتحي» فقلت له: تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي؟ قال: «ما فعلت، ولكن وجدت حقنا من بولي» . وروى الإمام أحمد وأبو داود، والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما رأيت صانعا طعاما مثل صفيّة، صنعت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- طعاما، فبعث به فأخذت في الأكل فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله، ما كفارة ما صنعت؟ قال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام. وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن أم كلثوم- رضي الله عنها- قالت: كانت زينب تفلّي رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعنده امرأة عثمان بن مظعون، ونساء من المهاجرات يشكون منازلهن وأنّهنّ يخرجن منه ويضيق عليهن فيه، فتكلمت زينب وتركت رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنك لست تكلّمين بعينك، تكلّمي واعملي عملك [ (1) ] » ، الحديث.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 363.

وروى النّسائيّ وأبو بكر الشافعي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: زارتنا سودة يوما فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيني وبينها إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت له حريرة أو قال: خزيرة، قلت: كلي فأبت، فقلت: لتأكلين أو لألطّخنّ وجهك فأبت، فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رجله من حجرها، لتستقيد مني، وقال لها: لطّخي وجهها، فأخذت من الصحفة شيئا فلطخت به وجهي، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضحك [ (1) ] . الحديث تقدم بتمامه في باب مزاحه ومداعبته- صلى الله عليه وسلّم-. وروى الطبراني وابن مردويه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها، قالت: نزل عندي، وكادت الأمة تهلك في سبي، فلما سرّي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعرج الملك، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لأبي: «اذهب إلى ابنتك، فأخبرها إن الله عز وجل، قد أنزل عذرها من السماء» ، قالت: فأتاني وهو يغدوا ويكاد أن يتعثر، فقال: أبشري يا بنية، إن الله عز وجل أنزل عذرك من السماء، فقلت: نحمد الله ولا نحمدك ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك، ثم دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فتناول ذراعي، فقلت: بيده هكذا فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها فمنعته أمي، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو الشيخ عن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنع في أهله قالت: كان بشرا من البشر يفلّي رأسه، ويحلب شاته، ويخيط ثوبه ويخدم نفسه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم، ويكون في مهنة أهله يعني خدمة أهله، فإذا سمع المؤذن خرج للصلاة وفي لفظ: فإذا حضرته الصلاة قام إلى الصلاة. وروى ابن سعد عنها أيضا قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعمل عمل أهل البيت وأكثر ما يعمل للخياطة. وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بيت لا تمر فيه جياع أهله، وبيت لا خلّ فيه فقار أهله، وبيت لا صبيان فيه لا خير فيه وخيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» . وروى أبو بكر الشافعي عن القاسم، قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويحزم نفسه- صلى الله عليه وسلّم-.

_ [ (1) ] أخرجه النسائي في السنن الكبرى 5/ 291

وروى الطبراني عن حبة وسواء ابني خالد، قال: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يعالج شيئا فأعنّاه عليه، فقال: لا تيأسا من الرزق، ما تهزهزت رؤوسكما، فإن الإنسان تلده أمّه ليس عليه قشر ثم يرزقه الله [ (1) ] . وروى أبو بشر الدولابيّ عن عروة، قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها- ما كان عمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيته؟ قالت: كان يخصف النّعل، ويرقّع الثوب. وروى ابن أبي شيبة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ قالت: كان يخصف النعل، ويرقع الثوب ونحو هذا. وروى عبد الرزاق عن عروة قال: سأل رجل عائشة- رضي الله تعالى عنها- هل كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعمل في بيته؟ قالت: نعم، كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. وروى ابن عدي عن [علي بن زيد بن جدعان عن أنس] قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسلم على نسائه إذا دخل عليهنّ [ (2) ] . وروى النسائي عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- استأذن أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسمع صوت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عاليا فأهوى بيده إليها ليلطمها وقال: يا بنية فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وخرج أبو بكر مغضبا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: يا عائشة، كيف رأيت أنقذتك من الرّجل ثم استأذن أبو بكر بعد أن اصطلح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعائشة فقال: ادخلا في السّلم كما دخلتما في الحرب فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد فعلنا. وروى الإمام أحمد، والبخاريّ، وأبو داود وابن ماجة، والدارقطنيّ، والترمذي، والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عند بعض نسائه أظنّها عائشة، وفي رواية النّسائي: فجاءت عائشة متّزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة فأرسلت وفي رواية الترمذي عائشة- من غير شك- فأرسلت إليه بعض أمهات المؤمنين وفي رواية النسائي أم سلمة- بصحفة فيها طعام فضربت التي هو في بيتها وفي رواية النسائي: فجاءت عائشة مؤتزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة فسقطت الصحفة فانفلقت نصفين فجمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلق الصحفة وفي رواية فأخذ الكسرين فضم إحداهما إلى الأخرى ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصّحفة ويقول: غارت أمّكم، ثم حبس، وفي لفظ:

_ [ (1) ] انظر كشف الخفاء 1/ 267 [ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 445.

الرابع: في محادثته - صلى الله عليه وسلم - لهن، وسمره معهن:

أمسك الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفعها إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها، وقال: طعام بطعام، وإناء بإناء. وروى ابن أبي شيبة عن قيس بن وهب عن رجل من بني سراة، قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها- أخبريني عن خلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: أما تقرأ القرآن وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ (1) ] . قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه فصنعت له طعاما، وصنعت له حفصة طعاما، فسبقتني حفصة، فقلت للجارية: انطلقي، فأكفئي قصعتها، فلحقتها، وقد هوت أن تضعها بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكفأتها فانكسرت القصعة فانتشر الطعام، فجمعها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما فيها من الطعام على الأرض فأكلها، ثم بعثت بقصعتي فرفعها النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى حفصة، فقال: خذوا ظرفا مكان ظرف، وكلوا ما فيها، فقالت: فما رأيته في وجه رسول الله. وروى النسائي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها- أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فجاءت عائشة- رضي الله تعالى عنها- ومعها فهر ففلقت به الصحفة. فجمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة، ويقول: كلوا غارات أمّكم، ثم أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صحفة عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وأعطى صحفة أمّ سلمة لعائشة رضي الله تعالى عنها-. وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمع نساءه في مرضه فقال: «إن أمر كنّ مما يهمّني من بعدي ولن يصبر عليكن إلّا الصابرون» . رواه أبو نعيم بلفظ: سيحفظني منكن الصابرون والصادقون. الرابع: في محادثته- صلى الله عليه وسلّم- لهن، وسمره معهن: روي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحدث نساءه حديث الذين خطبوا المرأة، وجعلوا ذكر صفاتهم إلى أحدهم ليصف لها كل واحد منهم من أحبّت فتتزوّجه، بعد أن سمعت صفته فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في حديثه: خذي من أخي ذا البجل ... إذا رعى القوم عقل وإذا سعى القوم يسل ... وإذا عمل القوم اتّكل وإذا ترب الزاد أكل............... .... [ (2) ]

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (2333) . [ (2) ] في المخطوط كلام غير واضح.

قالت المرأة: لا حاجة لي بهذا، هذا رغيب، قال: خذي من أخي ذا البجله ... حانوته يخصف نعلي ونعله ويحمل ثقلي وثقله ... ويرحل رحلي ورحله ويدرك نبلي ونبله ... وإذا حلّ برمة تقدّمت قبله قالت المرأة: هذا حمارك، لا حاجة لي به، قال: خذي من أخي هذا الأسد ... أفتك منزل به اللّصّ ملحد وركابه بحر مزبّد ... أقبل من رآنا به اللصّ ملحد وإذ رئي من رأينا لزند يزبد قالت: هذا لصّ، لا حاجة لي به، قال: خذي من أخي ذا الثّمر ... صبيّ خفر شجاع ظفر وهو خير من ذلك إذا سكر........... قالت: هذا سكّير، لا حاجة لي به، قال: خذي من أخي الحممة ... يهب المائة البكر السمنة والمائة البقرة الصّرمه ... والمائة الشاة الزغه أو قال: الذممة. وإذا أتت على عاد ليلة مظلمة ... وثب وثوب الكعب ولا هم شرته وقال: اكفوني الميمنه ... أكفيكم المشأمه لست فيه لعتمه ... ألا إنّه ابن أمه قالت المرأة: هذا رغيب يسير قد اخترته، قال لها: كما أنت قد بقي. خذي من أخي ذا الحقاق ... صفاق أفاق يعمل الناقة والساق ... عليه من الله إثم لا يطاق قالت: قد اخترته، قال: كما أنت فقد بقي خذي من أخي حرينا ... أولنا إذا غزونا وآخرنا إذا حمينا ... وعصمة آبائنا إذا شتونا وصاحب خطبنا إذا التجينا ... ولا يدع فضله علينا

وفاصل خطبة أعتت علينا. قالت: قد اخترته، قال: كما أنت فقد بقيت أنا، قالت: فحدثني عن نفسك، قال: أنا لقمان بن عاد: لعاديه لا يعاد إذا اضطجعت أسبع لا أخاط ولا يملي ريقي جنبي ولا يماريني إزار مطمعا فحلّ مطمع وإن لا مطمعا فرقاع بصلع. قالت: لا حاجة لي لك، أنت سارق وقد أحزنت حزينا. وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلّما قال: خذي من أخي كذا، وكذا: يقول بعض نسائه وفي بعض الطرق أمّ حبيبة أخذت هذا يا رسول الله، فيقول: رويدك فإني لم أفرغ من حديثهم، وفي رواية: لا تعجلي، قد بقي، رواه الحافظ حميد زنجويه في كتابه «آداب النبي- صلى الله عليه وسلم-» قال: حدثني أنس حدثني ابن أبي الزّناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها وقال أبو محمد بن قتيبة في حديث الحرف: حدثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنوي، قال: حدثنا يونس بن إسماعيل، قال: حدثنا سعيد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لقمان بن عاد خطب امرأة قد خطبها إخوته قبله» ، فقالوا: بئس ما صنعت، خطبت امرأة قد خطبناها قبلك، وكانوا سبعة، وهو ثامنهم، فصالحهم على أن ينعت لهم نفسه، وإخوته بصدق، وتختار هي أيّهم تشاء. وذكر الحديث بنحوه، وقال في آخر. قال عروة: بلغنا أنها قد تزوجت حزينا، وقال حميد بن زنجويه: حدثني ابن أبي أويس حدثني أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة وعن يزيد بن بكر الليثي عن داود بن حصين [ (1) ] ، عن عبيد الله بن عتبة، وعن عيسى بن عيسى الخياط، عن عمرو بن شعيب، قالوا: كان من حديث بني عاد أنهم اجتمعوا جميعا لخطبة امرأة فقال أكبرهم: دعيني أصفهم لك، إخوتي ونفسي، فوالله لأخبرنك بعلمي فيهم وفي نفسي. قالت المرأة: فخبّرني فذكره. حديث خرافة: روى ابن أبي شيبة والترمذي وأبو يعلى والبزّار والطبراني، والإمام أحمد ورجال أحمد ثقات- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: حدث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نساءه بحديث، فقالت امرأة منهن: كان يحدّث حديث خرافة، فقال: أتدرين؟ ولفظ أحمد عن عائشة قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أتدرون ما خرافة؟» كان رجلا من عذرة أسرته الجنّ، فمكث دهرا، ثم رجع، فكان يحدث بما رأى منهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة [ (2) ] وفي

_ [ (1) ] في ج: حصن. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 157 وذكره الهيثمي في المجمع 4/ 315 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد ثقات، وفي بعضهم كلام لا يقدح، وفي إسناد الطبراني علي بن أبي سارة وهو ضعيف.

الخامس: في اعتزاله - صلى الله عليه وسلم - نساءه - رضي الله تعالى عنهن -.

رواية: فإذا استرقوا السمع أخبروه، فيخبر به الناس، فيجدونه [ (1) ] كما قال. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب ذمّ البغي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله، فقالت إحداهن: كان هذا حديث خرافة. فقال: أتدرين ما خرافة؟ إن رجلا من بني عذرة أصابته الجنّ فكان فيهم حينا، فرجع إلى الإنس، فجعل يحدث بأحاديث تكون في الجن، لا تكون في الإنس. فحدّث إن رجلا من الجنّ كانت له أمّ، فأمرته أن يتزوج، فقال: إني أخشى، أن أدخل عليك من ذلك مشقة، أو بعض ما تكرهين، فلم تدعه حتى زوّجته فتزوج امرأة لها أمّ، فكان يقسم لامرأته ليلة، ولأمه ليلة، ليلة عند هذه، وليلة عند هذه، وكانت ليلة امرأته وأمّه وحدها فسلّم عليها مسلّم، فردت السّلام، فقال: هل من مبيت؟ قالت: نعم، قال: هل من عشاء؟ قالت: نعم، قال: هل من يحدّث بحديث الليلة، قالت: نعم، أرسل إلى ابني يأتيكم فيحدثكم، قالوا: فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك؟ قالت: إبل وغنم، قال أحدهما لصاحبه: أعط مثمن ما تمنّى، وإن كان خيرا فأصبحت وقد ملئت دارها إبلا وغنما. فرأت ابنها خبيث النفس. قالت: ما شأنك؟ لعل امرأتك أرادت أن تحولها إلى منزلي وتحولني إلى منزلها؟ قال: نعم، قالت: فحوّلها إلى منزلي، وحوّلني إلى منزلها، فتحولت إلى منزل امرأته، وتحولت امرأته إلى منزل أمّه. فلبثا ثم إنهما عادا والفتى عند أمّه، فسلّما فلم تردّ السّلام، فقالا: هل من مبيت؟ قالت: لا، قالا: فعشاء؟ قالت: لا، قالا: فإنسان يحدثنا الليلة؟ قالت: لا. قالا: فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك، قالت: هذه السّباع، فقال أحدهما لصاحبه: أعط مثمن ما تمنى، إن كان شرا، فامتلأت عليها دارها سباعا، فأصبحت وقد أكلت. وقال الحافظ: - رجاله ثقات- إلا الراوي له عن ثابت البنانيّ، وهو سحيم بن مرسويه، يروي عن عاصم بن علي، فيحرر حاله. وقال (المفضّل) الضّبيّ في كتاب الأمثال، قال: ذكر إسماعيل الورّاق، عن زياد البكائيّ، عن عبد الرحمن بن القاسم (ابن عبد الرحمن بن القاسم) عن أبيه القاسم بن عبد الرحمن قال: سألت أبي يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن حديث خرافة، قال: بلغني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: حدّثني بحديث خرافة، فقال: رحم الله خرافة أنه كان رجلاً صالحا، وإنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته، فلقيه ثلاث من الجن فأسروه، فقال واحد: نستعبده، وقال آخر: نقتله، وقال آخر: نعتقه، فمر به رجل منهم. الخامس: في اعتزاله- صلى الله عليه وسلّم- نساءه- رضي الله تعالى عنهن-. لما سألنه النفقة مما

_ [ (1) ] في ب: فيحدثوا به.

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

ليس عنده. روى مسلم عن جابر بن عبد الله. قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. فوجد الناس جلوسا ببابه. لم يؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر فدخل. ثمّ أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي- صلى الله عليه وسلّم- جالسا، حوله نساؤه. واجما ساكتا. قال فقال: لأقولنّ شيئا أضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة! سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها. فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «هن حولي كما ترى. يسألنني النفقة» . فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها. فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها. كلاهما يقول: تسألن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده. فقلن: والله! لا نسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا ليس عنده. ثمّ اعتزلهنّ شهرا أو تسعا وعشرين. ثمّ نزلت عليه هذه الآية: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ، حَتَّى بَلَغَ، لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً» . قال: فبدأ بعائشة. فقال: «يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحبّ أن لا تعجلي فيه حتّى تستشيري أبويك» قالت: وما هو؟ يا رسول الله! فتلا عليها الآية. قالت: أفيك، يا رسول الله! أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدّار الآخرة. وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال «لا تسألني امرأة منهنّ إلّا أخبرتها. إن الله لم يبعثني معنّتا ولا متعنّتا. ولكن بعثني معلّما ميسّرا» [ (1) ] . تنبيه في بيان غريب ما سبق: يفلّي [يبحث عن القمّل] . يخصف: يخرّزها مهنة [ ... ] . غفار: قبيلة. البجل: [عظم القدر والسن] . الفهر: الحجر ملء الكفّ كحيا [تقبيحا ولعنا] . المزبّد: يدفع زبده حممه [سواد اللّون] السّمنة [ ... ] . الصّفّاق: [كثير الأسفار والتعرف] الأفاق [ ... ] الناقة [ ... ] العتاق [ ... ] الاضطجاع [ ... ] الوقاع [ ... ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1104، 1105 (29- 1478) .

الباب الثاني - في بعض فضائل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله تعالى عنها -

الباب الثاني- في بعض فضائل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع الأول: في نسبها: تقدّم نسب أبيها في الباب الأول، وأمّها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمّها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وأمها العوقة، واسمها قلابة بنت سعيد بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ. الثاني: فيمن تزوجها قبل النبي- صلى الله عليه وسلم-: قال الزبير بن بكار- رحمه الله تعالى-: كانت خديجة- رضي الله تعالى عنها- قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، فولدت له جارية اسمها هند، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن نباش بن زرارة بن واقد بن حبيب بن سلامة بن عدي بن أسد بن عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار بن قصيّ، فولدت له هند وهالة فهما أخوا ولد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رواه الطّبراني والأكثر تقدّم أبي هالة على عتيق. الثالث: في كيفية زواجه- صلى الله عليه وسلّم- إيّاها: روى الإمام أحمد [ (1) ] برجال الصحيح عن ابن عباس، والبزار والطبراني برجال ثقات أكثرهم رجال الصحيح عن جابر بن سمرة أو رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والبزار والطبراني بسند ضعيف (عن عمار بن ياسر، والبزار والطبراني بسند ضعيف) [ (2) ] ، عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهم- قال جابر أو الرجل المبهم: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يرعى غنما فاستعلى الغنم فكان يرعى الإبل هو وشريك له فأكريا أخت خديجة، فلما قضوا السفر بقي لهما عليها شيء، فجعل شريكه يأتيها، فيتقاضيا، ويقول لمحمد: انطلق، فيقول: اذهب أنت، فإني أستحي. فقالت مرّة وأتاهم شريكه، فقالت: أين محمد؟ قال: قد قلت فزعم أنه يستحي، فقالت: ما رأيت رجلا أشدّ حياء، ولا أعفّ ولا ولا، فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه، فقالت: ائت أبي فاخطبني، قال: إن أباك رجل كثير المال، وهو لا يفعل. وفي حديث عمّار قال: خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم حتى مررنا على أخت خديجة

_ [ (1) ] في ج: أحمد والطبراني. [ (2) ] سقط في ب.

الرابع: في أنها أول من أسلم:

وهي جالسة على أدم لها فنادتني، فانصرفت إليها، ووقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: أما لصاحبك في تزوج خديجة حاجة؟ فأخبرته، فقال: بلى، لعمري، فرجعت إليها فأخبرتها، وفي حديث جابر والرجل المبهم، فقالت: انطلق إلى أبي فكلّمه وأنا أكفيك وأئت عندنا بكرة، ففعل، وفي حديث ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذكر خديجة، وكان أبوها يرغب أن يزوجه إياها فصنعت طعاما وشرابا، وفي حديث عمار، فذبحت بقرة، قال ابن عباس: فدعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى علّوا، فقالت خديجة: أن محمد بن عبد الله يخطبني، فزوجني إياه، وفي حديث جابر والرجل المبهم: فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكلّمه. قال ابن عباس: فخلفته وألبسته حلّة، زاد عمّار: وضربت عليه قبّة، وقال ابن عباس: وكذلك كانوا يفعلون بالأباء، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه قبة، فقال: ما شأني، ما هذا؟ قالت: زوّجني محمد بن عبد الله، وقال: جابر أو الرجل المبهم: فلما أصبح جلس في المجلس، فقيل له: أحسنت، زوّجت محمدا، فقال: أو قد فعلت، قالوا: نعم، فقام، فدخل عليها، فقال: إن الناس يقولون إني قد زوجت محمدا! وما فعلت، قالت: بلى، وروى ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فقال: أنا أزوّج يتيم أبي طالب؟ لا، لعمري، فقالت خديجة: ألا تستحي تريد أن تسفّه نفسك عند قريش، وتخبر الناس أنك كنت سكران، فإن محمدا كذا، فلم تزل به حتى رضي، وقال جابر أو الرجل المبهم: ثم بعثت إلى محمد، - صلى الله عليه وسلّم- بوقيتين من فضة أو ذهب، وقالت: اشتر حلّة وأهدها لي وكيسا وكذا وكذا ففعل. وكانت رضي الله عنها تدعى في الجاهلية الطاهرة، تزوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل المبعث بخمس عشرة سنة، وقيل: أكثر من ذلك، وهي بنت الأربعين سنة، وقيل: أكثر من ذلك. الرابع: في أنها أوّل من أسلم: روى الطبراني برجال ثقات عن بريك- رضي الله تعالى عنه- قال: خديجة أوّل من أسلم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعليّ بن أبي طالب. وروى الطبراني بإسناد لا بأس به عن قتادة بن زعامة- رحمه الله تعالى- قال: توفّيت خديجة- رضي الله تعالى عنها- قبل الهجرة بثلاث سنين، وهي أول من آمن بالنبي- صلى الله عليه وسلم- من النّساء والرجال،. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل- رحمه الله تعالى، قال: كانت خديجة أول الناس إيمانا بما انزل الله. وقال ابن شهاب- رحمه الله تعالى-: كانت خديجة أول من آمن بالله، وصدّق رسول الله قبل أن تفرض الصلاة.

الخامس: في سلام الله تعالى عليها - رضي الله تعالى عنها - على لسان جبريل - صلى الله عليه وسلم -:

رواهما أبو بكر بن أبي خيثمة. وقال أبو عمر بن عبد البرّ: اتفقوا على أن خديجة- رضي الله تعالى عنها- أول من آمن. وقال أبو الحسن بن الأثير: خديجة أول خلق الله إسلاما بإجماع المسلمين، لم يتقدّمها رجل ولا امرأة، وأقرّه الحافظ الناقد أبو عبد الله الذهبيّ وحكى الإمام الثعلبي اتفاق العلماء على ذلك، وإنما اختلافهم في أوّل من أسلم بعدها بعد وقال الإمام النووي- رحمه الله تعالى-: أنه الصواب عند جماعة من المحقّقين، قال: فخفّف الله بذلك عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكان لا يسمع بشيء يكرهه من الرد عليه، فيرجع إليها، فتثبته وتهوّن عليه. الخامس: في سلام الله تعالى عليها- رضي الله تعالى عنها- على لسان جبريل- صلى الله عليه وسلم-: روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أتاني جبريل- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هذه خديجة ومعها إناء فيه طعام أو إدام وشراب وإذا هي أتتك، فاقرأ عليها من ربها السّلام ومني. وروى النّسائي والحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء جبريل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الله- عز وجل- يقرأ على خديجة السّلام، فقالت: إن الله هو السّلام، وعلى جبريل السّلام، وعليك السّلام ورحمة الله. وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا إن جبريل كان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاءت خديجة- رضي الله تعالى عنها- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذه خديجة، فقال جبريل: أقرئها السّلام من ربها ومني. قال في زاد المعاد: وهذه فضيلة لا تعرف لامرأة سواها. السادس: في أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج عليها حتى ماتت وإطعامه إياها من عنب الجنة: روى الطبراني برجال الصحيح عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: لم يتزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على خديجة- رضي الله تعالى عنها- حتى ماتت بعد أن مكثت عنده- صلى الله عليه وسلّم- أربعا وعشرين سنة وأشهرا. وروى الطبراني بسند فيه من لا يعرف عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أطعم خديجة- رضي الله تعالى عنها- من عنب الجنة.

السابع: تبشير النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها ببيت في الجنة:

السّابع: تبشير النبي- صلى الله عليه وسلم- إياها ببيت في الجنة: روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بشّر خديجة- رضي الله تعالى عنها- ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني برجال ثقات وابن حيّان والدّولابيّ عن عبد الرحمن بن جعفر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سئل عن خديجة أنّها ماتت قبل أن تنزل الفرائض والأحكام، قال: أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب، وعند الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن أبي أوفى- يعني قصب اللؤلؤ- وعنده في الكبير، من حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- بيت من لؤلؤة مجوّفة. الثامن: في كثرة ثناء النبي- صلى الله عليه وسلم- عليها- رضي الله تعالى عنها-: روى الإمام أحمد بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر خديجة- رضي الله تعالى عنها- أثنى فأحسن الثناء عليها، قالت: فغرت يوما، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيرا منها، فقال: ما أبدلني الله- عز وجل- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء [ (1) ] ، وفي رواية الشيخين: قد أبدلك الله خيرا منها. وروى الطبراني بإسناد جيّد والدولابيّ عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر خديجة- رضي الله تعالى عنها- لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها ذات يوم فاحتملتني الغيرة، فقلت: لقد عوّضك الله من كبيرة، قالت: فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غضب غضبا شديدا، وسقطت في جلدي، فقلت: اللهم إن ذهب غيظ رسولك، لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت، قالت: فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما لقيت، قال: كيف قلت والله، لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وواستني، إذ رفضني الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، ورزقت من الولد إذ حرمتموه، فغذا وراح عليّ شهرا. التاسع: في برّه- صلى الله عليه وسلّم- أصدقاء خديجة- رضي الله تعالى عنها- بعد موتها: روي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أتي بالشّيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة، رواه ابن حبان والدولابيّ وفيه: يأتيه اذهبوا به إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الإمام أحمد 6/ 117. [ (2) ] أخرجه البخاري (3821) .

العاشر: في أنها - رضي الله تعالى عنها - من أفضل نساء أهل الجنة:

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت عجوز تأتي النبي- صلى الله عليه وسلّم- فيهشّ لها ويكرمها، وفي لفظ «كانت عجوز تأتي النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لها: «من أنت» ؟ فقالت: جثمامة المدينة قال: «بل أنت حسانة المدينة، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وفي لفظ: كانت تأتي النبي- صلى الله عليه وسلّم- امرأة فقلت: يا رسول الله، من هذه؟ وفي لفظ: بأبي أنت وأمي إنّك لتصنع بهذه العجوز شيئا لم تصنعه بأحد، وفي لفظ: فلما خرجت، قلت: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال: فقال: «يا عائشة، إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» . وفي لفظ: «وإن كرم الودّ من الإيمان» . العاشر: في أنها- رضي الله تعالى عنها- من أفضل نساء أهل الجنة: روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: خطّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الأرض أربعة خطوط فقال: «تدرون ما هذا» ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» . الحادي عشر: في أنها من خير نساء العالمين ومن سيداتهن. روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» . الثاني عشر: في ذكر ولدها- رضي الله تعالى عنها- من غير رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. كان لها- رضي الله تعالى عنها- جارية اسمها هند من عتيق بن عائذ بن عبد الله أسلمت وتزوجت، وجارية أخرى يقال لها هالة من النباش بن زرارة ورجل يقال له هند بن أبي هالة، قال ابن قتيبة وابن سعد وأبو عمر: عاش هند بن هند في بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأسلم مع أمه، وقتل مع علي- رضي الله تعالى عنهما- يوم الجمل ذكره الزّبير، وقيل: مات بالبصرة في الطاعون، فازدحم الناس على جنازته، وتركوا جنائزهم وقالوا: ربيب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان رضي الله تعالى عنه- فصيحا بليغا وصّافا فوصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأحسن وأتقن. وكان- رضي الله تعالى عنه- يقول: إن أكرم الناس أبا وأمّا وأخا وأختا، أبي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمي خديجة، وأخي القاسم، وأختي فاطمة. الثالث عشر: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-. توفّيت قبل الهجرة قيل: بأربع، وقيل: بخمس، في رمضان لسبع عشرة ليلة خلت منه من قبل الإسراء بثلاث سنين على الصحيح. ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في حفرتها وكان لها حين توفّيت خمس وستون

تنبيهات

سنة- رضي الله تعالى عنها- ولم يكن يومئذ شرعت الصلاة على الجنائز. تنبيهات الأول: الحكمة في كون البيت من قصب وهو أنا بيت الجوهر أنها حازت قصب السّبق إلى الإسلام وهو شدّة المسارعة إليه دون غيرها- رضي الله تعالى عنها- قال السّهيليّ: النكتة في قوله: «من قصب» ولم يقل: من لؤلؤ، أن في لفظ (القصب) مناسبة، لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها، زاد غيره مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه، وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها، إذ كانت حريصة على رضاه بكل ما أمكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها، وقوله: (ببيت) ، قال أبو بكر الإسكاف «في فوائد الأخبار» : المراد بيت زائد على ما أعد الله- عز وجل- لها من ثواب عملها، ولهذا قال: (لا نصب) أي لم تتعب بسببه. وقال السهيلي- رحمه الله-: لذكر البيت معنى لطيف، لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث فصارت ربة بيت في الإسلام منفردة به، لم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وسلم بيت في الإسلام إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها. قال: وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه، وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ «البيت» دون لفظ القصر، زاد غيره معنى آخر، وهو أن مرجع أهل بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إليها لما نبّئت في تفسير قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ/ [الأحزاب/ 33] ، قالت أم سلمة: «لما نزلت دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاطمة، وعليّا، والحسن، والحسين، فجلّلهم بكساء، فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي» رواه التّرمذي. ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة- رضي الله تعالى عنها- لأن الحسن، والحسين من فاطمة، وفاطمة ابنتها، وعلي نشأ في بيتها وهو صغير، ثم تزوج ابنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها- رضي الله تعالى عنها- وأصل (قصب السّبق) أنهم كانوا ينصبون في حلبة السّباق قصبة، لمن سبق اقتلعها وأخذها ليعلم أنه السّابق من غير نزاع، ثم كثر حتى أطلق على المبرز والمشمر. الثاني: اختلف هل الأفضل خديجة أو عائشة؟ وهل الأفضل مريم بنت عمران أو فاطمة بنت محمد- صلى الله عليه وسلّم-؟ وهل الأفضل فاطمة أو خديجة أو عائشة؟. اعلم- أعزّك الله تعالى- أن النّقل في ذلك عزيز جدّا وقد تعرض لذلك شيخ الإسلام وقدوة العلماء الأعلام الشيخ أبو الحسن تقي الدين السبكي- رحمه الله تعالى- وشفى الغليل في فتاويه الحلبيات وهي المسائل التي سأله عنها علّامة حلب وترسّلها الشيخ والإمام شهاب الدّين الأذرعيّ، وهو في مجلّد لطيف فيه نفائس لا تكاد توجد في غيره، وشيخنا الإمام

الحافظ شيخ الإسلام جلال الدين السّيوطي- رحمهما الله تعالى- وقد اقتضب شيخنا من كلام السبكي ما هو المقصود هنا، فقال: قال النووي في روضته: من خصائصه- صلى الله عليه وسلم- تفضيل زوجاته على سائر النساء، قال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب 32] . قال السّبكي: وعبارة القاضي الحسين: نساؤه أفضل نساء العالمين، وعبارة المقولي خير نساء هذه الأمة، قال: وعبارة الروضة تحتملهما، ويلزم من كونهن خير نساء هذه الأمة أن يكنّ خير نساء الأمم، لأن هذه الأمّة خير الأمم، والتفضيل على الأفضل تفضيل كل فرد على من هو دونه، قال: إلا أنه يلزم من تفضيل الجملة على الجملة تفضيل كل فرد على كل فرد، وقد قيل بنبوة مريم وآسية، وأمّ موسى فإن ثبت خصّت من العموم. قال في الروضة: أفضل الأزواج خديجة وعائشة وفي التفضيل بينهما أوجه ثالثها: الوقف، كذا حكى الخلاف بلا ترجيح وقد رجح السّبكيّ تفضيل خديجة كما سأذكره قال القمولي: وقد تكلم الناس في عائشة، وفاطمة أيّها أفضل، على أقوال ثالثها- الوقف قال الصّعلوكيّ: من أراد أن يعرف التفاوت بينهما فليتأمّل في زوجته وابنته، قال شيخنا: الصّواب القطع بتفضيل فاطمة، وصحّحه السبكي، قال في الحلبيات: قال بعض من يعتد به، بأن عائشة أفضل من فاطمة وهذا قول من يرى أن أفضل الصحابة زوجاته، لأنهن معه في درجته في الجنة التي هي أعلى الدرجات وهو قول ساقط مردود وضعيف، لا سند له من نظر ولا نقل، والذي نختاره وندين الله تعالى به أن فاطمة أفضل، ثم خديجة، ثم عائشة، وبه جزم ابن المغربي في روضته، ثم قال السّبكيّ: والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمّة» ، وما رواه النّسائيّ بسند صحيح من أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد» ، واستدل شيخنا في شرحه بما ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة حين قالت له: قد رزقك الله خيرا منها، قال: «لا، والله! ما رزقني الله خيرا منها» . الحديث. وسئل أبو داود، أيّهما أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: خديجة أقرأها النبي- صلى الله عليه وسلم- السلام من ربّها، وعائشة أقرأها السلام من جبريل، فالأولى أفضل، فقيل له: من الأفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فاطمة بضعة مني» ولا أعدل ببضعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحدا. وأمّا خبر خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، ثم فاطمة ابنة محمّد، ثم آسية امرأة فرعون فأجيب عنه بأن خديجة- رضي الله تعالى عنها- إنما فضّلت على فاطمة باعتبار الأمومة لا باعتبار السيادة. ثم قال السّبكيّ: وهذا صريح في أنها وأمها أفضل

نساء أهل الجنة. والحديث الأول- يدلّ على تفضيلها على أمها، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها» ، وفي الصحيح من حديث علي- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً خير نساء أهل زمانها مريم بنت عمران، خير نساء زمانها خديجة بنت خويلد، أي خير نساء الدنيا، فهذا يقتضي أن مريم وخديجة أفضل النساء مطلقا، فمريم أفضل نساء أهل زمانها وخديجة أفضل نساء زمانها، وليس فيه تعرّض لفضل إحداهما على الأخرى. وقد علمت أنّ مريم اختلف في نبوّتها، فإن كانت نبيّة فهي أفضل، وإن لم تكن نبيّة فالأقرب أنها أفضل لذكرها في القرآن، وشهادته بصدّيقيّتها. وأمّا بقية الأزواج فلا يبلغن هذه الرتبة وإن كنّ خير نساء الأمة بعد هؤلاء الثلاث، وهن متقاربات في الفضل، لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تعالى، لكنّا نعلم لحفصة بنت عمر- رضي الله تعالى عنها- من الفضائل كثيرا، فما أشبه أن تكون هي بعد عائشة. انتهى كلام السّبكيّ والكلام في التفضيل صعب، فلا ينبغي التكلّم إلا بما ورد، والسّكوت عما سواه وحفظ الأدب. قال شيخنا: ولم يتعرض للتفضيل بين مريم، وفاطمة، والذي اختاره تفضيل فاطمة، في مسند الحارث بن أسامة بسند صحيح لكنه مرسل مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها. أخرجه الترمذيّ موصولا من حديث علي- رضي الله تعالى عنه- خير نسائها مريم، وخير نسائها فاطمة، قال الحافظ ابن حجر: والمرسل يعضّد المتّصل. وروى النسائي عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هذا ملك من الملائكة استأذن ربّه ليسلّم علي ويبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة، وأمّهما سيدة نساء أهل الجنة. انتهى كلام الشيخ- رحمه الله تعالى- في شرحه لنظم جمع الجوامع، وقال في كتابه: (إتمام الدراية) : ونعتقد أن أفضل النّساء مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد، ثم أورد حديث عليّ، وحديث حذيفة السّابقين، ثم قال: في ذلك دلالة على تفضيلها على مريم بنت عمران، خصوصا إذا قلنا بالأصح: إنها ليست نبيّة، وقد تقدر إن هذه الأمة أفضل من غيرها. قلت: وحاصل الكلام السابق أن السّبكي اختار أن السيدة فاطمة أفضل من أمّها، وأنّ أمّها أفضل من عائشة، وأن مريم أفضل من خديجة، واختار شيخنا أن فاطمة أفضل من مريم، وقال القاضي قطب الدين الخضريّ- رحمه الله تعالى- في الخصائص- بعد أن ذكر في التفضيل بين خديجة ومريم، إذا علمت ذلك فينبغي أن يستثنى من إطلاق التفضيل سيدتنا فاطمة ابنة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فهي أفضل نساء العالم، لقوله: - صلى الله عليه وسلم- فاطمة بضعة مني ولا يعدل ببضعة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أحد، وسئل الإمام أبو بكر عمر ابن إمام أهل الظّاهر داود: هل

خديجة أفضل أم فاطمة؟ فقال: الشارع قال [فاطمة بضعة مني] قال الشيخ تقي الدين المقريزيّ في الخصائص النبوية في كتابه (إمتاع الأسماع) : إن قلنا بنبوة مريم كانت أفضل من فاطمة، وإن قلنا إنها ليست بنبية احتمل أنها أفضل للخلاف في نبوتها، واحتمل التسوية بينهما تخصيصا لهما بأدلتهما الخاصة من بين النساء، واحتمل تفضيل فاطمة عليها، وعلى غيرها من النساء، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «فاطمة بضعة مني» ، وبضعة النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يعدل بها شي وهو أظهر الاحتمالات لمن أنصف. وقال الزركشي في الخادم عند قول الرّافعيّ والنّوويّ: «وتفضيل زوجاته- صلى الله عليه وسلم- علي سائر النساء» ما نصّه: هل المراد نساء هذه الأمة أو النساء كلّهن؟ فيه خلاف، حكاه الروياني ويستثنى من الخلاف سيدتنا فاطمة، فهي أفضل نساء العالم، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «فاطمة ولا يعدل ببضعة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أحد، وفي الصحيح: بضعة مني» أما ترضين أن تكوني خير نساء هذه الأمّة» انتهى. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الإدام: [ما يؤكل من الخبز وغيره] . القصب: بفتح القاف والصاد [لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف] . الصّخب: بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة، فموحدة: الصّياح والمنازعة برفع الصّوت. النّصب: بفتح النون والصاد المهملة فالموحدة: التّعب. قال السّهيليّ: مناسبة نفي هاتين الصفتين، أعني المنازعة والتعب أنه- صلى الله عليه وسلم- لما دعاها إلى الإيمان أجابت طوعا ولم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة، ولا تعب في ذلك، بل أزالت عنه كلّ تعب، وأنسته من كل وحشة، وهوّنت عليه كل عسير فناسب أن تكون منزلتها التي بشّرها بها ربّها بالصفة المقابلة لفعلها. اللّغو [ ... ] . الثناء [الحمد] . حمراء الشدقين: سقوط الأسنان من الكبر فلم يبق إلا حمرة اللّسان. المواساة [ ... ] . الرفض [ ... ] .

الباب الثالث في بعض مناقب أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما -

الباب الثالث في بعض مناقب أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنهما- وفيه أنواع: الأول: في نسبها ومولدها. تقدم نسب أبيها، وأمّها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر، روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن علي بن (زيد) [ (1) ] عن القاسم بن محمد أن أمّ رومان زوج أبي بكر الصديق أمّ عائشة- رضي الله تعالى عنهم- لمّا أدليت في قبرها، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أمّ رومان» هذا الحديث بسطت الكلام عليه في شرح حديث الإفك، وولدت بعد البعثة بأربع سنين أو خمس. الثاني: في كنيتها: روى ابن الجوزي- في الصّفوة- عنها- رضي الله تعالى عنها- قال: قلت: يا رسول الله، ألا تكنّيني؟ قال: تكنّى بابنك، يعني عبد الله بن الزبير. وروى ابن حبان عنها قالت: لما ولد عبد الله بن الزّبير أتيت به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتفل في فيه، فكان أول شيء دخل في جوفه، وقال: هو عبد الله، وأنت أمّ عبد الله. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن لكل صواحبي كنى، فلو كنّيتني! قال: اكتني بابنك عبد الله بن الزّبير، فكانت تكنى بأمّ عبد الله حتى ماتت. وقيل: إنها ولدت من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولدا مات طفلا، وهذا غير ثابت، والصحيح الأول، لأنه ورد عنها من طرق كثيرة. الثالث: في تسميتها- رضي الله تعالى عنها-. روى الترمذي- في الشمائل- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-[ (2) ] قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من كان له فرطان من أمتي أدخله الله الجنة» . قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- فمن يكن له فرط من أمّتك. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من كان له فرط يا موفّقة» قالت: فمن لم يكن له قرط من أمتك؟ قال- صلى الله عليه وسلم-: «فإنا فرط أمّتي لم يصابوا بمثلي لن يصابوا بمثلي» .

_ [ (1) ] في ج: يزيد. [ (2) ] سقط فى أ، ج.

الرابع: في هجرتها - رضي الله تعالى عنها -

الرابع: في هجرتها- رضي الله تعالى عنها- روى الطبراني بإسناد حسن عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قدمنا مهاجرين فسلكنا في مسالك صعبة، فنفر بي جمل كنت عليه نفورا منكرا، فوالله ما أنسى قول أمي يا عربسة، فركب بي رأسه، فسمعت قائلا يقول: ألقي خطامه فألقيته، فقام يستدير كأنما إنسان يديره، كأنّما إنسان قام تحته [ (1) ] . الخامس: في بيان إتيان جبريل النبي- صلّى الله عليه وسلم- بصورتها وإخباره- عز وجل- أنها زوجته. روى الإمام أحمد والشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «رأيتك في المنام قبل أن أتّزوّجك مرّتين» وفي لفظ: «ثلاث ليال، جاءني بك ملك في خرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فيكشف عن وجهها، فإذا هي أنت، فأقول إن يك من عند الله يمضه. وروى الترمذي وحسنه وابن عساكر عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاء بي جبريل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- في خرقة حرير خضراء، فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة وروى ابن عساكر عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أتاه جبريل- صلى الله عليه وسلّم- بصورتي فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة، تزوجني وإني لجارية على حرف فلما تزوجني أوقع الله عليّ الحياء. روى الترمذي عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فقال إن الله- عز وجل- زوّجك بابنة أبي بكر ومعه صورة عائشة» . السادس: في خطبتها وتزويج النبي- صلى الله عليه وسلم- بها. روى الطبراني [ (2) ] برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والإمام أحمد في المناقب والمسند والبيهقي، بإسناد حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن حاطب- رحمهم الله تعالى- وبعضه صرّح فيه بالاتصال عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وأكثره مرسل قالت: لمّا ماتت خديجة- رضي الله تعالى عنها- جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون- رضي الله تعالى عنها- إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ألا تتزوج؟ فقال: من؟ فقالت: إن شئت بكرا، وإن شئت ثيّبا، فقال: ومن البكر ومن الثّيّب؟

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 231. [ (2) ] انظر المجمع 9/ 228.

فقالت: فأما البكر فابنة أحبّ الخلق إليك عائشة بنت أبي بكر، وأمّا الثّيّب فسودة بنت زمعة- رضي الله تعالى عنها- قد آمنت بك، واتّبعتك، قال صلى الله عليه وسلّم: فاذهبي، فاذكريهما عليّ، فأتيت أمّ رومان، فقلت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قلت: رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يذكر عائشة، قالت: وددتّ، انتظري أبا بكر، فإنّ أبا بكر آت، قالت: فجاء أبو بكر، فذكرت ذلك له فقال: أو تصلح وهي، وفي لفظ: إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ارجعي إليه وقولي له: «إنّما أنا أخوه وهو أخي» ، وفي لفظ: فقولي: أنت أخي وأنا أخوك في الإسلام وابنته وفي لفظ: وابنتك تصلح لي، قال: انتظري، قالت: وقام أبو بكر، فقالت لي أمّ رومان: إنّ المطعم بن عديّ قد كان ذكرها على ابنه، والله، ما أخلف أبو بكر وعدا قطّ، قالت: فأتى أبو بكر المطعم بن عديّ وعنده امرأته أم أهنى، فقال: ما تقول في أمّ هذه الجارية؟ فأقبل على امرأته، فقال: ما تقولين؟ قالت: فأقبلت على أبي بكر، فقالت: لعلّنا إن أنكحنا هذا الصّبيّ إليك تصبئه، وتدخله في دينك والذي أنت عليه، فأقبل أبو بكر عليه، فقال: ما تقول أنت؟ قال: إنه أقول ما تسمع. فقام أبو بكر ليس في نفسه شيء من الوعد، فقال لخولة: قولي- وفي لفظ «ادعي» - لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فليأت، فدعته، قالت: فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فملكها، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: فتزوّجني ثم لبثت سنتين، فلما قدمنا المدينة نزلنا بالسنح في دار بني الحارث بن الخزرج، قالت: فإني لأرجّح بين عزقتين وأنا ابنة تسع، فجاءت أمي من الأرجوحة ولي جميمة، ثم أقبلت تقودني حتّى وقفت عند الباب وإني لا لهج فمسحت وجهي بشيء من ماء وفرّقت جميمة كانت لي، ثم دخلت بي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وفي البيت رجال ونساء، فأجلستني في حجرة، ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله فبارك الله لك فيهن وبارك لهنّ فيك! قالت: فقام الرجال والنساء وبنى بي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولا والله! ما نحرت عليّ من جزور ولا ذبحت من شاة ولكن جفنة كان يبعث بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من عند سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. روى الشيخان وابن حبان عنها قالت: تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا بنت ستّ سنين فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث من الخزرج فوعكت فتمزّق شعري فوقي جميمة، فأتتني أمّي أمّ رومان وأنا لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، لا أدري ما يريد مني حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لألهج وقلت: هه هه حتى ذهب بعض نفسي وأخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم دخلت بي الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحن من شأني فلم يرعني

إلا ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس على سرير في بيتنا فأسلمتني إليه، وبنى بي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في بيتنا ما نحرت عليّ جزور ولا نحرت عليّ شاة حتى أرسل سعد بن عبادة بجفنة، فكان يرسل فيها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين [ (1) ] . وروى مسلم عنها- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوّجها وهي بنت سبع سنين وزفّت إليه وهي بنت تسع سنين، ولعب معها ومات عندها وهي بنت ثماني عشرة سنة. وروى مسلم والنسائي عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا ابنة سبع، وبني بي وأنا ابنة تسع، وكنت ألعب بالبنات وكن جواري يأتينني فإذا رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ينقمعن منه، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يسرّ بهنّ إليّ. وروى ابن سعد عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب بالبنات، فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: خيل سليمان فضحك. وروى ابن أبي خيثمة عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا ابنة ستّ بمكّة وتركني ثلاثا، ثم دخل بي وأنا ابنة تسع بالمدينة مع بناتي يعني اللعب، وصواحباتي جوار صغار، يأتينني، فيطلعن، فإذا رأين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجفن، فكان إذا رأى ذلك يجود ثم يسرّ بهن على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. وروى الشيخان والإمام أحمد وأبو داود، وعبد الرّزّاق، والبخاري في الأدب عنها قالت: كنت ألعب بالبنات فيأتيني صواحباتي، وفي لفظ: عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصواحباتي، «وفي لفظ» كأن لي صواحب يلعبن معي وكان يسرّ بهن إليّ فيلعبن معي بالبنات الصّغار، «وفي لفظ» فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل «وفي لفظ» إذا رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يلعبن فيه يسرّ بهن، «وفي لفظ» فكان يسر بهن إليّ، فيلعبن معي، «وفي لفظ» فإذا دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فررن منه فيأخذهن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيردهن» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد في مسند أسماء بنت يزيد بن السكن عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت صاحبة عائشة- رضي الله تعالى عنها- التي هيّأتها وأدخلتها على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومعي نسوة قالت: فو الله ما وجدن عنده قرى إلا قدح من لبن، قالت: فشرب منه، ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية، فقلت: لا تردّي يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخذته على حياء فشربت ثم قال: ناولي صواحبك فقلن: لا نشتهيه فقال:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (3894) . [ (2) ] أخرجه البخاري (6130) ومسلم 4/ 1891 (81/ 2440) وأبو داود (4931) .

السابع: في مدة مقامها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

لا تجمعن جوعا وكذبا، قالت فقلت: يا رسول الله، أن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه بعد ذلك كذبا، قال: إن الكذب يكتب كذبا، حتى يكتب الكذبية كذيبة. [ (1) ] وروي عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهديت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولي وفرة. وروى الإمام أحمد، (ومسلم) [ (2) ] والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو بكر بن أبي خيثمة عنها قالت: تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شوّال، وبني بي في شوّال فأيّ نسائه كان أحظى عنده منّي! قال أبو عبيدة معمر بن المثنى- رحمه الله تعالى- تزوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة بسنتين في شوال وهي ابنة ستّ سنين، كانت العرب لا تستحبّ أن تبني بنسائها في شوّال. قال أبو عاصم: إنما كره الناس أن يدخل بالنّساء في شوال لطاعون وقع في شوّال في الزمن الأول. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن الزهري قال: لم يتزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بكرا غير عائشة- رضي الله تعالى عنها-. السّابع: في مدّة مقامها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روى ابن حبان وأبو عمر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع، ومكث- صلى الله عليه وسلّم- عندها تسعا. وروى ابن أبي خيثمة عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّجها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة. وروي أيضا عنها قالت: تزوجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا ابنة سبع أو ستّ، وبني بي وأنا ابنة تسع سنين. وروي أيضا عنها قالت: ملكني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا ابنة سبع سنين وبنى بي وأنا ابنة تسع سنين، ولقد كنت ألعب في بيته بالبنات. الثامن: في أنها زوجته في الدنيا والآخرة وأنها تحشر معه روى ابن حبان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال لعائشة- رضي الله تعالى عنها- أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة [ (3) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 54. [ (2) ] سقط في ج. [ (3) ] انظر الكنز (34363)

التاسع: في أنها أحب نسائه إليه - صلى الله عليه وسلم -

وروى ابن أبي شيبة عن مسلم البطين، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «عائشة زوجتي في الجنة» . وروى الترمذي وصححه عن عبد الله بن زياد الأسديّ قال: سمعت عمّارا يقول: هي زوجته في الدنيا والآخرة. وروى ابن حبان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، من أزواجك في الجنة؟ قال: أما إنّك منهنّ. وروى أبو الحسن الخلعيّ عنها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا عائشة، «إنه ليهون عليّ الموت إني قد رأيتك زوجتي في الجنة» ورواه ابن عساكر بلفظ «ما أبالي بالموت، وقد علمت أنك زوجتي في الجنة» . ورواه السلفيّ بلفظ: «يهون عليّ الموت أني رأيت عائشة في الجنة» . وروى الإمام أحمد عنها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لقد رأيت عائشة في الجنة كأني أنظر إلى بياض كفّيها، ليهون بذلك عند موتي» . وروى أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الشّيرازيّ الحنبليّ- رحمه الله تعالى- في كتاب «التبصرة» أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عائشة، أنت تحشرين مع أهلك» . التاسع: في أنها أحبّ نسائه إليه- صلى الله عليه وسلم- روى الترمذيّ، وصحّحه عن عمرو بن غالب أن رجلا نال من عائشة- رضي الله تعالى عنها- عند عمّار، فقال: اغرب مقبوحا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (1) ] . روى أبو داود وابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: [ ... ] . ذكر أن حاجب عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: جاء ابن عباس ليستأذن على عائشة فقالت: لا حاجة لي بتزكيته، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمتاه أن ابن عباس من صالح بيتك جاء يعودك، قالت: فأذن له فدخل عليها فقال: يا أمه أبشري فو الله ما بينك وبين أن تلقي محمدا والأحبة إلا أن يفارق روحك جسدك، كنت أحب نساء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم إليه ولم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحب الأطيبا، قالت أيضا؟ قال: هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلتقطها فلم يجدوا ماء، فأنزل الله عز وجل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء/ 43] فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخصة وكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سمواته فليس مسجد يذكر الله فيه إلا وشأنك يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار. فقالت: يا بن عباس دعني منك ومن تزكيتك فو الله

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3888) وأبو نعيم في الحلية 3/ 44.

العاشر: في أنها أحب الناس إليه - صلى الله عليه وسلم -.

لوددت أني كنت نسيا منسيا. العاشر: في أنها أحب الناس إليه- صلى الله عليه وسلم-. روي عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- أنه قيل لرسول الله: - صلى الله عليه وسلم- «أيّ الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» ، قيل: فمن الرّجال؟ قال: «أبوها» . وروى الطبراني بإسناد حسن عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: من يا رسول الله أحبّ الناس إليك؟ قال: ولم؟ قالت: لأحبّ ما تحبّ، قال: «عائشة» . وروى أيضا عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت يوم ماتت عائشة: اليوم ماتت أحبّ شخص إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. وروى الدّارقطنيّ في- غرائب مالك- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- كيف حبّك لي؟ قال: «كعقدة الحبل» ، قالت: كيف العقدة؟ قال: على حالها» [ (1) ] . الحادي عشر: في أمره- صلى الله عليه وسلم- أن تسترقي من العين. روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أسترقي من العين. الثاني عشر: في قسمه لعائشة- رضي الله تعالى عنها- ليلتين ولسائر نسائه ليلة. روى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن سودة بنت زمعة لما كبرت [وفرقت أن يفارقها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله اجعل يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله منها قالت: نقول في ذلك أنزل الله- عزّ وجل- وفي أشباهها أراه قال وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً [ (2) ] [النساء: 128] . الثالث عشر: في أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يدور على نسائه ويختم بعائشة- رضي الله تعالى عنها-. روى عمر الملا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، وكان- صلى الله عليه وسلّم- يختم بي، وكان إذا دخل على وضع ركبته على فخذي، ويديه على عاتقي، ثم ألب فأحنى عليّ.

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 44. [ (2) ] أخرجه أبو داود (2135)

الرابع عشر: في حثه - صلى الله عليه وسلم - على حبها - رضي الله تعالى عنها -.

الرابع عشر: في حثه- صلى الله عليه وسلّم- على حبها- رضي الله تعالى عنها-. روى أبو يعلى والبزّار بسند حسن قالت: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: سبّتني فاطمة، فقال: يا فاطمة، أسببت عائشة؟ قالت: نعم، يا رسول الله، قال: أليس تحبّين ما أحبّ؟ قالت بلى، قال: وتبغضين ما أبغض؟ قالت بلى! قال: فإني أحب عائشة، فأحبيها، قالت فاطمة: لا أقول لعائشة شيئا يؤذيها أبدا. الخامس عشر: في حثّه إيّاها على انتصارها لنفسها. روى النّسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما علمت حتّى دخلت عليّ زينب وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أحسبك إذا قبلت لك بنت أبي بكر ذريعتيها، ثم أقبلت عليّ فأعرضت عنها حتى قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «دونك فانتصري» فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فمها ما تردّ عليّ شيئا فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتهلّل وجهه [ (1) ] . وروى البخاري في الأدب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «أرسل أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- فاطمة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فاستأذنت والنبي- صلى الله عليه وسلم- مع عائشة في مرطها فأذن لها، فدخلت، فقالت: إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت أبي قحافة، قال: أي بنيّة: أتحبين ما أحب؟ قالت: بلى! قال: فأحبّي هذه، فقامت فخرجت، فحدّثتهنّ، فقلن: ما أغنيت عنّا شيئا فارجعي إليه، قالت: والله لا أكلّمه فيها أبدا! فأرسلن زينب زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- فاستأذنت فأذن لها، فقالت له ذلك، ووقعت فيّ زينب تسبّني، فطفقت أنظر! هل يأذن لي النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم أزل حتى عرفت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يكره أن أنتصر، فوقعت بزينب فلم أنشب أن أثخنها عليه فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: أما إنّها ابنة أبي بكر؟ [ (2) ] وفي رواية عندها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «دونك فانتصري» . السادس عشر: في تحدي الناس بهدايا هم يوم عائشة- رضي الله تعالى عنها- وأنه لم ينزل قرآن على النبي- صلى الله عليه وسلم-. [روى البخاري] عن عائشة رضي الله عنها [أن الناس كانوا يتحدون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بها- أو يبتغون بذلك- مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1981) وأحمد 6/ 93. [ (2) ] أخرجه البخاري في الأدب 164 حديث (559) .

السابع عشر في دعائه - صلى الله عليه وسلم - لها.

وروى ابن أبي خيثمة عن رميثة بنت الحارث أن النساء قلن لأم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قولي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن النساء يقلن: إن النّاس تأتيك بهداياهم يوم عائشة، فقل للناس يهدون إليك حيث ما كنت، فإنا نحبّ الخير كما تحبّه عائشة، فلمّا جاءها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت ذلك له، فأعرض عنها فلمّا ذهب جاءت النّساء إلى أم سلمة، فقلن: ما قال لك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: فقالت: قد قلت له ذلك فأعرض عني، فقلن لها: عودي فقولي له أيضا، فلمّا دار إليها قالت له مثل ذلك، فقال لها: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فوالله، ما منكنّ امرأة ينزل الوحي عليّ في لحافها إلا عائشة [ (1) ] . وروى أيضاً بسند جيّد قويّ عن عوف بن الحرث عن [رميثة عن أم سلمة] قوله: فو الله يا أم سلمة، الحديث. وروى أبو عمرو بن السّماك عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إني لأفخر على أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- بأربع ابتكرني ولم يبتكر امرأة غيري، ولم ينزل عليه القرآن منذ دخل عليّ إلّا في بيتي، ونزل في عذري قرآن يتلى، وأتاه جبريل بصورتي مرّتين قبل أن يملك عقدي. السابع عشر في دعائه- صلى الله عليه وسلم- لها. ر وى الطبراني والبزار برجال ثقات وابن حبان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طيّب النّفس، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي قال: اللهمّ اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخّر وما أسرّت وما أعلنت فضحكت عائشة- رضي الله تعالى عنها- حتى سقط رأسها في حجره من الضحك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أسرّك دعائي؟ فقالت: ما لي لا يسرّني دعاؤك؟ قال: فوالله إنّها لدعوتي لأمّتي في كل صلاة. الثامن عشر: في تقبيله- صلى الله عليه وسلم- إياها وهو صائم. روي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقبّلها وهو صائم. وروي أيضا: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها وهو صائم، ويمصّ لسانها، رواه ابن عدي، وقال: قوله (يمصّ لسانها) في هذا [ ... ] . التاسع عشر: في استرضائه- صلى الله عليه وسلّم- عائشة واعتذاره منها في بعض الأحوال والعلامة التي كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستدل بها على غضب عائشة- رضي الله تعالى عنها- ورضاها ومتابعته- صلى الله عليه وسلّم- لهواها. روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أبو بكر يستأذن

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 377 والترمذي (3879) وأحمد 6/ 293.

العشرون: في مسابقته - صلى الله عليه وسلم - لها - رضي الله تعالى عنها - في سفر

على النبي- صلى الله عليه وسلم- فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأذن له فدخل فقال: يا ابنة أم رومان وتناولها، أترفعين صوتك على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال فحال النبي- صلى الله عليه وسلم- بينه وبينها، قال: فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها ... يترضاها: ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك، قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها قال: فأذن له فدخل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله أشركاني سلمكما كما أشركتماني في حربكما. وروى ابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنه كان بينها وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلام، فقال لها: من ترضين بيني وبينك؟ أترضين بعمر بن الخطاب؟ قالت: لا، عمر فظّ غليظ، قال- صلى الله عليه وسلّم-: «أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم، فبعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن هذه من أمرها كذا ومن أمرها كذا قالت: فقلت: اتق الله، ولا تقل إلا حقّا! قالت: فرفع أبو بكر يده فرشم أنفي، وقال: أنت لا أمّ لك يا بنة أمّ رومان تقولين الحق أنت وأبوك ولا يقوله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فابتذر منخري كأنهما عزلاوان فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: إنّ لم ندعك لهذا! قالت: ثم قام إلى جريدة في البيت فجعل يضربني بها، فولّيت هاربة منه فلزقت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال- صلى الله عليه وسلّم- أقسمت عليك لما خرجت فإنّا لم ندعك لهذا، فلمّا خرج قمت فتنحّيت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، فقال: ادني فأبيت أن أفعل فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال لها: لقد كنت من قبل شديدة اللّصوق لي بظهري. وروى مسلم والنسائي والدّارقطنيّ عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: إنّي لأعلم إذا كنت عليّ راضية، وإذا كنت عليّ غاضبة! فقلت: بم تعلم يا رسول الله، قال: إذا كنت عني راضية، قلت: لا وربّ محمّد، وإذا كنت عليّ غضبي قلت: لا وربّ إبراهيم، قلت: صدقت يا رسول الله، ما أهجر إلّا اسمك. العشرون: في مسابقته- صلى الله عليه وسلم- لها- رضي الله تعالى عنها- في سفر وتخصيصه إياها بالمسامرة (في البيت) وفي السفر وانتظاره إياها حتى انقضت عمرتها وقوله- صلى الله عليه وسلم- لما فقدها في السّفر: وا عويشاه! روى الحميدي وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي بأسانيد صحيح رجالها عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها كانت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفره فقال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فلمّا حملت اللّحم، سابقته فسبقني فقال: يا عائشة، «هذه بتلك» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (2578) وأحمد 3/ 253.

الباب العشرون: في كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكرا غيرها

وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: مزح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقبلنا مهلين بالحج وأقبلت عائشة- رضي الله تعالى عنها- مهلة بعمرة حتى إذا كنا بسرف [عركت حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة فأمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حلّ ماذا، قال: الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ثم أهللنا يوم التروية ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال: ما شأنك، فقالت: شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهليّ بالحج، ففعلت، ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال: قد طللت من حجتك وعمرتك جميعا فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي، أني لم أطف بالبيت حتى حجيت قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة] [ (1) ] . الباب العشرون: في كونه- صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكرا غيرها روى البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قلت: يا رسول الله، أرأيت [لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع منها. يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يتزوج بكرا غيرها] . الحادي والعشرون: في إقراره- صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة- رضي الله تعالى عنها- وقيامه لها حتى تنظر إلى لعب الحبشة. روى الترمذي والنسائي وابن عديّ والإسماعيليّ، وغيرهم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جالسا فسمعنا لغطا وصوت صبيان [ (2) ] ، وفي رواية: خرج النّساء والصّبيان فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فإذا صبيان الحبشة ترقص، وفي لفظ: يلعبون بحرابهم في المسجد، والصبيان حولها، فقال: يا عائشة، تعالي فانظري، وعند النّسائيّ: يا حميراء، أتحبّين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم، فوضعت خدّي على منكب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسترني بردائه فجعلت انظر إليهم ما بين المنكب إلى الرأس، فقالت: فجعل يقول لي: يا عائشة، أما شبعت، أما شبعت، وفي لفظ حسبك! قلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك! قلت: لا تعجل، يا رسول الله، إنّي أحبّ النّظر إليهم وفي لفظ: أحبّ النظر

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 5/ 164. [ (2) ] أخرجه الترمذي (3691)

الثاني والعشرون: في ابتدائه - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت عليه آية التخيير بها وحسن جوابها.

إليهم، ولكنّي أحببت أن يبلغ النّساء مقامه لي ومكاني منه، وفي لفظ فأقول: لا: لأنظر منزلتي عنده، ولقد رأيته يراوح بين قدميه إذا طلع عمر فارفضّ الناس عنها والصبيان، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: إني لأنظر إلى شياطين الأنس والجن قد فرّوا من عمر، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا تلبث أن تصرع فصرعت في الناس فأخبروا بذلك. روى البرقاني عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر، فانتهرني، وقال: مزمارة الشّيطان، عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأقبل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: دعها فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وقالت: كان يوم عيد يلعب السّودان بالدّرق والحراب، فلما سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: أتشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبك قلت: نعم. الثاني والعشرون: في ابتدائه- صلّى الله عليه وسلم- حين أنزلت عليه آية التخيير بها وحسن جوابها. روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن الله- عز وجل- أنزل الخيار فبدأ بعائشة، وقال: إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تأتي أبويك، قالت: ما هو؟ فتلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الأحزاب 28] الآية فقالت: أفيك استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله. الحديث. وقد ذكر مطوّلا في الخصائص. الثالث والعشرون: في اختياره- صلى الله عليه وسلّم- الإقامة عندها أيام مرضه- صلّى الله عليه وسلّم- واجتماع ريقه وريقها واختصاصها بمباشرة خدمته. روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيت ميمونة، فاستأذن نساءه أن يمرض في بيتي فأذنّ له، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- معتمدا على العباس، وعلى رجل آخر ورجلاه تخطان في الأرض. وقال عبيد الله فقال ابن عباس: أتدري من ذلك الرجل؟ هو علي بن أبي طالب، ولكن عائشة لا تطيب لها نفسا، قال الزهري فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت ميمونة لعبد الله بن زمعة: مر النّاس فليصلّوا فلقي عمر بن الخطاب، فقال: يا عمر صل بالناس، فصلى بهم فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صوته فعرفه، وكان جهير الصوت فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أليس هذا صوت عمر؟ قالوا: بلى قال: يأبى الله- عز وجل- ذلك، والمؤمنون مروا أبا بكر، فليصلّ بالناس قالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمعه، وأنه إذا قرأ القرآن بكى

الرابع والعشرون: في قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن دعاه إلى الطعام وهذه معي.

قال: وما قلت ذلك إلا كراهية أن يتأثم الناس بأبي بكر، أن يكون أول من قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فراجعته فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فراجعته فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس إنّكنّ صواحب يوسف. الرابع والعشرون: في قوله- صلى الله عليه وسلم- لمن دعاه إلى الطعام وهذه معي. روى مسلم والبرقاني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا فارسيّا كان جارا للنبي- صلى الله عليه وسلّم- فصنع طعاما ثم دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعائشة إلى جنبه، فأشار إليه أن تعال، فقال: وهذه معي، لعائشة! فقال: لا، ثم أشار إليه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهذه معي! فقال: لا، فأشار إليه الثالثة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- وأشار إلى عائشة: وهذه معي! قال: نعم. الخامس والعشرون: في فضل عائشة- رضي الله تعالى عنها- على النساء، وشهادة أم سلمة وصفية- رضي الله تعالى عنهما- بتفضيل النبي- صلى الله عليه وسلّم- عائشة عليهن. وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والبخاريّ، ومسلم، والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن أنس، والإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-، والطبراني برجال الصحيح عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- والطبراني بإسناد حسن عن فروة بن أبي إياس، والطبراني برجال الصحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن فضل عائشة على النّساء كفضل الثريد على سائر الطعام» . وروى أبو طاهر المخلص عن الشّعبيّ والطبراني بإسناد حسن عن عمرو بن الحارث ابن المصطلق قال: أرسل وفي لفظ: بعث زياد بن سميّة مع عمرو بن الحارث بهدايا وأموال إلى أمهات المؤمنين، وأرسل إلى أم سلمة وصفيّة يعتذر إليهما لفضل عائشة فقالتا: لئن فضلها لقد كان أشدّ علينا تفضيلا من هذه تفضيلها وفي لفظ: ففضّل عائشة ثمّ جعل الرسول يعتذر إلى أم سلمة، فقالت: يعتذر إليها زياد، فقد كان يفضّلها من هو كان أعظم علينا تفضيلا من زياد، رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. السادس والعشرون: في رؤيتها- رضي الله تعالى عنها- جبريل- صلى الله عليه وسلّم- وسلامه عليها. وروى الإمام أحمد وابن الجوزي في- الصفوة- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- (خاصين) [ (1) ] عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم يصلى في

_ [ (1) ] سقط في ج.

السابع والعشرون: فيما ظهر من بركتها - رضي الله تعالى عنها - بتوسعة الله عز وجل على الأمة برخصة التيمم.

بيت عائشة إذا قالت عائشة: رأيت رجلا عليه كذا وكذا، ولا أدري من هو، قالت: فأخبرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلبس النبي- صلى الله عليه وسلّم- ثيابه وخرج إليه، فإذا هو جبريل- عليه الصلاة والسلام- فقال: إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تماثيل، فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخذ الكلب فرمى به، ودخل عليه جبريل. وروى ابن أبي خيثمة [ (1) ] عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لها: إن جبريل- عليه السلام- يقرأ عليك السلام، قالت عائشة: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. وروى الطبراني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت علي عائشة- رضي الله تعالى عنها- فقلت: أين رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقلت: في البيت يوحى إليه ثم مكثت ما شاء الله أن أمكث، ثم سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد يقول: هذا جبريل يقرأ عليك السلام. السابع والعشرون: فيما ظهر من بركتها- رضي الله تعالى عنها- بتوسعة الله عز وجل على الأمة برخصة التيمم. روى عن ابن أبي مليكة. قال: استأذن ابن عباس على عائشة فقالت: لا حاجة لي بتزكيته، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمتاه أن ابن عباس من صالح بيتك جاء يعودك، قالت: فأذن له فدخل عليها فقال: يا أمه أبشري فو الله ما بينك وبين أن تلقي محمدا والأحبة إلا أن يفارق روحك جسدك، كنت أحب نساء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب الأطيبا، قالت أيضا؟ قال: هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلتقطها فلم يجدوا ماء، فأنزل الله عز وجل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء/ 43] فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخصة، وكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سمواته فليس مسجد يذكر الله فيه إلا وشأنك يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار. فقالت: يا بن عباس دعني منك ومن تزكيتك فو الله لوددت أني كنت نسيا. منسيا. الثامن والعشرون: في نزول براءتها من السماء وقد ذكرت ذلك مبسوطا في الحوادث، قال في (زاد المعاد) : واتفقت الأمة على كفر قاذفها. التاسع والعشرون: في اختصاصها بعشر خصال لم يشاركها فيها امرأة من نسائه- صلّى الله عليه وسلم - روى ابن سعد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: فضّلت على

_ [ (1) ] فى ج: ابن أبي شيبة

نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- بعشر، قيل: وما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح النبيّ بكرا قطّ غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مؤمنان مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حريرة وقال: تزوّجها، فإنّها امرأتك، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، ولم يكن ينزل عليه الوحي وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله تعالى نفسه وهو بين سحري ونحري، ومات في الليلة التي كان يدور على فيها، ودفن في بيتي [ (1) ] . وروى أيضا عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: أعطيت خصالا ما أعطيتها امرأة: ملكني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا بنت سبع سنين، وأتاه الملك بصورتي في كفّه فنظر إليها، وبنى بي لتسع سنين، ورأيت جبريل ولم تره امرأة غيري، وكنت أحبّ نسائه إليه، وأبي أحبّ أصحابه إليه، ومرض صلى الله عليه وسلّم فمرّضته، وقبض ولم يشهده غيري والملائكة. وروى الوزير نظام الملك- رحمه الله تعالى- في أماليه عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: أعطيت عشر خصال لم تعطهن ذات خمار قبلي: صوّرت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم قبل أن أصوّر في رحم أمّي، وتزوجني بكرا، ولم يتزوج بكرا غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو بين سحري ونحري، ونزلت براءتي من السماء، وكنت أحب الناس إليه، وخيّر وهو بين حاقنتي وذاقنتي، وتوفيّ في يومي، ودفن في بيتي، كذا في هذه الرواية عشرا ولم يذكر منها إلا ثماني خصال [ (2) ] . وروى أبو يعلى عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: لقد أعطيت سبقا لم تعطهنّ إلا مريم بنت عمران، لقد نزل جبريل بصورتي في راحته، ولقد تزوّجني بكرا، ولم يتزوّج بكرا غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته وهو في بيتي، ولقد صفّت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه، وهو في أهله فيتفرّقون عنه، وإن كان الوحي ينزل عليه، وإنّي لمعه في لحافه، وإنّي لابنة خليفته وصدّيقه، ولقد نزّل عذري من السّماء، ولقد خلقت طيّبة وعند طيّب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما [ (3) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح وابن أبي شيبة عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: خصال فيّ سبع وفي لفظ: خصال فيّ لم تكن في أحد من النساء إلا ما أتى الله مريم بنت

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 3/ 50. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 51. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 241 وقال: رواه أبو يعلى، وفي الصحيح وغيره بعضه، وفي إسناد أبي يعلى من لم أعرفهم.

الثلاثون: في سعة علمها - رضي الله تعالى عنها - وكونها أفقه الناس مطلقا:

عمران، والله ما أقول هذا فخرا، وفي لفظ، إني لا أفتخر على أحد من صواحبي! فقال لها عبد الله بن صفوان: وما هنّ يا أم المؤمنين؟ قالت: نزل الملك بصورتي، وتزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين، وتزوّجني بكرا، ولم يشركه في أحد من الناس، وكان الوحي يأتيه وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت أحب الناس إليه وبنت أحب الناس إليه، ونزل آيات من القرآن، وقد كادت الأمة تهلك فيّ، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي ولم يره أحد غيري وغير الملك. الثلاثون: في سعة علمها- رضي الله تعالى عنها- وكونها أفقه الناس مطلقا: روى الترمذي وحسنه وصححه وابن أبي خيثمة عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنهم- ما أشكل علينا أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حديث قطّ فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما [ (1) ] . وروى ابن أبي خيثمة والطبراني برجال ثقات عن الزهري- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال-: «لو جمع علم نساء هذه الأمة فيهن أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان علم عائشة أكثر من علمهن» . وروى سعيد بن منصور وابن أبي خيثمة والطبراني بسند حسن عن مسروق- رحمه الله تعالى- أنه كان يحلف بالله، لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي لفظ مشيخة أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسألون عائشة عن الفرائض. وروى ابن أبي خيثمة، والحاكم، والطبراني بسند حسن وأبو عمرو بن عساكر عن عروة بن الزبير قال: ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال ولا بحرام ولا بفقه، ولا بطبّ، ولا بشعر، ولا بحديث العرب ولا بنسب من عائشة- رضي الله تعالى عنها-[ (2) ] . وروى الطبراني برجال الصحيح عن موسى بن طلحة، قال: ما رأيت أحدا كان أفصح من عائشة- رضي الله تعالى عنها- وروى الطبراني عن معاوية قال: والله، ما رأيت خطيبا قط أبلغ ولا أفصح، ولا أفطن من عائشة. وروي عن عروة، وقد قيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله وكان أروى الناس للشعر! فقال: ما روايتي في رواية عائشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا.

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3883) . [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 11.

الحادي والثلاثون: في إنكارها على ابن عمر وإقراره إياها:

وروى الإمام أحمد عنه أنه كان يقول لعائشة: يا أمتاه لا أعجب من فهمك، أقول: زوجة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر، وأيام الناس، أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطّبّ كيف هو؟ وأين هو؟ قال: فضربت على منكبه، وقالت: أي عريّة، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان يسقم وفي لفظ كثرت أسقامه عند آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه وفي لفظ: فكانت أطباء العرب والعجم ينعتون له، وكنت أعالجها فمن ثمّ [ (1) ] . وروى الحاكم وأبو فرج بن الجوزيّ عن الزهري قال: لو جمع علم النّاس كلهم وعلم أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لكانت عائشة أوسعهم علما وفي لفظ: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع الناس وجميع أمهات المؤمنين، لكان علم عائشة أفضل. وروى الإمام أحمد في- الزّهد- والحاكم عن الأحنف بن قيس قال: سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان، وعليّ، والخلفاء وهلمّ جرّا فما سمعت منهم كلام مخلوق أفحم ولا أحسن منه من في عائشة. وروى الحاكم، وابن أبي خيثمة والبلاذريّ عن عطاء بن رباح قال: كانت عائشة أفقه النّاس، وأعلم، وأحسن النّاس رأيا في العامّة. وروى ابن أبي خيثمة عن سفيان بن عيينة قال: قال معاوية بن أبي سفيان: يا زياد أيّ الناس أعلم؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين، قال: أعزم عليك. قال: أمّا إذا عزمت عليّ فعائشة. وروى البلاذري عن قبيصة بن ذؤيب، قال: كانت عائشة أعلم الناس من نسائها والأكابر من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وروى أيضا عن القاسم بن محمد، قال: كانت عائشة- رضي الله تعالى عنها- قد اشتغلت بالفتوى زمن أبي بكر وعمر وعثمان وهلمّ جرّا إلى أن ماتت. وروي لها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ألف حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاريّ بأربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وسبعين، وروى عنها خلق كثير من الصحابة، والتابعين- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-. الحادي والثلاثون: في إنكارها على ابن عمر وإقراره إياها: [روى مسلم عن] عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة [عائشة. وإنا لنسمع ضربها بالسّواك تستن. قال فقلت: يا أبا عبد الرحمن! اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/ 50، 86، 87

الثاني والثلاثون: في زهدها، وكرمها، وصدقها، وعتقها، بريرة.

قال: نعم. فقلت لعائشة: أيّ أمّتاه! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقول؟ قلت: يقول: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب] فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب] . [وما اعتمر من عمرة إلّا وإنّه لمعه قال: وابن عمر يسمع. فما قال: لا، ولا نعم. سكت] . الثاني والثلاثون: في زهدها، وكرمها، وصدقها، وعتقها، بريرة. [روى أبو نعيم عن عروة] عن ابن المنكدر عن أم ذرة [وكانت تغشى عائشة- قالت: بعث إليها بمال في غرارتين، قالت: أراه ثمانين أو مائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة فجلست تقسم بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهم. فلما أمست قالت: يا جارية هلمي فطري، فجاءتها بخبز وزيت فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحما بدرهم نفطر عليه. قالت: لا تعنفيني لو كنت ذكرتيني لفعلت] [ (1) ] . روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق، وأراد مواليها أن يشترطوا ولاءها، فذكرت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها النبي- صلى الله عليه وسلم-: اشتريها، فإنما الولاء لمن أعتق وأتي النبي صلى الله عليه وسلّم بلحم، فقلت: هذا ما تصدّق به على بريرة، فقال: هو لها صدقة ولنا هدية] [ (2) ] . الثالث والثلاثون: في خوفها وورعها وتعبدها وحيائها- رضي الله تعالى عنها-. روى أبو نعيم عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن ابن أبي مليكة قال: استأذن ابن عباس على عائشة [فقالت: لا حاجة لي بتزكيته، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمتاه أن ابن عباس من صالح بيتك جاء يعودك، قالت: فأذن له فدخل عليها فقال: يا أمه أبشري فو الله ما بينك وبين أن تلقي محمدا والأحبة إلا أن يفارق روحك جسدك، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب إلا طيبا، قالت أيضا؟ قال: هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلتقطها فلم يجدوا ماء، فأنزل الله عز وجل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء 43] فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخصة وكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سمواته فليس مسجد يذكر الله فيه إلا وشأنك يتلى في آناء الليل وأطراف النهار. فقالت: يا ابن عباس دعني منك ومن تزكيتك فو الله لوددت أني كنت نسيا منسيا. وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وإني واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي، وأبي، فلمّا دفن عمر، والله ما

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم 2/ 47 [ (2) ] أخرجه البخاري (493)

الرابع والثلاثون: في غيرتها

دخلته إلا مشدودة على ثيابي حياء من عمر. الرابع والثلاثون: في غيرتها روى أبو يعلى، وأبو الشيخ وابن حبان بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان متاعي فيه خفّ، وكان على جمل ناج، وكان متاع صفيّة فيه ثقل، وكان على جمل ثقال بطيء يتبطّأ بالركب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «حوّلوا متاع عائشة على جمل صفيّة، وحوّلوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الرّكب» . قالت عائشة: فلما رأيت ذلك، قلت: يا لعباد الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أمّ عبد الله، إن متاعك فيه خفّ، وكان متاع صفية فيه ثقل فأبطأ بالرّكب فحوّلنا متاعها على بعيرك، وحوّلنا متاعك على بعيرها» فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «أو في هذا شكّ يا أم عبد الله؟ قالت: فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله؟ فهلّا عدّلت. فسمعني أبو بكر وكان فيه غرب أي حدّة فأقبل علي فلطم وجهي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «مهلاً يا أبا بكر» ، فقال: يا رسول الله أما سمعت ما قالت: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه» [ (1) ] . الخامس والثلاثون: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها- وأين دفنت. كانت وفاتها في رمضان ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت منه على الصحيح عند الأكثرين سنة ثمان وخمسين، رواه ابن أبي خيثمة عن عيينة وجزم به المدائنيّ. وروى أيضا عن هشام بن عروة سنة سبع وخمسين. وصلّى عليها أبو هريرة- رضي الله تعالى عنه- خليفة مروان بالمدينة، وحجّ مروان واستخلفه ودفنت بالبقيع. وروى ابن أبي خيثمة عن عروة بن الزبير عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت له: إذا أنا متّ فادفّنّي مع صواحبي بالبقيع، وكان في بيتها موضع، قالت: لا أراني به أبدا. تنبيهان: الأول: في رواية من الصحيح «وبنى بي، وأنا بنت ستّ» ، ويجمع بينهما بأنها كانت أكملت السادسة، ودخلت في السابعة تقريبا. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الحرف: جلد يتشقق ويلبسه البنات الصغار كالإزار وتسميه العرب اليوم الوتر والسدرة. الأرجوحة: [حبل يشدّ طرفاه في موضع عال ثم يركبه الإنسان ويحرك وهو فيه] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 8/ 129 (314- 4670)

جميمة: [تصغير جمّة من شعر الرأس وهي ما سقط على المنكبين] . لألهج: [لألهث] . هه هه: [ ... ] . ينضمعن: [أي تغيبن ودخلن في بيت أي من وراء سر] . يسرّ بهنّ: [أي يبعثهن أو يرسلهن فيلعبن معي] . ما نحرت من جزور: [ما ذبحت من ناقة] . الوفرة: [شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن] . نال منه: [ ... ] . منبوحا: [المشتوم] . اغرب: [ابعد] . منبوحا: بميم فنون فموحدة فواو فحاء مهملة منسويا والمنبوح المشتوم وأصله من نباح الكلب وهو صياحه يقال: نبحتني كلابك أي لحقني سبابك إلا في صلاته لعلها أرادت من خديجة. المنكب [ ... ] أكبّ [ ... ] فأحنى [ ... ] ريقها [ ... ] يتهلّل: [استنار وظهرت عليه علامات السرور] . المرط: كساء النساء وهو من الصوف وخزّ وغيره. طفقت [ ... ] . أنشب: لم يلبث أن فعل كذا. اللّحاف: [ ... ] . ابتدر في [ ... ] . سحري: الرّئة، وقيل ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن. المزمارة: [ ... ] . غمرتها: [غفلتها] . بني أرفده: [ ... ] . مللت: [ ... ] . التماثيل: [ ... ] . لطم وجهي: [ ... ] . بطيء: [ ... ] . اللّفظ: [ ... ] . انتهرني: [ ... ] .

الباب الرابع في بعض مناقب أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما -

الباب الرابع في بعض مناقب أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهما- وفيه أنواع: الأول: في مولدها ونسبها، ولدت وقريش تبني الكعبة قبل مبعث النبي- صلى الله عليه وسلّم- بخمس سنين، وتقدّم نسب أبيها، وأمّها زينب بنت مظعون. الثاني: فيمن كانت تحته وتزوّج النبي- صلى الله عليه وسلم- إياها- رضي الله تعالى عنها-. كانت تحت خنيس بخاء معجمة مضمومة فنون مفتوحة، فتحتيّة، ساكنة فسين مهملة ابن حذافة، بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة، وبعد الألف فاء، السّهمي وكان ممّن شهد بدرا فهاجر بها إلى المدينة فمات بها من جراحات أصابته ببدر، وقيل: بل أحد، ورجح كل مرجحون، والأول أشهر، فتزوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من مهاجرة على القول الأول، وبعد أحد على القول الثاني. وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: تألّمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السّهميّ، وكان من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد شهد بدرا فتوفّي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان فعرضت عليه حفصة، وقلت: إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج في يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليّ شيئا، فكنت أوجد عليه منّي على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنكحتها إيّاه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدتّ عليّ حين عرضت عليّ حفصة، فلم أرجع إليك شيئا؟، فقلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلّا أنّي كنت علمت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولو تركها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لقبلتها [ (1) ] . وروى ابن سعد عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: لما توفي خنيس بن حذافة عرضت حفصة على عثمان، فأعرض عني، فذكرت للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، لا تعجب من عثمان، إنّي عرضت عليه حفصة، فأعرض عني فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قد زوج الله تعالى عثمان خيرا من ابنتك، وزوّج ابنتك خيرا من عثمان، قال: وكان عمر قد عرض

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (5122) .

الثالث: في أمر الله - تبارك وتعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمراجعتها لما طلقها، وقال: إنها زوجتك في الجنة.

حفصة على عثمان في متوفى رقية بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان عثمان يريد يومئذ أم كلثوم بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعرض عثمان عن عمر لذلك، فتزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حفصة، وزوج أمّ كلثوم من عثمان. وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنة اثنتين من الهجرة بالمدينة. وروى أيضا عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: أخبرني رجل من بني سهم من أهل المدينة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوجها سنة ثلاث. الثالث: في أمر الله- تبارك وتعالى- نبيه- صلى الله عليه وسلّم- بمراجعتها لمّا طلّقها، وقال: إنّها زوجتك في الجنة. وروى أبو داود والنسائي، وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طلّق حفصة ثم راجعها. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة، والطبراني برجال الصحيح عن قيس بن زيد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طلّق حفصة بنت عمر- رضي الله تعالى عنهما- فدخل عليها خالاها (حذافة) [ (1) ] وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله، ما طلّقني عن شبع، فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتجلببت فقال لي: قال لي جبريل: راجع حفصة، فإنها صوّامة قوّامة وإنّها زوجتك في الجنة. وروى ابن أبي خيثمة أيضاً عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- طلّق حفصة تطليقة فأتاه جبريل- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، طلّقت حفصة وهي صوّامة قوّامة، وهي زوجتك في الجنة! وروى [أبو نعيم] [ (1) ] عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه قال: طلّق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حفصة فبلغ ذلك عمر فحثا على رأسه التّراب وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته وبعدها نزل جبريل على النبي- صلى الله عليه وسلّم- من الغد، وقال: أن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بعمر ثم أراد أن يطلّقها ثانية، فقال له جبريل. لا تطلّقها، فإنّها صوّامة قوّامة. الرابع: في استظهارها بتحريم مارية. [روى الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [التحريم 3] قال: دخلت حفصة على النبي- صلى الله عليه وسلم- في بيتها، وهو يطأ مارية فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تخبري عائشة حتى أبشرك بشارة فإن أباك يلي الأمر بعد أبي

_ [ (1) ] سقط في ب.

الخامس: في قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - إنها ابنة أبيها تنبيها على فضلها.

بكر إذا أنا متّ، فذهبت حفصة فأخبرت عائشة، فقالت عائشة للنبي- صلى الله عليه وسلم-: من أنبأك هذا قال: نبأني العليم الخبير فقالت عائشة: لا انظر إليك حتّى تحرّم مارية فحرمها فأنزل الله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ [التحريم 1] . الخامس: في قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- إنها ابنة أبيها تنبيها على فضلها. [روى أبو داود والبيهقي عن الزهري قال: بلغني أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما أصبحتا صائمتين متطوعتين فاهدي لهما طعام فأفطرتا عليه فدخل عليهما النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة: فقالت حفصة فبدرتني بالكلام وكانت ابنة أبيها يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين وأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- اقضيا مكانه يوما آخر] . السادس: فيمن شهد بدرا من أهلها. شهد من أهلها بدرا: أبوها عمر- رضي الله تعالى عنه- وعمّها زيد، وزوجها خنيس، وأخوالها عثمان، وعبد الله، وقدامة بنو مظعون والسائب بن عثمان بن مظعون ابن خالها. السابع: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها- توفّيت في شعبان سنة خمس وأربعين بالمدينة وصلّى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة وحمل سريرها بعض الطريق، ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها، ونزل في قبرها عبد الله وعاصم ابنا عمر، وسالم، وعبد الله، وحمزة بنو عبد الله بن عمر، وقد بلغت ستين سنة، وقيل: ماتت سنة إحدى وأربعين. رواه أبو بكر بن أبي خيثمة وقيل: ماتت لما بايع الحسن معاوية وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين فأوصت إلى عبد الله أخيها بما أوصى إليها عمر، وتصدقت بمال وقفته بالغابة، وروي لها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ستون حديثا. بيان غريب ما سبق. الغابة: [موضع قريب من المدينة] .

الباب الخامس في بعض فضائل أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -

الباب الخامس في بعض فضائل أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع: الأول: في نسبها واسمها. تقدم نسب أبيها، وأمّها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة بن فراس ومن قال: عاتكة بنت عبد المطلّب، فجعلها بنت عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقد أخطأ، وإنما هي بنت زوجها، وأخواها عبد الله، وزهير ابنا عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- واسمها هند، وقيل: رملة، والأوّل أصحّ. الثاني: في هجرتها مع زوجها أبي سلمة بن (عبد الأسد) - رضي الله تعالى عنهما- إلى الحبشة وهجرتها إلى المدينة. هاجرت، هي وزوجها إلى الحبشة الهجرتين وهما أول من هاجر إلى الحبشة، قال ابن أبي خيثمة: حدثنا نصر بن المغيرة، قال: قال سفيان: أوّل مهاجرة من النساء أمّ سلمة. وروى عن مصعب بن عبد الله قال: أوّل ظعينة دخلت المدينة مهاجرة أمّ سلمة. ويقال: بل ليلى بنت خيثمة زوج عامر بن ربيعة. الثالث: في تزويج النبي- صلى الله عليه وسلّم- بها. كانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد وأمّه عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- برة بنت عمه أبي طالب فولدت لأبي سلمة، سلمة وعمر، ورقيّة، وزينب، ومات أبو سلمة- رضي الله تعالى عنه- سنة أربع وشهد بدرا وأحدا ورمي بها بسهم في عضده فمكث شهرا يداويه، ثم برأ الجرح، وبعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هلال المحرّم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجره، وبعث معه مائة وخمسين رجلا إلى قطن- وهو جبل- فغاب تسعا وعشرين ليلة ثم رجع إلى المدينة فانتقض جرحه، فمات منه لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع، فاعتدّت امّ سلمة، وحملت لعشرين بقين من شوّال المذكور سنة أربع، فتزوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ليالي بقين من شوال المذكور، ولو لم يكن من فضلها إلا شورها على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالحلق في قصة الحديبية لمّا امتنع منه أكثر الصحابة لكفاها. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عمر: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد وقعة بدر في شوال سنة اثنتين، وليس بشيء، لأنّ أبا عمر قال في وفاة أبي سلمة: إنها في جمادى الآخرة سنة ثلاث وهو لم يتزوجها إلا بعد انقضاء عدتها من وفاة أبي سلمة. وروي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:

«ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: ما أمر الله تبارك وتعالى [إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها] [ (1) ] . وروى أحمد بن منيع وأبو يعلى برجال ثقات عن عمرو بن أبي سلمة [ (2) ] ، والإمام الشافعي- رحمه الله تعالى ورضي عنه- والإمام أحمد ومسلم وابن أبي خيثمة عن أم سلمة والحارث من طريق آخر عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- رضي الله تعالى عنهم- أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- فقالت: سمعت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا هو أعجب إليّ من كذا وكذا، لا أدري ما أعدل به، سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك، ثم يقول: اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيرا منها، فلما مات أبو سلمة قلتها وأبدلني خيرا منها: أقول: ومن خير من أبي سلمة، فلم أزل حتى قلتها، فلما انقضت عدّتها أرسل أبو بكر يخطبها فأبت، فأرسل إليها عمر يخطبها فأبت، قالت: فأرسل إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطبها، فقالت: مرحبا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن في خلالي ثلاثا أخافهنّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إني امرأة شديدة الغيرة وإني امرأة مصبية يعني: لها صبيان، وفي رواية: إني ذات عيال، وإني امرأة ليس هاهنا أحد من أوليائي شاهد يزوّجني، وفي حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، فقالت: ما مثلي ينكح، أما أنا، فلا ولد في، وأنا غيور، وذات عيال فسمع عمر بما ردّت به على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فغضب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشدّ ما غضب لنفسه حين ردته فلقيها فقال: أنت التي تردين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: يا ابن الخطاب إن فيّ كذا وكذا، فأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليها فقال: أما ما ذكرت أنك غيرى فسأدعو الله- عز وجل- يذهب غيرتك وأما ما ذكرت أنك مصيبة فإن الله سيكفيك صبيانك، وفي رواية: وأما العيال فإلى الله ورسوله وأما أنه ليس ههنا أحد من أوليائك يزوجك فإنه ليس أحد شاهد ولا غائب من أوليائك يكرهني، وفي حديث أبي بكر في لفظ: «فإنه ليس أحد منهم شاهد ولا حاضر يسترضاني وأنا أكبر منه فقالت لابنها عمر: زوجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: فزوجه إياها فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أما إني لم أنقصك مما أعطيت أختك فلانة، قال ثابت لابن أم سلمة: ما كان أعطى فلانة؟ قال: أعطاها درهمين تجعل منهما صاحبتها ورحلتين ووسادة حشوها ليف ثم انصرف عنها ثم أتاها الثانية وهي ترضع زينب فلما رأته مقبلا جعلت الصبية في حجرها. فسلم ثم رجع فأتاها أيضا الثالثة فلما رأته جعلت الصبية في حجرها قالت: وكان

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 631 (3- 918) [ (2) ] أخرجه أبو داود (3119) وأحمد 4/ 27

الرابع: في دخولها فيما سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل بيته.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حييا كريما، فرجع، قال عمر: فجاء عمار بن ياسر حتى انتزعها من حجرها وفي لفظ: «ففطن لذلك عمار بن ياسر وكان أخاها لأمها فانتشط زينب من حجرها فقال: هاتي وفي لفظ: دعي عنك هذه المسقوحة التي منعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم أتاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل يقلب بصره في البيت فلم ير الصبية في حجرها وكان اسمها زينب، فقال: أين زناب، فقالت: جاء عمار فأخذها وفي حديث أبي بكر فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «تجداني أتيتكم الليلة» ، قالت: فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرن، وأخذت شحما فعضدت به فبات ثم أصبح فقال حين أصبح: «إن لك على أهلك كرامة إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء» . قال عمر: فكانت في النساء كأنها ليست منهن لا تجد من الغيرة شيئا. وروى الطبراني برجال الصحيح عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أتاها فلفّ رادئها وجعله على أسكفة الباب واتّكل عليه، وقال: هل لك يا أم سلمة؟ قالت: إني امرأة شديدة الغيرة، وأخاف أن يبدو للنبي- صلى الله عليه وسلم- ما يكره، فانصرف، ثم عاد فقال: هل يا أم سلمة؟ إذا كان لك الزيادة في صداقك، زدناك، فعادت لقولها، فقالت: أمّ سلمة: يا أمّ عبد، تدرين ما يتحدث به نساء قريش، يقلن: إنما ردّت محمدا، لأنها شابة من قريش أحدث منه سنّا، وأكثر منه مالا، فأتت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتزوّجها. وروى ابن سعد عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت لأبي سلمة: ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة، ثم لم تتزوّج بعده إلّا جمع الله تعالى بينهما في الجنة، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل بعدها، فتعال أعاهدك ألا تتزوّج بعدي ولا أتزوّج بعدك، قال: أتطيعيني، قلت: ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك قال: فإذا أنا مت فتزوجي، ثم قال: اللهم ارزق أمّ سلمة بعدي رجلا خيرا مني حتى لا يحزنها ولا يؤذيها، قالت: فلما مات قلت: من هذا الذي هو خير لي من أبي سلمة، فلبثت ما لبثت، فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقام على الباب فذكر نحو ما سبق [ (1) ] . الرابع: في دخولها فيما سأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأهل بيته. روى الإمام أحمد والدولابيّ عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أغدف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عليّ وفاطمة والحسن، والحسين- رضي الله تعالى عنهم-: خميصة سوداء، ثم قال: اللهم إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي قالت: قلت: وأنا يا رسول الله؟ قال: وأنت [ (2) ] ،

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 70. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 304.

الخامس: في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بها إذا دار على نسائه، وتخصيصه أم سلمة من دون غيرها في بعض الأحوال - رضي الله تعالى عنهن -

وروى أبو الحسين الخلعيّ عن عمرو بن شعيب أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة فحدّثته أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان عند أم سلمة، فجعل حسنا وحسينا في شقّ وفاطمة في حجرها، وقال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد، وأنا وأمّ سلمة جالستان، فبكت أم سلمة، فقال: ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله، خصصتهم، وتركتني وابنتي! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنك من أهل البيت» . الخامس: في ابتدائه صلّى الله عليه وسلّم بها إذا دار على نسائه، وتخصيصه أم سلمة من دون غيرها في بعض الأحوال- رضي الله تعالى عنهن- روى عمر الملاء، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأم سلمة لأنها أكبرهنّ، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يختم بي. وروى الإمام أحمد عن موسى بن عقبة عن أمه عن أم كلثوم، قالت: لمّا تزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم سلمة، قال لها: يا أم سلمة، إني قد أهديت إلى النجاشيّ حلّة وأوقية مسك، ولا أرى النجاشيّ إلا قد مات ولا أرى هديّتي إلا مردودة فهي لك. فكان كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وردّت عليه هديّته فأعطى كلّ واحدة من نسائه أوقية وأعطى أمّ سلمة المسك والحلّة. السادس: في مبايعتها، ومحافظتها على دينها وبرها- رضي الله تعالى عنها-. روى مسلم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما مات أبو سلمة قلت: غريب بأرض غربة لأبكينّه بكاء يتحدث عنه. فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاستقبلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه» مرتين. فكففت عن البكاء فلم أبك. وروى أيضا عنها رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، إني امرأة أشدّ ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهري. وروى الشيخان عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في بني أبي سلمة، أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بنيّ، فقال- صلى الله عليه وسلم-: نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2731- 2732)

السابع: في جزالة رأيها في قصة الحديبية.

السابع: في جزالة رأيها في قصة الحديبية. روى الإمام أحمد والشيخان عن المسوّر ابن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صالح أهل مكة، وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم فلما فرغ قال للناس: قوموا فانحروا، ثم احلقوا قالا: فو الله ما قام منهم رجل، حتى قالها ثلاثا! فلما لم يقم أحد، ولا تكلّم أحد منهم قالت: لن يقوموا حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج ففعل ذلك، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا. وتقدم مبسوطا في غزوة الحديبية. الثامن: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-. قال ابن أبي خيثمة- رحمه الله تعالى- توفّيت أمّ سلمة في ولاية يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين على الصحيح، واستخلف يزيد سنة ستين بعد ما جاء خبر الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- عليهم، ولها أربع وثمانون سنة على الصواب. وروى الطبراني برجال ثقات عن الهيثم بن عدي- رحمه الله تعالى- قال: أول من مات من أزواج النبي- صلى الله عليه وسلّم- زينب بنت جحش، وآخر من مات منهنّ أمّ سلمة زمن يزيد بن معاويّة سنة اثنتين وستين. التاسع: في ولدها- رضي الله تعالى عنها- كان لها ثلاثة أولاد: سلمة أكبرهم، وعمر، وزينب أصغرهم ربّوا في حجر النبي- صلى الله عليه وسلّم- واختلف الرواة فيمن زوّجها من النبي- صلى الله عليه وسلم- فروى الإمام أحمد والنسائي أنه عمر، وقيل سلمة أبو عمر، وعليه الأكثر، وزوجه- صلى الله عليه وسلّم- أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، عاش في خلافة عبد الملك بن مروان، ولم تحفظ له رواية، وأما عمر- رضي الله تعالى عنه- فله رواية وتوفّي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وله تسع سنين، وكان مولده بالحبشة، في السنة الثانية من الهجرة، واستعمله علي- رضي الله تعالى عنها- على فارس، والبحرين، وتوفّي بالمدينة سنة ثلاث وثمانين في خلافة عبد الملك. وأما زينب فولدت بأرض الحبشة وكان اسمها (برة) فسمّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زينب، دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح في وجهها الماء فلم يزل ماء الشّباب في وجهها- رضي الله تعالى عنها- حتى كبرت وعجزت. روى الطبرانيّ عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: كانت أمّي إذا دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغتسل تقول أمي: اذهبي فادخلي، قالت: فدخلت، فنضح في وجهي بالماء، وقال: ارجعي، وقال العطاف: قالت أمي: فرأيت وجه زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء. وتزوّجها عبد الله بن زمعة بن الأسود الأسديّ وولدت له، وكانت من أفقه أهل زمانها.

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

تنبيه في بيان غريب ما سبق: الظّعينة: [ ... ] . العضد: [ما بين المرفق إلى الكتف] . قطن: بفتح القاف والطاء المهملة، اسم جبل أو ماء. المسقوحة: [المكسورة المبعدة] . كفّة الباب [ ... ] . أغدف: بغين فدال ففاء، أرسل وغطا، ومنه غداف المرأة، وهي ما تستر به وجهها. الخميصة: ثوب أسود من صوف أو خزّ والله أعلم.

الباب السادس في بعض فضائل أم المؤمنين أم حبيبة

الباب السادس في بعض فضائل أم المؤمنين أم حبيبة بفتح الحاء المهملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب القرشيّة الأمويّة- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع: الأول: في نسبها واسمها. تقدم نسب أبيها، وأمها صفية بنت أبي العاص عمّة عثمان بن عفان، قال ابن أبي خيثمة: أخبرنا مصعب بن عبد الله أن اسمها رملة، بفتح الراء وهو المشهور، ويقال: هند. الثاني: في تزويج النبي- صلى الله عليه وسلم- لها. ويوم هجرتها إلى الحبشة، كانت قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عند عبيد الله بن جحش، وولدت له حبيبة وبها كانت تكنى، وهاجر بها إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم تنصّر هناك، ومات عنها على النصرانية، وبقيت أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- على دين الإسلام وأبى الله عز وجل لأمّ حبيبة ألّا تتنصّر، فأتم الله تعالى- الإسلام والهجرة وتزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبعث عمرو بن أمية الضّمريّ إلى النجاشي فزوّجه إيّاها والذي عقد عليها خالد بن سعيد بن العاص وأصدقها النجاشي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربعمائة دينار على خلاف محكي في الصّداق، والعاقد، وبعثها مع شرجيل بن حسنة وجهّزها من عنده، كل ذلك في سنة تسع، وقيل: كان الصّداق مائتي دينار، وقيل: أربعة آلاف درهم، والأوّل النّسب، وروى ابن سعد عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأمويّ، قال: قالت أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها-: رأيت في النّوم كأنّ زوجي عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة فأصبحت، فإذا به قد تنصّر، فأخبرته بالمنام، فلم يحفل وأكب على الخمر حتّى مات فأتاني آت في النوم، فقال: يا أم المؤمنين، ففزعت فما هو إلا أن انقضت عدّتي فما شعرت إلّا برسول النّجاشيّ يستأذن، فذكر [ (1) ] لأم حبيبة خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إيّاها من النّجاشي وروى الطبراني بسند حسن عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة وأنكح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رقية رضي الله عنها عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنه- من أجل أن أم حبيبة، أمّها صفية بنت أبي العاص، وصفيّة عمة عثمان أخت عفّان لأبيه وأمّه، وقدم بأمّ حبيبة على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شرحبيل بن حسنة [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 77 [ (2) ] انظر المجمع 9/ 252

وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن مصعب بن عبد الله الزبيريّ، قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمّ حبيبة، زوّجه إيّاها النّجاشي، فقيل لأبي سفيان يومئذ وهو مشرك (يحارب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-) [ (1) ] : إن محمدا قد نكح ابنتك، قال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه، قال: ودخل أبو سفيان على ابنته أمّ حبيبة فسمع تمازح النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ما هو إلا أن تركتك فتركتك به العرب، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضحك وهو يقول: أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة!. وروى أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنة ستّ. وروى أيضا عن الزّهريّ، قال: زعموا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتب إلى النجاشي، فزوّجه إيّاها وساق عنه أربعين أوقيّة [ (2) ] . وروي أيضا عنه، عن عروة، عن أمّ حبيبة أنها كانت عند عبيد الله بن جحش وكان رحل إلى النجاشي فمات، وأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزوّج بأمّ حبيبة وهي بأرض الحبشة زوّجها إيّاه النّجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم، وبعث بها مع شرحبيل ومهرها من عنده، وما بعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شيئا. وروى ابن الجوزيّ في الصفوة عن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها. ففزعت فقلت: تغيّرت والله حاله. فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة إني نظرت في الدّين فلم أر دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت في النصرانية. فقلت: والله ما خير لك. وأخبرته بالرؤيا التي رأيتها فلم يحفل بها وأكبّ على الخمر حتى مات: فأرى في النوم كأن آتيا يقول: يا أم المؤمنين ففزعت فأوّلتها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتزوجني. قالت: فما هو إلا أن قد انقضت عدّتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن. فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت عليّ فقالت: إن الملك يقول لك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أن أزوّجه فقالت: بشّرك الله بخير. قالت: يقول لك الملك وكلّي من يزوّجك. فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين

_ [ (1) ] سقط في ج. [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 20

الثالث: في طيها فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سرورا بما بشّرتها. فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنه الذي بشّر به عيسى ابن مريم- صلى الله عليه وسلّم-. أما بعد: فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقد أصدقتها أربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون- أما بعد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وزوّجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها. ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج. فدعا بطعام وأكلوا ثم تفرقوا. قالت أم حبيبة: فلما وصل إليّ المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالا فخذيها فاستعيني بها. فأبت وأخرجت حقّا فيه كل ما كنت أعطيتها فردّته عليّ وقالت: عزم عليّ الملك أن لا أرزأك شيئا وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأسلمت لله عز وجل وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر. قالت: فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بذلك كله على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكان يراه علي وعندي فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مني السلام وتعلميه أني قد اتّبعت دينه. قالت: ثم لطفت بي وكانت التي جهّزتني، وكانت كلما دخلت عليّ تقول: لا تنسي حاجتي إليك. قالت: فلما قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة فتبسم وأقرأته منها السلام فقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته. الثالث: في طيّها فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لئلا يجلس عليه أبوها، حال شركه. روى (ابن الجوزي) [ (1) ] في صفة الصفوة عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب

_ [ (1) ] سقط في ج

الرابع: فيما نزل بسبب زواج أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - من القرآن.

المدينة جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقام ودخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش النبي- صلى الله عليه وسلّم طوته دونه فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه، فقالت: بل هو فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنت امرؤ نجس مشرك. فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر. الرابع: فيما نزل بسبب زواج أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- من القرآن. قال الله- سبحانه وتعالى-: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [الممتحنة 7] . الخامس: في وفاة أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- روى أبو عمر وابن الجوزيّ [....] قال أبو بكر بن أبي خيثمة: توفّيت أمّ حبيبة قبل موت معاوية بسنة، سنة أربع وأربعين، ويقال: سنة اثنتين وأربعين، وقيل: سنة خمس وخمسين، قال البلاذري: والأول أثبت. تنبيهات: الأوّل: اختلف فيمن زوّجها فروي عن سعيد بن العاص، وروي عن عثمان بن عفان وليس بصواب، لأنّ عثمان كان مقدمه من الحبشة قبل وقعة بدر، وهي ابنة عمّته، وقال البيهقيّ: إنّ الذي زوّجها خالد بن سعيد بن العاص- رضي الله تعالى عنه- وهو ابن عمّ أبيها، لأن العاص بن أميّة عم أبي سفيان بن حرب بن أمية، وروى النجاشيّ ويحتمل أن يكون النجاشي هو الخاطب، والعاقد إما عثمان أو خالد بن سعيد بن العاص على ما تضمّنه الحديث السّابق، وقيل: عقد عليها النجاشي وكان قد أسلم، وقيل: إنّما تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند مرجعها من الحبشة، والأوّل أثبت من ذلك كله. وروي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعث عمر بن أمية الضمري إلى النّجاشي ليخطبها عليه فزوّجه إيّاها، وأصدقها أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل ابن حسنة- رضي الله تعالى عنه- فجاءه- صلى الله عليه وسلّم- بها، فيحتمل أنه- صلى الله عليه وسلم بعث عمرا للخطبة، وشرحبيل لحملها إليه، وكان ذلك في سنة سبع من الهجرة، وكان أبوها حال نكاحها بمكة مشركا محاربا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم. الثاني: روى ابن حبان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: هاجر عبيد الله بن جحش بأمّ حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة، فلما قدم أرض الحبشة مرض، فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، فتزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمّ حبيبة،

وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة- رضي الله تعالى عنه- وفي هذا إشكالان أحدهما: في الإسم، فإن المشهور أنه عبيد الله بالتصغير، كما تقدّم ذكره وأنه تنصّر. ثانيهما: أن عبيد الله ثبت على إسلامه حتّى استشهد بأحد- رضي الله تعالى عنه-. الثالث: روى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-[قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه. فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبيّ الله! ثلاث أعطنيهنّ. قال «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال «نعم» قال: ومعاوية، تجعله كاتبا بين يديك. قال «نعم» . قال: وتؤمّرني حتّى أقاتل الكفّار، كما كنت أقاتل المسلمين. قال «نعم» . قال أبو زميل: ولولا أنّه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلّم، ما أعطاه ذلك. لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال «نعم» ] . الرابع: في بيان غريب ما سبق: أكبّ: [أقبل عليه وشغل به] . ما شعرت [ ... ] . لا يقرع أنفه [أي أنه كفء كريم لا يرد] .

الباب السابع في بعض فضائل أم المؤمنين سودة بنت زمعة - رضي الله تعالى عنها -

الباب السابع في بعض فضائل أم المؤمنين سودة بنت زمعة- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع الأول: في نسبها. تقدم نسب أبيها، وأمّها الشّموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النّجّار بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أم عبد المطلب. الثاني: في تزويج النبي- صلى الله عليه وسلم- إياها: أسلمت قديما وبايعت. كانت قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تحت ابن عمّ لها يقال له: السّكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ أخي سهيل بن عامر بن لؤيّ، وشمر وسهل، وسليط، وحاطب، ولكلّ صحبة، ابن عمرو، وأسلم معها- رضي الله تعالى عنهما- وهاجرا إلى الحبشة في الهجرة الثّانية، فلما قدما مكّة مات زوجها، وقيل مات بأرض الحبشة، فلمّا حلّت خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد العقد على عائشة- رضي الله تعالى عنها- ثمّ تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في السّنة العاشرة أو (الثامنة) [ (1) ] من النّبوّة، ودخل بها بمكّة بعد موت خديجة- رضي الله تعالى عنها-، قال ابن كثير: والصحيح أن عائشة عقد عليها قبل سودة، ولم يدخل بعائشة إلا في السنة الثانية من الهجرة، وأما سودة فإنّه دخل بها بمكّة، وسبقه إلى ذلك أبو نعيم وجزم به الجمهور، ومنهم قتادة، وأبو عبيدة معمر بن المثنى والزّهريّ في رواية عقيل، وقال عبد الله محمد بن محمد بن عقيل: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد عائشة. وروي القولان عن ابن شهاب، وقال يونس بن يزيد عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزوج سودة بالمدينة، قلت: وهي رواية شاذّة وقع فيها وهم، والصحيح: أنّها عائشة لا سودة كما تقدّم، وتقدّم في مناقب عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون- رضي الله تعالى عنه وعنها- أشارت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: بزواجها فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاذكريها عليّ فذهبت إلى سودة وأبيها فقلت: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، فقالت: وما ذاك؟ قالت: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أرسلني إليك لأخطبك عليه، قالت: وددتّ ذلك ولكن ادخلي على أبي، واذكري له ذلك، وكان شيخا كبيرا قد أدركته السن، فحييته بتحية أهل الجاهليّة، فقلت: أنعم صباحك، فقال: ومن أنت؟ فقلت: خولة

_ [ (1) ] في ج: الثانية.

(الثاني) [2] : في هبتها يومها لعائشة - رضي الله تعالى عنهما - تلتمس رضا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فرحّب بي، وقال ما شاء الله أن يقول. قالت: فقلت: أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر ابنتك، قال: هو كفء كريم، فما تقول صاحبتك؟ قلت: تحب ذاك، قال: قولي له فليأت، قالت: فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فملكها وقدم عبد الله بن زمعة فوجد أخته قد تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فحثا التراب على رأسه، فلما أسلم، قال: إنّي لسفيه يوم أحثو التّراب على رأسي أن تزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أختي. رواه الطبراني برجال ثقات والإمام أحمد عن عائشة بسند جيّد وعمر الملّا وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت سودة بنت زمعة تحت السّكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو قرأت في المنام كأن النبي- صلى الله عليه وسلّم- أقبل يمشي حتّى وطئ عنقها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال لئن صدقت رؤياك لأموتنّ وليتزوجنك محمد ثم رأت في المنام ليلة أخرى أن قمرا انقضّ عليها، [من السماء] وهي مضطجعة فأخبرت زوجها فقال: إن صدقت رؤياك، لم ألبث إلا يسيرا حتى أموت وتتزوجين من بعدي فاشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلا قليلا حتى مات، وتزوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم. [ (1) ] (الثاني) [ (2) ] : في هبتها يومها لعائشة- رضي الله تعالى عنهما- تلتمس رضا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. روى أبو عمر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما أسنّت سودة عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- همّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بطلاقها، فقالت: لا تطلّقني وأنت في حلّ مني فأنا أريد أن أحشر في أزواجك، وإني قد وهبت يومي لعائشة، وإني لا أريد ما يريد النّساء فأمسكها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى توفي عنها مع سائر من توفّي عنهن من أزواجه- رضي الله تعالى عنهن-. وروى أبو بكر بن أبي خيثمة، وأبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما من الناس أحد وفي لفظ: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة إلا أن بها حدة. الرابع: في أمره- صلى الله عليه وسلم- سودة بالانتصار من عائشة، لما لطّخت وجهها. تقدم الحديث في مناقب عائشة- رضي الله تعالى عنها-. الخامس: في إذنه- صلّى الله عليه وسلم- لها في الدّفع قبل النّاس. روى [الشيخان] عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: استأذنت سودة بنت

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 45. [ (2) ] في ج: الثالث.

السادس: في شدة اتباعها لأمره - صلى الله عليه وسلم -.

زمعة- رضي الله تعالى عنها- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة [أن تدفع قبل حطمة الناس- وكانت امرأة ثبطة- أي ثقيلة- فأذن لها. السادس: في شدة اتّباعها لأمره- صلى الله عليه وسلم-. روى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لنسائه عام حجة الوداع: «هذه ظهور (الحصر) » [ (1) ] ، قالت: فكنّ كلّهن يحججن إلا زينب وسودة بنت زمعة فكانتا تقولان: والله، لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. السابع: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-. ماتت بالمدينة في آخر خلافة عمر، هذا هو المشهور في وفاتها، ونقل ابن سعد عن الواقديّ أنها توفيت سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية. تنبيه في بيان غريب ما سبق: أنعم صباحا رحب [ ... ] . حثا التراب [ ... ] . مسلاخها: بكسر الميم وسكون السين المهملة وتخفيف اللام وبالخاء المعجمة: هديها وطريقتها. أعجاز الإبل: [أي مؤخراتها] .

_ [ (1) ] في ج: الحيض.

الباب الثامن في بعض فضائل أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله تعالى عنها -

الباب الثامن في بعض فضائل أم المؤمنين زينب بنت جحش- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع: الأول: في اسمها ونسبها. تقدّم نسب أبيها، وأمّها أميمة بالتّصغير بنت عبد المطلب عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روي عن زينب بنت أم سلمة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: تزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش واسمها برة فغيّرت إلى زينب. الثاني: في تزويج النبي- صلى الله عليه وسلّم- بها وأن الله تعالى، زوّجها واستخار بها ربّها حين خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونزل قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب 37] الآيات. روى ابن أبي خيثمة عن معمر بن المثنى قال: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنة ثلاث من الهجرة بالمدينة، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة خمس وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة. الثالث: في فخرها على نساء النبي- صلى الله عليه وسلّم- بتزويج الله- تبارك وتعالى- إيّاها رسوله- صلى الله عليه وسلم-. كانت تفتخر على نساء النبي- صلى الله عليه وسلّم- بأنها بنت عمّته، وبأن الله- تعالى- زوّجها له وهنّ زوّجهنّ أولياؤهن. [روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوّجكن أهلوكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات] [ (1) ] . الرابع: في نزول آية الحجاب بسبب زينب- رضي الله تعالى عنها- روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زينب ابنة جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلس يتحدثون، وإذا هو يتأهب للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلمّا قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب/ 53] الآية [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (7420) [ (2) ] أخرجه البخاري (4791)

الخامس: في وليمته - صلى الله عليه وسلم - عليها وفي هدية أم سليم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة دخوله على زينب.

روى ابن سعد عن أنس قال: ما أولم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على شيءٍ من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة. الخامس: في وليمته- صلى الله عليه وسلّم- عليها وفي هدية أمّ سليم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة دخوله على زينب. روى ابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فدخل بأهله فصنعت أمّ سليم حيسا من عجوة في تور من فخّار قدر ما يكفيه وصاحبته وقالت: اذهب به إليه. فدخلت عليه وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب، فقال: «ضعه» . فوضعته بينه وبين الجدار، فقال لي: «ادع أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا» . وذكر ناسا من أصحابه سمّاهم. فجعلت أعجب من كثرة من أمرني أن أدعوه وقلّة الطعام، إنّما هو طعام يسير وكرهت أن أعصيه، فدعوتهم فقال: «انظر من كان في المسجد فادعه» . فجعلت آتي الرجل وهو يصلّي أو هو نائم فأقول: أجب رسول الله فإنّه أصبح اليوم عروسا، حتى امتلأ البيت، فقال لي: «هل بقي في المسجد أحد» ؟ قلت: لا. قال: «فانظر من كان في الطريق فأدعهم» . قال: فدعوت حتى امتلأت الحجرة، فقال: «هل بقي من أحد» ؟ قلت: لا يا رسول الله. قال: «هلمّ التور» . فوضعته بين يديه فوضع أصابعه الثلاث فيه وغمزه وقال للناس: «كلوا بسم الله» . فجعلت أنظر إلى التمر يربو أو إلى السمن كأنّه عيون تنبع حتى أكل كلّ من في البيت ومن في الحجرة وبقي في التور قدر ما جئت به، فوضعته عند زوجته ثم خرجت إلى أمّي لأعجبّها ممّا رأيت، فقالت: لا تعجب، لو شاء الله أن يأكل منه أهل المدينة كلّهم لأكلوا. فقلت لأنس: كم تراهم بلغوا؟ قال: أحدا وسبعين رجلا، وأنا أشكّ في اثنين وسبعين. وروى ابن أبي شيبة وابن منيع بسند صحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أولم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على زينب فأشبع المسلمين خبزا ولحما حتى امتد وخرج الناس وبقي رهط يتحدثون في البيت وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فصنع كما كان يصنع إذا تزوج فأتى أمهات المؤمنين، فسلّم عليهن وسلّمن عليه ودعا لهن ثم رجع وأنا معه. الحديث. تنبيه: تقدم في باب وليمته- صلى الله عليه وسلّم- على نسائه عن أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أطعمهم خبزا ولحما، فيحتمل إن يكون هذا بعد ذاك. السادس: في مسامات زينب عائشة بنت الصديق- رضي الله تعالى عنهما- وثناء عائشة عليها بالدّين والصّدق والصدقة وصلة الرّحم. روى [مسلم] عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كانت زينب بنت الصّدّيق هي التي تساميني من أزواج النبي- صلى الله عليه وسلّم- في المنزلة عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وما رأيت امرأة قط

السابع: في وصف زينب - رضي الله تعالى عنها - بطول اليد كناية عن الصدقة

خيرا من زينب في الدين وأتقى لله، وأصدق حديثا وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة [ (1) ] . وروى أبو بكر بن أبي خيثمة من طرق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لم يكن أحد من نسائه- صلّى الله عليه وسلّم- يسامني في حسن المنزلة عنده غيرها يعني زينب بنت جحش. السابع: في وصف زينب- رضي الله تعالى عنها- بطول اليد كناية عن الصّدقة كانت صناع اليدين تدبغ وتجزر، وتتصدّق به في سبيل الله تعالى- امرأة صناع بفتح الصاد المهملة، إذا كانت لها صنعة تعملها بيدها. روى مسلم، وابن الجوزي في- الصفوة- عن عائشة والطبراني في- الأوسط- عن ميمونة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبو يعلى بسند حسن عن أبي برزة- رضي الله تعالى عنه- قال: وكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- تسع نسوة فقال يوما: خير كنّ أطولكنّ يدا، فقامت كلّ واحدة تضع يدها على الجدار، فقال: لست أعني هذا أصنعكن يدين [ (2) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أوّلكنّ لحاقا بي أطولكن يدا» قالت: فكنّ يتطاولن أيّهن أطول يدا، قالت: وكانت أطولنا يدا زينب، إنّها كانت تعمل بيدها، وتتصدّق، وفي لفظ البخاري: فكنّ إذا اجتمعنا في بيت أحدنا بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نمدّ أيدينا في الجدار، نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتّى توفّيت زينب بنت جحش، وكانت المرأة امرأة قصيرة، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنّما أراد طول اليد بالصّدقة [ (3) ] . الثامن- في وصفه-- صلى الله عليه وسلم- زينب بأنها أوّاهة وزهدها، وورعها- رضي الله تعالى عنها روى الطبراني عن راشد بن سعد، قال: دخل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منزله ومعه عمر بن الخطاب فإذا هو بزينب تصلّي وهي تدعو في صلاتها، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إنّها لأوّاهة» . وروى أبو عمر عن عبد الله بن شداد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطّاب-: «أن زينب بنت جحش أوّاهة» فقال رجل: يا رسول الله، ما الأوّاه؟ قال: الخاشع المتضرّع، (وإنّ) [ (4) ] إبراهيم لحليم أوّاه، وروى ابن سعد عن ميمونة بنت الحارث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال-: إنها أوّاهة قالت عائشة: لقد ذهبت حميدة فقيدة مفرع اليتامى والأرامل.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (2422) [ (2) ] أخرجه مسلم (2453) انظر المجمع 9/ 251 [ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 226 ومسلم 2453 [ (4) ] في ج: (وأرى)

التاسع - في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -.

وروى ابن الجوزي عن عبد الله بن رافع عن برزة بنت رافع قالت: لمّا جاءنا العطاء بعث عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فلمّا دخل عليها قالت: غفر الله لعمر، لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا؟ قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله، واستترت منه بثوب، وقالت: صبّوه وأطرحوا عليه ثوبا، ثم قالت لي: أدخلي يدك واقبضي منه قبضة، فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتامها ففرقته حتّى ما بقي منه بقيّة تحت الثّوب فقالت لها برزة بنت رافع: غفر الله لك يا أم المؤمنين! والله، لقد كان لنا في هذا حظ، قالت: فلكم ما تحت الثّوب، فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهما، ثم رفعت يديها إلى السّماء، وقالت: اللهم، لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا فماتت. التاسع- في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-. روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن المنكدر- رحمه الله تعالى قال-: «توفّيت زينب بنت جحش زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- في خلافة عمر- رضي الله تعالى عنهما-. وروى الطبراني برجال ثقات عن محمد بن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: «توفيّت زينب بنت جحش زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- سنة عشرين انتهى وقيل: عاشت ثلاثا وخمسين، وصلّى عليها عمر بن الخطاب. وروى الطبراني عن الشعبي- رحمه الله تعالى-! وهو لم يدرك عمر أنّه صلّى مع عمر على زينب. وكانت أول نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- موتا وكان يعجبه أن يدخلها قبرها فأرسل إلى أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من يدخلها قبرها؟ فقلن: من كان يراها في حياتها، فليدخلها قبرها قال: كانت زينب بنت جحش أوّل نساء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لحوقا به» . وروى البزار برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبزى- رحمه الله تعالى- وابن أبي خيثمة عن القاسم بن محمد- رحمه الله تعالى- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- كبّر على زينب بنت جحش أربعا، ثم أرسل إلى أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من يدخل هذه قبرها؟ فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها، ثم قال عمر: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم يقول-: «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا فكن يتطاولن بأيديهنّ، وإنما كان ذلك، لأنها كانت صناعا تعين بما تصنع في سبيل الله. تنبيه في بيان غريب ما سبق: الجدار [ ... ] . الخاشع [ ... ] . المتضرّع [ ... ]

الباب التاسع - في بعض فضائل أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية - رضي الله تعالى عنها -

الباب التاسع- في بعض فضائل أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع: الأول- في نسبها - تقدم نسب أبيها. الثاني- في تزويج النبي- صلى الله عليه وسلّم- بها. قال الزّهري: كانت قبله تحبّ عبد الله بن جحش، فقتل عنها يوم أحد، وقال قتادة بن (أمامة) [ (1) ] : كانت قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عند الطّفيل بن الحارث. رواهما ابن أبي خيثمة ولمّا خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعلت أمرها إليه، فتزوّجها، وأشهد، وأصدقها اثنتي عشرة أوقيّة وكساء. وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت خزيمة الهلاليّة أمّ المساكين كانت قبله عند الحصين أو عند الطّفيل بن الحارث بالمدينة، وهي أوّل نسائه موتا. وقال ابن الكلبي: كانت عند الطّفيل بن الحارث، فطلّقها، فتزوّجها أخوه عبيدة، فقتل يوم بدر شهيدا، ثم حلف عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يتزوج أختها لأمّها ميمونة كذا قال ابن الكلبي، في رمضان على رأس أحد ثلاثين شهرا بعد حفصة. قال ابن سعد: ماتت قبل أن يتزوّج النبي- صلى الله عليه وسلم- أم سلمة وأسكن أمّ سلمة في بيتها. الثالث- في تكنيتها بأمّ المساكين. روى الطبراني برجال ثقات عن الزّهري- رضي الله تعالى عنه قال-: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت خزيمة وهي أمّ المساكين سمّيت بذلك، لكثرة إطعامها المساكين، وتوفّيت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- حيّ. وقال محمد بن إسحاق- رحمه الله تعالى-: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت خزيمة الهلاليّة. وقال ابن أبي خيثمة: كانت تسمّى أمّ المساكين في الجاهليّة، وأرادت أن تعتق جارية لها سوداء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: ألا تفدي أخاك أو أختك من رعاية الغنم؟.

_ [ (1) ] في ج: (دعامة)

الرابع: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -

الرابع: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها- قال الزّهري، وقتادة: لم تلبث عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلّا يسيرا وتوفّيت بالمدينة، والنبي- صلى الله عليه وسلم- حي، وقد مكثت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثمانية أشهر، وقيل: شهرين وقيل: ثلاثة. والصّحيح إنها ماتت في ربيع الأوّل، وقيل: الآخر سنة أربع، ودفنت بالبقيع- رضي الله تعالى عنها- وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها. وأورد ابن مندة في ترجمتها حديثا «أوّلكنّ لحاقا بي أطولكن يدا» ، وتعقبوه بأن المراد بذلك زينب بنت جحش، لأنه المراد. بلحوقهن به موتهن بعده، وهذه ماتت في حياته.

الباب العاشر - في بعض فضائل أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث - رضي الله تعالى عنها -

الباب العاشر- في بعض فضائل أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع: الأول- في اسمها ونسبها. كان اسمها برة، فسمّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ميمونة، وهي خالة ابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- وروى ابن أبي خيثمة بسند صحيح عن مجاهد- رحمه الله تعالى قال-: كان اسم ميمونة برة، فسمّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ميمونة. وتقدم نسب أبيها، وأمّها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث حماطة بن جرش وأخواتها: أم الفضل لبابة الكبرى زوج العباس- رضي الله تعالى عنهم-، ولبابة الصّغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزوميّ أم خالد بن الوليد، وعصمة بنت الحارث وكانت تحت أبي بن خلف، فولدت له أبا أبيّ، وعزة بنت الحارث كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك الهلاليّ، فهؤلاء إخوتها لأبيها وأمّها، وإخوتها (لأمّها) [ (1) ] أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر- رضي الله تعالى عنهما- فولدت له عبد الله، ومحمّدا وعوفا ثمّ مات، فخلق عليها أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- فولدت له محمدا ثم مات فخلف عليها علي بن أبي طالب، فولدت له يحيى رضي الله تعالى عنه، وسلمة بنت عميس كانت تحت حمزة بن عبد المطلّب، فولدت له أمة الله بنت حمزة، ثم خلف عليها شدّاد بن أسامة بن الهاد الليثي، فولدت له عبد الله، وعبد الرحمن، وسلافة بنت عميس كانت تحت عبد الله بن كعب بن منبه الخثعمي، وكان يقال: أكرم عجوز في الأرض (أمّها) [ (2) ] هند بنت عوف أصهار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصّديق، وحمزة، والعبّاس ابنا عبد المطلب وجعفر وعلي ابنا أبي طالب، وشدّاد بن الهاد. الثاني: في تزويج النبي- صلى الله عليه وسلّم- بها. روى ابن أبي خيثمة عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: كانت ميمونة قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت أبي رهم بضم الراء، وسكون الهاء، ابن عبد العزّى القرشيّ القامرّيّ من بني مالك بن حنبل، فوهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم- وقيل: كانت عند غيره. وروى أيضا عن قتادة قال: تزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين اعتمر بمكّة ميمونة بنت الحارث وهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلّم- وفيها نزلت وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ

_ [ (1) ] سقط في ج [ (2) ] في ج: أصهارا

أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب 50] ، ثم سافرت معه إلى المدينة، وكانت قبله عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان. وروى أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: لمّا فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر، توجّه إلى مكّة معتمرا سنة سبع وقدم عليه جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فخطب عليه ميمونة بنت الحارث الهلالية، وكانت أختها لأمّها أسماء بنت عميس عند جعفر، فأجابت جعفرا إلى تزويج رسول الله- صلى الله عليه وسلم وجعل أمرها إلى العباس بن عبد المطلّب فأنكحها العبّاس النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو محرم في عمرة القضية سنة ثمان فلمّا رجع بنى بها بسرف، وكانت قبله عند أبي رهم بن عبد العزى بن عامر بن لؤي، ويقال: عند سخبرة بن أبي رهم. وروى الإمام أحمد، والنسائي عن ابن عباس- (رضي الله تعالى عنه) - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب ميمونة بنت الحارث فجعلت أمرها إلى العبّاس، فزوّجها النبي- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن أبي خيثمة عنه قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لحية بن جزء ورجلين آخرين يخطبها وهو بمكّة، فردّت أمرها إلى أختها أمّ الفضل فردّت أمّ الفضل أمرها إلى العبّاس، فأنكحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروي أيضا عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة بنت الحارث في عمرة القضاء وأقام بمكّة، وأقام ثلاثا فأتاه حويطب بن عبد العزّى وأسلم بعد ذلك في نفر من قريش في اليوم الثالث، فقالوا له: انقضى أجلك، فاخرج عنّا، فقال: وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهر كم فصنعت لكم طعاما فحضرتموه، فقالوا: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا، فخرج [ ... ] ميمونة بنت الحارث حتى أعرس بها بسرف. وروى [ ... ] عن ابن عقبة عن ابن شهاب- رحمه الله تعالى- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في العام القابل إلى المدينة معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشّهر الذي صدّه فيه المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يأجج بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامريّة، فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلّب. وكانت [ ... ] . وروى ابن أبي خيثمة عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن حلالان بسرف. وروى الطبراني برجال ثقات عن الزهري- رحمه الله تعالى- أن ميمونة بنت الحارث هي التي وهبت نفسها. وروى السّنّة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزوج

الثالث: في وفاتها.

ميمونة وهو محرم، وفي رواية عند البخاري: تزوّج ميمونة في عمرة القضاء. وروى الإمام أحمد عنه قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو محرم. وروى الترمذي وحسنه عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو حلال وأنا كنت الرسول بينهما. وروى مسلم عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزوّجها بالمدينة، وهو حلّال. وروى ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى- رحمه الله تعالى- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ميمونة سنة خمس، قال ابن سعد: هي آخر امرأة تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني ممّن دخل بها. الثالث: في وفاتها. ماتت- رضي الله تعالى عنها- بسرف موضع- بنى بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ودفنت في موضع بيتها الّتي ضرب لها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين البناء بها وذلك سنة إحدى وستين. وروى الطبراني في- الأوسط- برجال الصحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزوّج ميمونة بسرف وبنى بها بسرف، وماتت بسرف. وروى الطبراني برجال ثقات عن محمد بن إسحاق- رحمهما الله تعالى- قال: ماتت ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الحرّة سنة ثلاث وستين. شرح غريب ما سبق سرف: بفتح السين المهملة وكسر [موضع على ستة أميال من مكة من طريق مرو، وقيل: سبعة وتسعة واثنا عشر] . [الحرة: يوم انتهب فيه المدينة عسكر الشام أيام يزيد بن معاوية وكان ذلك في حرة (وأقم] .

الباب الحادي عشر في بعض مناقب أم المؤمنين جويرية بنت الحارث الخزاعية ثم المصطلقية - رضي الله تعالى عنها -

الباب الحادي عشر في بعض مناقب أم المؤمنين جويرية بنت الحارث الخزاعية ثم المصطلقية- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع: الأول: في اسمها ونسبها. روى ابن أبي خيثمة، وأبو عمر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان اسم جويرية برة، فغيّره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسمّاها جويرية. كره أن يقال خرج من عند برة، وهي جويرية، - بضم الجيم مصغر- بنت الحارث بن أبي ضرار- بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء- ابن الحارث بن المصطلق، وأمّها [ ... ] . الثاني: في زواج النبي- صلى الله عليه وسلّم- بها. قال ابن أبي خيثمة: كانت قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- عند مسافع- بميم مضمومة فسين مهملة وبعد الألف فاء مكسورة- قتل كافرا ابن صفوان، سبيت يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها على تسع أواق، فأدّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنها كتابتها وكان اسمها برة فسمّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جويرية وقيل: كان يطؤها بملك اليمين، والأول هو الرّاجح. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فو الله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت: يرى منها ما قد رأيت، فلما دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيّد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فأعنّي على كتابتي قال: أو خير من ذلك، أودّي عنك كتابتك وأتزوّجك، فقالت: نعم، ففعل، فبلغ النّاس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد تزوّجها، فقالوا: أصهار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسترقون فأعتقوا بأيديهم من بني المصطلق، فلقد أعتق- الله تعالى- لها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا أعلم امرأة أعظم منها على قومها بركة [ (1) ] . وروى ابن سعد عن أبي قلابة، بكسر القاف وبالموحّدة، قال: جاء أبو جويرية، فقال: لا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 277

الثالث: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -

يسبى مثلها، فخلّ سبيلها، فقال: بل أخيّرها، قال: قد أحسنت، فأتى أبوها، فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا، قالت: فإني أختار الله ورسوله [ (1) ] . وروى البيهقيّ عنها قالت: رأيت قبل قدوم النبي- صلى الله عليه وسلم- بثلاث ليال كأنّ قمرا يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبر بها أحدا من الناس حتى قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم فلما سبينا رجوت الرّؤيا فاعتقني وتزوّجني وأسلم أبوها بعد ذلك. وروى الطبراني- مرسلا- برجال الصحيح عن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: كانت جويرية ملك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعتقها، وجعل عتقها صداقها، وأعتق كلّ أسير من بني المصطلق. وروى الطبراني- بسند حسن- عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: سبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار يوم واقع بني المصطلق وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح- عن مجاهد- رحمه الله تعالى- قال: قالت جويرية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن أزواجك يفتخرن عليّ ويقلن لم يتزوجك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أولم أعظّم صداقك، ألم أعتق أربعين من قومك؟. وتقدم في غزوة بني المصطلق بأبسط مما هنا. الثالث: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها- ماتت في ربيع الأول سنة خمسين وهو الصحيح، وقيل: سنة ستّ وخمسين وصلّى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة وقد بلغت سبعين سنة، لأنّه تزوّجها سنة عشرين، وقيل: هي بنت عشرين سنة، وقيل: توفّيت سنة خمسين وهي بنت ست وخمسين والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 93

الباب الثاني عشر في بعض مناقب أم المؤمنين صفية بنت حيي - رضي الله تعالى عنها -

الباب الثاني عشر في بعض مناقب أم المؤمنين صفية بنت حيي- رضي الله تعالى عنها- وفيه أنواع: الأول في نسبها. هي صفية بنت حيي بضم الحاء المهملة، وكسر وبمثناتين تحتيتين الأخيرة مشدّدة ابن أخطب بخاء معجمة فطاء مهملة وزن أكبر ابن شعية بفتح الشين والعين المهملتين بعدهما تحتية ابن ثعلبة بن عامر بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النّضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة- ابن النحّام بن ينحوم كما في الأنساب أو يتحوم، وكان أبوها سيّد بني النّضير، وهو من سبط لؤيّ بن يعقوب ثم من ذرّيّة نبي الله ورسوله هارون بن عمران أخي موسى- عليهما الصلاة والسلام- قال الحافظ: ولد صفية بنت حيي مائة نبيّ، ومائة ملك ثم سيرها- الله تعالى- أمة لنبيه- صلى الله عليه وسلم-، وكان أبوها سيد بني النضير، فقتل مع بني قريظة، وأمّها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل القرظيّ. الثاني: في تزويج النبي- صلى الله عليه وسلّم- بها. كانت عند سلّام، بالتّخفيف والتشديد، ابن مشكم، بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف، ثم خلف عليها كنانة، بكسر الكاف ونونين، ابن الربيع بن أبي الحقيق، بحاء مهملة وقافين مصغر ولم تلد لأحد منهما شيئا، وكانت عند سلمة لم تبلغ سبع عشرة سنة. وروى الطبراني برجال ثقات قال: سبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفية بنت حيي بن أخطب من بني النّضير، فقدم خيبر وهي عروس بكنانة بن أبي الحقيق. وروى الطبراني بسند جيد عن حسن بن حرب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا أفاء الله عليه صفيّة قال لأصحابه: ما تقولون في هذه الجارية؟ قالوا: نقول: إنّك أولى النّاس بها وأحقّهم، قال: فإنّي (أعتقها وأنكحها) [ (1) ] ، وجعلت عتقها مهرها، فقال رجل: الوليمة يا رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: الوليمة أوّل يوم حقّ، والثّانية معروف، والثالثة: فخر. وروي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خيبر، فلما فتح- الله تعالى- الحصن عليه صارت صفية بنت حيي لدحية في مقسمه، وكانت عروسا وقد قتل زوجها، وجعلوا يمدحونها، عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ويقولون: ما رأينا في السّبي

_ [ (1) ] في ج (قد أعتقتها واستنكحتها)

مثلها، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى دحية فاشتراها بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيّئها في بيتها، وتعتد في بيتها فخرج بها أو جعلها خلف ظهره، فلما نزل ضرب عليها الحجاب، فتزوّجها وجعل عتقها صداقها، وأقام ثلاثة أيام حتى أعرس بها، وكان قد ضرب عليها الحجاب، وفي رواية: حتى إذا بلغنا سدّ الرّوحاء فبنى بها ثم صنح حيسا في نطع صغير ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ادن من حولك وفي رواية: فلما أصبح، قال: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به فكان الرّجل يأتي بفضل التّمر وفضل السويق حتى جعلوا من ذلك حيسا في نطع صغير، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السّماء، فكانت تلك وليمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على صفيّة، وقال النّاس: لا ندري أتزوّجها أم اتّخذها أمّ ولد فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير، فعرفوا أنّه قد تزوّجها ثم رجعنا إلى المدينة، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحوّي لها وراءه بعباءة ثمّ يجلس عند بعيرها فيضع ركبته فتضع صفيّة رجلها على ركبتيه حتى تركب، فانطلقنا حتّى إذا رأينا جدار المدينة هششنا إليها ورفعنا مطيّنا ودفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مطيّته وصفية خلفه قد أردفها فعثرت مطية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصرع وصرعت، فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسترها فأتيناه فقال: «لم نضرّ» فقدم المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها. وروى ابن أبي خيثمة عنه قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم تزوّج صفية وجعل عتقها صداقها وروي أيضا عنه قال: أعتق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفية وجعل عتقها صداقها. وروى أيضا عن قتادة- رحمه الله تعالى- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من بنات هارون- صلى الله عليه وسلّم- صفية بنت حيي بن أخطب فكانت مما أفاء الله- تعالى- على رسوله- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر، فكانت قبله عند كنانة بن أبي الحقيق فقتله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر وأخذ صفية فتزوّجها وجعل عتقها مهرها. وروى أيضا عن صفية- رضي الله تعالى عنها- قالت: أعتقني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعل عتقي صداقي. وروى أيضا عن الزّهري قال: سبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير وكانت مما أفاء الله عليه فقسّم لها وحجبها، وكانت من نساء أمهات المؤمنين. وروى أبو يعلى عن رزينة مولاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سبى صفيّة يوم قريظة والنضير حين فتح الله تعالى عليه- فجاء بها يقودها مسبيّة فلما رأت النّساء، قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فأرسلها، وكان ذراعها في يده فأعتقها وتزوّجها وأمهرها رزينة، قال الهيثمي: وهو مخالف لما في الصحيح.

الثالث: في رؤياها ما يدل على زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -

وروى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفية وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام، وبسط نطعا جاءت به أمّ سليم، وألقى عليه أقطا وتمرا، وأطعم الناس ثلاثة أيام، وهو في الصحيح دون قوله: وجعل الوليمة ثلاثة أيام [ (1) ] . وروى ابن منيع والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى برجال ثقات، والإمام أحمد برجال الصحيح عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لما دخلت صفيّة على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فسطاطه حضرنا وحضرت معهم ليكون فيها قسم، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «قوموا عن أمّكم» ، فلما كان العشي خرج إلينا وفي طرف ردائه من مد ونصف من تمر عجوة، فقال: «كلوا من وليمة أمّكم» [ (2) ] . وروى البزار بسند جيد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يولم على أحد من نسائه إلا صفيّة. وروى أبو بكر بن خيثمة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما افتتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر اصطفى صفيّة ابنة حييّ لنفسه، وخرج بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يردفها وراءه، ثم قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضع رجله حتى تقوم عليها، فتركب فلما بلغ سدّ الصّهباء عرّس بها فصنع حيسا من نطع وأمرني فدعوت له من حوله، فكانت تلك وليمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شوّال سنة سبع، وكانت مما أفاء الله- تعالى- على رسوله يوم خيبر، وكان فتح خيبر في رمضان. وروي [ (3) ] عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- اشترى صفية بنت حيي بسبعة أرؤس وخالفه عبد العزيز بن صهيب عن عميرة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- فقالوا: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما جمع سبي خيبر جاء دحية بن خليفة الكلبيّ فقال: أعطني جارية من السّبي، فقال: اذهب فخذ جارية. الحديث. الثالث: في رؤياها ما يدل على زواجها بالنبي- صلى الله عليه وسلم- روى الطبراني برجال الصحيح وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان بعين صفيّة خضرة، فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما بعينيك؟، فقالت: قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم كأنّ قمرا وقع في حجري، فلطمني، وقال: أتريدين ملك

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1046 [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 134 [ (3) ] في ج: تقدم

الرابع: في اعتذاره - صلى الله عليه وسلم - إليها.

يثرب. قلت: وما كان أبغض إليّ من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قتل أبي وزوجي فما زال يعتذر إليّ، وقال: يا صفيّة، إن أباك ألّب عليّ العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذاك من نفسي [ (1) ] . وروى الطبراني وابن أبي عاصم عن أبي برزة- رضي الله تعالى عنه- قال: لما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر وصفية عروس فرأت في المنام أن الشّمس وقعت على صدرها فقصّتها على زوجها، وفي رواية: على أمّها فقال: والله ما تمنّين إلا هذا الملك الذي نزل، فافتتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فضرب عنق زوجها. الحديث. ولا مخالفة بينها وبين الرّواية التي قبلها باعتبار التّعدّد فقصّت ذلك على أبيها أوّلا ثم على زوجها ثانيا، ولهذا اختلفت العبارة في التعبير. الرابع: في اعتذاره- صلى الله عليه وسلّم- إليها. روى أبو يعلى بأسانيد ورجال الأولى رجال الصحيح إلا جندب بن هلال، لم يدرك صفيّة، عن صفية- رضي الله تعالى عنها- قالت: انتهيت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وما من الناس أحد أكره إلي منه، فقال: «إنّ قومك صنعوا كذا أو كذا» قالت: فما قمت من مقعدي، وما من الناس أحد أحب إلي منه، وفي رواية عنها: قالت: ما رأيت قط أحسن خلقا من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رأيته ركب من خيبر على عجز ناقته ليلا، فجعلت أنعس، فيضرب رأسي بمؤخر الرّحل فيمسّني بيده، ويقول يا هذه، مهلا يا بنت حييّ، حتى إذا جاء الصّهباء، قال: أما إني أعتذر إليك، يا صفيّة بما صنعت بقومك، إنهم قالوا لي كذا وكذا [ (2) ] ... الخامس: في قوله- صلى الله عليه وسلم- إنّك لابنة نبيّ وإن عمّك نبيّ، وإنّك تحت نبيّ. روى ابن سعد عن صفية- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، فقال: يا ابنة حييّ، ما يبكيك؟ قالت: بلغني أن حفصة وعائشة ينالان منّي، ويقولان: نحن خير منها، نحن بنات عم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأزواجه، قال: ألا قلت لهنّ كيف تكنّ خيرا منّي وأبي هارون، وعمّي موسى، وزوجي محمد- صلى الله عليه وسلّم- [ (3) ] . السادس: في رفقه- صلى الله عليه وسلّم- ولطفه. روى أبو عمر الملا عن صفية- رضي الله تعالى عنها- قالت: حجّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بنسائه، فلما كان ببعض الطّريق نزل جملي وكنت من أحسنهن ظهرا فبكيت، فجاء رسول

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني 9/ 254 [ (2) ] انظر المجمع 9/ 255 [ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 100

السابع: في إرادة احتباسه - صلى الله عليه وسلم - وحمله الحجر مراعاة لصفية - رضي الله تعالى عنها -.

الله- صلى الله عليه وسلّم- وجعل يمسح دموعي بردائه ويده ويقول: وجعلت لا أزداد إلا بكاء، وهو- صلى الله عليه وسلّم- ينهاني فلما أكثرت زبرني وانتهرني وأمر الناس بالنزول فنزلوا ولم يكن يريد أن ينزل قالت: فنزلوا وكان يومي فلما نزلوا ضرب خباء النبي- صلى الله عليه وسلّم- ودخل فيه قالت: فلم أدر علام أهجم من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وخشيت أن يكون في نفسه شيء مني فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمن أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بشيء أبدا وإني قد وهبت يومي لك على أن ترضي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عني قالت: نعم، قال: فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكي ريحه ثم لبست ثيابها ثم انطلقت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فرفعت طرف الخباء فقال لها: «ما لك يا عائشة إن هذا ليس يومك» قالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فقال: مع أهله فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: يا زينب أفقري أختك صفية جملا وكانت من أكثرهن ظهرا فقالت: أنا أفقر يهوديتك فغضب النبي- صلى الله عليه وسلم- حين سمع ذلك منها فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت ظله فقالت: إن هذا لظل رجل وما يدخل على النبي- صلى الله عليه وسلّم- فمن هذا؟ دخل النبي- صلى الله عليه وسلم- فلما رأته قالت: يا رسول الله ما أدري ما أصنع حين دخلت عليّ قالت: وكانت لها جارية وكانت تخبؤها من النبي- صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك فمشى النبي- صلى الله عليه وسلم إلى سرير زينب وكان قد رفع فوضعه بيده ثم أصاب أهله ورضي عنهم. السابع: في إرادة احتباسه- صلى الله عليه وسلّم- وحمله الحجر مراعاة لصفيّة- رضي الله تعالى عنها-. روي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنّا نتخوّف أن تحيض صفيّة. الثامن: في خروجه من معتكفه تكرمة لصفيّة- رضي الله تعالى عنها-. [روى ابن ماجة عن صفية بنت حييّ زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها جاءت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان. فتحدثت عنده ساعة من العشاء. ثم قامت تنقلب. فقام معها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقلبها. حتى إذا بلغت باب المسجد الذي كان عند مسكن أمّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فمرّ بها رجلان من الأنصار. فسلما على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم نفذا فقال لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «علي رسلكما إنها صفية بنت حيي» قالا: سبحان الله. يا رسول الله! وكبر عليهما ذلك فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا» .

التاسع: في حلم صفية - رضي الله تعالى عنها -

التاسع: في حلم صفية- رضي الله تعالى عنها- وروى أبو عمر بن عبد البر أن جارية لصفية قالت لعمر إن صفية- رضي الله تعالى عنها- تحبّ السّبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها، فقالت: أمّا السّبت فإني لم أحبّه منذ أبدلني الله تعالى يوم الجمعة، وأما اليهود فإنّ لي فيهم رحما فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرّة [ (1) ] . ا. هـ. العاشر: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها- ماتت- رضي الله تعالى عنها- سنة خمسين في رمضان وقيل سنة اثنين وخمسين، ودفنت بالبقيع. قال ابن أبي خيثمة: بلغني إنها ماتت في زمن معاوية، وورّثت مائة ألف درهم، بقيمة أرض وأعراض، وأوصت لابن أختها بالثّلث وكان يهوديا [ (2) ] . تنبيهان الأوّل: في الصحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل وهن إحدى عشرة، وهو صريح في الجمع إحدى عشرة، في وقت واحد، فهنّ التّسع اللّاتي مات عنهن، واثنتان غيرهن، ولا يجوز أن تكون إحداهما زينب بنت خزيمة، لأنّه لا يجمع بينها وبين أختها لأمّها ميمونة، نعم، يجوز أن تكون من الثّلاثة التي دخل بهنّ وفارقَهنّ، إما أسماء، أو فاطمة، أو عمرة. وقال ابن كثير: المراد بالإحدى عشرة: التّسع المذكورات، والجاريتان ميمونة وريحانة. الثاني: في بيان غريب ما سبق: سد الروحاء: ... والحيس، والنطع: ... تقدم الكلام عليهما. يحوّي: [أي يتجمع بردائه ويستدير] . بالعباءة: [ ... ] . الركبة: [ ... ] . هششنا: [انشرح صدرنا هشوشا به] .

_ [ (1) ] انظر السير 2/ 232 [ (2) ] انظر الطبقات لابن سعد 8/ 102

المطية: [ ... ] . الصرع: [ ... ] . الأقط: [لبن محمض يجمد حتى يشجر ويطبخ به] . الرداء: [ ... ] . المد: [مكيال قديم اختلف الفقهاء في تقديره بالكيل المصري] . تمر: [ ... ] . سد الصهباء: [وهو موضع على روحة من خيبر] . عجوة: [ ... ] . عرّس: [نزل آخر الليل للراحة] . لطمني: [ ... ] . أحرسهن: [أعياهن، يقال: حسرت دابته أي أعيت] . زبرني: [انتهرني] والله أعلم.

الباب الثالث عشر في ذكر سراريه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثالث عشر في ذكر سراريه- صلّى الله عليه وسلم- روى ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى: كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع ولائد: مارية القبطيّة، وريحانة من بني قريظة أو من بني النضير على خلاف في ذلك، وكانت له جارية أخرى جميلة أصابها في السّبي، فكاد بها نساءه وخفن أن تغلبهن عليه، وكانت له جارية أخرى نفيسة وهبتها له زينب بنت جحش وكان هجرها صفية بنت حيي ذا الحجّة، والمحرّم، وصفر، فلما كان في شهر ربيع الأوّل الذي قبض فيه النبي- صلى الله عليه وسلم- رضي عن زينب ودخل عليها، فقالت: ما أدري ما أخبرك به فوهبتها له. انتهى كلام أبي عبيدة. فأما مارية القبطية فهي بنت شمعون بفتح الشين المعجمة، أمّ ولده إبراهيم، أهداها له المقوقس في سنة سبع من الهجرة، ومعها أختها سيرين، بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية، وكسر الراء، وبالنون وخصي يقال له مابور وألف مثقال ذهبا، وعشرين ثوبا ليّنا وبغلته الدلدل وغير ذلك فأسلمت، وأسلمت أختها، وكانت بيضاء جميلة، أنزلهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم في العالية في المال الذي يقال له [اليوم مشربة أمّ إبراهيم، وكان يختلف إليها هناك إلى أن ماتت في المحرم سنة ستّ عشرة. وروى البزّار، والضياء المقدسي في صحيحة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كثر على مارية أمّ إبراهيم في قبطى ابن عم لها كان يزورها ويختلف إليها، فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خذ هذا السيف وانطلق به، فإن وجدّته عندها فاقتله، قال: قلت: يا رسول الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسّكّة المحماة، لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فأقبلت متوشّحا بالسّيف فوجدتّه عندها فاخترطت السّيف، فلما رآني أقبلت نحوه، عرف أنّي أريده، فأتى نخلة فرقي، ثم رمى بنفسه، قال قتادة: ثم شخر برجله فإذا هو أجب أمسح، ما له قليل، ولا كثير، فغمدت السّيف، ثم أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال: «الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت» [ (1) ] . وروى البزار بسند جيد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ولد إبراهيم ابن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مارية جاريته، وقع في نفس النبي- صلى الله عليه وسلّم- منه شيء، حتى أتاه جبريل- صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليك أبا إبراهيم انتهى [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 4/ 332 [ (2) ] انظر المجمع 4/ 332

تنبيهان:

وأمّا ريحانة فهي بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن شمعون بن زيد من بني النضير وبعضهم يقول: من بني قريظة، وكانت متزوّجة فيهم رجلاً يقال له الحكم، وكانت جميلة وسمية، وقعت في سبي بني قريظة، وكانت صفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخيّرها بين الإسلام ودينها فاختارت الإسلام، فأعتقها وتزوّجها، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية، وساروا وأعرس بها في المحرم سنة ست في بيت سلمى بنت قيس البخاريّة بعد أن حاضت حيضة، وضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة، فطلّقها تطليقة، فأكثرت البكاء، فدخل عليها وهي على تلك الحال، فراجعها، ولم تزل عنده حتى ماتت بعد مرجعه من حجة الوداع سنة عشر، وقيل: كانت موطوءة له بملك يمين وبهذا جزم خلائق. تنبيهان: الأول: وقع في العيون أنّ ريحانة هذه ابنة شمعون مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم، وكذلك قال الحافظ أبو الخير شمس الدّين السّخاوي في كتابه- الفجر المتوالي- بمن انتسب للنبي- صلى الله عليه وسلم- من الخدم والموالي: شمعون والد شترية النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكره الدميري تبعا لغيره، وهو بالشين المعجمة. انتهى، وهو وهم بلا شك، فإنها من بني قريظة أو من بني النضير كما تقدّم، وأبوها: ريحانة الذي تقدم ذكره في جملة الخدّام. قيل فيه: الأزديّ أو الأنصاريّ أو القرشيّ ويجمع بين الأقوال، بأن الأنصار من الأزد، ولعلّه خالف بعض قريش، وأما والد ريحانة سرية النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يقل أحد إنه أزديّ أو قرشيّ أو أنصاريّ وهو من بني إسرائيل، ولا قال أحد إنّه أسلم، ولا إنه خدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وهو غير الذي ذكروه قطعا، ثم إن أبا ريحانة سمعون بإهمال السين وبالعين، وقيل: بإعجامها، وقيل: بإعجام الشين وإهمال العين. وجزم الحافظ ابن حجر بالثاني في كتابه تبصير المنتبه ولم يرجّح شيئا في كتابه «الإصابة» . الثاني: في بيان غريب ما سبق: كادجها: [ ... ] . السّكّة: [هي التي تحرث بها الأرض] . متوشحا: [ملتفّا بثيابه] . يثنيني: [ ... ] . رقى: [ ... ] . شخر برجله: [من شخر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول] . اخترطت السّيف: [أي سللته من غمده] . الوسيم: [الجميل] .

الباب الرابع عشر في ذكر من عقد عليها ولم يدخل بها - صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع عشر في ذكر من عقد عليها ولم يدخل بها- صلى الله عليه وسلم- علي خلاف في بعضهن، هل هي ممّن عقد عليها أم لا؟ والكلام في ذلك طويل الذّيل، والخلاف فيه منتشر، حتى قال في زاد المعاد بعد أن ذكر النسوة اللاتي دخل بهن: وأما من خطبها ولم يتزوّج بها فنحو أربع أو خمس. قال الحافظ الدّمياطي: هن ثلاثون امرأة، وأهل السير وأحواله لا يعرفون هذا بل ينكرونه، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونيّة ليتزوّجها، فدخل عليها ليخطبها، فاستعاذت منه، فأعاذها ولم يتزوّجها، وكذلك الكلابيّة، وكذلك من رأى بكشحها بياضا، فلم يدخل بها، والّتي وهبت نفسها له فزوّجها غيره على سور من القرآن، هذا هو المحفوظ، وإذا علم ذلك فأذكر ما وقفت عليه منهنّ. الأولى: هي خولة بنت الهزيل بن الهبيرة بن قبيصة بن الحارث بن حبيب بن حرفة بن ثعلبة بن بكر بن حبيب بن عمرو بن ثعلبة الثّعلبية، تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما ذكره الجرجانيّ النّسّابة وهلكت في الطريق قبل أن تصل إليه كما نقله أبو عمر بن عبد البرّ عن الجرجانيّ النّسّابة وذكرها أيضا المفضل بن غسان الغلائي بغين معجمة مفتوحة، فتحتية، فلام على الصحيح في تاريخه عن علي بن صالح عن علي بن مجاهد، فذكر مثل ما تقدّم وزاد، فحملت إليه من الشّام، فماتت في الطريق، وأمّها خرنق بنت خليفة، أخت دحية الكّلبيّ. الثانية: عمرة بنت يزيد بن الجون الكلابية وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس بن كلاب الكلابية، قال أبو عمر: وهذا أصح، تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتعوّذت منه حين دخلت عليه، فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم: لقد عذت بمعاذ، فطلّقها، ثم أمر أسامة بن زيد فمتعها بثلاثة أثواب قال أبو عمر: هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها. قال قتادة: كان ذلك في امرأة من سليم، وقال عبيدة: كان ذلك لأسماء بنت النّعمان ابن الجون، وهكذا ذكره ابن قتيبة، وقال في عمرة هذه: إن أباها وضعها للنبي- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: وأزيدك أنها لم تمرض قطّ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما لهذه عند الله من خير [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير شيخه القاسم بن عبد الله، وهو ضعيف، وقد وثق عن سهل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- قال: فارق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخت بني عمرو بن كلاب وأخت بني جون الكنديّة من أجل بياض كان بها. وروى الطبراني برجال ثقات عن عثمان بن أبي سليمان- رحمه الله تعالى- أن

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 257.

الثالثة:

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نكح امرأة من كندة ولم يجامعها، فتزوّجت بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ففرّق عمر بينهما، وضرب زوجها، فقالت: اتّق الله، يا عمر إن كنت من أمهات المؤمنين، فاضرب عليّ الحجاب، وأعطني مثل ما أعطيتهنّ، قال: أمّا هنالك فلا، قالت: فدعني أنكح، قال: لا، ولا نعمة! ولا أطمع في ذلك أحدا [ (1) ] . وروى ابن أبي خيثمة، والإمام أحمد عن ابن أسيد- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى انتهينا إلى حائط يقال له الشّوط فجئنا حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: اجلسوا هاهنا ودخل هو فأتى بالجونية، فأنزلت في بيت أميمة بنت النّعمان، ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: هيّئي نفسك لي، قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسّوقة فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ بالله منك! قال: عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، أكسها رازقين، وألحقها بأهلها. رواه البخاري تعليقاً [ (2) ] . وروي عن عروة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن عمرة بنت الجون تعوّذت من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين أدخلت عليه، قالت: إني أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ، فطلقها، وأمر أسامة أو النّساء بثلاثة أثواب وأوقية، وقيل: أنه بلغه أن بها بياضا، فطلقها ولم يدخل بها. وروى البخاري وأبو داود عنها أن ابنة الجون لما دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك! فقال: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» . الثالثة: أسماء بنت الصّلت جزم بها الحافظ مغلطاي في الإشارة. وقال في الزّهد وذكر الحاكم في الإكليل أنه تزوّجها ولم يدخل بها، وقال الحافظ قطب الدين الحلبي في- المورد العذب-: ذكرها أحمد بن صالح من أزواجه- صلى الله عليه وسلم- قال القطب: وذكرها الحاكم، وقال: من بني حرام، بحاء مهملة مفتوحة فراء، من بني سليم، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون التحتية، لم يدخل بها، وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر في القسم الرابع في- الإصابة- فيمن ذكر في الصحابة غلطا، انفرد قتادة بتسميتها أسماء وإنما اسمها سنا بنت أسماء، قلت: وفي ذلك نظر! قال قتادة: وذكر أسماء وسنا كما رواه ابن عساكر عنه، وتابع قتادة الحافظ أحمد بن صالح المصري، وناهيك به اتّفاقا على الأولى.

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 257. [ (2) ] أخرجه البخاري (5255)

الرابعة:

الرابعة: أسماء بنت كعب الجونيّة فلم يدخل بها وجرى على ذلك في المورد والزّهد، وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: أسماء بنت كعب تأتي في أسماء بنت النّعمان، وكأنها عنده واحدة، ولم يذكر في ترجمة ابنه النّعمان أنه يقال لها: ابنة كعب، ولا ذكر ذلك في نسب أبيها في ترجمته والظاهر أن ابنة كعب غير ابنة النّعمان، وإن كان كل منهما من بني الجون، والجون يأتي ضبطه. الخامسة: أسماء بنت النّعمان بن الجون، ويقال: ابن أبي الجون بن شرحبيل، قال الحافظ ابن حجر في- الإصابة-: وقيل: بنت النعمان بن الأسود إلى آخره، وجرى على ذلك في العيون، فعلى ما في المورد فالأسود على القول الثاني أبوها، وعلى ما في الإصابة جدّها، قال الحافظ أبو الفتح اليعمري في العيون: ولا أراها والتي قبلها إلا واحدة. قال الحافظ أبو عمرو بن عبد البر: أجمعوا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّجها، واختلفوا في قصّة فراقها، فروى ابن أبي خيثمة عن قتادة- رحمه الله عليه- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أهل اليمن أسماء بنت النعمان من بني الجون، فلما دخلت عليه، دعاها فقالت: تعال أنت، وأبت أن تجيء. وروى بعضهم أنها قالت: أعوذ بالله منك قال: لقد عذت بمعاذ، فقد أعاذك الله، فطلّقها، وهذا باطل. إنما قال هذا لامرأة من بني سليم سيأتي فيها، وأعرب صاحب الزّهد فقال: إن آمنة بنت الضحّاك الغفاريّة وجد بكشحها بياضا، ويقال: هي آمنة بنت الضحّاك الكلابية فزاد آمنة ثانية، ولا ذكر لهما في كتب الصحابة. وقيل: كان لها وضح كوضح العامريّة، ففعل بها كما فعل بالعامرية، أي كما سيأتي، ثم روي مثله عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، وزاد أبو عبيدة: فكانت تسمي نفسها الشّقية. وقال آخرون: إن هذه التي عاذت بالله من النبي- صلى الله عليه وسلم- من سبي بني النّضير يوم ذات السقوف. قال أبو عبيدة: كلتاهما عاذتا بالله. السادسة: آمنة، ويقال لها: فاطمة بنت الضحّاك بن سفيان، جزم بها في الإشارة، ونقل في الزاهر وصاحب المورد اللفظ الثاني، عن أحمد بن محمد بن النّقيب التكريتي أنه قال في كتابه «العين» : كتاب في علم الأنساب قال كعب بن يزيد الأنصاريّ: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّج امرأة من بني غفار، فلما أراد الدخول بها وجد بكشحها بياضا. وروى الإمام أحمد وابن أبي خيثمة عن زيد بن كعب بن عجرة أن امرأة من غفار تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجد بكشحها بياضا، فقال: الحقي بأهلك، ولم يأخذ مما آتاها شيئا.

السابعة: أميمة بنت شراحبيل.

وروى الطبراني بسند ضعيف عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزوّج امرأة من أهل البادية فوجد بكشحها بياضا، ففارقها قبل أن يدخل بها، وكان يقال لها آمنة بنت الضّحّاك وقيل: بل هي أسماء بنت النّعمان، من بني كلاب، قلت: هذا الكلام غير محرر، فإنّ بني كلاب وبني غفار غيران ولم أجد لآمنة بنت الضّحاك ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصّحابة، والله أعلم. السابعة: أميمة بنت شراحبيل. روى البخاري عن أبي أسيد سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أميمة بنت شراحبيل، فلما دخلت عليه بسط يده إليها فكأنّها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يكسوها ثوبين رازقيين قلت: ذكر أميمة بنت شراحبيل في أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- مغلطاي في الإشارة والزهد، والقطب الحلبيّ في المورد، وأبو الفتح بن سيد الناس في «العيون» وأغرب الحافظ ابن حجر في الإصابة فزعم أن أميمة بنت شراحبيل هي ابنة النعمان بن شراحبيل ولم يذكر لذلك مستندا، بل حديث أبي أسيد يرد عليه، فإنّه فيه أنها نزلت في بيت في محل أميمة بنت النّعمان بن شراحبيل إلى آخره، فكيف يكونان واحدة؟ والظاهر أن ابنة شراحبيل عمة ابن النعمان، ولم أر من فيه على ذلك والحق أحق أن يتبع. الثامنة: أم حرام كذا في حديث سهيل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- ولم يزد. التاسعة: سلمى بنت نجدة- بالنّون والجيم كما في الإشارة والزهد بخط مغلطاي وقال في المورد بنت عمرة بن الحارث اللبيبة. ونقل عن أبي سعيد عبد الملك النّيسابوريّ في كتابه «شرف المصطفى» أنه قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نكحها فتوفى عنها، وأبت أن تتزوج بعده، قلت: ولم أر لها ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصّحابة. العاشرة: سبا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي سفيان بن أبي بكر بن كلاب، ذكرها ابن سعد عن نافع عن ابن عمر، ذكرها في المورد، ولم يزد. قلت: وهي بالموحدة بعد السين المهملة، قال الحافظ في الإصابة: سبا بنت سفيان، ويقال: بنت الصّلت الكلابية تأتي في سنا بالنون. الحادية عشرة: سنا بفتح السين المهملة، وتخفيف النون بنت أسماء بنت الصلت بن حبيب بن جابر بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عفيف بن امرئ القيس بن سليم السلمية، ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى فيما رواه أبو خيثمة عنه وابن حبيب فيمن تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وطلّقها قبل أن يدخل بها، وقال أبو عبيدة: وهي عمّة عبد الله بن خازم بمعجمتين، ابن أسماء بن الصّلت أمير خراسان ونقل أبو عبيدة أن بعضهم سمّاها وسنا بزيادة

الثانية عشرة: الشاة

واو، ونسبها ابن حبيب إلى جدها فزعم أنها بنت الصّلت، وأن أسماء أخوها لا أبوها وبالأول جزم ابن إسحاق وجماعة، رجّحه ابن عبد البر وحكى الرشاطي عن بعضهم أن سبب موتها أنّها لما بلغها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّجها سرّت بذلك حتى ماتت من الفرح. وروى ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: زعم حفص بن النّضير السّلميّ وعبد القاهر بن السري السلمي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّج أسماء بنت سنان بن الصّلت فماتت قبل أن يدخل بها، قال: كذا قالا، وخالفهما قتادة، فقال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسماء بالميم بنت الصّلت من بني حرام بن سليم، فلم يدخل بها قلت: إن صحّ ما قالاه، وما قاله، فالتي بالنون بنت أخي التي بالميم. الثانية عشرة: الشاة روى المفضل بن غسان العلائي في تاريخه من طريق سيف بن عمر عن أبي عمر عثمان بن مقسم عن قتادة قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة ثم قال: وأما الثلاث عشرة اللاتي بنى بهنّ، فخديجة إلى أن قال: ميمونة بنت الحارث إلى آخره وأمّ شريك بنت جابر بن حكيم إحدى بني معيص، إلى أن قال: والشاة بنت رفاعة هؤلاء من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من بني رفاعة من بني قريظة، فأصيبوا معهم يوم أصيبوا فانقرضوا، ثم قال: وأما الشاة حين خيّر نساءه بين الدنيا والآخرة، فاختارت بعد أن تتزوج بعد، فطلّقها إلى آخره، وظاهر كلام قتادة أن هذه بنى بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم أقف لها على ذكر فيما وقفت عليه من كتب الصّحابة حتى ولا في الإصابة- لشيخ الإسلام ابن حجر مع سعة اطّلاعه، وعثمان بن مقسم متروك. الثالثة عشرة: شراق، بفتح الشين المعجمة، وتخفيف الراء، وبالقاف، بنت خليفة الكلبيّة أخت دحية، تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فماتت في الطريق قبل وصولها إليه. كما روى المفضل بن غسان العلائي عن علي بن مجاهد وابن سعد عن هشام وابن الكلبي عن شرقي بن قطامي بفتح القاف وتخفيف الطاء المهملة وبعد الألف ميم فتحتية مخففة، وجزم بذلك أبو عمر. وروى الطبراني، وأبو نعيم، وأبو موسى المديني في ترجمتها من طريق جابر الجعفيّ عن أبي مليكة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب امرأة من بني كلب، فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال: ما رأيت؟ قالت: ما رأيت طائلا، قال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لقد رأيت خالا بخدها اقشعرّت كلّ شعرة منك» فقالت: ما دونك سرّ. الرابعة عشرة: الشنبا في نسختي من المورد بشين معجمة، فنون فموحدة فألف تأنيث،

الخامسة عشرة:

وفي النسخة التي وقفت عليها من مقدّمات ابن رشد، الشّيبا. بفتح الشين المعجمة، فتحتية، وفي نسخة أخرى كذلك، وفي نسخة ثالثة صحيحة كما في نسختي من المورد. وروى ابن عساكر من طريق سيف بن التميمي، والفضل بن غسان العلائي في تاريخه من طريق عثمان بن مقسم عن قتادة، قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، فأما اللتان كملتا خمس عشرة فهما عمرة والشّنبا، قال: وأما الشنبا فإنها لما أدخلت عليه لم تكن باليسيرة فانتظر اليسر، ومات إبراهيم ابن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي إثر ذلك، فقالت: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه وأعزّه عليه، فطلّقها، وأوجب لها المهر، وحرّمت على الأزواج. ذكر ذلك بحروفه ابن رشد في السّيرة النّبويّة (في) [ (1) ] آخر كتابه- المقدمات- وقال أبو جعفر محمد بن جرير: قال بعضهم: تزوّج الشّنبا بنت عمرو الغفارية، وقيل كانت كتابية فحركت حين دخلت عليه، فذكر ما تقدّم فأفاد ابن جرير أن اسم أبيها عمرو، وأنها غفاريّة وكتابيّة، وهي مما فات الحافظ ابن حجر في الإصابة. الخامسة عشرة: العالية، بعين مهملة، وكسر اللام، وبالتحتية بنت ظبيان بظاء معجمة، فموحدة ساكنة، فتحتية فألف، فنون، ابن عمرو بن عوف بالفاء ابن عمرو بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلابية، هكذا سمّاها الزّهري ورواه عنه الطبراني برجال الصحيح، قال أبو عبيدة هند بنت يزيد بن القرطاب من بني بكر بن كلاب أرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا أسد يخطبها عليه، فزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقدم بها ولم يكن رآها، فلمّا اهتداها رأى بها بياضا فطلّقها، وقال قتادة: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا أسيد السّاعديّ إلى امرأة من بني كلاب. يخطبها عليه، ولم يكن رآها فأنكحها إيّاه أبو أسيد قبل أن يراها، ثم جهّزها، فقدم بها عليه، فلمّا اهتداها رأى بها بياضا فطلّقها. رواها ابن أبي خيثمة فيمن رحل بها، وروى ابن أبي خيثمة هي العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب فيما بلغني. وروى ابن أبي خيثمة عن أبي الوليد بن شجاع عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب الزّهري، قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العالية امرأة من بني بكر بن كلاب، فخطبها ثم طلقها. وروى أيضا عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال: فارق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخت

_ [ (1) ] في ج: (و) .

السادسة عشرة: عمرة بنت معاوية الكندية.

بني عمرو بن كلاب، فقال ابن أبي خيثمة كذا قال: بني عمرو، قال ابن سعد: أنبأنا هشام بن محمد بن السّائب، حدثني رجل من بني أبي بكر بن كلاب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّج العالية بنت ظبيان بن عمرو بن كعب بن عمرو بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب، فمكثت عنده دهرا ثم طلّقها، قال أبو عمر: ومقتضى هذا أن تكون ممّن دخل بها. وروى الطبراني برجال ثقات إلا شيخه القاسم بن عبد الله الأخميمي، وهو ضعيف، وقد وثّق، وبقية رجاله ثقات عنه ورواه برجال ثقات عن يحيى بن أبي بكر عن سهل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طلّق العالية بنت ظبيان. وروى أبو القاسم الطبراني عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف فذكر حديثا طويلا وفيه: وطلّق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العالية بنت ظبيان وفارق أخت بني عمرو بن الجون الكنديّة من أجل بياض كان بها. قال الزّهري: وبلغنا أنّها تزوّجت قبل أن يحرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بنسائه ونكحت ابن عمّها من قومها، وولدت فيهم. ورواه ابن جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه، قال: أنبأنا المنجاب بن الحارث أنبأنا أبو عامر الأسدي حدّثنا زمعة بن صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب. وزاد وسبى جويرية بنت الحارث وصفيّة بنت حييّ، فكانتا مما أفاء الله عليه، فقسم لهما، وهما من زوجاته. ورواه ابن منده قال: أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزيّ أنبأنا أبو الموجه محمد بن عمر بن الموجه الفزاري، أنبأنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا ابن شريك عن ابن شهاب الزّهريّ. ورواه يعقوب بن سفيان عنه وزاد ودخل بها. وروى البيهقي عنه أنّه لم يدخل بها وهذه الرواية هي الموافقة لكلام غيره. السادسة عشرة: عمرة بنت معاوية الكنديّة. روى أبو نعيم عن علي بن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّجها. وقال أيضا عن الشعبي قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعدها مات [ ... ] . السابعة عشرة: عمرة بنت يزيد إحدى بنات بني بكر بن كلاب من بني الوحيد وكانت تزوجت الفضل بن العباس بن عبد المطلب وطلّقها ثم طلّقها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يدخل بها، ذكره ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير، وقيل في نسبها:

الثامنة عشرة: عمرة بنت يزيد الغفارية

عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس، وقال أبو عمر بن عبد البر: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبلغه أنّ بها بياضا، فطلّقها ولم يدخل بها. وقيل: إنّها التي تزوّجها فتعوّذت منه فطلّقها، وأمر أسامة أن يمتّعها بثلاثة أثواب. وذكرها الرشاطي وقال: إنّ أباها وصفها، وقال: وأزيدك أنها لم تمرض أبدا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «ما لهذه عند الله من خير، فطلّقها» ، ولم يبنِ بها. الثامنة عشرة: عمرة بنت يزيد الغفاريّة روى ابن عساكر من طريق سيف بن عمر عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة أنها لما دخلت عليه، وجرّدها للنساء، رأى بها وضحا فردّها، وأوجب لها المهر، وحرّمت على من بعده. التاسعة عشرة: غزيّة، بضم الغين المعجمة وبفتح الزاي، وتشديد التحتية وغزيلة بالتصغير وباللام هي أم شريك. العشرون: فاطمة بنت الضحّاك بن سفيان الكلابية. قال ابن إسحاق: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة ابنته زينب وخيّرها حين أنزلت آية التخيير، فاختارت الدّنيا ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعر، وتقول: أنا الشقية اخترت الدّنيا، وتعقب أبو عمر بن عبد البرّ كلام ابن إسحاق بكلام تعقبه فيه الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة بما يراجع [ (1) ] ، وتقدم الكلام عليها في أميمة.

_ [ (1) ] قال الحافظ في الإصابة بعد ذكره ما قاله ابن إسحاق: قال أبو عمر: هذا عندنا غير صحيح لأن ابن شهاب يروي عن أبي سلمة وعروة عن عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين خير أزواجه بدأ بها فاختارت الله ورسوله قال: وتتابع أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلهن على ذلك وقال قتادة وعكرمة: كان عنده حين خيرهن تسع نسوة وهن اللاتي توفى عنهن وكذا قال جماعة أن التي كانت تقول: أنا الشقية هي التي استعاذت واختلف في المستعيذة اختلافا كثيرا ولا يصح فيها شيء وقد قيل: إن الضحّاك بن سفيان عرض عليه ابنته فاطمة وقال إنها لم تصدع قط فقال: لا حاجة لي بها وقد قيل: إنه تزوجها سنة ثمان انتهى كلام ابن عبد البر ويحتاج كلامه إلى شرح وعليه في بعضه مؤاخذات. أما حديث ابن شهاب بما ذكر فهو في الصحيح وأما الذي قال إن التي كانت تقول: أنا الشقية هي المستعيذة فهو قول حكاه الواقدي عن ابن مناح قال: استعاذت من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهذا لا يبطل قول ابن إسحق أن الكلابية اختارت وكانت تقول: أنا الشقية لأن الجمع ممكن وأما قوله اختلف في المستعيذة اختلافا كثيرا فهو حق فقال ابن سعد اختلف علينا في الكلابية اختلف علينا في اسمها فقيل فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل سنا بنت سفيان بن عوف ثم قيل هي واحدة اختلف في اسمها وقيل ثلاث ثم أسند عن الواقدي عن ابن أخي الزهري عن الزهري قال: هي فاطمة بنت الضحاك دخل عليها فاستعاذت منه فطلقها فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية وأسنده بالسند المذكور عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: تزوج رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- الكلابية فلما دخلت عليه فدنا منها قالت: أعوذ بالله منك فقال: لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك ومن طريق عبد الواحد بن أبي عون عن أم مناح بتشديد النون وبالمهملة قالت كانت التي استعاذت قد ولهت وذهب عقلها وكانت تقول: إذا استأذنت على أمهات المؤمنين أنا الشقية وتقول إنما خدعت ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كان دخل بها ولكنه لما خير نساءه-

الحادية والعشرون: قتيلة،

الحادية والعشرون: قتيلة، بضم القاف وفتح الفوقية، فياء ساكنة تحتية، وباللام بنت قيس بن معدي كرب الكنديّة أخت الأشعث بن قيس، قال الطبراني في المعجم الكبير: تزوّجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يدخل بها حتى فارقها. وروى ابن أبي خيثمة عن عبيد وابن حبيب قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين قدم عليه وفد كندة قتيلة أخت الأشعث بن قيس في سنة عشر، ثم اشتكى في النصف من صفر، ثم قبض يوم الاثنين ليومين مضيا من شهر ربيع الأوّل ولم تكن قدمت عليه ولا دخل بها، وفي لفظ: ولا رآها. وروى أبو نعيم وابن عساكر من طرق قوية الإسناد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قتيلة أخت الأشعث بن قيس، فمات قبل أن يخيّرها فبرأها الله تعالى منه أي من التخيير. وروى أيضا عن الشّعبيّ أن عكرمة بن أبي جهل تزوّج قتيلة بنت قيس، فأراد أبو بكر الصديق أن يضرب عنقه، فقال له عمر بن الخطاب: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يفرض لها، ولم يدخل بها، وارتدت مع أخيها فبرأت من الله ورسوله، فلم يزل حتى لف منه، ومن الغريب ما رواه ابن سعد بسند ضعيف جدا عن عروة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما تزوّج قتيلة بنت قيس، ولا تزوج كنديّة إلا أخت بني الجون فملكها، فلما أتى بها وقدمت عليه، نظر إليها، فطلقها، ولم يبنِ بها. قلت: ويحتمل أنّه أراد بعدم الزّواج الدّخول، وإلا فقد ورد من طرق كثيرة لا يمكن ردّها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّج قتيلة والله تعالى أعلم، ووقّت بعضهم تزويجه إيّاها فزعم أنه تزوّجها قبل وفاته بشهرين، وزعم آخرون أنه تزوّجها في مرضه، وزعم آخرون أنّه أوصى أن تخير قتيلة إن شاءت يضرب عليها الحجاب، وتحرم على المؤمنين، وإن شاءت تنكح من شاءت، فاختارت النكاح فتزوّجها عكرمة بن أبي جهل بحضر موت، فبلغ أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- فقال: لقد هممت أن أحرّق عليها. فقال عمر: ما هي من أمهات المؤمنين، ولا دخل بها

_ [ (-) ] اختارت قومها ففارقها فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية وقيل إن المستعيذة سنا بنت النعمان بن أبي الجون أسنده ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن يعقوب بن عتبة عن عبد الواحد بن أبي عون وقيل: أسماء بنت النعمان بن أبي الجون أسنده عن الواقدي عن عمرو بن صالح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن هشام بن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس ومن طريق أبي أسيد الساعدي كالقصة التي في الصحيح وفي آخرها فكانت تقول ادعوني الشقية ومن وجه آخر عن أبي أسيد أن المستعيذة توفيت في خلافة عثمان وأما قوله: ولا يصح منها شيء فعجيب فقد نبت قصتها في الصحيح من حديث أبي أسيد الساعدي إلا أن كان مراده بنفي الصحة الجزم بالكلابية دون غيرها فهو ممكن على بعده وأما قوله إن الضحّاك بن سفيان عرض عليه ابنته وقال إنها لم تصدع فأخرجه في الصحيح.

الثانية والعشرون: ليلى بنت الخطيم،

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا ضرب عليها الحجاب، وزعم بعضهم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يوص فيها بشيء، وأنها ارتدت فاحتجّ عمر على أبي بكر بأنها ليست من أزواج النبي- صلى الله عليه وسلّم- بارتدادها فلم تلد لعكرمة إلا مخيلا. الثانية والعشرون: ليلى بنت الخطيم، بفتح الخاء المعجمة، وكسر الطاء المهملة ابن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بفتح الظاء المعجمة ابن الخزرج الأنصارية الدّوسيّة الطّبرية، أخت قيس بن الخطيم. روى ابن أبي خيثمة وابن سعد من طريق هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو مول ظهره إلى الشّمس فضربت على منكبه، فقال: من هذا؟ أكلة الأسد؟ وكان كثيرا ما يقولها فقالت: أنا بنت مطعم الطير، ومنادي الريح، أنا ليلى بنت الخطيم جئتك لأعرض عليك نفسي تزوجني قال: «قد فعلت» فرجعت إلى قومها، فقالت: قد تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: بئس ما صنعت! أنت امرأة غيرى والنبي- صلى الله عليه وسلم- صاحب نساء تغارين عليه، فيدعو الله تعالى عليك فاستقيليه نفسك، فرجعت، فقالت: يا رسول الله، أقلني قال: «قد أقلت» ، فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر، فولدت له، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل إذ وثب عليها الذئب، لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأكل بعضها، فأدركت فماتت. الثالثة والعشرون: ليلى بنت حكيم الأنصارية الأوسيّة، قال أبو عمر: ذكرها أحمد بن صالح المصري في أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يذكرها غيره، وجوّز ابن الأثير أن تكون هي التي قبلها لأن الخطيم يشبه الحكيم وأقره في التجريد والإصابة. الرابعة والعشرون: مليكة بنت داود ذكرها ابن حبيب في أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- اللّاتي لم يبن بهنّ، ونقله ابن الأثير وصاحب المورد، وأقرّوه، قال الحافظ: ذكرها ابن بشكول ولم يصح، وسيأتي مليكة بنت كعب فيحرر ذلك. الخامسة والعشرون: مليكة بنت كعب الكنانيّة. روى ابن سعد عن محمد بن عمر عن أبي معشر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- تزوّجها، وكانت ذات جمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت لها: أما تستحيين أن تنكحي قاتل أبيك؟ وكان أبوها قتل يوم فتح مكة، قتله خالد بن الوليد، فاستعاذت من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فطلّقها فجاء قومها فقالوا: يا رسول الله، إنّها صغيرة، وإنّها

السادسة والعشرون: هند بنت زيد

لا رأي لها وإنها خدعت، فارتجعها فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاستأذنوه أن يتزوجها قريب لها من بني عذرة فأذن لهم فتزوجها العذري [ (1) ] . وروى ابن سعد بسند ضعيف عن عطاء بن يزيد الجندعي قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مليكة بنت كعب اللّيثيّ في شهر رمضان سنة ثمان، ودخل بها فماتت عنده. قال محمد بن عمرو: وأصحابنا ينكرون ذلك، ويقولون: لم يتزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كنانيّة [ (2) ] قط. السّادسة والعشرون: هند بنت زيد المعروفة بابنة البرصاء سمّاها أبو عبيدة معمر بن المثنى في أزواجه- صلى الله عليه وسلم-. وقال أحمد بن صالح: هي عمرة بنت يزيد المتقدّمة. تنبيهان: الأول: المراد بعدم الدّخول، عدم الوطء، لأنّ من هؤلاء من ماتت قبل الدّخول وهي أخت دحية وبنت الهذيل باتّفاق، واختلف في مليكة وسبا هل ماتتا؟ أو طلقهما مع الاتفاق على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يدخل بها وفارق عليه الصلاة والسلام عمرة بنت الضّحّاك، وبنت ظبيان وقبل الدخول بها باتّفاق عمرة وأسماء والغفارية واختلف في أم شريك هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة. والمستقيلة التي جهل حالها فالمفارقات باتّفاق سبع، واثنتان على خلاف، والمبانات باتفاق أربع، ومات- صلى الله عليه وسلّم- عن عشر، واحدة منهن لم يدخل بها. وروى الطبراني من طريق عاصم بن عمر العمري وقد ضعّفه الجمهور ووثّقه ابن حبان. وقال التّرمذيّ متروك عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- كانت الّتي اختارت نفسها من بني هلال. الثاني: في بيان غريب ما سبق. وسوأتاه [ ... ] الجون: بفتح الجيم، وسكون الواو، والنون. الهذيل: بذال معجمة ولام مصغرة-.

_ [ (1) ] انظر طبقات ابن سعد 8/ 177 [ (2) ] انظر طبقات ابن سعد 8/ 177

هبيرة: بالتصغير. قبيصة: بفتح القاف وكسر الموحدة وبالصاد المهملة. حبيب الأول: قال الدارقطني: بفتح الحاء، وقال صاحب المحبر: بضمها مصغر. حرقة: بضم الحاء وسكون الراء. ثعلبة: بفتح الثاء المثلثة. حبيب الثاني: تغلب: بفتح المثناة الفوقية، وسكون الغين المعجمة، وكسر اللام. خولة: بفتح الخاء المعجمة، وسكون الواو، وباللام وتاء التأنيث. أبو أسيد: بضم أوله وفتح السين المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة اسمه [مالك بن ربيعة] . رازقين: براء فألف فزاي فقاف مكسورتين فتحتية مشددة ففوقية مفتوحتين وفي رواية رازقيين بحذف الفوقية نسبة إلى الثّياب الرازقية وهي ثياب كتّان بيض. الشّوط: بفتح الشين المعجمة وسكون الواو وبالطاء المهملة [ (1) ] . الداية: [ ... ] . الحاضنة: [المرضع الأجنبية] . أهوى: [ ... ] . السوقة: [ ... ] . الكشح: [ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي] . البياض: [ ... ] . ألحقها بأهلها: [ ... ] . جرّدها: [ ... ] . الشاة: [ ... ] .

_ [ (1) ] شوطيل: ثبت في الأصل شوطيل بفتح الشين المعجمة وسكون الواو وبالطاء المهملة.

الباب الخامس عشر في ذكر من خطبها - صلى الله عليه وسلم - ولم يعقد عليها أو عرضت نفسها أو عرضت عليه

الباب الخامس عشر في ذكر من خطبها- صلى الله عليه وسلّم- ولم يعقد عليها أو عرضت نفسها أو عرضت عليه خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نسوة ولم يعقد عليهن لأمر اقتضى ذلك وهنّ: جمرة، بضم الجيم وسكون الميم وبالراء، بنت الحارث بن عوف بن مرة بن كعب بن ذبيان. روى ابن أبي خيثمة عن قتادة بن دعامة وأبو عبيدة معمر بن المثنّى- رحمهما الله تعالى- قالا: خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبوها: إن بها سوادا، ولم يكن بها شيء فرجع إليها أبوها وقد برصت، وهي أمّ شبيب بن البرصاء، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: جمرة بنت الحارث بن عوف هي البرصاء، تقدّمت، وقال في الباء الموحدة: البرصاء والدة شبيب بن البرصاء، وذكر نحو ما تقدم، ثم قال: ويقال اسمها أمامة، وقيل: قرصافة. وقال في القاف: قرصافة بنت الحارث بن عوف يقال: هو اسم البرصاء، وجدها في ترجمة والدها. وقال في حرف الحاء: من الرجال الحارث بن عوف بن أبي حارثة المزني كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: خطب إليه ابنته، فقال: لا أرضاها لك، إنّ بها سوادا، ولم يكن بها فرجع فوجدها قد برصت فتزوّجها ابن عمها يزيد بن جمرة المزنيّ، فولدت له شبيبا فعرف بابن البرصاء واسم البرصاء قرصافة، ذكر ذلك الرشاطي، قلت: فهذا كما ترى لا ذكر لجمرة في هذه المواضع. جمرة بنت الحارث بن أبي حارثة المزنيّة، ذكرها عبد الملك النّيسابوريّ عن قتادة، هكذا فرّق الحارث قطب الدّين الحلبيّ في المورد بينها، وبين التي قبلها، وليس بجيّد، فإنّهما واحدة بلا شك. حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاريّة. وروى ابن سعد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان قد همّ أن يتزوّج سهلة ثم تركها. خولة بالخاء المعجمة المفتوحة فواو ساكنة فلام، فتاء تأنيث، وقيل: خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن مرة بن الأرقص بن مرة بن هلال السّلميّة. روى البخاري في صحيحه عن عروة، ووصله أبو نعيم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي- صلى الله عليه وسلّم- وقال هشام بن الكلبي كانت ممّن وهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلّم- زاد ابن الجوزي في التنقيح فأرجأها، فتزوّجها عثمان بن مظعون.

سودة القرشية،

سودة القرشيّة، روى ابن منده وغيره عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يتزوّج سودة القرشيّة، فقالت له: إنّك أحبّ البريّة إليّ، وإن لي صبية أكره أن يتضاغوا عند رأسك بكرة وعشيّة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناء على ولد في صغره، وأرعاه لبعل في ذات يده، وأصله في صحيح مسلم من وجه آخر لكن لم يسمّها ورواه الإمام أحمد وأبو يعلى بسند لا بأس به. يتضاغون: بضاد وغين معجمتين- يصيحون. صفية بنت بشامة- بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة ابن نضلة، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة. وروى ابن سعد من طريق محمد بن السائب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطبها وكان أصابها سباء، فخيّرها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين نفسه الكريمة وبين زوجها، فأرسلها فلعنتها بنو تميم [ (1) ] ، ذكر ابن حبيب من المحبر في هذا الباب. ضباعة، بضم الضاد المعجمة وتخفيف الموحّدة وبالعين المهملة بنت عامر بن فرط ابن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أسلمت قديما- رضي الله تعالى عنها- بمكّة بعد عرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفسه الكريمة على بني عامر، وهاجرت، ذكرها ابن الجوزي، وابن عساكر في هذا الباب وكانت من أجمل نساء العرب، وأعظمهن خلقا، وكانت إذا جلست أقدت من الأرض شيئا كثيرا، وكانت تغطّي جسدها مع عظمه بشعرها وكانت تحت هوذة، بفتح الهاء وسكون الواو وبالذال المعجمة ابن علي الحنفيّ، فمات عنها، فتزوّجها عبد الله بن جدعان فلم يلق بخاطرها، فسألته طلاقها، ففعل، فتزوّجها هشام بن المغيرة، فولدت له سلمة، وكان من خيار عباد الله فلما هاجرت خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ابنها فقال: يا رسول الله، ما أعنك مدفع فأستأمرها، قال: نعم فأتاها فأخبرها. فقالت: إنا لله وفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستأمرني، ارجع إليه، فقل له: نعم. قيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذهاب ابنها إليها: إن ضباعة ليست كما تعهد، قد كثرت غضون وجهها (وسقطت) [ (2) ] أسنانها من فيها، فلما رجع سلمة وأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بما قالت: فسكت عنه. نعامة، عدّها وما بعدها في الأزواج إن أريد به الخطبة فواضح، وإلّا فالأنسب ذكرها في الباب قبل هذا فليحرّر ولم يذكر اسم أبيها، وهي من سبي بني العنبر كانت امرأة جميلة عرض عليها

_ [ (1) ] انظر طبقات ابن سعد 8/ 122 [ (2) ] في ج: (وكسرت)

أم شريك

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يتزوّجها فلم يلبث أن جاء زوجها الحريش الدباغ في ذيل الاستيعاب وأقروه. أم شريك بنت جابر الغفارية، قال ابن عمر ذكرها أحمد بن صالح في أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- اللاتي لم يدخل بهنّ. أمّ شريك الأنصارية [ (1) ] ، قيل: هي بنت أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الأنصارية من بني عبد الأشهل، وقيل: هي بنت خالد بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة الأنصاريّة، وقيل: غيرهما، وقيل: أمّ شريك بنت أبي العسكر بن تيمي وفي صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة: في حديث تميم الداري قال: وفيه وأمّ شريك امرأة غنية عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل- ينزل عليها الضّيفان، فالله أعلم من هي؟ وروى ابن أبي خيثمة عن قتادة- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم شريك الأنصارية، وقال: إني أحب أن أتزوّج من الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرة الأنصار، فلم يدخل بها. أمّ شريك الدّوسيّة [ (2) ] ، روى ابن سعد وابن شيبة وعبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر، والطبراني عن علي بن الحسين بن علي في قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً [الأحزاب 50] إن أم شريك الأزدية هي التي وهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلّم-. ورواه أيضاً عن عكرمة وروى ابن سعد عن عكرمة في الآية قال: ها أم شريك الدّوسيّة وروى أيضا عن منير بن عبد الله الدّوسيّ أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدّوسية عرضت نفسها على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكانت جميلة، فقبلها، فقالت عائشة: ما من امرأة حين وهبت نفسها من خير، قالت أم شريك: فأنا تلك، فسمّاها الله تعالى- مؤمنة، فقال تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [الأحزاب 50] أنا وهبت نفسي للنبي فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة: إنّ الله ليسرع في هواك [ (3) ] . وروى النّسائيّ برجال ثقات عن أمّ شريك- رضي الله تعالى عنها- أنها كانت ممّن وهبت نفسها. وروى البخاري وابن أبي خيثمة عن ثابت قال: كنت عند أنس- رضي الله تعالى عنه- وعنده بنت له، فقال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ألك حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقلّ حياءها ووا سوأتاه!، فقال أنس: هي خير منك رغبت من النبي- صلى الله عليه وسلم- فعرضت نفسها عليه.

_ [ (1) ] انظر الإصابة 8/ 247 [ (2) ] انظر الإصابة 8/ 247 [ (3) ] انظر الطبقات لابن سعد 8/ 123.

أم شريك القرشية

وروى برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لم يكن عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- امرأة وهبت نفسها. أمّ شريك القرشية العامريّة من بني عامر بن لؤيّ. قال ابن سعد: كان محمد بن عمر يقول هي من بني معيص بن عامر بن لؤيّ. وكان غيره، يقول: هي دوسيّة من الأسد ثم أسند عن الواقدي عن موسى عن محمد بن إبراهيم عن التيمي عن أبيه، قال: كانت أمّ شريك من بني عامر بن لؤي معصيّة وهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلّم- فلم يقبلها، فلم تتزوّج حتى ماتت. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: بعد كلام كثير على اختلاف الروايات والذي يظهر في الجمع أنّ أم شريك واحدة اختلف من نسبها عامرية من قريش أو أنصارية، أو أزدية من دوس واجتماع هذه النسب الثلاث يمكن أن يقال: قرشية تزوّجت في دوس فنسبت إليهم، ثم تزوّجت من الأنصار فنسبت إليهم أو لم تتزوّج بل نسبت أنصارية بالمعنى الأعم. أم هانئ فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عمه أبي طالب، وخطبها هبيرة بن عمرو المخزوميّ فزوجها أبو طالب هبيرة فعاتبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو طالب: يا ابن أخي، إنّا قد صاهرنا إليهم، والكريم يكافئ الكريم، ثم فرق الإسلام بين أمّ هانئ وهبيرة فخطبها النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت: كنت أحبّك في الجاهليّة فكيف في الإسلام؟ وإني امرأة مصبية. فأكره أن يؤذوك فقال: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن أم هانئ قالت: خطبني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: ما لي عنك رغبة يا رسول الله ولكني لا أحبّ أن أتزوّج وبنيّ صغار- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على طفل في صغره، وأرعاه على بعل في ذات يده وامرأة لم تسم، قيل: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب امرأة فقالت: حتى (استأذن من) [ (2) ] أبي، فأذن لها فعادت، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- قد التحفنا لحافا غيرك ، وعرضت عليه- صلى الله عليه وسلّم- امرأتان فردهما لمانع شرعي. الأولى: أمامة بنت حمزة بن عبد المطّلب فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: هي ابنة أخي من الرّضاعة. الثانية: عزّة بفتح العين المهملة والزاي المشددة بنت أبي سفيان بن حرب فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: لا تحل ما كان لي أختها أمّ حبيبة، وحديثهما في الصحيح وغيره. انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 4/ 53 والإصابة 8/ 287 [ (2) ] فى ج: (استأمر)

جماع أبواب ذكر العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وبعض فضلهم

جماع أبواب ذكر العشرة الذين شهد لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالجنة وبعض فضلهم وقد ألف العلماء في هذا الباب كتبا كثيرة، وأجمعها كتاب الرّياض النّضرة للإمام العلّامة المحدّث الفقيه شيخ الشافعيّة بالبلد الحرام. الباب الأول في بعض فضائلهم على سبيل الاشتراك وفيه أنواع: الأول: في ذكر أنسابهم. تقدّم في النسب النبوي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن مضر بن مالك بن النضر بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. إذا علمت ذلك فأبو بكر اسمه عبد الله، قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات: وهو الصحيح المشهور وقيل عتيق، والصواب الذي عليه كافة العلماء أن عتيقا لقب لقّب به لعتقه من النّار. وقيل: لعتاقة وجهه أي حسنه. وقيل: لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب واجتمعت الأمّة على تسميته بالصّدّيق، لأنّه بادر إلى تصديق رسول الله عليه الصّلاة والسلام، ولازم الصّدق فلم تقع منه هناة ما ولا وقفة في حال من الأحوال. قال الشيخ في تاريخ الخلفاء: ذكر ابن مسدي أنه كان يلقب به في الجاهلية لما عرف عن الحسن البصري وقتادة: أوّل ما اشتهر به صبيحة الإسراء وروى الحاكم عن النزال بن سبرة منه من الصّدق، قال ابن إسحاق قال: قلنا لعلي: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن أبي بكر، قال: ذاك امرؤ سماه الله تعالى الصّدّيق على لسان جبريل، وعلى لسان محمّد، كان خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على الصّلاة رضية لديننا فنرضاه لدنيانا. وقيل: سمي بعتيق أولا ثم بعبد الله. وروى الطبراني عن القاسم بن محمّد أنه سأل عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن اسم أبي بكر فقالت: عبد الله فقال: إن الناس يقولون: عتيق، قالت: إن أبا قحافة، كان له ثلاثة أولاد سمّى عتيقا ومعتقا ومعيتقا.

وروى ابن منده وابن عساكر عن موسى بن طلحة، قال: قلت لأبي طلحة: لم سمّي أبو بكر عتيقا قال: كانت أمّه لا يعيش لها ولد، فلمّا ولدته استقبلت به البيت، ثم قالت: اللهم، إنّ هذا عتيق من الموت. فهبه لي. وروى ابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: اسم أبي بكر الذي سمّاه أهله عبد الله، ولكن غلب عليه اسم عتيق، وفي لفظ: ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- سماه عتيقا. واختلف في أي وقت لقّب فيه عتيقا. فروى أبو يعلى في مسنده وابن سعد والحاكم وصحّحه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: والله إني لفي بيتي ذات يوم ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الفناء والستر بيني وبينهم، إذ أقبل أبو بكر، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر» ، وإن اسمه الذي سماه أهله عبد الله، فغلب عليه اسم عتيق. وروى الترمذي والحاكم عنها أن أبا بكر دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: أنت عتيق الله من النار، فيومئذ سمّي عتيقا. وروى البزار، والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر عبد الله، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أنت عتيق الله من النار. [هو عبد الله] بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن كعب بن لؤيّ يلتقي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ التميمي يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في مرّة. وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤي يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في كعب بن لؤي، وأمّه [....] وعثمان بن عفّان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في عبد شمس بن عبد مناف بن عبد مناف وأمه (أروى) [ (1) ] بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أسلمت وهاجرت وبايعت النبي- صلى الله عليه وسلّم- توفّيت في خلافة ولدها عثمان. وعليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، يلتقي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد [بن هاشم بن] عبد [مناف الهاشمية] . [طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي يلتقي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في [مرة بن كعب بن لؤي] وأمه الصّعبة بنت أخت العلاء وأسلمت [وتوفيت في عهده- صلى الله عليه وسلم-] .

_ [ (1) ] في ج: (أزرى)

الثاني في بعض فضائلهم:

والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ الأسدي يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في قصيّ، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسلمت وهاجرت إلى المدينة. [سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة] وكنيته. أبو إسحاق بن مالك وكنيته أبو وقاص بن وهب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في عبد مناف، أسلم قديما وأمّه، [حمزة بنت سفيان بن أمية بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية] . وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤي ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته- رضي الله تعالى عنهما-، يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في كعب بن لؤي أسلم قديما، وكان سببا لإسلام عمر وأمه [فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية] . عبد الرحمن بن عوف بن عبد بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرّة يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في كلاب بن مرة، وأمه [الشّنّاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب] أسلمت، وهاجرت مع النبي- صلى الله عليه وسلم-. وأبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجرّاح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ابن فهر يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في فهر بن مالك أمين هذه الأمّة، وأمه [أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن عميرة] . الثاني في بعض فضائلهم: روى ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم، وأبو نعيم في الحلية والضياء، والإمام أحمد عن سعيد بن زيد، والإمام أحمد وابن عساكر، والترمذي، وأبو نعيم في المعرفة عن عبد الرحمن بن حميد عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة. قال: أبو بكر في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنّة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنّة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. وروى الإمام احمد وابن منيع وأبو داود وابن ماجة والضّياء والترمذي وقال: حسن صحيح- والهيثم بن كليب الشّامي، ولفظه عن سعيد بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: عشرة في الجنّة النّبيّ في الجنّة، ورواية الترمذي: قال: «أنا في الجنّة،

وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة وعثمان في الجنّة، وعليّ في الجنّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزّبير في الجنّة، وسعد بن أبي وقاص في الجنّة، وسعيد بن زيد في الجنة» . وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عمر والترمذي وابن سعد والدارقطنيّ في الإفراد والحاكم وأبو نعيم في الحلية والمعرفة وابن عساكر عن سعيد بن زيد- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عشرة من قريش في الجنّة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة» . وروى الإمام أحمد وأبو نعيم وابن عساكر عن رياح بن الحارث قال: كنا في مسجدنا الأكبر بالكوفة والمغيرة جالس على السرير فقال سعيد بن زيد: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزّبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وتابع المؤمنين، ولو شئت أن (أسمّيهم لسمّيتهم) . فقال إنسان: ناشدتّك الله، من تابع المؤمنين؟ فقال: فأما إذا ناشدتني، فأنا تابع المؤمنين، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن عساكر عنه، قال: أشهد أنّي سمعت أبا بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- يقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ليتني رأيت رجلا من أهل الجنة، قال: أنا من أهل الجنة قال: ليس عنك أسأل، قد عرفت أنّك من أهل الجنة. قال: «فأنا من أهل الجنة، وأنت من أهل الجنة، وعمر من أهل الجنة، وعثمان من أهل الجنة، وعلي- رضي الله تعالى عنه- من أهل الجنة، وطلحة من أهل الجنة، والزّبير من أهل الجنة، وعبد الرّحمن من أهل الجنة، وسعد من أهل الجنة، ولو شئت أن أسمّي العاشر لسمّيته، قال: عرضت عليك لتسمينّه قال: أنّا» . وروى ابن عساكر قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حراء، فذكر عشرة في الجنّة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود. وروى ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم وأبو نعيم في الحلية والضياء عنه، والإمام أحمد والترمذي، وأبو نعيم في المعرفة وعبد بن حميد عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وطلحة في الجنّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنّة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة، بن الجراح في الجنّة. انتهى.

الباب الثاني في بعض فضائل بعضهم

الباب الثاني في بعض فضائل بعضهم روى العقيليّ وابن عساكر عن ابن عمر وابن النجار عن ابن عبّاس والطبراني والإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي والضياء عن أنس، والعقيلي في الضعفاء، وابن الأنباري في المصاحف وابن عساكر عن جابر وأبو الحسن بن عساكر عن إبراهيم أبي طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «أرأف» وفي لفظ أرحم أمّتي بأمّتي وفي لفظ «أرفق أمّتي بأمّتي أبو بكر، وأشدّهم» وفي لفظ «وأقواهم» في دين وفي لفظ «في أمر الله» ، وفي لفظ أشدّهم في الله عمر «وأصدقهم» وفي لفظ «أصدق أمتي» وفي لفظ «وأكرمهم» حياء عثمان، وفي لفظ «وأقضى أمّتي عليّ وأفرضهم» وفي لفظ «وأفرضها» زيد بن ثابت. وعند الطبراني وقد أوتي عويمر يعني أبا الدّرداء عبادة، وأقرؤهم لكتاب الله وفي لفظ «أقرأ أمتي» أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام وفي لفظ «أعلمها بالحلال والحرام» معاذ بن جبل، يجيء أمام العلماء يوم القيامة بربوة وفي لفظ «معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وفي حديث أبي سعيد» وأبو هريرة وعاء من العلم» . وروى ابن عساكر عن ابن عامر عن السّبكي مرسلا وفيه انقطاع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم صلّ على أبي بكر، فإنه يحبّك، ويحبّ رسولك، اللهم صل على عمر، فإنه يحبك ويحب رسولك، اللهم صل على عثمان، فإنه يحبك ويحب رسولك، اللهم صل على عليّ، فإنه يحبك ويحب رسولك، اللهم صل على بن عبيدة بن الجراح، فإنّه يحبك ويحب رسولك، اللهم صل على عمرو بن العاص، فإنه يحبك ويحب رسولك» . وروى ابن أبي شيبة والبخاري في- التاريخ- والتّرمذي بإسناد حسن والحاكم في الكنى وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «وسلمان عالم لا يدرك، ولا أظلّت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر» . وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وعاء العلم، وإن لكل أمّة أمينا، وفي لفظ «لكل أمّة أمين، وأمين هذه الأمة» ، وفي لفظ «وأحسنهم خلقا أبو عبيدة بن الجراح» نعم الرّجل أبو بكر، نعم الرّجل عمر، نعم الرّجل عثمان، نعم الرّجل عليّ، نعم الرّجل أبو عبيدة، نعم الرّجل أسيد بن الحضير، نعم الرّجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرّجل معاذ بن جبل، نعم العبد معاذ بن عمرو بن الجموح، نعم العبد سهيل بن بيضاء.

الباب الثالث في بعض فضائل الخلفاء الأربعة على سبيل الاشتراك

الباب الثالث في بعض فضائل الخلفاء الأربعة على سبيل الاشتراك وفيه أنواع: الأول: فيما أمره الله تعالى- به من شأنهم. روى أبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن علي وابن عساكر عن حذيفة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله تعالى أمرني أن أتّخذ أبا بكر والدا، وعمر ميسّرا، وعثمان سندا، وأنت يا عليّ ظهرا، فأنتم أربعة قد أخذ الله ميثاقكم في الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن ولا يبغضكم إلا فاجر، أنتم خلائق بيوتي وعقد ذمتي وحجّتي على أمّتي، لا تقاطعوا، ولا تدابروا، وتغافروا» . روى الرّافعيّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إنّ الله يقرئك السلام، ويقول لك: يأتي يوم القيامة كلّ أمّتك عطاشا إلا من أحبّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا، وروى الرّافعي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من فضّل على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فقد ردّ ما قلته وكذّب ما هم أهله» . وروى عبد بن حميد وأبو نعيم في فضائل الصّحابة وابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يجتمع حبّ هؤلاء الأربعة إلا من قلب مؤمن، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ» . الثاني: في أنّه: «لا يحبّهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق» . روى الطبراني في الأوسط وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يجتمع حبّ هؤلاء في قلب منافق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي» . وروى الإمام أحمد والطّبراني عن سمرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «رأيت دلوا دليت من السّماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيبها فشرب شربا حتى تضلّع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيبها فشرب شربا حتى تضلّع ثم جاء علي فأخذ بعراقيبها فانتشطت منه، وانتضح عليه منها» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 21

الثالث: في أنهم - رضي الله تعالى عنهم - نظير جمع من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:

الثالث: في أنهم- رضي الله تعالى عنهم- نظير جمع من الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: روى ابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من نبي إلا وله نظير في أمّتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعليّ نظيريّ، ومن سره أن ينظر إلى عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذرّ الغفاري» . الرابع: في تبشيرهم بالجنّة- رضي الله تعالى عنهم: روى ابن عساكر عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «القائم بعدي في الجنة، والّذي يقوم بعده في الجنّة، والثالث والرابع في الجنة» . وروى البخاري عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشّرته بما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، فحمد الله، ثمّ جاء رجل آخر فاستفتح، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «افتح له، وبشره بالجنة» ، ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فحمد الله، ثم استفتح رجل آخر فقال: «افتح له، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» ففتحت، فإذا هو عثمان، فأخبرته فحمد الله، ثم قال: «الله المستعان» ، وفي لفظ: «أمرني بحفظ الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: «ائذن له، وبشّره بالجنّة» فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر ليستأذن، فأذن له، فقال: «ائذن له وبشره بالجنّة» ، فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة، ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه» فإذا عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهم أجمعين- انتهى.

الباب الرابع في بعض فضائل أبي بكر وعمر على سبيل الاشتراك.

الباب الرابع في بعض فضائل أبي بكر وعمر على سبيل الاشتراك. روى العقيلي وابن عساكر والبزّار والضياء عن أنس والبزّار والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد والطبراني في الأوسط وابن عساكر عن جابر وابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين ما خلا الأنبياء والمرسلين. وروى ابن النجار عن ابن عباس والخطيب عن جابر وأبو يعلى والبيهقي والماوردي وأبو نعيم، وابن عساكر عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: أبو بكر وعمر من هذا الدّين، وفي لفظ «منّي» «كمنزلة» وفي لفظ بمنزلة السّمع والبصر من الرّأس. وروى الديلمي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: أبو بكر وعمر خير أهل السّموات وأهل الأرض، وخير من بقي إلى يوم القيامة. وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والطّبراني ولفظه عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «رأيت البارحة كأنّي دخلت الجنّة، فخرجت من إحدى أبوابها الثمانية فإذا أنا بأمتي عرضوا عليّ قياما رجلا رجلا، وإذا الميزان منصوب، فوضعت أمّتي في كفّة الميزان ووضعت في الكفة الأخرى فرجحتهم، ثم وضع جميع أمّتي في كفّة الميزان ووضع عمر في الكفة الأخرى فرجح بهم» . ثم وضع جميع أمّتي في كفّة الميزان ووضع أبو بكر في الكفّة الأخرى فرجح بهم [ (1) ] ثم رفع الميزان وفي لفظ غيره: أتيت بكفة ميزان فوضعت فيها، ثم جيء بأمّتي فوضعت في الكفّة الأخرى فرجحت بهم ثم رفعت فجيء بأبي بكر فوضع في كفّة الميزان، فرجح بأمّتي ثم رفع أبو بكر وجيء بعمر بن الخطاب فرجح بأمّتي، ثم رفع الميزان إلى السّماء وأنا أنظر. وروى مسلم عن أبي هريرة والإمام أحمد وابن عساكر عن عثمان بن عفان، ويعقوب ابن سليمان في تاريخه- والحسن بن سفيان وابن مندة والخطيب وابن عساكر عن عبد الله بن سرح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: اسكن حراء فإنما عليك نبي أو صدّيق أو شهيد. وروى الحكيم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أحشر

_ [ (1) ] سقط في ج

أنّا وأبو بكر وعمر يوم القيامة هكذا، وأخرج السّبّابة والوسطى، والبنصر ونحن مشرفون على الناس. وروى ابن عساكر عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أحشر يوم القيامة بين أبي بكر وعمر حتى أقف بين الحرمين فيأتني أهل المدينة وأهل مكة» . وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف- وفيه الفضل بن جبير الورّاق عن داود بن الزبير قال: وهما ضعيفان قال: إذا كان يوم القيامة، نادى مناد لا يرفعنّ كتاب قبل أبي بكر وعمر. وروى الإمام أحمد والترمذي، وقال: حسن، وابن ماجه، وأبو يعلى، والضياء عن حذيفة البغويّ في الجعديات وابن عساكر وابن النّجّار عن أنس، وابن عساكر عن ابن مسعود وعن بكرة والترمذي، وقال: غريب ضعيف، والطبراني والحاكم وتعقّب عن ابن مسعود والرّوياني والحاكم والبيهقي عن حذيفة، وابن عديّ والطبراني عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: اقتدوا بالذّين من بعدي، وفي لفظ: من أصحابي أبو بكر وعمر، وفي لفظ: فإنّهما حبل الله الممدود ومن تمسّك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها، واهتدوا بهدي عمّار، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه، وفي لفظ: تمسّكوا بعهد ابن مسعود» ، وفي لفظ: «ابن أمّ عبد» [ (1) ] . وروى أبو داود الطيالسي، والإمام أحمد وعبد بن حميد، وابن ماجة والطّحاوي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: أي «متى توتر» ؟ قال: أوّل الليل بعد العتمة، قال: «وأنت يا عمر» ، قال: آخر اللّيل، قال: «أما أنت يا أبا بكر، فأخذت بالثقة، وأمّا أنت يا عمر، فأخذت بالقوّة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وقال: حسن، وابن ماجه وأبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد والطبراني والبغويّ وابن عساكر عن جابر بن سمرة، وابن النجار عن أنس، وابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- أن أهل الدّرجات العلى يراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الدّرّي في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما. وروى ابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن أهل الدّرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم، كما ينظر أحدكم إلى الكوكب الدّريّ الغائر

_ [ (1) ] ذكره المصنف من قبل. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 309.

في أفق من آفاق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما. وروى أبو إسحاق المولى وابن عساكر عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن أهل عليين ليشرف أحدهم على الجنة فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدّنيا، وإن أبا بكر وعمر منهما وأنعما. وروى الطبراني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن لكلّ نبيّ خاصة من قومه، وإنّ خاصّتي من أصحابي أبو بكر وعمر [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن لكلّ نبيّ وزيرين ووزير اي وصاحباي أبي بكر وعمر. وروى الحاكم ولم يصحّحه وأبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن أبي سعيد والحكيم وابن عساكر عن ابن عباس وابن النجار عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر. وروى الديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال: «إنّي لأرجو لأمتي بحبّ أبي بكر وعمر، كما أرجو لهم بقول لا إله إلا الله» . وروى أبو نعيم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: مثل أبي بكر وعمر مثل نوح وإبراهيم في الأنبياء، أحدهما أشدّ في الله من الحجارة وهو مصيب والآخر ألين في الله من اللبن، وهو مصيب» . وروى الخطيب عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا علي، أتحب هذين الشيخين، يعني أبا بكر وعمر أحبّهما تدخل الجنة» . وروى ابن النّجّار عن أنس وابن عساكر والدّيلميّ عن جابر وابن عدي وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنهم- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «حبّ أبي بكر وعمر سنة وبغضهما كفر» ، وفي لفظ «نفاق» ، وحبّ الأنصار إيمان وبغضهم كفر، وحبّ العرب إيمان، وبغضهم كفر، وفي لفظ: من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله، ومن حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة» . وروى الديلمي عن ابن عباس، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «خلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة» .

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 55.

وروى ابن عساكر عن عليّ، وقال: المحفوظ أنه موقوف أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر» . وروى أيضا عن عليّ والزّبير معا، والحاكم في تاريخه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خير أمتي بعدي أبو بكر وعمر» . وروى الطبراني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: صالح المؤمنين أبو بكر وعمر. وروى الترمذي وابن عساكر عن ابن عبّاس والترمذي وقال: حسن غريب عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لكل نبي خاصة من أصحابه، وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر» . وروى ابن عساكر عن ابن عباس والترمذي وقال: حسن غريب عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ لكلّ نبيّ وفي لفظ ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء وأهل الأرض، فوزيراي وفي لفظ: ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، ووزيراي وفي لفظ: «أما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر» . وروى ابن عساكر عن ابن عبّاس وأنس وأبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر» . وروى أبو الحسن الصيقلي في «أماليه» والخطيب وابن عساكر عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يحبّ أبا بكر وعمر إلا مؤمن، ولا يبغضهما إلا منافق» . وروي عن أبي مجلز قال: قال: علي- رضي الله تعالى عنه-: ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى عرفنا أن أفضلنا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبو بكر، وما مات أبو بكر حتى عرفنا أن أفضلنا بعد أبي بكر عمر.

الباب الخامس في بعض فضائل أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - على سبيل الاشتراك

الباب الخامس في بعض فضائل أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله تعالى عنهم- على سبيل الاشتراك روى أبو يعلى برجال الصحيح غير القابعي فإنه متّهم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لمّا أسس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه، وجاء عمر بحجر فوضعه، وجاء عثمان بحجر فوضعه، قالت: فسئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «هذا أمر الخلافة بعدي. ورواه الطبراني عن جرير وذكر أن ذلك في مسجد قباء، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمر الثلاثة بوضع الحجر» [ (1) ] . وروى البزار برجال الصحيح والطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنّا نقول في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر وعمر وعثمان يعني في الخلافة، وهو في الصحيح خلا قوله «في الخلافة» . وروى البزار من طريق نوفل بن إسماعيل وثّقه ابن معين وابن حبّان وضعّفه البخاريّ، وحسّنه الحافظ في زوائد البزّار، عن سفينة، والإمام أحمد وابن منده عن أعرابي، والطبراني في الكبير- عن أسامة بن شريك وابن منده وابن نافع عن جبير وابن عساكر عن ابن عمر وأبي أميمة والشيرازي في الألقاب- وابن مندة وقال غريب وابن عساكر عن عرفجة الأشجعيّ قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «رأيت كأنّ ميزانا أدلي من السماء فوزنت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر» ، وفي لفظ «وزنت في كفّة» أو «وضعت في كفّة» فرجحت بأمّتي، ثم وضع أبو بكر وفي لفظ «ثم وزن» وفي لفظ ووضع أبو بكر مكاني فرجح بأمّتي، ثم وضع عمر مكانه فرجح، ثم وضع عثمان مكانه فرجح، ثم وضع الميزان وفي لفظ «أن أناسا من أصحابي وزنوا الليلة وفي لفظ «وزن أصحابي اللّيلة، فوزن أبو بكر ثم عمر ثم عثمان» ، وفي لفظ «فوزن أبو بكر فوزن، ثم عمر فوزن، ثم عثمان فوزن» ، وفي لفظ فخفّ وهو رجل صالح، وفي لفظ: «ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر، ثم وزن عمر بعثمان فرجح الميزان فاستهلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوّة الخلافة ثم يؤتي الله الملك من يشاء. روى ابن النّجّار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: أبو بكر وزيري يقوم مقامي، وعمر ينطق بلساني، وأنا من عثمان وعثمان منّي، كأنّي بك يا أبا بكر تشفع لأمّتي» [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 179. [ (2) ] انظر كنز العمال (33063) .

وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن أنس والإمام أحمد وعبد بن حميد، والعقيلي، وابن حبان، والطبراني والضياء عن سهل بن سعد، والترمذي عن عثمان بن عفان، وأبو يعلى والترمذي وقال حسن والنسائي عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أثبت» وفي لفظ «اسكن» أحد فإنما عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان. وروى ابن عدي في الكامل، والحاكم عن سفينة، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: هؤلاء ولاة الأمر بعدي يعني أبا بكر وعمر وعثمان. وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا بلال، ناد في النّاس بأنّ الخليفة بعدي أبو بكر، يا بلال، ناد في الناس بأن الخليفة بعدي أبو بكر وعمر، يا بلال، ناد في النّاس أنّ الخليفة بعدي عمر وعثمان، يا بلال، امض أبي الله إلا ذلك» . وروى الطبراني برجال وثقوا غير مطلب بن شقيب عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: يكون من بعدي اثنا عشر خليفة منهم أبو بكر الصديق لا يلبث بعدي إلا قليلا، وصاحب رحى دارة العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا، فقال رجل: من هو يا رسول الله؟ قال: عمر بن الخطاب، ثم التفت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى عثمان بن عفان، فقال: يا عثمان، إن ألبسك الله تعالى قميصا فأرادك النّاس على خلعه فلا تخلعه، فو الله لئن خلعته لا ترى الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط. وروى البزار والطبراني من طريق عتبة بن عمر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فدخل إلى البستان، فجاء آت يدقّ الباب، فقال: يا أنس قم فافتح له الباب وبشّره بالجنة وبالخلافة من بعدي، قلت: يا رسول الله، أعلمه، قال: أعلمه، فإذا أبو بكر، فقلت له: أبشر بالجنة وبالخلافة بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: ثم جاء آت، فدقّ الباب، فقال: يا أنس، قم فافتح له وبشره بالجنة والخلافة من بعد أبي بكر، قلت: يا رسول الله أعلمه، قال: أعلمه، فخرجت، فإذا عمر، فقلت له: أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد أبي بكر، قال: ثم جاء آت فدق الباب، فقال: قم يا أنس، فافتح له وبشره بالجنة وبالخلافة من بعد عمر وأنه مقتول، قال: فخرجت فإذا عثمان، فقلت له: أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد عمر وإنّك مقتول، فاسترجع فدخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، لمه والله ما لقيت ولا تمنّيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعتك، قال: هو ذاك يا عثمان وأمره أن يكفّ. ورواه أبو يعلى من طريق الصقر بن عبد الرحمن وهو تالف والطبراني من طريق [....] .

الباب السادس في بعض فضائل أبي بكر وعمر وعلي - رضي الله تعالى عنهم -

الباب السادس في بعض فضائل أبي بكر وعمر وعلي- رضي الله تعالى عنهم- روى البزار بسند ضعيف عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: قالوا: يا رسول الله، ألا تستخلف علينا؟ قال: إن أستخلف عليكم فتعصون خليفتي، عذّبتم فقالوا: ألا تستخلف أبا بكر، قال: إن استخلفتموه تجدوه ضعيفا في بدنه قويّا في أمر الله، فقالوا: ألا تستخلف عمر؟ قال: «إن استخلفتموه تجدوه قويّا في بدنه، قويّا في أمر الله» ، قالوا: ألا تستخلف عليّا قال: «إن استخلفتموه يسلك بكم الطريق المستقيم، وتجدوه هاديّا مهديّا» . وروى الإمام أحمد والطّبرانيّ والبزّار ورجال البزّار ثقات عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، من نؤمّر بعدك قال: إن تؤمّروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وأن تؤمّروا عمر تجدوه قويّا أمينا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّا- ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديّا يأخذكم الطريق المستقيم» . وروى الحاكم وتعقّب والطبراني في الكبير والخطيب وابن عساكر عن حذيفة عن علي- رضي الله تعالى عنه- وابن عساكر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن أستخلف عليكم خليفة فتعصوه، ينزل العذاب، قالوا: لو استخلفت علينا أبا بكر، قال: إن (أستخلفه) [ (1) ] عليكم تجدوه قويّا في أمر الله ضعيفا في جسمه وفي لفظ: «أن ولّيتموها أبا بكر فزاهد في الدّنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف وفي لفظ: «أن تولّوا أبا بكر، تولّوا أمينا مسلما، قويّا في أمر الله، ضعيفاً في أمر نفسه» . وفي لفظ: «أن تولوها أبا بكر تجدوه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وأن ولّيتموها عمر فقويّ أمين لا تأخذه في الله لومة لائم» ، وفي لفظ «وإن تولّوا عمر تولّوا أمينا مسلما لا تأخذه في الله لومة لائم» وفي لفظ «وإن تولّوها عمر تجدوه قويّا أمينا، لا تأخذه في الله لومة لائم، قالوا: لو استخلفت علينا عليّا، قال: إنّكم لا تفعلوا، وإن تفعلوا تجدوه هاديا مهديّا، يسلك بكم الطّريق المستقيم، وفي لفظ «وإن ولّيتموها عليّا فهاديا مهديّا يقيمكم على طريق مستقيم» ، وفي لفظ «وإن تولّوا عليّا تولوه هاديا مهديّا يحملكم على المحجّة، وفي لفظ «وإن تولوا عليّا تجدوه هاديا مهديّا، يسلك بكم الطّريق المستقيم» . وروى الرافعيّ عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لكل نبي خليل، وإن خليلي وأخي عليّ، ولكل نبيّ وزيران، ووزيراي أبو بكر وعمر. وروى ابن عساكر وابن النجار عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تسبّوا أبا بكر وعمر، فإنّهما سيّدا كهول الجنة من الأولين والآخرين إلا النّبيّين والمرسلين، ولا تسبّوا الحسن والحسين، فإنهما سيدا شباب أهل الجنة من الأوّلين والآخرين، ولا تسبّوا عليّا، فإنه من سبّ عليّا فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، ومن سبّ الله فقد عذّبه الله تعالى.

_ [ (1) ] في ج: «استخلفتموه»

الباب السابع في بعض فضائل أمير المؤمنين أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - على سبيل الانفراد

الباب السابع في بعض فضائل أمير المؤمنين أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- على سبيل الانفراد وفيه أنواع: الأول: في مولده ومنشئه- رضي الله تعالى عنه - ولد- رضي الله تعالى عنه- بعد مولد النبي- صلى الله عليه وسلم- بسنتين وأشهر، فإنّه مات وله ثلاث وستون سنة. وروى خليفة بن خياط أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال له: «أنا أكبر أو أنت؟ قال: أنت أكبر وأنا أسنّ منك» . قال الشيخ في تاريخ الخلفاء: غريب جدّا، والمشهور خلافه، وإنما صح ذلك عن العبّاس، وكان منشؤه بمكّة لا يخرج منها إلا لتجارة، وكان ذا مال جزيل في قومه، وثروة تامة وإحسان وتفضّل فيهم، وكان من رؤساء قريش في الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببا فيهم وأعلم لمعالمهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول، وكان من أعفّ الناس في الجاهليّة. قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: والله ما قال شعرا في الجاهلية ولا في الإسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية. رواه ابن عساكر بسند صحيح، وكان نحيفا أبيض حسن القامة خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه، غائر العينين. ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع. رواه ابن سعد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-. وروي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر فلفها بالحنّاء والكتم. وقد تقدم الكلام على إسلامه أوائل الكتاب، ولد بمنى، وأمّه أمّ الخير بنت صفر بن عامر، تزوّج في الجاهلية قتيلة بنت عبد العزّى، فولدت له عبد الله وأسماء ذات النّطاقين. والثانية- أمّ رومان بنت عامر، ولدت له عبد الرحمن وعائشة، وتزوّج في الإسلام أسماء بنت عميس، فولدت له محمّدا، وكانت عند جعفر بن أبي طالب قبله، فولدت له عبد الله، وقيل: مجهرا، وتزوّجها بعده علي بن أبي طالب، فذكر أنها ولدت منه ولدا اسمه محمد، وكان يقال لها أمّ المحمّدين، وزوجته الثانية في الإسلام حبيبة بنت خارجة بن زيد، فولدت له أمّ كلثوم بعد وفاته. الثاني- في أمر الله تعالى- له بأن يستشيره وقوله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الله قدّمه» .

الثالث - في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مروا أبا بكر، فليصل بالناس".

وروى الديلمي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل، فقلت: من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر، وهو يلي- رضي الله تعالى عنه- أمر أمتك من بعدك. وروى تمام عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل، فقال: يا محمد، إن الله تعالى أمرك أن تستشير أبا بكر» . وروى الطبراني عن سعيد بن يحيى بن قيس بن عيسى عن أبيه أنّ حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا رسول الله، إذا اعتلت قدّمت أبا بكر؟ فقال: «ليس أنا الذي قدّمته، ولكن الله تعالى قدّمه» . وروى الديلمي والخطيب وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عليّ، سألت الله أن يقدّمك ثلاثا، فأبى عليّ إلا أن يقدّم أبا بكر» . انتهى. الثالث- في قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «مروا أبا بكر، فليصلّ بالناس» . روى الشيخان والترمذي وابن ماجة عن عائشة، والشيخان عن أبي موسى والبخاري عن ابن عمر، والإمام أحمد وابن ماجه عن ابن عباس، وعبد بن حميد وابن ماجة وابن جرير عن سالم بن عبيد- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: مروا أبا بكر، فليصلّ بالناس. وروى الحاكم عن سهل أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر: «إن أقمت فصلّ بالنّاس» . وروى الطبراني عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان كون في الأنصار فأتاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليصلح بينهم، ثم رجع، وقد أقيمت الصلاة، وأبو بكر يصلّي بالناس فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خلف أبي بكر. ورواه البخاريّ خلا قوله: «فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خلف أبي بكر» [ (1) ] . وروى البزار بسند جيّد والإمام أحمد واللفظ له عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعنده نساء، فاستترن مني إلّا ميمونة، فقال: لا يبقى أحد شهد أن لا إله إلا الله إلا أن يميني لم يصب العبّاس، ثم قال: مروا أبا بكر، فليصلّ بالناس، فقالت عائشة لحفصة: قولي له أن أبا بكر رجل رقيق إذا قام ذلك المقام بكى قال: مروا أبا بكر

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 184.

ليصل بالناس، فقام فصلّى فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفّة، فجاء فنكص أبو بكر فأراد أن يتأخّر فجلس، إلى جنبه ثم اقتدى [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن أبي حازم قال: «إني لجالس عند أبي بكر بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بشهر فذكر قصة الدّجّال فنودي في النّاس، الصّلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر، شيئا (صنع) [ (2) ] له كان يخطب عليه، وهي أوّل خطبة في الإسلام، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يا أيها الناس، ولوددتّ أن هذا كفانيه غيري ولئن أخذتموني سنة نبيكم- صلى الله عليه وسلّم- ما أطيقها إن كان لمعصوما من الشيطان وإن كان لينزل عليه الوحي من السّماء» . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي مليكة رحمه الله قال: قيل: لأبي بكر يا خليفة الله، قال: أنا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأنا راض به. وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في مرضه الذي توفّي فيه، أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: بعد مرتين يا بلال، قد بلّغت، فمن شاء أن يصلي فليصلّ ومن شاء أن يدع فليدع، مروا أبا بكر، فليصلّ بالناس. وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: يا رسول الله، إنّ أبي رجل رقيق، فقال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فإنّكن صواحبات يوسف» . فأمّ أبو بكر بالنّاس، والنبي- صلى الله عليه وسلم- حي. وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن سالم بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- وكان من أصحاب الصّفّة قال: أغمي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في مرضه، فأفاق وقد حضرت الصلاة فقال: حضرت الصلاة؟ فقلنا: نعم، فقال: مروا بلالا فليؤذّن، ومروا أبا بكر، فليصلّ بالناس، فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف، فلو أمرت غيره، فليصلّ بالناس، ثم أغمي عليه فأفاق، فقال: «أقيمت الصّلاة» قلنا: نعم، ائتوني بإنسان أعتمد عليه، فجاء بريدة وإنسان آخر، فاعتمد عليهما فأتى المسجد، فدخل وأبو بكر يصلّي بالناس، فذهب أبو بكر ليتنحى فمنعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجلس إلى حيث أبي بكر حتى فرغ من صلاته، فقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ... الحديث.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 209 وانظر المجمع 5/ 184. [ (2) ] في ج: (وقع) .

الرابع - في تسميته - رضي الله تعالى عنه - بالصديق،

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي البختري- رحمه الله تعالى- قال: قال عمر لأبي عبيدة: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أنت أمين هذه الأمّة» ، فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يؤمّنا فأمّنا حتّى مات. وأبو البختري لم يدرك عمر، وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قالت الأنصار: منّا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر، فقال: يا معشر الأنصار: ألستم تعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر أبا بكر إن يؤمّ النّاس، فأيّكم تطيب نفسه أن يتقدّم على أبي بكر [ (1) ] . وروى الترمذي، وقال غريب: عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره» . الرابع- في تسميته- رضي الله تعالى عنه- بالصّدّيق، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: «لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً» ، وأنه أحبّ الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» . روى ابن سعد عن أبي وهب مولى أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: قلت لجبريل ليلة أسري بي: إن قولي لا يصدقونني فيه، فقال: يصدّقك أبو بكر وهو الصّدّيق» . وروى الديلمي عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أبا بكر، إن الله سمّاك الصّدّيق» . وروى البخاري عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي ... » [ (2) ] . وروى الخطيب والديلمي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوا لي صويحبي فإني بعثت إلى الناس كافّة، فلم يبق أحد إلا قال: كذبت إلا أبو بكر الصديق، فإنه قال لي «صدقت» [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 21. [ (2) ] أخرجه البخاري (3661) ، (4640) [ (3) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 12/ 378

الخامس - في أنه خير من طلعت عليه الشمس وغربت، وأنه أول من يدخل الجنة من هذه الأمة وغير ذلك من بعض فضائله.

وروى أبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما كلّمت في الإسلام أحدا إلا أبي عليّ وراجعني في الكلام إلا ابن أبي قحافة» . وروى عبد الله بن الإمام أحمد وابن مردويه والديلمي عن ابن عباس والطبراني عن أبي أمامة والبخاري والترمذي عن أبي سعيد والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر وابن السّنّيّ في عمل اليوم واللّيلة عن ابن العلاء والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجة عن أنس، والترمذي، وقال: حسن غريب، عن أبي هريرة وأبو نعيم عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن كعب بن مرّة وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن مسعود وابن عساكر عن جابر والإمام أحمد والبخاري عن ابن الزبير والبخاري عن ابن عباس والشيرازي في الألقاب عن سعد ومسلم عن ابن مسعود والطبراني في الكبير عن ابن أبي واقد- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا له قدره» . وفي لفظ: «أن آمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر» . وفي لفظ: «ما من أحد أمنّ عليّ في يده من أبي بكر زوّجني ابنته وأخرجني إلى دار الهجرة» . وفي لفظ: «ما من الناس أحد أمنّ عليّ في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة» . وفي لفظ: «ما لأحد علينا يد إلا وقد كافأناه عليها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر» ، فلو كنت وفي لفظ: «لو كنت» متخذاً خليلاً وفي لفظ: «من أهل الأرض، وفي لفظ: «غير ربي لاتخذت أبا بكر» ، وفي لفظ: «ابن أبي قحافة خليلا» ، وفي لفظ: «ولكنه أخي وصاحبي قد اتخذ الله صاحبكم خليلا» وفي لفظ: «ولكن قولوا كما قال الله صاحبي» ، وفي لفظ: «سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر» ، وفي لفظ: «إلا وإن صاحبكم» ، وفي لفظ: «ولكن حق الله فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة» وفي لفظ: «لكل نبي خليل من أمته وإن خليلي أبو بكر وخليل صاحبكم الرحمن» . وفي لفظ: «لم يكن من نبيّ إلا وله خليل وإن خليلي أبو بكر بن أبي قحافة، أن الله اتخذ صاحبكم خليلا» ، وفي لفظ: «ولكن أخي في الإسلام، وصاحبي في الغار» ، وفي لفظ: «ولكنّه أخي وصاحبي وقد اتّخذ الله صاحبكم خليلا» . وروى الشيخان والتّرمذي عن عمرو بن العاص والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب، وابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أحبّ النّاس إليّ عائشة، ومن الرّجال أبوها» . الخامس- في أنه خير من طلعت عليه الشمس وغربت، وأنه أول من يدخل الجنة من هذه الأمة وغير ذلك من بعض فضائله. روى أبو داود وأبو نعيم في فضائل الصّحابة والحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى

عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أتاني جبريل فأراني باب الجنّة الذي تدخل منه أمّتي، قال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى انظر قال: أما إنك يا أبا بكر، أول من يدخل الجنة من أمتي. وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا يمشي أمام أبي بكر فقال: أتمشي أمام من هو خير منك؟ أن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس وغربت. وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أتمشي أمام من هو خير منك، ألم تعلم أن الشمس لم تشرق على أحد أو تغب خير من أبي بكر إلا النّبييّن والمرسلين. وروي أيضا عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «أتمشي أمام أبي بكر ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر» . وروى الديلمي عن عرفجة بن صريح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا سيف الإسلام، وأبو بكر سيف الردّة» [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة» . وروى الخطيب في المتفق والمفترق بسند لا بأس به عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن النّاس كلّهم يحاسبون إلا أبا بكر» . وروى الديلمي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «تأتي الملائكة بأبي بكر مع النبيين والصديقين تزفّه إلى الجنّة زفّا» . وروى الإمام أحمد وابن ماجة والنسائي عن أبي هريرة وأبو يعلى عن عائشة وحسّنه ابن كثير والخطيب عن علي- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما نفعني مال أحد قطّ ما نفعني مال أبي بكر» . وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما نفعني مال قطّ إلا مال أبي بكر» . وروى الحاكم وابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا بكر، أنت عتيق الله من النار» .

_ [ (1) ] انظر مسند الفردوس 1/ 75

وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي عن أنس عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: ولو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما. ورواه أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-. وروى الطبراني في الكبير عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أبا بكر، إن أفضل الناس عندي في الصحبة، وذات يده ابن أبي قحافة [ (1) ] . وروى عبدان المروزي وابن قانع عن قهذاذ قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا أيّها الناس، احفظوني في أبي بكر، فإنّه لم يسؤني منذ صحبتي» . وروى ابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الصّحابة، والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال للعباس: «يا عباس، يا عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه، فاسمعوا له تفلحوا، وأطيعوا ترشدوا» . وروى ابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: نزلت هذه الآية رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [الأحقاف 15] إلى آخرها في أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- فاستجاب الله له، فأسلم والداه جميعا وإخوته وولده كلّهم، ونزلت فيه أيضا فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى [الليل 5] إلى آخر السورة. وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ائتوني بدواة وكتب: أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده، ثم ولّانا قفاه، ثم أقبل علينا فقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» . وروى الطبراني برجال ثقات عن سالم بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- قال: «لمّا قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال عمر: لا أسمع أحدا، يقول مات رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا ضربته بالسّيف، فأخذ أبو بكر بذراعي عليّ، وقام يمشي حينا، فقال: أوسعوا، فأوسعوا له فأكبّ عليه، ومسه، قال «إنّك ميّت وإنّهم ميّتون» قالوا: يا صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مات رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قال: نعم. فعلموا أنّه كما قال: قالوا: يا صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أتصلي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قال: نعم، يدخل قوم، فيكبرون ويدعون ويصلّون ثم ينصرفون، ويجيء آخرون حتى يفرغوا، قال: يا صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما توفيّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أيدفن

_ [ (1) ] انظر الكنز (32607)

رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، قالوا: أين يدفن؟ قال: حيث قبض، فإنّه الله تعالى لم يقبضه إلا ببقعة طيبة، فعلموا أنّه كما قال، ثم قال، فقال: عندكم فاغسلوه، فأمرهم يغسّلونه ثمّ خرج واجتمع المهاجرون يتشاورون فقالوا: انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار فإنّ لهم من هنا نصيبا، فانطلقوا، فقال: رجل من الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، فأخذ عمر- رضي الله تعالى عنه- بيد أبي بكر فقال أخبروني من له هذه الثلاثة ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة 40] من صاحبه؟ فأخذ بيد أبي بكر فضرب عليها وقال للناس: بايعوه فبايعوه بيعة حسنة جميلة» . وروى ابن الجوزي في المنتظم عن زيد بن أرقم قال: كان لأبي بكر الصديق مملوك يغل عليه، فأتاه ليلة بطعام، فتناول منه لقمة، فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني عن كلّ ليلة، ولم تسألني الليلة؟ فقال: حملني على ذلك الجوع، من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهليّة فرقيت لهم فوعدوني فلما كان من اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني فقال له: إن كدتّ تهلكني فأدخل يده في حلقه، وجعل يتقيّأ، وجعلت لا تخرج، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء، فدعا بطست من ماء فجعل يشرب ويتقيّا حتى رمى بها، فقيل له: يرحمك الله كلّ هذا من أجل هذه اللّقمة؟ قال: لولا تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل جسد نبت من سحت» فالنار أولى به فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة، وكان يسمى الأوّاه، لرأفته ورحمته، فصعد علي على المنبر، وقال: ألا أن أبا بكر أوّاه منيب القلب. وقال قيس: رأيت أبا بكر آخذا بطرف لسانه، وهو يقول: هذا أورد في الموارد وقال أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه-: يا ليتني كنت شجرة تقطع ثم تؤكل» . وقال عمران الجوني: قال أبو بكر: «لوددتّ أنّي شجرة في جنب عبد مؤمن» [ (1) ] . وروى الطبراني- ورجاله رجال الصحيح- عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا بعث رجلا منكم قرنه برجل منّا، فنحن نرى أن يلي هذا الأمر رجلان، رجل منكم، ورجل منا، فقام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان من المهاجرين، وكنّا أنصار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنحن أنصار من يقوم مقامه، فقال: أبو بكر الصديق: جزاكم الله خيرا من حيّ، يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم والله لو قلتم غير ذلك ما صالحناكم. وروى الطبراني عن عيسى بن عطية، قال: قام أبو بكر الصديق حين بويع، فخطب النّاس

_ [ (1) ] انظر الحلية لأبى نعيم 1/ 31

فقال: أيها النّاس إني قد أقلتكم رأيكم، إنّي لست بخيركم فبايعوا خيركم، فقاموا إليه فقالوا: يا خليفة رسول الله، أنت والله خير منّا، فقال: يا أيها الناس، إن الناس دخلوا في الإسلام طوعا وكرها فهم عواد الله وجيران الله فإن استطعتم أن لا يطلبنكم الله بشيء من ذمته فافعلوا إنّ لي شيطانا يحضرني فإذا رأيتموني فاجيبوني لا أمثل بأشعاركم وإنشادكم، يا أيها الناس، تفقدوا ضرائب علمائكم، إنه لا ينبغي للحم نبت من سحت أن يدخل الجنة إلا وراعوني بأنصاركم، فإن استقمت فاتّبعوني [وإن زغت فقوموني وإن أطعت الله فأطيعوني وإن عصيت الله فأعصوني] [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: إني لجالس عند أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بشهر فذكر قصة فنودي في الناس: الصّلاة جامعة، (وهي أوّل صلاة في المسلمين نودي بها أن الصلاة جامعة) [ (2) ] فاجتمع الناس وصعد المنبر شيئا صنع له كان يخطب عليه وهي أوّل خطبة في الإسلام، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيّها النّاس، لوددت أنّ هذا كفايته غيري، ولئن أخذتموني سنة نبيّكم- صلى الله عليه وسلّم- ما أطيقها، إنه كان لمعصوما من الشّيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السّماء. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن أبي مليكة، وابن أبي مليكة يدرك أبا بكر الصديق، قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن قيس بن أبي حازم- رحمه الله تعالى- قال: رأيت عمرا وبيده عسيب وهو يقول: اسمعوا وأطيعوا لخليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاء مولى لأبي بكر يقال له شديد بصحيفة، فقرأها على الناس، فقال: يقول أبو بكر: اسمعوا، وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة فو الله ما ألوتكم قال قيس: فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر [ (3) ] . وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا بكر، قل اللهم، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 186 [ (2) ] سقط في ج [ (3) ] أخرجه الإمام أحمد 1/ 37

السادس: في قدر عمره ومن صلى عليه ودفنه

الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أبا بكر، إنّي رأيتني البارحة على قليب انزع فجئت أنت ففزعت وأنت ضعيف، والله يغفر لك، ثم جاء عمر، فاستحالت غربا وضرب الناس بعطن» [ (1) ] . وروى ابن مردويه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- وتعقّب عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر، أعطاك الله الرّضوان الأكبر، قال: وما الرّضوان الأكبر؟ قال: «إن الله يتجلّى للخلق عامة ويتجلّى لك خاصّة» . وروى أبو الشيخ وأبو نعيم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر، ألا تحب قوما بلغهم أنك تحبني فأحبّوك بحبّك إيّاهم فأحبّهم؟. السادس: في قدر عمره ومن صلّى عليه ودفنه [اختلف في قدر سنه يوم مات وأشهر الأقوال وأكثرها أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر. روى أحمد وابن الجوزي في الصفوة أنه أوحى أن يدفن إلى جانب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين القبر والمنبر] . السابع: في مرضه ووفاته وذكر بعض ما رثي به: روى الحاكم عن الشّعبيّ قال: ماذا يتوقع من هذه الدنيا الدنية وقد سم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسم أبو بكر [ (2) ] . وروى الواقديّ والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان أول بدء مرض أبي بكر أنّه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة فكان يوما باردا فحمّ خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة، وتوفى ليلة الثّلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة، وكان يأمر عمر بالصّلاة. وروى ابن سعد وابن أبي الدنيا عن أبي السفر قال: لمّا دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا ندعو لك طبيبا ينظر إليك؟، قال: قد نظر إليّ، فقالوا: ما قال لك؟ قال: إنّي فعّال لما أريد [ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن أبا بكر، لما حضرته الوفاة، قال: أيّ يوم هذا؟ قالوا: يوم الاثنين، قال: فإن متّ في ليلتي هذه فلا تنتظروا بي الغد، فإنّ أحبّ الأيّام إليّ أقربها من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-.

_ [ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 9/ 74 [ (2) ] أخرجه الحاكم 3/ 64 [ (3) ] أخرجه ابن سعد 3/ 148

وروى الإمام أحمد وابن جرير عن عبد الله بن اليمن مولى الزبير بن العوام، قال: لما حضر أبو بكر تمثّلت عائشة- رضي الله تعالى عنها- بهذا البيت: أعوذك ما بقي العذار عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر ورواه ابن سعد وغيره عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر وروى أبو يعلى برجال الصحيح عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على أبي بكر فرأيت به وهو في الموت وفي لفظ: «فرأيت به الموت» ، فقلت: هيج هيج من لا يزال دمعه مقنعا ... فإنه في مرة مدفوق فقال: لا تقولي هذا، ولكن قولي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ، ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق 19] . ثم قال: في أي يوْم تُوُفِّي رسوُلُ الله- صلى الله عليه وسلّم-. قلت: يوم الاثْنين، قال: أرجو فيما بيني وبين اللّيل، فمات ليلة الثّلاثاء، ودفن قبل أن يصبح [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عنها أنها تمثّلت بهذا البيت وأبو بكر يقضي. وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل فقال: ذاك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن عساكر في تاريخه بسنده عن الأصمعي قال خفاف بن ندبة السلمي يبكي أبا بكر- رضي الله تعالى عنه-: ليس لحي فاعلمنه بقا ... وكلّ دنيا أمرها للفنا والملك في الأقوام مستودع ... عارية فالشّرط فيه الأدا والمرء يسعى وله راصد ... تندبه العين ونار الصّدا يهرم أو يقتل أو يقهره ... يشكوه سقم ليس فيه شفا أن أبا بكر هو الغيث إن ... لم تزرع الجوزاء بقلا بما تالله لا يدرك أيامه ... ذو مئزر ناش ولا ذو ردا من يسع كي يدرك أيامه ... مجتهدا شذّ بأرض فضا ومن مناقبه أنه قال لعائشة- رضي الله تعالى عنها- في مرضه: أنا مذ وليت أمر

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلي 7/ 430 والبخاري (1387) والبيهقي 4/ 31

المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا أكلنا خبز الشعير طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشيّ وهذا البعير النّاضح وهذه القطيفة، فإذا متّ فابعثي بها إلى عمر، قالت عائشة: فقلت، فلما جاء الرّسول إلى عمر بكى، وجعلت دموعه تسيل، ويقول: رحم الله أبا بكر مرّتين، لقد أتعب من بعده. ومن مناقبه ما كان من إنقاذ جيش أسامة، ومخالفته الكافّة في ترك إبعاده وقوله: كأن أخر من السماء فتخطفني الطير، وتنهشني السّباع أحب إلي أن أكون حالا لعقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول عند موته: أنقذوا جيش أسامة. ومنها قتالة أهل الرّدّة، وخروجه بنفسه. قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: وقبل عمر رأيه- رضي الله تعالى عنهما- في قتال أهل الردة. ومنها عهده إلى عمر- رضي الله تعالى عنهما- لما حضرته الوفاة، وقوله له: اتق الله، يا عمر! واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدّى لها فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحقّ في دار الدّنيا، وثقله عليهم وحقّ لميزان يوضع فيه الحقّ أن يكون ثقيلا، وإنّما خفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الباطل، وحقّ الميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا، وأن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم قلت: إني أخاف أن لا ألحق بهم، وأن الله تعالى ذكر أهل النّار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وردّ عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم، قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكن العبد راغبا وراهبا، ولا يتمنّى على الله، ولا يقنط من رحمته، فإن أنت حفظت وصيّتي فلا تكن الدّنيا أحب إليك من الموت.

الباب الثامن في بعض فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -

الباب الثامن في بعض فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في مولده ولد- رضي الله تعالى عنه- بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وأمّه حنتمة، بحاء مهملة مفتوحة فنون ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فميم، بنت هاشم. (ويقال هشام ابن المغيرة بن عبد الله، والصحيح بنت هاشم، ومن قال بنت هشام فقد أخطأ، كذا قال الزبير ابن بكّار، وقال ابن منده وأبو نعيم هي بنت هشام أخت أبي جهل، ونقله أبو نعيم عن ابن إسحاق، ومن قال: بنت هاشم كانت بنت عمّه. الثاني: فيما وجد في الكتب السابقة من صفته. روى ابن سعد عن ابن مسعود وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي عبيدة- رضي الله تعالى عنهما- قال ركب عمر بن الخطاب فرسا على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فانكشف ثوبه عن فخذه، فرأى أهل نجران بفخذه شامة سوداء فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أن يخرجنا من أرضنا. وروى أبو نعيم من طريق شهر بن حوشب عن كعب قال: قلت لعمر بن الخطاب بالشام إنه مكتوب في هذه الكتب إن هذه البلاد مفتوحة على رجل من الصّالحين، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، القريب والغريب سواء في الحق عنده، أتباعه رهبان باللّيل، وأسود بالنهار، متراحمون، متواصلون متبارزون. قال عمر: أحق ما تقول أي والله، قال: الحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- وروى ابن عساكر عن عبد الله بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطّاب كان بالجابية، فقدم خالد بن الوليد إلى بيت المقدس، فقالوا له: ما اسمك؟ قال: خالد بن الوليد: قالوا: وما اسم صاحبك؟ قال: عمر بن الخطاب، قالوا: انعته لنا قال: فنعته، قالوا: أما أنت فلست تفتحها، ولكن عمر، فإنا نجد في الكتب كل مدينة تفتح قبل الأخرى، وكل رجل يفتحها نعته، وإنا نجد في الكتب أنّ سارية تفتح قبل بيت المقدس، فاذهبوا فافتحوها، ثم تعالوا بصاحبكم. وروى ابن عساكر عن ابن سيرين، قال: قال كعب لعمر- رضي الله تعالى عنه-: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئا فانتهر، فقال: إنا نجد رجلا يرى أمر الأمة في منامه. وروى الطبراني وأبو نعيم عن مغيث الأوزاعي أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال لكعب: كيف تجد نعتي في التوراة؟ قال: خليفة قرن من حديد، أمير شديد، لا

الثالث: في قوله - صلى الله عليه وسلم - يا أخي أشركنا في دعائك، وقوله: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب".

يخاف في الله لومة لائم، ثم خليفة من بعدك، تقتله أمة ظالمون، ثم يقع البلاء بعده. وروى ابن عساكر عن الأقرع مؤذن عمر أن عمر- رضي الله تعالى عنه- دعا الأسقف فقال: هل تجدون فيّ شيئا من كتابكم؟، قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدوني؟ قال: قرنا من حديد، قال: ما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر، قال: فما الذي من بعد؟ قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال (عمر) [ (1) ] : يرحم الله ابن عفّان فما الذي من بعده؟ قال: صداء حديد، قال عمر: وادفراه قال: مهلا، يا أمير المؤمنين، فإنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء، والسيف مسلول. روى الدينوري في «المجالسة» وابن عساكر من طريق زيد بن أسلم قال: أخبرنا عمر بن الخطاب قال: خرجت مع ناس من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية فلما خرجنا إلى مكة نسيت قضاء حاجة فرجعت فقلت لأصحابي: ألحقكم فوالله إني لفي سوق من أسواقها إذا أنا بطريق قد جاء فأخذ بعنقي فذهبت أنازعه فأدخلني كنيسته فإذا تراب متراكب بعضه على بعض فدفع إليّ مجرفة وفأسا وزنبيلا وقال: انقل هذا التراب فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع فأتاني في الهاجرة فقال لي: لم أرك أخرجت شيئا ثم ضم أصابعه فضرب بها وسط رأسي فقمت بالمجرفة فضربت بها هامته فإذا دماغه قد انتثر ثم خرجت على وجهي ما أدري أين أسلك فمشيت بقية يومي وليلتي حتى أصبحت فانتهيت إلى دير فاستظللت في ظله فخرج إلي رجل فقال: يا عبد الله ما يجلسك هاهنا قلت: أضللت عن أصحابي فجاءني بطعام وشراب وصعد في النظر وخفضه ثم قال: يا هذا قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب وإني أجد صفتك الذي تخرجنا من هذا الدير وتغلب على هذه البلدة فقلت له: أيها الرجل قد ذهبت في غير مذهب قال: ما اسمك قلت: عمر بن الخطاب قال: أنت والله صاحبنا وهو غير شك فاكتب لي على ديري وما فيه قلت: أيها الرجل قد صنعت معروفا فلا تكدره؟ فقال: اكتب لنا كتابا من رقّ ليس عليك فيه شيء، فإن تك صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى فليس يضرك، قلت: هات وكتبت له، ثم ختمت عليه فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الرّاهب، وهو صاحب دير القدس بذلك الكتاب، فلما رآه عمر تعجب منه وأنشأ يحدثنا حديثه، فقال: أوف لي بشرطي، فقال عمر: ليس لعمر ولا لابن عمر منه شيء. الثالث: في قوله- صلى الله عليه وسلم- يا أخي أشركنا في دعائك، وقوله: «اللهم أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب» .

_ [ (1) ] سقط في ج

روى الإمام أحمد وغيره وابن سعد وابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا أخي أشركنا في دعائك وفي لفظ «في صالح دعائك ولا تنسنا» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: استأذنت النبي- صلى الله عليه وسلم- في العمرة فأذن لي، وقال: لا تنسنا يا أخي من دعائك، فقال لي كلمة ما سرّني أن لي بها الدّنيا. وروى الحاكم وابن عساكر والطبراني في الكبير- عن ثوبان، وابن عساكر عن عليّ والزّبير، وأبو داود الطيالسي والنسائي والإمام أحمد عن ابن مسعود وابن ماجة وابن عدي في الكامل والحاكم والبيهقي عن عائشة، وابن عساكر عن الزبير بن العوام، والسّدي عن ربيعة السّعدي والحاكم والطبراني في الكبير عن ابن مسعود والإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وعبد بن حميد، وابن سعد وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية، والبغويّ عن ربيعة السّعدي وابن عساكر عن ابن عمر، والبزّار عن أنس عن خبّاب وابن سعد عن سعيد بن المسيب مرسلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم أعزّ» وفي لفظ: «أيّد الإسلام بعمر بن الخطاب، وفي لفظ: «خاصّة» ، وفي لفظ: «اللهمّ، أعز عمر بن الخطاب» ، وفي لفظ: «بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطاب» ، وفي لفظ: «بأحبّ الرّجلين» ، وفي لفظ: «هذين الرّجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام» . وروى أبو نعيم في الحلية- عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر- رضي الله تعالى عنه- كان يقول: والله، ما نعنى بلذّات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزّبيب فينبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار ملء عين اليعقوب، أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكنّا نريد أن نستبقي طيّباتنا، لأنّا سمعنا الله تعالى يقول: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا [الأحقاف 20] [ (1) ] . وروى عبد بن حميد عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ عمر لمّا قدم الشّام صنع له طعام لم ير قبله مثله، فقال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال خالد: لهم الجنّة، فأزرفت عينا عمر. فقال: لئن كان حظّنا من هذا الطعام، وذهبوا بالجنة، فقد بانوا بوانا بعيدا. وروى الحاكم والتّرمذي والطبراني والضياء عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال:

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 49

«أتاني جبريل، فقال: أقرئ عمر السّلام وقل له إنّ رضاه حكم، وإنّ غضبه عزّ» [ (1) ] . وروى الحكيم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أتاني جبريل، فقال: أقرئ عمر السّلام، وأخبره أن غضبه عزّ، ورضاه عدل. وروى الحاكم في تاريخه، وأبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب، والدّيلمي، وابن النجار، عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب. وروى أبو داود والطبراني والحاكم عن أبي رمثة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «أصاب الله بك يا ابن الخطاب» . وروى النّسائي وابن منده وابن عساكر عن واصل مولى عيينة، قال: كانت امرأة عمر اسمها عاصية فأسلمت، فقالت لعمر: قد كرهت اسمي فسمّني فقال: أنت جميلة، فغضبت وقالت ما وجدتّ اسما سمّيتني إلا اسم أمة، فأتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إني كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فقالت: يا رسول الله، قلت لعمر: سمّني: فقال: أنت جميلة فغضبت، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أما علمت أن الله عز وجل عند لسان عمر وقلبه. ورواه ابن عساكر في التاريخ والنسائي عن بلال وابن عساكر عن أبي بكر الصديق بلفظ: «إن الله جعل الحقّ في قلب عمر، وعلى لسانه» . وروى ابن (عساكر عن أبي ذر بلفظ: «إن الله جعل السّكينة على لسان عمر وقلبه يقول بها» .) ورواه ابن سعد عن أيّوب بن موسى مرسلا «إن الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق الله به بين الحقّ والباطل» . ورواه الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي، وقال: حسن صحيح، والطبراني عن ابن عمرو عن بلال والإمام أحمد وأبو داود وأبو يعلى والرّوياني والحاكم والضياء عن أبي ذرّ، وتمام وابن عساكر عن أبي سعيد والإمام أحمد وأبو يعلى وتمّام والحاكم وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، والطبراني عن معاوية بلفظ: «إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه» . وروى الطبراني عن سديسة عن مولاة حفصة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الشّيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خرّ لوجهه» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي 9/ 72 [ (2) ] أخرجه الطبراني 9/ 73

وروى ابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الشّيطان يفرّ من عمر بن الخطاب» . وروى ابن عدي وابن عساكر عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله عز وجل باهى الملائكة عشيّة يوم عرفة بعمر بن الخطاب» . وروى ابن عساكر عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من (أغضب) [ (1) ] عمر فقد أغضبني، ومن أحبّ عمر فقد أحبّني، وإن الله باهى عشيّة يوم عرفة بالناس عامّة، وإنّ الله باهى بعمر خاصّة، وإنّه لم يبعث نبيّ قطّ إلا كان في أمته (من يحدّث) » [ (2) ] . وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر، وقيل: كيف يا رسول الله يحدث؟ قال: يتحدث الملائكة على لسانه. وروي الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنه عليه- الصلاة والسّلام- قال: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر» . قال ابن وهب: محدّثون: أي ملهمون. وقال ابن عيينة معناه: مفهمون. وروى ابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «مه عن عمر، فوالله ما سلك عمر واديا قطّ، فسلكه الشّيطان» . وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «نزل الحقّ على لسان عمر وقلبه» . وروى الطبراني في الكبير- عن سلمة بن مالك الخطمي، وابن عدي في الكامل- عن أبي هريرة وابن عمر معا- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ويحك إذا مات عمر، فإن استطعت أن تموت فمت» . وروى الديلمي عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: «لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن» . وروى الطبراني في «الكبير» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال

_ [ (1) ] في ج: «أبغض» [ (2) ] في ج «محدث»

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «يا ابن الخطّاب، أتدري مما تبسمت إليك إذا الله عز وجل باهى ملائكته ليلة عرفة بأهل عرفة عامّة وباهى بك خاصّة» . وروى أبو نعيم في الحلية وابن جرير عن سعيد بن جبير مرسلاً أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «عمر ارجع، فإن غضبك عزّ، ورضاك حكم، إن لله في السّموات السبع ملائكة يصلون له غني عن صلاة فلان» قال عمر: فما صلاتهم؟ فلم يردّ على شيء، فأتاه جبريل، فقال: يا نبي الله، يسألك عن صلاة أهل السماء، قال: نعم، فقال: اقرأ على عمر السلام، وأخبره أن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية ركوع يقولون: سبحان ذي العزّة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان الحيّ الذي لا يموت» . وروى أبو نعيم وابن عساكر عن عقيل بن أبي طالب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عمر إنّ غضبك عزّ، ورضاك حكم» . وروى الديلمي عن عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عائشة، ما من أصحابي أحد إلّا وقد غلبه شيطانه إلا عمر، فإنّه غلب الشّيطان» . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: صحيح وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الأوسط والضّياء وابن منيع والحارث عن أنس، والطيالسي والإمام أحمد والشيخان وابن حبان وأبو عوانة عن جابر، والإمام أحمد عن عبد الله بن بريرة عن أبيه، والإمام أحمد وأبو يعلى والرّويانيّ وأبو بكر في الغيلانيات عن معاذ وابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب» ، وفي لفظ: «فرأيت فيها دارا وقصرا» فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب وفي لفظ: «لشابّ من قريش فظننت أنّي أنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب، فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته، وفي لفظ: «فأردتّ أن أدخله فذكرت غيرة أبي حفص، فقال عمر: أو عليك أغار يا رسول الله، هل هذا في الله إلا بك؟ وهل رفعني الله إلا بك؟ وهل منّ عليّ إلا بك» ؟. وروى الإمام أحمد والشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرّميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة أمامي فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا بلال، ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا القصر؟ قال: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فذكرت غيرتك» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (3679)

وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «رضي الله عن عمر، ورضي عن من رضي عنه» . وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر وابن عساكر والحاكم عن المصعب بن جثامة وأبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة» . وروى ابن عدي والطبراني في الكبير وأبو نعيم في فضائل الصّحابة وابن عساكر عن ابن عباس عن أخيه الفضل- رضي الله تعالى عنهم- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عمر معي، وأنا مع عمر» وفي لفظ: «عمر مني وأنا من عمر والحقّ بعدي مع عمر حيث كان» . وروى ابن عدي عن سعيد بن جبير عن أنس، وابن شاهين وابن عساكر عن سعيد بن جبير مرسلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قال لي جبريل: أقرئ عمر السّلام وأعلمه أن رضاه حكم، وغضبه عدل» . وروى أبو بكر الآجرّيّ في الشّريعة، والحاكم، وتعقبّه وأبو نعيم في «فضائل الصحابة» أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لمّا أسلم عمر أتاني جبريل، فقال: قد استبشر أهل السّماء بإسلام عمر» . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن غريب، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير والرّوياني والبيهقي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عامر، والطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطاب» . وروى الترمذي وضعّفه والبزّار والدّارقطنيّ في الإفراد والحاكم وتعقّب، وابن عساكر عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما طلعت الشمس على أحد، وفي لفظ: «على رجل خير» وفي لفظ: «أفضل من عمر» . وروى ابن عدي وأبو نعيم في فضائل الصحابة والديلمي وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما في السماء ملك إلّا وهو يوقّر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرّ من عمر» . وروى الدارقطني في الإفراد- وابن منده وابن عساكر عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خرّ لوجهه» .

الرابع: في موافقاته،

وروى الحاكم عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما لقي الشّيطان عمر في فج فسمع صوته إلا أخذ غير فجّه» . الرابع: في موافقاته، وهي آية الحجاب وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة 125] وعَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ [التحريم 5] وفَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون 14] والاستئذان وأسارى بدر وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التوبة 84] ووصيته وكرامته ووفاته، وثناء الصّحابة عليه، وأن موته ثلمة في الإسلام. وروى أبو داود الطيالسي، وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وهو صحيح عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة 125] وقلت: يا رسول الله، لو ضربت على نسائك الحجاب، فإنّه يدخل عليهنّ البرّ والفاجر، فأنزل الله تعالى وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الأحزاب 53] ، ونزلت هذه الآية وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ إلى قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون 14] . فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ/ [المؤمنون 14] ودخلت على أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت لهن: لتنتهين أو ليبدّلنّه الله أزواجا خيرا منكنّ فنزلت هذه الآية عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ [التحريم 5] . وروى سعيد بن منصور، والإمام أحمد والدارقطنيّ والدّارميّ والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن أبي عاصم وابن جرير والطّحاويّ وابن حبّان والدارقطنيّ في الإفراد، وابن شاهين في السنة، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية- والبيهقي عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: وافقت ربي في ثلاث قلت: يا رسول الله، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة 125] ، وقلت: يا رسول الله، إنّ نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر، فلو أمرتهنّ أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- نساؤه من الغيرة فقلت: عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدّله أزواجا خيرا منكنّ فنزلت كذلك [التحريم 5] . وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «ما نزل بالنّاس أمر قطّ، فقالوا فيه، وقال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر» . ومن كراماته قصة سارية المشهورة حيث كان يخطب يوم الجمعة في السّنة التي مات فيها، فقال في أثناء كلامه: يا سارية بن الحصين، الجبل الجبل، فنظر النّاس بعضهم إلى بعض فلم يفهموا ما قال، فقال له عليّ لمّا نزل: ما هذا الكلام الذي قلته؟ قال: وقد سمعتني قال:

سمعتك أنا وكلّ من في المسجد، فقال: رأيت أصحابنا (بنهاوند) [ (1) ] وقد أحاط بهم العدو، وهناك جبل فإن اعتصموا إليه سلموا وظفروا، وإلّا فيهلكوا فجاء البشير بعد شهر بخبر نصر المسلمين، وأنهم سمعوا في ذلك الوقت صوتا يشبه صوت عمر، يا سارية بن حصين، الجبل الجبل، فعدلوا إليه، فانتصروا وظفروا، فكشف له عن حال السّرية حتى عاينهم ببصره وارتفع بصره وصوته إلى أن سمعوه في ذلك الوقت، فلما جاءه البشير أخبره بذلك. وفتح على يديه فتوحات كثيرة منها بيت المقدس، ومن مناقبه قوله «لو أنّ جملا من ولد الضّأن، ضاع على شط الفرات لخفت أن يسألني الله تعالى عنه» ومنها: تواضعه مع رفعة قدره وجلالة منصبه ومنها أنه كان في عام الرمادة يصوم النهار، فإذا أمسى أتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد الخبز ثم قال: ويحك تأمرنا، ارفع هذه الجفنة حتّى تأتي بها أهل بيت معترّين فضعها بين أيديهم، وقد حلف في ذلك العام أن لا يأكل سمنا ولا سمينا حتّى يأكل النّاس، وما أثر عنه من كلماته وجدنا علينا الصّبر، إنّ الطّمع فقر واليأس عزّ. جالس التّوّابين فإنّهم أرق شيء أفئدة. كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم، واسألوا رزق يوم بيوم. وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ومهّدوا لها قبل أن تعذّبوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. لو أنّ مثل الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه. والذي نفسي بيده لوددتّ أنّي خرجت منها- يعني الخلافة كما دخلت فيها لا أجرا ولا وزرا. ولو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنّكم داخلون الجنّة إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو، ولو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنّكم داخلون النّار كلّكم إلا رجلاً واحداً لرجوت أن أكون أنا هو. وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلّون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم تر عيني إلا رجلا وقد أخذ بمنكبيّ من ورائي فالتفتّ، فإذا هو علي بن أبي طالب فترحم على عمر، وقال: ما خلق الله أحدا أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله، إن كنت لأظنّ أن يجعلك مع

_ [ (1) ] سقط في ج

صاحبيك وذلك أني كنت كثيرا أسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأظنّ أن يجعلك الله معهما» . رواه مسلم عن أبي بكر. وروى مسلم في صحيحه والحافظ والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- أصاب أرضا بخيبر، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت أرضا، والله ما أصبت مالا قطّ هو أنفس عندي منها فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: إن شئت تصدّقت بها وحبست أصلها، فقال: فجعلها عمر صدقة لا تباع، ولا توهب، ولا تورث فتصدّق بها على الفقراء وذي القربى وفي سبيل الله، قال ابن عوف: احبسه قال: والضّيف ولا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف، ويطعم صديقا غير متموّل، قال ابن عوز: فذكرته لابن سيرين فقال: «غير متأثل مالا» . وروى [البخاري] أن عمر- رضي الله تعالى عنه- تصدّق بماله على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يقال له: ثمغ وكان نخلا فقال عمر: يا رسول الله، إني استنفدت مالا وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «تصدّق بأصله لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ولكن تنفق ثمرته فتصدّق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله، وفي الرّقاب، والمساكين، والضيف وابن السبيل، ولذوي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به» [ (1) ] . وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد أنّ صدقة عمر- رضي الله تعالى عنه- نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمرته حيث أراها الله، فإن توفّيت فإنه إلى ذي الرّأي من أهله، وفي لفظ: «من ولدي» لا يشرى أصله أبدا، ولا يوهب من وليه فلا حرج عليه في ثمره، إن أكل أو آكل صديقا غير متأثل مالا فما عفا عنه من ثمره، فهو للسائل والمحروم، والضيف، وذوي القربى، وابن سبيل وفي سبيل الله، تنفقه حيث أراها الله عز وجل من ذلك فإن توفيت فإلى ذي الرأي من ولدي والمائة الوسق الذي أطعمني محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالوادي بيدي، لم أهلكها فإنه مع [ثمغ] على سنته التي أمرت بها، وإن شاء لي ثمغ اشترى من ثمره رقيقا لعمله، وكتب معيقيب وشهد عبد الله ابن الأرقم، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين: إن حدث به حدث إن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه، والمائة سهم الذي بخيبر، ودقيقه الذي

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (2764)

فيه، والمائة يعني الوسق الذي أطعمه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذوو الرّأي من أهلها، لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى في السائل والمحروم، وذوي القربى، ولا حرج على وليه إن أكل أو آكل أو اشترى له رقيقا منه» [ (1) ] . وروى الطبراني من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم- رحمه الله تعالى- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال للسّتّة الذين خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو عنهم راض، بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فمن أبى فاضربوا عنقه» . وروى أن سعيد بن زيد- رضي الله تعالى عنه- بكى عند موت عمر- رضي الله تعالى عنه- فقيل: ما يبكيك؟ فقال: على الإسلام أبكي، إنّه بموت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة» [ (2) ] . وروى [ابن سعد في الطبقات] عن زيد بن وهب- رحمة الله تعالى- قال: أتينا عبد الله بن مسعود فذكر عمر فبكى حتى ابتلّ الحصى من دموعه، وقال: إنّ عمر كان حصنا حصينا للإسلام، يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه فلما مات أثلم الحصن فإذا الناس يخرجون عن الإسلام ولا يدخلون فيه. وروي عن أبي وائل- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم علينا عبد الله بن مسعود ينعي إلينا عمر، فلم أر يوما كان أكثر باكيا ولا حزينا منه، ثم قال: والله لو أعلم أن عمر كان يحبّ كلبا لأحببته، والله إني أحسب العضاة قد وجد فقد عمر [ (3) ] . وروى عنه قال: قال عبد الله: لو أنّ علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر» . وروى عن إبراهيم عن عبد الله قال: إنّي لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم، قال: كان عمرا أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله، وكان إسلامه فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت خلافته رحمة. وروي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال أبو طلحة الأنصاري: والله ما أهل بيت من المسلمين إلّا وقد دخله في موت عمر نقص في دينهم ودنياهم» .

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي 6/ 159 [ (2) ] انظر طبقات ابن سعد 3/ 284 [ (3) ] انظر طبقات ابن سعد 3/ 284

الخامس: في وفاته، وأنه قتل فهو شهيد.

وروى أنّ حذيفة قال: «إنما كان مثل الإسلام أيّام عمر مثل امرئ مقبل: لم يزل في قتال، فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار» وروى أنّ عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: من رأى ابن الخطاب علم أنّه خلق عونا للإسلام، كان والله، أحوذيا، نسيج وحده، وقد أعدّ للأمور أقرانها. وروى عنه عنها «إذا ذكرتم عمر طال المجلس» . وروى عن طارق بن شهاب قال: قالت أم أيمن- رضي الله تعالى عنها- يوم أصيب عمر- رضي الله تعالى عنه-: اليوم وهي الإسلام، قال الشّعبيّ: إذا اختلف النّاس في شيء فأنظر كيف صنع عمر، فإن عمر لم يكن يصنع شيئا حتّى يشاور. قال قتيبة بن جابر: صحبت عمر فما رأيت أقرأ منه لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن دراسة منه. قال الحسن البصريّ: إذا أراد أحد أن يطيّب المجلس، فأفيضوا في ذكر عمر. وروى عنه أنه قال: أيّ أهل بيت لم يجدوا فقده فهم أهل بيت سوء، وقال طلحة بن عبيد الله: كان عمر أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة. وقال سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه-: قد علمنا بأيّ شيء فضلنا عمر، كان أزهدنا في الدنيا، ودخل على ابنته حفصة- رضي الله تعالى عنها- فقدّمت له مرقا وصبّت عليه زيتا، فقال: إدامان في إناء واحد لآكله حتى ألقى الله عز وجل» . وقال أنس- رضي الله تعالى عنه-: لقد رأيت في قميص عمر- رضي الله تعالى عنه- أربع رقاع بين كتفيه وعن أبي عثمان رأيت عمر- رضي الله تعالى عنه- يرمي الجمار وعليه إزار مرقوع بقطعة من أدم وعن غيره أن قميص عمر كان فيه أربع عشرة رقعة أحدها من أدم» . الخامس: في وفاته، وأنه قتل فهو شهيد. وقد روى البخاري عن حفصة قالت: قال عمر- رضي الله تعالى عنه-: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، وميتة في بلد رسولك- صلى الله عليه وسلم- وذكر قاتله كما ختم الله له بالشّهادة حين طعنه العلج أبو لؤلؤة فيروز، غلام للمغيرة بن شعبة، وهو كامن له في زوايا المسجد، وعمر قام يصلّي في صلاة الصّبح عند إحرامه، بسكين مسمومة ذات طرفين في كتفه وخاصرته، قال: الحمد لله الذّي لم يجعل ميتتي على يد أحد يدّعي الإسلام. وطعن معه ثلاثة عشر رجلا فمات سبعة وعاش الباقون، فطرح عليه برنس، فلما أحسّ أنّه مقتول قتل نفسه وفي رواية

تنبيهان:

«فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا فلما اعتم قتل نفسه وشرب عمر لبنا فخرج من جوفه فعلم أنّه ميّت فأشاروا عليه بالوصيّة فجعل الخلافة شورى بين عليّ، وطلحة والزّبير، وسعد، وعبد الرّحمن، وعثمان بن عفان وقال: لا أعلم أحدا أحق من هؤلاء الذين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو عنهم راض، وقال: يؤمّر المسلمون أحد هؤلاء لا أعلم أحدا أحق من هؤلاء الستة وحسب الدين الذي كان عليه فوجده ستّة وثمانين ألفا أو نحوه، فقال لابنه عبد الله: إن وفّى ما لي دين عمر، فأدّوه منه، وإلا فسل من بني عدي، فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم، ثم بعث ابنه عبد الله إلى عائشة- رضي الله تعالى عنها- فقال: قل: يقرأ عمر عليك السّلام ولا تقل: أمير المؤمنين. فلست اليوم أميرهم، وقل: ليستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فجاء وسلّم واستأذن فدخل فوجدها تبكي، فقال لها: فقالت: كنت أراه لنفسي ولأوثرنّه اليوم على نفسي، فلمّا أقبل عبد الله من عندها، قيل لعمر: هذا عبد الله، قال: ارفعوني فأسنده رجل، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحبّ، قال: قد أذنت، قال: الحمد لله ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك. فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلّم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين، وأوصاهم أن يقتصدوا في كفنه ولا يتعالوا وطعن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وغسّله ابنه عبد الله، وحمل على سرير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وصلّى بهم عليه صهيب وكبّر أربعا، ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وقيل: توفي لأربع بقين من ذي الحجّة، وقيل: لثلاث، وقيل: لليلة، وتوفّي وهو ابن ثلاث وستّين سنة على الصحيح المشهور، ثبت ذلك في الصحيح عن معاوية بن أبي سفيان وقال الجمهور: والصّحيح أن سنه- صلى الله عليه وسلّم- وأبي بكر وعمر، وعلي، وعائشة ثلاث وستّون، ونزل في قبره ابنه عبد الله وعثمان وسعيد بن زيد وهو أول من اتخذ الدّرّة، وفتح الله في ولايته بيت المقدس، و «دمشق» ، وزنيم «قرقيسيا» والسوس واليرموك، ثم كانت وقعة الجابية و «الأهواز» ، وكورها على يدي أبي موسى الأشعري «وجلولاء» سنة تسع عشرة، وأميرها سعد بن أبي وقاص وقيساريّة، وأميرها معاوية، ثم وقعة باب النون وأميرها عمرو بن العاص، ثم وقعة «نهاوند» سنة إحدى وعشرين، وأميرها النّعمان بن ميمون المزني، ثم فتح الله الأهواز سنة اثنتين وعشرين، وأميرها المغيرة بن شعبة، وكانت «إصطخر» الأولى وهمذان سنة ثماني عشرة، وحج بالنّاس عشر سنين متواليات. تنبيهان: الأوّل: قوله إلا سلك فجّاً غير فجّك، الفجّ، بالفاء والجيم: الطريق الواسع.

قال الكرماني: إن قلت: يلزم أن يكون أفضل من أيوب ونحوه إذ قال: مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [ص 41] قلت: لا إذ التّركيب لا يدلّ إلا على الزمن الماضي، وذلك أيضا مخصوص بحال الإسلام فليس على ظاهره، وأيضا هو مقيد بحال سلوك الطريق، فجاز أن يلقاه على غير تلك الحالة انتهى، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وأعوانه من عمر، وأنّه لا سبيل له عليه أي إنّك إذا سلكت في أمر بمعروف أو نهي عن منكر تنفذ فيه ولا تتركه، فليس للشيطان أن يوسوس فيه فيتركه، ويسلك غيره، وليس المراد والطّريق على الحقيقة، لأنّه تعالى قال: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف 27] فلا يخافه إذا لقيه في فجّ لأنه لا يراه. انتهى. الثاني: في بيان غريب ما سبق (.......)

الباب التاسع في بعض فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه -

الباب التاسع في بعض فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في مولده. ولد في السّنة السّادسة بعد الفيل، بويع له بالخلافة غرّة المحرّم سنة أربع وعشرين، وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا ليالي. الثاني: في أنّه أحد العشرة المبشرة بالجنة وأحد السّتّة أصحاب الشّورى التي جعلها عمر- رضي الله تعالى عنه- بينهم، وقال: لا أحمل أمركم حيّا وميّتا وإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خير هؤلاء كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: ما أظنّ النّاس يعدلون بعثمان وعليّ أحدا إنّهما كانا يكتبان الوحي بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلّم- وهم: عثمان، وعليّ، وطلحة، والزّبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فلما مات عمر- رضي الله تعالى عنه- وأحضرت جنازته تبادر إليه علي وعثمان أيّهما يصلّي عليه فقال لهما عبد الرحمن بن عوف: لستما من هذا في شيء، إنّما هذا في صهيب الذي أمره أمير المؤمنين عمر يصلّي بالناس فتقدم صهيب- وصلى عليه فلمّا فرغ شأن عمر- رضي الله تعالى عنه- جمعهم المقداد بن الأسود في بيت المسور بن مخرمة، وقيل: في حجرة عائشة، وقيل: في بيت المال، وقيل: في بيت فاطمة بنت قيس، والأوّل أشبه، وقام أبو طلحة يحجبهم، ثم صار الأمر إلى أن فوّض الأمر الزبير إلى علي وسعد إلى عبد الرحمن بن عوف، وطلحة لعثمان، ثم قال عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه-: فإني أترك حقّي من ذلك والله على أن أجتهد والإسلام، فأولي أولا كما بالحقّ، فقالا: نعم، ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق أن ولاه ليعدلنّ، ولئن ولّي عليه ليسمعنّ، فقال كل منهما: نعم، ثم نهض عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- يتشير النّاس فيهما، ويجتمع برؤوس النّاس وغيرهم مثنى وفرادى، وجمعا وأشتاتا، سرّا وجهرا، حتى خلص إلى النّساء المخدّرات في حجابهنّ، وحتى سأل الولدان في المكاتب، وحتّى سأل من يرد من الرّكبان والأعراب إلى المدينة في مدّة ثلاثة أيّام بلياليهنّ، فلم يجد اثنتين مختلفين في تقديم عثمان إلا ما ينقل عن عمّار والمقداد، فإنهما أشارا لعلي بن أبي طالب، ثم بايعا مع النّاس، فسعى عبد الرحمن في تلك الأيام، واجتهد اجتهادا كثيرا، ثم صعد منبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام على الدّرجة الّتي يجلس عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ووقف وقوفا طويلا ودعا دعاء طويلا، ثم قال: أيّها الناس، قد سألتكم سرّا، وجهرا، مثنى وفرادى، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين

الثالث: في استحياء النبي - صلى الله عليه وسلم - منه.

الرّجلين، فقم إليّ يا عليّ، فقام إليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن بيده، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيه- صلى الله عليه وسلّم- وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال: اللهمّ لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فأرسل يده، وقال: قم يا عثمان، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلّم- وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم، قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال: اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم إنّي قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان، وازدحم النّاس يبايعون عثمان وبايعه علي بن أبي طالب أوّلا، ويقال آخرا، هذا الذي يجب الاعتماد إليه، وأمّا ما هو مسطور في كتب المؤرّخين وأرباب السّير فلا يعرّج عليه، ثم إنّ عثمان- رضي الله تعالى عنه- لما بويع رقى إلى منبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد العصر أو قبل الزّوال يومئذ وعبد الرحمن جالس في رأس المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسوله- صلى الله عليه وسلم- وقال: أيها الناس: إنكم في بقيّة آجالكم، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، ولا تغرّنّكم الحياة الدّنيا، ولا يغرّنّكم بالله الغرور، واعتبروا بمن مضى من القرون وانقضى ثم جدّوا ولا تغفلوا أين أبناء الدنيا وإخوانها؟ أين الذين شيّدوها وعمّروها وتمتّعوا بها طويلا؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله عز وجل، واطلبوا الآخرة حيث رغب الله- عز وجل- فيها، فإن الله- سبحانه وتعالى- قد ضرب لكلّ مثلا، فقال سبحانه وتعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف 45] . وفي لفظ: لمّا بويع له خرج إلى الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، اتّقوا الله، فإن تقوى الله غنم، وإنّ أكيس النّاس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وفي خطبة أخرى: قال ابن آدم اعلم أن ملك الموت الذي وكلّ بك لم يزل يخلفك ويتخطّاك إلى غيرك منذ أتيت في الدّنيا، وكأنّه قد تخطى غيرك إليك وقصدك فخذ حذرك واستعدّ له ولا تغفل، فإنه لا يغفل عنك، واعلم أنك إن غفلت عن نفسك ولم تستعد فلا بد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك، والسّلام. وفي أخرى: إن الله أعطاكم الدّنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطيكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، فلا تشتغلوا بالفانية عن الباقية وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإنّ الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله، واتّقوا الله فإنّ تقواه جنّة من عذابه ووسيلة عنده، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء، فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا. الثالث: في استحياء النبي- صلى الله عليه وسلم- منه. روى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد بن العاص أخبره أنّ عائشة- رضي الله تعالى

عنهما- أخبراه أن أبا بكر استأذن على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع على مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته. ثم انصرف، فاستأذن عمر فأذن له، وهو على تلك الحالة، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثمّ استأذنت عليه فجلس وقال: اجمعي عليك ثيابك، فقضيت إليّ حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما لي أراك لم تفزع لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّ عثمان رجل حييّ وإنّي خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلى حاجته» [ (1) ] . وروى مسلم من حديث الليث بن سعد وصالح بن كيسان عن الزّهريّ ومن حديث محمد بن أبي حرملة عن عطاء وسليمان بن يسار وأبي سلمة عن عائشة وأبو يعلى من حديث سهيل عنها، والطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- وهو غريب- قالوا: بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جالس وعائشة وراءه استأذن أبو بكر فدخل، ثم استأذن عمر فدخل، ثم استأذن سعد بن أبي وقّاص فدخل، ثم استأذن عثمان بن عفّان ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتحدث كاشفا عن ركبتيه فغطّاهما حين استأذن عثمان، وقال لعائشة: استأخري فتحدثوا ساعة ثم خرجوا، قالت عائشة: يا رسول الله، دخل أبي وأصحابه فلم تصلح ثوبك على ركبتيك ولم تؤخّرني عنك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، والذي نفس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده، إنّ الملائكة تستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله، ولو دخل وأنت قريبة منّي لم يتحدّث ولم يرفع رأسه حتى يخرج» [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الحلية- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أشد الناس حياء عثمان بن عفان، وفي لفظ: «عثمان أحيى أمّتي وأكرمها» . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ عثمان رجل حييّ» . وروى أبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن عثمان حييّ ستّير» . وروى ابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: عثمان حييّ تستحي منه الملائكة. وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-:

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 71 [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1866 (36- 2401)

الرابع: في دعائه - صلى الله عليه وسلم - له وتجهيزه جيش العسرة وغير ذلك

«مرّ بي عثمان بن عفان، وعندي جيل من الملائكة، فقالوا: شهيد من الأمّيّين يقتله قومه إنا لنستحي منه» . الرابع: في دعائه- صلى الله عليه وسلم- له وتجهيزه جيش العسرة وغير ذلك روى ابن عساكر عن عائشة وأبو نعيم وابن عساكر عن علي وأبي سعيد، وابن عساكر عن يوسف بن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه عن جده وابن عساكر عن ليث بن أبي سليم مرسلا، وابن عساكر عن زيد بن أسلم والطبراني في الأوسط- وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنهم- وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهمّ ارض عن عثمان» وفي لفظ «رضيت عن عثمان فارض عنه ثلاثا» ، وفي لفظ «أن عثمان يترضّاك فارض عنه» وفي لفظ «بعث عثمان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بناقة هيباء، فقال: «اللهم، جوّزه على الصراط» وفي لفظ «اللهم، اغفر لعثمان ما أقبل وما أدبر وما أخفى وما أعلن، وما أسرّ وما أجهر» ، وفي لفظ «غفر الله لك يا عثمان ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أخفيت، وما أبديت، وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة» . وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جيش العسرة جاء عثمان بألف دينار فصّبها في حجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم لا تنس لعثمان ما عمل بعد هذا» [ (1) ] . وروى الطبراني عن أم سلمة عن بشر بن بشير الأسلميّ عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا قدم المهاجرون المدينة اشتكوا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمدّ، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلّم-: بعنيها بعين من الجنة فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها لا أستطيع ذلك، فبلغ ذلك عثمان- رضي الله تعالى عنه- فاشتراها منه بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أتجعل لي الذي جعلته له عينا في الجنة؟ قال: نعم، قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. وروى الإمام أحمد واللفظ له وابن ماجه مختصرا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاء عثمان، فاستأذن، فأذن له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فناجاه طويلا، ثم قال: يا عثمان إن الله عز وجل- يقمصك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة يقولها مرتين أو ثلاثا [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 59 [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 75

وروى ابن عدي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعثمان: «يا عثمان، إنّك ستبوء بالخلافة من بعدي، وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها وصم في ذلك تفطر عندي» . وروى الحاكم عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إنّ عثمان ليتحوّل من منزل إلى منزل فتبرق له الجنة [ (1) ] . وروى الخطيب في المتّفق وابن عساكر عن طلحة بن عبيد الله وابن عساكر عن أبي هريرة وابن عساكر عن عائشة والطبراني في الكبير عن ابن عمر، والإمام أحمد والترمذي، وقال: حسن غريب، والطبراني والإمام أحمد عن النعمان بن بشير وعائشة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعثمان: «يا عثمان، إن الله يقمّصك قميصا» وفي لفظ «أن كساك الله قميصا يريدك» وفي لفظ «فأرادك الناس على خلعه» وفي لفظ «فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني» ، وفي لفظ «فإن أنت خلعته لم تر رائحة الجنة» وفي لفظ «فو الله لئن خلعته لا ترى الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط» . وروى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى عثمان بن عفّان، فأقبل على عثمان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأقبلت إحدانا على أخرى فكان في آخر كلامه أن ضرب منكبيه، وقال: يا عثمان، عسى أن يلبسك الله قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني، وفي لفظ: كأن من آخر كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ضرب منكب عثمان، وقال: يا عثمان، عسى أن يلبسك الله قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني. وروى الخطيب في المتفق والمفترق وابن عساكر عن طلحة بن عبيد الله والترمذي وضعفه وأبو يعلى وابن عساكر عن طلحة بن عبيد الله وابن ماجة وابن عدي وابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لكلّ نبيّ» وفي لفظ «لكل نبيّ رفيق في الجنّة ورفيقي فيها» وفي لفظ «وإنّ رفيقي في الجنة» عثمان بن عفان [ (2) ] . وروى ابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء وابن عساكر والديلمي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّا لنشبه عثمان بأبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام» .

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي 3/ 27 [ (2) ] أخرجه الترمذي (3698) وابن ماجة (109) والكنز (32855)

وروى ابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ليشفعنّ عثمان بن عفان في سبعين ألفاً من أمّتي قد استوجبوا النار حتّى يدخلهم الله الجنة» . وروى الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن عفان الدوسي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان، فقال: يا بنيّة، أحسني إلى أبي عبد الله، فإنّه أشبه أصحابي بي خلقا. وروى الطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك الخطمي، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «زوّجوا عثمان، ولو كانت لي ثالثة لزوّجته، وما زوّجته إلا بوحي من الله تعالى» . وروى أبو يعلى والبيهقي والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنّ عثمان هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: صحبهما الله عز وجل إنّ عثمان أول من هاجر بعد لوط. وروى أبو يعلى وابن عساكر عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عثمان ولييّ في الدّنيا ووليّ في الآخرة» . وروى ابن عساكر عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: ما صعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المنبر قطّ إلا قال: «عثمان في الجنة» . وروى ابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لكل نبيّ خليل في أمّته، وإن خليلي عثمان بن عفان» . وروى الإمام أحمد والحاكم وأبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن بن سمرة والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين والإمام أحمد عن عبد الرحمن بن خبّاب السّلمي، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الرّحمن ابن خبّاب السّلمي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد هذا اليوم أبدا وفي لفظ «ما عمل عثمان بعد اليوم» . وروى إسحاق بن راهويه بسند حسن عن أفلح عن أبي أيوب الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان عبد الله بن سلام قبل أن يأتي أهل مصر يدخل على رؤوس قريش، فيقول لها: لا تقتلوا هذا الرجل يعني عثمان، فيقولون: والله ما نريد قتله، فيخرج وهو يقول: والله لتقتلنّه، ثم قال لهم: لا تقتلوه، فو الله ليموتن إلى أربعين يوما فخرج عليهم بعد أيام فقال لهم: لا تقتلوه فو الله ليموتن إلى [ (1) ] خمس عشرة ليلة.

_ [ (1) ] سقط فى ج

الخامس: في وفاته ومن قتله وشيء من آثاره وما فتح في زمنه.

وروى ابن سعد وابن عساكر عن طاوس قال: سئل عبد الله بن سلام حين قتل عثمان كيف تجدون صفة عثمان في كتبكم؟ قال: «نجده يوم القيامة أميرا على القاتل والخاذل» . وروى أبو القاسم البغوي عن سعيد بن عبد العزيز، قال: لما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قيل لذي قربات الحميري وكان من أعلم يهود: يا ذا قربات، من بعده؟ قال: الأمين يعني أبا بكر، قيل: فمن بعده، قال: قرن من حديد يعني: عمر، قيل: فمن بعده قال: الأزهر يعني عثمان، قيل: فمن بعده قال: الوضاح المنصور يعني معاوية. وروى إسحاق بن راهويه والطبراني عن عبد الله بن مغفل قال: قال لي ابن سلام: لما قتل عليّ هذا رأس الأربعين، وسيكون بعده صلح. وروى ابن سعد عن أبي صالح- رضي الله تعالى عنه- قال: كان الحادي يحدو بعثمان وهو يقول: إن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف موضي فقال كعب: «بل هو معاوية» فأخبر معاوية بذلك، فقال: يا أبا إسحاق، أنى يكون هذا وها هنا أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- علي والزبير، قال: أنت صاحبها. وروى الطبراني، والبيهقي عن محمد بن يزيد الثقفي قال: اصطحب قيس بن حرشة وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين وقف كعب، ثم نظر ساعة، ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله. فقال قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به، فقال كعب: «ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي انزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة» . الخامس: في وفاته ومن قتله وشيء من آثاره وما فتح في زمنه. توفي والنبي- صلى الله عليه وسلّم- راض عنه وأبو بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهم- وقتل شهيدا يوم الجمعة لثمان خلون من ذي الحجة، وقيل: لثماني عشرة خلت منه بعد العصر، ودفن بالبقيع سنة خمس وثلاثين، وقيل: يوم الأربعاء، وهو ابن تسعين سنة، وقيل: ثمان وثمانين، وهو الصحيح. وقيل: وعشرين، وصلّى عليه جبير بن مطعم ودفن ليلا بالبقيع، وأخفى قبره ذلك الوقت، وإنّما دفن ليلا للعجز عن إظهار دفنه، لغلبة قاتليه، وقيل: لم يصل عليه، ودفن بثيابه في دمائه ولم يغسّل وقيل: حكيم بن حزام، وقيل: المسور بن مخرمة، وقيل: مروان ونائلة وأم البنين زوجتاه وهما اللّتان دلّلتاه، في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره، ولحدّوا له، وغيّبوا

قبره، وتفرّقوا، وكانت نائلة مليحة الثّغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، وخطبها معاوية بالشام فأبت» . وروى الترمذي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتنة فقال يقتل فيها هذا مظلوما، لعثمان. وروى أيضا عن أبي سهلة مولى عثمان، قال: قال عثمان- رضي الله تعالى عنه- يوم الدار: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عهد إلي عهدا فأنا صابر عليه ولم يلبس السّراويل في جاهلية ولا إسلام إلّا يوم قتل. وروى البخاري عن عثمان بن موهب- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل من أهل مصر وحج البيت، فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله [ (1) ] بن عمر، قال: يا بن عمر إنّي سائلك عن شيء فحدّثني عنه، هل تعلم أن عثمان فرّ يوم أحد قال: نعم، قال: تعلم أنّه تغيّب عن بدر ولم يشهد قال: نعم، قال: هل تعلم أنّه تغيّب عن بيعة الرّضوان ولم يشهدها؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، فقال ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: تعال، أبيّن لك، أمّا فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى عفا عنه وغفر له، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إلى قوله عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آل عمران 155] ، وأما تغيّبه عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكانت مريضة، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأمّا تغيبه عن بيعة الرّضوان، فلو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عثمان، وكانت بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان- رضي الله تعالى عنه- إلى مكة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- بيده اليمنى هذه يد عثمان، فضرب بها على يده، فقال: هذه لعثمان، فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك» . وروى أبو يعلى عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أن الحسن قام خطيبا، فقال: أيّها النّاس، إني رأيت البارحة في منامي عجبا، رأيت ربّ العزة جلّ جلاله فوق عرشه فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عند قائمة من قوائم العرش، ثم جاء أبو بكر وعمر، ثم جاء عثمان فقال: يا رب سل عبادك، فيم قتلوني، فانبعث من السّماء ميزابان من دم الأرض قال: فقيل لعليّ: ألا ترى إلى ما تحدّث به الحسن؟! فقال: يحدّث بما رأى؟! وقالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: قتل عثمان مظلوما بالطّعن لعن الله قتلته! وحجّ بالنّاس عشر سنين متوالية، فتح من

_ [ (1) ] في ج: (عبيد)

العام الذي بويع سنة أربع وعشرين بلاد الرّيّ بكما لها، وفي سنة خمس وعشرين فتحت بلاد أرمينيّة، وفي سنة ستّ وعشرين فتحت اسكندرية ثاني مرّة، والقيروان وغيرها، وفي سنة سبع وعشرين فتحت إفريقية وبلاد المغرب، وفي سنة ثمان وعشرين فتحت إصطخر وما والاها، وفي تسع وعشرين فتحت بلاد فارس ثاني مرّة، وفي سنة ثلاثين كانت غزوة البحر وفتحت بلاد كثيرة بالغرب، وفي سنة إحدى وثلاثين فتحت صقلّيّة وغيرها، وفي اثنتين وثلاثين فتحت قبرص، وفي ثلاث وثلاثين فتحت بعض بلاد الأندلس، وفي أربع وثلاثين كانت غزوة ذي حسب وفتحت أطراف خراسان وما والاها، وفي سنة خمس وثلاثين فتحت بلاد كثيرة من بلاد الهند وغيرها من بلاد الغرب والأندلس، وكان يعتق في كل جمعة عتيقا، فإن تعذّر عليه أعتق في الجمعة الأخرى عتيقين، وقال مولاه حمدان: كان يغتسل كل يوم منذ أسلم، ولم يمس فرجه بيمينه منذ بايع بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكان نقش خاتمه «آمنت بالّذي خلق فسوّى» ، وفي رواية أخرى «آمن عثمان بالله العظيم» . وروى ابن سعد أن امرأة كانت تدخل على عثمان- رضي الله تعالى عنه- وهو محصور، فولدت، ففقدها يوما، فقيل: إنّها قد ولدت غلاما، فأرسل إليها بخمسين درهما سنبلانيّة، وقال: هذا غطاء ابنك وكسوته، فإذا مرّت به سنة رفعناه إلى مائة، وكان يصلّي بالقرآن العظيم في (ركعة) [ (1) ] عند الحجر الأسود أيّام الحج، وكان هذا دأبه، وقال ابن عمر في قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً [الزمر 9] . هو عثمان، وقال ابن عباس في قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل 76] وقال حسّان- رحمه الله تعالى-: ضحّوا بأشمط عنوان السّجود له ... يقطع اللّيل تسبيحا وقرآنا وقال الحسن: قال عثمان- رضي الله تعالى عنه-: لو أنّ قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربّنا سبحانه وتعالى، وإني لأكره أن يأتي يوم لا أنظر في المصحف، وكان إذا قام من اللّيل لا يوقظ أحدا من أهله ليعينه على وضوئه، وكان يصوم الدّهر، وكان لا يرفع المئزر عنه وهو في بيت مغلق عليه، ولا يرفع صلبه مستويا من شدة حيائه. ومن مناقبه الكبار: جمع المصحف، وحرق ما سواه. وروى أبو بكر بن داود في كتاب المصاحف بسنده عن سويد بن غفلة قال: قال علي- رضي الله تعالى عنه- حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته، وهكذا

_ [ (1) ] في ج: (زلفة)

رواه أبو داود الطّيالسيّ وعمر بن مسروق عن شعبة، وسبب ذلك خشية الاختلاف في القرآن العظيم، فإنّ حذيفة كان في بعض الغزوات وقد اجتمع فيها خلق عظيم من أهل الشام فكان بعضهم يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود، وأبي الدّرداء، وجماعة من أهل العراق يقرؤون على قراءة ابن مسعود، وأبيّ، فجعل من لم يعلم أن القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره، وربّما يجاوز ذلك إلى تخطئته وكفره، فأدّى ذلك إلى اختلاف شديد، فركب حذيفة إلى عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمّة قبل أن تختلف كاختلاف اليهود والنّصارى في كتبهم، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- وشاورهم في ذلك، واتفقوا على كتابة المصحف وأن يجتمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه فاستدعى بالصّحف التي كان الصديق- رضي الله تعالى عنه- قد أمر زيد بن ثابت بكتابته وجمعه، فكان عند الصّدّيق أيّام حياته، ثم كان عند عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فلما توفّي صار إلى حفصة، فاستدعى به عثمان، وأمر زيد بن ثابت الأنصاريّ أن يكتب وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي، يحضره عبد الله بن الزّبير وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام المخزومي، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش، فكتبوا لأهل الشام مصحفا ولأهل مصر آخر وبعث إلى البصرة مصحفا، وإلى الكوفة آخر، وآخر إلى مكة، وآخر إلى المدينة، وأقر بالمدينة مصحفا، وليست كلها بخط عثمان، بل ولا واحد منها، وإنما هي بخط زيد بن ثابت، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمره وزمانه وخلافته. وروى البيهقي وغيره بسنده عن سويد بن غفلة قال: قال علي: أيها الناس، يقولون: عثمان حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- ولو ولّيت مثل ما ولّي لفعلت مثل الذي فعل، وكان ذلك بإجماع الصّحابة- رضوان الله تعالى عليهم- أجمعين.

الباب العاشر في بعض فضائل أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي

الباب العاشر في بعض فضائل أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في عبد المطلب الجدّ الأدنى، فهو أقرب العشرة نسبا وينسب إلى هاشم، فيقال: القرشي الهاشميّ ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لأبويه. الأول: كنيته أبو الحسن، وكنّاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا تراب، وكانت أحبّ ما ينادى به إليه، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. قال أبو عمر: هاشمية ولدت هاشميّا أسلمت وتوفّيت بالمدينة، وشهدها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتولّى دفنها وأشعرها قميصه واضطجع في قبرها. روى الطبراني في الكبير والأوسط برجال الصحيح غير روح بن صلاح- وثقه ابن حبان وفيه ضعف عن أنس بن مالك والطبراني في الأوسط برجال ثقات غير سعدان بن الوليد فيحرر رجاله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قالا: لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنهما- دخل عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجلس عند رأسها، فقال: يرحمك الله يا أمّي، كنت أمّي بعد أمّي، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيبا، وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله تعالى والدّار الآخرة، ثم أمر أن تغسّل ثلاثا ثلاثا، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم خلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قميصه فألبسها إيّاه وكفّنها ببرد فوقه، ثم دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أسامة بن زيد، وأبا أيّوب الأنصاريّ، وعمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهم-، وغلاما أسود يحفرون فحفروا قبرها فلما بلغوا اللّحد حفره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده وأخرج ترابه، فلمّا فرغ دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبرها فاضطجع فيه، ثم قال: الله الّذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقّنها حجّتها، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنّك أرحم الراحمين، وكبّر عليها أربعا، وأدخلوها اللّحد هو والعبّاس وأبو بكر الصّديق- رضي الله تعالى عنه- قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنه-: فلما سوى عليها التّراب، قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه بأحد فقال: إنّي ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة واضطجعت في قبرها لأخفّف عنها من ضغطة القبر، إنّها كانت أحسن خلق الله إليّ صنيعا بعد أبي طالب. ولد وأبوه غائب فسمّته أمّه حيدرة الأسد الشّجاع، فلمّا قدم أبوه كره هذا الإسم، وسمّاه عليّا، وكان ضخم البطن شاسع المنكب، ضخم الذّراعين مستدقّهما ضخم عضد السّاق، فوق الربعة، ضخم المنكبين، طويل اللّحية عظيمها،

الثاني: في ولده - رضي الله تعالى عنهم -.

قد ملأت صدره، أبيض الرأس واللحية، إن عينته من قريب قلت: أسمر، أصلع، شديد الصّلع، بويع له بالخلافة في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد قتل عثمان- رضي الله تعالى عنهما- بخمسة أيّام، ولم يقبلها حتى تكرّر قولهم له مرارا يوم السبت التّاسع عشر، وقيل: يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وقيل: أول من بايعه طلحة بيده اليمنى، وكانت شلّاء من يوم أحد حيث رمى بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومكث فيها خمس سنين وقيل إلا شهرا. الثاني: في ولده- رضي الله تعالى عنهم-. له من الولد الحسن والحسين ومحسن وزينب الكبرى من فاطمة- رضي الله تعالى عنهم- وله أولاد من غيرها كثيرون، محمد وعمر الأكبر، والعبّاس الأكبر، كلّهم أعقبوا، وكذا الحسن والحسين ومحمّد الأصغر قتل بالطائف والعبّاس الأصغر، وعمر الأصغر قتل بالطائف وعثمان وجعفر قتل بالطائف، وجعفر مات طفلا، وعبد الله الأكبر قتل بالطائف، وعبد الله مات طفلا، وأبو عليّ يقال: مات بالطائف، وعبد الرحمن وحمزة وأبو بكر عتيق، يقال: قتل بالطائف، وعون درج ويحيى مات طفلا، وبناته زينب الصّغرى، وأمّ كلثوم [ (1) ] الكبرى وأمّ كلثوم الصّغرى، ورقيّة الكبرى، ورقيّة، وفاطمة، وفاطمة الصّغرى وفاختة وأمة الله، وحمانة، ورملة، وأمّ سلمة وأم الحسن، وأم الكرام وهي نفيسة وميمونة، وخديجة وأمامة، فالجميع سبعة وثلاثون. الثالث: في فضائله وغزارة علمه، ودعائه له وهو أخو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمؤاخاة، وصهره وأبو السّبطين وأوّل هاشميّ ولد بين هاشميين، وأول خليفة من بني هاشم، وأحد العشرة المبشّرة بالجنة، وأحد السّتة أصحاب الشّورى الذين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو عنهم راض، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد (القلائل) [ (1) ] الرّبّانيّين، والشّجعان المشهورين، والزّهّاد المذكورين، وأحد السّابقين إلى الإسلام، ولم يسجد لصنم قط، وبات ليلة على فراشه- صلى الله عليه وسلّم- يقيه بنفسه، وخلفه بمكّة ليردّ الودائع التي كانت عنده، وكان يحمل راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العظمى في القتال، فيقدم بها في بحر العدوّ وشهد معه مشاهده كلّها وأبلى فيها بلاء حسنا، وشهد وقعة أحد وبايعه على الموت، وكان من أشجع النّاس، لم يبارز أحدا قطّ إلا قتله، وسار لمّا وليّ الخلافة بسيرة أبي بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهم- في القسم والتسوية بين الناس، وكان إذا ورد عليه مال لم يترك منه شيئا حتّى يقسّمه، وكان يكنس بيت المال ويصلّى فيه، ويقول: يا دنيا غرّي غيري، ولم يخصّ بالولايات إلا أهل الدّيانات.

_ [ (1) ] في ج: (العلماء)

وروي له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خمسمائة حديث وستّة وثمانون حديثا. اتّفق البخاري ومسلم منها على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر، قال ابن المسيّب: ما كان أحد يقول: سلوني غير عليّ، قال ابن عباس: أعطي عليّ تسعة أعشار العلم، والله لقد شاركهم في العشر الباقي. فإذا ثبت لنا الشّيء الباقي عن عليّ لم نعدل عنه إلى غيره، ولّي الخلافة خمس سنين، وقيل إلا شهرا، بويع له على الخلافة في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ا. هـ. وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن بعجة بن عبد الله الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رجل امرأة من جهينة، فولدت له غلاما لستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر برجمها، فبلغ ذلك عليّا فأتاه فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت غلاما لستّة أشهر، وهل يكون ذلك؟ قال عليّ أما سمعت الله تعالى يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف 15] وقال وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [البقرة 233] فكم تجد بقي إلّا ستّة أشهر؟ فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها، وكان من قولها لأختها: يا أخية، لا تحزني فو الله، ما كشف فرجي أحد قطّ غيره قال: فشبّ الغلام بعد فاعترف به الرّجل، وكان أشبه النّاس به قال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا على فراشه. وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي قال: رفع إليّ عمر امرأة ولدت لستّة أشهر، فسأل عنها أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال علي: لا رجم عليها ألا ترى أنه يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف 15] وقال: وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ [لقمان 14] وكان الحمل ههنا ستة أشهر، فتركها عمر قال: ثم بلغنا أنّها ولدت آخر لستّة أشهر. وروى سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول وسعيد بن منصور وابن مردويه وأبو نعيم في- الحلية- عنه عن علي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وابن النّجّار عن بريدة وأبو نعيم من طريق آخر عن عليّ في قوله تعالى: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ [الحاقة 12] قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- زاد بريدة «يا عليّ، أن الله تعالى أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي وحقّ لك أن تعي، سألت ربي أن يجعلها أذنك، قال مكحول: وكان عليّ يقول: ما سمعت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا فنسيته زاد بريدة فنزلت هذه الآية وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ [الحاقة 12] .

وروى ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- في قوله تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد/ 30] قال ببغضهم: علي بن أبي طالب. وروى ابن مردويه عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إلا ببغضهم علي بن أبي طالب» . وروى الطبراني عن عليّ بن الأقمر عن أبيه قال: رأيت عليا- رضي الله تعالى عنه- يعرض سيفا له في رحبة الكوفة وهو يقول: «من يشتري منّي سيفي هذا، فو الله، لقد جلوت به غير كربة عن وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولو أنّ عندي ثمن إزار ما بعته» . وروى الطبراني في الأوسط وفيه ضعفاء وثقوا عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة» . وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، ولكنّه خاصف النّعل، وكان قد أعطى عليّا نعله يخصفها» . وروى أبو يعلى برجال ثقات عدا الرّبيع بن سهل فيحرر رجاله عن عليّ بن ربيعة قال: سمعت عليا- رضي الله تعالى عنه- يقول على منبر كم هذا: عهد إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أن الله تعالى «يحبّ من أصحابك ثلاثة فأحبّهم: علي بن أبي طالب، وأبو ذرّ، والمقداد بن الأسود» . وروى البزار بسند حسن والترمذي وقال حسن غريب، وأبو يعلى والحاكم والطبراني عن أنس رفعه قال: «الجنّة تشتاق إلى ثلاثة، عليّ وعمّار وأحسبه قال: وأبو ذرّ» . ورواه الطبراني بسند حسن أيضا بلفظ «ثلاثة تشتاق لهم الجنة والحور العين: علي وعمار وسلمان» . وروى ابن عساكر عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن أنس والطبراني في الكبير علي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (اشتاقت الجنة) [ (1) ] وفي لفظ الجنّة قد اشتاقت إلى أربعة: عليّ وسلمان وأبيّ وعمار بن ياسر» .

_ [ (1) ] في ج: الجنة تشتاق

وروى الديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أعلم النّاس بعدي علي بن أبي طالب» . وروى الإمام أحمد والطّبراني عن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: «أما ترضين أن زوّجتك أقدم أمتي إسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما» . وروى الطبراني عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لها: «أما ترضين أنّي زوجتك أوّل المسلمين إسلاما، وأعلمهم علما، فإنّك سيدة نساء أمتي، كما أنّ مريم سيّدة نساء قومها» . وروى ابن ماجه والحاكم وأبو نعيم في الحلية، والترمذي، وقال: حسن غريب والرّويانيّ والحاكم في المستدرك والضياء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله- عز وجل- أمرني بحبّ أربعة» وفي لفظ «أن الله- عز وجل- يحبّ من أصحابي أربعة: وأخبرني أنّه يحبّهم عليّ منهم، وأبو ذرّ منهم، ومقداد وسلمان» . وروى أبو داود الطّيالسيّ والحسن بن سفيان وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن عمران بن حصين أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن عليّا مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن» . وروى الطبراني عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال للعباس: «إن عليّا سبقك بالهجرة» . وروى الطبراني في الكبير- عن أبي سعيد وسليمان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ وصيي، وموضع سرّي، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب» . وروى الخطيب عن البراء، وأبو بكر والمطيري في جزئه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليّ مني بمنزلة هارون من موسى، وفي لفظ: إنما عليّ بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» . وروى العقيليّ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أم سلمة إن عليّا لحمه من لحمي، ودمه من دمي وهو منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» . وروى الحاكم أن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: كفوا عن عليّ فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «في عليّ ثلاث خصال لا يكون لي واحدة منهن: أحبّ إليّ مما طلعت

عليه الشّمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة نفد والنبي- صلى الله عليه وسلّم- متّكئ على عليّ حتى ضرب بيده على منكبه، ثم قال: يا عليّ، أنت أول المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما، ثم قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى» . وروى الشيخان عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي» . تنبيه: هو حديث متواتر عن نيّف وعشرين صحابيّا واستوعبها الحافظ ابن عساكر عن نحو عشرين ورقة [ (1) ] . وروى الترمذي وقال: غريب، وأبو نعيم في الحلّية، وفي المعرفة عن عليّ والحاكم وتعقّب والخطيب والطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا دار الحكمة» وفي لفظ «مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب» وفي لفظ «فليأته من بابه» . وروى الخطيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى عليا فقال: «أنا وهذا حجّة على أمتي يوم القيامة» . وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم، والبراء بن عازب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا إنّ الله وليي وأنا وليّ كلّ مؤمن، من كنت مولاه فعليّ مولاه» . وروى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والضياء والحاكم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «أيها الناس لا تشكوا عليّا، فوالله، إنّه لأخشن في ذات الله- عز وجل- وفي سبيل الله» . وروى الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعث عليّا مبعثا، فلمّا قدم، قال: الله ورسوله وجبريل عنك راضون. وروى ابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «النظر إلى وجه عليّ عبادة» . وروى الطبراني في الكبير والرّافعي عن عمران بن خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين عن أبيه عن عمران بن حصين والحاكم وتعقّب عن قتادة عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدريّ عن عمران بن حصين والشيرازي في الألقاب، والطبراني في الكبير والحاكم وتعقّب أن- رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «النظر إلى عليّ عبادة» .

_ [ (1) ] سقط في ج

وروى الخطيب والديلميّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ذكر عليّ عبادة» . وروى الديلمي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبّه إيمان، وبغضه نفاق، والنّظر إليه رأفة ومودته عبادة» . وروى الطبراني في الكبير- عن سلمان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عليّ محبّك محبّي، ومبغضك مبغضي» . وروى أبو نعيم في الحلية- عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «مرحبا بسيّد المسلمين، وإمام المتّقين» . وروى الصدفي وأبو يعلى والضياء عن سعد بن أبي وقاص، والإمام أحمد والبخاري في تاريخه- وابن سعد والطبراني والحاكم عن عمرو بن شاش أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من آذى عليّا فقد آذاني» . وروى الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده، والطبراني في الكبير عن أم سلمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحبّ عليّا فقد أحبني، ومن أحبّني فقد أحب الله، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله» . وروى الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن أم سلمة والحاكم عن سلمان- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحبّ عليّا فقد أحبّني» وفي لفظ «ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني» وفي لفظ «ومن أبغضني فقد أبغض الله» . وروى الديلمي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا عليّ، من أحبّك فبحبّي أحبّك، فإنّ العبد لا ينال (ولايتي) [ (1) ] إلا بحبّك» . وروى الطبراني في الكبير- عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: محبّك محبّي، ومبغضك مبغضي» . وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول

_ [ (1) ] في ج: ولا يبقى

الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من فارق عليّا فارقني، ومن فارقني فارق الله» . وروى الحاكم وتعقّب عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عليّ، من فارقك فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني» . وروى الإمام أحمد والطيالسيّ وابن عساكر عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من سبّ عليّا فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله» . وروى الإمام أحمد والحاكم عن ابن عباس وابن أبي شيبة والإمام أحمد عن ابن عبّاس عن بريدة، والإمام أحمد وابن ماجة عن البراء، والطبراني في الكبير عن جرير، وأبو نعيم عن جندع، وابن قانع عن حبشي بن جنادة، والترمذي- وقال حسن غريب- والنسائي والطبراني في الكبير والضياء عن أبي أيوب وجمع من الصحابة، وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم والضياء عن سعد بن أبي وقاص، والشيرازي في الألقاب عن عمر، والطبراني في الكبير عن مالك بن الحويرث، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم، وابن عتبة في كتاب الموالاة- عن حبيب بن بديل بن ورقاء، وقيس بن ثابت، وزيد بن شراحيل الأنصاري، والإمام أحمد عن عليّ وثلاثة عشر رجلا، وابن أبي شيبة عن جابر والحاكم وابن عساكر عن عليّ وطلحة، والإمام أحمد والطبراني في «الكبير» والضياء عن علي وزيد بن الأرقم وثلاثين رجلا من الصحابة، وأبو نعيم في «فضائل الصحابة» عن سعد، والخطيب عن أنس، والطبراني في الكبير- عن عمرو بن مرّة وزيد بن أرقم معا، وحبشي بن جنادة، وابن أبي شيبة والإمام أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم والضياء عن بريدة والنّسائي عن سعيد بن وهب عن عمرو ابن مرّة وعبد الله ابن الإمام أحمد عن القواريريّ عن يونس بن أرقم من طرق صحيحه عن أبي الطّفيل عن زيد بن أرقم، عن ابن عباس وعائشة [ ... ] بنت سعد، وعن البراء وأبو أسيد والبجلي وسعد والطبراني في الكبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، والطبراني في الكبير عن ابن عمر، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة، واثني عشر رجلا من الصحابة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا لعليّ فقال: «من كنت مولاه» وفي لفظ «اللهمّ من كنت مولاه» وفي لفظ: «وليّه، فعليّ» وفي لفظ «فهذا» وفي لفظ «فإن هذا مولاه» وفي لفظ «فهذا وليّه» وفي لفظ «أن الله وليّ المؤمنين، ومن كنت وليّه» وفي لفظ: «أن الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن، من كنت وليّه فهذا وليّه» وفي لفظ «إنّي وليّكم وهذا وليّي» والمؤدّي عنّي، وإنّ الله موال من والاه، ومعاد من عاداه» وفي لفظ «اللهمّ، وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه» وفي لفظ «واخذل من خذله، وانصر من نصره، وأعن من أعانه» .

وروى الطبراني في الكبير عن عمرو بن شراحيل قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم، انصر من نصر عليّا، اللهم أكرم من أكرم عليّا، اللهم، اخذل من خذل عليّا» وفي لفظ «اللهمّ، أعنه، وأعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به» . وروى الإمام أحمد وابن حبان سمويه والحاكم والضياء عن ابن عباس عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من كنت مولاه، فعليّ مولاه» . وروى الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية- عن كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا عليا فإنّه كان ممسوسا في ذات الله» . وروى مسلم عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق» . وروى الترمذي وقال: حسن غريب، والطبراني في الكبير- عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا يحبّ عليّا منافق، ولا يبغضه مؤمن» . وروى الطبراني في الكبير عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: «لا يحبّ عليّا إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق» . وروى أبو نعيم في الحلية- عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أيها الناس، لا تشكوا عليّا فإنّه لأخشن في ذات الله عز وجل» . وروى الديلمي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لبريدة «يا بريدة، إنّ عليّا وليّكم بعدي، فأحبّ عليّا، فإنّه يفعل ما يؤمر» . وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا عليّ، إن نوليت الأمر بعدي، فاخرج أهل نجران من جزيرة العرب» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والحاكم وأبو نعيم في المعرفة عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا عليّ، إنّ لك كنزا في الجنة وإنّك ذو قرنيها فلا تتبعن النظرة النّظرة، فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة- وفي لفظ «الثانية» . وروى الديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعليّ: أنت تبيّن للناس ما اختلفوا فيه من بعدي» . وروى الديلمي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا علي، أنت تغسل جثتي وتؤدي ديني في حضرتي، وتفي بذمّتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة» .

وروى أبو نعيم في الحلية عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش. وفي لفظ: سبع خصال لا يحاجك فيهن أحد، أنت أولهم إيمانا بالله. وفي لفظ: أول المؤمنين إيمانا بالله. وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأرأفهم- وفي لفظ: وأعدلهم بالرعية وأقسمهم بالسوية وأبصرهم- وفي لفظ وأعلمهم بالقضية وأعظمهم مزية يوم القيامة- وفي لفظ «عند الله مزية» . وروى أبو نعيم في الحلية- عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا علي إن الله قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل. الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما» . وروى الحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا علي، الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة» . وروى ابن عساكر عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا علي ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحقّ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني» . وروى الطبراني في الكبير عن البراء وزيد بن أرقم معا والطيالسي والإمام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص والطبراني في الكبير- عن أم سلمة، والطبراني في الكبير عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا علي، أنت مني» وفي لفظ «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» . وروى الخطيب والرّافعيّ عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «سألت الله فيك خمسا فأعطاني أربعا ومنعني واحدة سألته فأعطاني فيك أنك أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة وأنت معي معك لواء الحمد وأنت تحمله وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي» . وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن الأرقم والبراء بن عازب معا- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا إن الله وليّي وأنا وليّ كلّ مؤمن، ومن كنت مولاه فعليّ مولاه» . وروى ابن أبي شيبة وهو صحيح عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «علي مني وأنا منه، وعليّ وليّ كلّ مؤمن من بعدي» .

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقع في عليّ فإنّه مني وأنا منه، وهو وليّكم من بعدي» . وروى الترمذي وقال: حسن غريب- والطبراني في الكبير والحاكم عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ إنّ عليّا مني وأنا من عليّ، وعليّ وليّ كل مؤمن» . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وقال: حسن (صحيح) [ (1) ] غريب والنسائي وابن ماجة وابن أبي عامر في السّنّة والبغوي والباوردي وابن قانع والطبراني في- الكبير والضياء- عن حبشي بن جنادة السّلولي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا من عليّ، وعلي مني، ولا يؤدي عني إلا أنا أو عليّ» . وروى ابن مردويه والدّيلمي عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «علي بن أبي طالب ينجز بوعدي ويقضي ديني» . وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر والضياء عن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «عليّ أصلي وجعفر فرعي» . وروى الخطيب عن البراء وابن مردويه والديلمي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليّ منّي بمنزلة رأسي من بدني» . وروى الطبراني- في الكبير- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليّ أخي في الدنيا والآخرة» . وروى الحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «علي مع القرآن، والقرآن مع عليّ لن يفترقا حتّى يردا على الحوض» . وروى ابن عدي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «عليّ عتبة علمي» . وروى أيضا عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «عليّ يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين» . وروى الدارقطني في- الإفراد- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «علي بن أبي طالب باب حطّة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا» .

_ [ (1) ] سقط في ج

الرابع: فيما أثر عنه من حكمه وكلماته وأشعاره - رضي الله تعالى عنه -.

وروى أبو نعيم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «علي بن أبي طالب أعلم النّاس بالله وأكثر الناس حبّا وتعظيما لأهل لا إله إلا الله» . وروى أبو نعيم- في فضائل الصّحابة عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قم يا علي، فقد برئت وما سألت الله شيئا إلا سألت لك مثله» . وروى الطبراني في الكبير عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا ينبغي لأحد أن يجنب في المسجد إلا أنا وعلي» . وروى عبد الله بن الإمام أحمد وأبو نعيم في- فضائل الصحابة- والحاكم وتعقّب عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا عليّ، إنّ فيك من عيسى مثلا أبغضته اليهود حتى بهتوا أمّه، وأحبّته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس بها» . وروى الإمام أحمد والحاكم عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا علي، ألا أعلمك كلمات، إذا قلتهن غفر لك على أنّه مغفور لك. لا إله إلا الله العليّ العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع وربّ العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين» . وروى ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عليّ، كن سخيّا، فإن الله تعالى يحب السّخيّ، وكن شجاعا، فإن الله تعالى يحب الشّجاع، وكن غيورا فإن الله تعالى يحبّ الغيور، وإن امرؤ سألك حاجة فاقضها فإن لم يكن لها أهلا كنت أنت لها أهلا» . وروى أبو نعيم في- الحلية- عن علي والبزّار عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا عليّ، إذا تقرّب الناس إلى خالقهم في أبواب البرّ فتقرّب إليه بأنواع العقل، تسبقهم بالدّرجات والزّلفى عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة» . وروى عبد الرزاق والتّرمذي بسند ضعيف عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا عليّ، إنّي أحب لك ما أحبّ لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ وأنت راكع ولا وأنت ساجد، ولا تصلّي وأنت عاقص شعرك، فإنه كيد الشّيطان، ولا تقع بين السّجدتين، ولا تعبث بالحصباء في الصلاة، ولا تفترش ذراعيك ولا تفتح على الإمام، ولا تختّم بالذّهب ولا تلبس القسي ولا المعصفر، ولا تركب على المياثر الحمر، فإنّها مراكب الشّيطان» . الرابع: فيما أثر عنه من حكمه وكلماته وأشعاره- رضي الله تعالى عنه-. كان- رضي الله تعالى عنه-: أنصح النّاس وأعظمهم بالله وأشدّهم للنّاس حبّا وتعظيما

(لخدمة) [ (1) ] لا إله إلا الله، وقيل له: ألا نحرسك؟ فقال: حارس كلّ إنسان أجله، وإنّ الأجل جنّة حصينة، وقال: كونوا لقبول العمل أشدّ اهتماما منكم بالعمل، فإنّه لن يقلّ عمل مع التّقوى، وكيف يقلّ عمل متقبّل؟ وقال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يكثر علمك وحلمك، وتكون مشغولا بعبادة ربّك، فإن أحسنت حمدتّ الله تعالى- وأن أسأت استغفرت الله، فلا خير في الدّنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو (يتدارك) [ (2) ] ذلك بتوبة، ورجل يسارع بالخيرات وقال: احفظوا عنّي خمسا فلو ركبتم الإبل في طلبهن لا تصيبوهنّ، لا يرجونّ عبد إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، الله أعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، وقال: إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ترحّلت مدبرة، وإنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، وإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، ألا إنّ الفقيه كلّ الفقيه الّذي لا يقنّط النّاس من رحمة الله، ولا يؤمّنهم من عذاب الله، ولا يرخّص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها، وقال: كونوا ينابيع العلم، مصابيح اللّيل، خلقي الثياب، جدد القلوب، تعرفون في ملكوت السموات، وتذكرون في الأرض، وقال: أيّها الناس، إنكم والله إن حننتم حنين الوالد الثّكلان، وجأرتم جؤار مبتلى الرّهبان، ثم خرجتم من الأموال والأولاد في التماس القرب إلى الله- عز وجل-، وابتغاء رضوانه، وارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة، كان ذلك قليلا فيما يطلبون من جزيل ثوابه، والخوف من عقابه، والله لو سألتم إصلاح عيوبكم رغبة ورهبة إليه- سبحانه وتعالى- ثم عمّرتم عمر الدنيا مجدّين في الأعمال الصّالحة، ولم تبقوا شيئا من جهدكم لما دخلتم الجنّة بأعمالكم، ولكن برحمته- سبحانه وتعالى-، جعلنا الله وإياكم من التائبين أو العابدين، أو كما قال. وقال لكميل بن زياد: القلوب أوعية وخيرها أوعاها، فاحفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة، فعالم ربّاني، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق، مع كل ريح يميلون لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، العلم خير لك من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النّفقة، العلم حاكم، والمال محكوم

_ [ (1) ] سقط في ج [ (2) ] في ج: «يتداول»

عليه، ومحبّة العالم دين يدان بها العلم، يكتسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته، ومنفعة المال تزول بزواله، مات خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدّهر أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه هاه، وأشار بيده إلى صدره، إنّ هاهنا علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لفتى غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدّنيا للدّين، فيستظهر لحجج- الله تعالى- على كتابه، وبنعمه على عباده، وينقاد لأهل الحق ولا بصيرة له في إخبائه، يقدح الشك في قلبه بأوّل عارض من شبهة، لا ذا ولا ذاك أو منهوما للذّات، سلس القياد للشهوات، أو مغري لجمع الأموال والادّخار لهما في دعاء الدين، أقرب شبها بالأنعام السائحة، كذاك يموت هذا العلم بموت حامليه، اللهم لا تخلو الأرض من قائم لله- عز وجل- بحجّة الله لكيلا تبطل حجج الله وبيانه أولئك هم الأقلّون عددا، الأعظم عند الله قدرا، بهم يدفع الله- عز وجل- عن حججه، حتى يؤدّيها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلابوا ما استوعد منه المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالنّظر إلى الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إلى دينه، هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم، أستغفر الله لي ولك، إذا شئت فقم، ودخل ضرار بن صخرة الصدائي على معاوية- رضي الله تعالى عنه- فقال: صف لي عليّا، فقال: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدّنيا وزهرتها، ويستأنس إلى اللّيل وظلمته، وكان والله عزير الدّمعة، كثير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللّباس ما قصر، ومن الطّعام ما خشن، كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرّبه إلينا وقربه منّا لا تكلّمه هيبة له، فإن تبسم يضيء مثل اللؤلؤ المكنون المنظوم، يعظّم أهل الدّين، ويحبّ المساكين لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يتمثّل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السّليم، ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا دنيا يا دنيا، غيري غيري ثم يقول للدنيا: إلى تعرضت، أم إلي تشوقت؟ غري غيري قد بنتك ثلاثا فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطؤك كثير، آه آه، من قلّة الزّاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فوكفت دموع معاوية على لحيته ما تملّكها، وجعل ينشفها بكمّه وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال هذا أبو الحسن، كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا يرق دمعها، ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج، ولمّا امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء، قال: الله أكبر، وأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين، وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري، حتّى ما بقي منها دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه، وصلّى فيه ركعتين رجاء أن تشهد له يوم

القيامة، وقيل له: لم ترفع قميصك؟ قال: لأنّه يخشع القلب ويقتدي به المؤمن، ويبعد من الكبر، وأتي بفالوذج فوضع بين يديه، فقال: إنّك طيّب الريح، حسن اللون طيّب الطعام، ولكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تتعوّد وكان بالخورنق يرعد تحت قطيفة، فقيل له: إن الله قد جعل لك، ولأهل بيتك في هذا المال حظّا وأنت تصنع بنفسك ما تصنع، فقال: والله، ما أرزاكم من مالكم شيئا إنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة. ورئي وهو يبيع سيفا له في السّوق، ويقول: من يشتري هذا السّيف، فوالذي خلق الحبّة وبرأ النّسمة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لو كان عندي ثمن إزار ما بعته قطّ، وأنشد يقول: وقد تجوح الحاجات يا أم مالك ... كرائم من ربّ يهين صنين ومن كلامه في المناجاة: كفاني عزّا أن تكون لي ربّا، وكفاني فخرا أن أكون لك عبدا، أنت لي كما أحبّ فوفّقني إلى ما تحب، وفي العلم: المرء مخبوء تحت لسانه، تكلموا تعرفوا، ما ضاع امرؤ عرف قدره، وفي الإرب: أنعم على من شئت تكن أميره، واستغن عن من شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وقال: من وسّع عليه في دنياه، فلم يعلم أنّه مكر به فهو مخدوع عن غفلة، وقال: الدنيا جيفة فمن أراد شيئا منها، فليصبر على مخالطة الكلاب، ومما يروى من شعره: حقيق بالتّواضع من يموت ... ويكفي المرء من دنياه قوت فما للمرء يصبح ذا هموم ... وحرص ليس يدركه النّعوت صنيع مليكنا حسن جميل ... وما أرزاقه عنّا تفوت وقال محمّد النّبيّ أخي وصهري ... وحمزة سيّد الشّهداء عمّي وجعفرنا الّذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمّي وبنت محمّد سكني وعرسي ... توسّط لحمها بدمي ولحمي وسبطا أحمد ولديّ منها ... فأيّكم له قسم كقسمي سبقتكم إلى الإسلام طرّا ... صغيرا ما بلغت أو ان حكمي وأوجب لي الولاء معا عليكم ... رسول الله يوم (غدير خمّ) قال أبو عمر الزّاهد سمعت عليا يقول: اجتمعت رواة الشّعر من الكوفيين والبصريين فلم يزيدوا على عشرة أبيات صحيحة لأمير المؤمنين، وأجمعوا على أن ما كان زائدا على العشرة فهو منحول ومن الصحيح قوله:

أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره أو فيهم بالكيل كيل السّندره وروى ابن عساكر عن نبيط الأشجعي قال: قال علي- رضي الله تعالى عنه-: إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصّدر الرّحيب وأو ظنت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب ولم ير لانكشاف العسر وجه ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث ... يجيء به القريب المستجيب وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب وروى أيضا عن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: قال علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- لرجل كره صحبة رجل: لا تصحب أخا الجهل وإيّاك وإيّاه ... فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ما شاه ... وللشّيء على الشّيء مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه وروى أيضا عن المبرّد- رحمه الله تعالى- قال: كان مكتوبا على سيف علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-: للنّاس حرص على الدّنيا بتدبير ... وصفوها لك ممزوج بتكدير لم يرزقوها بفعل إنّما قسمت ... لكنّهم رزقوها بالمقادير كم من أديب لبيب لا تساعده ... (وسابق) [ (1) ] نال دنياه بتقصير لو كان عن قوّة أو عن مغالبة ... طار البزاة بأرزاق العصافير وروي عن حمزة بن حبيب الزّيّات- رحمه الله تعالى- قال: كان علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- وكرّم الله وجهه يقول: لا تفش سرّك إلّا إليك ... فإنّ لكلّ نصيح نصيحا فإنّي رأيت غواة الرّجال ... لا يدّعون أديما صحيحا وروى ابن عبد البر في العلم عن الحارث الأعور- رحمه الله تعالى- قال: سئل علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- عن مسألة فدخل مبادرا ثم خرج في جداد رداء وهو متبسّم

_ [ (1) ] في ج: (دمائق)

فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنّك كنت إذا سئلت عن المسألة تكون فيها كالسّكة المحمّاة؟ قال: إني كنت حاقنا ولا رأي لحاقن ثم أنشد يقول: إذا المشكلات تصدّين لي ... كشفت حقائقها بالنّظر وإن برقت في مجيء الصّواب ... عجب لا يجتليها البصر مقنّعة بغيوب الأمو ... وضعت عليها صحيح الفكر لسان كشقشقة الأرحبي ... أو كالحمام اليماني الذّكر وقلب إذا استنطقته الهموم ... أربى عليها بواهي الذرر ولست بإمعة في الرّجا ... ل أسائل هذا وذا ما الخبر ولكنني مذرب الأصغري ... ن أبيّن مع ما مضى ما غبر وقال ابن النّجّار: أخبرني يوسف بن المبارك بن كامل الخطّاب قال: أنشدنا أبو الفتح مفلح بن أحمد الرّوميّ، قال: أنشدنا أبو الحسين بن أبي القاسم التّنوخيّ عن أبيه عن جدّه عن أجداده إلى علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-: أصمّ عن الكلم المحفظات ... واحلم والحلم بي أشبه وإنّي لأترك حلو الكلام ... لئلا أجاب بما أكره إذا ما اجتروت سفاه السّفيه ... عليّ فإنّي أنا الأسفه فكم من فتى يعجب النّاظرين ... له ألسن وله أوجه ينام إذا حضر المكرمات ... وعند الدّناءة يستنبه وروى ابن أبي الدّنيا في الصّمت عن حمزة الزّيّات- رحمه الله تعالى- قال: قال علي ابن أبي طالب: - رضي الله تعالى عنه- وكرّم الله وجهه-: لا تفش سرّك إلّا إليك ... فإنّ لكلّ نصيح نصيحا فإنّي رأيت غواة الرّجال ... لا يدّعون أديما صحيحا وبلغه أن ابن السّوداء يبغض أبا بكر فدعا به ودعا بالسّيف وهمّ بقتله فكلّم فيه، فقال: لا يسألني. وسيّره إلى المدائن وحدّثه رجل بحديث فقال له: ما أراك إلّا كذبتني، قال: لم أفعل؟ قال: أدعو عليك إن كنت كذبت، قال: ادع، فدعا فما (برح) [ (1) ] حتّى أجيب، ومرّ على مزبلة، فلمّا رأى ما فيها، قال: هذا ما بخل به الباخلون، أو كما قال.

_ [ (1) ] في ح خرج.

الخامس: فيما حصل له من المشاق، ووصيته، وسبب وفاته - رضي الله تعالى عنه -

وكان (بفصّ) [ (1) ] خاتمه: محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ويتختّم في يساره، وكان ممن جمع القرآن في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. وركب مرّة حمارا، ودلّى رجليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الّذي أهنت الدنيا، وكان يقول: تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنّما أهله الذين يعملون به، وسيأتي من بعدكم زمان ينكر فيه من الحقّ تسعة أعشاره، وصعد يوما المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على رسوله- صلى الله عليه وسلم- وذكر الموت، فقال: عباد الله، الموت ليس فيه فوت، ثم قال: فالنّجاء النّجاء، والرّجاء الرّجاء، وراءكم طالب حثيث، القبر فاحذروا ضمّته ووحشته، ألا وإنّ القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، ألا أنه يتكلّم في ذلك اليوم ثلاث مرات، فيقول: أنا بيت الظّلمة، أنا بيت الدّود، أنا بيت الوحشة، ألا وإنّ وراء ذلك يوما يشيب فيه الصّغير، ويسكر فيه الكبير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب الله شديد، ألا وإنّ وراء ذلك ما هو أشدّ منه، نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وخازنها مالك، ثمّ بكى وبكى المسلمون حوله، ثم قال: ألا وإنّ وراء ذلك جنّة عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتقين، أحلّنا الله وإياكم دار النّعيم، وأجارنا وإيّاكم من العذاب الأليم، وقال لرجل ذمّ الدنيا: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غناء لمن يتزوّد منها، ومهبط وحي الله- عز وجل-، ومصلّى ملائكته، ومسجد أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام- ومنجز أوليائه، فيا أيّها الذّامّ للدّنيا المعلّل نفسه حتى خدعتك الدّنيا، لا تغترّبها ولا يغرّنّكم بالله الغرور، أو كما قال. وقال: إنّ الزهد في كلمتين من القرآن لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ/ [الحديد 23] وقال: عجبت لمن يدعو ويستبطئ الإجابة، وقد سدّ طرقها بالمعاصي والذّنوب. الخامس: فيما حصل له من المشاقّ، ووصيته، وسبب وفاته- رضي الله تعالى عنه- وأخبره- صلى الله عليه وسلم- بأنه لا يزرأ من الدّنيا شيئا، ولا ترزأ منه الدّنيا فلم يصف الأمر مدة الخلافة، واستنجد أهل الشام وصالوا وجالوا، وكلّما ازداد أهل الشّام قوّة ضعف أمر أهل العراق (فتخلّوا) [ (2) ] عنه، ونكلوا عن القيام معه وكان يكثر أن يقول: ما يحسب أشقاها، أو ما ينتظر، ثم يقول: لتخضبنّ هذه، ويشير إلى لحيته الكريمة، من هذه، ويشير إلى هامته، كما رواه البيهقي من طرق. وروى الخطيب عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول

_ [ (1) ] في ح (نقش) . [ (2) ] في ج: (فبخلوا)

الله- صلى الله عليه وسلم- لعلي: من أشقى الناس من الأوّلين؟ قال: عاقر النّاقة، قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: قاتلك» . وروى أبو داود في كتاب القدر أنه لما كان أيّام الخوارج كان أصحاب علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- يحرسه كلّ ليلة عشرة يبيتون في المسجد بالسّلاح فرآهم، فقال: ما يجلسكم [ (1) ] ؟ قالوا: نحرسك، فقال: من أهل السماء؟ ثم قال: إنّه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السّموات، وإن عليّ من الله جنّة حصينة، وفي رواية: وإن الأجل جنّة حصينة، وأنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكلّ به ملك، فلا تريده دابّة ولا شيء إلا قال: اتّقه اتّقه، فإذا جاء القدر خلّيا عنه، وإنّه لا يجد عبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وكان يدخل المسجد كلّ ليلة فيصلّي فيه، فلمّا كانت الليلة التي قتل في صبحتها قلق تلك الليلة، وجمع أهله. وفي رواية: قال الحسن: دخلت على أبي ليلة قتل صباحها فوجدتّه يصلّي، فلما انصرف، قال: يا بنيّ، إنّي بتّ البارحة أوقظ أهلها لأنّها ليلة الجمعة، صبيحة قدر لسبع عشرة من رمضان فملكتني عيناي، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمّتك من اللأواء واللدد؟! فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم من هو شرّ منيّ، قال الحسن: فبينما هو يحدّثني إذا جاء مؤذّنه ابن التياح فأذّنه بالصّلاة، فلما خرج المؤذّن بين يديه، ونادى بالصّلاة اعترضه ابن ملجم وفي رواية: فلما خرج إلى المسجد ضربه ابن ملجم قبّحه- الله تعالى- على دماغه فانتبه وكان سيفه مسموما وضربه شبيب فلم يصبه لأنّ ضربته جاءت في الطّاق ونادى عليّ: لا يفوتنّكم الرجل، فشد الناس عليهما في كل ناحية فهرب شبيب، وقبض ابن ملجم، فقال علي- رضي الله تعالى عنه-: أطعموه واسقوه، فإن عشت فأنا وليّ دمي فإن شئت أن أعفو أو أقتصّ، قال تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ [المائدة 45] . وإن متّ فاقتلوه كما قتلني ولا تعتدوا، إن الله لا يحبّ المعتدين، قال أهل السّير: انتدب ثلاثة من الخوارج عبد الله بن ملجم المرادي، وهو من حمير، وعداد من بني مراد، وهو حليف ابن جبلة من كندة، المبارك بن عبد الله التّميميّ، وعمرو بن بكير التّميمي، فاجتمعوا بمكّة وتعاقدوا ليقتلنّ علي بن أبي طالب، ومعاوية وعمرو بن العاص، فقال: ابن ملجم: أنا لعليّ، وقال ابن المبارك: أنا لمعاوية، وقال الآخر: أنا لعمرو، وتعاهدوا أن

_ [ (1) ] في ج: (يحبسكم)

لا يرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، وتواعدوا ليلة عشرة من رمضان، فتوجّه كلّ واحد إلى المصير الّذي فيه صاحبه الّذي يريد قتله، فضرب ابن ملجم عليّا بسيف مسموم في جبهته، فأوصله إلى دماغه في اللّيلة المذكورة ليلة الجمعة، ولما ضربه ابن ملجم قال: فزت، وربّ الكعبة، وأوصى سيّدنا الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- بتقوى الله- عز وجل- والصلاة والزكاة، وغفر الذّنوب، وكظم الغيظ، وصلة الرّحم، والحلم عن الجاهل، والتّفقّه في الدّين، والتّشبّث في الأمر، وتلاوة القرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش، ووصّاهما بأخيهما محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما وأن يعظّمهما، ولا يقطع أمرا دونهما، وكتب ذلك كله في كتاب وصيّته، وصورة الوصيّة «بسم الله الرحمن الرّحيم» . هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنّه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، قل: إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا أوّل المسلمين» أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم، وطاعته، وحسن عبادته، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام وانظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم ولا تبغوا الدّنيا، ولا تبكوا على ما زوى عنكم منها، وقولوا الحقّ وارحموا اليتيم، وكونوا للظّالم خصما، وللمظلوم نصرا، واعملوا بما في كتاب الله- عزّ وجلّ- وسنّة رسوله- صلى الله عليه وسلم- ولا يأخذكم في الله لومة لائم، ثمّ ليهون عليكم الحساب، الله الله في الصّلاة، فإنّها عمود دينكم، والله الله في الجهاد في سبيل الله- عز وجل- بأموالكم وأنفسكم، الله الله في الزّكاة، فإنّها تطفئ غضب الرّبّ، والله الله في ذرّيّة نبيكم محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يظلمنّ بين ظهرانيكم، والله الله في أصحاب نبيكم- صلى الله عليه وسلّم- فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أوصى بأهل بيته وأصحابه، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم ولا تخافنّ في الله لومة لائم، يكفكم الله- عز وجل- من أرادكم وبغي عليكم، وقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، كما أمركم الله- عز وجل-، ولا تتركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فيولىّ الأمر شراركم، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، وعليكم بالتّواصل والتّباذل، وإِيَّاكم والتَّدابُر والتَّقَاطع والتَّفَرُّق وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تَعَاوَنُوا على الإِثْم والعُدْوان، واتَّقُوا الله، إن الله شدِيدُ العِقَاب، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم بيتكم (أستودعكم) [ (1) ] الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله، ولمّا احتضر جعل يكثر من قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: لا إله إلا الله لا يقول غيرها حتى قبض، وهو ابن ثلاث وستّين سنة على

_ [ (1) ] في ج: (استودعتكم)

السادس: فيما رثي به رضي الله تعالى عنه.

الصّحيح المشهور، وقيل: إنّ آخر كلامه «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ثم توفّي بالكوفة ليلة الأحد السابع والعشرين وقيل: التّاسع والعشرين من رمضان وقيل: التاسع عشر من رمضان سنة أربعين- رضي الله تعالى عنه- وغسّله ابناه الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهم- وكفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، وكان عنده شيء من حنوط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوصى أن يحنّط به فحنّطوه به- وصلّى عليه الحسن، ودفن في الكوفة عند قصر الإمارة، وغمّي قبره، وقيل: إن عليّا صبر في صندوق وكثّروا عليه من الكافور، وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلمّا كان ببلاد طيّء أضلّوا البعير ليلا، فأخذته طيّء ودفنوه، ونحروا البعير وقال المبرد عن محمد بن حبيب: أول من حوّل من قبر إلى قبر علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورضي عنا به ورزقنا محبته وسائر أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم وأدام ذلك لنا إلى يوم نلقاه. السادس: فيما رثي به رضي الله تعالى عنه. روى سعيد بن منصور لأبي الأسود الدؤلي يرثي عليا رضي الله تعالى عنه: ألا يا عين ويحك أسعدينا ... ألا تبكي أمير المؤمنينا وتبكي أمّ كلثوم عليه ... بعبرتها وقد رأت اليقينا ألا قل للخوارج حيث كانوا ... فلا قرّت عيون الحاسدينا أفي شهر الصّيام فجعتمونا؟ ... بخير النّاس طرّا أجمعينا قتلتم خير من ركب المطايا ... وذلّلها، ومن ركب السّفينا ومن لبس النّعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمبينا وكلّ مناقب الخيرات فيه ... وحبّ رسول ربّ العالمينا إذا استقبلت وجه أبي حسين ... رأيت البدر فوق النّاظرينا وكنّا قبل مقتله بخير ... نرى مولى رسول الله فينا يقيم الحقّ لا يرتاب فيه ... ويعدل في العدى والأقربينا وليس بكاتم علما لديه ... ولم يخلق من المتكبرينا كأنّ النّاس إذ فقدوا عليا ... نعام حار في بلد سنينا فلا تشمت معاوية بن صخر ... فإنّ بقيّة الخلفاء فينا

الباب الحادي عشر في بعض فضائل طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه

الباب الحادي عشر في بعض فضائل طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه وفيه أنواع: الأول: - في نسبه وأولاده- رضي الله تعالى عنه - فهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي المكي المدني يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في مرة، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت- رضي الله تعالى عنها-[قال بعضهم] : كان آدم وقيل أبيض حسن الوجه كثير الشعر إلى القصر أقرب رحب الصدر بعيد ما بين المنكبين. ضخم القدمين، إذا مشى أسرع وإذا التفت التفت جميعا، ولا يغيّر شيبه وكان في الشدة والقلة لنفسه بذولا، وفي السّعة والرضا وصولا وكان له عشرة أولاد محمد السّجاد، وعمران أمهما حمنة بنت جحش. وموسى، ويعقوب، وإسحاق، وأمهم إبان بنت عتبة بن ربيعة. وزكريا ويوسف، وعائشة وأمهم أم كلثوم بنت الصديق. وعيسى ويحيى وأمهما سعدى بنت عوف بن خارجة، وأم إسحاق والصّعبة، ومريم، وصالح، وأسلم أخواه عثمان وعبد الرحمن وله عدة موالي. الثاني: في جمل من فضائله. فهو أحد العشرة المبشرة بالجنة والثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، والستة أصحاب الشورى والخمسة الذين أسلموا على يد الصديق- رضي الله تعالى عنه- شهد المشاهد كلها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلّا بدرا، فإنه بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى طريق الشام يتجسس الأخبار، فقدم بعد رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من بدر، فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في سهم له، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: لك سهمك، قال: وأجري يا رسول الله؟ قال: وأجرك، وسمّاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، لكثرة جوده [ (1) ] . روى ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن الحرث وأبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لطلحة: «ما أنت يا طلحة إلّا فياض» باع أرضا بسبعمائة ألف، فبات تلك الليلة كلّها ورسله تختلف إلى فقراء أهل المدينة فما أصبح وعنده منها درهم، وفي رواية: «فبات عنده ليلة، فبات أرقا من ذلك المال حتى أصبح ففرّقه، وفدى عشرة من أسارى

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 3/ 368 والطبري في الكبير (189)

بدر بماله، جاءه أعرابيّ، وتقرّب إليه برحم، فقال: إن هذه الرّحم ما سألني بها أحد قبلك، ولي أرض قد أعطاني فيها عثمان (بن عفان) [ (1) ] ثلاثمائة ألف، فإن شئت الأرض وإن شئت الثمن فقال: الثمن فأعطاه، وكان يكفي ضعفاء بني تميم، ويقضي ديونهم يرسل إلى عائشة كلّ سنة عشرة آلاف درهم. وسماه أيضا طلحة الطّلحات، وليس هو طلحة الطّلحات الذي قيل فيه: رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطّلحات لأنه خزاعي مدفون بسجستان، وكان الصّدّيق إذا ذكر يوم أحد قال: ذاك يوم كلّه لطلحة، وجعل يومئذ نفسه وقاية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب وأبو يعلى وابن حبان، والحاكم والضّحّاك عن يحيى بن عبّاد بن الزبير عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أوجب طلحة حين صنع برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما صنع» . وروى أبو بكر الشّافعي في «الغيلانيات» «والدّيلمي» وابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال لطلحة: يا طلحة، هذا جبريل يقرؤك السلام، ويقول لك: أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها. وروى ابن منده وابن عساكر والحاكم والترمذي وقال: غريب وابن ماجة والطبراني في الكبير عن معاوية، وابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لطلحة: «يا طلحة، أنت ممن قضى نحبه، وفي لفظ: «طلحة ممن قضى نحبه» . روى الترمذي وحسنه عن طلحة أن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قالوا لأعرابيّ جاهل: سله عمّن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألة يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطّلعت من باب المسجد وعليّ ثياب خضر، فلما رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أين السائل عمّن قضى نحبه؟ قال: أنا يا رسول الله، قال «هذا ممّن قضى نحبه» [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الحلية- عن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلا على المنبر: «ومنهم من قضى نحبه» ، فسأله رجل من هم؟ فأقبل على طلحة بن عبد الله، فقال: أيها السائل، هذا منهم» [ (3) ] .

_ [ (1) ] سقط في ج [ (2) ] أخرجه الترمذي (3203) [ (3) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 87

وروى [الطبراني] عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: طلحة ممّن قضى نحبه. وفي تفسير ابن أبي حاتم أن عمّارا منهم، وفي تفسير يحيى بن سلّام: حمزة وأصحابه. وروى الطبراني في- الكبير- وأبو نعيم والضّياء والباروديّ والبغوي عن حصين بن وحوح قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: اللهم الق طلحة تضحك إليه ويضحك إليك [ (1) ] . وروى الترمذي وقال: غريب وأبو يعلى والحاكم وتعقب وأبو نعيم في المعرفة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «طلحة والزّبير جاراي في الجنة» . وروى الحاكم وابن ماجة وابن عساكر عن جابر، وابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «طلحة خير شهيد يمشي على وجه الأرض» . وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة- عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال لطلحة: لك الجنّة عليّ يا طلحة غدا. وهو أعظم الطلحات السبعة المعدودين في الجود، فقد باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف، فحملها إليه، فلمّا جاء بها، قال: إنّ رجلا ثبت هذه عنده، لا يدري ما يطرقه من أمر الله، لغرير بالله، فبات، ورسله تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم. وقد تصدّق يوما بثمانمائة ألف ثم حبسه عن الرّواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه. والثاني: طلحة بن (عمر التميمي) طلحة الجود. والثالث: طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق، ويسمّى طلحة الدّراهم. والرابع: طلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ويسمى طلحة الخير. والخامس: طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري ويسمى طلحة الدوسيّ. السادس: طلحة بن عبد الله بن خلف، ويسمى طلحة النّدى.

_ [ (1) ] انظر المجمع 1/ 40

الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه -.

السابع: طلحة بن عبد الله الخزاعي، ويسمى طلحة الطّلحات. الثالث: في وفاته- رضي الله تعالى عنه-. قتل يوم الجمل سنة ستّ وثلاثين، وهو ابن أربع وستّين، وقيل: اعتزل يوم الجمل في بعض الصفوف، فرمي بسهم فقطع من رجله عرق النسا، فلم يزل دمه ينزف منه حتى مات، وأقرّ مروان بن الحكم أنّه رماه، ودفن بقنطرة القرة، قد رأى بعد موته بثلاثين سنة في المنام أنه يشكو إليها الغلاوة فأمر به فاستخرج طريّا ودفن في دار الهجرتين بالبصرة، وقبره مشهور. [شرح غريب ما سبق] . نحب: بنون فحاء فموحدة، النّذر كأنه أكرم نفسه أن يصدق الله في قتل أعدائه في الحرب، وقيل: هو الموت، فكأنّه الزمها أن يقاتل حتى الموت.

الباب الثاني عشر في بعض فضائل الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنه -

الباب الثاني عشر في بعض فضائل الزبير بن العوام- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في نسبه وصفته وولده وإسلامه وهجرته. هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن (خويلد) بن أسد بن عبد العزى بن قصّي القرشي الأسدي، يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في قصيّ، وأمّه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسلمت وهاجرت إلى المدينة، أسلم قديما، وعمره خمس عشرة سنة، قال الحافظ أبو نعيم: كان عمّ الزّبير يعلّق الزبير في حصير، ويدخّن عليه بالنار، وهو يقول: ارجع إلى الكفر، فيقول الزّبير: لا أكفر أبدا. وكان أسمر ربعة من الرجال، معتدل اللّحم، خفيف اللّحية، قيل: كان طويلا إذا ركب تخط رجلاه الأرض. وأولاده من أسماء بنت الصديق- رضي الله تعالى عنهم-: عبد الله، وعروة، والمنذر وعاصم، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأمّ الحسن، وعائشة، وله أولاد من غيرها- رضي الله تعالى عنهم-. الثاني: في بعض فضائله- رضي الله تعالى عنه-. أسلم قديما وهو ابن ثماني سنين، وقيل: ابن ستّ عشرة سنة، فعذّبه عمه بالدّخان لكي يترك الإسلام فلم يفعل، وهاجر إلى الحبشة مرّتين وإلى المدينة، وآخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين ابن مسعود، وكان أول من سلّ سيفا في سبيل الله حين سمع ما ألقاه الشّيطان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخذ، فخرج الزّبير يستبق الناس بسيفه، والنبي- صلى الله عليه وسلّم- بأعلى مكّة فلقيه، فقال: ما لك يا زبير؟ فقال: أخبرت أنّك أخذت، قال: فصلّى عليه ودعا له ولسيفه. وشهد بدرا والمشاهد كلّها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شهد اليرموك وفتح مصر، وكان يتجر ويأخذ عطاء. روى الإمام أحمد والشيخان وعبد بن حميد والترمذي والخطيب وابن عساكر في تاريخه وابن أبي شيبة وأبو نعيم في المعرفة- والإمام أحمد والبيهقي عن جابر وابن عساكر عن الزبير والإمام أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة والترمذي وقال: حسن صحيح، والطبراني والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي والدارقطني في الإفراد عن أبي موسى والزّبير ابن بكّار وابن عدي وابن عساكر عن عمر وأبو يعلى وابن سعد والزبير بن بكّار وابن عساكر

الثالث: في كرمه ووصيته ووفاته وعمره.

عن أبي عمر، والإمام أحمد وابن كثير والطبراني في الكبير، وأيضا عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لكل نبيّ حواريّ وإن حواريّ- وفي لفظ: «وابن عمتي» الزّبير وفي لفظ: «وأنتما حواريّ» قاله لطلحة الزبير، وفي لفظ: «الزبير ابن عمّتي حواريّ من أمتي» . روى الشيخان عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال لي أبي: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم» ، فانطلقت فلمّا رجعت جمع لي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبويه فقال: «إرم، فداك أبي وأمّي» . الثالث: في كرمه ووصيته ووفاته وعمره. كان من الشّجعان المعدودين هو وعليّ وحمزة، كان له ألف مملوك يؤدّون إليه الضربية ما دخل في بيت ماله درهم واحد يتصدّق بها- وفي رواية- «كان يقسّمها كلّ ليلة وما يقوم إلى منزله بشيء منه» . روى البخاري [ (1) ] عنه قال: لما وقف على يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ، ما أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى ديننا بقي من مالنا شيئاً؟ ثم قال: يا بنيّ، بع مالنا واقض ديني، وأوصى بالثّلث، قال عبد الله: «فجعل يوصيني بدينه» ، ويقول: يا بنيّ، إن عجزت عن شيء منه فاستعن بمولاك، فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبة من مولاك؟ قال: الله، فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزّبير، اقض عنه دينه فيقضيه، قال: فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر، قال: وما كان دينه إلا أن الرجل يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف، إنّي أخشى عليه الضّيعة، وما ولّى إمارة قط ولا جباية، ولا خراج ولا شيئا إلا أن يكون غزوة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أو مع أبي بكر وعمر وعثمان قال عبد الله: فحسبت ما كان عليه من الدّين فكان ألفي ألف ومائتي ألف، وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قال: من كان له عندنا شيء فليوافنا بالغابة، فلما فرغ عبد الله من قضاء دينه، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، قال: لا، والله، لا أقسم بينكم حتى أنادي بالمواسم أربع سنين، إلا من كان له دين على الزبير فليأتنا فلنقضيه، فجعل ينادي كلّ سنة بالموسم فلما قضى أربع سنين قسم بينهم ودفع الثّلث، وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجمع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف كما رواه البخاري.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (3129)

قيل: وجدوا عليه من الدّين ألفي ألف ومائتي ألف فوفّاه عنه وأخرجوا بعد ذلك ثلث ماله الذي أوصى به، ثم قسّمت التركة، فأصاب كل واحد من الزّوجات ألف ألف ومائتا ألف فعلى هذا يكون جميع ما خلفه من الدّين والوصيّة والميراث تسعة وخمسين ألف ألف وثمانمائة ألف، وهذا هو الصّحيح، وما في البخاري قال في مجمع الأحباب: وفيه نظر، وكان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فيتصدق به في مجلسه، ولا يقوم بدرهم منه وكان له مال جزيل وصدقات كثيرة، قيل: سبعة من الصحابة أوصوا إليه، منهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان ينفق على عيالهم من ماله، ويوفّر أموالهم، وترك القتال يوم الجمل، وانصرف، فلحقه جماعة من القوم فقتلوه بوادي السباع ناحية البصرة في جمادى الأولى سنة ستّ وثلاثين، وكان عمره سبعا (وستين) [ (1) ] سنة، وقيل أربعا وستين، وقبره مشهور، وقال فيه حسان بن ثابت- رضي الله تعالى عنه-: فكم كربة ذبّ الزّبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل فما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدّهر ما كان يزبل ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يا ابن الهاشميّة أفضل [ (2) ]

_ [ (1) ] في أ: وسبعين [ (2) ] انظر ديوان حسان 199- 200 والإصابة 3/ 6 والحلية 1/ 90

الباب الثالث عشر في بعض فضائل سعد بن مالك - رضي الله تعالى عنه -

الباب الثالث عشر في بعض فضائل سعد بن مالك- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في اسمه ونسبه وكنيته. هو فارس الإسلام سعد وكنيته أبو إسحاق بن مالك وكنيته أبو وقّاص بن وهب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن عبد مناف، يلتقي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف. الثاني: في فضائله. أسلم قديما وهو ابن تسع عشرة سنة وكان ثالثا في الإسلام، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأوّل من أراق دما في سبيل الله شهد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المشاهد كلها وكان من أمراء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان مجاب الدعوة، مسدد الرمية، بقوله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم سدّد رميته، وأجب دعوته» ، رمي يوم أحد ألف سهم، ولاه أمير المؤمنين عمر العراق، وهو الذي كان أمير الجيوش في القادسيّة والمدائن وغير ذلك. وروي له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مائتان وسبعون حديثا، اتّفق البخاريّ ومسلم منها على خمسة عشر وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بثمانية عشر، اعتزل الفتن فلم يقاتل في شيء من الحروب. وروى أبو الفرج عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: أقبل سعد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هذا خالي فليرني امرؤ خاله. ومرض بمكّة، وهو يكره أن يموت بالأرض الّتي هاجر منها، فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعوده، ولم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة، فقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كلّه؟ قال: الثّلث والثّلث كثير، ولعل الله أن يرفعك فينتفع بك ناس، ويضرّ بك آخرون، ودعا، فقال: يا رب، إن لي بنين صغارا، فأخّر عنّي الموت فأخّر عنه الموت عشر سنين، وكان لا يجد في قلبه لأحد من المسلمين شيئا لا يقوله، وهو أحد الستة الّذين نزل فيهم: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام 52] كما رواه مسلم في رواية: لمّا أسلم سعد امتنعت أمّه عن الطعام والشّراب أيّاما، فقال لها: لنعلمنّ أنّه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا، إن شئت كلي وإن شئت فلا تأكلي فلمّا

الرابع في وفاته - رضي الله تعالى عنه -

رأت ذلك نزل: وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي [العنكبوت 8] . من كلامه أنه قال لابنه مصعب: يا بنيّ، إذا طلبت شيئا فاطلبه بالقناعة، فإنّه من لا قناعة له لم يغنه المال [ (1) ] . الرابع في وفاته- رضي الله تعالى عنه- كان أوصى أن يكفن في جبّة صوف، لقي المشركين فيها يوم بدر وهي عليه، فقال: إنما كنت أخبؤها لهذا فكفّن فيها، وذلك سنة خمس وخمسين، وهو ابن تسع وسبعين، وقيل: ابن اثنتين وثمانين، وهو آخر من مات من المهاجرين- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وتوفّي في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها وصلّى عليه مروان بن الحكم، وهو يومئذ وإلي المدينة، وصلّى عليه أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- في حجرهنّ ودفن بالبقيع.

_ [ (1) ] انظر الصفوة 1/ 188 والترمذي (3753)

الباب الرابع عشر في فضائل سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه -

الباب الرابع عشر في فضائل سعيد بن زيد- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في نسبه وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في كعب بن لؤي. الثاني: في بعض فضائله- رضي الله تعالى عنه- أسلم قديما قبل دخول دار الأرقم ابن أبي الأرقم، وشهد المشاهد كلّها ما خلا بدرا، وذكره البخاري في مشهدها وهو ابن عمّ عمر وزوج أخته أسلمت أيضا قديما وكانت سبب إسلام عمر، وهو من المهاجرين الأوّلين، وأحد العشرة، وشهد اليرموك، وحصار دمشق وكان مجاب الدّعوة. روى الشيخان عن سعيد بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أنه خاصمته أروى بنت أويس إلى مروان، وادّعت عليه أنّه أخذ شيئا من أرضها، فقال سعيد بن زيد: ما كنت لآخذ من أرضها من بعد أن سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: من أخذ شبرا من أرض طوّقه من سبع أرضين، فقال مروان: لا أسألك بعد هذا ثم قال سعيد: اللهمّ، إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت، في رواية لمسلم أنها قالت: أصابتني دعوة سعيد، وفي رواية: أن أروى بنت أويس جاءت إلى مروان بن الحكم تستعدي على سعيد، وقالت: ظلمني وغلبني على أرضي، وكان جارها بالعقيق فركب إليه عاصم بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- فقال: أنا أظلم أروى حقّها، فو الله، لقد ألقيت لها ستّمائة ذراع من أرضي من أجل حديث سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أخذ من حقّ امرئ من المسلمين شيئا بغير حقّ طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين، قومي، يا أروى، فخذي الّذي تزعمين أنّه حقّك، فقامت فأخذت، فقال سعيد: اللهمّ إن كانت ظالمة، فاعم بصرها واقتلها بشرّها فعميت، فوقعت فيه بشرّها فماتت. روي له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثمانية وأربعون حديثا اتّفقا على حديث وانفرد البخاريّ بحديث. وروى عنه جماعة الصحابة وخلائق من التابعين- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. الثالث: في وفاته- رضي الله تعالى عنه- توفّي سنة خمسين أو إحدى وخمسين وكان ابن بضع وسبعين سنة بالعقيق، وحمل إلى المدينة، ودفن بها، وغسّله ابن عمر، وقيل: سعد بن أبي وقاص، وصلّى عليه ابن عمر ونزل في قبره سعد وابن عمر- رضي الله تعالى عليهم أجمعين-.

الباب الخامس عشر في بعض فضائل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه -

الباب الخامس عشر في بعض فضائل عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع الأول: في نسبه- رضي الله تعالى عنه- هو أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرّة، يلتقي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في كلاب وأمّه الشّفّاء بنت عوف أسلمت وهاجرت، وولد بعد الفيل بعشر سنين. الثاني: في بعض فضائله أسلم قديما وهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة، وأحد الثّلاثة الذين انتهت إليهم الخلافة من الستة، وكان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان، شهد المشاهد كلّها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكان من الذين ثبتوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم أحد، وهو أحد الخمسة الذين أسلموا على يدي الصّدّيق، وهاجروا الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وآخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع، وبعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى دومة الجندل إلى بني كليب وعمّمه- صلى الله عليه وسلم- بيده الشريفة، وأسدلها بين كتفيه وقال: إن فتح الله عليك فتزوّج ابنة ملكهم، أو قال: شريفهم، ففتح الله تعالى عليه وتزوّج بنت شريفهم الأصبع، فولدت له أبا سلمة وصلّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين أدركه، وقد صلّى بالناس ركعة كما في صحيح مسلم وغيره، وجرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، وجرح في رجله وسقطت ثناياه وكان كثير الإعتاق في سبيل الله، أعتق في يوم واحد واحدا وثلاثين عبدا. وروي له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خمسة وستون حديثا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاريّ بخمسة. روى عنه ابن عمر وابن عبّاس وجابر وخلائق غيرهم من الصحابة والتابعين- رضي الله تعالى عنهم-، وكان كثير المال محفوظ في التجارة، قيل: إنّه دخل على أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- فقال: يا أمّاه، خفت أن يهلكني كثرة مالي، فقالت: يا بني، أنفق. تصدّق على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بشطر ماله، أربعة آلاف دينار ثم تصدّق بأربعين ألف دينار، وتصدّق بخمسمائة فرس في سبيل الله تعالى ثم بخمسمائة راحلة، وكان عامة ماله من التجارة. انتهى.

روى الترمذي وقال: حديث حسن، أنّه أوصى لأمّهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف، وقال عروة: أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله تعالى. وروى أبو الفرج بن الجوزي عن المسور بن مخرمة قال: باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين، وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال، فقالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: أما إني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لن يحنو عليك بعدي إلا الصالحون» ، سقى الله تعالى ابن عوف من سلسبيل الجنة. وقال الزّهري: أوصى لمن بقي ممن شهد بدرا لكلّ رجل أربعمائة، وكانوا مائة، وأوصى بألف فرس في سبيل الله- عز وجل-. قال ابن القيّم: وكان من تواضعه- رضي الله تعالى عنه- لا يعرف من عبيده وكان يلبس الحلّة تساوي خمسمائة درهم، وأكثر، ويلبس غلمانه مثلها. وقال في الاكتفاء: وكان أهل المدينة عيالا عليه ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي ديونهم من ماله، وثلث يصلهم، وبينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتاً رجّت له المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: غير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشّام، وكانت سبعمائة راحلة، فقالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: أما إني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأتاها يسألها عما بلغه، فوثّقته، فقال: فإنّي أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها في سبيل الله. وباع أرضا من عثمان- رضي الله تعالى عنه- بأربعين ألفا، فقسّم ذلك في بني زهرة وفقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين وبعث إلى عائشة- رضي الله تعالى عنها- بمال من ذلك، فقالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: أما إني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: لن يحنو عليكم بعدي إلا الصالحون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. وروى أنّه أعتق ثلاثين ألف بنت، كان له من الولد ثمانية وعشرون ولدا ذكورا وإناثا، مات بعضهم في حياته، وفتح الله تعالى- عليه بدعائه- صلى الله عليه وسلّم- بالبركة حتى حضر الذهب الذي جعله بالقوس حتى تجلّت أيديهم، وأخذت كل زوجة من زوجاته الأربع ثمانين ألفا، وقيل: مائة ألف، وقيل: بل صولحت إحداهن لأنه طلقها على نصف وثمانين ألفا، وأوصى بخمسين ألف بعد صدقاته الفاشية وعوارفه العظيمة أعتق يوما واحدا ثلاثين عبدا وتصدق مرة بعير منها سبعمائة بعير بأحمالها وأقتابها وأحلاسها، وردت عليه تحمل كل شيء.

وروى ابن سعد وابن عوف والطيالسي والحاكم والبيهقي في الشّعب عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل» وفي لفظ: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: لن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله- عز وجل- يطلق لك قدميك، قال ابن عوف- رضي الله تعالى عنه-: وما الذي أقرض الله- عز وجل- يا رسول الله؟ قال: «تبدأ بما أمسيت فيه» : قال: أمن كلّه أجمع يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فخرج ابن عوف، وهو يهمّ بذلك، فأرسل إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن جبريل قال: مر عبد الرحمن بن عوف فليضيف الضّيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل، ويبدأ بمن يعول، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه. وروى ابن عدي وابن عساكر عن عبد الرحمن بن حميد عن ابن عم أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط عن يسرة بنت صفوان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: «أنكحوا عبد الرحمن بن عوف، فإنّه من خيار المسلمين، ومن خيارهم من هو مثله» [ (1) ] . روى أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي قال: قرأ رجل عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليّن الصوت فما بقي أحد من القوم إلا فاضت عيناه إلا عبد الرحمن بن عوف، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أن لم يكن عبد الرحمن بن عوف فاضت عيناه، فقد فاض قلبه. وروى الديلمي عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: يا عبد الرحمن، كفاك الله أمر دنياك، فأمّا آخرتك فإنه لها ضامن. وروى الإمام أحمد والطبراني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا» . وروى الديلمي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن عبد الرحمن بن عوف يسمّى الأمين في السموات، والأمين في الأرض» . وروى الدارقطني في الإفراد عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: يا ابن عوف، إني أعلمك كلمات تقولهن حين تدخل المسجد وحين تخرج، إنه ليس عبد إلا ومعه شيطان، فإذا وقف على باب المسجد، فقال حين يدخل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم، افتح لي أبواب رحمتك مرة، ويقول: أعنّي

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 27

الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه -

على حسن عبادتك، وهوّن عليّ طاعتك ثلاثا، وحين تخرج تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهمّ، اعصمني من الشيطان الرجيم ومن شر ما خلقت واحدة. ألا أعلمك كلمات تقولها إذا دخلت بيتك: بسم الله، ثم تسلم على نفسك وأهلك، وتسلّم على ما أتاك الله من رزق، وتحمده حين تفرغ. الثالث: في وفاته- رضي الله تعالى عنه- توفّي سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه- فصلى عليه عليّ وقيل الزبير- رضي الله تعالى عنهما- ودفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، أو خمس وسبعين سنة. شرح غريب ما سبق الفؤس: بهمزة مضمومة بعد الفاء: جمع فأس بسكون همزته. مجلت: بفتح الميم والجيم وكسرها: تعبت من كثرة العمل. النّيّف: بالتشديد وقد تخفّف. العوارف: جمع عارفة بمعنى معروفة. الفاشية: بفاء فألف فمعجمة فمثنّاة تحتيّة فتاء التأنيث: [ ... ] . القافلة: بقاف القتب، فمثناة فوقية فموحدة للبعير، كاللحاف لغيره. الحلس: بحاء مهملة مكسورة فلام ساكنة فمهملة: ما يلي ظهر البعير تحت القتب.

الباب السادس عشر في بعض فضائل أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله تعالى عنه -

الباب السادس عشر في بعض فضائل أبي عبيدة بن الجراح- رضي الله تعالى عنه- وفيه أنواع: الأول: في نسبه وصفته- رضي الله تعالى عنه- هو أبو عبيدة بن عبد الله بن الجرّاح بن هلال بن وهيب وفي لفظ: أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك الملقّب بأمين هذه الأمّة يلتقي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في مالك. قال الحافظ ابن عساكر: وكان طويلا نحيفا أجنأ معروق الوجه خفيف اللّحية أهتم. الثاني: في بعض فضائله- رضي الله تعالى عنه- فهو أحد العشرة، وأحد الرّجلين اللذين عينهما، أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- وأحد الخمسة الّذين أسلموا في يوم واحد على يد الصّدّيق، والأربعة عثمان بن مظعون وعيينة ابن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد، وآخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن معاذ، وقيل: محمد بن سلمة، وقد شهد بدرا والمشاهد كلّها، وثبت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم أحد، ونزع يومئذ بفيه الحلقتين اللتين دخلتا في وجنتي النبي- صلى الله عليه وسلم- من حلق المغفر فوقعت ثنيّتاه فكان من أحسن الناس هتما. قال الحافظ ابن عساكر: وهو أول من سمّي أمير الأمراء، وأنزل الله تعالى فيه لما قتل أباه يوم بدر، حيث تصدّى له وحاد عنه مرارا لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الآية] وممّا قاله: ألا ربّ مبيّض لثيابه ... ومديّس لدينه ألا ربّ مكرم لنفسه ... وهو لها مهين بادروا السّيّئات القديمات ... بالحسنات الحديثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السّماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيّئاته حتى تقهرهنّ، وقال: مثل المؤمن مثل العصفور يتقلّب كلّ يوم كذا وكذا مرة، وله مع المشركين غزوات كبيرة، ووقعات كثيرة، منها وقعة حمص الأولى. وروى الطبراني برجال ثقات إلا مالك، فيحرر رجاله عن مالك الدار أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرّة فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم ابق في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: وصله الله ورحمه ثم

الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه -.

قال: تعالي أنت يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسرّ بذلك [ (1) ] . وروى البخاري عن أنس وابن عساكر عن أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- وابن أبي شيبة عن أبي قلابة، والإمام أحمد عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ لكل أمة أمينا، وإنّ أمين هذه الأمة» وفي لفظ: «وإنّ أمينك أيّتها الأمة» - وفي لفظ: «لكلّ نبيّ أمين وأميني» أبو عبيدة بن الجراح. وروى ابن عساكر عن أبي بكر الصديق وابن عساكر عن محمد بن المنكدر (مرسلا) [ (2) ] وعن داود بن شابور أبي سليمان وابن عساكر. وتمام عن سعيد بن عبد العزيز مرسلا، وابن أبي شيبة والحاكم عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن زياد بن الأعلم عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن مبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من أصحابي» وفي لفظ: «أحد» إلّا كنت قائلا فيه، وفي لفظ، «وفي خلقه» ، «وفي لفظ: «في بعض خلقه» ، وفي لفظ: «أن أقول في خلقه» ، وفي لفظ: «إلا وقد وجدتّ فيه» ، ولو شئت أن أقول فيه، وفي لفظ: «ألا ولو شئت لأخذت عليه» إلا أبا عبيدة، وفي لفظ: «إلا ما كان من أبي عبيدة بن الجراح» ، وفي لفظ: «غير أبي عبيدة بن الجراح» . وروى الحاكم عن أبي عبيدة بن الجراح- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا عبيدة، لا تأمن على أحد بعدي» . وروى الشيخان عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله ابعث إلينا رجلا أمينا، فقال: لأبعثنّ إليكم رجلا أمينا حقّ أمين، قال: فاستشرق لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح. الثالث: في وفاته- رضي الله تعالى عنه-. توفّي بالطاعون عام عمواس هو ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم من أشراف الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- ووقع ذلك الطّاعون مرتين وطال مكثه وفني فيه خلق كثير من الناس، وطمع العدوّ، وتخوّف المسلمون بذلك، وقبره بغور بيسان عند قرية تسمى عمتا. قال الشيخ محي الدين النّوويّ: وعلى قبره من الجلالة ما هو لائق به، وقد زرته فرأيت عنده عجبا، وصلّى عليه معاذ بن جبل، ونزل في قبره هو، وعمرو بن العاص، والضّحّاك ابن مزاحم.

_ [ (1) ] انظر المجمع 3/ 127 [ (2) ] سقط فى ج

وعمواس بلدة صغيرة بين الرملة وبيت المقدس، ونسب [الطاعون] إليها، لأنّه أوّل ما نجم من هذا الدار ثم انتشر إلى الشام. ومن مناقبه ما روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لأصحابه ذات يوم: تمنّوا، فقال رجل: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنّوا، فقال رجل: أتمنّى لو كانت مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدّق به، ثم قال: تمنّوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجرّاح. [عن عروة بن الزبير قال] : لمّا قدم عمر الشام تلقاه النّاس وعظماء أهل الأرض، وهو راكب فقال: أين أخي وقرّة عيني، قالوا: من تعني؟ قال: أبا عبيدة بن الجراح، قالوا: الآن يأتيك، فلما أتاه، نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم يرى فيه إلّا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: ألا اتّخذت ما اتّخذ أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المقيل.

جماع أبواب القضاة والفقهاء والمفتين وحفاظ القرآن من أصحابه في أيامه - صلى الله عليه وسلم - وذكر وزرائه وأمرائه وعماله على البلاد وخلفائه على المدينة إذا سافر

جماع أبواب القضاة والفقهاء والمفتين وحفاظ القرآن من أصحابه في أيامه- صلّى الله عليه وسلم- وذكر وزرائه وأمرائه وعماله على البلاد وخلفائه على المدينة إذا سافر الباب الأول في ذكر قضاته- صلّى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وأبو يعلى وابن حبان عن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء وبالموحدة- رحمه الله تعالى- أن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال لابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: اقض بين الناس، قال: لا أقضي بين رجلين، لا أرى منهما، قال: فإنّ أباك كان يقضي، قال: إن أبي كان يقضي فإن أشكل عليه شيء، سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- فإن أشكل على النبي- صلى الله عليه وسلم- شيء سأل عنه جبريل، وأنا لا أجد من أسأله وإنّي لست مثل أبي. وروى الطبراني برجال الصحيح عن مسروق قال: كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عمر وعليّ وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والدّارقطنيّ بسند حسن صحيح عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء خصمان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يختصمان، فقال: قم يا عقبة، اقض بينهما، فقلت: بأبي وأمّي أنت، يا رسول الله، أنت أولى بذلك منّي، قال: وإن كان فاقض بينهما، قلت: فإذا قضيت بينهما فما لي، وفي لفظ: فقال: «أقضي بينهما على ماذا» ؟ قال: «اجتهد فإن أصبت فلك عشرة أجور» وفي لفظ: «عشر حسنات» ، وإن اجتهدت فأخطأت فلك أجر واحد» . انتهى. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والإمام أحمد والطبراني عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء خصمان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال لعمر: اقض بينهما، فقال: أنت أولى بذلك مني يا رسول الله قال: وإن كان. قال: أقضي وأنت حاضر؟ قال: نعم، قال: فإذا قضيت بينهما فما لي؟ قال: إن أنت قضيت بينهما فأصبت القضاء فلك عشر حسنات وفي لفظ: «عشرة أجور، وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة» وفي لفظ: «أجر» .

تنبيه:

وروى الإمام الطبراني والحاكم عن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وباللام، ابن يسار بفتح المثناة التحتية وبالسين المهملة المزني بضم الميم، وفتح الزّاي وبالنّون- رضي الله تعالى عنه- قال: أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أقضي بين قوم فقلت: ما أحسن أن أقضي يا رسول الله! قال: إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا. وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عنه قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على اليمن قاضيا، وأنا حديث السّنّ، قال: قلت يا رسول الله، أتبعثني وأنا الشّاب أقضي ولا أدري ما القضاء! وفي لفظ «تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث» ، فضرب بيده على صدري، وقال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه وقال: أن الله تعالى سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين. وروى الحارث بن عمر عن معاذ- رضي الله تعالى عنه-. وروى سعد بن عمر بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جدّه قال: وجدنا في كتب سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر عمارة بن حزم أن يقضي باليمن مع الشاهد. وروى الدارقطني عن جارية- بالجيم- ابن ظفر بالظاء المعجمة المشالة أنّ قوما اختصموا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في خصّ كان بينهم فبعث حذيفة- رضي الله تعالى عنه- يقضي بينهم، فقضى للذي يليهم القمط، ثم رجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: أصبت أو أحسنت. تنبيه: قول عثمان- رضي الله تعالى عنه- «فإن أباك كان يقضي بين الناس» يريد أنه كان يقضي في بعض الأمور في أوقات مختلفات لا أنه كان يقضي دائما، كما دل عليه قول عمر، وإنّما استقضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جماعة في أشياء خاصّة، ولم يستقض شخصا معيّنا في القضاء بين الناس، والدليل على ذلك حديث ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «ما اتخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قاضيا، ولا أبو بكر، ولا عمر حتى كان في آخر زمانه، قال ليزيد بن أخت نمير: اكفني بعض الأمور. رواه أبو يعلى الموصليّ ورجاله رجال الصحيح. وروى الطبراني بسند جيد عن السائب بن يزيد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر لم يتخذا قاضيا وأوّل من استقضى عمر، قال: رد عنّي النّاس في الدّرهم والدرهمين.

[شرح غريب ما سبق]

والجواب عن ذلك: أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يستقض جماعة في أشياء خاصة. [شرح غريب ما سبق] القمط: وروي بضم القاف والميم وبالطاء المهملة، جمع قماط بكسر القاف وهي الشّرط بضم الشين المعجمة والراء جمع شريط، وهو ما يشدّ به الخصّ ويوثق به من ليف أو خوص أو غيرهما، وقيل: القمط: الخشب الذي يكون على ظاهر الخصّ، أو باطنه ومعاقد القمط تلي صاحب الخص وهو البيت الذي يعمل من القصب. الحرادي: بفتح الحاء والدال المهملتين، جمع حردى بضم أوله وسكون ثانيه وهي حزمة من قصب يلقى على حسب السّقف.

الباب الثاني في ذكر المفتين من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في أيامه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في ذكر المفتين من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- في أيامه- صلّى الله عليه وسلم- روى عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه سئل: من كان يفتي الناس في زمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر وعمر. وروى أيضاً عن القاسم بن محمد- رحمه الله تعالى- قال: كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي- رضي الله تعالى عنهم- يفتون على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى أيضا عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان معاذ بن جبل يفتي النّاس في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى أيضاً عن علي بن عبد الله بن دينار الأسلمي قال: كان عبد الرحمن بن عوف ممّن يفتي في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى عن سهل بن أبي خيثمة قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة من المهاجرين، وثلاثة من الأنصار، وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وقد تحصّل من هذه الآثار ثمانية وكانوا يفتون والنبي- صلى الله عليه وسلم- حي جمعهم شيخنا- رحمه الله تعالى- في بيتين فقال: وقد كان في عصر النّبيّ جماعة ... يقومون بالإفتاء قومة قانت فأربعة أهل الخلافة معهم ... معاذ وأبيّ وابن عوف وابن ثابت تنبيه: قال السّيّد النّسّاب في شرحه لمنظومة ابن العماد في الأنكحة، قال ابن الجوزي في المدهش: إن الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشرة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وزيد بن ثابت، وأبو الدّرداء، وأبو موسى الأشعري، فيحصّل من كلامهما اثنا عشر اتّفقا على سبعة وانفرد الشّيخ بأبيّ، وابن الجوزي بحذيفة وعمّار وأبي الدّرداء وأبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنهم- وقد نظم جميع ذلك صاحبنا وليّ الله تعالى- شمس الدين بن عبد الله محمد ابن ولي الله الشيخ العلاّمة شهاب الدّين بن الشّلبي الحنفي فقال: متمما لنظمه: حذيفة أبو موسى إلى أشعر أنتما ... وعمّار أبو الدّردا حبوا بالسّعادة

وجمع من الأصحاب أفتوا بعصره ... معاذ وزين النّظم بالخلفاء حذيفة عمار وزيد بن ثابت ... أبو الأشعري موسى أبو الدّرداء أبيّ ابن عوف وهو ختم نظامهم ... فأعظم بصحف، قادة شعراء وله فيهم أيضا مع تغيير النّظم والقافية لما في بعض ذلك النّظم من الإبهام والله وليّ الفضل والإنعام. وجمع من الأصحاب أفتوا بعصره ... أبو بكر الفاروق عثمان مع علي حذيفة عمّار وزيد بن ثابت ... معاذ أبو الدّرداء أقدرهم علي أبيّ أبو موسى إلى أشعر أنتما ... وفاهم رضي مع نجل عوف من العلى وله فيهم أيضا: وفي زمن المختار أفتى بعصره ... أبو بكر الفاروق عثمان حيدر حذيفة عمّار وزيد بن ثابت ... معاذ أبو الدّرداء وهو عويمر أبيّ أبو موسى إلى أشعر أنتما ... وختم نظامي بابن عوف معطّر

الباب الثالث في حفاظ القرآن من أصحابه - رضي الله تعالى عنهم - في حياته - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثالث في حفاظ القرآن من أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- في حياته- صلى الله عليه وسلم- روى الشيخان عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «خذوا القرآن من أربع عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب» - رضي الله تعالى عنهم - قال الشيخ في الإتقان: أي تعلموا منهم والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين، وهما المبدأ بهما، واثنان من الأنصار سالم بن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل. وروى البخاري عن قتادة- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أربعة كلّهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلت: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. وروى أيضا من طريق ثابت عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: مات النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. وروى مسدد عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: أربعة رهط لا أزال أحبّهم منذ سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل. وروى البزار برجال ثقات عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «استقرئوا القرآن من أربعة: من أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة» . وروى الطبراني برجال ثقات غير إبراهيم بن محمد بن عثمان الحضرميّ فيحرّر حاله والبيهقي وأبو داود عن عامر الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: جمّع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ستّة من الأنصار: زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء، وسعد بن عبادة، وأبي بن كعب، وقد كان جارية بن مجمع قد قرأه إلا سورة أو سورتين [ (1) ] . وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى- رحمه الله تعالى- قال: كان سعيد بن عبيد يسمى القارئ على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-.

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 315

وروى أبو يعلى والبزّار والطبراني برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: افتخر الحيّان من الأنصار الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنّا من اهتز له عرش الرحمن: سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدّير عاصم بن ثابت بن أبي الأفلج ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، وقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل [ (1) ] . وروى الطبراني ولم يعدّ غير خمسة من الستة عن داود بن أبي هند وإسماعيل بن أبي خالد وزكريا بن أبي زائدة- رحمهم الله تعالى- قالوا: «جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ستة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وسعد بن عبيد» . وروى الطبراني بسند حسن عن عيسى السّعدي- رحمه الله تعالى- قال: رأيت أبي بن كعب أبيض الرأس واللحية ما خضب. روى الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن أبي حبّة البدري- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا نزلت لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [البينة/ 1] إلى آخرها قال جبريل: يا رسول الله، إن الله يأمرك أن تقرئها أبيّا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لأبيّ: إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة قال أبيّ: إني قد ذكرت ثمّ يا رسول الله؟ قال: نعم، فبكى أبيّ. وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي بضم الهمزة، وتشديد التّحية، ابن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا المنذر، أمرت أن أعرض عليك القرآن» ، فقال: بالله آمنت، وعلى يديك أسلمت، ومنك تعلمت، قال: فردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القول، فقال: يا رسول الله، ذكرت هناك؟ قال: نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى قال: فأقرأ إذا يا رسول الله. وفي رواية: إنّي عرضت على النبي- صلى الله عليه وسلم- القرآن، فقال: أمرني جبريل أن أعرض عليك- وفي رواية: قال أبيّ: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أمرت أن أقرئك القرآن. وروى الحاكم عن ابن عمرو، وابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب» زاد ابن عمر: لقد هممت أن أبعثهم إلى اليمن كما

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 41 وقال: في الصحيح بعضه رواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (4023) وعزاه إلى أبي يعلى.

بعث عيسى ابن مريم الحواريين، قالوا: يا رسول الله، أفلا تبعث أبا بكر وعمر فهما أعلم وأفضل، فقال: إني لا غنى لي عنهما، إنهما مني بمنزلة السّمع والبصر، وبمنزلة العينين من الرّأس. روى الإمام أحمد والنّسائي بسند صحيح والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «أقرأه في شهر» انتهى. وروى ابن أبي داود وبسند حسن عن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خمسة من الأنصار معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري. وروى البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعة لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة: أبي الدرداء، وعثمان، وقيل: عثمان وتميم الداري. وروى ابن سعد في الطبقات والإمام أحمد، وأبو داود وأبو يعلى والحاكم عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يزورها ويسمّيها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين غزا بدرا، قالت له: أتأذن لي أن أخرج معك، الحديث، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها في بيتها، وأمرها أن تؤمّ أهل دارها. ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات أنّه ذكر القرّاء من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلّم- فعدّ من المهاجرين الخلفاء الأربعة، وطلحة، وسعدا وابن مسعود، وحذيفة وسالما وأبا هريرة، وعبد الله بن السائب، والعبادلة، وعائشة، وحفصة، وأمّ سلمة. ومن الأنصار: عبادة بن الصامت، ومعاذ بن جبل الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن جارية وفضالة بن عبيد، ومسلمة بن مخلد، وصرّح بأن بعضهم أكمله بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس، وعدّ ابن أبي داود منهم تميما الدّاريّ وعقبة بن عامر، وممّن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري، وذكره أبو عمرو الداني. وروى أبو أحمد العسكري: لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن عبيد. وروى محمد بن حبيب في «المخبر» سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان

تنبيهات

يعرض القرآن على النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل سنة مرّة فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرّتين. كذا في نسختين من مجمع الزوائد، ظاهره أن أبا هريرة حفظ القرآن في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-[ (1) ] . تنبيهات الأول: قيل: إن سعداً هذا هو أبو زيد المذكور في حديث أنس، وقد اختلف في اسمه فقيل: هو سعد بن عبيد بن النعمان، أحد ابني عمر بن عوف، وردّ بأنّه أوسيّ، وأنس خزرجيّ، وقد قال: إنه أحد عمومته وبأنّ الشّعبيّ عدّه هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن كما تقدّم فدل على أنه غيره وقال ابن حجر: قد ذكر ابن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجيّ يكنى أبا زيد فلعلّه هو. وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس بن زهير وهو خزرجيّ أيضا، ولكن لم أر التصريح بأنّه يكنى أبا زيد قال: ثم وجدت عند أبي داود ما يرفع الإشكال، فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس «أن أبا زيد الّذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن وكان رجلا منّا من بني عدي بن النّجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا، ونحن ورثناه» . قال ابن أبي داود: حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال: هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النّجار، قال ابن أبي داود: ومات قريبا من وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فذهب علمه ولم يؤخذ عنه، وكان عقيبا بدريا، ومن الأقوال في اسمه: ثابت وأوس ومعاذ. الثاني: المشهور بقراءة القرآن من الصحابة سبعة: عثمان، وعليّ، وأبيّ، وزيد بن ثابت، وابن مسعود وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري كذا ذكرهم الذّهبي في طبقات القرّاء، قال: وقد قرأ على أبيّ جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة وابن عباس، وعبد الله بن السائب، وأخذ ابن عباس عن زيد أيضا. الثالث: قال الكرمانيّ في حديث «خذوا القرآن عن أربعة» : يحتمل أنه- صلى الله عليه وسلم- أراد الإعلام بما يكون بعده أيّ أنّ هؤلاء الأربعة يبقون حتّى ينفردوا بذلك، وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النّبويّ أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة في وقعة اليمامة، ومات معاذ في خلافة عمر، ومات أبيّ، وابن مسعود في

_ [ (1) ] في ج: من الذي حفظوه

خلافة عثمان، وقد تأخّر زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه-، وانتهت إليه الرئاسة في القراءة، وعاش بعدهم زمنا طويلا، فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد من ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن الكريم، بل كان الذين يحفظون (مثل الذين حفظوه) وأزيد جماعة من الصحابة. وفي الصّحيح في غزوة بئر معونة «أنّ الذين قتلوا بها من الصّحابة كان يقال لهم القراء، وكانوا سبعين رجلا» . الرابع: في حديث ثابت عن أنس مخالفة لحديث قتادة من وجهين. أحدهما: التصريح بصيغة الحصر في الأربعة. والآخر: ذكر أبي الدّرداء بدل أبي بن كعب وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة قال الإمام المازريّ: لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك، لأنّ التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك، وقال القرطبي: إنّما خصّ أنس الأربعة بالذكر لشدّة تعلّقه بهم دون غيرهم، أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم. وقال القاضي أبو بكر الباقلّانيّ: الجواب عن حديث أنس من أوجه. أحدها: أنه لا مفهوم له. الثاني: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك. الثالث: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك. الرابع: المراد بجمعه تلقّيه من في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا بواسطة. الخامس: أنّهم تصدّوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به. السادس: المراد بالجمع الكتابة. السابع: المراد بالجمع أنه لم يفصح بأن أحدا جمعه بمعنى إكمال حفظه في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا أولئك. الثامن: المراد بجمعه السّمع والطاعة له والعمل بموجبه، وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزّاهريّة أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال: إن ابني جمع القرآن فقال: اللهمّ غفرا! إنّما جمع القرآن من سمع وأطاع.

قال الحافظ ابن حجر: في غالب هذه الاحتمالات تكلّف ولا سيما الأخير، وقد ظهر لي احتمال آخر، وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفى ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين، لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج، قال: والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ففي الصّحيح: أنّه بنى مسجدا أيضا بفناء داره، فكان يقرأ فيه القرآن، وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك، وقد صحّ حديث: «يومّ القوم أقرؤهم لكتاب الله» ، وقد قدّمه- صلى الله عليه وسلّم- في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار، فدل على أنه كان أقرأهم. انتهى. قال الشيخ في الإتقان: وقد سبقه إلى نحو ذلك ابن كثير. قلت: لكن أخرج ابن أشته في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال: مات أبو بكر ولم يجمع القرآن له وقتل عمر، ولم يجمع القرآن له، قال ابن أشته: قال بعضهم: يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظا، وقال بعضهم: هو جمع المصاحف، قال ابن حجر: وقد ورد عن علي أنّه جمع على ترتيب النّزول عقب موت النبي- صلى الله عليه وسلّم- أخرجه ابن أبي داود.

الباب الرابع في ذكر وزرائه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع في ذكر وزرائه- صلّى الله عليه وسلم- الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الإمارة روى ابن أبي شيبة عن خيثمة مرسلا قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: الإمارة باب عنت إلّا من رحمه الله تعالى [ (1) ] . روى الطبراني عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الإمارة أمانة وهي يوم القيامة خزي وندامة إلّا لمن أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» فردد ذلك يا أبا ذر؟ وفي رواية: أنه سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- عن الإمارة، فقال: «أوّلها سلامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة» . وروى أبو داود الطيالسي والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: الإمارة أوّلها ملامة، وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة. وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء حمزة بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنه- إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله، اجعلني على شيء أعيش به، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: يا حمزة، نفس تحييها أحبّ إليك أم نفس تميتها؟ قال: نفس أحييها قال: عليك نفسك. وروى الطبراني عن عصمة بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلا على الصدقة فقال: يا رسول الله، خير لي فقال: اجلس في بيتك [ (2) ] . وروى الطبراني برجال ثقات غير شيخه أبي عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم فيحرر رجاله عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: لن يفلح قوم تملك أمرهم امرأة. ا. هـ. وروى الطبراني عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: وذكر بلقيس صاحبة سبأ فقال: لا يقدّس الله أمّة قادتهم امرأة.

_ [ (1) ] انظر الكنز (14706) [ (2) ] انظر المجمع 5/ 204

وروى الإمام أحمد والبخاري والتّرمذيّ والنّسائي عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة. وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في الإمارة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها. وروى مسلم وأبو داود عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني، فضرب بيده على منكبي وقال: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأتمرنّ على اثنين ولا تلينّ مال يتيم، وفي رواية: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه منها. وروى [أبو داود] عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- استعمل ابن اللّتبيّة على صدقات بني سليم [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (2946)

الباب السادس في تأميره - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه -

الباب السادس في تأميره- صلّى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- على إقامة الحجّ سنة تسع، وبعث في أثره عليّا يقرأ على الناس سورة براءة فقيل: لأنّ أوّلها نزل بعد أن خرج أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- إلى الحجّ، وقيل: بل لأنّ عادة العرب كانت أنّه لا تحلّ العقود ويعقدها إلّا المطاع أو رجل من أهل بيته، وقيل: أردفه به عونا له ومساعدا، ولهذا قال له الصّديّق: أأميرا ومأمورا؟ قال: بل مأمورا، وأما أعداء الله الرافضة، فيقولون: عزله بعليّ وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم. قال في زاد المعاد: واختلف النّاس هل كانت هذه حجّة وقعت في شهر ذي الحجّة، أو كانت في ذي القعدة من أجل النّسيء على قولين والله تعالى أعلم. الباب السابع في تأميره- صلّى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- الأخماس باليمن، والقضاء بها قال في زاد الميعاد: وولّي الصّدقات جماعة كثيرة، لأنّه كان على كل قبيلة وال يقبض صدقاتها بها، فمن هنا كثر عمّال الصّدقات. الباب الثامن في تأميره- صلّى الله عليه وسلّم- باذان بن ساسان- رضي الله تعالى عنه- من ولد بهرام جود أمّره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على اليمن كلها بعد موت كسرى، فهو أوّل أمير في الإسلام على أهل اليمن، وهو أول من أسلم من ملوك العجم، كما قاله الثّعالبيّ- رحمه الله تعالى-. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب دلائل النبوة عن ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن حذافة إلى كسرى بكتابه يدعوه إلى الإسلام فلمّا قرأه شقّ كتابه، ثم بعث عامله على اليمن باذان أن ابعث إلى هذا الرّجل رجلين جلدين، فليأتياني به فبعث باذان.

الباب التاسع في تأميره - صلى الله عليه وسلم - شهر بن باذان - رضي الله تعالى عنهما - على صنعاء وأعمالها

الباب التاسع في تأميره- صلّى الله عليه وسلّم- شهر بن باذان- رضي الله تعالى عنهما- على صنعاء وأعمالها لمّا مات باذان أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولده شهرا على صنعاء وأعمالها. الباب العاشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلم- خالد بن سعيد بن العاص- رضي الله تعالى عنه- على صنعاء وأعمالها بعد قتل شهر، قال: في زاد المعاد: [أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على صنعاء خالد بن سعيد] . الباب الحادي عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلّم- المهاجر بن أبي أمية المخزومي- رضي الله تعالى عنه- على كندة والصّدف، فتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولم يسر إليها، فبعثه أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- إلى قتال أناس من المرتدين. الباب الثاني عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلّم- زياد بن لبيد الأنصاري على حضر موت الباب الثالث عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلم- أبا موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- على زبيد وعدن وزمع والساحل

الباب الرابع عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه - على الجند

الباب الرابع عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلّم- معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- على الجند الباب الخامس عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب- رضي الله تعالى عنه- على نجران الباب السادس عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلم- يزيد بن أبي سفيان- رضي الله تعالى عنهما- على تيماء الباب السابع عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلّم- عتّاب بفتح المهملة وتشديد المثناة الفوقية بن أسيد بفتح الهمزة والسين المهملة على مكة، وإقامة موسم الحج بالمسلمين سنة ثمان. قال في زاد المعاد: وله دون العشرين سنة. الباب الثامن عشر في تأميره- صلّى الله عليه وسلّم- عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- على عمان الباب التاسع عشر في ذكر خلفائه- صلى الله عليه وسلم- علي المدينة إذا سافر روى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استخلف ابن أمّ مكتوم على الصلاة، وغيرها من أمر المدينة.

الباب العشرون في بعض تراجم أمرائه على السرايا

الباب العشرون في بعض تراجم أمرائه على السرايا منهم أسامة بن زيد بن شرحبيل الكلبي أبو زيد أو أبو محمد وأبو حارثة حبّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وابن حبّه، وابن مولاه، وابن حاضنته. ومولاته أم أيمن- رضي الله تعالى عنها- أمّره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على جيش عظيم فيهم أبو بكر وعمر، وكان عمره يومئذ عشرين سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة، فلم يزل حتى مات رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولمّا توفّي أبو بكر فأغار على ناحية البلقان قد شهد مع أبيه مؤتة وسكن المرة من أرض دمشق مدّة ثم تحوّل إلى [.....] وكان عمر- رضي الله تعالى عنه- إذا رآه، قال: السلام عليك أيّها الأمير فيقول: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! تقول لي هذا، فكان يقول: لا أراك إلا أدعوك الأمير ما عشت ومات- صلى الله عليه وسلّم- وأنت عليّ أمير. روى الطبراني برجال الصحيح عن الزهري- رحمه الله تعالى- قال: كان أسامة بن زيد يدعى الأمير حتى مات، يقولون: بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثمّ لم ينزعه حتى مات وفرض له عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لابنه ثلاثة آلاف فقال عبد الله لأبيه عمر: لم فضّلته عليّ؟ فو الله ما سبقني إلى مشهد، قال: لأنّ أباه زيدا كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أبيك، وهو أحب إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منك، فآثرت حبّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حبّي. رواه الترمذي. وكان نقش خاتمه: أسامة حبّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رواه الطبراني برجال الصحيح عن أبي بكر بن شعيب عن أشياخه. روي له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مائة حديث وثمانية أحاديث اتفق الشيخان منها على خمسة عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين. ومات- رضي الله تعالى عنه- بوادي القرى، وقيل: بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن خمس وخمسين، وقيل: ستّ وأربعين. والأول أصحّ، وتكلّم جماعة من أشراف الصحابة في إمرته عليهم، فروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد، قال الناس فيه: فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذلك، أو شيء من ذلك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: قد بلغني ما قلتم في أسامة، ولقد قلتم ذلك في أبيه قبله، وإنه لخليق للإمارة، وإنه لخليق للإمارة وإنه لخليق للإمارة، وإنه لأحبّ الناس إليّ، قال: فما استثنى فاطمة ولا غيرها، وفي رواية- وإنّه لأحبّ الناس إلى كلّهم. وكان ابن عمر يقول: حاشا فاطمة.

ورواه البخاري مختصرا [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من كان يحب الله ورسوله، فليحبّ أسامة بن زيد» . ومنهم خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر أبو سليمان القرشيّ المخزوميّ سيف الله تعالى- سمّاه بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة مؤتة لمّا حضرها، وشهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمله بالمدينة فمن يومئذ سمّاه سيف الله، وقد تقدم في السّرايا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمّره على جيش سريّة. وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن وحشي بن حرب- رضي الله تعالى عنه- أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- عقد لخالد بن الوليد- رضي الله تعالى عنه- على قتال أهل الردة، وقال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلّه الله- عز وجل- على الكفار والمنافقين. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح إلا أن عبد الملك بن عمير لم يدرك القصة عن عبد الملك بن عمير- رحمه الله تعالى- قال: استعمل عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أبا عبيدة على الشّام وعزل خالد بن الوليد، فقال خالد: بعث عليكم أمين هذه الأمة سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: أمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجراح، فقال أبو عبيدة بن الجراح: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «خالد سيف من سيوف الله، ونعم فتى العشيرة» [ (2) ] . وروى الطبراني في الصغير بطوله- وفي الكبير والبزار- برجال ثقات عن عبد الله بن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا خالد، لا تؤذ رجلا من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله» فقال له: يا رسول الله، يقعون فيّ فأردّ عليهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لا تؤذوا خالدا، فإنّه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفّار» [ (3) ] . وروى الطبراني وأبو يعلى برجال الصحيح عن جعفر بن عبد الله بن الحكم- رحمه الله تعالى- إن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال: اطلبوها فلم يجدوها، فقال:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4468) [ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 90 [ (3) ] أخرجه ابن سعد 7/ 2/ 120، وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 349 وقال: رواه أبو يعلى ولم يسم الصحابي ورجاله رجال الصحيح.

اطلبوها فوجدوها، فإذا هي قلنسوة خلقة، فقال خالد: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره، فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلّا رزقت النّصر [ (1) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- قال: ما عدل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بي وبخالد بن الوليد منذ أسلمنا في حربه [ (2) ] . وروى أبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح عن أبي السفر- رحمه الله تعالى- قال: نزل خالد بن الوليد الحيرة على أم بني المزاربة فقالوا له: احذر السم ولا تسقك الأعاجم، فقال: ائتوني به، فأخذه فاقتحمه، وقال: بسم الله فلم يضره شيئا [ (3) ] . وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن خالد بن الوليد- رضي الله تعالى عنه- قال: ما ليلة تهدى إلى بيتي فيها عروس أنا لها محب أو أبشّر فيها بغلام بأحبّ إليّ من ليلة شديدة الجليد في سريّة من المهاجرين أصبّح بها العدوّ [ (4) ] . وروى الطبراني وبسند حسن عن أبي وائل- رحمه الله تعالى- قال: لما حضرت خالد ابن الوليد الوفاة قال: لقد طلبت القتل فلم يقدّر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي أرجى من لا إله إلا الله وأنا مترس بها ثم قال: إذا أنا متّ، فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدّة في سبيل الله [ (5) ] .

_ [ (1) ] انظر السير 1/ 375 [ (2) ] أخرجه ابن عساكر 13/ 253 [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 350 وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، وهو مرسل، ورجالهما ثقات، إلا أن أبا السفر، وأبا بردة بن أبي موسى لم يسمعا من خالد. وذكره ابن حجر في المطالب العالية 4/ 90 (4043) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 350 وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. وذكره ابن حجر في المطالب العالية 4/ 89 (4042) . [ (5) ] انظر المجمع 9/ 353

جماع أبواب ذكر رسله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك ونحوهم وذكر بعض مكاتباته وما وقع في ذلك من الآيات

جماع أبواب ذكر رسله- صلى الله عليه وسلّم- إلى الملوك ونحوهم وذكر بعض مكاتباته وما وقع في ذلك من الآيات الباب الأول في أي وقت يعلن ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- روى ابن سعد عن ابن عبّاس وجماعة وابن أبي شيبة عن جعفر عن عمرو دخل حديث بعضهم في بعض أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ستّ أرسل الرّسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليهم كتبا فقيل له: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما فاتّخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ خاتما من فضّة نقشه ثلاثة أسطر، محمد رسول الله، فختم به الكتب، فخرج ستّة نفر في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم [ (1) ] . وروى ابن سعد عن بريدة والزّهري ويزيد بن رومان والشّعبي قالوا: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عدة إلى عدة، وأمرهم بنصح عباد الله تعالى- فذكر ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «هذا أعظم ما كان من حق الله تعالى عليهم في أمر عباده» . وقال في زاد المعاد: «لما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية سنة ستّ، كتب إلى ملوك الأرض وأرسل إليهم رسله، فكتب إلى الرّوم فقيل: إنهم لا يقرؤون كتابا إلا أن يكون مختوما، فاتّخذ خاتما من فضّة ونقش عليه ثلاثة أسطر محمّد سطر، ورسول سطر، والله سطر، وختم به الكتب إلى ملوك الأرض، وبعث ستّة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع، فأوّلهم عمرو بن أمية الضّمري بعثه إلى النجاشي واسمه أصحمة بن أبجر. وتفسير «أصحمة بالعربية: عطيّة» ، فعظم كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأسلم وشهد شهادة الحقّ، وكان من أعلم النّاس بالإنجيل، وصلى عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة، هكذا قال جماعة: منهم الواقدي وغيرهم وليس كما قال هؤلاء، فإنّ أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ليس هو الّذي كتب إليه. الثاني: لا يعرف إسلامه) [ (2) ] بخلاف الأوّل، فإنّه مات مسلما، وقد روى مسلم في

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 198 [ (2) ] سقط في ج

صحيحه من حديث قتادة عن أنس- رضي الله تعالى عنه-: كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وليس هو أصحمة الذي أسلم على يد جعفر، وأكرم أصحابه كما سبق في حديث أنس. واختلف في إسلام هذا فاختار ابن سعد وغيره أنّه أسلم وخالفهم ابن حزم، قال ابن القيم: قال أبو محمد بن حزم: أن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عمرو بن أميّة لم يسلم، والأول اختيار ابن سعد وغيره، والظاهر قول ابن حزم. وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبّار، يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صليّ عليه. وروى الإمام أحمد والطبراني بسند جيد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت إلى كسرى وقيصر، وإلى كل جبّار. وروى ابن عبد الحكم في الفتوح والبيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: حدثنا أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان قال: لمّا قدم دحية الكلبي بن خليفة على هرقل بكتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاسلم تسلم واسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن أبيت فإن إثم الأكّارين عليك فلما انتهى إليه كتابه وقرأه أخذه فجعله بين فخذه وخاصرته ثم كتب إلى رجل من أهل رومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ يخبره مما جاءه من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكتب إليه أنه النبي المنتظر لا شك فيه فاتبعه فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ثم أمر بها فاشرجت عليهم واطلع عليهم من عليّة له وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم إنه جاءني كتاب أحمد وإنه والله للنبيّ الذي كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته وزمانه فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم فنخروا نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم فقال: ردّوهم عليّ فكرّهم عليه فقال لهم: يا معشر الروم إنما قلت لكم هذه المقالة أغمزكم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم فلقد رأيت منكم ما سرني فوقعوا له سجدا ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا. وقال الإمام أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في فتوح مصر: لما كانت سنة ست من الهجرة ورجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، بعث إلى الملوك، قام ذات يوم على المنبر، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه وتشهّد ثم قال: أما بعد، فإني أبعث

تنبيه:

بعضكم إلى ملوك العجم، فلا تختلفوا عليّ كما اختلف بنو إسرائيل على عيسى ابن مريم، وذلك أن الله تعالى أوصى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريّين، فأما القريب مكانا فرضي، وأما البعيد مكانا فكره وقال: لا أحسن كلام من تبعثني إليه، فقال عيسى: اللهم، أمرت الحواريين بالذي أمرت فاختلفوا عليّ فأوحى الله تعالى إليه أن سأكفيك فأصبح كلّ إنسان يتكلّم بلسان الّذي أرسل إليه، فقال المهاجرون: يا رسول الله، تالله، لا نختلف عليك أبدا في شيء فمرنا وابعثنا. تنبيه: اعلم أن محمد بن عمر الأسلمي، ذكر أن إرسال الرسل كان سنة ستّ، وذكر البيهقي أن إرسال الرسل كان بعد غزوة مؤتة. قال ابن كثير: ولا خلاف بينهم، لأنّ بدء ذلك كان قبل فتح مكّة وبعد الحديبية لقول أبي سفيان لهرقل حين سأله هل يغدر؟ فقال: لا، ونحن منه في مدة ما ندري ما هو صانع فيها، وفي لفظ البخاري: «وذلك في المدة التي مادّ فيها أبو سفيان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال ابن إسحاق: كان ذلك ما بين الحديبية ووفاته- صلى الله عليه وسلّم-. ونحن نذكر ذلك هنا على ترتيب أسماء الرّسل.

الباب الثاني في إرساله - صلى الله عليه وسلم - الأقرع بن عبد الله الحميري - رضي الله تعالى عنه - إلى ذي مران

الباب الثاني في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- الأقرع بن عبد الله الحميري- رضي الله تعالى عنه- إلى ذي مرّان [قال الحافظ: بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ذي مرّان] . الباب الثالث في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- أبى بن كعب- رضي الله تعالى عنه- إلى سعد هذيم روى الإمام أحمد وأبو داود، وأبو يعلى، وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم والضياء عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مصدّقا فمررت برجل فلمّا جمع لي ماله لم أجد عليه فيها إلا ابنة مخاض، فقلت له: أدّ ابنة مخاض، فإنها صدقتك فقال: ذاك، ما لا لبن فيه ولا ظهر عظيمة سمينة، فخذها فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به، وهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منك قريب، فأن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن ردّه عليك رددتّه فقال: فإنّي فاعل فخرج معي، وخرج بالناقة التي عرضت عليّ حتى قدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة ما لي وايم الله، ما قام في مالي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا رسوله قطّ قبله، فجمعت له مالي فزعم أنّه ما عليّ فيه إلا ابنة مخاض، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة عظيمة فتية يأخذها، فأبى عليّ، وها هي هذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ذاك الذي عليك، فإن تطوّعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك» قال: فها هي هذه يا رسول الله، قد جئتك بها فخذها يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقبضها ودعا له بالبركة والله سبحانه وتعالى أعلم. الباب الرابع في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- جرير بن عبد الله البجلي- رضي الله تعالى عنه- إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبّع وإلى ذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام، فأسلما، وتوفّي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجرير عندهم ذكره الحاكم، وذكره في زاد المعاد، قال ابن سعد: وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصباح امرأة ذي الكلاع، فخرج جرير إلى المدينة بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلّم-.

الباب الخامس في إرساله - صلى الله عليه وسلم - حاطبا - رضي الله تعالى عنه -

الباب الخامس في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- حاطبا- رضي الله تعالى عنه- ابن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير أبا عبد الله، وقيل: أبا محمّد شهد بدرا والحديبية، إلى المقوقس. قال في زاد المعاد: واسمه جريح بن ميناء ملك الإسكندريّة عظيم القبط، فقال خيرا، وقارب الأمس، ولم يسلم، فلمّا حضر عنده، قال حاطب له: إنّه كان قبلك رجل يزعم أنه الربّ الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر به، وإلّا يعتبر بك، فقال المقوقس: هات، قال: إنّ لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه، وهو دين الإسلام، الكافي به الله، إن هذا النبي دعا الناس، فكان أشدّهم عليه قريش، وأعداؤهم له يهود، وأقربهم منه النّصارى، وما بشارة موسى لعيسى إلا كبشارة عيسى لمحمد- صلى الله عليه وسلم- وما دعاؤنا إيّاك إلى القرآن، إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فيهم أمّتي، فالحقّ عليهم أن يطيعوه فأنت ممّن أدرك هذا النبي قال المقوقس: إني نظرت في أمر هذا الرّجل، فوجدته لا يأمر بمرهوب منه، ولا ينهى عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر الضّلّال، ولا الكاهن الكّذّاب، وقال المقوقس لحاطب: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيّا؟ قال حاطب: بل هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما باله لم يدع على قومه حيث أخرجوه من مكة قال حاطب: فقلت له: أفتشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله حيث أراد قومه قتله؟ لم يدع عليهم حتّى رفعه الله تعالى إليه، فقال له: أحسنت، إنّك حكيم جئت من عند حكيم. وروى البيهقي عن حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المقوقس ملك الإسكندرية، فأتيته فحيّيته بكتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنزلني في منزله وأقمت عنده ثمّ بعث إليّ وقد جمع بطارقته، وقال: أني سأكلمك بكلام وأحبّ أن يفهمه منّي، قلت: هلم قال: أخبرني عن صاحبك، أليس هو نبيّا؟ قلت: بلى، هو رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها قال: قلت: عيسى ابن مريم أليس تشهد أنه رسول الله، فما له حيث أخذه قومه، فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله- عز وجل- حتّى رفعه الله إليه في السّماء الدّنيا قال: أنت حكيم جئت من حكيم. وذكر ابن الربيع أنّ المقوقس لمّا قرأ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعطى لحاطب مائة دينار، وخمسة أثواب، وأكرمه في الضيافة، وأقام عنده خمسة أيام، وقال له الرجل: لا يسمع

منك القبط حرفا واحدا أو واحدا، وأخذ الكتاب فجعله في حقّ عاج، ختم عليه، ودفعه إلى جاريته، وكتب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- كتابا، وبعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بهدية منها مارية القبطية، وأختها سيرين- بالسين المهملة- وهبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لحسّان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن. قال في زاد المعاد: وأختها سيرين وقيسرى، وأهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرسا، يقال له: اللزاز، وبغلته دلدل، وحمارا، وغلاما خصيّا ممسوحا اسمه مايور قال في زاد المعاد: فقيل: هو ابن عم مارية، وقدحا من قوارير، كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يشرب فيه، وشابّا من قباطيّ مصر وطرفا من طروفهم، قال في زاد المعاد: عشرين ثوبا، وألف مثقال ذهبا، وعسلا من عسل بنها فأعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالعسل ودعا في عسل بنها، وغير ذلك، وكتب للنبي- صلى الله عليه وسلّم- كتابا فيه «قد علمت أن نبيّا قد بقي، وكنت أظنّ إنه يخرج من الشام، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، ووصلت الهدايا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سنة سبع وقيل: سنة ثمان ولم يسلم. قال في زاد المعاد: مات على كفره في ولاية عمرو بن العاص،: قال النبي النبي- صلى الله عليه وسلّم-: «ضنّ الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه بل مات على كفره في ولاية عمرو بن العاص» .

الباب السادس في إرساله - صلى الله عليه وسلم - حسان بن سلمة - رضي الله تعالى عنه - إلى قيصر مع دحية [....]

الباب السادس في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- حسان بن سلمة- رضي الله تعالى عنه- إلى قيصر مع دحية [....] . الباب السابع في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- الحارث بن عمير الأزدي أحد بني المهلب- بفتح الميم وسكون الهاء- رضي الله تعالى عنه- إلى ملك الروم، وقيل إلى صاحب بصرى، فقتله شرحبيل بن عمرو الغسّاني، فبعث النبي- صلى الله عليه وسلّم- بعثة إلى مؤتة بسببه. الباب الثامن في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- حريث بن زيد الخيل- رضي الله تعالى عنهما- إلى يحنة بن رؤبة الأيلي ذكره ابن سعد في رسله- إلى يحنة بن رؤبة الإبلي- وقال ابن عبد البر: اسمه حريث زيد بن الخيل- وسمى أباه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين أسلم زيد الخير- بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي، أسلم هو وأبوه وأخوه مكنف، وشهد قتال الردة مع خالد بن الوليد. قال: وذكره الدارقطني. الباب التاسع في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- حرملة بن حريث- رضي الله تعالى عنه- إلى يحنة [ذكره ابن سعد أيضا مع حريث رسولا إلى الإبلي ولم ينسبه] .

الباب العاشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - إلى نجران وغيرها

الباب العاشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد- رضي الله تعالى عنه- إلى نجران وغيرها أرسله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أكيدر صاحب دومة، فأسره وأحضره إلى رسول الله، فصالحه على الجزية وردّه إلى بلده وأرسله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مرجح فقدم معه رجال منهم، فأسلموا ورجعوا إلى قومهم. توفّي في خلافة عمر- رضي الله تعالى عنهما- سنة إحدى وعشرين، وكانت وفاته بحمص، وقبره مشهور، وعلى نحو ميل من حمص، وقيل: توفّي بالمدينة [ولكن الأكثر على أنه مات بحمص] .

الباب الحادي عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - دحية بن خليفة الكلبي - رضي الله تعالى عنه - إلى قيصر

الباب الحادي عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- دحية بن خليفة الكلبي- رضي الله تعالى عنه- إلى قيصر هو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي أسلم قديما، ولم يشهد بدرا شهد المشاهد كلّها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد بدر، وكان يتشبه بجبريل- صلى الله عليه وسلّم-، كان جبريل ينزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بصورته، وكان من أجمل الناس، يروى أنه كان إذا قدم من الشام لم يبق امرأة إلّا خرجت تنظر إليه، بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قيصر في الهدنة سنة خمس قاله خليفة: وقال محمد بن عمر: لقيه بحمص سنة سبع، وقال في المنهل: وظاهر الخبر يدل على أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسله إليه مرتين: الأولى في الهدنة، والثانية في تبوك، قلت: أرسله من تبوك. رواه أبو يعلى وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، وأبو نعيم، وابن عساكر عن سعيد مولى راشد عن التّنوخيّ رسول هرقل فأرسله في الهدنة- رواه البخاري عن ابن عباس عن أبي سفيان كما سيأتي. روى الشيخان عن أبي سفيان والبيهقي عن موسى بن عقبة وأبو نعيم عن عبد الله بن شدّاد عن أبي سفيان والبيهقي عن الزهري والبزار وأبو نعيم وابن عساكر عن دحية، وأبو نعيم وابن إسحاق عن ابن عباس عن أبي سفيان قال: حدثني أسقف من النصارى، وقد أدرك ذلك الزمان أنه لما كانت الهدنة، هدنة الحديبية بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، وكفّار قريش ورد أبو سفيان تاجرا إلى الشّام، مع رهط من قريش، وكان متجرهم من الشّام عدة من أرض فلسطين فخرجوا حتى قدموها، وذلك حين ظهر قيصر صاحب الرّوم علي من كان في بلاده من الفرس، فأخرجهم منها وردّ عليه صليبه الأعظم، وقد كان استلبه إياه فلمّا بلغه ذلك وقد كان منزله بحمص من أرض الشام فخرج منها يمشي شاكرا إلى بيت المقدس ليصلي به فبسط له البسط، وطرح له عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيليّا فصلّى فيها، فأصبح ذات غداة وهو مهموم يقلب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيّها الملك، لقد أصبحت مهموما، وكان هرقل حزّاء ينظر في النّجوم- فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النّجوم ملك الختان، وقد ظهر فيمن يختن من هذه الأمة، فقالوا: والله، ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا اليهود، فلا يهمّنّك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود وتستريح من هذا الغمّ، فبينما هم على أمرهم إذ أتاهم صاحب ملك غسّان صاحب بصرى برجل من العرب وقد وقع إليهم قال: أيها الملك، هذا رجل من العرب من أهل الشام، لا بد أن يحدّثك عن حديث كان ببلاده، فلمّا أن انتهى إليه قال لترجمانه: اسأله ما كان الخبر الذي ببلاده، فسأله،

فقال: هو رجل من قريش يخرج، يزعم أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن فخرجت من بلادي وهم على ذلك فلمّا أخبره الخبر، قال: جرّدوه هو مختون، فقال: هذا والله الذي رأيت أعطوه ثوبه، انطلق لشأنك، وفي رواية: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعث دحية إلى قيصر صاحب الرّوم بكتاب، فاستأذن، فقال: استأذنوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتى قيصر فقيل: إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول الله ففزعوا لذلك، وقال: أدخلوه، فأدخل عليه وعنده بطارقته، فأعطاه الكتاب وقرأ عليه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى هرقل عظيم الروم، وفي رواية «صاحب الرّوم وعنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر فقال: لا تقرأ الكتاب، لأنّه بدأ بنفسه، وكتب (صاحب الروم» ولم يكتب «ملك الرّوم» . فقال: إن يكن بدأ بنفسه فهو الذي كتب إليّ. وإن كان سمّاني صاحب الرّوم، فأنا صاحب الرّوم ليس لهم صاحب غيري، فجعل يقرأ الكتاب وهو يعرق جبينه من كرب الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» سلام على من اتّبع الهدى: أما بعد فإن أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإن عليك إثم الأريسيين وفي رواية «الأكارين» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ » فلما قرئ الكتاب قال قيصر: هذا كتاب لم أسمع بمثله بعد سليمان بن داود، ثم أمرهم فخرجوا من عنده فبعث إلى الأسقف، فدخلت عليه فسألني فأخبرته وكان صاحب أمرهم، يصدرون عن قوله ورأيه، فلما قرأ الكتاب قال الأسقف: هو والله الّذي لا إله إلا هو الذي بشرنا به عيسى ابن مريم، وموسى، والذي ننتظره، فقال قيصر: فما تأمرني؟ قال الأسقف: أمّا أنا فمصدّقه ومتّبعه، فقال قيصر لصاحب شرطته: قلت لي الشام ظهر البطن حتى يؤتي برجل من قدم هذا فأسأله عن شأنه، قال أبو سفيان: فو الله، إني وأصحابي كبعرة إذ هجم علينا، فسأل ممّن أنتم؟ فأخبرناه، فساقنا إليه جميعا، وكان أبو سفيان وكفار قريش فأتوهم وهم بإيليا فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم، ودعا بترجمانه، فقال: أيّكم أقرب نسبا لهذا الرّجل؟ الذي يزعم- أنه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبا، فقال: ادنوه مني، وقرّبوا أصحابه، فاجعلوهم خلف ظهره ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذّبوه، قال أبو سفيان: فو الله، لولا أن يؤثر عنّي الكذب لكذبت عليه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم

أحد قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه ملك قلت: لا، قال: فأشراف النّاس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتدّ أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر قلت: لا، ونحن الآن معه في مدّة لا ندري ما هو فاعل فيها قال: فما كلّمني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما كان يعبد آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّدق والعفاف، والصّلة، فقال لترجمانه: قل له: سألتك عن نسبه، فذكرت أنّه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل تأسّى بقول قيل قبله، وسألتك: هل من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على النّاس، ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنّهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ، وسألتك: أيرتد أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب، وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرّسل لا يغدرون وسألتك: بم يأمركم؟ فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والزكاة والصّدق والعفاف والصلة، فإن كان ما تقول حقّا، فسيملك موضع قدميّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنّه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه، ثم قال: الحق بشأنك، قال: فقمت أضرب بإحدى يديّ على الأخرى وأقول: يا عباد الله، لقد أمر أمرا ابن أبي كبشة أصبح ملوك بني الأصفر يخافونه في سلطانهم، فما زلت موقنا أنه سيظهر ثم أخذ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فوضعه فوق رأسه ثم قبّله وطواه في الدّيباج، والحرير، وجعله في سقط صاحب له بروميّة، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص ولم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل بخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- وإنه النبي الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه، فأمر بعظماء الروم، فجمعوا له في دسكرة ملكه، ثم أمر بها فأغلقت عليهم، ثم اطلع عليهم من علية له، وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم، إنّه جاءني كتاب أحمد وإنه والله النبي الذي ينتظر لا شك فيه الذي بشّر به عيسى، وإنّه والله النبيّ الذي ننتظره ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته

وزمانه، فأسلموا واتّبعوه، تسلم لكم آخرتكم ودنياكم فنخروا نخرة رجل واحد، وحاصوا حيصة حمير الوحش، وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلّقة دونهم فلمّا رأى هرقل نفرتهم يئس من الإيمان وخافهم، قال: ردّوهم عليّ فردّوهم عليه، فقال: يا معشر الرّوم، إنّما قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدّتكم على دينكم، وقد رأيت ما يسرّني، فوقعوا له سجّدا ورضوا عنه، فقال الأسقف قاضيه: أشهد أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخذوه فما زالوا يضربونه ويعضّونه حتّى قتلوه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: إنّه يبعث أمة وحده، ثم فتحت لهم أبواب الدّسكرة فخرجوا، فقال دحية: ثم بعث إليّ من الغد سرّا فأدخلني بيتا عظيما فيه ثلاثمائة وثلاثة وعشرون صورة، فإذا هي صور الأنبياء والمرسلين قال: انظر أين صاحبك من هؤلاء، فرأيت صورة النبي- صلى الله عليه وسلم- كأنّه ينطق، قلت: هذا، قال: صدقت، فقال: صورة من هذا عن يمينه؟، قلت: رجل من قومه، يقال له أبو بكر، قال: فمن ذا الذي عن يساره؟ قلت: رجل من قومه، يقال له عمر، قال: إنا نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين، يتمّ الله هذا الدّين، فلمّا قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخبرته، فقال: صدق بأبي بكر وعمر، يتمّ الله هذا الدين بعدي. الثانية- روى أبو يعلى وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند وابن عساكر عن سعيد ابن أبي راشد قال: لقيت التّنوخي رسول هرقل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل؟ قال: بلى، قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تبوك، فبعث دحية إلى هرقل، فلمّا جاء كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دعا قسيس الرّوم وبطارقتهم، ثم أغلق عليه وعليهم الدّار، فقال: إن هذا الرّجل أرسل يدعوني، وو الله لقد قرأتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذنّ ما تحت قدمي، فهلمّ إليّ أن نتَّبعه فنخروا نخرة رجل واحد، فلما ظن أنّهم إن خرجوا من عنده أفسدوا الرّوم، قال: إنما قلت لأعلم صلابتكم على أمركم بينكم، ثم إنّه دعاني فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما ضيّعت من حديثه فاحفظ لي ثلاث خصال انظر هل تذكر الصحيفة التي كتبت إلي بشيء انظر إذا قرأ كتابي هل يذكر الليل وانظر في ظهره؟ هل به شيء يريبك، فانطلقت بكتابه حتّى جئت تبوك، فناولت كتابي فقال: يا أخا تنوخ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه، والله ممزّقه وملكه وكتبت إلى النّجاشي بصحيفة فحرّقها، والله محرّقه، ومحرق ملكه، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها ولن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش، قلت: هذه إحدى الثلاث الذي أوصاني ثمّ إنّه ناول الصحيفة رجلا عن يساره فقرأها فإذا فيها يدعوني إلى جنّة عرضها السّموات والأرض، فأين النار؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أين الليل إذا جاء النّهار؟ ثم قال: فقال: يا أخا تنوخ، فهل حبوته عن ظهره ثم قال: هاهنا امض لما أمرت فجلت في ظهره، فإذا النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضّخمة، وفي رواية فكتبه في جفن (سيفي) فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال: إنّ لك حقّا، وأنك رسول الله فلو

وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفراء مرسلون قال: فناداه رجل من طائفة الناس، أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو يجمله بجائزة صفورية فوضعها في حجري، فقلت: من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أيكم ينزل هذا الرّجل؟: فقال فتى من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري، وقمت معه، حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا أخا تنوخ، تعال تعالى، يا أخا تنوخ، فأقبلت أهوي حتّى كنت قائما في المجلس الّذي كنت بين يديه، فحلّ حبوته عن ظهره، وقال: ههنا امض لمّا أمرت له فجلت في ظهره فإذا خاتم النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضّخمة. قال محمد بن عمر: فانصرف الرّجل إلى هرقل، فذكر ذلك له فدعا قومه إلى التّصديق بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- فأبوا حتى خالفهم عن ملكه، وهو في موضعه بحمص ثم لم يتحرك، ولم يزحف وكان الذي خبر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه ودنوّه إلى أرض الشام بالجلاء، ولم يرد ذلك ولا همّ به. وذكر السهيلي- رحمه الله تعالى- أن هرقل أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هديّة وفرقها على المسلمين، وأنّ هرقل أمر مناديا: ألا إن هرقل قد آمن بمحمد- صلّى الله عليه وسلم- واتّبعه فدخلت الأجناد في سلاحها، وطافت بقصره تريد قتله، فأرسل إليهم: إني أردتّ أن أختبر صلابتكم في دينكم، فقد رضيت عنكم فرضوا عنه، ثم كتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا مع دحية يقول فيه-: إنّي مسلم ولكنّي مغلوب على أمري، فلما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كتابه، قال: كذب عدوّ الله، ليس بمسلم بل هو على النّصرانيّة.

الباب الثاني عشر في إرساله صلى الله عليه وسلم - رفاعة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - إلى قومه

الباب الثاني عشر في إرساله صلّى الله عليه وسلم- رفاعة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- إلى قومه [قال ابن عبد البرّ رفاعة بن زيد بن وهب الضّبيبي، من بني الضّبيب- هذا قول أهل الحديث. وقال أهل النّسب: الضّبيني- بالنون قبل الياء الأخيرة من بني ضبينة من جذام. قدم على النبي صلى الله عليه وسلّم- في هدنة الحديبية في جماعة من قومه فأسلموا، وعقد له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لواء، وأهدى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم غلاما، وكتب له كتابا إلى قومه فأسلموا. يقال: إنّه أهدى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الغلام الأسود المسمّى مدغما المقتول بخيبر] . الباب الثالث عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- زياد بن حنظلة- رضي الله تعالى عنه- إلى قيس بن عاصم والزّبرقان بن بدر [زياد بن حنظلة التّميمي ثم العمريّ. قال ابن عبد البرّ: له صحبة، ولا أعلم له رواية، وهو الذي بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قيس بن عاصم والزّبرقان بن بدر ليتعاونوا على مسيلمة وطليحة والأسود، وقد عمل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكان منقطعا إلى علي- رضي الله عنه- وشهد معه مشاهده كلّها وذكره سيف بن عمر في كتاب الرّدّة] الباب الرابع عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- سليط بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- إلى هوذة وثمامة بن أثال هو سليط بن عمرو العامريّ، هاجر الهجرتين، قال ابن سعد: وشهد بدرا، قتل باليمامة سنة اثنتي عشرة وقيل: أربع عشر، بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى هوذة بن علي الحنفي، فلما قدم سليط على هوذة أكرمه وأنزله، وقرأ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكان فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي: سلام على من اتّبع الهدى، واعلم أنّ ديني سيظهر إلى منتهى الخفّ والحافر، فأسلم تسلم واجعل لك ما تحت يديك، فلما قرأه ردّ ردّا دون ردّ وأجاز سليطا بجائزة، وكساه ثوبا من نسج هجر، وكتب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي

الباب الخامس عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - السائب بن العوام - رضي الله تعالى عنه - إلى مسيلمة الكذاب

بعض الأمر أتّبعك، فقدم سليط إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وأخبره بما قال، وقرأ كتابه، وقال: «لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت. باد وباد ما في يديه» فلما انصرف من عام الفتح جاءه جبريل فأخبره أنه قد مات. الباب الخامس عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- السائب بن العوام- رضي الله تعالى عنه- إلى مسيلمة الكذاب قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مسيلمة الكذّاب يدعوه إلى الإسلام، وبعث به مع عمرو بن أميّة الضّمريّ، فكتب إليه مسيلمة جواب كتابه ويذكر فيه أنّه نبيّ مثله ويسأله أن يقاسمه الأرض ويذكر أن قريشا قوم لا يعدلون، فكتب إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: العنوه لعنه الله، وكتب إليه بلغني كتابك الكذب والإفك والافتراء على الله، وإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعافية للمتّقين، والسّلام على من اتّبع الهدى. قال: وبعث به مع السائب بن العوام أخي الزبير بن العوام. الباب السادس عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- شجاع بن وهب- رضي الله تعالى عنه- إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء قاله ابن إسحاق والواقدي. قال في زاد المعاد: وقيل إنّما توجه لجبلة بن الأيهم: هو ابن وهب شجاع بن ربيعة بن أسد الأسديّ. قال في زاد المعاد: وقيل: توجّه لهما معا، وقيل: لهرقل مع دحية بن خليفة والله أعلم. أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وعاد إلى مكّة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا والمشاهد كلها، استشهد باليمامة وهو ابن بضع وأربعين سنة بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الحارث بن أبي شمر ذكره الواقدي وابن إسحاق وابن حزم، وقال ابن هشام. توجّه لجبلة بن الأيهم، وقال أبو عمر لهما معا قال محمد بن عمر الأسلمي: قال الواقدي وابن إسحاق وغيرهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث شجاع بن وهب إلى الحارث بن

الباب السابع عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - صدي بن عجلان إلى جبلة بن الأيهم

أبي شمر، وكتب معه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتّبع الهدى وآمن به، وصدّقه، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق لك ملكك، وختم الكتاب، وخرج به، قال شجاع: فأتيته به وهو بغوطة دمشق مشغول بتهيئة الأموال والألطاف لقيصر، وقد جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت لحاجبه: إنّي رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى صاحبك، فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا كذا، وجعل حاجبه وكان روميّا اسمه مرّي يسألني عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وما يدعو إليه، فكنت أحدّثه فيرقّ حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قد قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النّبي فأنا أومن به وأصدّقه، وأخاف من الحارث أن يقتلني. وكان الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه الحاجب ويقول: هو يخاف قيصر فخرج الحارث يوما وجلس للناس، ووضع التّاج على رأسه، فأذن لي، فدخلت عليه، ودفعت إليه الكتاب فقرأه، ثم رمى به، وقال: من ينتزع منّي ملكي! أنا سائر إليه، ولو كان باليمن جئته، عليّ بالناس، فلم يزل يفرض حتى قام، ثم أمر بالخيل أن تنعل، وقال: أخبر صاحبك ما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر ألّا تسير إليه واله عنه، ووافني بإيلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني، فقال: متى تريد أن تخرج لصاحبك؟ فقلت: غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهبا، ووصّلني مرّيّ، وأمر لي بكسوة ونفقة، وقال: أقرئ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منّي السّلام- وأخبره أني متبع دينه قال شجاع: فقدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: «باد ملكه» وأقرأته من مرّيّ السّلام، وأخبرته بما قال، فقال: صدق، ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح [ (1) ] . الباب السابع عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- صدي بن عجلان إلى جبلة بن الأيهم [....]

_ [ (1) ] انظر طبقات ابن سعد 1/ 200، زاد المعاد 1/ 122.

الباب الثامن عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - الصلصل بن شرحبيل - رضي الله تعالى عنه - إلى صفوان بن أمية

الباب الثامن عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- الصلصل بن شرحبيل- رضي الله تعالى عنه- إلى صفوان بن أمية [قال ابن عبد البر: لا أقف على نسبه له صحبة، ولا أعلم له رواية، وخبره مشهور في إرساله رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أميّة وسبرة العنبري ووكيع وعمرو بن المحجوب العامري وعمرو بن الخفاجيّ من بني عامر، وهو أحد رسله- صلى الله عليه وسلّم-. وذكره سيف في كتاب الردة] . الباب التاسع عشر في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- ضرار بن الأزور- رضي الله تعالى عنه- إلى الأسود وطليحة قال ابن عبد البرّ: ضرار بن الأزور بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كثير بن عمرو بن شيبان الأسديّ، يكنى أبا الأزور، ويقال: أبو بلال. كان فارسا شجاعا مطبوعا، استشهد يوم اليمامة. ولما قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: تركت الخمور وضرب القدا ... ح واللهو تعللة وانتهالا فيا ربّ لا تغبن صفقتي ... فقد بعت أهلي ومالي بدالا قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: ما غبنت صفقتك يا ضرار! وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بعثه إلى بني الصّيداء وبعض بني الدّئل. وذكره سيف بن عمر التّميمي فقال في محاربة النبي- صلى الله عليه وسلم- أهل الردة، قال: حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرّسل والكتب. قال: قال ابن عباس: قاتل النبي صلى الله عليه وسلّم الأسود ومسيلمة وطليحة وأشياعهم بالرّسل، ولم يشغله ما كان فيه من وجع عن أمر الله عز وجل والذّبّ عن دينه، فبعث وبر بن يحنس إلى فيروز وجشيش الديلمي في جماعة، ذكرته وذكرت كلا منهم في بابه من حروف المعجم في الرسل. ثم قال: يعني سيف بن عمر: وبعث ضرار بن الأزور الأسدي إلى عوف الزرقاني من بني الصيداء وسنان الأسدي ثم الغنمي وقضاعي الديلمي] .

الباب العشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - ظبيان بن مرثد - رضي الله تعالى عنه - إلى بني بكر بن وائل

الباب العشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- ظبيان بن مرثد- رضي الله تعالى عنه- إلى بني بكر بن وائل أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي بكر بن وائل. ذكره ابن سعد في الطبقات. الباب الحادي والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن حذافة- رضي الله تعالى عنه- إلى كسرى واسمه: أبرويز. هو عبد الله بن حذافة- رضي الله تعالى عنه- أبو حذافة السّهميّ القرشيّ أسلم قديما، وكان من المهاجرين الأولين، وهاجر إلى الحبشة [قال] [ (1) ] ابن يونس: شهد بدرا، وسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك حذافة فعاتبته أمّه على سؤاله فقال لها: (لو) ألحقني بعبد أسود للحقته. وعن أبي رافع قال: وجّه عمر جيشا إلى الرّوم، فأسروا عبد الله بن حذافة فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمّد فقال: هل لك أن تتنصّر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين محمد طرفة عين. قال: إذن أقتلك فأمر به فصلب وقال للرّماة: ارموه قريبا من بدنه وهو يعرض عليه ويأبى، فأنزله ودعا بقدر فصب فيها ماء حتى احترقت. ودعا برجل من أسارى المسلمين، فعرض عليه النّصرانيّة فأبى، فألقاه فيها، فإذا عظامه تلوح، فقال لعبد الله: تنصّر وإلّا ألقيتك فيها، قال لا أفعل، فقرّب إليها فبكى، فقالوا: جزع، فقال: ما بكيت جزعا مما يصنع بي، ولكني بكيت حيث ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله؟ كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدد كلّ شعرة فيّ، ثم يفعل بي هذا فأعجب به، وأحبّ أن يطلقه، قال: تنصّر وأزوّجك ابنتي وأقاسمك ملكي، قال: ما أفعل، قال: قبّل رأسي وأطلقك وأطلق معك ثمانين أسيرا من المسلمين، قال: أما هذه فنعم، فقبّل رأسه وأطلقه وأطلق معه ثمانين أسيرا من المسلمين، فلما قدموا على عمر قام إليه فقبّل رأسه، فقال أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: قبّلت رأس الطّاغية فقال: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين رجلا من المسلمين [ (2) ] .

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] انظر طبقات ابن سعد 1/ 199، السير 2/ 14، أسد الغابة 3/ 212.

وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السّهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين المنذر ابن ساوى نائب كسرى على البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فدعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن تمزّقوا كلّ ممزّق [ (1) ] . قال محمد بن عمر الأسلمي: وكان مكتوبا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم- من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله أرسلت إلى الناس كافة لأنذر من كان حيّا وأحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، وإن أبيت فإنما عليك إثم المجوس وفي رواية: فلما قرأ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مزّقه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: مزّق الله ملكه وأهلك قومه وسيّر كسرى إلى عامله باليمن، باذان أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتنا بخبره، فبعث بأذان قهرمانة، ورجلا آخر معه، وكتب معه كتابا فقدما المدينة بكتاب باذان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ودعاهما إلى الإسلام وفرائضهما ترعد، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني غدا فجاءاه من الغد، فقال لهما: أبلغا صاحبكما باذان أن ربي قتل ربّه الليلة لسبع ساعات مضت منها ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى سنة سبع، وأن الله تعالى سلط عليه ابنه شهرويه فقتله، فرجعا إلى باذان فأخبراه بذلك فأسلم باليمن. قال أبو الربيع: ويقال إن الخبر أتاه بموت كسرى وهو مريض، فاجتمعت إليه أساورته فقالوا: من تؤمّر علينا؟ فقال: اتّبعوا هذا الرّجل وأخلصوا في دينه، وأسلموا وكان باذان أسلم في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولما مات باذان، ولّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابنه شهرويه بن باذان صنعاء وأعمالها، قال ابن كنانة [في كتاب] [ (2) ] أخبار العرب والعجم: ولما قرأ كسرى كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مزّقه، وبعث إليه بتراب فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: مزّق كتابي، أما إنّه سيمزّق وأمّته، وبعث إليّ بتراب أما إنكم ستملكون أرضه.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4424) . [ (2) ] سقط في ج.

الباب الثاني والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن بديل - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن

الباب الثاني والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن بديل- رضي الله تعالى عنه- إلى اليمن [قال ابن عبد البرّ: عبد الرحمن بن بديل بن ورقاء الخزاعيّ، قال الكلبيّ: هو وأخوه عبد الله رسولا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن، وشهدا صفّين جميعا. وقتل عبد الله بصفّين، وكان سيّد خزاعة، أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد حنينا والطّائف وتبوك. وكان له قدر وجلالة، وكان عليه في صفّين درعان وسيفان، وكان له بها موقف عظيم. وقتل هو وأخوه عبد الرحمن بها] . الباب الثالث والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- عبيد الله بن عبد الخالق- رضي الله تعالى عنه- إلى الروم قال عبد الكريم في شرح السيرة لعبد الغني: وذكره أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن الأمين الطليطلي في كتاب الاستدراك على أبي عمر بن عبد البر في أسماء الصحابة من حديث أيّوب بن نهيك عن عطاء قال: سمعت ابن عمر قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: من يذهب بكتابي هذا إلى طاغية الرّوم؟ فعرض ذلك ثلاث مرات، فقال عند ذلك: من يذهب به فله الجنّة! فقام رجل من الأنصار يدعى عبيد الله بن عبد الخالق فقال: أنا أذهب به ولي الجنّة وإنّ هلكت دون ذلك؟ فقال: لك الجنة إن بلغت، وإن قتلت، وإن هلكت، فقد أوجب الله لك الجنة! فانطلق بكتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ باب الطّاغية، فقال: أنا رسول رسول ربّ العالمين فأذن له، فدخل عليه، فعرف طاغية الروم أنه جاء بالحق من عند نبيّ مرسل، ثم عرض كتاب النبي- صلى الله عليه وسلّم-، فجمع الروم عنده، ثم عرض عليهم فكرهوا ما جاء به فآمن به رجل منهم، فقتل عند إيمانه. ثم إن الرجل رجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بالذي كان منه وما كان من قتل الرجل، فقال النبي- صلى الله عليه وسلّم-: ذلك الرجل يبعث أمة وحده- لذلك المقتول] .

الباب الرابع والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عوسجة - رضي الله تعالى عنه - إلى سمعان

الباب الرابع والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن عوسجه- رضي الله تعالى عنه- إلى سمعان [قال ابن سعد: كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى سمعان بن عمرو بن قريط بن عبيد بن أبي بكر مع عبد الله بن عوسجة العرني فرقع بكتابه دلوه، فقيل لهم بنو الراقع، ثم أسلم سمعان] . الباب الخامس والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- العلاء بن الحضرمي- رضي الله تعالى عنه- إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة، وقيل: قبل الفتح، يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بإسلامه وتصديقه، وإنّي قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه، ودخل فيه ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود فأحدث إليّ في ذلك أمرك، فكتب إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إنّك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية، وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا أخذت منهم الجزية، وبأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرميّ وأوصاه به خيرا، وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للعلاء فرائض الإبل والبقر والغنم والثّمار والأموال، فقرأ العلاء كتابه على الناس، وأخذ صدقاتهم قال ابن سعد وكان- صلى الله عليه وسلم- يكتب كما تكتب [قريش باسمك اللهمّ حتى نزلت عليه ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها] [هود 41] [ (1) ] فكتب بسم الله حتى نزلت عليه قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء 110] ، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم حتى نزلت إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل 30] فكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وكتب عليه الصلاة والسلام إلى المنذر بن ساوى أما بعد: فإن رسلي قد حمدوك وإنّك مهما تصلح، أصلح إليك وأثبتك على عملك، وتنصح لله ولرسوله و [السّلام عليك] [ (2) ] وبعث بها مع العلاء بن الحضرميّ.

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] سقط في أ.

الباب السادس والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - إلى ملكي عمان

الباب السادس والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- إلى ملكي عمان ويقال: العاص وائل بن هاشم، ويكنى أبا عبد الله كما تقدم، وكان أحد رماة العرب وأبطالهم، توفي بمصر سنة ثلاث وأربعين، وله نحو من مائة سنة، وقيل: تسعين. بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ملكي عمان- بضم العين المهملة، وتخفيف الميم- جيفر بجيم فمثناة تحتية وفاء مفتوحة وعبد ابني الجلندي بضم الجيم وهما من الأزد والملك منهما جيفر، فأسلما وصدقا، وخلّيا بين عمرو وبين الصّدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل عندهم حتى توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو عندهم. الباب السابع والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- عمرو بن أمية الضمري- رضي الله تعالى عنه- إلى النّجاشي هو عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس الضّمري أبو أمية، أسلم ثم هاجر إلى المدينة، وأول مشهد شهده بئر معونة أسلم حين انصرف المشركون من أحد وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعثه في أموره، وكان من أجياد العرب ورجالها، مات في أيام معاوية قال ابن سعد: وبعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى النّجاشيّ بكتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فوضعه على عينيه، ونزل من سريره، فجلس على الأرض تواضعا، ثمّ أسلم وشهد شهادة الحقّ وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته، وكتب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بإجابته وتصديقه، وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب، وفي الكتاب الآخر يأمره أن يزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأمره أن يبعث إليه بمن قبله من أصحابه ويحملهم فجهّزهم في سفينتين مع عمرو بن أمية ودعا بحقّ عاج فجعل فيه كتابي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين [أظهرها] [ (1) ] . وروى البيهقي عن ابن إسحاق رحمه الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] في أ: أظهرنا.

تنبيه:

عمرو بن أمية الضّمريّ في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه كتابا [فيه] [ (1) ] : «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النّجاشيّ الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الملك القدّوس المؤمن المهيمن، وأشهد أنّ عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطّاهرة الطّيّبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخته كما خلق آدم بيده، ونفخته وإنّي أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعاته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني فإنّي رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمّي جعفر ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاءوك فأقرهم، ودع التّجبّر فإني أدعوك وجنودك إلى الله تعالى، وقد بلّغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي، والسّلام على من اتّبع الهدى. فكتب النّجاشيّ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من النّجاشيّ الأصحم بن أبجر، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فوربّ السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقا ومصدّقا، وقد بايعتك. وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك يا رسول الله بأريحا بن الأصحم بن أبجر، فإني لا أملك إلا نفسي، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق. وروى أيضا عن ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: هذا كتاب من النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشيّ الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولم يتّخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران 64] فإن أبيت فعليك إثم النّصارى من قومك. تنبيه: قال ابن كثير: وفي ذكره هاهنا نظر، فإن الظاهر أن هذا الكتاب إنما هو إلى النجاشي، وذلك حين كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ قبيل الفتح، قال الزهري: كانت كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إليهم واحدة- يعني نسخة واحدة، وكلها فيها هذه الآية [وهي سورة آل عمران] وهي مدينة بلا خلاف، وقوله فيه إلى النّجاشيّ الأصحم، لعله مقحم من الراوي بحسب ما فهم. وأنسب من هذا ما رواه البيهقي عن محمد بن إسحاق قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-

_ [ (1) ] سقط في أ.

الباب الثامن والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن حزم - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن

عمرو بن أمية الضّمريّ، وذكر الحديث المتقدم، قال في زاد المعاد، وبعث عمرو بن أمية الضمريّ إلى مسيلمة الكذّاب بكتاب، وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزّبير فلم يسلم. الباب الثامن والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- عمرو بن حزم- رضي الله تعالى عنه- إلى اليمن [قال محمد بن سعد في الطبقات: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن عهدا يعلمه فيه شرائع الإسلام وفرائضه وحدوده، وكتب أبيّ. قال ابن عبد البر: عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجيّ من بني مالك بن النّجّار، وذكر في نسبه خلافا. يكنى أبا الضحاك، ولم يشهد بدرا، وأول مشاهده الخندق. واستعمله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على نجران، وهم بلحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليفقّههم في الدّين ويعلّمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والدّيات. ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين، وقيل: أن عمرو بن حزم توفي في خلافة عمر- رضي الله تعالى عنه- وفي ذلك خلاف ذكره ابن عبد البر، وقال: روى عنه ابنه محمد والنضر بن عبد الله السلمي وزياد بن نعيم الحضرمي] . الباب التاسع والعشرون في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- أبا هريرة- رضي الله تعالى عنه- إلى هجر مع العلاء بن الحضرمي قال ابن عبد البر: أبو هريرة هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف بن عتّاب بن أبي صعب بن منبّه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس. ذكر ابن عبد البر في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، حاصله أنه كان اسمه في الجاهلية: عبد شمس، وفي الإسلام: عبد الله أو عبد الرحمن، وغلبت عليه كنيته فعرف بها. روي عنه أنه قال: كنت أحمل هرّة في كمّي، فرآني النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لي: ما هذا؟ فقلت: هرّة، فقال: يا أبا هريرة. أسلم- رضي الله عنه- عام خيبر وشهدها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم، وكان يدور معه حيث

الباب الثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن ورقاء مع أخيه - رضي الله تعالى عنهما - إلى اليمن

دار، وكان من أحفظ الصحابة رضي الله عنهم. وشهد له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بأنه حريص على العلم والحديث. وقال: يا رسول الله! إني سمعت منك حديثا كثيرا، وإني أخشى أن أنسى، فقال: ابسط رداءك! قال: فبسطته فغرف بيده فيه ثم قال: ضمه! فما نسيت شيئا بعد. قال البخاري: روى عنه أكثر من ثمانمائة ما بين صاحب وتابع. استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فأبى، ولم يزل بالمدينة حتى توفّي بها سنة سبع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة. وقيل: مات بالعقيق، وصلّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان أمير المدينة، ومروان معزول. قال ابن سعد: كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا أخذت منهم الجزية، وبعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه به خيرا. الباب الثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- عبد الرحمن بن ورقاء مع أخيه- رضي الله تعالى عنهما- إلى اليمن [تقدم ذكره مع أخيه عبد الله بن ورقاء] . الباب الحادي والثلاثون في إرساله صلّى الله عليه وسلّم عقبة بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- إلى صنعاء [....] .

الباب الثاني والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم -[عياش] [1] بن أبي ربيعة - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن

الباب الثاني والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم-[عياش] [ (1) ] بن أبي ربيعة- رضي الله تعالى عنه- إلى اليمن [واسم أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا عبد الله. هو أخو أبي جهل بن هشام لأمه، أمهما أم الجلاس، واسمها أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم، وهو أخو عبد الله بن أبي ربيعة لأبيه وأمه. كان إسلامه قديما قبل أن يدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته] . الباب الثالث والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- فرأت بن حيان إلى ثمامة بن أثال- رضي الله تعالى عنه- [هو ابن ثعلبة العجليّ من بني عجل من بكر بن وائل بن قاسط حليف لبني سهم، هاجر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم. روى عنه حارثة بن مضرب وحنظلة بن الربيع قاله ابن عبد البر. وروي عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بعثه إلى ثمامة بن أثال في قتل مسيلمة وقتاله. الباب الرابع والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- قدامة بن مظعون- رضي الله تعالى عنه- إلى المنذر بن ساوى [قال ابن عبد البر: قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحيّ، يكنى أبا عمر، وقيل: أبا عمرو، والأول أشهر. أمه امرأة من بني جمح، وهو خال عبد الله وحفصة ابني عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- وكان تحته صفيّة بنت الخطّاب أخت عمر، هاجر إلى أرض الحبشة مع أخويه: عثمان وعبد الله. وشهد بدرا وسائر المشاهد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم. استعمله عمر على البحرين، ثم عزله وجلده على الخمر لسبب يطول- ذكره ابن عبد البر، وغاضبه عمر ثم صالحه لرؤيا رآها عمر، لما قفل من الحج ونزل بالسقيا

_ [ (1) ] في أ: عياض.

الباب الخامس والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - قيس بن نمط - رضي الله تعالى عنه - إلى أبي زيد قيس بن عمرو

نام، فلما استيقظ قال: عجّلوا عليّ بقدامة، فو الله لقد أتاني آت في منامي فقال: سالم قدامة فإنه أخوك، فعجّلوا عليّ به، فلما أتوه أبى أن يأتي، ثم جاء فكلمه عمر واستغفر له. قال ابن عبد البر: ولم يحدّ في الخمر من أهل بدر إلا قدامة بن مظعون- رضي الله عنه. توفّي سنة ست وثلاثين، وهو ابن ثمان وستين سنة، ذكره ابن سعد في رسله صلى الله عليه وسلّم إلى المنذر بن ساوى هو وأبو هريرة رضي الله عنهما] . الباب الخامس والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- قيس بن نمط- رضي الله تعالى عنه- إلى أبي زيد قيس بن عمرو [قال عبد الكريم في الوفود. وذكر الرشاطي إن قيس بن نمط بن قيس بن مالك- وقيل: قيس بن مالك بن نمط- الأرحبيّ خرج حاجا في الجاهلية، فوافق النبي- صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى الإسلام فأسلم، فقال: هل عند قومك من منعة؟ قال: نحن أمنع العرب، وقد خلفت في الحي فارسا مطاعا يكنى أبا زيد قيس بن عمر- وقيل: أبو زيد عمرو بن مالك- فاكتب إليه حتى أوافيك به، فكتب إليه. فأتى قيس بن نمط أبا زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وأسلم بعض أرحب، وأقبلا في جماعة إلى مكة ليقبلا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وذلك بعد عامين أو ثلاثة، وأقبلت الأنصار في تلك المدة فعاقدوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخرج إليهم، فمضى قيس ابن نمط وخلف أصحابه بمكة، فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم قال: وفي الرجل وأخبر بقومه! فقال: سأكتب لك كتابا وأجعلك على قومك. فكتب له في قطعة أديم، وأسلم جميع همدان، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقدمه من تبوك، وهو مائة وعشرون راكبا] . الباب السادس والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنهما- إلى اليمن قال في زاد المعاد [ (1) ] : وبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن، عند انصرافه من تبوك، وقيل: بل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الإسلام، فأسلم عامّة أهلها طوعا من غير قتال، ثم بعث بعد ذلك على بن أبي طالب إليهم ووافاه بمكة من حجة الوداع.

_ [ (1) ] 1/ 123.

الباب السابع والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن مرارة مع معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنهما - إلى اليمن

الباب السابع والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- مالك بن مرارة مع معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنهما- إلى اليمن قال ابن سعد: (قالوا) : وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا يخبرهم فيه بشرائع الإسلام وفرائض الصّدقة من المواشي والأموال ويوصيهم بأصحابه ورسله خيرا، وكان رسوله إليهم معاذ ابن جبل ومالك بن مرارة، ويخبرهم بوصول رسوله إليهم وما بلغ عنهم، قالوا: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى عدّة من أهل اليمن سماهم، منهم الحارث بن عبد كلال، وشريح بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال ونعمان، قيل: ذي يزن ومعافر وهمذان وزرعة ذي رعين، وكان قد أسلم من أول حمير، وأمرهم أن يجمعوا الصدقة والجزية فيدفعوها إلى معاذ بن جبل ومالك [بن مرارة، وأمرهم بهما خيرا، وكان مالك بن مرارة رسول أهل اليمن إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم وطاعتهم، وكتب إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن مالك بن مرارة] [ (1) ] قد بلّغ الخبر وحفظ الغيب قالوا: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بني معاوية من كندة بمثل ذلك. الباب الثامن والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- مالك بن عبد الله إلى اليمن [قال ابن عبد البر: ويقال: مالك بن فزارة، والصحيح: ابن مرارة، وقال بعضهم: الرّهاوي. وروى عطاء بن ميسرة عن الثقة عنده عن مالك بن مرارة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. قال ابن عبد البر: وليس مالك بن مرارة مشهورا في الصّحابة. قال ابن سعد: وكان مالك بن مرارة رسول أهل اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم وطاعتهم، وكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مالك بن مرارة قد بلغ الخبر وحفظ الغيب] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ، ب.

الباب التاسع والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن عقبة أو عقبة بن مالك مع معاذ - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن

الباب التاسع والثلاثون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- مالك بن عقبة أو عقبة بن مالك مع معاذ- رضي الله تعالى عنه- إلى اليمن [قال ابن عبد البر: مالك بن عقبة أو عقبة بن مالك، هكذا جرى ذكره على الشّكّ، وذكره ابن إسحاق في الوفود مع معاذ بن حبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة ومالك بن عقبة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية، وأبلغوها رسلي، وأن أميرهم معاذ بن جبل، فلا ينقلبن إلا راضيا] . الباب الأربعون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- المهاجر بن أمية- رضي الله تعالى عنه- إلى الحارث بن عبد كلال الحميري هو المهاجر بن أبي أميّة حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزوميّ، شقيق أمّ سلمة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- له في قتال الرّدة أسرّ كبير بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الحارث بن عبد كلال الأصغر ابن سعد بن غريب بن عبد كلال الأوسط الحميري وأمره أن يقرأ عليه [البينة 1] لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ فلما قدم عليه قرأها عليه، قال له: يا حارث، إنك أنت أعظم الملوك، قد أفاد أسرك، فخفّ غدك، وقد كان قبلك ملوك ذهبت أثارها وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا وأمّلوا بعيدا، وتزوّدوا قليلا، منهم من أدركه الموت، ومنهم من أكلته النقم، وإنّي أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك، وإن أرادك لم يمنعك منه أحد، أدعوك إلى النبي الأمي، الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به، ولا أقبح مما ينهى عنه، واعلم إن لك ربّاً يميت الحيّ ويحيي الميّت، وما تخفي الصدور، فأجابه الحارث بأنه سينظر في أمره، وتقدم في الوفود مقدمه وقومه مسلمين. قال أبو الربيع: وتوجيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك إنما كان بعد انصرافه من الحديبية، آخر سنة ست، وأول سنة سبع، فلعل المهاجر- والله تعالى أعلم- توجه إلى الحارث ابن عبد كلال فصادف منه يومئذ تردّدا ثمّ جلا الله عنه العمى، فعند ذلك أرسل هو وأصحابه بإسلامهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبذلك يجتمع الخيران.

الباب الحادي والأربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - نمير بن خرشة إلى ثقيف

الباب الحادي والأربعون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- نمير بن خرشة إلى ثقيف [قال ابن سعد في الطبقات: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثقيف كتابا أنّ لهم ذمّة الله وذمّة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم علي ما كتب لهم-، وكتب خالد بن سعيد وشهد الحسن والحسين، ودفع الكتاب إلى نمير بن خرشة] . الباب الثاني والأربعون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- نعيم بن مسعود الأشجعي- رضي الله تعالى عنه- إلى ابن ذي اللحية [قال ابن عبد البر: جده عامر، هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الخندق، وهو الذي خذل المشركين وبني قريظة حتى صرف الله المشركين بعد أن أرسل الله عليهم ريحا وجنودا لم يروها، وخبره في تخذيل بني قريظة والمشركين في السير خبر عجيب، ونزلت فيه: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ، كني عنه وحده بالناس. سكن نعيم المدينة، ومات في خلافة عثمان، وقيل: قتل في الجمل قبل قدوم علي- رضي الله عنه. وذكر سيف بن عمر في كتاب الردة: أنه كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن ذي اللحية وابن مشيمصة الجبيري] . الباب الثالث والأربعون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- واثلة بن الأسقع مع خالد بن الوليد- رضي الله تعالى عنهما- إلى أكيدر قال عبد الكريم الحلبي في الوفود: وفد واثلة بن الأسقع على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يتجهز إلى تبوك، فأسلم وبايع ورجع إلى أهله فأخبرهم، فقال له أبوه: لا أكلمك كلمة أبدا! وسمعت أخته كلامه فأسلمت وجهزته، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجده قد سار إلى تبوك، فقال: من يحملني عقبه وله سهمي؟ فحمله كعب بن عجرة حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه تبوك. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى أكيدر فغنم، فجاء بسهمه إلى كعب بن عجرة فأبى أن يقبله وقال: إنما حملتك لله] .

الباب الرابع والأربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - وبرة، وقيل: وبر بن بحيس إلى داذويه

الباب الرابع والأربعون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- وبرة، وقيل: وبر بن بحيس إلى داذويه [وقيل: وبر بن يحنس. قال ابن عبد البر: ويقال: ابن محصن الخزاعيّ، له صحبة، وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داذويه وفيروز الديلمي وجشيش الديلمي باليمن، ليقتلوا الأسود الكذاب العنسي الذي ادعى النبوة. روى سيف بن عمر في كتاب الردة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قاتل النبي صلى الله عليه وسلّم مسيلمة والأسود وطليحة بالرسل، ولم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله تعالى، فبعث وبر بن يحنس الأزدي إلى فيروز وجشيش الديلميين وداذويه الإصطخريّ، وكانت هذه الحكاية في مرضه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم] الباب الخامس والأربعون في إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- الوليد بن بحر الجرهمي- رضي الله تعالى عنه- إلى أقيال اليمن [بعثه إلى الأقبال من أهل حضر موت- قاله القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي في عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف] . الباب السادس والأربعون في إرساله- صلّى الله عليه وسلم- أبا أمامة صدي بن عجلان- رضي الله تعالى عنه- إلى قومه باهلة [هو صديّ- بالتصغير- ابن عجلان بن الحارث، ويقال: ابن وهب، ويقال: ابن عمرو بن وهب بن عريب بن وهب بن رياح الباهليّ أبو أمامة. مشهور بكنيته، كان مع علي بصفين، مات سنة ست وثمانين، قال ابن عبد البر: بغير خلاف. روى أبو يعلى من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قومي، فانتهيت إليهم وأنا طاو، وهم يأكلون الدم، فقالوا: هلم قلت: إنما جئت أنهاكم عن هذا، فنمت وأنا مغلوب، فأتاني آت بإناء فيه شراب، فأخذته وشربته، فكظني بطني، فشبعت ورويت، ثم قال رجل منهم: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تتحفوه، فأتوني بلبن، فقلت: لا حاجة لي به، وأريتهم بطني، فاسلموا عن آخرهم. ورواه البيهقي في الدّلائل، وزاد فيه أنه أرسله إلى قومه باهلة] .

جماع أبواب ذكر كتابه - صلى الله عليه وسلم - وأن منهم الخلفاء الأربعة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وتقدمت تراجمهم في تراجم العشرة، وأبو سفيان بن حرب وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وتقدمت تراجمهم في الأمراء - رضي

جماع أبواب ذكر كتابه- صلى الله عليه وسلم- وأن منهم الخلفاء الأربعة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وتقدمت تراجمهم في تراجم العشرة، وأبو سفيان بن حرب وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وتقدمت تراجمهم في الأمراء- رضي الله تعالى عنهم أجمعين. الباب الأول في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- أبان بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي أسلم بعد الحديبية على الصحيح، مات سنة ثلاث عشرة. الباب الثاني في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- أبى بن كعب- رضي الله عنه هو أبي بن كعب بن المنذر بن قيس الحراري الأنصاري أبو المنذر، وأبو الطّفيل، سيّد القرّاء، شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها، وهو أحد فقهاء الصحابة، وأقرؤهم لكتاب الله- عز وجل- وقرأ عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [البينة 1] وقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن الله أمرني أن أقرأ عليك «لم يكن» ، قال: الله سماني؟ قال: نعم، فبكى. والحكمة في قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لم يكن» لأن فيها رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة 2] قال ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة: وهو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أي: بالمدينة. وقال في الإصابة: وأوّل من كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان بن فلان، قال ابن سعد: هو أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة، وكان هو وزيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنهما- يكتبان الوحي، وكتبه للناس وما يقطع به، وكنّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المنذر. وكنّاه عمر بن الخطاب أبا الطّفيل، بولده الطّفيل بن أبي، مات سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: اثنتين وعشرين وقيل: سنة ثلاثين في خلافة عثمان.

قال أبو نعيم الأصبهانيّ: وهذا هو الصحيح، قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لخالد بن ضماد الأزدي، أن له ما أسلم عليه من أرضه، على أن يؤمن بالله وحده لا شريك له، ويشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وعلى أن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم شهر رمضان، ويحج البيت، ولا يأوي محدثا، ولا يرتاب وعلى أن ينصح لله ولرسوله وعلى أن يحب أحبّاء الله، ويبغض أعداء الله، وعلى محمد النبيّ أن يمنعه ما يمنع منه نفسه وماله وأهله، وأنّ لخالد الأزدي ذمّة الله وذمّة محمّد النّبيّ، إن وفّى بهذا. وكتب- عليه الصلاة والسلام- كتابا لجنادة الأزديّ وقومه ومن تبعه، ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزّكاة، وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- وفارقوا المشركين، وأن لهم ذمّة الله وذمة محمد بن عبد الله. وكتب أبي. وكتب- عليه الصلاة والسلام- إلى المنذر بن ساوى كتابا آخر: «أما بعد» فإني قد بعثت إليك قدامة وأبا هريرة فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك والسّلام. وكتب أبيّ. وكتب- عليه الصلاة والسلام- إلى العلاء بن الحضرمي: «أما بعد فإني قد بعثت إلى المنذر بن ساوى من يقبض منه ما اجتمع عنده من الجزية فعجّله بها، وابعث (معها) ما اجتمع عندك من الصدقة والعشور، والسّلام. وكتب أبيّ. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبارق من الأزد: «هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق أن لا تجذّ ثمارهم، وأن لا تدعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلا [بمسألة] [ (1) ] من بارق ومن مرّ بهم من المسلمين من عرك أو جدب فله ضيافة ثلاثة أيّام، فإذا أينعت ثمارهم فلا بن السّبيل اللّقاط يوسع بطنه، من غير أن يقتثم، شهد أبو عبيدة بن الجراح وحذيفة بن اليمان [وكتب أبي بن كعب] [ (2) ] .

_ [ (1) ] في ب بمثله. [ (2) ] سقط في أ.

الباب الثالث في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - الأرقم بن أبي الأرقم [1]- رضي الله تعالى عنه -

الباب الثالث في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- الأرقم بن أبي الأرقم [ (1) ]- رضي الله تعالى عنه- هو الأرقم بن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن [عبد الله بن عمر] [ (2) ] المخزوميّ، وكان من السابقين إلى الإسلام، هاجر وشهد بدرا وما بعدها، توفي سنة ثلاث وخمسين وله ثلاث وثمانون سنة [وقيل: سنة خمس وخمسين وهو ابن بضع وثمانين] روى ابن سعد: وكتب- عليه الصلاة والسلام- لعبد يغوث بن وعلة الحارثي، أن له ما أسلم عليه من أرضها وأشيائها، يعني نخلها، ما أقام الصلاة وآتى الزكاة، وأعطى خمس المغانم من الغزو ولا عشر ولا حشر ومن تبعه من قومه [ (3) ] . وكتب الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لعاصم بن الحارث الحارثي، أنّ له نجمة من راكس لا يحاقّه فيها أحد، وكتب الأرقم. وكتب- عليه الصلاة والسلام- للأجبّ، رجل من بني سليم أنّه أعطاه فالسا، وكتب الأرقم [ (4) ] . الباب الرابع في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- بريدة بن الحصيب- رضي الله تعالى عنه- [قال ابن عبد البر: هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عديّ بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا سهل، وقيل: أبا الحصيب، وقيل: أبا ساسان. والمشهور: أبا عبد الله. أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد الحديبية، وبايع بيعة الرضوان تحت الشجرة. ولمّا هاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فانتهى إلى الغميم أتاه بريدة بن الحصيب فأسلم هو ومن معه] .

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] سقط في أ. [ (3) ] سقط في أ. [ (4) ] انظر ابن سعد 1/ 205.

الباب الخامس في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - ثابت بن قيس - رضي الله تعالى عنه -

الباب الخامس في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- ثابت بن قيس- رضي الله تعالى عنه- هو ثابت بن قيس بن شمّاس بن مالك الأنصاريّ الخزرجيّ أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد خطيب النبي- صلى الله عليه وسلّم- وشهد له بالجنة، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد، قتل يوم اليمامة شهيدا في أيام أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- سنة إحدى عشرة، وكان يخرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذّاب، فلمّا التقوا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة، وثبتا وقاتلا حتى قتلا. وعلى ثابت درع له نفيس فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه، فقال له: إني أوصيك بوصية، فإيّاك أن تقول: هذا حلم فتضيّعها. إنّي قتلت أمس، فمرّ بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستنّ في طوله، وقد كفأ على الدّرع يرمه، وفوقها رحل، فأت خالدا فمره فليبعث فليأخذها، وإذا قدمت المدينة فقل لأبي بكر خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي وفلان عتيق فاستيقظ الرجل، فأتى الرّجل خالدا، فأخبره فبعث إلى الدّرع، فأتى بها وحدّث أبا بكر برؤياه، فأجاز وصيّته، ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت. قال ابن سعد: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوفد ثمالة والحدّان: هذا كتاب من محمد رسول الله لبادية الأسياف، ونازلة الأجواف، مما حازت (صحار) ، وليس عليهم في النّخل خراص، ولا مكيال، مطبّق حتى يوضع في الفداء عليهم من كل عشرة أوساق وسق. وكاتب الصحيفة ثابت بن قيس بن شمّاس. شهد سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة- رضي الله تعالى عنهما-. الباب السادس في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- جهيم بن الصلت- رضي الله تعالى عنه- هو جهيم بن الصّلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف القرشيّ المطّلبيّ. أسلم عام خيبر، وأعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر ثلاثين وسقا قال ابن سعد: وكتب- عليه الصلاة والسلام- ليزيد بن الطّفيل الحارثي أن له المضّة كلّها، لا يحاقّه فيها أحد، ما أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحارب المشركين، وكتب جهيم بن الصّلت.

الباب السابع في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - جهم بن سعد - رضي الله تعالى عنه -

الباب السابع في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- جهم بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال عبد الكريم في المورد العذب الهنيّ في شرح السيرة لعبد الغني: جهم بن سعد، ذكره أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي في كتاب الأعلام في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه صلى الله عليه وسلم. قال عبد الكريم: ونقلته من خطه. وقال: وذكر القضاعي، وكان الزبير بن العوام وجهم بن سعد يكتبان أموال الصدقة. قال ابن منير الحلبي: روى هلال بن سراج بن مجاعة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه أرضا باليمن، فكتب له عنه بريدة: من محمد رسول الله لمجاعة بن مرارة من بني سليم، إني أعطيتك الغورة فمن حاجه فيها فليأتني- وكتب بريدة. الباب الثامن في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- حنظلة بن الربيع- رضي الله تعالى عنه- الأسيدي التميمي، يكنى أبا ربعي، ومن بني أسيد بن عمرو بن تميم، من بطن يقال لهم بنو شريف، وبنو أسيّد بن عمرو بن تميم من أشراف بني تميم. أسيّد- بكسر الياء وتشديدها. قال نافع بن الأسود التميمي يفخر بقومه شعرا: قومي أسيّد إن سألت ومنصبي ... ولقد علمت معادن الأحساب وهو ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب، أدرك مبعث النبي صلّى الله عليه وسلم وهو ابن مائة وتسعين سنة- ولم يسلم، وكان قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسر بجوابه وجمع إليه قومه وندبهم إلى إتيان النبي صلى الله عليه وسلّم والإيمان به، وخبره في ذلك عجيب، فاعترضه مالك بن نويرة اليربوعيّ وفرق جمع القوم، فبعث أكثم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابنه فيمن أطاعه من قومه، فاختلفوا في الطريق فلم يصلوا. وحنظلة أحد الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف بالكاتب. شهد القادسية، وتخلف عن علي- رضي الله عنه- يوم الجمل.

الباب التاسع في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - حويطب بن عبد العزى - رضي الله تعالى عنه -

الباب التاسع في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- حويطب بن عبد العزّى- رضي الله تعالى عنه- ابن أبي قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل- الحسل: فرخ الضب حين يخرج من بيضته- ابن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامريّ. كان من مسلمة الفتح من المؤلّفة قلوبهم! أدرك الإسلام وهو ابن ستين سنة، وأعطي من غنائم حنين مائة بعير، وأمره عمر بتجديد الحرم. وكان ممّن دفن عثمان، وباع من معاوية دارا بالمدينة بأربعين ألف دينار، فاستشرف الناس لذلك، فقال معاوية: وما أربعون ألف دينار لرجل له خمسة من العيال. يكنى أبا محمد، وقيل: أبا الأصبع. وشهد مع سهيل بن عمرو صلح الحديبية وقصة الكتاب وهما من جهة المشركين. وآمنه أبو ذر يوم الفتح ومشى معه، وجمع بينه وبين عياله حتى نودي بالأمان، ثم أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا والطائف مسلما. واستقرضه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعين ألف درهم فأقرضه إياها. مات بالمدينة في آخر إمارة معاوية رضي الله عنه، وقيل: سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة. قال عبد الكريم الحلبي: ذكره في كتابه صلى الله عليه وسلم ابن مسكويه- رضي الله عنه. الباب العاشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- الحصين بن عمير- رضي الله تعالى عنه- ذكره عبد الكريم الحلبي في شرح السيرة لعبد الغني، وذكره القضاعي ولم يرفع له نسبا. قال الحلبي: ذكره أبو عبد الله القرطبيّ في كتابه- عليه السّلام-، ونقلته من خطه. وقال: وكان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات، والظاهر أنه نقله من كتاب القضاعي ونحو ذلك. وذكره أبو الحسن بن عبد البر وأبو علي بن مسكويه. قلت: ووجدته أنا في كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف للقضاعي كما أورده عنه- فلله الحمد والمنة.

الباب الحادي عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن عمرو - رضي الله تعالى عنه -

الباب الحادي عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- حاطب بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- [ابن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، أخو سهيل بن عمرو. شهد بدرا، وأسلم قبل دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين جميعا. وأول من قدم أرض الحبشة في الهجرة الأولى- قاله ابن عبد البر وقال عبد الكريم الحلبي: ذكره ابن مسكويه هو وأبو سفيان بن حرب في كتابه صلى الله عليه وسلم] . الباب الثاني عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان- رضي الله تعالى عنه- ذكره أبو الحسن بن البرّاء والثّعالبيّ في لطائفه وكان يكتب خرص النّخل. الباب الثالث عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- خالد بن زيد [أبا أيوب] [ (1) ]- رضي الله تعالى عنه- ذكره ابن دحية في كتاب علم النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين. قال ابن سعد: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بني عذرة بن حمير يدعوهم إلى الإسلام، وفي الكتاب: وكتب خالد بن زيد. الباب الرابع عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- خالد بن سعيد- رضي الله تعالى عنه- هو خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، أبو سعيد القرشي الأموي، أسلم قديما، وقيل: أنه أول من كتب، بسم الله الرحمن الرّحيم قيل: إنه أسلم بعد أبي بكر، فكان ثلث الإسلام، وقيل

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الخامس عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه -

غير ذلك، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وأقام بها بضع عشرة سنة، وتقدم سبب إسلامه في باب منامات رويت تدل على بعثة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يلزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخاتم الذي نقش عليه: محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووقع في بئر أريس قال ابن سعد: وكتب- عليه الصلاة والسلام- لراشد بن عبد السلمي أنه أعطاه غلوتين بسهم وغلوة بحجر برهاط لا يحاقّه فيها أحد، ومن حاقّه فلا حقّ له، وحقّه حقّ، وكتب خالد بن سعيد. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لحرام بن عبد عوف من بني سليم، أنه أعطاه إداما وما كان له من شواق، لا يحل لأحد أن يظلمهم ولا يظلمون أحدا، وكتب خالد بن سعيد. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لمّا سأله [وفد ثقيف] [ (1) ] أن يحرّم لهم وجّا: هذا كتاب من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المؤمنين إن عضاة وجّ، وصيده لا يعضد، فمن وجد يفعل ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ النبي، وهذا أمر النبي محمد بن عبد الله، رسول الله، وكتب خالد بن سعيد بأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- فلا يتعدى منه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لسعيد بن سفيان أبي علي، هذا ما أعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سعيد بن سفيان أبي علي، أعطاه نخل السّوارقية وقصدها لا يحاقّه فيها أحد ومن حاقّه فلا حقّ له، وحقّه حقّ، وكتب خالد بن سعيد. الباب الخامس عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد- رضي الله تعالى عنه- هو خالد بن الوليد أبو سليمان المخزوميّ، سيف الله، وسيف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكره ابن عبد البرّ وابن الأثير- رحمهما الله تعالى وغيرهما. الباب السادس عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- هو زيد بن ثابت الأنصاريّ البخاري، كان هو ومعاوية ألزمهم بذلك.

_ [ (1) ] سقط في أ.

الباب السابع عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن العاص - رضي الله تعالى عنه -

روى البخاري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمره أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأه على النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا كتبوا إليه، فتعلمه في خمسة عشر يوما. وروى ابن أبي حاتم عنه قال: كنت أكتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: فإني لو أضع القلم على أذني إذا أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينظر ما ينزل عليه إذ جاءه أعمى، فقال: كيف أتابعك يا رسول الله وأنا أعمى، فنزلت عليه لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [النور 61] قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة وعمره إحدى عشرة سنة. شهد أحدا وما بعدها، وقيل: أوّل مشاهده الخندق، وهو أحد فقهاء الصّحابة، وأحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان من أفكه النّاس إذا خلا في منزله، وأذمتهم إذا جلس مع القوم، ومات سنة ست وخمسين. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة، ذهب بي إليه، فأعجب بي، فقيل: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا زيد تعلّم كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي، فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلّمته، وحذقته، فكنت أكتب له إليهم، وأقرأ له كتبهم، وكان يكتب للنبي- صلى الله عليه وسلّم- الوحي، ويكتب له أيضا المراسلات وكان يكتب لأبي بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهما- في خلافتهما، وقد قال فيه- صلى الله عليه وسلّم-: أفرضكم زيد، وكان عمر يستخلفه إذا حجّ، وكان معه حين قدم الشّام، وهو الذي تولى قسم غنائم اليرموك، وكان عثمان يستخلفه أيضا إذا حجّ، وكان على بيت المال لعثمان، توفي بالمدينة سنة أربع، وقيل: ست وقيل: ثلاث، وقيل: خمس وخمسين، وقيل: سنة أربعين وقيل: سنة خمس، وقيل: إحدى، وقيل: ثلاث وأربعين. الباب السابع عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- سعيد بن العاص- رضي الله تعالى عنه- أخو خالد وأبان استشهد سعيد بن سعيد بن العاص يوم الطّائف، وكان إسلامه قبل فتح مكة بيسير، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على سوق مكة. وكان لأبيه سعيد بن العاص بن أمية ثمانية بنين ذكور منهم ثلاثة ماتوا على الكفر: أحيحة، وبه كان يكنى أبوه سعيد بن العاص، قتل يوم الفجار، والعاص وعبيدة قتلا جميعا ببدر كافرين، قتل العاص عليّ، وقتل عبيدة الزبير بن العوام- رضي الله تعالى عنه- قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدججّ في الحديد لا يرى منه إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات

الباب الثامن عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - السجل - رضي الله تعالى عنه -

الكرش، فطعنته بالعنزة في عينه فمات، فلقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت، فكان الجهد أن نزعتها ولقد انثنى طرفاها. توفي في خلافة معاوية سنة تسع وخمسين، قاله ابن عبد البر. وهو ابن أخي سعيد بن العاص بن أميّة وأحد كتابه صلى الله عليه وسلم. الباب الثامن عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- السّجلّ- رضي الله تعالى عنه- روى أبو داود والنسائي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه كان يقول في هذه الآية يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء 104] الآية قال: السّجلّ كاتب للنبي- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن مردويه وابن منده، من طريق حمدان بن سعيد عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان للنبي- صلى الله عليه وسلّم- كاتب يقال له: السّجلّ فأنزل الله تعالى يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء 104] والسّجلّ هو الرجل بلغة الحبشة، ورواه أبو نعيم لكن قال: حمدان بن عليّ ووهم ابن مندة في قوله: ابن سعيد. قال ابن مندة: تفرّد به حمدان. قال الحافظ: فإن كان هو ابن عليّ فهو ثقة، وهو معروف، واسمه محمد بن علي بن مهران، وكان من أصحاب أحمد، ولكن قد رواه الخطيب في ترجمة حمدان بن سعيد البغدادي فترجحت رواية ابن مندة، ونقل الخطيب عن البرقاني أن الأزديّ قال: تفرّد به ابن نمير، وابن نمير من كبار الثقات فهذا الحديث صحيح بهذه الطرق، وغفل من زعم أنه موضوع نعم ورد ما يخالفه، فروى الرافعي والعوفي عن ابن عباس قال في هذه الآية: كطيّ الصّحيفة على الكتاب، وكذلك قال مجاهد وغيره. قال الحافظ ابن كثير: وعرضت هذا الحديث، أي حديث ابن عباس السابق، على المزّي فأنكره جدا، وأخبرته أنّ ابن تيمية كان يقول: هو حديث موضوع، وإن كان في سنن أبي داود، فقال المزّيّ: وأنا أقوله. انتهى، قال الحافظ- رحمه الله-: وهذه مكابرة.

الباب التاسع عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - شرحبيل ابن حسنة - رضي الله تعالى عنه

الباب التاسع عشر في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- شرحبيل ابن حسنة- رضي الله تعالى عنه [وهي أمّه، وأبوه عبد الله بن المطاع بن عبيد الله، من كندة حليف لنبي زهرة، يكنى أبا عبد الرحمن، نسب إلى أمّه حسنة، وقيل: تبنّته، وليست أمه. وهو أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كان من مهاجرة الحبشة، معدود في وجوه قريش، وكان أميرا على ربع من أرباع الشام] . الباب العشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- عامر بن فهيرة- رضي الله تعالى عنه-[ (1) ] عامر بن فهيرة التّيميّ مولى أبي بكر الصديق، أسلم قديما، وكان يعذّب مع جملة المستضعفين، فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وهاجر مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة. روى الإمام أحمد عن عبد الملك بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك، أنّ أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول: فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: فقلت له: إن قومك جعلوا فيك الدّية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزّاد والمتاع فلم يرزؤني منه شيئا، ولم يسألوني إلا أن أخف عنّا، فسألته أن يكتب لي موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى] . الباب الحادي والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن الأرقم- رضي الله تعالى عنه- هو عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشيّ الزّهريّ، أسلم عام الفتح، وكتب للنبي- صلى الله عليه وسلّم- وأبي بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهما-.

_ [ (1) ] سقط في أ.

الباب الثاني والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول - رضي الله تعالى عنه -

قال مالك: بلغني أنّه ورد على النبي- صلى الله عليه وسلم- كتاب [فقال: من يجيب فقال عبد الله بن الأرقم: أنا، فأجاب وأتى به النبي- صلى الله عليه وسلم-] [ (1) ] فأحبه، وكان عمر حاضرا فأعجبه ذلك، حيث أصاب ما أراده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولما أن استكتبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وثق به، فكان إذا كتب لبعض الملوك يأمر أن يكتب ويختم ولا يقرأه لأمانته عنده واستعمله عمر وعثمان على بيت المال، ثم استعفى عثمان من ذلك فأعفاه، قال مالك: وبلغني أن عثمان أجازه من بيت المال بثلاثين ألفا فأبى أن يقبلها، وقال: عملت لله، وإنما أجري على الله، وعن عمرو بن دينار: أنّ عثمان أعطى عبد الله بن الأرقم ثلاثمائة ألف درهم فأبى أن يقبلها وقال: عملت لله وإنّ أجري على الله. الباب الثاني والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول- رضي الله تعالى عنه- هو عبد الله بن عبد الله بن أبي مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري وهو ابن أبي ابن سلول شهد بدرا وأحدا وغيرها من المشاهد، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه، فقال: بل أحسن صحبته. واستشهد عبد الله باليمامة في قتال الردة، سنة اثنتي عشرة. وذكره ابن عبد البر فيمن كتب للنبي- صلى الله عليه وسلم. الباب الثالث والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن رواحة- رضي الله تعالى عنه- هو عبد الله بن رواحة الخزرجيّ الأنصاريّ شهد بدرا واستشهد بمؤتة.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الرابع والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه -

الباب الرابع والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال ابن سعد: قالوا: وكتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمن أسلم، من حدس من لخم، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأعطى حظّ الله وحظّ رسوله، وفارق المشركين، فإنه آمن بذمّة الله تعالى وذمة محمد ومن رجع عن دينه فإن ذمة الله وذمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم منه بريئة، ومن شهد له مسلم بإسلامه فإنه آمن بذمة محمد وإنه من المسلمين وكتب عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه. الباب الخامس والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن سعد بن أبي سرح- رضي الله تعالى عنه- هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامريّ، أسلم وكتب الوحي ثم ارتد عن الإسلام، ولحق بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهدر دمه فيمن أهدر من الدّماء، فجاء إلى عثمان بن عفّان فاستأمن له، ثم أتى به النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد ما اطمأن أهل مكّة، واستأمن له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فصمت طويلا ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لمن حوله: ما صمتّ إلا لتقتلوه، فقال رجل: هلّا أومأت إلينا يا رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين» ، ثم أسلم ذلك اليوم وحسن إسلامه، ولم يظهر منه بعد ذلك ما ينكر، وهو أحد العقلاء الكرماء من قريش، ثم ولّاه عثمان مصر سنة خمس وعشرين، ففتح الله على يديه إفريقيا وكان فتحا عظيما، بلغ سهم الفارس منه ثلاثة آلاف مثقال وكان معه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير، وغزا بعد إفريقيا الأساود من أرض النّوبة سنة إحدى وثلاثين، ثم غزا غزوة الصّواريّ في البحر إلى الروم، واعتزل الفتنة حين قتل عثمان، فأقام بعسقلان، وقيل: بالرّملة وكان دعا أن يختم عمره بالصّلاة، فسلّم من صلاة الصبح التسليمة الأولى، ثم هم بالتسليمة الثانية عن يساره فتوفّي وذلك سنة ست وثلاثين وهو الصحيح، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة تسع وخمسين، قال خليفة بن خياط: وقد هم من عدّ [والده] [ (1) ] سرح في كتابه- صلى الله عليه وسلم.

_ [ (1) ] في أ (ولده) .

الباب السادس والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أسد - رضي الله تعالى عنه -

الباب السادس والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- عبد الله بن أسد- رضي الله تعالى عنه- [.....] الباب السابع والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- العلاء بن الحضرمي- رضي الله تعالى عنه- قال ابن سعد: قالوا: وكتب عليه الصلاة والسلام- لبني معن الطّائيّين الثّعلبيّين أن لهم ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم وغدوة الغنم من ورائها مبيتة ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله وفارقوا المشركين وأشهدوا على إسلامهم، وأمنوا السّبيل، وكتب العلاء وشهد، وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني شنخ من جهينة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمّد النبي- صلى الله عليه وسلم- من شنخ من جهينة، أعطاهم ما خطّوا من جفينة وما حرثوا ومن حاقّهم فلا حقّ له، وحقّهم حق، وكتب العلاء بن عقبة قال ابن سعد: قالوا: وكتب- عليه الصلاة والسلام- لأسلم من خزاعة، لمن آمن منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وناصح في دين الله، أنّ لهم النّصر على من دهمهم بظلم، وعليهم نصر النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا دعاهم، ولأهل باديتهم ما لأهل حاضرتهم، وأنهم مهاجرون حيث كانوا، وكتب العلاء بن الحضرمي وشهد. الباب الثامن والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- العلاء بن عقبة- رضي الله تعالى عنه- قال ابن سعد: وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني معن الطّائيّين، أن لهم ما أسلموا عليه، من بلادهم ومياههم وغدوة الغنم من ورائها مبيتة، ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وفارقوا المشركين، وأشهدوا على إسلامهم وأمّنوا السّبيل، وكتب العلاء وشهد.

الباب التاسع والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد العزى بن خطل قبل ارتداده

وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني شنخ من جهينة: «بسم الله الرحمن الرحيم» ، هذا ما أعطى محمد النبي- صلى الله عليه وسلم- بنى شنخ من جهينة: أعطاهم ما خطّوا من صفينة وما حرثوا، ومن حاقّهم فلا حقّ له وحقّهم حقّ، وكتب العلاء بن عقبة وشهد، وكتب- صلى الله عليه وسلّم- للعباس بن مرداس السّلميّ أنه أعطاه مدفوّا لا يحاقّه فيه أحد، ومن حاقّه فلا حقّ له، وحقّه حقّ، وكتب العلاء بن عقبة وشهد. الباب التاسع والعشرون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- عبد العزى بن خطل قبل ارتداده [وقيل: اسمه هلال. أسلم وبعثه النبي صلى الله عليه وسلّم مصدقا، وبعث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه مسلما، فنزل منزلا، وأمر المولى أن يذبح له تيسا، فيصنع له طعاما فنام، فاستيقظ ابن خطل ولم يصنع له شيئا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتدّ مشركا. وكان يكتب قدّام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل غَفُورٌ رَحِيمٌ كتب: رحيم غفور، وإذا نزل سَمِيعٌ عَلِيمٌ كتب: عليم سميع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: اعرض عليّ ما كنت أملي عليك، فلما عرضه عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: كذا أمليت عليك غفور رحيم ورحيم غفور واحد؟ وسميع عليم وعليم سميع واحد؟ قال: فقال ابن خطل: إن كان محمد ما كنت أكتب له إلا ما أريد! ثم كفر ولحق بمكّة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل ابن خطل فهو في الجنّة! فقتل يوم فتح مكة؟ وهو متعلّق بأستار الكعبة- قاله عبد الكريم الحلبي في شرح السيرة لعبد الغني. وقيل: قتله سعد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلميّ، وهو آخذ بأستار الكعبة، وقيل: بين المقام وزمزم] . الباب الثلاثون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- محمد بن مسلمة- رضي الله تعالى عنه- هو محمد بن مسلمة الأنصاري الخزرجي قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: هذا كتاب من محمد رسول الله لمهري بن الأبيض، على من آمن من مهرة أنهم لا يؤكلون ولا يغار عليهم، ولا يعركون، وعليهم إقامة شرائع الإسلام، فمن بدّل فقد حارب الله، ومن آمن به فله ذمّة الله وذمّة رسوله، اللّقطة مؤدّاة، والسّارحة مندّاة والتّفث: السيئة، والرفث الفسوق، وكتب محمد بن مسلمة الأنصاريّ.

الباب الحادي والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنه -

الباب الحادي والثلاثون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- معاوية بن أبي سفيان- رضي الله تعالى عنه- روى الإمام أحمد مرسلا، ووصله أبو يعلى فقال: عن معاوية والطبراني ورجال أحسد وأبي يعلى رجال الصحيح، عن سعيد بن عمرو بن العاص أن أبا هريرة اشتكى، وأن معاوية أخذ الإداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبينا هو يوصي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفع رأسه إليه مرة، أو مرتين، وهو يتوضأ، فقال: يا معاوية: إن وليت أمرا فاتق الله واعدل. ولفظ الطبراني في الصغير: اقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، قال: فما زلت أظن أني مبتل بعمل، لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى ابتليت. وروى الطبراني عن عبد الله بن بشر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استأذن أبا بكر وعمر في أمر فقال: أشيروا عليّ فقالوا: الله ورسوله أعلم فقال: أشيروا علي: فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال: ادعوا لي معاوية فقال أبو بكر وعمر: أما كان في رسول الله ورجلين من قريش ما ينفذون أمرهم حتى بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غلام من غلمان قريش، فلما وقف بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: احضروه أمركم وأشهدوه أمركم، فإنه قويّ أمين. رواه البزّار باختصار اعتراض أبي بكر وعمر. قال أبو الحسن الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف، وشيخ البزار ثقة وشيخ الطبراني لم يوثقه إلّا الذهبي في الميزان، وليس فيه جرح مفسّر، ومع ذلك فهو حديث منكر. قلت: ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأعلّه بمروان بن جناح، وهو من رجال أبي داود وابن ماجه، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الدارقطني: لا بأس به، وروى الطبراني برجال وثّقوا، فيهم خلاف، وفي سنده انقطاع عن مسلمة بن مخلد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب ومكن له في البلاد. وروى الطبراني برجال الصحيح، عن قيس بن الحرث المذحجي وهو ثقة عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت أحدا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أشبه صلاة برسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أميركم هذا، يعني: معاوية، وروى الطبراني برجال وثقوا وتكلّم فيهم. عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: ما رأيت أحدا من الناس بعد

رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أسود من معاوية. وروى الطبراني من طريق محمد بن فطر فليحرر رجاله وعلي بن سعيد فيه لين، وبقية رجاله ثقات، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد: استوص بمعاوية، فإنّه أمين على كتاب الله تعالى، ونعم الأمين هو. وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن سهل ابن الحنظلة الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أن عيينة بن حصن والأقرع بن حابس سألا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا فأمر معاوية أن يكتب به لهما وختمهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأمره أن يدفعه إليهما، فقال: فأمّا عيينة فقال ما فيه، فقال: فيه الذي أمرت به، فقبله، وعقده في عمامته، وكان أحلم الرجلين، وأمّا الأقرع فقال: أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلمس. فأخبر معاوية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقولهما، ورواه أبو داود وعنده أن الذي قال: أحمل صحيفة هو عيينة. وروى الطبراني بسند لا بأس به عن الضحاك بن النعمان بن سعد أن مسروق بن وائل قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة بالعقيق، فأسلم وحسن إسلامه، ثم قال: يا رسول الله إني أحب أن تبعث إلى قومي فتدعوهم إلى الإسلام وأن تكتب لي كتاباً إلى قومي عسى الله أن يهديهم، فقال لمعاوية: اكتب له فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الأقيال من حضر موت، بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والصدقة على التّيعة والسائمة وفي السوق الخمس، وفي البعل العشر لا خلاط ولا وراط ولا شغار ولا شناق، ولا جنب ولا خلب به، ولا يجمع بين بعيرين في عقال من أجبأ فقد أربى، وكل مسكر حرام، وبعث إليهم زياد بن لبيد الأنصاري أما الخلاط: فلا يجمع بين الماشية، وأما الوراط فلا يقومهما بالقيمة. وأما الشّغار فيزوّج الرّجل ابنته، وينكح الآخر ابنته بلا مهر، والشناق أن يعقلها في مباركها. والإجباء أن يباع الثمرة قبل أن تؤمن عليها العاهة. وروى الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن معاوية- رضي الله تعالى عنه- كان يكتب بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وروى الطبراني من طريق السري بن عاصم كذبه ابن خراش وبهذا يصفه الناس بالوضع عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما كان يوم أمّ حبيبة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دقّ الباب داقّ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: انظروا من هذا؟ قالوا: معاوية قال: ائذنوا له، ودخل على إذنه فلم

الباب الثاني والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - معيقيب

يحظ به، وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني قرّة بن عبد الله بن أبي نجيح النّبهانيّين، أنه أعطاهم المظلّة كلّها، أرضها وماءها، وسهلها وجبلها، حتى يرعون مواشيهم. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبلال بن الحارث المزني أنّ له النّخل وجزعه وشطره ذا المزارع والنّخل وأن له ما أصلح به الزّرع من قدس، وأن له المضّة والجزع والغيلة إن كان صادقا وكتب معاوية. قال ابن سعد: جزّعه فإنّه يعني قرية، وأمّا شطره فإنه يعني تجاهه، وهو في كتاب الله عز وجل فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني تجاهه، فالقدس: الخرج وما أشبهه من آلة السّفر، وأما المضّة فاسم الأرض. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لعتبة بن فرقد: «هذا ما أعطى النبي- صلى الله عليه وسلم- عتبة بن فرقد، أعطاه موضع دار بمكّة يبنيها مما يلي المروة، فلا يحاقّه فيها أحد ومن حاقّه فإنّه لا حقّ له وحقّه حقّ» وكتب معاوية قال الليث بن سعد: توفي معاوية لأربع ليال خلون سنة ستين وسنة بضع وسبعون إلى الثمانين، رواه الطبراني. الباب الثاني والثلاثون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- معيقيب بقاف وآخره موحدة، مصغر، ابن أبي فاطمة الدوسي من السابقين الأولين، مولى سعيد ابن العاص، ويزعمون أنه دوسي حليف لآل سعيد بن العاص، أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في السفينتين. وكان على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلّم، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال. ونزل به داء الجذام فعولج منه بأمر عمر بالحنظل فتوقف أمره. وهو قليل الحديث- قاله ابن عبد البر قلت: روينا عنه في الصحيحين حديثا واحدا، ليس له فيهما غيره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يسوّي التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلا فواحدة. قال ابن عبد البر: عن أبي راشد مولى معيقيب قال: قلت لمعيقيب: ما لي لا أسمعك تحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يحدث غيرك؟ فقال: أما والله إني لمن أقدمهم صحبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولكن كثرة الصمت خير من كثرة الكلام. توفي في آخر خلافة عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنه-، وقيل: بل توفي سنة

الباب الثالث والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه -

أربعين في آخر خلافة علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-. قال السّهيليّ: ذكره عمر بن شبة في كتاب «الكتاب» له. وقال عبد الكريم الحلبي: معيقيب بن أبي فاطمة الدّوسيّ، ذكره ابن عساكر وابن الأثير وشيخنا الدّمياطي- والله سبحانه أعلم] . الباب الثالث والثلاثون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلّم- المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم، ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانيّتهم، وجوار الله ورسوله، لا يغيّر أسقف عن أسقفيّته ولا راهب عن رهبانيّته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغيّر حقّ من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم، ولا ظالمين وكتب المغيرة. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني الضّباب من بني الحارث بن كعب، أن لهم سارية ورافعهم لا يحاقّهم فيها أحد، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وفارقوا المشركين، وكتب المغيرة. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني قنان بن ثعلبة من بني الحارث أن لهم مجلسا، وأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم. وكتب المغيرة. وكتب- عليه الصلاة والسلام- ليزيد بن المحجّل الحارث أن لهم نمرة ومساقيها، ووادي الرحمن من بين غابتها، وأنه على قومه من بني مالك وعقبة، لا يغزون ولا يحشرون، وكتب المغيرة بن شعبة. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لعامر بن الأسود بن عامر بن جوين الطّائيّ أن له ولقومه طيّء ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وفارقوا المشركين، وكتب المغيرة. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني جوين الطائيين، لمن آمن منهم بالله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وفارق المشركين، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- وأشهد على إسلامه، فإن له أمان الله ومحمد بن عبد الله، وأن لهم أرضهم ومياههم وما أسلموا عليه وغدوة الغنم، من ورائها مبيتة وكتب المغيرة.

الباب الرابع والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني النجار ارتد فهلك فألقته الأرض ولم تقبله

قال ابن سعد: يعني بغدوة الغنم قال: تغدو الغنم بالغداة فتمشي إلى الليل فما خلفت من الأرض وراءها فهو لهم، وقوله: مبيتة، حيث باتت. وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني الجرمز بن ربيعة- وهم من جهينة-، أنهم آمنون ببلادهم، ولهم ما أسلموا عليه، وكتب المغيرة، وكتب- عليه الصلاة والسلام- لحصين بن نضلة الأسدي أن له أراما وكسّه، لا يحاقّه فيها أحد، وكتب المغيرة بن شعبة. الباب الرابع والثلاثون في استكتابه- صلّى الله عليه وسلم- رجلا من بني النجار ارتدّ فهلك فألقته الأرض ولم تقبله روى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان هنا رجل من بني النجار، وقد قرأ البقرة وآل عمران، كان يكتب للنبي- صلى الله عليه وسلّم- فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا: هذا كان يكتب لمحمّد، فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذا. وروى البخاري عن أنس قال: كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي- صلى الله عليه وسلّم- فعاد نصرانيّا، وكان يقول: ما أرى محمّدا يحسن إلا ما كنت أكتب له فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، قالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمّد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا، لما هرب منهم، فألقوه خارج القبر فحفروا له، وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه من الله، ليس من الناس، فألقوه.

جماع أبواب ذكر خطبائه وشعرائه وحداته وحراسه وسيافه، ومن كان يضرب الأعناق بن يديه ومن كان يلي نفقاته وخاتمه وسواكه ونعله، وترجله ومن كان يقود به في الأسفار ورعاة إبله وشياهه ونعله والآذن عليه - صلى الله عليه وسلم

جماع أبواب ذكر خطبائه وشعرائه وحداته وحراسه وسيافه، ومن كان يضرب الأعناق بن يديه ومن كان يلي نفقاته وخاتمه وسواكه ونعله، وترجله ومن كان يقود به في الأسفار ورعاة إبله وشياهه ونعله والآذن عليه- صلى الله عليه وسلم الباب الأول في ذكر خطيبه- صلّى الله عليه وسلم- ثابت بن قيس- رضي الله تعالى عنه- هو ثابت بن قيس بن شمّاس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث الأنصاري الخزرجي أمه هند، يقال له: خطيب الأنصار، وخطيب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشّره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالجنة وأخبره أنه من أهلها. رواه مسلم. وروى التّرمذي- بسند صحيح- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «نعم الرّجل ثابت بن قيس بن شماس، استشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- سنة إحدى عشرة، فلم يعلم أحد وصّى بعد موته فنفذت وصيّته غيره. [فقد نقل الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات من كتب المغازي، أنه لما استشهد كان عليه درع نفيس، فأخذها رجل، فرأى رجل ثابتا في منامه، فقال له ثابت: إني أريد أن أوصيك وصية، فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيّعه، إني قتلت أمس، فمر بن رجل، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس يستنّ في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رحل، فأت خالدا فمره، فليبعث فليأخذها، فإذا قدمت المدينة فقل لأبي بكر: علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي حر وفلان عتيق، فأتى الرجل خالدا فبعث إلى الدّرع فأتى بها على ما وصف، وأخبر أبا بكر برؤياه فأجاز وصيّته] [ (1) ]

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الثاني في ذكر شعرائه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في ذكر شعرائه- صلّى الله عليه وسلم- مدحه بالشعر جماعة من الصحابة ونسائهم، جمعهم الحافظ أبو الفتح ابن سيّد الناس في قصيدة ميمية، ثم شرحها في مجلّدة سماه «منح المدح» ورتبهم على حروف المعجم، وقارب بهم المائتين، أما شعراؤه الذين كانوا بسبب المفاضلة عنه والهجاء لكفار قريش فإنهم ثلاثة: حسان بن ثابت، وكانت يقبل بالهجو على أنسابهم. وعبد الله بن رواحة، وكان يعيّرهم بالكفر. وكعب بن مالك وكان يخوفهم بالحرب. وكانوا لا يبالون قبل الإسلام بأهاجي ابن رواحة. [وبالمؤمن من أهاجي حسان، فلما دخل من دخل منهم في الإسلام وجد ألم هجاء] [ (1) ] ابن رواحة أشدّ وأشقّ. قال في زاد المعاد: وكان أشدهم على الكفار حسان بن ثابت، وكعب بن مالك يعيّرهم بالشرك والكفر. الباب الثالث في ذكر حداته- صلى الله عليه وسلم- أنجشة: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم وبالشين المعجمة- كان عبدا أسود حسن الصّوت بالحداء فحدا بأزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، فأسرعت الإبل فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «يا أنجشة رفقا بالقوارير» رواه الشّيخان. وفي زاد المعاد وفي صحيح مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حاد حسن الصّوت، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: رويدا يا أنجشة لا تكسر القوارير» يعني: ضعفة النّساء. البراء بن مالك، كان يحدو بالرّجال عبد الله بن رواحة، وعامر بن الأكوع بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو وبالعين المهملة- وهو عمّ سلمة بن الأكوع، استشهد بخيبر. وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كان

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الرابع في ذكر حراسه - صلى الله عليه وسلم

معنا ليلة، نام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس حاديان. وروى ابن سعد عن مجاهد وعن طاووس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فبينا هو يسير بالليل ومعه رجل يسايره إذ سمع حاديا يحدو، وقوم أمامه فقال لصاحبه: لو أتينا حادي هؤلاء القوم، فقربنا حتى غشينا القوم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ممن القوم فقالوا: من مُضَرَ فقال: وأنا من مُضَرَ ونعى حادينا فسمعنا حاديكم فأتيناكم. زاد طاووس: فقالوا: يا رسول الله أما أن أول من حدا بينما رجل في سفر فضرب غلاما له على يده بعصا، فانكسرت يده، فجعل الغلام يقول: وهو يسيّر الإبل، وأيداه وأيداه: وقال: هيبا هيبا، فسارت الإبل. عامر بن الأكوع عمّ سلمة بن الأكوع [......] . الباب الرابع في ذكر حرّاسه- صلّى الله عليه وسلم أبو قتادة الأنصاريّ، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم. في اسمه أقوال أشهرها الحارث بن ربعيّ بن دومة بن خناس- بخاء معجمة فنون مفتوحة مخففة- ابن يلدمة بن خناس بخاء معجمة فنون مفتوحة مخففة كما قال ابن الأثير في الجامع، وقال العلاء بن العطّار في شرح العمدة: إنّها مشددة فألف فسين مهملة- ابن سنان بن عبيد بن عدي بن تميم بن كعب بن سلمة- بكسر اللام- السلمي بكسر اللام عند المحدثين وبفتحها عند النحويين، شهد أحدا والمشاهد كلها. روي له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مائة حديث وسبعون حديثا اتفق الشيخان منها على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثمانية، قيل: إنه شهد بدرا ولم يصحّ. وروى الطبراني في الصغير: حدثتنا عبدة بنت عبد الرحمن بن مصعب عن أبيه ثابت عن أبيه عبد الله عن أبيه عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أنّه حرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة بدر فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اللهمّ احفظ أبا قتادة كما حفظ نبيّك هذه الليلة» قال الحافظ في الإصابة: وقوله في رواية عبدة: ليلة بدر غلط فإنّه لم يشهد بدرا. روى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه قال: كنت أحرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخرج ذات ليلة لحاجة فرآني فأخذ بيدي فانطلقنا «الحديث» . الأدرع الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- وروى ابن ماجة عن الأدرع الأسلمي قال:

جئت ليلة أحرس النبي- صلى الله عليه وسلم- فإذا رجل ميّت فقيل: هذا عبد الله ذو البجادين وتوفي بالمدينة، وفرغوا من جهازه وحملوه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «ارفقوا به رفق الله بكم فإنّه كان يحب الله ورسوله» . أبو ريحانة ورجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنه- وروى الإمام أحمد برجال ثقات والطبراني عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزاة فأتينا ذات يوم وليلة على سرف فبتنا عليه، فأصابنا برد شديد، حتّى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها ويلقي عليها الجحفة يعني التّرس، فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذلك من الناس قال: من يحرسنا اللّيلة وأدعو الله له بدعاء يكون فيه فضل فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله قال: ادنه فدنا فقال: من أنت؟ فتسمّى له الأنصاريّ ففتح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالدّعاء فأكثر منه. قال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قمت فقلت: أنا رجل آخر قال: ادنه، فدنوت فقال: من أنت؟ فقلت: أنا أبو ريحانة، فدعا لي بدعاء، هو دون دعائه للأنصاريّ. الحديث. أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- حرسه يوم بدر في العريش شاهرا سيفه على رأسه- صلّى الله عليه وسلم- لئلا يصل إليه أحد من المشركين. رواه ابن السّمّاك في الموافقة. وحرسه أيضا سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنه- حرسه يوم بدر حين نام في العريش. ذكوان بن عبد قيس أبو أيّوب: وقت دخوله على صفيّة بخيبر أو بعض الطّريق فدعا له النبي- صلى الله عليه وسلم. سعد بن أبي وقّاص: بوادي القرى روى أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغويّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أرقا قال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني اللّيلة، فبينما أنا على ذلك إذ سمعت: السّلام عليكم فقال: من هذا؟ قال: أنا سعد بن أبي وقاص، أنا أحرسك يا رسول الله قالت: فنام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى سمعت غطيطه. عباد بن بشر: وهو الذي كان على حرسه فلما نزلت وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ خرج على الناس فأخبرهم، وصرف الحرس. محمد بن مسلمة: حرسه يوم أحد. بلال: حرسه بوادي القرى.

الباب الخامس في ذكر سيافه، ومن كان يضرب الأعناق بين يديه - صلى الله عليه وسلم -

عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه-. المغيرة بن شعبة حرسه حين وقف على رأسه بالسيف يوم الحديبية. الزبير بن العوام: [حرسه] [ (1) ] يوم الخندق. مرثد بن أبي مرثد الغنويّ. ذكوان بن عبد قيس حرسه بوادي القرى. الباب الخامس في ذكر سيّافه، ومن كان يضرب الأعناق بين يديه- صلى الله عليه وسلم- كان قيس بن سعد بن عبادة بين يديه- صلى الله عليه وسلم- بمنزلة صاحب الشّرطة من الأمير. روى الطبراني برجال الصّحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت منزلة قيس بن سعد، منزلة صاحب الشّرطة من الأمير، وكان الضحّاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر بن كلاب الكلابي سياف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو سعيد، وعليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوّام والمقداد بن الأسود ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت بن [أبي] [ (2) ] الأقلح- بالقاف- وقيس بن سعد والمغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنهم- يضربون الأعناق بين يديه- صلى الله عليه وسلّم- قال القطب في المنهل: كان الضّحاك يقوم على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسيف، وكان يعدّ بمائة فارس، وذكر الزبير بن بكار في كتاب المزاح، عن عبد الله بن حسن- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى الضّحّاك الكلابي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبايعه، ثم قال له: إنّي عندي امرأتان أحسن من هذه الحميراء أفلا أنزل لك عن إحداهما وعائشة جالسة، قبل أن يضرب الحجاب، فقالت: أهي أحسن، أم أنت؟ قال: بل أنا أحسن منها وأكرم، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من مسألة عائشة إيّاه، وكان ذميما قبيحا.

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] سقط في أ.

الباب السادس في ذكر من كان على نفقته وخاتمه وسواكه ونعله والآذن عليه - صلى الله عليه وسلم -

الباب السادس في ذكر من كان على نفقته وخاتمه وسواكه ونعله والآذن عليه- صلى الله عليه وسلم- كان بلال على نفقاته، ومعيقيب بن أبي فاطمة الدّوسي على خاتمه وابن مسعود على سواكه ونعله وأبو رافع على ثقله، والآذان عليه رباح الأسود وأسد مولياه، وأنس بن مالك وأبو موسى الأشعري. روى الطبراني برجال الصحيح غير محمد بن عبادة بن زكريا، وهو ثقة عن أبي ميسرة قال: كان أيمن على مطهرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وثعلبة يعاطيه حاجته، وكان صاحب نعله وسواكه عبد الله بن مسعود بن غافل بالغين المعجمة وفاء- ابن حبيب بن شمخ- بالشين والخاء المعجمتين- ابن مخزوم، وقيل: ابن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن الحارث بن تيم ابن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان أبو عبد الرحمن الهذلي صاحب النبي- صلى الله عليه وسلّم- أحد السابقين الأولين، حليف بني زهرة، كان أبوه قد حالف عبد الحارث بن زهرة، شهد بدرا والمشاهد كلها كان يلي نعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبسه إيّاها، فإذا جلس أدخلهما في ذراعه، وكان يلزم النبي- صلى الله عليه وسلّم- ويدخل عليه [وينقض شعره] [ (1) ] وكان لطيفا قصيرا جدّا أسمر شديدا نحيفا أحمش السّاقين ذا بطن حسن النّبرة، نظيف الثّوب، طيّب الرّيح وافر العقل سديد الرّأي كثير العلم فقيه النّفس كبير القدر، وقال ابن إسحاق: أسلم بعد اثنتين وعشرين نفسا، توفي أيام عثمان سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة على الأصح، عن ثلاث وستين سنة. قال أبو نعيم: كان ابن مسعود يوقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويماشيه في الأرض. وروى الطبراني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: لقد رأيتني وإنّي لسادس ستّة، ما على الأرض مسلم غيرنا. وروي عن أبي موسى قال: مكثت حينا وما أحسب ابن مسعود وأمّه إلّا من أهل بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- لما نرى من دخوله ودخول أمّه على النبي- صلى الله عليه وسلم-. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد.

_ [ (1) ] سقط في أ.

وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان ابن مسعود صاحب سرار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني سرّه وصاحب وساده يعني فراشه وصاحب سواكه ونعليه وطهوره. وروى البزار والطبراني برجال ثقات عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد رأيتني وأنا لسادس ستّة ما على الأرض مسلم غيرنا. وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد، وابن منيع، وأبو يعلى- برجال ثقات- عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أنه كان يجتني سواكا من أراك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعلت الرّيح تكفؤه، وكان في ساقيه دقّة، فضحك أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما يضحككم؟ فقالوا: دقّة ساقيه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لهما أثقل في الميزان من أحد» . وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود أن يصعد شجرة، فيأتيه بشيء منها، فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه، فضحكوا منها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما تضحكون؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد» . وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن القاسم- رحمه الله تعالى- قال: كان أول من أفشى القرآن زمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكّة عبد الله بن مسعود. وروى أحمد بن منيع- برجال ثقات- عن عتبة بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- قال: ما أرى رجلا أعلم بما أنزل على محمد- صلى الله عليه وسلم- من عبد الله، يعني ابن مسعود، فقال أبو موسى- رضي الله تعالى عنه-: لئن قلت ذلك، لقد كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حيث لا ندخل. وروى أحمد بن منيع، والإمام أحمد- برجال الصحيح- عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- قال: أشهد على رجلين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يحبّهما: ابن سميّة، يعني عمار بن ياسر وابن مسعود. وروى الحارث وابن أبي عمر عن القاسم بن عبد الرحمن- رحمه الله تعالى- قال: كان ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- يلبس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعليه، ثمّ يأخذ العصا فيمشي بها بين يديه، فإذا بلغ مجلسه خلع نعليه من رجليه، فأدخلهما ذراعيه، وأعطاه العصا، فإذا قام ألبسه نعليه، ثمّ يمشي أمامه حتّى يدخل الحجرة قبله. وروى الحارث عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أستر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل، وأوقظه إذا نام، وأمشي معه في الأرض الوحشاء. وروى أبو يعلى والطبراني بسند ضعيف، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: ما

كذبت منذ أسلمت إلا كذبة كنت أرحّل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتى رجل من الطّائف فقال: أيّ الرّحلة أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: الطّائفيّة المتكأة وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكرهها قال: فلما أتى بها قال من رحل لنا هذه؟ قالوا: رحل لك الذي أتيت به من الطّائف قال: «ردّوا الرّحلة إلى ابن مسعود» . وروى الطبراني برجال الصحيح عن قيس بن أبي حازم- رحمه الله تعالى- قال: رأيت ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- لطيفا. وروى الطبراني- برجال ثقات- عن حارثة بن مضرّب- رضي الله تعالى عنه- قال: كتب عمر- رضي الله تعالى عنه- إلى أهل الكوفة: قد بعثت عمّارا أميرا، وعبد الله وزيدا وهما من النّجباء، من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أهل بدر، فاقتدوا بهما، واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي. وروى الطبراني برجال الصحيح عن زيد بن وهب قال: أنّا لجلوس مع عمر، فجاء عبد الله يكاد الجلوس يوازنونه من قصره، فضحك عمر حين رآه، فجعل يكلّم عمر ويضاحكه وهو قائم عليه، ثمّ ولّى فأتبعه عمر بصره حتّى توارى فقال: كيف ملئ فقها. انتهى. وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: ما بقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم أحد إلّا أربعة، أحدهم: عبد الله بن مسعود. وروى البزّار- بإسناد رجاله ثقات- غير محمّد بن حميد الرّازيّ، وهو ثقة تكلّم فيه، والطبراني- وسنده منقطع- عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «رضيت لأمّتي ما رضي لها ابن أمّ عبد، وكرهت لأمّتي ما كره لها ابن أمّ عبد» . وروى الطبراني- برجال ثقات- إلا أن عبيد الله بن عثمان بن خيثم، لم يدرك أبا الدّرداء، - عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال لابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قم فاخطب، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إن الله عز وجلّ بّنا، وإنّ الإسلام ديننا، وإنّ القرآن إمامنا وإنّ البيت قبلتنا وإنّ هذا نبيّنا، وأومأ بيده إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: رضينا ما رضي الله ورسوله لنا، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أصاب ابن أمّ عبد وصدق، رضيت بم رضي الله لي ولأمتي وابن أمّ عبد، وكرهت ما كره الله تعالى لي ولأمتي وابن أمّ عبد [ (1) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 9/ 293.

وروى أبو يعلى- برجال الصحيح- عن قيس بن مروان، وهو ثقة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وهو بعرفة فقال: يا أمير المؤمنين، جئت من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه، قال: فغضب عمر وانتفخ حتّى كاد يملأ ما بين شعبتي الرّحل فقال: ويحك، من هو؟ قال: فقال: عبد الله بن مسعود، فما زال عمر يطفئ ويسري عنه الغضب حتّى عاد إلى حالته التي كان عليها. فقال: ويحك والله ما أعلم أحدا بقي من النّاس هو أحقّ بذلك منه، وسأحدّثك عن ذلك. كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة، كذلك في أمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، ثمّ خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يمشي، ونحن نمشي معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرف الرّجل، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد، قال: ثمّ جلس الرّجل يدعو، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «سل تعطه» فقال عمر: فقلت: والله لأغدونّ إليه فلأبشّرنّه قال: فغدوت عليه لأبشّره، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشّره فقلت: «والله ما سابقته إلى خير قطّ إلّا سبقني إليه» [ (1) ] وفي رواية: «فوجدت أبا بكر خارجا من عنده، فقلت: إن فعلت إنّك لسبّاق بالخير. وروى الطّبراني والبزّار ورجاله ثقات، عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من أحبّ أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد. وروى الطبراني بسند ضعيف، عن أبي الطفيل- رضي الله تعالى عنه- قال: ذهب ابن مسعود وناس معه إلى كبات، فصعد ابن مسعود شجرة ليجتني منها، فنظروا إلى ساقيه، فضحكوا من حموشتها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: إنّهم لأثقل في الميزان من أحد، ثم ذهب كلّ إنسان فاجتنى فحلا يأكله، وجاء عبد الله بن مسعود بجنائه قد جعله في حجره، فوضعه بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: هذا جناي وخياره فيه ... وكلّ جان يده إلى فيه فأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. وروى الطبراني بسند جيّد، والشطر الأول في الصحيح عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سبعين سورة، وختمت القرآن على خير النّاس علي بن أبي طالب.

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 1/ 173، والبيهقي 1/ 452، وأبو نعيم في الحلية 1/ 124، وذكره الهيثمي في المجمع 9/ 287.

الباب السابع في ذكر رعاة إبله وشياهه - صلى الله عليه وسلم -

وروى الطبراني عن يحيى بن بكير- رحمه الله تعالى- قال: توفي ابن مسعود بالمدينة، ودفن بالبقيع، وأوصى إلى الزبير بن العوام. الباب السابع في ذكر رعاة إبله وشياهه- صلّى الله عليه وسلم- [....] الباب الثامن في ذكر من كان على ثقله ورحله ومن يقود به في الأسفار زاده الله فضلا وشرفا لديه روى الطبراني عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أقود برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمّار يسوق به أو عمّار يقود وأنا أسوق، الحديث. وروى الطبراني عن الأسلع بن شريك- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأرحّل له ناقته. الحديث. وروى الإمام أحمد والطبراني عن معمر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أرحّل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، فقال لي ليلة من الليالي: يا معمر لقد وجدت اللّيلة في أنساعي اضطّرابا قال: فقلت: أما والذي بعثك بالحق نبيّا، لقد شددتها كما كنت أشدّها ولكن أرخاها من قد كان نفس عليّ مكاني منك لتستبدل بي غيري، فقال: أما إنّي غير فاعل ... الحديث) [ (1) ] . وروى أبو يعلى عن أبي حرة الرّقاشيّ عن عمّه قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في وسط أيّام التّشريق في حجة الوداع ... الحديث.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 40.

جماع أبواب ذكر عبيده وإمائه وخدمه من غير مواليه - صلى الله عليه وسلم -

جماع أبواب ذكر عبيده وإمائه وخدمه من غير مواليه- صلى الله عليه وسلم- الباب الأول في ذكر عبيده- صلّى الله عليه وسلم- قال النووي- رحمه الله تعالى: أعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي- صلى الله عليه وسلم- بل كان كل شخص منهم في وقت، وهم زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبيّ أبو أسامة. ومنهم: أسلم، وقيل: إبراهيم وقيل هرمز وقيل: إبراهيم أبو رافع، مشهور بكنيته، وقيل: غير ذلك القبطيّ أسلم قبل بدر، وكان للعباس فوهبه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعتقه، وكان على ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهد أحدا والخندق وباقي المشاهد [توفي بالمدينة] قيل: في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة علي. أحمر آخره راء- ابن جزء- بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة، وقيل: بفتح الجيم وكسر الزاي بعدها مثناة تحتية- ابن ثعلبة السّدوسيّ. أسامة بن زيد بن حارثة الكلبيّ، مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وابن مولاه، وابن مولاته، وحبه وابن حبّه، مات سنة أربع وخمسين على الصّحيح. أسلم بن عبيد الله، ذكره الحافظ الدّمياطي في موالي النبي- صلى الله عليه وسلّم. أسيد: ذكره العباس بن محمّد الأندلسي. أفلح: مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكره ابن عبد البرّ وغير واحد في الموالي. أنجشة الأسود الحادي، كان حسن الصّوت بالحداء. أسد: ذكره العباس بن محمد الأندلسي. أسود: ذكره النووي في تهذيب الأسماء، وأسود وهو الذي قتل بوادي القرى، ولا أدري أهما اثنان أم واحد، والذي يظهر من سياقه أنهما اثنان. أوس: جزم ابن حبّان بأن اسمه أبو كبشة، مات يوم استخلف عمر بن الخطاب. أنسة: بفتح الهمزة والنون. يكنى أبا مسرّح، - بضم الميم وفتح السين المهملة وبتشديد الراء- وقيل: أبو مسروح بزيادة واو ومن مولدة السراة كان يأذن على النبي- صلى الله عليه وسلم- والصّحيح أنّه توفي في خلافة أبي بكر.

أيمن بن عبيد بن زيد: وهو ابن أمّ أيمن أخو أسامة لأمّه، قال ابن إسحاق: وكان على مطهرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان ممن ثبت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، والجمهور أنه قتل يومئذ. باذام: ذكره النّوويّ، قال القطب الحلبي: وهو غير طهمان الآتي، باذام يأتي في طهمان بدر: أبو عبد الله. ذكره ابن الأثير وغيره. ابن يزيد: وذكره ابن [ (1) ] إسحاق إبراهيم بن محمد الصيرفي في الموالي. ثوبان بن بجدد- بضم الموحدة وسكون الجيم ودالين مهملتين، أولهما مضمومة- وقيل: ابن جحدر من أهل السّراة، موضع بين مكّة واليمن وقيل: إنه من حمير وقيل: إنه من ألهان أصابه سباء فاشتراه النبي- صلى الله عليه وسلّم- فأعتقه، وخيّره إن شاء يرجع إلى قومه، وإن شاء يثبت، فإنّه منّا أهل البيت، فأقام على ولاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يفارقه حضرا ولا سفرا، حتى توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مات بحمص سنة أربع وخمسين. حاتم: غير منسوب، اختلقه بعض الكذابين، فروى أبو إسحاق المستملي، وأبو موسى من طريقه أنه سمع نصر بن سفيان بن أحمد بن نصر يقول: سمعت حاتما يقول: اشتراني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثمانية عشر دينارا فأعتقني، فكنت معه أربعين سنّة، قال المستملي: كان نصر يقول: إنّه أتى عليه مائة وخمس وستّون. قال الحافظ: فعلى زعمه يكون حاتم المذكور عاش إلى رأس المائتين، وهذا هو المحال بعينه. حنين بنون آخره مصغرا. روى البخاري في تاريخه وسمويه أنه كان غلاما للنبي- صلى الله عليه وسلّم- فوهبه للعباس عمّه فأعتقه، وكان يخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان إذا توضأ خرج بوضوئه لأصحابه، فحبسه حنين فشكوه للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: حبسته لأشربه دوس: ذكره ابن منده وأبو نعيم في موالي رسول الله- صلى الله عليه وسلم. ذكوان: يأتي في طهمان. رافع: ويقال: أبو رافع ويقال له: أبو البهي- بفتح الموحدة وكسر الهاء الخفيفة، وهبه خالد بن سعيد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبّله وأعتقه. رويفع: عدّه النّوويّ في «تهذيب الأسماء» فيهم رياح الأسود: كان يأذن على

_ [ (1) ] في أ: أبو.

النبي- صلى الله عليه وسلّم- أحيانا، قال الطّبرانيّ: كان أسود. رويفع اليماني: ذكره مصعب الزبيدي، وابن أبي خيثمة في موالي النبي- صلى الله عليه وسلم. زيد بن حارثة- بحاء مهملة ومثلثة- الكلبيّ، يقال له: حبّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، استشهد بمؤتة سنة ثمان من الهجرة. زيد أبو يسار. زيد جد هلال بن يسار بن زيد. زيد بن بولا، بموحدة، ذكره أبو نعيم وابن الجوزي والنووي في موالي النبي- صلى الله عليه وسلّم-. سابق: ذكره ابن الجوزي في موالي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونصّ على صحبته الطبراني وابن قانع والباورديّ. وقال أبو عمر: لا تصح له صحبة. سالم: غير منسوب، ذكره أبو نعيم وأبو موسى في موالي النبي صلى الله عليه وسلّم. سعد: ذكره ابن عبد البر في موالي النبي صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد وأبو يعلى- برجال الصحيح- عن سعد مولى أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- وكان يخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان يعجبه خدمته فقال: يا أبا بكر أعتق سعدا أتتك الرّجال، أعتق سعدا أتتك الرّجال، أعتق سعدا أتتك الرّجال. سعيد بن زيد، ذكره الدّمياطي ومغلطاي في موالي النبي- صلى الله عليه وسلّم-. سعيد بن حيوة: والد كندير، ذكره ابن الجوزي في مواليه- صلّى الله عليه وسلم-. سفينة، بفتح السين المهملة وكسر الفاء، مختلف في اسمه. فقيل: مهران، قال الإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» : هذا قول الأكثرين، وقيل: أحمر، قاله أبو نعيم الفضل بن دكين وغيره، وقيل: رومان، وقيل: بحران، وقيل: عبس، وقيل: قيس، وقيل: شنبة- بعد الشين نون ساكنة ثم موحدة، وقيل: عمير، حكاه الحاكم أبو أحمد، وكنيته أبو عبد الرحمن. هذا قول الأكثرين، وقيل: أبو البختري، ولقّبه النبي- صلى الله عليه وسلم- سفينة، فروى الإمام أحمد عنه قال: كنا في سفر فكان كلّما أعيا رجل ألقى عليّ ثيابه وترسا أو سيفا، حتّى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: احمل، فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة أو سبعة، ما ثقل عليّ، إلّا أن يجفو. كان من مولّدي العرب، وقيل: من أبناء فارس، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: اشتراه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعتقه، وقال آخرون: أعتقته أمّ سلمة. فيقال له: مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومولى أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قال ابن كثير: هذا هو المشهور في سبب تسميته

سفينة، قال الطبريّ: كان أسود من مولّدي العرب، وأصله من أبناء فارس، بقي إلى زمن الحجّاج. سلمان الفارسيّ: أبو عبد الله. سندر: ... شقران- بضم الشين المعجمة- الحبشي واسمه صالح بن عدي، شهد بدرا، وأعتق بعدها، وكان فيمن غسّل النبي- صلى الله عليه وسلم-، وكان عبدا حبشيّا لعبد الرحمن بن عوف. فأهداه للنبي- صلى الله عليه وسلم- وقيل: بل اشتراه. شمعون- بشين معجمة وعين مهملة- وقيل: بإهمال الشين- والأول أكثر- ابن زيد بن خنافة- بخاء معجمة ونون وفاء. أبو ريحانة الأزديّ: وذكره ابن سيّد الناس ومغلطاي في الموالي. صالح: عدّه النّوويّ في تهذيب الأسماء منهم. ضميرة بن أبي ضميرة الحميري: طهمان، أو باذام، أو ذكوان، أو كيسان، أو مهران، أو هرمز، هذه الأسماء مسمّاة على شخص واحد. عبيد الله بن أسلم، ذكره ابن الجوزي والنّوويّ وابن سيّد النّاس، ومغلطاي في الموالي. عبيد بن عبد الغفار [....] . عمرون: ذكره العراقي في الدرر. فزارة: ذكره العراقي في سيرته. فضالة اليماني: نزل الشام. قفيز: بقاف وفاء وآخره زاي. قصير: عده النووي في تهذيب الأسماء فيهم. كركرة: قال ابن قرقول: بكسر الكافين وفتحهما، وهو الأكثر، وقال النوويّ: بفتح الأولى وكسرها، وأما الثانية فمكسورة، وقيل: بفتحهما كان على ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض غزواته. كريب: ذكره ابن الأثير في موالي النبي- صلى الله عليه وسلم- كان على ثقله. كيسان: [....] . مأبور: - بالباء الموحدة- القبطيّ، أهداه المقوقس للنبي- صلى الله عليه وسلم-.

محمد بن عبد الرّحمن: ذكره ابن الأثير في مواليه عليه الصلاة والسلام. محمد آخر، قيل: كان اسمه ماياهية: فسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محمداً، ذكره ابن الأثير في الموالي. مدعم: - بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين-، وكان أسود من مولدي حسما: - بالحاء المكسورة والسين المهملتين-، اسم مقصور، أهداه رفاعة بن زيد الخزامي. قال الزّركشيّ: وقيل: اسمه كركرة، اختلف هل أعتقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو مات عبدا؟ مكحول: ذكره ابن الأثير في موالي النبي- صلى الله عليه وسلّم-. مهران: [ ... ] . ميمون: كذلك وكذا ذكره النووي في تهذيب الأسماء. نافع أبو السّائب: ذكره ابن عساكر وغيره قال ابن سيّد الناس: وهو أخو نفيع. نبيل: ذكره النووي وابن سيّد الناس في الموالي. نبيه: من مولّدي السّراة. نفيع: ويقال: (مسروح) ويقال: نافع بن مسروح، والصحيح نافع بن الحارث بن كلدة بفتحتين، أبو بكرة- بفتح الموحدة- نزل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- من سور الطائف في بكرة، فسمّاه أبا بكر: مات سنة إحدى وخمسين. نهيك: [ ... ] . هرمز أبو كيسان، ذكره النووي، وجعله غير طهمان، الذي قيل هرمز. هشام: ذكره ابن سعد في موالي النبي- صلى الله عليه وسلّم-. هلال بن الحارث: أو ابن ظفر أبو الحمراء، نزل حمص. واقد أو أبو واقد: ذكره ابن عساكر والنووي في الموالي. وردان: ذكره النّووي وأبو سعيد النيسابوري. يسار: يقال: إنه الذي قتله العرنيّون ومثّلوا به. روي عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم غلام، يقال له: يسار، فنظر إليه يحسّن الصلاة فأعتقه. أبو أثيلة: ذكره النووي في الموالي: قال النووي في تهذيب الأسماء: اسمه أسلم وقيل: غير ذلك. أبو أسامة: عدّه النووي في تهذيب الأسماء فيهم.

أبو البشير: ذكره أبو موسى في الموالي. أبو بكرة: عده النووي في تهذيب الأسماء فيهم. أبو الحمراء السلمي: يختلف في اسمه. أبو رافع: قال النووي في تهذيب الأسماء: اسمه أسلم، وقيل غير ذلك، والد البهاء بن أبي رافع، ذكره ابن عساكر في الموالي، وقال: راعي رسول الله- صلى الله عليه وسلم. أبو ريحانة. أبو سلمى، ويقال: أبو سلام راعي رسول الله- صلى الله عليه وسلم. [أبو السّمح: قيل: اسمه أبو إياد، فلا يدرى أين مات] [ (1) ] . أبو صفيّة: ذكره ابن عساكر وابن الأثير والنّووي في تهذيب الأسماء في موالي النبي- صلى الله عليه وسلم-. أبو ضميرة: قال البخاري: اسمه سعد الحميريّ، من آل ذي يزن. أبو عبيد: [....] . أبو عسيب: - بالياء على الصحيح- وقيل: - بالميم-، وفرّق بعضهم بينهما، اسمه أحمد ويقال: مرّة. أبو قيلة: [ ... ] . أبو كبشة الأنماريّ من أنمار مذحج على المشهور، في اسمه أقوال، أشهرها سليم- بالتصغير- شهد بدرا ويقال: أوس، شهد بدرا وأحدا، وما بعدهما من المشاهد، وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-. أبو لبابة: ذكره محمد بن حبيب. قال ابن الأثير: كان حبشيّا وقيل: نوبيّا، وأبو سعيد النيسابوري في مواليه- صلّى الله عليه وسلم-. أبو لقيط: ذكره ابن حبيب قال ابن الأثير: كان حبشيا، وقيل: نوبيّا. أبو مويهبة: من مولدي مزينة، لا يعرف اسمه. أبو هند الحجّام: ابتاعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منصرفه من الحديبية، وأعتقه، ذكره ابو سعد النيسابوري وغيره. أبو واقد: ذكره ابن سيّد الناس ومغلطاي.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

أبو اليسر: ذكره أبو سعيد النيسابوري في الموالي. وروى الطبراني- برجال ثقات-، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- موليان: حبشيّ وقبطيّ فاستبّا يوما فقال أحدهما: يا حبشيّ وقال الآخر: يا قبطيّ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لهما: لا تقولا هكذا، إنما أنتما رجلان لآل محمد، قال في زاد المعاد: واستحسن- صلى الله عليه وسلّم- الرقيق في الإماء والعبيد، وكان مواليه وعتقاؤه من العبيد أكثر من الإماء. روى الترمذي عن أبي أمامة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: أيّما امرئ مسلم أعتق امرءا مسلما كان فكاكه من النّار يجزي كلّ عضو منه عضوا من النّار، وأيّما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فكاكه من النّار، يجزي كلّ عضو منهما عضوا منه فكان أكثر عتقائه- صلى الله عليه وسلّم- من العبيد، وهذا أحد المواضع الخمسة، التي يكون الأنثى منها على النّصف من الذّكر، والثاني: العقيقة، فإنّها عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة، والثالث: الشّهادة، والرابع: الميراث. والخامس: الدّية- والله سبحانه أعلم .

الباب الثاني في ذكر إمائه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في ذكر إمائه- صلّى الله عليه وسلم- وهن: أمّة الله بنت رزينة: والصحيح أنّ الصحبة لأمّها رزيته. أميمة: كانت توضّئ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكرها ابن السّكن في الموالي. وأمّ أسامة بن زيد بن حارثة. بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين الحبشيّة. [بركة- بفتح الموحدة والراء- أم أيمن حاضنة] [ (1) ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آمنت قديما، وهاجرت الهجرتين، كذا قاله أبو عمر. وقال الحافظ: إنّها لم تهاجر إلى الحبشة، ماتت في أول خلافة عثمان وهي غير بركة أم أيمن الحبشيّة، التي كانت مع أمّ حبيبة بالحبشة. (بريرة) روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن بريدة، قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ من الليل، دعا جارية له يقال لها: بريرة، قال الحافظ: ويحتمل أنّها مولاة عائشة، وتنسب إلى ولاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مجازا. حضرة: ذكرها ابن سعد والبلاذري وابن مندة. خليسة: بالخاء المعجمة، جارية حفصة بنت عمر، ذكرها ابن كثير في موالي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. خولة: جدّة حفص بن سعيد، ذكرها أبو عمر. ربيحة: - براء ثم موحدة ثم مثناة تحتية، ثم حاء مهملة-. القرظيّة: ذكرها الدمياطي في أماليه. رزينة- بفتح الراء وبعدها زاي- وقيل: بالعكس وقيل: بالتصغير، مولاة صفيّة، ذكرها بعضهم في موالي النبي- صلى الله عليه وسلم-، قال ابن عساكر: والصحيح أنها كانت لصفيّة، وكانت تخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكن روى أبو يعلى وابن أبي عاصم، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سبى صفيّة يوم قريظة، فأعتقها وأمهرها رزينة، فعلى هذا يكون أصلها للنبي- صلى الله عليه وسلّم- لكن الحق أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. روضة: ذكرت في حديث عمرو بن سعيد الثّقفيّ، في الرجل الذي استأذن، وفيه فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لأمة يقال لها: روضة، الحديث رواه ابن جرير.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين ورد في خ بعد قوله: «ذكرها ابن السّكن في الموالي» السابق ذكره.

رضوى: ذكرها ابن سعد وغيره. ريحانة [بنت شمعون: تقدم] [ (1) ] ذكرت في أزواجه- صلى الله عليه وسلّم-. ركانة: ذكرها أبو الحسن علي بن الفضل المقدسيّ في طبقاته. سائبة: ذكرها أبو موسى المدني. سديسة: - بفتح السين عن الأكثرين- ووقع بخط بعضهم بالتصغير، الأنصاريّة، ويقال: مولاة حفصة بنت عمر، ذكرها ابن كثير في الإماء. سلامة: حاضنة إبراهيم بن سيّد الخلائق، ذكرها ابن الأثير. سلمى: - بفتح السين- أمّ رافع مولاة أبي رافع ذكرها أبو موسى في الإماء. سلمى أخرى: ذكرها ابن سعد في طبقاته، في ترجمة زينب بنت جحش، قال الحافظ: وأظنها التي قبلها. سيرين: أخت مارية القبطيّة خالة إبراهيم، وهبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لحسّان بن ثابت- رضي الله تعالى عنه-. صفيّة: خادمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. عنقودة: أم صبيح الحبشية جارية عائشة، يقال: كان اسمها هدية، فسماها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنقودة، رواه أبو نعيم ويقال: اسمها غفيرة- بمعجمة وفاء مصغّرة-، ذكرها ابن كثير في الموالي. قلت: والحديث الذي ذكرت فيه باطل. فضية: جارية فاطمة ذكرها ابن كثير في الإماء، وفيه نظر. ليلى: مولاة عائشة ذكرها ابن كثير في الإماء، وفيه نظر. مارية القبطيّة: أم إبراهيم تقدم ذكرها مع ذكر أمّهات المؤمنين. مارية بنت مرضية: مولاة النبي- صلى الله عليه وسلّم-، وتكنى أم الرّباب، ولأمها صحبة. ميمونة بنت سعد، ويقال: سعيد، ذكرها أبو عمر وابن عساكر في الموالي. ميمونة بنت أبي عسيب، ويقال: أبي عنبسة، قال أبو نعيم: والصّواب الأول. أم ضميرة: والدة ضميرة.

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الثالث في ذكر خدمه - صلى الله عليه وسلم - من غير مواليه

أم عيّاش- بمثناة ومعجمة-، وقيل: بموحدة ومهملة، بعثها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع ابنته رقية حين زوجها لعثمان. الباب الثالث في ذكر خدمه- صلّى الله عليه وسلم- من غير مواليه وهم أنس بن مالك بن النّضر، الأنصاريّ، النّجّاريّ، أبو حمزة نزيل البصرة، خدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مدّة مقامه بالمدينة عشر سنين، شهد الحديبية وما بعدها، عاش مائة سنة إلا ستّة، وقيل: غير ذلك، ومات سنة تسعين هجرية، وقيل: إحدى، وقيل اثنتين وقيل: ثلاث وتسعين والله أعلم. أربد: ذكره أبو موسى المديني [ (1) ] . أسلع- بهمزة مفتوحة، فسين مهملة ساكنة، فلام مفتوحة- ابن شريك بن عوف الأشجعي [ (2) ] ، ويقال: الأسلع بن الأسلع الأعرابي، ويقال: إنّ اسمه ميمون بن يسار، قاله في تهذيب الأسماء واللغات، كان صاحب راحلة النبي- صلى الله عليه وسلم-. أسماء بن حارثة بن سعيد الأسلميّ [ (3) ] ، وكان من أهل الصّفّة. روى ابن سعد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما كنت أظنّ إلّا أنّ هندا وأسماء ابني حارثة مملوكان. لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، توفي أسماء سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة. الأسود بن مالك الأسديّ اليمانيّ البراء بن مالك بن النّضر كان يحدو له [ (4) ] . أيمن بن عبيد: المعروف بابن أمّ أيمن حاضنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، كان على مطهرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتعاطيه حاجته، وثبت معه يوم حنين.

_ [ (1) ] اختلف في اسمه قال ابن سعد في الطبقات: حميّر، وقال ابن هشام: حميره بالحاء، ويقال: جميرة بالجيم، وبالأول جزم ابن ماكولا. وفرق الذهبي بين أربد بن حمير. الذي هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا، وبين أربد خادم النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقال في الثاني: استدركه أبو موسى من حديث منكر. انظر طبقات ابن سعد 3/ 66 تجريد أسماء الصحابة 1/ 11 عيون الأثر 2/ 391. [ (2) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 117 الإصابة 1/ 35 البداية والنهاية 5/ 332 زاد المعاد 1/ 117 المواهب اللدنية 1/ 217. [ (3) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 29 تجريد أسماء الصحابة 1/ 17. البداية والنهاية 5/ 332، تلقيح فهوم أهل الأثر (38) . [ (4) ] انظر عيون الأثر 2/ 391، تلقيح فهوم أهل الأثر ص (38) .

بكير بن الشداخ الليثي ذكره ابن مندة، والنووي في تهذيب الأسماء، ويقال: بكر [ (1) ] . بلال بن رباح الحبشيّ [ (2) ] ، ويعرف بابن حمامة، وهي أمه. قال الحافظ: [....] . والمزي وابن كثير وغيرهم: وكان من أفصح النّاس، لا كما يعتقده بعض الناس، أن سينه كانت شينا، حتى إن بعضهم يروي في ذلك حديثا لا أصل له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (سين) بلال عند الله كانت شينا وهو أحد المؤذّنين الأربعة، وأوّل من أذّن، وقد كان يلي أمر النّفقة على العيال، ولما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كان فيمن خرج إلى الشام في الغزو، ومات بدمشق، وقيل: بالمدينة، قال النووي: وهو غلط، والذي عليه الجمهور أنه بباب الصّغير. وقيل: بحلب، والصحيح أن الذي مات بحلب أخوه خالد. ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاريّ، مات خوفا من الله تعالى في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-[ (3) ] . جندب: بضم الجيم والدال وفتحها- ابن جنادة- بضمّ الجيم-، أبو ذرّ الغفاريّ. جديع بن نذير- بالتصغير فيهما- قاله المزادي ثم الكعبي، قال ابن يونس: له صحبة، وخدم النبي- صلى الله عليه وسلّم-. حبّة بن خالد بن حدرجان بن عبد الرحمن بن الحدرجان بن مالك. حسّان الأسلميّ: ذكر الطبري أنه كان يسوق بالنبي- صلى الله عليه وسلم-. حنين [ (4) ]- بنون آخره- كان غلاما للنبي- صلى الله عليه وسلّم- فوهبه للعبّاس فأعتقه، فكان يخدم النبي- صلى الله عليه وسلم-. خالد بن سيّار الغفاريّ [ (5) ] . ذو مخمر [ (6) ] بالميم ويقال: بالموحدة وهو ابن أخي النجاشي أو ابن أخته، كان بعثه ليخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نيابة عنه.

_ [ (1) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 29 البداية والنهاية 5/ 333 عيون الأثر 2/ 391. [ (2) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 136 تلقيح فهوم أهل الأثر (38) البداية والنهاية 5/ 333 عيون الأثر. [ (3) ] انظر عيون الأثر 2/ 391 تلقيح فهوم أهل الأثر (38) تجريد أسماء الصحابة 1/ 68. [ (4) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 28 المواهب اللدنية 1/ 217 البداية والنهاية 5/ 314. [ (5) ] انظر الإصابة 2/ 92. [ (6) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 29 تلقيح فهوم أهل الأثر (38) .

ربيعة بن كعب الأسلمي [ (1) ] أبو فراس صاحب وضوئه- صلى الله عليه وسلّم-، مات سنة ثلاث وعشرين. سابق، ذكره ابن عبد البر، وقيل: هو أبو سلّام الهاشمي [ (2) ] . سالم الهاشمي: ذكره العسكري [ (3) ] . سعد أو سعيد والأول أكثر، مولى أبي بكر الصديق [ (4) ] . سلمى: وقيل: سالم، مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. عبد الله بن رواحة دخل يوم عمرة القضاء مكّة، وهو يقود بناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قتل يوم مؤتة. عبد الله بن مسعود: صاحب نعليه- صلى الله عليه وسلّم-، إذا قام ألبسه إيّاهما، وإذا جلس جعلها في ذراعيه حتى يقوم. عقبه بن عامر [ (5) ] : كان صاحب بغلته، يقود به في الأسفار، وكان عالما بكتاب الله وبالفرائض، فصيحا كبير الشأن شاعرا، ولي مصر لمعاوية سنة أربعين، وتوفي سنة ثمان وخمسين. قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ الخزرجيّ [ (6) ] روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان قيس بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- من النبي- صلى الله عليه وسلم- بمنزلة صاحب الشّرطة من الأمير، توفّي بالمدينة آخر أيّام معاوية. المغيرة بن شعبة الثقفي- رضي الله تعالى عنه- كان بمنزلة السّلحدار بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلّم-. وكان داهية من دهاة العرب، مات سنة خمسين، على الأصحّ. المقداد بن الأسود الكنديّ. معيقيب بن أبي فاطمة [ (7) ] كان على خاتمه ونفقته. نعيم بن ربيعة بن كعب الأسلميّ [ (8) ] . مهاجر: مولى أمّ سلمة.

_ [ (1) ] انظر تهذيب الأسماء 1/ 29 المواهب اللدنية 1/ 217 تجريد أسماء الصحابة 1/ 181 البداية والنهاية 5/ 334. [ (2) ] انظر عيون الأثر 2/ 393 الوفا 2/ 581 تهذيب الأسماء واللغات 1/ 28 تلقيح فهوم أهل الأثر (35) . [ (3) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 29 المواهب اللدنية (35) . [ (4) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 29 المواهب اللدنية 1/ 217 عيون الأثر 2/ 390. [ (5) ] انظر زاد المعاد 1/ 117 المواهب اللدنية 1/ 216 السيرة الحلبية 3/ 325 البداية والنهاية 5/ 337. [ (6) ] انظر البداية والنهاية 5/ 337. [ (7) ] انظر الإصابة 6/ 130. [ (8) ] انظر تجريد أسماء الصحابة 1/ 181.

هلال بن الحارث [ (1) ] : أبو الحمراء، ذكره ابن عساكر. هند بن حارثة- بالحاء المهملة- الأسلميّ، أخو أسماء [ (2) ] . أبو بكر الصديق: تولّى خدمته بنفسه في سفر الهجرة. أبو الحمراء: هلال، تقدم. أبو ذرّ: جندب بن جنادة الغفاريّ [ (3) ] . أسلم قديما، وتوفي بالرّبذة، سنة إحدى وثلاثين، أو اثنتين وثلاثين. أبو السّمح: تقدم في الموالي. أبو سلّام الهاشميّ: اسمه سالم، تقدم. غلام من الأنصار أصغر من أنس. وخدمه- صلى الله عليه وسلّم- من النّساء أمة الله بنت رزينة [ (4) ] ، ذكرها في الإصابة من محلة الخدّام. رزينة بنت [....] . سلمى: أمّ رافع [ (5) ] . صفيّة: ذكرها الحافظ [ (6) ] . ميمونة: [ (7) ] وأمّ عيّاش، تقدموا في الإماء. خولة: خادم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. أمّ حفصة: لها ذكر عند الطبراني. بركة: أم أيمن الحبشيّة: كانت مع أم حبيبة بنت أبي سفيان تخدمها هناك وهي التي شربت بوله- صلى الله عليه وسلّم- وهي غير بركة أم أيمن مولاة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خلافا لأبي عمر، وقال ابن السّكن: اتفقا في الأسم والكنية، قال الحافظ: وهو محتمل على بعد مارية أم الرباب [ (8) ] : ذكرها أبو عمير وغيره من الخدّام التي طأطأت للنبي- صلى الله عليه وسلم- حتى صعد حائطا ليلة فرّ من المشركين.

_ [ (1) ] انظر تلقيح فهوم أهل الأثر (38) المواهب اللدنية 1/ 217. [ (2) ] انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 28. عيون الأثر 2/ 390. [ (3) ] انظر زاد المعاد 1/ 117 المواهب اللدنية 1/ 217 تلقيح فهوم أهل الأثر (38) عيون الأثر 2/ 391. [ (4) ] انظر البداية والنهاية 5/ 325. [ (5) ] انظر الإصابة 4/ 333 البداية والنهاية 5/ 321 زاد المعاد 1/ 116 تهذيب الأسماء 1/ 28. [ (6) ] انظر الإصابة 4/ 350 تجريد أسماء الصحابة 2/ 282. [ (7) ] إما أن تكون ميمونة ابنة سعد أو سعيد وإما أن تكون ميمونة ابنة «أبي عسيب أو عسيبة» . انظر في الأولى أنساب الأشراف 1/ 485 البداية والنهاية 5/ 330 وفي الثانية تجريد أسماء الصحابة 2/ 307 البداية والنهاية 5/ 331. [ (8) ] انظر الاستيعاب 4/ 415.

جماع أبواب ذكر دوابه ونعمه وغير ذلك مما يذكر

جماع أبواب ذكر دوابه ونعمه وغير ذلك مما يذكر باب يذكر فيه خيله وبغاله وحمره- صلى الله عليه وسلم- كان له صلى الله عليه وسلّم سبعة أفراس. وكان له بغال ست وكان له من الحمر اثنان. وكان له من الإبل المعدّة للركوب ثلاثة. فأما أفراسه صلى الله عليه وسلّم، ففرسه يقال له السكب: شبه بسكب الماء وانصبابه، لشدة جريه، وهو أول فرس ملكه صلى الله عليه وسلّم، اشتراه من أعرابي بعشرة أواق، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس: أي بفتح الضاد وكسر الراء وبالسين المهملة: الصعب السيء الخلق، وكان أغر: أي له غرة، وهي بياض في وجهه، محجلا طلق اليمين، كميتا: أي بين السواد والحمرة. وقال ابن الأثير: كان أسود أدهم، وفرس يقال له المرتجز: أي سمي به لحسن صهيله، مأخوذ من الرجز الذي هو ضرب من الشعر، وكان أبيض، وهو الذي شهد له فيه خزيمة بأنه صلى الله عليه وسلّم اشتراه من صاحبه بعد أنكر بيعه له، وقال له: ائت بمن يشهد لك، فجعل شهادة خزيمة بشهادتين، بعد أن قال له صلى الله عليه وسلم: كيف شهدت ولم تحضر؟ فقال: لتصديقي إياك يا رسول الله، وإن قولك كالمعاينة فقال له صلى الله عليه وسلم: أنت ذو الشهادتين، فسمي ذا الشهادتين، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «من شهد له، خزيمة أو شهد عليه فهو حسيبه» لكن جاء أنه صلى الله عليه وسلم رد الفرس على الأعرابي وقال: «لا بارك الله لك فيها» فأصبحت من الغد شائلة برجلها. وفرس يقال له اللحيف بالحاء المهملة واللام المضمومة فعيل بمعنى فاعل، لأنه كان يلحف الأرض بذنبه لطوله: أي يغطيها. وقيل لأنه كان يلتحف معرفته. وقيل: هو بضم اللام مصغرا، وقيل: بالخاء المعجمة مع فتح اللام وهو الأكثر. وهذا الفرس أهداه له صلى الله عليه وسلّم فروة بن عمرو من أرض البلقاء بالشام. وفرس يقال له اللزاز، أي أهداه له المقوقس كما تقدم، مأخوذ من قولهم: لاززته: أي لاصقته، فكان يلحق بالمطلوب لسرعته، وقيل غير ذلك. وفرس يقال له الطرف أي بكسر الطاء المهملة وسكون الراء وبالفاء: الكريم الجيد من الخيل. وفرس يقال له الورد، وهو بين الكميت والأشقر، أهداه له صلى الله عليه وسلّم تميم الداري رضي الله تعالى عنه، وأهداه صلى الله عليه وسلّم لعمر رضي الله تعالى عنه. وفرس يقال له سبحة: أي بفتح السين وإسكان الموحدة وفتح الحاء المهملة: أي سريع الجري، هذا هو المشهور. وعدّ بعضهم في خيله صلّى الله عليه وسلم غير ذلك، فأوصل جملتها إلى خمسة عشر بل إلى العشرين. وقد ذكر الحافظ الدمياطي أسماء الخمسة عشر في سيرته وقال فيها: وقد ذكرناها وشرحناها في كتابنا: كتاب الخيل.

وكان سرجه صلى الله عليه وسلّم دفتين من ليف. قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد النساء من الخيل. وجاء أنه صلى الله عليه وسلم مسح وجه فرسه ومنخريه وعينيه بكم قميصه فقيل له: يا رسول الله تمسح بكم قميصك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أن جبريل عليه السلام عاتبني في الخيل» . وفي رواية: «في الفرس» أي في امتهانها. وفي رواية: «في سياستها» وقال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها فخذوا بنواصيها، وادعوا بالبركة» اهـ. أي وقد ذكر «أنه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قام إلى فرسه الطرف فعلق عليه شعيره، وجعل صلى الله عليه وسلّم يمسح ظهره بردائه، فقيل له: يا رسول الله تمسح ظهره بردائك؟ فقال: «نعم، وما يدريك لعل جبريل عليه الصلاة والسلام أمرني بذلك» ؟. وعن بعضهم قال: دخلت على تميم الداري رضي الله تعالى عنه وهو أمير بيت المقدس، فوجدته ينقي لفرسه شعيرا، فقلت: أيها الأمير ما كان لهذا غيرك؟ فقال: إني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول: «من نقى لفرسه شعيرا ثم جاء به حتى يعلقه عليه كتب الله له بكل شعيرة حسنة» وكان صلى الله عليه وسلّم يضمر الخيل للسباق، فيأمر بإضمارها بالحشيش اليابس شيئا بعد شيء، ويأمر بسقيها غدوة وعشيا، ويأمر أن يقودها كل يوم مرتين، ويؤخذ منها من الجري الشوط والشوطان. وأما بغاله صلى الله عليه وسلّم، فبلغه شهباء يقال لها دلدل، أهداها له المقوقس كما تقدم. والدلدل في الأصل: القنفذ، وقيل: ذكر القنافذ، وقيل: عظيمها، وهذه أول بغلة ركبت في الإسلام. وفي لفظ: رئيت في الإسلام، وكان صلى الله عليه وسلّم يركبها في المدينة وفي الأسفار. وعاشت حتى ذهبت أسنانها، فكان يدق لها الشعير، وعميت. وقاتل عليها عليّ كرم الله وجهه الخوارج بعد أن ركبها عثمان رضي الله تعالى عنه، وركبها بعد عليّ ابنه الحسن ثم الحسين رضي الله تعالى عنهما، ثم محمد ابن الحنفية رحمه الله. وسئل ابن الصلاح رحمه الله: هل كانت أنثى أو ذكرا والتاء للوحدة، فأجاب بالأول. قال بعضهم: وإجماع أهل الحديث على أنها كانت ذكرا، ورماها رجل بسهم فقتلها. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعثني إلى زوجته أم سلمة، فأتيته بصوف وليف، ثم فتلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلّم لدلدل رسنا وعذارا، ثم دخل البيت فأخرج عباءة فثناها ثم ربعها على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفني خلفه» . وبغلة يقال لها فضة، أهداها له عمرو بن عمرو الجذامي كما تقدم. ووهبها صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه، أي وأوصلها بعضهم إلى سبعة.

وفي [مزيل الخفاء] وفي [سيرة مغلطاي] : كان له صلى الله عليه وسلم من البغال دلدل وفضة، والتي أهداها له ابن العلماء: أي بفتح العين المهملة وإسكان اللام وبالمد في غزوة تبوك، والأيلية: وبغلة أهداها له كسرى، وأخرى من دومة الجندل، وأخرى من عند النجاشي هذا كلامه. وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه كان صاحب بلغة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود به في الأسفار، وتوفي بمصر ودفن بقرافتها، وقبره معروف بها، وكان واليها من قبل معاوية بعد عتبة ابن أبي سفيان، ثم صرف عنها بمسلمة بن مخلد. وعن عقبه بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قدت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته مدة من الليل، فقال: أنخ، فأنخت فنزل عن راحلته، ثم قال: اركب فقلت: سبحان الله أعلى مركبك يا رسول الله وعلى راحلتك؟ فأمرني، فقال: اركب، فقلت له مثل ذلك، ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبت راحلته. ذكره في الإمتاع. وأما حمره صلى الله عليه وسلّم، فحمار يقال له يعفور. وحمار يقال له عفير بالعين المهملة، وقيل: بالمعجمة وغلط قائله وكان أشهب، ومات في حجة الوداع. والأول أهداه له فروة بن عمرو الجذامي، وقيل: المقوقس. والثاني أهداه له المقوقس، وقيل: فروة بن عمرو كذا في سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله، والعفرة هي الغبرة، أي وأوصل بعضهم حمره صلى الله عليه وسلّم إلى أربعة. وتقدم أن يعفورا وجده صلى الله عليه وسلم في خيبر، وأنه يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم طرح نفسه في بئر جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمات، وتقدمت قصته وما فيها. وأما إبله صلى الله عليه وسلم التي كان يركبها. فناقة يقال لها القصواء. وناقة يقال لها الجدعاء، وناقة يقال لها العضباء، وهي التي كانت لا تسبق فسبقت، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه» . وفي رواية: «إن الناس لم يرفعوا شيئا من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل» ويقال إن هذه العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تشرب حتى ماتت، وقيل إن التي كانت لا تسبق ثم سبقت هي القصواء، وكانت العضباء يسبق بها صاحبها الذي كانت عنده الحاج، ومن ثم قيل لها: سابقة الحاج. وقيل إن هذه الثلاث اسم لناقة واحدة وهو المفهوم من الأصل، وهو موافق في ذلك لابن الجوزي رحمه الله حيث قال إن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء. وقيل: القصواء واحدة والعضباء والجدعاء واحدة. وفي كلام بعضهم: وأما البقر فلم ينقل أنه صلى الله عليه وسلّم ملك شيئا منها: أي للقنية فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلّم ضحى عن نسائه بالبقر. وأما غنمه صلى الله عليه وسلّم، فقيل مائة، وقيل سبعة أعنز كانت ترعاها أم أيمن رضي الله تعالى عنها، وجاء «اتخذوا الغنم فإنها بركة» وكان له صلى الله عليه وسلم شياه يختص بشرب لبنها، وماتت له صلى الله عليه وسلم شاة،

وأما دوابه صلى الله عليه وسلم من البغال والحمير والإبل

فقال: ما فعلتم بإهابها؟ قالوا: إنها ميتة، قال: دباغها طهورها. واقتنى صلى الله عليه وسلّم الديك الأبيض، وكان يبيت معه في البيت وقال: «الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي، والله يحرس دار صاحبه وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا من بين يديها، وعشرا من خلفها» وقد جاء «اتخذوا الديك الأبيض فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان ولا ساحر ولا الدويرات حولها، واتخذوا هذا الحمام المقاصيص في بيوتكم فإنها تلهي الجن عن صبيانكم» . وفي العرائس: «إن آدم قال: يا رب شغلت بطلب الرزق لا أعرف ساعات التسبيح من أيام الدنيا فأهبط الله ديكا وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح، فهو أول داجن اتخذه آدم عليه السلام من الخلق، فكان الديك إذا سمع التسبيح ممن في السماء سبح في الأرض، فيسبح آدم بتسبيحه» . وأما دوابّه صلّى الله عليه وسلم من البغال والحمير والإبل عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كانت دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة ركبت في الإسلام أهداها المقوقس، وأهدى معها حمارا يقال له عفير. وكانت قد بقيت حتى كان زمان معاوية. عن محمد بن إسحاق، عن رجل قال: رأيت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في منزل عبد الله بن جعفر يجشّ أو يدقّ لها الشعير، وقد ذهبت أسنانها. وعن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغلة يقال لها فضّة، فوهبها لأبي بكر الصديق، وحماره يعفور نفق منصرفه من حجة الوداع. قال: وقال معمر عن الزهري قال: دلدل أهداها فروة بن عمرو الجذامي، وحضر رسول الله- صلى الله عليه وسلم عليها القتال يوم حنين. قال محمد بن عمر: وأخبرنا أصحابنا جميعا قالوا: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم القصواء من نعم بن قشير. قال محمد بن عمر: وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ قال: كانت من نعم بني قشير ابتاعها أبو بكر الصديق، وأخرى معها بثمانمائة درهم، فأخذها رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وهي التي هاجر عليها، وكانت حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم رباعية، فلم تزل عنده حتى نفقت، وكان اسمها القصواء والجدعاء، والعضباء كل هذا كان يقال لها، القصواء قطع في أذنها يسير، والعضباء مثلها، والجدعاء النصف من الأذن.

وقال قتادة: سألت سعيد بن المسيب عن العضب في الأذن؟ قال: النصف فما فوقه. وعن أنس بن مالك قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على ناقة فسابقها فسبقها فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن من قدرة الله عز وجل أن لا يرفع شيء إلا وضعه.

جماع أبواب بعض ما يجب على الأنام من حقوقه عليه الصلاة والسلام

جماع أبواب بعض ما يجب على الأنام من حقوقه عليه الصلاة والسلام الباب الأول في فرض الإيمان به- صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء 136] وقال عز من قائل: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الفتح 9] وقال عز وجل فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ [الأعراف 158] وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً [الفتح 13] . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «أمرت أن أقاتل النّاس، حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله» وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أمرت أن أقاتل النّاس، حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله» . وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب أن جبريل سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: أخبرني عن الإسلام فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ثمّ سأله عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله. فالإيمان به- صلى الله عليه وسلّم- واجب، قال القاضي: هو تصديق نبوّته ورسالة الله تعالى له، وتصديقه في جميع ما جاء به، وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللّسان بأنّه رسول الله، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بذلك، ثم الإيمان به والتصديق له، فقد قرّر أنّ الإيمان به يحتاج إلى العقد بالجنان أي: جزم القلب، والإسلام به مضطرّ إلى النطق باللسان وهذه الحالة المحمودة، التّامّة، [وأما الحال المذمومة] فالشّهادة باللسان دون التصديق بالقلب، وهذا هو النّفاق فلما لم يصدّق القلب اللّسان خرجوا عن الإيمان ولم يكن لهم حكمه في الآخرة، وألحقوا بالكفّار في الدّرك الأسفل من النّار، وبقي عليهم حكم الإسلام بإظهار شهادة اللسان في أحكام الدنيا المتعلقة بالأئمة وحكام المسلمين الذين أحكامهم جارية على الظّواهر بما أظهروه من علامة الإسلام، إذا لم يجعل الله لبشر سبيلا إلى السّرائر، ولا أمروا بالبحث عنها، بل نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن التحكم عليها فقال لأسامة بن زيد لما قتل من

الباب الثاني في وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم -

اضطره فأسلم: «أقتلته بعد أن أسلم هلّا شققت عن قلبه» رواه الشيخان، أي: ليعلم أقالها خالصا من قلبه أم لا. الباب الثاني في وجوب طاعته- صلّى الله عليه وسلم- قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ [الأنفال 20] وقال عز وجل: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [آل عمران 32] وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران 132] وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور 54] وقال تبارك وتعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء 80] . وقال عز وجلّ: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر 7] وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء 69] وقال عز وجل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء 64] وقال تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [الأحزاب 66] . وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر- أي مأمور إيجابا أو ندبا- فأتوا منه ما استطعتم- أي: من غير ترك الواجب-» رواه البخاري. وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «كلّكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» وقال- عليه الصلاة والسلام-: «مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم: إنّي رأيت الجيش بعيني وأنا النّذير العريان والنّجاء النّجاء، فأطاعته طائفة منهم فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا من عدوّهم، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فاجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به [من الحقّ] » [ (1) ] رواه البخاري وعن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال- صلى الله عليه وسلم-: «مثلي كمن بني دارا وجعل فيها مأدبة فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة رواه الشّيخان، فالدّار الجنة، والداعي محمد- صلى الله عليه وسلّم-، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله ومحمد فرّق بين النّاس.

_ [ (1) ] سقط في ج.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

رواه الشيخان، عن جابر- رضي الله تعالى عنه-، قال القاضي: فجعل طاعة رسوله طاعته، وقرن طاعته على ذلك بجزيل الثّواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب، وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه، قال المفسّرون والأئمة: طاعة الرّسول في التزام سنّته بأن يعمل ما أمر به ويجتنب ما نهى عنه، وما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليهم، أي: بأن يأتمروا بما أمرهم به، وينتهوا عما نهاهم عنه، ومن يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه، وقيل: أطيعوا الله فيما حرّم عليكم، والرسول فيما بلّغكم عن ربه عز وجل، وقيل: أطيعوا الله مخلصين مرغبين بالشهادة له بالربوبية، وأطيعوا الرسول بالشهادة له بالرسالة، فطاعة الرسول من طاعة الله، إذ الله أمر بطاعته، فطاعته- صلى الله عليه وسلّم- امتثال لما أمر الله تعالى. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أدلجوا- بفتح الهمزة وسكون الدال المهملة فلام مفتوحة فجيم- ساروا أوّل اللّيل، وبفتح الدال وتشديدها السير آخر الليل، والاسم منهما الدّلجة بضم الدال وفتحها. على مهلهم: - بفتح أوله وكسر ثانية (أي بتؤدة وتأن) والاسم المهملة بضم الميم وكسرها، وفي حديث علي- رضي الله تعالى عنه-: إذا سرتم إلى العدوّ فمهلا مهلا- أي-- بفتح الهاء- وإذا وقعت العين في العين فمهلا مهلا أي- بفتح الهاء- قال الأزهري: الساكن للرفق، والمتحرك: للتقدم، أي: إذا سرتم فتأنّوا وإذا التقيتم فاحملوا. اجتاحهم- بجيم، فمثناة فوقية فألف فحاء مهملة- استأصلهم بذراريهم وأموالهم، وفي الحديث «أعاذكم الله من جوح الدّهر» . المأدبة- بميم مفتوحة، فهمزة ساكنة، فدال مضمومة، وقد تفتح- طعام بناء الدار، عند أهل اللغة لا يصنع لما لا سبب له. الباب الثالث: في وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه- صلّى الله عليه وسلم- قال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران 31] وقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف 158] وقال عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء 65] وقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران 31] .

روى الآجري عن العرباص بن سارية- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة» رواه مسلم بمعناه، وزاد «وكلّ ضلالة في النار» . وروى الشافعي في الأم، وأبو داود والترمذي وابن ماجة «لا ألفينّ أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شيئا يرخّص فيه فتنزّه عنه قوم، فبلغه ذلك فحمد الله ثم قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه، فو الله إني لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» . وروى أبو الشيخ وأبو نعيم والدّيلمي أنه- عليه الصلاة والسلام- قال «القرآن صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم لمن تمسّك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن ومن تهاون بالقرآن وحديثي فقد خسر الدّنيا والآخرة، أمرت أمّتي أن يأخذوا بقولي وأن يطيعوا أمري ويتّبعوا سنّتي فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن» قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر 7] . وروى عبد الرزاق في مصنّفه مرسلا عن الحسن «من اقتدى بي فهو منّي، ومن رغب عن سنّتي فليس مني» . وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «المتمسّك بسنّتي عند فساد أمّتي له أجر مائة شهيد» . وروى الأصبهاني في ترغيبه اللالكائيّ في السنة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أحيا سنّتي فقد أحبني ومن أحبّني كان معي في الجنة» . وروى الترمذي، وحسنه، وابن ماجة عن عمرو بن عوف المزنيّ قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لبلال بن الحارث «من أحيا سنّة من سنني قد أميتت بعدي فإنّ له من الأجر مثل أجور من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا» . وروى النسائي وابن ماجة عن رجل قال لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن إنّا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السّفر، فقال ابن عمر: يا ابن أخي، أي في الإسلام- أن الله تعالى بعث إلينا محمدا، ولا نعلم شيئا، وقد رأيناه يقصر في السّفر فقصرنا معه، اقتداء به- صلى الله عليه وسلم- وذكر اللالكائي في السنة قال عمر بن عبد العزيز: سنّ

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق بكتاب الله واستعمال بطاعة الله، وقوّة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النّظر في رأي من خالفها، من اقتدى بها فهو مهتد ومن انتصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتّبع غير سبيل المؤمنين ولّاه الله ما تولى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا، وذكر فيها أيضا عن ابن شهاب الزّهريّ أنه قال: بلغنا عن رجال من أهل العلم، قالوا: الاعتصام بالسّنّة نجاة. وروى مسلم حين صلى عمر- رضي الله تعالى عنه- بذي الحليفة ركعتين فقال: أصنع كما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يصنع. وروى البخاريّ والنّسائي، عن علي- رضي الله تعالى عنه- حين قرن فقال له عثمان: ترى أني أنهى الناس عنه وتفعله، قال: لم أكن أدع سنّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تقول أحد من الناس. وروى الدارمي والطبراني واللالكائي في سننه، عن ابن مسعود وأبي الدرداء- رضي الله تعالى عنهما-: القصد في السنّة خير من الاجتهاد في البدعة. وروى عبد بن حميد في مسنده بسند صحيح عن ابن عمر قال: صلاة السّفر ركعتان من خالف السّنّة كفر. وروى الأصبهاني في ترغيبه واللالكائي في «السنة» عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: وعليكم بالسبيل والسّنّة، فإنه ما على الأرض من عبد على السّبيل والسنة، ذكر الله تعالى في نفسه ففاضت عيناه من خشيته تعالى فيعذّبه الله تعالى أبدا، وما على الأرض من عبد على السّبيل والسّنّة ذكر ربه في نفسه فاقشعرّ من خشية الله تعالى ألا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها، فهي كذلك إذ أصابتها ريح شديدة فتحاتّ ورقها إلا حطّ عنه خطاياه كما تحاتّ عن الشّجرة ورقها، فإنّ اقتصادا في سبيل الله وسنّته خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله تعالى وسنّته، وانظروا عملكم إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون على منهاج الأنبياء وسنّتهم. وروى الشيخان أن عمر- رضي الله تعالى عنه- نظر إلى الحجر الأسود وقال: أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبّلك ما قبّلتك. وروى الإمام أحمد والبزّار- بسند صحيح- أن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- ربي يدير ناقته في مكان، فسئل عن إدارتها، لأيّ شيء؟ فقال: لا أدري إلّا أني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يفعله ففعلته، وقال أبو عثمان الحيري- بموحدة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة-، قرأ شيخ الصّوفية بنيسابور: من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن

الباب الرابع في التحذير عن مخالفة أمره، وتبديل سنته - صلى الله عليه وسلم -

أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة، وقال سهل بن عبد الله التّستري: أصول مذهبنا: أي: الصوفية عنى الله تعالى بقولهم: ثلاثة الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- في الأقوال والأفعال، والأكل من الحلال وإخلاص النّيّة في جميع الأعمال. وجاء في تفسير قوله تعالى وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر 10] إنه الاقتداء به- صلى الله عليه وسلم- وقال محمد بن علي الترمذي في تفسير قوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب 21] الأسوة: في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أو فعل. وقال سهل بن عبد الله التّستري في تفسير قوله تعالى صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة 7] قال: بمتابعة سنته- صلى الله عليه وسلم-. الباب الرابع في التحذير عن مخالفة أمره، وتبديل سنته- صلى الله عليه وسلم- قال تعالى فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور 63] وقال تعالى وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً [النساء 115] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرج إلى المقبرة فذكر الحديث في صفة أميّة إلى أن قال: «فليذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال فأناديهم ألا هلمّ ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: فسحقا فسحقاً» . وروى البخاريّ حديثا طويلا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- وفيه «من رغب عن سنّتي فليس مني» . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحدث في أمرنا هذا ليس منه فهو ردّ» . روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي رافع قال: «لا ألفينّ أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه» رواه الترمذي والحاكم عن المقداد وزاد «ألا وإنّ ما حرّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مثل ما حرم الله» . وروى أبو داود في مراسيله والدّارمي والفريابي، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أتي بكتاب في كتف فقال: «كفى بقوم حمقا أو ضلالا، أن يرغبوا عمّا جاءهم به نبيّهم إلى ما جاء به غير نبيّهم أو إلى كتاب غير كتابهم» فنزلت

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ [العنكبوت 51] . وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «ألا هلك المتنطّعون» . وروى البخاري، وأبو داود أن أبا بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعمل به إلا عملت به، إنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. تنبيه في بيان غريب ما سبق: (شجر بينهم) أي اختلف واختلط، ولذا سمّي الشّجر شجرا لتداخل أغصانه. الأسوة: الخصلة الحميدة التي من حقّها أن يؤتى بها أي تقتدى، وخصاله- صلى الله عليه وسلّم- كلّها كذلك، بل هو نفسه أسوة يقتدى به. النّواجذ: - بنون فواو فألف فجيم فذال معجمتين- أواخر الأسنان [أي التي بعد الأنياب، ضرب مثلا لشدّة التّمسك بالدّين، لأن العض بها يكون بجميع الفم والأسنان] [ (1) ] . يذاذ: - بمثناة تحتية مضمومة، فذال معجمة، فألف فدال مهملة- يصدّ ويطرد. سحقا: - بسين مضمومة فحاء ساكنة مهملتين فكاف- أي: ألزمهم الله بعدا. الأريكة: - بهمزة مفتوحة، فراء، فتحتية ساكنة، فكاف السّرير المزيّن في حجلة من دونه سند، فلا يسمى أريكة بدونها، وقيل: هي كل ما أتكئ عليه. المتنطّعون: - بميم فمثناة فوقية فنون فطاء مهملة فعين- المتعمقون الغالون في أفعالهم وأقوالهم مأخوذ من النّطع وهو الغار الأعلى في أقصى الحلق. الباب الخامس في لزوم محبته وثوابها وبعض ما ورد عن السلف في ذلك- صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة 24] . روى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ثلاث

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» الحديث. وروى الشيخان عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده» . وروى أحمد عن عبد الله بن هشام، عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أنه قال للنبي- صلى الله عليه وسلّم-: لأنت أحب إلي من كل شيء إلّا من نفسي الّتي هي بين جنبيّ، فقال له: «لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه» فقال عمر: والّذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبيّ فقال: «الآن يا عمر» . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له: متى الساعة؟ قال: «ما أعدت لها» ؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكنّي أحبّ الله ورسوله، فقال: «أنت مع من أحببت» . وروى التّرمذيّ والنّسائيّ عن صفوان بن عسّال أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال «المرء مع من أحبّ» وروى الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد حسن وحسين- رضي الله تعالى عنهما- فقال: «من أحبني وأحب هذين وأمّهما وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة» . وروى الطبراني، وابن مردويه، عن عائشة وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: لأنت أحب إلي من أهلي ومالي، وإني لأذكرك فما أصبر عنك حتى أنظر إليك، وإنّي ذكرت موتى وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنّة رفعت مع النّبيّين وإن دخلتها لا أراك، فأنزل الله تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء 69] . وروى الأصبهاني في الترغيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أحبّني كان معي في الجنّة» . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن من أشدّ أمّتي لي حبّا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله» . وقال سهل بن عبد الله التّستري- رحمه الله تعالى-: من لم ير ولاية الرسول- عليه الصلاة والسلام- في جميع أحواله، ويرى نفسه في ملكه- صلى الله عليه وسلّم- لا يذوق حلاوة سنّته، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه» الحديث.

وروى ابن عساكر عن ابن عمر: أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: للنبي- صلى الله عليه وسلم-: «والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب أقرّ لعيني من إسلامه- يعني أبا قحافة، وذلك من أجل أنّ إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك. وروى البيهقي والبزار عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر قال للعباس- رضي الله تعالى عنه-: أن تسلم أحب إلي من إسلام الخطّاب، لأن ذلك أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن إسحاق والبيهقي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقالت: ما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: خيرا هو بحمد الله تعالى كما تحبّين، قالت: أرونيه، فلما رأته قالت: كلّ مصيبة بعدك جلل، وروى ابن المبارك في الزهد، عن زيد بن أسلم أن عمر- رضي الله تعالى عنه- خرج ليلة يحرس النّاس فرأى مصباحا في بيت، وإذا عجوز تنفش صوفا، وهي تقول: على محمّد صلاة الأبرار ... صلّى عليه الطّيبون الأخيار قد كنت قوّاما بكا بالأسحار ... يا ليت شعري والمنايا أطوار هل تجمعنّي وحبيبي الدّار تعني النبي- صلى الله عليه وسلّم- فجلس عمر- رضي الله تعالى عنه- يبكي. وروى ابن السني في «عمل يوم والليلة» أنّ ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- خدرت رجله فقيل له: اذكر أحبّ النّاس إليك يزل عنك فصاح: يا محمّداه، فانتشرت. روى البيهقي عن عروة- رضي الله تعالى عنه- أن أهل مكّة أخرجوا زيد بن الدّثنة من الحرم ليقتلوه، فقال له أبو سفيان: أنشدك بالله يا زيد، أتحبّ أنّ محمّدا عندنا بمقامك تضرب عنقه، وأنت في أهلك، فقال زيد- رضي الله تعالى عنه-: والله ما أحبّ أنّ محمّدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنا جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت أحدا يحبّ أحدا كحبّ أصحاب محمد محمدا. وروى ابن جرير والبزّار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كانت المرأة إذا أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- حلّفها بالله، ما خرجت من بعض زوج، ولا رغبة بأرض عن أرض، وما خرجت إلّا حبّا لله ورسوله. وروى ابن سعد أنّ ابن عمر وقف على ابن الزبير- رضي الله تعالى عنهم- بعد قتله وقال: كنت والله فيما علمت صوّاما قوّاما تحبّ الله ورسوله.

تنبيهات

تنبيهات الأول: قال القاضي: من علامة حبّه- صلى الله عليه وسلّم- إيثار حبّه، وإلّا كان مدّعيا، فالصّادق في حبّه عليه الصلاة والسلام من تظهر علامات ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واتّباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتّأدّب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران 31] وإيثار ما شرعه وحضّ عليه على هوى نفسه. وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا بنيّ إن قدرت على أن تمسي وتصبح ليس في قلبك غشّ لأحد فافعل ثم قال لي: وذلك من سنّتي، ومن أحيا سنّتي فقد أحبني، ومن أحبّني كان معي في الجنّة» . فمن اتّصف بهذه الصّفات فهو كامل المحبّة لله ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبّة، ولا يخرج عن اسمها. ومن علامة محبته- صلى الله عليه وسلّم- كثرة ذكره، فمن أحبّ شيئا أكثر ذكره. ومنها كثرة الشّوق إلى لقائه- صلى الله عليه وسلّم- فكلّ حبيب يحبّ لقاء حبيبه، وقد قال أنس- رضي الله تعالى عنه-: وحين رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- يتتبّع الدّبّاء من حوالى القصعة: فما زلت أحبّ الدّبّاء من يومئذ. وقد أتى الحسن بن علي وابن عباس وابن جعفر إلى سلمى، خادمته ومولاة عمّته صفيّة، وسألوها أن تصنع لهما طعاما مما كان يعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكان ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- يلبس النّعال السّبتيّة، ويصبغ بالصّفرة إزاره، يفعل نحو ذلك. ومن علامة حبّه بغض من أبغض الله ورسوله ومجانبة من خالف سنّته وابتدع في دينه واستثقاله كلّ أمر يخالف شريعته قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة 22] وهؤلاء الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- قد قتلوا أحبّاءهم، وقاتلوا أبناءهم وآباءهم في مرضاته، روى البخاري عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ابن سلول قال: يا رسول الله لو شئت لأتيتك برأسه يعني: أباه. الثاني: حقيقة المحبّة الميل إلى ما يوافق الإنسان إما باستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة، والأطعمة والأشربة اللّذيذة وأشباهها ممّا كلّ طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو استلذاذه بإدراك بحاسّة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السّير الجميلة والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشّغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ ذلك ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبّه إيّاه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه، فقد جبلت

النّفوس على حبّ من أحسن إليها. قال القاضي: فقد استبان لك أنه- صلى الله عليه وسلّم- مستوجب للمحبّة الحقيقيّة شرعا بما قدمناه من صحيح الآثار، لإفاضته الإحسان علينا، من رأفته بنا ورحمته لنا وهدايته إيّانا وشفقته علينا، وإنقاذنا من ورطة الجهالة، وإنه بنا رؤوف رحيم، ورحمة للعالمين وقد جمع الله تعالى فيه جميع أسباب المحبة المتقدمة، فإن الله تعالى جمّله بجمال الصّور الظّريفة وبكمال الأخلاق والباطن وبمكارم الإحسان، وكرائم الإنعام. قال القاضي- رحمه الله تعالى-: فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفا. أو أنقذه من هلكة أو مضرّة مدة التّأذّي بها قليل منقطع فمن منحه ما لا يبيد من النّعيم ووقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم فهو أولى بالحبّ، وإذا كان يحبّ بالطّبع ملك لحسن سيرته، أو حاكم لما يؤثر عنه من قوام طريقته، أو قاصّ بعيد الدار لما يشادّ من علمه، أو كرم شيمته، فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحقّ بالحبّ وأولى بالميل، وقد قال علي- رضي الله تعالى عنه- في صفته- صلى الله عليه وسلم-: من رآه بديهة هابة ومن خالطه معرفة أحبّه. الثالث في بيان غريب ما تقدم: جلل: - بجيم فلام مفتوحتين فلام أخرى- أي هيّن حقير. بكا: - بضم الموحّدة- قصر لضرورة الوزن. الأسحار: بهمزة مفتوحة، فسين ساكنة، فحاء مفتوحة مهملتين، فألف فراء- خصّتها بالبكاء لأنّها أوقات خلوة وابتهال إلى الله تعالى، قال لقمان لابنه: «يا بني لا يكن الدّيك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم» . المنايا: - بميم فنون مفتوحتين فألف فتحتية فألف- جمع منيّة: وهي الموت من منى الله عليك بمعنى قدّر، لأنه مقدّر بوقت مخصوص. أطوار: - بهمزة مفتوحة، فطاء مهملة ساكنة، فواو فألف فراء- حالات شتى مختلفة. الدّثنة: - بدال مهملة مفتوحة، فمثلثة مكسورة، فنون مشددة مفتوحة-.

الباب السادس في وجوب مناصحته صلى الله عليه وسلم

الباب السادس في وجوب مناصحته صلّى الله عليه وسلم قال الله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة 91] . قال أهل التفسير: معناه: إذا كانوا مخلصين في أفعالهم وأقوالهم، مسلمين في السّر والعلانية. روى مسلم وأبو داود عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الدّين النّصيحة، إنّ الدّين النّصيحة إنّ الدّين النّصيحة. قيل: لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» . [قال القاضي: قال أئمّتنا أي: من المالكيّة: النّصيحة لله ورسوله وأئمّة المسلمين وعامّتهم واجبة] [ (1) ] ، وقال الإمام أبو سليمان البستيّ حمد الخطابي: النصيحة كلمة يعبّر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبّر عنها بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها، ومعناها في اللغة: الإخلاص من قولهم نصحت العسل إذا خلّصته من شمعه بنار لطيفة، وقال أبو بكر بن أبي إسحاق الخفّاف: - بخاء معجمة، بفاءين، أولاهما مشددة بينهما ألف- النصح فعل الشيء الذي به الصلاح والملاءمة، مأخوذ من النّصاح- بنون مكسورة وصاد مهملة مفتوحة وألف وحاء مهملة-، وهو الخيط الذي يخاط به الثوب، فنصيحة الله تعالى الإيمان به، وصحة الاعتقاد له بالوحدانية، ووصفه بما هو أهله، بدون إلحاد في صفاته، وتنزيهه عما لا يجوز عليه ولا يليق به ممّا يوهم نقصا والبعد من جميع ما يسخطه ولا يرضاه، والإخلاص في عبادته، بأن تفرده بالقصد من غير شرك ولا رياء. والنّصيحة لكتابه الإيمان به: أي التصديق بأن كلام الله تعالى بما اشتمل عليه من أحكام ومواعظ وأمثال (وعموم) ، والعمل بما فيه من المحكم والتسليم للمتشابه، والتّخشّع عند تحسين تلاوته والتعظيم له، والتّفقّه في معانيه، والذّبّ عنه من تأويل الغالين وطعن الملحدين. والنّصيحة لرسوله التصديق بنبوّته، وبذل الطّاعة له فيما أمر به ونهى عنه وقال الخفاف: نصيحة الرسول- صلى الله عليه وسلّم- موازرته ونصرته وحمايته حيّا وميّتا، وإحياء سنّته بالعمل بها والذّبّ عنها، ونشرها، والتّخلّق بأخلافه الكريمة وآدابه الجميلة، وقال أبو إبراهيم إسحاق التّجيبي

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

- بضم المثناة الفوقية وفتحها، ثم جيم مفتوحة، فمثناة وتحتية ساكنة فموحدة- نسبة إلى تجيبة بطن من كندة- نصيحة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التّصديق بما جاء به والاعتصام بسنّته ونشرها والحضّ (عليها) ، والدعوة إلى الله تعالى وإلى كتابه وإلى رسوله، والعمل بها. وقال أحمد بن محمد: من مفروضات القلوب اعتقاد النّصيحة له- صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو بكر الآجريّ- بهمزة ممدودة فجيم مضمومة فراء مشددة-: النّصح له- صلى الله عليه وسلّم- يقتضي، نصحين نصحا في حياته ونصحا بعد مماته، ففي حياته نصح أصحابه له بالنّصر والمحاماة عنه ومعاداة من عاداه والسمع والطاعة له وبذل النّفس والأموال دونه كما قال تعالى: وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر 8] ، وأمّا نصيحة [ (1) ] المسلمين بعد وفاته فالتزام التّوقير والإجلال والرغبة له والمواظبة على تعليم سنّته، والتّفقّه في شريعته ومحبته لآل بيته وأصحابه، ومجانبة من رغب عن سنّته وانحرف عنها وبغضه والتّحذير منه، والشّفقة على أمّته، والبحث عن تعرف أخلاقه وسيرته وآدابه والصّبر على ذلك، وحكى أبو القاسم القشيري: أن (عمرو) بن اللّيث أحد ملوك خراسان رئي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل له: بماذا؟ فقال: صعدت- بكسر العين- ذروة جبل- بكسر المعجمة وضمها- أعلاه فأشرفت على جنودي، فأعجبتني كثرتهم، فتمنّيت أنّي حضرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعنته ونصرته، فشكر الله تعالى لي ذلك وغفر لي، وأمّا النّصح لأئمّة المسلمين فطاعتهم [في الحق ومعونتهم فيه، وأمرهم به وتذكيرهم إيّاه على أحسن وجه وتنبيههم على ما غفلوا عنه وكتم عنهم من أمور المسلمين، وترك الخروج عليهم] [ (2) ] وأما النّصح لعامّة المسلمين بإرشادهم إلى مصالحهم ومعاونتهم في أمور دينهم ودنياهم بالقول والفعل، وتنبيه غافلهم، وتبصير جاهلهم، ورفد محتاجهم وستر عوراتهم، ودفع المضارّ عنهم، وجلب المنافع إليهم. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، كلّهم عيال الله تعالى، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله.

_ [ (1) ] في ج: نصيحته. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب السابع في وجوب تعظيم أمره وتوقيره وبره، وبعض ما ورد عن السلف في ذلك

الباب السابع في وجوب تعظيم أمره وتوقيره وبره، وبعض ما ورد عن السلف في ذلك قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح 9] وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات 1، 2، 3] وقال عز وجل: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور 63] . وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة 104] . وروى مسلم عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، فإني لم أكن أملأ عيني منه. وروى الترمذي، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان- صلى الله عليه وسلم- يخرج على أصحابه [من المهاجرين والأنصار وهم جلوس] ، وفيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلّا أبو بكر وعمر، فإنّهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما. وروى النّسائي وأبو داود وابن ماجة والتّرمذي، وصححه: أن أسامة بن شريك قال: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حوله كأنّ على رؤوسهم الطير. وروى البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، أن قريشا لمّا وجّهوا عروة ابن مسعود إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية، فرأى تعظيم أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- ما رأى، وأنه لا يتوضّأ إلّا ابتدروا وضوءه، فكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقا، ولا يتنخم نخامة إلا تلّقوها بأكفّهم، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يجدّون النظر إليه تعظيما له، فقال لهم حين رجع إليهم: يا معشر قريش إني جئت كسرى وقيصر، والنجاشي في ملكهم، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه وفي رواية: إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظّم محمّدا أصحابه وقد رأيت قوما لا يسلمونه أبدا. وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه-: لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والحلّاق يعلقه وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلّا في يد رجل، وقد قال عثمان- رضي

تنبيهات

الله تعالى عنه-: لما أذنت له قريش أن يطوف بالبيت، حين وجّهه- صلى الله عليه وسلّم- إليهم في القضية أبي وقال: ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى الترمذي وحسنه، في حديث طلحة أنّ أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قالوا لأعرابيّ جاهل نتله- صلى الله عليه وسلّم- عمّن قضى نحبه وكانوا يهابونه. فسأله، فأعرض عنه، إذ طلع طلحة فقال: هذا ممّن قضى نحبه. وروى أبو داود في الأدب، والترمذي في الشمائل، في حديث قيلة- بقاف مفتوحة، وتحتية ساكنة- بنت مخرمة، العنبرية، فلما رأته جالسا القرفصاء أرعدت من الفرق هيبة له وتعظيما. وروى الحاكم في علوم الحديث، والبيهقي في المدخل في حديث المغيرة: «كان أصحابه- صلى الله عليه وسلّم- يقرعون بابه بالأظافير» . وروى أبو يعلى أنّ البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه-، قال: لقد كنت أريد أن أسأله- صلى الله عليه وسلّم- عن الأمر فأؤخّره سنين من هيبته. تنبيهات الأول: قوله تعالى: تُعَزِّرُوهُ بعين مهملة، فزاي، فراء، أي: يقوّوه ويعينونه على دينه، وقرئ بزايين من العزّ، وهي الشدّة والقوة، قال القاضي: ونهى عن التقدم بين يديه، بآية لا تُقَدِّمُوا السابقة، وقد اختلف في تفسيرها، فقال ابن عباس، واختاره ثعلب: نهوا عن التقدم بين يديه بالقول وسوء الأدب، بسبقه بالكلام، وقال سهل بن عبد الله التستري: لا تقولوا قبل أن يقول، وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا. الثاني: اختلف في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الآيات، وقوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ. وقيل: نزلت هي ولا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ في محاورة كانت بين أبي بكر وعمر بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلّم- واختلاف جرى بينهما حتّى ارتفعت أصواتهما عنده- صلى الله عليه وسلّم-. وقيل: نزلت في ثابت بن قيس بن شمّاس خطيب النبي- صلى الله عليه وسلم- في مفاخرة بني تميم، وكان في أذنيه صمم فكان يرفع صوته فلما نزلت أقام في منزله، وخشي أن يكون قد حبط عمله، ثم تفقده النبي- صلى الله عليه وسلّم- فأخبر بشأنه، فدعاه، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، خشيت أن أكون هلكت، نهانا الله- تعالى- أن نجهر بالقول، وأنا امرؤ جهير الصّوت. فقال

النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا ثابت، أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا، وتدخل الجنّة! فقتل يوم اليمامة، سنة اثنتي عشرة، في ربيع الأول في خلافة الصّدّيق. وروى البزار، من طريق طارق بن شهاب: أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- لما نزلت هذه الآية قال: والله يا رسول الله لا أكلّمك بعدها إلّا كأخي السّرار. وفي البخاري، كان عمر- رضي الله تعالى عنه- إذا حدّثّه- صلى الله عليه وسلّم- حدّثه كأخي السّرار، أي كصاحب المبارزة ما كان- صلّى الله عليه وسلم- بعد نزول هذه الآية يسمعه حتّى يستفهمه، فأنزل الله عز وجلّ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى [الحجرات 3] وقيل: نزلت إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ [الحجرات 4] في غير بني تميم. الثالث: اختلف في سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة 104] قال بعض المفسرين: هي لغة كانت في الأنصار، فنهوا عن قولها تعظيما للنبي- صلى الله عليه وسلّم- وتبجيلا، لأن معناها: ارعنا نرعك، من المراعاة، وهي الحفظ والرفق، فنهوا عن قولها، إذ مقتضاها كأنّهم لا يرعونه إلّا برعايته لهم، بل حقه الذي يجب على كلّ أحد أن يرعاه على كل حال. وقيل: كانت اليهود تعرض بها للنبي- صلى الله عليه وسلم- لما سمعوا المسلمين يقولونها انتهازا للفرصة، فخاطبوه- صلى الله عليه وسلّم- بها، مريدين بها كلمة يتسابّون بها، لأنّها عندهم من الرّعونة وهي الحمق، فنهى عن قولها قطعا للذريعة، ومنعا للتشبه في قولها.

الباب الثامن في كون حرمته - صلى الله عليه وسلم - بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازما [1] كما كان في حال حياته

الباب الثامن في كون حرمته- صلى الله عليه وسلّم- بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازماً [ (1) ] كما كان في حال حياته قال القاضي: قال أبو إبراهيم التّجيبي: «واجب على كل مؤمن متى ذكر- صلى الله عليه وسلّم- أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقّر، ويسكّن من حركته، ويأخذ من هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، ويتأدّب بما أدّبنا الله تعالى به من قوله تعالى: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ [الحجرات 1] لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ [الحجرات 2] لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة 104] لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور 63] . ولما ناظر أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن عباس ثاني خلفاء بني العباس مالكا في مسجده- عليه الصلاة والسلام- قال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات 2] . وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر، وقال لمالك: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وادعو أم استقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال له: لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله- تعالى- يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله، فإنه تقبل به شفاعتك لنفسك قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [النساء 64] أي بتحاكمهم إلى الطّاغوت وهو كعب بن الأشرف، سمي طاغوتا لعتوه وفرط طغيانه، وعداوته لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاؤُكَ تائبين من نفاقهم فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء 64] . مما تقدم منهم وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ/ [النساء 64] التفت تفخيما لشأنه- صلى الله عليه وسلّم- وإيذانا بأن شفاعة من اسمه الرسول من الله تحل من القبول لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء 64] أي لتاب عليهم ورحمهم، فلا يؤاخذهم بسوء صنيعهم. وقال مالك- رحمه الله تعالى-: وقد سئل عن أبي أيوب السّختياني- بسين مفتوحة فمعجمة ساكنة فتاء مكسورة، نسبته لبيع السختيان أي: الجلد المدبوغ- ما حدّثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه. وقال: وحج أيوب حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غير أنه إذا ذكر النبي- صلى الله عليه وسلّم- بكى حتى أرحمه فلما رأيت منه ما رأيت، [وإجلاله للنبي- صلى الله عليه وسلّم-] ، كتبت عنه. وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري: كان مالك- إمام دار الهجرة إذا

_ [ (1) ] في أ: لازم.

ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- يتغير لونه، وينحني حتى يصعب على جلسائه لما يراه من هيبته، وعظيم قدره، ورفعة محله عند ربه، فقيل له يوما في ذلك: أي لم تتغير إذا ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليّ ما ترون مني، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي وكان سيّد القراء لا يكاد نسأله عن حديث ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا بكى حتى نرحمه، لما يأخذه من لوعة الاحتراق بألم الفراق. ولقد كنت أرى جعفر الصادق ابن محمد الصادق ابن زين العابدين وكان كثير الدّعابة- بضم أوله، أي: المزاح والتبسم أي: الضحك بلا صوت- إذا ذكر النبي- صلى الله عليه وسلّم- اصفر لونه مهابة منه وإجلالا له، وما رأيته يحدث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا على طهارة تعظيما لحديثه وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم 3، 4] ولقد اختلفت متردداً إليه زماناً فما كنت أراه إلّا على ثلاث خصال، إمّا مصليا، وإما صامتا، وإما يقرأ القرآن، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله تعالى. ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر الصديق يذكر النبي- صلى الله عليه وسلّم- فينظر إلى لونه كأنه نزف- أي سال منه الدم- وقد جفّ لسانه في فمه هيبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولقد كنت آتى عمار بن عبد الله بن الزبير بن العوام، فإذا ذكر عنده الرسول صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. ولقد رأيت محمد بن شهاب الزهري وكان من أهنأ الناس وأقررهم، فإذا ذكر عنده النبي- صلى الله عليه وسلّم- فكأنه ما عرفك ولا عرفته. ولقد كنت آتي صفوان بن سليم- أي: بضم أوله وفتح ثانية- الزهري مولاهم وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- بكى حتى يقوم الناس عنه، ويتركوه رحمة به، وحذرا من رؤيته على تلك الحالة المحزنة. روي عن قتادة- رضي الله تعالى عنه- أنه كان إذا سمع حديثا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخذه العويل- أي: صوت الصدر بالبكاء، والزّويل أي القلق- والانزعاج بحيث لا يستقر بمكان. ولما كثر على مالك الناس، قيل له: لو جعلت مستمليا يسمعهم ما تمليه لكثرتهم وبعد بعضهم عنك فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات 2] وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرئ حديثه- صلى الله عليه وسلم- أمر بالسكوت وقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات 2] ويتأوّل أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله.

الباب التاسع في سيرة السلف - رحمهم الله تعالى - في تعظيم رواة حديثه - صلى الله عليه وسلم -

الباب التاسع في سيرة السلف- رحمهم الله تعالى- في تعظيم رواة حديثه- صلى الله عليه وسلّم- وروى الدّارمي عن عمرو بن ميمون قال: كنت اختلف إلى ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- فما سمعته يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألا إنه حدّث يوما فجرى على لسانه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ثم علاه كرب فرأيت العرق ينحدر عن جبهته ثم قال هكذا إن شاء الله، أو فوق، أو قريب من ذا، أو ما دون ذا. وفي رواية: فتزبّد وجهه- بباء موحدة مشددة وبالزاي- أي تغير إلى الغبرة- بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة ساكنة فراء-: سواد مشرب ببياض. وفي رواية: وقد تغرغرت عيناه أو انتفخت أوداجه وقال إبراهيم بن عبد الله بن قريم وهو المقدام في المعرفة، المجرب في الأمور الأنصاري، قاضي المدينة: مر مالك بن أنس على أبي حازم- رضي الله تعالى عنهما-: وهو يحدث فحاذاه وقال: إني لم أجد موضعا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا قائم. وقال مالك: جاء رجل إلى ابن المسيب- رضي الله تعالى عنه- فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس فحدّثه، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعنّ فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأنا مضطجع. وروى ابن سيرين أنّه قد يكون يضحك، فإذا ذكر عنده حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خشع. وقال أبو مصعب: كان مالك بن أنس لا يحدث إلا وهو على وضوء إجلالا لحديثه- صلى الله عليه وسلّم-. وحكى ذلك مالك عن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنهم-. وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري: كان مالك إذا حدث توضأ وليس ثيابه، ثم يحدّث من أراد منه أن يحدثه. قال مصعب: فسئل عن ذلك، فقال: لأنه حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا أحدثه إلا على وضوء.

قال مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار: كان الناس إذا أتى الناس مالكا خرجت إليهم الجارية فتقول لهم: يقول لكم سيدي تريدون الحديث أو المسائل؟ فإن قالوا المسائل، خرج إليهم، وإن قالوا الحديث، دخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا ولبس ساجة- بسين مهملة فألف فجيم فهاء- طيلسان أخضر. وقال الأزهري: وهو القور الذي ينسج مستديرا، وتعمّم ووضع على رأسه رداءه وتلقى له منصّة- بكسر الميم- أي شيئا مرتفعا يجلس عليه فيجلس عليها وعليه الخشوع، ولا يزال يبخّر بالعود حتى يفرغ من حديثه. قال غيره: ولم يكن يجلس عليها إلا إذا حدّث عنه- صلى الله عليه وسلم-. قال ابن أبي أويس إسماعيل ابن أخت مالك: فقيل لمالك في ذلك، فقال: أحب أن أعظّم حديثه- صلى الله عليه وسلم- ولا أحدّث به إلّا على طهارة متمكّنا، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم أو مستعجل. وقال: أحبّ أن أفهم من أحدّثه حديثه- صلى الله عليه وسلم-. قال ضرار بن مرّة- أبو سنان الشّيباني الكوفي-: كانوا- أي: من لقيتهم من التابعين كعبد الله بن شداد وأبو الأحوص بن سعيد بن جبير- يكرهون أن يحدثوا عنه- صلى الله عليه وسلم- علي غير وضوء. وكان سليمان بن مهران الأعمش إذا حدّث- أي: أراد أن يحدث على غير وضوء تيمم. وكان قتادة بن دعامة لا يحدث إلا على طهارة، ولا يقرأ إلا على وضوء. قال عبد الله بن المبارك: كنت عند مالك وهو يحدثنا، فلدغته عقرب ست عشرة مرّة، ولونه يتغير ويصفرّ، ولا يقطع حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ من المجلس وتفرق عنه الناس قلت له: رأيت منك اليوم عجبا، قال: نعم، لدغتني عقرب ست عشرة مرة، [وأنا صابر في جميع ذلك] ، وإنما صبرت إجلالا لحديثه- صلى الله عليه وسلّم-. قال ابن مهدي: مشيت يوما مع مالك إلى «العقيق» فسألته عن حديث فانتهرني، وقال لي: كنت في عيني أجل من أن تسألني عن حديث من حديثه- صلى الله عليه وسلّم- ونحن نمشي، وسأله جرير بن عبد الحميد عن حديث وهو قائم، فأمر بحبسه، فقيل له: إنه قاض فقال: القاضي أحق بالأدب.

وذكر أن هشام بن هشام بن الغازي قيل صوابه هشام بن عمار خطيب جامع دمشق. وأما ابن الغازي فتابعي لم يرو عن مالك، لموته قبل مالك سنة ست وخمسين ومائة سأل مالكا عن حديث من حديثه- صلى الله عليه وسلم- وهو واقف فضربه عشرين سوطا ثم أشفق عليه، فحدثه عشرين حديثا، فقال هشام: وددت لو زادني سياطا ويزيدني حديثا. وقال عبد الله بن صالح الجهني: كان مالك والليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران. وكان قتادة، يستحب أن لا يقرأ حديثا إلا على وضوء، ولا يحدث إلّا على طهارة. وكان الأعمش إذا أراد أن يحدث وهو على غير وضوء تيمم.

الباب العاشر من بره وتوقيره - صلى الله عليه وسلم - بر آله وذريته وزوجاته ومواليه

الباب العاشر من بره وتوقيره- صلى الله عليه وسلّم- برّ آله وذريته وزوجاته ومواليه قال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب 33] وقال تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى 23] وقال تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب 6] . روى مسلم عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أذكركم الله في أهل بيتي فقلنا لزيد: ومن أهل بيته؟ قال: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس [ (1) ] . وروى الترمذي وحسنه عن زيد بن أرقم وجابر- رضي الله تعالى عنهما- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وأهل بيتي» . لن تضلوا: أي: إن ائتمرتم بأوامر كتاب الله وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي أهل البيت واقتديتم بسيرهم «فانظروا كيف تخلفوني فيهما» [ (2) ] . وروى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي- صلى الله عليه وسلّم- وابن أخيه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة أمة أبي لهب لما نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب 33] وذلك في بيت أم سلمة، دعا فاطمة وحسنا وحسينا فجلّلهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلله بكسائه ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» [ (3) ] . وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: دعا النبي- صلى الله عليه وسلم- عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، قال: «اللهم هؤلاء أهلي» [ (4) ] . وروى الشيخان عن المسور بن مخرمة أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبني» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (36) والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 148، 7/ 31، 10/ 114، والبغوي في التفسير 1/ 300، وابن أبي عاصم 2/ 643 وانظر الدر المنثور 5/ 199، 6/ 7. [ (2) ] أخرجه الدارمي 2/ 342 وأحمد 3/ 17، والترمذي (3788) . [ (3) ] أخرجه الترمذي (2992، 3205، 3724، 3787، 3871) وأحمد 4/ 107، 6/ 292، والبيهقي 2/ 152، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2245) والطبري في التفسير 22/ 6 والطبراني في الكبير 3/ 47، والطحاوي في المشكل 1/ 332. [ (4) ] مسلم في الفضائل 32، وأحمد 1/ 185. [ (5) ] البخاري 7/ 105 (3767) وليس في صحيح مسلم بل عزوه لمسلم وهم.

وقال صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه» أي: وليه وناصره «فعليّ مولاه» [ (1) ] . قال الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى-: «يعني به ولاء الإسلام» . وروى الإمام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري أنه- عليه الصلاة والسلام- قال في علي- رضي الله تعالى عنه-: «اللهم وال من والاه» [ (2) ] . وروى مسلم عنه أنه- عليه الصلاة والسلام- قال له: «لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا منافق» [ (3) ] . وروى ابن ماجه والترمذي وصححه أنه- عليه الصلاة والسلام- قال للعباس- رضي الله تعالى عنه-: «والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله» ، «ومن آذى عمّي» يعني العباس «فقد آذاني، وإنّما عمّ الرجل صنو أبيه» . وروى البيهقي عن أبي أسيد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للعباس: «اغد عليّ يا عمّ مع ولدك من ذكور وإناث فجمعهم وجللهم بملاءته وقال: «اللهم هذا عمي صنوا أبي وهؤلاء أهل بيتي، فاسترهم من النار كستري إيّاهم بملاءتي هذه، فأمّنت أسكفّة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين، آمين، آمين. وقال أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- «ارقبوا محمّدا» أي: احفظوه «في أهل بيته» . وروى البخاري عنه أنه قال: «والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحب إلي من أن أصل من قرابتي» . وروى الترمذي وحسنه وابن ماجة عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا» ، وفي رواية: «حسنا» وقال- صلى الله عليه وسلم-: «من أحبني، وأحب هذين- وأشار إلى حسن وحسين- وأحبّ أباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة» . وروى البخاري عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تؤذوني في عائشة» .

_ [ (1) ] الترمذي (3713) وأحمد 1/ 84 وغيره، وابن حبان الموارد (2202) والطبراني 3/ 199 وابن سعد 5/ 335، وابن أبي عاصم 2/ 604 والحاكم 3/ 110 وابن ماجة 121، والطحاوي في المشكل 2/ 307 وابن أبي شيبة 12/ 59، وأبو نعيم في الحلية 4/ 23. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 219، 4/ 281، 368، 370، 373، وابن ماجة (116) ، والمجمع 9/ 107 والذهبي في الميزان (7671) والطبراني في الكبير 5/ 241، 12/ 122 والعقيلي في الضعفاء 1/ 249. [ (3) ] أخرجه الترمذي (3736) ، والنسائي 8/ 116، والحميدي 58، والخطيب في التاريخ 8/ 417، 14/ 426، وانظر المجمع 9/ 133.

وروى البخاري عن عقبة بن الحارث قال: «رأيت أبا بكر، وحمل الحسن على عنقه وهو يقول: بأبي شيبه بالنّبيّ ... ليس شبيها بعليّ، وعلي يضحك» [ (1) ] . وروي عن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتيت عمر بن عبد العزيز بن مروان في حاجة فقال: إذا كان لك حاجة فأرسل إلي، [أو أكتب] فإني أستحيي من الله تعالى أن أراك على بابي» . وروى الحاكم وصححه البيهقي في المدخل والطبراني عن الشعبي قال: أن زيد بن ثابت بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري كبّر على جنازة أمه أربعا ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله، فقال: هكذا نفعل بالعلماء [الكبراء] ، فقبّل زيد يد ابن عباس، وقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله. ورأى ابن عمر محمد بن أسامة بن زيد بن حارثة فقال: ليت هذا عبدي. رواه البيهقي- بفتح العين المهملة وسكون الموحدة-. ورواه الحافظ- بكسر العين وسكون النون- فقيل له: هو محمد بن أسامة فطأطأ ابن عمر رأسه، ونفر بيده الأرض حياء من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: لو رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأحبه كحبّ أبيه أسامة. وحكى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» عن الأوزاعي: أنه قال: دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على عمر بن عبد العزيز حين ولايته على المدينة للوليد بن عبد الملك بن مروان أو في خلافته، ومعها مولى لها يمسك بيدها، فقام إليها عمر ومشى إليها حتى جعل يديها بين يديه، ويداه في ثيابه، ومشى بها حتى أجلسها على مجلسه [وجلس بين يديها] وما ترك لها حاجة إلّا قضاها. وروى الترمذي وحسنه لما فرض عمر- رضي الله تعالى عنه- لابنه عبد الله في ثلاثة آلاف ولأسامة في ثلاثة آلاف وخمس مائة، فقال عبد الله لأبيه: لم فضلت أسامة عليّ فو الله ما سبقني إلى مشهد، فقال له: لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أبيك وأسامة أحب إليه منك، فآثرت حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حبي. وروى ابن مالك بن أنس لما ضربه جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس يقول بعضهم: إنه لا يرى الأيمان ببيعتكم شيئا، لأن يمين المكره لا تلزم، فغضب جعفر ودعاه وجرّده وضربه ونال منه ما نال، وحمل إلى بيته مغشيا عليه، دخل عليه الناس فأفاق فقال:

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (3750) .

أشهدكم على أني جعلت ضاربي في حلّ. فسئل بعد ذلك فقال: خفت أن أموت فألقى النبي- صلى الله عليه وسلّم- فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا جعلته في حلّ لقرابته لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال أبو بكر بن عياش- بمثناة تحتية وشين معجمة-، ابن سالم (المقري) [ (1) ] أحد الأعلام- الأسدي: لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي لبدأت بحاجة عليٍّ قبلهما، لقرابته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقدّمه عليهما، ولولا قرباه من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما قدمته عليهما، لأفضليتهما عليه. وروى أبو داود والترمذي وحسنه أنه قيل لابن عباس: ماتت فلانة لبعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- فسجد فقيل له: أتسجد في هذه الساعة؟ فقال: أليس قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأيتم آية فاسجدوا، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لفوات بركتهن، لأنهن كما قال الله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب 32] وقد اتقين الله تعالى. وروى مسلم أن أبا بكر وعمر كانا يزوران أمّ أيمن مولاته- صلى الله عليه وسلّم- تبرّكا بها وتأسّيا به- صلى الله عليه وسلّم- ويقولان: أنه- عليه الصلاة والسلام- كان يزورها. وروى ابن سعد عن عمر بن سعد بن أبي وقاص مرسلا لما وردت حليمة السّعديّة- وفي سيرة «الدمياطي» : ابنتها الشيماء- على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبسط لها رداءه، وقضى حاجتها، فلما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وفدت على أبي بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهما- فصنعا بها مثل ذلك.

_ [ (1) ] في أ: البصري.

الباب الحادي عشر من بره وتوقيره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقوقهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم

الباب الحادي عشر من بره وتوقيره صلى الله عليه وسلّم توقير أصحابه وبرّهم ومعرفة حقوقهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح 29] وقوله فَاسْتَغْلَظَ [الفتح 29] أي: صار بعد قوته غليظا فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ [الفتح 29] أي: قام على قضيبه يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح 29] وقال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة 100] وقال عزّ من قائل: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح 18] وقال تعالى: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب 23] . وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا- بغين وضاد معجمتين بينهما مفتوحات- بعدي فمن أحبّهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، فيوشك أن يأخذه. وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: آية الإيمان حبّ الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار» [ (1) ] . وروى الطبراني والحارث بن أبي أسامة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا» [ (2) ] . وروى الطبراني وابن ماجة عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» [ (2) ] . وروى البزار وأبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أصحابي» وزاد البغوي في «المصابيح» و «شرح السنة» «مثل أصحابي في أمّتي كمثل الملح

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 113 (3784) ومسلم 1/ 85 (128/ 74) . [ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير وانظر المجمع 7/ 202، 223.

في الطّعام لا يصلح الطعام إلا به» [ (1) ] . وروى مسلم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تسبّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» [ (2) ] لغة في النّصف. وروى الديلمي عن عويم بن ساعدة، وأبو نعيم في «الحلية» ، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهم صرفا» - أي توبة- أو نافلة- «ولا عدلا» أي: فدية أو فريضة [ (3) ] . وروى الديلمي والبزار عنه أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعليا، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير» [ (4) ] . وروى الطبراني في «الأوسط» بسند صحيح حسن، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال- رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أحبّ عمر فقد أحبني، ومن أبغض عمر فقد أبغضني» [ (5) ] . وروى الطبراني وابن منده عن خالد بن عمرو عن سهل بن يوسف بن سهل ابن أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال ابن مندة: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه أنه- عليه الصلاة والسلام- لما قدم المدينة من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس إنّي راض عن أبي بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له [وقال] : يا أيها الناس إنّي راض عن عمر وعن عثمان وعن علي وعن طلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين والأنصار فاعرفوا لهم ذلك، أيها الناس إن الله غفر لأهل بدر والحديبية وقال: أيّها النّاس احفظوني في أصحابي وفي أصهاري وأختاني لا يطلبنكم أحد منهم بمظلمة، فإنها مظلمة لا توهب في القيامة غدا» . وروى الترمذي وضعفه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- بجنازة رجل يصلي عليه فلم يصل عليه فقيل: يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا

_ [ (1) ] أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 200 (572) والبزار كما في الكشف 3/ 291 (2771) وأبو يعلى 5/ 151 (7/ 2762) والبغوي في المصابيح 4/ 147 (4707) . [ (2) ] البخاري 7/ 21 (3673) ومسلم 4/ 1967 (222/ 2541) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 142، وأبو نعيم في الحلية 7/ 103، وابن عدي في الكامل 5/ 1855. [ (4) ] الكنز (33094) . [ (5) ] وابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 4/ 487.

قال: إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله. وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه- عليه الصلاة والسلام- قال في الأنصار «اعفوا من مسيئهم، واقبلوا من محسنهم» وللبخاري «أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين والأنصار أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم» . وروى أبو نعيم والدّيلمي عن عياض الأنصاري، وابن منيع عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «احفظوني في أصحابي وأصحاري، فإنّه من حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه، - أي: أعرض عنه- (وترك في غيّه) يتردد ومن تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه» . وروى سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح مرسلا، أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «من حفظني فيهم كنت له حافظا يوم القيامة [وقال: ومن حفظني في أصحابي ورد علي الحوض] ومن لم يحفظني فيهم لم يرد علي الحوض، ولم يرني يوم القيامة إلا من بعيد» . وقال رجل للمعافى بن عمران: أين عمر بن عبد العزيز من معاوية فغضب وقال: لا يقاس على أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أحد، أي: لحديث الشيخين «خير أمّتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله تعالى. قال مالك- رحمه الله تعالى- وغيره: من أبغض الصحابة وسبّهم فليس له في المسلمين شيء، ونزع من الإيمان بقوله تعالى وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا. رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحشر 10] . وقال: من غاظ أصحاب محمد فهو كافر، قال الله تعالى: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ. وقال عبد الله بن المبارك: خصلتان من كانتا فيه نجا، [الصدق وحب أصحاب محمّد] وقال أيّوب السّختياني: من أحبّ أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحبّ عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحبّ عثمان فقد استضاء بنور الله، ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد فقد برئ من النفاق، ومن انتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسّنة والسلف الصالح، وأخاف أن لا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه سليما.

الباب الثاني عشر من إعظامه وإجلاله صلى الله عليه وسلم إعظام جميع أصحابه وأشباهه

الباب الثاني عشر من إعظامه وإجلاله صلى الله عليه وسلّم إعظام جميع أصحابه وأشباهه وهي ما وصل به- صلى الله عليه وسلّم- بالزواج لقوله- عليه الصلاة والسلام-: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا نسبي وصهري» ومعاهده وإكرام مشاهده وأمكنته وما لمسه وما عرف به- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن عساكر أنه بلغ معاوية بن أبي سفيان أن حابس بن ربيعة بن مالك الشامي من بني سامة بن لؤي بصري يشبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتوجه إليه معاوية فلما دخل عليه قام فتلقاه، وقبّله بين عينيه وأقطعه المرغاب بميم مكسورة وإسكانه فمعجمة لشبهه برسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى عن صفيّة بنت نجدة، قالت: كان لأبي محذورة «قصّة» بقاف مضمومة فمهملة مشددة- ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس. قال ابن دريد: هي كل خصلة من شعر الرأس وقال الجوهري: هي شعر الناصية في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الأرض، فقيل له: ألا تحلقها فقال: لم أكن بالذي أحلقها وقد مسّها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده. وروى أبو يعلى أنه كان في قلنسوة خالد بن الوليد- بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين المهملة- وهي ما تسمى الآن تبعا- شعرات من شعر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسقطت قلنسوته في بعض حروبه فشدّ عليها- أي على القلنسوة- شدة أنكر عليه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كثرة من قتل فيها، فقال: لم أفعلها بسبب القلنسوة، بل لم تضمّنته من شعر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لئلا أسلب بركتها، وتقع في أيدي المشركين. وروى ابن سعد عن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: رئي ابن عمر واضعا يده على مقعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المنبر ثم وضعها على وجهه. ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابّة وكان يقول: استحي من الله تعالى أن أطأ تربة وطأ فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بحافر دابة. وروي أنه وهب للشافعي كراعا- بكاف مضمومة فراء مخففة، أي: خيلا- كثيرا كان عنده فقال له الشافعي: أمسك منها دابة، فأجابه بمثل هذا الجواب. وحكى الإمام الجليل أبو عبد الرحمن السّلمي عن أحمد بن فضلويه الزّاهد وكان من الغزاة الرّماة أنه قال: ما مسست- بكسر المهملة وقد تفتح- القوس بيدي إلّا على طهارة منذ بلغني أن النّبيّ- صلى الله عليه وسلّم- أخذ القوس بيده.

وقد أفتى مالك- رحمه الله تعالى- فيمن قال: تربة المدينة رديئة- بالهمزة، وقد لا تهمز تخفيفا- بضربه ثلاثين درّة، وأمر بحبسه وكان المضروب له قدر فقال الإمام: ما أحوجه إلى ضرب عنقه تربة دفن فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يزعم أنها غير طيبة. وفي الصحيحين عن علي وأنس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في المدينة: «من أحدث فيها حدثا أي: منكرا مبتدعا غير مرضي ولا معروف، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» . وروى مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسّلام قال: «من حلف على منبري كاذبا فليتبوأ مقعده من النّار» . وحكي أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة [زائرا وقرب من بيوتها] ترجّل ومشى باكيا منشدا: ولمّا رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرّسوم ولا لبّا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلمّ به ركبا [ (1) ] وأنشأ يقول: رفع الحجاب لنا فلاح لناظر ... قمر تقطّع دونه الأوهام وإذا المطيّ بنا بلغن محمّدا ... فظهورهنّ على الرّجال حرام قرّبننا من خير من وطئ الثّرى ... ولها علينا حرمة وذمام [ (2) ] وحكي أن بعض المشايخ حج ماشيا فقيل له في ذلك فقال: العبد الآبق لا يأتي إلى بيت مولاه راكبا لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي. قال القاضي- رحمه الله تعالى-: وجدير- أي حقيق- لمواطن عمّرت بالوحي والتنزيل وتردد بها جبريل وميكائيل وعرجت منها الملائكة والروح، وضجت- أي صوتت- عرصاتها [ (3) ]- جمع عرصة ما وسع من المكان- بالتقديس والتسبيح، واشتملت تربتها على سيد البشر، وانتشر عنها من كتاب الله تعالى ودينه وسنّة رسوله ما انتشر مدارس آيات، ومساجد، وصلوات، ومشاهد الفضائل والخيرات، ومعاهد البراهين من الآيات والمعجزات،

_ [ (1) ] البيتان للمتنبي انظر ديوانه 1/ 56 وقوله الرسم: آثار الديار الدارسة، والمراد به آثار المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في معاهده ومساكنه، والفواد القلب، والعرفان: المعرفة، واللب العقل. والأكوار جمع كور، وهو للإبل بمنزلة السرج للفرس. [ (2) ] الأبيات لأبي نواس في مدح محمد الأمين انظر ديوانه: (408) والمراد من قوله برفع الحجاب في الشعر، رفع ستائر أبواب الملوك العظام، وهو هنا بمعنى انقضاء المسافة والقرب من المدينة. [ (3) ] جمع عرصة، وهي الأرض، والساحة من غير بناء وهنا المراد بها الأرض مطلقا.

ومناسك الدين ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين، ومتبوأ خاتم النبيين، حيث انفجرت النبوّة وأين فاض عبابها ومواطن مهبط الرسالة، وأول موطن مس جلد المصطفى ترابها أن تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها، وتقبل ربوعها وجدرانها: يا دار خير المرسلين ومن به ... هدي الأنام وخصّ بالآيات عندي لأجلك لوعة وصبابة ... وتشوّق متوقّد الجمرات وعليّ عهد إن ملأت محاجري ... من تلكم الجدران والعرصات لأعفّرنّ مصون شيبي بينها ... من كثرة التّقبيل والرّشفات لولا العوادي والأعادي زرتها ... أبدا ولو سحبا على الوجنات لكن سأهدي من حفيل تحيّتي ... لقطين تلك الدّار والحجرات أزكى من المسك المفتّق نفحة ... تغشاه بالآصال والبكرات [ (1) ] وتخصّه بزواكي الصّلوات ... ونوامي التّسليم والبركات

_ [ (1) ] الأبيات للقاضي عياض كما في نسيم الرياض 3/ 488 وقوله: ملأت محاجري: يريد عيني، والمحاجر جمع محجر وهو جوانب العين.

جماع أبواب الكلام على النبي والرسول والملك وعصمتهم وبما يعرف به كون النبي نبيا - صلى الله عليه وسلم -

جماع أبواب الكلام على النبي والرسول والملك وعصمتهم وبما يعرف به كون النبي نبياً- صلّى الله عليه وسلم- الباب الأول في الكلام على النبي والرسول غير ما تقدم [....] الباب الثاني فيما يعرف به كون النبي نبيا وهو تثبيته بالعصمة وتأييده بالحكمة الآتي بها الملك من الله تعالى إلى أحد أنبيائه- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- بحيث لا يشك بأنه من رسل الله تعالى إليه بالوحي، لعدم صحة تصور السلطان من صورة الملك بعلم ضروري يخلقه الله تعالى فيه، أو بدليل قاطع مظهر لديه لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته. الباب الثالث في عصمته- صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة وبعدها كغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قال القاضي- رحمه الله تعالى-: الصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله تعالى وصفاته والتشكك في شيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق أنوار المعارف ونفحات ألطاف السعادة كما نبهنا عليه في الباب الثاني من القسم الأول. قلت: وقد أوردت في باب [....] ما فيه كفاية. ولم ينقل عن أحد من أهل الأخبار أن أحدا نبّئ واصطفي ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك، ومستند هذا الباب النقل، وقد استدلّ بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله. قال القاضي: وأنا أقول: قد رمت قريش نبينا- صلى الله عليه وسلّم- بكل ما افترته وعيّر

فصل

كفّار الأمم وأنبيائها بكل ما أمكنها، واختلقته مما نصّ الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة، ولم نجد في شيء من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمّه بترك ما كان قد جامعهم عليه. ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين، وبتلوّنه في معبوده محتجبين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل، ففي إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه، إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه، كما لم يسكتوا عن تحويل القبلة، وقالوا: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [البقرة 142] كما حكاه الله تعالى عنهم، وقد استدل القاضي القشيري على تنزيههم عن هذا بقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب 7] وبقوله وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ إلى قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران 81] قال: فطهّره الله تعالى في الميثاق وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه، ثم أخذ ميثاق النبيين بالإيمان به ونصره قبل مولده بدهور، ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب هذا ما لا يجوّزه إلا ملحد. هذا معنى كلامه. وكيف يكون ذلك وقد أتاه جبرائيل- عليه السلام- وشق قلبه صغيرا واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله وملأه حكمة وإيمانا [كما تظاهر أخبار المبدأ] وكيف يكون نبيا وآدم بين الروح والجسد، ثم يجوز عليه شيء من النقائص التي نزه الله تعالى عنها أنبياءه، وهذا ما لا يقوله إلا جاهل أو معاند. فصل قال القاضي: واختلف في عصمتهم من المعاصي قبل النبوة، فمنعها قوم، وجوّزها قوم آخرون. والصحيح إن شاء الله تعالى تنزيههم من كلّ عيبٍ، وعصمتهم من كل ما يوجب الرّيب، فكيف والمسألة تصوّرها كالممتنع، فإن المعاصي والنواهي إنما تكون بعد تقرّر الشّرع، ثم ذكر اختلاف الناس في حال النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يوحى إليه هل كان متبعا لشرع قبله أم لا؟ وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أبواب عبادته- صلى الله عليه وسلم-. ثم قال: هذا حكم ما يكون المخالفة فيه من الأعمال عن قصد، وهو ما يسمى معصية، ويدخل تحت التكليف، ثم ذكر الكلام على عصمتهم من السّهو والنّسيان.

تنبيهات

تنبيهات الأول: قال ابن سيده عصمه يعصمه عصما وقاه، وفي التنزيل لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ [هود 43] أي: لا معصوم إلا المرحوم انتهى. والمراد بالعصمة هنا: منع الأنبياء من المعاصي. الثاني: قال القاضي: ولا يشبّه عليك بقول إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- في الكوكب والقمر والشمس هذا رَبِّي فإنه قد قيل: هذا في سن الطفولية وابتداء النظر والاستدلال [وقبل لزوم التكليف] . قلت: قال أبو محمد بن حزم: هذا القول خرافة موضوعة ظاهرة الافتعال، ومن المحال الممتنع، وقد أكذب الله تعالى هذا بقوله الصادق وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ [الأنبياء 51] فكيف يدخل في عقله أن الكوكب والشمس والقمر ربه من أجل أنها أكبر قرصا من القمر، هذا ما لا يظنه إلا سخيف العقل [....] . الثالث: قال القاضي: فإن قلت ما معنى قوله لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [الأنعام 77] قيل: إنّه إن لم يؤيدني الله بمعونته أكن مثلكم في ضلالتكم وعبادتكم على معنى الإشفاق والحذر وإلا فهو معصوم في الأزل من الضّلال. الرابع: قال القاضي: فإن قلت: ما معنى قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [إبراهيم 13] ثم قال تعالى بعد ذلك عن الرسل قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها [الأعراف 89] فلا يشكل عليك لفظة العود وأنها تقتضي أنهم إنما يعودون إلى ما كانوا فيه من ملتهم، فقد تأتي هذه اللفظة في كلام العرب لغير ما ليس ابتداء بمعنى الصيرورة، كما جاء في حديث الجهنّميين عادوا حمما ولم يكونوا قبل كذلك. ومثله قول الشاعر: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا [ (1) ] وما كان قبل ذلك. وقال أبو حيّان: [....] . الخامس: الحديث الذي يرويه عثمان بن أبي شيبة، عن جابر رضي الله عنه أنّ

_ [ (1) ] البيت لأبي الصلت والد أمية في الشعر والشعراء ص 469 والعقد الفريد 2/ 23، ولأمية في ديوانه ص 52 وللنابغة الجعدي كما في ديوانه ص 112.

النبي- صلى الله عليه وسلم- قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم فسمع ملكين خلفه، أحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى تقوم خلفه فقال الآخر: كيف أقوم خلفه وعهده باستلام الأصنام؟ فلم يشهدهم بعد. [فهذا حديث] أنكره الإمام أحمد جدّا، وقال: هو موضوع أو شبيه بالموضوع. وأما عصمتهم بعد النبوة، فقد قال القاضي: اعلم أنّ الطوارئ من التغيرات والآفات على آحاد البشر لا يخلو أن تطرأ على جسمه أو حواسه بغير قصد واختيار، كالأمراض والأسقام، أو بقصد واختيار، وكله في الحقيقة عمل وفعل، ولكن جرى رسم المشايخ بتفصيله إلى ثلاثة أنواع: [عمل بالجوارح، وعقد بالقلب، وقول باللسان] . الأول: عمل بالجوارح وجميع البشر تطرأ عليهم الآفات والتغيرات بالاختيار وبغير الاختيار في هذه الوجوه كلّها. والنبي- صلى الله عليه وسلم- وأن كان من البشر، ويجوز على جبلّته ما يجوز على جبلة البشر. فقد قال: قامت البراهين القاطعة، وتمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم وتنزيهه عن كثير من الآفات التي تقع على الاختيار وعلى غير الاختيار، كما سنبينه- إن شاء الله تعالى- فيما يأتي من التفاصيل. والكلام على ذلك يتضمن ثلاثة فصول: الفصل الأول في حكم عقد قلب النبي- صلى الله عليه وسلم-[من وقت نبوته] قال القاضي: اعلم أنّ ما تعلّق منه بطريق التوحيد والعلم بالله وصفاته، والإيمان به، وبما أوحى إليه، فعلى غاية المعرفة، ووضوح العلم واليقين والانتفاء عن الجهل بشيء من ذلك، أو الشك، أو الرّيب فيه، والعصمة من كل ما يضادّ المعرفة بذلك اليقين. هذا ما وقع إجماع المسلمين عليه، ولا يصح بالبراهين الواضحة أن يكون في عقود الأنبياء سواه، ولا يعترض على هذا بقول إبراهيم عليه السلام قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. قال القاضي: وذهب معظم الحذاق من العلماء المفسرين إلى أنه إنما قال وذلك تبكيتا لقومه، ومستدلا عليهم. قيل: معناه الاستفهام الوارد مورد الإنكار، والمراد: فهذا ربي. قال الزجاج: قوله هذا رَبِّي [الأنعام 76] على قولكم: كما قال تعالى أَيْنَ شُرَكائِيَ [النحل 27] أي: عندكم ويدل على أنه لم يعبد شيئا من ذلك ولا أشرك قطّ بالله

طرفة عين، قول الله تعالى عنه إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ [الصافات 85] ثم قال: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [الشعراء 75، 76، 77] وقال تعالى جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات 84] أي: من الشرك وقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إبراهيم 35] . قال أبو محمد بن حزم: الصحيح من ذلك أنه- عليه الصلاة والسلام- إنما قال ذلك توبيخا لقومه كما قال ذلك لهم في الكبير من الأصنام ولا فرق أنّهم كانوا على دين الصابئين] [ (1) ] يعبدون الكواكب ويصورون الأوثان على صورها وأسمائها في هياكلهم ويعيّدون لها الأعياد ويذبحون لها الذبائح ويقربون لها القرابين، ويقولون: إنها تقبل وتدبر، وتضر وتنفع، ويقيمون لكل كوكب منها شريعة محدودة، فوبخهم الخليل- صلى الله عليه وسلم- علي ذلك، وسخر منهم وجعل يريهم تعظيم الشمس، لكبر جرمها كما قال تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين 34] فأراهم ضعف عقولهم في تعظيمهم لهذه الأجرام الجمادية، وبين لهم أنها مدبرة تنتقل في الأماكن، ومعاذ الله أن يكون الخليل أشرك قطّ أو شك أن الفلك بما فيه غير مخلوق، ويؤيد قولنا هذا أن الله تعالى لم يعاتبه على شيء ركونا ولا عنفه على ذلك، بل وافق مراد الله تعالى بما قال من ذلك وبما فعل، قاله الطوفي [ (2) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] لم يذكر بقية الفصول التي أشار إليها.

الباب الرابع في فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية

الباب الرابع في فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية [....] . الباب الخامس في عصمته صلى الله عليه وسلم من الشيطان أجمعت الأمّة على عصمته- عليه الصلاة والسلام- من الشيطان. روى البخاري عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ما منكم من أحد إلّا وكّل الله به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإيّاي ألا إن الله أعانني عليه فأسلم» . وفي رواية: «فلا يأمرني إلا بخير» [ (1) ] . وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: إن الشيطان عرض لي. زاد عبد الرزاق «في صورة هرّ فشدّ عليّ، يقطع الصلاة عليّ، فأمكنني الله منه فذعتّه ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية» . وفي رواية: «بسارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه فذكرت قول أخي سليمان: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فرده الله خاسئا» . وروى مسلم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أن عدوّ الله إبليس جاءني بشهاب من نار ليجعله في وجهي والنبي- صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، وذكر تعوّذه بالله منه ولعنه له ثم أردت أن آخذه» وذكر نحوه وقال: «لأصبح موثقا يتلاعب به ولدان أهل المدينة» انتهى. وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت حين لدّ من مرضه- صلّى الله عليه وسلم- وقيل له: خشينا أن يكون بك ذات الجنب فقال: إنّها من الشّيطان ولم يكن الله ليسلّطه عليّ.

_ [ (1) ] مسلم في صفات المنافقين (69/ 2814) وأحمد 1/ 385، أبو نعيم في الدلائل 1/ 58.

تنبيهات

تنبيهات الأوّل: لا يرد على عصمته قوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف 200] قال القاضي: قيل: إنها راجعة لقوله: خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف 199] أي: ما سهل من أخلاق الناس وأفعالهم، وما يسهل فيكم فلاطفه ولا تطلب الجهد، وما يشق عليهم حذرا من أن ينفروا عنك. وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي المعروف والجميل من الأفعال. وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ولا تجادل السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عنهم، فهذه الآية أجمع لمكارم الأخلاق، وقد سئل جبريل- عليه الصلاة والسلام- عنها فقال: «لا أدري حتى أسأل ربّي، ثم رجع فقال: يا محمد إن الله أمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ثم قال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ [الأعراف 200] أي: يحملك على خلاف ما أمرت به. وقيل: النزغ الفساد وقيل: أدنى الوسوسة، فأمره الله تعالى، متى تحرّك عليه غضب على عدوّه أو رامُ الشيطان من إغرائه به أن يستعيذ بالله منه، فيكفيه أمره ويكون سبب تمام [عصمته] ، إذ لم يسلّط عليه بأكثر من التعرّض له، ولم يجعل له قدرة عليه، فيرجع خائبا خاسرا زائدا في نكاله انتهى. الثاني: لا يرد أيضا على عصمته من قوله- عليه الصلاة والسلام- حين نام عن الصلاة في الوادي «إن هذا واد به شيطان» ، كما رواه مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم أن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدّئه كما يهدّأ الصبي حتى نام» . [وتسلط الشيطان في ذلك الوادي الذي عرّس به] إنما كان على بلال الموكل بصلاة الفجر فلا اعتراض من هذا الباب [لبيانه وارتفاع اشكاله] ولم يقدر عدو الله على أذاه- صلى الله عليه وسلّم- بسبب التسلط إلى غيره- صلى الله عليه وسلم- وقد كفاه الله تعالى أمره وعصمه. الثالث: في بيان غريب ما سبق. قوله: فأسلم. روي فأسلم- بفتح الميم- أي آمن. وروي: فأسلم [بضم الميم، أي فأسلم أنا منه] .

الباب السادس في حكم عقد قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من وقت نبوته كغيره من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -

الباب السادس في حكم عقد قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- من وقت نبوته كغيره من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- «مكث بمكة خمس عشرة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا، وثمان سنين يوحى إليه، وهذا على أنه عاش خمسا وستين سنة، والصحيح أنه عاش ثلاثا وستين سنة. وروى البيهقي عن عمرو بن شراحبيل أنه- عليه الصلاة والسلام- قال لخديجة: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء [وقد خشيت- والله- أن يكون هذا الأمر] » . تنبيهات الأول: قال القاضي: هذا ما وقع إجماع المسلمين عليه، ولا يصح بالبراهين الواضحة أن يكون في عقود الأنبياء سواه، ولا يعترض على هذا بقول إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة 260] وقول نبينا- صلى الله عليه وسلم- «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم» - صلّى الله عليه وسلم - ليس اعترافا منه بالشك لهما- صلى الله عليه وسلم- بل هو نفي له لأن يكون إبراهيم شكّ وإبعاد للخواطر الضعيفة أن تظنّ هذا بإبراهيم، أي: نحن موقنون بالبعث وإحياء الله الموتى، فلو شك إبراهيم لكنّا أولى بالشكّ منه. الثاني: فإن قلت فما معنى قوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ [يونس 94] الآية قال القاضي: واختلفوا في معنى الآية، فقيل: المراد قل: يا محمد للشاكّ. قالوا: وفي السورة نفسها ما دلّ على هذا التأويل، وهو قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ أي أهل مكة إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي [يونس 104] الآية. وقيل: الخطاب للعرب وغير ذلك، والمراد غير النبي- صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر 65] الخطاب له والمراد غيره. ومثله فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ [هود 109] أي: لا يشك في أن عبادتهم عند الله ضلال، ونظيره كثير قال بكر بن العلاء: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ [يونس 95] وهو- صلى الله عليه وسلم- كان المكذّب- بفتح الذال- فيما يدعو إليه، فكيف يكون هو المكذّب- بكسرها- أي: فكيف يكذب نفسه المذكور. وقيل: مثل هذه الآية قوله تعالى الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان 59] الخبير المسؤول، لا المستخبر السائل. الثالث: فإن قيل: فما معنى ما رواه مسلم عن الأغر المزني أنه- عليه الصلاة والسلام-

قال: «إنّه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرّة» . وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: فأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرّة. قال القاضي: فاحذر أن يكون هذا الغين وسوسة أو ريبا وقع في قلبه- صلى الله عليه وسلم- أي: لنزاهته عن قبول الوسوسة: لأن قابلها وهي العلقة السوداء التي هي حظ الشيطان من ابن آدم استخرجها جبريل من قلبه حين شق صدره الشريف، بل المراد أصل الغين ما يتغشى القلب ويغطّيه، قاله أبو عبيد. وقال غيره: الغين شيء يغشّي القلب ولا يغطيه كلّ التّغطية. «كالشفاف» و «الغيم» الرقيق الذي لا يمنع ضوء الشمس، فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهوها عن مداومة الذّكر، ومشاهدة الحق بما كان- صلى الله عليه وسلم- دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة، ومعاناة الأهل، ومقاومة الوليّ والعدو، ومصلحة النفس وكلفة من أعباء- أي: ثقل- أداء الرسالة وحمل الأمانة، وهو في كل هذا في طاعة ربه وعبادة خالقه، ولكن لمّا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- عند الله أرفع الخلق مكانة وأعلاهم درجة وأتمّهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه، وخلوّ همته وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع لديه رأى- صلى الله عليه وسلّم- حال فترته عنها، وشغله بسواها غضّا من علي حاله، وخفضا من رفيع مقامه، فاستغفر من ذلك. واحذر أن تفهم من الحديث أنه يغان على قلبه- صلى الله عليه وسلّم- مائة مرّة، وإنما هو عدد للاستغفار، وقد يكون الغين هنا هو السكينة التي تتغشاه لقوله تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التوبة 40] ويكون استغفاره صلى الله عليه وسلّم عندها، إظهارا للعبودية والاستغفار وقال ابن عطاء: استغفاره وفعله هذا تعريف للأمّة بحملهم على الاستغفار. ويحتمل أن هذه الإغانة حالة خشية وإعظام تغشى قلبه فيطمئن لها، فيستغفر حينئذ شكراً لله تعالى وملازمة لعبوديته كما قال- صلى الله عليه وسلم-[في ملازمة العبادة] «أفلا أكون عبدا شكورا » .

الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم في أقواله البلاغية

الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم في أقواله البلاغية [قال القاضي عياض] أما أقواله صلى الله عليه وسلّم فقامت الدلائل الواضحة بصحّة المعجزة على صدقه، وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به، لا قصدا وعمدا، ولا سهوا وغلطا. أما تعمّد الخلف في ذلك فمنتف، بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله فيما قال اتفاقا، وبإطباق أهل الملّة إجماعا. وأما وقوعه على جهة الغلط في ذلك فبهذه السبيل عند الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني ومن قال بقوله، ومن جهة الإجماع فقط، وورود الشّرع بانتفاء ذلك، وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم لا من مقتضى المعجزة نفسها عند القاضي أبي بكر الباقلّاني ومن وافقه لاختلاف بينهم في مقتضى دليل المعجزة لا نطوّل بذكره، فنخرج عن غرض الكتاب، فلنعتمد على ما وقع عليه إجماع المسلمين- إنه لا يجوز عليه خلف في القول في إبلاغ الشريعة، والإعلام بما أخبر به عن ربّه، وما أوحاه إليه من وحيه، لا على وجه العمد، ولا على غير عمد، ولا في حالي الرّضا والسخط، والصحة والمرض. وفي حديث عبد الله بن عمرو: قلت يا رسول الله: أكتب كلّ ما أسمع منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم، فإنّي لا أقول في ذلك كله إلا حقّا. إذا قامت المعجزة على صدقه، وأنه لا يقول إلا حقّا، ولا يبلّغ عن الله إلّا صدقا، وأنّ المعجزة قائمة مقام قول الله له: صدقت فيما تذكره عني، وهو يقول: أني رسول الله إليكم لأبلّغكم ما أرسلت به إليكم، وأبيّن لكم ما نزّل عليكم، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم 3، 4] . وقَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء 170] . وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر 7] ، فلا يصحّ أن يوجد منه في هذا الباب خبر بخلاف مخبره على أيّ وجه كان. ولو جوّزنا عليه الغلط والسّهو لما تميّز لنا من غيره، ولاختلط الحقّ بالباطل، فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص، فتنزيه النبي عن ذلك كله واجب برهانا وإجماعا كما قاله أبو إسحاق.

الباب الثامن في عصمته صلى الله عليه وسلم في جوارحه

الباب الثامن في عصمته صلى الله عليه وسلم في جوارحه قال القاضي عياض: وأما ما يتعلق بالجوارح من الأعمال، ولا يخرج من جملتها القول باللسان فيما عدا الخبر الذي وقع فيه الكلام والاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد، وما قدمناه من معارفه المختصة به- فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات. ومستند الجمهور في ذلك الإجماع الذي ذكرناه. وهو مذهب القاضي أبي بكر، ومنعها غيره بدليل العقل مع الإجماع، وهو قول الكافّة. واختاره الأستاذ أبو إسحاق. وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من كتمان الرّسالة والتقصير في التبليغ، لأنّ كلّ ذلك تقتضي العصمة منه المعجزة، مع الإجماع على ذلك من الكافة. [والجمهور قائلون بأنهم معصومون من ذلك من قبل الله، معتصمون باختيارهم وكسبهم، إلا حسينا النجار، فإنه قال: لا قدرة لهم على المعاصي أصلا. وأمّا الصغائر فجوّزها جماعة من السلف وغيرهم على الأنبياء، وهو مذهب أبي جعفر الطبري وغيره من الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين. وذهبت طائفة أخرى إلى الوقف، وقالوا: العقل لا يحيل وقوعها منهم، ولم يأت في الشّرع قاطع بأحد الوجهين. وذهبت طائفة أخرى من المحقّقين والمتكلّمين إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر، قالوا: لاختلاف الناس في الصغائر وتعيينها من الكبائر وإشكال ذلك، وقول ابن عباس وغيره: أن كل ما عصي الله به فهو كبيرة، وإنه إنما سمّي منها الصغير بالإضافة إلى ما هو أكبر منه، ومخالفة الباري في أيّ أمر كان يجب كونه كبيرة. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: لا يمكن أن يقال: إن في معاصي الله صغيرة إلا على معنى أنها تغتفر باجتناب الكبائر، ولا يكون لها حكم مع ذلك، بخلاف الكبائر إذا لم يتب منها فلا يحبطها شيء. والمشيئة في العفو عنها إلى الله تعالى، وهو قول القاضي أبي بكر وجماعة أئمة الأشعرية وكثير من أئمة الفقهاء. قال القاضي رحمه الله وقال بعض أئمتنا: ولا يجب على القولين أن يختلف أنهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها، إذ يلحقها ذلك بالكبائر، ولا في صغيرة أدّت إلى إزالة الحشمة، وأسقطت المروءة، وأوجبت الإزراء والخساسة، فهذا أيضا ممّا يعصم عنه الأنبياء

إجماعا، لأن مثل هذا يحطّ منصبه المتّسم به، ويزري بصاحبه، وينفّر القلوب عنه، والأنبياء منزّهون عن ذلك. بل يلحق بهذا ما كان من قبل المباح، فأدّى إلى مثله، لخروجه بما أدى إليه عن اسم المباح إلى الحظر. وقد ذهب بعضهم إلى عصمتهم من مواقعة المكروه قصدا. وقد استدلّ بعض الأئمّة على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم، واتّباع آثارهم وسيرهم مطلقا. وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشّافعيّ وأبي حنيفة من غير التزام قرينة، بل مطلقا عند بعضهم، وإن اختلفوا في حكم ذلك. وحكى ابن خويز منداد وأبو الفرج، عن مالك، التزام ذلك وجوبا، وهو قول الأبهري وابن القصار وأكثر أصحابنا. وقول أكثر أهل العراق وابن سريج، والإصطخريّ، وابن خيران من الشافعية. وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب. وذهبت طائفة إلى الإباحة. وقيّد بعضهم الأتّباع فيما كان من الأمور الدينية وعلم به مقصد القربة. ومن قال بالإباحة في أفعاله لم يقيّد. قال: فلو جوّزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم في أفعالهم، إذ ليس كلّ فعل من أفعاله يتميّز مقصده من القربة أو الإباحة، أو الحظر، أو المعصية. ولا يصحّ أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعلّه معصية، لا سيّما على من يرى من الأصوليين تقديم الفعل على القول إذا تعارضا.

جماع أبواب الكلام على السهو والنسيان هل يصدر منه أم لا

جماع أبواب الكلام على السهو والنسيان هل يصدر منه أم لا قال القاضي عياض: حدثنا حاتم بن محمد، حدثنا أبو عبد الله بن الفخّار، حدثنا أبو عيسى، حدثنا عبيد الله، حدثنا يحيى، عن مالك، عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم صلاة العصر، فسلّم في ركعتين، فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلّ ذلك لم يكن. وفي الرواية الأخرى: ما قصرت وما نسيت ... الحديث بقصته، فأخبره بنفي الحالتين، وأنها لم تكن، وقد كان أحد ذلك كما قال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله ... قال القاضي: فاعلم- وفّقنا الله وإياك- أنّ للعلماء في ذلك أجوبة، بعضها بصدد الإنصاف، ومنها ما هو بنيّة التعسّف والاعتساف، وها أنا أقول: أمّا على القول بتجويز الوهم والغلط فيما ليس طريقه من القول البلاغ وهو الذي زيّفناه من القولين- فلا اعتراض بهذا الحديث وشبهه. وأمّا على مذهب من يمنع السّهو والنسيان في أفعاله جملة، ويرى أنه في مثل هذا عامد لصورة النسيان ليسنّ، فهو صادق في خبره، لأنه لم ينس ولا قصرت، ولكنه على هذا القول تعمّد هذا الفعل في هذه الصورة لمن اعتراه مثله، وهو قول مرغوب عنه ونذكره في موضعه. وأما على إحالة السّهو عليه في الأقوال وتجويز السّهو عليه فيما ليس طريقه القول- كما سنذكره- ففيه أجوبة، منها: أن النبي- صلى الله عليه وسلم أخبر عن اعتقاده وضميره، أمّا إنكار القصر فحقّ وصدق باطنا وظاهرا. وأمّا النّسيان فأخبر- صلّى الله عليه وسلم- عن اعتقاده، وأنه لم ينس في ظنّه، فكأنه قصد الخبر بهذا عن ظنّه وإن لم ينطق به، وهذا صدق أيضا. ووجه ثان: أنّ قوله: ولم أنس- راجع إلى السلام، أي إني سلمت قصدا، وسهوت عن العدد، أي لم أنسه في نفس السلام، وهذا محتمل، وفيه بعد. ووجه ثالث- وهو أبعدهما- ما ذهب إليه بعضهم، وإن احتمله اللفظ من قوله: كلّ ذلك لم يكن: أي لم يجتمع القصر والنسيان، بل كان أحدهما. ومفهوم اللفظ خلافه مع الرواية الأخرى الصحيحة، وهو قوله: ما قصرت الصلاة وما نسيت.

هذا ما رأيت فيه لأئمتنا، وكلّ من هذه الوجوه محتمل للّفظ على بعد بعضها وتعسّف الآخر منها. قال القاضي أبو الفضل رحمه الله: والذي أقول- ويظهر لي أنه أقرب من هذه الوجوه كلّها- أن قوله- صلى الله عليه وسلم: لم أنس إنكار للّفظ الذي نفاه عن نفسه، وأنكره على غيره بقوله: بئس ما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كذا وكذا، ولكنه نسّي. وبقوله في بعض روايات الحديث الآخر: لست أنسى، ولكن أنسّى. فلما قال له السائل: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ أنكر قصرها كما كان، ونسيانه هو من قبل نفسه، وإنه إن كان جرى شيء من ذلك فقد نسّي حتى سأل غيره، فتحقّق أنه نسّي، وأجري عليه ذلك ليسنّ، فقوله على هذا: لم أنس ولم تقصر، وكلّ ذلك لم يكن- صدق وحقّ، لم تقصر، ولم ينس حقيقة، ولكنه نسّي. ووجه آخر استثرته من كلام بعض المشايخ، وذلك أنه قال: أن النبي- صلى الله عليه وسلم كان يسهو ولا ينسى، ولذلك نفى عن نفسه النّسيان، قال: لأنّ النّسيان غفلة وآفة، والسّهو إنما هو شغل بال، قال: فكأن النبي- صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته ولا يغفل عنها، وكان يشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة، شغلا بها لا غفلة عنها. فهذا إن تحقّق على هذا المعنى لم يكن في قوله: ما قصرت ولا نسيت خلف في قول. وعندي أنّ قوله: ما قصرت الصلاة وما نسيت بمعنى التّرك الذي هو أحد وجهي النسيان، أراد- والله أعلم- أني لم أسلّم من ركعتين تاركا لإكمال الصلاة، ولكني نسيت، ولم يكن من تلقاء نفسي. والدليل على ذلك قوله في الحديث الصحيح: إنّي لأنسى أو أنسّى لأسنّ. قال القاضي: وهذه الأحاديث مبنيّة على السّهو في الفعل الذي قرّرناه، وحكمة الله فيه ليستنّ به، إذ البلاغ بالفعل أجلى منه بالقول، وأرفع للاحتمال، وشرطه ألّا يقرّ على السّهو، بل يشعر به ليرتفع الالتباس، وتظهر فائدة الحكمة فيه كما قدمناه، فإن النسيان والسهو في الفعل في حقه- صلى الله عليه وسلم- غير مضادّ للمعجزة، ولا قادح في التصديق، وقد قال- صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكّروني» . وقال صلى الله عليه وسلّم: «رحم الله فلانا، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطهن» - ويروي: أنسيتهنّ. وقال- صلى الله عليه وسلم: «إني لأنسى، أو أنسّى، لأسنّ» .

قيل: هذا اللفظ شكّ من الراوي. وقد روى: «إني لا أنسى، ولكن أنسّى لأسنّ» . وذهب ابن نافع، وعيسى بن دينار أنه ليس بشكّ، فإنّ معناه التقسيم، أي أنسى أنا، أو ينسيني الله. قال القاضي أبو الوليد الباجي: يحتمل ما قالاه أن يريد: أني أنسى في اليقظة، وأنسّى في النوم، أو أنسى على سبيل عادة البشر من الذّهول عن الشيء والسّهو، وأنسّى مع إقبالي عليه وتفرّغي له، فأضاف أحد النّسيانين إلى نفسه، إذ كان له بعض السبب فيه، ونفى الآخر عن نفسه، إذ هو فيه كالمضطرّ. وذهبت طائفة من أصحاب المعاني والكلام على الحديث إلى أن النبي- صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة ولا ينسى، لأنّ النسيان ذهول وغفلة وآفة، قال: والنبي- صلى الله عليه وسلم منزّه عنها، والسّهو شغل، فكأن النبي- صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته، ويشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة، شغلا بها لا غفلة عنها. واحتجّ بقوله في الرواية الأخرى: إني لا أنسى. وذهبت طائفة إلى منع هذا كلّه عنه، وقالوا: إنّ سهوه عليه السلام كان عمدا وقصدا ليسنّ. وهذا قول مرغوب عنه، متناقض المقاصد، لا يحلى منه بطائل، لأنه كيف يكون متعمّدا ساهيا في حال. ولا حجّة لهم في قولهم: إنه أمر بتعمّد صورة النسيان ليسنّ، لقوله: إني لأنسى أو أنسّى. وقد أثبت أحد الوصفين، ونفى مناقضة التعمّد والقصد، وقال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، [فإذا نسيت فذكروني] . وقد مال إلى هذا عظيم من المحقّقين من أئمتنا، وهو أبو المظفّر الإسفرايني، ولم يرتضه غيره منهم، ولا أرتضيه، ولا حجّة لهاتين الطائفتين في قوله: إني لا أنسى، ولكن أنسّى، إذ ليس فيه نفي حكم النسيان بالجملة، وإنما فيه نفي لفظه وكراهة لقبه، كقوله: بئس ما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كذا، ولكنه نسّي، أو نفي الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الصلاة عن قلبه، ولكن شغل بها عنها، ونسي بعضها ببعضها، كما ترك الصلاة يوم الخندق حتى خرج وقتها، وشغل بالتحرّز من العدوّ عنها، فشغل بطاعة عن طاعة. وقيل: إنّ الذي ترك يوم الخندق أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وبه احتج من ذهب إلى جواز تأخير الصلاة في الخوف، إذا لم يتمكّن من أدائها إلى وقت الأمن، وهو مذهب الشاميّين.

والصحيح أنّ حكم صلاة الخوف كان بعد هذا، فهو ناسخ له. فإن قلت: فما تقول في نومه- صلى الله عليه وسلم عن الصلاة يوم الوادي، قال: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي. فاعلم أنّ للعلماء في ذلك أجوبة، منها: أنّ المراد بأنّ هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غالب الأوقات، وقد يندر منه غير ذلك، كما يندر من نومه خلاف عادته. ويصحّح هذا التأويل قوله- صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: إنّ الله قبض أرواحنا. وقول بلال فيه: ما ألقيت عليّ نومة مثلها قطّ، ولكن مثل هذا إنما يكون منه لأمر يريده الله من إثبات حكم، وتأسيس سنّة، وإظهار شرع، كما قال في الحديث الآخر: لو شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم. الثاني- أنّ قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه، لما روي أنه كان محروسا، وأنه كان ينام حتى ينفخ، وحتى يسمع غطيطه، ثم يصلي ولا يتوضّأ. وحديث ابن عباس المذكور فيه وضوؤه عند قيامه من النّوم، فيه نومه مع أهله، فلا يمكن الاحتجاج به على وضوئه بمجرّد النّوم، إذ لعلّ ذلك لملامسته الأهل أو لحدث آخر، فكيف وفي آخر الحديث نفسه: ثم نام حتى سمعت غطيطه، ثم أقيمت الصلاة فصلّى ولم يتوضّأ. وقيل: لا ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه في النّوم، وليس في قصة الوادي إلّا نوم عينيه عن رؤية الشمس. وليس هذا من فعل القلب، وقد قال- صلى الله عليه وسلم: إنّ الله قبض أرواحنا ولو شاء لردّها إلينا في حين غير هذا ...

الباب الأول في الرد على من أجاز على الأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - الصغائر

الباب الأول في الرد على من أجاز على الأنبياء- صلى الله عليهم وسلّم- الصغائر قال القاضي: [اعلم أنّ المجوّزين للصغائر على الأنبياء من الفقهاء والمحدثين ومن شايعهم على ذلك من المتكلّمين احتجّوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن والحديث إن التزموا ظواهرها أفضت بهم إلى تجويز الكبائر وخرق الإجماع، وهو ما لا يقول به مسلم، فكيف وكلّ ما احتجّوا به مما اختلف المفسّرون في معناه، وتقابلت الاحتمالات في مقتضاه، وجاءت أقاويل فيها للسيف بخلاف ما التزموه من ذلك، فإذا لم يكن مذهبهم إجماعا، وكان الخلاف فيما احتجّوا به قديما، وقامت الدلالة على خطأ قولهم، وصحة غيره، وجب تركه، والمصير إلى ما صحّ. فمن ذلك قوله تعالى لنبيّنا محمد- صلى الله عليه وسلّم: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 2] . وقوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [محمد 19] . وقوله: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح 2] . وقوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة 43] . وقوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [الأنفال 68] . وقوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ... [عبس 1] . وما قصّ من قصص غيره من الأنبياء، كقوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه 121] . وقوله: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف 190] . وقوله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف 23] . وقوله- عن يونس: سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء 87] . وما ذكر من قصته وقصة داود، وقوله: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ. فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص 24، 25] . وقوله: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها [يوسف: 24] وما قصّ من قصّته مع إخوته.

وقوله- عن موسى: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ: هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [القصص 15] . وقول النبي- صلى الله عليه وسلم في دعائه: اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. ونحوه من أدعيته صلى الله عليه وسلّم. وذكر الأنبياء في الموقف ذنوبهم في حديث الشفاعة. وقوله: إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله. وفي حديث أبي هريرة: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» . وقوله تعالى- عن نوح: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ [هود 47] . وقد كان قال الله له: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [هود 37] . وقال- عن إبراهيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء 82] . وقوله- عن موسى: تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف 143] . وقوله: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ [ص 34] ... إلى ما أشبه هذه الظواهر. قال القاضي رحمه الله: فأمّا احتجاجهم بقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 2] : فهذا قد اختلف فيه المفسّرون، فقيل: المراد ما كان قبل النبوة وبعدها. وقيل: المراد ما وقع لك من ذنب وما لم يقع- أعلمه أنه مغفور له. وقيل: المتقدم ما كان قبل النبوّة، والمتأخّر عصمتك بعدها، حكاه أحمد بن نصر. وقيل: المراد بذلك أمته. وقيل: المراد ما كان عن سهو وغفلة، وتأويل، حكاه الطبري، واختاره القشيري. وقيل: ما تقدّم لأبيك آدم، وما تأخّر من ذنوب أمّتك، حكاه السمرقندي والسّلميّ عن ابن عطاء. وبمثله والذي قبله يتأوّل قوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [محمد 19] ، قال مكّي: مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلّم هاهنا هي مخاطبة لأمته. وقيل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أمر أن يقول: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف 9]- سرّ بذلك الكفّار، فأنزل الله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ... [الفتح: 2] الآية، وبمآل المؤمنين في الآية الأخرى بعدها، قاله ابن عباس، فمقصد الآية: أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب إن لو كان. قال بعضهم: المغفرة هاهنا تبرئة من العيوب.

وأما قوله: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح 2، 3] ، فقيل: ما سلف من ذنبك قبل النبوة، وهو قول ابن زيد، والحسن، ومعنى قول قتادة. وقيل: معناه أنه حفظ قبل نبوّته منها، وعصم، ولولا ذلك لأثقلت ظهره، حكى معناه السمرقندي. وقيل: المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى بلّغها، حكاه الماوردي، والسّلميّ. وقيل: حططنا عنك ثقل أيّام الجاهلية، حكاه مكيّ. وقيل: ثقل شغل سرّك وحيرتك وطلب شريعتك حتى شرعنا ذلك لك، حكى معناه القشيري. وقيل المعنى: خفّفنا عليك ما حمّلت بحفظنا لما استحفظت، وحفظ عليك. ومعنى أنقض ظهرك، أي كاد ينقضه، فيكون المعنى على من جعل ذلك لما قبل النبوة- اهتمام النبي- صلى الله عليه وسلم بأمور فعلها قبل نبوّته، وحرّمت عليه بعد النبوّة، فعدّها أوزارا، وثقلت عليه، وأشفق منها. أو يكون الوضع عصمة الله له وكفايته من ذنوب لو كانت لأنقضت ظهره. أو يكون من ثقل الرسالة، أو ما ثقل عليه وشغل قلبه من أمور الجاهلية، وإعلام الله تعالى له بحفظ ما استحفظه من وحيه. وأمّا قوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة 43]- فأمر لم يتقدّم للنبي صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نهي فيعدّ معصية، ولا عدّه الله تعالى عليه معصية، بل لم يعدّه أهل العلم معاتبة. وغلّطوا من ذهب إلى ذلك، قال نفطويه وقد حاشاه الله تعالى من ذلك، بل كان مخيّرا في أمرين، قالوا: وقد كان له أن يفعل ما شاء فيما لم ينزّل عليه فيه وحي، فكيف وقد قال الله تعالى: فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور 62] . فلمّا أذن لهم أعلمه الله بما لم يطّلع عليه من سرّهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا وأنه لا حرج عليه فيما فعل، وليس «عفا» هنا بمعنى غفر، بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق. ولم تجب عليهم قطّ، أي لم يلزمكم ذلك. ونحوه للقشيريّ، قال: وإنما يقول العفو: لا يكون إلا عن ذنب- من لم يعرف كلام العرب، قال: ومعنى عفا الله عنك- أي لم يلزمك ذنبا. قال الداودي: روي أنها تكرمة. وقال مكي: هو استفتاح كلام، مثل أصلحك الله وأعزّك.

وحكى السمرقندي أنّ معناه عافاك الله. وأما قوله في أسارى بدر: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [الأنفال 67، 68] فليس فيه إلزام ذنب للنبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه بيان ما خص به وفضّل من بين سائر الأنبياء، فكأنه قال: ما كان هذا لنبيّ غيرك، كما قال صلى الله عليه وسلم: أحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لنبيّ قبلي. فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال 67] . قيل: المعنيّ بالخطاب لمن أراد ذلك منهم، وتجرّد غرضه لعرض الدنيا وحده، والاستكثار منها، وليس المراد بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علية أصحابه، بل قد روي عن الضحّاك أنها نزلت حين انهزم المشركون يوم بدر، واشتغل الناس بالسّلب وجمع الغنائم عن القتال، حتى خشي عمر أن يعطف عليهم العدوّ. ثم قال تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [الأنفال 68] ، فاختلف المفسّرون في معنى الآية، فقيل: معناها لولا أنه سبق مني أن لا أعذّب أحدا إلا بعد النّهي لعذّبتكم. فهذا ينفي أن يكون أمر الأسرى معصية. وقيل: المعنى لولا إيمانكم بالقرآن، وهو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصّفح- لعوقبتم على الغنائم. ويزاد هذا القول تفسيرا وبيانا بأن يقال: لولا ما كنتم مؤمنين بالقرآن، وكنتم ممّن أحلّت لهم الغنائم لعوقبتم، كما عوقب من تعدّى. وقيل: لولا أنه سبق في اللّوح المحفوظ أنّها حلال لكم لعوقبتم. فهذا كلّه ينفي الذّنب والمعصية، لأنّ من فعل ما أحلّ له لم يعص، قال الله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [الأنفال 69] . وقيل: بل كان صلى الله عليه وسلم قد خيّر في ذلك، وقد روي عن علي رضي الله عنه، قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقال: خيّر أصحابك في الأسارى، إن شاءوا القتل، وإن شاءوا الفداء، على أن يقتل منهم في العام المقبل مثلهم. فقالوا: الفداء ويقتل منّا. وهذا دليل على صحة ما قلناه، وأنهم لم يفعلوا إلّا ما أذن لهم فيه، لكن بعضهم مال

إلى أضعف الوجهين مما كان الأصلح غيره من الإثخان والقتل، فعوتبوا على ذلك، وبيّن لهم ضعف اختيارهم وتصويب اختيار غيرهم، وكلّهم غير عصاة ولا مذنبين، وإلى نحو هذا أشار الطبريّ. وقوله- صلى الله عليه وسلم في هذه القضيّة: لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر- إشارة إلى هذا من تصويب رأيه ورأي من أخذ بمأخذه، في إعزاز الدّين، وإظهار كلمته، وإبادة عدوّه، وأنّ هذه القضيّة لو استوجبت عذابا نجا منه عمر ومثله: وعيّن عمر لأنه أول من أشار بقتلهم، ولكنّ الله لم يقدّر عليهم في ذلك عذابا لحلّه لهم فيما سبق. وقال الداوديّ: والخبر بهذا لا يثبت، ولو ثبت لما جاز أن يظنّ أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بما لا نصّ فيه ولا دليل من نصّ، ولا جعل الأمر فيه إليه، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك. وقال القاضي بكر بن العلاء: أخبر الله تعالى نبيه في هذه الآية أنّ تأويله وافق ما كتبه له من إحلال الغنائم والفداء، وقد كانوا قبل هذا فأدوا في سرية عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرميّ بالحكم بن كيسان وصاحبه، فما عتب الله ذلك عليهم، وذلك قبل بدر بأزيد من عام. فهذا كلّه يدل على أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الأسرى كان على تأويل وبصيرة، وعلى ما تقدّم قبل مثله، فلم ينكره الله تعالى عليهم، لكن الله تعالى أراد- لعظم أمر بدر وكثرة أسراها، والله أعلم- إظهار نعمته، وتأكيد منّته بتعريفهم ما كتبه في اللّوح المحفوظ من حلّ ذلك لهم، لا على وجه عتاب وإنكار وتذبيب. هذا معنى كلامه. وأما قوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ... [عبس 1] . فليس فيه إثبات ذنب له صلى الله عليه وسلم، بل إعلام الله أنّ ذلك المتصدّى له ممّن لا يتزكّى، وأنّ الصّواب والأولى- لو كشف لك حال الرّجلين- الإقبال على الأعمى. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل، وتصدّيه لذاك الكافر، كان طاعة لله وتبليغا عنه، واستئلافا له، كما شرعه الله له، لا معصية، ولا مخالفة له. وما قصّه الله عليه من ذلك إعلام بحال الرّجلين وتوهين أمر الكافر عنده، والإشارة إلى الإعراض عنه، بقوله: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى [عبس: 7] . وقيل: أراد ب «عبس» ، و «تولّى» - الكافر الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله أبو تمام. وأمّا قصة آدم عليه السلام، وقوله تعالى: فَأَكَلا مِنْها- بعد قوله: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة 35] . وقوله أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ

[الأعراف 22] ، وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه 121] ، أي جهل. وقيل: أخطأ، فإن الله تعالى قد أخبر بعذره بقوله: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه 115] ، قال ابن زيد: نسي عداوة إبليس له، وما عهد الله إليه من ذلك بقوله: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ... [طه 117] الآية. وقيل: نسي ذلك بما أظهر لهما. وقال ابن عباس: إنما سمّي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي. وقيل: لم يقصد المخالفة استحلالا لها، ولكنهما اغترّا بحلف إبليس لهما: إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف 21] ، وتوهّما أن أحداً لا يحلف بالله حانثا. وقد روي عذر آدم بمثل هذا في بعض الآثار. وقال ابن جبير: حلف بالله لهما حتى غرّهما، والمؤمن يخدع. وقد قيل: نسي، ولم ينو المخالفة، فلذلك قال: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً، أي قصدا للمخالفة. وأكثر المفسرين على أنّ العزم هنا الجزم والصّبر. وقيل: كان عند أكله سكرانا، وهذا فيه ضعف، لأن الله تعالى وصف خمر الجنّة أنها لا تسكر، فإذا كان ناسيا لم تكن معصية، وكذلك إن كان ملبّسا عليه غالطا، إذ الاتفاق على خروج الناسي والسّاهي عن حكم التكليف. وقال الشيخ أبو بكر بن فورك وغيره: إنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوّة، ودليل ذلك قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى، فذكر أَنَّ الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان. وقيل: بل أكلها متأوّلا، وهو لا يعلم أنّها الشجرة التي نهى عنها، لأنّه تأوّل نهى الله عن شجرة مخصوصة لا على الجنس، ولهذا قيل: إنما كانت التوبة من ترك التحفّظ، لا من المخالفة. وقيل: تأوّل إن الله لم ينهه عنها نهي تحريم. فإن قيل: فعلى كل حال فقد قال الله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ، وقال: فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى. وقوله في حديث الشفاعة: ويذكر ذنبه، وقال: إني نهيت عن أكل الشجرة فعصيت، فسيأتي الجواب عنه وعن أشباهه مجملا آخر الفصل إن شاء الله.

وأمّا قصّة يونس فقد مضى الكلام على بعضها آنفا، وليس في قصة يونس نصّ على ذنب، وإنما فيها: أبق وذهب مغاضبا وقد تكلمنا عليه. وقيل: إنما نقم الله عليه خروجه عن قومه فارّا من نزول العذاب. وقيل: بل لمّا وعدهم العذاب ثم عفا الله عنهم قال: والله لا ألقاهم بوجه كذّاب أبدا. وقيل: بل كانوا يقتلون من كذب فخاف ذلك ... وقيل: ضعف عن حمل أعباء الرسالة. وقد يقدم الكلام أنه لم يكذبهم. وهذا كلّه ليس فيه نصّ على معصية إلّا على قول مرغوب عنه. وقوله: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [الصافات/ 14]- قال المفسرون تباعد. وأما قوله: إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء 87] ، فالظّلم وضع الشيء في غير موضعه، فهذا اعتراف منه عند بعضهم بذنبه، فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربّه، أو لضعفه عمّا حمّله، أو لدعائه بالعذاب على قومه. وقد دعا نوح بهلاك قومه فلم يؤاخذ. وقال الواسطي في معناه: نزّه ربّه عن الظّلم، وأضاف الظّلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا. ومثل هذا قول آدم وحوّاء: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف 23] ، إذ كانا السبب في وضعهما غير الموضع الذي أنزلا فيه، وإخراجهما من الجنّة، وإنزالهما إلى الأرض. وأما قصة داود عليه السلام فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطّره فيه الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدّلوا وغيّروا، ونقله بعض المفسرين. ولم ينصّ الله على شيءٍ من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح. والذي نصّ الله عليه قوله: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ. فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص 24، 25] . وقوله فيه: أَوَّابٌ. فمعنى فتنّاه: اختبرناه. وأوّاب: قال قتادة: مطيع. وهذا التفسير أولى. وقال ابن عباس، وابن مسعود: ما زاد داود على أن قال للرجال: انزل لي عن امرأتك وأكفلنيها، فعاتبه الله على ذلك، ونبّهه عليه، وأنكر عليه شغله بالدنيا، وهذا الذي ينبغي أن يعوّل عليه من أمره. وقيل: خطبها على خطبته. وقيل: بل أحبّ بقلبه أن يستشهد.

وحكى السمرقندي أنّ ذنبه الذي استغفر منه قوله لأحد الخصمين: لَقَدْ ظَلَمَكَ، فظلّمه بقول خصمه. وقيل: بل لما خشي على نفسه، وظنّ من الفتنة بما بسط له من الملك والدّنيا. وإلى نفي ما أضيف في الأخبار إلى داود من ذلك- ذهب أحمد بن نصر، وأبو تمام، وغيرهما من المحققين. وقال الدّاوديّ: ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت، ولا يظنّ بنبيّ محبّة قتل مسلم. وقيل: إنّ الخصمين اللذين اختصما إليه رجلان في نعاج غنم، على ظاهر الآية. وأما قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف فيها تعقّب، وأمّا إخوته فلم تثبت نبوّتهم فيلزم الكلام على أفعالهم. وذكر الأسباط وعدّهم في القرآن عند ذكر الأنبياء ليس صريحا في كونهم من أهل الأنبياء. قال المفسرون: يريد من نبّئ من أبناء الأسباط. وقد قيل: إنهم كانوا حين فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار الأسنان، ولهذا لم يميّزوا يوسف حين اجتمعوا به، ولهذا قالوا: أرسله معنا غدا نرتع ونلعب، وإن ثبتت لهم نبوّة فبعد هذا، والله أعلم. وأما قول الله تعالى فيه: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [يوسف 24] فعلى طريق كثير من الفقهاء والمحدّثين أنّ همّ النّفس لا يؤاخذ به، وليس سيئة، لقوله- صلى الله عليه وسلم- عن ربّه: «إذا همّ عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة» ، فلا معصية في همّه إذا. وأما على مذهب المحقّقين من الفقهاء والمتكلّمين فإنّ الهمّ إذا وطّنت عليه النفس سيئة. وأما ما لم توطّن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه. وهذا هو الحقّ، فيكون- إن شاء الله- همّ يوسف من هذا، ويكون قوله: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف 53] . أي ما أبرّئها من هذا الهمّ، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكّي قبل وبرّئ، فكيف وقد حكى أبو حاتم عن أبي عبيدة- أنّ يوسف لم يهمّ، وأن الكلام فيه تقديم وتأخير، أي: ولقد همّت به، ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها، وقد قال الله تعالى- عن المرأة وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يوسف 32] . وقال تعالى: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ [يوسف 24] . وقال تعالى: وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ [يوسف 23] الآية.

قيل في «ربي» : الله تعالى. وقيل: الملك. وقيل: همّ بها، أي بزجرها ووعظها. وقيل: همّ بها، أي غمّها امتناعه عنها. وقيل: همّ بها: نظر إليها. وقيل: همّ بضربها ودفعها. وقيل: هذا كلّه كان قبل نبوّته. وقد ذكر بعضهم: ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة حتى نبّأه الله، فألقى عليه هيبة النبوّة، فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه. وأمّا خبر موسى صلى الله عليه وسلم مع قتيله الذي وكزه فقد نصّ الله تعالى أنه من عدوّه، قال: كان من القبط الذين على دين فرعون. ودليل السورة في هذا كلّه أنّه قبل نبوّة موسى. وقال قتادة: وكزه بالعصا، ولم يتعمّد قتله، فعلى هذا لا معصية في ذلك. وقوله: هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [القصص 15] . وقوله: ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص 16]- قال ابن جريج: قال ذلك من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر. وقال النقّاش: لم يقتله عن عمد مريدا للقتل، وإنما وكزه وكزة يريد بها رفع ظلمه، قال: وقد قيل: إن هذا كان قبل النبوة، وهو مقتضى التّلاوة. وقوله تعالى- في قصّته: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه 40] ، أي ابتليناك ابتلاء بعد ابتلاء. قيل في هذه القصة وما جرى له مع فرعون. وقيل: إلقاؤه في التابوت واليمّ، وغير ذلك. وقل: معناه أخلصناك إخلاصا، قاله ابن جبير ومجاهد، من قولهم: فتنت الفضّة في النار إذا خلّصتها. وأصل الفتنة معنى الاختبار، وإظهار ما بطن، إلا أنه استعمل في عرف الشرع في اختبار أدّى إلى ما يكره. وكذلك ما روي في الخبر الصحيح، من أن ملك الموت جاءه فلطم عينه ففقأها ... الحديث ... ليس فيه ما يحكم به على موسى بالتعدّي وفعل ما لا يجب له، إذ هو ظاهر الأمر، بيّن

الوجه، جائز الفعل، لأنّ موسى دافع عن نفسه من أتاه لإتلافها، وقد تصوّر له في صورة آدميّ، ولا يمكن أنه علم حينئذ أنه ملك الموت، فدافعه عن نفسه مدافعة أدّت إلى ذهاب عين تلك الصورة التي تصوّر له فيها الملك امتحانا من الله له، فلما جاءه بعد، وأعلمه الله تعالى أنه رسوله إليه استسلم. وللمتقدمين والمتأخّرين على هذا الحديث أجوبة هذا أشدّها عندي، وهو تأويل شيخنا الإمام أبي عبد الله المازري. وقد تأوّله قديما ابن عائشة وغيره على صكّه ولطمه بالحجّة، وفقء عين حجّته، وهو كلام مستعمل في هذا الباب في اللغة معروف. وأمّا قصة سليمان وما حكى فيها أهل التفاسير من ذنبه وقوله: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ [ص 34] ، فمعناه ابتلينا، وابتلاؤه: ما حكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلّهن يأتين بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل. فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله. قال أصحاب المعاني: والشقّ هو الجسد الذي ألقي على كرسيّه حين عرض عليه، وهي عقوبته ومحنته. وقيل: بل مات فألقي على كرسيّه ميّتا. وقيل: ذنبه حرصه على ذلك وتمنّيه. وقيل: لأنه لم يستثن لما استغرقه من الحرص، وغلب عليه من التّمنّي. وقيل: عقوبته أن سلب ملكه، وذنبه أن أحبّ بقلبه أن يكون الحقّ لأختانه على خصمهم. وقيل: أوخذ بذنب قارفه بعض نسائه. ولا يصحّ ما نقله الأخباريّون من تشبّه الشيطان به، وتسلّطه على ملكه، وتصرّفه في أمته بالجور في حكمه، لأنّ الشياطين لا يسلّطون على مثل هذا، وقد عصم الأنبياء من مثله. وإن سئل: لم يقل سليمان في القصة المذكورة: إن شاء الله؟ - فعنه أجوبة: أحدها- ما روي في الحديث الصحيح أنه نسي أن يقولها، وذلك لينفذ مراد الله تعالى.

والثاني- أنه لم يسمع صاحبه وشغل عنه. وقوله: هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص 35] . لم يفعل هذا سليمان غيرة على الدنيا ولا نفاسة بها، ولكن مقصده في ذلك- على ما ذكره المفسرون- ألا يسلّط عليه أحد كما سلّط عليه الشيطان الذي سلبه إياه مدّة امتحانه على قول من قال ذلك. وقيل: بل أراد أن يكون له من الله فضيلة وخاصة يختصّ بها كاختصاص غيره من أنبياء الله ورسله بخواصّ منه. وقيل: ليكون ذلك دليلا وحجّة على نبوّته، كإلانة الحديد لأبيه، وإحياء الموتى لعيسى، واختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة، ونحو هذا. وأما قصة نوح عليه السلام فظاهرة العذر، وإنه أخذ فيها بالتأويل وظاهر اللّفظ، لقوله تعالى: وَأَهْلَكَ، فطلب مقتضى هذا اللفظ، وأراد علم ما طوي عليه من ذلك، لا أنه شكّ في وعد الله تعالى، فبيّن الله عليه أنه ليس من أهله الذين وعده بنجاتهم لكفره وعمله الذي هو غير صالح، وقد أعلمه أنه مغرق الذين ظلموا، ونهاه عن مخاطبته فيهم، فووخذ بهذا التأويل، وعتب عليه، وأشفق هو من إقدامه على ربه لسؤاله ما لم يؤذن له في السؤال فيه، وكان نوح- فيما حكاه النقاش- لا يعلم بكفر ابنه. وقيل في الآية غير هذا، وكلّ هذا لا يقضي على نوح بمعصية سوى ما ذكرنا من تأويله وإقدامه بالسؤال فيما لم يؤذن له فيه، ولا نهي عنه. وما روي في الصحيح من أنّ نبيّا قرصته نملة فحرّق قرية النمل، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبّح ... فليس في هذا الحديث أنّ هذا الذي أتّى معصية، بل فعل ما رآه مصلحة وصوابا بقتل من يؤذي جنسه، ويمنع المنفعة مما أباح الله. ألا ترى أن هذا النبيّ كان نازلا تحت الشجرة، فلما آذته النملة تحوّل برجله عنها مخافة تكرار الأذى عليه وليس فيما أوحى الله إليه ما يوجب معصية، بل ندبه إلى احتمال الصّبر وترك التّشفي، كما قال تعالى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، إذ ظاهر فعله إنما كان لأجل أنها آذته هو في خاصّته، فكان انتقاما لنفسه، وقطع مضرّة يتوقّعها من بقيّة النمل هناك، ولم يأت في كلّ هذا أمرا نهي عنه، فيعصّى به، ولا نصّ فيما أوحى الله إليه بذلك، ولا بالتوبة والاستغفار منه. والله أعلم. فإن قيل: فما معنى قوله عليه السلام: ما من أحد إلّا ألمّ بذنب أو كاد إلا يحيى بن زكريا، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم.

فصل معقود لدفع شبه نشأت مما قدمه

فالجواب عنه- كما تقدم من ذنوب الأنبياء التي وقعت عن غير قصد وعن سهو وغفلة. فصل معقود لدفع شبه نشأت مما قدمه فإن قلت: فإذا نفيت عنهم صلوات الله عليهم الذنوب والمعاصي بما ذكرته من اختلاف المفسرين وتأويل المحقّقين- فما معنى قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه 121] ، وما تكرّر في القرآن والحديث الصحيح من اعتراف الأنبياء بذنوبهم وتوبتهم واستغفارهم، وبكائهم على ما سلف منهم، وإشفاقهم. وهل يشفق ويتاب ويستغفر من لا شيء؟ فاعلم- وفّقنا الله وإيّاك أنّ درجة الأنبياء في الرّفعة والعلوّ والمعرفة بالله، وسنّته في عباده، وعظم سلطانه، وقوّة بطشه، ممّا يحملهم على الخوف منه جلّ جلاله، والإشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم، وأنهم- في تصرّفهم بأمور لم ينهوا عنها، ولا أمروا بها، ثم أوخذوا عليها، وعوتبوا بسببها، أو حذروا من المؤاخذة بها، وأتوها على وجه التّأويل أو السّهو، أو تزيّد من أمور الدنيا المباحة- خائفون وجلون، وهي ذنوب بالإضافة إلى عليّ منصبهم ومعاص بالنسبة إلى كمال طاعتهم، لا أنها كذنوب غيرهم ومعاصيهم، فإن الذنب مأخوذ من الشيء الدنيّ الرّذل، ومنه ذنب كل شيء، أي آخره. وأذناب الناس رذالهم، فكأن هذه أدنى أفعالهم، وأسوأ ما يجري من أحوالهم لتطهيرهم وتنزيههم وعمارة بواطنهم وظواهرهم بالعمل الصالح، والكلم الطيب، والذّكر الظاهر والخفيّ، والخشية لله، وإعظامه في السرّ والعلانية، وغيرهم يتلوّث من الكبائر والقبائح والفواحش ما تكون بالإضافة إليه هذه الهنات في حقّه كالحسنات، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، أي يرونها بالإضافة إلى عليّ أحوالهم كالسيئات. وكذلك العصيان الترك والمخالفة، فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو أو تأويل فهي مخالفة وترك. وقوله تعالى: فَغَوى، أي جهل أنّ تلك الشجرة هي التي نهى عنها، والغيّ: الجهل. وقيل: أخطأ ما طلب من الخلود، إذ أكلها وخابت أمنيته. وهذا يوسف عليه السلام قد أوخذ بقوله لأحد صاحبي السّجن: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف 42] . قيل: أنسي يوسف ذكر الله. وقيل: أنسي صاحبه أن يذكره لسيّده الملك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا كلمة يوسف ما لبث في السّجن ما لبث.

قال ابن دينار: لمّا قال ذلك يوسف قيل له: اتّخذت من دوني وكيلا، لأطيلنّ حبسك. فقال: يا رب، أنسى قلبي كثرة البلوى. وقال بعضهم: يؤاخذ الأنبياء بمثاقيل الذّرّ، لمكانتهم عنده، ويجاوز عن سائر الخلق لقلة مبالاته بهم في أضعاف ما أتوا به من سوء الأدب. وقد قال المحتج للفرقة الأولى على سياق ما قلناه: إذا كان الأنبياء يؤاخذون بهذا ممّا لا يؤاخذ به غيرهم من السّهو والنّسيان، وما ذكرته، وحالهم أرفع فحالهم إذا في هذا أسوأ حالا من غيرهم. فاعلم- أكرمك الله- إنا لا نثبت لك المؤاخذة في هذا على حدّ مؤاخذة غيرهم، بل نقول: إنهم يؤاخذون بذلك في الدنيا، ليكون ذلك زيادة في درجاتهم، ويبتلون بذلك، ليكون استشعارهم له سببا لمنماة رتبهم، كما قال: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى. وقال لداود: فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص 25] . وقال- بعد قول موسى: تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف 143] : إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [الأعراف 144] . وقال- بعد ذكر فتنة سليمان وإنابته: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ. هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ. وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص 36- 40] . وقال بعض المتكلمين: زلّات الأنبياء في الظاهر زلّات، وفي الحقيقة كرامات وزلف، وأشار إلى نحو مما قدّمناه. وأيضا فلينبّه غيرهم من البشر منهم، أو ممّن ليس في درجتهم بمؤاخذتهم بذلك، فيستشعروا الحذر، ويعتقدوا المحاسبة ليلتزموا الشكر على النّعم، ويعدّوا الصّبر على المحن بملاحظة ما وقع بأهل هذا النصاب الرّفيع المعصوم، فكيف بمن سواهم، ولهذا قال صالح المرّي: ذكر داود بسطة للتوّابين. قال ابن عطاء: لم يكن ما نصّ الله تعالى عليه من قضية صاحب الحوت نقصا له، ولكن استزادة من نبينا صلى الله عليه وسلّم. وأيضا فيقال لهم: فإنكم ومن وافقكم تقولون بغفران الصغائر باجتناب الكبائر. ولا خلاف في عصمة الأنبياء من الكبائر، فما جوّزتم من وقوع الصغائر عليهم هي مغفورة على هذا، فما معنى المؤاخذة بها إذا عندكم وخوف الأنبياء وتوبتهم منها، وهي مغفورة لو كانت؟

فما أجابوا به فهو جوابنا عن المؤاخذة بأفعال السّهو والتأويل. وقد قيل: إنّ كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلّم وتوبته وغيره من الأنبياء على وجه ملازمة الخضوع والعبوديّة، والاعتراف بالتقصير، شكرا لله على نعمه، كما قال- صلى الله عليه وسلم- وقد أمن من المؤاخذة مما تقدّم وتأخّر: «أفلا أكون عبدا شكورا» ! وقال: «إني أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي» . قال الحارث بن أسد: خوف الملائكة والأنبياء خوف إعظام وتعبّد لله، لأنهم آمنون. وقيل: فعلوا ذلك ليقتدى بهم، وتستنّ بهم أممهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» . وأيضا فإنّ في التوبة والاستغفار معنى آخر لطيفا أشار إليه بعض العلماء، وهو استدعاء محبّة الله، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة 222] . فإحداث الرسل والأنبياء الاستغفار والتوبة والإنابة والأوبة في كل حين- استدعاء لمحبّة الله! والاستغفار فيه معنى التّوبة، وقد قال الله لنبيّه- بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [التوبة 117] . وقال تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [النصر 3] .

الباب الثاني في الكلام على الملائكة - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في الكلام على الملائكة- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأوّل: في اشتقاق لفظ الملك وكيفيّة تصريفه. فقيل: هو مشتق من الألوكة وهي الرّسالة وكذلك المألكة (ومنه قولهم: ألكني إليه) [ (1) ] قال الشاعر: أبلغ النّعمان عنّي مالكا ... أنّه قد طال حبسي وانتظاري [ (2) ] أي: رسالة، ويقال فيها: ألوك أيضا قال لبيد: وغلام أرسلته أمّه ... بألوك فبذلنا ما سأل [ (3) ] وقيل في الملك: إنه جمع مألكة، لما كانت الملائكة رسلا سميت لذلك. قال الخليل بن أحمد- رحمه الله تعالى-: إنّما سمّيت الرّسالة مألكة، لأنّها تلوك في الفم من قولهم: فرس مألك اللّجام أي: يعلكه، وعلى هذا أصله مألك لكنهم قالوا في جمع مألك: ملائكة، فأتوا بالهمزة في موضع عين الكلمة فيكون واحده مألكا، وقد جاء ذلك في الشعر أنشد أبو وجزة: فلست لإنسيّ ولكن لملأك ... ينزّل من جوّ السّماء يصوب [ (4) ] ووجه اشتقاقه من الألوكة يقتضي أن يكون مقلوبا، قلبت فاؤه إلى موضع عينه، ووزن ملأك معفل وإنما قلبت ليخفف بنقل حركة همزته، فلما نقلت حركة همزته إلى الساكن قبلها حذفت تخفيفا لها، فقيل: ملك، ولهذا ردّت همزة في جمعه فقيل: ملائكة وزنه: معافلة على هذا القول. وقال ابن كيسان: هو الملاك فيكون فعالا، وأصله ملأك أيضا، لورود الهمزة في الجمع، لكن لا قلب فيه على هذا القول.

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] البيت لعدي بن زيد وهو في ديوانه 93، والمحتسب لابن جني 1/ 44 والاشتقاق ص 26، الأغاني 2/ 94، خزانة الأدب 8/ 513، شرح شواهد المغني 2/ 658، الشعر والشعراء 1/ 235، المنصف 2/ 104، جمهرة اللغة 982، الممتع في التصريف 1/ 79. [ (3) ] البيت للبيد كما قال انظر ديوانه 178، الخصائص 3/ 275 إملاء العكبري 1/ 27، اللسان [ألك] . [ (4) ] البيت لعلقمة كما في ملحق ديوانه 118 وقال ابن منظور: هو لرجل من عبد القيس م [صوب] والكتاب 2/ 379 وإملاء العكبري 1/ 28، أمالي الشجري 2/ 20، المفضليات 394.

الثاني: في حقيقة معناه:

وقال أبو عبيدة: أصله ملأك أيضا، لكن من لأك إذا أرسل، وقال أبو عمرو بن الحاجب- رحمه الله تعالى- الوجه هو القول الأوّل إذ ليس فيه إلا ارتكاب القلب، ولا بد فيه من إرادة الهمزة في مفرده لورودها في جمعه، قال ابن كيسان: فعال بعيد، لأن مثل ذلك نادر، ويفعل كثيرا وحمله على الكثير أولى من حمله على النّادر، لا سيما مع مناسبته للرسالة بخلاف الملك. وأمّا قول أبي عبيد الله: إنه مفعل من لأك إذا أرسل فبعيد، لأنه يكون مرسلا لا مرشدا، وإذا كان من الألوكة كان مرسلا فترجح الأول. الثاني: في حقيقة معناه: ذهب أكثر المسلمين إلى أن الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، مسكنها السموات، وهذا المذهب الذي يقوم عليه الدلالة، وقد دلت الأدلة السمعية على وجود الملائكة وأثبتها أهل الإسلام على الوجه الذي بيناه، واتفقت على وجودها الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم-، والملل كلها مجتمعة على ذلك وإن كان المرجع والاعتماد في إثباتها ووجودها على الأدلة السمعية، وما قاله الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- واجب المصير في معرفة حقائقهم إلى ما دلت عليه الأدلة السمعية من الكتب الإلهية وقول الأنبياء. الثالث: في وجوب الإيمان بهم. قال الله سبحانه وتعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لما سأله عن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله قال الحافظ أبو بكر البيهقي- رحمه الله تعالى- في «شعب الإيمان» ، والإيمان بالملائكة ينتظم معاني: أحدها: التصديق بوجودهم. والثاني: إنزالهم منازلهم، وإثبات أنهم عباد الله وخلقه، كالإنس والجن، مأمورون مكلفون، لا يقدرون إلا على ما يقدرهم الله تعالى عليه، والموت عليهم جائز، ولكن الله تعالى جعل لهم أمدا بعيدا، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه، ولا يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم بالله تعالى جده ولا يدعون آلهة كما دعتهم الأوائل. والثالث: الاعتراف بأن منهم رسلا يرسلهم الله إلى من يشاء من البشر، وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض ويتبع ذلك الاعتراف بأن منهم حملة العرش، ومنهم الصّافّون، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، فقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره.

الرابع: في مبدأ خلقهم والدلالة على أنهم أجسام خلافا للفلاسفة

وروينا عن ابن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي- صلى الله عليه وسلم- حين سئل عن الإيمان، فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. وقال الإمام كمال الدّين ابن الزّملكانيّ- رحمه الله تعالى-: وبهذا الترتيب المذكور في الآية سرّ لطيف، وذلك لأن الفوز والكمال والرحمة والخير كله مضاف إلى الله سبحانه وتعالى ومنه والوسائط في ذلك الملائكة، والقابل لتلك الرحمة هم الأنبياء والرسل، فلا بد أولا، من أصل، وثانيا: من وسائط، وثالثا: من حصول تلك الرحمة، ورابعا: من وصولها إلى القابل لها بالأصل المفيض للخيرات والرحمة من الله تعالى، ومن أعظم رحمة رحم بها عباده إنزال كتبه إليهم، والموصل لها هم الملائكة، والقابل لها المنزل عليهم هم الأنبياء، فجاء الترتيب كذلك بحسب الواقع. الرابع: في مبدأ خلقهم والدلالة على أنهم أجسام خلافا للفلاسفة روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم. وروى أبو الشيخ في كتاب «العظمة» عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خلق الله تعالى الملائكة من نور العزّة» . وروى أبو الشيخ عن يزيد بن رومان، أنه بلغه أن الملائكة خلقت من روح الله تعالى. الخامس: في فضلهم وشرفهم. لا نزاع بين العقلاء المثبتين للملائكة في فضلهم وشرفهم، وعلو مرتبتهم وطهارتهم، منهم الكرام البررة المطهّرون، العباد المكرمون، وقد اشتمل القرآن الكريم من فضائلهم وذكر شرفهم عن مقامهم على ما لا يخفى، وجعل الله تعالى الإيمان بهم تاليا للإيمان به كما تقدم تقريره، ومن شرفهم أن الله سبحانه وتعالى جعل شرفهم شهادتهم بالقسط تلو شهادته، فقد قال تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران 18] ومن شرفهم قوله تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ [الأنبياء 19] فخصهم بالتعبدية المقتضية لقرب التكريم والتشريف. وقوله تعالى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء 20] وقوله عز وجل: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وقوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ [عبس 15، 16] . وقوله عز وجل: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ [الانفطار 10، 11] إلى غير ذلك من الآيات.

السادس: في كثرتهم

السادس: في كثرتهم قال الله سبحانه وتعالى: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر 31] . روى البزار، وأبو الشيخ وابن مندة في كتاب «الرد على الجهمية» ، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: خلق الله تعالى الملائكة من نور، وينفخ في ذلك، ثم يقول: ليكن منكم ألف، ألفان، فإن الملائكة لخلق أصغر من الذباب، وليس شيء أكثر من الملائكة. وروى البيهقي في «الشعب» عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: إنّ من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليها جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [الصافات 165] . قال: روى أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: ما في السماء موضع إلا عليه ملك، إما ساجد وإما قائم حتى تقوم الساعة. وروى أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: أطّت السّماء وحقّ لها أن تئطّ ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وعليه ملك واضع جبهته [ساجدا لله، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذّذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله، لوددت أنّي كنت شجرة تعضد] . وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما من السّماء موضع إلّا عليه ملك ساجد أو قائم» فذلك قوله تعالى وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [الصافات 164- 165] . وروى ابن أبي حاتم والطبراني والضياء في «المختارة» وأبو الشيخ عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه فقال لهم «هل تسمعون ما أسمع؟ قالوا ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السّماء، وما تلام أن تئطّ، ما فيها موضع قدم إلا وعليه ملك ساجد أو قائم أو ملك راكع» . وروى الطبراني عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ما في السموات السّبع موضع قدم ولا شبر ولا كفّ إلّا وفيه ملك قائم، أو ملك ساجد فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك إلا أنا لم نشرك بك شيئا» . وروى الدينوري في «المجالسة» عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: ليس من خلق

الله أكثر من الملائكة، ليس من بني آدم أحد إلا ومعه ملكان سائق يسوقه، وشاهد يشهد عليه، فهذا ضعف بني آدم، ثم بعد ذلك السموات والأرض، مكبوسات، ومن فوق السموات بعد الذين حول العرش أكثر مما في السموات. وروى أبو الشيخ عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ في الجنّة نهرا ما يدخله جبريل ممن دخله فيخرج فينتفض إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه ملكا» . وروى أبو الشيخ عن وهب بن منبه: إنّ لله نهرا في الهواء سعة الأرضين كلّها سبع مرّات ينزل على ذلك النّهر ملك من السماء فيملؤه ويسدّ ما بين أطرافه، ثمّ يغتسل منه، فإذا خرج قطرت منه قطرات من نور، فيخلق من كل قطرة منها ملك، يسبّح الله تعالى بجميع تسبيح الخلائق كلّهم. وروى أبو الشيخ عن الأوزاعي قال: قال موسى- عليه الصلاة والسلام- يا ربّ من معك في السماء قال: ملائكتي، قال: وكم هم يا رب قال: اثني عشر سبطا قال: وكم عدد كلّ سبط قال: عدد التّراب. وروى أبو الشيخ عن كعب قال: لا تقطر عين ملك منهم إلا كانت ملكا، يطير من خشية الله تعالى. وروى أبو الشيخ عن العلاء بن هارون قال: «لجبريل في كل يوم اغتماسة في الكوثر ثم ينتفض، فكل قطرة يخلق منها ملك» . وروى أبو الشيخ عن الحكم بن عتيبة قال: بلغني أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من ولد آدم وولد إبليس يحصون كلّ قطرة، وأين تقع ومن يرزق ذلك النّبات. وروى أبو الشيخ عن وهب قال: إنّ السّموات السّبع محشوّة من الملائكة، لو قيست شعرة ما انقاست، منهم الذّاكر والرّاكع والسّاجد، ترعد فرائصهم وتضطّرب أجنحتهم فرقا من الله تعالى، ولم يعصوه طرفة عين وإنّ حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخّه مسيرة خمس مائة عام. وروى ابن المنذر في تفسيره عن عبد الله بن عمر يرفعه قال: الملائكة عشرة أجزاء تسعة أجزاء الكروبيون الذي يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وجزء قد وكّلوا بخزانة كلّ شيء وما من السّماء موضع إهاب إلّا وفيه ملك ساجد وملك راكع وإنّ الحرم بحيال العرش وإنّ البيت المعمور لبحيال الكعبة، لو سقط لسقط عليها، يصلّي فيه كلّ يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه» .

السابع: في رؤسائهم الأربعة الذين يدبرون أمر الدنيا

وروى ابن المنذر عن عمر البكالي قال: إن الله جزّأ الملائكة عشرة أجزاء، منهم الكروبيون وهم الملائكة الذين يحملون العرش، ومنهم أيضا الذي يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قال ومن بقي من الملائكة لأمر الله ورسالات الله. وروى ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن عبد الرحمن بن سلمان أبي الأعيس عن أبيه قال: الإنس والجنّ عشرة أجزاء، فالإنس من ذلك جزء، والجنّ تسعة أجزاء، والجن والملائكة عشرة أجزاء، فالجن جزء والملائكة تسعة أجزاء، والملائكة والروح عشرة أجزاء، فالملائكة جزء، والروح تسعة أجزاء [ (1) ] ، فالرّوح والكروبيون عشرة أجزاء، فالروح من ذلك جزء، والكروبيون تسعة أجزاء. وروى أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان، والخطيب وابن عساكر من طريق عباد عن ابن منصور عن عدي بن أرطأة عن رجل من الصحابة سماه، قال عباد: فنسيت اسمه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافته، ما منهم ملك يقطر من عينيه دمعة إلا وقعت ملكا قائما يسبّح، وملائكة سجودا منذ خلق الله السموات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم، ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، وركوعا لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، وصفوفا لم ينصرفوا عن مصافهم، ولا ينصرفون عنها إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم ربهم عز وجل فنظروا إليه، وقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك» . السابع: في رؤسائهم الأربعة الذين يدبّرون أمر الدنيا روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي في الشعب عن ابن سابط قال: يدبّر أمر الدّنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل، فأمّا جبريل فموكّل بالرّياح والجنود، وأمّا ميكائيل فموكّل بالقطر والنبات، وأمّا ملك الموت فموكل بقبض الأرواح وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم. وروى أبو الشيخ عن ابن سابط قال: في أم الكتاب كلّ شيء هو كائن إلى يوم القيامة، ووكل ثلاثة من الملائكة أن يحفظوه، فوكّل جبريل بالكتاب أن ينزل به إلى الرسل ووكله أيضا بالهلكات، إذا أراد الله أن يهلك قوما، ووكله بالنّصر عند القتال، ووكّل ميكائيل بالحفظ وبالقطر ونبات الأرض، ووكل ملك الموت بقبض الأنفس فإذا ذهبت الدنيا جمع من حفظهم وقابل أم الكتاب فيجدونه سواء. وروى البيهقي والطبراني وأبو الشيخ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال بينا

_ [ (1) ] في أ: عشرة.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه جبريل بناحية إذ انشق أفق السّماء فأقبل جبريل يتضاءل، ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الأرض، فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويخيّرك بين أن تكون نبيا ملكا، أو نبيا عبدا، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأشار إليّ جبريل بيده إن تواضع، فعرفت أنّه ناصح، فقلت له: نبيّا عبدا، فعرج ذلك الملك إلى السّماء، فقلت: يا جبريل قد كنت أردت أن أسالك عن هذا، فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة، فمن هذا يا جبريل؟ قال: هذا إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافّا قدميه، لا يرفع طرفه بينه وبين الرب سبعون نورا، ما منها نور يدنو منه إلا احترق، بين يديه اللّوح المحفوظ، فإذا أذن الله بشيء في السّماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللّوح فضرب جبهته فينظر فيه، فإذا كان من عملي أمرني به، وإذا كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به، قلت: يا جبريل على أي شيء أنت قال: على الرياح والجنود، قلت: على أي شيء ميكائيل قال على النبات والقطر، قلت: على أي شيء ملك الموت قال: على قبض الأنفس. وما ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة، وما ذاك الذي رأيت مني إلّا خوفا من قيام الساعة. وروى أبو الشيخ في العظمة عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن أقرب الخلق من الله جبريل وميكائيل وإسرافيل، وإنّهم من الله لمسيرة خمسين ألف سنة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن الأخرى، وإسرافيل بينهما. وروى أبو الشيخ عن وهب قال: هؤلاء الأربعة أملاك جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، أول من خلقهم الله تعالى من الخلق، وآخر من يميتهم، وأول من يحييهم هم المدبّرات أمرا والمقسّمات أمرا. وروى أبو الشيخ عن خالد بن أبي عمران. قال: جبريل أمين الله إلى رسله، وميكائيل يتلقى الكتب التي ترفع من أعمال الناس، وإسرافيل بمنزلة الحاجب. وروى أبو الشيخ عن عكرمة بن خالد أن رجلا قال: يا رسول الله أيّ الملائكة أكرم على الله تعالى؟ قال: لا أدري فجاءه جبريل فقال: يا جبريل أيّ الخلق أكرم على الله قال: لا أدري فعرج جبريل ثم هبط، فقال: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأمّا ميكائيل فصاحب كلّ قطرة تسقط وكلّ ورقة تسقط وكل حبة تنبت، وأمّا ملك الموت فهو موكّل بقبض روح كل عبد في برّ أو بحر، وأما إسرافيل فأمين الله تعالى بينه وبينهم. وروى الطبراني والحاكم عن أبي المليح عن أبيه إنه صلى مع النبي- صلى الله عليه وسلم- ركعتي

[الثامن: في تفرقة أسماء من سمي منهم في الكتاب والسنة وكلام السلف وفيه فرعان.]

الفجر فصلّى قريبا منه، فصلى النبي- صلى الله عليه وسلم- ركعتين خفيفتين، فسمعته يقول: اللهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمّد أعوذ بك من النار ثلاث مرّات. وروى أحمد في الزهد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أغمي عليه ورأسه في حجرها، فجعلت تمسح وجهه وتدعو له بالشّفاء، فلما أفاق قال: لا. بل اسألي الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل- عليهم الصلاة والسلام-. [الثامن: في تفرقة أسماء من سمي منهم في الكتاب والسنة وكلام السلف وفيه فرعان.] الأوّل: أن جميع أسمائهم غير عربية، رضوان ومالكا ونكرا ونكيرا، ولا ينصرف من أسمائهم إلا مالك ومن بعده] [ (1) ] . الفرع الثاني [ (2) ] : ورد في القرآن الكريم ذكر جبريل وميكائيل، وفي اسمهما لغات تقدمت في أبواب المعراج. التاسع: قال الشيخ في «الحبائك» سئلت قديما أيّهما أفضل جبريل، أم إسرافيل، والجواب لم أقف على نقل في ذلك لأحد من العلماء، والآثار المتقدمة متعارضة، فحديث الطبراني مرفوعا «ألا أخبركم بأفضل الملائكة، جبريل» وأثر وهب «إن أدنى الملائكة من الله جبريل ثم ميكائيل يدل على تفضيل جبريل» . وحديث ابن مسعود مرفوعا «إنّ أقرب الخلق إلى الله إسرافيل» وحديث أبي هريرة مرفوعا «إن الملك الذي يليه إسرافيل، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم ملك الموت» وحديث ابن مسعود مرفوعا إسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره» . وحديث عائشة مرفوعا «إسرافيل ملك الله، ليس دونه شيء، وأثر كعب «إنّ أقرب الملائكة إلى الله إسرافيل» . إلى آخره. وأثر أبي بكر الهذلي: «ليس شيء من الخلق أقرب إلى الله من إسرافيل» إلى آخره. وحديث ابن أبي جبلة «أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل» إلى آخره. وأثر ابن سابط: «يدبر أمر الدنيا أربعة جبريل وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل» إلى أن قال: «وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم» . وحديث عكرمة بن خالد مرفوعا «وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم» أي: بين الله وبين جبريل وميكائيل وملك الموت.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] في أ: الثامن.

العاشر:

وأثر خالد بن أبي عمران «وإسرافيل بمنزلة الحاجب» . وما شاكل ذلك يدل على تفضيل إسرافيل. العاشر: ذكر الإمام الحليمي في شعبه، وتبعه البيهقي والقاضي عياض والقونوي أن من الملائكة رسلا، وغير رسل، وأطلق الإمام الرازي القول أن الملائكة رسل الله، واحتج عليه بقوله تعالى جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر 1] واعترض عليه بقوله تعالى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج 75] وأجاب بأن «من» للتبيين أو للتبعيض، وأطلق ذكر الخلاف في عصمتهم، والجمهور الأعظم من علماء الدين على عصمة كل من الملائكة عن جميع الذنوب ومن الحشوية من خالف في ذلك، وفي كلام غيره نظر من العلماء، منهم القاضي عياض وغيره ما يدل على أن منهم الرسل، ومنهم من ليس برسول، وجعل القاضي عياض الخلاف مبينا على ذلك، وسيأتي نقل كلامه بحروفه. الحادي عشر: في عصمتهم قال القاضي- رحمه الله تعالى-: اتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين من الملائكة حكم النبيين، سواء في العصمة مما ذكرنا عصمتهم منه، وأنهم في حقوق الأنبياء والتبليغ إليهم كالأنبياء مع الأمم، واختلفوا في غير المرسلين منهم، فذهبت طائفة إلى عصمة جميعهم عن المعاصي، واحتجوا بقوله تعالى لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم 6] . قال الإمام الرازي- رحمه الله تعالى- هذه الآية تتناول جميع الملائكة في فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات، لأن كل ما أمر بفعله فقد نهى عن ضده، والدليل على العموم صحة الاستثناء وبقوله تعالى يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء 20] ومن هذه صفته لا يتصور منه صدور الذنب، إذ لو صدر منه الذنب لفتر عن التسبيح، وللمنع في هذا الوجه والذي قبله مجال واضح لقوله تعالى بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء 27] وهذا يقتضي توقفهم في كل الأمور على أمر الله تعالى، ومن كان كذلك لم يصدر منه الذنب، وقرره الآمدي بأن قال المعصية إما بمخالفة الأمر والنهي، لا جائز أن يقع مخالفة الأمر، إذ هو خلاف الآية، ولا جائز أن يقع لمخالفة النّهي، لأن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، ومخالفة النهي إنما تكون بارتكاب المنهي عنه وارتكاب المنهي يقتضي عدم التلبس، وهذا بناء على أن النهي عن الشيء أمر بضده، وهي مسألة مشهورة. واحتج الإمام مع من ذكر بوجهين آخرين: أحدهما: أنهم طعنوا في البشر بالعصمة، فلو كانوا عصاة لما حسن منهم هذا الطعن، ولا يخفى ما فيه.

الثاني: أنهم رسل الله تعالى بقوله تعالى جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر 1] والرسول معصوم لقوله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وهو بناء على أن الكل رسل، وقد تقدم الكلام فيه، وعلى أن قوله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ من أدلة العصمة غير الأنبياء ولمانع أن يمنع ذلك. قال القاضي- رحمه الله تعالى-: وذهبت طائفة إلى أن هذا خصوص للمرسلين منهم والمقربين. واحتجوا بأشياء ذكرها أهل الأخبار والتفاسير نحن نذكرها إن شاء الله تعالى بعد، ونبين الوجه فيها إن شاء الله تعالى، والصواب عصمة جميعهم وتنزيه جانبهم الرفيع عن جميع ما يحط من رتبتهم ومنزلتهم عن جليل مقدارهم، واحتج من لم يوجب عصمة الملائكة جميعهم بأمور. أحدهما: قصة هاروت وماروت، وهي قصة مشهورة، وخلاصتها أن هاروت وماروت كانا ملكين، وعجبا من عصيان بني آدم، وقالا: لو ركبت فينا شهوة بني آدم لما عصينا، فأنزلهما الله تعالى إلى الأرض، وركب فيهما الشهوة وقيض الله لهما الزهرة- وكانت من أجمل نساء وقتها- وأعجبتهما، وحملتها على السجود للصنم وقتل النفس وشرب الخمر، وتعلمت منهما الاسم الأعظم وصعدت به إلى السماء، فمسخت إما كوكبا، وإما سحابا، وإنهما استشفعا بإدريس، فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فلبسا الحديد ومكثا في بيوتهما ببابل، بينهما وبين الماء أربعة أصابع، ويوجد في هذه القصة زيادة ونقصان واختلاف كثير. قال الشيخ كمال الدين: وأئمة النقل لم يصححوا هذه القصة، ولا أثبتوا روايتها عن علي وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال القاضي رحمه الله تعالى: إن هذه الأخبار لم يرو منها شيء لا صحيح ولا سقيم عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، قال وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم. فإن قيل: ففي كتاب الله تعالى وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة: 102] . قلت: للناس في ذلك أقوال كثيرة، والمحققون ذهبوا في معناها إلى غير ما ذكر أولا في قصة هاروت وماروت، وقالوا في الآية قراءتان في (ملكين) إحداهما بكسر اللام وهي شاذة، والمشهورة بفتح اللام، ولكن ذكروا في تأويل ذلك أن الله تعالى كان قد امتحن الناس بالملكين، فإن السحر كان قد ظهر، وظهر قول أهله، فأنزل الله تعالى ملكين يعلمان الناس

حقيقة السحر، ويوضحان أمره ليعلم الناس ذلك، ويميزوا بينه وبين المعجزة والكرامة، فمن جاء يطلب ذلك منهما ابتدراه وعلّماه، إنا إنّما أنزلنا فتنة لتعليم السحر، فمن تعلمه ليجتنبه ويعلم الفرق بينه وبين المعجزات والكرامات وما يظهره الله تعالى على أيدي عباده المؤمنين فذلك هو المرضي، ومن تعلمه لغير ذلك أدّى به إلى الكفر، فلهذا كان الملكان يقدمان للملكين هذه المقالة، ثم يقولان له: إن فعل الساحر كذا فرّق بين المرء وزوجه، فلا تتحيل بهذه الحيلة ولا تقل هذا القول، فإنه من قول السحرة ويودي إلى الكفر، ثم على هذا يكون فعل الملكين طاعة لأمر الله تعالى، ومن الناس من ذكر وجها آخر، وهو أن الله تعالى لما بين أن الكفار واليهود ادعوا على سليمان أنه ساحر، وقالوا: إن الجن دفنت كتب السحر تحت مصلاه، ثم أظهرتها بعد موته ليقول الناس كان ساحرا، وأن سليمان قد جمع كتب السحر ودفنها لتضيع على الناس، وأخرجها الجن واليهود بعد موته وصارت في أيديهم وفشا السحر فيما بينهم، ولهذا كثر ما يؤخذ من السحر عند اليهود، وكان اليهود يعزون ذلك إلى سليمان، فقال تعالى وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ثمّ إن اليهود ادّعت بعد ذلك أن السحر الذي في أيديهم من ميراث سليمان، وأن جبريل وميكائيل نزلا به، فأكذبهم الله تعالى في الأمرين، فقال: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ فتكون ما نافية على هذا القول عطفا على قوله تعالى وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ويكون قوله (ببابل) متعلق بقوله يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وعلى هذا فقيل: هاروت وماروت رجلان تعلما السحر. وروى الحسن أنه قال: هاروت وماروت علجان من أهل بابل، وما أنزل على الملكين بكسر اللام، لكن ما على هذه القراءة اسمية، ويكون الإنزال من الشياطين، ويجوز أن تكون نافية وقرأ كذلك عبد الرحمن بن أبزى وفسر الملكين بداود وسليمان، ولا تكون ما على هذا القول إلا نافية. وقال الإمام الرازي: ويدل على بطلان هذه القصة التي تروى في حديث هاروت وماروت أنهم ذكروا فيها أن الله تعالى قال لهما: لو ابتليتما مما ابتلى بنو آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت ذلك يا رب ما عصيناك وهذا لا يجوز نسبته إلى ملكين، فإنه رد على الله تعالى، ويدل على بطلانها أيضا أن التخيير وقع بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والله تعالى خير العصاة بل الكفار بين التوبة والعذاب، ولذلك رووا أنهما يعلمان الناس السحر حال كونهما معذبين، وهذا من أعجب العجب ثم إنهم يروون أن المرأة التي فجرت صعدت إلى السماء ومسخت كوكبا مضيئا من السبعة السيارة، وهذا مخالف للإقسام بالخنّس الجوار الكنّس.

قال الشيخ في الحبائك: وقال الصفوي الأموي في رسالته بعد أن ذكر عصمتهم واستدل عليها واحتج المخالف بقصة هاروت وماروت، وبقصة إبليس مع آدم، وباعتراضهم على الله تعالى في خلق آدم بقولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وجوابه على سبيل الإجمال: أن جميع ما ذكرتم محتمل احتمالا بعيدا أو قريبا، وعلى التقديرين لا يعارض ما دل على عصمتهم زمن الصرائح والظواهر، قال الشيخ: وهذا الجواب في قصة هاروت وماروت أعقد من الجواب الذي قبله لما تقدم عند ذكرهما من الأحاديث الصحيحة. وقال القرافي من أئمة المالكية: ومن اعتقد في هاروت وماروت إنما يعذبان بأرض الهند على خطيئتهما مع الزهرة فهو كافر، بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم وتنزيههم عن كل ما يخل بعظيم قدرهم، ومن لم يفعل ذلك وجب إراقة دمه. وقال البلقيني في منهج الأصلين: العصمة واجبة لصفة النبوة والملائكة، وجائزة لغيرهما، ومن وجبت له العصمة فلا يقع منه كبيرة ولا صغيرة، ولذلك نعتقد عصمة الملائكة المرسلين منهم وغير المرسلين، [قال الله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ والآيات في هذا المعنى كثيرة] وإبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان من الجن ففسق عن أمر ربه، وأما هاروت وماروت [فلا يصح فيهما خبر، وفي كتاب الجامع من المحلى لابن حزم أن هاروت وماروت] [ (1) ] من الجن، وليسا ملكين. قال الشيخ: قلت: فإن صح هذا لم يحتج إلى الجواب عن قصتهما، كما أن إبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان بينهم وهو من الجن. وقال الإمام أبو منصور الماتريدي إمام الحنفية في الاعتقاديات: كما أن الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام الشافعية في ذلك ما نصه: «ثم إن الملائكة كلهم معصومون، خلقوا للطاعة إلا هاروت وماروت» . وقال القرافي: اعلم أنه يجب على كل مكلف تعظيم الأنبياء بأسرهم، وكذلك الملائكة ومن نال من أعراضهم شيئا فقد كفر، سواء كان بالتعريض أو بالتصريح، فمن قال في رجل يراه شديد البطش هذا أقسى قلبا من مالك خازن النار، وقال في رجل يراه مشوه الخلق هذا أوحش من منكر ونكير، فهو كافر، إذ قال ذلك في معرض النقص بالوحاشة والقساوة. الثاني: من الأدلّة التي استدل بها من قال بعدم عصمتهم في قصة آدم وأمرهم بالسجود له ما قالوا عند خلقه والاحتجاج بها من وجوه:

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

أحدها: اعتراضهم بقولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها. الثاني: غيبتهم لبني آدم بذلك. والثالث: إعجابهم وافتخارهم على بني آدم بقولهم وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ. والرابع: مخالفة إبليس في الأمر بالسجود مع أنه كان من الملائكة. فهذه الوجوه الأربعة أشبه ما احتج به المخالف من هذه الآية، وإن كان فيها وجوه أخر من الاحتجاج، لكن أعرضنا عنها لضعفها ووضوح الجواب عنها، والجواب عن هذه الوجوه. أما الأول: وهو أنهم اعترضوا على الله تعالى، فقد أجاب عنه أهل السنة بوجوه ثلاثة. أحدها: أن هذا ليس على سبيل الاعتراض، وإنما هو على سبيل التعلم لأمر الله تعالى، ومعناه أنهم قالوا ذلك ليظهروا عظمة حكمة الله تعالى، وأنّه جعل في الأرض من هذه صنعته، وهذا الذي ظهر من حاله بحكمه عليها ومصلحة قدرها هو أعلم بها، فكأنهم قالوا: سبحانك ربّنا وتعاليت ما أعظم شأنك وحكمتك، فعلمك بخفايا الأمور حيث تجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء، وأنت أعلم بموضع المصلحة في ذلك، ولهذا أجابهم بقوله إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ فإنه تقرير لهم على ما اعتقدوه من خفي حكمة الله تعالى وعلمه. والثاني: أنهم لشدة محبتهم لله تعالى وحرصهم على الطاعة كرهوا المعصية، فسألوا أعلامهم بما خفي من الحكمة في ذلك، ليطمئنوا ويسكنوا إليه، وهو قول الأخفش. والثالث: وهو الذي اختاره القفال، إنّ ذلك على سبيل الإثبات والإيجاب، فهو استفهام تقرير وإيجاب، وليس المراد به الاستعلام ولا الإنكار، فكأنهم قالوا يفعل ذلك، وهو كقول الشاعر: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح [ (1) ] أي: أنتم كذلك وقد قيل غير هذه الأجوبة لكن هذه أقواها. فإن قيل: فكيف علم الملائكة أن بني آدم يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض وكيف أضافوا ذلك إلى جميعهم مع أنه مضاف إلى البعض. قلنا: لعلهم كانوا قد اطلعوا على ذلك من اللوح المحفوظ، وأن الله تعالى أعلمهم

_ [ (1) ] البيت لجرير ديوانه ص 85، شرح شواهد المغني 1/ 42 اللسان [نقص] مغني اللبيب 1/ 17. رصف المباني 46، شرح المفصل لابن يعيش 8/ 123، المقتضب 3/ 292، شرح شواهد المغني 1/ 42، الجني الداني 32.

بذلك أو علموه من جهة أنهم رأوا خلقه مركبا على الغضب والشهوة، ومن كان كذلك فالظاهر أنه يفسد ويسفك الدماء، أو علموه لأنهم لما رأوا ما خلق للإنسان من العذاب في النار، أو لتسمية الله تعالى آدم خليفة فإنه قيّم بفصل الخصومات، فعلموا أحواله من جهة خلافته، وكل هذه الوجوه منقولة. وأما إضافتهم ذلك إلى جميع بني آدم فليس في الكلام صريح إضافة إلى الجميع، ولو صدر هذا من واحد صحّ أن يقال: جعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء، لأن من تقع على الواحد والجمع. والجواب عن هذا الوجه الثاني: وهو أن قولهم: إن هذه غيبة لبني آدم، أن الغيبة قد تباح للمصلحة في مواضع، منها نصيحة المسلم في عبد يشتريه، أو زوجة يتزوجها، أو ما ناسب ذلك، لحديث فاطمة بنت قيس، لما خطبها معاوية وأبو جهم، وقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لها: «أما معاوية فصعلوك، وأمّا أبو جهم فلا يضع العصي عن عاتقه» ، ومنها إعلامه بما يقال فيه ليتجنبه، ومنها الإعلام بحال من لا يصلح لأمر مهم من أمور المسلمين، مثل وليّ أمر يريد أن يولّي رجلا ما لا يصلح له، ومثل رجل يريد أن يستفتي أو يتعلم منه، ومنها أن يكون ذلك للتعريف، كالألقاب، ومنها ما يقع في الفتوى والتعلم، فيجوز للمتعلم والمستفتي أن يوضح الحال فيما أريد السؤال عنه، كقول المرأة للمفتي: زوجي كذا فما أفعل، وقد صحّ في هذا حديث هند امرأة أبي سفيان وأنها قالت للنبي- صلى الله عليه وسلم- أن أبا سفيان رجل شحيح، وجاز ذلك لحاجتها إلى علم ما يجوز لها أن تتناول من ماله، وقصة الملائكة من هذا الباب، لأن قصدهم إنما كان معرفة الحكم وإزالة الإشكال في ذلك والتعلم، فكان ذلك من الغيبة الجائزة. والجواب عن الوجه الثالث، وهو أن قولهم: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ إلى آخره جار مجرى الإعجاب من وجهين. أحدهما: أنا لا نسلم أن ذلك من باب مدح النفس، بل هو من التحدث بنعم الله عز وجل، والتحدث بنعم الله شكر، وقد قال تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم- وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. والثاني: أن ذلك جار مجرى الاعتذار عما ذكروه، لأن قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها في صورة الاعتراض، فأراد الملائكة نفي توهم ذلك عنهم، فأتبعوا سؤالهم بقولهم وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ يعنون الله تعالى أعلم، أنا لسنا نعترض عليك في أمرك، فإنّا عبيدك المسبحون المقدسون. والجواب عن الرابع هو أن إبليس كان من الملائكة وعصى، وأن الناس اختلفوا فيه. قال الإمام النووي: روي عن طاوس ومجاهد وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه

كان من الملائكة، واسمه عزرائيل فلما عصى الله تعالى لعنه وجعله شيطانا مريدا وسماه إبليس لأنّ الله أبلسه من الخير كله أي: أيس من رحمه الله تعالى، والمبلس المكتئب الحزين. قال الواحدي: والاختيار أنه ليس بمشتق لإجماع النحويين على أنه منع من الصرف للعجمة والمعرفة، ثم قال وبهذا أي: بالقول أنه كان من الملائكة. قال ابن مسعود وابن المسيب وقتادة وابن جرير واختاره الرّازي وابن الأنباري قالوا: وهو مستثنى من المستثنى منه، قالوا وقول الله تعالى كانَ مِنَ الْجِنِّ أي: طائفة من الملائكة يقال له الجن. وقال الحسن، وعبد الله بن يزيد، وشهر بن حوشب: ما كان من الملائكة قطّ، والاستثناء منقطع، والمعنى عندهم أن الملائكة وإبليس أمروا بالسجود فأطاعت الملائكة كلهم وعصى إبليس، والصحيح أنه من الملائكة، لأنه لم ينقل أن غير الملائكة أمر بالسجود والأصل في الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه، والله تعالى أعلم. وأما إنظاره إلى يوم الدين فزيادة في عقوبته وتكفير معاصيه وغوايته. انتهى. وقال القاضي: الأكثرون ينفون أنه ليس من الملائكة، ويقولون: إنه أبو الجن، كما أن آدم أبو الإنس.

المجلد الثاني عشر

[المجلد الثاني عشر] بسم الله الرحمن الرحيم في جماع أبواب ما يخصه- صلى الله عليه وسلم- من الأمور الدنيوية وما يطرأ عليه من العوارض البشرية وكذا سائر الأنبياء الباب الأول في حاله في جسمه صلى الله عليه وسلم قال القاضي: فيما يخصّهم في الأمور الدنيوية ويطرأ عليهم من العوارض البشرية قد قدّمنا أنه- صلى الله عليه وسلم- وسائر الأنبياء والرسل من البشر، وأنّ جسمه وظاهره خالص للبشر، يجوز عليه من الآفات والتغييرات، والآلام والأسقام، وتجرّع كأس الحمام ما يجوز على البشر، وهذا كلّه ليس بنقيصة فيه، لأنّ الشيء، إنما يسمّى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتمّ منه وأكمل من نوعه، وقد كتب الله تعالى على أهل هذه الدار: فيها تحيون، وفيها تموتون، ومنها تخرجون، وخلق جميع البشر بمدرجة الغير، فقد مرض صلى الله عليه وسلم، واشتكى، وأصابه الحرّ والقرّ، وأدركه الجوع والعطش، ولحقه الغضب والضّجر، وناله الإعياء والتّعب، ومسّه الضّعف والكبر، وسقط فجحش شقّه، وشجّه الكفّار، وكسروا رباعيته، وسقي السمّ، وسحر، وتداوى، واحتجم، وتنشّر وتعوّذ، ثم قضى نحبه فتوفّي صلى الله عليه وسلم، ولحق بالرفيق الأعلى، وتخلّص من دار الامتحان والبلوى، وهذه سمات البشّر التي لا محيص عنها، وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منه، فقتلوا قتلا. ورموا في النار، ووشروا بالمياشير. ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات. ومنهم من عصمه كما عصم بعد نبيّنا من الناس، فلئن لم يكف نبيّنا ربّه يد ابن قميئة يوم أحد، ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوته أهل الطائف، فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور، وأمسك عنه سيف غورث، وحجر أبي جهل، وفرس سراقة، ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم، من سمّ اليهودية. وهكذا سائر أنبيائه مبتلى ومعافى، وذلك من حكمته، ليظهر شرفهم في هذه المقامات، ويبيّن أمرهم، ويتمّ كلمته فيهم، وليحقّق بامتحانهم بشريّتهم، ويرتفع الالتباس عن أهل الضّعف فيهم لئلا يضلّوا بما يظهر من العجائب على أديهم ضلال النصارى بعيسى ابن مريم، وليكون في محنهم تسلية لأممهم، ووفور لأجورهم عند ربهم تماما على الّذي أحسن إليهم.

قال بعض المحققين: وهذه الطوارئ والتغييرات المذكورة إنما تختصّ بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر، ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجنس. وأمّا بواطنهم فمنزّهة غالبا عن ذلك معصومة منه، متعلقة بالملإ الأعلى والملائكة لأخذها عنهم، وتلقّيها الوحي منهم. قال: وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي. وقال: إنّي لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربّي ويسقيني. وقال: لست أنسي، ولكن أنسّى، ليستنّ بي. فأخبر أنّ سرّه وباطنه وروحه بخلاف جسمه وظاهره، وأنّ الآفات التي تحلّ ظاهره من ضعف وجوع، وسهر ونوم، لا يحلّ منها شيء باطنه، بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن، لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه، وهو صلى الله عليه وسلم في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه. وكذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه، وخارت قوّته، فبطلت بالكليّة جملته، وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبره أنه لا يعتريه ذلك، وأنه بخلافهم، لقوله: لست كهيئتكم: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني. وكذلك أقول: إنه في هذه الأحوال كلّها، من وصب ومرض، وسحر وغضب، لم يجز على باطنه ما يخلّ به، ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به، كما يعتري غيره من البشر ممّ نأخذ بعد في بيانه. فإن قلت: فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم سحر كما حدثنا الشيخ أبو محمد العتّابي بقراءتي عليه، قال: حدثنا حاتم بن محمد، حدثنا أبو الحسن علي بن خلف، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا البخاري، حدثنا عبيد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله. وفي رواية أخرى: حتى كان يخيّل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن ... الحديث. وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وكيف جاز عليه- وهو معصوم؟

فاعلم- وفّقنا الله وإياك- إن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وقد طعنت فيه الملحدة، وتدرّعت به لسخف عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشّرع، وقد نزّه الله الشّرع والنبيّ عما يدخل في أمره لبسا وإنما السّحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوّته. وأمّ ما ورد أنه كان يخيّل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته، أو يقدح في صدقه، لقيام الدّليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طروءه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فضّل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيّل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه، كما كان. وأيضا فقد فسّر هذا الفصل الحديث الآخر من قوله: حتى يخيّل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن. وقد قال سفيان- وهذا أشدّ من السّحر، ولم يأت في خبر منها أنه نقل عنه في ذلك قول بخلاف ما كان أخبر أنه فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخيلات. وقد قيل: إنّ المراد بالحديث أنه كان يتخيّل الشيء أنه فعله، وما فعله، لكنه تخييل لا يعتقد صحته، فتكون اعتقاداته كلها على السّداد، وأقواله على الصحة. هذا ما وقفت عليه لأئمتنا من الأجوبة عن هذا الحديث مع ما أوضحناه من معنى كلامهم، وزدناه بيانا من تلويحاتهم. وكلّ وجه منها مقنع، لكنه قد ظهر لي في الحديث تأويل أجلى وأبعد من مطاعن ذوي الأضاليل يستفاد من نفس الحديث، وهو أنّ عبد الرزّاق قد روي هذا الحديث عن ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وقال فيه عنهما: سحر يهود بني زريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوه في بئر حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكر بصره، ثمّ دلّه الله على ما صنعوا فاستخرجه من البئر. وروى نحوه، عن الواقدي، وعن عبد الرحمن بن كعب، وعمر بن الحكم. وذكر عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة، فبينا هو نائم أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ... الحديث. قال عبد الرزاق: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة خاصة سنة حتى أنكر بصره. وروى محمد بن سعد، عن ابن عباس: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبس عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان ... وذكر القصة.

فقد استبان لك من مضمون هذه الروايات أن السّحر إنما تسلّط على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، وأنه إنما أثّر في بصره، وحبسه عن وطء نسائه [وطعامه، وأضعف جسمه وأمرضه] ، ويكون معنى قوله: يخيّل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، أي يظهر له من نشاطه ومتقدّم عادته القدرة على الإيتاء، فإذا دنا منهنّ أصابته أخذة السّحر، فلم يقدر على إتيانهنّ، كما يعتري من أخّذ واعترض. ولعله لمثل هذا أشار سفيان بقوله: وهذا أشدّ ما يكون من السّحر. ويكون قول عائشة في الرواية الأخرى: إنه ليخيّل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، من باب اختلّ من بصره، كما ذكر في الحديث، فيظنّ أنه رأى شخصا من بعض أزواجه، أو شاهد فعلا من غيره، ولم يكن على ما يخيّل إليه لما أصابه في بصره وضعف نظره، لا لشيء طرأ عليه في ميزه. وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السّحر له وتأثيره فيه ما يدخل لبسا ولا يجد به الملحد المعترض أنسا ... ] .

الباب الثاني في حكم عقد قلبه - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الدنيوية

الباب الثاني في حكم عقد قلبه- صلى الله عليه وسلّم- في الأمور الدنيوية أما العقد منها فقد يعتقد في أمور الدنيا الشيء على وجه ويظهر خلافه، أو يكون منه على شكّ أو ظن بخلاف أمور الشرع، كما حدثنا أبو بحر سفيان بن العاصي وغير واحد سماعا وقراءة، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر، قال: حدثنا أبو العباس الرازي، حدثنا أبو أحمد بن عمرويه، حدثنا ابن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا عبد الله بن الرّومي، وعباس العنبري، وأحمد المعقري، قالوا: حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثني عكرمة، حدثنا أبو النجاشيّ، قال: حدثنا رافع بن خديج، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النّخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنّا نصنعه. قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه، فنقصت، فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر. وفي رواية أنس: أنتم أعلم بأمر دنياكم. وفي حديث آخر: إنما ظننت ظنّا، فلا تؤاخذوني بالظّنّ. وفي حديث ابن عباس في قصة الخرص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب. وهذا على ما قرّرناه فيما قاله من قبل نفسه في أمور الدنيا وظنّه من أحوالها، لا ما قاله من قبل نفسه واجتهاده في شرع شرعه، وسنّة سنّها. وكما حكى ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل بأدنى مياه بدر قال له الخباب بن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: لا، بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نعوّر ما وراءه من القلب، فنشرب ولا يشربون. فقال: أشرت بالرأي، وفعل ما قاله. وقد قال له الله تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ. وأراد مصالحة بعض عدوّه على ثلث ثمر المدينة، فاستشار الأنصار، فلمّا أخبروه برأيهم رجع عنه. فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه فيه ما ذكرناه، إذ ليس في هذا كلّه نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور

اعتيادية يعرفها من جرّبها، وجعلها همّه، وشغل نفسه بها، والنبي- صلى الله عليه وسلم- مشحون القلب بمعرفة الرّبوبية ملآن الجوانح بعلوم الشريعة، مقيّد البال بمصالح الأمة الدينية والدّنيوية، ولكن هذا إنما يكون في بعض الأمور، ويجوز في النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها، لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة. وقد تواتر بالنّقل عنه صلى الله عليه وسلم من المعرفة بأمور الدنيا ودقائق مصالحها، وسياسة فرق أهلها ما هو معجز في البشر.

الباب الثالث في حكم عقد قلبه - صلى الله عليه وسلم - في أمور البشر الجارية على يديه ومعرفة المحق من المبطل وعلم المصلح من المفسد

الباب الثالث في حكم عقد قلبه- صلى الله عليه وسلم- في أمور البشر الجارية على يديه ومعرفة المحق من المبطل وعلم المصلح من المفسد وأمّا ما يعتقد في أمور أحكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم، ومعرفة المحق من المبطل، وعلم المصلح من المفسد، فبهذه السّبيل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ممّا أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار» . حدثنا الفقيه أبو الوليد رحمه الله، حدثنا الحسين بن محمد الحافظ، حدثنا أبو عمر، حدثنا أبو محمد، حدثنا أبو بكر، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. وفي رواية الزهري، عن عروة: «فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق فأقضي له» . وتجرى أحكامه صلى الله عليه وسلم على الظاهر وموجب غلبات الظنّ بشهادة الشاهد، ويمين الحالف، ومراعاة الأشبه، ومعرفة العفاص والوكاء، مع مقتضى حكمة الله في ذلك، فإنه تعالى لو شاء لأطلعه على سرائر عباده، ومخبّآت ضمائر أمته، فتولّى الحكم بينهم بمجرّد يقينه وعلمه دون حاجة إلى اعتراف أو بيّنة أو يمين أو شبهة، ولكن لما أمر الله أمّته باتّباعه والاقتداء به في أفعاله وأحواله وقضاياه وسيره، وكان هذا لو كان ممّا يختصّ بعلمه ويؤثّره الله به، لم يكن للأمّة سبيل إلى الاقتداء به في شيء من ذلك، ولا قامت حجّة بقضيّة من قضاياه لأحد في شريعته، لأنا لا نعلم ما اطلع عليه هو في تلك القضيّة لحكمه هو إذا في ذلك بالمكنون من إعلام الله له بما أطلعه عليه من سرائرهم، وهذا ما لا تعلمه الأمة، فأجرى الله تعالى أحكامه على ظواهرهم التي يستوي في ذلك هو وغيره من البشر، ليتمّ اقتداء أمته به في تعيين قضاياه، وتنزيل أحكامه، ويأتون ما أتوا من ذلك على علم ويقين من سنّته، إذ البيان بالفعل أوقع منه بالقول، وأدفع لاحتمال اللّفظ وتأويل المتأوّل، وكان حكمه على الظاهر أجلى في البيان، وأوضح في وجوه الأحكام، وأكثر فائدة لموجبات التّشاجر والخصام، وليقتدي بذلك كلّه حكّام أمّته، ويستوثق بما يؤثر عنه، وينضبط قانون شريعته، وطيّ ذلك عنه من علم الغيب الذي استأثر به عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول، فيعلّمه منه بما شاء، ويستأثر بما شاء، ولا يقدح هذا في نبوّته، ولا يفصم عروة من عصمته.

الباب الرابع في حكم أقواله الدنيوية من إخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع في حكم أقواله الدنيوية من إخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله- صلى الله عليه وسلم- قال القاضي: وأما أقواله الدنيوية من إخباره عن أحوال غيره وما يفعله أو فعله الخلف فيها ممتنع عليه في كلّ حال، وعلى أيّ وجه، من عمد أو سهو، أو صحة أو مرض، أو رضا أو غضب، وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم. هذا فيما طريقه الخبر المحض ممّا يدخله الصّدق والكذب، فأمّا المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية لا سيّما لقصد المصلحة، كتوريته عن وجه مغازيه لئلا يأخذ العدوّ حذره. وكما روي من ممازحته ودعابته لبسط أمّته وتطييب قلوب المؤمنين من صحابته، وتأكيدا في تحبّبهم ومسرّة نفوسهم، كقوله: لأحملنّك على ابن النّاقة. وقوله للمرأة التي سألته عن زوجها: أهو الذي بعينه بياض. وهذا كلّه صدق، لأنّ كلّ جمل ابن ناقة، وكلّ إنسان بعينه بياض وقد قال صلى الله عليه وسلم: إني لأمزح ولا أقول إلا حقّا. هذا كلّه فيما بابه الخبر، فأما ما بابه غير الخبر مما صورته صورة الأمر والنّهي في الأمور الدنيوية فلا يصحّ منه أيضا، ولا يجوز عليه أن يأمر أحدا بشيء أو ينهى أحدا عن شيء وهو يبطن خلافه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين، فكيف أن تكون له خيانة قلب. فإن قلت: فما معنى إذا قوله تعالى في قصة زيد: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ.... فاعلم- أكرمك الله، ولا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر وأن يأمر زيدا بإمساكها وهو يحبّ تطليقه إياها. وأصحّ ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن علي بن حسين- أن الله تعالى كان أعلم نبيّه أن زينب ستكون من أزواجه، فلما شكاها إليه زيد قال له: أمسك عليك زوجك، واتق الله. وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوّجها مما الله مبديه ومظهره بتمام التّزويج وتطليق زيد لها.

وروى نحوه عمرو بن فائد، عن الزهري، قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أنّ الله يزوّجه زينب بنت جحش، فذلك الذي أخفى في نفسه. ويصحّح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا، أي لا بد لك أن تتزوّجها. ويوضّح هذا إن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها، فدلّ أنه الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم ممّا كان أعلمه به تعالى. وقوله تعالى في القصة: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا. فدلّ أنه لم يكن عليه حرج في الأمر. قال الطّبريّ: ما كان الله ليؤثم نبيه فيما أحلّ مثال فعله لمن قبله من الرسل، قال الله تعالى: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، أي: من النبيّين فيما أحلّ لهم، ولو كان على ما روي في حديث قتادة من وقوعها من قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند ما أعجبته، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج، وما لا يليق به من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا، ولكان هذا نفس الحسد المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء، فكيف سيّد الأنبياء؟. قال القشيري: وهذا إقدام عظيم من قائله، وقلة معرفة بحقّ النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله. وكيف يقال: رآها فأعجبته وهي بنت عمته، ولم يزل يراها منذ ولدت، ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم، وهو زوجها لزيد، وإنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها، لإزالة حرمة التبني، وإبطال سنّته، كما قال: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ. وقال: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ. ونحوه لابن فورك. وقال أبو الليث السمرقندي: فإن قيل: فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بإمساكها؟ فهو أنّ الله أعلم نبيّه أنها زوجته، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن طلاقها، إذ لم تكن بينهما ألفة، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به، فلما طلّقها زيد خشي قول الناس: يتزوّج امرأة ابنه، فأمره الله بزواجها ليباح مثل ذلك لأمّته، كما قال تعالى: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً. وقد قيل: كان أمره لزيد بإمساكها قمعا للشّهوة، وردّا للنفس عن هواها. وهذا إذا جوّزنا عليه أنه رآها فجأة واستحسنها. ومثل هذا لا نكرة فيه، لما طبع عليه ابن آدم من استحسانه

للحسن، ونظرة الفجاءة معفوّ عنها، ثم قمع نفسه عنها، وأمر زيدا بإمساكها، وإنما تنكر تلك الزيادات التي في القصّة. والتعويل والأولى ما ذكرناه عن علي بن حسين، وحكاه السمرقندي، وهو قول ابن عطاء، وصححه واستحسنه القاضي القشيري، وعليه عوّل أبو بكر بن فورك، وقال: إنه معنى ذلك عقد المحققين من أهل التفسير، قال: والنبي صلى الله عليه وسلم منزّه عن استعمال النّفاق في ذلك، وإظهار خلاف ما في نفسه، وقد نزّهه الله عن ذلك بقوله تعالى: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، قال: ومن ظنّ ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ. قال: وليس معنى الخشية هنا الخوف، وإنما معناه الاستحياء، أي يستحي منهم أن يقولوا: تزوّج زوجة ابنه. وأن خشيته صلى الله عليه وسلم من الناس كانت من إرجاف المنافقين واليهود وتشغيبهم على المسلمين بقولهم: تزوّج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء، كما كان، فعاتبه الله على هذا، ونزّهه عن الالتفات إليهم فيما أحلّه له، كما عتبة على مراعاة رضا أزواجه في سورة التحريم بقوله: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وكذلك قوله له ها هنا: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ. وقد روي عن الحسن وعائشة: لو كتم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا كتم هذه الآية، لما فيه من عتبة وإبداء ما أخفاه.

الباب الخامس في حكم أفعاله الدنيوية - صلى الله عليه وسلم -

الباب الخامس في حكم أفعاله الدنيوية- صلى الله عليه وسلم- قال القاضي: وأمّا أفعاله صلى الله عليه وسلم الدّنيويّة فحكمه فيها من توقّي المعاصي والمكروهات ما قد قدمناه، ومن جواز السّهو والغلط في بعضها ما ذكرناه. وكلّه غير قادح في النبوّة، بلى، إن هذا فيها على النّدور، إذ عامّة أفعاله على السّداد والصواب، بل أكثرها أو كلّها جارية مجرى العبادات والقرب على ما بيّنّا، إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يأخذ منها لنفسه إلا ضرورته، وما يقيم رمق جسمه، وفيه مصلحة ذاته التي بها يعبد ربّه، ويقيم شريعته، ويسوس أمّته، وما كان فيما بينه وبين الناس من ذلك فبين معروف يصنعه، أو بر يوسّعه، أو كلام حسن يقوله أو يسمعه، أو تألّف شارد، أو قهر معاند، أو مداراة حاسد، وكلّ هذا لاحق بصالح أعماله، منتظم في زاكي وظائف عباداته، وقد كان يخالف في أفعاله الدنيوية بحسب اختلاف الأحوال، ويعدّ للأمور أشباهها، فيركب- في تصرّفه لما قرب- الحمار، وفي أسفاره الراحلة، ويركب البغلة في معارك الحرب دليلا على الثبات، ويركب الخيل ويعدّها ليوم الفزع وإجابة الصارخ. وكذلك في لباسه وسائر أحواله بحسب اعتبار مصالحه ومصالح أمّته. وكذلك يفعل الفعل من أمور الدنيا مساعدة لأمّته وسياسة وكراهية لخلافها وإن كان قد يرى غيره خيرا منه، كما يترك الفعل لهذا، وقد يرى فعله خيرا منه. وقد يفعل هذا في الأمور الدينية مما له الخيرة في أحد وجهيه، كخروجه من المدينة لأحد، وكان مذهبه التحصّن بها، وتركه قتل المنافقين، وهو على يقين من أمرهم مؤالفة لغيرهم، ورعاية للمؤمنين من قرابتهم، وكراهة لأن يقول الناس: إنّ محمدا يقتل أصحابه، كما جاء في الحديث، وتركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم مراعاة لقلوب قريش وتعظيمهم لتغييرها، وحذرا من نفار قلوبهم لذلك، وتحريك متقدّم عداوتهم للدّين وأهله، فقال لعائشة في الحديث الصحيح: لولا حدثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم. ويفعل الفعل ثم يتركه، لكون غيره خيرا منه، كانتقاله من أدنى مياه بدر إلى أقربها للعدوّ من قريش، وقوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي. ويبسط وجهه للكافر والعدوّ رجاء استئلافه. ويصبر للجاهل، ويقول: إنّ من شرار الناس من اتّقاه الناس لشرّه، ويبذل له الرغائب ليحبّب إليه شريعته ودين ربّه.

ويتولّى في منزله ما يتولّى الخادم من مهنته، ويتسمّت في ملئه، حتى لا يبدو شيء من أطرافه، وحتى كأن على رؤوس جلسائه الطير، ويتحدث مع جلسائه بحديث أوّلهم، ويتعجّب مما يتعجبون منه، ويضحك مما يضحكون منه، قد وسع الناس بشره وعدله، لا يستفزّه الغضب، ولا يقصّر عن الحقّ، ولا يبطن على جلسائه، يقول: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين. فإن قلت: فما معنى قوله لعائشة رضي الله عنها في الداخل عليه: بئس ابن العشيرة. فلما دخل ألان له القول وضحك معه، فلما سألته عن ذلك قال: إن من شرّ الناس من اتّقاه الناس لشرّه. وكيف جاز أن يظهر له خلاف ما يبطن، ويقول في ظهره ما قال؟ فالجواب أنّ فعله صلى الله عليه وسلم كان استئلافا لمثله، وتطييبا لنفسه، ليتمكّن إيمانه، ويدخل في الإسلام بسببه أتباعه، ويراه مثله فينجذب بذلك إلى الإسلام. ومثل هذا على هذا الوجه قد خرج من حدّ مداراة الدنيا إلى السياسة الدّينية. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستألفهم بأموال الله العريضة فكيف بالكلمة اللّيّنة؟ قال صفوان: لقد أعطاني وهو أبغض الخلق إليّ، فما زال يعطيني حتى صار أحبّ الخلق إليّ. وقوله فيه: بئس ابن العشيرة- هو غير غيبة، بل هو تعريف ما علمه منه لمن لم يعلم، ليحذر حاله، ويحترز منه، ولا يوثق بجانبه كلّ الثّقة، ولا سيما وكان مطاعا متبوعا. ومثل هذا إذا كان لضرورة ودفع مضرّة لم يكن بغيبة، بل كان جائزا، بل واجبا في بعض الأحيان كعادة المحدّثين في تجريح الرواة والمزكّين في الشّهود. فإن قيل: فما معنى المعضل الوارد في حديث بريرة من قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة، وقد أخبرته أنّ موالي بريرة أبوا بيعها إلا أن يكون لهم الولاء، فقال لها صلى الله عليه وسلم: اشتريها واشترطي لهم الولاء. ففعلت، ثم قام خطيبا، فقال: ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل والنبي- صلى الله عليه وسلم- قد أمرها بالشّرط لهم، وعليه باعوها، ولولاه- والله أعلم- لما باعوها من عائشة، كما لم يبيعوها قبل حتى شرطوا ذلك عليها، ثم أبطله صلى الله عليه وسلم، وهو قد حرّم الغشّ والخديعة. فاعلم- أكرمك الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم منزّه عمّا يقع في بال الجاهل من هذا، ولتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما قد أنكر قوم هذه الزيادة: قوله: اشتر لهم الولاء، إذ ليست في أكثر طرق

الحديث، ومع ثباتها فلا اعتراض بها، إذ يقع «لهم» بمعنى «عليهم» ، قال الله تعالى: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ. وقال: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها. فعلى هذا اشترطي عليهم الولاء لك، ويكون قيام النبي صلى الله عليه وسلم ووعظه لما سلف من شرط الولاء لأنفسهم قبل ذلك. ووجه ثان: أنّ قوله صلى الله عليه وسلم: اشترطي لهم الولاء، ليس على معنى الأمر، لكن على معنى التسوية والإعلام بأنّ شرطه لهم لا ينفعهم بعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم لهم قبل أنّ الولاء لمن أعتق، فكأنه قال: اشترطي أو لا تشترطي، فإنه شرط غير نافع. وإلى هذا ذهب الدّاوديّ وغيره، وتوبيخ النبي صلى الله عليه وسلم، وتقريعهم على ذلك يدلّ على علمهم به قبل هذا. الوجه الثالث: أن معنى قوله: اشترطى لهم الولاء، أي أظهري لهم حكمه، وبيّني سنّته بأنّ الولاء إنما هو لمن أعتق. ثم بعد هذا قام هو صلى الله عليه وسلم مبيّنا ذلك وموبّخا على مخالفة ما تقدّم منه فيه. فإن قيل: فما معنى فعل يوسف عليه السلام بأخيه، إذ جعل السّقاية في رحله وأخذه باسم سرقتها، وما جرى على إخوته في ذلك، وقوله تعالى: إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ، ولم يسرقوا. فاعلم- أكرمك الله- أنّ الآية تدل على أنّ فعل يوسف كان عن أمر الله، لقوله تعالى: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ، ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. فإذا كان كذلك فلا اعتراض به، كان فيه ما فيه. وأيضا فإنّ يوسف كان أعلم أخاه بأني أنا أخوك فلا تبتئس، فكان ما جرى عليه بعد هذا من وفقه ورغبته، وعلى يقين من عقبى الخير له به، وإزاحة السّوء والمضرّة عنه بذلك. وأما قوله: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ، فليس من قول يوسف. فيلزم عليه جواب لحلّ شبهه. ولعلّ قائله إن حسّن له التأويل كائنا من كان ظنّ على صورة الحال ذلك. وقد قيل: قال ذلك لفعلهم قبل بيوسف وبيعهم له. وقيل غير هذا. ولا يلزم أن نقوّل الأنبياء ما لم يأت أنهم قالوه، حتى يطلب الخلاص منه، ولا يلزم الاعتذار عن زلّات غيرهم.

الباب السادس في الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وكذا سائر الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -

الباب السادس في الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وكذا سائر الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- قال القاضي: [فإن قيل: فما الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وعلى غيره من الأنبياء على جميعهم السلام؟ وما الوجه فيما ابتلاهم الله به من البلاء، وامتحانهم بما امتحنوا به، كأيوب، ويعقوب، ودانيال، ويحيى، وزكريا، وعيسى، وإبراهيم، ويوسف، وغيرهم. صلوات الله عليهم، وهم خيرته من خلقه وأحبّاؤه وأصفياؤه. فاعلم- وفّقنا الله وإياك- أنّ أفعال الله تعالى كلّها عدل، وكلماته جميعها صدق، لا مبدّل لكلماته، يبتلي عباده كما قال تعالى لهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. ولِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا- وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ. فامتحانه إياهم بضروب المحن زيادة في مكانتهم، ورفعة في درجاتهم، وأسباب لاستخراج حالات الصبر والرضا، والشكر والتسليم، والتوكّل، والتفويض، والدعاء، والتضرّع منهم، وتأكيد لبصائرهم في رحمة الممتحنين، والشفقة على المبتلين، وتذكرة لغيرهم، وموعظة لسواهم ليتأسّوا في البلاء بهم، فيتسلّوا في المحن بما جرى عليهم، ويقتدوا بهم في الصّبر، ومحو لهنات فرطت منهم، أو غفلات سلفت لهم، ليلقوا الله طيّبين مهذّبين، وليكون أجرهم أكمل، وثوابهم أوفر وأجزل. حدثنا القاضي أبو عليّ الحافظ، حدثنا أبو الحسين الصّيرفيّ وأبو الفضل بن خيرون، قالا: حدثنا أبو يعلى البغداديّ، حدثنا أبو علي السنجي، حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا أبو عيسى التّرمذي، حدثنا قتيبة، حدثنا حمّاد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشدّ بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرّجل على حسب دينه، فلما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. وكما قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وعن أبي هريرة: ما يزال البلاء بالمؤمن [والمؤمنة] في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.

وعن أنس، عنه صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرّ أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة. وفي حديث آخر: إذا أحبّ الله عبدا ابتلاه ليسمع تضرّعه. وحكى السمرقندي أن كل من كان أكرم على الله تعالى كان بلاؤه أشدّ كي يتبيّن فضله، ويستوجب الثواب، كما روي عن لقمان أنه قال: يا بنيّ، الذهب والفضة يختبران بالنار، والمؤمن يختبر بالبلاء. وقد حكي أنّ ابتلاء يعقوب بيوسف كان سببه التفاته في صلواته إليه، ويوسف نائم محبّة له. وقيل: بل اجتمع يوما هو وابنه يوسف على أكل حمل مشويّ، وهما يضحكان، وكان لهم جار يتيم، فشمّ ريحه واشتهاه وبكى، وبكت جدّة له عجوز لبكائه، وبينهما جدار، ولا علم عند يعقوب وابنه، فعوقب يعقوب بالبكاء أسفا على يوسف إلى أن سالت حدقتاه، وابيضّت عيناه من الحزن. فلما علم بذلك كان بقيّة حياته يأمر مناديا ينادي على سطحه: إلا من كان مفطرا فليتغدّ عند آل يعقوب. وعوقب يوسف بالمحنة التي نصّ الله عليها. وروي عن الليث أنّ سبب بلاء أيوب أنه دخل مع أهل قريته على ملكهم، فكلّموه في ظلمه، وأغلظوا له إلّا أيوب، فإنه رفق به مخافة على زرعه، فعاقبه الله ببلائه. ومحنة سليمان لما ذكرناه من نيته في كون الحقّ في جنبه أصهاره، أو للعمل بالمعصية في داره، ولا علم عنده. وهذه فائدة شدّة المرض والوجع بالنبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: رأيت الوجع على أحد أشدّ منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عبد الله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، يوعك وعكا شديدا، فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا! قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك أنّ الأجر مرتين، قال: أجل، ذلك كذلك. وفي حديث أبي سعيد أن رجلا وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: والله ما أطيق أضع يدي عليك من شدّة حمّاك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء، إن كان النبيّ ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي ليبتلى بالفقر، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء.

وعن أنس، عنه صلى الله عليه وسلم: «أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحبّ قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرّضا، ومن سخط فله السّخط. وقد قال المفسرون في قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ، إنّ المسلم يجزى بمصائب الدنيا، فتكون له كفارة. وروي هذا عن عائشة، وأبيّ، ومجاهد. وقال أبو هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يصب منه» . وقال في رواية عائشة: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلّا يكفّر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها» . وقال في رواية أبي سعيد: «ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» . وفي حديث ابن مسعود: «ما من مسلم يصيبه أذى إلا حاتّ الله عنه خطاياه كل تحاتّ ورق الشّجر» . وحكمة أخرى أودعها الله في الأمراض لأجسامهم، وتعاقب الأوجاع عليها وشدّتها عند مماتهم، لتضعف قوى نفوسهم، فيسهل خروجها عند قبضهم، وتخفّ عليهم مؤنة النّزع، وشدة السكرات بتقدّم المرض، وضعف الجسم والنّفس لذلك. وهذا خلاف موت الفجاءة وأخذه، كما يشاهد من اختلاف أحوال الموتى في الشدة واللّين، والصعوبة والسهولة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن مثل خامة الزّرع تفيّؤها الرّيح هكذا وهكذا. وفي رواية أبي هريرة عنه: «من حيث أتتها الريح تكفؤها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء. ومثل الكافر كمثل الأرزة صمّاء معتدلة حتى يقصمه الله» . معناه أن المؤمن مرزّأ، مصاب بالبلاء والأمراض، راض بتصريفه بين أقدار الله تعالى، منصاع لذلك، ليّن الجانب برضاه وقلّة سخطه، كطاعة خامة الزّرع وانقيادها للرياح، وتمايلها لهبوبها وترنحها من حيث ما أتتها، فإذا أزاح الله عن المؤمن رياح البلايا، واعتدل صحيحا كما اعتدلت خامة الزّرع عند سكون رياح الجوّ إلى شكر ربّه ومعرفة نعمته عليه برفع بلائه، منتظرا رحمته وثوابه عليه. فإذا كان بهذه السبيل لم يصعب عليه مرض الموت، ولا نزوله، ولا اشتدّت عليه سكراته ونزعه، لعادته بما تقدم من الآلام ومعرفة ما له فيها من الأجر، وتوطينه نفسه على المصائب ورقّتها وضعفها بتوالي المرض أو شدّته، والكافر بخلاف هذا: معافى في غالب

حاله، ممتّع بصحة جسمه، كالأرزة الصمّاء، حتى إذا أراد الله هلاكه قصمه لحينه على غرّة، وأخذه بغتة من غير لطف ولا رفق، فكان موته أشدّ عليه حسرة، ومقاساة نزعه مع قوة نفسه وصحة جسمه أشدّ ألما وعذابا، ولعذاب الآخرة أشدّ، كانجعاف الأرزة. وكما قال تعالى: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. وكذلك عادة الله تعالى في أعدائه، كما قال تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ... ، ففاجأ جميعهم بالموت على حال عتوّ وغفلة، وصبّحهم به على غير استعداد بغتة، ولهذا ما كره السلف موت الفجاءة. ومنه في حديث إبراهيم: كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف: أي الغضب، يريد موت الفجاءة. وحكمة ثالثة أنّ الأمراض نذير الممات، وبقدر شدّتها شدة الخوف من نزول الموت، فيستعدّ من أصابته وعلم تعاهدها له، للقاء ربّه، ويعرض عن دار الدنيا الكثيرة الأنكاد، ويكون قلبه معلّقا بالمعاد، فيتنصّل من كل ما يخشى تباعته من قبل الله، وقبل العباد، ويؤدّي الحقوق إلى أهلها، وينظر فيما يحتاج إليه من وصيّة فيمن يخلّفه أو أمر يعهده. وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم المغفور له ما تقدم وما تأخّر، قد طلب التنصّل في مرضه ممّن كان له عليه مال أو حقّ في بدن، وأفاد من نفسه وماله، وأمكن من القصاص منه، على ما ورد في حديث الفضل، وحديث الوفاة، وأوصى بالثقلين بعده: كتاب الله، وعترته، وبالأنصار عيبته، ودعا إلى كتب كتاب لئلا تضلّ أمته بعده، إما في النصّ على الخلافة، أو الله أعلم بمراده. ثم رأى الإمساك عنه أفضل وخيرا. وهكذا سيرة عباد الله المؤمنين وأوليائه المتقين. وهذا كلّه يحرمه غالبا الكفّار، لإملاء الله لهم، ليزدادوا إثما، وليستدرجهم من حيث لا يعلمون، قال الله تعالى: ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ. فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في رجل مات فجأة: «سبحان الله! كأنه على غضب، المحروم من حرم وصيّته» . وقال: «موت الفجاءة راحة للمؤمن، وأخذة أسف للكافر والفاجر» ، وذلك لأن الموت يأتي المؤمن، وهو غالبا مستعدّ له منتظر لحلوله، فهان أمره عليه كيفما جاء، وأفضى إلى راحته من نصب الدنيا وأذاها، كما قال صلى الله عليه وسلم: مستريح ومستراح منه. وتأتي الكافر والفاجر منيّته على

غير استعداد ولا أهبة ولا مقدّمات منذرة مزعجة، بل تأتيهم بغتة فتبهتهم، فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون، فكان الموت أشدّ شيء عليه. وفراق الدّنيا أفظع أمر صدمه، وأكره شيء له، وإلى هذا المعنى أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» ] .

جماع أبواب حكم من سبه أو انتقصه وكذا سائر الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -

جماع أبواب حكم من سبه أو انتقصه وكذا سائر الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- الباب الأول في ذكر فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية [قال القاضي أبو الفضل رضي الله عنه: قد تقدّم من الكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة ما يجب من الحقوق للنبي صلى الله عليه وسلم، وما يتعيّن له من برّ وتوقير، وتعظيم وإكرام، وبحسب هذا حرّم الله تعالى أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل متنقّصه من المسلمين وسابّه، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. وقال الله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً. وقال تعالى في تحريم التعريض به: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ. وذلك أن اليهود كانوا يقولون: راعنا يا محمد، أي أرعنا سمعك، واسمع منا، ويعرّضون بالكلمة، يريدون الرّعونة، فنهى الله المؤمنين عن التشبّه بهم، وقطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها، لئلا يتوصّل بها الكافر والمنافق إلى سبّه والاستهزاء به. وقيل: بل لما فيها من مشاركة اللفظ، لأنها عند اليهود بمعنى اسمع لا سمعت. وقيل: بل لما فيها من قلّة الأدب، وعدم توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، لأنها في لغة الأنصار بمعنى: ارعنا نرعك، فنهوا عن ذلك، إذ مضمّنه أنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم، وهو- صلى الله عليه وسلم- واجب الرعاية بكل حال، وهذا هو صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التكني بكنيته، فقال: تسموا باسمي، ولا تكنّوا بكنيتي، صيانة لنفسه، وحماية عن أذاه، إذ كان صلى الله عليه وسلم استجاب لرجل نادى: يا أبا القاسم، فقال: لم أعنك، إنما دعوت هذا، فنهى حينئذ عن التكنّي بكنيته لئلا يتأذّى بإجابة دعوة غيره لمن لم يدعه، ويجد بذلك المنافقون والمستهزئون ذريعة إلى أذاه والإزراء به، فينادونه، فإذا التفت قالوا: إنما أردنا هذا- لسواه- تعنيتا له، واستخفافا بحقه على عادة المجان والمستهزئين، فحمى صلى الله عليه وسلم حمى أذاه بكل وجه، فحمل محقّقو العلماء نهيه عن هذا على مدة حياته، وأجازوه بعد وفاته لارتفاع العلّة.

وللناس في هذا الحديث مذاهب ليس هذا موضعها، وما ذكرناه هو مذهب الجمهور، والصواب إن شاء الله. وإنّ ذلك على طريق تعظيمه وتوقيره، وعلى سبيل النّدب والاستحباب، لا على التحريم، ولذلك لم ينه عن اسمه، لأنه قد كان الله منع من ندائه به بقوله: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، وإنما كان المسلمون يدعونه برسول الله، وبنبيّ الله، وقد يدعوه- بكنيته أبا القاسم- بعضهم في بعض الأحوال. وقد روى أنس رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم، ما يدلّ على كراهة التسمّي باسمه، وتنزيهه عن ذلك، إذا لم يوقّر، فقال: تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم. وروى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: لا يسمّى أحد باسم النبي صلى الله عليه وسلم، حكاه أبو جعفر الطبري. [وحكى محمد بن سعد أنه نظر إلى رجل اسمه محمد، ورجل يسبّه ويقول له: فعل الله بك يا محمد وصنع. فقال عمر لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: لا أرى محمدا صلى الله عليه وسلم يسبّ بك، والله لا تدعى محمدا ما دمت حيّا، وسمّاه عبد الرحمن، وأراد أن يمنع أن يسمّى أحد بأسماء الأنبياء إكراما لهم بذلك، وغيّر أسماء جماعة تسمّوا بأسماء الأنبياء، ثم أمسك] . والصواب جواز هذا كلّه بعده صلى الله عليه وسلم، بدليل إطباق الصحابة على ذلك. وقد سمّى جماعة منهم ابنه محمدا، وكناه بأبي القاسم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك لعلي رضي الله عنه. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنّ ذلك اسم المهدي وكنيته. [وقد سمّى به النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن طلحة، ومحمد بن عمرو بن حزم، ومحمد بن ثابت بن قيس، وغير واحد، وقال: ما ضرّ أحدكم أن يكون في بيته محمد ومحمدان وثلاثة] .

الباب الثاني في بيان ما هو في حقه - صلى الله عليه وسلم - سب من المسلم

الباب الثاني في بيان ما هو في حقه- صلى الله عليه وسلم- سب من المسلم [اعلم- وفّقنا الله وإياك- أنّ جميع من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبّهه بشيء على طريق السبّ له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغضّ منه، والعيب له، فهو سابّ له، والحكم فيه حكم السابّ، يقتل كما نبيّنه، ولا نستثني فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري فيه تصريحا كان أو تلويحا. وكذلك من لعنه أو دعا عليه، أو تمنّى مضرّة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذّمّ، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، ومنكر من القول وزور، أو عيّره بشيء ممّا جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. وهذا كلّه إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلمّ جرّا. وقال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوامّ أهل العلم على أن من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم يقتل، وممّن قال ذلك مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعيّ. قال القاضي أبو الفضل: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولا تقبل توبته عند هؤلاء المذكورين. وبمثله قال أبو حنيفة، وأصحابه، والثّوريّ وأهل الكوفة، والأوزاعيّ في المسلم، لكنهم قالوا: هي ردّة. روى مثله الوليد بن مسلم عن مالك. وحكى الطبري مثله عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن تنقّصه صلى الله عليه وسلم، أو برئ منه أو كذّبه. وقال سحنون فيمن سبّه: ذلك ردّة كالزّندقة. وعلى هذا وقع الخلاف في استتابته وتكفيره، وهل قتله حدّ أو كفر، كما سنبيّنه في الباب الثالث إن شاء الله تعالى، ولا نعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره، وأشار بعض الظاهرية- وهو أبو محمد علي بن أحمد الفارسيّ إلى الخلاف في تكفير المستخفّ به.

والمعروف ما قدّمناه، قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أنّ شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقّص له كافر. والوعيد جار عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شكّ في كفره وعذابه كفر. واحتجّ إبراهيم بن حسين بن خالد الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله- عن النبي صلى الله عليه وسلم: صاحبكم. وقال أبو سليمان الخطّابي: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله إذا كان مسلما. وقال ابن القاسم- عن مالك في كتاب ابن سحنون، والمبسوط، والعتبيّة، وحكاه مطرّف عن مالك في كتاب ابن حبيب: من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين قتل، ولم يستتب. قال ابن القاسم في العتبيّة: من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقّصه فإن يقتل، وحكمه عند الأمة القتل كالزّنديق. وقد فرض الله تعالى توقيره وبرّه. وفي المبسوط- عن عثمان بن كنانة: من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين قتل أو صلب حيّا ولم يستتب والإمام مخيّر في صلبه حيّا أو قتله. ومن رواية أبي المصعب، وابن أبي أويس: سمعنا مالكا يقول: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شتمه، أو عابه، أو تنقّصه- قتل مسلما كان أو كافرا، ولا يستتاب. وفي كتاب محمد: أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب. وقال أصبغ: يقتل على كل حال أسرّ ذلك أو أظهره، ولا يستتاب، لأنّ توبته لا تعرف. وقال عبد الله بن الحكم: من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب. وحكى الطبريّ مثله عن أشهب، عن مالك. وروى ابن وهب، عن مالك: من قال: إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم-. ويروي زرّ النبي صلى الله عليه وسلم- وسخ، أراد عيبه- قتل. وقال بعض علمائنا: أجمع العلماء على أنّ من دعا على نبي من الأنبياء بالويل، أو بشيء من المكروه- أنّه يقتل بلا استتابة. وأفتى أبو الحسن القابسيّ فيمن قال في النبي صلى الله عليه وسلم: الحمّال يتيم أبي طالب بالقتل.

وأفتى أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجل سمع قوما يتذاكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرّ بهم رجل قبيح الوجه واللّحية، فقال لهم: تريدون تعرفون صفته، هي في صفة هذا المارّ في خلقه ولحيته. قال: ولا تقبل توبته. وقد كذب- لعنه الله، وليس يخرج من قلب سليم الإيمان. وقال أحمد بن أبي سليمان صاحب سحنون: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسود يقتل. وقال في رجل قيل له: لا، وحقّ رسول الله. فقال: فعل الله برسول الله كذا وكذا- وذكر كلاما قبيحا، فقيل له: ما تقول يا عدو الله؟ فقال أشدّ من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول الله العقرب. فقال ابن أبي سليمان الذي سأله: اشهد عليه وأنا شريكك- يريد في قتله وثواب ذلك. قال حبيب بن الربيع: لأنّ ادّعاءه التأويل في لفظ صراح لا يقبل، لأنه امتهان، وهو غير معزّز لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا موقّر له، فوجب إباحة دمه. وأفتى أبو عبد الله بن عتّاب في عشّار قال لرجل: أدّ واشك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن سألت أو جعلت فقد جهل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم- بالقتل. وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقّه الطليطليّ وصلبه بما شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وختن حيدرة، وزعمه أنّ زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها، إلى أشباه لهذا. وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعرا متفنّنا في كثير من العلوم، وكان ممّن يحضر مجلس القاضي أبي العباس بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا صلى الله عليه وسلم، فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء، وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين، وصلب منكّسا، ثم أنزل وأحرق بالنار. وحكى بعض المؤرخين أنه لمّا رفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي استدارت، وحوّلته عن القبلة، فكان آية للجميع، وكبّر الناس، وجاء كلب فولغ في دمه، فقال يحيى بن عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يلغ الكلب في دم مسلم. وقال القاضي أبو عبد الله بن المرابط: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم هزم يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، لأنه تنقّص، إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته، إذ هو على بصيرة من أمره، ويقين من عصمته.

وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك وأصحابه أنّ من قال فيه صلى الله عليه وسلم: ما فيه نقص قتل دون استتابة. وقال ابن عتّاب: الكتاب والسنة موجبان أنّ من قصد النبي صلى الله عليه وسلم بأذى أو نقص، معرّضا أو مصرّحا، وإن قلّ- فقتله واجب، فهذا الباب كلّه مما عده العلماء سبّا أو تنقّصا يجب قتل قائله، لم يختلف في ذلك متقدّمهم ولا متأخّرهم، وإن اختلفوا في حكم قتله على ما أشرنا إليه ونبيّنه بعد. وكذلك أقول: حكم من غمصه أو عيّره برعاية الغنم أو السّهو أو النسيان أو السّحر، أو ما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوّه، وشدة من زمنه، أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كلّه لمن قصد به نقصه القتل. وقد مضى من مذاهب العلماء في ذلك، ويأتي ما يدل عليه] ..

الباب الثالث في بيان ما هو في حقه - صلى الله عليه وسلم - سب من الكافر

الباب الثالث في بيان ما هو في حقه- صلى الله عليه وسلم- سب من الكافر قال القاضي: [فأمّا الذّمّي إذا صرّح بسبّه أو عرّض، أو استخفّ بقدره، أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به- فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم، لأنّا لم نعطه الذمّة أو العهد على هذا، وهو قول عامة الفقهاء، إلا أبا حنيفة والثوريّ وأتباعهما من أهل الكوفة، فإنهم قالوا: لا يقتل، ما هو عليه من الشّرك أعظم، ولكن يؤدب ويعزّر. واستدلّ بعض شيوخنا على قتله بقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ، إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ. ويستدلّ عليه أيضا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم لابن الأشرف وأشباهه، ولأنّا لم نعاهدهم، ولم نعطهم الذّمّة على هذا، ولا يجوز لنا أن نفعل ذلك معهم، فإذا أتوا ما لم يعطوا عليه العهد ولا الذمّة فقد نقضوا ذمّتهم، وصاروا كفارا يقتلون لكفرهم. وأيضا فإنّ ذمّتهم لا تسقط حدود الإسلام عنهم، من القطع في سرقة أموالهم، والقتل لمن قتلوه منهم، وإن كان ذلك حلالا عندهم فكذلك سبّهم للنبي صلى الله عليه وسلم يقتلون به. ووردت لأصحابنا ظواهر تقتضي الخلاف إذا ذكره الذميّ بالوجه الذي كفر به، ستقف عليها من كلام ابن القاسم وابن سحنون بعد. وحكى أبو المصعب الخلاف فيها عن أصحابه المدنيين. واختلفوا إذا سبّه ثم أسلم، فقيل: يسقط إسلامه قتله، لأن الإسلام يجبّ ما قبله، بخلاف المسلم إذا سبّه ثم تاب، لأنّا نعلم باطنة الكافر في بغضه له، وتنقّصه بقلبه، لكنّا منعناه من إظهاره، فلم يزدنا ما أظهره إلا مخالفة للأمر، ونقضا للعهد، فإذا رجع عن دينه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله، قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ. والمسلم بخلافه، إذ كان ظنّنا بباطنه حكم ظاهره، وخلاف ما بدا منه الآن، فلم نقبل بعد رجوعه، ولا استنمنا إلى باطنه، إذ قد بدت سرائره، وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لا يسقطها شيء. وقيل: لا يسقط إسلام الذميّ السابّ قتله، لأنه حقّ للنبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه، لانتهاكه حرمته، وقصده إلحاق النّقيصة والمعرّة به، فلم يكن رجوعه إلى الإسلام بالذي يسقطه، كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف، وإذا كنّا لا نقبل توبة المسلم فإنّا لا نقبل توبة الكافر أولى.

وقال مالك في كتاب ابن حبيب، والمبسوط، وابن القاسم، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ- فيمن شتم نبيّنا من أهل الذّمّة أو أحدا من الأنبياء عليهم السلام قتل إلا أن يسلم، وقاله ابن القاسم في العتبية، وعند محمد، وابن سحنون. وقال سحنون وأصبغ: لا يقال له: أسلم، ولا لا تسلم، ولكن إن أسلم فذلك له توبة. وفي كتاب محمد: أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب. وروي لنا عن مالك: إلّا أن يسلم الكافر. وقد روى ابن وهب، عن ابن عمر- أنّ راهبا تناول النبي صلى الله عليه وسلم! فقال ابن عمر: فهلّا قتلتموه! وروى عيسى عن ابن القاسم في ذمّيّ قال: إن محمدا لم يرسل إلينا، إنما أرسل إليكم، وإنما نبيّنا موسى أو عيسى، ونحو هذا: لا شيء عليهم، لأن الله تعالى أقرّهم على مثله. وأمّا إن سبّه فقال: ليس بنبيّ، أو لم يرسل، أو لم ينزّل عليه قرآن، وإنما هو شيء تقوّله أو نحو هذا فيقتل. وقال ابن القاسم: وإذا قال النصرانيّ: ديننا خير من دينكم، وإنما دينكم دين الحمير، ونحو هذا من القبيح، أو سمع المؤذّن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال: كذلك يعطيكم الله، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطّويل. قال: وأمّا إن شتم النبي صلى الله عليه وسلم شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم، قاله مالك غير مرّة، ولم يقل: يستتاب. قال ابن القاسم: ومحمل قوله عندي إن أسلم طائعا. وقال ابن سحنون في سؤالات سليمان بن سالم في اليهوديّ يقول للمؤذّن، إذا تشهّد: كذبت- يعاقب العقوبة الموجعة مع السّجن الطويل. وفي النوادر من رواية سحنون عنه: من شتم الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفروا ضربت عنقه إلّا أن يسلم. قال محمد بن سحنون: فإن قيل: لم قتلته في سبّ النبي صلى الله عليه وسلم ومن دينه سبّه وتكذيبه؟ قيل: لأنا لم نعطهم العهد على ذلك، ولا على قتلنا، وأخذ أموالنا، فإذا قتل واحدا منا قتلناه، وإن كان من دينه استحلاله، فكذلك إظهاره لسبّ نبينا صلى الله عليه وسلم. قال سحنون: كما لو بذل هنا أهل الحرب الجزية على إقرارهم على سبّه لم يجز لنا ذلك في قول قائل.

الباب الرابع في بيان قتل الساب إذا كان ممن يدعي الإسلام ولم يتب

الباب الرابع في بيان قتل الساب إذا كان ممن يدّعي الإسلام ولم يتب قال القاضي: [الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلى الله عليه وسلم فمن القرآن لعنه تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة، وقرانه تعالى أذاه بأذاه، ولا خلاف في قتل من سبّ الله، وأنّ اللّعن إنما يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. وقال- في قاتل المؤمن مثل ذلك، فمن لعنته في الدّنيا القتل، قال الله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. وقال- في المحاربين، وذكر عقوبتهم: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا. وقد يقع القتل بمعنى اللّعن، قال الله تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ. وقاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، أي لعنهم الله، ولأنه فرق بين أذاهما وأذى المؤمنين، وفي أذى المؤمنين ما دون القتل، من الضّرب والنّكال، فكان حكم مؤذي الله ونبيّه أشدّ من ذلك، وهو القتل. وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. فسلب اسم الإيمان عمّن وجد في صدره حرجا من قضائه، ولم يسلّم له، ومن تنقّصه فقد ناقض هذا. وقال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. ولا يحبط العمل إلا الكفر، والكافر يقتل. وقال تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ... ثم قال: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ. وقال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ. ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ، إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ. قال أهل التفسير: كفرتم بقولكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمّا الإجماع فقد ذكرناه. وأمّا الآثار فحدّثنا الشيخ أبو عبد الله أحمد بن غلبون، عن الشيخ أبي ذرّ الهروي إجازة، قال: حدثنا أبو الحسن الدارقطني، وأبو عمر بن حيوة، حدثنا محمد بن نوح، حدثنا عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، حدثنا عبد الله بن موسى بن جعفر، عن علي بن موسى، عن أبيه، عن جدّه، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن أبيه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سب نبيّا فاقتلوه، ومن سبّ أصحابي فاضربوه. وفي الحديث الصحيح: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف. وقوله: من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله. توجّه إليه من قتله غيلة دون دعوة، بخلاف غيره من المشركين، وعلّل قتله بأذاه له، فدلّ أنّ قتله إياه لغير الإشراك، بل للأذى. وكذلك قتل أبا رافع، قال البراء: وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعين عليه. وكذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللّتين كانتا تغنّيان بسبّه صلى الله عليه وسلّم. وفي حديث آخر أن رجلا كان يسبّه- صلى الله عليه وسلم، فقال: من يكفيني عدوّي؟ فقال خالد: أنا. فبعثه صلى الله عليه وسلم فقتله. وكذلك لم يقل جماعة ممّن كان يؤذيه من الكفّار ويسبّه، كالنّضر بن الحارث، وعقبة ابن أبي معيط. وعهد بقتل جماعة منهم قبل الفتح وبعده، فقتلوا إلا من بادر بإسلامه قبل القدرة عليه. وقد روى البزار، عن ابن عباس- أن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معشر قريش، ما لي أقتل من بينكم صبرا! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بكفرك وافترائك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر عبد الرزّاق أن النبي صلى الله عليه وسلم سبّه رجل، فقال: من يكفيني عدوّي؟ فقال الزبير: أنا، فبارزه فقتله الزبير. وروى أيضاً أن امرأة كانت تسبّه صلى الله عليه وسلم، فقال: من يكفيني عدوّتي؟ فخرج إليها خالد ابن الوليد فقتلها. وروي أن رجلا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث عليّا والزّبير إليه ليقتلاه.

وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، سمعت أبي يقول فيك قولا قبيحا فقتلته! فلم يشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر رضي الله عنه أن امرأة هناك في الردّة غنّت بسبّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع يدها، ونزع ثنيّتها، فبلغ أبا بكر رضي الله عنه ذلك، فقال له: لولا ما فعلت لأمرتك بقتلها، لأنّ حدّ الأنبياء ليس بشبه الحدود. وعن ابن عباس: هجت امرأة من خطمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من لي بها؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله. فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا ينتطح فيها عنزان. وعن ابن عباس أن أعمى كانت له أمّ ولد تسبّ النبي صلى الله عليه وسلم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فقتلها، وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأهدر دمها. وفي حديث أبي برزة الأسلمي: كنت يوما جالسا عند أبي بكر الصديق، فغضب على رجل من المسلمين- وحكى القاضي إسماعيل وغير واحد من الأئمة في هذا الحديث أنه سب أبا بكر. ورواه النّسائي: أتيت أبا بكر، وقد أغلظ لرجل فردّ عليه، قال: فقلت: يا خليفة رسول الله، دعني أضرب عنقه. فقال: اجلس، فليس ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبو محمد بن نصر: ولم يخالف عليه أحد، فاستدلّ الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلى الله عليه وسلم بكلّ ما أغضبه أو آذاه أو سبّه. ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سبّ عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر: إنه لا يحلّ قتل امرئ مسلم بسبّ أحد من الناس إلا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن سبه فقد حلّ دمه. وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له أنّ فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيّها! من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلد. قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى: كذا وقع في هذه الحكاية، ورواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلّفي أخباره وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر! وقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله، ولعلّهم ممن لم يشهر بعلم، أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه بقتله أو يكون ما قاله يحمل على غير السبّ، فيكون الخلاف: هل

هو سبّ أو غير سب؟ أو يكون رجع وتاب من سبّه، فلم يقله لمالك على أصله، وإلا فالإجماع على قتل من سبّه كما قدّمناه. ويدلّ على قتله من جهة النّظر والاعتبار أنّ من سبه أو تنقّصه صلى الله عليه وسلم فقد ظهرت علامة مرض قلبه، وبرهان سرّ طويّته وكفره، ولهذا ما حكم له كثير من العلماء بالردّة، وهي رواية الشاميين عن مالك والأوزاعي، وقول الثوري، وأبو حنيفة، والكوفيين. والقول الآخر أنه دليل على الكفر، فيقتل حدّا، وإن لم يحكم له بالكفر إلا أن يكون متماديا على قوله، غير منكر له، ولا مقلع عنه، فهذا كافر، وقوله: إمّا صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذمّ، فاعترافه بها وترك توبته عنها دليل استحلاله لذلك، وهو كفر أيضا، فهذا كافر بلا خلاف، قال الله تعالى في مثله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ. قال أهل التفسير: هي قولهم: إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير. وقيل: قول بعضهم: ما مثلنا ومثل محمد إلا قول القائل: سمّن كلبك يأكلك، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. وقد قيل: إنّ قائل مثل هذا إن كان مستترا به إنّ حكمه حكم الزّنديق يقتل، ولأنه قد غيّر دينه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من غيّر دينه فاضربوا عنقه» ، ولأنّ لحكم النبي صلى الله عليه وسلم في الحرمة مزيّة على أمته، وساب الحرّ من أمّته يحدّ، فكانت العقوبة لمن سبّه صلى الله عليه وسلم القتل، لعظيم قدره، وشفوف منزلته على غيره ... ] .

الباب الخامس في الكلام على توبة المسلم واستتابته

الباب الخامس في الكلام على توبة المسلم واستتابته [إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ فالاختلاف فيها على الاختلاف في توبة المرتدّ، إذ لا فرق. وقد اختلف السّلف في وجوبها وصورتها ومدّتها، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ المرتدّ يستتاب. وحكى ابن القصّار أنه إجماع من الصحابة على تصويب قول عمر في الاستتابة، ولم ينكره واحد منهم، وهو قول عثمان، وعليّ، وابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح، والنّخعي، والثّوري، ومالك، وأصحابه، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وذهب طاوس، ومحمد بن الحسن، وعبيد بن عمير، والحسن في إحدى الروايتين عنه- أنه لا يستتاب، وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة، وذكره عن معاذ، وأنكره سحنون عن معاذ، وحكاه الطحاوي عن أبي يوسف، وهو قول أهل الظاهر، قالوا: وتنفعه توبته عند الله، ولكن لا تدرأ القتل عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم، [من بدّل دينه] فاقتلوه. وحكي أيضا عن عطاء: إن كان ممّن ولد في الإسلام لم يستتب، ويستتاب الإسلاميّ. وجمهور العلماء على أنّ المرتدّ والمرتدّة في ذلك سواء. وروي عن علي رضي الله عنه: لا تقتل المرتدّة، وتسترقّ، وقاله عطاءة وقتادة. وروى عن ابن عبّاس: لا تقتل النساء في الردة، وبه قال أبو حنيفة. قال مالك: والحرّ والعبد والذّكر والأنثى في ذلك سواء] .

الباب السادس في انتقاض عهد الذمي إذا ذم المقام الشريف ووجوب قتله والنص على ذلك

الباب السادس في انتقاض عهد الذمي إذا ذمّ المقام الشريف ووجوب قتله والنص على ذلك [كذلك ينتقض عهد من سبّ منهم، ويحلّ لنا دمه، فكما لم يحصّن الإسلام من سبّه من القتل كذلك لا تحصّنه الذمة. قال القاضي أبو الفضل: ما ذكره ابن سحنون عن نفسه وعن أبيه مخالف لقول ابن القاسم فيما خفّف عقوبتهم فيه مما به كفروا، فتأمّله. ويدلّ على أنه خلاف ما روي عن المدنيّين في ذلك، فحكى أبو المصعب الزهري، قال: أتيت بنصرانيّ قال: والذي اصطفى عيسى على محمّد، فاختلف عليّ فيه، فضربته حتى قتلته، أو عاش يوما وليلة، وأمرت من جرّ برجله، وطرح على مزبلة، فأكلته الكلاب. وسئل أبو المصعب عن نصراني قال: عيسى خلق محمدا. فقال: يقتل. وقال ابن القاسم: سألنا مالكا عن نصرانيّ بمصر شهد عليه أنه قال: مسكين محمد، يخبركم أنه في الجنة، ما له لم ينفع نفسه! إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه، لو قتلوه استراح منه الناس. قال مالك: أرى أن تضرب عنقه] . الباب السابع في عدم قبول توبته إذا سب مع بقائه على كفره [ ... ] [قلت وهو مذكور في ثنايا البابين السابقين] . الباب الثامن في أن توبته بالإسلام هل هي صحيحة مسقطة للقتل أم لا وهل يستتاب بالإسلام ويدّعي الندم قال القاضي: [إن تاب على القول بقبول توبته فهذا يدرأ عنه القتل، ويتسلّط عليه اجتهاد الإمام بقدر شهرة حاله، وقوة الشهادة عليه، وضعفها، وكثرة السّماع عنه، وصورة حاله من التهمة في الدّين والنّبز بالسّفه والمجون، فمن قوي أمره أذاقه من شديد النّكال من التضييق في السّجن، والشدّ في القيود إلى الغاية التي هي منتهى طاقته بما لا يمنعه القيام لضرورته، ولا

الباب التاسع في الخلاف في أن حكم الحاكم بسقوط القتل عن الساب مع بقائه على الكفر صحيح أم لا؟

يقعده عن صلاته، وهو حكم كلّ من وجب عليه القتل، لكن وقف عن قتله لمعنى أوجبه، وتربّص به لإشكال وعائق اقتضاه أمره، وحالات الشدة في نكاله تختلف بحسب اختلاف حاله. وقد روى الوليد عن مالك والأوزاعيّ أنها ردّة، فإذا تاب نكّل. ولمالك في العتبيّة وكتاب محمد، من رواية أشهب: إذا تاب المرتدّ فلا عقوبة عليه. وقاله سحنون. وأفتى أبو عبد الله بن عتّاب فيمن سبّ النبي صلى الله عليه وسلم، فشهد عليه شاهدان عدّل أحدهما بالأدب الموجع والتّنكيل والسّجن الطويل حتى تظهر توبته. وقال القابسيّ في مثل هذا: ومن كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل في القتل لم ينبغ أن يطلق من السجن، ويستطال سجنه، ولو كان فيه من المدة ما عسى أن يقيم، ويحمل عليه من القيد ما يطيق. وقال في مثله ممّن أشكل أمره: يشدّ في القيود شدّا، ويضيّق عليه في السجن حتى ينظر فيما يجب عليه. وقال في مسألة أخرى مثلها: ولا تهراق الدماء إلا بالأمر الواضح، وفي الأدب بالسّوط والسّجن نكال للسفهاء، ويعاقب عقوبة شديدة، فأما إن لم يشهد عليه سوى شاهدين، وأثبت من عداوتهما أو جرحتهما ما أسقطهما عنه، ولم يسمع ذلك من غيرها فأمره أخفّ لسقوط الحكم عنه، وكأنه لم يشهد عليه، إلا أن يكون مما لا يليق به ذلك، ويكون الشاهدان من أهل التّبريز فأسقطهما بعداوة، فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما فلا يدفع الظنّ صدقهما، وللحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد. والله وليّ الإرشاد] . الباب التاسع في الخلاف في أن حكم الحاكم بسقوط القتل عن السابّ مع بقائه على الكفر صحيح أم لا؟ [ ... ] .

جماع أبواب بعض الحوادث الكائنة بالمدينة الشريفة في سني الهجرة غير ما تقدم

جماع أبواب بعض الحوادث الكائنة بالمدينة الشريفة في سني الهجرة غير ما تقدم باب مبدأ التاريخ الإسلامي وأسقطت ذكر بقية الأبواب لكثرتها، وفيه أنواع الأول: في بيان من ابتدأ بالتأريخ. روى الحاكم في «الإكليل» عن ابن شهاب الزهري- رحمه الله تعالى-، قال: لما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول [ (1) ] . قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: هذا معضل [ (2) ] ، والمشهور خلافه. قلت: وهذا القول قدمه في الإشارة، ورواه يعقوب بن سفيان- بلفظ- «التّأريخ من يوم قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة مهاجرا» قال الحافظ، وابن عساكر: وهذا أصوب، والمحفوظ أن الآمر بالتاريخ عمر بن الخطاب [ (3) ] . قال الشيخ- رحمه الله تعالى- في كتاب «التاريخ» : ويعضد الأول ما رأيته بخط ابن القماح في مجموع له، قال ابن الصلاح: وقفت على كتاب في «الشروط» لأبي طاهر محمش الزيادي ذكر فيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ارّخ بالهجرة حين كتب لنصارى نجران، وأمر عليا- رضي الله تعالى عنه- أن يكتب فيه لخمس من الهجرة، فالمؤرخ إذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمر تبعه في ذلك. وقد يقال: إن هذا صريح في أنه أرخ سنة خمس، والحديث الأول فيه أنه أرخ يوم

_ [ (1) ] وأخرجه الطبري في التاريخ 2/ 388. [ (2) ] والمعضل ما سقط منه اثنان فصاعدا مع التوالي، قال السمني وخصه التبريزي هو والمنقطع بما ليس في أول الإسناد وقال شيخ الإسلام ابن حجر: إن الموقوف على التابعي يعتبر معضلا بشرطين. أحدهما: أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي- صلى الله عليه وسلم-، فإن لم يكن فمرسلا أي إن كان لا يقال من قبل الرأي، ولا يروى عن أهل الكتاب، فيتعين أن يكون عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فيكون الساقط منه الصحابي فقط، فيكون مرسلا، لأنه في هذه الحالة يكون في حكم المرفوع. ثانيهما: أن يروى مسندا من طريق ذلك الذي وقف عليه، فإن لم يكن موقوفا لا معضل لاحتمال أنه قاله من عنده، فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين أهـ. قال العراقي: والمعضل الساقط منه اثنان ... فصاعدا، ومنه قسم ثان حذف النبي والصحابي معا ... ووقف متنه على من تبعا انظر غيث المستغيث ص 74. [ (3) ] الطبري 2/ 388.

الثاني: ذكروا في سبب عمل التاريخ أشياء.

قدومه المدينة، [ويجاب بأنه لا منافاة فإن الظرف، وهو قوله: يوم قدم المدينة] [ (1) ] ليس متعلقا بالفعل، وهو أمر بالمصدر، وهو التاريخ أي أمر أن يؤرّخ بذلك اليوم، لأنه الأمر في ذلك اليوم فتأمله، فإنه نفيس جدا انتهى كلام الشيخ- رحمه الله تعالى-. وروى البخاري في تاريخه «الصغير» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة. وروى البخاري في «صحيحه» ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- زاد ابن أبي شيبة قال: أخطأ الناس العدد انتهى، أي: لم يعدوا من مبعث النبي- صلّى الله عليه وسلم- ولا من متوفاه، إنما عدوا من مقدمة المدينة. قال مصعب الزبيري: وكان تاريخ قريش من متوفى هاشم بن المغيرة يعني آخر تاريخهم. قوله: «أخطأ الناس العدد» أي: أغفلوه وتركوه، ثم استدركوه ولم يرد أن الصواب خلاف ما عملوا، ويحتمل أن يريده، وأنه كان يرى أن البداءة بالمبعث أو الوفاة أولى، وله اتجاه. لكن الراجح خلافه. وقوله: «مقدمه» أي: زمن قدومه، ولم يرد شهر قدومه، لأن التاريخ إنما وقع من أول السنة. قاله الحافظ- رحمه الله-. وقال عمرو بن دينار: أن أول من أرخ في الكتب يعلى بن أمية وهو باليمن. رواه الإمام أحمد بسند صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو ويعلى. الثّاني: ذكروا في سبب عمل التّاريخ أشياء. منها: ما رواه أبو نعيم- الفضل بن دكين بضم الدال المهملة وفتح الكاف وسكون التحتية وبالنون شيخ البخاري في «تاريخه» من طريق الشعبي أن أبا موسى- رضي الله تعالى عنه- كتب إلى عمر- رضي الله تعالى عنه-: أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم: أرخ بالهجرة. فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا. قال بعضهم: ابدأوا برمضان، فقال بعضهم: بل المحرم فإنّه منصرف الناس من حجّهم، فاتفقوا عليه.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الثالث:

ومنها: ما رواه الإمام أحمد، والبخاري في «الأدب» وأبو عروبة الحراني في «الأوائل» والحاكم من طريق ميمون بن مهران- رحمه الله تعالى- قال: رفع لعمر صك محله شعبان فقال: أيّ شعبان: الماضي، أو الذي نحن فيه أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئا يعرفونه من التاريخ. فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم، فقيل: إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول، وقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الفرس، فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا: كم أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة فوجده عشر سنين، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن عساكر عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى- قال: أول من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لسنة عشر من المحرم بمشورة عليّ. وروى ابن أبي خيثمة عن ابن سيرين قال: قدم رجل من اليمن فقال: رأيت شيئا يسمونه التاريخ يكتبون من عام كذا وبشهر كذا، فقال عمر: هذا حسن فأرخوا، فلما أجمع على ذلك قال قوم: أرخوا للمولد، وقال قائل: للمبعث، وقال قائل: من حين خرج مهاجرا، وقال آخرون: من حين توفي، فقال عمر: «أرّخوا من خروجه من مكة إلى المدينة» . ثم قال: بأي شهر نبدأ؟ فقال قوم: برجب، وقال قوم: برمضان فقال عثمان: أرخوا من المحرم، فإنه شهر حرام، وهو أول السنة، ومنصرف الناس من الحج، قال: فكان ذلك سنة سبع عشرة في ربيع الأول من الهجرة. وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى- لما جمع عمر الناس سألهم من أي يوم نكتب التاريخ، فقال علي- رضي الله تعالى عنه- من يوم هاجر النبي- صلى الله عليه وسلم- وترك أرض الشرك ففعله عمر. قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: واستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر، وعثمان، وعلي- رضي الله تعالى عنهم-. الثالث: وقد أبدى بعضهم بالبداءة بالهجرة مناسبة فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربع: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته فرجح عندهم جعلها من الهجرة، لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين سنته. وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما يوقع تذكره من الأسف عليه فانحصر في الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم، لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة، والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ.

تنبيهات

قال الحافظ: «وهذا أقوى ما وقفت عليه في مناسبة الابتداء بالمحرم» . قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: وقفت على نكتة في جعل المحرم أول السنة. وروى سعيد بن منصور في «سننه» والبيهقي في «الشعب» بإسناده حسن، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال في قوله تعالى: وَالْفَجْرِ [الفجر 1] قال: الفجر شهر المحرم وهو فجر السنة» [ (1) ] . قال الحافظ في أماليه: بهذا يحصل الجواب عن الحكمة في تأخير التاريخ من ربيع الأول إلى المحرم. بعد أن اتفقوا على جعل التأريخ من الهجرة وأن كانت في ربيع الأول. روى البخاري في «تاريخه» عن عبيد بن عمير- رحمه الله تعالى- قال: المحرم شهر الله، وهو رأس السنة، فيه يؤرخ التاريخ، وفيه يكسى البيت، ويضرب فيه الورق. قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر- رحمه الله تعالى-: ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد الوراق المعروف ب ابن ... ] أن أول المحرم سنة الهجرة كان يوم الخميس اليوم الثاني من أيام سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة لذي القرنين قلت: أي اليوناني، لا الذي ذكر في القرآن، انتهى. تنبيهات الأول [ (2) ] : قال السهيلي- رحمه الله تعالى-: أخذ الصحابة التأريخ من الهجرة من قوله تبارك وتعالى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ [التوبة 108] لأنه معلوم أنه ليس أول الأيام مطلقا، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر، وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام، وعبد النبي- صلى الله عليه وسلم- ربه تبارك وتعالى آمنا، وابتدأ بناء المسجد فوافق رأي الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- ابتداء التأريخ من ذلك اليوم، وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ... أنه أول أيام التأريخ. قال الحافظ- رحمه الله تعالى- كذا قال، والمتبادر أن معنى قوله: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أي: يوم دخل فيه النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة. الثّاني: إنما يؤرخ بالأشهر الهلالية التي قد تكون ثلاثين، وقد تكون تسعا وعشرين كما ثبت في الحديث دون الشّمسيّة الحسبية وهي ابتداء ثلاثون فتزيد عليها. قال الله سبحانه وتعالى في قصة أصحاب الكهف وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف 25] .

_ [ (1) ] ابن كثير 3/ 205. [ (2) ] في أ: النوع الثالث.

قال المفسرون: زيادة التسعة باعتبار الهلالية، وهي ثلاثمائة فقط هلالية، وإنما كان التأريخ بالهلالية للحديث الصحيح: «إنّا أمة أمّية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا، وهكذا» . والحديث الصحيح: «إذا رأيتموه يعني الهلال- فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» . وآلى [ (1) ] النبي- صلى الله عليه وسلم- من نسائه شهرا، ودخل عليهن في التاسع والعشرين، فقيل له: لقد آليت فقال: الشهر تسع وعشرون قال الإمام البلقيني في «التدريب» : كل شهر في الشرع فالمراد به الهلال، إلّا شهر المستحاضة وتخليق الحمل. الثالث: قال الصلاح الصفدي- رحمه الله تعالى-: رأيت بعض الفضلاء قد كتبوا بعض الشهور بشهر كذا، وبعضها لم يكتبوا فيه شهرا، وطلبت الحكمة في ذلك فلم أجدهم أتوا بشهر إلا مع شهر يكون أوله حرف راء وهو شهر ربيع، وشهر رجب، ورمضان ولم أدر العلة في ذلك ما هي ولا وجه المناسبة، لأنه كان ينبغي أن يحذف لفظ شهر من هذه، لأنه يجتمع في ذلك راءان. قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب «نظم العقيان في أعيان الأعيان» : قد تعرّض للمسألة من المتقدمين ابن درستويه فقال في كتابه المتمم: الشهور سجلها مذكرة إلا جمادى، وليس شيء منها يضاف إليه شهر إلا شهر ربيع وشهر رمضان قلت وقال ابن خطيب الدهشة- رحمه الله تعالى- في «المصباح» [ (2) ] : الربيع عند العرب ربيعان ربيع شهور وربيع زمان فربيع الشهور اثنان قالوا: لا يقال فيهما إلا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر بزيادة شهر وتنوين ربيع وجعل الأول والآخر وصفا تابعا من الإعراب ويجوز فيه الاضافة ... ] . قال الشيخ- رحمه الله تعالى- في كتابه «التاريخ» : قال المتأخرون: ويذكر شهر فيما أوله راء فيقال شهر ربيع مثلا دون غيره، فلا يقال: شهر صفر، والمنقول عن سيبويه جواز إضافة شهر إلى كل الشهور وهو المختار. انتهى. وقال الإمام النووي- رحمه الله تعالى [وجاء من الشهور ثلاثة مضافة إلى شهر رمضان وشهرا ربيع ... ] . الرابع: إنما يؤرّخ بالليالي، لأن الليلة سابقة على يومها إلا يوم عرفة شرعا، قال الله تعالى: كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الأنبياء 30] . قالوا: ولا يكون مع الارتفاق إلا الظلام فهو سابق على النور.

_ [ (1) ] والإيلاء الحلف. [ (2) ] والمصباح ليس لابن خطيب الدهشة بل هو لولده.

روي أن أول ما خلق الله تعالى النور والظّلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلا، والنور نهارا. وقد ثبت أن القيامة لا تقوم إلا نهارا، فدل على أن ليلة اليوم سابقة عليه، إذ كل يوم له ليلة، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا أول المعراج. الخامس: قال في «المصباح» أرّخت الكتاب بالتثقيل في الأشهر، والتخفيف لغة حكاها ابن القطاع، إذ جعلت له تاريخا [وهو معرّب، وقيل عربيّ] وهو بيان انتهاء وقته ويقال: ورّخت على البدل والتوريخ قليل الاستعمال. السّادس: اختلفوا في لفظ التاريخ هل هو عربي أو معرّب. قال صاحب نور المقاييس، وهو مختصر كتاب «مقاييس اللغة» لابن فارس «تاريخ الكتاب» : ليس عربيا ولا سمع من فصيح. وقال ابن فارس في «المجمل» : التواريخ والتاريخ فما تحسبهما عربية. وقال [غيره] التاريخ لفظ معرب أصله: ماه روز، وسبب تعريبه أن أبا موسى كتب إلى عمر- رضي الله تعالى عنهما- فذكر ما تقدم فجمع عمر الصحابة واستشارهم في ذلك فقال الهرمزان: إن للعجم حسابا يسمونه ماه روز ينسبونه إلى ما غلب عليهم من الأكاسرة، فعربوه وقالوا: مؤرخ وجعلوا مصدره التاريخ. واستعملوه في وجوه التصريف، ثم بيّن لهم الهرمزان أن كيفية استعماله، فقال عمر- رضي الله تعالى عنه-: ضعوا تاريخا يتعاملون عليه، فذكر نحو ما سبق أول الباب. وقال جماعة: هو عربي مشتق من الأرخ بفتح الهمزة وكسرها وهو ولد البقرة الوحشية، إلا إذا كانت أنثى كانت فتى، وقال القزاز: الأرخ البقرة التي لم ينز عليها الثيران، والعرب تشبه بها النساء الخفرات. وقال أبو منصور الجواليقي يقال: إنّ الأرخ الوقت، والتأريخ: التوقيت [ (1) ] . قال ابن بري: لم يذهب أحد إلى هذا، وإنما قال ابن درستويه: اشتقاق [الإرخ من بقر الوحش، واشتقاق التأريخ واحد، لأن الفتى وقت من السن، والتاريخ] [ (2) ] وقت من الزمن. وقال ابن بري: وقد أحسن كل الإحسان وجمع الأرخ والتاريخ.

_ [ (1) ] وقال إن التاريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض، وإنما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب وتاريخ المسلمين أرخ من سنة الهجرة كتب في خلافة عمر رضي الله عنه فصار تاريخا إلى اليوم. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

النوع الرابع: في حوادث السنة الأولى غير المغازي والسرايا.

السّابع: التاريخ: تعريف الوقت، وفي الاصطلاح: تعيين وقت ينسب إليه زمان وما بعده. وقيل: هو يوم معلوم ينسب إليه زمان يأتي بعده. وقيل: تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع من ظهور جولة، أو وقوع حادثة من طوفان، أو زلزلة، أو نحو ذلك من الأبيات. النوع الرابع: في حوادث السّنة الأولى غير المغازي والسّرايا. فيها صلى الجمعة في طريق بني سالم بن عوف، وهي أول جمعة صلاها في الإسلام وأول خطبة خطبها في الإسلام كما جزم به غير واحد وصاحب العيون. وروى ابن إسحاق والبيهقي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كانت أول خطبة خطبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، أنه قام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد: أيّها النّاس فقدموا لأنفسكم تعلمنّ والله ليصعقنّ أحدكم ثمّ ليدعنّ غنمه ليس لها راع ثمّ ليقولنّ له ربه ليس له ترجمان ولا حاجب، يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك، فما قدّمت لنفسك فلينظرنّ يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثمّ لينظرنّ قدّامه فلا يرى غير جهنّم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النّار ولو بشقّ تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيّبة فإنّ بها يجزى الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته» . ثم خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرّة أخرى. فقال: «إنّ الحمد لله، أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إنّ أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى قد أفلح من زينه الله تعالى في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس أنه أحسن الحديث وأبلغه أحبّوا من أحب الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملّوا كلام الله تعالى وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي فقد سماه الله خيرته من الأعمال. ومصطفاه من العباد، والصالح الحديث ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام [ (1) ] ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، واتقوا الله حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابّوا بروح الله بينكم، فإنّ الله يغضب أن ينكث عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته انتهى [ (2) ] .

_ [ (1) ] في أ: وإن كل أتى الناس فإنه أحسن الحديث من الحلال والحرام. [ (2) ] الدر المنثور 3/ 66، وقال ابن كثير في البداية 3/ 212: وهذه الطريقة مرسلة إلا أنها قوية وإن اختلفت الألفاظ قلت: ومقصد ابن كثير رحمه الله على رواية ابن جرير الآتية.

تنبيهات

وروى ابن جرير عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحيّ، أنه بلغه عن خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أوّل جمعة صلّاها بالمدينة في بني سالم بن عمرو بن عوف: «الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به، ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلّة من العلم، وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله- عز وجل- فاحذروا ما حذركم الله عز وجل من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكرى وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله تعالى من أمر السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله تعالى يكن له ذكرا، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله توقيّ مقته وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإنّ تقوى الله تبيّض الوجه، وترضي الرّبّ، وترفع الدّرجة، خذوا بحظّكم، ولا تفرّطوا في جنب الله، قد علّمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنّه من أصلح ما بينه وبين الله تعالى يكفه ما بينه وبين النّاس، ذلك بأنّ الله يقضي على النّاس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» [ (1) ] . تنبيهات الأول: قال في «الرّوض» : قوله- صلى الله عليه وسلم- في خطبته «أحبّوا الله من كلّ قلوبكم» يريد أن يستغرق حب الله جميع أجزاء القلب، فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصا لله، وتقدم الكلام على محبة الله تعالى لعبده، ومحبة العبد لربه في اسمه- صلى الله عليه وسلم- «حبيب الله» . وقوله: - صلى الله عليه وسلم-: «لا تملّوا كلام الله تعالى وذكره، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي» . قال السّهيلي: الهاء في قوله: «فإنه» لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله تعالى،

_ [ (1) ] قال الحافظ ابن كثير في البداية 3/ 212 وفي السند إرسال.

ولكنها ضمير الأمر والحديث فكأنه قال: إن الحديث من كل ما يخلق الله ويختار، فالأعمال إذا كلها من خلق الله تعالى، وقد اختار منها ما شاء قال الله تعالى: يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ [القصص 68] . قوله: «قد سماه خيرته من الأعمال» يعني الذكر وتلاوة القرآن. وقوله: والمصطفى من عباده أي وسمى المصطفى من عباده بقوله تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج 75] ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده، أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم، فلا تكون «من» على هذا للتبعيض، إنما تكون لابتداء الغاية، لأنه عمل استخرجه منهم بتوفيقه إياهم، والتأويل الأول أقرب مأخذا، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله- صلى الله عليه وسلم-. وقوله: في أول الخطبة: «إن الحمد لله أحمده» هكذا يرفع الدال من قوله الحمد لله وجدته مقيدا مصححا عليه، وإعرابه ليس على الحكاية ولكنه على إضمار الأمر كأنه قال: إن الأمر الذي أذكر وحذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم [ (1) ] شيئا في اللفظ من الأسماء على قوله: الحمد لله وليس تقديم «إنّ» في اللفظ من باب تقديم الأسماء، لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به. الثّاني: اختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة- بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة-. قلت: قال ابن النحاس في كتاب «صناعة الكتاب» : لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا، ومعناه اليوم البين المعظم من أعرب «إذا» بيّن [ ... ] فقيل: سمّي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه، ذكره أبو حذيفة النجاري، في «المبتدأ» عن ابن عباس وهو ضعيف. وقيل: لأنه خلق آدم جمع فيه. روى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن أبي حاتم عن سليمان- رضي الله تعالى عنه-[قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أتدري ما يوم الجمعة؟ قلت: الله ورسوله أعلم قالها ثلاث مرات ثم قال في الثلاثة: هو اليوم الذي جمع فيه أباكم آدم قال: لكني أدري ما يوم الجمعة لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة [ (2) ] .

_ [ (1) ] في أ: كي يقدم. [ (2) ] أحمد 5/ 439، والحاكم 1/ 277، السيوطي في الدر 6/ 216، ابن كثير في التفسير 2/ 236، الكنز (21196) .

وله شاهد عن أبي هريرة رواه ابن أبي حاتم موقوفا بإسناد قوي في الفتح ما رواه عبد بن حميد عن ابن سيرين والحديث في المصنف أيضا والإمام أحمد مرفوعا بإسناد ضعيف. قال الحافظ: وهذا أصح الأقوال، ويليه ما رواه عبد الرزاق عن ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، فصلى بهم وذكرهم، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه. وقيل: سمّي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم، فقال: إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية، [وإنما كان يسمى العروبة، وفيه نظر، فقد قال أهل اللغة: أن العروبة اسم قديم كان للجاهلية] فالظاهر أنّهم غيروا أسماء الأيّام السبعة بعد أن كانت تسمى أوّل، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شبار. وقال الجوهري: كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء، وهي هذه المتعارفة [الآن كالسبت، والأحد] إلى آخرها. وقيل: أن أول من سمى العروبة الجمعة كعب بن لؤي [وبه جزم الفراء وغيره] فيحتاج من قال إنهم غيروها إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص. الثالث: تقدم أن صلاة الجمعة صلّتها الصحابة بالمدينة، قبل مقدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة فقيل ذلك بإذن النبي- صلى الله عليه وسلم- ، لما رواه الدّارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالهجرة قبل أن يهاجر، ولم يستطع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجمع ولا يبدي لهم، فكتب إلى مصعب بن عمير، أمّا بعد: فانظر اليوم الذي تجتهد فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة، فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين، قال: فأول من جمع مصعب حتى قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمع عند الزوال من الظهر، وأظهر ذلك، وفي سنده أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، وهو متهم بالوضع. قال في «الزهر» : والمعروف في هذا المتن الإرسال، رويناه في كتاب «الأوائل» لأبي عروبة الحرّاني، قال: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا ابن وهب (أنبأنا ابن جريج) [ (1) ] عن سليمان بن موسى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كتب إلى مصعب به. وقيل: باجتهاد الصحابة. وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمّع أهل المدينة قبل أن

_ [ (1) ] في أ: عن ابن جرير.

يقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى أيضا مثل ذلك، فهلمّ فلنجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ [الجمعة 9] الآية. وقال الحافظ: وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة، وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي- صلى الله عليه وسلم- أسعد بن زرارة ... الحديث، وتقدم، فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي- صلى الله عليه وسلم- علمه بالوحي وهو ب «مكة» فلم يتمكن من إقامتها كما في حديث ابن عباس، والمرسل بعده. ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق. وقيل: في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة، فناسب أن يشتغل بالعبادة [فيه، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات، وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها، فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه] [ (1) ] . ولهذا تتمة تقدمت في الخصائص. وفيها جعلت صلاة الحضر أربع ركعات، وكانت ركعتين بعد مقدمه بشهر لاثنتي عشرة من ربيع الآخر. قال الدولابي: يوم الثلاثاء قال السّهيليّ: بعد الهجرة بعام رواه الدولابي. وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وأكثر الفقهاء أن الصلاة نزلت بتمامها. قال ابن جرير: وزعم الواقدي أنه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه. وفيها بنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسجده، ومساكنه، ومسجد قباء. وسيأتي في التاسعة. لما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يبني مسجده، وكان مربد اليتيمين سهل وسهيل. قال البلاذري، ويحيى بن الحسن، وغيرهما: إنهما ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وبه صرح ابن حزم وابن عبد البر، والسهيلي ورجحه السيد وغيره.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

وقال ابن إسحاق: إنهما ابني عمر. وقال في «العيون» : إنه أشهر. قال السهيلي فيما نقله عنه الذهبي: ما يحصل به الجمع إلا أن فيه بعض مخالفة لما تقدم. قال: «سهل بن عمرو الأنصاري النجاري أخو سهيل صاحبا المربد» ، ينسبان إلى جدهما وهما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن النجار انتهى. فعلى هذا يكون سقط من الرواية المتقدمة ابن عمرو بن رافع وأبي عمرو تصحف وعمرو بعائذ، كانا في حجر أسعد بن زرارة كما في الصحيح عند أكثر الرواة. وقال أبو ذر الهروي: سعد بإسقاط الألف والأول هو الوجه كما قال: إذا كان أسعد من السابقين إلى الإسلام، وهو المكنى بأبي أمامة، وأما أخوه سعد فتأخّر إسلامه- ولفظ- يحيى بن الحسن: كانا في حجر أبي أمامة أسعد بن زرارة. وذكر ابن زبالة ويحيى: إنهما كانا في حجر أبي أيوب وأنه قال: يا رسول الله أنا أرضيهما. وذكر ابن عقبة: أن أسعد بن زرارة عوضهما عنه نخلا له في بني بياضة. قال: وقيل: ابتاعه منهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وذكر ابن إسحاق [أن المربد كان لغلامين يتيمين، وأنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء. قال: [ ... ] والسيد، وقد يجمع باشتراك من ذكر كونهما كانا في حجورهم، أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد سيما وقد روى ابن زبالة عن ابن أبي فديك قال: سمعت بعض أهل العلم، يقولون: إن أسعد توفي قبل أن يبني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسجد، فباعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ولي سهل وسهيل. وفي «الصحيح» أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى ملأ من بني النجار بسبب موضع المسجد فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. وفي رواية: فدعى بالغلامين فساومهما بالمربد، يتخذه مسجدا فقالا: بلى نهبه لك يا رسول الله، فأبى أن يقبله منهما بهبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا. ووقع في رواية ابن عيينة فكلم عمهما أي الذي كانا في حجره أن يبتاعه منهما، فطلبه منهما معا، فقالا: ما تصنع به؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما، فأخبرهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أراده فقالا: نحن نعطيه إياه فأعطياه.

وطريق الجمع بين ذلك كما أشار إليه الحافظ: أنهم لما قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم، فعينوا له الغلامين، فابتاعه منهما أو من وليهما، فهما غير بالغين، وحينئذ فيحتمل إن يكون الذين قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا عنه للغلامين اليتيمين، فقد نقل عن ابن عقبة أن أسعد عوض الغلامين ثمنه نخلا له في بني بياضة. وتقدم أن أبا أيوب قال: «أنا أرضيهما فأرضاهما، وكذلك معاذ بن عفراء فيكون بعد الشراء، ويحتمل أن كلا من أسعد وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشيء فنسب ذلك لكل منهم. وقد روى أن اليتيمين امتنعا عن قبول عوض، فيحتمل ذلك على بدء الأمر، لكن يشكل على هذا ما ذكره ابن سعد أن الواقدي، قال: أنه- صلى الله عليه وسلم- اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه-، وقد يقال إن الشراء وقع من ابني عفراء، لأنهما كانا وليين لليتيمين، ورغب أبو بكر في الخير كما رغب فيه أسعد وأبو أمامة، ومعاذ بن عفراء، فدفع لهم أبو بكر العشرة ودفع لهم من كل أولئك ما تقدم، ولم يقبله- صلى الله عليه وسلم- أولا لكونه لليتيمين. وذكر البلاذري: أن أسعد بن زرارة عرض على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يأخذه ويدفع لليتيمين ثمنه فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك وابتاعه منه بعشرة دنانير، أداها من مال أبي بكر، فيحتمل أنه- صلى الله عليه وسلم- أخذ أولا بعض المربد، ثم أخذ بعضا وقد ورد ما يقتضي أن أسعد بن زرارة كان قد بنى بهذا المربد مسجدا [آخر لما سيأتي من أنه زاد فيه مرة أخرى، فليست القصة متحدة] [ (1) ] . فروى يحيى بن الحسن عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس الصلوات الخمس، ويجمع لهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل ابني رافع بن عمرو بن عائذ بن مالك بن النجار قالت: فكأني أنظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة صلى بهم في ذلك المسجد، وبناه فهو مسجده وذكر البلاذري نحوه. انتهى. وروى الشيخان والبيهقي أن المسجد كان جدادا مجددا، ليس عليه سقف، وقبلته القدس، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالنخل وبالفرقد الذي فيه أن يقطع، وكان فيه قبور جاهلية، فأمر بها فنبشت، وأمر بالعظام أن تغيب، وكان بالمربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب وكان

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

فيه حزب فأمر بها فسويت، فصفوا النخل قبلة- أي: جعلت سواري في جهة القبلة- ليسقف عليها، وجعلوا عضادتيه حجارة. وروى ابن عائد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم سقف. وروى ابن زبالة ويحيى عن الحسن عن شهر بن حوشب قال: لما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يبني مسجدا قال: ابنوا لي عريشا كعريش موسى ثمام وخشيبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك، وقيل: وما ظلة موسى؟ قال: كان إذا قام أصاب رأسه السّقف. وروى البيهقي عن الحسن قال: لما بنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسجد أعانه عليه أصحابه، وهو معهم يتناول اللبن، حتى اغبرّ صدره، فقال: ابنوه عريشا كعريش موسى، فقيل للحسن: ما عريش موسى؟ قال: كان إذا رفع يده بلغ العريش، يعني السقف. وقد روى في الصحيح أنه طفق ينقل معهم اللبن ترغيبا لهم، ويقول وهو ينقل اللبن: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: لا همّ، إنّ الأجر أجر الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره قال ابن شهاب: فتمثل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشعر رجل من المسلمين وجعل الصحابة ينقلون الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول معهم: لاهمّ، لا خير إلّا خير الآخره ... فانصر الأنصار والمهاجره ويذكر أن هذا البيت لعبد الله بن رواحة. وعن الزهري- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: لاهمّ، لا خير إلّا خير الآخره ... فارحم المهاجرين والأنصار وكان لا يقيم الشّعر وعمل المسلمون في ذلك ودأبوا فيه فقال قائل منهم: لئن قعدنا والنّبيّ يعمل ... لذاك منّا العمل المضلّل وكان عثمان رجلا متنظفا، وكان يحمل اللّبنة، فيجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كمّه ونظر. [وروى ابن زبالة وغيره عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: بنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسجده] [ (1) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

ونقل ابن الجوزي عن محمد بن عمر الأسلمي قال: كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله، وكلما أحدث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخلا ونزل له حارثة عن منزل- أي: محل حجرة- حتى صارت منازله كلّها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأزواجه. وروى ابن سعد ويحيى بن الحسن من طريق محمد بن عمر: حدثنا عبد الله بن زيد الهذلي قال: رأيت بيوت أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين هدمها عمر بن عبد العزيز بأمر الوليد بن عبد الملك، كانت بيوتا بالّلبن ولها حجر من جريد مطرورة بالطين، عددت تسعة أبيات بحجرها، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى منزل أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، ورأيت بيت أم سلمة وحجرتها من لبن، فسألت ابن ابنها فقال: لما غزا رسول الله غزوة دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نظر إلى اللبن، فدخل عليها أول نسائه، فقال: ما هذا البناء؟ فقالت: أردت يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أكف أبصار الناس فقال: يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان. قال محمد بن عمر: فحدثت هذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري فقال: سمعت عطاء الخرساني في مجلس فيه عمر بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر الشريف والمنبر: أدركت حجر أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- من جريد النّخل على أبوابها المسوح، شعر أسود فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ، يأمر بإدخال حجر أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم فقال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ: والله لوددت أنهم [ (1) ] تركوها على حالها ينشأ ناشئ من أهل المدينة، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس في التّكاثر والتّفاخر. قال معاذ: فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمر بن أبي أنس: كان منها أربعة أبيات بلبن، لها حجر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع والعظم أو أدنى من العظم، فأما ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع.

_ [ (1) ] في أ: لو.

وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويروا ما رضي الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم- ومفاتيح خزائن الدنيا بيده. وروى ابن سعد والبخاري في «الأدب» وابن أبي الدنيا والبيهقي في «الشعب» عن الحسن البصري قال: كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- في خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدي. وروى البخاري في «الأدب» وابن أبي الدنيا والبيهقي عن داود بن قيس قال: رأيت الحجر من جريد النّخل مغشى من الخارج بمسوح الشعر، وأظن عرض البيت الداخل عشرة أذرع، وأظن مسكنه بين الثمان والسبعة. وروى محمد بن الحسن المخزومي عن محمد بن هلال قال: أدركت بيوت أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانت من جريد مستورة بمسوح الشعر مستطيرة في القبلة، وفي المشرق وفي الشام ليس في غربي المسجد شيء منها، وكان باب عائشة يواجه الشام، وكان مصراع واحد من عرعر أو ساج. وروى ابن منده عن بشر بن صحار العبدي قال: كنت أدخل بيوت أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنال سقفها. وروى ابن سعد عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي مرثد قال: لم يكن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حائط وكان أول من بنى عليه جدارا عمر ابن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-. قال عبيد الله: كان جداره قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير. وفي «تاريخ البخاري» أن بابه- صلى الله عليه وسلم- كان يقرع بالأظافر. قال السّهيلي: فدل على أنه لم يكن لأبوابه خلق. تنبيه: قال في «الروض» : كانت بيوته- صلى الله عليه وسلم- تسعة، بعضها من جريد مطين بالطين. وسقفها من جريد وبعضها من حجارة مرصوصة بعضها على بعض وسقفها من جريد النخل. قال السيد: ظاهر ما نقله ابن الجوزي عن محمد بن عمر يخالف ما تقدم من أنه- صلى الله عليه وسلم- بنى أوّلا بيتين لزوجتيه، وأنه لما تزوج نساءه بنى لهن حجرا، فظاهره أن كان كلما أحدث زوجة أحدث لها بناء حجرة، فيحمل ما هنا على أن حارثة كان ينزل له عن مواضع المساكن وكان- صلى الله عليه وسلم- يبنيها. ونقل الزركشي عن الحافظ الذهبي أنه قال في تكميل الروض: لم يبلغنا أنه- صلى الله عليه وسلم- بنى

له تسعة أبيات حين بنى المسجد، ولا أحسبه فعل ذلك، إنما كان يريد بيتا واحدا لسودة أم المؤمنين ثم لم يحتج لبيت آخر حتى بنى لعائشة في شوال سنة اثنتين، فكأنه- صلى الله عليه وسلم- بناها في أوقات مختلفة. قال السيد: وهو مقتضى ما قدمناه، غير أنه مخالف لما تقدم في بيت عائشة أنه بناه هو وبيت سودة في بيت المسجد مع بناء المسجد وهو الظاهر، لأنها كانت حينئذ زوجة غير أنه لم يكن بنى بها، فتأهب لذلك بأن بنى حجرتها، وفيها بدأ الأذان. وقيل: في الثانية. روى ابن إسحاق وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة كان يجتمع الناس للصلاة لحين وقتها بغير دعوة، فهمّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذي يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، فبينما هم على ذلك إذ رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه أحد بني الحارث بن الخزرج النداء الحديث. وفيها ولد محمد بن مسلمة- رضي الله تعالى عنه-. وفيها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وورث بعضهم بين بعض حتى نزلت وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [الأحزاب/ 6] بعد مقدمة بثمانية أشهر كذا في العيون. ونقل القطب الحلبي عن أبي عمر أنها بعد خمسة أشهر، ونقل في الإشارة عنه ما في العيون. وفيها رمى سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- بسهم في غزوة ودان، وكان أوّل سهم رمي به في سبيل الله. وفيها: مات أسعد بن زرارة- رضي الله تعالى عنه- والمسجد يبنى. وقال ابن الجوزي في الثانية: فكان أول من مات من المسلمين ودفن بالبقيع، وكان أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة على قومه من بني النجار، وقد شهد العقبات الثلاث، وكان أول من بايع النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة الثانية في قول، وكان شابا، وهو أول من جمع بالمدينة في بقيع الخصاب في حرم البيت، ولما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن إسحاق: بئس الميّت أبى أمامة، ليهود ومنافقي العرب! يقولون: لو كان محمد نبيّا لم يمت صاحبه، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا. قال ابن كثير: وهذا يقتضي أنه أول من مات بعد مقدم النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد زعم أبو الحسن بن الأثير: أنه مات في شوال بعد مقدم النبي- صلى الله عليه وسلم- بسبعة أشهر والله أعلم.

وقال ابن جرير في «التاريخ» : كان أول من توفّي بعد مقدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة من المسلمين فيما ذكر صاحب منزله كلثوم بن الهدم، لم يلبث بعد مقدمه إلا يسيرا حتى مات. ثم توفي بعده أسعد بن زرارة، وكانت وفاته في سنة مقدمه قبل أن يفرغ من بناء المسجد بالذّبحة والشّهقة. وروى ابن جرير عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كوى أسعد بن زرارة من الشّوكة، رجاله ثقات. وروى ابن إسحاق عن عامر بن عمر بن قتادة أن بني النجار سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقيم لهم نقيبا بعد أبي أمامة أسعد بن زرارة فقال: «أنتم أخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم» وكره أن يختص بها بعضهم دون بعض فكان من فضيلة بني النجار الذي يعتدون به على قومهم إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم. قال ابن الأثير وصدّقهم ابن كثير، وهذا يرد قول أبي نعيم وابن مندة في قولهما إن أسعد ابن زرارة كان نقيبا لبني ساعدة، إنما كان لبني النجار. وفيها: مات عثمان بن مظعون- رضي الله تعالى عنه-. وقيل: في الثانية بعد مشهده بدرا، فكان أول من دفن في البقيع من المهاجرين كلثوم ابن الهدم- رضي الله تعالى عنه- والبراء بن معرور قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم- وأوصى أن يوجه إلى الكعبة، وصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قبره، والوليد بن المغيرة بمكة، والعاص بن وائل بمكة، وأبو أحيحة بالطائف، الثلاثة ماتوا على شركهم. وفيها: ولد عبد الله بن الزبير في شوال سنة الهجرة، وصححه ابن كثير. قال الذهبي: إنه ولد في الثانية، وعلى الأول فهو أول مولود ولد بالإسلام بالمدينة بعد الهجرة، وكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حنّكه بتمرة، ثم دعا له. كما قالت أمه أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- وفيه أي الحديث أنها حملت بعبد الله بن الزبير، أي بمكة قالت: فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة. فنزلت بقباء، فولدته ثم أتيت به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضعه في حجرة ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم حنّكه بتمرة، ثم دعا له وبرك عليه، فكان أول مولود ولد في الإسلام عبد الله بن الزبير. رواه البخاري، وقالت أختها عائشة- رضي الله تعالى عنها-: أول مولود في الإسلام عبد الله بن الزبير.

وذكر الواقدي وغيره أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث مع عبد الله بن أريقط لما رجع إلى مكة زيد بن حارثة وأبا رافع ليأتوا بعياله وعيال أبي بكر فقدموا بهم أثر هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأسماء حامل متم. أي: مقرب قد دنا وضعها لولدها، فلما ولدته كبر المسلمون تكبيرة عظيمة فرحا بمولده، لأنهم كانوا قد بلغهم عن اليهود أنهم سحروهم حتى لا يولد لهم بعد هجرتهم ولد، فأكذب الله اليهود مع هذا، فزعم الأسود أنه ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا. ورواه الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جده وزعموا أن النعمان ولد قبل ابن الزبير بستة أشهر على رأس أربعة عشر شهرا، وما تقدم من الأحاديث الصحيحة يرد ذلك. وفيها جاءت أم سليم بأنس ليخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإن الأنصار كانوا يتقربون إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالهدايا رجالهم ونساؤهم فكانت أم سليم تتأسف على ذلك، وما كان لها شيء فجاءت بابنها أنس وقالت: يخدمك يا رسول الله، قاله رزين. وفي الصحيح عن أنس قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أن أنسا غلام كيس فليخدمك، قال: فخدمته ... الحديث. وقد يجمع بأنها جاءت به أولا فانطلق به أبو طلحة ثانية، لأنه وليه وعصبته، وهذا غير مجيئه به لخدمته- صلى الله عليه وسلم- في غزوة خيبر كما يفهمه لفظ الحديث. وفيها: فرضت الزكاة وفيها عرس بعائشة، وقيل في الثانية. وفيها أسلم عبد الله بن سلام- رضي الله تعالى عنه-[ومكث عند] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم رجع إلى أهل بيته فأسلموا وكتم إسلامه، ثم خرج إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أن اليهود قوم بهت فإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني، فأحب أن تدخلني بعض بيوتك، فأدخله بعض بيوته فجائت اليهود إليه فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فو الله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به وأصدقه وأعرفه، قالوا: كذبت، أنت شرنا وابن شرنا، وانتقصوا. قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله، ألم أخبرك أنّهم قوم بهت، أهل غدر، وكذب وفجور، قال: فأظهرت إسلامي، وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي [خالدة] ابنة الحارث فحسن إسلامها. وفيها: ولد عمرو بن عبسة الأسلمي.

النوع الخامس: في حوادث السنة الثانية

روى ابن سعد عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة السّلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية. وذلك أنها باطل، فلقيت رجلاً من أهل الكتّاب من أهل تيماء فقلت: إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم إله، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة، لقدره ويجعل أحسنها إلها يعبده، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلا سواه، فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضر، فدلني على خير من هذا فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه، ويدعو إلى غيرها، فإذا رأيت ذلك فاتبعه، فإنه يأتي بأفضل الدين فلم تكن لي همة منذ قال لي ذلك إلا مكة، فآتي فأسأل هل حدث فيها حدث؟ فيقال: لا، ثم قدمت مرة فسألت فقالوا: حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها، فشددت راحلتي برحلها، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزل بمكة فسألت عنه، فوجدته مستخفيا، ووجدت قريشا عليه أشداء، فتلطفت له حتى دخلت عليه، فسألته فقلت: أيّ شيء أنت؟ قال: نبي قلت: ومن أرسلك؟ قال: الله قلت: وبما أرسلك قال: بعبادة الله وحده لا شريك له، وبحقن الدماء، وبكسر الأوثان، وصلة الرحم، وأمان السبيل. فقلت: نعم ما أرسلت به، قد آمنت بك وصدقتك أتأمرني أن أمكث معك، أو أنصرف؟ فقال: ألا ترى إلى كراهة الناس ما جئت به فلا تستطيع أن تمكث، كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني، فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه، فقدمت المدينة فقلت: يا نبي الله أتعرفني؟ قال: نعم أنت السلمي الذي أتيتني بمكة. [فسألتني عن كذا وكذا فقلت لك كذا وكذا، فاغتنمت ذلك المجلس وعلمت أن لا يكون الدهر أفرغ قلبا لي منه في ذلك المجلس، فقلت: يا نبي الله أيّ الساعات أسمع قال: الثلث الآخر فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تطلع الشمس، فإذا رأيتها طلعت حمراء كأنها الجحفة، فأقصر عنها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار، فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فإن الصلاة مشهودة مقبولة، حتى يساوي الرّجل ظلّه فأقصر عنها، فإنها حينئذ تسجّر جهنّم فإذا فاء الفيء فصلّ، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تغرب الشمس، فإذا رأيتها غربت حمراء كأنها الجحفة فأقصر، ثم ذكر الوضوء فقال: إذا توضأت فغسلت يديك ووجهك ورجليك، فإن جلست كان ذلك لك طهورا، وإن قمت فصليت وذكرت ربك بما هو أهله انصرفت من صلاتك كهيئتك يوم ولدتك أمك من الخطايا] . النّوع الخامس: في حوادث السّنة الثّانية وفيها وفاة رقية بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زوجة عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنه-. قال النووي: في ذي الحجة، لكن ذكر أهل السير ما يقتضي أن وفاتها كانت في رمضان منها.

وفيها تحويل القبلة. روى ابن إسحاق وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والستة وأبو داود في «ناسخه» وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وابن حبان والبيهقي عن البراء بن عازب وابن إسحاق وابن أبي شيبة وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في «ناسخه» والطبراني وابن المنذر عن ابن عباس وأبو داود في «سننه» عن أبي العالية، ويحيى ابن الحسين بن جعفر العبيدي في أخبار المدينة، عن رافع بن خديج عن ابن عمر ويحيى عن عثمان بن محمد بن الأخفش، والبيهقي عن الزهري والإمام مالك وأبو داود في ناسخه والإمام مالك والشيخان وأبو داود في سننه والنسائي، وابن جرير عن سعيد بن المسيب وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، ولما هاجر إلى المدينة كان أكثر أهلها اليهود أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي نحو بيت المقدس، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلى بالمدينة إلى بيت المقدس ستة عشر، وعند الزهري: تسعة عشر، وعند معاذ على رأس ثلاثة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً كذا بالشك في حديث البراء، وقال لجبريل: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها فقال جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك لك شيئاً إلا ما أمرت به فادع ربك وسله، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو الله ويكثر النظر إلى السماء، فينظر أمر الله وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زائرا أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة، فصنعت له طعاما، وحانت صلاة الظهر، فلما صلى ركعتين نزل جبريل، فأشار إليه أن صلّ إلى البيت، وصلى جبريل إلى البيت فاستدار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الكعبة، واستقبل الميزاب فهي القبلة التي أنزل الله تعالى فيها قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة 144] فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين، وكان الظهر يومئذ أربعا فصلى منها ثنتان إلى بيت المقدس وثنتان إلى الكعبة. وفي رواية: فصرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا في صلاة الظهر في الركعتين الأخيرتين، فنزل جبريل فأشار إليه أن صلّ إلى البيت، وصلى جبريل إلى البيت فاستدار. وفي رواية: أن أول صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه. قال الحافظ: هو عباد بن بشر، فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله

تنبيهات

لقد صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل البيت فاستداروا. قال رافع بن خديج: وأتاني آت ونحن نصلي في بني عبد الأشهل فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أمر أن يوجه إلى الكعبة فأدارنا إمامنا إلى الكعبة، ودرنا معه. وقال ابن عمر: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشّام فاستداروا إلى الكعبة، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك، فقال المنافقون: حنّ محمد إلى أرضه، وقال المشركون: أراد محمد أن يجعلنا قبلة له ووسيلة، وعرف أن ديننا أهدى من دينه، وقالت اليهود للمؤمنين: ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب والأنبياء إن أنتم إلا تفتنون، وقال المؤمنون: [فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت] . وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف، والربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، فارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك، وإنما يريدون فتنة فأنزل الله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها إلى قوله: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [البقرة 147] . تنبيهات الأول: اختلف أي صلاة كانت ذلك؟ ففي الصحيح عن [البراء] أن أوّل صلاة صلاها- أي متوجها- صلاة العصر. والأكثر على أنها صلاة الظهر. قال الحافظ: والتحقيق أن أول صلاة صلاها في بني سلمة الظهر، وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر. الثاني: قال الحافظ: طريق الجمع بين رواية ستة عشر وسبعة عشر شهرا ورواية الشك في ذلك، أن من جزم ستة عشر لفق من شهر التحويل وشهر القدوم شهرا وألغى الأيام الزائدة، ومن جزم بسبعة عشرة شهرا عدهما معا، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأوّل بلا خلاف، وكان التحويل في نصف رجب من السنة الثانية على الصحيح،

وبه جزم الجمهور ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس، وقول ابن حبان: سبعة عشر شهراً وثلاثة أيام مبني على أن القدوم كان في ثاني عشر ربيع الأول. قال الحافظ: وأسانيد رواية ثلاثة عشر وتسعة عشر ونحوها شاذة. الثالث: فرض صوم رمضان على رأس سبعة عشر شهرا، وزكاة الفطر قبل العيد بيومين، وصلى العيد بالمصلى وضحى ضحوه في ذي الحجة صلى وضحى بكبشين أحدهما عن أمّته، والآخر عنه وعن آله. روى ابن سعد عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وعائشة- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذه السنة بزكاة الفطر قبل أن تفرض الزكاة في الأموال، وأن تخرج عن الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب أو مدان من برّ، وكان يخطب قبل الفطر بيومين، فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى، وقال: اغنوهم يعني المساكين عن طواف هذا اليوم، وكان يقسمها إذا رجع، وصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العيد يوم الفطر بالمصلى قبل الخطبة، وصلى العيد يوم الأضحى، وأمر بالأضحية، وأقام بالمدينة عشر سنين يضحي كل عام. وروى ابن سعد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين لا يدع الأضحى، انتهى. قالوا: وكان يصلي العيدين قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، وكان بلال يحمل العنزة بين يديه، وكانت العنزة للزبير بن العوام قدم بها من أرض الحبشة، فأخذها منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كانت تحمل له عنزة يوم العيد يصلي إليها، انتهى. قالوا: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بيده بالمدينة، ثم يقول: اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد ولي بالبلاغ، ثم يؤتي بالآخر فيذبحه بيده، ثم يقول: هذا عن محمد وآل محمد، فيأكل هو وأهله منه ويطعم المساكين، وكان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية. قال محمد بن عمر الأسلمي: وكذلك تصنع الأئمة عندنا بالمدينة.

النوع السادس: في حوادث السنة الثالثة.

وفيها: قدم عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- من الحبشة فسلم عليه- فلم يرد عليه [الصلاة] [ (1) ] والسلام- وفيها: كانت أول غنيمة وقعت في الإسلام في سرية عبد الله بن جحش- رضي الله تعالى عنه- إلى نخلة. وفيها: أعرس علي بفاطمة- رضي الله تعالى عنها- قاله مغلطاي، وغيره. قال المحب الطبري: تزوجها في صفر، وبنى بها في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ. قال أبو عمر: بعد وقعة أحد. وقال غيره: بعد بنائه بعائشة بأربعة أشهر ونصف. وروى الإمام أحمد في «المناقب» وابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أبو بكر ثم عمر يخطبان فاطمة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسكت، ولم يرجع إليهما شيئا ... ، وقد تقدم في أبواب أولاده- صلى الله عليه وسلم-. وفيها ولد النعمان بن بشير والمسور بن مخرمة. النّوع السّادس: في حوادث السّنة الثّالثة. فيها: تزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحفصة بنت عمر في شعبان على الأصح، وزينب بنت خزيمة أم المساكين في رمضان، فمكثت عنده شهرين. وقيل: ثلاثة. وقيل: ثمانية، وماتت. وفيها: مات عبد الله بن عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهما- ابن رقية بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ست سنين. وقيل: في الرابعة. وفيها تزوج عثمان- رضي الله تعالى عنه- بأم كلثوم بنت سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وفيها: ولد الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- في منتصف رمضان، وعلقت أمّه بالحسين بعد خمسين ليلة. وفيها: كان تحريم الخمر. وقيل: في الرابعة كما سيأتي. قال الحافظ: والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان.

_ [ (1) ] سقط في أ.

تنبيهات

قال السيد: واستدل بشيء فيه نظر. وفيها: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود، وقال: لا آمن أن يبدلوا كتابي. وفيها: صلى صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع قاله القطب. وقيل: في الرابعة، ونزول آية التيمم، وبراءة الله تعالى لأم المؤمنين عائشة مما رميت به، وضياع العقد. تنبيهات الأوّل: قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- في بعض أسفاره: روى ابن سعد وابن حبان وأبو عمر في «الاستذكار» والنووي وابن دقيق العيد: كأن ذلك في غزوة بني المصطلق، وهي المريسيع. قال الحافظ: فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين. أي: قصة سقوط العقد، وحديث الإفك، وقصة سقوط العقد في حديث التيمم كما هو بين في سياقهما استبعد بعض شيوخنا ذلك، قال: لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث: حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، وهما بين المدينة وخيبر، كما جزم به النووي. قال الحافظ: وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين، فإنه قال: البيداء أدنى شيء إلى مكة من ذي الحليفة، ثم ساق حديث عائشة هذا ثم ساق حديث ابن عمر، قال: بيداؤكم هذا الذي تكذبون فيها ما أهلّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلّا من عند المسجد ... الحديث. قال: والبيداء هو الشّرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة. وقال أيضا: ذات الجيش من المدينة على بريد وبينها وبين العقيق سبعة أميال. وقال الحافظ: العقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فاستقام ما قاله ابن التين، ويؤيده ما رواه الحميدي في «مسنده» عن سفيان قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث، فقال فيه: «إن القلادة سقطت ليلة الأبواء» والأبواء بين مكة والمدينة. وفي رواية على بن مسهر في الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه قال: «وكان ذلك المكان يقال له: الصلصل» رواه جعفر الفريابي في كتاب «الطهارة» . «والصلصل» بصادين مهملتين مضمومتين، وبعد كل منهما لام، الأولى ساكنة. قال البكري: هو جبل عند ذي الحليفة فعرف من تضافر هذه الروايات تصويب ما قاله ابن التين.

قلت: جزم محمد بن حبيب الأخباري في تعدد سقوط العقد، سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرّقاع، وفي غزوة بني المصطلق انتهى. الثاني: ورد ما يدل على تأخر سقوط العقد، فروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع ... الحديث، فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق، لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف كما تقدم في غزوة ذات الرقاع. ومما يدل على تأخر القصة عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على الماء، فقال أبو بكر: يا بنيّة في كل سفر تكونين عناء وبلاء على الناس، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم فقال أبو بكر: إنك لمباركة. في إسناده محمد بن حميد الرازي في إسناده مقال. الثالث: النكتة في قول عائشة- رضي الله تعالى عنها-: فعاتبني أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- ولم تقل: أبي لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول، والتأنيب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي فلم تقل: أبي. الرّابع: استدل بهذا الحديث على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آيته، ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء. ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع. قال أبو عمر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند قال: وفي قوله [في هذا الحديث «آية التيمم» إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء. قال: والحكمة في نزول آية الوضوء- مع تقدم العمل به- ليكون فرضه متلوا بالتنزيل] . الخامس: إنما قال أسيد بن الحضير ما قاله، لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع، قوله: ما هي بأول بركتكم، يعني أنها مسبوقة بغيرها من البركات، والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه. وفي رواية عمرو بن الحارث عند [البخاري] : «لقد بارك الله للناس فيكم» . وفي تفسير [إسحاق البستي] من طريق عائشة عنها أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لها: ما كان كان أعظم بركة قلادتك.

النوع السابع: في حوادث السنة الرابعة.

السّادس: في رواية عند الشيخين: فبعث ناسا في طلب العقد. وفي أخرى عند أبي داود «فبعث أسيد بن الحضير وناسا معه» . وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيد كان رأس من بعث فلذلك، سمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم، وهو المراد به، كأنهم لم يجدوا العقد أولا، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير، فعلى هذا فقوله في رواية عروة: «فوجدها» أي: بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره. السّابع: في لفظ عن عائشة: «انقطع عقدي» . وفي لفظ: «سقطت قلادة لي» . وفي لفظ: أنها «استعارت قلادة من أسماء» - يعني أختها- فهلكت: يعني ضاعت. والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها، وإلى أسماء لكونها ملكها وجنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب- التيمم- في تفسير المائدة وحديث عروة- أي بلفظ الاستعارة- في تفسير سورة النساء. النّوع السّابع: في حوادث السّنة الرّابعة. فيها: تحريم الخمر. روى أبو داود عن [عائشة] قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقرأهن علينا، وقال: حرمت التجارة في الخمر. قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون هذا متصلا بعد تحريم الخمر. وفيها نهي أو أوحى إليه بمنع بيع الخمر بظاهر الحديث، لأن سورة المائدة التي فيها تحريم الخمر من آخر ما نزل من القرآن، وآية الربا آخر ما نزل، ويحتمل أن يكون هذا بعد بيان النبي- صلى الله عليه وسلم- تحريم الخمر، فلما نزلت آية الربا اشتملت على تحريم ما عدا البيع الصحيح [ (1) ] أكد تحريم ذلك. واعلم- صلى الله عليه وسلم- أن التجارة في الخمر من جملة ذلك، ثم كرر تحريمه والإعلام بذلك عام الفتح بالنداء. قال شيخنا- رحمه الله تعالى-: قد وقفت في بعض طرق الحديث على ما يزيل الإشكال، ما خرّجه الخطيب في «تاريخ بغداد» من طريق الحسن بن عرفة عن داود بن الزبير

_ [ (1) ] سقط في أ.

النوع الثامن: في حوادث السنة الخامسة.

قال: عن عبد الأعلى بن الحجاج عن أبي الضحى، عن مسروق عن عائشة قالت: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، يدل على انه كان في الآيات المذكورة تحريم الخمر، وكأنه نسخت تلاوته. وفيها: فرضت صلاة الخوف. وقيل: في السابعة. وفيها: رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية. وفيها: ولد الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما. وفيها: وفاة زينب بنت خزيمة- رضي الله تعالى عنها-. وفيها: تزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-. وفيها: تزوج زينب بنت جحش- رضي الله تعالى عنها-. وقيل: في الخامسة. وفيها: نزل الحجاب. وفيها: نزل قصر الصلاة في السفر. وفيها: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن يتعلم كتاب يهود. النّوع الثّامن: في حوادث السّنة الخامسة. فيها: تزوج ريحانة بنت يزيد النصرانية، وجويرية بنت الحارث. وفيها: حديث الإفك، وصححه الذهبي. وقيل: في السادسة سابق- صلى الله عليه وسلم- بين الخيل. وفيها: زلزلت المدينة فقال- صلى الله عليه وسلم-: «أن الله يستعتبكم فاعتبوه» . وفيها: وفاة سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنه- في ذي الحجة. وقال ابن كثير: وكانت بعد منصرف الأحزاب بخمس وعشرين ليلة، وكان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس. وروى الإمام أحمد من طريق علقمة بن وقاص، والشيخان من طريق عروة عن عائشة، والإمام أحمد والترمذي وصححه عن جابر، وفي حديث كل ما ليس في الآخر، أن سعدا أصيب يوم الخندق رماه حبّان بن العرقة- لعنه الله- رماه في الأكحل فقطعه، فضرب

النبي- صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب، وحسمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالنار فانتفخت يده، فتركه فنزفه الدم، فحسمه أخرى فانتفخت يده، فلما رأى ذلك سعد قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه فما قطر منه قطرة حتى نزلوا على حكمه، فأرسل إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم، يستعين بهم المسلمون، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لسعد: أصبت حكم الله فيهم، ثم دعا سعد فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي من أن أجاهد فيك، من قوم كذبوا رسولك، وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فابقني لهم حي أجاهدهم فيك، وإن كنت قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها، فانفجرت من ليلته فلم ترعهم ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم، فقال: يا أهل الخيمة: ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد جرحه يغذو فمات منها- رحمه الله تعالى ورضي عنه-. وروى الطبراني- برجال الصحيح- عن أسماء بنت يزيد قالت: لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ليرقأ دمعك، وليذهب حزنك، فإن ابنك أول من ضحك الله له، واهتز له عرش الرحمن» . وروى الطبراني بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما مات سعد بن معاذ بكى أبو بكر وبكى عمر حتى عرفت بكاء أبي بكر من بكاء عمر وبكاء عمر من بكاء أبي بكر فقلت لعائشة: هل كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبكي؟ قالت: لا، ولكنه كان يقبض دمعه على لحيته. وروى الطبراني بسند حسن عنها قالت: رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من جنازة سعد بن معاذ ودموعه تحادر على لحيته. وروى البيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات، ففتحت له أبواب السماء، وتحرك له العرش، فخرج فإذا سعد قد مات. وروى أيضا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سعد بن معاذ: «تحرك له العرش وتبع جنازته سبعون ألف ملك» . وروى أيضا عن معاذ بن رفاعة الزرقي- رضي الله تعالى عنه- قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال

له: من الميت الذي فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش؟ فقام مبادرا إلى سعد بن معاذ فوجده قد قبض. وروى أيضا عن الحسن قال: «اهتزّ له عرش الرّحمن فرحا بروحه» . وروى أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص أن سعد بن معاذ لما مات بعد الخندق خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسرعا فإنه ينقطع بسبعة رجال فما يرجع ويسقط رداؤه فلا يلوي عليه، وما نفح أحد على أحد، فقالوا: يا رسول الله إن كدت لتقطعنا، قال: خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله، كما سبقتنا إلى غسل حنظلة. وروى البزار- برجال الصحيح- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، ما وطئوا الأرض قبلها» وقال حين دفن: «سبحان الله لو انفلت أحد من ضغطة القبر لانفلت سعد بن معاذ» . وروى الإمام أحمد والبزّار والطبراني- برجال الصحيح- والإمام أحمد والطبراني- برجال ثقات-، عن أبي رمثة والإمام أحمد عن أسيد بن حضير، والطبراني- برجال الصحيح- عن أسامة بن زيد وابن السكن والطبراني عن معيقب- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» . وروى البيهقي عن سلمة بن أسلم بن حريش قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما بالبيت أحد إلّا سعد مسجى، فرأيته يتخطاه، وأومأ أقف فوقفت ورددت من ورائي، وجلس ساعة ثم خرج، فقلت: يا رسول الله ما رأيت أحدا وقد رأيتك تتخطاه، فقال: «ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه» . وروى أبو نعيم عن الأشعث بن قيس بن سعد بن أبي وقاص قال: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ ركبتيه وقال: دخل ملك فلم يجد مجلسا، فأوسعت فلما حملوا جنازته وكان من أعظم الناس وأطولهم قال قائل من المنافقين: ما حملنا نعشا أخف من اليوم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لقد شيعه سبعون ألفا من الملائكة، ما وطئوا الأرض قط» . وروى ابن سعد عن محمود بن لبيد قال: قال القوم: يا رسول الله ما حملنا ميّتا أخفّ علينا من سعد قال: «ما منعكم أن يخفّ عليكم وقد شيّعته من الملائكة كذا وكذا، لم يهبطوا قطّ قبل يومهم، قد حملوه معكم» . وروى ابن سعد وأبو نعيم عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال: قبض إنسان يومئذ بيده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك، فإذا هي مسك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سبحان الله» حتى عرف ذلك في وجهه فقال: «الحمد لله، لو كان أحد

ناج من ضمّة القبر لنجا منها سعد، ضمّه ضمة ثم فرّج الله عنه» . وروى ابن سعد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت ممن يحفر لسعد قبره، فكان يفوح علينا المسك، كلما حفرنا قترة من تراب حتى انتهينا إلى اللحد. وروى الشيخان عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اهتز عرش الرّحمن لموت سعد بن معاذ» . وروى ابن إسحاق: ولسعد يقول الرجل من الأنصار: وما اهتزّ عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلّا لسعد أبي عمرو وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قالت أمه كبيشة بنت رافع [بن معاوية] [ (1) ] حين احتمل على نعشه وهي تبكيه: ويل امّ سعد سعدا ... صرامة وجدّا وسؤددا ومجدا ... وفارسا معدّا سدّ به مسدّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نائحة تكذب إلّا نائحة سعد» . وفي لفظ: قال- صلى الله عليه وسلم- «لا تزيدون على هذا وكان والله ما علمت حازما في أمر الله قويا في أمر الله، كلّ النّوائح تكذب [إلا أمّ سعد] [ (2) ] . وروى ابن إسحاق عنه قال: لما دفن سعد ونحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسبّح الناس معه، ثم كبر فكبر الناس معه، فقالوا: يا رسول الله مما سبحت؟ فقال: «لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرّج عنه» . وروى ابن أبي الدنيا والطبراني- برجال ثقات- عن أسماء بنت زيد بن السكن قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأم سعد: «لا يرقأ دمعك ويذهب حزنك، فإنّ ابنك لأوّل من ضحك الله عز وجل له واهتز له العرش» . وروى البيهقي عن أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد: ما بلغكم من قول

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] سقط في أ.

النوع التاسع: في أحوال السنة السادسة

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا؟ فقالوا: ذكر لنا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سئل عن ذلك فقال: «كان يقصر في بعض الطّهور من البول» . وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عطارد رحمه الله تعالى أنه أهدى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثوب ديباج كساه إياه كسرى، فدخل أصحابه فقالوا: أنزلت عليك من السماء؟ فقال: ما تعجبون من ذا لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا ثم قال: يا غلام اذهب به إلى أبي جهم بن حذيفة، وقال له يبعث إليّ بالخميصة. وروى البزار- برجال الصحيح- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أكيدر الدّومة أهدى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جبّة من سندس، فلبسها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتعجب الناس منها، فقال: أتعجبون من هذه، فو الله الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها، ثم أهداها إلى عمر، فقال: يا رسول الله تكرهها وألبسها، قال: يا عمر إنما أرسلت بها إليك لتبعث بها وجها، فتصيب بها مالا، وذلك قبل أن ينهي عن الحرير. وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ثلاثة من الأنصار كلهم من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا، سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر، وفيها ماتت أم سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنهما-. وفيها: كسف القمر في جمادى الآخرة، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهم صلاة الكسوف، وجعلت اليهود يضربون بالسوط، ويقولون: سحر القمر. وفيها: أصابت قريش شدة، فبعث إليهم حذيفة بفضة يتألفهم بها. وفيها: وفد بلال بن الحارث المزني، وهو أول وافد مسلم. ثم قدم ضمام بن ثعلبة قيل: وفيها إسلام خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص. وقيل: في الثالثة. النّوع التّاسع: في أحوال السّنة السّادسة فيها: قحط الناس فاستسقى لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسقوا في رمضان. وفيها: إسلام أبي العاص بن الربيع- رضي الله تعالى عنه- وفيها: نزول سورة الفتح. وفيها: فرض الحج على الصحيح. وفيها: خسفت الشمس. وفيها: ظاهر أوس بن الصامت امرأته خولة.

النوع العاشر: في أحوال السنة السابعة

وفيها: قال- صلى الله عليه وسلم- «من كنت مولاه فعليّ مولاه» . النّوع العاشر: في أحوال السّنة السّابعة فيها: تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث- رضي الله تعالى عنهم-. وفيها قدم جعفر بن أبي طالب، وأبو موسى ومن معه من الحبشة. وفيها: أسلم أبو هريرة وعمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنهما-. وفيها: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك، واتخذ الخاتم يختم الكتب. وفيها: حرمت الحمر الأهليّة. وفيها: نهى عن متعة النّساء. وفيها: اتخذ المنبر كما جزم به ابن سعد وقيل في السنة الثامنة. قال الحافظ: وفيه نظر، لذكر العباس وتميم الداري فيه، وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان، وقدوم تميم سنة تسع. وفيها: كانت قصة أبي سفيان مع هرقل في الشام. وفيها: جاءته مارية القبطية- رضي الله تعالى عنها- هدية وبغلته دلدل. وفيها: أكل من الشاة المسمومة. وفيها: استشهد غلامه مدعم. وفيها: في المحرم سحر النبي- صلى الله عليه وسلم-. وفيها: عمرة القضية. وفيها: مطر الناس: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أصبح الناس بين مؤمن بالله وكافر بالكوكب، ومؤمن بالكوكب وكافر بالله. وفيها: رد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع، وقدم حاطب بن أبي بلتعة من عند المقوقس. النّوع الحادي عشر: في حوادث السّنة الثّامنة فيها: قدم خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وعمرو بن العاص، فأسلموا. قال ابن أبي خيثمة: كان ذلك سنة خمس. وقال الحاكم: سنة سبع.

وفيها: اتخذ المنبر وحنين الجذع، وهو أول منبر عمل في الإسلام، كما جزم به ابن النجار وغير واحد. قال الحافظ: وفيه نظر لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: فثار الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المنبر فنزل يخفضهم حتى سكنوا، فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى. روى الشيخان والبيهقي عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى علاثة امرأة قد سماها سهل أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواد المنبر أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة. وفي رواية: فعمل هذه الثلاث درجات، ثم جاء بها فأرسلته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بها فوضعت ها هنا. وروى الإمام الشافعي والإمام أحمد وابن ماجة عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هل لك أن تجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك وتسمع الناس خطبتك، قال: نعم، فصنع له ثلاث درجات، هي التي أعلى المنبر، فلما صنع وضعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موضعه الذي هو فيه، فكان إذا بدأ الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يخطب عليه تجاوز الجذع الذي كان يخطب إليه أولا ثم أن الجذع خار حتى تصدع وانشق، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما سمع صوت الجذع مسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر، وكان إذا صلى صلّى إليه، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان عنده حتى بلي [فأكلته الأرض وعاد رفاتا] . وروي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد، فخطب الناس، فجاءه رومي فقال: ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم، فصنع له منبرا له درجان ومقعد على الثالثة، فما قعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المنبر خار الجذع. وفيها: مولد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وفيها: وفاة زينب بنت سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وفيها: أقام عتّاب بن أسيد- رضي الله تعالى عنه- للناس الحج، وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة استعمله عليها للصلاة والحج، كما ذكره الإمام أبو الحسن

الماورديّ في «حاويه» في «السير» و «الحج» فحج بالناس تلك السنة على ما كان عليه الناس في الجاهلية. وفيها: أخذ الجزية من مجوس هجر. وفيها: وهبت سودة يومها لعائشة حين أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طلاقها. وفيها: إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى بضم السين، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح- براء مكسورة وياء-. روى البيهقي وأبو بكر محمد بن القاسم بن بشار وأبو البركات عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي الأسعد الأنباريان قال: خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العراف فقال بجير لكعب: أثبت في عجل هذا المكان حتى آتي هذا الرجل يعني رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فأسمع ما يقول، فثبت كعب وخرج بجير فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسمع كلامه فآمن به، وذلك أن زهير فيما يزعمون كان يجالس أهل الكتاب فسمع منهم إنه قد آن مبعث نبي. ورأى زهير في منامه أنه قد مد سببا من السماء، وإنه قد مد يده ليتناوله ففاته، فأوله بالنبي- صلى الله عليه وسلم- يبعث، وأنه في آخر الزمان لا يدركه، وخبّر بنيه بذلك وأوصاهم أن أدركوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يسلموا ولما اتصل خبر إسلام بجير ولأخيه أغضبه ذلك فقال: ألا أبلغن عنّي بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا فبيّن لنا إن كنت لست بفاعل ... على أيّ شيء غير ذلك دلّكا على خلق لم تلق أمّا ولا أبا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إمّا عثرت لعا لكا سقاك بها لمأمون كأسا رويّة ... فانهلك المأمون منها وعلّكا وبعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنشده إياها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سقاك بها المأمون، صدق وإنّه لكذوب وأنا المأمون وأهدر دمه، وقال: من لقي كعبا فليقتله فكتب بجير إلى أخيه يذكر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أهدر دمه وقال: من لقي كعبا فليقتله، وليقول له النجاء وما أراك تنفلت ثم كتب إليه بعد ذلك: اعلم أن رسول الله لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك منه، وأسقط ما كان قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل. وذكر ابن إسحاق أن بجيرا كتب إليه: من مبلغ كعبا فهل لك في الّتي ... تلوم عليها باطلا وهي أحزم إلى الله لا العزّى ولا اللّات وحده ... فتنجو إذا كان النّجاء وتسلم

النوع الثاني عشر: في حوادث السنة التاسعة.

لدى يوم لا تنجو ولست بمفلت ... من النّاس إلا طاهر القلب مسلم فدين زهير وهو لا شيء دينه ... ودين أبي سلمى عليّ محرّم فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، فقالوا: هو مقتول، فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي مطلعها: بانت سعاد ... ... [ (1) ] يمدح بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّوع الثاني عشر: في حوادث السّنة التّاسعة. فيها توفي النجاشي- رضي الله تعالى عنه- في رجب. روى البخاري عن جابر والشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن

_ [ (1) ] ومن تلك القصيدة قوله: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول يسعى الغواة جنابيها وقولهم ... إنك يا بن أبي سلمى لمقتول وقال كل صديق كنت آمله ... لا ألهينك إني عنك مشغول فقلت: خلوا طريقي لا أبا لكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم ... أذنب ولو كثرت في الأقاويل لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل ترعد من خوف بوادره ... إن لم يكن من رسول الله تنويل حتى وضعت يميني وما أنازعها ... في كف ذي نقمات قوله القيل فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل: إنك منسوب ومسؤول من ضيغم بضراء الأرض مخدره ... في بطن عثّر غيل دونه غيل يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من الناس، معفور خراديل إذا يساور قرنا لا يحل له ... أن يترك القرن إلّا وهو مفلول منه تظل سباع الجو نافرة ... ولا تمشّى بواديه الأراجيل ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مضرّج البزّ والدرسان مأكول إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل معازيل يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنابيل شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل بيض سوابغ قد شكت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعى النّجاشيّ في اليوم الذي مات فيه، وقال: توفي اليوم رجل من الحبشة اسمه أصحمة فهلمّ فصفوا. فصففنا، فصلى عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وكبر عليه أربع تكبيرات، وقال: استغفروا لأخيكم. وفيها تتابع الوفود، وكانت تسمى سنة الوفود. وفيها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن لا يدخل على نسائه شهرا. قال ابن حبيب: يقال إنه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب بنت جحش بنصيبها فردته، فقال: زيديها فزادت ثلاثا فقال: لا أدخل عليكن شهرا. وفيها: بيع المسلمين أسلحتهم، وقالوا: انقطع الجهاد فقال- صلى الله عليه وسلم-: لا ينقطع الجهاد حتى ينزل عيسى ابن مريم. وفيها: جاء جبريل يعلم الناس دينهم. فقيل: وفيها فرض الحج. وفيها: أمر- صلى الله عليه وسلم- بهدم المسجد الضرار بعد عوده من تبوك. روى بسند صحيح- عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن جبير أن موضع مسجد قباء كان لامرأة يقال لها: لية، كانت تربط حمارا لها فيه، فابتنى بها سعد بن أبي خيثمة، وبنو عمرو بن عوف مسجدا، وأرسلوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعوه ليصلي فيه، فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم أخوالهم بنو عمرو بن عوف، فقالوا: نحن نصلي في مربط حمار لية لا، لعمر الله، ولكنا نبني مسجدا فنصلي فيه، ويجيء أبو عامر فيؤمنا فيه، وكان أبو عامر فرّ من الله ورسوله فلحق بمكة، ثم لحق بعد ذلك بالشام، فتنصّر فمات بها فبنوا مسجدا وأرسلوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة، والليلة المطيرة وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إني لعلى جناح سفر وحال وشغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما قفل ونزل بذي أوان أنزل عليه فيه القرآن وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً [التوبة] . فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي، فقال: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه، فانطلقوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك: انظروا حتى أخرج إليهم بنار من أهلي، فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل، فأشعل فيه نارا ثم خرجوا يشتدون حتى أتوا [المسجد وفيه أهله، فحرّقوه، وهدموه، وتفرّق أهله عنه، ونزل فيه من القرآن ما نزل وَالَّذِينَ

تنبيه:

اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً] . وفيها: موت عدو الله عبد الله بن أبيّ ابن سلول في ذي القعدة، بعد أن مرض عشرين يوما. روى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن عبد الله بن أبيّ لما توفي جاء ابنه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي- صلى الله عليه وسلم- قميصه ... الحديث. وروي [ (1) ] أيضاً عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- قبر عبد الله بن أبيّ بعد ما دفن، فأخرجه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. تنبيه: ظاهر قوله في (حديث جابر) [ (2) ] أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أبيّ بعد ما دفن فأخرجه إلى آخره مخالف لقول ابن عمر: لما مات عبد الله بن أبيّ جاء ابنه إلخ ... ، وقد جمع بينهما بأن معنى قول ابن عمر: فأعطاه أي أنعم له بذلك فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقق وقوعها، وكذا قوله في حديث جابر بعد ما دفن أي: ولي في حفرته، وكان أهل عبد الله بن أبيّ خشوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- المشقة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي- صلى الله عليه وسلم-، فلما وصل وجدهم قد ولوه في حفرته، فأمر بإخراجه إنجازا لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه، والله تعالى أعلم. وقيل: أعطاهم- صلى الله عليه وسلم- أحد قميصيه أوّلا، ثم لما حضر أعطاهم الثاني بسؤال ولده، وفي «الإكليل» للحاكم ما يؤيد ذلك. وفيها لاعن- صلى الله عليه وسلم- بين عويمر العجلاني وبين امرأته في ذي القعدة في مسجده بعد صلاة العصر، وكان عويمر قدم من تبوك فوجدها حبلى. وفيها: حج أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- بالناس في ذي القعدة، فخرج من المدينة في ثلاثمائة رجل، وبعث معه عشرين بدنة قلدها وأشعرها بيده، وعليها ناجية بن جندب الأسلمي، وساق أبو بكر خمس بدنات، وحج عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- وساق هديا وبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عليا على أثره ليقرأ على الناس سورة براءة، فأدركه ب «العرج» [قال ابن سعد: فلما كان بالعرج- وابن عائذ يقول: بضجنان- لحقه علي بن أبي

_ [ (1) ] في أ: فيه. [ (2) ] في أ: حديث ابن عمر.

تنبيهات

طالب- رضي الله تعالى عنه- على العضباء، فلما رآه أبو بكر قال: أمير أو مأمور؟ قال: لا بل مأمور، ثم مضيا] . تنبيهات الأول: روى ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- في قوله تبارك وتعالى بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة 1] قال: لما قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر في ذلك الحجة. قال الإمام محب الدين الطبري- رحمه الله تعالى-: وهذا مغاير لما تقدم، أن الذي حج بالناس تلك السنة عتّاب بن أسيد، وهي سنة ثمان وأنّ تأمير أبي بكر كان سنة تسع وهو الأظهر. الثّاني: قال في «زاد المعاد» : وهل حجة الصديق هذه أسقطت الفرض؟، أو المسقطة هي حجة الوداع معه- صلى الله عليه وسلم- علي قولين أصحهما الثاني، والقولان مبنيان على أصلين: أحدهما: هل كان فرض الحجّ قبل عام حجة الوداع أو لا؟ والثّاني: هل كانت حجة أبي بكر في ذي الحجة! أم وقعت في ذي القعدة من أجل النسيء الذي كان في الجاهلية يؤخرون له الأشهر ويقدمونها؟ على قولين. روى البزّاز في «جامعه» في الحج والتفسير وقال: حسن، زاد في بعض النسخ صحيح، عن زيد بن يثيع، قال: سألنا عليا بأيّ شيء بعثت في ذي الحجة؟ قال: بعثت بأربع ... الحديث. فهذا نص صريح في ذلك كون تلك الحجة وقعت في ذي الحجة. وذكر المحب الطبري في «الأحكام» أن حج أبي بكر وقع في ذي القعدة، وعزى ذلك الماوردي في «نكته» والثعلبي والرمّاني وغيرهم. قلت: وجزم به في الإشارة ثم قال: وجزم الأزرقيّ أن حج أبي بكر كان في السنة التاسعة. قال: وذكر بعض المفسرين الروايتين. قال في النور: وأنا أستبعد كونه- عليه الصلاة والسلام- أمّره عليها وأمره بها، وهي تقع في ذي القعدة على القول بأنها فرض، فهذا ما لا يدخل فهمي أما على القول بأنه فرض فهذا قريب انتهى.

النوع الثالث عشر:

الثالث: الحكمة في أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث عليا ليقرأ سورة براءة على الناس في حجة أبي بكر، ولم يكتف بغير علي أنّ العرب كان من عادتها أن الرجل المتبوع منهم إذا عقد عقدا أو عهد عهدا لا يحله إلا هو أو أحد من أهل بيته، ولهذا بعث عليا- رضي الله تعالى عنه-. وقيل: كان فيه سورة براءة الثناء على الصديق رضي الله تعالى عنه فأحب أن يكون على لسان غيره قال في «الهدي» : لأنّ السورة نزلت بعد ذهاب أبي بكر إلى الحج. النّوع الثالث عشر: في حوادث السّنة العاشرة فيها: حجة الوداع. وفيها: نزول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النور 58] وكانوا لا يفعلونه قبل ذلك. وفيها: قدم جرير بن عبد الله بن جابر بن الشليل بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر وهو مالك بن عبقر بن إراش بن عمرو بن الغوث مسلما في شهر رمضان. وفيها: أسلم فيروز بن الديلمي بأذان وهب بن منبه ب «اليمن» . تنبيه في بيان غريب ما سبق: [المربد: الموضع الذي يجفف فيه التمر. الحجر: ... ثامنوني: أي اجعلوا لها ثمنا. الغرقد: ... العضادة: ... العريش: ... الثّمام: ... الظّلمة: ... الحمال: ... ] [ (1) ] المسوح: جمع مسح وهو البلاس. مستطيرة في القبلة، منتشرة.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

المصراع من الباب الشطر وهما مصراعان. «العرعر» : بفتح العينين وبرائين مهملات قال في الصحاح: السرو. والسّاج- بالسين المهملة والجيم-: ضرب من خشب أسود عظيم من الشجر، يجلب من الهند وجمعها ساجات. قال الزمخشري: خشب أسود رزين يجلب من الهند، ولا تكاد الأرض تبليه، والجمع سيجان، مثل: نار ونيران مطرورة بالطين، بالطاء المهملة المشالة، أي: مطينة به دونه أي بضم الدال المهملة. الجندل: بالجيم والنون والدال المهملة. ينشأ: يتجدد. الأفق بضمتين، الناحية. اخضلّ لحيته بخاء فضاد معجمتين فلام يليها. مراهق: مقارب الاحتلام. أنال: أدرك وأبلغ. المغشى: المغطى المستور. [البوق: ... بقيع الخصاب: ... الصّرم: ... الذّبحة: وجع في الحلق يخنق. الشّهقة: الصيحة. الإستبرق: ... يلوي عليه: ... ضغطة القبر: ... النعش: ... الاشعار: ... الصّرامة: ... ناجية: ...

جندب: ... ] [ (1) ] . العرج: بفتح العين وسكون الراء المهملتين وبالجيم: قرية جامعة على نحو من ثمانية وسبعين ميلا من المدينة. ابن عائذ بتحتية وذال معجمة. ضجنان: بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم وبنونين بينهما ألف: جبل على بريد من مكة من جهة الشام. قافلين: راجعين. الحج الأكبر: يوم النّحر هذا هو الصواب. كما روى الترمذي أن عليا- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن يوم الحج الأكبر فقال: يوم النحر. وروى أبو داود بإسناد صحيح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال: «أيّ يوم هذا» قالوا: يوم النّحر فقال: هذا يوم الحج الأكبر. وروى البخاري «تعليقا» عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يوم النحر في الحجة التي حج فيها: هذا يوم الحج الأكبر [ (2) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] رغّب الله المشركين: بغين معجمة من الرغبة، لا من الرعب الذي هو الفزع، لأنه يقال: منه أرعبه ولا يقال: رغّبه ورغبه مخففا ومشددا. عامّة: بتشديد الميم. لا يخاف: بالبناء للمفعول. ولم نذكرها في الصلب لعدم وجود إشارة تدل عليهما. وهما في أ، ب.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الرقى والتمائم

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الرقى والتمائم الباب الأول في إذنه صلّى الله عليه وسلم في الرّقى المفهومة المعنى روى الحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «استرقوا لها، فإنّ بها النظرة» . الباب الثاني في نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن التمائم روى أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً «أنّ الرّقى والتّمائم والتّرلة شرك» . التّمائم: بمثناة فوقية فميمين بينهما ألف فهمزة: خرزة أو قلادة تعلق في الرأس، كانت الجاهلية تعتقد أن ذلك يدفع الآفات والتّرلة: بمثناة فوقية مكسورة فراء ولام مفتوحتين مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبّة زوجها، وهو نوع من السحر، وإنما كان من الشرك، لأنهم كانوا يرون أنها تجلب المنافع وتدفع المضارّ بنفسها، وذلك شرك مع الله تعالى في ألوهيته، ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وصفاته، ولا خلاف في شرعية الفزع إلى الله تعالى واللّجوء إليه في كل ما وقع وما يتوقع، والرّقي المنهيّ عنها هي ما أضيف فيها إلى أسماء الله تعالى شيء من ذكر الشياطين، والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم، وما كان بالعجز الذي لا يفهم معناه. وقال القرطبي: ما كان يرقى به في الجاهلية معا لا يعقل معناه يجب اجتنابه، وما كان بكلام الله تعالى أو بأسمائه فيجوز فإن كان مأثورا فيستحب، وما كان بغير أسماء الله تعالى من ملك أو صالح أو معظّم من المخلوقات كالعرش فليس من الواجب اجتنابه ولا المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله تعالى، والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى، ونقل النوويّ عن القاضي عياض أن قول مالك اختلف في رقية اليهودي والنصراني المسلم وبالجواز قال الشافعي. وروى ابن وهب عن مالك كراهة الرقية بالحديدة والملح، وعقد الخيط، والذي يكتب خاتم سليمان، وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم.

الباب الثالث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في لدغة العقرب بالرقية

الباب الثالث في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في لدغة العقرب بالرقية روى أبو نعيم في الطّبّ عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان في المدينة رجل يكنى أبا مذكر، كان يرقي من العقرب، وينفع الله تعالى بها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا أبا مذكر، ما رقيتك هذه؟ اعرضها علي، فقال أبو مذكر: شجنة قرنية ملحة بحر قفطا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أنه لا بأس بها، إنّما هي مواثيق أخذها سليمان بن داود على الهوامّ [ (1) ] . قال ابن إسحاق: زادني رجل في هذه الرقية: شجنة قرنية ملحة بحر قفطا وقطيفة موسى معها والمسيح يلبسها، ما لنا أن لا نتوكّل على الله، وقد هدانا سبلنا ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكّل المتوكّلون، وقال محمد بن إسحاق: قرأت ما لا أحصي من هذه الرّقى: الرقية على العقرب، فوقعت لي فيه إن رجلا من الأنصار قال: أفي العقرب رقية؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: لدغ رجل من الأنصار على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- فذكروه للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ما نام فلان من لدغة أصابته من عقرب، فقال: أمّا إنه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامّات كلّها من شر ما خلق لم يضرّه لدغة عقرب حتّى يصبح. الباب الرابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في رقية النملة بفتح النون وإسكان الميم وهي قروح تخرج من الساق والجنب أو غيره روى أبو نعيم في الطّبّ وأبو داود عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال للشفاء: «علّمي حفصة رقيتك» ، قال إسماعيل: قلت لمحمد بن المنكدر: وما رقيتها؟ قال: رقية النّملة. وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: رخّص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الرقية من العين والنملة والحمة، وفي رواية: والأذن الخلّال أنّ الشفاء بنت عبد الله كانت ترقي في الجاهلية من النّملة فلمّا هاجرت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وكانت قد بايعته بمكة، قالت: يا رسول الله، إني كنت أرقي في الجاهلية من النّملة، فأريد أن أعرضها عليك فعرضتها، فقالت: باسم الله صلو صلب خير يعود من أفواهها ولا تضرّ أحدا، اللهم، اكشف الناس ربّ الناس،

_ [ (1) ] ذكرها الحافظ في الإصابة 7/ 173 وعزاه للحكيم الترمذي في نوادر الأصول وضعّفه.

الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في رقية الحية

كانت ترقي بها على عود سبع مرّات، وتضعه مكانا وتدلكه على حجر بخل خمر مصفى وتطليه على النّملة. الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في رقية الحية روى أبو نعيم في الطّبّ عن علقمة عن عبد الله قال: ذكر عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رقية الحمة قال: اعرضوها عليّ فعرضوها عليه، بسم الله قرنية شجنة ملحة بحر قفطا، فقال: هذه مواثيق، أخذها سليمان بن داود على الهوامّ لا أرى بها بأسا قال: فلدغ رجل وهو مع علقمة فرقاه بها، فكأنما نشط من عقال. الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في رقية القرحة والجرح روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى الإنسان الشّيء أو كانت به قرحة أو جرح، قال بإصبعه يعني سبابته بالأرض، ثم رفعها وقال: بسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا يشفى سقيمنا، بإذن ربنا [ (1) ] . وروى الحاكم في تاريخه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تربة أرضنا شفاء لقرحنا» . وروى: «تربة أرضنا بريقة بعضنا تشفي سقيمنا بإذن ربنا» . قال النووي: معنى الحديث أنه أخذ من ريق نفسه، على أصبعه السبابة ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه ثم مسح به الموضع العليل، أو الجرح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح. قال القرطبي: زعم بعض علمائنا أن السّرّ فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الذي به الألم، ويمنع انصباب الموادّ إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجروح واندمالها.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (5745) ومسلم (54/ 2194) .

الباب السابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في رقى عامة، ورقى جامعة

وقال في الرّيق: لأنه يختص بالتحليل والإنضاح وإبراء الجراح والورم، ولا سيما في الصائم الجائع، وتعقبه بأن ذلك إنما يتم إذا وقعت المعالجة على قوانينها مع مراعاة مقدار التراب في الرّيق وملازمة ذلك في أوقاته وإلا فالنّفث ووضع السّبّابة على الأرض إنّما يعلق بها ما ليس له بال ولا أثر، وإنما هذا من باب التبرك بأسماء الله تعالى وآثار رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وإنّما وضع بالأرض فلعله لخاصّية في ذلك، وقال البيضاويّ: قد شهدت المباحث الطّبّية على أن للريق مدخلا في النّضج، وتعديل المزاج، وتراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضّرر، فقد ذكروا أنه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه، إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئا منه في سقائه، ليأمن من مضرّة ذلك، ثم إنّ الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتعاقد العقول عن الوصول إلى معرفتها. وقال التوربشتي: كأن المراد بالتّربة الإشارة إلى فطرة آدم وبالريقة الإشارة إلى النطفة، كأنه تضرع بلسان الحال، إنك اخترعت الأصل الأوّل من التراب ثم أبدعته من ماء مهين، فهيّن عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته. وقال النووي: وقيل: المراد ب «أرضنا» أرض المدينة لبركتها و «بعضنا» رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لشرف ريقه يشفى سقيمنا: بضم أوله على البناء للمجهول، وسقيمنا بالرفع وبفتح أوله على أن الفاعل مقدر وسقيمنا بالنصب على المفعولية. الباب السابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في رقى عامة، ورقى جامعة روى الطبراني في الكبير برجال الصحيح عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ابن نعيمان فقال: «أذهب الياس ربّ الناس إله الناس» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير- برجال ثقات وأبو معشر- ليس هو نجيح بل من رجال الصحيح- عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا وجد أحدكم ألما فليضع يده تحت ألمه، ثم ليقل سبع مرات: أعوذ بعزّة الله وقدرته على كل شيء من شر ما أجد» [ (2) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 117 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 117 وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه أبو معشر نجيح وقد وثق على أن جماعة كثيرة ضعفوه وتوثيقه لين، وبقية رجاله ثقات.

وروى أبو يعلى بسند حسن عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم، ثم يقول: «بسم الله لا بأس» [ (1) ] . وروى الترمذي والحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثمّ قل: بسم الله، أعوذ بعزّة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا [ (2) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه وابن حبان وأبو داود والترمذي وقال: صحيح، والطبراني في الكبير عن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «امسح بيمينك سبع مرّات، وقل: أعوذ بعزّة الله وقوّته على كل شيء من شر ما أجد» وفي لفظ: «ضع يمينك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله- ثلاثا- وقل- سبع مرّات-: أعوذ بالله..» إلى آخره. وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- والخرائطي في «مكارم الأخلاق» عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرج في عنقي خراج فتخوّفت منه، فسألت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال- صلى الله عليه وسلم-: «ضعي يدك عليه ثم قولي ثلاث مرات-: «بسم الله، اللهمّ أذهب عنّي شرّ ما أجد بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك بسم الله» . وروى أبو داود في سننه عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من اشتكى منكم شيئا فليقل: ربّنا الله الذي في السماء تقدّس اسمك، أمرك في السّماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت ربّ الطّيّبين، أنزل رحمة من عندك وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ بإذن الله» [ (3) ] . وروى الحميديّ والخطيب عن يونس بن يعقوب عن عبد الله قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتعوّذ من الصّداع: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الكبير، وأعوذ بالله العظيم من شرّ كلّ عرق نعّار، ومن شرّ حرّ النّار» . وروى البيهقي أن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- أصابها ورم في

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (2191) باب استحباب رقية المريض من طريق يحيى بن يحيى، والبخاري في الطب (5743) . وأحمد 6/ 126، وأبو يعلى في مسنده 7/ 436 (103- 4459) . [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 219. [ (3) ] أخرجه أبو داود 4/ 218 (3892) .

استها [ (1) ] ، فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده على ذلك من فوق الثياب فقال: بسم الله، أذهب عنها سوءه، وفحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك، المكين عندك، صنع ذلك ثلاث مرات، وأمرها أن تقول» [ذلك، فقالت ثلاثة أيام، فذهب الورم] [ (2) ] . وروى البيهقي أن عبد الله بن رواحة شكا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وجع ضرسه، فوضع- صلى الله عليه وسلم- يده على خدّه الذي فيه الوجع وقال: اللهم أذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك، المكين عندك- سبع مرات- فشفاه قبل أن يبرح» [ (3) ] . وروى الحميديّ أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تشكو من ضرّ في ضرسها، فأدخل سبابته اليمنى فوضعها على الضرس الذي يألم فقال: «بسم الله، وبالله أسألك بعزك وجلالك وقدرتك على كل شيء فإن مريم لم تلد غير عيسى من روحك وكلمتك أن تكشف فاطمة بنت خديجة من الضّرّ كله» فسكن ما بها. وروى النسائي عن أبي الدّرداء أنّه أتاه رجل فذكر أن أباه احتبس بوله، فأصابته حصاة البول، فعلمه رقية سمعها من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ربّنا الله الذي في السماء، تقدّس اسمك، أمرك في السّماء والأرض كما رحمتك في السّماء، فاجعل رحمتك في الأرض، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، فأنزل شفاء من شفائك، ورحمة من رحمتك على هذا الوجع فيبرأ» وأمره أن يرقيه بها فرقاه بها فبرأ [ (4) ] . وروى البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي عائشة وهي موعكة، وهي تسب الحمى، فقال: «لا تسبيها فإنها مأمورة، ولكن إن شئت علمتك كلمات إذا قلتهن أذهبها الله عنك» فقالت: فعلمني، قال: «قولي: اللهم، ارحم جلدي الرّقيق، وعظمي الدّقيق من شدة الحريق، يا أم ملدم، إن كنت آمنت بالله العظيم، فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من اتّخذ مع الله إلها آخر» فقالتها فذهبت عنها [ (5) ] . وروى أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح عن أبان بن عثمان عن أبيه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من قال: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء من الأرض

_ [ (1) ] في ألأسها. [ (2) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6/ 1. [ (3) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6/ 183. [ (4) ] أخرجه النسائي في السنن الكبرى 6/ 257. [ (5) ] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6/ 169.

ولا في السّماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات حين يمسي لم تصبه فجأة بلاء، حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي» قال: فأصاب أبان بن عثمان الفالج، فجعل الرّجل، الذي سمع منه الحديث ينظر إليه، فقال: ما لك تنظر إليّ، فو الله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت، فنسيت أن أقولها [ (1) ] ، وفي لفظ الترمذي: فكان أبان أصابه طرف فالج، فجعل الرّجل ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر، أما إنّ الحديث كما حدّثتك، ولكني لم أقله يومئذ ليمضي الله علي قدره. وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم» [ (2) ] . وروى الطبراني عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهمّ» . وروى ابن أبي الدنيا عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرّة في كل يوم لم يصبه فقر» . وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أبطأ عليه رزقه، فليكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله» [ (3) ] . وروى ابن السني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى لم تضرّه أمّ الصّبيان» .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 5/ 324 (5088) . [ (2) ] أخرجه الترمذي (3601) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 204 وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه يونس بن تميم ضعفه الذهبي بهذا الحديث.

الباب الثامن في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في علاج داء الحريق وإطفائه

الباب الثامن في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في علاج داء الحريق وإطفائه روى ابن السّنيّ وابن عدي وابن عساكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأيتم الحريق، فكبّروا فإنّ التكبير يطفئه» . قال في زاد المعاد: لمّا كان الحريق سببه النّار، وهي مادّة الشيطان [التي خلق منها] ، وكانت النار تطلب العلوّ والفساد، وهما هدي الشيطان، وإليهما يدعو، وبهما يهلك بني آدم، فالنّار والشيطان كل منهما يريد العلوّ في الأرض والفساد، وكبرياء الله تقمع الشّيطان وفعله، فلهذا كان تكبير الله تعالى له أثر في إطفاء الحريق، فإن كبرياء الله تعالى لا يقوم لها شيء، فإذا كبّر المسلم ربّه أثّر تكبيره في خمود النّار التي هي مادة الشيطان، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك، انتهى. الباب التاسع في علاج الفزع والأرق المانع من النوم روى الترمذي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: شكا خالد إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-: ما أنام الليل من الأرق، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، وربّ الأرضين السّبع وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شر خلقك كلّهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو يبغي عليّ، عزّ جارك وجلّ ثناؤك، ولا إله غيرك» [ولا إله إلا أنت] [ (1) ] . الباب العاشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في علاج حرّ المصيبة روى أبو داود والحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهمّ عندك أحتسب مصيبتي فأجرني منها، [وأبدل لي بها خيرا منها] [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3518) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (3119) .

وروى البيهقي في الشّعب والطبراني في الكبير عن سابط أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أصاب أحدكم مصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنّها من أعظم المصائب» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله بها عنه حتى الشّوكة يشاكها» [ (2) ] . روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده وكتمها ولم يشكها إلى الناس كان حقّا على الله أن يغفر له» [ (3) ] . وروى ابن ماجة عن حسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته، فأحدث استرجاعا، وإن تقادم عهدها، كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد عن رجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أصيب في جسده بشيء فتركه لله كان كفّارة له» [ (5) ] . وروى سعيد بن منصور وأبو نعيم في الحلية عن مسروق بن الأجدع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الأمراض والأحزان في الدنيا جزاء» . وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «المصيبة تبيّض وجه صاحبها يوم القيامة يوم تسودّ وجوه» [ (6) ] . وروى مسلم وابن ماجة عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرا منها» [ (7) ] . وروى الترمذي وابن حبان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة» .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 5 وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد، وثقه ابن حبان وضعفه غيره. [ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 88. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 334 وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه بقية وهو مدلس. [ (4) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 510 (1600) . [ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 412. [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 294 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن رقاع وهو منكر الحديث. [ (7) ] أخرجه مسلم 2/ 632 (918) .

الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في علاج الكرب والهم والحزن

الباب الحادي عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في علاج الكرب والهم والحزن روى الطبراني في الأوسط عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أصاب أحدكم همّ أو لأواء فليقل: الله الله، ربي لا أشرك به شيئا» . وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا تغوّلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، فإنّ الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص» [ (1) ] . وروى البيهقي في الشّعب بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا نزل بكم كرب أو جهد، أو بلاء، فقولوا: الله الله ربّنا لا شريك له» . وروى ابن مردويه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل» . وروى ابن السني في عمل اليوم والليلة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقعت في ورطة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإن الله تعالى يصرف بها ما شاء من أنواع البلاء» [ (2) ] وروى العقيلي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «استكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضر، أدناها الهم» [ (3) ] . وروى ابن أبي الدنيا في الفرج والحاكم عن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إلا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدّنيا، دعا به يفرج عنه: دعاء ذي النّون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي في الشعب، والضياء عن سعد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوة ذي النّون إذا دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء إلا استجاب الله له» .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي 10/ 137 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عدي بن الفضل وهو متروك. [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (3416) وعزاه لابن السني عن علي. [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (1953) . [ (4) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 505.

وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود وابن حبان عن أبي بكرة. إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوات المكروب، اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين. وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» . وروى أبو داود عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة: ألا أعلمك كلمات إذا قلتهنّ أذهب الله تعالى همك وقضى عنك دينك قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرّجال» . قال: فقلت ذلك، فأذهب الله همّي، وقضى ديني. وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من لزم الاستغفار، جعل الله له من كلّ همّ فرجا. ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» [ (1) ] . وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل، فقال: يا محمد، قل: توكّلت على الحيّ الذي لا يموت، والحمد لله الذي لم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذّلّ وكبّره تكبيرا» [ (2) ] . وروى ابن أبي الدنيا في الفرج عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العليّ العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع وربّ العرش الكريم» [ (3) ] . وروى ابن أبي الدنيا في الفرج من طريق الخليل بن مرّة بلاغا قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا أصاب عبدا همّ وكرب يقول: حسبي الرّبّ من العباد، حسبي الخالق من المخلوقين حسبي الرّازق من المرتزقين، حسبي الّذي هو حسبي، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم» . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن جعفر عن علي قال: علمني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نزل بي كرب أن أقول: «لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين» .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 179 (1518) . [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (3424) . [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (3423) .

وروى الحاكم عن ابن مسعود أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا نزل به همّ أو غمّ، قال: «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع وربّ العرش الكريم [ (2) ] . وروى الطبراني في الكبير عن أسماء بنت عميس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أصابه همّ أو غمّ أو سقم أو شدّة، فقال: الله ربي لا شريك له كشف عنه. وروى أبو نعيم في الطّبّ. عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما على أحدكم إذا ألحّ همّه أن يتقلد قوسه ويبقى به همّه» [ (3) ] . وروي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمرٌ قال: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» . وروى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أهمّه الأمر، ورفع رأسه إلى السماء، فقال: «سبحان الله العظيم» ، وإذا اجتهد في الدعاء قال: «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث» [ (4) ] . وروى أبو داود عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: دعوة المكروب: اللهمّ رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن، فقال: «اللهم، إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همّي وغمّي إلّا أذهب الله همّه وحزنه وأبدله مكانه فرجا» [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 509. [ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 145 (6345) . [ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 24/ 154. [ (4) ] أخرجه الترمذي 5/ 462 (3436) . [ (5) ] أخرجه أبو داود (5090) . [ (6) ] أخرجه أحمد 1/ 391.

تنبيهان:

تنبيهان: الأول: قال الطبري: معنى قول ابن عباس: «يدعو» إنما هو تهليل وتعظيم، إذ المراد تقديم ذلك كما عند ابن حميد «كان إذا حزبه أمرٌ قال» ... فذكر الذكر المأثور ثم دعا. وقد روى الأعمش عن إبراهيم، قال: كان يقال: إذا بدأ الرّجل بالثّناء قبل الدّعاء استجيب له، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء، أو معناه: أنه لما اشتغل بذكر الله تعالى أعطاه أفضل ما أعطى السائلين، لقوله- صلى الله عليه وسلم- عن ربه عز وجل: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، كما أجاب سفيان بن عيينة من سأله عن أكثر ما كان يدعو به- صلى الله عليه وسلم-[قال] : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» . الثّاني في غريب ما سبق: الهمّ: الفكر فيما يتوقّع حصوله من أذى وحزن.

الباب الثاني عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع

الباب الثاني عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم في علاج الصرع أخرجا في «الصحيحين» من حديث عطاء بن أبي رباح، قال: قال ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبيّ فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، فقال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك» ، فقالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها [ (1) ] . قلت: - والقائل ابن القيم- الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة. والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الأرواح، فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيّرة العلوية لتلك الأرواح الشّريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع، وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة. وأما الصرع الذي يكون من الأرواح، فلا ينفع فيه هذا العلاج. وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحسّ والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط، هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها. وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع: المرض الإلهي، وقالوا: إنه من الأرواح، وأما جالينوس وغيره، فتأوّلوا عليهم هذه التسمية، وقالوا: إنما سموه بالمرض الإلهي لكون هذه العلة تحدث في الرأس، فتضر بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ. وهذا التأويل نشأ لهم من جهلهم بهذه الأرواح وأحكامها، وتأثيراتها، وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده. ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم. وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوّذ

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 99 في المرض: باب من يصرع من الريح، ومسلم (2265) .

الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا، وأن يكون الساعد قويا، فمتى تخلّف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعا: يكون القلب خرابا من التوحيد، والتوكل، والتقوى، والتوجه، ولا سلاح له. والثاني: من جهة المعالج، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا، حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله: «اخرج منه» . أو بقول: «بسم الله» ، أو بقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» ، والنبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اخرج عدو الله أنا رسول الله» [ (1) ] . وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه، ويقول: قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب، فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا. وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المصروع: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115] . وحدثني أنه قرأها مرة في أذن المصروع، فقالت الروح: نعم، ومد بها صوته. قال: فأخذت له عصا، وضربته بها في عروق عنقه حتى كلّت يداي من الضرب، ولم يشكّ الحاضرون أنه يموت لذلك الضرب. ففي أثناء الضرب قالت: أنا أحبّه، فقلت لها: هو لا يحبك، قالت: أنا أريد أن أحجّ به، فقلت لها: هو لا يريد أن يحجّ معك، فقالت: أنا أدعه كرامة لك، قال: قلت: لا ولكن طاعة لله ولرسوله، قالت: فأنا أخرج منه، قال: فقعد المصروع يلتفت يميناً وشمالاً، وقال: ما جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ قالوا له: وهذا الضرب كلّه؟ فقال: وعلى أي شيء يضربني الشيخ ولم أذنب، ولم يشعر بأنه وقع به ضرب البتة. وكان يعالج بآية الكرسي، وكان يأمر بكثرة قراءتها المصروع ومن يعالجه بها، وبقراءة المعوّذتين. وبالجملة فهذا النوع من الصرع، وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر، والتعاويذ، والتحصّنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه، وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 170- 172.

فصل

ولو كشف الغطاء، لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأرواح الخبيثة، وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت، ولا يمكنها الامتناع عنها ولا مخالفتها، وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعاينة، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة، وبالله المستعان. وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل، وأن تكون الجنة والنار نصب عينيه وقبلة قلبه، ويستحضر أهل الدنيا، وحلول المثلات والآفات بهم، ووقوعها خلال ديارهم كمواقع القطر، وهم صرعى لا يفيقون، وما أشدّ داء هذا الصرع، ولكن لما عمّت البليّة به بحيث لا يرى إلا مصروعا، لم يصر مستغربا ولا مستنكرا، بل صار لكثرة المصروعين عين المستنكر المستغرب خلافه. فإذا أراد الله بعبد خيرا أفاق من هذه الصرعة، ونظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حوله يمينا وشمالا على اختلاف طبقاتهم، فمنهم من أطبق به الجنون، ومنهم من يفيق أحيانا قليلة، ويعود إلى جنونه، ومنهم من يفيق مرة، ويجن أخرى، فإذا أفاق عمل عمل أهل الإفاقة والعقل، ثم يعاوده الصرع فيقع في التخبط. فصل وأما صرع الأخلاط، فهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعا غير تام، وسببه خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ سدة غير تامة، فيمتنع نفوذ الحس والحركة فيه وفي الأعضاء نفوذا تاما من غير انقطاع بالكلية، وقد تكون لأسباب أخر كريح غليظ يحتبس في منافذ الروح، أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، أو كيفية لاذعة، فينقبض الدماغ لدفع المؤذي، فيتبعه تشنّج في جميع الأعضاء، ولا يمكن أن يبقى الإنسان معه منتصبا، بل يسقط، ويظهر في فيه الزبد غالبا. وهذه العلة تعد من جملة الأمراض الحادة باعتبار وقت وجوده المؤلم خاصة، وقد تعد من جملة الأمراض المزمنة باعتبار طول مكثها، وعسر برئها، لا سيما إن تجاوز في السن خمسا وعشرين سنة، وهذه العلة في دماغه، وخاصة في جوهره، فإن صرع هؤلاء يكون لازما. قال أبقراط: إن الصرع يبقى في هؤلاء حتى يموتوا. إذا عرف هذا، فهذه المرأة التي جاء الحديث أنها كانت تصرع وتتكشف، يجوز أن يكون صرعها من هذا النوع، فوعدها النبي- صلى الله عليه وسلم- الجنة بصبرها على هذا المرض، ودعا لها

الباب الثالث عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في علاج الغيراء

أن لا تتكشف، وخيّرها بين الصبر والجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء من غير ضمان، فاختارت الصبر والجنة. وفي ذلك دليل على جواز ترك المعالجة والتداوي، وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء، وأن تأثيره وفعله، وتأثر الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية، وانفعال الطبيعة عنها، وقد جربنا هذا مرارا نحن وغيرنا، وعقلاء الأطباء معترفون بأن لفعل القوى النفسية، وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب، وما على الصناعة الطبية أضرّ من زنادقة القوم، وسفلتهم، وجهالهم. والظاهر أن صرع هذه المرأة كان من هذا النوع، ويجوز أن يكون من جهة الأرواح، ويكون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد خيّرها بين الصبر على ذلك مع الجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء، فاختارت الصبر والستر، والله أعلم] . الباب الثالث عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في علاج الغيراء روى الطبراني في الكبير وابن السني في عمل اليوم والليلة بسند ضعيف عن ميمونة بنت أبي عسيب أن امرأة من جرش أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- على بعير فنادت: يا عائشة أعينيني بدعوة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تسكنني قالت: «ضعي يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه، وقولي: بسم الله، اللهمّ، داوني بدوائك واشفني بشفائك، وأغثني بفضلك عمن سواك وأحدر عنّي أذاك» [ (1) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 183 وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.

جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الطب

جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلّم- في الطب الباب الأول في فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية وفيه أنواع: الأوّل: في ابتدائه: روى البزّار في مسنده والطبراني في الكبير وابن السّنّيّ وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: «أن نبيّ الله سليمان- عليه الصلاة والسلام- كان إذا قام يصلّي رأى شجرة نابتة بين يديه، فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا، فيقول: لأيّ شيء أنت؟ فتقول: لكذا، فإن كانت لداء كنّت وإن كانت لغرس غرست» [ (1) ] . وروى الحاكم في المستدرك وصححه وابن مردويه من طريق سلمة بن كميل عن سعيد بن جبير عنه قال: «كان سليمان بن داود- عليهما الصلاة والسلام- إذا صلى الصلاة طلعت بين عينيه شجرة، فيقول لها: ما أنت؟ فتقول: أنا شجرة كذا وكذا، فيقول: لأيّ شيء طلعت؟ فتقول: طلعت لكذا وكذا، فيؤمر بها فتزرع» [ (2) ] . وروى ابن مردويه من طريق علي بن بذيمة عن عكرمة عنه قال: «كان ينبت في مصلى سليمان بن داود- عليهما الصلاة والسلام- كلّ غداة شجرة، فيقول لها سليمان: ما أنت؟ فتقول: أنا كذا وكذا، فيقول لها: لأي شيء تصلحين؟ فتقول: لكذا وكذا فيعطيهما طباخه» . وروى أبو نعيم في الطبّ من طريق قتادة عن الحسن قال: «أن سليمان بن داود- عليهما الصلاة والسلام- لما فرغ من بناء بيت المقدس، وأراد الله قبضه، دخل المسجد فإذا أمامه في القبلة شجرة خضراء بين عينيه، فلما فرغ من صلاته تكلّمت الشّجرة فقالت: ألا تسألني، ما أنا؟ فقال سليمان: ما أنت؟ قالت: أنا شجرة كذا وكذا، دواء كذا وكذا من داء كذا

_ [ (1) ] ذكر الهيثمي في المجمع 8/ 210، 211 وقال: رواه الطبراني والبزار بنحوه مرفوعا وموقوفا. وقال: وفيه عطاء وقد اختلط وبقية رجالهما رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 198.

تنبيه:

وكذا، فأمر سليمان بقطعها، وكان كل يوم إذا دخل المسجد يرى شجرة قد نبتت، فوضع عند ذلك كتاب الطب الفيلسوفيون ووضعوا الأدوية وأسماء الأشجار التي نبتت في المسجد. روى البيهقي- بإسناد ضعيف- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا سقمت المعدة صدرت العروق بالسّقم. تنبيه: أخرج البيهقي من طريق أرطأة قال: اجتمع رجال من أهل الطّبّ عند ملك من الملوك، فسألهم ما رأس دواء المعدة؟ فقال كل رجل منهم قولا وفيهم رجل ساكت فلما فرغوا قال: ما تقول أنت؟ قال: ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع، ولكنّ ملاك ذلك ثلاثة أشياء: لا تأكل طعاما أبدا إلا وأنت تشتهيه، ولا تأكل لحما يطبخ لك حتّى يتم إنضاجه، ولا تبتلع لقمة حتى تمضغها مضغا شديدا لا يكون على المعدة فيها مؤونة. وروى البيهقي عن إبراهيم بن علي الذّهليّ قال: «أخرج من جميع الكلام أربعة آلاف كلمة، وأخرج منها أربعمائة كلمة، وأخرج منها أربعون كلمة، وأخرج منها أربع كلمات، أولهن لا تثقنّ بالنّساء والثانية: لا تحمّل معدتك ما لا تطيق، والثالثة: لا يغرنّك المال، والرابعة: يكفيك من العلم ما ينتفع به. والأمور الطبيعية سبعة: إحداها: الأركان، وهي أربعة: النار وهي حارّة يابسة باردة. الثاني: المزاج، وأقسامه تسعة وهي منقسمة إلى: معتدل، وغير معتدل. فالمعتدل: واحد. وغير المعتدل: إما مفرد، وهو أربعة: حارّ، وبارد ورطب ويابس. وإما مركب وهو أربعة أيضا: حار يابس، وحار رطب، وبارد يابس، وبارد رطب. وأعدل أمزجه الحيوان مزاج الإنسان، وأعدله مزاج المؤمنين، وأعدله مزاج الأنبياء، وأعدله مزاج المرسلين، وأعدله مزاج أولي العزم، وأعدل أولي العزم مزاجا مزاج محمد- صلى الله عليه وسلّم- وعليهم أجمعين وذلك أنّ من فوائد الأطباء أن أخلاق النّفس تابعة لمزاج البدن، فكلما كان أعدل كانت أخلاق النّفس أحسن. إذا علم ذلك فالحق- سبحانه وتعالى- قد شهد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأنه على خلق عظيم، وقالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: «كان خلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القرآن» . فلزم من ذلك أن مزاجه- صلى الله عليه وسلم- أعدل الأمزجة، وإذا كان كذلك كان خلقه أحسن

وثالثها:

الأخلاق، والشّباب أعدل، والصّبيان أرطب، والكهل والشيخ أبرد، وأعدل الأعضاء مزاجا جلد أنملة السّبّابة، ثم جلد الأنامل. وأحرّ الأعضاء القلب ثم الكبد ثم اللّحم. قال وهب بن منبّه: ومن قدرته تعالى ولطفه جعل عقله في دماغه، وسرّه في كليته وغضبه في كبده وصرامته في قلبه وصحته في طحاله وحزنه وفرحه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا، وأبردها العظم ثم العصب ثم النّخاع ثم الدّماغ، وأيبسها العظم، وأرطبها السّمين. وثالثها: الأخلاط الأربعة، فإذا تساوت في الشخص اعتدل خلقه، فإذا غلب أحدهم سمي الشخص باسم ما يغلب عليه منها، فيقال لصاحب الدم- وهو أفضلها- وهو رطب حارّ دموي. وفائدته: تغذية البدن الطبيعي ومنه يتولّد عنه حمرة العينين والرّمد والجدري والدّماميل والأورام الرّخوة وأمراض أخر ثم البلغم، وهو رطب بارد. فائدته أن يستحيل دما إذا فقد البدن الغذاء وأن يرطب الأعضاء لئلا تجفّفها الحركة. والطبيعي منه: ما قارب الاستحالة إلى الدّمويّة. وغير الطبيعي منه: المالح، ويميل إلى حرارة، والحامض ويميل إلى البرد والمشيخ وهو خالص البرد ويتولد منه البرص، والفالج، والحمّى المطبقة، وأمراض أخر ثم الصّفراء وينصبّ جزء منها إلى الأمعاء، فينبه على خروج البخر. والطبيعيّ منها: أحمر خفيف. وغير الطّبيعيّ: فالمخي والكداني والزنجاري والاحتراقي وهو في الزّنجاري أقوى من الكداني، فلذلك ينذر بالموت، وتسمّى المرة الصفراء وينشأ عنه الصّداع واليرقان الأصفر، والأورام الصفيراء، وحمّى الغبّ، وأمراض أخر، ثم السّوداء وهي يابسة باردة، وهي تغلظ الدّم، وتغذي الطّحال والعظام، وينصبّ جزء منها إلى فم المعدة، فينبه على الجوع لحموضتها. والطبيعيّ منها: رديء الدّم. وغير الطبيعيّ: يحدث عن احتراق أي خلط كان، ويسمى المرة السوداء، وينشأ عنها الجذام والجرب والحكّة والفالج والسّكتة وحمّى الثّلث. ورابعها: الأعضاء الأصليّة، وهي تتولّد من المنيّ. وخامسها: الأرواح. وسادسها: القوى، وهي ثلاث: الطبيعية، والحيوانية، والنّفسانيّة.

وسابعها:

وسابعها: الأفعال، وهي الجذب والدّفع. وأحوال بدن الإنسان ثلاثة: الصّحّة، والمرض وحالة لا صحّة ولا مرض كالنّاقة، وهو الّذي برئ من مرضه ولم يرجع لحالته الأولى، والشّيخة. فالصّحّة هيئة بدنية تكون الأفعال معها سليمة، فالعافية أفضل ما أنعم الله على الإنسان بعد الإسلام، إذ لا يتمكّن الإنسان من حسن تصرّفه والقيام بطاعة ربّه إلا بوجودها، ولا مثل لها، فليشكرها العبد ولا يكفرها. وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصّحّة والفراغ» [ (1) ] رواه البخاريّ. وقال- عليه الصلاة والسلام-: «سلوا الله، العفو والعافية، فإنّه ما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من معافاة» [ (2) ] رواه النّسائيّ. وعنه- صلى الله عليه وسلم-: «ما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية» [ (3) ] رواه الترمذي. وسأل أعرابي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ما أسأل الله بعد الصّلوات؟ قال: «سل الله العافية» . وفي حكمة داود- عليه الصلاة والسّلام-: «العافية ملك خفيّ وغمّ ساعة هرم سنة» . وقيل: العافية تاج على رؤوس الأصحّاء، لا يبصرها إلا المرضى. وقيل: العافية نعمة مغفول عنها. وكان بعض السلف يقول: كم لله من نعمة تحت كل عرق ساكن، اللهم، ارزقنا العفو والعافية في الدّين والدنيا والآخرة. والمرض: حالة مضادّة للصّحّة يخرج بها الجسم عن المجرى الطبيعيّ، وكل مرض له ابتداء فيزيد، وانحطاط وانتهاء، والأسباب ستّة: أحدها: الهواء، ويضطرّ إليه لتعديل الرّوح، فما دام صافيا لا يخالطه نتن وريح خبيثة، كان حافظا للصّحة، فإن تغيّر تغير حكمه، وكل فصل فإنه يورث الأمراض المناسبة له ويزيل المضادّة له، فالصّيف يثير الصّفراء، ويوجب أمراضها، ويبرئ الأمراض الباردة، والهواء البارد يشدّ البدن ويقوّيه، ويجيد الهضم، والحارّ بالضّدّ، وعند تغير الهواء يكون الوباء.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 229 (6412) . [ (2) ] أخرجه النسائي في السنن الكبرى 6/ 220. [ (3) ] أخرجه الترمذي 5/ 500 (3515) .

والثاني:

والثاني: ما يؤكل ويشرب، فإن كان حارّا أثّر في البدن حرارة وبالضد. والثالث: الحركة والسّكون البدنيان، فالحركة تؤثّر في البدن تسخينا، والسّكون بالضد. والرابع: الحركة والسّكون النّفسانيّان، كما في القبض والفرح والهمّ والغمّ والخجل، فإنّ هذه الأحوال تحصل بحركة الرّوح، إمّا إلى داخل البدن، وإمّا إلى خارجه. والخامس: النّوم واليقظة، فالنّوم يغوّر الروح إلى داخل البدن، فيبرد الظّاهر ولذلك يحتاج النائم إلى الدّثار، واليقظة بالضّدّ. والسّادس: الاستفراغ والاحتباس. فالمعتدل منهما نافع حافظ للصّحّة ولعق الإناء يعيق على الهضم ويفتّق المعدة. الثالث: في كيفيّة تولّد الأخلاط فالغذاء إذا ورد على المعدة استحال فيها إلى جوهر شبيه بماء الكشك الثّخين، ويسمى كيلوجا وينجذب الصافي منه إلى الكبد، فينطبخ فيه، ويحصل منه شيء كالرّغوة، وشيء كالرّسوب، وقد يكون معهما شيء محترق، إن أفرط الطّبخ، وشيء فجّ إن قصّر الطّبخ، فالرّغوة هي الصّفراء الطبيعية والرسوب السّوداء الطبيعية، والمحترق صفراء غير طبيعية، وكثيفة سوداء غير طبيعيّة. والفجّ هو: البلغم، والمتصفي من هذه الجملة نضجا هو الدّم، فإذا انفصل هذا الدّم عن الكبد تصفى أيضا عن ما فيه فضلته فينجذب إلى عرق نازل إلى الكليتين، ومعها جزء من الدّم بقدر غذاء الكليتين، فتغذوهما ويندفع بقيتها إلى المثانة والإحليل، وأمّا الدّم الحسن القوام فيندفع إلى العرق الأعظم الطّالع من حدبة الكبد، فيسلك في الأوردة المتشعبة منه ثم في جداول الأوردة ثم في سواقي الجداول ثم في رواضع السواقي ثم في العروق الليفية الشعرية ثم يرشح فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز الحكيم. والغذاء جسم من شأنه أن يصير جزءا من بدن الإنسان. روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما نبت من سحت فالنّار أولى به» . والأعضاء: أجسام تتولّد من أوّل مزاج الأخلاط كما أن الأخلاط أجسام متوكّدة من أوّل مزاج الأركان والأعضاء مفردة: كاللّحم والعظم والعصب. ومركّبة: كالوجه واليدين. وأوّل الأعضاء المتشابهة الأجزاء: العظم، وقد خلق صلبا، لأنّه أساس البدن، ودعامة الحركة، ثم الغضروف وهو أصلب من سائر الأعضاء، ومنفعته: أن يحسن اتصال العظام

بالأعضاء اللينة، ثم الأعصاب وهي أجزاء دماغية المنبت، أو نخاعيّة في الهواء والمنبت بيض لدنه ليّنة في الانعطاف، صلبة من الانفصال، خلقت ليتمّ بها للأعضاء الإحساس والحركة، ثم الأوتار وهي أجسام نبتت من أطراف العضل شبيهة بالعصب، ثم الرّباطات وهي أجسام شبيهة بالعصب، ثم الشّريانات وهي أجسام نابتة في القلب، ممتدّة مجوّفة طولا، عصبانية رباطيّة الجوهر، ثم الأوردة وهي شبيهة بالشّريانات، لكنّها نابتة من الكبد، ثم الأغشية وهي أجسام منتسجة من ليف عصباني غير محسوس، ثم اللّحم وهو حشو جلل، وعليه وضع هذه الأعضاء في البدن وقوتها، ثم من الأعضاء ما هو قريب المزاج من الدّم فلا يحتاج الدم في تغذيته إلى أن ينصرف في استحالات كثيرة، ومنها ما هو بعيد المزاج عنه، فيحتاج الدّم في أن يستحيل إليه إلى أن يستحيل أوّلا استحالات متدرجة إلى مشاكلة جوهره كالعظم. وقال- عليه الصلاة والسلام-: «إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينفخ فيه الرّوح. قال في المنهج السّويّ: واتّفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر. وروي فيه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما-: «أن خزيمة بن حكيم السلمي سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قرار ماء الرّجل وماء المرأة؟ وعن ما للرّجل من الولد وما للمرأة؟ وعن موضع النّفس من الجسد؟ وعن شراب المولود في بطن أمه؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أما ما للرجل من الولد وما للمرأة، فإنّ للرّجل العظام والعروق والعصب، وللمرأة اللّحم والدّم والشّعر، وأما قرار ماء الرّجل فإنّه يخرج ماؤه من الإحليل، وهو عرق يجري [من ظهره حتّى يستقر قراره في البيضة اليسرى، وأما ماء المرأة فإنّ ماءها في الثّرائبيّة يتغلغل لا يزال يدنو حتّى تذوق عسيلتها، وأمّا موضع النّفس ففي القلب، والقلب معلّق بالنّياط والنّياط تسقي العروق، فإذا هلك القلب انقطع العرق، وأمّا شراب المولود في بطن أمه، فإنّه يكون نطفة أربعين ليلة ثم علقة أربعين ليلة ومشيجا أربعين ليلة ونجيشا أربعين ليلة ثم مضغة أربعين ليلة ثم العظم حبيكا أربعين ليلة ثم جنينا، فعند ذلك يستهل وينفخ فيه الرّوح وتجلب عليه عروق الرّحم] . قال الخطّابيّ: اعلم أن الطب على نوعين: الطب القياسي: وهو طبّ يونان الذي يستعمل في أكثر البلاد. وطبّ العرب والهند: وهو طبّ التّجارب، وأكثر ما وصفه النبي- صلى الله عليه وسلم- إنما هو على مذهب العرب، إلا ما خص به من العلم النّبويّ من طريق الوحي، فإن ذلك يخرق كلّ ما تدركه

الأطبّاء، وتعرفه الحكماء، وكلّ ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصّواب، عصمه الله أن يقول إلا صدقا حقّا. وقال ابن القيم في الهدي: كان علاجه- صلّى الله عليه وسلم- ثلاثة أنواع: أحدها: بالأدوية الطّبيعية. والثاني: بالأدوية الإلهيّة. والثالث: بالمركب من الأمرين، ثم قال: كان من هديه- صلى الله عليه وسلم- فعل التّداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن لم يكن من هديه- صلى الله عليه وسلم- ولا هدي أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- فعل هذه الأدوية المركّبة، التي تسمّى أقرباذين، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربّما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته، وهذا غالب طبّ الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والتّرك وأهل البوادي قاطبة، وإنما عنى بالمركّبات الرّوم واليونان، وقد اتّفق الأطبّاء على أنّه متى أمكن التّداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدّواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركّب. قالوا: وكلّ داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه بالأدوية. قالوا: ولا ينبغي للطّبيب أن يولع بسقي الأدوية، فإنّ الدّواء إذا لم يجد في البدن داء حلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه، فزادت كميّته عليه، أو كيفيّته، تشبث بالصّحّة، وعبث بها، وأرباب التّجارب من الأطبّاء طبّهم بالمفردات غالبا، وهم أحد فرق الطّبّ الثلاث، والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية، فالقوم الذين غالب أغذيتهم المفردات، أمراضهم قليلة جدّا، وطبّهم بالمفردات، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركّبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة، فالأدوية المركبة أنفع لها، وأمراض أهل البوادي والصّحاري مفردة، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة، فهذا برهان بحسب الصّناعة الطّبّيّة. ونحن نقول: إن ها هنا أمرا آخر، نسبة طب الأطبّاء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبّهم، وقد اعترف به حذّاقهم وأئمتهم فإن ما عندهم من العلم بالطّبّ إما قياس، وإما تجربة، وإما إلهامات ومنامات وحدس صائب، وإما مأخوذ من الحيوانات، كما نشاهد السّنانير إذا أكلت ذوات السّموم تعمد إلى السّراج فتلغ من الزّيت تتداوى به، وكما رؤيت الحيّات إذا خرجت من بطون الأرض وقد غشيت أبصارها تأتي إلى ورق الرازيانج، فتمرّ عيونها عليها، وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضرّه فنسبة ما عند الأطبّاء من الطّب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم-

الرابع:

وقال [ (1) ] الحافظ أبو عبد الله الذّهبيّ في تلخيص المستدرك: تشريع النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه يدخل فيه كلّ الأمة إلا أن يخصّه دليل، وتطبيبه لأصحابه وأهل أرضه خاصّ بأرضهم وطباعهم إلّا أن يدلّ دليل على التّعميم. الرّابع: وقد نهى عن الجمع بين السمك واللبن والخس والسمك، والثوم والبصل، والقديد والطّري، والحامض والحرّيف، وسماق وخلّ وأرز والعنب والروس المغمومة والرّمان والهريسة وبين غذاءين باردين أو حارّين أو منفخين وينبغي أن يتجنب الخلّ والدّهن إذا باتا تحت إناء نحاس وكذلك الجبن والشّواء والطّعام الحارّ إذا كنّ في خبزه أو غيره، وكذلك يتجنب الطعام المنشوف، والماء المكشوف، فإنّ في السّنة ليلة ينزل فيها وباء من السّماء، لا يصادف إناء مكشوفا إلا وقع فيه من ذلك الوباء وقال- صلى الله عليه وسلم-: «غطّوا الإناء وأوكئوا الأسقية لئلّا يسقط فيه حيوان سمّيّ فيقتل آكله أو شاربه» . رواه مسلم. «ومن أكل البصل أربعين يوما فكلف وجهه فلا يلومنّ إلّا نفسه. ومن اقتصد فأكل مالحا فأصابه بهق أو جرب فلا يلومنّ إلا نفسه. ومن أكل البيض والسّمك معا ففلج فلا يلومنّ إلا نفسه. ومن شبع ودخل الحمّام ففلج فلا يلومنّ إلا نفسه. [ومن احتلم فلم يغتسل حتى جامع فولد له مجنون أو مختلّ فلا يلومنّ إلا نفسه] [ (2) ] . ومن نظر في المرآة ليلا فأصابته لقوة فلا يلومنّ إلا نفسه. ومن أكل الأترجّ ليلا فانحول فلا يلومنّ إلا نفسه. وروى أنس وابن مسعود- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «أصل كلّ داء البردة» [ (3) ] وهي التّخمة، لأنّها تبرد حرارة الشّهوة، فينبغي الاقتصار على الموافق للشهوة بلا إكثار منه، فقد قال- عليه الصلاة والسلام-: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن بها صلبه للكسب والعمل، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» [ (4) ] رواه النّسائيّ والترمذي وقال حسن صحيح، والشّبع بدعة ظهرت بعد القرن الأوّل.

_ [ (1) ] في أوروى. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (28075) . [ (4) ] أخرجه الترمذي (2380) .

الخامس:

قال- عليه الصلاة والسلام-: «المؤمن يأكل في معيّ واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» . ونهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن الطعام الثخن. الخامس: في كثرة أمراضه إذا لم يطل مكثه في المصانع. روى أبو نعيم- في الطب- عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مر على نهر من ماء السّماء في يوم صائف، والمشاة كثير، والناس صيام، فقال: «أيها الناس، اشربوا» . وقد نهى- عليه الصلاة والسلام- عن الماء المشمس، فقد روى أبو نعيم- في الطب- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «سخّنت للنبي- صلى الله عليه وسلّم- ماء في الشمس، فقال: لا تفعلي يا حميراء، فإنه يورث البرص» [ (1) ] . ومياه السباخ يتولّد منها الأمراض البلغميّة، وبلدانها وبيئة. روى أبو نعيم- في الطب- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة، قدمها وهي أوبأ أرض الله تعالى وكانت بطحاؤه تجري نجلا فوعك أبو بكر وبلال، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: الّلهم، بارك لنا في صاعنا ومدّنا وصحّحها لنا وانقل حماها إلى الجحفة [ (2) ] . والماء العذب في الاغتسال أنفع من المالح، لأنه ينقي البدن والملح يورث الجرب. روى أبو نعيم- في الطب- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب جار أو غمر على باب أحدكم يغتسل منه كلّ يوم خمس مرات، ماذا يبقينّ عليه من درنه؟» [ (3) ] ، وكثرة الاغتسال بالماء مما يتغير منه اللون ويسحب منه الجلد. وروى الحاكم وصححه عن صهيب: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا إنّ سيّد الأشربة في الدنيا والآخرة الماء، وأنفع الماء ما كان مصّا ويقطعه على ثلاثة مرّات» [ (4) ] . وروى أبو نعيم- في الطب- عن شهر قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستاك عرضا، ويشرب مصّا ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ» .

_ [ (1) ] انظر إرواء الغليل 1/ 50. [ (2) ] أخرجه البخاري (1889) . [ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 426. [ (4) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 138.

وروى فيه عن أنس قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا شرب تنفّس وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ» [ (1) ] . وفيه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: تنفّسوا في الإناء فإنّه أهنأ وأمرأ وأبرأ» . وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يتنفّس في الإناء ثلاثا إذا شرب ويقول: «هو أمرأ وأروى وأبرأ» . وأجود الأواني للشّرب ما يظهر كل ما فيه من القذى وغيره وفيه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا شرب قطعه ثلاثة أنفاس، يسمي إذا بدأ ويحمد إذا قطع. ونبيذ الزّبيب يخصب البدن بسرعة وكان أحبّ الأشربة إليه- عليه الصلاة والسلام- الحلو البارد [ (2) ] ، كما رواه أبو نعيم- في الطب- والترمذي والحاكم- وصححه- والبيهقي في شعب الإيمان. ورواه ابن السني، والبيهقي في الشعب- عن ابن عباس، والبيهقي عن الزهري: أنه- عليه الصلاة والسلام- سئل أيّ الشراب أطيب؟ فقال: الحلو البارد [ (3) ] . وروى الثّعلبي في تفسيره عن أنس- مرفوعا-: «إذا شرب أحدكم الماء فليشرب أبرد ما يقدر عليه، لأنّه أطيب للمعدة وأنفع للعلة، وأبعث للشكر» . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان- صلى الله عليه وسلم- يحب الحلواء والعسل وقد رواه عنها وقالت: إنّه يسرو عن فؤادي ويجلو لي عن بصري، وإذا شرب بعد الطّعام دفع مفسدة الأغذية. وعن عبد الله بن فيروز الديلميّ قال: قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، إنّا أصحاب أعناب كرم، وقد نزل تحريم الخمر، فماذا نصنع بها؟ قال: تصنعونها زبيبا، قالوا: يا رسول الله، فنصنع بالزّبيب ماذا؟ قال: تنقعونه على غذائكم، وتشربونه على عشائكم، وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غذائكم» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 325. [ (2) ] أخرجه الترمذي (1895) . [ (3) ] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 5/ 97. [ (4) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (13857) .

فائدة:

وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ولا تؤخروه حتى يشتدّ، ولا تجعلوه في القلال ولا في الدبا، واجعلوه في الشنان فإنّه إن أخّر عن عصره صار خلّا» رواه أبو نعيم- في الطب-. ونبيذ التّمر رخيم غليظ ويولد دما جيدا، وقد نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يخلط الزّهو والتّمر، وعن خلط الزّبيب والتّمر، وقال: «انتبذوا كل واحد منهما على حدته في الأسقية التي يلاث على أفواهها، فإذا خشيتم أن يشتد عليكم فأكثروا يبسته بالماء» . رواه أبو نعيم- في الطب-. والزّبيب يعدّ غذاء صالحا، وأكله على الرّيق ينفع عللا كثيرا، وينبغي أن لا يكثر أكله على الرّيق إلا مقدار ما لا يتخمّر، وقد كان- صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل سبع تمرات أو سبع زبيبات، رواه أبو نعيم- في الطبّ-. فائدة: قال ابن عباس [ (1) ]- في قوله تعالى-: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [إبراهيم 25] هو شجر جوز الهند، يحمل في كل شهر لا يتعطّل من الثمر. والبلح الأخضر بارد يعقد البطن، فإذا أكل بالتمر كان أقلّ ضررا. والبسر الأحمر والأصفر معتدل، فيه شيء من الحرارة. ونبيذه يقال له الفضيخ والرّطب يلطخ المعدة. وروى أبو نعيم- في الطب- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنت إذا أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- بالرّطب أكل المعذّق وترك المذنب، ويؤكل مع غيره، ليذهب ثلمته، فقد كان- عليه الصلاة والسلام- يأكله بالقثاء والبطيخ. وقال- عليه الصلاة والسلام- لعائشة- رضي الله تعالى عنها-: أنت أطيب من اللبإ بالتّمر. وقرّب إليه- عليه الصلاة والسلام- شيء من سمسم وشيء من تمر، حتّى إذا أكل وأراد أن يقوم دعا له، وأطعم سعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تمرا بكسب وأتاه بقدح من لبن فشرب منه. وأجود أجناس التّمر: البرني فقد قال- عليه الصلاة والسلام-: «خير تمراتكم البرنيّ» ، يذهب بالداء، ولا داء فيه. وأكله بالقثاء يخصب البدن، فقد قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: «لمّا تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عالجتني أمّي بكلّ شيء فلم أسمن، فأطعمتني القثاء والرّطب فسمنت كأحسن السّمن. وأنفع تمر الحجاز العجوة. ولحم الكتف والذّراعين مثل لحمة الرّقبة في سرعة

_ [ (1) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 145.

تنبيهات

الانهضام والرّطوبة للفضلة واللزوجة، وكذا لحم المقدم أجود وأرطب من لحم العجز وما والاها، والعضد والذراع وغيره من الأطراف يسهل الطبيعة، وينفع من السّعال المتولّد من الحرارة. والأحمر من لحم الظّهر كثير الغذاء. وأطيب ما في الأرانب المتن والأركان، وأجود ما يؤكل من الأرنب مشويّا يبسان. ولحم الدّجاج يولّد دما جيّدا، ويزيد في المنيّ، وقد أكله- عليه الصلاة والسلام- كما رواه أبو نعيم- في الطب. ولحم الطّيور الجبليّة شديدة الإسخان تولّد دما سوداويّا، وقد أكل- عليه الصلاة والسلام- لحم حبارى، رواه أبو نعيم في الطب ولحم القبج مسكّن للبطن قويّ الإغذاء، وهو الحجل. وقد أهدي إليه- عليه الصلاة والسلام- حجل مشويّ فجبذه وصاغه، فقال: «اللهم، ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا، فدخل علي- رضي الله تعالى عنه-» [ (1) ] رواه أبو نعيم- في الطب-. ولحم العصافير حارّة تهيّج الباءة. وإذا أديم أكل لحم الضّبّ سخن البدن، ويتعالج بأكله للسّمنة. والجراد إذا أديم أكله هزل البدن، وأحمد ما أكل منه ما قلي وجفّف. تنبيهات الأوّل: الأمراض نوعان: أمراض مادّيّة: تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتّى أخّرت أفعاله الطبيعيّة، وهي الأمراض الأكثرية، وسببها: إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأوّل، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النّفع البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التّراكيب المتنوّعة، وإملاء الآدمي بطنه من هذه الأغذية، واعتياده ذلك، أورثته أمراضا متنوّعة، فإذا توسّط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلا في كميته وكيفيّته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير. ومراتب الغذاء ثلاث:

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 3/ 130.

أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة، فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوّته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطن، ويدع الثّلث الآخر للماء، والثّلث للنّفس، وهذا أنفع ما للبدن والقلب، فإنّ البطن إذا امتلأ من الطّعام، ضاق عن الشّراب، فإذا ورد عليه الشّراب، ضاق عن النّفس، وعرض عليه الكرب والتّعب بحمله، بمنزلة حامل الحمل الثّقيل، والشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإنما يقوى البدن بحسب ما يقل من الغذاء لا بحسب كثرته، ومن تأمّل هديه- صلى الله عليه وسلم- وجده أفضل هدي لحفظ الصحة، فإن حفظها موقوف على حسن تدبير المطعم والمشرب والملبس والمسكن والهواء والنّوم واليقظة والحركة والسّكون والمنكح والاستفراغ والاحتباس. الثاني: كان- عليه الصلاة والسلام- إذا عاف طعاما لم يأكله، ولم يكره نفسه عليه، وهذا أصل عظيم في حفظ الصحة، وكان يحبّ اللّحم، ويحبّ من الذّراع، لأنّه أخفّ على المعدة، وأسرع انهضاما، وكذلك لحم الرقبة والعضد، وكان يحب الطواء والعسل، وهذه الثلاثة من أفضل الأغذية وأنفعها للبدن، والكبد والأعضاء وللاغتذاء بها نفع عظيم في حفظ الصحة والقوّة، ولا ينفر منها إلا من به علّة أو آفة، وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها، ولا يحتمي عنها، وهذا أيضاً من أكبر أسباب حفظ الصحة، فإن الله- تعالى- بحكمته جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها في وقته، فيكون تناوله من أسباب صحّتهم وعافيتهم ويغني عن كثير من الأدوية إذا لم يسرف في تناولها ولم يفسد بها الغذاء قبل هضمه ولا أفسدها بشرب الماء عليها، وتناول الغذاء بعد التّخلّي منها فمن أكل منها ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي كانت له دواء نافعا، وقلّ من احتمى عن فاكهة بلده خشية السّقم إلا وهو أسقم النّاس وأبعدهم من الصّحّة والقوّة. ولم يأكل طعاما في وقت شدّة حرارته، ولا طبيخا بايتا يسخّن له بالغد، ولا جمع قطّ بين غذاءين، وكان يأكل متورّكا على ركبتين، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى، وهذه الهيئات أنفع هيئات الأكل وأفضلها، لأن الأعضاء كلّها تكون على وضعها الطبيعيّ وأردأ الجلسات للأكل الاتّكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطّعام على هيئته، ويعوقه عن سرعة تعوّده إلى المعدة، ولذا قال- عليه الصلاة والسلام-: «لا آكل متّكئا» رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، فإنه يمنع مجرى الطعام ويعوقه على سرعة نفوذه إلى المعدة وقد نهى عن الأكل منبطحا عن ابن عمر والحاكم عن علي.

الثالث: قال ابن القيم: وأما هديه- عليه الصلاة والسلام- في الشّراب فمن أكمل هدي يحفظ به الصّحّة، فإنّ الماء إذا جمع وصفّي مع الحلاوة والبرودة كان من أنفع شيء للبدن، ومن أكبر أسباب الصّحّة، وللأرواح والقوى والكبد والقلب عشق شديد له واستمداد منه والماء البارد رطب يقمع الحرارة ويحفظ على البدن رطوبته الأصليّة، ويرد عليه بدل ما تحلّل منها، ويرقّق الغذاء وينفذه في العروق وإذا كان باردا أو خالطه ما يحليه كالعسل أو الزّبيب أو التّمر أو السّكّر كان من أنفع ما يدخل البدن ويحفظ عليه صحّته، والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضدّ هذه الأشياء، والبائت أنفع من الذي يشرب وقت استقائه، فإنّ الماء البائت بمنزلة العجين الخمير، والذي يشرب لوقته بمنزلة الفطير. وكان من هديه- عليه الصلاة والسلام- الشّرب قاعدا، لأنّ في الشّرب قائما آفات عديدة، [منها أنه لا يحصل به الرّيّ التّامّ، ولا يستقرّ في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء] [ (1) ] فينزل بسرعة واحدة إلى المعدة فيخشى منه أن يبرد حرارتها، ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن بغير تدريج، وكلّ هذا يضرّ بالشارب، وأمّا الشّرب منبطحا فالأطبّاء تكاد تحرّمه ويقولون لأنه يضرّ بالمعدة. وكان من هديه- صلى الله عليه وسلم- أنه يشرب في ثلاثة أنفاس، وفي هذا الشرب حكم جمّة وفوائد مهمّة، وقد نبّه- عليه الصلاة والسلام- على مجامعها لقوله إنّه أروى وأمرأ وأبرأ. وكان- عليه الصلاة والسلام- يشرب نقيع التّمر يلطف به كيموسات الأغذية الشديدة، وله نفع عظيم في زيادة القوّة وحفظه الصّحّة. وكان يشرب اللّبن خالصا تارة ومشوبا بالماء أخرى وله نفع عظيم في حفظ الصحة، وترطيب البدن، وريّ الكبد، ولا سيّما اللبن الذي يرعى دوابه والقيصوم والخزامى وما أشبهها فإن لبنها غذاء من الأغذية، وشراب مع الأشربة، ودواء مع الأدوية. وكان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد وفي هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطبّاء، فإنّ شربه ولعقه على الرّيق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات ويسخنها، ويفتح سددها، ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وهو أنفع للمعدة من كلّ حلو دخلها وإنّما يضرّ بالعرض لصاحب الصفراء لحدّته ودفع مضرته بالخلّ، قوله «فإنّه أروى» : أشدّ ريا فأبلغه وأنفعه، وأبرأ: أفعل من البرء وهو الشّفاء أن يبرأ من شدّة العطش ودائه لتردّده على المعدة الملتهبة دفعات فتسكن الدّفعة الثّانية ما

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ج.

عجزت الأولى عن تسكينه، والثّالثة ما عجزت عنه الثّانية، وأيضا، فإنّه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد، وهلة واحدة، فيطفئ الحرارة الغريزيّة، ويؤدّي إلى فساد مزاج المعدة والكبد، وإلى أمراض رديئة. وقوله: «وأمرأ» : بميم بعد الهمزة، أي: ألذّ وأنفع، وقيل: أسرع انحدارا عن المريء لسهولته وخفّته عليه. ومن آفات الشّرب دفعة واحدة أنّه يخاف منه الشّرق، لأنّ الشارب إذا شرب تصاعد البخار الدّخانيّ الحارّ الذي كان على القلب والكبد لورود الماء البارد عليه، فإذا أدام الشّرب اتّفق نزول الماء وصعود البخار، فيتدافعان ويتعالجان ومن ذلك يحدث الشرق ولا يهنأ الشارب ولا يتم ريه وقد علم بالتجربة أن ورود الماء على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها، ولذا قال- صلى الله عليه وسلم-: «أصل الكباد من العبّ» . قال في المنهج السّويّ: الكباد بضم الكاف وتخفيف الباء. وجع الكبد. الرابع: في كثرة أمراضه. روى ابن السّنيّ وأبو نعيم عن هشام عن عروة عن أبيه قال: «قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، وفي لفظ: يا خالة، إني لأفكر في أمرك وأتعجّب، إني وجدتك عالمة بالطب، فمن أين؟ قالت: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما طعن في السّنّ كثرت أسقامه، فوفدت إليه وفود العرب والعجم فتنعت له فكنّا نعالجه» [ (1) ] . وروى ابن سعد عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا سقّاما، وكانت العرب تنعت له فيتداوى بما تنعت له العرب فيتداوى» . وروى البيهقي وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات» ومسح عنه بيده. وروى مسلم عنها قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اشتكى رقاه جبريل، بسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شرّ حاسد إذا حسد، وشرّ كلّ عين» [ (2) ] . وروى الخطيب عن أنس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اشتكى تقمّح كفا من شونيز وشرب عليه ماء وعسلا [ (3) ] . وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 67. [ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1718 (2185) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 90 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف.

مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوّذات وروى الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عادة عشيّة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشيّة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف فيه. وروى أبو داود والحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من عاد مريضا لم يحضر أجله، فقال عنده سبع مرّات: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم، أن يشفيك. وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخلتم على المريض فوسّعوا له في الأجل، فإن ذلك لا يردّ شيئا وهو يطيّب نفس المريض» . وروى الحاكم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا عاد أحدكم مريضا فليقل: اللهم، اشف عبدك ينكأ لك عدوّا أو يمشي لك إلى الصلاة» . وروى أبو يعلى عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعود مرضانا ويشهد جنائزنا. وروى الحميدي برجال ثقات عن عبد الرحمن بن أزهر- رضي الله تعالى عنه- قال: «جرح خالد بن الوليد في يوم حنين، فمر بي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا غلام، وهو يقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد، فخرجت وأنا أسعى بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا أقول: من يدل على رحل خالد، حتى أتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو مستند إلى رحل، قد أصابته جراحة، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنده، ودعا له أو نفث عليه [ (1) ] . وروى البخاري في الأدب وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضا جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات: «أسأل الله العظيم، ربّ العرش العظيم أن يشفيك، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه [ (2) ] . الخامس: في إرشاده- صلى الله عليه وسلم- إلي ما يفعله العائذ وما له من الفضل. روى ابن حبان والطبراني في الكبير وابن السني في عمل يوم وليلة والحاكم عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ضع يدك على المكان الذي تشتكي منه فامسح بها سبع مرّات،

_ [ (1) ] أخرجه الحميدي في مسنده (897) . [ (2) ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (536) .

وقل: أعوذ بعزّة الله وقدرته من شرّ كلّ ما أجد في كل مسحة» [ (1) ] . وروى ابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرج في عنقي خرّاج فتخوّفت منه، فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ضعي يدك عليه ثم قولي ثلاث مرّات: بسم الله، اللهم، أذهب عنّي شرّ ما أجد بدعوة نبيّك الطبيب المبارك، والمكين عندك، بسم الله» . وروى الطبراني في الكبير وابن السّنّيّ في عمل يوم وليلة عن ميمونة بنت أبي عسيب- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ضعي يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه وقولي: بسم الله، داوني بدوائك، واشفني بشفائك، واغنني بفضلك عمن سواك، وأحدر عني أذاك» . وروى البيهقي في الشّعب عن واثلة: أنّ رجلا اشتكى إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وجعا في حلقه، فقال: «عليك بقراءة القرآن» [ (2) ] . وروى أبو داود عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من اشتكى منكم شيئا، أو اشتكى أخ له، فليقل: ربّنا الله الذي في السماء [تقدّس اسمك أمرك في السّماء والأرض كما رحمتك في السّماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت ربّ الطّيّبين] [ (3) ] ، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ» [ (4) ] . وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخلتم على المريض، فنفّسوا له في أجله، فإن ذلك لا يردّ شيئا، وهو يطيّب نفس المريض» [ (5) ] . وروى الحاكم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا عاد أحدكم مريضا، فليقل: اللهم، اشف عبدك ينكأ لك عدوّا، أو يمشي لك إلى الصلاة» [ (6) ] . وروى الطبراني في الأوسط عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 343. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الشعب 2/ 519. [ (3) ] سقط في ج. [ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 218 (3892) . [ (5) ] أخرجه الترمذي 4/ 356 (2087) . [ (6) ] أخرجه الحاكم 1/ 344.

قال: «عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم، فإنّ دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور» [ (1) ] . وروى البغوي في مسند عثمان عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عودوا المريض، واتّبعوا الجنائز والعيادة غبّا أو ربعا، إلا أن يكون مغلوبا فلا يعاد، والتّعزية مرّة» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عودوا المريض، واتّبعوا الجنازة تذكّركم الآخرة» . وروى الطبراني في الكبير عن سلمى امرأة أبي رافع قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوّذات» . وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل على مريض يعوده قال: «طهور إن شاء الله» . وروى مسلم عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنّة حتى يرجع» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن السّنّيّ والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جاء الرّجل يعود مريضا فليقل: اللهم، اشف عبدك فلانا، ينكأ لك عدوا، أو يمشي لك إلى الصّلاة» .. وروى ابن ماجه عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اكشف البأس، رب الناس، إله النّاس» . وروى الخرائطيّ في مكارم الأخلاق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اكشف البأس رب الناس، لا يكشف الكرب غيرك» [ (4) ] . وروى أبو داود والنّسائيّ عن ثابت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اكشف البأس رب الناس» . وروى الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألفا حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلّى عليه سبعون ألفا حتى يصبح وكان له خريف في الجنة» [ (5) ] . وروى أبو داود والحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (25147) . [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (25148) . [ (3) ] أخرجه مسلم كتاب البر والصلة باب عيادة المريض 4/ 1989 (40- 2568) . [ (4) ] أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق 2/ 969. [ (5) ] أخرجه الترمذي 3/ 301 (969) .

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من عاد مريضا لم يحضر أجله، فليقل عنده سبع مرّات: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض» [ (1) ] . وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من عاد مريضا، أو زار أخا له في الله ناده مناد أن طبت وطاب ممشاك، وتبوّأت من الجنّة منزلا» [ (2) ] . وروى البزار برجال الصحيح عن الأعمش قال: سمعت حيّان بن جد بن أبجر الأكبر يقول: «دع الدواء ما احتمل جسدك الدّاء» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته فيسأله كيف هو، وتمام تحيّتكم بينكم المصافحة» [ (4) ] . وروى ابن ماجه وابن السني في عمل يوم وليلة عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك، فإنّ دعاءه كدعاء الملائكة» . السّادس: في عيادته- صلى الله عليه وسلم- بعض المنافقين. روى الإمام أحمد وأبو داود عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: «دخلت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عبد الله بن أبيّ يعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما دخل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عرف فيه الموت، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قد كنت أنهاك عن حب يهود، فقال: فقد أبغضهم أسعد بن زرارة، فمات» [ (5) ] . السابع: في عيادته- صلى الله عليه وسلم- بعض أهل الكتاب. روى البخاري وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- فمرض، فعاده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقعد عند رأسه فقال: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار» . وروى مسلم عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عائد

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3106) . [ (2) ] أخرجه الترمذي (2008) . [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 89 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. [ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 260. [ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 201.

المريض في مخرفة الجنّة حتى يرجع» . وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عائد المريض يخوض في الرّحمة، فإذا جلس عنده غمرته الرّحمة. ومن تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على وجهه، أو على يده، فيسأله كيف هو، وتمام تحيتكم بينكم المصافحة» [ (1) ] . وروى البيهقي في الشّعب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عاد رجلا على غير الإسلام جلس عنده، وقال: كيف أنت يا يهوديّ، كيف أنت يا نصراني،» بدينه الّذي هو عليه [ (2) ] . وصار كثير من الناس يعتمده. تنبيه: لم يكن- صلى الله عليه وسلم- يخصّ يوما من الأيام بعيادة المريض، ولا وقتا من الأوقات فترك العيادة يوم السبت مخالفة للسّنّة ابتدعها يهوديّ طبيب لملك قد مرض، وألزمه بملازمته، فأراد يوم الجمعة أن يمضي لسبته فمنعه فخاف على استحلال سبته، ومن سفك دمه، فقال: إن المريض لا يدخل عليه يوم السبت، فتركه الملك، ثم أشيع عليه ذلك. لكن روى ابن أبي داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أيّما رجل عاد مريضا فإنما يخوض في الرّحمة، فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة، فقيل له: هذا للصحيح، فما للمريض؟ قال: تحطّ عنه ذنوبه» [ (3) ] . وروى ابن ماجه والبيهقي في الشعب، وقال: إسناده غير قويّ عن أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- «كان لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث» . الثّامن: في نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن إكراه المريض على التّداوي، وعلى الطّعام وأمره بإطعامه ما اشتهاه روى البزّار والحاكم والطبراني برجال ثقات غير الوليد بن عبد الرحمن بن عوف، فيحرر حاله عن عبد الرحمن بن عوف، والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجة، والحاكم، والطبراني في الكبير، والبيهقي عن عقبة بن عامر، والشيرازي في الألقاب، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن جابر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تكرهوا مرضاكم على الطّعام، فإنّ الله يطعمهم ويسقيهم» . ورواه أبو نعيم في الطّبّ- عن ابن عمر وعقبة بن عامر.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 268. [ (2) ] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 6/ 547. [ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 255.

وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: [أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد رجلا من الأنصار، فقال: أتشتهي شيئا؟ قال: نعم، خبزا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للقوم: من كان عنده شيء من الخبز البرّ، فليأتني به، فجاء رجل بكسرة فأطعمه إياه] [ (1) ] ، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه إيّاه» [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الطبّ عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مريضا فقال له: أتشتهي كعكا؟ قال: نعم، فطلبه له. وروى فيه عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو رمد، وبين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تمر، فأكله، فقال: يا علي، أتشتهيه؟ قال: نعم، فرمى إليه بتمرة، ثم رمى إليه بأخرى، حتى رمى إليه تسعا، ثم قال: حسبك يا عليّ» [ (3) ] . وفيه عن جعفر بن محمد- رضي الله تعالى عنه- قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم صاع من تمر وعلي محموم فناوله تمرة ثم أخرى حتى ناوله سبعا ثم قال: «حسبك» . وروى فيه عن محمد بن إسحاق أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زار أخواله من الأنصار، ومعه علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- فقدّموا إليه صاعا من رطب، فأهوى عليّ ليأكل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تأكل فإنّك حديث عهد بحمّى» . التّاسع: في عيادته- صلى الله عليه وسلم- بعض نساء أصحابه روى أبو داود عن أم العلاء عمّة حزام بن حكيم الأنصاري- رضي الله تعالى عنهما- قالت: عادني رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[وأنا مريضة فقال: أبشري، يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النّار خبث الذّهب والفضّة] [ (4) ] . العاشر: في عيادته- صلى الله عليه وسلم- من يشتكي عينيه. روى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعود زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: أصابني رمد، فعادني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحديث. [وروى الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب والحاكم وصححه عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: أصابني رمد فعادني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحديث] [ (5) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ج. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3440) . [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (28471) . [ (4) ] أخرجه أبو داود 2/ 200 (3092) . [ (5) ] سقط في ج.

الحادي عشر: في سؤاله- صلى الله عليه وسلم- عن المريض وعن حاله: روي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة، فقال: «كيف تجدك؟» قال: صالحا [قال:] أصلحك الله. وروى الإمام أحمد والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على رجل ليعوده وهو في الموت فسلّم عليه فقال: «كيف تجدك؟» قال: بخير، يا رسول الله، أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يجتمعان في قلب رجل عند هذا الموطن إلا أعطاه الله رجاءه وأمّنه مما يخاف» [ (1) ] . الثاني عشر: في تبشيره- صلى الله عليه وسلم- المريض: روى الإمام أحمد والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: مريضا من وعك كان به وأنا معه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبشر إن الله عز وجلّ يقول: [ناري أسلّطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظّه من النار في الآخرة] [ (2) ] . وروى الطبراني في الكبير والضياء عن أسد بن كرز أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «المريض تحاتّ خطاياه كما يحاتّ ورق الشّجر» [ (3) ] . وروى الخليليّ في جزء حديثه عن جرير قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «المرض سوط الله في الأرض يؤدّب به عباده» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والحاكم والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية عن شداد بن أوس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: «إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني وصبر على ما ابتليته فإنّه يقوم من مضجعه ذك كيوم ولدته أمه من الخطايا» ويقول الرّبّ للحفظة «إنّي أنا قيّدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح» [ (5) ] . وروى الحكيم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: «إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده فاستقبله بصبر جميل

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (983) . [ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 440 والبيهقي في السنن 2/ 382. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 304 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناده حسن. [ (4) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (6680) . [ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 123.

استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا» [ (1) ] . وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: «إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عوّاده أطلقته من أسارى ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ثمّ يستأنف العمل» [ (2) ] . وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من مرض ليلة فصبر ورضي بها عن الله، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

_ [ (1) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (6561) . [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 349.

الباب الثاني في أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتداوي وإخباره - صلى الله عليه وسلم - بأن الله تعالى خلق لكل داء دواء [إلا الهرم والموت] [1]

الباب الثاني في أمره- صلى الله عليه وسلم- بالتداوي وإخباره- صلى الله عليه وسلم- بأن الله تعالى خلق لكل داء دواء [إلا الهرم والموت] [ (1) ] وروى أبو داود الطيالسيّ وابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن أسامة بن شريك والقضاعيّ عن أبي هريرة وأبو نعيم في الطّبّ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله عز وجل لم ينزل داء، وفي لفظ: «في الأرض» إلا أنزل الله له شفاء، وفي لفظ: «إلا وقد أنزل له شفاء» إلا السّام والهرم، وفي لفظ: «أن الّذي أنزل الدّاء أنزل الدّواء» . وروى الطبراني برجال الصّحيح عن أمّ الدرداء- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله خلق الدّاء والدّواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام» . وروى أبو داود والطبراني في الكبير وابن السّنّيّ وأبو نعيم في الطب والبيهقي عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله تعالى أنزل الدّاء والدّواء وجعل لكل داء دواء فتداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام» [ (2) ] . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الدّاء برأ بإذن الله تعالى» [ (3) ] . وروى أبو داود والترمذيّ عن أسامة بن شريك- رضي الله تعالى عنه- قال: جاءت الأعراب من ها هنا ومن ها هنا يسألونه فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: «نعم عباد الله تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا» قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: «الهرم» . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أنزل الله تعالى من داء إلا [كتب] [ (4) ] له دواء» . وروى الإمام أحمد والطبراني ورجاله ثقات ومسدّد والحميديّ عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أنزل الله- عز وجل- داء إلا وأنزل له دواء

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] سقط في أ. [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1729 (69- 2204) . [ (4) ] في ج أنزل.

علمه من علمه وجهله من جهله» ورواه ابن ماجة بلفظ «ما أنزل الله داء إلّا أنزل ... » «ومن علمه» إلى آخره [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- قال: عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من جرح فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ادعوا له طبيب بني فلان» فدعوه فجاء فقالوا: يا رسول الله ويغني الدّواء شيئا فقال: «سبحان الله، وهل أنزل الله تبارك وتعالى من داء في الأرض ألا جعل له شفاء» . وروى الطبراني بسند جيّد عن الحارث بن سعيد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقي لها وأدوية نتداوى بها هل تردّ من قدر الله؟ قال: هي من قدر الله» . وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى بسند حسن وابن السني وأبو نعيم في الطب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- والضياء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله- عز وجل- حين خلق الداء خلق الدّواء فتداووا» . وروى الحاكم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كلّ الشّجر [وهو شفاء من كل داء] » [ (2) ] . [وروى الإمام أحمد عن طارق بن شهاب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر] [ (3) ] . وروى الحاكم عن [أبي سعيد] [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السّام وهو الموت» . وروي عن أبي صالح ذكوان عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا به قرح فقال: «ادعوا له طبيب بني فلان» قالوا: يا رسول الله، ويغني الدواء شيئا قال: «سبحان الله، وهل أنزل من داء إلا أنزل معه شفاء» . وروى أبو نعيم في الطّبّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ الّذي أنزل الداء أنزل له الدّواء، فجعل شفاء ما شاء فيما يشاء» .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3438) . [ (2) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 403. [ (3) ] سقط في ج. [ (4) ] في ج عن ابن مسعود.

وروى الإمام أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم عن أسامة بن شريك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عباد الله، تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد وهو الهرم» . وروى الطبراني في الكبير بسند حسن وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الدّواء من القدر وقد ينفع بإذن الله» . وروى ابن السنيّ عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الدواء من القدر، وهو ينفع من يشاء بما يشاء» انتهى.

الباب الثالث في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التداوي بالخمر وغيرها مما يذكر

الباب الثالث في نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن التداوي بالخمر وغيرها مما يذكر روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- أن طارق بن سويد الجعفيّ- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الخمر؟ فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنّما أصنعها للدّواء فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنّها ليست بدواء ولكنّها داء» [ (1) ] . وروى أبو يعلى وابن حبان في صحيحه والطبراني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: اشتكت ابنة لي فنبذت لها في تور، فرآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يغلي فقال: «ما هذا» ؟ فقلت: إن ابنة لي اشتكت فنبذت لها هذا فقال: «إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم في حرام» [ (2) ] . وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن كلّ دواء خبيث كالسّمّ ونحوه. وروى أبو داود والإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بلفظ: نهى عن الدّواء الخبيث يعني السّمّ. وروى أبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: «إن طبيبا سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن طارق بن سويد- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها؟ فقال: «لا» فراجعته فقال: «لا» فقلت: إنّا نستشفي بها للمريض، فقال: «أن ذلك ليس بشفاء. ولكنّه داء» [ (4) ] . وروى ابن عساكر عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أكل الطّين حوسب على ما نقص من لونه» . وروى الطبراني في الكبير عن سلمان وابن عديّ والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1573 (1984) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 89 وقال: رواه أبو يعلى والبزار إلا أنه قال في كوز بدل تور، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق وقد وثقه ابن حبان. [ (3) ] أخرجه أبو داود (3871) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (3500) .

تعالى عنه- والبيهقيّ وضعّفه وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أكل الطّين» وفي لفظ: «من انهمك في أكل الطين فقد أعان على قتل نفسه» [ (1) ] . وروى الطبراني في الكبير عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم» . وروى الطبراني في الكبير عن أم الدرداء- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن الله خلق الدّاء والدّواء فتداووا ولا تداووا بحرام» . وروى الترمذي عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: [ «إنّها ليست بدواء، ولكنّها داء» [ (2) ] يعني: الخمر] [ (3) ] . وروى أبو نعيم في الطّبّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من تداوى بخمر لم يجعل الله له فيه شفاء» . وروى أبو نعيم في الطّبّ عن علقمة بن وائل عن أبيه أن سويد بن طارق سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الخمر يجعل في الدّواء فقال: «إنّها داء وليست بالدّواء» . وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أصابه شيء من هذه الأدواء فلا يفزعنّ إلى شيء ممّا حرّم الله تعالى، فإن الله لم يجعل في شيء ممّا حرّم شفاء» . وروى ابن السني وأبو نعيم فيه عن صالح بن خوات عن أبيه عن جده أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نهى أن يؤكل ما حملت النملة بفيها وقوائمها. وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اتّقوا بيتا يقال له الحمام» ، قالوا: يا رسول الله إنه يذهب بالدّرن وينفع المريض قال: «فمن دخله فليستتر» وفي لفظ: «بئس البيت الحمّام» قالوا: يا رسول الله، إنه يستشفي به المريض ويذهب عنه الوسخ قال: «فإن فعلتم فاستتروا» . وفيه عن ثعلبة عن سهيل قال: «إنّ الحمّام جيّد للتّخمة» . وفيه «نعم البيت الحمّام يذهب الوسخ ويذكّر النار» وما أحسن ما ذكر في ذلك:

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 48 وقال: رواه الطبراني وقال فيه يحيى بن يزيد الأهوازي جهله الذهبي من قبل نفسه، وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (2) ] أخرجه الترمذي (2046) . [ (3) ] سقط في أ.

وما أشبه الحمّام بالموت لامرئ ... يذكّر لكن أين من يتذكّر يجرّد من أهل ومال وملبس ... ويتبعه من كلّ ذلك مستّر وروى ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- نهى عن أذني القلب [ (1) ] . وروى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن محمد- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكره من الشّاة سبعا: المرارة والمثانة والحياء والذّكر والأنثيين والغدّة والدّم» [ (2) ] . وروى ابن السني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكره الكليتين لمكانهما من البول [ (3) ] . وروى البيهقي عن صهيب قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن أكل الطعام الحارّ حتى يسكن [ (4) ] . وروى مسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي في الشّعب من طريق قتادة عن أنس قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الشّرب قائما قال: قلت: فالأكل؟ قال: ذاك أشرّ قال البيهقيّ: النّهي عن الشّرب قائما لما فيه من الدّاء فيما زعم أهل الطّبّ وخصوصا لمن كان في أسافله علّة يشكوها من برد. وروى سعيد بن منصور في سننه عن إبراهيم النّخعيّ قال: إنّما كره البول تحت الميزاب وفي البالوعة، وفي الماء الرّاكد والشّرب قائما، لأنّه إذا حدث عنده داء اشتدّ. وروى ابن السني والبيهقي في الشعب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مصّوا الماء مصّا ولا تعبّوه عبّا فإن الكباد من العب» [ (5) ] . وروى البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مصّوه مصّا، ولا تعبّوه عبّا» [ (6) ] . وروى البيهقي عن معمر عن ابن أبي حسين أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا شرب أحدكم فليمصّ مصّا، ولا يعبّ عبّا فإنّ الكباد من العبّ» [ (7) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 4/ 216. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 39 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف. [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (18216) . [ (4) ] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5912) . [ (5) ] أخرجه البيهقي في الشعب (6012) . [ (6) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (41076) . [ (7) ] أخرجه البيهقي في الشعب (6012) .

وروى أبو داود والبيهقي في الشعب أنه- عليه الصلاة والسلام- نهى عن الشّرب من ثلمة القدح، وأن ينفخ في الشّراب [ (1) ] . وروى الحاكم وصححه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه ولكن يؤخّره ويتنفّس» . وروى الشيخان عن أبي قتادة قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يتنفّس في الإناء. [وروى البيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يتنفّس في الإناء] [ (2) ] أو ينفخ فيه. قال الحليميّ: وهذا لأنّ البخار الّذي يرتفع من المعدة أو ينزل من الرّأس قد يعلقان بالماء فيضرّان. انتهى.

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الشعب (6019) . [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في التطبب

الباب الرابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في التطبّب وفيه أنواع: الأول: في أمره بدعاء الطّبيب: روى الإمام أحمد عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنه- قال: عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من جرح، فقال: «ادعوا له طبيب بني فلان، قال: فدعوه فجاء فقال: يا رسول الله، أو يغني الدّواء شيئا؟ فقال: سبحان الله، وهل أنزل الله من داء في الأرض ألا جعل له شفاء» . الثّاني: في تضمينه- صلى الله عليه وسلم- الطّبيب إذا جنى: روى أبو نعيم في الطب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من تطيّب ولم يكن بالطّبّ معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن» . الثالث: في كراهيته أن يسمى طبيبا: روى أبو نعيم في الطّب عن أبي رمثة قال: دخلت مع أبي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرأى أبي الّذي بظهره، فقال: دعني أعالج الذي بظهرك فإنّي طبيب فقال: أنت رفيق والله الطبيب [ (1) ] . الرّابع: في استعمال الفراسة والاستدلال في صناعة الطّبّ: روى أبو نعيم في الطّبّ عن أبي سعيد وأبي أمامة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: اتّقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله عز وجل. وروى فيه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن لله عبادا يعرفون الناس بالتّوسّم» . وروى فيه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إذا رأيتم الرّجل اصفرّ من غير مرض ولا عبادة فذلك من غشّ الإسلام في قلبه [ (2) ] . قال شيخ شيوخنا الحافظ السّيوطيّ في المنهج السّويّ: قاعدة: تشريع النبي- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 163، والبيهقي 8/ 27. [ (2) ] انظر كشف الخفاء للعجلوني 1/ 93.

فائدة:

لأصحابه يدخل فيه كلّ الأمّة إلا أن يخصّه دليل، وتطبيبه- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه. وأهل أرضه خاصّ بطبائعهم، إلا أن يدل دليل على التعميم. فائدة: الأولى: طبّ النبي- صلى الله عليه وسلم- طب التجارب، وأكثر ما وضعه- صلى الله عليه وسلم- إنما هو على مذهب العرب إلا ما خصه الله تعالى به من العلم النّبويّ من طريق الوحي، فإن ذلك يخرق كلّ ما تدركه الأطباء، وتعرفه الحكماء، وكلّ ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصّواب، عصمة الله تعالى فلا يقول إلا صدقا أو حقّا، وقال ابن القيم: كان علاجه- صلّى الله عليه وسلم- للمريض ثلاثة أنواع: أحدها: بالأدويّة الطّبيعيّة. والثاني: بالأدويّة الإلهيّة. والثالث: المركّب من الأمرين. الثانية: أخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمّد الصّادق عن أبيه عن جده أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: [ «أن الله تعالى جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنّهما شحمتان، ولولا ذلك لذابتا، وجعل المرارة في الأذنين حجابا من الدّوابّ فإن دخلت الرأس دابّة والتمست الوصول إلى الدّماغ، فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وجعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الرّيح ولولا ذلك لأنتن الدّماغ، وجعل العذوبة في الشّفتين يجد بهما استطعام كل شيء، ويسمع النّاس بها حلاوة منطقه» [ (1) ] وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير وأبو الشيخ في العظمة. الثّالثة: روى ابن السّنيّ عن عبد الله بن بسر المازنيّ عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال] [ (2) ] : «لا تنتفوا الشّعر الّذي في الأنف، فإنّه يورث الأكلة ولكن قصّوه قصّا» .

_ [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 197. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في حفظ الصحة بالصوم والسفر ونفي الهموم وتعديل الغذاء والطيب وغير ذلك

الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في حفظ الصحة بالصوم والسفر ونفي الهموم وتعديل الغذاء والطيب وغير ذلك وقد أشار الله تعالى إلى حفظ الصحة بقوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة 184] لأنّ السّفر مظنّة التّعب وهو من مغيّرات الصّحّة، فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر وكذا القول في المرض. وروى ابن السني وأبو نعيم في الطّبّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صوموا تصحّوا» . وروى البخاري في الأدب والتّرمذيّ والحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه» . وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه [ (1) ] . [وروى أبو داود والترمذي وحسنه وابن السّنّيّ وأبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه» [ (2) ]] [ (3) ] . وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الشيطان حسّاس لحّاس فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه» وفي رواية: «فأصابه لمم» وفي رواية: «فأصابه خبل» وفي بعضها «فأصابه وضح» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «غطّوا الإناء وأوكوا السّقاء، فإن في السّنة ليلة ينزل فيها وباء لم يمرّ بإناء لم يغطّ ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الوباء» [ (5) ] . وروى أبو نعيم في الطّبّ عن بلال قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بقيام اللّيل،

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 33 وقال: رواه الطبراني واسناده حسن. [ (2) ] أخرجه الترمذي (1859، 1860) والبيهقي 7/ 276 والحاكم 4/ 137، وأبو نعيم في الحلية 7/ 144. [ (3) ] سقط في أ. [ (4) ] أخرجه الترمذي (1859) . [ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1596 وابن ماجه (3410) وأحمد 3/ 355 والبيهقي 1/ 257.

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

فإنه دأب الصّالحين قبلكم، وإنّ قيام اللّيل قربة إلى الله تعالى، وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد» . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «سافروا تصحّوا وتسلموا» . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من ساء خلقه عذّب نفسه، ومن كثر همّه سقم بدنه» . عن المقدام بن معدي كرب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه» . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «استدفئوا من الحرّ والبرد» . وروى الطبراني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من شرب الماء على الرّيق نقصت قوّته» . تنبيه في بيان غريب ما سبق: «الصّحّة» بصاد مهملة ضد المرض، وهو مجرى الجسم عن المجرى الطبيعيّ. [ريح غمر: الغمر الدّسم والزهومة من اللحم] .

الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحمية

الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الحمية وقد أشار الله تعالى إليها بقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء 29] وقال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف 31] . روى ابن ماجة عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه عليّ، وهو ناقه من مرض، ولنا دوالي معلقة فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأكل منها وقام عليّ ليأكل منها فطفق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول لعليّ: «إنك ناقه» حتى كفّ قالت: وصنعت شعيرا وسلعا فجئت به، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعليّ: «من هذا اصبّ فإنّه أنفع لك» [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- قال: قدمت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وبين يديه خبز فقال: ادن وكل فأخذت وأكلت فقال: تأكل تمرا، وبك رمد فقلت: يا رسول الله، أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وروى الإمام أحمد والحاكم عن الحسن قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يجامعنّ أحدكم وبه حقن من خلاء، فإنّه يكون منه البواسير» [ (2) ] . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «غطّوا الإناء وأوكئوا السقاء، فإن في السّنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا ينزل عليه الوباء» . وروى أبو داود في المراسيل بإسناد صحيح عن زياد السّهمي، مرفوعا قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تسترضع الحمقى، فإنّ اللّبن «يشبه» وعند ابن أبي خيثمة «يعدي» [ (3) ] . وروى القضاعي بسند حسن من حديث ابن عبّاس مرفوعا «الرّضاع يغيّر الطّباع» . وروى ابن حبيب مرفوعا أنه- عليه الصلاة والسلام- نهى عن استرضاع الفاجرة. وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد مرفوعا بسند فيه محمد بن مخلد الرّعيني وهو ضعيف: «من شرب الماء على الرّيق انتقصت قوّته» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3856) ، وأحمد 6/ 364. [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (44902) . [ (3) ] أخرجه أبو داود في المراسيل (207) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 90 وقال: رواه الطبراني في الأوسط في حديث طويل هو في الزهد وفي إسناده من لم أعرفهم.

تنبيهات

وروى الدارقطنيّ والشافعيّ عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تغتسلوا بالماء المشمس، فإنه يورث البرص» ورواه الدارقطني من حديث عامر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو ضعيف. وروى العقيلي نحوه عن أنس وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إذا وقع الذّباب في إناء أحدكم فليغمسه كلّه ثم ليطرحه فإنّ في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء» . وعن أبي داود- رضي الله تعالى عنه- فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كلّه وفي البخاري: «فإنه يقدم السّمّ ويؤخّر الشّفاء» . وفي مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «غطّوا الإناء وأوكئوا السّقاء فإنّ في السّنة ليلة فيها وباء لا يمرّ بإناء ليس عليه غطاء ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا ينزل فيه من ذلك الوباء» قيل: وذلك في آخر شهور السّنة الرّوميّة. وروى أبو نعيم في الطب عن قتادة بن النعمان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله إذا أحبّ عبدا حماه الدّنيا كما يظلّ أحدكم يحمي سقيمه الماء» [ (1) ] . وفيه عن محمود بن لبيد مثله وفيه قال: «إن الله تعالى يحمي المؤمن نظرا له وشفقة عليه كما يحمي المريض أهله الطّعام» . تنبيهات الأول: الحمية قسمان: حمية عما يجلب المرض، وهي حمية الأصحّاء، وحمية عما يزيده وهي حمية المرض، فإذا حمي وقف مرضه عن التزايد وأخذت القوى في دفعه وأمثلتها قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى إلى قوله فَتَيَمَّمُوا [النساء 43] فحمي المريض من استعمال الماء. قال بعض فضلاء الأطباء: رأس الطب الحمية، وأنفع ما يكون الحمية للناقة من المرض لأن التخليط يوجب الانتكاس، والانتكاس أصعب من ابتداء المرض والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها لعدم القوة. الثاني: إنما منع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عليا- رضي الله تعالى عنه- من الفاكهة لأنها نوع ثقيل على المعدة، ولم يمنعه من السّلق والشعير، لأنه من أنفع الأغذية للناقة، ففي ماء الشعير

_ [ (1) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية (3265) .

التغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة، فالحمية من أكبر الأدوية مثل الدّوالي يمنع زائده وانتشاره. الثالث: وقال ابن القيم: ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقة والصحيح إذا اشتدت الشهوة إليه، ومالت إليه الطبيعة، فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضرّه تناوله، بل ربما انتفع به، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة فيصلحان ما يخشى من ضرره، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة، وتدفعه من الدّاء، ولهذا أقرّ النبي- صلى الله عليه وسلم- صهيبا، وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة، وعلم أنها لا تضرّه فإنّ المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق وكان فيه ما كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا في نفسه فإن صدقت شهوته ومحبة الطبيعة له تدفع ضرره وكذلك العكس. الرابع: لم يكره مالك الماء المشمس مطلقا وصححه النووي في الروضة، وحكاه الروياني في البحر عن النص، ومذهب الشافعي كراهة استعماله في البلاد والأوقات الحارة، وفي الأواني المنطبعة على الأصح، دون الحجر والخشب ونحوهما، واستثنى النقدان لصفائهما، ولا يكره في الأحياض والبرك قطعا، والكراهة مخصوصة بالثوب لا البدن، ولوقت حرارته، لو برد فلا كراهة على ما صححه في الروضة، وصحح في الشرح بقاءها، وخصّه صاحب التهذيب بالإناء المنسد الرأس لحبس الحرارة به، وفي شرح المهذب: الكراهة شرعية يثاب تاركها، وفي شرح التنبيه: إذا اعتبرنا القصد فشرعية وإلا فإرشادية، وهي للتنزيه، فلا تمنع صحة الطهارة، وقال الطبري: إن خاف الأذى جزم، وقال ابن عبد السلام: لو لم يجد غيره وجب استعماله. الخامس: قوله «كلّه» رفع توهم المجاز في البعض، ولم يعين في شيء من الروايات الجناح الذي فيه الشّفاء، لكن ذكر بعض العلماء إنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر فعلم أن الشفاء في الأيمن. السادس: روى أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا «الذّباب غالب عمره أربعون ليلة، والذباب كلّه في النار إلا النّحل» وسنده لا بأس به، قال الجاحظ: كونه في النار ليس تعذيبا له، بل ليعذب به أهل النار، [قال أفلاطون: الذباب أحرص الأشياء، حتى أنه يلقي نفسه في كل شيء، ولو كان فيه هلاكه] . ويتولد من العفونة [ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة، فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عينيها] ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثّوب الأسود أبيض وبالعكس، وأكثر ما يظهر في أماكن العفونة، ومبدأ خلقه منها، ثم من

التوالد وهو أكثر الطير سفادا [وربما بقي عامة اليوم على الأنثى] [ (1) ] ويحكى أن بعض الخلفاء سأل الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- لأي علة خلق الذّباب؟ فقال: لمذلّة الملوك، وكانت ألحّت عليه ذبابة قال الشافعي- رحمه الله تعالى-: سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطت ذلك من الهيئة الحاصلة.

_ [ (1) ] سقط في أ.

الباب السابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير المأكول والمشروب

الباب السابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في تدبير المأكول والمشروب وفيه أنواع: الأول: في إرشاده- صلى الله عليه وسلم- لما يفعل من الآداب. روى أبو داود عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أدن الطعام في فيك فإنه أهنأ وأمرأ» [ (1) ] . الثاني: فيما نهى عنه من ذلك. قال الله تعالى كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف 31] . وروى الإمام أحمد في المسند والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والنسائي وابن السني عن عبد الرحمن بن المرفع قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الله لم يخلق وعاء إذا ملئ شرّ من بطن، فإذا كان لا بدّ فاجعلوا ثلثا للطّعام، وثلثا للشّراب وثلثا للريح» . وروى أبو داود وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «نهى عن مائدة يشرب عليها خمر، وأن يأكل الرجل وهو مضطجع» . وروى النسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الشرب قائما، والأكل قائما» . وروى البيهقي في الشعب عن عبد الواحد بن معاوية بن خديج مرسلا، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «نهى عن الطعام الحارّ حتى يبرد» [ (2) ] . وروى في الشعب أيضا عن ابن شهاب مرسلا، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نهى عن العبّ نفسا واحدا، وقال: «ذلك شرب الشّيطان» . وروى أبو داود والدّارقطني في العلل، عن أنس وابن السني وأبو نعيم في الطب، عن علي وعن أبي سعيد عن الزهري مرسلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أصل كلّ داء البرودة» .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3779) . [ (2) ] أخرجه البيهقي في الشعب (5911) .

الباب الثامن في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير الحركة والسكون البدنيين

الباب الثامن في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في تدبير الحركة والسكون البدنيين روى ابن السّنيّ وأبو نعيم عن بلال وابن السني، وأبو نعيم عن سلمان أنه عليه الصلاة والسلام قال: «عليكم بقيام اللّيل، فإنه دأب الصّالحين قبلكم، وهو مطردة للدّاء عن الجسد» . وروى الطبراني في الأوسط، وابن السني في اليوم والليلة وفي الطب، وأبو نعيم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم» . وروى ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخل علي النبي- صلى الله عليه وسلم- المسجد وأنا نائم في المسجد فقال: يا شنبوذ اشكمت درد؟ قلت: نعم قال: «قم فصلّ، فإنّ في الصلاة شغلا» . تنبيه: قال في المنهج السوي [والمنهل الروي في الطب النبوي] في المؤخر [ ... ] . الباب التاسع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في تدبير الحركة والسكون النفسانيين. [ ... ] . الباب العاشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في تدبير النوم واليقظة. روى أبو يعلى بسند ضعيف من طريق عمران بن حصين، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من نام بعد العصر فاختلس عقله، فلا يلومنّ إلّا نفسه» . وروى أبو نعيم في الطب عن أنس- رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نهى أن ينام الرجل بعضه في الظل وبعضه في الشّمس [قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قيّلوا فإن الشيطان لا يقيّل» ] [ (1) ] . وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من نام وبه ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه» .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير النكاح.

الباب الحادي عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في تدبير النكاح. روى أبو يعلى في مسنده، وعبد الرزاق في الجامع عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها، فإن سبقها فلا يعجلها» وفي لفظ: «ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها» [ (1) ] . وروى ابن عدي عن طلق أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جامع أحدكم امرأته فلا يتنحّى عنها حتى تقضي حاجتها، كما يحب أن يقضي حاجته» [ (2) ] . وروى بقي بن مخلد وابن عدي بسند قال ابن الصلاح: جيد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإنّ ذلك يورث العمى» . وروى ابن عساكر عن قبيصة بن ذؤيب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإنّ منه يكون الخرس والفأفأة» . الباب الثاني عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في تدبير فصول السنة. [ ... ] . الباب الثالث عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في تدبيره لأمر المسكن. روى البخاري ومسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه-: أن رهطا من عكل أو عرينة قدموا فاجتووا المدينة، فأمر لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بلقاح وأمرهم أن يخرجوا ويشربوا من ألبانها وأبوالها [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف 6/ 194 (10468) من طريق ابن جريج قال: حدثت عن أنس ... وذكره الهيثمي في المجمع 4/ 295 باب أدب الجماع وقال: رواه أبو يعلى وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات. وأورده ابن حجر في المطالب العالية 2/ 30 (1569) وعزاه إلى أبي يعلى. وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (44837، 44838) . [ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 150. [ (3) ] أخرجه البخاري (6805) .

الباب الرابع عشر في أمره - صلى الله عليه وسلم - باختياره البلدان الصحيحة التربة وتوقي الوبيئة

الباب الرابع عشر في أمره- صلى الله عليه وسلم- باختياره البلدان الصحيحة التربة وتوقي الوبيئة روى محمد بن يحيى عن أبي عمرو بسند ضعيف لجهالة التابعي، وأبو نعيم في الطب وابن السني عن فروة بن مسيك قال: قلت: عن رجل من آل بحير بن ريسان عن رجل منهم أنه قال: يا رسول الله- أن أرضا من أرضنا يقال لها أبين وهي أرض ميراثنا وريفنا وهي وبية فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «دعوها فإنّ من القرف التّلف» [ (1) ] . وروى عن عبد الله بن عمر، والصواب أنه من مراسيل عبد الله بن شداد، أن قوما جاءوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله دخلنا هذه الدار ونحن ذو وفر فافتقرنا، وكثير عددنا فقلّ عددنا، وحسن ذات بيننا فساء ذات بيننا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «دعوها وهي ذميمة» قالوا: كيف ندعها؟ قال: «بيعوها أو هبوها» . وروى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به عن سهل بن حارثة الأنصاري قال: اشتكى قوم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنهم سكنوا دارا وهم ذو عدد فقلّوا، فقال: «فهلا تركتموها وهي ذميمة» [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- أنه ذكر الطاعون عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «رجس ورجز، عذّب به أمة من الأمم، وبقيت منه بقايا، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بها فلا تفروا منه» . وفيه عن رباح قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن مصر ستفتح بعدي فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها دارا، فإنه يساق إليها أقل النّاس أعمارا» . وروى فيه وابن السني عن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، أن عندنا أرضا يقال لها أبين، وهي أرض ريفنا وأرض بيوتنا وهي شديدة الوباء فقال: «دعها عنك فإنّ القرف تلف» . وروى الشيخان والترمذي وابن السني وأبو نعيم عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الطّاعون رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا منه» .

_ [ (1) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية (2439) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 108 وقال: رواه الطبراني وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة.

تنبيهات

وروى الإمام أحمد وابن السني والطبراني في الصغير، وأبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا طلع النّجم ارتفعت العاهة [عن كلّ بلد] [ (1) ] » [ (2) ] . وروى الإمام أحمد عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما طلع النّجم صباحا قطّ بقوم عاهة إلا ارتفعت عنهم، أو خفّت» [ (3) ] . تنبيهات الأول: قال الخطابي: ليس في هذا إثبات العدوى، وإنما هو من باب التداوي فإن استصلاح الأهوية من أنفع الأشياء على تصحيح الأبدان وفساد الهواء من أضرها وأسرعها إلى أسقام الأبدان عند الأطبّاء. الثاني: قال ابن القيم في الهدي: قد جمع النبي- صلى الله عليه وسلم- للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي بها الطاعون، وعن الخروج منها بعد وقوعه بها كمال التحرز، فإن في الدخول إلى الأرض التي هو بها تعرضا للبلاء، وموافاة له في محل سلطانه، وإعانة الإنسان على نفسه، وهذا مخالف للشّرع والعقل، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الشّرع إليها، وهي حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية وأما نهيه- عليه الصلاة والسلام- عن الخروج من بلده ففيه معنيان: أحدهما: حمل النفس على الثقة بالله تعالى، والتوكل عليه والصبر على المصيبة والرضى بها. والثاني: ما قاله أئمة الطب: أنه يجب عند وقوع الطاعون السكون والدعة وتسكين هيجان الأخلاط، ولا يمكن الخروج عن أرض الوباء والسفر منها إلا بحركة شديدة، وهي مضرة جدا قال في المنهج السوي: هذا كلام أفضل الأطباء المتأخرين، وظهر المعنى الطبي من الحديث النبوي وما فيه من علاج القلب والبدن وصلاحهما، وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي وقع بها عدّة حكم منها: تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها. ومنها أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيمرضون.

_ [ (1) ] انظر كشف الخفاء 1/ 110. [ (2) ] سقط في أ. [ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 388.

ومنها أن لا يجاور المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم. الثالث: قال في المنهج السوي: وأما الثّريّا فالأمراض تكثر وقت طلوعها مع الفجر وسقوطها قال التميمي في كتاب «مادة البقاء» : أشد أوقات السنة فسادا وأعظمها بليّة على الأجساد وقتان: أحدهما: وقت سقوط الثّريّا [للمغيب عند طلوع الفجر] [ (1) ] . والثاني: وقت طلوعها من المشرق قبل طلوع الشمس على العالم، بمنزلة من منازل القمر، وهو وقت تصرّم فصل الربيع وانقضائه، غير أن الفساد الكائن عند طلوعها أقلّ ضررا من الفساد الكائن عند سقوطها. وقال ابن قتيبة: يقال: ما طلعت الثريا، ولا نأت إلا بعاهة من الناس والإبل، وعند غروبها أهون من طلوعها، وفي الحديث قول ثالث وهو أولى الأقوال: أن المراد بالنجم الثريا، وبالعاهة الآفة التي تلحق الثمار والزرع في فصل الشتاء وصدر من فصل الربيع فيحصل في الوقت المذكور. وقيل: المراد بالنجم طلوع النبات زمن الربيع ومنه وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [الرحمن 6] فإن كمال طلوعهما وتمامه يكون في فصل الربيع، وهو الفصل الذي ترتفع فيه الآفات. الرابع: في بيان غريب ما سبق. القرف: بقاف فراء ففاء قال ابن قتيبة: القرف مداناة الوباء، ومداناة المرض.

_ [ (1) ] سقط في ج.

الباب الخامس عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الجلوس في الشمس

الباب الخامس عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الجلوس في الشمس روى أبو نعيم في الطب عن أبي بردة عن أبيه، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- «نهى أن يجلس الرجل بين الظّلّ والشّمس» . وروى أن مدرك بن عجرة ذكر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا نائما في الشمس فقال: «قم فإنها تغيّر اللّون، وتبلي الثّوب» . وروى الحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إيّاكم والجلوس في الشّمس، فإنّها تبلي الثوب، وتنتت الرّيح، وتظهر الدّاء الدّفين» [ (1) ] . وروى أبو داود عن قيس عن أبيه إنه جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقام في الشّمس، فأمر به فحوّل إلى الظّلّ. وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان أحدكم في الشّمس وقلص عنه الظل وصار بعضه في الشّمس وبعضه في الظّلّ فليقم» [ (2) ] . وروى ابن السني وأبو نعيم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا ينام أحدكم بعضه في الظّلّ وبعضه في الشّمس» .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 411، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (25400) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (4821) وأحمد 2/ 283.

الباب السادس عشر في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - إلى دفع مضار الأغذية بالحركة والأشربة

الباب السادس عشر في إرشاده- صلى الله عليه وسلم- إلى دفع مضار الأغذية بالحركة والأشربة روى أبو نعيم في الطب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أذيبوا طعامكم بذكر الله والصّلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم» [ (1) ] وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا ألوي في بطني في المسجد فقال: اشكمت درد؟ قلت: نعم، قال: «قم فصلّ، فإن في الصلاة شفاء [ (2) ] . وفيه عن قيس بن طلق عن أبيه قال: جلسنا عند نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- فجاء وفد عبد القيس فقال: «ما لكم قد اصفرّت ألوانكم، وعظمت بطونكم وظهر عروقكم» قالوا: أتاك سيدنا وسألك عن شراب كان لنا موافقا فنهيته عنه، وكنا بأرض ذميمة وبيئة وخمة قال: «فاشربوا ما طاب لكم» . وفيه عن صحار أنه قال: يا رسول الله إني رجل مسقام فائذن لي أن انتبذ في جزيرة مثل هاتيه يعني: صغيرة، فأذن له فيه. وعنه قال: قلت: يا رسول الله إنك نهيتنا عن ظروف كانت لنا فيما منعته فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا صحار أطب شرابك واسق جارك. وفيه عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه قال: أتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلنا: يا رسول الله إن لنا أعنابا فما نصنع بها؟ قال: زبّبوها قلنا: فما نصنع بالزبيب؟ قال: «انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم، وانبذوه في الشّنان، ولا تنبذوه في القلل، فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلا [ (3) ] . وفيه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمشى بعد عشاء الآخرة.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 33 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه ريع أبو الخليل وهو ضعيف. وذكره المتقي الهندي في الكنز (40773) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3458) . [ (3) ] أخرجه أبو داود (3710) .

الباب السابع عشر في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - إلى استعمال المعاجين والجوارش

الباب السابع عشر في إرشاده- صلى الله عليه وسلم- إلى استعمال المعاجين والجوارش روى أبو نعيم في الطب عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: أهدى ملك الرّوم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- جرّة زنجبيل فأطعم كلّ إنسان قطعة وأطعمني قطعة. الباب الثامن عشر في إرشاده- صلى الله عليه وسلم- إلى تعهد العادات والامتناع عن الأطعمة التي لم تجر العادة بها روى أبو نعيم في الطب عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «الخير عادة والشّرّ لحاجة» وفيه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تعشّوا ولو بكفّ من حشف فإن ترك العشاء مهرمة» . وفيه عن خالد بن الوليد دخل مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة بنت الحارث فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال بعض النّسوة اللاتي في بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أخبروا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل فقالوا: هو ضبّ فرفع يده فقال خالد بن الوليد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينظر. ورواه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- وفيه: فقربت إليه ظبيا مطبوخا بتمر فقالت: أخبروا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل منه. وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- ما عاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طعاما قطّ، كان إذا اشتهى طعاما ما أكل وإلّا ترك» .

الباب التاسع عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصداع والشقيقة

الباب التاسع عشر في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الصداع والشقيقة روى الإمام أحمد عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان ربما أخذت الشّقيقة النبي- صلى الله عليه وسلم- فيمكث اليوم واليومين لا يخرج. وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو محرم في وسط رأسه من شقيقة كانت به. وروى ابن ماجة عن بعض من [ ... ] أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صدع غلّف رأسه بالحنّاء ويقول: «إنّه نافع بإذن الله من الصّداع» . وروى ابن السني أبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي تصدّع فيغلّف رأسه بالحناء. وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في مرض موته: «وا رأساه» وأنّه عصب رأسه. وروى أبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: «احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رأسه من أذى كان به» وفي لفظ: «من شقيقة كانت به» . وروى ابن السّنّي وأبو نعيم في الطّب وابن عساكر، عن قتادة مرسلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا ادّهن أحدكم فليبدأ بحاجبيه فإنّه يذهب بالصّداع» . وروى الطبراني في الكبير، وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحجامة في الرأس شفاء من سبع إذا ما نوى صاحبها، من الجنون والصّداع والجذام والبرص والنّعاس ووجع الضّرس وظلمة يجدها في عينيه» . وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «المليلة والصّداع يولعان بالمؤمن وإنّ ذنبه مثل جبل أحد حتى لا تدع عليه من ذنبه مثقال حبة من خردل» . وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ «احتجم في رأسه وهو محرم من وجع كان به» وفي لفظ البخاري: «من شقيقة كانت به بماء يقال له: لحي جمل» [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (5700) .

وروى الشيخان عن عبد الله بن بحينة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-] [ (1) ] احتجم بلحي جمل من طريق مكّة وهو محرم وسط رأسه. وروى الطبراني في الكبير عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: [ «إنّ الحجامة في الرّأس دواء من كل داء الجنون والجذام والعشاء والبرص والصّداع [ (2) ] . وروى الحكيم الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-] : [ (3) ] «إذا ادّهن أحدكم فليبدأ بحاجبيه فإنّه يذهب بالصّداع وذلك أوّل ما ينبت على ابن آدم من الشّعر» . ورواه أيضاً ابن السّنّي وأبو نعيم في الطب وابن عساكر عن قتادة بن دعامة مرسلا وسنده ضعيف، والدّيلمي عنه عن أنس بدون وذلك ... إلخ. وروى أبو نعيم في الطّب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأعجبه صحّته وجلده فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «متى أحسست بالصّداع» قال: «وأيّ شيء الصّداع؟» قال: «ضرب يكون في الرأس قال: ما لي بذلك من عهد قال: فلما ولّى الأعرابي قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى الأعرابي» وفي لفظ: «فهل أخذك هذا الصّداع؟ قال: وما الصّداع؟ قال «عرق يضرب الإنسان في رأسه قال: ما وجدت هذا قطّ قال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا» [ (4) ] . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي صدّع فيغلّف رأسه بالحنّاء. وفيه عن سلمى قالت: ما شكا أحد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعا في رأسه إلا أمره بالحجامة. وفيه عن أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- احتجم من وجع كان برأسه وهو محرم. وفيه عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من صدع رأسه في سبيل الله فاحتسبه غفر له ما كان قبل ذلك من ذنب» .

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (28129) . [ (3) ] سقط في أ. [ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 332.

تنبيهات

وروى البخاري في التاريخ وسنن أبي داود أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ما شكا إليه أحد وجعا في رأسه إلا قال له: احتجم ولا شكا وجعا في رجله إلا قال له: اختضب بالحنّاء» . تنبيهات الأول: الخضب بالحناء خاص بما إذا كان الصداع من حرارة ملهبة ولم يكن من مادة يجب استفراغها، وإذا كان كذلك نفع فيه الحناء نفعا ظاهرا. قالوا: وإذا دقّ دهنت وضمّدت به الجبهة مع الخل، سكن الصّداع وهذا لا يختص بوجع الرأس بل يعمّ الأعضاء. الثاني: بيان غريب ما سبق: «الصّداع» بصاد مهملة مضمومة ودال مفتوحة فألف فعين مهملة: ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله، فما كان منه في أحد جانبي الرأس لازما يسمّى شقيقة بشين معجمة بوزن عظيمة، ويختص بالموضع الأضعف من الرأس، وعلاجها يشد العصابة، سببه أبخرة مرتفعة وأخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ، فإن لم تجد منفذا أحدثت الصداع، فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة، وإن ملك كل الرّأس أحدث داء البيضة، تشبيها ببيضة السلاح التي تشمل الرأس كلها، ومن الأسباب ما يحدث من الأعراض النفسانية كالهم والحزن والجوع والحمّى. ومنها ما يحدث في الرأس كضربة أو ورم في صفاق الدّماغ، أو حمل شيء ثقيل لضغط الرأس أو شيء خارج عن الاعتداء، أو تبريده بملاقاة الهواء، أو الماء في البرد. شقيقة بشين معجمة فقافين بينهما تحتية ساكنة: ألم في الرأس ويختص بالموضع الأضعف من الرأس وعلاجها بشد العصابة وينفع شد الرأس من الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس. المليلة: [حرارة الحمّى ووهجها] .

الباب العشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في السعوط واللدود

الباب العشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في السعوط واللدود روى الترمذي وحسنه وابن السني وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ خير» وفي لفظ: «خير ما تداويتم به السّعوط واللّدود والحجامة والمشي» . وروى الترمذي والحاكم عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: [ «خير ما تداويتم به اللّدود والسّعوط والحجامة والمشيّ» ] [ (1) ] وخير ما اكتحلتم به الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر. وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «مكان الكيّ التكميد، ومكان العلاق السّعوط، ومكان النّضخ اللّدود» [ (2) ] . وروى أبو نعيم عن الشعبي مرسلا، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير الدّواء اللّدود والسّعوط والحجامة والمشيّ» . وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى الحجّام أجرته وأسقط، رواه ابن سعد مقتصرا. تنبيه: اللّدود: بفتح اللام ما سقاه المريض في أحد شقي الفم وهو كاره. والسّعوط: مثله إلا أنه من الأنف. والمشيّ: دواء يسهّل البطن.

_ [ (1) ] سقط في أ. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 100، 101 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة.

الباب الحادي والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة والفصد [والقسط البحري] [1]

الباب الحادي والعشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الحجامة والفصد [والقسط البحري] [ (1) ] وفيه أنواع: الأول: في فضل الحجامة وأمره بها روى الطبراني برجال الصحيح، عن مالك بن صعصعة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما مررت ليلة أسري بي على ملأ من الملائكة إلا أمروني بالحجامة» . وروى البزار برجال ثقات، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما مررت بسماء من السّموات إلا قالت الملائكة: يا محمّد مر أهلك بالحجامة وقال: خير ما تداويتم به الحجامة والقسط والشونيز» . وروى ابن ماجه والترمذي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما مررت ليلة أسري بي بملإ من الملائكة إلّا قالوا: يا محمّد مر أمّتك بالحجامة» . وروى الطبراني بسند لا بأس به عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: حدثنا أبو القاسم- صلى الله عليه وسلم- أنّ جبريل أخبره أنّ الحجامة من أنفع ما تداوى به الناس. وروى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به جيد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: حجم أبو طيبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل عليه عيينة بن حصين والأقرع بن حابس فقال: ما هذا الحجم؟ فقال: «هذا الحجم خير ما تداويتم به» . وروى الطبراني في الكبير برجال ثقات عن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حجاما فحجمه بقرن وشرط بشفرة فرآه رجل من بني فزارة فقال: يا رسول الله علام تدع هذا يقطع لحمك؟ قال: «هل تدري ما هذا؟ هذا الحجم، وهو خير ما تداويتم به» [ (2) ] . وروى ابن سعد عن [سمرة بن جندب]- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعا حجاما فحجمه بمحاجم من قرون وجعل يشرطه بطرف شفرة قال: فدخل أعرابي فرآه ولم يكن يدري ما الحجامة قال: هذا. قال: ففزع فقال: يا رسول الله على ما تعطي هذا يقطع جلدك! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هذا الحجم» . قال: يا رسول الله وما

_ [ (1) ] سقط في ب. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 95 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح خلا حصين بن أبي الحر وهو ثقة.

الحجم؟ قال: «هو خير ما تداويتم به» [ (1) ] . روى الطبراني في الكبير، والإمام أحمد والحاكم وأبو داود والطيالسي وأبو يعلى والضياء عن سمرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير ما تداويتم به الحجامة» . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن في الحجم شفاء» . وروى البزار والطبراني في الكبير برجال الصحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالحجامة والقسط البحريّ» . وروى الطبراني في الكبير عن سلمى امرأة أبي رافع قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اشتكى أحد برأسه قال: اذهب فاحتجم، وإذا اشتكى برجله قال: اذهب فاخضبها بالحنّاء. وروى أبو نعيم في الطب عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير الدّواء [وفي لفظ: «خير ما تداويتم به] [ (2) ] الحجامة والفصاد» . وروى البخاري وابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الشّفاء في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكيّة نار، وأنهى أمّتي عن الكيّ» . وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات، عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن كان في شيء شفاء فشرطة محجم أو شربة عسل أو كيّة بنار تصيب ألما وأنا أكره الكيّ ولا أحبّه» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات، عن معاوية بن خديج قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن كان في شيء شفاء ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو كيّة بنار تصيب ألما ولا أحبّ أن أكتوي» [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال: قال

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 343. [ (2) ] سقط في أ. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 94 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الله بن الوليد بن قيس وهو ثقة. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 94 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح خلا سويد بن قيس وهو ثقة.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن كان في شيء ممّا تعالجون من أدويتكم شفاء ففي شربة عسل» وفي لفظ: «ففي شرطة محجم» . وروى الحارث وأبو يعلى وأحمد عن عقبة بن عامر والشيخان والإمام أحمد والبيهقي والنسائي والبخاري وابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن كان في شيء شفاء ففي ثلاثة: في شربة عسل أو شرطة محجم أو كيّة من نار تصيب ألما، وأنا أكره الكيّ ولا أحبّه» . وروى أبو نعيم في الحلية والضياء عن عبد الله بن سرجس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحجم شفاء» . وروى الأئمة مالك والشافعي وأحمد والشيخان والترمذي والنسائي والدّارمي وأبو عوانة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحريّ» . [وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحجم أمثل ما تداوى به الناس] [ (1) ] . وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على رجل من الأنصار وبه ورم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ألا تخرجوه عنه» قال: فبط ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد [ (2) ] . وروى البزار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- إن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصيب فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لقرابته: «اطلبوا من يعالجه فجيء بالرجلين الأخوين قدما المدينة فقال لهما: بحديدة تعالجان فقالا: إنا كنا نعالج في الجاهلية بها فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم- عالجاه فبطه حتى برأ [ (3) ] . وروى مسلم والطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجل به جرح يستأذن في بطّه، فأذن له [ (4) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 102 وقال: رواه أبو يعلى وفيه أبو الربيع السمان وهو ضعيف. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 102 وقال: رواه البزار وفيه عاصم بن عمر العمري وقد ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان وقال يخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 102 وقال: رواه الطبراني وفيه عبد الله بن خراش وقد ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات.

الثاني: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في موضع الحجم من البدن.

وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن في الحجم شفاء» . [وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يحتجم فقال: أي شيء هذا يا رسول الله؟ فقال: «الحجم» قلت: وما الحجم يا رسول الله؟ قال: «خير ما يتداوى به العرب» . ورواه الحاكم عن سمرة قال: دخل أعرابي على النبي- صلى الله عليه وسلم- فذكره [ (1) ]] [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير ما تداويتم به الحجامة والفصاد» . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه دخل على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يحتجم فقال: أي شيء هذا يا رسول الله؟ فقال: «الحجم» قلت: وما الحجم؟ قال: «خير ما تداوى به العرب» . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن كان فيما تداويتم به شفاء فالحجامة خير» . وفيه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا الدّم تبيّغ بصاحبه قتل» . وفيه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «احتجموا لا يتبيّغ بكم الدّم فيقتلكم» . وفيه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث إلى أبي بن كعب متطببا، فكواه وفصد العرق. الثّاني: في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في موضع الحجم من البدن. روى الخطيب والطبراني في الكبير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يحتجم في رأسه وروي في لفظ: في مقدم رأسه ويسميها أمّ مغيث [ (3) ] . وروى الترمذي والحاكم عن أنس والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عباس- رضي

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 209. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في ب، ج. [ (3) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 13/ 95.

الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يحتجم في الأخدعين، والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين. وروى الطبراني في الكبير وابن السني وأبو نعيم في الطب عن عبد الحميد بن زياد بن صفي عن أبيه عن جده والطبراني في الكبير برجال ثقات عن صهيب قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة فإنها دواء من اثنين وسبعين داء، وخمسة أدواء من الجنون والجذام والبرص ووجع الضّرس» [ (1) ] . وروى أبو داود والبيهقي وابن ماجه عن أبي كبشة الأنماري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول: «من هراق من هذه الدّماء فلا يضرّه أن لا يتداوى بشيء لشيء» [ (2) ] . وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحجمة التي في وسط الرأس إنها أمان ودواء من الجنون والجذام والبرص والنّعاس والأضراس كان يسميها أمّ مغيث ورواه أيضاً عن ابن عمر بسند ضعيف، ورواه أيضاً عن ابن عباس بسند ضعيف، وزاد الصّداع. وروى الطيالسي عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم في وسط رأسه وسماه المنقذ. وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم في الأخدعين وبين الكتفين. وروى الطبراني في الكبير وابن السني في الطب عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحجامة في الرّأس دواء من الجنون والجذام والبرص والأضراس والنّعاس» . وروى ابن أبي شيبة [بسند ضعيف] [ (3) ] عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي الأخدعين اثنتين، والكاهل واحدة، ورواه الحاكم وزاد: وكان يحتجم بسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين. وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات قال: احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو محرم من وجع وجده في رأسه.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 97 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. [ (2) ] أخرجه أبو داود (3859) ، والبيهقي 9/ 340 وابن ماجه (3484) . [ (3) ] في أ، ب (بسند صحيح) .

الثالث: في استحبابه - صلى الله عليه وسلم - الحجامة في أيام مخصوصة.

وروى ابن حبان في صحيحه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به. وروى الأربعة وابن سعد عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- أنه وضع يده على المكان الناتئ من الرأس فوق اليافوخ فقال: هذا موضع محجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن سعد عن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يحتجم على هامته وبين كتفيه [ (1) ] . وروى أيضا عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وسط رأسه، وكان يسميه منقذا [ (2) ] . وروى أيضا عن جبير بن نفير أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم في وسط رأسه. الثّالث: في استحبابه- صلّى الله عليه وسلم- الحجامة في أيّام مخصوصة. روى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير ما تحتجمون يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين» زاد الإمام أحمد والحاكم «وما مررت بملإ من الملائكة ليلة أسري بي إلّا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد» . وروى ابن ماجة والبيهقي والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أراد الحجامة فليتحرّ سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين لا يتبيّغ بأحدكم الدّم فيقتله» [ (3) ] . وروى أبو داود عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يوم الثلاثاء يوم الدّم فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم أي لا ينقطع» [ (4) ] . وروى أبو داود من طريق أبي بكرة بكار بن عبد العزيز وبكار استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في الأدب، وقال ابن معين: صالح، وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 344. [ (2) ] أخرجه ابن سعد 1/ 345. [ (3) ] أخرجه ابن ماجة (3486) . [ (4) ] أخرجه أبو داود (3862) .

وهو ممكن يكتب حديثه عن كيسة- بمثناة تحتية ثقيلة وسين مهملة- بنت أبي بكرة إن أباها كان ينهي أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن يوم الثلاثاء يوم الدّم وفيه ساعة لا يرقأ فيها الدّم» . قوله: «لا يرقأ بالهمز أي: لا ينقطع» . وروى البيهقي وابن ماجة عن نافع- رحمه الله تعالى- أن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال له: يا نافع قد [تبيّغ بي الدّم، فالتمس لي حجّاما، واجعله رفيقا إن استطعت ولا تجعله شيخا كبيرا ولا صبيا صغيرا، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «الحجامة على الرّيق أمثل وفيه شفاء وبركة، وتزيد في العقل، وفي الحفظ، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحريا، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيّوب من البلاء، وضربه بالبلاء يوم الأربعاء، فإنه لا يبدو جزام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء] [ (1) ] . وروى أبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من احتجم لسبع عشرة من الشهر وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان له شفاء من كل داء» [ (2) ] . وروى ابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «من احتجم يوم الخميس فمرض فيه مات فيه. وما رواه أبو يعلى عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات ففيه يحيى بن العلاء وهو كذّاب. وحديث أبي هريرة: «من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه» رواه البزار من طريق سليمان بن أرقم وهو كذاب، ورواه الشيرازي في الألقاب والحاكم وتعقّب والبيهقي. وحديث ابن عمر: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الحجامة يوم الثلاثاء رواه الطبراني في الكبير من طريق مسلمة بن علي الخشني. وروى الطبراني في الكبير وابن عدي وابن سعد عن معقل بن يسار وابن حبان في الضعفاء والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحجامة يوم

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3487) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (3861) ، والبيهقي 9/ 34.

الرابع: في نهيه عن الحجامة في أيام مخصوصة.

الثلاثاء لسبع عشرة خلت من الشهر دواء لداء السنة» وفي لفظ: «من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة كان دواء لداء سنة» وفي لفظ: «أخرج الله منه داء سنة» انتهى. وروى ابن حبيب في الطب النبوي عن عبد الكريم الحضرمي معضلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: [ «الحجامة تكره أوّل النّهار، ولا يرجى نفعها حتى ينقص الهلال» [ (1) ] . وروى الطبراني] [ (2) ] في الكبير من طريق أبي هرمز عن نافع عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يحتجم يوم الثلاثاء فقلت: في هذا اليوم تحتجم؟ قال: «نعم. ومن وافق منكم يوم الثلاثاء لسبع عشرة مضت من الشهر فلا يتجاوز حتى يحتجم. فاحتجموا. وروى الطبراني في الكبير أيضا برجال الصحيح عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة» . وروى الطبراني في الكبير أيضا برجال ثقات، وفي سنده انقطاع عن ابن سيرين قال: أنفع الحجامة ما كان في نقصان الشهر. وروى البزار وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «احتجموا لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين لا يتبيّغ عليكم الدّم فيقتلكم» . وروى العقيلي في الضعفاء من حديث أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالحجامة يوم الخميس فإنها تزيد في الأرب» قيل: وما الأرب؟ قال: «العقل» [ (3) ] . الرّابع: في نهيه عن الحجامة في أيّام مخصوصة. روى الشيرازي في الألقاب وابن النجار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تحتجموا يوم الخميس، فمن احتجم يوم الخميس فأصابه مكروه فلا يلومنّ إلا نفسه» . ورواه الشيرازي في الألقاب والخطيب والدّيلمي وابن عساكر بلفظ: «فناله مكروه، فلا يلومن إلا نفسه» .

_ [ (1) ] انظر كشف الخفا 1/ 415. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (3) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 17.

الخامس: في الحجامة على الريق.

الخامس: في الحجامة على الرّيق. روى ابن ماجة وابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحجامة على الرّيق أمثل، وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ وفي العقل، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيّوب وما يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء» [ (1) ] . السّادس: في أمره- صلى الله عليه وسلم- بدفن الدّم وأمور جامعة. روى الطبراني بسند ضعيف عن أم سعد امرأة زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنهما- قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأمر بدفن الدّم إذا احتجم. وروى ابن سعد عن هارون بن رئاب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم ثم قال لرجل: «ادفنه لا يبحث عنه كلب» . وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم محرم. وروى ابن سعد عن جابر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم حجمه أبو طيبة وأمر له بصاعين من طعام، ثم سأله: كم خراجك؟ قال: ثلاثة آصع فوضع عنه صاعا، وفي لفظ: فكلّم أهله أن يضعوا عنه من ضريبته صاعا. وروى ابن سعد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: احتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالقاحة وهو صائم وأعطى أجره ولو كان خبيثا ما أعطاه. وروى ابن سعد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: أخرج إلينا أبو طيبة المحاجم لثمان عشرة من رمضان نهارا فقلت: أين كنت؟ قال: كنت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحجمه. قال ابن سعد: أخبرنا نصر بن باب عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن أبي عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم فغشي عليه يومئذ، فلذلك كرهت الحجامة للصائم. وروى ابن سعد بسند فيه بشر بن سعيد والبزّار بسند ضعيف عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم في المسجد. وروى ابن عدي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3488) .

تنبيهات

يكتحل كلّ ليلة، ويحتجم كل شهر، ويشرب الدّواء كل سنة. وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «نعم العبد الحجّام يذهب بالدّم، ويخف الصلب ويجلو البصر» . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ثوبان- وهو متواتر- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أفطر الحاجم والمحجوم» . وروى الحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا اشتدّ الحرّ فاستعينوا بالحجامة، لا يتبيّغ الدّم على أحدكم فيقتله» . وروى أبو داود والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنّ أبا هند حجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في اليافوخ» . تنبيهات الأول: قال الأطباء: الحجامة في وسط الرأس نافعة للدّم جدا، والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف وعصب الرأس ينفع من الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس. والحناء علاج خاص بما إذا كان الصّداع من حرارة ملتهبة، ولم يكن من مادة يجب استفراغها، وإذا كان كذلك نفع الحناء نفعا ظاهرا، قالوا: وإذا دق وصمدت به الجبهة مع الخل سكن الصّداع، وهذا لا يختص بوجع الرأس بل يعم الأعضاء. الثاني: قال الشيخ في شرحه على ابن ماجة: ذهب جمع من الأئمة كأحمد وإسحاق إلى حمل حديث «أفطر الحاجم والمحتجم» على ظاهره وقال آخرون: تكره الحجامة للصائم، وحملوا الحديث على التشديد، ومعناه تعرضا للإفطار. الثالث: في بيان غريب ما سبق. القمحدوة: نقرة القفاء، وهي التي إذا استلقى الرجل أصابته الأرض من رأسه فمكان الإصابة هي القمحدوة.

الباب الثاني والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الإسهال والقيء

الباب الثاني والعشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الإسهال والقيء روى الطبراني في الكبير عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما لي أراك مرتثة؟» فقلت: شربت دواء أستمشي به قال: «وما هو» ؟ قلت: السرم قال: «ما لك وللسّرم فإنّه حارّ نار وعليكم بالسّناء والسنوت فإن فيهما دواء من كل شيء إلا السّام» [ (1) ] . وروى البخاري في تاريخه الكبير والترمذي وابن ماجة عن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بماذا كنت تستمشين» ؟ قالت: بالشّبرم قال: «حار حار» ثم استمشيت بالسنى فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لو أن شيئا فيه شفاء من الموت لكان في السّنى» . وروى ابن ماجه والحاكم في الكنى وابن مندة وقال: غريب والطبراني في الكبير وابن السني وأبو نعيم في الطب والبيهقي وابن عساكر عن عبد الله ابن أم حرام قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «عليكم بالسّنى والسّنوات فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السّام» قيل: يا رسول الله وما السّام؟ قال: «الموت» [ (2) ] . وروى أبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالسنى، فإن الله تعالى جعل فيه شفاء من كل داء» . تنبيه في بيان غريب ما سبق: «الشّبرم» قشر عروق شجرة وهو حار يابس، وهو في الدرجة الرابعة، وهو من الأدوية التي منع الأطباء من استعمالها لخطرها وفرط إسهالها، السنا: نبت حجازي أفضله المكي، وهو دواء شريف مأمون الغائلة، قريب من الاعتدال، حارّ يابس في الدرجة الأولى، يسهّل الصّفراء والسّوداء، ويقوي جرم القلب، وهذه فضيلة شريفة فيه وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي. قال الرازي: السناء والشاهترج يسهلان الأخلاط المحترقة، وينفعان من الجرب والحكة، قال: والشّربة من كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة. السنوت: قيل هو العسل، وقيل هو ربّ عكة السمن يخرج خططا سوداء على السمن، وقيل: حبّ يشبه الكمون وليس به، وقيل: هو الكمون الكرماني، وقيل: إنه الرازيانج، وقيل:

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 93 وقال: رواه الطبراني من طريق وكيع بن أبي عبيدة عن أبيه عن أمه ولم أعرفهم. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3457) .

إنه الشّبتّ، وقيل: إنه العسل الذي يكون في زقاق السمن، قال بعض الأطباء: وهذا أجدر بالمعنى، وأقرب إلى الصواب، أي يخلط السناء مدقوقا بالعسل المخالط للسمن ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفردا، لما في العسل والسمن من إصلاح السنا، وإعانته على الإسهال.

الباب الثالث والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الكي

الباب الثالث والعشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الكيّ وفيه أنواع: الأوّل: فيما قيل إنه- صلى الله عليه وسلم- اكتوى قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: لم أر في أثر صحيح أنّه اكتوى، إلا أن القرطبي نسب إلى «أدب النفوس» للطبري أنه- صلى الله عليه وسلم- اكتوى، ذكره الحليمي بلفظ «روى أنه اكتوى للجرح الذي أصابه بأحد» قال الحافظ: والثابت في الصحيح في غزوة أحد «أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أحرقت حصيرا فحشت به جرحه» وليس هذا الكي المعهود. الثاني: في نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عنه لغير حاجة. روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الكي، فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا» . وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الكيّ، وكان يكره شرب الحميم. وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح وابن قانع عن سعد الطفري- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- «نهى عن الكيّ» وفي لفظ قال: «أنهى عن الكيّ» وقال: «أكره شرب الحميم» [ (1) ] . وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه أخوه وقد سقي فقال: يا رسول الله إن أخي قد سقي بطنه فأتينا الأطباء فأمروني بالكي أفأكويه؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تكوه وردّه إلى أهله فمرّ به بعير، فضرب بطنه فأحمص بطنه فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أما إنك لو أتيت به الأطباء، قلت: النار شفته» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح ومسدد وأبو نعيم في الطب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مكان الكيّ التّكميد ومكان العلاق السّعوط ومكان النفخ اللدود» [ (3) ] .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 100 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 100 وقال: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه عبد الله بن عيسى الخزاز وهو ضعيف. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 100، 101، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة.

الثالث: في كيه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بيده.

وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكره الكي والطعام الحار ويقول: «عليكم بالبارد فإنه ذو بركة، ألا وإن الحارّ لا بركة فيه» . وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن المغيرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التّوكّل» . وروى الطيالسي وابن حبان ومسدد والحاكم والطبراني في الكبير برجال ثقات عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- «إن ناسا من الأنصار أتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إن صاحبا لنا مرض مرضا شديدا، وإنه نعت له الكي أفنكويه؟ فسكت، فعاودناه فسكت، ثم عاودناه الثالثة، فقال: «ارصفوه أحرقوه، وكره ذلك» ، وفي لفظ أبي يعلى: «إن شئتم فاكووه وإن شئتم فارصفوه» [ (1) ] . وروى مسدد وابن أبي شيبة بسند ضعيف عن جابر- رضي الله تعالى عنه-: قال: اشتكى رجل منا شكوى شديدة فقال الأطباء: لا يبرأ إلا بالكيّ، فأراد أهله أن يكووه فقال بعضهم: لا حتى نستأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاستأمروه فقال: «لا» ، فبرأ الرجل فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هذا صاحب بني فلان» ؟ قالوا: نعم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن هذا لو اكتوى لقال النّاس: إنما برئ بالكي» . وروى الحارث مرسلا عن العلاء بن زياد- رحمه الله تعالى- أن امرأة أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بابن لها قد سقي بطنه فقالت: يا رسول الله إن ابني لمصاب فما ترى أفأكويه فقال: «لا تكويه» فأجمعت أن لا تكويه، فضربه بعير فخبطه أو لبطه وفقأ بطنه، فبرأ، فرجعت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله استأذنتك في ابني أن تكويه فنهيتني، فمرّ به بعير فخبطه أو لبطه ففقأ بطنه وبزأ، فقال: أما إني لو أذنت لك لزعمت أن النار هي التي شفته. الثّالث: في كيّه- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بيده. روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: [رمي سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنه-] [ (2) ] في أكحله فحسمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده بمشقص ثم [ورمت فحسمه الثّانية] [ (3) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 102. [ (2) ] سقط في أ. [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1731.

الرابع: في وصفه - صلى الله عليه وسلم - الكي لبعض أصحابه.

وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: حدثني عمي أن أبا أمامة أصابه وجع يسميه أهل المدينة الذبح، فكواه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده [ (1) ] . وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كواه. الرابع: في وصفه- صلى الله عليه وسلم- الكيّ لبعض أصحابه. روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: رمي أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- يوم الأحزاب في أكحله فبعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه. وروى الطبراني في الكبير عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد البراء بن معرور وقد أخذته ذبحة فأمر من يبطه بالنار حتى يوجهه [ (2) ] . تنبيهات الأول: قال الأطباء: إنما يستعمل الكي في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا وصفه- صلى الله عليه وسلم- ثم نهى عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول في أمثلتها: «آخر الدواء الكي» والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث. وقيل: إنه خاص لعمران بن حصين، لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خطر فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح قال ابن قتيبة: الكي نوعان: كي الصحيح لئلا يعتلّ، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى، لأنه يريد أن يدفع عنه القدر، والقدر لا يدافع. والثاني: كي الجرح إذا فسد، والعضو إذا قطع فهو الذي شرع التداوي له، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى، لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق، قال الحافظ: وحاصل الجمع أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، ولذا وقع الثناء على تركه، وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقا للشفاء.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 101 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 102 وقال: رواه الطبراني وفيه عيسى بن عبد الرحمن من ولد النعمان بن بشير وهو ضعيف.

الباب الرابع والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحمى

الباب الرابع والعشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الحمى روى الإمام أحمد برجال ثقات، وفيه راو لم يسم، عن أبي بشير الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في الحمّى: «أبردوها بالماء، فإنّها من فيح جهنّم» [ (1) ] . وروى الطبراني والبزّار عن سمرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى قطعة من النار فأبردوها عنكم بالماء البارد» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا حمّ دعى بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل. وروى الطبراني في الكبير برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا حمّ أحدكم فليسنّ عليه من الماء البارد ثلاث ليال. وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن المرفع أن المسلمين في غزوة خيبر وقعوا في الفواكه فأخذتهم الحمّى، فشكوا ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن الحمّى رائد الموت، وهي سجن الله في الأرض فبرّدوا لها الماء في الشّنان وصبّوا عليكم فيما بين الأذانين أذان المغرب وأذان العشاء» ، ففعلوا فذهبت عنهم فأتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبروه بذلك فقال: «إنه لا وعاء إذا ملئ شرّ من بطن قال: فإن كنتم لا بد فاعلين فاجعلوها ثلثا للطّعام وثلثا للشّراب وثلثا للرّيح أو النّفس» [ (2) ] . وروى أبو يعلى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والنسائي والضياء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «إذا حمّ أحدكم فليسنّ عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر» . وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس والإمام أحمد والبيهقي والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» . وروى والبيهقي والترمذي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والإمام أحمد والبيهقي والترمذي والنسائي وابن ماجة عن رافع بن خديج والبيهقي والترمذي وابن ماجة عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء» . وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى كير من جهنّم، فما أصابت المؤمن منها كان حظه من النار» .

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 97. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 97، 98 وقال: رواه الطبراني وفيه المحبر بن هارون ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وروى ابن ماجه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحمّى كير من جهنّم، فنحّوها عنكم بالماء البارد» . وروى الطبراني في الكبير عن أبي ريحانة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى كير من جهنّم وهي نصيب المؤمن من النار» . وروى الطبراني في الأوسط عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى حظّ أمّتي من النار» . وروى ابن قانع عن أسد بن كرز أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى تحتّ الخطايا كما تحتّ الشّجرة ورقها» . وروى ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى رائد الموت وسجن الله في الأرض» . وروى البيهقي في الشعب عن الحسن مرسلا، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمى رائد الموت وسجن الله في الأرض للمؤمن، يحبس بها عبده إذا شاء ثم يرسله إذا شاء، ففتّروها بالماء» . وروى البزار عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى حظّ كلّ مؤمن من النار» . وروى ابن أبي الدنيا عن عثمان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى حظ المؤمن من النّار يوم القيامة» . وروى القضاعي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمّى حظّ كلّ مؤمن من النّار، وحمّى ليلة تكفّر خطايا سنة مجرّمة. وروى الطبراني في الكبير والحاكم عن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا حمّ دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل. وروى الطبراني في الكبير عن عبد ربه بن سعيد بن قيس عن عمته أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أمّ ملدم تخرج خبث ابن آدم كما يخرج الكير خبث الحديد» . وروى ابن ماجه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تسبّوا الحمّى فإنّها تنفي الذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن غريب، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وأبو نعيم في الطب، والطبراني في الكبير عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال

تنبيهات

رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أصاب أحدكم الحمى، فإنّ الحمّى قطعة من نار» ولفظ الطبراني: «من نار جهنّم فليطفئها عنه بالماء» زاد الطبراني «البارد فلينفع في نهر جار، ويستقبل جريته ويقول: بسم الله، اللهمّ اشف عبدك، وصدّق رسولك» هذا بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس، ولينغمس فيه ثلث غمسات ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس، فإن لم يبرأ فسبع، فإن لم يبرأ فتسع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله تعالى. وروى النسائي وأبو يعلى والحاكم وأبو نعيم والضياء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا حمّ أحدكم فليسنّ عليه الماء البارد ثلاث ليال من السّحر» . قال الضياء وروى: «فليشن» أي بالمعجمة ولعلة تصحيف. تنبيهات الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم- «فأبردوها بالماء» زاد في رواية «البارد» قيل: المراد بغسله بالماء إن قيل: الإبراد والإطفاء بحقن الحرارة إلى الباطن فتزيد الحمى وربما يهلك؟ أجيب بأن المراد من ذلك الحمى الصفراوية، فإنّ أصحاب الصناعة الطبية يسلمون أن تبريد صاحبها أن يستقي بالماء البارد ويغسل أطرافه به، وقيل: المراد الرش بين البدن والثوب، وقيل: المراد التصدق بالماء عن المريض ليشفه الله تعالى، لما رواه الإمام أحمد وغيره وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمّى ما فعلته أسماء بنت الصديق- رضي الله تعالى عنها- فإنها كانت ترش على البدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النّشرة المأذون فيها، والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي كانت ممن يلازم بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- أعلم بالمراد من غيرها. الثاني: اختلف في نسبتها إلى جهنّم فقيل: حقيقة، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة، أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة، وقيل: بل الخبر ورد مورده التشبيه والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم، تنبيها للنفوس على شدة حر النار، وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرب منها من حرّها. الثالث: قال ابن القيم: قوله «بالماء» فيه قولان: أحدهما: أنه كل ماء وهو الصحيح. الثاني: أنه ماء زمزم.

واختلف من قال: إنه على عمومه هل المراد به الصدقة بالماء أو استعماله على قولين والصحيح أنه استعماله. قال الإمام المازري: لا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشيء دواء له في ساعة، فيصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له، فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء من حاله ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال، والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء والتأثير المألوف وقوة الطباع، ويحتمل أن يكون هذا في وقت مخصوص، فيكون من الخواص التي اطلع عليها النبي- صلى الله عليه وسلم- بالوحي، ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب. الخامس: جعل ابن القيم خطابه- صلى الله عليه وسلم- خاصا بأهل الحجاز وما والاهم إذا كان أكثر الحميّات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس، قال: وهذا ينفع فيها الماء البارد شربا واغتسالا لأن الحمى حرارة تستعمل في القلب، وتنبت منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن، وهي قسمان: عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس ونحو ذلك ومرضية: وهي ثلاثة أنواع، وتكون من مادة ومنها ما يسخن جميع البدن، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمّى يوم، لأنها في الغالب تزول في يوم، ونهايتها ثلاثة أيام، وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية، وهي أربعة أصناف: صفراوية وسوداوية وبلغميّة ودموية. وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب انتهى.

الباب الخامس والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المعيون

الباب الخامس والعشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في المعيون وفيه أنواع: الأول: في أن العين حقّ وجلّ من يموت بها. روى أبو يعلى والطيالسي والبخاري في التاريخ والحكيم والضياء والبزار برجال ثقات غير طالب بن حبيب بن عمر بن سهل الأنصاري وهو ثقة، قاله الهيثمي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «جلّ» وفي لفظ «أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله عز وجل وكتابه وقدره بالأنفس يعني بالعين» [ (1) ] . وروى الإمام مالك [ ... ] . وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد وابن حبان والحاكم والطبراني في الكبير والضياء عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «على ما يقتل أحدكم أخاه ألا برّكت؟ إنّ العين حق توضأ له» وفي لفظ «اغتسل له إذا رأى أحدكم شيئا يعجبه فليبرّك» [ (2) ] . وروى النسائي وابن ماجه والطبراني في الكبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف والطبراني في الكبير عنه عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «على ما يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» [ (3) ] . وروى ابن قانع عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «على ما يقتل أحدكم أخاه، وهو عن قتله غنيّ، إن العين حق فمن رأى من أحد شيئا يعجبه أو من ماله فليبرك عليه فإن العين حق» . وروى الإمام أحمد والبزار برجال ثقات والبيهقي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن العين لتولع الرّجل بإذن الله تعالى حتى يصعد حالقا ثم يتردّى منه» [ (4) ] . وروى الطبراني في الكبير عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «نصف ما يحفر لأمّتي من القبور من العين» [ (5) ] .

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 109. [ (2) ] أخرجه ابن حبان في موارد الظمآن (1424) . [ (3) ] أخرجه البيهقي 9/ 351. [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 109 وقال: رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 109 وقال: رواه الطبراني وفيه علي بن عروة الدمشقي وهو كذاب.

الثاني: في أمره - صلى الله عليه وسلم - بالاسترقاء للمعيون.

وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم بسند لا بأس به عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «العين حقّ حتّى يستنزل الحالق» . ورواه مسلم عنه بلفظ: [ «العين حقّ ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» . ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح والكجي في سننه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-] : [ (1) ] «العين حقّ، ويختص بها الشيطان وحسد بني آدم» . وروى ابن ماجة والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[: «استعيذوا بالله من العين فإنّ العين حق» . وروى ابن عدي وأبو نعيم في الحيلة عن جابر وابن عدي عن أبي ذر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-] [ (2) ] قال: «العين حقّ تدخل الجمل القدر، والرّجل القبر» . وروى الإمام أحمد ومسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «العين حقّ ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» . وروى ابن ماجه عن عامر بن ربيعة والإمام أحمد والبيهقي وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «العين حق» . الثّاني: في أمره- صلى الله عليه وسلم- بالاسترقاء للمعيون. روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح إلا شيخه سهل بن مودود فيحرر حاله عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعندنا صبي يشتكي فقال: «ما هذا» ؟ قلنا: إنما به العين قال: «ألا تسترقون له من العين» [ (3) ] . وروى البيهقي عنها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «استرقوا لها فإنّ لها النّظرة» . وروى الحكيم [عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أفلا استرقيتم لها فإنّ ثلث منايا أمّتي من العين» . روى البيهقي عنها قالت: قالت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «استرقوا لها فإنّ لها النّظرة» .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 115 وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه سهل بن مودود ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

الثالث: في أمره - صلى الله عليه وسلم - العائن بالوضوء وصبه على المعين

وروى البزار] [ (1) ] عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من رأى شيئا فأعجبه» فقال: «ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضرّه» . وروى البزار برجال ثقات عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا رقية إلّا من عين أو حمّة» [ (2) ] . وروى الطبراني بسند حسن عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أرقى من حمة العين في الجاهليّة، فلما أسلمت ذكرتها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أعرضها عليّ» ، فعرضتها عليه، فقال: «ارق بها فلا بأس» ، ولولا ذلك ما رقيت بها إنسانا أبدا [ (3) ] . وروى البزار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من رأى شيئا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضرّه» . وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأمر أن يسترقى من العين. الثّالث: في أمره- صلى الله عليه وسلم- العائن بالوضوء وصبّه على المعين روى الإمام مالك وأحمد وابن معين برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأمر بالذي أصاب بعين أن يتوضّأ ويغتسل به المعين» [ (4) ] . روى الإمام مالك وأحمد برجال الصحيح عن محمد بن أبي أمامة، وابن أبي شيبة والطبراني برجال الصحيح عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه وابن أبي شيبة والطبراني والنسائي برجال الصحيح عن عامر بن ربيعة والإمام أحمد برجال الصحيح والطبراني عن [ ... ] قال سهل: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج وسار نحو مكة حتى إذا كان بشعب الخرّار من الجحفة قال عامر: انطلقت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر فوجد خمرا وغديرا، وكان أحدنا يستحي أن يغتسل وأحد يراه، فاستتر مني حتى إذا رأى أن قد فعل نزع جبته عليه من كساء ثم دخل الماء، فنظرت إليه نظرة فأعجبني خلقه قال محمد: وكان سهل شديد البياض حسن الخلق، وقال سهل: فقال عامر: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط به حتى ما يعقل من شدة الوجع، وقال عامر: فأصبته بعيني فأخذه قعقعة وهو في الماء فانطلقت إلى

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 271، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (28365) . [ (3) ] انظر المجمع 5/ 114. [ (4) ] أخرجه أبو داود (3880) .

الرابع: في أمره - صلى الله عليه وسلم - بنصب الجماجم في الزرع لأجل المعين إن صح الخبر.

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته الخبر، وقال محمد: فوعك سهل مكانه فاشتد وعكه فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقيل له: هل لك في سهل ما يرفع رأسه؟ وكان قد اكتتب في جيش فقالوا: هو غير رابح معك يا رسول الله، والله ما يفيق، قال عامر: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قوموا، فأتاه فرفع عن ساقه، ثم دخل إليه الماء، فلما أتاه ضرب صدره فقال: «اللهم أذهب حرّها وبردها ووصبها» ثم قال: «قم» فقام وفي حديث محمد والزهري فقال: «من تتّهمون به» فقال عامر: فدعاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتغيظ عليه، وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع بالبركة» ، وفي رواية: «ألا برّكت» ثم دعا بماء في قدح فأمر عامر أن يتوضأ، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف قدميه وداخلة إزاره في قدح، وأمره أن يصب الماء عليه من حلقه على رأسه وظهره ثم يكفي القدح وراءه، ففعل به مثل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس، زاد الطبراني: قال ابن شهاب: الغسل الذي أدركت عليه علماءنا يصنعون أن يؤتى الرجل الذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء، فيمسك له مرفوعا من الأرض، فيدخل الذي يعين صاحبه يده اليمنى في الماء ويمضمض ثم يمجه في القدح، ثم يدخل يده اليمنى في الماء فيصب على وجهه الماء صبّة واحدة في القدح، ثم يدخل يده اليمنى ويغسل يده اليسرى صبة واحدة في القدح إلى المرفقين، ثم يدخل يديه جميعا فيغسل صدره صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمنى صبة واحدة في القدح وهو في يده إلى عنقه، ثم يفعل ذلك في مرفق يده اليسرى، ثم يفعل مثل ذلك على ظهر قدمه اليمنى من عند أصول الأصابع واليسرى كذلك، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ظهر ركبته اليمنى، ثم يفعل باليسرى كذلك، ثم يغمس داخل إزاره اليمنى، ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على رأس المعيون من ورائه، ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض من ورائه [ (1) ] . الرّابع: في أمره- صلى الله عليه وسلم- بنصب الجماجم في الزّرع لأجل المعين إن صح الخبر. روى البزار بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر بالجماجم أن تنصب في الزّرع فقلت: من أجل ماذا؟ قال: «من أجل العين» [ (2) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 486 والبيهقي في الشعب 6/ 163. وابن كثير في التفسير 8/ 232، وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 111، 112. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 111 وقال: رواه البزار وفيه الهيثم بن محمد بن حفص وهو ضعيف ويعقوب بن محمد الزهري ضعيف أيضا.

تنبيهات

تنبيهات الأول: العين نظر باستحسان مشوب، تحل من خبيث الطّبع يحصل للمنظور منه ضرر. قال بعضهم: وإنما يحصل ذلك من سم يصل من عين العائن في الهوى إلى بدن المعيون، ونظير ذلك الحائض تضع يديها في إناء اللبن فيفسد، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، وأن الصحيح ينظر في عين الأرمد فيرمد، وينشاب أحد بحضرته فينشاب هو. الثاني: قوله- صلى الله عليه وسلم- العين حقّ أي: الإصابة بها شيء ثابت موجود، قال الإمام المازري: أخذ بظاهر الحديث الجمهور، وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى، لأن الشارع أخبر بوقوعه. الثالث: استشكل بعض الناس هذه الإصابة فقال: كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون؟ وأجيب بأن طبائع الناس تختلف، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهوى إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال: إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني، ومن ذلك الحائض إذا وضعت يدها في إناء اللبن أفسدته، ولو وضعتها بعد طهرها لم تفسد. الرابع: قال الإمام المازري: الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تصدر عن نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص آخر، خلافا لبعض الأطباء، يعني القائل بأن العائن يبعث من عينه قوة سميّة تتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد، وهو كإصابة السم وقد أجرى الله تعالى العادة بحصول الضرر عندها خلافا للفلاسفة وقد أجرى الله تعالى العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح، كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتسمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك، وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وكثير من الناس يسقم لمجرد النظر إليه، ويضعف قواه، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات أشد ارتباطا بالعين وليست هي المؤثرة، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وكيفياتها الخبيثة وخواصها، فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية لخبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة. والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى، وخلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسماني، بل تارة يكون به وتارة يكون بالمعاينة، وأخرى بمجرد الرؤية، وأخرى بتوجيه الروح. الخامس: قال ابن القيم: والمقصود العلاج النبوي لهذه العلة، فمن التعوّذات والرقى الإكثار من قراءة المعوّذتين والفاتحة وآية الكرسي.

والتعوّذ النبوي نحو: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. ونحو: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن. وإذا كان يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين فليدفع شرها بقوله «اللهم بارك عليه» كما قال- صلى الله عليه وسلم- لعامر بن ربيعة لما عان [سهل بن حنيف] [ (1) ] : ألا باركت عليه. السادس: ومما يدفع إصابة العين قوله «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» وما رواه مسلم أن جبريل رقى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «بسم الله أرقيك، من كل شر يؤذيك، ومن شر كل ذي نفس أو عين حاسدة، الله يشفيك، بسم الله أرقيك» . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-: «بسم الله يبرئك، من كل داء يؤذيك ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين» . السابع: قال الإمام المازري: المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي مما يلي حقوه الأيمن، قال: وظن بعضهم أنه كناية عن الفرج، وزاد القاضي عياض: أن المراد ما يلي جسده من إزاره، وقيل: موضع الإزار من الجسد، وقيل: وركه، لأنه معقد الإزار، قال المازري: وهذا المعنى مما يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه. وقال ابن العربي: إن توقف مبتدع، قلنا له: الله ورسوله أعلم، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة، أو يتفلسف: فالرد عليه أظهر، لأن الأدوية عنده تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى ما يدركه ويسمون ما هذا سبيله [الخواص. تنبيه في بيان غريب ما سبق] [ (2) ] : ...

_ [ (1) ] في أشهر بن ربيع. [ (2) ] سقط في ب.

الباب السادس والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المجذومين

الباب السادس والعشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في المجذومين وروى أبو يعلى وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند بسند لا بأس به، عن علي وأبو يعلى والطبراني بسند لا بأس به، عن الحسن بن علي، والطبراني برجال ثقات عن الوليد ابن حماد شيخه عن معاذ بن جبل، والطبراني والطيالسي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تديموا النّظر إلى المجذومين» زاد علي وابنه «وإذا كلّمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح» [ (1) ] . وروى ابن السني وأبو نعيم في الطب عن عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كلّم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين» [ (2) ] . وروى الحارث بسند ضعيف وابن عدي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرّ بعسفان وادي المجذومين فأسرع السير، وقال: إن كل شيء من الدّاء يعدي يعني الجذام» . وروى أبو نعيم في الطب عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «غبار المدينة يبرئ من الجذام» . وروى البخاري في التاريخ وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا المجذوم كما يتّقى الأسد» . وروى ابن السني وأبو نعيم معا في الطب عن أبي بكر بن محمد عن سالم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «غبار المدينة يبرئ من الجذام» . [وروى ابن سعد عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال «اتقوا صاحب الجذام كما يتّقى السّبع إذا هبط واديا فاهبطوا غيره [ (3) ] » ] [ (4) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «غسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمّام أمان من الجذام» . وروى ابن النجار عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «نبات الشّعر في الأنف أمان من الجذام» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3543) ، وانظر المجمع 5/ 101. [ (2) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (28329) . [ (3) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (28322) . [ (4) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 102، 103 وقال: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وفيه أبو الربيع السمان وهو ضعيف.

وروى الأربعة والحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كل بسم الله، ثقة بالله، وتوكّلا على الله» [ (1) ] . وروى الطحاوي عن أبي ذر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كل مع صاحب البلاء تواضعا لربّك وإيمانا» [ (2) ] . وروى الحارث عن ضمرة بن حبيب قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نهى عن التخلل بعود الرّيحان والرّمّان، وقال: «إنّه يحرّك عرق الجذام» [ (3) ] . وروى البيهقي وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «فمن أعدى الأوّل» [ (4) ] . وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي هريرة والإمام أحمد ومسلم عن السائب ابن يزيد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا غول» [ (6) ] . وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا هامة وطيرة وأحبّ الفأل الصّالح» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا طيرة وإنّما الشّؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدّار» [ (8) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سعد بن مالك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدّار» [ (9) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا طيرة وخيرها الفأل، الكلمة الصّالحة يسمعها أحدكم» [ (10) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (1817) ، وابن ماجة (3542) . [ (2) ] انظر ضعيف الجامع (4203) . [ (3) ] انظر اللآلئ (2/ 257) ، والمنهاج السوي ص 370. [ (4) ] أخرجه مسلم 4/ 1742 (2220) . [ (5) ] أخرجه مسلم 4/ 1743 (2220) . [ (6) ] أخرجه مسلم 4/ 1744 (2222) . [ (7) ] أخرجه مسلم 4/ 1746. [ (8) ] أخرجه البخاري كتاب الطب باب لا عدوى (5753) . [ (9) ] أخرجه أبو داود 4/ 236 (3921) . [ (10) ] أخرجه مسلم 4/ 1745 (2223) .

وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصّالح، والفأل الصّالح: الكلمة الحسنة» . وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا نوء ولا صفر» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: [ «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة» قيل: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلّها قال: «ذلكم القدر فمن أجرب الأوّل» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:] [ (3) ] «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد» [ (4) ] . وروى ابن السني عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أصدق الطّيرة الفأل، ولا تردّ مسلما، وإذا رأيتم من الطّيرة شيئا تكرهونه فقولوا: اللهم لا يأتي بالحسنات إلّا أنت ولا يذهب بالسّيّئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله» [ (5) ] . وروى أبو داود عن قبيصة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «العيافة والطيرة والطّرق. الجبت» [ (6) ] . وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب والأربعة والحاكم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الطّيرة شرك» [ (7) ] . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الطّيرة في الدّار والمرأة والفرس» [ (8) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 232 (3912) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3540) . [ (3) ] سقط في ب. [ (4) ] أخرجه البخاري كتاب الطب باب الجذام 7/ 164. [ (5) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (28584) . [ (6) ] أخرجه أبو داود 4/ 228 (3907) . [ (7) ] أخرجه الحاكم 1/ 18. [ (8) ] انظر المجمع 5/ 107.

وروى الإمام أحمد بسند لا بأس به عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا حسد والعين حقّ» [ (1) ] . وروى البزار برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى ولا هامة فمن أعدى الأوّل» [ (2) ] . وروى أبو يعلى بسند لا بأس به عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا هامة ولا صفر ولا يعدي سقيم صحيحا» [ (3) ] . وروى أبو يعلى والطبراني في الكبير عن عمير بن سعد قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ألم تر إلى البعير يكون في الصّحراء ثمّ يصبح في كريه أو في مراحه، لكنه لم يكن قبل ذلك، فمن أعدى الأوّل» [ (4) ] . وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى» فقال أعرابي: يا رسول الله، فإنا نأخذ الشّاة الجربة فنطرحها في الغنم فتجرب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا أعرابي من أجرب الأولى [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير بسند حسّن الحافظ إسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من ردّته الطّيرة من حاجة فقد أشرك» ، قالوا: يا رسول الله ما كفّارة ذلك؟ قال: «يقول: اللهمّ لا خير إلا خيرك، ولا طير إلّا طيرك، ولا إله إلا أنت» . وروى البزار نحوه عن بريدة. وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كلوا الزّيت وادّهنوا به، فإنّ فيه شفاء من سبعين داء، منها الجذام» [ (6) ] . وروى الحكيم والبغوي عن بريدة قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يتطيّر ولكن يتفاءل» [ (7) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن ضمرة بن حبيب قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 104 وقال: رواه أحمد وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف وقد وثقه وبقية رجاله ثقات. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 105 وقال: رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح خلا علي بن الحسين الدرهمي وهو ثقة. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 104 وقال: رواه أبو يعلى وفيه ثعلبة بن يزيد الحماني، وثقه النسائي وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. [ (4) ] انظر المجمع 5/ 105. [ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 105 وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح. [ (6) ] أخرجه أبو نعيم في الطب من طريق الطبراني، انظر السلسلة الضعيفة 2/ 7. [ (7) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (18377) .

تنبيهات

التخلّل بعود الرّيحان والرّمّان، وقال: «إنه يحرّك عروق الجذام» . وفيه عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتخللوا بقصب آس ولا قصب ريحان، فإني أكره أن يحرك عرق الجذام» . وفيه عن الأوزاعي مرفوعا أنه- عليه الصلاة والسلام- نهى عن التخلّل بالآس وقال: «إنه يسقي عرق الجذام» [ (1) ] . وفيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء، الجنون والجذام والبرص» [ (2) ] وفيه عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا بلغ العبد أربعين سنة عوفي من أنواع البلاء: الجنون والجذام والبرص» [ (3) ] . وفيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الشعر في الأنف أمان من الجذام» . وروى [عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الشّعر في الأنف والأذنين أمان من الجذام» ] [ (4) ] . وفيه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تكرهوا أربعة فإنّها لأربعة، لا تكرهوا الرّمد، فإنه يقطع عروق العمى، ولا تكرهوا الزّكام فإنه يقطع عروق الجذام، ولا تكرهوا السّعال. فإنه يقطع عروق الفالج، ولا تكرهوا الدّماميل فإنها تقطع عروق البرص» [ (5) ] . تنبيهات الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم- لا عدوى: أي لا سراية للمرض عن صاحبه إلى غيره وقيل: نهى عن أن يقال ذلك أن يعتقد، وقيل: هو خير أي: لا تقع عدوى بطبعها، ولكن قد تكون بقضاء الله وقدره وإجرائه العادة في العدوى من المجذوم بفعل الله وخلقه. وقال ابن بطال: لا عدوى عام مخصوص. أي: لا عدوى إلا من المجذوم وقوله «لا نوء» [ ... ] .

_ [ (1) ] انظر المنهج السوي 370. [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 217. [ (3) ] انظر كنز العمال (42659) . [ (4) ] ما بين المعكوفين سقط في ب. [ (5) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 2697.

وقوله ولا طيرة- بكسر الطاء وفتح التحتية، وقد تسكن- التشاؤم كما كانت العرب تعتقده من التطيير بالطير وغيره، إذ كانوا ينفرون الظباء والطيور فإذا أخذت ذات اليمين تركوا به ومضوا في حوائجهم، وإذا أخذت ذات الشمال رجعوا عن ذلك وتشاءموا بها فأبطله الشرع، وأخبر أنه لا تأثير له في نفع ولا ضرّ، ولا يعارضه الشؤم في ثلاث لأنه في معنى المستثنى منه، فهو كما قال الخطابي عام مخصوص. وقوله: «ولا هامة» بتخفيف الميم على الصحيح طائر، وقيل: هو البومة قالوا: إذا سقطت على دار أحدهم وقعت فيه مصيبة، وقيل: إنهم كانوا يعتقدون أن عظام الميت تنقلب هامة وتطير. وقوله: ولا صفر بفتحتين قيل: حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي: أعدى من الجرب، وقيل: هو داء يأخذ البطن، وقيل: هو تأخير المحرّم إلى صفر.

الباب السابع والعشرون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الجسد المقمل وكذا الرأس

الباب السابع والعشرون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الجسد المقمل وكذا الرأس روى البزار عن عبد الرحمن بن عوف أنه شكا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الدّوابّ فأمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يلبس الحرير. وروى البخاري عنه وأبو نعيم في الطب عن أنس أن الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف شكيا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القمل فرخص لهما في لبس الحرير. وفي رواية: أرخص لهما في لبس الحرير من حكّة كانت بهما، فيحتمل كما قال الحافظ أن تكون إحدى العلتين بأحد الرجلين، أو أن الحكة حصلت من القمل، فنسب العلة تارة إلى سبب، وتارة إلى المسبب [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- أنه شكا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القمل فرخّص له في لبس الحرير قميص أبيض.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 118، وأحمد (2920) .

الباب الثامن والعشرون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - السحر

الباب الثامن والعشرون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- السحر روى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في عجوة أوّل البكرة على ريق النّفس شفاء من كل سحر أو سم» . وروى مسلم عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة على الرّيق» [ (1) ] . وروى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضرّه في ذلك اليوم سم ولا سحر» وفي رواية لمسلم «من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سمّ حتى يمسي» [ (2) ] . تنبيهات الأول: قال ابن العربي: السحر، قول مؤلف يعظم به غير الله الكائنات والمقادير وهو من الكبائر بالإجماع، قال مالك: السّاحر كافر يقتل ولا يستتاب، ولا تقبل توبته. وقال النووي: قد يكون كفرا وقد لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا وأما تعمله فحرام وإذ لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عذّر فاعله واستتيب منه، ولا يقتل عندنا، وإن مات قبلت توبته. قال القاضي عياض: ويقول مالك: قال أحمد بن محمد بن حنبل وهو يروي عن جماعة من الصحابة والتابعين. الثاني: اختلف هل له حقيقة، قال النووي: وهو الصحيح، وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة، أو لا حقيقة له، وهو اختيار أبي جعفر الأسترآباذي من الشافعية وأبي بكر الرازي من الحنفية وطائفة. وقال الحافظ: محل النزاع هل يقع بالسحر انقلاب أعيان أو لا؟ فمن قال: إنه تخييل فقط منع من ذلك، والقائلون بأن له حقيقة اختلفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا من الأمراض، أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيوانا مثلا وعكسه؟ فالذي عليه

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (2048) ، وأحمد 6/ 105. [ (2) ] أخرجه البخاري في الطب (5769) .

الجمهور هو الأول، وقال الإمام المازري- رضي الله تعالى عنه-: جمهور العلماء على إثبات السحر، لأن العقل لا ينكر أن الله تعالى قد خرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق أو تركيب أجسام، أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص ونظير ذلك ما وقع من حذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى الضار منها بمفرده فيصير نافعا بالتركيب [وقيل: لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله، لأن المقام مقام تهويل، والصحيح من جهة العقل أن] [ (1) ] يقع به أكثر من ذلك، والآية وإن كانت ظاهرة في ذلك فليست نصا في منع الزيادة. قال الإمام المازري: الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك إنما تقع غالبا اتفاقا، والمعجزة تمتاز عن الكرامة بالتحدّي.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب التاسع والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الرمد وضعف البصر

الباب التاسع والعشرون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الرمد وضعف البصر روى الإمام أحمد برجال الصحيح والشيخان وابن ماجه وأبو داود والترمذي عن سعيد ابن زيد وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس وعن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الكمأة من المنّ» وفي لفظ: الذي انزل الله على بني إسرائيل وفي لفظ: «المن والسلوى وماؤها شفاء للعين» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خير أكحالكم الإثمد ينبت الشّعر ويجلو البصر» [ (2) ] . وروى الطبراني بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالإثمد، فأنه منبتة للشّعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر» [ (3) ] . وروى الترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشّعر» [ (4) ] . وروى البيهقي في الشعب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا» [ (5) ] . وروى الإمام أحمد عن معبد بن هوذة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اكتحلوا بالإثمد المروّح، فإنه يجلو البصر وينبت الشّعر» [ (6) ] . وروى البخاري في التاريخ عن النعمان الأنصاري قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الإثمد يجلو البصر وينبت الشّعر» [ (7) ] . وروى أبو نعيم في الحلية والطيالسي والبيهقي عن ابن عباس وابن النجار عن أبي هريرة وعبد بن حميد وابن ماجة وابن منيع وأبو يعلى والعقيلي في الضعفاء والضياء عن جابر وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر، وأبو نعيم في الحلية وابن السني والطبراني في الكبير عن عليّ،

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (4639) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 99 وقال: رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح. [ (3) ] انظر المجمع 5/ 99. [ (4) ] أخرجه الترمذي 5/ 447، وأبو داود (3878) . [ (5) ] أخرجه البيهقي في الشعب 3/ 367. [ (6) ] أخرجه أبو داود (2377) . [ (7) ] أخرجه البخاري في التاريخ 4/ 1/ 398.

والبغوي في مسند عثمان- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالإثمد عند النّوم» وفي لفظ: «بالكحل فإنّه يجلو البصر وينبت الشعر» وفي لفظ: «فإنه ينبت الشّعر ويشدّ العين» [ (1) ] . وروى أبو نعيم وابن السني عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالكمأة الرّطبة فإنها من المنّ وماؤها شفاء للعين» [ (2) ] . وروى البغوي والبيهقي والديلمي عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة الأنصاري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تكتحل بالنهار وأنت صائم بالإثمد اكتحل بالإثمد ليلا فإنه يجلو البصر وينبت الشعر» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني بسند جيد عن عمرو بن حريث قال: حدثني أبي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين» [ (4) ] . وروى أبو نعيم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الكمأة من المنّ والمن من الجنّة وماؤها شفاء للعين» [ (5) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا همّ إلا همّ الدّين ولا وجع إلّا وجع العين» [ (6) ] . وفيه عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده قال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن نكتحل بالإثمد المروح، وقال: ليتقه الصّائم» قال عبد العزيز: قيل لأبي النعمان: ما المروّح؟ قال: المسك [ (7) ] . وروى فيه أن عثمان بن عفان تحير عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المحرم يشتكي عينيه قال يصمدهما بالصبر، وفيه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تكرهوا الرّمد فإنه يقطع عرق العمى» . وفيه عن صهيب أنه قال: قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالهجرة وبين يديه تمر فقال:

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3496) ، والترمذي في الشمائل (50) . [ (2) ] انظر المنهج السوي ص 335. [ (3) ] انظر كنز العمال (23830) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 91 وقال: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال من المن، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط، وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (3453) . [ (6) ] ذكره الهيثمي في المجمع 2/ 313 وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه مرين بن سهل قال الأزدي كذاب. [ (7) ] أخرجه أبو داود 2/ 776 (2377) .

تنبيهان:

«ادن فكل» فأخذت آكل من التمر، فقال: «أتأكل تمرا وبك رمد» ؟ فقلت: يا رسول الله أمصه من الناحية الأخرى، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي لفظ: دخلت على النبي- صلى الله عليه وسلم- فوجدته يتغذى وبين يديه تمر وترثم من خبز والترثم هو الخبز المفتوت وأنا أشتكي عيني فوقعت في التمر آكله فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا صهيب أتأكل على عينيك وأنت رمد، فقلت: أنا آكل على شقي الصحيح، وأنا أمزح مع النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى نظرت إلى نواجذه [ (1) ] . وروى فيه عن أم سلمة قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها» [ (2) ] . تنبيهان: الأول: الرّمد ورم حارّ يصعد من المعدة إلى الدّماغ، فإن اندفع إلى الخياشيم أحدث الزّكام أو إلى العين أحدث الرّمد أو إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق بالخاء المعجمة والنون، أو إلى الصدر أحدث النّزلة، أو إلى القلب أحدث الخبطة وإن لم ينحدر طلب نفاذا، فلم يجد أحدث الصّداع. الكمأة: بفتح الكاف وسكون الميم وهمزة مفتوحة: نبات لا ورق له ولا ساق يوجد في الأرض من غير أن يزرع. وقوله: «من المن» قيل: إنه من المنّ المنزل على بني إسرائيل. قال الخطابي: ليس المراد أنها نوع من المنّ الذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان كالترنجبين الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي، وإنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة، لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة. قال ابن الجوزي: في المراد بكونها شفاء للعين قولان: أحدهما: أنه ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين، لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين: أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها حكاها أبو عبيد. ثانيهما: أنه يشق ويوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، ثم يؤخذ الميل فيجعل في

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 3/ 399. [ (2) ] انظر كنز العمال (18342) .

الباب الثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - من عرق الكلية

ذلك الشق، وهو فاتر فيكتحل بمائها، لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة وتبقي النافع منه، ولا يجعل الميل في مائها، وهي باردة يابسة فلا ينجح. وداء آخر تجعل الكمأة في قدر جديد ويصب عليها الماء، ليس معها ملح، ثم يؤخذ غطاء جديد بفم فيجعل على القدر فما جرى في الغطاء من بخار الكمأة فذلك الماء الذي يكتحل به. وروى ابن واقد: أن ماء الكمأة إذا انحصر ورئي منه الإثمد كان من أصلح الأشياء للعين إذا اكتحل به يقوي أجفانها ويزيد الروح الباصرة قوة وحدّة ويدفع عنها نزول النوازل. وروى أيضا: «إذا اكتحل بماء الكمأة وحده» وقيل: إذا كان لبرودة بماء العين من حرارة فماؤها مجرّد شفاء وإلا فبالتركيب، وقيل: هو شفاء مطلقا. الباب الثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- من عرق الكلية روى الحارث وأبو نعيم في الطب والطبراني في الكبير والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الخاصرة عرق الكلية إذا تحركت آذت صاحبها، فداووها بالماء المحرّق والعسل» [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الخاصرة عرق الكلية إذا تحركت آذت صاحبها، فداووها بالماء المحرّق والعسل» . وفيه عنها أن الخاصرة كانت تسهل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهرا قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: فكنا ندعوها عرق الكلية.

_ [ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 90 وقال: رواه الطبراني في الأوسط في حديث طويل هو في الزهد وفي إسناده من لم أعرفهم.

الباب الحادي والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - المفؤود

الباب الحادي والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- المفؤود روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: مرضت مرضا فأتاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، وقال لي: إنّك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهنّ ثمّ ليلدّك بهن» [ (1) ] . وروى ابن منده عن سعد قال: مرضت، فعادني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إني لأرجو أن يشفيك الله» ، ثم قال للحارث بن كلدة: «عالج سعد مما به» . وروى الطبراني في الكبير عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، فقال: أنت رجل مفؤود فات الحارث بن كلدة، فإنه رجل يتطبب فليأخذ خمس تمرات من عجوة المدينة فليجأهنّ بنواهن ثم ليلدّك بهن» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد والحارث بسند فيه ابن الهيعة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وعبد الرزاق عن رجل من بني زهرة وعبد الرزاق عن معمر بلاغا قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذّربة بطونهم» [ (3) ] . وروى أبو نعيم في الطب قال: مرض سعد بن أبي وقاص، وهو مع رسول الله فقال: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما أراني إلا ميّت فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إني لأرجو أن يشفيك الله حتى يضر بك قوم وينتفع بك آخرون، ثم قال للحارث بن كلدة الثقفي: عالج سعدا مما به، فقال: والله إني لأرجو أن يكون شفاؤه مما به في رحله، هل معكم من هذه التمرة العجوة شيء؟ قالوا: نعم، قال: فصنع له القرنفة خلط له التمر بالحلبة، ثم أوسعها سمنا ثم أحساها إياه فكأنما ينشط من عقال. [وفيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، قالت] [ (4) ] وكان يقول: «إنّه ليرتق فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السّقيم كما تسرو إحداكنّ الوسخ عن وجهها بالماء [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3875) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 91 وقال: رواه الطبراني وفيه يونس بن الحجاج الثقفي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. [ (3) ] انظر المجمع 5/ 91. [ (4) ] ما بين المعكوفين سقط في ب. [ (5) ] أخرجه الترمذي (2039) .

تنبيهات

وفيه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذّربة بطونهم» . وفيه عن أنس أنه قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رهط من عرينة فأتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: احتوينا المدينة وعظمت بطوننا وانتهشت أعضادنا فأمرهم أن يجيئوا براعي الإبل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى ضمرت بطونهم. وفيه عن صهيب قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بأبوال الإبل البرية وألبانها» [ (1) ] . وفيه عن الشيخين عن أبي سعيد أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أخي استطلق وفي لفظ: يشتكي بطنه فقال: «اسقه عسلا» ، فسقاه ثم أتاه فقال: يا رسول الله قد سقيته، فلم يزده إلا استطلاقا فقال: «اسقه عسلا» ، قال: أما في الثالثة أو في الرابعة قال: حسيته فسقاه فشفي ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صدق الله تعالى وكذب بطن أخيك» [ (2) ] . تنبيهات الأول: الحارث بن كلدة بفتح الكاف واللام ذكر في الصحابة، وقال ابن أبي حاتم: لا يصح إسلامه، قال الحافظ: وهذا الحديث يدل على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب قال الأذرعي: [ ... ] . الثاني: المفؤود بميم مفتوحة ففاء ساكنة فهمزة مضمومة فواو فدال مهملة: الذي أصيب بفؤاده، فهو يشتكيه كالمبطون، وهذا الحديث من الخطاب العام الذي أريد به الخاص، كأهل المدينة ومن جاورهم، والتمر لأهل المدينة كالحنطة لغيرهم، وفي التمر خاصية لغيرهم لأهل الداء سيما تمر المدينة ولا سيما تمر العجوة وفي كونها سبعا خاصية أخرى تدرك بالوحي وفي الصحيحين: «من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية لم يضرّه في ذلك اليوم سم ولا سحر» . الثالث: قال الخطابي وغيره: أهل الحجاز يطلقون الكذب موضع الخطأ وقال الإمام الرازي: لعله- صلى الله عليه وسلم- علم ذلك بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع كونه- صلى الله عليه وسلم- كان عالما أنه سيظهر نفعه بعد ذلك ولا التفات لاعتراض بعض الملحدة بأن العسل مسهل، فكيف يوصف لمن به الإسهال لأن ذلك لم يحط به علما، جهلا منه باتفاق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف العادة

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (28285) . [ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 168 (5716) .

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يحدث من [أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة، واتفقوا على أن علاجها بترك] [ (1) ] الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل استطلق بطنه من تخمة أصابته فوصفه له النبي- صلى الله عليه وسلم- لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء لما من العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع من استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط، ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار وإنما لم يفده من أول مرة، لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء، إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أوهى القوة، وأحدث ضررا آخر، فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله تعالى. تنبيه: في بيان غريب ما سبق: «فليجأهن» أي: «فليذوقهنّ» ، والوجيئة: تمر يبلّ بلبن أو سمن ثم يدقّ حتى يلتئم.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب الثاني والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - عرق النسا

الباب الثاني والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلّم- عرق النسا روى الإمام أحمد والحاكم برجال الصحيح والضياء والطبراني في الأواسط وأبو يعلى وابن ماجة وأبو نعيم في الطب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «كان يصف لعرق النّساء» وفي لفظ: «كأن يأخذ ألية كبش عربيّ» وفي لفظ: «أسود ليس بالعظيم ولا بالصغير» وفي لفظ: «ليست بأعظمها ولا أصغرها» وفي لفظ: «ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة» ، وفي لفظ: «دواء عرق النّساء ألية شاة أعرابيّة تذاب» ، وفي لفظ: «فيقطّعها صغارا ثم يذيبها فيجيد إذابتها ويجعلها» ، وفي لفظ: «يتجزأ ثلاثة أجزاء فتذاب وتشرب في كل يوم جزءا» وفي لفظ: «على الرّيق» وفي لفظ: «ثم يشرب على الرّيق كلّ يوم جزءا» زاد أبو نعيم: قال أنس: لقد فعلت لأكثر من مائة من به عرق النساء فبرأ. وفي رواية: «فقد نعته لأكثر من ثلاثمائة كلهم يبرؤون منه [ (1) ] . وروى الإمام أحمد عن رجل من الأنصار عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعت من عرق النّسا أن تؤخذ ألية كبش عربيّ ليست بصغيرة ولا عظيمة فتذاب ثمّ يجزّأ ثلاثة أجزاء فيشرب كلّ يوم على الرّيق جزءا [ (2) ] . وروى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من اشترى أو أهدي له كبش فليقسّمه على ثلاثة أجزاء، كلّ يوم جزءا على الرّيق، إن شاء أسلاه، وإن شاء أكله أكلا، يعني: ألية كبش يتداوى به من عرق النّسا» [ (3) ] . وروى الطبراني في الثلاثة بسند جيد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: نعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عرق النّسا ألية كبش تجزّأ ثلاثة أجزاء ثمّ يذاب فيشرب كلّ يوم جزءا على الرّيق [إن شاء أسلاه وإن شاء أكله أكلا، يعني: كبش يتداوى به من عرق النسا [ (4) ] . وروى الطبراني في الثلاثة بسند جيد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال:

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3463) ، والحاكم 4/ 206. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 91 وقال: رواه أحمد وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 91 وقال: رواه الطبراني وقال أسلاه يعني أذابه، ورجاله ثقات. [ (4) ] انظر المجمع 5/ 91، 92.

تنبيه:

نعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عرق النّسا ألية كبش تجزّأ ثلاثة أجزاء ثم يذاب فيشرب كلّ يوم جزءا على الرّيق] [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال أقبلت يهود إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن ما حرّم إسرائيل على نفسه قال: «كان يسكن البدو فاشتكى عرق النّسا، فلم يجد شيئا يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها» ، قالوا: صدقت [ (2) ] . تنبيه: النّسا: بفتح النون المهملة: المرض الحالّ بالعرق، والإضافة فيه من إضافة الشيء إلى محلّه، قيل: سمي به، لأن ألمه ينسي ما سواه، وهذا العرق ممتد من مفصل الورك، وينتهي إلى آخر القدم وراء [الكعب] [ (3) ] وهذا الدّواء خاصّ بالعرب وأهل الحجاز ومن جاورهم، وهو أنفعه لهم، لأنّ هذا المرض يحدث من يبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجها الإسهال والألية فيها الخاصّيتان الإنضاج والتليين، وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين، وفي تعيين الشّاة الأعرابيّة لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصيّة مرعاها، لأنها ترعى أعشاب البر الحارّة، كالشّيح والقيصوم ونحوهما، وهذه إذا تغذّى بها الحيوان، صار في لحمه من طبعها بعد أن يلطّفها تغذية بها، ويكسبها مزاجا ألطف منها، ولا سيما الألية.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب. [ (2) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 52. [ (3) ] في ب الورك.

الباب الثالث والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - البثرة

الباب الثالث والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- البثرة روى أبو نعيم في الطب عن بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل عليها قال: «أعندك ذريدة» قالت نعم، فدعا بها فوضعها على بثرة بين أصبعين من أصابع رجليه ثم قال: «اللهم مصغّر الكبير ومكبّر الصّغير اطفها عنّي قال: فطفيت» [ (1) ] . الباب الرابع والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلّم- الباسور روى الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الطب وابن السني عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بهذه الشّجرة المباركة زيت الزّيتون فتداووا به فإنه مصحّة للباسور» وفي لفظ: «عليكم بزيت الزّيتون فكلوه وادّهنوا به فإنّه ينفع من الباسور» [ (2) ] . وروى أبو يعلى في مسنده وابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بإنقاء الدّبر» وفي لفظ: «بغسل الدّبر فإنّه يذهب بالباسور» [ (3) ] انتهى. وروى الطبراني في الكبير عن عائشة وعبد الرزاق عن المسور بن رفاعة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «استنقوا» وفي لفظ: «استنجوا بالماء فإنّه مصحّة للبواسير» [ (4) ] . وروى أبو نعيم في الطّب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا مصفرّ اللّون قال: «ما هذا يا بن عباس» قلت: رويحة يعني الباسور فقال: «بحداثة سنك فأين أنت من اللصف يعني الكبر تأخذه فتدقّه فتسف منه» قال: ففعلت فبرأت. وفيه عن ابن السني عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: أهدى إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- طبق من تين فقال لأصحابه: كلوا فلو قلت إنّ فاكهة نزلت من الجنّة بلا عجم لقلت هي التّين وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إنّه يذهب بالبواسير وينفع من النّقرس» .

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 3/ 277. [ (2) ] انظر المجمع 5/ 103. [ (3) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية 1/ 19 (55) . [ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 103 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمار بن هارون وهو متروك.

الباب الخامس والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الورم

الباب الخامس والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الورم [روى أبو يعلى عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعوده بظهره ورم فقالوا: يا رسول الله بهذه مدّة قال: بطّوا عنه قال علي: فما برحت حتّى بطّت والنبي- صلى الله عليه وسلم- شاهد. وروي عن أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمر أن يبطّ بطن رجل، أجوى البطن، فقيل: يا رسول الله: هل ينفع الطّبّ؟ قال: الذي أنزل الداء أنزل الشّفاء فيما شاء] . الباب السادس والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الخنازير روى الطبراني في الكبير بسند جيد عن طارق بن شهاب أن رجلا رأى رجلا به الخنازير، فوصف له أبوال إبل الأراك، يعني التي تأكل الأراك، فاطبخه حتى ينعقد ثم اشربه وخذ ورق الأراك فدقّه وذره عليه ففعل فبرأ [ (1) ] . الباب السابع والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الدوخة روى أبو يعلى بسند ضعيف عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اختضبوا بالحنّاء فإنّه طيّب الرّيح يسكّن الدّوخة» [ (2) ] . فائدة: شكا بعض من حصل له ذلك للشيخ أبي محمد المرجاني، فرأى النبي- صلى الله عليه وسلم- في النّوم فأشار إلى هذا الدواء، قرنفل وزنجبيل وقرفا وجوزة طيب وسنبل من كل واحد درهم ونصف شونيز درهمين، يدق الجميع، ثم يطبخ ويعقد بعسل النحل، فإذا قرب استواؤه عصر عليه قليل ليمون، ويكون عسل النحل غالبا عليه، ففعل فبرأ، فهذه وإن كانت مما فات فقد عضدته التجربة.

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 103. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 163 وقال: رواه أبو يعلى من طريق الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك قال الذهبي: مجهولان.

الباب الثامن والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - العذرة

الباب الثامن والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- العذرة روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة وابن حبان عن أم قيس بن محصن- رضي الله تعالى عنهما- أنها أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بابن لها قد أعلقت عليه العذرة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «على ما تدغرن أولادكنّ بهذا العلاق عليكنّ بهذا العود الهنديّ، فإنه فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب وفي لفظ: ويسعط به من العذرة ويلدّ من ذات الجنب» وأخرجه عبد الرزاق إلى قوله منها ذات الجنب قال الزهري: فيسعط للعذرة ويلدّ من ذات الجنب، وظاهره أن هذا القدر مدرج [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن والإمام أحمد عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عائشة وعندها صبي يسيل منخراه دما فقال لها: ما هذا؟ فقالوا: به العذرة وفي لفظ: أو وجع في رأسه فقال: ويلكنّ لا تقتلن أولادكنّ أيّما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه، فلتأخذ قسطا هنديّا فلتحكّه بماء، ثم تسعطه إياه، فأمرت عائشة فصنع ذلك بالصبي فبرأ وفي لفظ: «على ما تفدين أولادكن، إنما يكفي إحداكن أن تأخذ قسطا هنديّا فتحكّه بماء سبع مرّات، ثم توجره إيّاه قال: ففعلوا فبرأ [ (2) ] ورواه الحاكم عن عائشة. وروى البزار بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن امرأة دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعها صبيّ يسيل منخراه دما فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «علام تدغرن أولادكنّ ألا أخذت قسطا بحريّا ثم أسعطتيه إياه فإن فيه شفاء من سبعة أدوية إحداهنّ ذات الجنب» [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد والنّسائي وابن سعد والبزار وابن السّنّي وأبو نعيم عن أنس والطيالسي والطبراني في الكبير، والإمام أحمد وأبو يعلى والحاكم والضياء عن سمرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير ما تداويتم به الحجامة» وفي رواية «القسط البحري ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وفي لفظ: «أفضل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحريّ ولا تعذّبوا صبيانكم بالغمز» [ (4) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 177 (5715، 5718) . [ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 315. [ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 92 وقال: رواه البزار وفيه المسعودي وهو ثقة وقد حصل له اختلاط، وبقية رجاله ثقات. [ (4) ] أخرجه أحمد 3/ 107، والحاكم 4/ 208.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق:

وروى الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن سابط وبريدة قال: اشتكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العذرة حتى صدّعته ورئي ذلك عليه فأتاه جبريل فقال: إنّ ربّك أرسلني إليك لأرقيك فحلّ النبي- صلى الله عليه وسلم- رأسه فقال: بسم الله أرقيك من كل سوء [ (1) ] يؤذيك، ومن شر كل عين، وكلّ حاسد أرقيك قال: فردّدها عليه ثلاث مرّات فبرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (2) ] . وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تعذّبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط» [ (3) ] . تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة: وجع في الحلق يهيج في الحلق يعتري الصبيان غالبا وقيل: هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق وفي الخرم الذي بين الأنف والحلق وهو الذي يسمى سقوط اللهاة، وقيل: هو اسم اللهاة والمراد وجعها يسمى باسمها، وقيل: موضع قريب من اللهاة، واللهاة بفتح اللام اللحمة التي في أقصى الحلق. تدغرن: بالغين المعجمة والدال المهملة والدّغر غمز الحلق. الغمز: بمعجمة وزاي رفع اللهاة بالأصابع. العود الهندي [ ... ] . «القسط» بقاف مضمومة وقد تبدل القاف بالكاف والطاء بالتاء من عقاقير البحر طيّب الرّائحة، وهو إن كان حارا، والعذرة إنما تعرض في زمن الحرّ بالصبيان وأمزجتهم حارّة لا سيما وقطر الحجاز حار، فإن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم وفي القسط تخفيف للرّطوبة، وقد يكون نفعه في هذا الدّاء بالخاصيّة، وأيضا فالأدوية الحارّة قد تنفع من الأمراض الحارّة بالعرض كثيرا، بل وبالذات أيضا، وأطبق الأطباء على أنه يدر الطّمث والبول ويدفع السّموم والمؤذيات والمهلكات، ويحرك شهوة الجماع ويقتل الديدان في الأمعاء، ويذهب الكلف إذا طلي به، ويسخن المعدة، وينفع من حمى الربع، ويشد اللهاة، ويرفعها إلى مكانها، وكانوا يعالجون أولادهم بغمز اللهاة وبالعلاق وهي شيء يعلقونه على الصبيان، فنهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وأرشدهم إلى ما هو أنفع للأطفال وأسهل عليهم. السّعوط- بضم السين، وضم العين المهملتين، ما يصيب من الأنف. واللّدود: ما يصب في أحد جانبي الفم، والوجور ما يصب في وسطه.

_ [ (1) ] في ب داء. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 115 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن أبان الجعفي وهو ضعيف. [ (3) ] أخرجه البخاري 10/ 159 (5696) .

الباب التاسع والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - العشق

الباب التاسع والثلاثون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- العشق روى الخطيب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من عشق فعفّ ثمّ مات مات شهيدا» . وروى أيضا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من عشق فكتم وعفّ فمات مات شهيدا» . الباب الأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- وجع الصدر روى النّسائي عن رجل من الصحابة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر» [ (1) ] . وروى ابن السني وأبو نعيم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كلوا السّفرجل فإنّه يجلي عن الفؤاد ويذهب بطخاء الصّدر» [ (2) ] . وروى ابن السني وأبو نعيم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «كلوا السّفرجل على الرّيق، فإنّه يذهب وغر الصّدر» [ (3) ] . وروى القالي في أماليه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أكل السّفرجل يذهب بطخاء القلب» [ (4) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن طلحة قال: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو في جماعة من أصحابه وفي يده سفرجلة يقلبها فلما جلست إليه رمى بها نحوي قال: دونكها أبا محمد، فإنها تشدّ القلب وتطيّب النّفس وتذهب بطخاوة الصّدر وفي لفظ: «فإنّها تجمّ الفؤاد» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه النسائي 4/ 208. [ (2) ] انظر كنز العمال (28258) . [ (3) ] انظر الكنز (28259) . [ (4) ] انظر الكنز (28260) . [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (3339) .

الباب الحادي والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - ذات الجنب

الباب الحادي والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- ذات الجنب روى البخاري عن أم قيس بنت محصن قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بهذا العود الهنديّ فإنّ فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب» . وروى الإمام أحمد والطّيالسي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقيّ والضياء والترمذي وأبو نعيم في الطب عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «تداووا من ذات الجنب بالقسط البحريّ والزّيت» [ (1) ] ولفظ أبي نعيم: بالعود الهندي والزيت والقسط وفي رواية: «أمرهم أن يتداووا من ذات الجنب بالقسط البحريّ والزّيت» وفي لفظ: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحريّ والزّيت. ورواه مسدد وأبو يعلى وصححه الترمذي بلفظ: كان ينعت الزّيت والورس من ذات الجنب [ (2) ] . ورواه أبو نعيم في الطب عن ميمون قال: قلت لزيد بن أرقم: بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ذات الجنب قال: ورس وقسط وزيت يلت به. وروى فيه عن أم قيس بنت محصن قالت: دخلت بابن لي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أعلقت عليه من العذرة فقال: «علام تعذبن أولادكنّ بهذا العلاق عليكنّ بهذا العود الهنديّ فإنّ فيه سبعة أشفية يسعط من العذرة ويلدّ به من ذات الجنب» . تنبيه: ذات الجنب: ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأعضاء، وقد يطلق على ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الصفاقات والعضل التي في الصدر والأضلاع فتحدث وجعا، فالأول هو ذات الجنب الحقيقي الذي تكلم عليه الأطباء، قالوا: ويحدث بسببه خمسة أمراض: الحمّى والسّعال والنخس وضيق النّفس والنبض المنشاري ويقال لذات الجنب: وجع الخاصرة، وهو من الأمراض المخوفة، لأنها تحدث بين القلب والكبد، وهي من سيّئي الأسقام، والمراد بذات الجنب هنا الثاني لأن القسط هو العود الهنديّ الذي يداوى به الرّيح الغليظة، نقل ابن القيّم عن المسبحي أنّ العود حار يابس قابض يحبس البطن، ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السّدد، ويذهب فضل الرّطوبة، مانع من ذات الجنب، جيّد للدّماغ قال: ويجوز أن ينفع من ذات الجنب الحقيقية أيضا، إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية ولا سيما في وقت انحطاط العلّة.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 369. [ (2) ] أخرجه الترمذي (2078) .

الباب الثاني والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الاستسقاء والمعدة ويبس الطبيعة

الباب الثاني والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الاستسقاء والمعدة ويبس الطبيعة روى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم رهط من عكل على النبي- صلى الله عليه وسلم- فاجتووا المدينة، فشكوا ذلك إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «لو خرجتم إلى أبل الصّدقة فشربتم من أبوالها وألبانها، فلما صحوا عمدوا إلى الرّعاة فقتلوهم» [ (1) ] الحديث. وإنما أمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشرب ذلك، لأن في لبن اللّقاح جلاء وتليينا وإمرارا وتلطيفا وتفتيحا للسدد، إذا كان أكثر رعيها الشيح والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر، وغير ذلك من الأدوية النافعة للاستسقاء، خصوصا إذا استعمله بحرارته التي تخرج بها من الضرع مع بول الفصيل وهو حار كما يخرج من الحيوان، فإن ذلك مما يزيد في ملوحة اللبن، وتقطيعه الفضول وإطلاقه البطن. وروى الطبراني في الكبير بسند ضعيف من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة. فإذا صحّت المعدة صدرت العروق بالصّحّة وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسّقم» [ (2) ] . وذكر ابن الحاج في المدخل أن بعض الناس مرض بمعدته، فرأى الشيخ الجليل أبو محمد المرجاني النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يشير بهذا الدواء، وهو أن يأخذ كل يوم على الرّيق وزن درهم من الورد المربى، ويكون ملتوتا بالمصطكي بعد دقها، ويجعل فيه سبع حبّات من الشّونيز يفعل ذلك في سبعة أيام، ففعله فبرئ. ومرض بعض الناس ببرد المعدة، فرأى الشيخ المرجاني أيضا النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يشير إلى هذا الدواء وهو أن يأخذ أوقية ونصفا عسل النحل ودرهمين الشونيز، ومثلها الأنسيون ونصف أوقية من النّعنع الأخضر، ومن القرنفل نصف درهم، ومن القرفة نصف درهم وشيئا من قشر اللّيمون مع قليل من الخلّ ويعقد ذلك على النار، فاستعمله فبرئ. وروى البخاري في تاريخه الكبير والترمذي وابن ماجة عن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بم كنت تستمشين؟» قالت: بالشّبرم قال: «حارّ حارّ» قالت: ثم

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 12/ 113 (6804) . [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 89 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي وهو ضعيف.

تنبيهات

استمشيت بالسّنا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لو أنّ شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السّنا» [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن عبد الله بن حرام قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «عليكم بالسّنى والسّنوت، فإنّ فيهما شفاء من كل داء إلّا السّام» قيل: يا رسول الله وما السّام؟ قال: «الموت» [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خير ما تداويتم به اللّدود والسّعوط والحجامة والمشيّ» [ (3) ] . تنبيهات الأول: الاستسقاء: مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو لها إما بالأعضاء الظّاهرة كلّها، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط. وأقسامه ثلاثة: الحمى، وهو أصعبها، وهو الذي يربو معه لحم جميع البدن بمادة بلغميّة تفسد مع الدم في الأعضاء. وزقي وهو الذي يجتمع معه في البطن الأسفل مادّة مائية رديئة، يسمع لها عند الحركة خضخضة كالماء في الزّقّ وهو أردى أنواعه. وطبلي وهو الذي ينتفخ معه البطن عادة إذا ضربت عليه سمعت له صوتا كصوت الطبل. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الشيح ... القيصوم ... البابونج ... الأقحوان ... الإدخر ... الشّونيز ...

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2081) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3457) . [ (3) ] أخرجه الترمذي (2047) .

«الشّبرم» بشين معجمة فموحدة فراء: قشر عرق شجرة، وهو حار يابس في الدرجة الرابعة، وهو من الأدوية التي منع الأطباء من استعمالها، لخطرها وفرط إسهالها. «السّنا» - بسين مهملة ونون- نبت حجازي أفضله المكي، وهو دواء شريف مأمون الغائلة قريب من الاعتدال، حار يابس في الدرجة الأولى، يسهل الصّفراء والسّوداء ويقوي جرم القلب، وهذه فضيلة شريفة ومن خاصيته النفع من الوسواس السّوداوي: قال الرازي: السّنا والشاهترج يسهلان الأخلاط المحترقة، وينفعان من الجرب والحكة قال: والشّربة من كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة دراهم. السّنوت: - بسين مهملة فنون فواو فمثناة فوقية- هو العسل، وقيل: ربّ عكة السن، يخرج خططا سوداء على السّمن. وقيل: حبّ يشبه الكمّون وليس به. وقيل: هو الكمّون الكرمانيّ. وقيل: إنه الرازيانج. وقيل: إنه الشّبت. وقيل: إنه العسل الذي يكون في زقاق السّمن. قال بعض الأطباء: وهذا أجدر بالمعنى، وأقرب إلى الصّواب أن يخلط السنا مدقوقا بالعسل المخالط للسمن، ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفردا، لما في العسل والسمن من إصلاح السنا وإعانته على الإسهال.

الباب الثالث والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الإسهال

الباب الثالث والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الإسهال روى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: «اسقه عسلا» فسقاه ثم جاء فقال: سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا فقال: «اسقه عسلا» فسقاه ثم جاء، فقال: إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، ثم قال في الرابعة فقال: «اسقه عسلا صدق الله وكذب بطن أخيك» فسقاه فبرأ [ (1) ] . تنبيه: قال الخطابي: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك أي: زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له، فمعنى كذب بطنه، أي: لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه. وقال الإمام الرّازي: لعله- صلى الله عليه وسلم- علم بنور الوحي أي ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع كونه- صلى الله عليه وسلم- كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك، كان جاريا مجرى الكذب، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ، وقد اعترض بعض الملاحدة، فقال: إن العسل مسهّل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟ وأجيب بأن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس 39] فقد اتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يحدث من أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة، واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه من تخمة أصابته، فوصف له- صلى الله عليه وسلم- العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللّزوجة أفسدتها، وأفسدت الغذاء الواصل إليها، فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحارّ، وإنما لم يفده في أول مرة، لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوة وأحدث ضررا آخر، فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشّربات بحسب مادة

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 10/ 146 (5684) .

الباب الرابع والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - القولنج

الداء برأ بإذن الله تعالى، وفي قوله- صلى الله عليه وسلم-: «وكذب بطن أخيك» إشارة إلى أن هذا الدواء نافع، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدّواء، ولكن لكثرة المادة الفاسدة، فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل، قال ابن الجوزي: في وصفه- صلى الله عليه وسلم- العسل لهذا المنسهل أربعة أقوال: أحدها: أنه حمل الآية على عمومها في الشّفاء، وإلى هذا أشار بقوله: صدق الله أي في قوله تعالى فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ فلما نبهه على هذه الحكمة، تلقاها بالقبول فشفي بإذن الله. الثاني: أن الوصف المذكور على المألوف من عادتهم من التداوي بالعسل في الأمراض كلها. الثالث: أن الموصوف له ذلك كانت به هيضة كما تقدم تقريره. الرابع: يحتمل أن يكون أمره بطبخ العسل قبل شربه، فإنه يعقد البلغم فلعله شربه أولا بغير طبخ، قال الحافظ: والثاني والرابع ضعيفان ويؤيد الأول حديث ابن مسعود: عليكم بالشّفاءين «العسل والقرآن» ، رواه ابن ماجة والحاكم مرفوعاً، وابن أبي شيبة والحاكم أيضا موقوفا ورجاله رجال الصحيح. الباب الرابع والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- القولنج روى أبو نعيم في الطب عن جبير بن مطعم قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد سعيد بن العاص، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكمّده بخرقة، زاد في رواية أخرى: فيها ملح وسعيد مشوي حصل ذلك لرجل، فرأى الشيخ أبو محمد المرجاني النبي- صلى الله عليه وسلم- فأشار بهذا الدّواء، وهو أن يأخذ ثلاثة دراهم من عسل النّحل ووزن درهم ونصف من الزيت المرقي، وإحدى وعشرين حبة من الشّونيز ويخلط الجميع ثم يفطر عليه، ويفعل مثله عند النوم، ويعمل له تلبينة وهي حساء يعمل من دقيق أو نخالة، وربما عمل فيها عسل، ويستعملها بعد أن يفطر على ذلك، ويكون غذاؤه مسلوقة الدّجاج، أو لحم الضّأن، ففعله فبرأ بعد أن أعيا الأطبّاء. تنبيه: الزيت المرقي، صفته أن يأخذ شيئا من الزيت الطيّب، ويجعله في إناء نظيف ويحركه، ويعود ويقرأ عليه سورة الإخلاص والمعوذتين وَلَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخر السورة.

الباب الخامس والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الدود في الجوف

الباب الخامس والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الدود في الجوف روى أبو بكر في الغيلانيات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «كلوا التّمر على الرّيق فإنّه يقتل الدّود» [ (1) ] . الباب السادس والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الباه. روى الطبراني في الأوسط والضياء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء» [ (2) ] . وروى أبو نعيم في الطب، عن شداد بن عبد الله قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالصّوم فإنّه محسمة للعروق ومذهبة للأشر» . وفيه عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنّ رجلا شكا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلّة الولد فأمره بأكل البيض قال: يا رسول الله، وأي بيض؟ قال: «كلّ بيض ولو بيض نملة» . وفيه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا شكا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلة النّسل فأمره بأكل البيض والبصل [ (3) ] . وفيه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني إذا أكلت اللّحم انتشرت. وفي لفظ للنسائي: «وأخذتني شهوة النّساء، فحرّمت عليّ اللّحم» فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة 87] . وفيه عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل يا رسول الله هل أوتيت من طعام الجنة شيئا؟ قال: «نعم، أتاني جبريل بهريسة فأكلتها، فزادت في قوتي قوة أربعين رجلا في النكاح» . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: شكا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى جبريل

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (28197) . [ (2) ] انظر كنز العمال (44409) . [ (3) ] انظر كنز العمال (23610) .

الباب السابع والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - السل

عليه الصلاة والسلام قلّة الجماع فقال: «يا رسول الله أين أنت من أكل الهريسة فإن فيها قوة أربعين رجلا» . وفيه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ» ، زاد ابن خزيمة: فإنه أنشط للعودة. وفيه عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند النبي- صلى الله عليه وسلم- جالسا إذ مسح بيده على رأسه ثم قال: «عليكم بسيّد الخضاب الحنّاء يطيب البشرة ويزيد في الجماع» [ (1) ] . وفيه عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اختضبوا بالحنّاء، فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم» [ (2) ] . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل جمعة، فإن له أجرين أجر غسله وأجر غسل امرأته» . وفيه عن الحسن- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-: «لا تجامع أهلك في النصف من الشّهر، فإنّه محضر الشّياطين» . الباب السابع والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- السل [روى ابن النجار في تاريخه عن مرثد بن عبد الله اليزني قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تمشمشوا مشاش الطّير، فإنّه يورث السّلّ] . الباب الثامن والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الجراح روى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أنه سئل بأيّ شيء دووي جراح النبي- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: كانت فاطمة تغسل الدّم، وعليّ يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة الدّم لا يزيد إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، حتى إذا صارت رمادا ألصقته بالجرح فاستمسك [ (3) ] .

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي 6/ 2443. [ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 163 وقال: رواه البزار وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو متروك. [ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1416 (1790) .

الباب التاسع والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الخراج والحكة ونحوهما

وروى أبو نعيم في الطب عن سلمى وكانت خادمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا اشتكى أحد منّا رجله فقال: «اذهب فاخضبها بالحنّاء» وفي لفظ: قال: كنت أخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- فما كانت تصيبه قرحة ولا نكبة ألّا أمرني أن أضع عليها الحنّاء. الباب التاسع والأربعون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الخراج والحكة ونحوهما روى ابن عساكر والخرائطي في مكارم الأخلاق عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قالت: خرج في عنقي خرّاج فتخوّفت منه، فسألت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: ضعي يدك عليه ثم قولي ثلاث مرات: «بسم الله، اللهمّ أذهب عنّي شرّ ما أجد بدعوة نبيك الطيب المبارك، المكين عندك بسم الله» [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رخّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير، من حكة كانت بجلدهما. تنبيهات الأول: قد تقدم أنه- عليه الصلاة والسلام- أرخص لبس الحرير للقمل، فيحتمل أن تكون العلتان بإحدى الرجلين، أو أنّ الحكّة حصلت من القمل فنسب العلة تارة إلى السّبب، وتارة إلى المسبّب. الثاني: قال النووي: هذا الحديث صريح في الدلالة بمذهب الشافعي ومرافقيه، أنه يجوز لبس الحرير للرجل إذا كانت به حكّة، لما فيه من البرودة، وكذا للقمل، وما في معنى ذلك، وقال مالك: لا يجوز وتعقب قوله لما فيه من البرودة فإن الحرير حار، والصواب أن الحكة فيه لخاصية فيه تدفع الحكّة. وقال ابن القيم: وإذا اتخذ منه ملبوس كان معتدل الحرارة في مزاجه مسخنا للبدن، وقال الرّازي: الإبريسم أسخن من الكتّان، وأبرد من القطن يربي اللّحم، وكل لباس حسن، فإنه يهزل ويصلب البشرة، فملابس الأوبار والأصواف تسخن وتدفئ، وملابس الكتان والحرير والقطن تدفي ولا تسخن، فثياب الكتان باردة يابسة، وثياب الصوف حارة يابسة، وثياب القطن معتدلة الحرارة، وثياب الحرير ألين من القطن وأقل حرارة منه، ولما كانت ثياب الحرير كذلك وليس فيها شيء من اليبس والخشونة الكائنين في غيرها صارت نافعة من الحكّة.

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (28376) .

الباب الخمسون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الكسر والوثى والخلع

الباب الخمسون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الكسر والوثى والخلع روى أبو داود وابن ماجة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- احتجم على وركه من وثء كان به [ (1) ] . وروى النسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به، ورواه ابن ماجة بلفظ: «من رهصة أصابته» [ (2) ] . تنبيه: الوثء: وهن دون الخلع والكسر. الباب الحادي والخمسون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الخدران الكلي [روى أبو عبيد في «غريب الحديث» عن أبي عثمان النهدي قال: إنّ قوما مرّوا بشجرة فأكلوا منها فكأنّما مرّت بهم ريح فأجمدتهم، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «قرسوا الماء في الشّنان وصبّوا عليهم فيما بين الأذانين] . الباب الثاني والخمسون في إرشاده- صلى الله عليه وسلم- إلى دفع مضرات السموم بأضدادها روى أبو نعيم في الطب عن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أكل ما بين لابتي المدينة سبع تمرات على الريق لم يضرّه ذلك اليوم سم» رواه بزيادة عجوة ولا سحر [ (3) ] . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم» . وفيه عن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أكل من ما بين لابتي المدينة سبع تمرات على الريق لم يضرّه ذلك اليوم السّم.

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3863) ، وابن ماجة (3485) . [ (2) ] أخرجه النسائي 5/ 193. [ (3) ] انظر المجمع 5/ 44.

الباب الثالث والخمسون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في السم

وفيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أكل سبع تمرات من عجوة المدينة في كل يوم لم يضرّه سمّ ذلك اليوم ومن أكلهنّ ليلا لم يضرّه سمّ ليلته» [ (1) ] . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم» وفي لفظ: «وهي شفاء من السّمّ» . وفيه عن جابر عن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم» . الباب الثالث والخمسون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في السم روى ابن ماجة عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في أحد جناح الذّباب سمّ والآخر شفاء، فإذا وقع في الطّعام فامقلوه فيه فإنّه يقدّم السّمّ ويؤخّر الشّفاء» [ (2) ] . وروى ابن النجار عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «في الذّباب أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في الإناء فارسبوه فيذهب شفاؤه بدائه» . وروى أبو داود وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقع الذّباب في إناء أحدكم فليغمسه [فإنّ في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنّه يتّقي بجناحه الذي فيه الدّاء فليغمسه] [ (3) ] كلّه ثمّ لينزعه» . وروى الإمام أحمد والنسائي والحاكم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقع الذّباب في إناء أحدكم فليمقله فيه فإنّ في أحد جناحيه سمّا، وفي الآخر شفاء وإنّه يقدّم السّمّ ويؤخر الشّفاء» . وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في أحد جناحي الذّباب سمّ والآخر شفاء فإذا وقع في الطّعام فامقلوه فيه، فإنّه يقدّم السّمّ ويؤخّر الشّفاء» .

_ [ (1) ] انظر المجمع 5/ 44. [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3504) . [ (3) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

تنبيه:

تنبيه: قد ذكروا في علاج السم أنه إما أن يكون بالاستفراغات، وإما أن يكون بالأدوية التي تعارض فعل السّمّ وتبطله إما بكيفياتها، وإما بخواصها، فمن عدم الدواء فليبادر إلى الاستفراغ الكلي، وأنفعه الحجامة ولا سيما إذا كان البلد حارّا، والزمان حارّا فإن القوة السّميّة تسري إلى الدّم فتنبعث في العروق والمجاري، حتى تصل إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته، فإن استفرغ استفراغا تاما لم يضرّه السم، بل إما أن يذهب وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة فتبطل فعله أو تضعفه وإنما احتجم النبي- صلى الله عليه وسلم- في الكاهل، لأنه أقرب إلى القلب، فخرجت المادة السّمّيّة مع الدّم لا خروجا كليا، بل بقي أثرها مع ضعفه، لما يريد الله تعالى من تكميل مراتب الفضل كلها له بالشهادة زاده الله فضلا وشرفا. الباب الرابع والخمسون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في لدغ الهوام روى الطبراني وأبو نعيم بسند حسن عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: لدغت النبي- صلى الله عليه وسلم- عقرب وهو يصلي، فلما فرغ قال: «لعنك الله لا تدعين نبيّا ولا غيره» ثم دعا بماء وملح فجعل يمرّ بها عليها ويقرأ المعوذتين، وقل يا أيها الكافرون. وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: ذكر عند النبي- صلى الله عليه وسلم- رقية من الحمّة فقال: اعرضوها عليّ، فعرضوها عليه، بسم الله قرنية شجنة ملحة بحر قفطا فقال: «هذه مواثيق أخذها سليمان بن داود على الهوامّ، لا أرى بها بأسا» قال: فلدغ رجل وهو مع علقمة، فرقاه بها، فكأنّما نشط من عقال. وروى الطبراني في الكبير بسند حسن عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: عرضنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رقية من الحمّة فأذن لنا فيها وقال: «إنّما هي مواثيق، والرّقية بسم الله شجنة قرنية ملحة قفطا» . وروى الطبراني في الكبير بسند لين فيه من تكلّم فيه عن سهل بن أبي حثمة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج وخرج معه عبد الرحمن بن سهل فلما كانا بالحرّة نهشت عبد الرحمن بن سهل حيّة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «ادعوا عمرو بن حثمة» ، فدعي فعرض رقيته على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا بأس بها ارقه» فوضع ابن حثمة يده عليه فقال: يا رسول الله قد يموت، أو قد مات فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ارقه» وإن كان قد مات فرقاه، فصحّ عبد الرحمن وانطلق.

الباب الخامس والخمسون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الزكام وأدواء الأنف

وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح خلا قيس بن الربيع بن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل من الأنصار فقال له عمرو بن حثمة وكان يرقي من الحيّة فقال: يا رسول الله إنّك نهيت عن الرقى، وأنا أرقي من الحيّة، فقال: «قصّها عليّ» فقصصتها عليه فقال: «لا بأس بهذه هذه المواثيق» ، قال: وجاءه رجل من الأنصار، وكان يرقي من العقرب فقال: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» . وروى ابن أبي شيبة في مسنده، عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه فانصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العقرب، ما تدع نبيّا ولا غيره» ثمّ دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللّدغة في الماء والملح ويقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حتى سكنت، وهذا طب مركب من الطبيعي والإلهيّ، فإن سورة الإخلاص قد جمعت الأقوال الثلاثة التي هي جامع التوحيد، وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا، وأما الماء والملح فهو الطب الطبيعي، فإنّ في الملح نفعا لكثير من السّموم، ولا سيما لدغة العقرب، وفيه من القوّة الجاذبة المحللة ما يجذب السّموم ويحللها، ولما كان في لسعتها قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج استعمل- صلى الله عليه وسلم- الماء والملح. الباب الخامس والخمسون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الزكام وأدواء الأنف روى ابن السّنيّ وأبو نعيم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالمرزنجوش فشموه فإنّه جيّد للخشام» . وروى أبو نعيم في الطّب عن سلمة بن الأكوع قال: عطس رجل عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «رحمك الله» فقال: ثم عطس مرّة أخرى، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «الرّجل مزكوم» [ (1) ] . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «شمت أخاك ثلاثا، فإن زاد فإنّما هي نزلة أو زكام» [ (2) ] . وفيه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: عطس رجل عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فشمّته رجل ثمّ عطس فشمّته ثم عطس فأراد أن يشمّته فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: دعه فإنّه مضنوك» .

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2292 (2993) . [ (2) ] أخرجه أبو داود (5034) .

الباب السادس والخمسون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الشوكة

وفيه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تكرهوا الزّكام- فإنّه يقطع عرق الجذام» [ (1) ] . الباب السادس والخمسون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الشوكة روى أبو نعيم في الطّب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كوى أسعد بن زرارة من الشّوكة، وهي حمرة تعلو الوجه. وفيه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد أبا أمامة أخذته الشّوكة بالمدينة قبل بدر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بئس الميّت ليهود، سيقولون ألا دفع عنه، ولا أملكه ولا لنفسي شيئا ولا يكون في أبي أمامة» فأمر به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكوي من الشّوكة طرف عنقه بالكي فلم يلبث أبو أمامة إلا يسيرا حتى مات» . الباب السابع والخمسون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- أمراض الفم روى عبد الجبار الخولاني في تاريخ داريا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالسّواك، فنعم الشّيء السّواك يذهب بالحفر يذهب البلغم، ويجلو البصر ويشدّ اللّثة ويذهب بالبحر، ويصلح المعدة ويزيد في درجات الجنّة، ويفرح الملائكة، ويرضي الرّبّ، ويسخط الشّيطان» . وروى أبو الشيخ وأبو نعيم في كتاب السّواك، وضعفه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في السّواك عشر خصال: يطيّب الفم ويشدّ اللّثة ويجلو البصر ويذهب البلغم ويذهب بالحفر وهو من السّنة ويفرّح الملائكة ويرضي الرّبّ ويزيد في الحسنات ويصحّ المعدة» رواه البيهقيّ بسند فيه الجليل بن مرّة، وهو ضعيف إلا أنه قال: ويوافق السّنّة، وهو من السّنّة، وبدل «يطيّب الفم ويرضي الرّبّ، مطهرة للفم مرضاة للرّبّ، وبدل يفرّح الملائكة، مفرحة للملائكة» . وروى الديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في السّواك عشر خصال: مطهرة للفم ومرضاة للرّبّ، ومسخطة للشّيطان ومحبّة للحفظة، ويشدّ

_ [ (1) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 2697.

الباب الثامن والخمسون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الأسنان

اللّثة، ويطيّب الفم ويقطع البلغم ويطفو المرّة، ويجلو البصر، ويوافق السّنّة» . وروى الحاكم في تاريخه عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «في السّواك عشر خصال، مطهرة للفم، ومرضاة للرّبّ ومسخطة للشّيطان، ومحبّة للحفظة، ويشدّ اللّثة» . وروى الطبراني في الأوسط عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «نعم السّواك الزّيتون من شجرة مباركة يطيّب الفم ويذهب بالحفر، وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي ويجلو البصر ويضعّف الحسنات سبعين ضعفا، ويذهب الحفر ويشهي الطّعام» [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الطّب عن أبي هند قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «نعم الطّعام الزّبيب يطيّب النّكهة، ويذهب بالبلغم» . وفيه عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالزّبيب فإنّه يكشف المرة ويذهب بالبلغم ويشدّ العصب، ويذهب بالعياء، ويحسّن الخلق ويطيّب النّفس ويذهب بالهمّ» . الباب الثامن والخمسون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأسنان روى أبو نعيم في الطّب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاث لا يعاد صاحبهنّ: الرّمد وصاحب الضّرس والدّمّل» [ (2) ] . وفيه عن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال: ندرت ثنيّتي يوم أحد فأمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ ثنيّة من ذهب [ (3) ] . وفيه عن أبي أيوب عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «حبّذا المتخلّلون» قالوا: يا رسول الله، وما المتخللون؟ قال: «المتخلل من الطّعام فإنّه ليس من شيء أشدّ على الملكين اللّذين على العبد أن يريا بين أسنان صاحبهما طعاما وهو قائم يصلي» . وروى الديلمي عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تخلّلوا على إثر الطّعام وتمضمضوا فإنه مصحّة للنّاب والنّواجذ» .

_ [ (1) ] انظر المجمع 2/ 100. [ (2) ] انظر كنز العمال (25158) . [ (3) ] انظر مجمع الزوائد 5/ 150.

الباب التاسع والخمسون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الدبيلة

الباب التاسع والخمسون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الدبيلة روى أبو نعيم في الطب عن عم عامر بن الطفيل أن عامر بن الطّفيل أهدى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرسا، وكتب إليه عامر أنه قد ظهرت به دبيلة، فابعث إليّ بدواء من عندك قال: فردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الفرس لأنه لم يكن أسلم، وأهدى إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عكّة من عسل وقال: «تداوى بهذا» . وفيه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أيضا قال: لما راح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كراع الغميم ركبانا ومشاة، فصف المشاة للنبي- صلى الله عليه وسلم- سماطا، وقالوا: نتعرض لدعوة النبي- صلى الله عليه وسلم- نرجو بركتها فلما مرّ نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله ثقل علينا المشي واشتدّ السّفر فقال: «اللهمّ أعظم أجرهم وذخرهم» ، ثم قال: «لو استمتعتم بالنّسل لخفّت أجسادكم وقطعتم الأرض» ، فنسل المسلمون وخفّت أجسادهم وقطعوا الأرض. الباب الستون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في غمز الظهر في السقطة والقدمين من الإعياء روى أبو نعيم في الطب عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وغليم أسود يغمز ظهره، فقلت: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «إن النّاقة اقتحمت بي البارحة» وفي لفظ: «وإنسان يغمز ظهره» فسأله عمر فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إن الناقة اتعبتني» وفيه عن أبي زيد قال: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ادن فامسح ظهري» ، فدنوت فمسحت ظهره، ووضعت خاتم النبوة بين أصبعي. وفيه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن قوما شكوا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- المشي فدعاهم [ ... ] . شكا بعض من حصل له ذلك للشيخ أبي محمد المرجاني، فرأى النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يشير بهذا الدواء وهو أن يأخذ عسل نحل شونيز ودهن ألية والزّيت المرقّى ورقيق البيضة ويخلط ذلك كله ويمده على الموضع، ويدر عليه دقيق العدس بقشرة من الشجر مع الحرمل بعد ما يدق دقا ناعما حتى يعود مثل الدقيق ففعله فبرئ.

الباب الحادي والستون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الإعياء من شدة المشي

الباب الحادي والستون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الإعياء من شدة المشي روى أبو نعيم عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالزّبيب فإنّه يكشف المرة، ويذهب بالبلغم ويشدّ العصب ويذهب بالعياء ويحسّن الخلق، ويطيّب النّفس، ويذهب بالهمّ» . وروى ابن السني وأبو نعيم في الطب والخطيب في التلخيص والدّيلمي وابن عساكر عن سعيد بن زياد بن فائد بن زياد بن أبي هند الدّاري عن أبيه عن جده عن أبيه زياد عن أبي هند أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «نعم الطّعام الزّبيب يشدّ العصب ويذهب الوصب، ويطفئ الغضب، ويطيّب النّكهة، ويذهب البلغم ويصفّي اللّون» [ (1) ] . الباب الثاني والستون في علاجه- صلّى الله عليه وسلم- الحائض والمستحاضة والنفساء ذكر ابن الحاج في المدخل أن بعض الناس أصابه سلس الرّيح، فرأى الشيخ أبو محمد المرجاني النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يشير بهذا الدّواء وهو أن يأخذ الشونيز ثلاثة دراهم، ومن الخزامى درهمين ونصفا ومن الكمّون الأبيض ثلاثة دراهم ومثله من السّعتر الشّامي ومثله من الفلية ووزن درهم من البلوط، وهو ثمرة الفؤاد، وأوقية من الزيت المرقى، ويجعل فيه من العسل النحل ما يعتد به وهو ربع رطل، ويأخذ منه غدوة النهار وزن درهمين على الريق، وعند النوم درهم ونصف فاستعمله فبرأ، ثم أنه- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك قال في النوم لذلك الشخص الذي أخبره بهذا الدواء أنه يدفع الأدواء، وهي الريح وسلس الريح والمعدة وبرودتها ووجع الفؤاد وألم الحيض وألم النّفاس. وروى الشيخان وابن السني وأبو نعيم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن امرأة سألت النبي- صلى الله عليه وسلم- عن طهرها من الحيض قال: «خذي فرصة من مسك فتطهري بها» قالت: كيف أتطهر بها فاجتذبتها إليّ؟ فقلت: تتبعي بها أثر الدم [ (2) ] . وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أطيب الطّيب المسك» [ (3) ] .

_ [ (1) ] انظر كشف الخفاء 2/ 169. [ (2) ] أخرجه مسلم 1/ 260 (332) . [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1766 (2252) .

الباب الثالث والستون في إطعامه - صلى الله عليه وسلم - المزورات للناقة وهو الذي برئ من مرضه ولم يصل لحالته الأولى

وروى ابن السني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما تستطيع إحداكنّ إذا طهرت من حيضتها أن تدهن بشيء من قسط، فإن لم تجد فشيء من ريحان وفي لفظ: من ريحان يعني: الآس، فإن لم تجد فشيء من نوى، فإن لم تجد فشيء من ملح. وروى الشيخان وابن السّنّي وأبو نعيم عن أمّ عطيّة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «المرأة تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرا ولا تطيب إلا عند أدنى طهرها نبذة من قسط وأظفار» . وفيه عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكرموا عمتكم النّخلة فإنّها خلقت من فضلة طينة آدم- عليه الصلاة والسلام- وليس من الشّجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران، فأطعموا نسائكم الولد الرّطب فإن لم يكن رطب فتمرة. وفيه عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أطعموا نسائكم الرّطب فإنّه لو علم الله خيرا منه لأطعمه مريم» قالوا: يا رسول الله ليس في كل حين يكون الرّطب قال: «فتمر» قالوا: يا رسول الله فأي التمر؟ قال: «كلّ التّمر طيّب وخير تمركم البرنيّ يشبع الجائع ويدفئ بها المقرور» . وفيه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما للنّفساء عندي شفاء مثل الرّطب ولا للمريض مثل العسل» . الباب الثالث والستون في إطعامه- صلى الله عليه وسلم- المزورات للناقة وهو الذي برئ من مرضه ولم يصل لحالته الأولى روى أبو نعيم في الطب عن أم المنذر قالت: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه علي- رضي الله تعالى عنه- وهو ناقه قالت: ولنا دوال معلّقة قالت: فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليأكل وقام عليّ يأكل فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «مهلا يا عليّ فإنّك ناقه» قالت: فجلس عليّ فأكل منها النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم جعلت لهم سلقا وشعيرا فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من هذا أصب يا علي» [ (1) ] . وفيه عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- قال: قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين يديه تمر وخبز فقال: «ادن فكل» ، فأخذت آكل من التّمر فقال: «أتأكل من التّمر وبك رمد؟»

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود (3856) .

تنبيه:

فقلت: يا رسول الله أمضغه من النّاحية الأخرى فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. تنبيه: «الناقة» - بنون فألف فقاف- الذي قام من ضعفه. الباب الرابع والستون في تغذيته- صلى الله عليه وسلم- المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية روى البخاري ومسلم من حديث عروة عن عائشة، أنها كانت إذا مات الميت من أهلها واجتمع لذلك النّساء ثم تفرّقن إلى أهلهن أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت وصنعت ثريدا ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «التلبينة مجمّة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن» . وروى ابن ماجه وأحمد والحاكم عن عائشة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالبغيض النّافع التلبين» قالت: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه يعني: يبرأ أو يموت. الباب الخامس والستون في بعض فوائد تتعلق بالأبواب السابقة قال الله تعالى وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء 30] . روى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: يا نبيّ الله إذا رأيتك قرّت عيني وطابت نفسي فأخبرنا عن كل شيء قال: «كلّ شيء خلق من الماء» قال الله تعالى وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء 30] فالماء يحفظ على اليدين رطوبته وهو أنفع الأشربة وأوفقها. وفيه عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خير الشّراب في الدنيا والآخرة الماء. وأنفع المياه أخفّه وزنا وأعذبه طعما» [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يستعذب له الماء العذب من السّقيا. وفيه عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: وذكر العقيق قال «ما ألين موطنه وأعذب ماءه» .

_ [ (1) ] انظر الكنز (28292) .

فائدة في الأدوية الإلهية

والماء البارد على الريق يبرد الكبد جيدا، وعلى الطعام يقوي المعدة وينهض الشّهوة. وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أوّل ما يقال للعبد يوم القيامة: ألم أصحّ جسمك وأروك من الماء البارد، وأجود المواضع لتبريد الماء المبرّدات والأشجار، والمواضع العالية الهوائية، لأنها أسعد إلى تبريد الماء» [ (1) ] . وروى أبو نعيم في الطّب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: فاتتني العشاء ذات ليلة فخرجت فذكر قصة أبي الهيثم بن التّيّهان وفيها جاء بقربة [ (2) ] [يزعبها، فوضعها ثم جاء يلتزم النبي- صلى الله عليه وسلم- ويفديه بأبيه وأمه، ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «أفلا تنقيت لنا من رطبه» ؟ فقال: يا رسول الله إني أردت أن تختاروا، أو قال: تخيروا من رطبه وبسره فأكلوا وشربوا من ذلك الماء فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة: ظل بارد، ورطب طيب وماء بارد» . وأنفع المياه ما روق وسكن حتى يرسب ما خالطه. وروى أبو نعيم في الطب عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد رجلا من الأنصار وإلى جانبه ماء في ركي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن كان الليلة عندكم ماء بات في شن، وإلا كرعنا في هذا» فأتي بماء وصب عليه فشرب. وأنفع المياه أخف المياه وألطفها إذا لم يطل. فائدة في الأدوية الإلهيّة أعلم أن الله تعالى لم ينزل دواء أعم ولا أنفع ولا أعظم في إزالة الداء من القرآن، فهو للدّاء شفاء قال الله تعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ [الإسراء 82] فالقرآن شفاء لكل داء، ولصدأ القلوب جلاء، وشفاء للأخلاق المذمومة لاشتماله على نقيضها من المفاسد والأخلاق الفاضلة والأعمال المحمودة، وإنما كان شفاء للأمراض الجثمانية، فلأن التبرك بقراءته ينفع كثيرا من الأمراض.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 4/ 138 والترمذي (2369) . [ (2) ] ثبت هذا الحديث في المخطوط هكذا « ... وفيها جاء بقربة. فأتى بها يحلبه فعلقها بكرنا، وفيه من كرائمها، ثم قال: إليها وقد شققتها الريح حتى بردت فصب منها في الإناء، ثم ناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: الحمد لله هذا من النعيم لتسألنّ عنه يوم القيامة.

روى ابن ماجة عن علي- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: «خير الدّواء القرآن ومن أنفع الأدوية الدّعاء وهو عدوّ البلاء» . وروى الإمام مالك ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو داود الطيالسي عن عثمان بن أبي العاص قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتكى أحدكم فليضع يده حيث يجد ألمه ثم ليقل: أعوذ بعزّة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبعا» وروى الترمذي، وقال حسن غريب والحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل: بسم الله أعوذ بعزّة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثمّ ارفع يدك ثمّ أعد ذلك وترا» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والخرائطي في مكارم الأخلاق عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا وجد أحدكم ألما فليضع يده حيث يجد ألمه، وليقل سبع مرّات: أعوذ بعزّة الله وقدرته من شر ما أجد» . وروى ابن السني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا عسر على المرأة ولادتها فخذ إناء نظيفا فاكتب عليه كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات 46] ولَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف 111] إلى آخر الآية ثم يغسل وتسقى المرأة منه وينضح على بطنها وفرجها [ (2) ] . وروى الرافعي عن ذكوان بن نوح قال: اشتكى رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجع الضّرس فقال: «اسكني أيّها الرّيح أسكنتك بالذي سكن له ما في السموات وما في الأرض وهو السميع العليم» [ (3) ] . وروى الترمذي وابن ماجه والطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعلّمهم من الحمّى والأوجاع كلّها أن يقولوا: «بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شرّ كلّ عرق نعاد ومن شرّ حرّ النّار» [ (4) ] . وروى ابن ماجه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خير الدّواء القرآن» [ (5) ] .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3588) . [ (2) ] انظر الكنز (28381) . [ (3) ] انظر الكنز (28380) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (3526) . [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (3501) .

تنبيه:

وروى الدّيلمي وأبو نعيم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «داووا مرضاكم بالصّدقة وحصّنوا أموالكم بالزّكاة فإنّها تدفع عنكم الأمراض والأعراض، وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم» ورواه أبو الشيخ عن أبي أمامة: «واستقبلوا أمواج البلاء بالدّعاء» . وروى أبو نعيم في الطب، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم دواء من سبعين داء أو تسعة وتسعين داء أيسرها الهمّ» [ (1) ] . وروى الدارمي في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان من مرسل عبد الملك بن عمير قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «فاتحة الكتاب شفاء من كل داء» [ (2) ] . وروى الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن جابر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أخبركم بخير سورة نزلت في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: «فاتحة الكتاب» وأحسبه قال: «فيها شفاء من كل داء» [ (3) ] . وروى الثّعلبي من طريق معاوية بن صالح عن أبي سليمان قال: مرّ أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض غزواتهم على رجل قد صرع فقرأ بعضهم [في أذنه] [ (4) ] بأم القرآن فبرأ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هي أم القرآن وهي شفاء من كلّ داء. وفي سنن سعيد بن منصور وفي شعب الإيمان للبيهقيّ من حديث أبي سعيد الخدريّ مرفوعا «فاتحة الكتاب شفاء من السم» ورواه أبو الشيخ ابن حيان في الثواب عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة. تنبيه: قال ابن القيم: [من ساعده التوفيق، وأعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة، وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كلّه، وله الحمد كله، وبيده الخير كلّه، وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما، ودفع

_ [ (1) ] انظر كنز العمال (1956) . [ (2) ] انظر الكنز (2500) . [ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 177. [ (4) ] سقط في ب.

مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة، والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرّقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه. وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى، وعقل آخر، وإيمان آخر، وتالله لا تجد مقالة فاسدة، ولا بدعة باطلة إلا وفاتحة الكتاب متضمّنة لردها وإبطالها بأقرب الطرق، وأصحّها وأوضحها، ولا تجد بابا من أبواب المعارف الإلهية، وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها إلا وفي فاتحة الكتاب مفتاحه، وموضع الدلالة عليه، ولا منزلاً من منازل السائرين إلى ربّ العالمين إلا وبدايته ونهايته فيها. ولعمر الله إن شأنها لأعظم من ذلك، وهي فوق ذلك. وما تحقق عبد بها، واعتصم بها، وعقل عمن تكلم بها، وأنزلها شفاء تاما، وعصمة بالغة، ونورا مبينا، وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغي ووقع في بدعة ولا شرك، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا لماما، غير مستقر. هذا، وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة، ولكن ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أن طلّاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحقّقوا بمعانيها، وركبوا لهذا المفتاح أسنانا، وأحسنوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق، ولا ممانع. ولم نقل هذا مجازفة ولا استعارة، بل حقيقة، ولكن لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين، كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم. والكنوز المحجوبة قد استخدم عليها أرواح خبيثة شيطانية تحول بين الإنس وبينها، ولا تقهرها إلا أرواح علوية شريفة غالبة لها لحالها الإيماني، معها منه أسلحة لا تقوم لها الشياطين، وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة، فلا يقاوم تلك الأرواح ولا يقهرها، ولا ينال من سلبها شيئا، فإن من قتل قتيلا فله سلبه] .

الباب السادس والستون في الكلام على بعض المفردات التي جاءت على لسانه - صلى الله عليه وسلم -

الباب السادس والستون في الكلام على بعض المفردات التي جاءت على لسانه- صلى الله عليه وسلم- روى الطيالسي بسند صحيح وابن أبي عمر وابن منيع وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن حبان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بألبان البقر، فإنّها تأكل من كلّ الشجر» ورواه الحاكم «وهو شفاء من كل داء» . وروى الحاكم عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أنزل الله داء إلّا وقد أنزل الله له شفاء وفي ألبان البقر شفاء من كل داء» [ (1) ] . وروى الطبراني في الكبير عن مليكة بنت عمرو أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألبان البقر شفاء وسمنها دواء ولحومها داء» [ (2) ] . وروى الطبراني في الكبير والخطيب عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تداووا بألبان البقر فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء فإنّها تأكل من كلّ الشّجر» [ (3) ] . وروى ابن السني وأبو نعيم عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بأبوال الإبل البّرّيّة وألبانها» . وروى ابن عساكر عن طارق بن شهاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بألبان الإبل والبقر، فإنّها ترم من الشّجر كلّه، وهو دواء من كل داء» . وروى ابن السني وأبو نعيم والحاكم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بألبان الإبل والبقر، فإنّها دواء سمنانها فإنها شفاء وإيّاكم ولحومها فإن لحومها داء» . وروى ابن السني وأبو نعيم عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بألبان البقر فإنّها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء» . وهو بارد يابس، يقطع الدم من الجراحة ذرورا ونصفه يقطع رائحة الثوم والبصل، وإذا نفخ رماده في أنف الراعف قطع دمه.

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 4/ 404. [ (2) ] انظر المجمع 5/ 90. [ (3) ] انظر المجمع 5/ 84.

البطيخ:

وروى البخاريّ ومسلم أنه لما كسرت رباعية النبي- صلى الله عليه وسلم- عمدت فاطمة إلى حصير فأحرقتها حتى إذا صارت رمادا ألصقته على جرحه فاستمسك الدّم. البطّيخ: روى الدّيلمي والرافعي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في البطّيخ عشر خصال، هو طعام وشراب وريحان وفاكهة وأشنان ويغسل البطن ويكثّر ماء الظّهر ويزيد في الجماع، ويقطع الأبردة وينقي البشرة» . البنفسج: قال- عليه الصلاة والسلام-: «فضل البنفسج على سائر الأدهان كفضلي على سائر الخلق» وهو بارد في الصيف حارّ في الشتاء رواه أبو نعيم في الطب. وروى الترمذي وأبو داود أنه- عليه الصلاة والسلام- كان يأكل البطّيخ بالرّطب ويقول: يدفع حرّ هذا برد هذا، وبرد هذا حرّ هذا. وروى ابن السّنّيّ وأبو نعيم عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بأبوال الإبل البرّيّة وألبانها» . تنبيه: «التلبينة» بمثناة فوقية فلام فموحدة فمثناة تحتية وفسرتها أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- بلت القمح بالسّمن وقال النّضر بن شميل ما اتّخذ من النّخالة، وقيل: دقيق يحسّ وقال قوم: فيه شحم. وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالبغيض النّافع» قالوا: وما هو؟ قالت التلبينة قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مرض المريض في بيته أتى بالبرمة فوضعت على النّار فلم ترفع عن النّار حتى يقضي على أحد طرفيه، إما أن يموت وإما أن يصح، وفي رواية له ولابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي وابن ماجه بلفظ: «عليكم بالبغيض النّافع» قالوا: وما هو؟ قال «التلبينة، والذي نفسي بيده إنها لتغسل أحدكم وجهه بالماء من الوسخ» وفي لفظ: «ليغسل، بطن أحدكم كما يغسل الوسخ عن وجهه» . وروى الحارث عن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «في التلبينة شفاء من كل داء» . وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «التلبينة مجمّة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن» . التمر: وروى ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالتمر فإن الله تعالى جعل فيه شفاء من كل داء» .

الحبة السوداء:

الحبّة السّوداء: وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والطبراني في الكبير أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحبّة السّوداء شفاء من كل داء إلّا السّام» . وروى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة والبخاري عن عائشة والطبراني في الكبير والضياء عن أسامة بن شريك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في الحبّة السّوداء شفاء من كل داء إلّا السّام» . وروى ابن ماجه عن ابن عمر والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان عن أبي هريرة- والإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالحبّة السّوداء فإنّ فيها شفاء من كل داء إلّا السّام والسّام الموت» . وروى ابن السني وأبو نعيم [عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «عليكم بأبوال الإبل البرّيّة وألبانها» . وروى] [ (1) ] الديلمي عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بسيّد الخضاب الحنّاء فإنّه يطيّب البشرة ويزيد في الجماع» . الراء الرمان: وروى أبو نعيم في الطّب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الرّمّان فقال: يا أنس ما من رمانة إلا وفيها حبّة من حبّات رمّان الجنّة فسأله الثانية فقال يا بن مالك ما لقحت رمّانّة إلا بقطرة من ماء الجنة فسأله الثالثة فقال: نعم يا بن مالك ما أكل رجل من رمّانة إلّا ارتدّ قلبه إليه وهرب الشّيطان منه أربعين ليلة، ولولا استحياؤه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لسأله الرابعة. الزاي الزبيب: وروى أبو نعيم عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالزّبيب فإنّه يكشف المرة ويذهب بالبلغم ويشدّ العصب ويذهب بالعياء ويحسّن الخلق ويطيّب النّفس ويذهب بالهمّ» . السين السنا: روى ابن ماجة والحاكم في الكنى وابن مندة والطبراني في الكبير والحاكم وابن السني وأبو نعيم في الطب والبيهقي وابن عساكر عن أبي أبي ابن أم حرام أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالسّنا والسّنوت فإنّ فيهما شفاء من كل داء إلّا السّام» قالوا: يا رسول الله وما السّام؟ قال: «الموت» .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

السفرجل:

السّنا [ (1) ] مقصور قال الفراء: ويمد أيضا، ويثنى سنوان وقال ابن زياد: هو من الأعلاف وورقته رقيقة وله سنة، إذا حرّكته الرّيح تخشخش السّنوت بسين مهملة فنون مضمومة فواو فمثناة فوقية، قال أبو نعيم في الطب: قال ابن أبي خيثمة: السنوت الشّبتّ وقال آخرون: هو العسل الذي يكون في زقاق السّمن وهو قول الشّاعر: هم السّمن بالسّنّوت لا ألس فيهم ... وهم يمنعون جارهم أن يقرّدا وقيل لعمر: وما معنى قوله «لا ألس فيهم» قال: «لا غش فيهم» . قلت: فما معنى أن يقردا قال: لا يذلل. وقيل: السنوت: الكمون. وقيل: الرازيانج. وقيل: التّمر. السّفرجل: روى أبو نعيم في الطب أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «كلوا السّفرجل فإنّه يذهب وغر الصّدر» . الشين الشّونيز: روى ابن أبي شيبة عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الشّونيز دواء من كل داء، إلا السام، قالوا: يا رسول الله، وما السّام؟ قال: الموت» [ (2) ] . وروى الطبراني برجال ثقات عن أسامة بن شريك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحبة السّوداء شفاء من كل داء إلّا السّام» [ (3) ] . وروى أبو يعلى عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «العجوة من فاكهة الجنّة والكمأة دواء العين، والشّونيز دواء من كل داء إلا الموت» . وروى الإمام أحمد عنه مرفوعا: «اعلموا أن الكمأة دواء العين، وأنّ العجوة من فاكهة الجنّة، وأنّ هذه الحبّة السّوداء التي تكون في الملح دواء من كل داء إلّا الموت» [ (4) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال

_ [ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3457) . [ (2) ] انظر الكنز (28253) . [ (3) ] انظر مجمع الزوائد 5/ 88. [ (4) ] انظر كنز العمال (28201) .

العين

رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحبّة السّوداء فيها شفاء من كل داء إلّا الموت» [ (1) ] . وروى ابن السني في الطب وعبد الغني في الإيضاح عن بريدة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الشّونيز دواء من كل داء إلا السّام وهو الموت» . وروى ابن ماجه عن ابن عمر والتّرمذي والطبراني في الكبير عن أبي هريرة والإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بهذه الحبّة السّوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السّام وهو الموت» [ (2) ] . «الشّبرم» بشين معجمة فموحدة فراء فميم: شجرة حارة محرقة. «شيح» بشين معجمة مكسورة، فمثناة تحتية ساكنة، فحاء مهملة. وروى أبو نعيم في الطب عن عبد الله بن جعفر القرشيّ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «بخّروا بيوتكم باللبان والشّيح» . ورق الشّيح طعمه مر ورائحته طيّبة ومنابته القيعان والرّياض يقال: شيح وشيحان للجمع» [ (3) ] . العين العسل: روى ابن ماجة وابن السني في الطب والحاكم وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه وأبو داود والخطيب عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالشّفاءين العسل والقرآن» [ (4) ] . وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من لعق العسل ثلاث غدوات كلّ شهر لم يصبه عظيم بلاء» [ (5) ] وفيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما طلب الدّواء بشيء أفضل من شربة عسل» . العجوة: وروى مسلم وأبو نعيم في الطب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة» . وروى أبو نعيم في الطب عنها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «في عجوة العالية وقال

_ [ (1) ] انظر الكنز (28251) . [ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3448) . [ (3) ] انظر الكنز (28317) . [ (4) ] أخرجه ابن ماجة (3452) . [ (5) ] انظر الكنز (28169) .

الهاء

مرة العالية أو إنّها ترياق أول البكرة على الريق» وفي لفظ: «في عجوة العالية شفاء أو ترياق أول البكرة على ريق النّفس شفاء من كل سحر أو سمّ [ (1) ] . وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالعود الهنديّ، فإنّ فيه سبعة أشفية يسعط به من العذرة ويلدّ به من ذات الجنب» . الهاء الهليلج: روى الحاكم وتعقّب والدّيلمي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالهليلج الأسود فاشربوه فإنّه من شجر الجنّة طعمه مر وهو شفاء من كل داء» [ (2) ] . في بيان غريب ما سبق: شونيز: بشين معجمة مضمومة فواو ساكنة فنون فمثناة تحتية فزاي، قال أبو نعيم في الطب: وهو شنيز فارسيّ الأصل. روى عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- الشونيز دواء من كل داء إلّا الموت. صعتر: بصاد فعين مهملتين فمثناة فوقية فراء. روى أبو نعيم في الطب عن أبان بن صالح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «بخّروا بيوتكم بالشّيح والمرّ والصّعتر» [ (3) ] وفيه عن [أنس] [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحائط من حيطاننا، وفيه شجرة نابتة فقالت: «خذني يا رسول الله، فو الذي بعثك بالحق ما أنزل الله من داء إلّا وفي له شفاء» يعني الصّعتر. صبر: بصاد مهملة فموحدة فراء. وروى أبو نعيم في الطب عن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان يخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المحرم يشتكي عينيه قال: يضمدهما بالصبر. صمع: بصاد فعين مهملتين بينهما ميم. روى أبو نعيم في الطب عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يلبد بالصمغ والعسل.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم (2048) . [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 404. [ (3) ] انظر كنز العمال (28316) . [ (4) ] في ب ابن عباس.

حنظل:

حنظل: بحاء مهملة فنون فظاء معجمة مشالة فلام. روى أبو نعيم في الطب عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحان ريحها طيّب وطعمها مرّ ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها خبيث وريحها خبيث» . حناء: بحاء مهملة فنون فألف. روى أبو نعيم في الطب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سيد الرّياحين في الدنيا والآخرة الحنّاء» . أرز: بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فزاي: قال أبو نعيم في الطب: واحد أرزة الراء ساكنة والإناث من الأرز الصنوبر ومنه يتخذ القطران. وروي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مثل المؤمن مثل الخامة من الزّرع لا تزال الرّيح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتزّ حتّى تستحصد» . ثفاء بثاء مثلثة، ففاء فألف فهمز: هو الحرف تسمية العامة حبّ الرّشاد. وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالثفاء فإن الله تعالى جعل فيه شفاء من كل داء» . قسط بقاف فسين فطاء مهملتين ويقال له: كست: بكاف فسين مهملة فمثناة فوقية. روى أبو نعيم في الطب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحريّ» . مرّ: بميم فراء. وروى أبو نعيم في الطب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بخّروا بالشيح والمرّ والصّعتر» . أهليلج: بهمزة فهاء فلامين بينهما مثناة تحتية فجيم. وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الأهليلج من شجر الجنّة» . كمأة: بكاف فميم فهمزة فهاء. وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم» .

قرع:

قرع: بقاف فراء فعين مهملة. كتم: بكاف فتاء فميم. وروى أبو نعيم في الطب عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحنّاء والكتم» [ (1) ] . مرنجوش: بميم فراء فنون فجيم فواو فشين معجمة. الهندبا: بهاء فنون فدال مهملة فموحدة فألف. روى أبو نعيم في الطب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما من ورقة من ورق الهندباء إلا عليها قطرة من ماء الجنة» [ (2) ] . الزيت: بزاي فمثناة تحتية فأخرى فوقية. روى أبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «كلوا الزّيت وادّهنوا به فإنّه شفاء من سبعين داء منها الجذام» [ (3) ] . العدس: بعين فدال فسين مهملة. وروى أبو نعيم في الطب عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالعدس فإنّه قدّس على لسان سبعين نبيّا» [ (4) ] . العسل: بعين فسين مهملتين فلام. إثمد: روى أبو داود الطيالسي والبيهقي عن ابن عباس وابن النجار عن أبي هريرة وعبد بن حميد وابن ماجة وابن منيع وأبو يعلى والعقيلي والضياء عن جابر وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالإثمد» وفي لفظ: «عند النّوم فإنّه يجلو البصر وينبت الشّعر» . وروى الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن السني عن علي قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالإثمد فإنّه منبتة للشّعر مذهبة للقذاء مصفاة للبصر» [ (5) ] . وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «البلح بالتّمر

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (1753) وأبو داود (4205) . [ (2) ] انظر الكنز (35332) . [ (3) ] انظر الكنز (28299) . [ (4) ] انظر كنز العمال (35333) . [ (5) ] انظر الكنز (17205) .

الكحل:

كلوا الخلق بالجديد فإن الشّيطان إذا رآه غضب» وقال: «عاش ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد» . الكحل: بالكاف. روى البغوي في مسند عثمان عن عثمان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالكحل فإنّه ينبت الشّعر» . اللّبن الحليب يخصب البدن، وينفع من الربو والسعال ويزيد في الباءة ولبن الإبل أكثرها فضولا وأدسمها، وإذا شئت اللبن بما كان أقل ضررا لمن يعتريه الصداع. وألبان الإبل تشفي من فساد المزاج وتغير المياه والسدر. وألبان الأتن نافعة من فساد الرئة، وقد ذكر أبو نعيم في الطب أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رخص فيه واللّبن الحليب مع التّمر يخصب البدن جدا، وكان عليه الصلاة والسلام يسميهما الأطيبان، والزبد نافع للقوباء ولخشونة الصّدر والسّمن أقوى الأدهان وأغذاها يلين الصلابات، والجبن يقوي المعدة فإذا أكل بعد الطّعام أذهب الرخامة، والبشم. اللحم. روي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ للقلب فرحة عند أكل اللّحم» رواه البيهقي في الشّعب وأبو نعيم في الطب وعنه- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم» وعنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «سيّد طعام الدّنيا والآخرة اللّحم ثم الأرز» وكان أحبّ اللّحم إليه الكتف والذّراع ولحم الظهر كما روى جميع ذلك كله أبو نعيم في الطب. الدباء. روى الديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكثر من أكل الدّباء فقلت: يا رسول الله- إنّك لتحبّ الدّبّاء قال: «الدّبّاء يكثّر الدّماغ ويزيد في العقل» [ (1) ] . الهندباء. وروى أبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالهندباء فإنّه ما من يوم إلّا وهو يقطر عليه قطر من قطر الجنّة» [ (2) ] .

_ [ (1) ] انظر الكنز (28278) . [ (2) ] انظر الكنز (28284) .

العجوة.

العجوة. روى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «في عجوة العالية أوّل البكرة شفاء من كل سحر أو سمّ» . غبار المدينة. روى أبو سعيد السّمّان في مشيخته والرّافعي عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس ابن شماس عن أبيه عن جده والدّيلمي عن إسماعيل عن جده ثابت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «غبار المدينة شفاء من الجذام» . النبق. القرع. روى الطبراني في الكبير عن واثلة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالقرع فإنّه يزيد في الدّماغ، وعليكم بالعدس فإنّه قدّس على لسان سبعين نبيّا» .

جماع أبواب مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووفاته

جماع أبواب مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووفاته الباب الأول في كثرة أمراضه- صلّى الله عليه وسلم- روى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان عرق الكلية وهي الخاصرة تأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهرا ما يستطيع أن يخرج للنّاس، ولقد رأيته يكرب حتّى آخذ بيده فأتفل فيها بالقرآن ثمّ أكبّها على وجهه ألتمس بذلك بركة القرآن وبركة يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقول يا رسول الله إنّك مجاب الدّعوة فادع الله يفرّج عنك ما أنت فيه فيقول: «يا عائشة أنا أشدّ النّاس بلاء» [ (1) ] . وروى ابن السني، وأبو نعيم عنها: «أنّ الخاصرة كانت تنهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكنّا ندعوها عرق الكلية» . وروى أبو يعلى- بسند ضعيف عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ذات الجنب» [ (2) ] . قال الحافظ بهاء الدين محمد بن أبي بكر البوصيري في «إتحاف المهرة» إنه حديث منكر فقد ثبت في الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «ذلك ما كان الله يعذّبني به» . وروى الحاكم وصححه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانت تأخذه الخاصرة فيشتدّ به جدّا فاشتدّت به حتّى أغمي عليه وفزع النّاس إله فظننّا أنّ به ذات الجنب فلددناه ثمّ سرّي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأفاق فعرف أنّه قد لدّ فقال: «ظننتم إن الله قد سلّطها على ما كان ليفعل إنّها من الشّيطان وما كان الله ليسلّطه عليّ» [ (3) ] . وروى البخاري وابن سعد والحاكم وابن جرير عن عائشة وابن سعد عن أم سلمة وابن سعد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قالوا: «كانت تأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخاصرة فاشتدّت به فأغمي عليه حتّى ظننّا أنه قد مات فلددناه فجعل يشير إلينا أن لا تلدّوني فقلنا: كراهية المريض للدّواء فلما أفاق. قال: «ألم أنهكم أن تلدّوني» . - وفي لفظ- «أما إنّكم لددتموني وأنا صائم» ثم قال: «أكنتم ترون أنّ الله يسلّط عليّ

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 8/ 207 (4769) . وانظر المجمع 2/ 294. [ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 405. [ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 118.

ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها عليّ سلطانا إنّ ذات الجنب من الشّيطان والله لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ وأنا أنظر، إلا العباس فإنّه لم يشهدكم فما بقي أحد في البيت إلا لدّ ولددنا ميمونة وهي صائمة» [ (1) ] . وروى ابن إسحاق- بسند فيه متهم وهو علي- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت «تمادى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة فاجتمع إليه أهله فقال العباس: إنا لنرى برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات الجنب لألدنّه فلدّوه وأفاق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «من فعل هذا؟» قالوا: عمّك العباس تخوّف أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنّها من الشّيطان وما كان الله ليسلّطه عليّ لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلّا عمّي العباس» فلدّ أهل البيت كلّهم حتى ميمونة وإنّها لصائمة يومئذ وذلك بعين رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قلت: ولا منافاة بين حديث أبي يعلى وهذين الحديثين: لأن في ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين. أحدهما: ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن. والآخر: ريح محتقن بين الأضلاع، فالأول هو المنفي هنا، والثاني هو الذي أثبت في حديث أبي يعلى وليس فيه محذور كالأول. «اللّدود» بفتح اللام وبدالين مهملتين أن تجعل الدواء في أحد جانبي الفم، وكان الذي لدّوه به العود الهندي، والزيت والورس.

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 754 (4458، 5712) .

الباب الثاني في نعي الله تعالى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - نفسه الشريفة

الباب الثاني في نعى الله تعالى إلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- نفسه الشريفة قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر 30] . وقال عز وجل: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ؟ [الأنبياء 34] وقال تعالى تقدس اسمه كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ [الأنبياء 35] . وقال سبحانه وتعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران 144] . وقال تبارك وتعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [النصر 1- 3] . وروى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: نزلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً [النصر 1- 3] حتى ختمها فعرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه الوداع فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم. وروى الإمام أحمد والبلاذري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر 1] قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «نعيت إليّ نفسي وقرب أجلي» . وروى النسائي وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ نعيت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفسه حتى أنزلت فأخذني أشد ما يكون اجتهادا في أمر الآخرة. وروى الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن الفضيل بن عياض قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر 1] إلى آخر السورة قال محمد- صلى الله عليه وسلم-: «يا جبريل نعيت إليّ نفسي» قال جبريل: «الآخرة خير لك من الأولى» .

وروى ابن سعد عن الحسن البصري- رحمه الله تعالى- قال: لما نزلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخرها قال قرّب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أجله وأمر بكثرة التّسبيح والاستغفار. وروى عبد الرزاق والشيخان وابن سعد عن عائشة وابن جرير وابن مردويه عن أم سلمة وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منذ نزلت عليه السورة كان لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: وفي لفظ لعائشة: كان يكثر في آخر عمره من قول: «سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك اللهم اغفر لي إنّك أنت التوّاب الرّحيم» ويقول ذلك في ركوعه وسجوده يتأول القرآن يعني إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر 1] قالت عائشة: فقلت له: يا رسول الله إنك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليك ما لم تكن تفعله قبل اليوم، فقال: «إنّ ربي كان أخبرني بعلامة في أمّتي فقال إذا رأيتها فسبّح بحمد ربك واستغفره فقد رأيتها» إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر 1] إلى آخر السورة. وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لم يبعث نبيا إلا عمّر في أمّته شطر ما عمّر النّبيّ الماضي قبله، وإنّ عيسى ابن مريم كان عمره أربعين سنة في بني إسرائيل، وهذه لي عشرون سنة وأنا ميّت في هذه السنة فبكت فاطمة فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «وأنت أول أهل بيتي لحوقا بي» فتبسّمت. وروى الطبراني والحاكم والطحاوي والبيهقي بسند صحيح عن فاطمة الزهراء- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنه لم يكن نبي إلا عاش من بعده نصف عمر الذي كان قبله وإنّ عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين. يا بنيّة إنّه ليس منّا من نساء المسلمين امرأة أعظم ذريّة منك فلا تكوني من أدنى امرأة صبرا، إنك أول أهل بيتي لحوقا بيّ وإنّك سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران» . وروى إسحاق بن راهويه وابن سعد عن يحيى بن جعدة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا فاطمة أنه لم يبعث نبيّ إلا عمّر نصف الذي كان قبله [وإنّ عيسى ابن مريم بعث رسولا لأربعين وإنّي بعثت لعشرين] [ (1) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

تنبيه:

وروى البخاري في «تاريخه» عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش الذي كان قبله» . وروى ابن سعد عن يزيد بن زياد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في السّنة التي قبض فيها لعائشة- رضي الله تعالى عنها-: «أن جبريل كان يعرض عليّ القرآن في كل سنة مرّة فقد عرض عليّ العام مرّتين وأنه لم يكن نبيّ إلا عاش نصف عمر أخيه الذي كان قبله عاش عيسى ابن مريم مائة وخمسا وعشرين سنة وهذه اثنتان وستون سنة، ومات في نصف السنة» . وروى أبو يعلى من طريق الحسين بن علي بن الأسود وباقي رجاله ثقات عن يحيى بن جعدة قال: قالت فاطمة- رضوان الله تعالى عليها-: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن عيسى ابن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة» . تنبيه: قال البيهقي كذا في هذه الرواية. وقد روى عن ابن المسيب أن عيسى حين رفع كان ابن ثلاث وثلاثين سنة. وعن وهب بن منبه: اثنان وثلاثون سنة، فإن صحّ قول ابن المسيب وابن وهب فالمراد من الحديث والله تعالى أعلم: ما بقي في الأرض بعد نزوله من السماء والله تعالى أعلم. قلت: لم يصح ما نقله عن سعيد ووهب وقد بسطت الكلام على ذلك في باب [ ... ] فراجعه. وقال الحافظ ابن حجر بعد إيراده في «المطالب العالية» : حديث يحيى بن جعدة معناه عمره في النبوة.

الباب الثالث في عرضه - صلى الله عليه وسلم - القرآن على جبريل - عليه الصلاة والسلام - في العام الذي مات فيه مرتين ونعيه - صلى الله عليه وسلم - نفسه لأصحابه

الباب الثالث في عرضه- صلّى الله عليه وسلّم- القرآن على جبريل- عليه الصلاة والسلام- في العام الذي مات فيه مرتين ونعيه- صلى الله عليه وسلم- نفسه لأصحابه روى الإمام أحمد وابن سعد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعرض القرآن على جبريل في كلّ رمضان فلما كان في العام الذي مات فيه عرضه عليه مرّتين» . وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيّام، فلما كان العام الذي توفي فيه عكف عشرين يوما وكان جبريل يقرأ عليه القرآن مرة كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عرضه عليه مرتين. وروى الشيخان عن فاطمة الزهراء- رضي الله تعالى عنها- أنها أسرّ إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن جبريل كان يعارضني القرآن كل عام مرة وإنّه عارضني به العام مرتين ولا أرى أجلي إلّا قد قرب فاتّقي الله واصبري فإنّي نعم السلف أنا لك» . وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرمي الجمار فوقف وقال: «لتأخذوا عنّي مناسككم فلعلّي لا أحجّ بعد عامي هذا» . وروى ابن مردويه عن معاوية بن أبي سفيان والإمام أحمد وابن سعد وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنهما- قالا: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أتزعمون أنّي من آخركم وفاة قلنا: أجل، قال: فإنّي من أوّلكم وفاة وتتبعوني أفنادا يهلك بعضكم بعضا» . وروى ابن سعد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إني أوشك أن أدعى فأجيب وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» [ (1) ] . وروى ابن سعد عن عكرمة مرسلا قال: قال العباس: لأعلمن ما بقاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فينا فقال له: يا رسول الله لو اتخذت عرشا فإن النّاس قد آخوك، فقال: «والله لا أزال بين ظهرانيهم ينازعوني ردائي ويصيبني غبارهم حتّى يكون الله يريحني منهم» ! قال العباس: فعرفنا أنّ بقاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فينا قليل.

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 2/ 150، وأحمد 3/ 17.

الباب الرابع فيما جاء أنه خير بين أن يبقى حتى يرى ما يفتح على أمته وبين التعجيل واستغفاره - صلى الله عليه وسلم - لأهل البقيع

وروى البزار عن العباس- رضي الله تعالى عنه- قال رأيت في المنام كأن الأرض تنزع إلى السماء بأشطان شداد، فقصصت ذلك على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ذاك وفاة ابن أخيك» . أفناد قال في القاموس أي: تتبعوني ذوي فند: أي ذوي عجز وكفر للنّعمة والأشطان: بشين جمع شطن بشين معجمة فطاء مهملة فنون: الحبل. الباب الرابع فيما جاء أنه خيّر بين أن يبقى حتى يرى ما يفتح على أمته وبين التعجيل واستغفاره- صلى الله عليه وسلّم- لأهل البقيع روى ابن إسحاق والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي مويهبة والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي رافع موليا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهما- واللفظ لأبي مويهبة- قال: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصلى على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرّات، فلما كان في الثانية هبنى من جوف اللّيل فقال: «يا أبا مويهبة إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فأسرج لي دابّتي» قال: فركب ومشيت حتّى انتهى إليهم فنزل عن دابته، وأمسكت الدّابة، فلما وقف بين أظهرهم قال: «السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً، يتبع آخرهم أوّلها، الآخرة شر من الأولى» ، ثم أقبل على وقال: «يا أبا مويهبة إنّي قد أتيت مفاتيح خزائن الدّنيا والخلد فيها، ثم الجنة. فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربّي والجنة» قال: قلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: «لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة» ، ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وجعه الّذي قبضه الله عز وجل فيه حين أصبح. وروى ابن سعد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج، فأمرت خادمتي بريرة، فتبعته حتى إذا جاء البقيع وقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئا حتى أصبح، ثم ذكرت له ذلك فقال «إني بعثت لأهل البقيع لأصلّي عليهم» [ (1) ] . وروى أيضا عنها قالت: فقدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الليل فتبعته فإذا هو بالبقيع فقال:

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 2/ 156.

تنبيه:

«السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط أتانا الله وأتاكم ما توعدون، وأنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم» قالت: ثم التفت إلى فقال: «ويحها لو تستطيع ما فعلت» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن عبدا خيره الله تعالى بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله» ، فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه فكان المخير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان أبو بكر هو أعلمنا به فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تبك يا أبا بكر إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوّة الإسلام، لا يبقى باب في المسجد إلا سدّ إلا باب أبي بكر» . وروى عبد الرزاق بسند جيد قوي عن طاووس مرسلا قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن، وخيّرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل» . وروي عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع على المنبر فقال: «إنّي بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد! وإنّ موعدكم الحوض وإنّي لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدّنيا أن تنافسوا فيها» . قال عقبة: وكانت أخر نظرة نظرتها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. تنبيه: «هبّ من نومه» هب بضم الهاء وأهببته أي استيقظته وأنبهته من نومه وأنتبه بمعناه. القطع: بكسر القاف وسكون الطاء ظلمة آخر الليل.

_ [ (1) ] ابن سعد 2/ 157.

الباب الخامس في ابتداء مرضه - صلى الله عليه وسلم - وسؤال أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أن يمرضه في بيته

الباب الخامس في ابتداء مرضه- صلّى الله عليه وسلم- وسؤال أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- أن يمرّضه في بيته قال ابن إسحاق: لما قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع أقام بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفر. وضرب على الناس بعث أميره أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- وقد تقدم ذكر ذلك في جمّاع أبواب بعوثه فبينا الناس على ذلك إذ ابتدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشكواه الذي قبضه الله تعالى فيه إلى ما أراده به من رحمة وكرامة في ليال بقين من صفر، أو في أول ربيع الأول صبيحة ليلة خروجه البقيع ليلا مع أبي مويهبة، فلما أصبح ابتدأ بمرضه من يومه ذلك. وروى ابن سعد عن محمد بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- والبيهقيّ عن محمد بن قيس قالا: أوّل ما بدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شكواه يوم الأربعاء فكان شكوه إلى أن قبض- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر يوما. ومشى على ذلك أبو عمرو وغيره. وقال سليمان التيمي: يوم السبت ومشى عليه الخطابي وقال الإمام الليث بن سعد: يوم الاثنين في صفر سنة إحدى عشرة ليلة إحدى وعشرين رواه يعقوب بن سفيان قال أبو عمر: لليلتين بقيتا منه. وروى محمد بن قيس لإحدى عشرة ليلة بقيت منه. وقال عمر بن علي: لليلة بقيت منه قال أبو الفرج بن الجوزي: ابتدأ به صداع في بيت عائشة، ثم اشتد أمره في بيت ميمونة وقيل: في بيت زينب بنت جحش. وقيل: في بيت ريحانة. قال الحافظ: وكونه في بيت ميمونة هو المعتمد، لأنه الذي رواه الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-. وروى البلاذري عنها أنه- صلى الله عليه وسلم- أقام في بيت ميمونة سبعة أيام. وروى ابن إسحاق والإمام أحمد عنها قالت: رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم من البقيع فدخل عليّ وهو يصدع وأنا اشتكي رأسي فقلت: وا رأساه فقال: «والله بل أنا والله وا رأساه» . وفي رواية قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مر ببابي يلقي إليّ الكلمة ينفع الله بها فمرّ

ذات يوم فلم يقل شيئا مرتين، أو ثلاثا فقلت: يا جارية دعي لي وسادة على الباب: فجلست عليها على طريقه وعصبت رأسي فمرّ بي وقال: «ما شأنك» ؟ فقلت: أشتكي رأسي! فقال: «بل أنا وا رأساه» ! ثم مضى فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء فدخل عليّ وقال: «وما عليك لو مت قبلي، فوليت أمرك وصليت عليك ودفنتك» فقلت: والله إني لأحسب أن لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار فأعرست بها فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم تمادى به وجعه وهو يدور على نسائه ثم استعزّ به وهو في بيت ميمونة» . وروى البخاري نحوه. وروى أبو يعلى والإمام أحمد- برجال ثقات- عنها قالت: ما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بابي قطّ إلّا قد قال كلمة تقرّ بها عيني قالت: فمر يوما فلم يكلمني ومرّ من الغد فلم يكلمني قالت: ومر من الغد فلم يكلمني، قلت: قد وجد على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شيء: قالت فعصبت رأسي وصفّرت وجهي، وألقيت وسادة قبالة باب الدّار فاجتنحت عليها، قالت: فمرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنظر إليّ فقال: «ما لك يا عائشة» ؟ قالت: قلت يا رسول الله اشتكيت وصدّعت قال: «تقولين: وا رأساه، بل أنا وا رأساه» قالت فما لبث إلا قليلا حتى أتيت به يحمل في كساء قالت: فمرّضته ولم أمرّض مريضا قطّ ... الحديث. وروى ابن سعد عن عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى- مرسلاً قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقيل له: اذهب فصل على أهل البقيع، فذهب فصلى عليهم فقال: اللهم اغفر لأهل البقيع، ثم رجع فرقد فأتي فقيل له: اذهب فصل على الشهداء فذهب إلى أحد فصلى على قتلى أحد فرجع معصوب الرأس فكان بدء الوجع الذي مات فيه- صلى الله عليه وسلم-. وروى أبو طاهر المخلص عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء أبو بكر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ائذن لي فأمرّضك فأكون الذي أقوم عليك فقال: «يا أبا بكر إني إن لم أجد أزواجي وبناتي علاجي ازدادت مصيبتي عليهم عظما، وقد وقع أجرك على الله.

الباب السادس فيما جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدور على بيوت أزواجه في مرضه

الباب السادس فيما جاء أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يدور على بيوت أزواجه في مرضه روى ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يحمل في ثوب يطوف على نسائه وهو مريض يقسم بينهن [ (1) ] . وروى البلاذري عن ابن إسحاق قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دير به [ (2) ] على نسائه يحمل في ثوب يأخذ بأطرافه الأربعة أبو مويهبة، وشقران، وثوبان، وأبو رافع مواليه وذلك أن زينب بنت جحش كلّمته في ذلك فقال: أنا أطوف وأدور عليكنّ وأقام ببيت ميمونة سبعة أيّام يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس يقول لهن: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشقّ عليه أن يدور عليكنّ فحللنه. وروى ابن سعد بإسناد صحيح عن الزهري أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين بذلك فقالت لهن: إنّه يشقّ عليه الاختلاف. وروى ابن إسحاق- بسند فيه متهم وهو علي- كما في الصحيح والبخاري وابن سعد والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- الحديث المتقدم في الباب الأول، وفيه: ثم استأذن نساءه أن يمرّض في بيتي فقال: إني أشتكي ولا أستطيع أن أدور بيوتكنّ فإن شئتنّ أذنتن لي كنت في بيت عائشة، فأذن له فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[يهادي] [ (3) ] إلى بيتي وهو بين العبّاس وبين رجل آخر تخطّ قدماه الأرض إلى بيت عائشة، وفي رواية عنها عند مسلم: فخرج بين الفضل بن عباس ورجل آخر، وفي أخرى: بين رجلين أحدهما عليّ، وعند الدارقطني أسامة والفضل وعند ابن حبّان «بريرة ونوبة» بضم النون وسكون ونوبة الواو ثم موحدة، قيل: هو اسم أمة، وقيل: عبد، وعند ابن سعد من وجه آخر والفضل وثوبان. وجمعوا بين هذه الروايات على تقدير ثبوتها بأن خروجه تعدد فتعدد من اتكأ عليه. وروى البخاري وابن سعد عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسأل في مرضه الذي مات فيه. أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، وكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت: فمات في يومي الذي كان يدور على فيه، وفي رواية أن

_ [ (1) ] ابن سعد 2/ 178. [ (2) ] سقط في ب. [ (3) ] سقط في ب.

الباب السابع في اشتداد الوجع عليه - زاده الله فضلا وشرفا -

دخوله- عليه الصلاة والسلام- بيتها كان في يوم الاثنين، وموته يوم الاثنين الذي يليه [ (1) ] . وروى الإسماعيلي قالت: «لما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مرضه جعل يدور على نسائه ويقول أين أنا حرصا على بيت عائشة قالت: فلما كان يومي سلت» . وروى البخاري والإسماعيلي والبرقاني عنها قالت كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه: أين أنا اليوم؟ أين أنا؟ استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري، ودفن في بيتي» . وروى البزار عنها قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مر بحجرتي ألقى كلمة إليّ ينفعني فمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فلم يكلمني، فقلت: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعصبت رأسي ونمت على فراشي فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما لك يا عائشة» قلت: أشتكي رأسي، فقال: بل أنا وا رأساه، وذاك حين أخبره جبرئيل- صلى الله عليه وسلم- أنّه مقبوض، فلبث أياما يحمل في كساء بين أربعة فيدخل علي فقال: «يا عائشة استبقي إلى النسوة» فلما جئن قال: «إني لا أستطيع أن أختلف بينكن فائذنّ لي أن أكون في بيت عائشة» ، قلن: نعم يا رسول الله فكان في بيت عائشة. الباب السابع في اشتداد الوجع عليه- زاده الله فضلا وشرفا- روى ابن حبان وابن سعد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشتكي ويتقلّب على فراشه فقلت له: لو فعل هذا بغضنا قال: «إنّ الأنبياء يشدّد عليهم» . وروى الإمام أحمد والشيخان وابن سعد عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال: «أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذاك بأنّ لك أجرين؟ قال: «نعم، والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطّ الله عنه من خطاياه كما تحطّ الشجرة ورقها» -. وروى ابن سعد والشيخان والبلاذري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا أشدّ عليه الوجع من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

_ [ (1) ] ابن سعد 2/ 180.

وروى الإمام أحمد وابن سعد والبخاري في «الأدب» وابن أبي الدنيا وابن ماجه وأبو يعلى والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- فإذا عليه صالب من الحمى ما تكاد تقرّ يد أحدنا عليه من شدّة الحمّى. وفي رواية «دخلنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه قطيفة فوضعت يدي عليه فوق القطيفة فوجدت حرارتها فوق القطيفة فجعلنا نسبّح فقال: «ليس أحد أشدّ بلاء من الأنبياء، كما يشدّد علينا البلاء يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليسلّط عليه القمّل حتّى يقتله وإن كان النبي من الأنبياء ليعرّى ما يجد شيئا يواري عورته إلا العباءة يدرعها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء» [ (1) ] . وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد بإسناد صحيح والنسائي والحاكم وابن الجوزي عن أبي عبيدة عن عمته فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت: أتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نساء نعوده فإذا سقاء معلّق نحوه يقطّر ماؤه عليه من شدّة ما يجد من حرّ الحمى فقلنا: يا رسول الله لو دعوت الله يكشف عنك فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» . وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلّب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إنّ الصالحين يشدّد عليهم وإنّه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلّا حطّت بها عنه خطيئة ورفع بها درجة» . وروى ابن سعد عنها قالت: مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرضا اشتد منه ضجره أو وجعه فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقلت: يا رسول الله إنك لتجزع أو تضجر، لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن المؤمنين يشدّد عليهم، لأنّه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله تعالى له بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة» . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن أسامة بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ثقل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه هبط وهبط الناس معه إلى المدينة، فدخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد أصمت فلم يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها عليّ، أعرف أنه يدعو لي. وروى النسائي والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أغمي على

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 94، وأبو يعلى (1045) .

الباب الثامن في أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يصب عليه الماء لتقوى نفسه فيعهد إلى الناس

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في حجرتي، فجعلت أمسح له وجهه وأدعو له بالشفاء، فقال: «بل أسأل الله الرفيق الأعلى لأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل» . وروى الإمام أحمد في «الزهد» وابن سعد عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فوضعت يدي فوق ثوبه، فوجدت حرّها من فوق الثوب، فقلت: يا رسول الله ما وجدت أحدا تأخذه الحمّى أشدّ من أخذها إيّاك قال: «كذلك يضاعف لنا الأجر إن أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الصّالحون» . وروى ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه ركوة، أو عليه فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت» - وفي لفظ: «لا إله إلا الله إن للموت سكرات» ثم نصب يده فجعل يقول: «في الرّفيق الأعلى» . وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن الجوزي عنها قالت: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح بها وجهه- وفي لفظ- ثم يمسح وجهه بالماء، ثم قال: «اللهم أعني على سكرات الموت» . وروى البلاذري عنها قالت: لا أغبط أحدا يخفف عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. ورواه البخاري بلفظ: لا أكره شدّة الموت لأحد أبدا بعد النبي- صلى الله عليه وسلم-. صالب الحمّى- قال في الصحاح: الصّالب: الحارّة من الحمى، خلاف الناقص تقول: صلبت عليه حمّة تصلب بالكسر أي دامت واشتدّت، فهو مصلوب عليه هذا أي: طورا ونارا. الباب الثامن في أمره- صلى الله عليه وسلم- أن يصب عليه الماء لتقوى نفسه فيعهد إلى الناس روى الشيخان وابن سعد والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واشتدّ وجعه قال: «اهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهنّ، لعلّي أعهد إلى الناس» قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة ثم طفقنا نصبّ عليه من تلك القرب حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتم، ثمّ خرج إلى الناس فصلّى بهم وخطبهم. وروى ابن إسحاق عنها قالت: قال النبي- صلى الله عليه وسلم- في مرضه: «صبوا عليّ من سبع قرب

من آبار شتى حتّى أخرج إلى النّاس فأعهد إليهم» قالت: فأقعدناه في مخضب لحفصة فصببنا عليه الماء صبّا أو شننا عليه الماء شنّا فوجد راحة فخرج عاصبا رأسه وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واستغفر للشهداء من أصحاب أحد ودعا لهم ثم قال: «أما بعد فإنّ الأنصار عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم، إلا في حدّ ألا إن عبدا من عباد الله قد خيّره الله بين الدّنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله» ففهمها أبو بكر وعرف أنّ نفسه يريد، فبكى وقال: بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «على رسلك يا أبا بكر سدّوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي يدا في الصحابة من أبي بكر» وفي رواية: «لو كنت متخذا من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده» . وروى البخاريّ والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه، فصعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: «أنه ليس من الناس أحد آمنّ عليّ بنفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متخذا من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلّة الإسلام أفضل سدّوا عنّي كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر» . وروي عن عروة بن الزبير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد وهو في وجعه، فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة: أمّر غلاما حدثا على جلّة المهاجرين والأنصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها النّاس انفذوا بعث أسامة فلعمري لئن قلتم في إمارته فقد قلتم في إمارة أبيه من قبله وإنّه لخليق بالإمارة وإن كان أبوه لخليق الإمارة ثم نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وانكمش الناس في جهازهم واستقر برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه، فخرج وخرج جيشه معه حتى تدلوا الجرف من المدينة على فرسخ، فضرب به عسكره وتتامّ إليه الناس، وثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقام أسامة والناس ينتظرون ما الله قاض في رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاصبا رأسه بخرقة فلما استوى على المنبر تحدق الناس بالمنبر واستنكفوا حوله فقال: والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة ثم تشهد، فلما قضى تشهّده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد ثم قال: إن عبدا من عباد الله خيّر بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله، فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه، وقال: بأبي أنت وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا

في بيان غريب ما سبق:

برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: على رسلك» [ (1) ] . في بيان غريب ما سبق: الوكاء ... أحدق من الحدقة وهي العين والتحديق: شدة النّظر. استنكف حوله بمعنى: أحاط عليه. أهرق يقال: هراق الماء يهريقه- بفتح الهاء، هراقة أي صبّه. الباب التاسع فيما روي أنه- صلى الله عليه وسلم- طلب من أصحابه القود من نفسه روى ابن سعد وأبو يعلى والطبراني وابن جرير والبيهقي وأبو نعيم وابن الجوزي عن الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «شدّوا رأسي، لعلّي أخرج إلى المسجد» ، فشددت رأسه بعصابة ثم خرج إلى المسجد يهادي بين رجلين، حتى قدم على المنبر ثم قال: نادوا في الناس فصحت في الناس فاجتمعوا إليه فقال: أمّا بعد أيّها النّاس فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم وإنما أبا بشر فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ولا يقولن أحد: إني أخشى الشّحناء من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ألا وإن الشّحناء ليست من طبعي ولا من شأني، ألا وإن أخيركم إليّ من أخذ مني شيئا كان له، أو حلّلني فلقيت الله عز وجل وأنا طيّب النّفس، وإني أرى أن هذا غير مغن حتى أقوم فيكم مرارا ثم نزل، فصلى الظهر، ثم جلس على المنبر، فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها فقام رجل فقال: إذا والله يا رسول الله إن لي عندك ثلاثة دراهم فقال: أما أنا فلا أكذّب قائلا ولا أستحلفه على يمين، فيم كانت لك عندي؟ فقال يا رسول الله أتذكر يوم مرّ بك المسكين، فأمرتني، فأعطيته ثلاثة دراهم، فقال: يا فضل أعطه ثم قال: أيها الناس من كان عليه شيء فليؤدّه ولا يقولنّ رجل فضوح الدنيا ألا وإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ثم عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقالته الأولى ثم قال: «أيها الناس من كان عنده من الغلول شيء فليردّه» ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله قال: «ولم غللتها؟» قال: كنت محتاجا إليها، قال: «خذها منه يا فضل» ، فقال: ألا

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد 2/ 176، وذكره ابن حجر في المطالب العالية 4/ 32 (3884) .

تنبيهات

من أحس- وفي لفظ- خشي من نفسه شيئا فليأت. ادع الله له، فقام رجل فقال: يا رسول الله إني لكذوب وإني لفاحش فقال: «اللهم ارزقه الصدق واذهب عنه الكذب إذا أراد» ، ثم قام رجل فقال: يا رسول الله إني منافق وإني لبخيل وإني لجبان [وإني لنؤوم وإني لكذوب فقام عمر بن الخطاب فقال: فضحت نفسك أيّها الرجل] [ (1) ] فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- يا بن الخطاب: فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة فقال اللهم ارزقه إيمانا وصدقا واذهب عنه النوم وشحّ نفسه وشجّع جبنه. قال الفضل: فلقد رأيته في الغزو وما معنا رجل [أسخى] منه نفسا ولا أشدّ بأسا، ولا أقلّ نوما فقال عمر: كلمة فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: عمر معي وأنا مع عمر، والحق مع عمر حيث كان وقامت امرأة وأومأت بإصبعها إلى نسائها فقال: انطلقي إلى بيت عائشة حتى آتيك ثم أتاها، فوضع قضيبا على رأسها ثم دعا لها، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- فإني كنت لا أعرف دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها إذ كانت تقول: يا عائشة أحسني صلاتك. تنبيهات الأوّل: حديث ابن عباس في قصة عكّاشة وطلبه القصاص من النبي- صلى الله عليه وسلم- وطلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القضيب المسوق مع الحسن والحسين من السيدة فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فهو حديث باطل رواه الطبراني من حديث عبد المنعم بن إدريس، وهو كذاب أشر، وقد صرح بوضعه الرازي في كتاب العلل له وابن الجوزي والذهبي في كتاب «العلوّ الإلهي المقدس» والشيخ وغيرهم فليحذر. الثاني: في بيان غريب ما سبق: يهادي: أي كان يمشي بينهما يعتمد عليهما من ضعفه وتمايله. خفوق: - «بخاء معجمة مضمومة وفاء آخره قاف يقال: خفقت الشّمس إذا تدلّت للغروب. الشّحناء: - العداوة. فضوح: «بفاء فضاد معجمة مضمومة فواو فحاء، كشف المساوىء.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب العاشر في مدة مرضه - صلى الله عليه وسلم - واستخلافه أبا بكر في الصلاة بالناس

الباب العاشر في مدة مرضه- صلّى الله عليه وسلم- واستخلافه أبا بكر في الصلاة بالناس قال الحافظ: اختلف في مدة مرضه، فالأكثر على أنّه ثلاثة عشر يوما. وقيل: بزيادة يوم وقيل: بنقصه. وقيل: تسعة أيام رواه البلاذري عن علي- رضي الله تعالى عنه- وقيل: عشرة، وفيه جزم سليمان التيمي، وكان يخرج إلى الصلاة إلا أنّه انقطع ثلاثة أيّام. قال في العيون: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصلى بالناس فصلى بهم فيما روينا سبع عشرة صلاة، ورواه البلاذري عن أبي بكر ابن أبي سبرة- وفي لفظ- وقال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن سعد عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال: لما استعز برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا عنده في نفر من المسلمين قال: دعا بلال للصلاة فقال مروا من يصلي بالناس قال: فخرجت فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا فقال قم يا عمر فصلّ بالناس، قال: فقام فلما كبر عمر سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صوته وكان عمر رجلا مجهرا قال: فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا، لا، لا يصلي بالناس إلا ابن أبي قحافة يقول ذلك مغضبا فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون، قال: فبعث إلى أبي بكر بعد ما صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس قال وقال عبد الله بن زمعة قال عمر لي: ويحك ماذا صنعت بي يا بن زمعة، والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحقّ من حضر بالصّلاة. وروى الشيخان وابن سعد والبلاذري والبيهقي وابن إسحاق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرضه الذي مات فيه فثقل، فحضرت الصلاة فأذّن بلال فقال: «أصلّى النّاس؟» قلت: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! [فقال: ضعوا لي ماء في المخضب قالت: ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: «أصلّى النّاس؟» فقلت: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله] [ (1) ] فقال: «ضعوا إليّ ماء في المخضب» قالت: فقلنا فاغتسل فقال: «أصلّى الناس؟» فقلنا: لا، هم ينتظرونك! قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لصلاة العشاء الآخرة. فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس فقلت: أن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يسمع النّاس من البكاء.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

وفي لفظ: لم يستطع أن يصلّي بالناس فعاودته مثل مقالتي فقال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» فقلت لحفصة: قولي له: أن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصلّ بالناس ففعلت حفصة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنّكنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» ، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: لقد عاودت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وما حملني على معاودته إلا أن يتشائم النّاس بأبي بكر. - وفي لفظ- والله ما أقول ذلك إلا أني كنت أحب أن يصرف الله ذلك عن أبي بكر، وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا، وأن الناس يتشاءمون به في كل حدث كان، فكنت أحبّ أن يصرف ذلك عن أبي بكر. - وفي لفظ- علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشائم الناس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر إلى غيره فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، وكان أبو بكر رجلا رقيقا، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه من البكاء فقال: يا عمر صلّ بالنّاس قال: أنت أحقّ بذلك فصلى بهم تلك الأيام ثم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجد خفّة فخرج يهادي بين رجلين، أحدهما العباس لصلاة الظّهر كأني أنظر إلى رجليه يخطان الأرض من الوجع، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر وأمرهما فأجلساه إلى جنب أبي بكر عن يساره فأخذ النبي- صلى الله عليه وسلم- من حيث الآية التي انتهى أبو بكر إليها فقرأ، فجعل أبو بكر يصلي قائما ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي قاعدا، وفي رواية: فكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله والناس يصلون بصلاة أبي بكر. وروى ابن إسحاق وابن سعد والبلاذري عن عبيد الله بن أبي مليكة عن عبيد بن عمير، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما فرغ من الصلاة يوم صلى قاعدا عن يمين أبي بكر قال: وأقبل عليهم فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد: يا أيها الناس سعّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم وإنّي والله لا يمسك الناس عليّ بشيء إني لم أحلّ إلّا ما أحلّ القرآن ولم أحرّم إلّا ما حرّم القرآن يا فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا صفية عمّة محمد اعملا لها عند الله فإني لم أغن عنكما من الله شيئا، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كلامه قال أبو بكر: يا رسول الله إنّي أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب واليوم يوم بنت خارجة فأتها قال: نعم ثم دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وخرج أبو بكر إلى أهله بالسّنح. وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي والترمذي وصححه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر قاعدا في مرضه الذي مات فيه» .

في بيان غريب ما سبق:

وروى ابن سعد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كشف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السّتارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: «أنه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم، أو ترى له ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا، فأمّا الرّكوع فعظموا فيه الرّب، وأما السّجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» . وروى الطبراني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كشف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سترا، وفتح بابا في مرضه، فنظر إلى الناس يصلون خلف أبي بكر، فسرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك. وروى ابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: إن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأنّ وجهه ورقة بمصحف، ثم تبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ضاحكا، فبهشنا ونحن في الصلاة من الفرح بخروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وفي رواية: «وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين رأوه ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ وظنّ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خارج إلى الصلاة فأشار إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أتموا صلاتكم ثم دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأرخى الستر، قال: فتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من يومه» . وروي أيضا عنه قال آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فلما رآه الناس تخشخشوا فأومأ إليهم أن امكثوا مكانكم فنظرت إلى وجهه كأنّه ورقة مصحف ثم ألقى السّجف وتوفّي من آخر ذلك اليوم. في بيان غريب ما سبق: «استعزّ» بضم المثناة والفوقية وكسر العين المهملة وزاء معجمة يقال: أستعز بفلان أي غلب عن كل شيء من مرض أو غيره. وقال أبو عمر: استعزّ بالعليل إذا غلب على عقله. المخضب بالكسر شبه المركن وهي إجّانة تغسل فيها الثياب] . السّنح هنا بضم السين والنون. وقيل: بسكونها، أطم الجشم وزيد بن الحارث على ميل من المسجد النبوي، وهو أدنى العالية سميت الناحية، ووهم من جعله بحري مسجد الفتح، لأن ذلك بالمثناة التحتية وكسر السين قاله السيد نور الدين السمهودي في «تاريخ المدينة» . «قمن-: بقاف مفتوحة فميم مكسورة فنون: حقيق.

الباب الحادي عشر في إرادته - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب لأبي بكر كتابا ثم لم يكتب

الباب الحادي عشر في إرادته- صلى الله عليه وسلم- أن يكتب لأبي بكر كتابا ثم لم يكتب روى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: «يأبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر» ورواه البخاري لقد: هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول قائلون، أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون ورواه مسلم بلفظ قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مرضه ادع لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل: أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، وقد ورد أنه أراد أن يكتب كتابا ولم يذكر أبا بكر. الباب الثاني عشر في إرادته- صلى الله عليه وسلم- أن يكتب لأصحابه كتابا فاختلفوا فلم يكتب روى الشيخان عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى، قلت يا ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال عمر: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مدّ عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت، فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم ومنهم من يقول ما قال عمر. فتنازعوا ولا ينبغي عند النبي التنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه! فذهبوا يعيدون عليه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قوموا» لما أكثروا اللّغو والاختلاف عنده، دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه. فقال: وأوصاهم عند موته بثلاث فقال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم قال: وسكت عن الثالثة، أو قال: فنسيها فقال ابن عباس إن الرّزيئة سحل الرّزيئة ما حال بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين أن يكتب لهم هذا الكتاب لاختلافهم ولغطهم» . وروى أبو يعلى بسند صحيح عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده وفي رواية: «يكتب فيهما كتابا لأمّته

تنبيهات

لا يظلمون ولا يظلمون» وكان في البيت لغط فنكل عمر فرفضها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى الطبراني من طريق ليث بن أبي سليم- وبقية رجاله ثقات- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بكتف فقال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعدي فأخذ من عنده من الناس وفي لفظ: «فقالت امرأة ممن حضر ويحكم عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليكم فقال بعض القوم اسكتي فإنه لا عقل لك فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- أنتم لا أحلام لكم. وروى الإمام أحمد وابن سعد- وفي سنده ضعف- عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن آتيه بطبق أكتب فيه ما لا تضلّ أمتي من بعدي قال: فخشيت أن تسبقني نفسه قال: قلت إني أحفظ وأوعى قال: أوصي بالصّلاة والزّكاة وما ملكت أيمانكم» . تنبيهات الأول: قال البيهقي والذهبي: وإنما أراد عمر التخفيف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين رآه شديد الوجع لعلمه أن الله تبارك وتعالى قد أكمل ديننا، ولو كان ذلك الكتاب وحيا لكتبه النبي- صلى الله عليه وسلم- ولما أخل به لاختلافهم ولغطهم لقول الله تعالى: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 67] كما لم يترك تبليغ غيره لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه، وإنما أراد ما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله، أن يكتب استخلاف أبي بكر، ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى، كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: «وا رأساه» . ثم بدا له أن لا يكتب ثم قال: «يأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر» ثم نبه أمّته على خلافته باستخلافه إيّاه في الصلاة حين عجز عن حضورها [ (1) ] ، وبسط البيهقي الكلام في ذلك.

_ [ (1) ] وتكملة كلام البيهقي: «وإن كان المراد به رفع الخلاف في الدين، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه علم أن الله تعالى قد أكمل دينه بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.. وعلم أنه لا تحدث واقعة إلى يوم القيامة، إلا وفي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانها نصا أو دلالة. وفي نص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على جميع ذلك في مرض موته، مع شدّة وعكه، مما يشق عليه، فرأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاقتصار على ما سبق بيانه نصا، أو دلالة، تخفيفا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولكي لا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول، بما دل الكتاب والسنة عليه. وفيما سبق من قوله- صلى الله عليه وسلم- إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجر واحد دليل على أنه وكل بيان بعض الأحكام إلى اجتهاد العلماء، وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين، أحدهما بالاجتهاد، والآخر بإصابة العين المطلوبة بما عليها من الدلالة في الكتاب أو السنة، وإنه أحرز من اجتهد، فأخطأ أجرا واحدا باجتهاده، ورفع اثم الخطأ عنه، وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصا، وإنما ورد خفيا. فأما مسائل الأصول، فقد ورد بيانها جليا، فلا عذر لمن خالف بيانه لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد، وإلحاق الفروع بالأصول بالدلالة، مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة، وفي ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الإنكار عليه فيما قال واضح على استصوابه رأيه، وبالله التوفيق» .

وقال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره بذلك، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلّت على أن الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه- صلى الله عليه وسلم- قال ذلك عن غير قصد جازم [وعزمه- صلى الله عليه وسلم- كان إمّا بالوحي وإما بالاجتهاد، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد أيضا] . وقال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر «حسبنا كتاب الله» من قوة فقهه ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فيستحقوا العقوبة لكونها منصوصة وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد من العلماء، وفي تركه- صلى الله عليه وسلم- الإنكار على عمر الإشارة إلى تصويبه وأشار بقوله: «حسبنا كتاب الله» إلى قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38] ولا يعارض ذلك قول ابن عباس: أن الرزية ... إلخ، لأن عمر كان أفقه منه قطعا، ولا يقال: أن ابن عباس لم يكتف بالقرآن مع أنه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره ولكنه أسف على ما فاته من البيان وبالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله تعالى أعلم. الثاني: في بيان غريب ما سبق: قولهم: «أهجر» بإثبات همز الاستفهام وفتح الهاء والجيم، قالوا: ولبعضهم هجرا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين أي قال هجرا والهجر بضم الهاء وسكون الجيم، وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض، الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي- صلى الله عليه وسلم- في حقه مستحيل. وإنما هذا على طريق الاستفهام الذي معناه الإنكار والإبطال- أي أنه- صلى الله عليه وسلم- لا يهجر أي: لم يختلفوا في الأخذ عنه ولم ينكروا عليه الكتاب، وهو لا يهجر أصلا. الرزيئة براء مفتوحة فزاي مكسورة فياء فهمز المصيبة. اللغط: بغين معجمة فطاء مهملة محركا الصوت أو الجلبة، أو أصوات مبهمة لا تفهم.

الباب الثالث عشر في إخراجه - صلى الله عليه وسلم - من المال كان عنده وعتق عبيده

الباب الثالث عشر في إخراجه- صلى الله عليه وسلم- من المال كان عنده وعتق عبيده روى ابن سعد والطبراني- برجال الصحيح- عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعة دنانير وضعها عند عائشة فلما كان في مرضه قال: يا عائشة ابعثي الذّهب إلى علي، ثم أغمي عليه وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك مرارا كل ذلك يغمى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويشغل عائشة ما به فبعث به إلى علي فتصدّق به، ثم أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة الاثنين في جديد الموت، فأرسلت عائشة إلى امرأة من النساء بمصباحها فقالت: اقطري لنا في مصباحي من عكيك السن فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمسى في جديد الموت» . وروى ابن سعد أيضا عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة- وهي مسندته إلى صدرها: «يا عائشة ما فعلت تلك الذّهب؟ قالت: هي عندي قال فأنفقيها ثم غشي عليه وهو على صدرها فلما أفاق قال: هل أنفقت تلك الذّهب يا عائشة قالت: لا والله يا رسول الله، قالت: فدعا بها فوضعها في كفّه، فعدّها، فإذا هي ستّة دنانير فقال: ما ظنّ محمّد بربّه أن لو لقي الله وهذه عنده؟ فأنفقها كلها، ومات من ذلك اليوم. وروى مسدد وابن أبي عمر وابن أبي شيبة والإمام أحمد- برجال الصحيح- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي مات فيه: ما فعلت بالذّهب؟ قلت: هو عندي يا رسول الله قال: ائت بها فأتيت بها فجعلها في كفّه وهي بين الخمس والسّبع فرفع بها كفّه وقال: أنفقيها وقال: ما ظنّ محمّد إن لقي الله وهذه عنده أنفقيها. وروى أبو طاهر المخلص عن سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال: أعتق النبي- صلى الله عليه وسلم- في مرضه أربعين نفسا-.

الباب الرابع عشر في إعلامه - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة - رضي الله تعالى عنها - بموته

الباب الرابع عشر في إعلامه- صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة- رضي الله تعالى عنها- بموته روى الخمسة والطبراني وابن حبان والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: اجتمع نساء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يغادر منهم امرأة في وجعه الذي مات فيه وما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا ودلّا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قيامها وقعودها من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك، فلما مرض جاءت تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: مرحبا يا بنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله فأكبت عليه تقبّله، فسارّها بشيء، فبكت، ثم سارّها فضحكت فقلت: ما رأيت اليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عن ذلك قلت لها: ما خصك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسّرار وتبكين فلما أن قامت قلت لها: أخبريني بما سارّك؟ قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما أن توفي قلت لها: أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني قالت أما الآن فنعم: سارّني فقال: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، وأنه لم يكن نبيّ كان بعده نبيّ إلا عاش بعده نصف عمر الذي كان قبله، ولا أرى ذلك إلا اقترب أجلي- وفي لفظ- فقالت إنه أخبرني أنه يقبض في وجعه، فاتقي الله واصبري، إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المؤمنين أعظم رزنة منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا فنعم السلف أنا لك فبكيت ثم سارني فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة- وفي لفظ- «أخبرني أني أول أهله لحوقا به، فضحكت ضحكي الذي رأيت» . تنبيهات الأول: قال الحافظ: اتفقت الروايات على أن الذي سارها به أولا فبكت هو إعلامه إياها بأنه ميت في مرضه ذلك، واختلف فيما سارّها به فضحكت. ففي رواية عروة أنه إخباره إياها بأنها أول أهله لحوقا به. وفي رواية مسروق بأنه إخباره إياها أنها سيدة نساء أهل الجنّة، وجعل كونها أول أهله لحوقا به مضموما إلى الأول وهو الراجح، ويحتمل تعدد القضية. الثاني: في بيان غريب ما سبق: «السمت» : - بسين مهملة مفتوحة فميم ساكنة: الطريق وهيئة أهل الخير والهدي. ساره في أذنه سارة وسرارا بكسر السين، وتسارّوا: أي تناجوا.

الباب الخامس عشر في وصيته - صلى الله عليه وسلم - الأنصار عند موته

الباب الخامس عشر في وصيته- صلى الله عليه وسلم- الأنصار عند موته روى البخاري والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في النّاس مثل الملح في الطعام، فمن ولى منكم أمرا يضرّ به قوما وينفع به آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئتهم» وكان آخر مجلس جلسه. وروى البيهقي عن أبي أيوب بن بشير أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه الذي توفي فيه فجلس على المنبر فكان أول ما ذكره بعد حمد الله تعالى والثناء عليه ذكر أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: «يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنّهم عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» . وروى البخاري وسيف بن عمر في «الفتوح» عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أبا بكر وعمر كانا يوما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقالا: ما يبكيكم قالوا: ذكرنا مجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منا، فدخل أحدهما على النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك- وعند سيف- أن الأنصار لما رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يزداد وجعا طافوا بالمسجد، فدخل العباس فأعلم النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكانهم وإشفاقهم ثم دخل الفضل فأعلمه بمثل ذلك ثم دخل عليه علي بن أبي طالب كذلك، وخرج النبي- صلى الله عليه وسلم-، زاد سيف: «متوكئا على عليّ والفضل والعباس، أمامهم قد عصب على رأسه حاشية برد- زاد سيف: - يخطّ الأرض برجله فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم- زاد سيف- أنه جلس على أسفل مرقاة منه، وثار الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه- زاد سيف- فقال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم قبلكم فمن بعث إليكم فأخلد فيكم، ألا إني لاحق بربّي وإنكم لاحقون به، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصي المهاجرين فيما بينهم، فإن الله تعالى يقول: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1، 2] إلى آخرها، وإن الأمور تجري بإذن الله تعالى ولا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد ومن غالب الله غلبه ومن خادع الله خدعه فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [محمد: 22] انتهى. أوصيكم بالأنصار- وزاد سيف- خيرا فإنهم الذين تبوّأوا الدّار والإيمان من قبلكم، ألم يشاطروكم في الثّمار، ألم يوسّعوا لكم في الدّيار، ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم خصاصة، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم- زاد سيف- ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل

في بيان غريب ما سبق.

من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وفي لفظ: فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئتهم. - زاد سيف- ولا تستأثروا عليهم، ألا وإنّي فرط لكم وأنتم لاحقون بي ألا وإنّ موعدكم الحوض فمن أحب أن يرده غدا فليكفف لسانه ويده ألا فيما ينبغي يا أيها الناس إنّ الذّنوب تغيّر النّعم وتبدّل القسم، فإذا بر الناس برهم وإذا فجر الناس عقهم. في بيان غريب ما سبق. دسما: بدال فسين مهملتين فميم أي: سوداء الملحفة. كرشي وعيبتي قال الحافظ: أي بطانتي وخاصّتي قال القزاز: ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه، ويقال: كرش منثورة أي عيال كثيرة، والعيبة بفتح المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده، يريد أنهم موضع سره وأمانته، قال ابن دريد: هذا من كلامه- صلى الله عليه وسلم- الموجز الذي لم يسبق إليه وقال غيره الكرش بمنزلة المعدة للإنسان والعيبة: مستودع الثياب، والأول أمر باطن، والثاني أمر ظاهر، فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة، والأوّل أولى وكل من الأمرين مستودع لما يخص فيه] . الباب السادس عشر في جمعه- صلّى الله عليه وسلم- أصحابه في بيت عائشة- رضي الله تعالى عنها- ووصيته لهم روي عن مرّة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنهم- قال: نعى إلينا نبيّنا وحبيبنا- صلى الله عليه وسلم- نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة فنظر إلينا وتشدّد ودمعت عيناه، وتداوم القوم ونظر إلى الأرض وقال: مرحبا بكم- حيّاكم الله رحمكم الله آواكم الله قبلكم الله أوصيكم بتقوى الله وأوصي الله عز وجل بكم وأستخلفه عليكم وأذكّركم الله وأشهدكم أنّي لكم منه نذير وبشير أن لا تعلوا على الله في عباده وبلاده فإنه عز وجل قال لي ولكم تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83] وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60] قلنا: متى أجلك يا رسول الله؟ فقال: دنا الأجل والمنقلب إلى الله عز وجلّ وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنّة المأوى والفردوس الأعلى والكأس الأوفى والعيش والحظّ المهنّى قلنا: فمن يغسّلك يا رسول الله؟ قال رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى.

قلنا: ففيم نكفّنك يا رسول الله؟ قال: في ثيابي هذه إن شئتم، أو فى بياض مصر أو حلّة يمانية. قلنا: فمن يصلي عليك يا رسول الله؟ قال: فبكى وبكينا فقال: «مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيّكم خيرا إذا أنتم غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري هذا على شفير قبري من بيتي هذا ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي عليّ خليلي وحبيبي جبريل، ثم ميكائيل ثم إسرافيل، ثم ملك الموت معه جنوده بأجمعهم مع الملائكة عليهم الصلاة والسلام ثم ادخلوا عليّ أفواجا فصلوا علي وسلموا تسليما، ولا يؤمكم أحدا، ولا تؤذوني بتزكية ولا بضجّة ولا برنّة أقرؤوا أنفسكم مني السلام، ومن كان غائبا من أصحابي فأبلغوه عني السلام، وأشهدكم أني قد سلمت على من دخل في الإسلام ومن تابعني على ديني إلى يوم القيامة قلنا: فمن يدخلك قبرك يا رسول الله؟ قال: رجال من أهل بيتي، الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثير، يرونكم من حيث لا ترونهم. روى البزار عن محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن ابن الأصبهاني عن مرّة بن عبد الله، وعبد الرحمن هذا لم يسمع من مرّة كما قال البزار بينه وبينه اثنان كما عند ابن منيع والطبراني، أو ثلاثة كما عند ابن جرير والطبراني وخلاد بن مسلم الأسدي الصفا والأشعث بن طليق ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا [ (1) ] . روى عن الحسن العرني وروى عن خلاد بن مسلم الصّفّار أبو مسلم ثقة في الكوفيين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، وذكره الأزدي في الضعفاء وتبعه وقال: لا يصح حديثه لكنهما صحفا اسم أبيه فقالا: طابق. والحسن العرني هو ابن عبد الله ثقّة من رجال البخاري ومسلم، ورواه ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون عن ابن مسعود به. قلت: ورواه أحمد بن منيع في مسنده والطبراني في «الدعاء» عن ابن الأصبهاني عن الأشعث بن طليق أنه سمع الحسن العرني يحدث عن مرة عن ابن مسعود. ورواه ابن جرير عن محمد بن عمر الصباح الهمذاني، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن حدثنا مسلم بن جعفر البجلي قال: سمعت عبد الملك بن الأصبهاني عن خلاد الأسدي قال: قال عبد الله بن مسعود يذكره.

_ [ (1) ] انظر كشف الخفا 1/ 338 (847) .

ورواه ابن سعد عن محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن ابن مسعود به. ورواه الطبراني في «الدعاء» من طريق ابن عيينة حدثني نبيط بن شريط عن عبد الملك بن عبد الرحمن الأصفهاني عن الأشعث بن طليق أنه سمع الحسن العرني يحدث عن مرة. ومن طريق محمد بن أبان البلخي، حدثنا عمرو بن محمد العبقري حدثنا عبد الملك الأصبهاني حدثنا خلاد بن الصفار عن الأشعث بن طليق عن الحسن العرني عن مرة. ورواه البيهقي من طريق سلام بن سليم الطويل عن عبد الملك بن عبد الرحمن وقال: انفرد به سلام الطويل وقد علمت مما تقدم أن سلام لم ينفرد به. وروى أبو الحسن بن الضحاك من طريق سيف عن بشر بن الفضل عن أبيه، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في مرضه الذي توفي فيه لأبي بكر: «أجمع لي يا أبا بكر الأربعين الذين سبقوا الناس إلى هذا الدين، وأودع عمر معهم ففعل، وكان قبل وفاته بخمسة عشر ليلة، فخلص لهم ودعا لهم، وعهد عهده وهم شهود، وهي آخر وصية أوصاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن أبي شيبة وأبو يعلى والنسائي في «الكبرى» عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: والذي أحلف به إن كان عليّ لأقرب النّاس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم قبض في بيت عائشة فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غداة بعد غداة يقول: جاء عليّ، مرارا قالت فاطمة: كان بعثه في حاجة، فخرجنا من البيت، فقعدنا عند البيت، فكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه عليّ فجعل يسارّه ويناجيه حتى قبض من يومه ذلك، فكان أقرب الناس به عهدا [ (1) ] .

_ [ (1) ] أخرجه أبو يعلى 12/ 404 (6968) .

الباب السابع عشر في وصيته - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة وغيرها من أمور الدين وأنه لم يوص بشيء من أمور الدنيا

الباب السابع عشر في وصيته- صلى الله عليه وسلم- بالصلاة وغيرها من أمور الدين وأنه لم يوص بشيء من أمور الدنيا روى الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة وابن سعد والبيهقي وابن الجوزي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت عامة وصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت وهو يغرغر بنفسه «الصّلاة وما ملكت أيمانكم» - وفي لفظ «الصلاة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» حتى جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يغرغر بها في صدره، وما يفيض بها لسانه- وفي لفظ- ما كان يفيض بها لسانه. وروى الجماعة إلا البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء. وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة وابن سعد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما حضر جعل يقول: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» فجعل يتكلم بها وما كان لسانه يفيض بها. وروى ابن سعد عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: أغمي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم أفاق فقال: «الله الله فيما ملكت أيمانكم، ألبسوا ظهورهم وأشبعوا بطونهم، وألينوا لهم القول» . وروى الجماعة إلا أبا داود عن طلحة بن مصرف قال: سألت ابن أبي أوفى هل أوصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا. قلت: كيف كتب على الناس وأمر بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله. وروى أبو داود وابن ماجه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان آخر كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» يغرغر بها نفسه.

الباب الثامن عشر في تحذيره - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ قبره مسجدا

الباب الثامن عشر في تحذيره- صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ قبره مسجدا روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وابن سعد قال: لما نزل برسول الله- صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت عائشة: يحذّر مثل ما صنعوا. وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود [والنّصارى] [ (1) ] اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . قالت عائشة: لولا ذلك لأبرز قبره خشي أن يتّخذ مسجدا. وروى الطيالسي والإمام أحمد عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أدخلوا عليّ أصحابي» فدخلوا عليه وهو متقنّع ببرد له معافر. فقال: «لعن الله اليهود» زاد الإمام أحمد «والنّصارى، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وروى ابن أبي شيبة والحارث وأبو يعلى عنه قال: دخلنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعوده وهو مريض فوجدناه نائما قد غطّى وجهه ببرد عدنيّ فكشف عن وجهه ثم قال: لعن الله اليهود يحرّمون شحم الغنم ويأكلون أثمانها ... الحديث. وروى الحارث عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه فقال: «أجلسوني» . فأجلسه [علي- رضي الله تعالى عنه-] [ (2) ] إلى صدره.

_ [ (1) ] سقط في ب. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب التاسع عشر في ما يؤثر عنه - صلى الله عليه وسلم - من ألفاظه في مرض موته وآخر ما تكلم به

الباب التاسع عشر في ما يؤثر عنه- صلى الله عليه وسلّم- من ألفاظه في مرض موته وآخر ما تكلم به روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشّاه الكرب فقالت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- وا كرب أبتاه فقال: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» ، ورواه الإمام أحمد وابن ماجة بلفظ إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله تبارك وتعالى بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة [ (1) ] . وروى ابن سعد والشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أسمع أنه لا يموت نبيّ حتى يخير بين الدنيا والآخرة قالت: فأصابت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحّة شديدة في مرضه فسمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] فظننت أنه خيّر. وروى الإمام أحمد وابن سعد والشيخان والبيهقي عنها قالت: كان جبريل يعوّذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مرض «وفي لفظ: كأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعوذ بهؤلاء الكلمات: «اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، شفاء لا يغادر سقما» ، قالت: فلما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخذت بيده فجعلت أمسحه بها وأعوّذه فنزع يده منّي. زاد ابن سعد «ارفعي عني، فإنها إنما كانت تنفعني في المرة» . وعند الحاكم من حديث أنس أنّ آخر كلمة يتكلم بها: جلال ربي الرفيع. وروى النسائي والحارث بن أبي أسامة عنها قالت: أغمي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء بهذه الكلمات: «اذهب البأس رب الناس» ففاق فانتزع يده من يدي فقال: «بل اسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل» . وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- أن كعب الأحبار قدم زمن عمر فقال: يا أمير المؤمنين، ما كان آخر ما تكلم به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: سل عليّا فسأله فقال: الصلاة الصلاة فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء» . وروى البلاذري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: كشف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الستر، فرأيته معصوبا في مرضه الذي مات فيه، فقال: اللهم هل بلغت ثلاثا ثم قال: لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح، أو ترى له.

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 141.

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

وروى الإمام أحمد من طريقين منها ثقات متصل اتصل إسنادهما عن أبي عبيدة- رضي الله تعالى عنه- قال: أخر ما تكلم به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أنّ شرار النّاس الّذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وروى البخاريّ والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة أو علبة وفيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، ثم نصب يده اليمنى فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده في الماء. وروى ابن سعد والبيهقي وصححه الذهبي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاث يقول: «أحسنوا الظّنّ بالله» . وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يموت وعنده قدح فيه ماء، يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: «اللهم أعنّي على سكرات الموت» . وروى الإمام أحمد بسند قال ابن كثير: لا بأس به عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنه ليهوّن عليّ الموت، إني رأيت بياض كفّ عائشة في الجنة» [ (1) ] ورواه ابن سعد عن الشعبي مرسلا، وهذا دليل على صحة محبته- عليه الصلاة والسلام- لعائشة. تنبيه في بيان غريب ما سبق: «الكرب» : بكاف مفتوحة فراء ساكنة فموحدة الغم. «البحّة» : بموحدة فمهملة خشونة وغلظ في الصوت. «الرّكوة» : [شبه تور من أدم وقال المطرزي: دلو صغير: وقال غيره: كالقصعة تتخذ من جلد، ولها طوق خشب] . «العلبة» : بعين مهملة مضمومة فلام ساكنة فموحدة المراد به هنا قدح من خشب. الرفيق قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى. قال الأزهري: وهو غلط، بل الرفيق ها هنا جماعة يسكنون أعلى عليين، اسم جاء على فعيل ومعناه: الجماعة من قوله تبارك وتعالى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] ويجوز أن يقال في الجماعة: هم لي صديق وعدو فتفرد، لأنه صفة الرّفيق، ويصح أن يقال: قومك

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 138.

الباب العشرون في آخر صلاة صلاها بالناس - صلى الله عليه وسلم -

صاحبك وأبوك، فإنما يحسن هذا إذا وصف الصديق وفريق وعدو، لأنها صفة لفريق والحزب، لأن الصداقة والعداوة صفتان متضادتان، فإذا كان أحدهما على الفريق الواحد كان الآخر على ضدها، وكانت قلوب أحد الفريقين في تلك الصفة على قلب رجل واحد في عرف العادة، فحسن الإفراد وليس يلزم مثل هذا في القيام والقعود ونحوه حتى يقال: هو قائم أو قاعد كما يقال: هم لي صديق وعدو كما قدمناه من الاتفاق والاختلاف، وأهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد، وهذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي تتضمن معنى التوحيد الذي يجب أن يكون آخر كلام المؤمن لأنه- صلى الله عليه وسلم- قال: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء: 69] وهم أصحاب الصراط المستقيم وهم أهل لا إله إلا الله، ويؤيد ذلك قول عائشة رضي الله تعالى عنها ب «ثم نصب يده» . وفي رواية عنها «فأشار بإصبعه» . وفي رواية: «اللهمّ الرّفيق الأعلى» وأشار بإصبعه السبابة يريد التوحيد قاله السهيلي. الباب العشرون في آخر صلاة صلاها بالناس- صلّى الله عليه وسلم- روى البخاري والبلاذري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن أمّه أم الفضل قالت: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو عاصب رأسه في مرضه في بيته في ثوب واحد، قد توشّح به، فصلى بنا المغرب، فقرأ بالمرسلات فما صلى لنا بعدها حتى لقي الله، أرادت فما صلى بعدها بالناس. وروى البيهقي من طريقين، قال ابن كثير: وإسناده على شرط الصحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع القوم في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامة بن زيد فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكانت آخر صلاة صلاها. قال البيهقيّ: ففي هذا دلالة أن هذه الصلاة التي صلاها خلف أبي بكر كانت صلاة الصبح يوم الاثنين يوم الوفاة، لأنها آخر صلاة صلاها لما ثبت أنه توفي في ضحى يوم الاثنين. قال ابن كثير: وهو تابع في ذلك ابن عقبة وعروة وهو قول ضعيف، بل هذا آخر صلاة صلاها مع القوم، ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة، لأن تلك لم يصلّها مع الجماعة، بل في بيته لما به من الضعف- عليه الصلاة والسلام- ويدل لذلك

الباب الحادي والعشرون في استعماله - صلى الله عليه وسلم - السواك قبل وفاته

حديث أنس الآتي في ذلك في تاريخ وفاته- صلّى الله عليه وسلم- وهو أوضح دليل على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح وأنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج إليهم، فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها الظهر كما جاء مصرحا به في حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- في صلاة أبي بكر، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت، ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقيّ عن مغازي ابن عقبة وهو ضعيف لما قدمناه من خطبته بعدها، ولا انقطع عنهم يوم الجمعة والسبت والأحد، وهذه ثلاثة أيام كوامل. الباب الحادي والعشرون في استعماله- صلّى الله عليه وسلم- السواك قبل وفاته روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «إن من أنعم الله علي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توفي في بيتي وبين سحري ونحري» وفي رواية «بين حاقنتي وداقنتي» وأن الله تعالى جمع بين ريقي وريقه عند الموت، فدخل عليّ عبد الرحمن وبيده سواك» . وفي رواية «جريدة خضراء يشير بها وأنا مسندة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى صدري، فرأيته ينظر إليه، فعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أي نعم فقّصمته ثم مضغته ونقضته فأخذه، فاستنّ به أحسن ما كان مستتنا. وروى محمد بن يحيى بن أبي عمرو العرني- برجال ثقات- عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفع رأسه في مرضه قالت: فأخذته فأسندته إلى صدري فدخل أسامة بن زيد وبيده سواك أراك رطب، فلحظه إليه، فظننت أنه يريده، فأخذته فنكشته بفي، فدفعته إليه فأخذه وأهواه إلى فيه، فخفقت يده فسقط من يده. وروى الحارث بن أبي أسامة وابن أبي شيبة عنها قالت: «مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو توفي بين حاقنتي وداقنتي، فلا أكره شدّة الموت لأحد بعد الذي رأيت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن سعد عنها قالت: لا أزال أغبط المؤمن شدة الموت بعد شدته على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. تنبيهات الأول: قال السهيلي في هذا الحديث أي: حديث السواك: فيه من الفقه التنظف

الباب الثاني والعشرون في معاتبته - صلى الله عليه وسلم - نفسه على كراهية الموت

والتطهر [ولذلك يستحب الاستحداد لمن استشعر القتل أو الموت لأن الميت قادم على ربه كما أن المصلي مناج لربّه فالنظافة من شأنهما. الثاني: في بيان غريب ما سبق: «السّحر» بسين مفتوحة وتضم وحاء ساكنة مهملتين وبفتحتان الرّئة يريد أنه مات وهو مستند لصدرها ما بين جوفها وعنقها وما ألصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن، ورواه عمارة بن عقيل بشين وجيم معجمتين وسئل عنه فشبك بين أصابع يديه وضمها إلى نحره، كأنه يضم شيئا إليه أي أنّه مات وقد ضمته بيدها إلى صدرها ونحرها، والشحر التشبيك وهو الذقن أيضا والمحفوظ الأول. «القضم» بالقاف وهو الكسر ودق الشيء وأبانته أي كسّرته فأبانت منه الموضع الذي كان استن به عبد الرحمن، وإن كان تالفا فهو الكسر من غير إبانة. والحاقنة: المعدة أو النقرة بين الترقوة وحبلي العاتق. الذاقنة: طرف الحلقوم، وقيل: الذّقن، وقيل: ما يناله الذقن من الصدر. والله تعالى أعلم. الباب الثاني والعشرون في معاتبته- صلّى الله عليه وسلم- نفسه على كراهية الموت روى ابن سعد عن أبي الحويرث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يشتك شكوى إلّا سأل الله تعالى العاقبة، حتى كان في مرضه الذي توفي فيه فإنه لم يكن يدعو بالشفاء وطفق يقول: «يا نفسي ما لك تلوذين كلّ ملاذ» . الباب الثالث والعشرون فيما جاء أنه قبض ثم أري مقعده من الجنة ثم ردّت إليه روحه ثم خيّر روى الإمام أحمد والشيخان وابن سعد والطّبرانيّ وأبو نعيم بسند صحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول وهو صحيح: ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى مقعده من الجنّة ثم تردّ إليه روحه فيخير بين أن يرد إليه إلى أن يلحق، فكنت قد حفظت ذلك، فإني لمسندته إلى صدري، فنظرت إليه قد غشى عليه ساعة حتى مات عنقه،

الباب الرابع والعشرون في تردد جبريل إليه واستئذان ملك الموت وزيارة إسماعيل صاحب السماء الدنيا له - صلى الله عليه وسلم - وقبض روحه الشريفة وصفة خروجها وصفة الثياب التي قبض فيها

فقلت قد قضى قالت: فعرفت الذي قال: ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت، فنظرت إليه حين ارتفع نظره فقلت: إذا والله لا يختار إلّا الرّفيق الأعلى، مع جبريل وميكائيل وإسرافيل، ومع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، فعرفت أنه الحديث الذي حدثناه وهو صحيح. قال الحافظ: وفي «مغازي» أبي الأسود عن عروة: أن جبريل نزل إليه في تلك الحالة «فخيّره» وتقدمت أحاديث في باب «ما يؤثر عنه من ألفاظه» . الباب الرابع والعشرون في تردد جبريل إليه واستئذان ملك الموت وزيارة إسماعيل صاحب السماء الدنيا له- صلّى الله عليه وسلم- وقبض روحه الشريفة وصفة خروجها وصفة الثياب التي قبض فيها روى ابن سعد والبيهقي عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه معضلاً والإمام الشافعي في مسنده، والطبراني عنه عن جده عن أبي الحسين مرسلا، ومحمد بن يحيى وبقي بن مخلد عنه عن أبيه عن جده عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب موصولا- ورجاله ثقات- أنه لما كان قبل وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أيام هبط جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد وفي رواية يا أحمد إنّ الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصّة لك، ليسألك عما هو أعلم به منك - وفي حديث أبي هريرة عن ابن الجوزي فقال: إن الله عز وجل يقرئك السّلام يقول: كيف تجدك؟ قال: «أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا» [فلما كان اليوم الثاني هبط إليه جبريل فقال: يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول لك: كيف تجدك؟ قال: «أجدني يا جبريل مغموما؟ وأجدني يا جبريل مكروبا» ] . فلما كان اليوم الثالث هبط جبريل ومعه ملك الموت، ومعهما ملك آخر يسكن الهواء لم يصعد إلى السماء قط، ولم يهبط إلى الأرض قط، يقال له إسماعيل، على سبعين ألف ملك كلّ ملك على سبعين ألف ملك، فسبقهم جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك- وفي حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عند ابن الجوزي فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السّلام [يقول: كيف تجدك؟ قال: «أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا» وفي حديث أبي الحويرث

عند البيهقي «إنّ جبريل قال له: إنّ ربك يقرئك السلام] [ (1) ] ويقول لك: إن شئت شفيتك وكفيتك، وإن شئت توفّيتك، وغفرت لك قال: «ذلك إلى ربّي يصنع بي ما يشاء» انتهى. ثم استأذن ملك الموت على الباب فقال جبريل يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، ولم يستأذن على آدمي كان قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، قال ائذن له، فدخل. وفي حديث ابن عباس عند الطبراني أنه قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، إن ربك يقرئك السلام، قال: فبلغني أن ملك الموت لم يسلم على أهل بيت قبله، ولا يسلم بعده. انتهى. فوقف بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الله أرسلني إليك، وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها يا أحمد، وإن أمرتني أن أتركها تركتها قال: وتفعل ذلك يا ملك الموت؟ قال نعم، بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني، فقال جبريل: يا أحمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك. فقال: يا ملك الموت امض لما أمرت به فقال جبريل عليه الصلاة والسلام: عليك يا رسول الله، هذا آخر موطئ الأرض. وفي حديث أبي هريرة عند ابن الجوزي وهذا آخر عهدي بالدّنيا بعدك، وهذا آخر عهدك بها، ولن أستأذن على هالك من بني آدم بعدك، ولن أهبط إلى الأرض على أحد بعدك أبدا، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- سكرات الموت. وفي حديث عائشة عند البخاري وغيره: «فبينما رأسه على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على ثغري ونحري فاقشعرّ لها جلدي، فظننت أنه أغشي عليه، فسجّيته ثوبا. وفي حديث عائشة عند الطبراني فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمد يده ويقول: «يا جبريل» وهو يقبضها ويبسطها. وعند ابن عقبة فلم يزل يغمى عليه ساعة ثم يفيق، ثم يشخّص بصره إلى السماء. وفي حديث أبي الحويرث عند البيهقي أنه قال: ادن مني يا جبريل، ادن مني يا جبريل. وفي حديث جعفر بن محمد عن أبيه إنه جعل يقول: «ادن مني يا جبريل، ادن منّي يا جبريل» ثلاثا قالت عائشة: فلقد سمعت ما لم أسمع أدن مني يا جبريل، وهو يقول: لبّيك لبّيك. وفي حديث علي عند محمد بن يحيى بن أبي عمر- برجال ثقات- فقال جبريل: يا

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

أحمد عليك السلام هذا آخر موطئ الأرض إنما كنت حاجتي من الدنيا. وفي حديث علي عند أبي نعيم لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صعد ملك الموت باكيا إلى السماء والذي بعثه بالحق. لقد سمعت صوتاً من السماء ينادي وا محمّداه. انتهى. وعند ابن عقبة واشتدّ برسول الله- صلى الله عليه وسلم- الوجع فأرسلت إلى علي، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت كلّ امرأة إلى خيمها، فلم يرجعوا حتى توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على صدر عائشة في يومها. وعند البلاذري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- رأيت يوما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحمرّ وجهه ويعرق جبينه ولم أكن رأيت قطّ ميّتا قبله ثم قال: أقعديني فأقعدته فأسندته إليّ ووضعت يدي عليه فقلب رأسه فوضعت يدي عنه ووقعت من فيه نقطة على صدري- أو قالت على ترقوتي- فسقط على الفراش فسجّيناه بثوب فتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-. وفي حديث عائشة عند الإمام أحمد والبزّار والبيهقي بسند صحيح قالت: لما خرجت نفسه لم أجد قطّ ريحا أطيب منها. وفي حديث لعائشة عند أبي يعلى وأحمد- برجال ثقات- ثم أقبل بوجهه إليّ حتى إذا كان فاه في ثغرة نحري سال من فيه نقطة باردة اقشعرّ منها جلدي، وثار ريح المسك في وجهي، ومال رأسه فظننت أنه غشي عليه، فأخذته فنوّمته على الفراش وغطيت وجهه. وفي حديث أم سلمة عند البيهقي قال: وضعت يدي على صدر النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم مات فمرّ بي جمع، آكل وأتوضّأ ما تذهب ريح المسك من يدي. وفي حديث ابن عمر عند البلاذري أنه- صلى الله عليه وسلم- لما قبض سجّي بثوب، وقعدنا حوله، فبكى، انتهى، فأتاهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته. وفي حديث ابن عمر عند البلاذري فرددنا عليه السلام فقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران 185] إلى قوله: مَتاعُ الْغُرُورِ انتهى، إنّ في الله خلفا من كلّ هالك، وعزاء عن كل مصيبة ودركا من كل ما فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا. وفي حديث ابن عمر عند البلاذري نظركم في النبي ومصيبتكم، فإن المصاب من حرم الثّواب. انتهى. وفي حديث ابن عمر عند البلاذري فظننا أنه جبريل جاء يعزّينا.

تنبيهات

وفي حديث بقي بن مخلد عند الشّعبي وعند المدائني فقال عليّ: هذا الخضر يعزّيّكم عن نبيّكم. وروى البخاري والطبراني وابن سعد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قالت فاطمة لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنّة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل فنعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه. وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي بردة قال: أخرجت لنا عائشة- رضي الله تعالى عنها- كساء ملبّدا وإزارا غليظا فقالت: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذين. وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحدا. فمن سفهي وحداثة سنّي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت مع النساء أبكي وألتدم. وروى البزار وأبو الحسن بن الضحاك عنها قالت: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما في مرضه وقد عرق وجهه وجبينه فقال: «أقعديني» فأسندته إلي فوضعت يدي عليه، فقلب رأسه فرفعت يدي عنه، فظننت أنه يريد شيئا من رأسي، فوقعت من فمه نقطة باردة على صدري، ثم مال فسقط على الفراش فسجّيته بثوب ولم أكن رأيت الموت» . تنبيهات الأول: قوله: «إن الله قد اشتاق إلى لقائك» معناه: قد أراد لقاءك بأن يردك من دنياك إلى معادك. زيادة في قربك وكرامتك. الثاني: روى البيهقي وأبو نعيم من طريق الواقدي عن شيوخه: شكوا في النبي- صلى الله عليه وسلم- قال بعضهم: مات وقال بعضهم: لم يمت، فوضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت قد رفع الخاتم من بين كتفيه فكان هذا عرف بعد موت النبي- صلى الله عليه وسلم- ورواه ابن سعد [ (1) ] عن الواقدي حدثني القاسم بن إسحاق عن أمّه عن أبيها القاسم بن محمد بن أبي بكر أو عن أم معاوية أنه لما شك فذكره. قال ابن كثير: والواقدي ضعيف وشيوخه لم يسمون، ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صحّ، وفيه غرابة شديدة. قلت: وذكر في «الزهر» أن الحاكم رواه في تاريخ نيسابور عن عائشة فطلبت التاريخ

_ [ (1) ] ابن سعد 2/ 208.

لأنظر سنده فرأيت منه مجلدات فمررت عليه فلم أر ذلك فيه فليحرر حاله فإنه كثيرا ما يسأل عن ذلك. الثالث: اشتهر على الألسنة أن جبريل لا ينزل إلى الأرض بعد موت النبي- صلى الله عليه وسلم-. قال الشيخ في «فتاويه» وهذا شيء لا أصل له، ومن الدليل على بطلانه ما رواه الطبراني عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت: يا رسول الله هل يرقد الجنب قال: «ما أحبّ أن يرقد حتّى يتوضّأ فإنّي أخاف أن يتوفّى فلا يجهزه جبريل» . وما رواه أيضا نعيم بن حماد [في كتاب الفتن والطبراني] من حديث ابن مسعود عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في وصف الدّجّال قال: «فيمرّ بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا ميكائيل بعثني الله لأمنعه من حرمه [ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا جبريل بعثني الله لأمنعه من حرمه] [ (1) ] . وقال الضحاك: في قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [القدر 4] إن الروح هنا جبريل، وإنه ينزل مع الملائكة في ليلة القدر، ويسلمون على المسلمين في كل سنة. الرابع: قول السيدة عائشة «ألتدم» . قال السهيلي وغيره: الالتدام: ضرب الخد باليد، واللّادم: المرأة التي تلدم والجمع: اللّدم بتحريك الدال وقد لدمت المرأة تلدم لدما ولم يدخل هذا في التحريم، لأن التحريم إنما وقع على الصّراخ والنّوح، ولعنت الخارقة والحالقة والصّالقة- وهي الرافعة لصوتها- ولم يذكر اللّدم لكنه وإن لم يذكر فإنه مكروه في حال المصيبة، وتركه أحمد إلا على أحمد- صلّى الله عليه وسلم-: فالصّبر يحمد في المصائب كلّها ... إلّا عليك فإنّه مذموم وقد كان يدعى لابس الصّبر حازما ... فأصبح يدعى حازما حين يجزع وهذا الحديث تفرد به ابن إسحاق، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحدث، وقد صرح به فقال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: سمعت عائشة إلخ. وقول السّهيلي: إنه لا يدخل في التحريم خلاف الصحيح. الخامس: في بيان غريب ما سبق «سجّيته» : بسين مهملة مفتوحة فجيم: غطيت سائر بدنه.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب الخامس والعشرون في إخبار أهل الكتاب بموته - صلى الله عليه وسلم - يوم مات وهم باليمن

الباب الخامس والعشرون في إخبار أهل الكتاب بموته- صلى الله عليه وسلم- يوم مات وهم باليمن روى البخاري عن جرير بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كناع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لي: إن كان تقول حقا فقد مضى صاحبك إلى أجله منذ ثلاث، قال: فأقبلت وأقبل معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم فقالوا: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. [واستخلف أبو بكر، والناس صالحون. قال: فقال لي: أخبر صاحبك أنّا قد جئنا، ولعلنا سنعود- إن شاء الله- ورجع إلى اليمن، قال فأخبرت أبا بكر بحديثهم، فقال: أفلا جئت بهم، قال: فلما كان بعد، قال لي ذو عمر يا جرير، إنّ بك عليّ كرامة وإني مخبرك خبرا، إنكم معشر العرب، لم تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير، تأمرتم في آخر، فإذا كانت بالسيف، كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك، ويرضون رضى الملوك] . وروى البيهقي من وجه آخر عنه قال: لقيني حبر باليمن فقال: إن كان صاحبكم نبيا فقد مات يوم الاثنين. وروى عن كعب بن عدي قال: أقبلت في وفد من أهل الحيرة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فعرض علينا الإسلام فأسلمنا ثم انصرفنا إلى الحيرة فلم نلبث أن جاءنا وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فارتدّ أصحابي وقالوا: لو كان نبيا لم يمت فقلت: قد مات الأنبياء قبله، وثبتّ على الإسلام، ثم خرجت أريد المدينة فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه فأخبرته فأخرج سفرا فتصفح فيه فإذا بصفة النبي- صلى الله عليه وسلم- كما رأيته وإذا هو يموت في الحين الذي مات فيه، فاشتدّت بصيرتي في إيماني، وقدمت على أبي بكر فأعلمته. [فأقمت عنده، فوجهني إلى المقوقس، فرجعت، فوجهني أيضا عمر بن الخطاب، فقدمت عليه بكتابه، فأتيته وقعة اليرموك، ولم أعلم بها، فقال لي: علمت أنّ الروم قتلت العدو، وهزمتهم، قلت: كلّا، قال: ولما، قلت: إنّ الله وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يظهره على الدين كله، وليس يخلف الميعاد، قال: إن نبيكم قد صدقكم، قتلت الروم، والله قتل عاد، ثم سألني عن وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأهدى إليّ، عمرو إليهم، وكان ممن أهدي إليه عليّ وعبد الرحمن والزبير، وأحسبه ذكر العباس، قال كعب: وكنت شريكا لعمر في اليمن في الجاهلية، فلما فرض الديوان، فرض لي في بني عدي بن كعب] . وروى ابن سعد عن محمد بن عمرو الأسلمي عن شيوخه قالوا: كان عمرو بن العاص عاملا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عمان فجاءه يهودي فقال أرأيت إن سألتك عن شيء يخشى

عليّ منك؟ قال: لا، قال اليهودي: أنشدك بالله من أرسلك إلينا؟ قال اللهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال اليهودي: الله إنك لتعلم أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له عمرو: اللهم نعم، قال اليهودي: إن كان ما تقول حقا لقد مات اليوم، ثم بلغ عمرو وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن سعد وأبو نعيم عن الحارث بن عبد الله الجهني قال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن ولو أظن أنه يموت لم أفارقه فأتاني الحبر فقال إن محمدا قد مات قلت له: متى؟ قال: اليوم فلو أن عندي سلاحا لقتلته، فلم أمكث إلا يسيرا حتى أتى كتاب من أبي بكر بذلك فدعوت الحبر فقلت: من أين تعلم ذلك؟ فقال: إنه نبي نجده في الكتاب أنه يموت يوم كذا وكذا، قلت: وكيف، يكون بعده؟ قال: تستدير رحاكم إلى خمس وثلاثين سنة ما زاد يوما. وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار قال: خرجت أريد الإسلام فلقيت ذا قربات الحميري، فقال لي: أين تقصد فأخبرته فقال لي: لئن كان نبيا إنه الآن لتحت التراب، فخرجت فإذا أنا براكب فقال: مات محمد. وروى ابن عساكر عن أبي ذؤيب خويلد وقيل: ابن الحارث الهذلي قال: بلغنا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عليل فاستشعرت حزنا، وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها فظللت أقاسي طولها حتى إذا كان قرب السّحر أغفيت فهتف بي هاتف وهو يقول: خطب أجلّ أناخ بالإسلام ... بين النّخيل ومعقد الآطام قبض النّبيّ محمّد فعيوننا ... تذري الدّموع عليه بالتّسجام فوثبت من نومي فزعا فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذّابح فتفاءلت به ذبحا يقع في العرب، وعلمت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد قبض وهو ميّت من علّته، فركبت ناقتي وسرت، فلما أصبحت طلبت شيئا أزجر به فعنّ شيهم- يعني القنفذ- وقد قبض على صل يعني الحية فهي تلتوي عليه والشّيهم يقضمها حتى أكلها، فزجرت ذلك وقلت: الشيهم شيء مهم والتواء الصّل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم أوّلت أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغابة فزجرت الطائر، فأخبرني بوفاته ونعب غراب سانح، فنطق بمثل ذلك، فتعوذت بالله من شر ما عنّ لي في طريقي، وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلّوا بالإحرام فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجئت إلى المسجد فوجدته خاليا فأتيت بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأصبت بابه مرتجا، وقيل: هو مسجّى وقد خلا به أهله.

تنبيه: في بيان غريب ما سبق

تنبيه: في بيان غريب ما سبق «الحيرة» : - بحاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية فراء محلة بنيسابور. السفر: بسين مهملة مكسورة ففاء ساكنة فراء المراد به هنا [جزء من أجزاء التوراة. تنجاب: - بمثناة فوقية فنون فجيم فألف فباء ينكشف ولا يذهب. الدّيجور: - بدال مهملة فتحتية فجيم- المراد به هنا] [ (1) ] الظلام الهاتف. الخطب- بخاء معجمة فطاء مهملة فموحدة هنا الأمر العظيم. معقد- بفتح القاف وكسرها- الآطام: - حصن مبني بحجارة. بالتسجام: - بفتح التاء مصدر وبكسر اسم. أزجر: - بهمزة فزاي فجيم فراء نظير. شيهم: - بشين معجمة فمثناة تحتية فهاء القنفذ. الصّل: بصاد مهملة فلام: الحية. نعب: - بنون فعين مهملة فباء فموحدة: الغراب وغيره، ونعبانا: صاح وصوّت ومد عنقه وحرك رأسه [في صياحه] . السّانح: - بسين مهملة فألف فنون فحاء مهملة المبارك، وفي المثل: «من لي بالسّانح بعد البارح» أي: المبارك بعد الشؤم.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب السادس والعشرون في بيان معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حياتي خير لكم وموتي خير لكم"

الباب السادس والعشرون في بيان معنى قوله- صلى الله عليه وسلم-: «حياتي خير لكم وموتي خير لكم» روى مسلم عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا أراد الله بأمّة خيرا قبض نبيها قبلها فجعله فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلاك أمّة عذّبها، ونبيّها حيّ، فأهلكها وهو ينظر فيقرّ عينه بهلاكها حيث عذّبوه وعصوا أمره وإنما كان قبض النبي- صلى الله عليه وسلم- خيرا لأمته لأنهم إذا قبضوا قبله انقطعت أعمالهم وإذا أراد الله بهم خيرا جعل خيرهم مستمرا ببقائهم محافظين على ما أمروا به من العبادات وحسن المعاملات، نسلا بعد نسل، وعقبا بعد عقب» . وروى ابن سعد وإسماعيل القاضي- بسند رجاله ثقات- عن بكر بن عبد الله المازني مرسلا قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، فإذا أنا مت كانت وفاتي خير لكم، تعرض عليّ أعمالكم، فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم» . قال الشيخ: - رحمه الله تعالى- في «فتاويه» : ليس قوله (خيرا) أفعل تفضيل فإن (خيرا) لها استعمالان: أحدهما: أن يراد بها معنى التفضيل لا الأفضلية، وضدها الشر وهي كلمة باقية على أصلها لم يحذف منها شيء. والثاني: أن يراد بها معنى الأفضلية، وهي التي توصل ب «من» وهذه أصلها أخير حذفت همزتها تخفيفا، ويقابلها شر التي أصلها أشر. قال في «الصحاح» : الخير ضد الشر قال الشاعر: فما كنانة في خير بخائرة ... ولا كنانة في شرّ بأشرار وتأنيث هذه خيّرة وجمعها: خيرات وهن الفاضلات من كل شيء، قال تعالى: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ [الرحمن 70] أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ [التوبة 88] ولم يريدوا بها معنى أفعل فلو أردت معنى التفضيل قلت: فلانة خير الناس ولم تقل: خيرة [وفلان خير الناس ولم تقل أخير] ولا تثنى ولا تجمع، لأنه في معنى أفعل انتهى كلام الصحاح. وقال الراغب في «مفردات القرآن» الخير والشر يقالان على وجهين أحدهما: أن يكونا اسمين كقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران 104] .

الثاني:

الثاني: أن يكونا وصفين وتقديرهما تقدير أفعل من نحو: هذا خير من ذاك وأفضل وقوله تعالى: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها [البقرة 106] ويحتمل الاسمية والوصفية معا كقوله تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة 184] . وقال أبو حيان في «البحر» في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ [البقرة 103] ليس «خير» هذا أفعل تفضيل بل هي للتفضيل لا للأفضلية كما في قوله تعالى: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ [فصلت 40] وخَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان 24] . وفي قول حسان: ............... ..... ... فشرّكما لخيركما الفداء وإذا عرفت ذلك «فخير» من الحديث من القسم الأوّل وهي التي يراد بها التفضيل لا الأفضلية، فلا توصل ب «من» وليست بمعنى أفعل وإنما المقصود إن في كل من حياته ومماته- صلى الله عليه وسلم- خيرا لا أن هذا خير من هذا، ولا أن هذا خير من هذا.

الباب السابع والعشرون في عظم المصيبة وما نزل بالمسلمين بموته - صلى الله عليه وسلم - والظلمة التي غشيت المدينة وتغير قلوب الناس وأحوالهم وبعض ما رثي به من الشعر

الباب السابع والعشرون في عظم المصيبة وما نزل بالمسلمين بموته- صلى الله عليه وسلم- والظّلمة التي غشيت المدينة وتغير قلوب الناس وأحوالهم وبعض ما رثي به من الشعر روى ابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بابا بينه وبين الناس أو كشف سترا فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم فقال: يا أيها الناس أيّما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بيّ عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدّ عليه من مصيبتي. وروى ابن سعد وابن الجوزي عن عطاء مرسلا قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أصابت أحدكم بمصيبة فليذكر مصابه بي، فإنّها من أعظم المصائب» [ (1) ] . وروى البيهقي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا لها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت، إذا ذكرنا مصيبتنا به- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن سعد عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سيعزّي الناس بعضهم بعضا من بعدي التعزية بي» [ (2) ] فكان الناس يقولون: ما هذا؟ فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لقى الناس بعضهم بعضا يعزّي بعضهم برسول الله- صلى الله عليه وسلم-. ورحم الله تعالى القائل: اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد ... واعلم بأنّ المرء غير مخلّد واصبر كما صبر الكرام فإنّها ... نوب تنوب اليوم تكشف في غد وإذا أتتك مصيبة تسجى بها ... فاذكر مصابك بالنّبيّ محمّد وقال القائل: تذكّرت لمّا فرّق الدّهر بيننا ... فعزّيت نفسي بالنّبيّ محمّد وقلت لها إنّ المنايا سبيلنا ... فمن لم يمت في يومه مات في غد

_ [ (1) ] ابن سعد 2/ 110. [ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 7/ 267.

قال ابن المنير: لما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسجّته الملائكة ودهش الناس واختلف أحوالهم في ذلك وأفحموا واختلطوا فمنهم من خبل ومنهم من أقعد ومنهم من أصمت فلم يطق الناس الكلام، ومنهم من أخبل فكان عمر فجعل يجلب ويصيح ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران حين غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم، وكان ممن أقعد وفي لفظ عقر علي فلم يستطع حراكا، وكان من أخرس عثمان بن عفان حتى جعل يذهب به ويجاء ولا يستطيع كلاما، وأما عبد الله بن أنيس فأضنى حتى مات كمدا. وروى ابن سعد عن عكرمة قال: لما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: عرج بروحه كما عرج بروح عيسى الحديث وقال العباس- رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأسن كما يأسن البشر وإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد مات ... إلى آخره، فهذا مرسل كما ترى، ورواه إسحاق بن راهويه بسند رجاله رجال البخاري إلا أنّ عكرمة لم يسمع من العباس فإن كان الواسطة بينهما عبد الله بن عباس فهو صحيح، وقد رواه الطبراني من طريق ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن العباس بنحوه وهو على شرط البخاري. قال الحافظ ابن حجر فما وجد بخطه: وهذا الذي قاله العباس لم ينقله عن توقيف بل اجتهادا على العادة ولا يستلزم أن يقع ذلك، ولما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزيّنت الجنان لقدوم روحه الكريمة كزينة المدينة يوم قدومه إذا كان عرش الرّحمن قد اهتزّ بموت بعض أتباعه فرحا واستبشارا فكيف بقدوم روح الأرواح، وكادت الجمادات تتصدّع من ألم مفارقته- صلى الله عليه وسلم- فكيف بقلوب المؤمنين لما فقد الجذع الذي كان يخطب إليه قبل اتخاذ المنبر حنّ إليه وصاح، كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال: هذه خشبة تحن إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه. فلو ذاق من طعم الفراق رضوى ... لكان من وجده يميد فقد حمّلوني عذاب شوق ... يعجز عن حمله الحديد وقال غيره: وقد كان يدعى لابس الصّبر حازما ... فأصبح يدعى حازما حين يجزع وروى أبو علي بن شاذان عن سالم بن عبيد الأشجعي قال: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أجزع النّاس عليه عمر بن الخطاب. وروى أبو الحسن البلاذري بسند جيد عن عروة قال: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل عمر فأصابه خبل فأقبل يقول ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

وروى أيضا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: بكى الناس يوم مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى النساء في الخدور، وكادت البيوت تسقط من الصّراخ. وروى ابن عساكر عن أبي ذؤيب الهذلي: أنه لما قدم المدينة يوم مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا لها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا بالإحرام. وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد أن رجلا من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذهب بصره فدخل عليه أصحابه يعودونه، فقال: إنما كنت أريدهما لأنظر بهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأما إذ قبض الله نبيّه فما يسرني أن ما بهما بظبي من ظباء تبالة. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند صحيح وابن أبي شيبة والبزار والطبراني عن الزهري قال: أخبرني رجل من الأنصار من أهل الثقة، وأبو عبد الله بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعنا عثمان بن عفان يقول: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسوس رجال فإني كنت فيمن وسوس فمر عليّ عمر فسلّم فلم أردّ عليه ما علمت بتسليمه ... الحديث. وروى ابن سعد وابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن عدي والدارقطني في «الإفراد» والعقيلي والبيهقي في «شعب الإيمان» والضياء عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أن رجالا من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حزنوا عليه حتى كاد بعضهم يوسوس وكنت منهم فقلت لأبي بكر: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن أسأله عن نجاة هذه الأمة، قال أبو بكر: قد سألته عن ذلك، فقال: من قبل مني الكلمة التي عرضتها على عمي فردها عليّ فهي له نجاة. وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه والبيهقي بسند قال ابن كثير: على شرط الشيخين عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان اليوم الذي [دخل فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي] [ (1) ] مات فيه أظلم من المدينة كل شيء. وفي رواية: أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يبصرها، وفي رواية: فلم أر يوما أقبح منه فما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا انتهى. وروى الإمام أحمد ومسلم والبيهقيّ عنه قال: إن أمّ أيمن بكت لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقيل لها: ما يبكيك يا أم أيمن ما عند الله خير لرسوله- صلى الله عليه وسلم- قد أكرم الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- وأدخله جنته، وأراحه من نصب الدنيا فقالت: والله ما أبكي، أن لا أكون أعلم أنّ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء كان يأتينا غضّا جديدا كل يوم وليلة، فعجب الناس من قولها» .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

وروى أبو الربيع بهذا اليوم- يعني يوم الاثنين- كم خير لست فيه إلى أهل الأرض وأي مصيبة نزلت فيه عشية ضاق عنها منفسح الطول والعرض: وهل عدلت يوما رزيئة هالك ... رزيئة يوم مات فيه محمّد فيا لها والله مصيبة أحرقت الأكباد ... وغمرت بالأسف والحزن الأبناء والآباء وزرا ثقيلا إلى كاهل الإيمان منه ما أباد ... وخطبا جليلا أودى بكلّ جميل أو كاد وأنشد بعض الأنصار عند موته- صلّى الله عليه وسلم-: فالصّبر يحمد في المصائب كلّها ... إلّا عليك فإنّه مذموم ولولا أن الله سبحانه وتعالى ربط على القلوب من بعده بأمر من عنده لأورث مكانها كمدا، ولما وجدت إلى البقاء مستلفا ولا عن وحي الغناء ملتحدا. وقال أبو الفتح: فيا له من خطب جلّ على الخطوب ... ومصاب دمع العين كيف يصوب؟ ورزّء عزيت له النّيران ... ولا تعلّل شروقها والغروب وجادت هجمة الموت فلا نجا ... منها هارب ولا فرار منه لمطلوب ولا صباح له فتجلو غياهبه الملمة ودياجيه المدلهمة، ولكل ليل إذا رجى صباح يؤوب، ومن شر أهل الأرض ثم بكى أنس، بكى بعيون سرفها وقلوب فإنا لله وإنا إليه راجعون. من نار حنت عليه الأضالع ... ولا تخبو ولا تخمد ومصيبة تستكّ منها المسامع ... فلا يبكّي على مرّ الجديد من حزنها المجدّد وهل عدلت يوما رزيئة هالك ... رزيئة يوم مات فيه محمّد وما فقد الماضون مثل محمّد ... ولا مثله حتّى القيامة يفقد وقال أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- فيما ذكره ابن سعد يرثيه- صلى الله عليه وسلم-: أجدّك ما لعينك لا تنام ... كأنّ جفونها فيها كلام بوقع مصيبة عظمت وجلّت ... فدمع العين أهونه انسجام فجعنا بالنّبيّ، وكان فينا ... مقدّمنا، وسيدنا الإمام وكان قوامنا، والرأس فينا ... فنحن اليوم ليس لنا قوام ننوح ونشتكي ما قد لقينا ... ويشكو فقده البلد الحرام كأنّ أنوفنا لاقين جدعا ... لفقد محمّد، فيها اصطلام

لفقد أغرّ أبيض هاشميّ ... إمام نبوّة، ربه الختام أمين، مصطفى، للخير يدعو ... كضوء البدر زايله الظّلام سأتبع هديه ما دمت حيّا ... طوال الدّهر ما سجع الحمام كأنّ الأرض بعدك طار فيها ... فأشعلها لساكنها ضرام وفقد الوحي إذ ولّيت عنّا ... وودّعنا من الله الكلام سوى أن قد تركت لنا سراجا ... تواريه القراطيس الكرام لقد ورّثتنا مرآة صدق ... عليك به التّحيّة والسّلام من الرّحمن في أعلى جنان ... من الفردوس طاب بها المقام رفيق أبيك إبراهيم فيه ... وما في مثل صحبته ندام وإسحاق وإسماعيل فيه ... بما صلّوا لربّهم وصاموا وقال أيضاً- رضي الله تعالى عنه- ورحمه: يا عين فابكي ولا تسأمي، ... وحقّ البكاء على السّيّد! على خير خندف عند البلا ... ء أمسى يغيّب في الملحد فصلّى المليك وليّ العباد ... وربّ البلاد على أحمد فكيف الحياة لفقد الحبيب ... وزين المعاشر في المشهد؟ فليت الممات لنا كلّنا ... وكنّا جميعا مع المهتدي! وقال أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- فيما ذكره ابن سعد: لمّا رأيت نبيّنا متجدّلا ... ضاقت عليّ بعرضهنّ الدّور وارتعت روعة مستهام واله، ... والعظم مني واهن مكسور أعتيق ويحك! إنّ حبّك قد ثوى ... وبقيت منفردا وأنت حسير يا ليتني من قبل مهلك صاحبي ... غيّبت في جدث عليّ صخور! فلتحدثنّ بدائع من بعده، ... تعيا بهنّ جوانح وصدور وقال أبو بكر أيضا: فيما ذكره ابن سعد: باتت تأوّبني هموم ... حشّد ... مثل الصّخور فأمست هدّت الجسدا يا ليتني حيث نبّئت الغداة به ... قالوا الرّسول قد امسى ميّتا فقدا

ليت القيامة قامت بعد مهلكه، ... ولا نرى بعده مالا ولا ولدا! والله أثني علي شيء فجعت به ... من البريّة حتّى أدخل اللّحدا كم لي بعدك من همّ ينصّبني ... إذا تذكّرت أني لا أراك أبدا! كان المصفّاء في الأخلاق قد علموا، ... وفي العفاف فلم نعدل به أحدا نفسي فداؤك من ميت ومن بدن! ... ما أطيب الذّكر والأخلاق والجسدا! وقال عبد الله بن أنيس- رضي الله تعالى عنه- فيما ذكره ابن سعد: تطاول ليلي واعترتني القوارع ... وخطب جليل للبلية جامع! عذاة نعى النّاعي إلينا محمّدا، ... وتلك الّتي تستكّ منها المسامع فلو ردّ ميتا قتل نفسي قتلتها! ... ولكنه لا يدفع الموت دافع فآليت لا أثني على هلك هالك ... من النّاس، ما أوفى ثبير وفارع ولكنّني باك عليه ومتبع ... مصيبته. إنّي إلى الله راجع! وقد قبض الله النّبيّين قبله، ... وعاد أصبيت بالرّزى والتّبابع فيا ليت شعري! من يقوم بأمرنا؟ ... وهل في قريش من إمام ينازع؟ ثلاثة رهط من قريش هم هم ... أزمّة هذا الأمر، والله صانع عليّ أو الصّدّيق أو عمر لها، ... وليس لها بعد الثّلاثة رابع! فإن قال منّا قائل غير هذه ... أبينا، وقلن: الله راء وسامع فيا لقريش! قلّدوا الأمر بعضهم، ... فإنّ صحيح القول للناس نافع ولا تبطئوا عنها فواقا فإنّها ... إذا قطعت لم يمن فيها المطامع وقال حسان بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- فيما ذكره ابن سعد: يا عين جودي بدمع منك إسبال! ... ولا تملّنّ من سحّ وإعوال! لا ينفدن لي بعد اليوم دمعكما، ... إنّي مصاب وإنّي لست بالسّالي فإنّ منعكما من بعد بذلكما ... إيّاي مثل الّذي قد غرّ بالآل! لكن أفيضي على صدري بأربعة، ... إنّ الجوانح فيها هاجس صالي سحّ الشّعيب وماء الغرب يمنحه ... ساق يحمّله ساق بإزلال حامي الحقيقة نسّال الوديقة فكّ ... اك العناة، كريم ماجد عال!

على رسول لنا محض ضريبته، ... سمح الخليقة، عفّ غير مجهال! كشّاف مكرمة، مطعام مسغبة، ... وهّاب عانية وجناء شملال! عفّ مكاسبه، جزل مواهبه، ... خير البريّة سمح غير نكّال! واري الزّناد وقوّاد الجياد إلى ... يوم الطّراد، إذا شبّت بأجذال ولا أزكّي على الرّحمن ذا بشر ... لكنّ علمك عند الواحد العالي! إنّي أرى الدّهر والأيام يفجعني ... بالصّالحين، وأبقى ناعم البال! يا عين فابكي رسول الله إذ ذكرت ... ذات الإله، فنعم القائد الوالي! وقال فيما ذكره ابن سعد- رضي الله تعالى عنه-: يا عين فابكي بدمع ذرى ... لخير البريّة والمصطفى! وبكّي الرّسول! وحقّ البكاء ... عليه، لدى الحرب عند اللّقا! على خير من حملت ناقة، ... وأتقى البريّة عند التّقى على سيّد ماجد جحفل، ... وخير الأنام وخير اللها! له حسب فوق كلّ الأنا ... م من هاشم ذلك المرتجى نخصّ بما كان من فضله، ... وكان سراجا لنا في الدّجى! وكان بشيرا لنا منذرا، ... ونورا لنا ضوءه قد أضا فأنقذنا الله في نوره، ... ونجّى برحمته من لظى! وقالت عاتكة بنت عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما: عينيّ، جودا طوال الدّهر وانهمرا ... سكبا وسحّا بدمع غير تعذير! يا عين، فاسحنفري بالدّمع واحتفلي ... حتّى الممات بسجل غير منزور يا عين فانهملي بالدّمع واجتهدي ... للمصطفى، دون خلق الله، بالنّور بمستهلّ من الشّؤبوب ذي سيل، ... فقد رزئت نبيّ العدل والخير! وكنت من حذر للموت مشفقة، ... والّذي خطّ من تلك المقادير! من فقد أزهر ضافي الخلق ذي فخر ... صاف من العيب والعاهات والزّور! فاذهب حميدا! جزاك الله مغفرة، ... يوم القيامة، عند النّفخ في الصّور وقال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه فيما ذكره ابن إسحاق: بطيبة رسم للرّسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرّسوم وتهمد

ولا تمتحي الآيات من دار حرمة ... بها منبر الهادي الّذي كان يصعد وواضح آثار وباقي معالم ... وربع له فيه مصلّى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها ... من الله نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها ... أتاها البلى فالآي منها تجدّد عرفت بها رسم الرّسول وعهده ... وقبرا بها واراه في التّرب ملحد ظللت بها أبكي الرّسول فأسعدت ... عيون ومثلاها من الجفن تسعد يذكّرن آلاء الرّسول وما أرى ... لها محصيا نفسي فنفسي تبلّد مفجّعة قد شفّها فقد أحمد ... فظلّت لآلاء الرّسول تعدّد وما بلغت من كلّ أمر عشيره ... ولكن لنفسي بعد ما قد توجّد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها ... على طلل القبر الّذي فيه أحمد فبوركت يا قبر الرّسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرّشيد المسدّد وبورك لحد منك ضمّن طيّبا ... عليه بناء من صفيح منضّد تهيل عليه التّرب أيد وأعين ... عليه وقد غارت بذلك أسعد لقد غيّبوا حلما وعلما ورحمة ... عشيّة علّوه الثّرى لا يوسّد وراحوا بحزن ليس فيهم نييّم ... وقد وهنت منهم ظهور وأعضد يبكون من تبكي السّماوات يومه ... ومن قد بكته الأرض فالنّاس أكمد وهل عدلت يوما رزيّة هالك ... رزيّة يوم مات فيه محمّد تقطّع فيه منزل الوحي عنهم ... وقد كان ذا نور يغور وينجد يدلّ على الرّحمن من يقتدى به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمامٌ لهم يهديهم الحقّ جاهداً ... معلّم صدقٍ إن يطيعوه يسعدوا عفوٌّ عن الزّلاّت يقبل عذرهم ... وإن يحسنوا فالله بالخير أجود وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله ... فمن عنده تيسير ما يتشدّد فبينا هم في نعمة الله بينهم ... دليل به نهج الطّريقة يقصد عزيز عليه أن يجورا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهدوا عطوفٌ عليهم لا يثني جناحه ... إلى كنفٍ يحنو عليهم ويمهد

فبينا هم في ذلك النّور إذ غدا ... إلى نورهم سهم من الموت مقصد فأصبح محموداً إلى الله راجعاً ... يبكّيه حقّ المرسلات ويحمد وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها ... لغيبة ما كانت من الوحي تعهد قفارا سوى معمورة اللّحد ضافها ... فقيد يبكّيه بلاط وغرقد ومسجده فالموحشات لفقده ... خلاء له فيه مقام ومقعد وبالجمرة الكبرى له ثمّ أوحشت ... ديار وعرصات وربع ومولد فبكى رسول الله يا عين عبرة ... ولا أعرفنك الدّهر دمعك يجمد وما لك لا تبكين ذا النّعمة الّتي ... على النّاس منها سابغ يتغمّد فجودي عليه بالدّموع وأعولي ... لفقد الّذي لا مثله الدّهر يوجد وما فقد الماضون مثل محمّد ... ولا مثله حتّى القيامة يفقد أعفّ وأوفى ذمّة بعد ذمّة ... وأقرب منه نائلا لا ينكّد وأبذل منه للطّريف وتالد ... إذا ضنّ معطاء بما كان يتلد وأكرم صيتاً في البيوت إذا انتمى ... وأكرم جدّاً أبطحيّاً يسوّد وأمنع ذروات وأثبت في العلا ... دعائم عزّ شاهقات تشيّد وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا ... وعودا غذاه المزن فالعود أغيد ربّاه وليدا فاستتمّ تمامه ... على أكرم الخيرات ربّ ممجّد تناهت وصاة المسّلمين بكفّه ... فلا العلم محبوس ولا الرّأي يفند أقول ولا يلقى لقولي عائب ... من النّاس إلا عازب العقل مبعد وليس هواي نازعا عن ثنائه ... لعلّي به في جنّة الخلد أخلد مع المصطفى أرجوا بذاك جواره ... وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد وقال حسان بن ثابت أيضا [يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم] : ما بال عينك لا تنام كأنّما ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد جزعاً على المهديّ أصبح ثاوياً ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد وجهي يقيك التّرب لهفي ليتني ... غيّبت قبلك في بقيع الغرقد بأبي وأمي من شهدتّ وفاته ... في يوم الاثنين النّبيّ المهتدي

فظللت بعد وفاته متبلّدا ... متلدّدا يا ليتني لم أولد أأقيم بعدك بالمدينة بينهم ... يا ليتني صبّحت سمّ الأسود أو حلّ أمر الله فينا عاجلا ... في روحة من يومنا أو من غد فتقوم ساعتنا فنلقى طيّبا ... محضا ضرائبه كريم المحتد يا بكر آمنة المبارك بكرها ... ولدته محصنة بسعد الأسعد نورا أضاء على البريّة كلّها ... من يهد للنّور المبارك يهتدي يا ربّ فاجمعنا معا ونبيّنا ... في جنّة تثني عيون الحسّد في جنّة الفردوس فاكتبها لنا ... يا ذا الجلال وذا العلا والسّؤدد والله أسمع ما بقيت بهالك ... إلّا بكيت على النبيّ محمّدٍ يا ويح أنصار النّبيّ ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا ... سودا وجوههم كلون الإثمد ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لا تجحد والله أهداه لنا وهدى به ... أنصاره في كل ساعة مشهد صلّى الإله ومن يحفّ بعرشه ... والطيّبون على المبارك أحمد وقال رضي الله عنه: نبّ المساكين أنّ الخير فارقهم ... مع النّبيّ تولّى عنهم سحرا من ذا الّذي عنده رحلي وراحلتي ... ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا أم من نعاتب لا نخشى جنادعه ... إذا اللّسان عتا في القول أو عثرا كان الضّياء وكان النّور نتبعه ... بعد الإله وكان السّمع والبصرا فليتنا يوم واروه بملحدة ... وغيّبوه وألقوا فوقه المدرا لم يترك الله منّا بعده أحدا ... ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا ذلّت رقاب بني النّجّار كلّهم ... وكان أمرا من أمر الله قد قدرا واقتسم الفيء دون النّاس كلّهم ... وبدّدوه جهارا بينهم هدرا وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله- صلى الله عليه وسلم أيضا: آليت ما في جميع النّاس مجتهدا ... منّي أليّة برّ غير إفناد

تالله، ما حملت أنثى ولا وضعت ... مثل الرّسول نبيّ الأمّة الهادي ولا برا الله خلقا من بريّته ... أوفى بذمّة جار أو بميعاد من الّذي كان فينا يستضاء به ... مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد أمسى نساؤك عطّلن البيوت فما ... يضربن فوق قفا ستر بأوتاد مثل الرّواهب يلبسن المباذل قد ... أيقنّ بالبؤس بعد النّعمة البادي يا أفضل النّاس إنّي كنت في نهر ... أصبحت منه كمثل المفرد الصّادي وقال أيضاً- رضي الله تعالى عنه-: أن الرّزيّة لا رزيّة مثلها ... ميت بطيبة مثله لم يفقد ولقد أصيب جميع أمّته به ... من كان مولودا، ومن لم يولد والنّاس كلّهم بما قد عالهم ... يرجو شفاعته بذاك المشهد حتّى الخليل أبوه في أشياعه ... ونجيّه موسى النّبيّ المهتدي متواضعين لربّهم برقابهم ... تلك الفضيلة، واجتماع السّؤدد يا خير من شدّ المطيّة نحوه ... وفد لحاجته يروح ويغتدي أنت الّذي استنقذتنا من حفرة ... من يهو فيها من هواه يبعد فهديتنا بعد الضّلالة والرّدى ... بهدى الإله إلى السّبيل الأرشد فجزاك عنّا الله خير جزائه ... بمقام محمود المقام مسدّد وقالت عاتكة بنت عبد المطلب- رضي الله تعالى عنها-: يا عين، جودي- ما بقيت- بعبرة ... سحّا على خير البريّة أحمد يا عين، فاحتفلي وسحّي واسجمي ... وابكي على نور البلاد محمّد! أنّى، لك الويلات! مثل محمّد ... في كلّ نائبة تنوب ومشهد؟ فابكي المبارك والموفّق ذا التّقى، ... حامي الحقيقة ذا الرّشاد المرشد من ذا يفكّ عن المغلّل غلّه ... بعد المغيّب في الضّريح الملحد؟ أم من لكلّ مدفّع ذي حاجة، ... ومسلسل يشكو الحديد مقيّد؟ أم من لوحي الله يترك بيننا ... في كلّ ممسى ليلة أو في غد؟ فعليك رحمة ربّنا وسلامه، ... يا ذا الفواضل والنّدى والسّودد!

هلّا فداك الموت كلّ ملعّن ... شكس خلائقه لئيم المحتد؟ وقالت أيضاً- رضي الله تعالى عنها-: أعينيّ، جودا بالدّموع السّواجم ... على المصطفى بالنّور من آل هاشمٍ على المصطفى بالحقّ والنّور والهدى ... وبالرّشد بعد المندبات العظائم وسحّا عليه وابكيا، ما بكيتما، ... على المرتضى للمحكمات العزائم على المرتضى للبرّ والعدل والتّقى، ... وللدّين والإسلام بعد المظالم على الطّاهر الميمون ذي الحلم والنّدى ... وذي الفضل والدّاعي لخير التّراحم أعينيّ، ماذا، بعد ما قد فجعتما ... به، تبكيان الدّهر من ولد آدم؟ فجودا بسجل واندبا كل شارق ... ربيع اليتامى في السّنين البوازم! وقالت أروى بنت عبد المطلب- رضي الله تعالى عنها-: ألا يا عين! ويحك أسعديني ... بدمعك، ما بقيت، وطاوعيني ألا يا عين ويحك! واستهلّي ... على نور البلاد وأسعديني! فإن عذلتك عاذلة فقولي: ... علام وفيم، ويحك! تعذليني؟ على نور البلاد معا جميعا ... رسول الله أحمد فاتركيني فإلّا تقصري بالعذل عنّي، ... فلومي ما بدا لك أو دعيني! لأمر هدّني وأذلّ ركني، ... وشيّب بعد جدّتها قروني! وقالت أيضاً- رضي الله تعالى عنها-: إلا يا رسول الله، كنت رجاءنا، ... وكنت بنا برّا ولم تك جافيا! وكنت بنا روفا رحيما نبيّنا، ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا! لعمرك، ما أبكي النّبي لموته! ... ولكن لهرج كان بعدك آتيا كأنّ على قلبي لذكر محمّد، ... وما خفت من بعد النّبيّ المكاويا أفاطم، صلّى الله، ربّ محمّد، ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا! أبا حسن، فارقته وتركته، ... فبكّ بحزن آخر الدّهر شاجيا! فدا لرسول الله أمّي وخالتي ... وعمّي ونفسي قصرة ثمّ خاليا صبرت وبلّغت الرّسالة صادقا، ... وقمت صليب الدّين أبلج صافيا!

فلو أنّ ربّ النّاس أبقاك بيننا ... سعدنا، ولكن أمرنا كان ماضيا! عليك من الله السّلام تحيّة، ... وأدخلت جنّات من العدن راضيا! وقال كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه-: وباكية حرّاء تحزن بالبكا ... وتلطم منها خدّها والمقلّدا على هالك بعد النّبيّ محمّد ... ولو علمت لم تبك إلّا محمّدا فجعنا بخير النّاس حيّا وميّتا ... وأدناه من ربّ البريّة مقعدا وأفظعهم فقدا على كل مسلم ... وأعظمهم في النّاس كلّهم يدا لقد ورثت أخلاقه المجد والثّقى ... فلم تلقه إلّا رشيدا ومرشدا وقالت صفية بنت عبد المطلب- رضي الله تعالى عنها-: لهف نفسي! وبتّ كالمسلوب ... آرق اللّيل فعلة المحروب! من هموم وحسرة ردفتني، ... ليت أنّي سقيتها بشعوب! حين قالوا: إنّ الرّسول قد امسى ... وافقته منيّة المكتوب! إذ رأينا أنّ النّبيّ صريع، ... فأشاب القذال أيّ مشيب إذ رأينا بيوته موحشات، ... ليس فيهنّ بعد عيش حبيبي أورث القلب ذاك حزنا طويلا، ... خالط القلب، فهو كالمرعوب ليت شعري! وكيف أمسي صحيحا ... بعد أن بين بالرّسول القريب؟ أعظم الناس في البريّة حقّا، ... سيّد النّاس حبّه في القلوب فإلى الله ذاك أشكوا وحسبي، ... يعلم الله حوبتي ونحيبي! وقالت أيضاً- رضي الله تعالى عنها-: أفاطم، بكّي ولا تسأمي ... بصبحك، ما طلع الكوكب! هو المرء يبكى، وحقّ البكاء! ... هو الماجد السّيّد الطّيّب! فأوحشت الأرض من فقده، ... وأيّ البريّة لا ينكب؟ فما لي بعدك حتّى المما ... ت إلّا الجوى الدّاخل المنصب فبكّي الرّسول! وحقّت له ... شهود المدينة والغيّب! لتبكيك شمطاء مضرورة، ... إذا حجب النّاس لا تحجب

ليبكيك شيخ أبو ولدة ... يطوف بعقوته أشهب ويبكيك ركب إذا أرملوا، ... فلم يلف ما طلب الطّلّب وتبكي الأباطح من فقده، ... وتبكيه مكّة والأخشب وتبكي وعيرة من فقده ... بحزن ويسعدها الميثب! فعيني ما لك لا تدمعين؟ ... وحقّ لدمعك يستكب! وقالت صفية بنت عبد المطلب- رضي الله تعالى عنها-: ما لعينيّ لا تجودان ريّا ... إذ فقدنا خير البريّة حيّا يوم نادى إلى الصّلاة بلال ... فبكينا عند النّداء مليّا لم أجد قبلها، ولست بلاق ... بعدها غصّة أمرّ عليّا جلّ يوم أصبحت فيه عليلا ... لا يردّ الجواب منك إليّا ليت يومي يكون قبلك يوما ... أنضج القلب للحرارة كيّا خلقا عاليا، ودينا كريما ... وصراطا يهدى إليه سويّا وسراجا يجلو الظّلام منيرا ... ونبيّا مسدّدا عربيّا حازما، عازما، حليما، كريما ... عائدا بالنّوال، برّا تقيّا إنّ يوما أتى عليك ليوم ... كوّرت شمسه وكانت جليّا فعليك السّلام منّا ومن ... ربّك بالرّوح بكرة وعشيّا وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنها-: [أشاب ذؤابتي وأذلّ ركني ... بكاؤك، فاطم، الميت الفقيدا فأعطيت العطاء فلم تكدّر، ... وأخدمت الولائد والعبيدا وكنت ملاذنا في كلّ لزب، ... إذا هبّت شامية برودا] وإنّك خير من ركب المطايا، ... وأكرمهم إذا نسبوا جدودا! [رسول الله فارقنا، وكنّا ... نرجّي أن يكون لنا خلودا] أفاطم! فاصبري فلقد أصابت ... رزيئتك التّهائم والنّجودا وأهل البرّ والأبحار طرّا، ... فلم تخطئ مصيبته وحيدا وكان الخير يصبح في ذراه، ... سعيد الجدّ قد ولد السّعودا! فموتي إن قدرتي أن تموتي ... فقدتّ الطّيّب الرّجل الحميدا

رسول الله خير النّاس حقّا ... فلست أرى له أبدا مديدا وقال عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-: ما زالت مذ وضع الفراش لجنبه ... وثوى مريضا خائفا أتوقّع شفقا عليه أن يزول مكانه ... عنّا، فنبقى بعده نتوجّع نفسي فداؤك من لنا في أمرنا ... أو من نشاوره إذا فترجّع وإذا تحدّثنا الحوادث: من لنا ... بالوحي من ربّ رحيم يسمع ليت السّماء تفطّرت أكنافها ... وتناثرت فيها النّجوم الطّلّع لمّا رأيت النّاس هدّ جميعهم ... صوت ينادي بالنّعيّ فيسمع وسمعت صوتا قبل ذلك هدّني ... عبّاس ينعاه بصوت يقطع فليبكه أهل المدائن كلّها ... والمسلمون بكلّ أرض تجدع وقال علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-: ألا طرق النّاعي بليل فراعني ... وأرّقني لمّا استهلّ مناديا فقلت له لمّا رأيت الّذي أتى ... أغير رسول الله أصبحت ناعيا فحقّق ما أشفيت منه ولم يبل ... وكان خليلي عدّتي وجماليا فو الله، لا أنساك أحمد ما مشت ... بي العيس في أرض وجاوزت واديا وكنت متى أهبط من الأرض تلعة ... أجد أثرا منه جديدا وعافيا جواد تشظّى الخيل عنه كأنّما ... يرين به ليثا عليهنّ ضاريا من الأسد قد أحمي العرين مهابة ... تفادى سباع الأرض منه تفاديا شديد جريّ النّفس نهد مصدّر ... هو الموت مغدوّ عليه وغاديا [ (1) ]

_ [ (1) ] ومن مراثيه صلى الله عليه وسلم. قال حسان رضي الله تعالى عنه: إن الرزية لا رزية مثلها ... ميت بطيبة مثله لم يفقد ميت بطيبة أشرقت لحياته ... ظلم الحياة لمتهم أو منجد والكوكب الدري أصبح آفلا ... بالنور بعد تبلج وتصعد لله ما ضمنت حفيرة قبره ... منه، وما فقدت سوارى المسجد وقال حسان: يا لهف نفسي عليه حين ضمنه ... بطن الضريح علي وابن عباس

_ [ () ] مادت بي الأرض حتى كدت أدخلها ... بعد النبي رسول الله والآسي وقال حسان: متى يبد في الداجي إليهم جبينه ... يلح مثل مصباح الدجى المتوقد فمن كان أو من يكون كأحمد ... نظام لحق أو نكال لملحد وقال حسان: كنت السواد الناظري ... فعمى عليك الناظر من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر وقالت فاطمة الزهراء رضي الله عنها ترثى أباها صلّى الله عليه وسلم: لقد سال دمع العين من بعد حسرتي ... على صحن خدي من فراق أحبتي وقد تركوني باكى العين اشتكى ... فراقهم دوما وقلة حيلتي فبت على فرش السقام مسهدا ... أراعي نجوم الليل من عظم بلوتي وقد أورثوني حسرة لفراقهم ... ونيران وجد في جوانب مهجتي وقد سكنوا تحت التراب وأقفرت ... منازلهم من بعد حسن وبهجة أحباي إن البعد والسقم والنوى ... لقد غيرت لوني وجسمي وصحتي فيا رب بلغني المرام بنظرة ... إليه لتطفي نار حزني ووحشتي وأرمق نورا للحبيب محمد ... إمام البرايا خير كل الخليقة وأشكو إليه الوجد والسقم والجوى ... ليرثي لحالي في الهوى وصبابتي وأنشده يا خير من وطئ الثرى ... ويا خير مرسول إلى خير أمة بحقك كن لي في معادي شافعا ... فأنت غياثي في أماني وشدتي عليك صلاة الله ثم سلامه ... مدى الدهر، ما غنّى الحمام بروضة وقالت فاطمة: قل صبري، وبان عني عزائي ... بعد فقدي لخاتم الأنبياء عين يا عين اسكبي الدمع سحا ... ويك لا تبخلي بفيض الدماء يا رسول الإله، يا خيرة الله ... وكهف الأيتام والضعفاء قد بكتك الجبال والوحش جمعا ... والطير والأرض بعد بكى السماء وبكاك الحجون والركن والمش ... عر يا سيدي مع البطحاء وبكاك المحراب والدرس للقرا ... ن في الصبح معلنا والمساء وبكاك الإسلام إذ صار في ... الناس غريبا عن سائر الغرباء لو ترى المنبر الذي كنت تعلو ... هـ، علاه الظلام بعد الضياء يا إلهي عجل وفاتي سريعا ... فلقد نغص الحياة يا مولائي وقالت فاطمة: قد كنت لي جبلا ألوذ بظله ... فاليوم تسلمني لأجر ضاح قد كنت جار حميتي ما عشت لي ... واليوم بعدك من يريش جناحي وأغض من طرفي وأعلم أنه ... قد مات خير فوارسي وسلاحي حضرت منيته فأسلمني العزا ... وتمكنت ريب المنون جواحي نشر الغراب على ريش جناحه ... فظللت بين سيوفه ورماح إني لأعجب من يروح ويغتدي ... والموت بين بكوره ورواح فاليوم أخضع للدليل وأنقى ... ذلي، وأدفع ظالمي بالراح وإذا بكت قمرية شجنا به ... ليلا على غصن بكيت صباحي

_ [ () ] فالله صبرني على ما حل بي ... مات النبي، قد انطفى مصباحي وقالت الزهراء: قل للمغيب تحت أطباق الثرى ... إن كنت تسمع صرختي وندائيا صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام صرن لياليا قد كنت ذات حمى لظل محمد ... لا أخشى من ضيم، وكان جماليا فاليوم أخشع للذليل وأتقي ... ضيمي، وأدفع ظالمي بردائيا فإذا بكت قمرية في ليلها ... شجنا على غصن بكيت صباحيا فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي ... ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا وقالت فاطمة الزهراء: أغبر آفاق السماء وكورت ... شمس النهار، وأظلم العصران فالأرض من بعد النبي كئيبة ... أسفا عليه، كثيرة الرجفان فليبكه شرق البلاد وغربها ... ولتبكه مضر، وكل يمان وليبكه الطود المعظم جوده ... والبيت ذو الأستار والأركان يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه ... صلى عليك منزل القرآن نفسي فداؤك، ما لرأسك مائلا ... ما وسدوك وسادة الوسنان وقالت الزهراء: إذا مات قرم قل والله ذكره ... وذكر أبي مذ مات والله أزيد تذكرت لما فرّق الموت بيننا ... فعزيت نفسي بالنبي محمد فقلت لها: إن الممات سبيلنا ... ومن لم يمت في يومه مات في غد وقالت الزهراء: إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب فليت قبلك كان الموت صادفنا ... لما نعيت وحالت دونك الكتب وقالت فاطمة: ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لم يشم مدى الزمان الغواليا صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا وقالت الزهراء: قد كان بعدك أنباء وهنبثة ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... إذ غاب مذ غبت عنا الوحي والكتب وزاد جرمي بعد أبي العلاء بيتا ثالثا روي بروايتين: واختل لقومك لما غبت وانقلبوا ... لما قضيت، وحالت دونك الكثب فليت قبلك كان الموت صادفنا ... لما قضيت، وحالت دونك الكثب وقد أورد بعضهم بعد البيتين الأولين: أبدى رجال لنا نجوى صدورهم ... لما مضيت، وحالت دونك الترب تجهمتنا أناس، واستخف بنا ... لما فقدت، وكل الإرث مغتصب وكنت بدرا ونورا يستضاء به ... عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يؤنسنا ... وإذ فقدت فكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا ... لما مضيت وحالت دونك الكثب انا رزينا بما لم يرز ذو شجن ... من البرية، لا عجم ولا عرب

_ [ () ] وقالت فاطمة: إن حزني عليك حزن جديد ... وفؤادي والله صب عنيد كل يوم يزيد فيه شجوني ... واكتئابي عليك ليس يبيد جل خطبي، وبان عني عزائي ... فبكائي كل وقت جديد إن قلبا عليك يألف صبرا ... أو عزاء إنه لجليد وقالت فاطمة الزهراء: أبي وا أبتاه أجاب ربا دعاه ... جنة الفردوس مأواه من ربه ما أدنا إلى جبرئيل ننعاه وقالت فاطمة: إذا اشتد شوقي رزت قبرك باكيا ... أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي فيا ساكن الصحراء علمتني البكا ... وذكرك أنساني جميع المصائب فإن كنت عني في التراب مغيبا ... فما كنت من قلب الحزن بغائب وقالت صفية بنت عبد المطلب (عمة الرسول) ترثيه: أفاطم بكي ولا تسأمي ... بصبحك ما طلع الكوكب هو المرء يبكي وحق البكا ... هو الماجد السيد الطيب فأوحشت الأرض من فقده ... وأي البرية لا ينكب فما لي بعدك حتى المما ... ت إلا الجوى الداخل المنصب فبكي الرسول وحقت له ... شهود المدينة والغيب لتبكيك شمطاء مضرورة ... إذا حجب الناس لا تحجب ليبكيك شيخ أبو ولدة ... يطوف بعقوته أشهب ويبكيك ركب إذا أرملوا ... فلم يلف ما طلب الطلب وتبكي الأباطح من فقده ... وتبكيه مكة والأخشب وتبكي وعيرة من فقده ... بحزن، ويسعدها الميثب فعيني ما لك لا تدمع ... ين وحق لدمعك يستسكب وقال سالم بن زهير المحاربي أفاطم بكي ولا تسأمي ... فقد فاتك الماجد الطيب جوى حل بين الحشا والشغا ... ف، فخيم فيه فلا يذهب فيا عين ويحك لا تهجعي ... وما بال دمعك لا يسكب فمن ذا- لك الويل- بعد الرسو ... ل، يبكي من الناس أو يندب وقال عبد الله بن سلمة الهمداني: أنشد معترفا للمهاجرين بفضل هجرتهم، وللأنصار بفضل نصرتهم مشاركا لهما في رثاء النبي- صلّى الله عليه وسلم-، فقال: إن فقد النبي جزعنا اليو ... م فدته الأسماع والأبصار ما أصيبت به الغداة قريش ... لا، ولا أفردت به الأنصار فعليه السلام ما هبت الري ... ح، ومدت جنح للظلام نوار وقال علي بن أبي طالب أمن بعد تكفين النبي ودفنه ... نعيش بآلاء ونجنح للسلوى رزئنا رسول الله حقا فلن نرى ... بذاك عديلا ما حيينا من الردى

_ [ () ] وكنت لنا كالحصن من دون أهله ... له معقل حرز حريز من العدى وكنا بمرآكم نرى النور والهدى ... صباح مساء، راح فينا أو اغتدى لقد غشيتنا ظلمة بعد فقدكم ... نهارا وقد زادت على ظلمة الدجى فيا خير من ضم الجوانح والحشا ... ويا خير ميت ضمه الترب والثرى كأن أمور الناس بعدك ضمنت ... سفينة موج حين في البحر قد سما وضاق فضاء الأرض عنا برحبه ... لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى فقد نزلت بالمسلمين مصيبة ... كصدع الصفا، لا شعب للصدع في الصفا فلن يستقل الناس ما حل فيهم ... ولن يجبر العظم الذي منهم وهي وفي كل وقت للصلاة يهيجها ... بلال، ويدعو باسمه كلها دعا ويطلب أقوام موارث هالك ... وفينا مواريث النبوة والهدى وقال الإمام علي: أمن بعد تكفين النبي ودفنه ... بأثوابه آسى على هالك ثوى رزئنا رسول الله فينا فلن نرى ... بذاك عديلا ما حيينا من الورى وكان لنا كالحصن من دون أهله ... لهم معقل حرز حريز من العدى وكنا به شم الأنوف بنحوه ... على موضع لا يستطاع ولا يرى فيا خير من ضم الجوانح والحشا ... ويا خير ميت ضمه الترب والثرى كأن أمور الناس بعدك ضمنت ... سفينة موج البحر، والبحر قد طمى وضاق فضاء الأرض عنهم برحبه ... لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى فيا حزنا إنا رأينا نبينا ... على حين تم الدين واشتدت القوى وكان الألى شبهته سفر ليلة ... أضل الهدى لا نجم فيها ولا ضوى وقالت أم سلمة زوج الرسول صلّى الله عليه وسلم: فجعنا بالنبي، وكان فينا ... إمام كرامة، نعم الإمام وكان قوامنا، والرأس منا ... فنحن اليوم ليس لنا قوام ننوح ونشتكي ما قد لقينا ... ويشكو فقدك البلد الحرام فلا تبعد، فكل فتى كريم ... سيدركه- وإن كره- الحمام وقال كعب: ألا أنعي النبي إلى العالمينا ... جميعا لا سيما المسلمينا ألا أنعى النبي لأصحابه ... وأصحاب أصحابه التابعينا ألا أنعي النبي إلى من هدى ... من الجن ليلة إذ تسمعونا لفقد النبي إمام الهدى ... وفقد الملائكة المنزلينا وقال سواد بن قارب الدوسي: جلت مصيبتك الغداة سواد ... وأرى المصيبة بعدها تزداد أبقى لنا فقد النبي محمد ... صلى الإله عليه ما يعتاد

_ [ () ] حزنا لعمرك في الفؤاد مخامرا ... أم هل لمن فقد النبي فؤاد؟ كنا نحل به جنابا ممرعا ... جف الجناب، فأجدب الرواد فبكت عليه أرضنا وسماؤنا ... وتصدعت وجدا به الأكباد قل المتاع به وكان عيانه ... حلما تضمن سكرتيه رقاد إن العيان هو الطريف وحزنه ... باق لعمرك في الفؤاد تلاد إن للنبي وفاته كحياته ... الحق حق والجهاد جهاد لو قيل تفدون النبي محمدا ... بدلت له الأموال والأولاد وتسارعت فيه النفوس ببدلها ... هذا له الأغياب والأشهاد هذا وهذا لا يرد نبينا ... لو كان يفديه سواد إني أحاذر والحوادث جمة ... أمرا لعاصف ريحه إرعاد إن جل منه ما يخاف فأنتمو ... للأرض إن رجفت بنا أوتاد لو زاد قوم فوق منية صاحب ... زدتم، وليس لمنية مزداد وقال عبد الله بن مالك الأرحبي: لعمري لئن مات النبي محمد ... لما مات يا بن القبل رب محمد دعاه إليه ربه فأجابه ... يا خير غورى ويا خير منجد وقال عامر بن الطفيل الأزدي: بكت الأرض والسماء على النو ... ر الذي كان للعباد سراجا من هدينا به سبل الحق ... وكنا لا نعرف المنهاجا وقال مران ذي عمير بن أبي مران الهمداني: إن حزني على الرسول طويل ... ذاك مني على الرسول قليل بكت الأرض والسماء عليه ... وبكاه خديمه جبريل وقال أبو الهيثم بن التيهان: لقد جدعنا آذاننا وأنوفنا ... غداة فجعنا بالنبي محمد وقال أبو ذؤيب الهذلي: لما رأيت الناس في عسلاتهم ... ما بين ملحود له ومضرح متبادرين لشرجع بأكفهم ... نص الرقاب لفقد أبيض أروح فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت ... جار الهموم يبيت غير مروح كسفت لمصرعه النجوم وبدرها ... وتضعضعت آطام بطن الأبطح وتزعزعت أجبال يثرب كلها ... ونخيلها لحلول خطب مفدح ولقد زجرت الطير قبل وفاته ... بمصابه، وزجرت سعد الأذبح وزجرت أن نعب المشحج سائحا ... متفائلا فيه بفأل أقبح وقال عمر الفاروق: لعمري لقد أيقنت أنك هالك ... ولكنهما أبدي الذي قلته الجزع

_ [ () ] وقلت يغيب الوحي عنا لفقده ... كما غاب موسى، ثم يرجع كما رجع (كذا) وكان هواي أن تطول حياته ... وليس لحي في بقا ميت طمع فلما كشفنا البرد عن حر وجهه ... إذا الأمر بالجزع الموعب قد وقع فلم تك لي عند المصيبة حيلة ... أرد بها أهل الشماتة والقذع سوى آذن الله الذي في كتابه ... وما آذن الله العباد به يقع وقد قلت من بعد المقالة قولة ... لها حلوق الشامتين به بشع إلا إنما كان النبي محمد ... إلى أجل وافى به الموت فانقطع ندين على العلات منا بدينه ... ونعطي الذي عطى ونمنع ما منع ووليت محزونا بعين سخينة ... أكفكف دمعي والفؤاد قد انصدع وقلت لعيني كل دمع دخرته ... فجودي به إن الشجي له دفع وقال الصديق: باتت تأويني هموم حشد ... مثل الصخور، فأمست هدت الجسدا يا ليتني حيث نبئت الغداة به ... قالوا: الرسول قد أمسى ميتا، فقدا ليت القيامة قامت بعد مهلكه ... ولا نرى بعده مالا ولا ولدا والله أثنى على شيء فجعت به ... من البرية حتى أدخل اللحدا كم لي بعدك من هم ينصبني ... إذا تذكرت أني لا أراك أبدا كان المصفاء في الأخلاق قد علموا ... وفي العفاف. فلم نعدل به أحدا نفسي فداؤك من ميت ومن بدن ... ما أطيب الذكر، والأخلاق، والجسدا وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية: أمست مراكبه أوحشت ... وقد كان يركبها زينها وأمست تبكي على سيد ... تردد عبرتها عينها وأمست نساؤك ما تستفي ... ق، من الحزن يعتادها دينها وأمست شواحب مثل النصا ... ل، قد عطلت، وكبا لونها يعالجن حزنا بعيد الذها ... ب، وفي الصدر مكتنع حينها يضربن بالكف حر الوجو ... هـ، على مثله جادها شونها هو الفاضل السيد المصطفى ... على الحق مجتمع دينها فكيف حياتي بعد الرسو ... ل، وقد حان من ميتة حينها وقالت هند بنت الحارث بن عبد المطلب: يا عين جودي بدمع منك وابتدري ... كما تنزل ماء الغيث فانثعبا أو فيض غرب على عادية طويت ... في جدول خرق بالماء قد سربا لقد أتتني من الأنباء معضلة ... أن ابن آمنة المأمون قد ذهبا أن المبارك والميمون في جدث ... قد ألحفوه تراب الأرض والحدبا أليس أوسطكم بيتا، وأكرمكم ... خالا وعما، كريما ليس مؤتشبا

تنبيهات

تنبيهات الأول: روى الإمام احمد وابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن المراثي وعند ابن أبي شيبة بلفظ: نهانا عن أن نتراثى. الثاني: في بيان غريب ما سبق سجّي: أي غطّي [والمتسجّي: المتغطي من الليل الساجي، لأنه يغطي بظلامه وسكونه] . يجلب: بمثناة تحتية فجيم فلام يقال: جلب عليه يجلب بضم اللام جلبا بالفتح صاح من خلفه وأجلب مثله. عقر: بكسر القاف. دهش فلا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر. وقيل: سقط إلى الأرض من قامته وحكاه ابن السكّيت بالفاء من العفر وهو التراب وصوّب ابن كيسان الروايتين معا والعفر بفتحتين. يأسن: [أي يتغير] . حنّ: [أي نزع واشتاق وأصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها] . ضوى: ... الخدور: ... الصراخ: ... الحجيج: ... تبالة: ...

_ [ () ] وقالت حاضنته أم أيمن: عين جودي فإن بذلك للدم ... ع شفاء، فأكثري من البكاء حين قالوا: الرسول أمسى فقيدا ... ميتا كان ذاك كل البلاء وأبكيا خير من رزئناه في الدني ... يا، ومن خصه بوحي السماء بدموع غزيرة منك حتى ... يقضي الله فيك خير القضاء فلقد كان ما علمت وصولا ... ولقد جاء رحمة بالضياء ولقد كان بعد ذلك نورا ... وسراجا يضيء في الظلماء طيب العود والضريبة والمع ... دن والخيم، خاتم الأنبياء

العض: ... الأكباد: ... الأسف: ... الحزن: ... الوزر: ... الكاهل: ... أودى: [أهلك] . الكمد: [هم وحزن لا يستطاع إمضاؤه وقيل: الحزن المكتوم] . الدياجي: [ ... ] . المدلهمة: [شديدة الظلمة] . **** تستك: ... روعة: [الروع الفزع] . المستهام: [هام فلان خرج على وجهه في الأرض لا يدرى أين يتوجه] . واله: [حزين] . ثوى: [أقام] . حسير: [حسر فلان يحسر حسرا: أسف] . جدث: [قبر جمعه أجداث] . صخور: بدائع: جوانح: [الجانحة: الضلع القصيرة مما يلي الصدر جمعها جوانح] . صدور: ... تأوّبني: ... حشد: ...

أمسى: ... فجعت: [يقال أمر فاجع: يفجع الناس بالدواهي] . اللّحد: ... ينصبني: [من نصب ينصب نصبا: أعيا وتعب] . القوارع: [مفردها القارعة وهي المصيبة] . البليّة: [المصيبة] . قارع: ... فيا ليت شعري: ... إسبال: [يقال: أسبلت العين: سال دمعها] . سحّ: [يقال: سح الماء ونحوه: سال من أعلى إلى أسفل وأيضا: سح الماء ونحوه: صبّه صبا متتابعا كثيرا] . إعوال: [يقال: أعول إعوالا، وعوّل تعويلا إذا صاح وبكى] . هاجس: [هجس الأمر في صدره: خطر بباله] . صالي: ... سحّ الشّعيب: ... محصن ضريبته: ... حامي الحقيقة: ... تسّال الوديقة: سريع ومتقدم للقوم في شدة الحرّ ودنو الشمس. العناة: الأسرى. ماجد: الشريف الخيّر. شملال: السريع الخفيف. وجناء: الشديدة. نكّال: المعاقب بما يردع، والمروع لغيره من إتيان مثل صنيع من نكّل به. واري الزّناد: الذي إذا رام أمرا أنجح فيه وأدرك ما طلب. جحفل: الجيش الكثير فيه الخيل.

الحسب: ما يعده المرء من مناقبه وشرف آبائه. انهمر: انسكب بقوة. السّجل: الدّلو الملأى ماء. الشّؤبوب: الدّفعة من المطر. العبرة: الدمعة. الضّريح: القبر. فجعتما: أولمتما إيلاما شديدا. البوازم: الشدائد. العذل: اللّوم. قروني: القرن من رأس الإنسان، موضع القرون منه. الشّعوب: ... صريع: المصروع: أي صرعته المنية. القذال: جماع مؤخر الرأس من الإنسان والفرس. حوبة: ... النّحيب: رفع الصوت بالبكاء. الجوى: شدة الوجد من العشق أو الحزن. شمطاء: المختلطة سواد شعرها ببياض. الطوف: ... أشهب: المخالط بياض شعره سواد، أو حال لونه وتلوّح من برد وحرّ. أرملوا: ... يلف: ... الأباطح: الأمكنة المتسعة يمر بها السّيل، فيترك فيه الرمل والحصى الصغار. الأخشب: جبل بمكة.

الباب الثامن والعشرون في بلوغ هذا الخطب الجسيم إلى الصديق الكريم وثبوته في هذا الأمر

الباب الثامن والعشرون في بلوغ هذا الخطب الجسيم إلى الصّديق الكريم وثبوته في هذا الأمر روى البزّار والبلاذري وبقي بن مخلد عن أبي هريرة وابن عباس، وأبو يعلى وأحمد برجال ثقات والطيالسي والترمذي في «الشمائل» . - بإسناد حسن- عن عائشة والطبراني برجال ثقات عن عكرمة عن ابن عباس وإسحاق بن راهويه عن عكرمة وعبد بن حميد بسند صحيح عن سالم بن عبيد الصحابي، أن الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- أرسلوه خلف أبي بكر وفي لفظ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما خرج يوم الاثنين قال له أبو بكر: يا رسول الله وفي لفظ: «أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين خفيفا فقال أبو بكر: يا رسول الله: أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحبّ، واليوم يوم ابنة خارجة يعني: امرأته أفآتها قال: نعم، ثم دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورجع أبو بكر إلى أهله بالسّنح فلما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سجّي بثوب وجاء عمر فاستأذن على عائشة ومعه المغيرة بن شعبة، فأذنت لهما ومدّت الحجاب، فقال عمر: يا رسول الله فقالت: عائشة غشي عليه مذ ساعة، فكشف عن وجهه وقال: وا غشياه ما أشدّ غشي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي لفظ: دخل أبو بكر على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل يراوح بين حزنه ميلا وجعل يقول: وا نبيّاه وا صفيّاه ثم غطاه، ولم يتكلم المغيرة، فلما أن دنوا من عتبة الباب قال: مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا عمر: فقال عمر: كذبت، ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والله لا يموت حتى يؤمر بقتال المنافقين، ولكنه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى إلى ربه، وغاب عن قومه أربعين ليلة، والله ليرجعنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليقطّعنّ أيدي رجال وأرجلهم وألسنتهم، وتكلم حتى أزبد شدقاه: بل أنت امرؤ تحوشك فتنة وابن أم مكتوم في مؤخّرة المسجد يقرأ ووَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران 144] والناس يموجون ويبكون ولا يسمعون، فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس فقال: يا أيها الناس هل عند أحد منكم من عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فليحدثنا قالوا: لا. قال: هل عندك يا عمر من علم؟ قال: لا. فقال العباس: أشهد أيها الناس إن أحدا لا يشهد على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعهد عهده إليّ في وفاته، والله الذي لا إله إلا هو فقد ذاق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الموت، فادفنوا صاحبكم أيمت أحدكم إماتة ويميته إماتتين، هو أكرم على الله من ذلك فإن كان كما تقولون فليس على الله بعزيز أن عنه التراب فيخرجه إن شاء الله، ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا، أحلّ الحلال، وحرّم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم، وما كان راعي غنم يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاة بمخبطه يحدر حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان فيكم، فذهب سالم بن

عبيد وراء أبي بكر إلى السّنح فأعلمه بموت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما بلغ أبو بكر الخبر وهو بالسّنح أقبل على فرس حتى نزل على باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسجّى في ناحية البيت عليه برد حبرة. زاد أبو الربيع وأبو اليمن بن عساكر في «إتحاف الزائر» وعيناه تهملان وزفراته تتردّد في صدره وعصصه ترتفع كقطع الحرة، وهو في ذلك جلد العقل والمقالة حتى دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكشف عن وجهه ومسح وقبل بين عينيه، وجعل يبكي ويقول: بأبي أنت وأمي طبت حيّا وميتا، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وجللت عن البكاء وحصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرت فينا سواء، ولولا أنّ موتك كان اختبارا لجدنا لموتك بالنّفوس، ولولا أنّك نهيت عن البكاء عليك ما الشئون، فأما ما لا نستطيع تقيه ففيه كمد وإدناف يتخالفان لا يبرحان، اللهم فأبلغه عنا، اذكرنا يا محمد عند ربك ولتكن من جاء لك فلولا ما خلقت من السكينة لم تعم لما خلقت من الوحشة، اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه ميتا ثم صرخ. انتهى. وفي حديث عائشة عند ابن سعد وأبي يعلى وأحمد برجال ثقات أن أبا بكر لما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أنا لله وإنا إليه راجعون، مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم تحول من قبل رأسه فقال: وا نبيّاه، ثم حدر فمه وقبل وجهه ثم [قال: وا صفيّاه ثم] [ (1) ] رفع رأسه وحدر فمه وقبّل جبهته وقال: وا خليلاه، مات رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وفي حديث عائشة عند أبي يعلى وأحمد فقال: كيف ترين؟ قالت: غشي عليه فدنا منه فكشف عن وجهه فقال: يا غشياه ما أكون هذا الغشي، ثم كشف عن وجهه فعرف الموت فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم بكى قالت عائشة: فقلت في سبيل الله انقطاع الوحي ودخول جبريل بيتي، ثم وضع يديه على صدغيه ووضع فاه على جبهته فبكى حتى سالت دموعه على وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي لفظ ثم أقبل عليه فقبّله ثم قال: بأبي وأمي أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متّها فلن يصيبك بعدها موتة أبدا، ثم ردّ البرد على وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم خرج إلى الناس. زاد أبو الربيع: وهم في خطبهم غمراتهم وشديد سكراتهم، ثم خرج عمر يكلّم الناس فقال: على رسلك يا عمر أنصت ثلاث مرّات فأبى إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

زاد أبو الربيع وأبو اليمن، ثم خطب خطبة جلّها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وخاتم أنبيائه، وأشهد أن الكتاب كما نزّل، وأن الدين كما شرع وأن الحديث كما حدّث، وأن القول كما قال، وأن الله هو الحقّ المبين، في كلام طويل انتهى. ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلى هذه الآية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران 144] . زاد ابن عقبة وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزمر 30] وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران 185] وقال: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص 88] كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن 26، 27] زاد أبو الربيع وأبو اليمن: إن الله قد تقدم لكم في أمره فلا تدعوه جزعا، وأن الله تعالى قد اختار لنبيّه ما عنده على ما عندكم ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [النحل 96] وقبضه إلى ثوابه، وخلّف فيكم كتابه وسنّة رسوله، فمن أخذ بهما عرف، ومن فرق بينهما أنكر، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ [النساء 135] لا يشغلنّكم الشيطان بموت نبيّكم ولا يلفتنكم عن دينكم، وعالجوا الشيطان بالخزي تعجزوه ولا تستنظروه فيلحق بكم، انتهى. زاد ابن عقبة إنّ الله عمّر محمّدا وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلّغ رسالة الله وجاهد أعداء الله حتّى توفّاه الله صلوات الله وسلامه عليه وهو على ذلك وترككم على الطّريقة فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة [والشفاء فمن كان الله ربّه فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمّدا وينزله إلها فقد هلك إلهه] فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم وكلمته باقية، وإن الله ناصر من نصره ومعزّ دينه وأن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إنّ سيوف الله لمسلولة، ما وضعناها بعد ولنجاهدنّ من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا يبقينّ أحد إلا على نفسه. انتهى. وفي لفظ فو الله لكأن الناس لم يعلموا إن الآية نزلت [إلا] حين تلاها أبو بكر يومئذ فأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم، فلما تلاها أبو بكر أيقن الناس بموت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتلقاها كثير من الناس من أبي بكر حتى تلاها. قال عمر- رضي الله تعالى

عنه- فو الله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت وأنا قائم حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت حين تلاها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد مات. زاد أبو الربيع فلما فرغ من خطبته التفت إلى عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا عمر أنت الذي تقول على باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده ما مات رسول الله، أما علمت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يوم كذا وكذا، أو قال يوم كذا كذا وكذا، وقال الله تعالى في كتابه إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر 30] فقال عمر: لكأني والله لم أسمع بها في كتاب الله تعالى قبل ذلك لما نزل بنا، أشهد أن الكتاب كما نزّل، وأن الحديث كما حدّث، وأن الله تعالى حي لا يموت- صلوات الله وسلامه على رسوله- وعند الله تحتسب رسوله وقال عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فيما كان منه يومئذ: لعمري لقد أيقنت أنّك ميّت ... ولكنّما أبدي الّذي قلته الجزع وقلت يغيب الوحي عنّا لفقده ... كما غاب موسى ثمّ يرجع كما رجع وكان هواي أن تطول حياته ... وليس لحيّ في بكا ميّت طمع فلمّا كشفنا البرد عن حرّ وجهه ... إذا الأمر بالجزع المرعب قد وقع فلم يك لي عند المصيبة حيلة ... أردّ بها أهل الشّماتة والقزع سوى إذن الله في كتابه ... وما أذن الله العباد به يقع وقد قلت من بعد المقالة قولة ... لها في حلوق الشّامتين به بشع ألا إنّما كان النّبيّ محمّد ... إلى أجل وافى به الموت فانقطع ندين على العلّات منّا بدينه ... ونعطي الّذي أعطى ونمنع ما منع وولّيت محزونا بعين سخينة ... أكفكف دمعي والفؤاد قد انصدع وقلت لعيني كلّ دمع دخرته ... فجودي به إنّ الشّجيّ له دفع وروى ابن إسحاق عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال له في خلافته: هل تدري ما حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين أنت أعلم قال: فإنه والله ما حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة 143] فو الله إني كنت لا أظن أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سيبقى في أمته حتى تشهد عليها بآخر أعمالها، فإنّه الذي حملني على أن قلت ما قلت.

تنبيهات

تنبيهات الأول: قول سيدنا أبي بكر- رضي الله تعالى عنه-: «لا يجمع الله عليك موتتين» . قيل: هو على حقيقته، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم بأنه سيحيا ليقطع أيدي رجال، لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمع على غيره، كالّذين خرجوا من ديارهم ألوف أو كالذي مر على قرية. قال الحافظ: وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها وقيل: أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره، إذ يحيا ليسأل ثم يموت، قاله الداودي. وقيل: لاي يجمع الله موت نفسك وموت شريعتك. وقيل: كنى بالموت الثاني عن الكرب أي: لا تلقي بعد كرب هذا الموت كربا آخر. الثاني: في بيان غريب ما سبق «السّنّح» هنا بضم السين والنون. وقيل: بسكونها أطم لجشم ومنازل بني الحارث على ميل من المسجد النبوي، وهو أدنى العالية، وسميت به الناحية، ووهم من جعله نجديا مساجد الفتح، لأن ذاك بالمثناة التحتية وكسر السين، قاله السيد نور الدين السمهودي في تاريخ المدينة. «أزبد» «شدقاه» . «تحوسك» بحاء وسين مهملتين بينهما واو أي: تخالطك وتحث على ارتكابها. «يبرحون» . مسلاة.

الباب التاسع والعشرون في اختيار الله تعالى له - صلى الله عليه وسلم - بأن يجمع له مع النبوة الشهادة

الباب التاسع والعشرون في اختيار الله تعالى له- صلى الله عليه وسلم- بأن يجمع له مع النبوة الشهادة روى البخاري تعليقا والبيهقي مسندا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطّعام الّذي أكلت بخيبر وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السّمّ وفي رواية «ما زالت أكلة خيبر تعاودني» . وروى ابن سعد بسند صحيح، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: لأن أحلف تسعا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة، وذلك أنّ الله اتّخذه نبيّا، وجعله شهيدا» . وروى ابن سعد عن ابن عباس- وجابر وأبي هريرة وغيرهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاش بعد أكلة الشّاة المسمومة بخيبر ثلاثة سنين حتى وجعه الذي توفي فيه، فجعل يقول في مرضه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري، وذلك عرق في الظّهر، وتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهيدا. وروى الإمام أحمد والحاكم عن أم معبد امرأة كعب أن أمّ مبشر دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي قبض فيه فقالت: بأبي وأمّي أنت يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما تتهم بنفسك؟ فإني لا أتّهم بابني إلا الطعام الذي أكل معك بخيبر، وكان ابنها مات قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: وأنا لا أتّهم غيرها هذا أوان انقطاع أبهري» . وروى ابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قالت: أم سلمة يا رسول الله لا يزال يصيبك كلّ عام وجع من الشاة المسمومة التي أكلت؟ قال: ما أصابني شيء منها إلا وهو مكتوب عليّ وآدم في طينته» . وروى ابن سعد عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- وسعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى- حديث الشاة المسمومة، وفيه «واحتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على كاهله من أجل الذي أكل، حجمه أبو هند بالقرن والشّقرة، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم وعاش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه، جعل يقول: هذا أوان انقطاع أبهري، وهو عرق في الظّهر وتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهيدا» .

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

تنبيه في بيان غريب ما سبق: الأبهر بفتح الهاء عرق إذا قطع مات صاحبه وهما أبهران يخرجان من القلب، ثم يتشعب منهما سائر الشّرايين. «الأكلة» بالضم اللّقمة التي أكل من الشاة، وبعض الرواة بفتح الألف وهو خطأ لأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يأكل منها إلا لقمة واحدة. قال ابن الأثير: ومعنى الحديث أنه نقض سمّ الشّاة التي أهدتها له اليهودية وكان ذلك يثور عليه أحيانا. تعاودني أي: تراجعني ويعاودني ألم سمّها، في أوقات معلومة ويقال به: عداد من ألم: أي: يعاوده في أوقات معلومة، والعداد- بعين مكسورة فدالين مهملات- اهتياج وجع اللديغ، وذلك إذا تمّت له سنة من يوم لدغ هاج به الألم.

الباب الثلاثون في تاريخ وفاته - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثلاثون في تاريخ وفاته- صلّى الله عليه وسلم- روى الشيخان والبلاذري وابن جرير والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يخرج ثلاثا وأبو بكر يصلي بالناس، وأن الناس بينما هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، فما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحسن هيئة منه في تلك الساعة، وكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم صفوف في الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف فظن أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد أن يخرج إلى الصّلاة، قال أنس: وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأشار إليهم أن أتمّوا صلاتكم فقال: «أيها الناس إنه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلا الرّؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له إلا وإنّي نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظّموا فيه الرّبّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» ، ثم دخل الحجرة وأرخى السّتر فتوفي من يومه ذلك. وروى ابن سعد عن ابن شهاب قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين حين زاغت الشمس. وروى عنه أيضاً عن ابن شهاب قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول» . تنبيهات الأول: قال السّهيلي وابن كثير والحافظ: لا خلاف أنه- صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين في ربيع الأول. قال: ابن عقبة حين زاغت الشمس. قال في المنهل: والأكثر على أنّه حين اشتدّ الضّحى. قال الأكثر في الثاني عشر منه وعند ابن عقبة، والليث والخوارزمي من هلال ربيع الأول. وعند أبي مخنف والكلبي في ثانيه، وجزم به سليمان بن طرخان في «مغازيه» ورواه ابن سعد عن محمد بن قيس، ورواه ابن عساكر عن سعيد بن إبراهيم عن الزهري وعن أبي نعيم الفضل بن دكين ورجحه السهيلي.

وعلى القولين يتنزل ما نقله الرّافعيّ أنه عاش بعد حجته ثمانين يوما. وقيل: إحدى وثمانين، وأما على ما جزم به النووي فيكون عاش بعد حجّته تسعين يوما، أو إحدى وتسعين يوما. الثاني: استشكل السّهيليّ وتابعه غير واحد ما عليه الأكثر من كونه مات يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، وذلك أنهم اتفقوا على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة، وهو التاسع من ذي الحجة، فدخل ذي الحجة يوم الخميس، فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت، فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد، وإن كان السبت فقد كان ربيع الأول الأحد أو الاثنين، وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول بوجه. وقول أبي مخنف والكلبي وإن كان خلاف [أهل] الجمهور، فإنّه لا يبعد أن كانت الثلاثة الأشهر التي قبله كلّها تسعة وعشرين فتدبره، فإنه صحيح. وقول ابن عقبة والخوارزمي أقرب في القياس من قول أبي مخنف ومن تابعه. قال ابن كثير: وقد حاول جماعة الجواب عنه، ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد، وهو اختلاف المطالع، بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة. ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها، خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لخمس بقين من ذي القعدة، يعني: من المدينة إلى حجة الوداع [ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت، وليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم الخميس، لأنه قد بقي أكثر من خمس بلا شك، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لأن أنسا قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين] . فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة، وإذا كان هلال ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة، وحسبت الشّهور بعده كوامل يكون أوّل ربيع الأوّل يوم الخميس، فيكون ثاني عشر يوم الاثنين، والله تعالى أعلم. الثالث: في بيان غريب ما سبق: لم يفجأهم: ... «السّتر: ... نكص» : ... قمن: بقاف فميم مفتوحتين أي: خليق وحقيق وجدير لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، فإن كسرت الميم أو قلت: قمين ثنّيت وجمعت، وهذا مقمنة أي: مخلقة ومجدرة وتقمّنت موافقتك: توخيتها.

الباب الحادي والثلاثون في مبلغ سنه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الحادي والثلاثون في مبلغ سنّه- صلّى الله عليه وسلم- روى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: «قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثلاث وستّين سنة، وقبض أبو بكر وهو ابن ثلاث وستّين سنة، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستّين سنة» [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه وهو ابن أربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة، فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، وتوفي وهو ابن ثلاث وستّين سنة» [ (2) ] . وروى أبو داود الطيالسي ومسلم عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله تعالى عنهما- قال: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثلاث وستّين وأبو بكر وعمر وأنا ابن ثلاث وستّين» [ (3) ] . وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثلاث وستّين [ (4) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم عن عمار بن أبي عمّار قال: قلت لابن عباس: «كم أتى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم مات قال: أتحسب؟ قلت: نعم قال: أمسك أربعين. بعث لها خمس عشرة بمكّة، يأمن ويخاف وعشر من مهاجره إلى المدينة» [ (5) ] . وروى الحاكم في «الإكليل» عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس وستّين. وروى ابن سعد وعمر بن شبه والحاكم في «الإكليل» عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي رأس أربعين سنة، فأقام بمكّة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفّي وهو ابن ستّين سنة» . تنبيهات الأول: قال ابن عساكر، والإمام النّوويّ: القول بأن عمره حين توفي ثلاث وستون سنة هو الأصحّ الأشهر.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1825 في الفضائل (114/ 2348) . [ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 162 (3851) (3902، 3903) ومسلم 4/ 1826 في الفضائل (117- 118/ 2351) . [ (3) ] أخرجه مسلم 4/ 1826 (119، 120/ 2352) وقوله «وأنا» أي وأنا متوقع موافقتهم، وأني أموت في سنتي هذا. [ (4) ] مسلم 4/ 1825 (115/ 2349) . [ (5) ] مسلم 4/ 1827 (121/ 2353) .

وقال أبو عمر: هو الصحيح عندنا. وقال ابن سعد: هو الثّبت إن شاء الله تعالى. قال الذهبي: وهو الصحيح الذي قطع به المحققون. الثاني: قال الحاكم في «الإكليل» والنووي: اتفق العلماء على أنّ أصح الرّوايات ثلاث وستّون سنة وتأوّلوا الباقي على ذلك، فرواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسور. ورواية الخمس وستين متأولة عليها أو حصل فيها شك، وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله: خمس وستون، ونسبه إلى الغلط، وأنه لم يدرك أوّل النّبوّة بخلاف الباقين. قلت: أكثر الرواة عن ابن عباس حكوا عنه رواية ثلاث وستين، فالظاهر أنه إن كان قال غير ذلك فقد رجع إلى ما عليه الأكثرون، والله تعالى أعلم. قالا: واتفقوا على أنه- صلى الله عليه وسلم- أقام بالمدينة بعد الهجرة عشرة سنين، وبمكة قبل النبوة أربعين سنة، وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة، الصحيح أنّه ثلاث عشرة سنة، فيكون عمره ثلاث وستين سنة. قال النووي: وهذا الصواب المشهور الذي أطبق العلماء عليه. وحكى القاضي عن ابن عباس وسعيد بن المسيّب رواية شاذة، أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة والصواب أربعون كما سبق.

الباب الثاني والثلاثون في عدم استخلافه أحدا بعينه، وأنه لم يوص إلى أحد بعينه

الباب الثاني والثلاثون في عدم استخلافه أحداً بعينه، وأنه لم يوص إلى أحد بعينه روى البخاري والبيهقي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي- يعني: أبا بكر- وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي، هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» [ (1) ] . وروى البيهقي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال «يوم الجمل» : أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا، حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثمّ أن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام واستقام حتّى ضرب بالدين بجرانه ثمّ إنّ أقواما طلبوا هذه الدّنيا فكانت أمور يقضي الله- عز وجل- فيها» [ (2) ] . وروى البخاري وابن جرير والبيهقي عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهم-: «أنّ عليّا خرج من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا قال: فأخذ بيده العباس فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإنّي والله لأرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سوف يتوفّاه الله من وجعه هذا، إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلنسأله فيمن هذا الأمر، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا كلّمناه، فأوصى بنا، قال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمنعناها، لا يعطيناها الناس بعده أبدا. وإنّي والله، لا أسألها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ (3) ] . وروى البخاريّ والبيهقي عن إبراهيم بن الأسود قال: قيل لعائشة: إنهم يقولون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوصى إلى عليّ فقالت: بما أوصى إلى عليّ وقد رأيته دعا بطست ليبول فيها، وأنا مسندته إلى صدري فانخنس أو قال: فانحنث، فمات وما شعرت فيم يقول هؤلاء إنّه أوصى إلى عليّ [ (4) ] . وروى البخاريّ والبيهقي عن إبراهيم النبي عن أبيه قال: خطبنا عليّ فقال: من زعم أن عندنا كتابا نقرأه ليس إلا كتاب الله وهذه الصحيفة صحيفة معلقة في سيفه، فيها أسنان الإبل

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 13/ 218 (7218) والبيهقي في الدلائل 7/ 222 ومسلم في الإمارة باب الاستخلاف 3/ 1454 (11) . [ (2) ] أخرجه البيهقي 7/ 223. [ (3) ] أخرجه البخاري في المغازي حديث (4447) ، والبيهقي في الدلائل 7/ 224. [ (4) ] أخرجه البخاري في الوصايا وفي مرض النبي- صلى الله عليه وسلم- ومسلم 3/ 1257 (19) وأحمد 6/ 32، والبيهقي في الدلائل 7/ 226.

تنبيهان:

وأشياء من الجراحات فقد كذب [وفيها المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث يعني حدثاً أو آوى محدثا. فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ... ] [ (1) ] . وروى البيهقي عن أبي حسان أن عليا قال: ما عهد إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا خاصّة دون النّاس إلا شيئا سمعته منه في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم أزل به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها من أحدث حدثاً أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وإذا فيها إن إبراهيم حرم مكّة وأنا أحرم المدينة ما بين حرّتيها وحماها، ولا يختلى خلاها، ولا ينفّر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها- يعني منشدا- ولا يقطع شجرها، إلا أن يعلف رجل بعيرا، ولا يحمل فيها السّلاح لقتال، والمؤمنون يكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده [ (2) ] . تنبيهان: الأول: حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعا: «يا عليّ أوصيك بوصيّة فاحفظها؟ فإنك لا تزال ما حفظت وصيتي يا علي، يا علي إن للمؤمنين من ثلاث علامات الصلاة والصيام والزكاة» ، فذكر حديثا طويلا في الرغائب والآداب وهو حديث موضوع اختلقه حمّاد بن عمرو النصيبي، وهو كذاب وضاع وقد أوضعه الحارث بن أبي أسامة في مسنده. وقال الحافظ في «المطالب العالية» [ ... ] . الثاني في بيان غريب ما سبق: انخنس: ... الحدث: ... الصّرف: ... العدل: ... يختلي: ... خلاها: ... أشاد: ...

_ [ (1) ] أخرجه البخاري من باب ذمة المسلمين، وفي باب إثم من عاهد ثم غدر وأحمد 1/ 81 وأبو داود في المناسك 2/ 216 والبيهقي في الدلائل 7/ 227، 228. [ (2) ] أخرجه أبو داود في المناسك 2/ 216 (2035) .

الباب الثالث والثلاثون في ذكر خبر السقيفة وبيعة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - بالخلافة بعد موت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثالث والثلاثون في ذكر خبر السّقيفة وبيعة أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- بالخلافة بعد موت سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال ابن إسحاق: ولما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي بن أبي طالب، والزبير بن العوّام، وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة، وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر، وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، فأتى آت إلى أبي بكر وعمر فقال: إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة وقد انحازوا إليه، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله. قال عمر: فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء حتى ننظر ما هم عليه [ (1) ] . وروى ابن إسحاق والإمام أحمد والبخاري وابن جرير عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال وهو على المنبر: إنّه قد بلغني أن فلانا، وفي رواية البلاذري عن ابن عباس أن قائل ذلك الزبير بن العوام، قال: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا. وفي رواية البلاذري عن ابن عباس: «بايعت عليا» لا يغرنّ امرءا أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت. [والله ما كانت بيعة أبي بكر فلتة، ولقد إقامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقامه واختاره لدينهم على غيره وقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» فهل منكم أحد تقطع إليه الأعناق كما تقطع إلى أبي بكر؟ فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة، وتخلّف عنّا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمّهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان عويم بن ساعد وهو الذي قال فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما سئل من الذين قال الله لهم [فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «نعم المرء

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 7/ 229 وابن كثير في البداية 5/ 252 وانظر ترجمة حماد في الميزان 1/ 598 البخاري في التاريخ 3/ 28 والضعفاء للعقيلي 1/ 308، المجروحين لابن حبان 1/ 252.

عويم بن ساعدة» ] [ (1) ] ومعن بن عديّ ويقال: إنه لما بكى الناس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين توفّاه الله تعالى، وقالوا وددنا والله أن متنا قبله، إنا نخشى أن نفتن بعده، فقال معن: إني والله ما أحب أني متّ قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا، وقتل رحمه الله شهيدا يوم اليمامة، فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم، وقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار قالا: فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم قال: قلت: والله لنأتينّهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمّل فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ فقالوا: وجع فلما جلسنا نشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفت إلينا دافّة من قومكم، قال: وإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويغصبونا الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلّم، وقد زودت في نفسي مقالة قد أعجبتني، أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الجدّ فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر فكرهت أن أعصبه، فتكلم وكان هو أعلم مني، وأوقر فو الله ما ترك من كلمة أعجبتني كنت زورتها في نفسي إلا قالها في بديهته أو مثلها أو أفضل منها، حتى سكت. وذكر ابن عقبة أن عمر أراد أن يتكلم ويسبق بالقول ويمهد لأبي بكر ويتهدد من هناك من الأنصار، وقال عمر: خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام، وعن ما أجد في نفسي من الشدة على من خالفنا، وزجره أبو بكر، فقال: على رسلك، فسيكثر الكلام إن شاء الله تعالى، ثم سوف تقول بعدي ما بدا لك فتشهد أبو بكر، وأنصت القوم ثم قال: بعث الله محمدا بالهدى ودين الله حق، فدعى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا، إلى ما دعانا إليه، فكنا معشر المهاجرين أوّل الناس إسلاما، ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه، فنحن أهل النبوة وأهل الخلافة وأوسط الناس أنسابا في العرب، ولدتنا كلها، فليس منا قبيلة إلا لقريش فيها ولادة، ولن تعترف العرب ولا تصلح إلا على رجل من قريش، هم أصبح الناس وجوها، وأبسطهم لسانا، وأفضلهم قولا، فالناس لقريش تبع، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم قسمة إلا بثلمة، وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في الدين، وأحبّ الناس إلينا، وأنتم الذين آووا ونصروا، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة ما أعطى الله إخوانكم من المهاجرين، وأحق الناس ألا تحسدوهم على خير أتاهم الله إياه وأما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن تعرف العرب هذا الأمر، إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين،

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي ولا يقرّبني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر، وعند ابن عقبة فقال أبو بكر: فأنا أدعوكم إلى أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبى عبيدة بن الجراح، ووضع يده عليهما، وكان نائما بينهما، فكلاهما قد رضيته للقيام بهذا الأمر، ورأيته أهلا لذلك الأمر، فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لأحد بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يكون فوقك يا أبا بكر، أنت صاحب الغار مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وثاني اثنين، وأمرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين اشتكى فصليت بالناس فأنت أحق بهذا الأمر، قالت الأنصار والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وما خلق الله قوما أحبّ إلينا ولا أعزّ علينا منكم، ولا أرضى عندنا هديا منكم، ولكنا نشفق بعد اليوم، فلو جعلتم اليوم أصلا منكم، فإذا مات أخذتم رجلا من الأنصار فجعلناه، فإذا مات أخذنا رجلا من المهاجرين فجعلناه، فكنا كذلك أبدا ما بقيت هذه الأمّة، بايعناكم ورضينا بذلك من أمركم، وكان ذلك أجدر أن يشفق القرشي، إن زاغ أن ينقض عليه الأنصاري، فقال عمر لا ينبغي هذا الأمر، ولا يصلح إلا لرجل من قريش، ولن ترضى العرب إلا به، ولن تعرف العرب الإمارة إلا له، ولن يصلح إلا عليه، والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه انتهى. وروى الإمام أحمد عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا بكر قال لسعد بن عبادة، لقد علمت يا سعد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبرّ النّاس تبع لبرّهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم، قال: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء، وعند الإمام أحمد قال قائل من الأنصار: أنا جديلها المحكّك وعذيقها المرجّب، منّا أمير، ومنكم أمير يا معشر قريش، قال: فكثر اللّغط، وارتفعت الأصوات، حتى خشينا الاختلاف، فقلت ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، وعند ابن عقبة فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم وأوعد بعضهم بعضا، ثم تراضى المسلمون، وعصم الله لهم دينهم، فرجعوا وعصوا الشيطان، ووثب عمر فأخذ بيد أبي بكر، وقام أسيد بن حضير الأشهليّ وبشر بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر، فسبقهما عمر فبايع، ثم بايعا معا وعند ابن إسحاق في بعض الروايات وابن سعد أن بشر بن سعد سبق عمر. وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن خطيب الأنصار قام فقال: تعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ونحن كنّا أنصار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره، فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم، ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة وسعد بن

عبادة مضطجع يوعك فازدهم الناس على أبي بكر، فقال رجل من الأنصار: اتقوا سعدا لا تطأوه فتقتلوه فقال: عمر: وهو مغضب قتل الله سعدا، فإنّه صاحب فتنة، فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع إلى المسجد، فقعد على المنبر، فبايعه الناس حتى أمسى، وشغلوا عن دفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وقال ابن أبي عزة القرشي في ذلك: نشكو لمن هو بالثّناء خليق ... ذهب اللّجاج وبويع الصّدّيق من بعد ما وخضت بسعد بغلة ... ورحا رحاه دونه العيّوق جاءت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصّدّيق والفاروق وأبو عبيدة والّذين إليهم ... نفس المؤمّل للبقاء تشوق كنّا نقول لها عليّ ذو الرّضى ... وأولاهم عمر بتلك عتيق فدعت قريش باسمه فأجلبها ... إنّ المنوّة باسمه الموثوق وذكر وثيمة بن موسى أنه كان لأشراف قريش فيما كان من الأنصار مقامات محمودة، فمن ذلك إن خالد بن الوليد قام على أثر أبي بكر بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان خطيب قريش، فقال: أيّها النّاس إنّا رمينا في بدء هذا الدين بأمر ثقل علينا محمله وصعب علينا مرتقاه وكنا كأنّا منه على أوفاز، والله ما لبثنا أن خفّ علينا ثقله وذلّلنا صعبه، وعجبنا من شكّ فيه بعد عجبنا من آمن به، حتى والله أمرنا بما كنا ننهي عنه، ونهينا عما كنا نأمر به، ولا والله ما سبقنا إليه بالعقول ولكنه التوفيق، ألا وإن الوحي لم ينقطع حتى أكمل، ولم يذهب النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى أعذر، فلسنا ننتظر بعد النبيّ نبيّا ولا بعد الوحي وحيا، ونحن اليوم أكثر منّا بالأمس، ونحن بالأمس خير منّا اليوم، من دخل في هذا الدين كان من ثوابه على حسب عمله، ومن تركه ودّدنا إليه، إنّه والله ما صاحب هذا الأمر، يعني أبا بكر بالمسئول عنه، ولا المختلف فيه، ولا بالمخفي الشخصي، ولا المغمور القناة ثم سكت فعجب النّاس من كلامه، وقام حزن بن أبي وهب، وهو الذي سمّاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سهلا: وقامت رجال من قريش كثيرة ... فلم يك في القوم القيام كخالد ترقّى فلم يزلق به صدر بغله ... وكفّ فلم يعرض لتلك الأوابد فجاء بها غدو كالبدر وسهلة ... فشبّهتها في الحسن أمّ القلائد أخالد، لا تعدم لؤي بن غالب ... قيامك فيها عند قذف الجلامد كساك الوليد بن المغيرة مجده ... وعلّمك الشّيخان ضرب القماحد

تقارع في الإسلام عن صدر دينه ... وفي الشّرك عن إجلال جدّ ووالد وكنت المخزوم بن يقظة جنّة ... كلا اسببك فيها ماجد وابن ماجد إذا ما عنا في هيجها ألف فارس ... عدلت يألف عند تلك الشّدائد ومن يك في الحرب المصرّة واحدا ... فما أنت في الحرب العوان بواحد إذا ناب أمر في قريش مخلّج ... تشيب له رأس العذارى النّواهد تولّيت منه ما يخاف وإن تغب ... يقولوا جميعا خطبنا غير شاهد روى ابن إسحاق والبخاري عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: لما بويع أبو بكر في السّقيفة، وكان الغد جلس أبو بكر، فقام عمر فتكلم، وأبو بكر صامت لا يتكلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها النّاس، إنّي كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهده إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولكنّي كنت أرى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سيدبّر أمرنا بقول يكون آخرنا، وأن الله تعالى قد أبقى فيكم كتابه الّذي به هدى الله رسوله، فإن اعتصمتم هداكم الله كما كان هداه به وأن الله قد جمع أمركم على خيركم، صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع النّاس أبا بكر بيعة العامّة بعد بيعة السّقيفة، ثمّ تكلّم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالّذي هو أهله. وفي رواية البلاذري عن الزّهريّ أنه قال: الحمد لله أحمده وأستعينه على الأمر كله، علانيته وسرّه، ونعوذ بالله من شر ما يأتي باللّيل والنّهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا، قدّام السّاعة، فمن أطاعه رشد ومن عصاه هلك، انتهى. ثم قال: أما بعد أيّها النّاس، فإنّي قد ولّيت عليكم ولست بخيركم وقد كانت بيعتي فلتة، وذلك أنّي خشيت الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قطّ، ولا طلبتها ولا سألت الله تعالى إيّاها سرّا ولا وعلانية وما لي فيها من راحة، ولقد قلّدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولوددت أنّ أقوى النّاس عليها مكاني، فعليكم بتقوى الله، فإن أكيس الكيس التقى وإن أحمق الحمق الفجور، وإنّي متّبع ولست بمبتدع» زاد عاصم بن عدي كما رواه ابن جرير «إنّما أنا مثلكم وإنّي لا أدري لعلكم ستكلّفونني ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطيق، إن الله اصطفى محمّدا على العالمين، وعصمه من الآفات، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة، ضربة سوط فما دونها، ألا وإن شيطانا يعتريني فإذا أتاني فاجتنبوني، لا

أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم، تغدون وتروحون في أجل قد غيّب عنكم علمه، فإن استطعتم أن لا يمضي هذا الأجل إلّا وأنتم في عمل صالح فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلّا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قوما نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم، فإيّاكم أن تكونوا أمثالهم. الجد الجد، والوحا الوحا والنّجاء النّجاء، فإنّ وراءكم طالبا حثيثا، أجلا سريعا، احذروا الموت بالآباء والأبناء والإخوان، ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطوا به الأموات انتهى. «فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، الصّدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علّته إن شاء الله تعالى، والقويّ فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحقّ منه- إن شاء الله تعالى- لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذّلّ، ولم تشع الفاحشة من قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أيّها النّاس اتّبعوا كتاب الله، واقبلوا نصيحته، فإن الله يقبل التّوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون واحذروا يوما ما للظالمين فيه من حميم ولا شفيع يطاع اليوم فليعمل عامل ما استطاع من عمل يقرّبه إلى الله قبل: أن لا يقدر على ذلك. أيّها النّاس أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله، فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. وروى البلاذري والبيهقيّ- بإسناد صحيح- من طريقين، عن أبي سعيد أن أبا بكر لما صعد المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير الزبير، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به فقال أبو بكر: قلت ابن عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحواريّه أردت أن تشقّ عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليّا، فسأل عنه فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فجاء فقال أبو بكر: قلت: ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وختنه على ابنته أردت أن تشقّ عصا المسلمين قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبايعه. وروى البلاذري عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يمت فجأة، كان بلال يأتيه في مرضه فيؤذنه بالصّلاة، فيأمر أبا بكر إن يصلّي بالناس، وهو يرى مكاني، فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأوا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد ولّاه أمر دينهم فولّوه أمر دنياهم. وروى البلاذري عنه قال: لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي- صلى الله عليه وسلم- قد قدّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لديننا، فقدّمنا أبا بكر، ومن ذا كان يؤخّره عن مقام إقامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه.

وروى البلاذري- بسند جيد- أن عمر بن عبد العزيز بعث ابن الزبير الحنظليّ إلى الحسن فقال له: هل كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استخلف أبا بكر؟ فقال الحسن أوفي شكّ صاحبك، والله الذي لا إله إلا هو، استخلفه حين أمره بالصّلاة دون النّاس، ولهو كان أتقى لله من أن يتوثّب عليها. وروى البلاذري عن إبراهيم التيمي، وابن سيرين قال: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتوا أبا عبيدة بن الجراح، فقالوا: ابسط يدك نبايعك فإنّك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: أتأتوني وفيكم الصّدّيق، ثاني اثنين؟ وفي لفظ: ثالث ثلاثة، قيل: لابن سيرين: وما ثالث ثلاثة؟ قال: ألم تقرأ هذه الآية ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: 40] . وروى ابن عقبة- بإسناد جيد- عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أن رجالا من المهاجرين غضبوا في بيعة أبي بكر، منهم عليّ والزّبير، فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعهما السّلاح، فجاءهما عمر بن الخطاب في عصابة من المهاجرين والأنصار، فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش الأشهليّان وثابت بن قيس بن شمّاس الخزرجيّ، فكلّموهما حتى أخذ أحدهم سيف الزّبير فضرب به الحجر حتى كسره، ثم قام أبو بكر فخطب النّاس، واعتذر إليهم، وقال: والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما قطّ، ولا ليلة، ولا سألتها الله تعالى قطّ سرّا ولا علانية. ولكنّي أشفقت من الفتنة وما لي في الإمارة من راحة، ولكنّي قلّدت أمرا عظيما ما لي به طاقة، ولا يدان إلا بتقوية الله تعالى، ولوددت أنّ أقوي الناس عليها مكاني اليوم، فقبل المهاجرون منه ما قاله، وما اعتذر به، وقال عليّ والزبير: ما غضبنا إلّا أنّا أخّرنا عن المشورة، وإنا لنرى أن أبا بكر أحقّ النّاس بها بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإنّه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنّا لنعرف له شرفه ولقد أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالصّلاة بالنّاس وهو حيّ. قال أبو الربيع: وذكر غير ابن عقبة أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- قام في النّاس بعد مبايعتهم إيّاه يقيلهم في بيعتهم، وأستقيلهم فيما تحمّله من أمرهم، ويعيد ذلك عليهم، كلّ ذلك يقولون: والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمن ذا يؤخّرك. قلت: وروى البلاذري عن أبي الجحاف قال: لما بويع أبو بكر، وبايعه النّاس، قام ينادي ثلاثا: أيّها النّاس قد أقلتكم بيعتكم فقال علي: والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدّمك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصّلاة، فمن ذا يؤخّرك ولم يبدأ أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- بعد أن فرغ من أمر البيعة، واطمأنّ الناس بشيء من النّظر قبل إنفاذ أسامة، فقال له: امض لوجهك الذي

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

بعثك له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكلّمه رجال من المهاجرين والأنصار، فقالوا: أمسك أسامة وبعثه، فإنّا نخشى أن تميل علينا العرب، إذا سمعوا بوفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر وكان أفضلهم رأيا: «أحبس بعثا بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «فإنّه ذو رأي ونصيحة للإسلام وأهله فقلت [ ... ] أسامة وأذن لعمر فقام بالمدينة مع أبي بكر- رضي الله تعالى عنهم أجمعين-. تنبيه في بيان غريب ما سبق: «سقيفة بني ساعدة» - بسين مهملة مفتوحة فقاف مكسورة، فمثنّاة، فتحتيّة ففاء- مكان لهم كانوا يستظلّون به وقيل: صفة، وبنو ساعدة بطن من الأنصار. يتفاقم: ... «الفلتة» : بفاء فلام فمثناة فوقية والفجأة ما وقع من غير إحكام، وذلك أنهم لم ينظروا في بيعة أبي بكر بإجماع الصّحابة، وإنما ابتدرها عمر مخافة الفرقة، وقيل: يجوز أن يريد بالفلتة الخلسة بمعنى أنّ الإمامة يوم السّقيفة مالت إلى توليتها الأنفس، ولذلك كثر فيها التّشاجر فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا، ومثل هذه البيعة جديرة أن تكون مثيرة للفتن فعصم الله من ذلك، ووقى شرّها. بقطع الأعناق إليه: قيل: هو من قولهم منقطع القرين وقيل: معناه ليس فيكم سابق إلى الخيرات مثله مأخوذ من سبق الجواد، يقال: للفرس إذ سبق، تقطعت أعناق الخيل فلم تلحقه يومهم. قالا: ... مزمّل: مدّثر في الثّوب المغطّى به. كتيبة ... دفّت: الدّفّ بالفتح السير الذي ليس بشديد، والدّافّة الجماعة، سارت سيرا رقيقا فهي دافّة والمعنى جاءت جماعة من قومكم. يختزلونا: بالخاء والزاي المعجمتين أي: يقطعونا من أصلنا ويمنعونا أمرنا، يقال: اختزل الرجل إذا ضعف. زوّرت: هيّأت ورتّبت في نفسي كلاما أقوله. أداري منه بعض الحسد: يقال في الحسن الخلق والمعاشرة: دارأته وداريته إذا لاينته.

وجد الرجل جدة وجدا: إذا ترق على غيره، ولبعضهم بكسر الجيم ضدّ الهزل، على رسلك- بفتح الراء وكسرها- وهو أفصح وأشهر أي: افعل ذلك على هيّنتك وتؤدّيك. البديهة بباء موحّدة، فدال مهملة، فمثناة تحتية، فهاء ضد التروي والتفكير. وهو ما يقال في الحال من غير تروّ، وافتكار فيه. وأنا جديلها: تصغير جدل- بالكسر- قال محمود بن خطيب الدّهشة: وزاد أهل الغريب الفتح، ولم أره في كتاب لغة، وهو هنا عود ينصب للإبل الجربي تحتكّ فيه فتطرح قرادها وما بها من أذى، فتستشفى بذلك، كالمتمرغ للدّابّة، والتصغير هنا للتعظيم، أي: أنا ممن يستشفى برأيه. والمحكّك- بضم الميم، وفتح الكاف الأولى وشدها- الذي كثر به الحكّ حتى صار أملس وعذيقها: تصغير عذق- بفتح العين المهملة- للتعظيم، وهو هنا النخلة، وإما بالكسر فالعرجون، وزاد القاضي الفتح، قال في تقريب القريب: وليس بالوجه، والمرجّب بضم الميم، وفتح الراء، والجيم المشددة- إما من الرجية- بضم الراء وسكون الجيم الذي يحاط به النّخلة الكريمة مخافة أن تسقط، وإما من رجبت الشّيء أرجبه- بالضم- رجبا، عظمته، ورجّيته، شدد مبالغة فيه، ومعنى هنا الكلام أنه يقول: إنّه دواء يستشفى به في الحوادث، لا سيّما مثل هذه الحادثة العظيمة، وأن مثل ذلك كالعود الذي يشفي به الجرب إذا احتكّ به، وكالنّخلة الكثيرة الحمل من توفر مواد الآراء عندي، ثم إنّه ظهر ذلك، وأشار بالرّأي المصيب عنده فقال منّا أمير ومنكم أمير، وما عرف إن ذلك لا يصلح ولا يستقيم. [اللّغط: اختلاف الأصوات. خليق: ... اللّجاج: ... رمض: ... العيوق: ... أوفاز: ... المغموز: ... الأوابد: ... الجلامد: ... العوان: ...

مخلّج: ... العذارى: ... النّواهد: ... ولا يدان: ... الكيس: ... الحمق: ... الوحا: ... نزت: ... [ (1) ]] [ (2) ] .

_ [ (1) ] في أقوله نزت بكسر الراء خفا لاختلاف نزوا يقال: نزا نزوا ونزا وأنا بفتح أوله وثانية وهو كلام غير واضح. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

جماع أبواب غسله وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، وموضع قبره، والاستسقاء به وفضل ما بينه وبين المنبر، وفضل مسجده وحياته في قبره، وعرض أعمال أمته عليه وحكم تركته زاده الله فضلا وشرفا لديه

جماع أبواب غسله وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، وموضع قبره، والاستسقاء به وفضل ما بينه وبين المنبر، وفضل مسجده وحياته في قبره، وعرض أعمال أمته عليه وحكم تركته زاده الله فضلا وشرفا لديه الباب الأول في غسله- صلّى الله عليه وسلم- ومن غسّله، وما وقع في ذلك من الآيات قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثّلاثاء. وروى ابن سعد عن علي، وأبو داود ومسدّد، وأبو نعيم وابن حبان والحاكم والبيهقي وصحّحه الذّهبيّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لمّا أرادوا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري كيف نصنع أنجرّد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثيابه كما نجرّد موتانا، أم نغسّله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النّوم، حتّى ما منهم رجل إلّا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه قميصه فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم [فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت، ما غسله إلّا نساؤه] [ (1) ] . وروى ابن سعد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: لما أخذنا في جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أغلقنا الباب دون النّاس جميعا فنادت الأنصار: نحن أخواله ومكاننا من الإسلام مكاننا، ونادت قريش: نحن عصبته، فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين، كل قوم أحقّ بجنازتهم من غيرهم فننشدكم الله، فإنّكم إن دخلتم أخّرتموهم عنه، والله لا يدخل عليه إلّا من دعي [ (2) ] . وروى الإمام الشافعي وابن الجارود وابن حبان وأبو داود والطيالسيّ وأبو يعلى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: اختلف الذين يغسّلونه

_ [ (1) ] أخرجه الحاكم 3/ 59، والبيهقي في الدلائل 7/ 242. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 213.

فسمعوا قائلا يقول لا يدرون من هو: اغسلوا نبيكم وعليه قميصه، فغسّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قميصه وقالت عائشة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا نساؤه [ (1) ] . وروى ابن ماجه عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا أخذوا في غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ناداهم مناد من الداخل أن لا تنزعوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قميصه [ (2) ] . وله طرق كثيرة مرسلة. وروى ابن سعد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: غسلت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهبت أنظر ما يكون من الميّت فلم أر شيئا وكان طيبا حيّا وميتا [وولي دفنه وإخباءه دون الناس أربعة علي والعباس والفضل، وصالح مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولحد رسول الله لحدا ونصب عليه اللبن نصبا [ (3) ] . وروى ابن سعد والبزّار والبيهقي بسند فيه ضعف عنه قال: أوصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن لا يغسّله أحد غيري فإنه لا يرى أحدٌ عورته إلّا طمست عيناه. قال عليّ: فكان الفضل وأسامة يناولان الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين. قال علي: فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلّبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله [ (4) ] . وروى البيهقي من طريق أبي معشر عن محمد بن قيس مرسلا وفيه ضعف قال: قال علي: وما كنّا نريد أن نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته فسمعنا من جانب البيت صوتا لا تكشفوا عن عورة نبيّكم [ (5) ] . وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث: أن عليّا غسّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل يقول: طبت حيّا وميتا، وقال: وسطعت ريح طيّبة لم يجدوا مثلها قطّ [ (6) ] . وروى الطبرانيّ مثله عن ابن عبّاس. وروى ابن سعد عن عبد الواحد بن أبي عون قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعلي:

_ [ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 214 في الجنائز (3141) . [ (2) ] ابن ماجة (1466) وضعفه البوصيري في الزوائد. [ (3) ] البيهقي في الدلائل. 7/ 244 وابن سعد 2/ 214. [ (4) ] البيهقي في الدلائل 7/ 244 وابن سعد 2/ 213. [ (5) ] البيهقي في الدلائل 7/ 244. [ (6) ] ابن سعد 2/ 214، 215.

«اغسلني إذا متّ» فقال: يا رسول الله، ما غسّلت ميتا قطّ! قال: إنّك ستهيّأ أو تيسّر، قال علي: فغسلته فما آخذ عضوا إلا تبعني، والفضل آخذ بحضنه يقول أعجل يا عليّ، انقطع ظهري [ (1) ] . وروى ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: غسّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي، والفضل، وأسامة بن زيد وشقران، وولى غسل سفلته [ (2) ] عليّ، والفضل محتضنه، وكان العبّاس وأسامة بن زيد وشقران يصبّون الماء. وروى ابن سعد بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن العباس لم يحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لأني كنت أراه يستحي أن أراه حاسرا [ (3) ] . وفي عدة أحاديث أنه حضر غسله. وروى ابن سعد من طرق عن سعيد بن المسيب قال: التمس عليّ من النبي- صلى الله عليه وسلم- عند غسله ما يلتمس من الميّت فلم يجد شيئا، فقال: بأبي أنت وأمي طبت حيّا وميّتا [ (4) ] . وروى البيهقي عن علباء بن أحمر قال: كان علي والفضل يغسّلان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنودي عليّ ارفع طرفك إلى السماء. وروى ابن ماجة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أنا متّ فاغسلوني بسبع قرب من بئر غرس» [ (5) ] . وروى ابن سعد والبيهقي عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثا بالسّدر، وغسّل وعليه قميص وغسّل من بئر يقال لها الغرس [لسعد بن حيثمة بقباء] وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يشرب منها وولى غسله علي، والفضل محتضنه، والعبّاس يصبّ الماء فجعل الفضل يقول أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يترطل عليّ مرتين [ (6) ] . وروى ابن سعد عن الشعبي مرسلا قال: غسّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عليّ وأسامة والفضل ابن العبّاس وكان عليّ يقول وهو يغسّله: بأبي أنت وأمي طبت حيّا وميتا [ (7) ] وفي رواية قال: غسّل

_ [ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 215. [ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 213. [ (3) ] ابن سعد 2/ 214. [ (4) ] ابن سعد 2/ 215 وابن ماجة (1467) وإسناده صحيح ورجال ثقات. [ (5) ] أخرجه ابن ماجة (1468) وانظر الكامل لابن عدي 2/ 762 والكنز (4229) . وفيه عباد بن يعقوب رافضي داعي ومع ذلك يروي المناكير عن المشاهير. [ (6) ] ابن سعد 2/ 214 والبيهقي في الدلائل 2/ 245. [ (7) ] ابن سعد 2/ 212.

تنبيهان:

على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والعبّاس قاعد والفضل محتضنه وعليّ يغسّله وعليه قميص، وأسامة يختلف [ (1) ] . وروى أيضا عن إبراهيم قال: غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العباس، وعلي، والفضل- وفي لفظ- والعباس يسترهم [ (2) ] . ورواه عن ابن شهاب وزاد وصالح مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (3) ] . وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: اجتمع القوم لغسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس في البيت إلا أهله عمّه العباس بن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن عباس وأسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه فلمّا اجتمعوا لغسله نادى مناد من وراء الناس وهو أوس بن خولي الأنصاري أحد بني عوف بن الخزرج وكان بدريّا علي علي بن أبي طالب فقال: يا عليّ ننشدك الله وحظّنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له عليّ: ادخل، فدخل فحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يل من غسله شيئا فأسنده عليّ إلى صدره، وعليه قميصه، وكان العباس، والفضل وقثم يقلّبونه مع عليّ وكان أسامة بن زيد، وصالح مولاه يصبان الماء، وجعل عليّ يغسله ولم ير من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا مما يرى من الميّت وهو يقول بأبي وأمّي ما أطيبك حيّا وميتا حتّى إذا فرغوا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يغسّل بالماء والسّدر جفّفوه ثم صنع به ما يصنع بالميّت. وروى ابن سعد والحاكم في «الإكليل» عن هارون بن سعد قال: كان عند عليّ مسك فأوصى أن يحنّط به، وكان عليّ يقول: هو فضل حنوط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ (4) ] . وروى ابن إسحاق عن عكرمة- رحمه الله تعالى- قال: لما قبض الله تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- غسّله علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس وكان العبّاس يناولهم الماء من وراء الستر ما يمنعني أن أغسّله إلا أنّا كنّا صبيانا نحمل الحجارة في المسجد. تنبيهان: الأول: قال الإمام مالك- رحمه الله تعالى- في موطئه رواية سعيد بن عفير: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «غسّل في قميص» .

_ [ (1) ] المصدر السابق. [ (2) ] ابن سعد 2/ 212، 213. [ (3) ] المصدر السابق. [ (4) ] البيهقي في الدلائل 7/ 249.

قال الباجي: يحتمل أن يكون ذلك خاصّا به، لأنّ السنّة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرّد الميت ولا يغسّل في قميصه انتهى. قلت: الأصل عدم الخصوصية حتى يقوم عليه الدليل ولم يوجد. الثاني: في بيان غريب ما سبق: عصبته: ... الجنازة: ... سطعت: ... حاسرا: ... يلتمس: ... الطرف: ... بئر غرس بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء والسين المهملة بئر بقباء. الوتين: ... خولي: بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبعد اللام ياء ساكنة قال أبو أحمد العسكري: هي مشدّدة. يترطل عليّ: يترخى، والرّطل بفتح الراء الرجل الرخو.

الباب الثاني في صفة كفنه - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في صفة كفنه- صلى الله عليه وسلم- روى الشيخان والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كفّن في ثلاثة أثواب بيض سحوليّة يمانية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة [ (1) ] . ورواه ابن ماجة: وزاد فقيل لعائشة إنّهم كانوا يزعمون أنه قد كان كفّن في حبرة فقالت: قد جاءوا ببرد حبرة، فلم يكفنوه فيها [ (2) ] . وفي رواية للشيخين وأبي داود وأدرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حلّة يمانية كانت لعبد الرحمن بن أبي بكر ثم نزعت عنه، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة. وفي رواية أخرى لهما: أما الحلّة فاشتبه على النّاس فيها أنّها اشتريت ليكفّن فيها فتركت الحلّة وكفّن في ثلاث أثواب بيض سحوليّة فأخذها عبد الله بن أبي بكر، فقال احبسها حتّى أكفّنّ فيها، ثم قال: لو رضيها الله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم- لكفنه فيها فباعها وتصدّق بثمنها [ (3) ] . وروى أبو داود بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: كفّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثوبين وبرد حبرة [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة بسند فيه عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كفّن في سبعة أثواب. وروى أبو يعلى عن الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كفّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثوبين أبيضين سحوليّين [ (5) ] . وروى الإمام أحمد والبزّار بسند حسن عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كفن النبي- صلى الله عليه وسلم- في سبعة أثواب [ (6) ] .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 135 (1264) ومسلم 2/ 649 (45/ 941) ومالك في الموطأ 1/ 223 (5) وأبو داود (3151، 3152) ابن سعد 2/ 215 وأحمد 6/ 40، 93، 118، 123، 165، والبيهقي في الدلائل 7/ 246، والنسائي 4/ 35، 36. [ (2) ] ابن ماجة 1/ 472 (1469) . [ (3) ] انظر الدلائل للبيهقي 7/ 248 السنن الكبرى 3/ 399 وأبو داود (3149) . [ (4) ] أخرجه أبو داود (315) . [ (5) ] أخرجه أبو يعلى 12/ 88 (5/ 6720) وفيه سليمان الشاذكوني وضاع. [ (6) ] انظر المجمع 3/ 26 في باب ما جاء في الكفن.

تنبيهات

وروى البزار برجال الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كفّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ريطتين وبرد نجرانيّ [ (1) ] . وروى الطبراني بسند حسن عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كفّن في ثلاثة أثواب أحدها قميص. وروى ابن سعد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كفّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض يمانية [ (2) ] . وروى ابن سعد والبيهقي عن الشعبي قال: كفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب سحوليّة برود يمانية غلاظ، إزار ورداء ولفافة [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كفّن في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلّة نجرانيّة [ (4) ] . وروى عنه قال: كفّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ثوبين أبيضين وفي برد أحمر. وروى ابن سعد من طرق صحيحة عن سعيد بن المسيّب قال: كفّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ريطتين وبرد نجرانيّ. وروى عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة قال: لفّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في برد حبرة جعل فيه ثم نزع عنه. تنبيهات الأول: قال الترمذي: وتكفينه- صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض أصحّ ما روي في كفنه [ (5) ] . الثاني: قول السيدة عائشة- رضي الله تعالى عنها- ليس فيها قميص ولا عمامة معناه: لم يكفن في قميص ولا عمامة، وإنما كفّن في ثلاثة أثواب، ولم يكفن مع الثّلاثة بشيء آخر هكذا فسره الشافعيّ وجمهور العلماء، وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر حديثها، وتأوّله غيرهم على أن معناه ليس القميص والعمامة من جملة الأثواب الثلاثة وإنما هما زائدان عليه. الثالث: في حديث ابن عباس المتقدّم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كفّن في ثلاثة أثواب الحلّة

_ [ (1) ] انظر المجمع 3/ 26 وابن سعد 2/ 217. [ (2) ] ابن سعد في الطبقات 2/ 216. [ (3) ] ابن سعد 1/ 218 والبيهقي في الدلائل 7/ 249. [ (4) ] أبو داود 1/ 216 (3153) . [ (5) ] وانظر شرح السّنّة بتحقيقنا 3/ 225.

ثوبان وقميصه الذي مات فيه، فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، ولو بقي عليه مع رطوبته لأفسد الأكفان. وأما حديث تكفينه في قميصه الذي مات فيه وحلّة نجرانية، فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه، لا سيما قد خالفت روايته الثقات. الرّابع: سبب الاشتباه الذي وقع الناس في كفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما سبق أنه اشترى البرد الحبرة ثم أخر عنه وترك. الخامس: في بيان غريب ما سبق: [البرد] [ (1) ] : ... «الحبرة» : بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة والراء ضرب من البرد يؤتى بها من اليمن. أدرج: ... شبّه على الناس: بضم الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة المشددة معناه اشتبه عليهم. الحلّة: بحاء مهملة مضمومة فلام مشددة. قال أهل اللغة: لا يكون إلا ثوبان إزار ورداء. سحوليّة: بفتح السين المهملة وضمها والفتح أشهر. قال ابن الأعرابي: وغيره: هي ثياب بيض لا تكون إلا من القطن، وقال ابن قتيبة: ثياب بيض ولم يخصّها بالقطن وقال الأزهري: هي بالفتح منسوبة إلى سحول قرية باليمن تحمل منها هذه الثياب، وبالضم ثياب بيض. وقيل: إن القرية أيضا بالضّمّ حكاه في «النهاية» . الرّيطة: ... نجرانية: ...

_ [ (1) ] سقط في أ.

الباب الثالث في الصلاة عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الثالث في الصلاة عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه قد تقدم في باب جمعه أصحابه أنه- صلى الله عليه وسلم- أوصى أنهم يخرجون عنه حتى يصلى عليه الملائكة ... الحديث فراجعه في الجمّاع قبله. قال ابن إسحاق: فلما فرغ من جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثّلاثاء وضع في سريره في بيته ثمّ دخل النّاس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلّون عليه أرسالا حتّى إذا فرغوا دخل النّساء حتّى إذا فرغن دخل الصّبيان، ولم يؤمّ الناس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحد. ورواه ابن ماجة والبيهقي بسند ضعيف. زاد ابن إسحاق ثم دفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من وسط اللّيل ليلة الأربعاء. وروى الإمام أحمد عن أبي عسيب مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: ادخلوا عليّ أرسالا أرسالا قال: فكانوا يدخلون عليه فيصلون ثمّ يخرجون من الباب الآخر [ (1) ] . وروى أبو يعلى والإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أضجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على السّرير ثم أذن للناس فدخلوا عليه فوجا فوجا يصلّون عليه بغير إمام حتى لم يبق أحد بالمدينة حرّ ولا عبد إلا صلّى عليه. وروى ابن سعد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما وضع على سريره، فقال عليّ: لا يقوم عليه أحد، هو إمامكم حيا وميتا! فكان يدخل الناس رسلا رسلا فيصلّون عليه صفّا صفّا ليس لهم إمام يقولون: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته [ (2) ] . وروى ابن سعد عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه أنه لما وضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على السّرير قال: لا يقوم عليه أحد هو إمامكم حيا وميّتا، فكان يدخل الناس رسلا رسلا، فيصلّون عليه صفّا صفّا ليس لهم إمام ويكبّرون، وعليّ قائم بحيال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهمّ إنّا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لامّته وجاهد في سبيل الله حتّى أعزّ الله دينه وتمّت

_ [ (1) ] أحمد في المسند 5/ 81 وابن سعد 2/ 221. [ (2) ] ابن سعد 2/ 222.

تنبيهات

كلمته، اللهمّ فاجعلنا ممّن يتبع ما أنزل الله إليه وثبّتنا بعده واجمع بيننا [ (1) ] وبينه. قال محمد بن عمر الأسلميّ: حدّثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ قال: وجدتّ هذا في صحيفة بخطّ أبي فيها أنه لما كفّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت فسلّموا كما سلّم أبو بكر وعمر وصفّوا صفوفا لا يؤمّهم أحد فقال أبو بكر وعمر: وهما في الصّفّ الأوّل حيال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اللهمّ إنّا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله تعالى، حتى أعز الله تعالى دينه وتمت كلماته فآمن به وحده لا شريك له فاجعلنا يا إلهنا ممّن يتبع القول الّذي أنزل معه واجمع بيننا وبينه حتّى يعرفنا ونعرفه فإنّه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما لا نبتغي بالإيمان بدلا ولا نشتري به ثمنا أبدا، فيقول النّاس آمين آمين! ثم يخرجون ويدخل آخرون حتى صلّى عليه الرّجال ثمّ النّساء ثم الصّبيان [ (2) ] . قال بعض العلماء: صلّوا عليه بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من الثلاثاء. وقيل: إنّهم مكثوا ثلاثة أيّام يصلّون. قال الشيخ مجد الدّين الفيروزآبادي [ (3) ] في القاموس: صلوا عليه فنادى مناد صلّوا أفواجا بلا إمام. وقيل: جماعات جماعات وحزروا ثلاثين ألفا من الملائكة فيكونون ستين ألفا، لأن مع كل واحد ملكين انتهى. وروى أبو يعلى والإمام أحمد- بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أضجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على السرير ثم أذن للنّاس فدخلوا فوجا فوجا يصلّون عليه بغير إمام حتى لم يبق أحد بالمدينة [حرّ ولا عبد إلا صلّى عليه] . وروى عن سالم بن عبد الله- رحمه الله تعالى- قال: قالوا لأبي بكر: هل يصلّى على الأنبياء؟ قال: يجيء قوم فيكبّرون ويدعون ويجيء آخرون حتّى يفرغ الناس. تنبيهات الأول: قال ابن كثير وغيره: وصلاتهم عليه فرادى لم يؤمّهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه.

_ [ (1) ] ابن سعد 1/ 221، 222. [ (2) ] تقدم قبل قليل. [ (3) ] في أالشيرازي.

قال ابن كثير: فلو صح حديث ابن مسعود أي السابق في باب جمعه أصحابه لكان نصّا في ذلك، ويكون في باب التعبد الذي لا نعقل معناه. قلت: الحديث سنده جيد، وليس لأحد أن يقول إنه لم يكن لهم إمام، لأنهم إنما شرعوا في تجهيزه- عليه الصلاة والسلام- بعد تمام بيعة أبي بكر. وقد اختلف في تعليله فقال الإمام الشافعيّ: إنما صلّوا عليه فرادى لعظم أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وصلوا مرة بعد أخرى انتهى. قال بعض العلماء: إنما لم يؤمّهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرّر صلاة المسلمين عليه مرة بعد أخرى، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة، رجالهم ونسائهم، وصبيانهم، حتى العبيد والإماء. قال السهيلي وغيره: أن المسلمين صلّوا عليه أفذاذا لا يؤمّهم أحد، كلما جاءت طائفة صلّت عليه، وهذا مخصوص به- صلى الله عليه وسلم- ولا يكون هذا الفعل إلا عن توقيف. وكذلك روى أنه أوصى بذلك ذكره الطبري [مسندا] ووجه الفقه فيه أن الله تعالى افترض الصلاة علينا عليه بقوله صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56] وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الآية أن لا تكون بإمام، والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الآية وهي متناولة لها وللصلاة عليه على كل حال. وأيضا: فإن الرب تبارك وتعالى [قد أخبر أنه يصلى عليه وملائكته فإذا كان الرب تعالى] هو المصلي والملائكة قيل: المؤمنين، وجب أن تكون صلاة المؤمنين تبعا لصلاة الملائكة وأن تكون الملائكة هم الإمام انتهى. وقال أبو عمر- رحمه الله تعالى- وصلاة الناس عليه أفذاذا لم يؤمّهم أحد أمر مجمع عليه عند أهل السنة وجماعة أهل النّقل لا يختلفون فيه ووافق أبا عمر على ذلك خلائق من العلماء حكوا فيه الإجماع وتعقّب أبو عمر بعض المغاربة بأن ابن القصّار حكى الخلاف هل صلّوا عليه الصلاة والمعهودة أو دعوا فقط؟ وهل صلّوا أفرادا أو جماعة؟ واختلفوا فيمن أمّ بهم. فقيل: أبو بكر، وروى ذلك بإسناد لا يصحّ فيه حرام بن عثمان وهو ضعيف جدّا. قال ابن دحية: وهو ضعيف بيقين لضعف رواته وانقطاعه، وتعقّبه بعض العلماء بوجوه. الأوّل: أن الموجود في كتب «المغازي» و «الحديث» هو ما ذكره ولم يوجد أنهم صلّوا عليه بإمام في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف. الثاني: قال الإمام الشافعي، ويحيى بن معين، والجوزجاني: الرواية عن حرام.

وقال الإمام مالك ويحيى: ليس بثقة واتهمه غير واحد من الحفاظ. الثالث: حديث ابن مسعود السابق وقد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ويرتقي بها الحديث إلى قريب من درجة الحسن وهو نص فيما قاله أبو عمر. قال أبو الخطاب بن دحية: والصحيح أن المسلمين صلّوا عليه فرادى لا يؤمّهم أحد، وبه جزم الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- قال: وذلك لعظم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وصلوا عليه مرة بعد أخرى. قال ابن كثير: وعلى تقدير صحته يكون ذلك من باب التعبد الذي لا يعقل معناه. والصحيح الذي عليه الجمهور أن صلاة الصحابة عليه كانت حقيقة لا مجرد الدعاء فقط، قاله القاضي عياض وتبعه النوويّ رحمهما الله تعالى. وذهب شرذمة إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصل عليه الصلاة المعتادة، وإنما كان الناس يأتون فيدعون ويترحمون. قال الباجي: ووجه: أنه- صلى الله عليه وسلم- أفضل من كل شهيد، والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أولى، قال: وفارق الشّهيد في الغسل، لأن الشهيد حذّر من غسله لإزالة الدّم عنه، وهو مطلوب بقاؤه لطيبه، ولأنه عنوان شهادته في الآخرة، وليس على النبي- صلى الله عليه وسلم- ما يكره إزالته فافترقا. الرابع: قال في «المورد» نقلت من خط شيخنا الحافظ الزاهد أبي عبد الله محمد بن عثمان المعروف بالضياء الرازي قال: قال سحنون بن سعيد: سألت جميع من لقيت من فقهاء الأمصار من أهل المغرب والمشرق، عن الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته: هل صلّوا عليه؟ وكم كبّر عليه؟ فكلّ لم يدر حتى قدمت المدينة، فلقيت عبد الله بن ماجشون فسألته فقال: صلّي عليه اثنان وتسعون صلاة، وكذلك صلّى على عمّه حمزة، قال: قلت: من أين لك هذا دون الناس؟ قال: وجدتها في الصّندوق التي تركها مالك، وفيه عميقات المسائل ومشكلات الأحاديث بخطّه عن نافع عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-. قال الحافظ أبو الفضل العراقي في سيرته المنظومة. وليس هذا بمتصل الإسناد ... عن مالك في كتب النقاد الخامس: في بيان غريب ما سبق: السرير: ... أرسالا: ...

الباب الرابع في دفنه - صلى الله عليه وسلم - ومن دفنه

الباب الرابع في دفنه- صلى الله عليه وسلم- ومن دفنه قال ابن كثير: الصّحيح المشهور عن الجمهور أنه- صلى الله عليه وسلم- توفّي يوم الاثنين ودفن يوم الأربعاء. وروى يعقوب بن سفيان عن أبي جعفر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توفّي يوم الاثنين فلبث ذلك اليوم وتلك اللّيلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النّهار. قال ابن كثير: وهو قول غريب. وروى يعقوب أيضا عن مكحول قال: مكث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث أيّام لا يدفن قال ابن كثير: غريب والصّحيح أنه مكث بقيّة يوم الاثنين، ويوم الثّلاثاء بكامله ودفن ليلة الأربعاء، وأغرب من ذلك ما رواه سيف من هشام أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفن يوم الثّلاثاء، والسّبب في تأخير دفنه مع أن السّنّة الإعجال به عدم اتفاقهم على موته. وروى ابن سعد عن ابن شهاب قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين حين زاغت الشمس [ (1) ] . وروى أيضا عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: اشتكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء أيضا [ (2) ] . وروى أيضا عن عكرمة قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين فجلس بقيّة يومه وليلته ومن الغد حتّى دفن من اللّيل [ (3) ] ، وروى أيضا عن أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين، فمكث يوم الاثنين والثّلاثاء حتّى دفن يوم الأربعاء [ (4) ] . وروى ابن سعد وابن ماجه، وأبو يعلى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما فرغ من جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثّلاثاء وضع على سريره في بيته وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه، فقال قائل: ندفنه مع أصحابه بالبقيع، وقال قائل: ادفنوه في مسجده، فقال أبو

_ [ (1) ] أخرجه 2/ 210. [ (2) ] ابن سعد 2/ 209. [ (3) ] ابن سعد 2/ 209. [ (4) ] المصدر السابق.

بكر: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما قبض نبيّ إلا دفن حيث يقبض» فرفع فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الّذي توفّي عليه فحفروا له تحته [ (1) ] . وروى الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح عن عبد العزيز بن جريج أن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يدروا أين يقبروا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى قال أبو بكر: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: لم يقبر نبيّ قطّ إلا حيث يموت فأخذوا فراشه وحفروا تحته [ (2) ] . وهو منقطع، لأن ابن جريج لم يدرك الصديق. وروى الترمذي وأبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه ادفنوه في موضع فراشه» [ (3) ] . وروى أبو يعلى وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا العبّاس رجلين فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة بن الجرّاح وكان يضرح لأهل مكّة وقال لآخر: اذهب إلى أبي طلحة وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فقالوا: اللهم، خر لرسولك فوجدوا أبا طلحة فجيء به ولم يوجد أبو عبيدة فلحّد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم دفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسط اللّيل من ليلة الأربعاء ونزل في حفرته علي بن أبي طالب والفضل وقثم بن عبّاس وشقران مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال أوس ابن خولي وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله، وحظّنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له عليّ: انزل، وكان شقران مولاه أخذ قطيفة حمراء كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبسها فدفنها في القبر وقال: والله، لا يلبسها أحد بعدك أبدا فدفنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ (4) ] . وروى ابن سعد عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- نحوه [ (5) ] . وروى الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- قال: سل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من قبل رأسه [ (6) ] . وروى الإمام أحمد ومسلم والترمذي وحسنه والنسائي وابن سعد عن ابن عباس- رضي

_ [ (1) ] ابن سعد (1/ 223) وابن ماجه (1628) والبيهقي في الدلائل 7/ 260، ومن مسند أبي بكر 78 وانظر نصب الراية 2/ 298. [ (2) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6534) وانظر الكنز (18735، 32237) (32263) . [ (3) ] أخرجه الترمذي (1018) وانظر الكنز 18761، 32236) . [ (4) ] البيهقي في الدلائل 7/ 252 وابن ماجه 1/ 496 من حديث أنس بن مالك وابن سعد من حديث ابن عباس 2/ 228. [ (5) ] ابن سعد 2/ 228. [ (6) ] أخرجه الشافعي في المسند 1/ 215 (598) والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 54.

الله تعالى عنه- قال: وضع تحت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قبره قطيفة حمراء [ (1) ] . وروى ابن سعد قال وكيع: هذا للنبي- صلى الله عليه وسلم- خاصة [ (2) ] . وروى ابن سعد- برجال ثقات- عن الحسن قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإنّ الأرض لم تسلّط على أجساد الأنبياء» [ (3) ] . وروى الترمذي وحسنه عن جعفر بن محمد عن أبيه- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- قال: الذي ألحد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة تحته شقران. قال جعفر بن محمد أخبرني ابن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في القبر [ (4) ] . وروى ابن سعد عن الحسن أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بسط تحته سمل قطيفة حمراء كان يلبسها قال: وكانت أرضا نديّة [ (5) ] . وروى مسلم وابن سعد والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال في مرضه الذي توفي فيه: «ألحدوا لي لحدا، وانصبوا عليّ اللّبن نصبا كما صنع برسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى البيهقي عن بعضهم والواقديّ عن علي بن الحسين أنه- صلى الله عليه وسلّم- نصب عليه في اللّحد تسع لبنات [ (6) ] . وروى ابن سعد والبيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: رشّ على قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الماء رشّا قال: وكان الذي رشّ على قبره الماء بلال بن رباح بقربة، بدءا من قبل رأسه من شقّه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه ثمّ ضرب الماء إلى الجدار، ولم يقدر على أن يدور من الجدار [ (7) ] . وروى البيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين إلى أن زاغت الشّمس يوم الثّلاثاء،

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 665 (91/ 967) النسائي 4/ 81. [ (2) ] ابن سعد في الطبقات 2/ 228. [ (3) ] ابن سعد 2/ 229 وابن كثير في البداية 5/ 269 وكنز العمال (42245) . [ (4) ] الترمذي (1047) وانظر شرح السّنّة 3/ 266. [ (5) ] ابن سعد في الطبقات 2/ 229. أخرجه مسلم 2/ 665 (90/ 966) وابن سعد 2/ 227. [ (6) ] ابن سعد 2/ 227 والبيهقي في الدلائل 2/ 252. [ (7) ] ابن سعد 2/ 233 والبيهقي في الدلائل 2/ 264.

يصلي النّاس عليه وسريره على شفير قبره، فلمّا أرادوا أن يقبروه- عليه الصلاة والسلام- نحّوا السّرير قبل رجليه فأدخل من هناك [ (1) ] . وروى الإمام مالك بلاغا وصله محمد بن عمر الأسلمي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما صدّقت بموت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى سمعت وقع الكرازين [ (2) ] . وروى ابن سعد والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما علمنا بدفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الثّلاثاء في السّحر [ (3) ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح فقالوا: نستخير ربّنا ونبعث إليهما فأيّهما سبق تركناه فأرسلوا إليهما فسبق صاحب اللّحد فلحّدوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (4) ] . وروى محمد بن سعد أنبأنا حمّاد بن خالد الخيّاط عن عقبة بن أبي الصّهباء سمعت الحسن يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «افرشوا لي قطيفة في لحدي، فإنّ الأرض لم تسلّط على أجساد الأنبياء» [ (5) ] . وروى مسدّد بسند صحيح عن علي- رضي الله تعالى عنه- وأجنانه دون الناس أربعة: علي بن أبي طالب والعبّاس والفضل بن العبّاس وصالح مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[وألحد له لحدا ونصب عليه اللّبن نصبا] [ (6) ] . وروى الحاكم والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن الذين نزلوا قبره- صلى الله عليه وسلم- علي والفضل وقثم بن عبّاس وشقران وأوس بن خولي وكانوا خمسة [ (7) ] . وروى ابن سعد عن الشعبي قال: دخل [قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- علي والفضل وأسامة بن زيد. قال الشّعبيّ وأخبرني مرحب أو ابن أبي مرحب أنهم أدخلوا معهم في القبر عبد الرحمن بن عوف [ (8) ] .

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 7/ 253. [ (2) ] ابن سعد 2/ 232. [ (3) ] ابن سعد 2/ 232، 233. [ (4) ] أخرجه مالك في الموطأ مرسلا 1/ 231 وابن ماجة 1/ 496 (1557) وإسناده صحيح ورجاله ثقات. [ (5) ] تقدم قريبا. [ (6) ] ذكره الحافظ في المطالب 4/ 258 (4388) موقوفا على ابن المسيب وفي اتحاف المهرة عن علي وقال البوصيري رواه مسدد بسند صحيح والحاكم والبيهقي ورواه ابن ماجة مختصرا. [ (7) ] البيهقي في الدلائل 21/ 253، 254 مغازي الواقدي 3/ 1120. [ (8) ] ابن سعد 2/ 229.

تنبيهات

وروى ابن سعد عن ابن] [ (1) ] شهاب قال ولي وضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قبره هؤلاء الرهط الذين غسّلوه: العباس وعليّ والفضل وصالح مولاه وخلّى أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأهله فولّوا إجنانه [ (2) ] . وروى البخاري وابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما دفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت فاطمة- عليها السلام-: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التّراب. وروى طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وابن الجوزي في «الوفاء» عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما رمس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاءت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فوقفت على قبره وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعته على عينيها وبكت وأنشأت تقول: ماذا على من شمّ تربة أحمد ... أن لا يشمّ مدى الزّمان غواليا صبّت عليّ مصائب لو أنّها ... صبّت على الأيّام عدن لياليا تنبيهات الأول: قال أبو عمر: خرجت القطيفة قبل إهالة التّراب. الثاني: في بيان غريب ما سبق: زاغت الشّمس: ... يضرح: ... القطيفة بقاف مفتوحة فطاء مهملة مكسورة، فمثناة تحتية ففاء: كساء له خمل كان يجلس عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. الكرازين بكاف فراء مفتوحتين فألف فزاي فمثناة تحتية فنون جمع كرزين وهو الفأس. شفير قبره: ... المساجى: ... أجنانه: ... حشو: ... الغواليا: ...

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] ابن سعد 2/ 230.

الباب الخامس في ذكر من كان آخر الناس عهدا به في قبره - صلى الله عليه وسلم -

الباب الخامس في ذكر من كان آخر الناس عهداً به في قبره- صلى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن نفرا من أهل العراق قالوا لعلي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-: يا أبا الحسن، جئناك نسألك عن أمر نحبّ أن تخبرنا عنه قال: أظنّ المغيرة بن شعبة يحدّثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: أجل عن ذلك جئنا لنسألك، قال: أحدث الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قثم بن العباس [ (1) ] . وروى أيضاً ابن سعد برجال ثقات عن أبي عسيب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا وضع في لحده، قال المغيرة بن شعبة: إنّه قد بقي من قبل رجليه شيء لم تصلحوه قالوا: فادخل فأصلحه فدخل فمسح قدميه- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: أهيلوا عليّ التراب! فأهالوا عليه التّراب حتى بلغ أنصاف ساقيه فخرج فجعل يقول: أنا أحدثكم عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (2) ] . وروى البيهقي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لمّا وضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في لحده ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال علي: إنّما ألقيته لتنزل فنزل فأعطاه إياه أو أمر رجلا فأعطاه [ (3) ] . وروى ابن سعد عن عروة بن الزّبير قال: لما وضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في لحده ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في القبر ثم قال: خاتمي فقالوا: ادخل فخذه قال: فدخل ثم قال: أهيلوا عليّ التّراب، فأهالوا عليه التّراب حتّى بلغ أنصاف قدميه، فخرج فلما سوّي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: اخرجوا حتّى أغلق الباب، فإني أحدثكم عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: لعمري، لئن كنت أردّتها لقد أصبتها [ (4) ] . وروى ابن أبي شيبة وأحمد بن منيع عن المغيرة بن شعبة قال لأنا آخر الناس عهداً برسول الله- صلى الله عليه وسلم- حضرنا ولحّدنا فلمّا حضروا ودفنوا ألقيت الفأس في القبر، فقلت: الفأس الفأس، فأخذته ومسحت بيدي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رواه أبو يعلى بلفظ: ألقيت خاتمي، فقلت: يا أبا الحسن، خاتمي، قال: انزل فخذ خاتمك، ووضعت يدي على الكفن ثم خرجت فنزلت فأخذت خاتمي [ (5) ] سنده مجالد وهو ضعيف.

_ [ (1) ] البيهقي في الدلائل 7/ 257. [ (2) ] ابن سعد 2/ 231. [ (3) ] البيهقي في الدلائل 7/ 258، المغازي للواقدي 3/ 1121. [ (4) ] ابن سعد 2/ 231. [ (5) ] ذكره الحافظ في المطالب 4/ 263 (4396، 4397) ومدارهما على مجالد وهو ضعيف كما قال المصنف.

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

وروى الطبراني برجال ثقات غير مجالد وهو مختلف فيه عن المغيرة بن شعبة قال: كنت فيمن حفر قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- قالوا: فلحّدنا لحدا فلمّا دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القبر طرحت الفأس ثمّ قلت: الفأس الفأس ثم نزلت فوضعت يدي على اللّحد [ (1) ] . وروى أيضا بإسناد قويّ عن ابن أبي مرحب قال: نزل في قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أربعة: أحدهم عبد الرحمن بن عوف، وكان المغيرة بن شعبة يدّعي أنه أحدث الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقول: أخذت خاتمي، فألقيته، وقلت: خاتمي سقط من يدي لأمسّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأكون آخر الناس عهداً به قال الحاكم أصحّ الأقاويل أنّ آخر الناس عهداً برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قثم بن العباس قال ابن كثير: وقول من قال: إنّ المغيرة بن شعبة كان آخرهم عهدا ليس بصحيح، لأنه لم يحضر دفنه فضلا عن أن يكون آخرهم عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلت: في كونه لم يحضر دفنه نظر لما تقدم. تنبيه في بيان غريب ما سبق: [آخرهم عهدا: ... التّراب: ... الفأس: ... ] [ (2) ] .

_ [ (1) ] ضعيف لضعف مجالد. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب السادس فيما سمع من التعزية به - صلى الله عليه وسلم -

الباب السادس فيما سمع من التعزية به- صلى الله عليه وسلم- روى محمد بن عمر برجال ثقات وابن أبي حاتم وأبو نعيم عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قبض وكانت التّعزية به جاء آت، يسمعون حسّه ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم، أهل البيت ورحمة الله وبركاته كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران: 185] إن في الله تعالى عزاء من كلّ مصيبة وخلف من كل هالك ودرك من كل ما فات فبالله فثقوا وإيّاه فارجعوا، فإن المحروم من حرم الثواب، وإن المصاب من حرم الثّواب والسّلام عليكم، فقال عليّ: هل تدرون من هذا؟ هذا الخضر- صلى الله عليه وسلم -[ (1) ] . وروى ابن أبي الدنيا والحاكم والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما قبض النبي- صلى الله عليه وسلم- أحدق به أصحابه، فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللّحية جسيم صبيح فتخطّى [رقابهم، فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن في الله عزاء من كلّ مصيبة وعوضا من كل فائت، وخلفا من كلّ هالك، فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلاء، فانظروا فإن المصاب من لم يجبره، فانصرف، وقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل، قال أبو بكر وعليّ: نعم، هو أخو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخضر- عليه السلام-] [ (2) ] وقد ذكر في كتب «الموضوعات» . وروى ابن سعد وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سيعزّي النّاس بعضهم بعضا من بعدي التعزية بي، فكان النّاس يقولون: ما هذا؟ فلمّا قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لقي النّاس بعضهم بعضا يعزّي بعضهم بعضا برسول الله- صلى الله عليه وسلم -[ (3) ] . وروى الطبراني عن ساباط قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها أعظم المصائب [ (4) ] . وروى الإمام مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد- رحمهم الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: ليعزّ المسلمين في مصائبهم المصيبة [ (5) ] بي.

_ [ (1) ] ابن سعد 2/ 211 وانظر المطالب العالية 4/ 259. [ (2) ] قال البيهقي وهذا منكر بمرّة الدلائل 7/ 269 قلت وآفته عباد بن عبد الصمد منكر الحديث الميزان 2/ 369. [ (3) ] الطبراني في الكبير 6/ 166، ابن سعد 2/ 210 والمجمع 9/ 38، المطالب العالية (4385) . [ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 313. [ (5) ] مالك في الموطأ (236) وابن سعد 2/ 211.

وروى ابن ماجه عن عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في مرضه: يا أيها الناس أيما أحد من الناس، أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عند المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدّ عليه من مصيبتي. [ (1) ] [وروى عن المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنهما- التعزية. هالك: ... الدّرك: ... أحدق: ... أشهب اللّحية: ... ] [ (2) ] .

_ [ (1) ] ابن ماجة 2/ 510 (1599) وفيه موسى بن عبيدة الربذي ضعيف. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب السابع في موضع قبره الشريف وصفته وصفة حجرته وبعض أخبارها

الباب السابع في موضع قبره الشريف وصفته وصفة حجرته وبعض أخبارها تقدّم في أحاديث أبي بكر أنه أخّر فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحفر في موضعه. وهو قوله: فسمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يدفن نبيّ إلا حيث قبض» . وقد علم بالتواتر أنه- صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرة عائشة- رضي الله تعالى عنها-[التي كانت تختص بها شرقيّ مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ثم دفن بعده أبو بكر، ثم عمر. وروى ابن سعد والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-] [ (1) ] ومسدد- برجال ثقات- والحميديّ والحاكم وصححه عن سعيد بن المسيب أن عائشة قالت لأبي بكر رأيت كأنّ ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقال: يدفن في بيتك ثلاثة هم خير أهل الأرض فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودفن، قال أبو بكر: هذا خير أقمارك [ (2) ] . وروي عن أنس أن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قصّت مناما رأته على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لها: «إن صدقت رؤياك يدفن في بيتك ثلاث هم خير أهل الأرض» . وروى البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: جعل قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسطوحا [ (3) ] . وروى يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن هارون بن سليمان قال: حدثني غير واحد من مشايخ أهل المدينة أنّ صفات القبور الثّلاثة مسطوحة عليها بطحاء من بطحاء العرصة الحمراء. ويؤيده ما رواه أبو داود بإسناد صحيح والحاكم وصحّح إسناده من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمّاه، اكشفي لي عن قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. زاد الحاكم: فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقدما وأبو بكر رأسه بين كتفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[وعمر رأسه عند رجل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (4) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] ابن سعد 2/ 224 والبيهقي في الدلائل 2/ 262 والحاكم 3/ 60 وصححه. [ (3) ] البيهقي في الدلائل 7/ 264. [ (4) ] وهذه الرواية تدل على أنّ قبورهم مسطحة، لأن الحصباء لا تثبت إلا على المسطح والحديث عند الحاكم 1/ 369 والبيهقي في الدلائل 7/ 263 وأبو داود مختصرا 3/ 215 (3220) .

الأولى:

وروى ابن النجار في «تاريخ المدينة» أن امرأة سألت عائشة أن اكشفي لي عن قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-] [ (1) ] فكشفته فبكت حتى ماتت- رضي الله تعالى عنها- ورحمها. وحكى عن أبي الفضل الحمويّ أحد خدّام الحجرة النّبويّة أنه شاهد شخصا من الزوار وأتى باب مقصورة الحجرة الشريفة فطأطأ رأسه نحو العتبة، فحركوه فإذا هو ميّت وكان من حضر جنازته- رحمهما الله تعالى-. وأما ما رواه البخاري في الصحيح عن سفيان التّمّار أنه رأى قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسنما [ (2) ] زاد أبو نعيم في «المستخرج» ، وقبر أبي بكر وعمر كذلك فلا يعارض ذلك أن سفيان ولد في زمان معاوية فلم ير القبر إلا في آخر الأمر فيحتمل كما قال البيهقي أن القبر لم يكن في أول الأمر مسنّما ثم سنّم لما سقط الجدار في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد صيروها مرتفعة، فقد روى يحيى بن الحسن عن عبد الله بن الحسين قال: رأيت قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسنّما في زمن الوليد بن هشام. وقد اختلف في صفة القبور الشريفة بالحجرة المنيفة على سبع كيفيات. الأولى: أن قبر النبي- صلى الله عليه وسلم-[أمامها] [ (3) ] إلى القبلة مقدما بجدار القبلة، ثم قبر أبي بكر حذاء منكبي النبي- صلى الله عليه وسلم- وقبر عمر حذو منكبي أبي بكر هكذا. سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر- رضي الله عنه- عمر- رضي الله عنه- قال النووي: هذا هو المشهور وقال السيد السمهوديّ في «تاريخ المدينة» : إنه الذي عليه الأكثرون وإنها أشهر الروايات. الثانية: أن قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمر رأسه عند رجلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال أبو اليمن بن عساكر: وهذه صفته: النبي- صلى الله عليه وسلم- عمر- رضي الله تعالى عنه-

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ. [ (2) ] أخرجه البخاري من رواية أبي بكر بن عياش 3/ 255 (1390) والبيهقي في الدلائل 7/ 264. [ (3) ] سقط في أ.

الثالثة:

أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- الثالثة: روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: رأس أبي بكر عند رجلي النبي- صلى الله عليه وسلم- وعمر خلف ظهر النبي- صلى الله عليه وسلم-. قال أبو اليمن بن عساكر وهذه صفته: النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه- قال السيد نور الدين السمهودي: ويردها ما في الصحيح من أن الذي بدت قدمه عند هدم الجدار إنما هو عمر، لأن الجدار المنهدم، إنما هو الشرقي، ولو صحت هذه الرواية لكان البادي قدم أبي بكر. الرابعة: روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة: ثنا محمد بن إسماعيل عن عمرو بن عثمان عن القاسم بن محمد فذكر مثل الحديث المذكور في الثالثة إلا أنه قال: فإذا قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أمامها ورجلا أبي بكر عند رأس النبي- صلى الله عليه وسلم- ورأس عمر عند رجلي أبي بكر. قال أبو اليمن: وهذه صفته: النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه- الخامسة: روى أبو نعيم عن عثمان بن نسطاس قال: رأيت قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما هدم عمر بن عبد العزيز عنه البيت مرتفعا نحوا من أربع أصابع عليه حصباء إلى الحمرة مائلة، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- ورأيت قبر عمر أسفل منه وصوره لنا هكذا: النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه- السادسة: روي عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: خرجت في ليلة مطيرة إلى المسجد حتى إذا كنت عند دار المغيرة بن شعبة لقيتني رائحة لا والله ما وجدت مثلها قط فجئت إلى المسجد فبدأت بقبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فإذا جداره قد انهدم فدخلت فسلمت على النبي- صلى الله عليه وسلم- ومكثت فيه مليّا، فإذا قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وقبر أبي بكر عند رجليه وعليهما

السابعة:

حصباء من حصباء العرصة وقبر عمر عند رجلي أبي بكر. قال أبو اليمن وهذه صفته: النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه- السابعة: روى ابن زبالة عن المنكدر بن محمد عن أبيه قال: قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- هكذا، وقبر أبي بكر خلفه، وقبر عمر عند رجلي النبي- صلى الله عليه وسلم-. النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه- وهذه الروايات ما عدا الأولى والثانية أسانيدها ضعيفة وأشهرها الأولى كما تقدم. قال حسان بن ثابت- رضي الله تعالى عنه-: ثلاثة برزوا بسبقهم ... نصرهم ربّهم إذا نشروا عاشوا بلا فرقة حياتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا فليس من مسلم له بصر ... ينكر فضلهم إذا ذكروا وقال غيره: ثلاثة أقبر جلّت وعزّت ... حوت خير الورى مع صاحبيه محمّد المصطفى من قريش ... وصدّيق له أثنى عليه وثالثهم هو الفاروق حقّا ... فكلّ مدائحي تهدى إليه وروى ابن زبالة عن المطلب- رضي الله تعالى عنه- قال: كانوا يأخذون من تراب القبر وأمرت عائشة بجداره فضرب عليهم وكان في الجدار كوّة فكانوا يأخذون منها فأمرت بالكوّة فسدّت. وروى ابن سعد عن مالك بن أنس قال: قسم مبيت عائشة باثنين: قسم كان فيه القبر وقسم كان فيه عائشة. وروى عمر بن شبة عن أبي غسّان قال: لم يزل بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي دفن فيه ظاهرا حتى بنى عمر بن عبد العزيز عليه الخطار المزور حين بنى المسجد في خلافة الوليد وإنّما جعله مزورا كراهية أن يشبه تربيعه تربيع القبلة، وأن يتخذ قبلة يصلّى إليه. وروى ابن زبالة عن غير واحد من أهل العلم أن البيت مربع مبني بحجارة سود وقصة

تنبيه في بيان غريب ما سبق:

والذي يلي القبلة من أطوله، والشرقيّ والغربيّ سواء، والشاميّ أنقصها، وباب البيت مما يلي الشّام مسدود بالحجارة السود والقصة ثم بنى عمر بن عبد العزيز هذا البناء الطّاهر وزوّره لئلّا يتّخذه النّاس قبلة تخصّ بها الصّلاة من بين المسجد قالوا: والبناء الذي حوّل بينه وبين البناء الظاهر اليوم مما يلي المشرق ذراعان ومما يلي المغرب ذراع، ومما يلي القبلة شير ومما يلي الشّام فضاؤه كلّه وفي الفضاء الذي يلي الشّام بركن مكسور ومكتل خشب يقال إن البناء بين نسوة هناك. وروى يحيى بن الحسن الحسيني عن أبي غسان محمد بن يحيى قال: سمعت من يقول إن في الحظار الذي على قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- مركن وخشبة وجريدة مسندة. قال ابن أبي الزّناد: هو مركّن تركه العمّال هناك قال أبو غسّان: فأمّا أنا فإني اطلعت في الحظار فلم أر شيئا فزعم لي زاعم أنه قد رأى ثمّ مركّنا أو شيئا موضوعا مع الرّكن وأما أنا فلم أره ولا أعلم أحدا يدري من أخذه ولم أر البيت الذي في الحظار. تنبيه في بيان غريب ما سبق: [أقمار: ... الخمرة: ... مسطوحة: ... بطحاء: ... العرصة: ... لاطئة: ... الكوّة: الخرق من الحائط والثقب في البيت ونحوه. مزورا: ... القصّة: ... الحظار: ... المركن: ... المكثل:] [ (1) ] ...

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الثامن في الاستسقاء بقبره الشريف - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثامن في الاستسقاء بقبره الشريف- صلى الله عليه وسلم- روى الدارمي عن [أبي الجوزاء] [ (1) ] أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة- رضي الله تعالى عنها- فقالت: انظروا إلى قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فاجعلوا منه كوّة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السّماء سقف قال: ففعلوا فمطرنا مطرا حتّى نبت العشب وسمنت الإبل حتّى تفتقت من الشحم، فسمّي: عام الفتق.

_ [ (1) ] في أابن الجوزي.

الباب التاسع في فضل ما بين قبره ومنبره - صلى الله عليه وسلم -

الباب التاسع في فضل ما بين قبره ومنبره- صلى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عمر والإمام أحمد والبزار عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد- برجال الصحيح- والبخاري عن أبي هريرة والطبراني عن أبي سعيد الخدري، والبزار- برجال الصحيح- عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن الإمام أحمد عن عبد الله بن زيد المازنيّ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما بين بيتي ومنبري» . ولفظ ابن عمر «قبري ومنبري» روضة من رياض الجنّة، ومنبري على حوضي وإنّ منبري على ترعة من ترع الجنة. وفي لفظ تجيء ترعة من ترع الجنة. وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: منبري هذا على ترعة من ترع الجنة. تنبيهات الأول: اختلف في معنى كون منبره على حوضه على ثلاثة أوجه. الأول: قال الخطّابيّ: معنى قوله «ومنبري على حوضي» أي أن قصد منبره وحضوره عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد [لصاحبه إلى] الحوض ويوجب الشّرب منه. الثاني: قال ابن النّجّار: المراد أن منبره الذي كان يقوم عليه- صلى الله عليه وسلم- يعيده الله كما يعيد سائر الخلائق ويكون على حوضه في ذلك اليوم. قال أبو اليمن بن عساكر: وهو الأظهر، وعليه أكثر النّاس. الثالث: قيل: إن المراد منبر يخلقه الله تعالى في ذلك اليوم ويجعله على حوضه. قال السيد: ويظهر لي معنى رابع، وهو أن البقعة التي عليها المنبر تعاد بعينها في الجنّة، ويعاد منبره ذلك على هيئته، ليناسب ما في الجنّة، فيجعل المنبر عليها عند عقر الحوض وهو مؤخّره وعن ذلك غيّر ب «ترعة من ترع الجنة» وذكر ذلك- صلى الله عليه وسلم- لأمته للتّرغيب للعمل بهذا المحلّ الشّريف ليقضي بصاحبه إلى ذلك، وهذا في الحقيقة جمع بين القولين الأوّلين. الثاني: اختلفوا أيضا في معنى ما جاء في الروضة الشريفة. قال الحافظ: ومحصّل ما أول العلماء به ذلك أن تلك البقعة كروضة من رياض الجنة

في نزول الرحمة وحصول السّعادة بما يحصل فيها من ملازمة حلق الذكر، لا سيما في عهده- صلى الله عليه وسلم- فيكون مجازا [بغير أداة] ، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدّي إلى الجنّة فيكون مجازا أو هو على ظاهره، وأن المراد أنّها روضة حقيقية بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنّة انتهى. قال: وهذه الأقاويل على ترتيبها هذا في القوّة، وهو محتمل لتقوية الأوّل والأخير، والأخير أقواها عندي، وهذا الذي ذهب إليه ابن النّجّار ونقله البرهان بن فرحون في «مناسكه» عن ابن الجوزي وغيره عن مالك فقال: وقوله: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة» حمله مالك رحمه الله تعالى على ظاهره فنقل عنه ابن الجوزي وغيره أنها روضة من رياض الجنّة تنقل إلى الجنة وأنها ليست كسائر الأرض تذهب وتفنى، ووافقه على ذلك جماعة من العلماء انتهى. ونقله الخطيب بن جملة عن الداودي وصحّحه ابن الحاج في «مدخله» لأن العلماء فهموا من ذلك مزية عظيمة لهذا المحلّ. وقال الحافظ في موضع آخر بعد أن صدّر بالثالث أو أنه على المجاز تكون العبادة فيه نزول إلى دخول العائد روضة الجنة، وهذا فيه نظر، إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة والخير مسبوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها، وجمع الشيخ ابن أبي جمرة بين الثاني والثالث، ولم يعوّل على ذكر الأوّل فقال: الأظهر والله أعلم الجمع بين الوجهين لكلّ منهما دليل يعضده، أما الدليل على أن العمل فيها يوجب الجنّة فلما جاء في فضل مسجدها في المضاعفة، ولهذه البقعة زيادة على باقي بقعه. وأما الدليل على كونها بعينها في الجنّة فلإخباره- صلى الله عليه وسلم- بأنّ المنبر على الحوض لم يختلف أحد من العلماء أنه على ظاهره، وأنه حقّ محسوس موجود على حوضه، وقد نقل الخلاف قبل، ثم قال: تقرّر من قواعد الشّرع أن البقع المباركة ما فائدة بركتها لنا، والأخبار بذلك إلا تعميرها بالطاعات. قال: ويحتمل وجها ثالثا وهو أن تلك البقعة نفسها روضة من رياض الجنة الآن، وتعود روضة في الجنة كما كان ويكون للعامل، فالعمل فيه درجة في الجنة قال: وهو الأظهر لوجهين: أحدهما: علوّ منزلته- صلى الله عليه وسلم- وليكون بينه وبين الأبوّة الإبراهيمية في هذا أشبه، وهو أنه لما خصّ الله الخليل بحوض من الجنة خصّ الحبيب بالروضة منها انتهى. وهو من النّفاسة بمكان، وفيه حمل اللفظ على ظاهره إذ لا يقتضي بصرفه عنه، ولا

يقدح في ذلك كوننا نشاهده على أراضي الدّنيا فإنه ما دام الإنسان في هذا العالم لا تنكشف له حقائق ذلك العالم لوجود الحجب الكثيفة. الثّالث: تخصيص ما أحاطت به البيّنة المذكورة لذلك إما تعبدا، وإما لكثرة تردّده- صلى الله عليه وسلم- بين بيته ومنبره، وقرب ذلك من قبره الشريف الذي هو الروضة العظمى كما أشار إليه ابن أبي جمرة أيضا. الرابع: اختلفوا في مكان الرّوضة. الخامس: في بيان غريب ما سبق: القبر: ... المنبر: ... الحوض: ... الرّوضة: ... التّرعة: بمثناة فوقية فراء ساكنة فعين مهملة الروضة على المكان المرتفع.

الباب العاشر في فضل مسجده - صلى الله عليه وسلم -

الباب العاشر في فضل مسجده- صلّى الله عليه وسلم- غير ما تقدم. قال الله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة: 108] . روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال: امترى رجلان رجلا من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسّس على التقوى: قال الخدريّ: هو مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال الآخر: هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسألاه فقال: «هو هذا» يعني مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: في ذلك خير كثير يعني مسجد قباء. روى الإمام أحمد عن سهل بن سعد نحوه. وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسألته عن المسجد الذي أسّس على التقوى فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: هو مسجدكم هذا. وروى الإمام أحمد عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «المسجد الّذي أسّس على التّقوى مسجدي هذا» . وروى الزبير بن بكار في «أخبار المدينة» عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لو بني مسجدي هذا إلى صنعاء كان مسجدي» . وروى أيضا عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: لو مدّ مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ذي الحليفة لكان منه. وروى الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلّى في مسجدي هذا أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار ونجاة من العذاب وبرئ من النّفاق» . وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل» . وفي رواية: «خير» من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا المسجد الحرام» .

تنبيهات

وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» . وروى البزار وابن حبان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خير ما ركبت إليه الرّواحل مسجدي هذا، والبيت العتيق مسجد إبراهيم- صلى الله عليه وسلم-» . تنبيهات الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام» . اختلف في تأويل هذا الحديث فقيل: إنّ الصّلاة في مسجده- صلى الله عليه وسلم- أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف صلاة. ونقل أبو عمر عن جماعة من أهل الأمر: أن معناه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة ثم أيده بما أخرجه من حديث ابن عمر مرفوعا «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنّه أفضل فيه بمائة صلاة» . الثاني: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تشدّ الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد» . قيل: هو نفي بمعنى النّهي. وقيل: لمجرد الإخبار لا نهي ولا دلالة فيه على التّحريم، إذ النّفي لا يقتضي النهي مطلقا، وعلى تقدير أنه يقتضي النهي فإنما يقتضي النهي فيما وقع عليه النّفي، والنّفي هاهنا ليس لنفي الحقيقة، وإنما هو لنفي مقصود من مقاصدها، ولا يتعين أن يكون الجواز المطلق، جاز أن يكون لا تشدّ الرحال وجوبا أو ندبا أو طاعة مسنونة بخصوصيتها لا بنوعها ولا بحسنها وتعين أحد المحتملات يحتاج إلى دليل، وبتقدير أن يكون بمعنى النهي، فلا نسلم أن النهي في مثل ذلك يقتضي التحريم، والأمر يقتضي الوجوب، وإطلاق أئمة الأصول أن النهي يقتضي التحريم والأمر يقتضي الوجوب محمول على الأمر بصيغة «افعل» والنهي بصيغة «لا تفعل» إذ هو الذي يصح فيه دعوى الحقيقة. وأما ما كان موضوعا حقيقة بغير الأمر والنهي، ويفيد معنى أحدهما كالخبر بمعنى الأمر، والنفي بمعنى النهي فلا يدعي فيه أنه حقيقة في وجوب ولا تحريم، لأنه مستعمل في غير موضوعه إذا أريد الأمر والنهي، ودعوى كونه حقيقة في إيجاب أو تحريم وهو موضوع لغيرهما مكابرة وهذا موضع يغلط فيه كثير من الفقهاء، ويعبرون بلفظ أئمة الأصول ويدخلون فيه كلما

أفاد نهيا أو أمرا، والمحقق يعرف المراد ويضع كل شيء في موضعه. ذكر ذلك كله شيخ الإسلام كمال الدين بن الزملكاني في كتاب «العمل المقبول في زيارة الرسول» قال النووي: معناه الأفضلية في شدّ الرحال إلى مسجد غير هذه الثلاثة ونقله عن الجمهور. وقال العراقي: من أحسن محامل الحديث أن المراد منه حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من مساجد غير هذه الثلاثة. وأما فضل غير المساجد من الرّحلة في طلب العلم وزيارة الصالحين والإخوان والتجارة والتنزه ونحو ذلك فليس داخلا فيه وقد ورد ذلك مصرحا في رواية أحمد. ولفظه: لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا. وقال الشيخ تقي الدين السّبكي: ليس في الأرض بقعة لها فضل ثوابها حتى تشدّ إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة، ولا شك أن بقاع المساجد الثلاثة وموضع قبره- صلى الله عليه وسلم- هي أفضل بقاع الأرض، وموضع قبره- صلى الله عليه وسلم- ومسجد مكة والمدينة أفضل من المسجد الأقصى واختلف أيهما أفضل مسجد مكة أو مسجد المدينة. الثالث: قال القاضي عياض بعد حكاية الخلاف: ولا خلاف أن موضع قبره- صلى الله عليه وسلم- أفضل بقاع الأرض انتهى. ولا ريب أن نبينا- صلى الله عليه وسلم- أفضل المخلوقات، فليس في المخلوقات على الله تعالى أكرم منه، لا في العالم العلويّ ولا في العالم السفليّ كما تقدم في الباب الأول من الخصائص قال بعضهم: كيف يمكن انفكاك المؤمن المعظّم للنبي- صلى الله عليه وسلم- المعتقد شرف تلك البقعة أن يشدّ الرّحال إليها ويدخل المسجد ويصلي فيه ولا يصلي إلى الروضة الشريفة التي في الحجرة؟ وفي الحديث أنها روضة من رياض الجنة، وكيف يصلي إلى الروضة والقبر ويعلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسمع كلامه إذا سلم عليه، ويرد عليه السلام ويسعه أن لا يقصد الحجرة الشريفة والقبر ويسلم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن وقع هذا لأحد لا يكون قلبه معمورا بحبّ النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن تداركه الله تعالى برحمته وجد من نفسه ذلك، وكذلك لو قصد زيارة قبره- صلى الله عليه وسلم- لم ينفك قصده عن قصد المسجد وهذا شأن الزّوّار. الرابع: قال الإمام أبو عمر بن عبد البرّ: بعد أن ذكر حديث الصحيحين أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا وليس في إتيانه- صلى الله عليه وسلم- مسجد قباء ما يعارض قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تعمل المطيّ» لأن قوله ذلك معناه عند العلماء فيمن نذر على نفسه صلاة

في أحد المساجد الثلاثة أنه يلزمه إتيانها دون غيرها، وأما إتيان قباء وغيرها من مواضع الرباط فلا بأس بإتيانها بدليل حديث قباء هذا. وقال العلامة ابن جملة: وهذا الذي ذكره هو الحق الذي لا محيد عنه، ولهذا تجد الأئمة من الفقهاء والمحدثين يذكرون الحديث في باب النّذر، والسفر للجهاد، وتعلم العلم الواجب، وبر الوالدين، وزيارة الإخوان والتفكير في آثار صنع الله كله مطلوب للشارع وجوبا واستحبابا والسفر للتجارة والأعراض الدنيوية جائز، وكله خارج من هذا الحديث، فلم يبق إلا شد الرحل للمعصية وحينئذ هو الممنوع، ولا يختص المنع بشد الرحل باستحسان الله، أيكون السفر لزيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- من هذا القسم لقد اجترأ على الله وعلى رسوله من قال هذا، وهو كلام يدور حول الاستهانة وسوء الأدب في إطلاقه ما يقتضي كفر قائله نعوذ بالله من الخذلان، وكذلك ليس قوله- صلى الله عليه وسلم- «لا تتخذوا قبري عيدا وتجعلوا بيوتكم صورا» ما يعارض ما تقدّم، لأن سياقه يقتضي دفع توهم من توّهم أن الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- لا تكون مؤثّرة إلا عند قبره فيفوت بسبب ذلك ثواب الصّلاة عليه من بعد، ولهذا قال- صلى الله عليه وسلم-: «صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم» . ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في جواز السفر وشد الرحل، لغرض دنيوي كالتجارة، فإذا جاز ذلك فهذا أولى، لأنه من أعظم الأغراض الأخروية فإنه في أصله من الآخرة لا سيما في هذا الموضع، ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في جواز السفر وشدّه.

الباب الحادي عشر في حياته في قبره وكذلك سائر الأنبياء - عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام -

الباب الحادي عشر في حياته في قبره وكذلك سائر الأنبياء- عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام- قال الشيخ- رحمه الله تعالى- في كتابه «أنباء الأزكياء بحياة الأنبياء» : حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت به الأخبار. وقال الشيخ جمال الدين الأردبيلي الشافعيّ في كتابه «الأنوار في أعمال الأبرار» : قال البيهقي في كتاب «الاعتقاد» : الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، وقد رأى النبيّ- صلى الله عليه وسلم- جماعة منهم وأمّهم في الصلاة وأخبر وخبره صدق، أن صلاتنا معروضة عليه، وأن سلامنا يبلغه، والله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. وقال القرطبي في «التذكرة» في حديث الصّعقة نقلا عن شيخه: الموت ليس بعدم محض، وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك إن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدنيا، وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه- صلى الله عليه وسلم- اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء ورأى موسى قائما يصلي في قبره وأخبر- صلى الله عليه وسلم- بأنه يرد السلام على كل من يسلم عليه إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيّبوا عنا بحيث لا ندركهم، وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة فإنّهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامة من أوليائه. وقال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي شيخ الشافعية في «فتاويه» : قال المتكلمون المحققون من أصحابنا إن نبينا- صلى الله عليه وسلم- حيّ بعد وفاته وإنه يسرّ بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم وأنه تبلغه الصلاة من يصلي عليه من أمته. وقال: أن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئا، وقد مات موسى في زمانه وأخبر نبينا- صلى الله عليه وسلم- أنه رآه في قبره مصليا وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء وآدم وإبراهيم وقالوا له: مرحبا، وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا نبينا- صلى الله عليه وسلم- قد صار حيا بعد وفاته وهو على نبوته انتهى. وقال سيدي الشيخ عفيف الدين اليافعي- رحمه الله تعالى-: الأولياء ترد عليهم أحوال

يشاهدون فيها ملكوت السموات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى موسى عليه السلام في قبره. قال: وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء من معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التّحدّي قال: ولا ينكر ذلك إلا جاهل، ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة فلنكتف بهذا القدر. وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أوس الثقفي مرفوعا. [إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم تعرض عليّ قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت- يعني بليت- فقال: إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء] . وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» . وروى أبو يعلى: حدثنا أبو الجهم الأزرق بن علي، حدثنا يحيى بن أبي بكر، حدثنا المسلم بن سعيد عن الحجّاج- زاد ابن عدي- ابن الأسود عن ثابت البنانيّ. قال الحافظ في «التقريب» : أبو الجهم الأزرق صدوق يغرب ويحيى بن أبي بكير من رجال البخاري والمستلم بن سعيد قال الإمام أحمد: شيخ ثقة. وقال النسائي: لا بأس به وذكره ابن حبّان في «الثقات» . وقال الحافظ: صدوق عابد ربما وهم، وشيخه الحجّاج. قال الحافظ عبد الغني بن سعيد في الإيضاح: الإشكال هو حجّاج بن حجاج، وهو حجاج الأسود الذي روى عنه جعفر بن سليمان، ومستلم بن سعيد وهو حجاج الباهليّ، وهو الحجاج بن الحجاج، وهو حجاج الأحول، وهو حجّاج زق العسل انتهى. وحجاج هذا قال الإمام أحمد: ليس به بأس. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة من الثقات صدوق. وقال الحافظ: ثقة وثابت لا يسأل عنه. وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد: حدثنا إبراهيم بن علي الجبائي، حدثنا يحيى بن محمد بن ساعدة. حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير ثنا يحيى بن أبي بكير به. وقال ابن عدي: حدثنا قسطنطين بن عبد الله الرومي، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني

الحسن بن قتيبة المدائني ثنا المستلم بن سعيد عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البناني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون» . وروى أبو يعلى عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «والذي نفسي بيده لينزلن عيسى ابن مريم ثم لئن سلم عليّ لأجبته» . وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر- برجال ثقات- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن عيسى ابن مريم يكون مارّا بالمدينة حاجا أو معتمرا ولئن سلّم عليّ لأردّنّ عليه» . وروى ابن النّجّار عن إبراهيم بن يسار قال: حججت في بعض السنين فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسلّمت عليه فسمعت من داخل الحجرة: وعليك السلام. قال البازري في «التوثيق» : أن سليمان بن شحم قال: رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في النّوم فقلت: يا رسول الله، هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك، أتفقه سلامهم قال: نعم وأردّ عليهم. وروى أبو نعيم في «الدلائل» عن سعيد بن المسيب قال: لقد رأيتني ليالي الحرّة، وما في المسجد غيري، وما يأتي وقت أذان إلا سمعت الأذان من القبر. وروى الزبير بن بكّار عنه قال: لم أزل أسمع الأذان والإقامة في قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أيام الحرّة حتى عاد الناس. وروى ابن سعد عنه أنه كان يلازم الناس أيام الحرّة والناس يقتتلون قال: فكنت إذا حانت الصّلاة أسمع أذانا يخرج من القبر الشريف. وروى الدارميّ في مسنده: أنبأنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرّة لم يؤذّن في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثا ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب المسجد وكان لا يعرف وقت الصّلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي- صلى الله عليه وسلم-. وروى ابن ماجة بإسناد جيد عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا عليّ من الصّلاة يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإنّ أحدا لن يصلي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حين يفرغ منها» قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: وبعد الموت إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. قال ابن ماجة: فنبي الله حيّ يرزق في قبره.

ورواه الطبراني- بلفظ-: ليس من عبد يصلّي عليّ إلا بلغني صوته حيث كان، ورجالهما ثقات، لكنه منقطع. وروى البيهقي في «الشّعب» والأصبهاني في «الترغيب» عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلّى عليّ نائيا بلّغته. وروى البخاري في «تاريخه» عن عمار- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أن الله تعالى خلق ملكا أعطاه أسماع الخلائق قائما على قبري، فما من أحد يصلّي عليّ صلاة إلا بلغنيها» . وروى البيهقي في «حياة الأنبياء» والأصبهانيّ في «الترغيب» عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من صلّى عليّ مائة مرّة في يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم وكّل الله بذلك ملكا يدخله عليّ في قبري كما يدخل عليكم الهدايا، إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة» . ولفظ البيهقي: يخبرني بمن صلى علي بعد موتي باسمه ونسبه فأثبته عندي في صحيفة بيضاء. وروى البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكن يصلون بين يدي الله عز وجل حتى ينفخ في الصور» . قال البيهقي: المراد والله تعالى أعلم لا يصلون إلا هذا المقدار، ثم يكونون مصلين، فيما بين يدي الله عز وجل. وقال الثوري في «جامعه» : قال شيخ لنا عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين صباحا حتى يرفع. ورواه عبد الرزاق في «مصنّفه» عن الثّوريّ عن أبي المقدام عن سعيد به. قال الزركشيّ وأبو المقدام هو ثابت بن هرمز شيخ صالح. قلت: ويقال: اهريمز وثقه ابن المديني وأبو داود والنسائي ويعقوب وابن سفيان. قال الحافظ في «القريب» : صدوق يهم. وقال ابن القطّان: لا أعلم أحدا ضعّفه غير الدارقطنيّ ومثل هذا لا يقال من جهة الرأي.

تنبيهات

وروى أبو الشيخ عن شيخه عبد الرحمن بن أحمد الأعرج: حدثنا الحسن بن صباح: «من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى» ، قيل: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهل تتكلم الموتى؟ قال: «نعم ويتزاورون» . وروى ابن حبان: في «المجروحين» من طريق الحسن بن يحيى الخشني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما من نبيّ يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه» الحسن ضعفه الأكثر وقال دحيم: لا بأس به. وقال أبو حاتم: صدوق سيّء الحفظ ووثّقه ابن معين في رواية ابن أبي مريم. وقال أبو داود: لا بأس به. وقال الشيخ في تهذيب موضوعات ابن الجوزي: لهذا الحديث شواهد يرتقى بها إلى درجة الحسن. قال البيهقي: فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله تعالى. تنبيهات الأوّل: قال السيد نور الدّين السمهوديّ في «تاريخ المدينة» : وإن صحّ ما قاله ابن المسيب فالقبر الشريف له به علاقة روحانية وله نسبة إليه مع أنّا قطعنا بوصفه- صلى الله عليه وسلم- به فنستصحبه حتى يقوم قاطع على خلافه وساق ما أخبر به سعيد بن المسيب من سماعه الأذان والإقامة من القبر أيام الحرّة مع أنه قد جاء عن غير ابن المسيب ما يقتضي الاستمرار، فقد قال عثمان بن عفان أيام حصاره: لن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيها. وروى ابن عساكر بسند جيد عن بلال أنه لما نزل ب «داريا» من أرض الشام رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما إنّ لك أن تزورني فانتبه حزينا خائفا، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا: نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذّن به لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المسجد فعلا سطح المسجد ووقف موقفه الذي كان يقف فيه فلمّا أن قال: الله أكبر، ارتجّت المدينة فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله ازدادت رجّتها، فلمّا أن قال: أشهد أن محمدا رسول الله، خرجت العواتق من خدورهنّ، وقالوا: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما رئي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ذلك اليوم.

وقال الإمام العلامة جمال الدين محمود بن جملة: نبينا- صلى الله عليه وسلم- أحياه الله تعالى بعد موته حياة تامّة واستمرت تلك الحياة إلى الآن، وهي مستمرة إلى يوم القيامة، وليس هذا خاصّا به- صلى الله عليه وسلم- بل يشاركه الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- أجمعين. والدليل على ذلك أمور كثيرة: أحدها: قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169] فقيل: وجه الدلالة منها من ثلاثة أوجه: الأول: أن الحياة في البرزخ حاصلة لآحاد الأمّة من الشّهداء، وللشّهداء بذلك مزيّة على غيرهم ممّن ليس بشهيد، فما لهم أفضل ممن لم يكن له هذه المرتبة، ولا يكون رتبة أحد من الأمة أعلى درجة من رتبة النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا ثوابه أكمل ولا حاله أحسن. الثاني: أن الذين قتلوا في سبيل الله إنما استحقوا هذه الرّتبة بالشّهادة، والشّهادة حاصلة له- صلى الله عليه وسلم- على أتم الوجود وأكملها، لأنّ الشّهيد سمّي شهيدا إذ الشهادة الموت أو الشهادة لله أو الشّهادة على الناس يوم القيامة، أو لمشاهدة ثواب الله- عز وجل-، أو لمشاهدة ملائكته، وهذه الرتبة للنبي- صلى الله عليه وسلم- أكمل من الأمة وأعلاها الشهادة لله تعالى والشهادة على النّاس وشهادة النبي- صلى الله عليه وسلم- أسمى وأعظم فإنه- صلى الله عليه وسلم- شهد على الشهداء قال الله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: 143] فإن توهم متوهم أن هذا من خصائص القتلى، فالنبي- صلى الله عليه وسلم- قد حصل له ذلك كما بيناه في باب أن الله تعالى اختار له مع النبوة الشهادة في أبواب الوفاة فراجعه. وقال الحافظ عبد الغني المقدسيّ الحنبليّ: صاحب «العمدة» المشهورة في جواب سؤال ما نصّه: سألت: - أحسن الله لنا ولك التوفيق لم يحبّ ويرضى عن صلاة نبينا وسيّدنا المصطفى المرتضى سيّد الخلق في الآخرة والأولى بإخوانه النبيين والمرسلين، هل صلّى بأجسادهم أم بأرواحهم، فاعلم- رحمك الله- أنّ مذهب أهل الحقّ القائلين بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[إنّ الإسراء كان برسول الله- صلى الله عليه وسلم-] [ (1) ] بجسده وروح يقظة لا مناما، فقد ورد به القرآن العزيز وورد به الخبر الصحيح، قال الله سبحانه وتعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الإسراء: 1] الآية، وتواترت الأخبار الصّحيحة بذلك. قال: فإن ثبت هذا، فاعلم أن الأنبياء أحياء في قبورهم.

_ [ (1) ] سقط في ب.

روى حديث أوس بن أوس قال: وهو حديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود والنّسائي وجماعة، وقد روى مسلم عن أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «مررت ليلة أسري بي على موسى وهو قائم يصلي في قبره» وهذا من صفة الأجساد لا من صفة الأرواح. قال: وفي حديث حسن في الإسراء أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: فدخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد، وقد صحّ في أحاديث كثيرة أن آدم وإبراهيم- صلى الله عليه وسلم- قالا له: مرحباً بالأخ الصالح، وصحّ أنه لما لقي موسى وجاوزه بكى موسى وقد وصف- صلى الله عليه وسلم- الأنبياء فقال: رأيت موسى قائما يصلّي، كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى قائما يصلي كأنه عروة بن مسعود الثقفيّ، وأما إبراهيم فأشبه الناس بصاحبكم- يعني نفسه- صلى الله عليه وسلم- وهذه صفة الأجساد لا صفة الأرواح، وقد أخبر- صلى الله عليه وسلم- أنه لما لقي موسى بعد أن فرض الله عليه خمسين صلاة فقال له: إنّي جربت النّاس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، ففعل ذلك مرارا إلى أن أمره الله بخمس صلوات، ومحال أن يكون هذا الخطاب من روح موسى دون جسده، والقائل بذلك مخالف للنّقل والعقل ونمنع أن يراهم في أجسادهم ويصفها، ويخاطبهم ويخاطبونه ثم يصلّي بالأرواح دون الأجساد، والصلاة في اللغة: الدّعاء. وفي الشريعة: عبارة عن القراءة مع القيام والركوع والسّجود. وقيام الأرواح وقعودها وقراءتها غير مدرك ولا معقول ولا منقول، فتبارك الذي خص محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه. فإن قال قائل: كيف صلّى بهم في بيت المقدس ثم رآهم في السّماء؟. فنقول، وبالله التوفيق: إن الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى السّماء إلى سدرة المنتهى فكان قاب قوسين أو أدنى ثم رجع إلى مكّة قبل الصّبح هو الذي أراه إياهم كيف يشاء وجمعهم له أين يشاء، فسبحان الذي لا يحاط بقدرته، ولا تنتهي عظمته، ولا تدرك حقيقته وهو على كل شيء قدير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، انتهى كلام الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله. وفي صحيح مسلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن إبراهيم ابني مات، وإنه مات في الثّدي وإن له لظئرين تكمّلان رضاعه في الجنة. ووجه الدّلالة من هذا الحديث ظاهرة وأن تكملة الرضاع إنما هو في الدّنيا، وإذا كان هذا في حقّ ولده- صلى الله عليه وسلم- كرامة له فلأن يثبت في حقّه الحياة- صلى الله عليه وسلم- بطريق أولى. وروى أبو داود الطيالسي بسند صحيح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لما مات إبراهيم: إن له مرضعاً في الجنة.

فقد تبين لك- رحمك الله من الأحاديث السابقة- حياة النبيّ وسائر الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- وقد قال الله سبحانه وتعالى في الشهداء: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169] والأنبياء أولى بذلك فهم أجل وأعظم وقلّ نبيّ إلاّ وقد جمع مع النبوة وصف الشهادة، فيدخلون في عموم لفظ الآية، فثبت كونه- صلى الله عليه وسلم- حي في قبره بنص القرآن إمّا من عموم اللّفظ وإما من مفهوم الموافقة. الثاني: إن قيل: إن قوله- صلى الله عليه وسلم-: «إلا ردّ الله إليّ روحي» يقتضي مفارقة الرّوح لبدنه الشريف في بعض الأوقات، وذلك لا يلتئم مع كونه حيّا على الدوام. وقال الشيخ الإمام العلّامة علاء الدين القونويّ الشافعيّ في «آداب البحث» له: ظاهرة رد روحه- صلى الله عليه وسلم- عند سلام أول من سلّم عليه- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، ثم إما أنه أن يقال: باستمرار حياته بعد ذلك، وبقاء روحه المباركة في جسده الشّريف، كما كان قبل، وهو المدّعى ويحسن على هذا أن يقدر في حديث لفظة «قد» بعد أداة الاستثناء حتى يكون المعنى: ما من أحد يسلّم عليّ إلا قد رد الله علي روحي. انتهى. وهذا أحد الأجوبة قاله البيهقي. وبهذا جزم الإمام العلامة جمال الدين محمود بن جملة خطيب الجامع الأمويّ في كتاب الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم-: وهو كتاب جليل ولم يطلع عليه شيخنا رحمه الله تعالى، وقد أوضح الشّيخ بلك في «فتاويه» قبل الوقوف على كلام البيهقي فقال في فتاويه: إن قوله: «ردّ الله تعالى» جملة حالية وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا وقعت فعلا ماضيا قدّرت فيها «قد» كقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء: 90] أي قد حصرت، وكذا هنا تقدر الجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد «وحتّى» ليست للتعليل بل مجرد حرف عطف بعمى «الواو» فصار تقدير الحديث: ما من أحد يسلّم عليّ إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك وأردّ عليه، وإنما جاء الإشكال من ظنّ أن جملة «ردّ الله» بمعنى الحال أو الاستقبال وظن أن «حتّى» تعليلة وليس كذلك وبهذا الذي قررناه ارتفع الإشكال من أصله. قال: ثم بعد ذلك رأيت الحديث مخرّجا في كتاب «حياة الأنبياء» للبيهقي بلفظ: «إلّا وقد رد الله علي روحي» فصرح فيه بلفظ «قد» ورواية إسقاطها محمولة على إضمارها وأن حذفها من تصرّف الرواة، ومراد الحديث الإخبار بأن الله تعالى يردّ إليه روحه بعد الموت فيصير حيّا على الدوام حتى لو سلّم عليه أحد ردّ عليه سلامه لوجود الحياة فيه فصار الحديث موافقا للأحاديث الواردة في حياته في قبره، ويؤيّده من حيث المعنى أنّ الرد لو أخذ بمعنى الحال أو الاستقبال لزم تكراره عند تكرّر المسلّمين، وتكرّر الرّدّ يستلزم تكرار المفارقة، وتكرار المفارقة يلزم عليه محذوران:

أحدهما: تألّم الجسد الشريف بتكرّر خروج الرّوح منه أو نوع ما من مخافة التكرار أن لم يكن تأليما. والآخر: مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم، فإنه لم يثبت لأحد منهم أنه يتكرر له مفارقة الرّوح وعودها إلى البرزخ، والنبي- صلى الله عليه وسلم- أولى بالاستمرار الذي هو أعلى مرتبة. ومحذور ثالث وهو مخالفة القرآن فإنه دلّ على أنه ليس إلا موتة وحياتان، وهذا التكرير يستلزم موتات كثيرة وهو باطل انتهى. ثم قال القونوي: وإما أن يقال يردها عند سلام المسلّم الأوّل ثم قبضها بعد ذلك، ثم ردها عند مسلّم آخر وهكذا كلّما سلم عليه المسلمون، وهذا لم يقل به أحد، ولا يجوز اعتقاده أيضا، فإنه يفضى إلى توالى موتات لا تحصى ورد الروح مرّات لا تحصى، فإن كل مصلّ يسلّم عليه في صلاته مرة أو مرتين وغير المصلّي أيضا يسلّم عليه، ويختلف أوقات سلامهم فلا يخلو ساعة من الساعات من سلام عليه ولا يخفى ما في التزام تكرار الرّدّ بتكرار ذلك المحذور فتعين القول بردّها عليه- صلى الله عليه وسلم- بعد موته مرّة واحدة لرد السّلام على المسلّم الأول واستمرار الحياة بعد ذلك إلى يوم القيامة فيكون النبي- صلى الله عليه وسلم- حيّا في قبره ثم أيّد ذلك بما رواه مسلم عن أنس مرفوعا، رأيت موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره. الجواب الثّاني: قال السّبكيّ: يحتمل أن يكون ردّا معنويّا، وأن تكون روحه الشريفة مستقلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم فإذا سلّم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم فيدرك سلام من سلم عليه، أو يرد عليه. الثالث: قال الشيخ: إن لفظ «الرّدّ» قد لا يدل على انفكاك المفارقة: بل كنّى به عن مطلق الصّيرورة كما قيل في قوله تعالى حكاية عن شعيب- عليه الصلاة والسلام- قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ [الأعراف: 89] إن لفظ العود أريد به مطلق الصّيرورة لا العود بعد الانتقال، لأن شعيبا- عليه الصلاة والسلام- لم يكن في ملتهم قطّ، وحسن استعمال هذا اللفظ في هذا الحديث مراعاة للمناسبة اللفظية بينه وبين قوله: «حتى أرد عليه السّلام» في لفظ الرّدّ في صدر الحديث لمناسبة ذكره في آخر الحديث. الرابع: قال الشّيخ: ليس المراد برد الروح عودها بعد المفارقة للبدن، وإنما النبي- صلى الله عليه وسلم- في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدة ربّه كما كان في الدّنيا في حاله بالوحي، وفي أوقات أخر فعبر عن إفاقته من تلك المشاهدة، وذلك الاستغراق بردّ الرّوح، ونظير هذا قول العلماء في اللفظة التي وقعت في بعض أحاديث الإسراء لم يكن

مناما، وإنما المراد الإفاقة ممّا خامر من عجائب الملكوت. قلت: وفي حديث أبي أسيد حين جاء بانه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليحنّكه فوضعه على فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واشتغل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحديث مع النّاس فرفع أبو أسيد ابنه ثم استيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يجد الصّبيّ فسأل عنه فقالوا: رفع فسماه الراوي استيقاظا. وفي حديث عائشة في ذهاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف فكذّبوه، قال: فرجعت مهموما، فلم أستفق إلّا ب «قرن الثّعالب» أي: أفاق مما كان فيه والله تعالى أعلم. الخامس: قال الشيخ: إن الرّدّ للرّوح يستلزم الاستمرار، لأن الزمان لا يخلو ممن يصلي عليه في أقطار الأرض. السّادس: قد يقال: أوحى الله إليه بهذا الأمر أولا قبل أن يوحى إليه فإنه لا يزال حيّا في قبره فأخبره به أوحى إليه بعد ذلك فلا منافاة بتأخير الخبر الثاني عن الأوّل. قلت: وهذا يحتاج إلى نقل، والله تعالى أعلم. السّابع: قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه «الفجر المنير [فيما فضل به البشير النذير» ] : المراد بالروح هنا النّطق مجازا فكأنه- صلى الله عليه وسلم- قال: إلا ردّ الله إليّ نطقي وهو حيّ على الدوام، لكن لا يلزم من حياته نطقه، فالله سبحانه وتعالى يردّ عليه النطق عند سلام كل مسلّم، وعلاقة المجاز أن النّطق من لازمه وجود الروح، كما أن الروح من لازمه وجود النّطق بالفعل والقوة، فعبّر- عليه الصلاة والسلام- بأحد المتلازمين عن الآخر، وفي تحقيق ذلك أن عود الروح لا يكون إلا مرتين عملا بقوله تعالى: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [غافر: 11] قال الشيخ رحمه الله تعالى: في كلامه أمران: أحدهما: أنّه عزى الحديث للتّرمذي وإنما رواه أبو داود. الثاني: ظاهر كلامه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مع كونه حيّا في البرزخ يمنع عنه النّطق في بعض الأوقات، ويرد عليه عند سلام المسلّم عليه، وهذا بعيد جدّا بل ممنوع فإن العقل والنقل يشهدان بخلافه. أما النّقل فإن الأخبار الواردة عن حاله وحال الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- في البرزخ مصرّحة بأنهم ينطقون كيف يشاءون لا يمنعون من شيء بل وسائر المؤمنين كذلك، والشهداء وغيرهم ينطقون في البرزخ بما شاءوا غيره من شيء ولم يرد أن أحدا يمنع من النطق في البرزخ إلا من مات عن غير وصيّة. وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب «الوصايا» : عن قيس بن قبيصة قال: قال

فائدة:

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى قيل: يا رسول الله، وهل نكلم الموتى؟ قال: «نعم» . قال السبكيّ: حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدّنيا ويشهد له صلاة موسى في قبره، فإن الصلاة تستدعي جسدا جيّدا، وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلّهم صفات الأجسام ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشّراب، وأما الحركات كالعلم والسّماع فلا شكّ أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى، وأما العقل، فلأن الحبس عن النطق في بعض الأوقات فيه نوع حصر وتعذيب، ولهذا عذب به تارك الوصيّة والنبي- صلى الله عليه وسلم- منزه عن ذلك، ولا يلحقه بعد وفاته حصر أصلا بوجه من الوجوه كما قال لفاطمة- رضي الله تعالى عنها-: في مرض وفاته «لا كرب على أبيك بعد اليوم» وإذا كان الشهداء وسائر المؤمنين من أمته إلا من استثنى من المعذّبين لا يحصرون بالمنع من النّطق فكيف به- صلى الله عليه وسلم-. فائدة: لفظ: الحديث الذي سقناه لفظ البيهقي. ولفظ: أبي داود «إلا رد الله علي» . قال الشيخ: ورواية البيهقي ألطف وأنسب، فإنّ بين التّعديتين فرقا لطيفا فإنّ رد يعدّى ب «على» في الإهانة وب «إلى» في الإكرام. قال في «الصحاح» : ردّ عليه الشّيء إذا لم يقبله، وكذا إذا خطأه وتقول: ردّه إلى منزله وردّ إليه جوابا أي رجع. وقال الراغب: من الأول قوله تعالى: يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [آل عمران: 149] وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا [الأنعام: 71] ومن الثاني: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ [القصص: 13] وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [الكهف: 36] ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [التوبة: 94] ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام: 62] . وذكر الشيخ- رحمه الله تعالى- أجوبة كثيرا فليراجعها من أرادها من فتاويه. قلت: وأقوى الأجوبة الأول ونكتته الثالث والرابع. الثالث: لا يقال: لو كان النبي- صلى الله عليه وسلم- حيّا في قبره دائما لزم كونه محصورا في القبر أو مسجونا فيه لأنّا نقول: قد ورد أن المؤمن يفسح له في قبره كمدّ البصر فكيف بالنبي- صلى الله عليه وسلم-. الرابع: إن قيل: فإذا كانوا أحياء قد أحياهم الله تعالى بعد موتهم فيلزم من ذلك أنهم

يموتون موتة ثانية عند النّفخ في الصّور فيذوقون الموت أكثر من غيرهم أجاب الإمام الحافظ صلاح الدين العلائيّ في ترجمة موسى- صلى الله عليه وسلم- بأنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض، فلا شك أن صعق غير الأنبياء بالموت وأما صعق الأنبياء فالظاهر أنه غشية وزوال استشعار لا موت كغيرهم، لئلا يلزم أنهم يموتون مرّتين، وهذا ما اختاره الإمام البيهقي والقرطبيّ وغيرهما أن صعقهم يومئذ ليس موتا بل غشيّ أو نحوه. ويدل لصحته قوله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور فلم يكن حيّا قبلي» فإن هذا يقتضي أنه إذا نفخ النفخة الثالثة وهي نفخة البعث يفيق من كان مغشيّا عليه، ويجيء من كان ميتا والنبي- صلى الله عليه وسلم- وكذلك غيره من الأنبياء لم يحصل لهم إلا الغشي. والحاصل إن نبينا- صلى الله عليه وسلم- تحقّق أنه أول من يفيق وأول من يخرج من قبره قبل النّاس كلّهم الأنبياء وغيرهم إلا موسى- عليه الصلاة والسلام- فإنه يحصل له تردّد هل بعث قبله أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصّعق. قال العلائيّ: وهذا وجه أقوى ما يقرر عليه هذا الحديث وهو الذي لا يصح غيره. [الحرة: ... الهمهمة: ... الصّور:] [ (1) ] ...

_ [ (1) ] سقط في ب.

الباب الثاني عشر في صلاته في قبره وكذلك سائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -

الباب الثاني عشر في صلاته في قبره وكذلك سائر الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- قال الإمام جمال الدين الأردبيلي في «الأنوار» في الفقه والأنبياء. روى أبو نعيم والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون» . وروى أبو نعيم في «الحلية» عن يوسف بن عطية قال: سمعت ثابتا يقول لحميد الطويل: هل بلغك أن أحدا يصلي في قبره إلا الأنبياء؟ قال: لا. وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة أسرى به مرّ على موسى- عليه الصلاة والسلام- وهو قائم يصلي في قبره. وروى أبو نعيم في «الحلية» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرّ بقبر موسى- عليه الصلاة والسلام- وهو قائم يصلي فيه. تنبيهات الأول: قال العلامة جمال الدين محمود بن جملة: وهذا الحديث صريح في إثبات الحياة لموسى- صلى الله عليه وسلم- فإنه وصفه بالصلاة وذكر أنه كان قائما ومثل هذا لا يوصف به الرّوح فقط، وإنّما يوصف به مع الجسد فإنه لا يقوم يصلي إلا بعودة الروح إليه، فتلك كرامة عظيمة فإنّه يفسح له في قبره فيكون عمله في العبادة متصل بعد وفاته وهذه الرواية رؤية عين، لأن مذهب أهل السنة أن الإسراء كان بالجسد، وإن سلم أنه بالروح فرؤية الأنبياء حقّ لا شكّ فيها. الثاني: إن قيل: إنّ الصّلاة من أعمال الدّنيا فكيف يصلي من فارق الدّنيا أجيب بأن الصّلاة هنا قد تكون بمعنى الدّعاء والذكر وهو من أعمال الآخرة. الثّالث: روى ابن أبي بشر عن شيبان بن جسر عن أبيه قال: كنت فيمن أدخل ثابت البناني في قبره فرفعت لبنة أصلحها فإذا بالقبر وفيه ثابت يصلّي، فطبقت اللبنة، ثم سألت أهله فقلت أخبروني ما كان ثابت يسأل ربه عز وجل؟ فقالت: كان يقول: اللهم، إن كنت أعطيت أحدا الصلاة في قبره فأعطيني ذلك وجاءت هذه الحكاية من غير وجه، والله تعالى أعلم.

الباب الثالث عشر في عرض أعمال أمته عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الثالث عشر في عرض أعمال أمته عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه روى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان والطبراني في «الكبير» وأبو الشيخ في «العظمة» والبزّار- بسند صحيح- وأبو نعيم في «الحلية» والحاكم والبيهقي في «الشعب» عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن لله ملائكة سيّاحين يبلّغونني عن أمّتي السّلام» . قال: [ ... ] . وروى الديلمي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا صلّيتم عليّ فأحسنوا الصّلاة، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليّ فقولوا: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على سيّد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير وإمام الرحمة، اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون. قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى-: المعروف أنه موقوف على ابن مسعود. وروى ابن ماجه والطبراني في «الكبير» عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة، فإنّه يوم مشهود تشهده الملائكة وإنّ أحدا لن يصلّي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حتّى يفرغ منها» قيل: وبعد الموت؟ قال: «وبعد الموت، إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» . وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلّوا عليّ، فإنّ صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم» . وروى الإمام أحمد في مسنده وابن أبي عاصم في الصّلاة له والبيهقي في «حياة الأنبياء» و «شعب الإيمان» وغيرهما أبو داود والنسائي وابن ماجة في سننهم وابن حبّان وابن خزيمة في صحيحيهما والحاكم وقال: هذا صحيح على شرط البخاريّ ولم يخرّجاه عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أفضل أيّامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض وفيه النفخة، وفيه الصعقة فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت؟ يعني- بليت- قال: إن الله عز وجل حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء انتهى.

الباب الرابع عشر في حكم تركته - صلى الله عليه وسلم - وما خلف

الباب الرابع عشر في حكم تركته- صلى الله عليه وسلم- وما خلف روى الإمام أحمد عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يورث، وإنّما ميراثه للفقراء والمساكين. روى ابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «والله لا تقتسم ورثتي بعدي دينارا ما تركت من شيء بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة» . وروى الترمذي وقال: حسن غريب من أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نورث» . وروى الإمامان مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف والإمامان مالك وأحمد والشيخان عن عائشة ومسلم والترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» . وروى الإمام أحمد والشيخان والعرني وأبو داود والنسائي: «لا نورث ما تركنا صدقة وإنّما يأكل آل محمّد في هذا المال» . وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا نورث ما تركنا صدقة وإنّما هذا المال لآل محمّد لنائبتهم، ولضيفهم، فإذا متّ فهو إلى وليّ الأمر من بعدي» . وروى ابن سعد والإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن الجارود وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ممّا أفاء الله على رسوله وفاطمة حينئذ تطلب صدقة النبي- صلى الله عليه وسلم- التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نورث ما تركنا صدقة إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل وإنّي والله، لا أغير شيئا من صدقة النبي- صلى الله عليه وسلم- عن حالها التي كانت عليها في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ولأعملنّ فيها بما عمل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- في ذلك.

فقال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحب إلي أن أصل قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال، فإنّي لم أك فيها عن الحقّ وإنّي لم أكن لأترك فيها أمرا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنعه فيها إلا صنعته. وروى ابن سعد- برجال ثقات- سوى الواقديّ- عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: «لمّا كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بويع لأبي بكر في ذلك اليوم فلما كان من الغد جاءت فاطمة لأبي بكر معها عليّ فقالت: ميراثي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال أبو بكر- رضي الله تعالى عنه-: أمن الرثة أو من العقد قالت: فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة، أرثها كما يرثك بناتك إذا متّ، فقال أبو بكر: أبوك والله خير منّي وأنت والله خير من بناتي، وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا نورث ما تركنا صدقة» ، يعني هذه الأموال القائمة، فتعلمين أن أباك أعطاكها فو الله، لئن قلت: نعم لأقبلنّ قولك، ولأصدقنّك قالت: جاءتني أمّ أيمن فأخبرتني أنه أعطاني فدك، قال عمر: فسمعته يقول: هي لك فإذا قلت قد سمعته فهي لك، فأنا أصدقك، وأقبل قولك، قالت قد أخبرتك ما عندي. وروى ابن سعد عن جعفر قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر، تطلب ميراثها، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه وجاء معهما علي فقال أبو بكر: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا نورث ما تركنا صدقة» وما كان النبي يعول فعليّ فقال علي: وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل: 16] وقال زكريا: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [مريم: 6] قال أبو بكر: هو هكذا، وأنت الله أعلم مثل ما أعلم فقال عليّ: هذا كتاب الله ينطق فسكتوا وانصرفوا. وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وعبد بن حميد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة وابن حبان وابن مردويه والبيهقيّ وأبو عبيد في «الأموال» عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أرسل إلى عمر بن الخطاب حجبته فجاء يرفأ فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد قال: نعم، ثم جاء، فقال: هل لك في عبّاس وعليّ؟ قال: نعم، فدخلوا، قال عمر: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» ، فقالوا: نعم، فأقبل على عبّاس وعليّ فقال: أنشدكما بالله الذي تقوم السماء والأرض بإذنه، أتعلمان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» قال: نعم، قال عمر: فإنّ الله كان خصّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بخاصّة لم يخصص بها أحدا غيره قال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [الحشر: 7] فقسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينكم أموال بني النضير، فو الله، ما أستأثر عليكم، ولا آخذها دونكم حتى بقي هذا المال، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأخذ منه نفقة سنة

ثم يجعل ما بقي أسوة المال، ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم نشد عباسا وعليّا بمثل ما نشد به القوم: أتعلمان ذلك: قالا: نعم، فلما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا نورث ما تركنا صدقة» فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر فقلت: أنا ولي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم أني لصادق بار راشد تابع للحق فوليتماني حتى جئتني أنت وهذا وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتما ادفعها إلينا فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه أن تعملا فيه بالذي كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر يعملان فيها فأخذتماها بذلك فقال أكذلك؟ قالا: نعم ثم جئتماني لأقضي بينكما ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرداها إليّ. وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ممّا أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرة حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستة أشهر فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى أبو بكر ذلك، وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعمله إلا عملته، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. وروى الحميديّ عن زرّ بن حبيش قال: سألت عائشة عن ميراث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: أعن ميراث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تسأل؟ ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفراء ولا بيضاء ولا شاة ولا بعيرا ولا عبدا ولا أمة ولا ذهبا ولا فضّة. وروى البخاري عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخي جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة. وروى الإمام أحمد وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة وترك درعه عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير. وروى ابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: والله، لا تقتسم ورثتي

تنبيهات

بعدي، ما تركت من بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة. وروى الإمام أحمد وابن عساكر من طرق ومسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء. وروى البخاري عن ابن عبّاس ومحمد ابن الحنفيّة قال: ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلّا ما بين الدّفّتين. وروى البخاري عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند أنس، وكان قد انصدع فسلسله بفضّة قال: وهو قدح عريض من نضار قال معمر: والنّضار شجر ب «نجد» وقال أنس: لقد سقيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا القدح وكان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من فضّة أو ذهب فقال أبو طلحة: لا تغيره كما كان عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فتركه. وروى عن عيسى بن طهمان قال: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، قال: فحدّثني ثابت بعد عن أنس أنهما نعلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى البيهقي عن فاطمة بنت الحسين أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قبض وله بردان في الحقّ يعملان. وروى أيضا عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وله جبّة صوف في الحياكة. تنبيهات الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم- لا نورث ما تركنا صدقة. قال الباجي: أجمع أهل السّنّة على أن هذا حكم جميع الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. وقال ابن عليّة: هذا لنبينا- صلى الله عليه وسلم- خاصة. وقالت الإمامية: إن جميع الأنبياء يورثون وتعلّقوا في ذلك بأنواع من التّخليط لا شبهة فيها مع ورود هذا النّصّ. قال: وقد أخبرني القاضي أبو جعفر السّمناني أن أبا علي بن شاذان وكان من أهل العلم بهذا الشأن إلا أنه لم يكن قرأ عربية فناظر يوما في هذه المسألة أبا عبد الله بن المعلم، وكان إمام الإمامية، وكان مع ذلك من أهل العلم بالعربية فاستدلّ ابن شاذان على أن الأنبياء لا يورثون بحديث: «إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» نصب على الحال.

فقال له ابن المعلم: أما ما ذكرت من هذا الحديث فإنما هو صدقة نصب على الحال فيقتضي ذلك أن ما تركه النبي- صلى الله عليه وسلم- علي وجه الصّدقة لا يورث عنه، ونحن لا نمنع هذا وإنما نمنع ذلك فيما تركه على غير الوجه، واعتمد هذه النكتة الغريبة لمّا عرف أنّ ابن شاذان لا يعرف هذا الشّأن ولا يفرق بين الحال وغيرها، فلما عاد الكلام إلى ابن شاذان، قال له: ما ادعيت من قوله- صلى الله عليه وسلم- «لا نورث ما تركنا صدقة» إنّما هو صدقة منصوبة على الحال، وأنت لا تمنع هذا الحكم فيما تركه الأنبياء- صلوات الله عليهم- على هذا الوجه فأنا لا نعلم فرقا بين قوله «ما تركنا صدقة» بالنّصب وبين قوله «ما تركنا صدقة» بالرفع ولا أحتاج في هذه المسألة إلى معرفة ذلك فإنه لا شكّ عندي وعندك أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- من أفصح العرب ومن أعلمهم بالفرق بين قوله: «ما تركنا صدقة» بالنصب و «ما تركنا صدقة» بالرفع، وكذلك العباس بن عبد المطّلب وهو ممن كان يستحق الميراث لو كان موروثا وكان علي بن أبي طالب من أفصح قريش وأعلمهم بذلك وقد طلبت فاطمة ميراث أبيها، فأجابها أبو بكر الصديق بهذا اللّفظ على وجه ففهمت منه أنه لا شيء لها، فانصرفت عن الطّلب، وفهم ذلك العباس وكذلك عليّ وسائر الصحابة ولم يعترض أحد منهم لهذا الاعتراض، وكذلك أبو بكر الصديق المحتجّ به والمتعلّق به، لا خلاف أنه من فصحاء العرب العالمين بذلك لم يورد من هذا اللفظ إلا بما يقتضي المنع، ولو كان اللفظ لا يقتضي المنع لما أورده ولا يتعرق به فإما أن يكون بالنصب يقتضي ما يقوله فادّعاؤك فيما قلت باطل وإما أن يكون الرفع هو الذي يقتضيه فهو المروي وادعاء النّصب فيه باطل. الثاني: ذكر ابن إسحاق في قصّة تبوك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم وهي التي كانت عند الخلفاء اشتراها أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار فهي عندهم. الثالث: في بيان غريب ما سبق: لا الا: ... الرثة: ... العقد: ... وليدة: ... الدّفتين: ... انصدع: ...

النّضار: ... الجرداوين: ... الحقّ: هو الخشبة التي يلفّ عليها. الحائك: الثّوب ويسمونه النول، ويقال الحق الذي ينسج به انتهى.

جماع أبواب زيارته - صلى الله عليه وسلم - بعد موته وفضلها

جماع أبواب زيارته- صلى الله عليه وسلّم- بعد موته وفضلها الباب الأول في فضل زيارته- صلّى الله عليه وسلم- قال القاضي عياض في «الشفاء» وزيارة قبره- صلى الله عليه وسلم-: سنة من سنن المرسلين [مجمع عليها] [ (1) ] وفضيلة مرغب فيها. وإذا قرب من المدينة فلينزل عن راحلته ويكفي زائره شرفا قوله- صلى الله عليه وسلم-: «من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زارني وجبت له شفاعتي» . قال ابن الرشيد والإمام العلامة: لما قدمنا المدينة الشريفة في سنة أربع وثمانين وستمائة كان معي رفيقي الوزير أبو عبد الله بن أبي القاسم بن الحكيم وكان أرمد فلما وصلنا دار الخليفة ونحوها نزلنا عن الأكوار وقوى الشوق لقرب المزار فنزل وبادر إلى المشي على قدميه احتسابا بتلك الآثار وإعظاما لمن حل بتلك الديار فأحس بالشفاء في نفسه فأنشد فيّ نفسه لوصف الحال: ولمّا رأينا من ربوع حبيبنا ... بيثرب أعلاما أثرن لنا الحبا وبالقرب منها إذ كحلنا عيوننا ... شفينا فلا بأسا نخاف ولا كربا وحين تبدّى للعيون جمالها ... ومن بعدها عنّا أزيلت لنا قربا نزلنا على الأكوار نمشي كرامة ... لمن حلّ فيها أن يلمّ بها ركبا فسحّ سجال الدّمع في عرصاته ... وتلثّم من حبّ لواطئه التّربا وإنّ بقائي دونه لخسارة ... ولو أنّ كفى تملك الشّرق والغربا فيا عجبا ممّن يحبّ بزعمه ... يقيم مع الدّعوى ويستعمل الكذبا وزلّات مثلي لا تعدّد كثرة ... وبعدي عن المختار أعظمها ذنبا وحكى عن بعضهم أنه لما أشرف على المدينة الشريفة أنشد متمثلا: رفع الحجاب لنا فلاح لناظري ... قمر تقطّع دونه الأوهام

_ [ (1) ] سقط في ب.

وإذا المطيّ بنا بلغن محمّدا ... فظهورهنّ على الرّجال حرام قرّبننا من خير من وطئ الثّرى ... ولها علينا حرمة وذمام وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: نزلنا منزلا فنام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكرت له فقال: هي شجرة استأذنت ربها عز وجل إن تسلم عليّ فأذن لها، فإذا كان هذا حال شجرة فكيف بالمؤمن المأمور بتعظيم هذا النبي الكريم الممتلئ القلب بالشوق إليه. وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة» . وروى الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» . ورواه في أماليه من طريق موسى بن هلال عن عبيد الله بن عمر- مصغرا- لكن رواه الدولابي في الكنى من طريق موسى بن هلال فقال عن عبد الله بن عمر العمري أبو عبد الرحمن أخو عبيد الله عن نافع به، ورواه البزار عن طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري وهو متروك. وروى أبو داود الطيالسي عن سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي قال: حدثني رجل من آل عمر عن عمر قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من زار قبري أو قال: من زارني كنت له شفيعا وشهيدا» . وروى الدارقطني من طريق هارون بن أبي قزعة عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي» . وروى الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» . ورواه الدارقطني من طريق آخر بلفظ: «من حجّ فزار قبري فذكره» ورواه أيضا الطبراني بهذا اللفظ. وروى العقيلي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتّى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا» . وروى أبو الفتوح سعيد بن محمد في «حزبه» عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-

تنبيهات

قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من زارني بعد موتي كمن زارني وأنا حيّ ومن زارني كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» . وروى يحيى بن الحسن الحسيني وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من زار قبري بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي ومن لم يزرني فقد جافاني» . وروى يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن رجل عن بكر بن عبد الله عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى المدينة زائرا إليّ وجبت له شفاعتي يوم القيامة» رجاله لا بأس بهم وبكر بن عبد الله إن كان المدني فهو تابعي جليل فيكون الحديث مرسلا وإن كان هو بكير بن عبد الله بن الربيع الأنصاري فهو صحابي. تنبيهات الأول: ضعّف الحافظ يحيى بن علي القرشيّ كون الراوي عبد الله مكبّرا، وصوّب كونه مصغّرا وكذلك صوّبه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه كما في النسخة التي بخطّ الحافظ البرزالي. قال ابن عديّ: عبد الله- أي مكبّرا- أصحّ. قال السبكي: وفيه نظر والذي يترجّح عبيد الله أي مصغّرا لتضافر روايات عبيد بن محمّد كلّها وبعض روايات ابن سمرة ولما سيأتي في الحديث الثّالث من متابعة مسلمة الجهميّ لموسى بن هلال، ويحتمل أن موسى سمع من عبد الله وعبيد الله جميعا، وحدّث به عن هذا تارة وعن هذا أخرى، وممن رواه عن موسى عن عبد الله مكبّرا الفضل بن سهل، فإن صحّ أنه عنهما فلا منافاة على أن المكبر روى له مسلم مقرونا بغيره. وقال أحمد: صالح، وقال أبو حاتم: رأيت أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس يكتب حديثه. وقال: إنّه في نافع: إنه صالح. وقال ابن عديّ: لا بأس به، صدوق. وقال ابن حبان: ما حاصله: أن الكلام فيه بكثرة غلطه لغلبة الصلاح عليه حتّى غلب عن ضبط الأخبار. قال السبكي: وهذا الحديث ليس في مظنة الالتباس عليه لا سندا ولا متنا، لأنّه في نافع كما هو خصيص به ومتنه في غاية القصر والوضوح فاحتمال خطئه فيه بعيد، والرواة إلى موسى ثقات لا ريبة فيهم.

قال ابن عديّ أرجو أنه لا بأس به، وقد روى عنه ستّة منهم الإمام أحمد ومحمد بن جابر المحاربيّ روى عنه شعبة ولم يكن يروي إلا عن ثقة عنده، فلم يبق من الإسناد من ينظر فيه إلا الرّجل المبهم. قال السّبكي: والأمر فيه قريب لا سيّما في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين وأما قول البيهقي: هذا إسناد مجهول، فإن كان سببه جهالة الرّجل الذي من آل عمر فصحيح، وقد بيّنا قرب الأمر فيه، وإن كان سببه عدم علمه لحال سوار بن ميمون، فقد ذكرنا رواية شعبة عنه، وهي كافية فلا يضرّه قول أبي حاتم الرازي أنه مجهول الحال، وقول العقيلي: لا يتابع عليه، وقول البيهقي: سواء قال عبيد الله أم عبد الله فهو منكر عن نافع عن ابن عمر لم يأت به غيره، فهذا وما في معناه يدلّك على أنه لا علّة لهذا الحديث عندهم إلا تفرّد موسى به وأنهم لم يحتملوه له لخفاء حاله وإلّا فكم من ثقة يتفرد بأشياء ويقبل منه، وأما بعد قول ابن عدي في موسى ما قال، ووجود متابع فإنه يتعين قبوله وعدم رده، ولذلك ذكره الحافظ عبد الحقّ في الأحكام [الصّغرى، والوسطى] [ (1) ] وسكت عنه مع قوله في الصّغرى إنه تغيّرها صحيحة الإسناد معروفة عند النقاد قد نقلها الأنبات وتداولها الثقات. وقال في الوسطى: وهي المشهورة اليوم بالكبرى: إن سكوته عن الحديث دليل على صحته فيما نعلم انتهى. وسبقه ابن السكن إلى تصحيح الحديث الثالث، كما سنذكره وهو متضمن لمعنى هذا الحديث وأقلّ درجات الحديث الحسن أن نوزع في صحّته لما سيأتي من شواهده. هذا وتظافر الأحاديث يزيدها قوّة حتّى إنّ الحسن قد يرتقي بذلك إلى درجة الحديث الصحيح. ومعنى قوله: «وجبت» أنها ثابتة لا بدّ منها بالوعد الصّادق. وقوله له إما أن يكون المراد له بخصوصه فيخص الزائر بشفاعة لا تحصل لغيره، وإما أن يراد أنه تفرد بشفاعة لا تحصل لغيره، والإفراد للتشريف والتقوية بسبب الزيارة. وإما أن يراد به بركة الزيارة والشفاعة، فهو يبشر بموته مسلما فيجري على عمومه، ولا يضمر فيه شرط الوفاة على الإسلام بخلافه على الأولين. وقوله: «شفاعتي» في هذه الإضافة تشريف، فإن الملائكة والنبيين والمؤمنين يشفعون والزائر له نسبة خاصّة منه فيشفع فيه هو بنفسه.

_ [ (1) ] في ب الأولى والصغرى.

والشّفاعة تعظم بعظم الشافع. وعن ابن عمر أيضا أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من زار قبري حلّت له شفاعتي» رواه البزار بسند ضعيف قال السّبكيّ: وهذا الحديث هو الأول بعينه إلا أنّ في الأولى «وجبت» وفي هذا «حلّت» . وعن ابن عمر أيضاً قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من جاءني زائرا يعمله حاجة إلا زيارتي كان حقّا عليّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة» . رواه الطبراني في «الأوسط» والدّارقطنيّ في أماليه وصحّحه وأبو بكر بن المقري في «معجمه» من رواية مسلمة بن سالم الجهنيّ قال: حدّثني عبيد الله بن العمري مصغرا عن نافع به وفي معجم ابن المقري عن نافع وسالم، فقد تابع مسلمة الجهني موسى بن هلال في شيخه عبيد الله العمري والطبراني كلها في روايته متّفقة على عبيد الله المصغر الثقة إلا أن مسلم بن حاتم الأنصاري رواه عن مسلمة مكبّرا، وهذا طريق أورده الحافظ أبو علي بن السّكن في باب من زار قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- من كتابه المسمى ب «الصّحاح المأثور» عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون هذا الحديث ممّا أجمع عليه في صحته فإما أن يكون ثبت عنده من غير طريق مسلمة، أو أنه ارتقى إلى ذلك بكثرة الطرق، وتبويبه دالّ على أنه فهم من الحديث الزيارة بعد الموت أو أن ما بعد الموت داخل في العموم وقال العلامة جمال الدين محمود بن جملة بعد هذا الحديث: ويرتقي إلى درجة الحسن الذي يحتج به في الأحكام فكيف في باب الفضائل والقرب فما يعارضه شيء قال السبكي: وهو صحيح. قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: طرق هذا الحديث كلّها ضعيفة، لكن صحّحه من حديث ابن عمر أبو علي بن السّكن في إيراده إيّاه في أثناء السّنن الصّحاح له وعبد الحق في سكوته عنه، والشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين باعتبار مجموع طرقه. الثاني: أورده البيهقي في باب زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- في قبره حديث أبي هريرة السابق في باب حياته في قبره، وصدّر به واعتمد جماعة من الأئمة في الزيارة على هذا الحديث. قال السّبكي: وهو اعتماد صحيح لتضمّنه قرينة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- ورده وهي مرتبة شريفة ومنقبة عظيمة ينبغي التعرّض لها والحرص عليها لينال بركة سلامه- صلى الله عليه وسلم - لفظ الإمام أحمد «ما من أحد يسلّم عليّ في قبري» فإن ثبت فهذا صريح في تخصيص هذه الفضيلة بالمسلّم عند القبر وإلا فالمسلّم عند القبر امتاز بالواجهة بالخطّاب ابتداء وجوابا ففيه فضيلة زائدة على الرّدّ على الغائب.

الباب الثاني في الدليل على مشروعية السفر وشد الرحل لزيارة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في الدليل على مشروعية السفر وشد الرحل لزيارة سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استدل العلماء- رضي الله تعالى عنهم- على مشروعية زيارته وشد الرحل لذلك بالكتاب، والسّنّة، والإجماع، والقياس. أما الكتاب فقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء: 64] وجه الدلالة من هذه الآية مبني على شيئين: أحدهما: إن نبينا- صلى الله عليه وسلم- حيّ كما يثبت ذلك في بابه. الثاني: أن أعمال أمته معروضة عليه كما يثبت ذلك في بابه. فإذا عرف ذلك فوجه الاحتجاج بها حينئذ أن الله تعالى أخبر أنّ من ظلم نفسه ثم جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاستغفر الله تعالى واستغفر له الرسول فإنه يجد الله توابا رحيما، وهذا عامّ في الأحوال والأزمان للتعليق على الشّرط، وبعد تقرير إن نبينا- صلى الله عليه وسلم- بعد موته عارف بمن يجيء إليه سامع الصّلاة ممن يصلي عليه، وسلام من يسلم عليه، ويرد عليه السّلام فهذه حالة الحياة، فإذا سأله العبد استغفر له، لأن هذه الحالة ثابتة له في الدنيا والآخرة، فإنه شفيع المذنبين وموجبها في الدّارين الحياة والإدراك مع النبوة، وهذه الأمور ثابتة له في البرزخ أيضا فتصحّ الدلالة حينئذ وفاء بمقتضى الشّرط. وقد استدل الإمام مالك على ذلك بهذه الآية كما ذكرته في باب مشروعية التوسل به- صلى الله عليه وسلم-. وحكى المصنّفون في المناسك من أرباب المذاهب عن أبي عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب العتبي أحد أصحاب سفيان بن عيينة قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فزرته وجلست بحذائه فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرّسل، أن الله تعالى أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء: 64] وإني جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم بكى وأنشد: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهنّ القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ استغفر وانصرف. قال العتبيّ: فرقدتّ فرأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في النّوم، وهو: - يقول: الحق الأعرابيّ وبشّره بأن الله: غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده [ (1) ] . ورويت هذه القصّة من غير طريق العتبي رواه ابن عساكر في «تاريخه» وابن الجوزي في «الوفاء» عن محمد بن حرب الهلالي وقد خمس هذه الأبيات جماعة منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأقفسهي. وروى الحافظ ابن النّعمان في «مصباح الظّلام في المستغيثين بخير الأنام» من طريق الحافظ ابن السمعانيّ بسنده عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم علينا أعرابيّ بعد ما دفنّا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أيام فرمى نفسه على القبر الشريف، وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله تعالى، ووعينا عنك وكان فيما أنزل عليك: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء: 64] وقد ظلمت نفسي، وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر: إنّه قد غفر لك. والآية دالّة على الحثّ على المجيء إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- والاستغفار عنده واستغفاره لهم، وهذه رتبة لا تنقطع بموته- صلى الله عليه وسلم- والعلماء- رضي الله تعالى عنهم- فهموا من الآية العموم، بحالتي الموت والحياة واستحبوا لمن أتى القبر الشريف أن يتلوها ويستغفر الله تعالى. وأما السّنّة فما ذكر في الكتب وما ثبت من خروج النبي- صلى الله عليه وسلم- من المدينة لزيارة قبر الشهداء، وإذا ثبت أن الزيارة قربة فالسفر كذلك، وإذا جاز الخروج للقريب جاز للبعيد، وحينئذ فقبره- صلى الله عليه وسلم- أولى، وقد وقع الإجماع على ذلك لإطباق السلف والخلف. قال القاضي عياض- رحمه الله تعالى-: زيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- سنة بين المسلمين ومجمع عليها وفضيلة مرغب فيها وأجمع العلماء على زيارة القبور للرّجال والنّساء كما حكاه النووي- رحمه الله تعالى- بل قال بعض الظاهرية بوجوبه، واختلفوا في النساء وقد امتاز القبر الشريف بالأدلة الخاصّة به كما سبق. قال السّبكيّ: ولهذا أقول: لا فرق بين الرّجال والنّساء. وأما القياس فعلى ما ثبت من زيارته- صلّى الله عليه وسلّم- لأهل البقيع وشهداء أحد، وإذا استحب زيارة قبر غيره فقبره أولى، لما له من الحقّ ووجوب التعظيم، وليست زيارته إلا لتعظيمه والتبرك

_ [ (1) ] لا تثبت من وجه صحيح.

تنبيه:

به، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه عند قبره بحضرة الملائكة الحافين به، وذلك من الدّعاء المشروع له والزيارة قد تكون لمجرّد تذكّر الآخرة، وهو مستحبّ لحديث «زوروا القبور، فإنّها تذكّركم الآخرة» وقد تكون للدّعاء لأهل القبور كما ثبت في زيارة أهل البقيع وقد تكون للتبرك بأهلها إذا كانوا من أهل الصّلاح. وقال أبو محمد الشامساحي المالكي: إنّ قصد الانتفاع بالميت بدعة إلا في زيارة قبر المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وقبور الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-. قال السبكي: وهذا الاستثناء صحيح وحكمه في غيرهم بالبدعة فيه نظر، وقد تكون الزيارة لأداء حقّ أهل القبور، وقد روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبّه في دار الدنيا» . قال السّبكيّ: وزيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذه المباني الأربعة فلا يقوم غيرها مقامها. تنبيه: كره الإمام أحمد ومالك- رحمه الله تعالى- أن يقال: زرنا قبر النبي- صلى الله عليه وسلم-. واختلف الأئمة في مراده بذلك فقال أبو عمران المالكي: إنما كره ذلك، لأن الزيارة، من شاء فعلها ومن شاء تركها، وزيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- واجبة. قال عبد الحق الصّقليّ: يعني من السنن الواجبة. وقال ابن رشد: ما كره مالك هذا إلا من وجه أن كلمة أعلى من كلمة فلما كانت الزيارة تستعمل في الموتى وقد وقع فيها من الكراهة ما وقع، كره أن يذكر مثل ذلك في النبي- صلى الله عليه وسلم-. واختار القاضي أن كراهة مالك لذلك لإضافة الزيارة إلى القبر- وأنه لو قال: زرنا النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكره لحديث «اللهمّ، لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر قطعا للذريعة. قال السّبكيّ: ويشكل عليه حديث «من زار قبري [فقد أضاف الزيارة إلى القبر] إلا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكا أو لعلّه يقول: المحذور في قول غيره مع أن أبا عمر شذ فنقل عن مالك أنه قال: وأكره ما يقول الناس: زرت النبي- صلى الله عليه وسلم- وأعظم ذلك أن يكون النبي- صلى الله عليه وسلم- يزار.

الباب الثالث في الرد على من زعم أن شد الرحل لزيارته - صلى الله عليه وسلم - معصية

الباب الثالث في الرد على من زعم أنّ شدّ الرحل لزيارته- صلى الله عليه وسلم- معصية قد تقدم أنه انعقد الإجماع على تأكّد زيارته، وحديث لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد حجّة في ذلك. قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ بعد أن ذكر حديث الصحيحين: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباء راكبا وماشيا ليس في إتيانه- صلى الله عليه وسلم- مسجد قباء ما يعارض الحديث الأوّل، لأن ذلك معناه عند العلماء فيمن نذر على نفسه صلاة في أحد المساجد الثلاثة أنّه يلزمه إتيانها دون غيرها. وأما إتيان مسجد قباء وغيره من مواضع الرباط فلا بأس بإتيانها بدليل حديث قباء هذا. قال الإمام العلامة محمود بن جملة: وهو الذي ذكره هو الحق الذي لا محيد عنه، ولهذا تجد الأئمة من الفقهاء والمحدّثين يذكرون الحديث في باب النذور والسّفر للجهاد، ولتعلّم العلم الواجب، وبر الوالدين، وزيارة الإخوان، والتفكير في أثار صنع الله تعالى، وكلّه مطلوب للشّارع إما وجوبا، أو استحبابا، والسّفر للتجارة والأغراض الدّنيوية جائز وكله خارج عن هذا الحديث، فلم يبق إلا شدّ الرّحل للمعصية، وحينئذ هو النوع، ولا يختص بشد الرحل، يا سبحان الله أن يكون السّفر لزيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- من هذا القسم لقد اجترأ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من قال هذا، وهو كلام يدور مع الاستهانة وسوء الأدب، وفي إطلاقه ما يقتضي كفر قائله نعوذ بالله من الخذلان، وكذا في قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تتّخذوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا» يعارض ما سبق لأن سباقه يقتضي دفع توهّم من توهّم أن الصلاة عليه لا تكون مؤثرة إلا عند قبره فيفوت بسبب ذلك ثواب المصلي عليه من مصلّ، ولهذا قال- صلى الله عليه وسلم-: «فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في جواز السّفر وشدّ الرّحل لغرض دنيوي كالتّجارة فإذا جاز ذلك فهذا أولى، لأنه أعظم الأغراض الأخروية فإنّه في أصله من أمر الآخرة لا سيما في هذا الوضع ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في جواز السّفر وشدّ الرّحل لغرض أخرويّ كالاعتبار بمخلوقات الله- عز وجل- وآثار صنعه وعجائب ملكوته ومبتدعاته، وقد دل على هذا آيات كثيرة في الكتاب العزيز كقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت: 20] والاعتبار لمن بصره الله تعالى بمثل هذا السّفر، فإن المسلم العاقل يحصل له أعظم العبر فيتقرر عنده أن الدّنيا ليست بدار مقام، وأن آخر أمرها شرب كأس

الحمام، ويتذكر شدة الموت وسكراته، وما حصل للنبي- صلى الله عليه وسلم- من ذلك وهو أكرم الخلق على الله تعالى. قال العلامة زين الدّين المراغيّ: وينبغي لكل مسلم اعتقاد كون زيارته- صلّى الله عليه وسلم- قربة للأحاديث الواردة في ذلك ولقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [النساء: 64] الآية، لأن تعظيمه- صلى الله عليه وسلم- لا ينقطع بموته ولا يقال إن استغفار الرّسول لهم إنما هو في حال حياته، وليست الزيارة كذلك لما قد أجاب به بعض أئمة المحققين من أن الآية دلّت على تعليق وجدان الله توّابا رحيما بثلاثة أمور: المجيء، واستغفار الرسول لهم، وقد حصل استغفار الرّسول لجميع المؤمنين، لأنه- صلى الله عليه وسلم- قد استغفر للجميع قال الله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [محمد: 19] فإذا وجد مجيئهم أو استغفارهم تكاملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى ورحمته. ومشروعية السّفر لزيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- قد ألف فيها الشيخ تقي الدين السّبكيّ، والشيخ جمال الدين بن الزملكاني والشّيخ داود أبو سليمان المالكيّ وابن جملة وغيرهم من الأئمة وردوا على عصريّهم الشيخ تقي الدين بن تيميّة- رحمه الله تعالى فإنّه قد أتى في ذلك بشيء منكر لا تغسله البحار [ (1) ] والله تعالى وليّ التوفيق ربّ السّموات والأرض وما بينهما العزيز الغفّار.

_ [ (1) ] ولسنا نعتقد هذا في شيخ الإسلام فلقد جانب الصواب على شيخ الإسلام تقي الدين السبكي عليهما رحمة الله وبركاته.

الباب الرابع في آداب زيارته - صلى الله عليه وسلم -

الباب الرابع في آداب زيارته- صلّى الله عليه وسلم- منها إخلاص النّية وخلوص الطّويّة، فإنما الأعمال بالنيات فينوي التقرّب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرّب بالمسافرة إلى مسجده- صلى الله عليه وسلم- وشدّ الرّحل إليه والصلاة فيه كما قاله أصحابنا وغيرهم. قال ابن الصلاح: ولا يلزم من هذا خلل في زيارته على ما لا يخفى، ونقل شيخ الحنفيّة الكمال بن الهمام عن مشايخهم: أنه ينوي مع زيارة القبر زيارة المسجد ثم قال: إن الأولى عندي تجريد النّيّة لزيارة قبره- صلى الله عليه وسلم- ثم إن حصل زيارة المسجد أو يستفتح فضل الله في مرّة أخرى ينويها فيها، لأن في ذلك زيادة تعظيمه وإجلاله- صلّى الله عليه وسلم- وليوافق قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تعمله حاجة إلا لزيارتي» . قال السيد: وفيه نظر، لأنه- صلى الله عليه وسلم- حثّ أيضا على قصد مسجده ففي امتثاله تعظيمه أيضا وقوله: «لا تعمله حاجة» أي لم يحثّ الشّرع عليها، وقد لا يسمح الزمان بزيارة المسجد، فليغتنم قصد ذلك مع الزيارة بل ينوي أيضا الاعتكاف فيه ولو ساعة، وإن تعلم فيه خيرا أو يتعلمه وأن يذكر الله تعالى فيه، ويذكر به وإكثار الصّلاة والتّسليم على النبي- صلى الله عليه وسلم- وختم القرآن إن تيسر والصّدقة على جيرانه- صلى الله عليه وسلّم- وغير ذلك ما يستحب للزائر فعله فينوي التقرّب أولا ليثاب على القصد، فنية المؤمن خير من عمله، وينوي اجتناب المعاصي، والمكروهات حياءً من الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم-. [ومنها: أن يكون دائم الأشواق إلى زيارة الحبيب الشفيع كلفا بالوصول إلى ذلك الجناب الرفيع والشّوق إلى لقائه وطلب الوصول إلى مقامه من أظهر علامات الإيمان وأكبر بشائر الفوز يوم الفزع الأكبر بالأمن والإيمان وليزدد بالعزم شوقا وصبابة، وكلما ازداد دنوّا ازداد عزما وحنوّا] [ (1) ] . ومنها: الإكثار في المسير من الصلاة والسلام على البشير النذير بل يستغرق أوقات فراغه في ذلك وغيره من القربات. ومنها: إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها وربابها وآكامها فليستحضر وظائف الخشوع والخضوع مستبشرا بالعناء وبلوغ المنال، وإن كان على دابّة حركها أو بعيرا وضعه تباشرا بالمدينة.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

ولله در القائل: قرب الدّيار يزيد شوق الواله ... لا سيّما إن لاح نور جماله أو بشّر الحادي بأن لاح النّقا ... وبدت على بعد رؤوس جباله فهناك عيل الصّبر عن ذي صبوة ... وبدا الّذي يخفيه من أحواله وليجتهد حينئذ في مزيد الصلاة والتسليم وترديد ذلك كلّما دنا من الربا والأعلام، ولا بأس بالتّرجّل والمشي عند رؤية ذلك المحلّ الشريف والقرب منه كما يفعله بعضهم، لأن وفد عبد القيس لما رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم- نزلوا عن رواحلهم ولم ينكر عليهم والعظمة بعد الوفاة كهو في الحياة. وقال أبو سليمان داود المالكي: في «الانتصار» إن ذلك يتأكد فعله لمن أمكنه من الرجال، وإنه يستحب تواضعا لله تعالى وإجلالا لنبيه- صلى الله عليه وسلم-. وحكى القاضي أن أبا الفضل الجوهريّ لما ورد المدينة الشريفة زائرا وقرب من بيوتها ترجّل ومشي باكيا منشدا: ولمّا رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرّسوم ولا لبّا نزلنا على الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلمّ به ركبا ولله در القائل: رفع الحجاب لنا فلاح لناظري ... قمر تقطّع دونه الأوهام وإذا المطيّ بنا بلغن محمّدا ... فظهورهنّ على الرّجال حرام قرّبننا من خير من وطئ الثّرى ... ولها علينا حرمة وذمام وقال غيره: أتيتك راجلا ووددتّ أنّي ... ملكت سواد عيني أمتطيه وما لي لا أسير على الأماقي ... إلى قبر رسول الله فيه ومنها إذا بلغ حرم المدينة الشّريفة فليقل بعد الصلاة والتسليم: اللهم، هذا حرم نبيك ورسولك- صلى الله عليه وسلم- الذي حرمته على لسانه ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما هو في حرم مكة البيت الحرام، فحرمني على النار وأمني من عذابك يوم تبعث عبادك وارزقني من بركاته ما رزقت به أوليائك وأهل طاعتك ووفقني فيه بحسن الأدب وفعل الخيرات وترك المنكرات، ثم يشتغل بالصلاة والتسليم، وإن كانت طريقه على ذي الحليفة، فلا يجاوز

المعرس حتى ينيخ به ويصلي بمسجده ومسجد ذي الحليفة. ومنها: أن يغتسل من بئر الحرّة [ (1) ] لدخول المدينة الشريفة ويلبس أنظف ثيابه ويتطيب وهو مستحبّ كما ذكره النووي وغير. وقال الكرمانيّ الحنفيّ: فإن لم يغتسل خارج المدينة فليغتسل بعد دخولها في حديث المنذر بن ساوى التميمي أنه وفد من البحرين مع أناس فذهبوا بسلاحهم فسلموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا كانت معه ومسح لحيته بدهن فأتى نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- الحديث [ (2) ] ولتجتنب بعض ما يفعله المحرم من التحرر عن المخيط تشبها مجال الإحرام. ومنها إذا شاهد القبّة المنيفة وشارف دخول المدينة الشريفة فليلزم الخشوع والخضوع مستحضرا عظمتها، وأنها البقعة التي اختارها الله تعالى لنبيّه وحبيبه ووصيفه- صلى الله عليه وسلم- وتمثل في نفسه مواضع أقدام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند نزوله فيها، وأنه ما من موضع يطؤه إلا موضع قدمه العزيز، فلا يضع قدمه عليه إلا مع الهيبة والسّكينة متصورا خشوعه- صلى الله عليه وسلم- في المشي وتعظيم الله تعالى له، حتى قرن ذكره بذكره، وأحبط عمل من انتهك شيئا من حرمته ولو يرفع صوته فوق صوته، ويتأسف على فوت رؤيته في الدّنيا، وأنه من رؤيته في الآخرة على خطر لسوء صنعه وقبح فعله ثم يستغفر لذنبه، ويلتزم سلوك سبيله، ليفوز بالإقبال عند اللقاء، ويحظى بتحية القبول من ذي البقاء. ومنها: أن لا يخلّ بشيء مما أمكنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب عند انتهاك حرمة من حرمه أو تضييع شيء من حقوقه- صلى الله عليه وسلم- فإنّ من علامات المحب غيرة المحبّ لمحبوبه، وأقوى النّاس ديانة أعظمهم غيرة وإذا خلا القلب من الغيرة فهو من المحبّة خلا وإن زعم المحبّة فهو كاذب. ومنها: أن يقول عند دخوله من باب البلد: بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، حسبي الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم، إني أسالك بحق السائلين عليك، وبحقّ ممشاي هذا إليك، فإني لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا رياء ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وليحرص على ذلك كلما قصد المسجد ففي حديث أبي سعيد

_ [ (1) ] قيل الظاهر أنه أراد بئر السقيا التي بالحرة. [ (2) ] لا يصح ولم يثبت أنه وفد.

الخدري- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً: من قال ذلك في مسيره إلى المسجد، وكّل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له، ويقبل الله عليه بوجهه، ثم ليقوي في قلبه شرف المدينة، وأنها حوت أفضل بقاع الأرض بالإجماع وإن بعض العلماء قال: إنّ المدينة أفضل أمكنة الدّنيا، وفيها أرض مشى جبريل في عرصاتها، الله شرفها به وحماها. ومنها: أن يقدم صدقة بين يدي نجواه ويبدأ بالمسجد الشريف قبل التعريج على أمر من الأمور أي شيء هو إلى مباشرته في ذلك الوقت غير مضطرّ ولا مضرور، فإذا شاهد المسجد النّبويّ والمسجد المحمديّ فليستحضر أنه أتى مهبط أبي الفتوح جبريل، ومنزل أبي الغنائم ميكائيل، والموضع الذي خصه الله تعالى بالوحي والتنزيل فليزدد خشوعا وخضوعا بهذا المقام ويقتضيه هذا المسجد الذي ترتعد دونه الأقدام ويجتهد في أن يوفق للوفاء بحقّه من التعظيم والقيام. ومنها ما قاله القاضي فضل الله بن نصر التوزي: من أن الدّخول من باب جبريل أفضل وجرت عادة القادمين من ناحية باب السّلام بالدخول منه، فإذا أراد الدّخول فليفرّغ قلبه وليستصف ضميره، ويقدم رجله اليمنى، ويقول: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبنوره القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ربّ وفقني وسدّدني وأصلحني، وأعنّي على ما يرضيك عنّي ويقف عند النبيّ بحسن الأدب ثم يقول في هذه الحضرة الشريفة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ولا يترك ذلك كلّما دخل المسجد أو خرج منه إلا أنه يقول عند خروجه، افتح لي أبواب فضلك بدل قوله: وافتح لي أبواب رحمتك. ومنها: إذا صار في المسجد فلينو الاعتكاف مدة لبثه وإن قلّ على مذهب الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- فيجوز لما فيه من الفضل ثم ليتوجه إلى الروضة المقدّسة، وإن دخل من باب جبريل فيقصدها من خلف الحجرة الشريفة مع ملازمة الهيبة والوقار وملابسة الخشية والانكسار والخضوع والافتقار، ثم ليقف في مصلّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن كان خاليا وإلا فيما يلي المنبر من الرّوضة، وإلا في غيرها فيصلّي تحية المسجد ركعتين خفيفتين. ونقل العلّامة زين الدين المراغي عن بعض مشايخه: أن محلّ تقدم التحية على الزيارة إذا لم يكن مروره قبالة الوجه الشريف فإن كان استحبت الزيارة أولا مع أن بعض المالكية ترخّص في تقديم الزيارة على الصلاة.

وقال: كل ذلك واسع. ومنها: أن يتوجّه بعد ذلك إلى القبر الكريم مستعينا بالله تعالى في رعاية الأدب في هذا الموقف العظيم فيقف بخضوع وخشوع تجاه المسمار الفضّة الذي بجدار المقصورة التي حول الحجرة الشريفة الواقف للزيارة خارجها عن مشاهدة ذلك المسمار إلا بتأكد يشغل القلب ويذهب الخشوع فليقصد الصّدعة البائنة من باب المقصورة القبلي التي على يمين مستقبل القبر الشريف فإذا استقبلها كان محازيا لها، والزيارة من داخل المقصورة أولى، لأنه موقف السّلف، والمنقول أنّ الزائر يقف على من رأس القبر الشريف نحو أربعة أذرع وقال ابن عبد السلام: على نحو ثلاثة أذرع، وعلى كل حال فذلك من داخل المقصورة بلا شك. وقال في الإحياء: فينبغي أن يقف بين يديه كما وصفنا فتزوره ميتا كما كنت تزوره حيّا، ولا تقرب من قبره إلا ما كنت تقرب شخصه الكريم لو كان حيّا انتهى. ولينظر الزائر في حال وقوفه إلى أسفل ما يستقبل من جدران الحجرة الشريفة ملتزما للحياء والأدب التّام في ظاهره وباطنه. وقال الكرماني الحنفي: يضع يمينه على شماله كما في الصلاة. وقال في الإحياء: واعلم أنه- صلى الله عليه وسلم- عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه صلاتك وسلامك عليه فمثل صورته الكريمة في خيالك موضوعا في اللّحد بإزائك وأحضر عظيم رتيته في قلبك فقد روي عنه- صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله وكّل بقبره ملكا يبلّغه سلام من يسلّم عليه من أمّته» . هذا في حق من لم يحضر قبره فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقا إليه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة نبوته الكريمة انتهى. ثم يسلم الزائر ولا يرفع صوته ولا يخفيه بل يقصد، وأقلّه السلام عليك يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وجاء عن ابن عمر وغيره من السّلف- رضي الله تعالى عنهم- أن الاقتصار جدّا وجرى عليه الإمام مالك، واختار بعضهم التطويل في السّلام، وعليه الأكثرون ثم إن كان وصّاه أحد بالسّلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان أو فلان بن فلان يسلّم عليك يا رسول الله، أو نحوه من العبارات، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع، فيصير تجاه أبي بكر الصديق فيقول: السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وثانيه في الغار، ورفيقه في الأسفار جزاك الله عن أمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيرا.

ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع، فيصير تجاه عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فيقول: السلام عليك يا عمر الفاروق الذي أعز الله بك الإسلام جزاك الله عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- خير الجزاء ثم يرجع الزائر إلى موقفه الأوّل قبالة وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيتوسّل به في حقّ نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه المصنفون في المناسك من جميع المذاهب واستحسنوه ورأوه من أدب الزّائر عن أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عقبة بن أبي سفيان- صخر بن حرب- العتبي أحد أصحاب سفيان بن عيينة قال: دخلت المدينة فأتيت قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فزرته وجلست بحزائه فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرّسل، إنّ الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء: 64] وإني جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم بكى وأنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهنّ القاع والأكم نفسي لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف فرقدتّ فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نومي وهو يقول: الحق الأعرابيّ، وبشّره بأن الله تعالى غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده، رواها ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في كتابه: «مثير العزم الساكن» عن محمد بن حرب الهلاليّ أنه اتفق له مثل ما اتّفق للعتبي ووردت هذه القصة من غير طريق العتبي فرواها. وروى ابن السّمعاني عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم علينا أعرابيّ بعد ما دفنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أيام فرمى نفسه على قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله تعالى ووعينا عنك، وكان فيما أنزل عليك وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا [النساء: 64] الآية فنودي من القبر قد غفر لك. وليجدد التّوبة في ذلك الموقف ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها توبة نصوحا وليستشفع به- صلى الله عليه وسلم- إلى ربّه في قبولها وليكثر الاستغفار والتّضرّع بعد تلاوة الآية التي في قصّة العتبيّ ويقول: نحن وفدك يا رسول الله وزوّارك جئناك لقضاء حقّك والتبرك بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربك تعالى، فإن الخطايا قد أثقلت ظهورنا، وأنت الشافع المشفع، والموعود بالشفاعة العظمى، والمقام المحمود، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا، مستغفرين لذنوبنا، سائلين منك أن تستغفر لنا إلى ربك، فأنت نبيّنا وشفيعنا، فاشفع لنا إلى ربك واسأله أن يميتنا على سنّتك ومحبتك، ويحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك، غير خزايا ولا ندامى.

وروى يحيى بن الحسن العلويّ، عن ابن أبي فديك- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56] صلى الله على سيدنا محمّد وسلم. وفي رواية: صلى الله عليك يا رسول الله، يقولها سبعين مرّة، ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان، لم يسقط لك اليوم حاجة، وينبغي تقديم ذلك على التوسل والدعاء. قال المجد اللغوي: وروينا عن الأصمعي قال: وقف أعرابي مقابل قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: اللهم إن هذا حبيبك، وأنا عبدك، والشّيطان عدوّك، فإن غفرت لي سرّ حبيبك، وفاز عبدك، وغضب عدوّك، وإن لم تغفر لي غضب حبيبك، ورضي عدوّك، وهلك عبدك وأنت أكرم من أن تغضب حبيبك، وترضي عدوّك وتهلك عبدك، اللهمّ إنّ العرب الكرام إذا مات منهم سيّد أعتقوا على قبره، وإنّ هذا سيّد العالمين فأعتقني على قبره. قال الأصمعي: فقلت: يا أخا العرب، أن الله تعالى قد غفر لك، وأعتقك بحسن هذا السّؤال. قال المجد: ويجلس الزّائر إن طال القيام فيه، فيكثر من الصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ويأتي بأتم أنواع الصلوات وأكمل كيفياتها، والاختلاف في ذلك مشهور. قال: والذي أختاره لنفسي، اللهم صل على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأزواجه، الصلاة الماثورة التي أجاب بها السائل عن كيفية الصلاة عليه، عدد ما خلقت، وعدد ما أنت خالق، وزنة ما خلقت، وزنة ما أنت خالق، وملأ ما خلقت، وملأ ما أنت خالق وملأ سماواتك، وملأ أرضك، ومثل ذلك، وأضعاف ذلك وعدد خلقك، وزنة عرشك، ومنتهى رحمتك، ومداد كلماتك ومبلغ رضاك حتّى ترضى، وعدد ما ذكرك به خلقك فيما مضى، وعدد ما هم ذاكروك فيما بقي، في كل سنة وشهر وجمعة ويوم وليلة وساعة من الساعات، ولحظة من اللحظات، ونفس ولمحة، وطرفة من الأبد إلى الأبد، أبد الدنيا وأبد الآخرة، وأكثر من ذلك، لا ينقطع أولاه، ولا ينفذ أخراه، ثم يقول ذلك مرة، أو ثلاث مرات. ثم يقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمّد، كذلك قال النووي: ثم يتقدّم- يعني بعد فراغ الدعاء والتوسل قبالة الوجه الشريف- إلى رأس القبر، فيقف بين القبر والأسطوانة التي هناك، ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويمجده، ويدعوا لنفسه بما أهمّه وما أحبّه، ولوالديه ولمن شاء من أقاربه وأشياخه وإخوانه ولسائر المسلمين.

وفي كتب الحنفية قال نحو هذا، قال العزّ بن جماعة: وما ذكروه من العود قباله الوجه الشريف، ومن التقدم إلى رأس القبر المقدس للدعاء لم يكن إلا عقب الزيارة، ولم ينقل عن فعل الصحابة والتابعين- رضي الله تعالى عنهم- أجمعين. قال السيد: أما الدعاء والتوسل هناك فله أصل عنهم، والذي لم ينقل إنما هو هذا الترتيب المخصوص، والظاهر أن المراد بذلك تأخير الدعاء عن السلام على الشيخين، والجمع بين موقف السلف الأول الذي كان قبل إدخال الحجرة، والثاني الذي كان بعده حسن. قال النووي: رحمه الله تعالى: ثم يأتي الرّوضة، فيكثر فيها من الدعاء والصلاة، ويقف عند المنبر ويدعو. قال السيد: ويقف أيضا ويدعو عند أسطوان المهاجرين، ويتبرّك بالصلاة عندها، وكذا أسطوان أبي لبابة، وأسطوان الحرس وأسطوان الوفود، وأسطوان التهجد بعد أن يسلم علي السيدة فاطمة الزهراء- رضي الله تعالى عنها- عند المحراب الذي في بيتها داخل المقصورة، على القول بدفنها هناك. ومنها تعظيمه وتوقيره، لأنهما واجبان حيا وميتا قال الله تبارك وتعالى: يا أيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9] وقال تبارك اسمه فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157] فأخبر أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان تعزيره، ولا خلاف أن التعزير ها هنا هو التعظيم، فانظر ما في هذه الآية من تعظيم الله تعالى لنبينا- صلى الله عليه وسلم-، حين قدم في الذكر تعزيره ونصرته على اتباع النور الذي أنزل معه، وفي ذلك من الإشعار بعلو المنزلة وارتفاع الرتبة والإجلال والتوقير والتعظيم ما لا يخفى على من يفهم مواقع كلام الله سبحانه وتعالى. وقال عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: 1] . وقال تبارك اسمه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: 2] الثلاث آيات. وقال جلّ وعلا: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: 63] فأوجب والله تعالى تعزيره وتوقيره، وألزم إكرامه وتعظيمه. قال ابن عباس، يعزّروه أي: يجلوه.

فصل فيما روي من تعظيم الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - للنبي - صلى الله عليه وسلم -

وقال المبرّد: يبالغوا في تعظيمه. وقال الأخفش: ينصروه. وقيل: التّعزير نصر مع تعظيم. وقرئ «يعزّروه» بزائين من العز، ونهى عن التقدم بين يديه بسوء الأدب والقول، بسبقه الكلام على قول ابن عباس وغيره، وهو اختيار ثعلب. وقال سهل بن عبد الله: لا تقولوا قبل أن يقول، وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا، ونهى عن التقدم والتعجيل بقضاء قبل قضائه فيه، وأن يفتاتوا عليه شيئاً من أمر دينهم إلا بأمره، ولا يسبقوه به، وإلى هذا يرجع قول الحسن ومجاهد والضحاك والسّدّيّ، وحذر مخالفة ذلك بقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات: 1] . قال الماورديّ: «اتّقوا» في التقدم [المنهي عنه] . قال السدي: اتّقوا الله في إهمال حقه، وتضييع حرمته، إنه «سميع» لقولكم «عليم» بفعلكم. وقد تقدم الكلام على هذه الآيات في «الخصائص» ورأس الأدب معه- صلى الله عليه وسلم- كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة خيال باطل نسميه معقولا أو نسميه شبهة أو شكا، أو تقدم إليه آراء الرجال وزيادة أذهانهم، فيوجد التحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وجد المرشد بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما، توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرّسل، فلا يتحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره. فصل فيما روي من تعظيم الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- للنبي- صلى الله عليه وسلم- روى مسلم عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- قال: وما كان من أحد أحب إلي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا أجلّ في عيني منه وما كنت أطيقه أن أملأ عيني منه إجلالاً له. وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويتبسّمان إليه ويتبسّم إليهما. وروى أبو داود عن أسامة بن شريك- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت

فصل

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحوله أصحابه، عليهم السّكينة والوقار، كأنما على رؤوسهم الطّير، فسلّمت ثم قعدت. وقال عروة بن مسعود: كنا في الصحيح حين وجّهته قريش عام القضية إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى أنه لا يتوضأ وضوءا إلا ابتدروا وضوءه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقّوها بأكفّهم، ودلّكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، فلما رجع إلى قريش قال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا قط في قومه يعظمه أصحابه ما يعظّم محمّدا أصحابه، وقد رأيت قوما لا يسلمونه أبدا. وروي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والحلّاق يحلقه، وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. وفي الصحيح، أنّ قريشا لما أذنت لعثمان في الطواف بالبيت حين وجّهه- صلى الله عليه وسلم- إليهم في القضية أبى أن يطوف، وقال: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وروى عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الأمر فأؤخّره سنين من هيبته- صلى الله عليه وسلم-. وروى الترمذي وحسّنه عن طلحة- رضي الله تعالى عنه- أنّ أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- قالوا لأعرابيّ جاهل سأله عمن قضى نحبه من هو وكانوا لا يجترؤن على مسألته يوقّرونه ويهابونه [فسأله، فأعرض عنه، إذ طلع طلحة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: هذا ممّن قضى نحبه] . وروى عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرعون بابه بالأظافير. وقد تقدم في باب هيبته ما فيه كفاية. فصل واعلم أن حرمة النبي- صلى الله عليه وسلم- وتوقيره وتعظيمه بعد موته لازم كما كان في حياته، وذلك عند ذكره- صلى الله عليه وسلم- وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-.

قال أبو إبراهيم التّجيبي واجب على كل مسلم متى ذكره، أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع، ويتوقّر ويسكّن من حركته، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، ويتأدب بما أدبنا الله تعالى به. وهذه كانت سيرة السّلف الصالح في الأئمة الماضين. وروى القاضي- بسند جيد- عن ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله عز وجل أدب قوما فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: 2] الآية. ومدح قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ [الحجرات: 3] الآية. وذمّ قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات: 4] وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله، أأستقبل القبلة وأدعو؟ أم أستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم- عليه السلام- إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفّعك الله، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً. وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كان أيّوب السّختيانيّ إذا ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- بكى حتى أرحمه. وقال مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتغيّر لونه، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليّ ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيّد القرّاء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد- وكان كثير الدّعابة والتبسم- فإذا ذكر عنده النبي- صلى الله عليه وسلم- اصفرّ، وما رأيته يحدث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا على طهارة. ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فننظر إلى لونه كأنه نزف منه الدّم، وقد جفّ لسانه في فمه، هيبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذكر عنده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.

فصل

ولقد كنت آتي الزّهريّ، وكان من أهنأ الناس وأقربهم، فإذا ذكر عنده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكأنّه ما عرفك ولا عرفته. ولقد كنت آتى صفوان بن سليم، وكان من المتعبّدين المتهجدين، فإذا ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركونه. وكان ابن سيرين ربّما يضحك، فإذا ذكر عنده [حديث] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خشع وتضرّع. وقال عمر بن ميمون: إن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- حدّث يوما، فجرى على لسانه، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعلاه كرب حتى رأيت العرق ينحدر عن وجهه، وغرغرت عيناه، وانفتخت أوداجه، ثم قال: هكذا إن شاء الله، أو فوق ذا، أو دون ذا، أو قريبا من ذا. وقال مصعب: كان مالك بن أنس لا يحدث حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا على وضوء، إجلالا له. والآثار في هذا كثيرة، وقد تقدم كثير من ذلك في باب ما يجب على الأنام من حقوقه- عليه الصلاة والسلام-. فصل ومن برّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتوقيره برّ آله وذريته وأزواجه وأمّهات المؤمنين- رضي الله تعالى عنهم أجمعين-. روى ابن جرير عن يزيد بن حبان، عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطيبا بما يدعى حمى بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثم قال: أما بعد أيها الناس إنّي أنتظر أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما: كتاب الله، فيه الهدى والصدق، فاستمسكوا بكتاب الله. ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاث مرّات، فقيل لزيد: ومن أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال زيد: إنّ نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة [بعده، فقيل: ومن هم؟ قال: هم آل العباس وآل جعفر وآل عقيل، قيل: أكلّ هؤلاء يحرّم الصدقة عليهم] [ (1) ] ؟ قال: نعم. ورواه أيضا عنه بلفظ: «إنما أنا بشر، أوشك أن أدعى فأجيب، ألا وإني تارك فيكم

_ [ (1) ] سقط في أ.

الثّقلين، أحدهما: كتاب الله، حبل ممدود، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضّلالة، وأهل بيتي: أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاث مرّات. [ (1) ] ورواه أيضا عنه بلفظ: «أنشدكم الله في أهل بيتي مرّتين [ (2) ] . وروي عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[لما نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً- وذلك في بيت أمّ سلمة- دعا فاطمة وحسنا وحسينا، فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فجلّله بكسائه، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيرا] وقد تقدم في أبواب ما يجب على الأنام كثير من ذلك. قال بعض العلماء: معرفتهم وهي معرفة بمكانهم من النبي- صلى الله عليه وسلم-، وإذا عرفهم بذلك، عرف وجوب حقّهم وحرمتهم بسببه. وروى الترمذي وحسنه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- فرض لأسامة في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف، فقال عبد الله لأبيه: لما فضّلت أسامة علي؟ فو الله ما سبقني إلى مشهد قال: لأنّ زيدا كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منك، فآثرت حبّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حبّي. وقال الأوزاعي: دخلت بنت أسامة على عمر بن عبد العزيز، ومعها مولى لها يقودها يمسك بيدها [ (3) ] فقام إليها عمر ومشى إليها، وجعل يدها بين يديه، ويداه في ثيابه، وأجلسها في مجلسه، وجلس بين يديها، وما ترك لها حاجة إلا قضاها. ومنها: أن يجتنب الزائر لمس جدار المسجد، وتقبيله، والطواف به، والصلاة عليه. قال الإمام النووي: لا يجوز أن يطاف بقبره- صلى الله عليه وسلم- ويكره إلصاق البطن والظهر بجدار قبره، قاله الحلبي وغيره. قال: ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد عنه، كما يبعد عنه لو حضر في حياته، هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه، ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته، لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال العلماء، انتهى.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1875. [ (2) ] انظر المصدر السابق. [ (3) ] لكبرها وضعف بصرها.

وفي «الإحياء» مسّ المشاهد وتقبيلها عادة النصارى واليهود. وقال الأقفهسي: قال الزعفراني- في كتابه: وضع اليد على القبر ومسه وتقبيله من البدع التي تنكر شرعا. وروى أن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- رأى رجلا وضع يده على قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فنهاه، وقال: وما كنا نعرف هذا» أي الدنو منه] وذكر غير واحد نحو ذلك، وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد، عن أبيه رواية أبي علي الصوان قال عبد الله: سألت أبي عن الرجل يمسّ منبر النبي- صلى الله عليه وسلم- ويتبرّك بمسّه، ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك، رجاء ثواب الله عز وجل قال: لا بأس. وروى الإمام أحمد- بسند حسن-، وأبو الحسن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله الخشني في «أخبار المدينة» عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فأخذ مروان برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب فقال: نعم، إني لم آت الحجرات، إنما جئت النبي- صلى الله عليه وسلم- سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله» . قال المطلب: وذلك أبو أيوب الأنصاري، وتقدم في باب أدلة الزيارة، أن ابن عساكر روى بسند جيد أن بلالا- رضي الله تعالى عنه- لما قدم من الشام لزيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- أتى القبر، فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه. وذكر الخطيب ابن جملة، أن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف، وأن بلالا وضع خدّه عليه أيضاً- رضي الله تعالى عنه-. قال: ولا شك أن الاستغراق في المحبّة بحمل على الإذن في ذلك، والمقصود من ذلك كله الاحترام والتعظيم، والناس يختلف مراتبهم في ذلك، كما كانت تختلف في حياته، فأناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم، بل يبادرون إليه، وأناس فيهم إناة يتأخرون، والكلّ محل خير. وقال الحافظ: استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل كلّ من يستحق التعظيم من آدميّ وغيره. فأما الآدمي فسبق في الأدب. وأما غيره فنقل عن أحمد، أنه سئل عن تقبيل منبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وقبره فلم ير به بأسا، واستبعد بعض أتباعه صحّته عنه، قلت: نقل ذلك عنه ابنه عبد الله كما تقدم.

ونقل عن ابن أبي الصيف اليمنى أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف، وأجزاء الحديث، وقبور الصالحين انتهى كلام الحافظ. ونقل الطيب الناشري عن المحب الطبري، أنه يجوز تقبيل الحجر ومسه قال: وعليه عمل العلماء الصالحين، وينشد: أمرّ على الدّيار ديار ليلى ... أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا وما حبّ الدّيار شغفن قلبي ... ولكن حبّ من سكن الدّيارا ومنها اجتناب الانحناء للقبر عند التسليم، وهو من البدع، ويظن من لا علم له أنه من شعار التعظيم، وأقبح منه تقبيل الأرض، لم يفعله السلف الصالح، والخير كله في اتباعهم، ومن خطر بباله أن تقبيل الأرض أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته، لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال السلف وعملهم. قال ابن جماعة: وليس عجبي ممن جهل ذلك فارتكبه، بل عجبي ممن أفتى بتحسين ذلك مع علمه بقبحه ومخالفته لعمل السلف. ومنها: أن لا يمر بالقبر الشريف حتى يقف ويسلم على النبي- صلى الله عليه وسلم-، سواء مرّ من داخل المسجد أو من خارجه، ويكثر من قصده وزيارته. وروى ابن أبي الدنيا عن أبي حازم أن رجلا أتاه، فحدثه أنه رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: قل لأبي حازم: أنت المارّ بي معرضا، لا تقف تسلّم عليّ، فلم يدع ذلك أبو حازم منذ بلغته هذه الرّؤيا. ومنها: إكثار الصلاة والتسليم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإيثار ذلك على سائر الأذكار ما دام هناك. ومنها: اغتنام ما أمكن من الصيام ولو يسيرا من الأيام. ومنها الحرص على فعل الصلوات الخمس بالمسجد النبوي في الجماعة، والإكثار من النّافلة مع تحرّي المسجد الذي كان فيه زمنه- صلى الله عليه وسلم- إلا أن يكون الصف الأول خارجه فهو أولى، وإن أمكنه ملازمته، وأن لا يفارقه إلا لضرورة أو مصلحة راجحة، فليغتنم ذلك، وكلما دخله فليجدّد نيّة الاعتكاف، ولله در القائل: تمتّع إن ظفرت بنيل قرب وحصّل ما استطعت من ادّخاره. قال أبو مخلد: كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم فيها القرآن قبل أن يخرج، رواه سعيد بن منصور. قال أبو اليمن بن عساكر: وليحرص على المبيت بالمسجد، ولو ليلة يحييها بالذّكر،

والدّعاء، وتلاوة القرآن، والتضرّع إلى الله تعالى والشّكر على ما أعطاه. ومنها أن لا يستدبر القبر المقدّس في صلاة ولا في غيرها من الأحوال، ويلتزم الأدب شريعة وحقيقة في الأقوال والأفعال. قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: وإذا أردت الصلاة فلا تجعل حجرته- صلى الله عليه وسلم- وراء ظهرك، ولا بين يديك، وتأدّب معه بعد وفاته أدبك معه في حياته من احترامه والإطراق بين يديه، وترك الخصام وترك الخوض فيما لا ينبغي أن يخوض فيه في مجلسه، فإن أبيت فانصرافك خير من بقائك، ومنها: أن يجتنب ما يفعله جهلة العوام من التقرب بأكل التمر الصيحاني في المسجد، وإلقاء النوى به، وقطعهم شعورهم، ورميها في القنديل الكبير. فقد قال الإمام النّوويّ: أن ذلك من جهالات العوام، وبدعهم المنكرة المستبشعة. ومنها: إدامة النّظر إلى الحجرة الشّريفة، فإنّها عبادة، قياسا على الكعبة الشريفة العظيمة، فينبغي لمن كان بالمدينة إدامة ذلك إذا كان في المسجد، وإدامة النظر إلى القبة الشريفة، إذا كان خارجه مع الهيبة والحضور. ومنها: أنه يستحبّ الخروج كلّ يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خصوصا يوم الجمعة، فيقول إذا انتهى إليه: السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. وقال الإمام النووي- رحمه الله تعالى-: ويزور القبور الطاهرة بالبقيع، كقبر إبراهيم بن النبي- صلى الله عليه وسلم- وعثمان والعباس والحسن بن علي وعلي بن الحسين ومحمد بن علي بن جعفر، وجعفر بن محمد، وغيرهم، ويختم بصفيّة. قال العلّامة فضل الله ابن القاضي نصر الدين الفوري الحنفي: وإذا خرج من باب البلد يأتي قبة العباس والحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهم-، ويختم بزيارة صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال السيد: ولعله يكون مشهدهم أوّل المشاهد التي يلقاها الخارج من البلد، فإنه يكون على يمينه، فمجاوزتهم من غير سلام عليهم جفوة، فإذا سلك تلك الطريق سلّم على من يمر به بعدهم، فيكون مروره على صفية في رجوعه، فيختم بها. وقال البرهان ابن فرحون: أول المشاهد وأولاها بالتقديم مشهد سيدنا أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، لأنه أفضل الناس بعد أبي بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهم أجمعين- واختار

بعضهم البدأة بقبر سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال السيد: فتلخص فيمن يبدأ به ثلاثة آراء. ويختم الزائر إذا رجع بمشهد إسماعيل بن جعفر الصادق، لأنه صار داخل سور المدينة، ومشاهد البقيع كلّها خارج السور، ويذهب إلى زيارة مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري، ومشهد النفس الزكية فإنهما ليسا بالبقيع، وهو السيد الشّريف محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن- مرّتين- بن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنهم- قتل أيام أبي جعفر المنصور، وهذا المشهد في جبل «سلع» . ومنها: أنه يستحب أن يأتي قبور الشهداء بأحد. وقال العلامة ابن الهمام: ويزور جبل أحد نفسه. ففي الصحيح «جبل أحد يحبّنا ونحبّه» . ويبكر بعد صلاة الصبح بالمسجد النبوي حتى يعود، ويدرك الظهر به، ويبدأ بسيد الشّهداء، وهو سيّدنا حمزة- رضي الله تعالى عنه-. قالوا: وأفضلها يوم الخميس، وكأنّه لضيق الجمعة عن ذلك. وقد قال محمد بن واسع: بلغني أنّ الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة، ويوما قبله ويوما بعده. ومنها: أنه يستحب استحبابا متأكدا أن يأتي مسجد قباء وهو يوم السبت أولى ناويا التقرب بزيارته والصلاة فيه، وإذا قصد إتيانه توضأ وذهب إليه، ولا يؤخر الوضوء حتى يصل إليه. ومنها: أن يأتي بقية الآثار المنسوبة للنبي- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مما عملت يمينه أو جهته. وكذا الآبار التي شرب منها الرسول- صلى الله عليه وسلم- وتوضّأ أو اغتسل، فيتبرّك بمائها، صرّح جماعة من الشافعية وغيرهم باستحباب ذلك كلّه. وقد كان ابن عمر يتحرّى الصلاة والنزول والمرور حيث حلّ النبي- صلى الله عليه وسلم- ونزل وغير ذلك، وما نقل عن الإمام مالك مما يخالف هذا سدّ للذريعة تبعا لعمر- رضي الله تعالى عنه-. فقد روى سعيد بن منصور عن المعرور بن سويد، أنه خرج مع عمر في حجّة حجها، فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتّخذوا آثار الأنبياء بيعا، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصلّ، ومن لم يعرض له فليمض.

قال القاضي: ومن إعظامه- صلى الله عليه وسلم- وإكباره إعظام جميع أسبابه، وإكرام جميع مشاهده وأمكنته ومعاهده، وما مسّه- صلى الله عليه وسلم- بيده أو عرف به انتهى. وذلك بزيارة تلك المشاهد والتبرك بها، ولله در القائل: خليليّ، هذا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثمّ انزلا حيث حلّت ومسّا ترابا طال ما مسّ جلدها ... وظلّا وبيتا حيث باتت وظلّت ولا تيأسا أن يمحو الله عنكما ... ذنوبا إذا صلّيتما حيث صلّت ومنها: أن يكون مع ذلك دائم الأشواق لذلك المزار ومشاهدة تلك الآثار، متعلّق القلب بالعود إلى تلك الديار، ينمي شوقه بتأمل ما نقل من الآثار والأخبار، وما نظم فيه من نفائس الأعشار، ومن أعظمها وأعذبها وأعجبها، قصيدة الإمام الولي العارف بالله تعالى، أبو محمد العسكري التي مطلعها: دار الحبيب أحقّ أن تهواها ... وتهيم من طرب إلى ذكراها وقد تقدمت بتمامها في أبواب فضل المدينة الشريفة «أوائل الكتاب» وكذلك ما قاله البدر بن فرحون أحد أصحاب ناظمها: إن بعض الصالحين رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- في المنام قال البدر: وأشك هل كان هو الشيخ أو غيره، وأنشده هذه القصيدة، فلما بلغ آخرها وهو ظني أنه يرضاها، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: رضيناها، ورضيناها رضيناها» .

جماع أبواب التوسل به - صلى الله عليه وسلم -

جماع أبواب التوسل به- صلى الله عليه وسلم- الباب الأول في مشروعية التوسل به- صلى الله عليه وسلم- إلى الله تبارك وتعالى قال الإمام السبكي- رحمه الله تعالى-: أعلم أن الاستعانة والتشفع بالنبي- صلى الله عليه وسلم- وبجاهه وبركته إلى ربه تبارك وتعالى من فعل الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- وسير السلف الصالحين واقع في كل حال، قبل خلقه وبعد خلقه، في مدة حياته الدنيوية، ومدة البرزخ [وبعد البعث] وعرصات القيامة، وذلك مما قام الإجماع عليه وتواترت به الأخبار، وإذا جاز السؤال بالأعمال كما في حديث الغار الصحيح، وهي مخلوقة، فالسؤال بالنبي- صلى الله عليه وسلم- أولى، وفي العادة أن من له عند شخص قدر يتوسّل به إليه في غيبته، فإنه يجيب إكراما للمتوسل به، وقد يكون ذكر المحبوب أو المعظّم سببا للإجابة ولا فرق في هذا بين التعبير بالتوسّل، أو الاستعانة، أو لتشفع أو السّجود، ومعناه: التوجه بذي الحاجة، وقد يتوجّه بمن له جاه إلى من هو أعلى منه، وكيف لا يتشفع ويتوسل بمن له المقام المحمود والجاه عند مولاه، بل يجوز التوسل بسائر الصالحين، كما قاله السبكي، وإن نقل بعضهم عن ابن عبد السلام ما يقتضي أن الله تعالى يختص بتعظيم من خلقه، فينبغي أن يكون مقصورا على نبينا- صلى الله عليه وسلم-. الباب الثاني في ذكر من توسل به قبل خلقه من الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- روى الحاكم والطبراني والبيهقي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لمّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا ربّ أسالك بحقّ محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنّك لمّا خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً، لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت إنك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك، فقال تعالى: [صدقت يا آدم إنّه لأحب الخلق إليّ إذا سألتني بحقّه غفرت لك] ولولا محمد ما خلقتك» وتقدم هذا الحديث في باب خلق آدم وجميع المخلوقات لأجله- صلى الله عليه وسلم-، وتقدمت شواهده هناك، وقد بشّر به موسى وعيسى- صلى الله عليهما وسلم حين وجداه في التوراة والإنجيل، كما أخبر الله تعالى في كتابه المجيد، فكانا يتوسلان إلى الله تعالى به- صلى الله عليه وسلم-.

الباب الثالث في ذكر من توسل به - صلى الله عليه وسلم - في حياته من الإنس

الباب الثالث في ذكر من توسل به- صلى الله عليه وسلم- في حياته من الإنس روى التّرمذيّ، والنسائي، والبيهقي من طرق، عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: ادع الله أن يعافيني قال: «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضّأ، فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيّك نبي الرحمة، يا محمد إنّي توجهت بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي، اللهم فشفعه في» [ (1) ] . زاد البيهقي من طرق «فقام وقد أبصر» . وفي رواية: «ففعل الرّجل فبرأ ببركته- صلى الله عليه وسلم-» .

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (3578) والبيهقي في الدلائل 6/ 166.

الباب الرابع في ذكر من توسل به - صلى الله عليه وسلم - في حياته من الحيوانات

الباب الرابع في ذكر من توسل به- صلى الله عليه وسلم- في حياته من الحيوانات روى ابن شاهين في «دلائله» عن عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنه- قال: «أردفني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم خلفه، فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من الناس، وقال: كان أحبّ ما استتر به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لحاجته هدف أو حائش نخل، فدخل حائط رجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي- صلى الله عليه وسلم- فمسح سراته وذفراه فسكت» . وفي رواية: «فسكن، ثم قال: من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال: هذا لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتّقي الله في هذا الجمل، الذي ملّكك الله إيّاه، فإنّه يشتكي إليّ أنّك تجيعه وتدئبه» . وروى مسلم: «إلى حائش نخل» عن محمد بن عبد الله بن أسماء، ورواه أبو داود بطوله عن موسى بن إسماعيل، عن مهدي بن ميمون. وروى ابن ماجه «أوله» عن مهدي، وذكر ابن النعمان في كتابه «مصباح الظّلام» بسنده عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا جلوسا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل بعير يغدو، حتى وقف على هامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فزعا فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أيّها البعير اسكن، فإن تك صادقا فلك صدقك، وإن تك كاذبا فعليك كذبك، مع إن الله قد أمّن عائذنا، وليس بخائب لائذنا» . قلنا: يا رسول الله ما يقول البعير؟ قال: همّ أصحابه بنحره وأكله، فهرب منهم، فاستغاث بنبيكم، فبينما نحن كذلك، إذ أقبل أصحابه يتعادون، فلما رآهم البعير عاد إلى هامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلاذ بها، فقالوا: يا رسول الله، بعيرنا هرب منّا منذ ثلاثة أيّام، فلم نلقه إلّا بين يديك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه شكا، فيئست الشكاية» ، فقالوا: يا رسول الله ما يقول؟ قال: «يقول إنه ربي في بيتكم وكنتم تحملون عليه في الصّيف إلى موضع الكلأ، وفي الشتاء إذا رحلتم إلى موضع الدفء، فلما كبر استفحلتموه، فرزقكم الله به إبلا سائمة، فلما أدركته هذه السنة الخصبة هممتم بنحره وأكل لحمه، فقالوا: قدر الله كان ذلك يا رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما هذا جزاء المملوك الصّالح من مواليه، فقالوا: يا رسول الله إنا لا نبيعه ولا ننحره، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «كذبتم، قد استغاث بكم فلم تغيثوه، فأنا أولى بالرحمة منكم، فاشتراه وأعتقه» . وروى البيهقي في «دلائله عن عطية بن أبي سعيد قال: «مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بظبية

في بيان غريب ما سبق:

مربوطة إلى خباء، فقالت: يا رسول الله حلّني حتى أذهب فأرضع خشفي، ثم أرجع فتربطني، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: صيد قوم، وربيطة قوم، قال: فأخذ عليها فحلفت له، فحلها، فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت، وقد نفضت ما في ضرعها، فربطها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم أتى خباء أصحابها، فاستوهبها منهم، فوهبوها له، فحلها ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم سمينا أبدا» [ (1) ] . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد تقدم بعضها في أبواب معجزاته- صلى الله عليه وسلم-. في بيان غريب ما سبق: [الهدف: ... الحائش: ... حنّ: ... ذرفت: ... سراته: ... زفراه: ... استفحلتموه:.] [ (2) ] ...

_ [ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 34، وابن كثير 6/ 148 وقال البيهقي: وروي من وجه آخر ضعيف. [ (2) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب الخامس في ذكر من توسل به - صلى الله عليه وسلم - بعد موته

الباب الخامس في ذكر من توسل به- صلى الله عليه وسلم- بعد موته روى الطبراني والبيهقي- بإسناد متّصل ورجاله ثقات- عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفّان في حاجة، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة، فتوضأ ثمّ ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين، ثم قال: اللهم إني أسالك وأتوجّه إليك بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- نبي الرحمة، يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي فتقضي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان، فجاءه البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان، فأجلسه معه على الطّنفسة، فقال: ما حاجتك؟ فذكرها له، وقال له: ما ذكرت حاجتك حتى كان الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلى حتى كلمته فقال له عثمان بن حنيف: والله ما كلّمته، ولكني شهدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأتاه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: [أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله ليس لي قائد، وقد شقّ عليّ] فقال: ائت الميضأة فتوضّأ ثمّ صلّ ركعتين، ثم ادع بهذه الدّعوات. فقال ابن حنيف: فو الله ما تفرّقنا، وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قطّ [ (1) ] . وقال الإمام النووي في «تهذيبه» في ترجمة «عقبه بن عامر» - رضي الله تعالى عنه-: شهد فتوح الشّام، وكان البريد إلى عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- بفتح دمشق، ووصل إلى المدينة في سبعة أيّام، ورجع منها إلى الشام في يومين ونصف، بدعائه عند قبر النبي- صلى الله عليه وسلم-، وتشفّعه به في تقريب طريقه. وقال الشيخ تقي الدين بن الصّلاح- في كلامه على بعض المسائل- لقد انتدب بعض العلماء لاستقصائها يعني: معجزاته- صلى الله عليه وسلم- فجمع ألف معجزة، وعددناه مقصّرا، إذ هي فوق ذلك بأضعاف لا تحصى، فإنّها ليست محصورة على ما وجد في عصره منها- صلّى الله عليه وسلم-، فلم تزل تتجدد بعده- صلى الله عليه وسلم- علي تعاقب العصور، وذلك أن كرامات الأولياء من أمّته وإجابات المتوسلين في حوائجهم ومعوناتهم، عقب توسلهم به في شدائدهم له براهين قواطع ومعجزات

_ [ (1) ] الدلائل 6/ 168.

سواطع، لا يعدّها عادّ، ولا يحصرها حادّ. قلت: وقد ألف الإمام العلامة سيدي أبو عبد الله بن النعمان في ذلك كتاباً سماه «مصباح الظّلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام» أتى فيه بالعجيب العجاب، الذي لا يشك فيه من له أدنى تمييز فعليك به، فإنّه جامع في بابه. الّلهم إنا نسألك، ونتوجه إليك بنبيك محمد- صلى الله عليه وسلم- أن تحسن عاقبتنا في الأمور كلّها، وأن تجيرنا من خزي الدّنيا وعذاب الآخرة، وقد تقدم منها في أبواب معجزاته- صلى الله عليه وسلم- جملة، فراجعها إن شئت، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.

جماع أبواب الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - زاده الله فضلا وشرفا لديه

جماع أبواب الصلاة والسلام عليه- صلى الله عليه وسلم- زاده الله فضلا وشرفا لديه الباب الأول في فوائد تتعلق بالآية الكريمة منها: أنه انعقد الإجماع على أن في هذه الآية من تعظيم الله تعالى للنبي- صلى الله عليه وسلم- والتنويه به ما ليس في غيرها» وهي مدنيّة، والمقصود منها إخباره تعالى عباده بمنزلة نبيه- صلى الله عليه وسلم- عنده في الملأ الأعلى، بأنه أثنى عليه عند الملائكة المقرّبين، وأن الملائكة يصلون عليه، ثم أمر أهل العالم السّفليّ بالصلاة عليه والتسليم، ليجتمع الثّناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا، وقال تعالى: «يصلّون» - بصيغة المضارع الدالة على الدّوام والاستمرار- ليدلّ على أنه- سبحانه وتعالى- وجميع الملائكة يصلّون على نبينا- صلى الله عليه وسلم- دائما أبدا، وغاية مطلوب الأوّلين والآخرين صلاة واحدة من الله تعالى، وأنّى لهم ذلك؟ ومنها: الكلام على اشتقاقها ومعناها لغة وشرعا، وللصّلاة في اللغة معنيان. أحدهما: الدّعاء والتّبرّك، ومنه قوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة 103] وقوله عزّ وجلّ: وَصَلَواتِ الرَّسُولِ [التوبة 99] وقوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التوبة 84] . ومنه الصلاة على الجنازة، أي: الدعاء له، وسمّي الدّعاء صلاة، لأن قصد الداعي جميع المقاصد الجميلة، بحسب اختلاف السائلين. والمعنى الثاني: العبادة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فليصلّ» ، أي: فليدع بالبركة لهم. وقيل: معناهما الدعاء، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هي منقولة عن موضوعها في اللغة؟ فتكون حقيقة شرعيّة، لا مجازا شرعيّا، فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها لغة، وهو الدعاء، والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقيّة لا مجازا ولا منقولا، لكن خصّ اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة بسائر الألفاظ التي تخصّها أهل اللّغة والصّرف ببعض مسمياتها كالدابّة والرّأس، فهذا غايته تخصيص اللفظ وقصره على بعض

موضوعه، وهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصلي، وهو نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة فالعابد داع كالسائل، وبهما فسّر قوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر 60] فقيل: أطيعوني أثبكم. وقيل: سلوني أعطكم. قال ابن القيم: والصواب أنّ الدعاء يعم النوعين أو غير ذلك. واعلم أن الصلاة يختلف حالها بحسب حال المصلي والمصلى له والمصلى عليه. فأما بالنسبة إلى حال المصلي، فقيل: إنّ معنى صلاة الله على نبيه صلاته عليه عند ملائكته، وصلاة الملائكة عليه الدعاء له، رواه البخاري في أبي العالية. وقيل: صلاة الرّبّ الرّحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، نقله الترمذي عن سفيان وغير واحد من أهل العلم، ورجّح القرافيّ أنّ الصّلاة من الله المغفرة. وقيل: صلاته تعالى: «سبّوح قدّوس رب الملائكة والروح» . رواه ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الآية. وقال الماورديّ: هي من الله في أظهر الوجوه الرّحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين الدّعاء. نقل عياض عن أبو بكر القشيري قال: الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- تشريف وزيادة تكرمة، وعلى من دون النّبيّ رحمة. وأما صلاتنا فالمراد بها التعظيم بأسباب ما ينبغي له فضل الله تعالى. فمعنى قولنا: «اللهم صل على محمّد اللهمّ أعطه في الدّنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة تشفيعه في أمّته وإجزال أجره ومثوبته، وإبداء فضله للأوّلين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافّة المقرّبين الشّهود، وهذا وإن كان واجبا علينا فهو ذو درجات ومراتب، فإذا صلّى عليه أحد من أمّته واستجيب دعاؤه، جاز أن يزاد النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك الدعاء في كل شيء مما سميناه، ولمّا لم نملك إيصال ما يعظم به أمره، ويعلو به قدره، لأن ذلك إنما هو بيد الله تعالى، أمرنا أن نصلي عليه بأن ندعوا الله تعالى له بذلك، ونبتغي من الله تعالى إيصال ذلك إليه، قضاء لحقه، وتقرّبا إلى الله تعالى، فقد أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا، فإن عجزنا عنه، كافأناه بالدعاء، فأرشدنا تعالى لما علم عجزنا عن ذلك إلى الصلاة عليه، ليكون مكافأة لإحسانه إلينا، قاله ابن عبد السلام.

وقال ابن العربي: فائدة: الصلاة عليه ترجع إلى المصلي، لدلالة ذلك على نصوح العقيدة وخلوص النّيّة وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة. قال السهيلي- رحمه الله تعالى- ما حاصله: أن الله تعالى أخبر أنّه هو وملائكته يصلّون عليه، وكلّ واحد من المؤمنين وجب أن يصلّي عليه، فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم-، والصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- بعد موته من هذا القبيل. وقال أيضا: صلاة الملائكة في ذلك الزمان وما تأخّر جميعه محتمل لأمرين: إما أن يكون على سبيل الأوجب، بالنسبة إليه- صلى الله عليه وسلم-. وأما أن يكون على سبيل الأفضل، بالنسبة إليه، وهو الأقرب. وعلى الاحتمالين فالخصوصيّة ثابتة. إما على الأول فواضح. وإما على الثاني، فلأن الأفضل في حق غيره فعلها جملة، وليست شرطا بلا خلاف. وقال ابن النعمان، عن شيخه ابن عبد السلام ليست الصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشفاعة منا، فإنّ مثلنا لا يشفع لمثله، لكن الله سبحانه وتعالى أمرنا بمكافأة من أنعم علينا وأحسن إلينا، فإن عجزنا عن مكافأته دعونا له أن يكافئه عنّا، ولما عجزنا عن مكافأة سيد الأولين والآخرين، أمرنا رب العالمين أن نرغب إليه، بأن نصلّي، لتكون صلاتنا عليه مكافأة لإحسانه إلينا، وإفضاله علينا، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه- صلى الله عليه وسلّم- وعلى آله وإخوانه. قال السهيلي: وفي حكمها مذاهب. الاستحباب مطلقا، قاله ابن جرير الطّبريّ، وادّعى الإجماع عليه، وأوّله بعض العلماء بما زاد على المرة الواحدة، وهو متعيّن، فقد نقل ابن القصّار وغيره الإجماع على أنها تجب في الجملة من غير حصر، لكن أقلّ ما يحصل به الإجزاء مرّة. وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الصلاة عليه فرض على كل مؤمن بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ [الأحزاب 56] . وقيل: واجبة مرّة في العمر في صلاة أو غيرها، ككلمة التّوحيد، وحمد الله وشكره. قال ابن حزم، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وغيرهما، وقال القرطبيّ المفسّر: لا خلاف في أنّ الصّلاة عليه فرض في العمر مرة، وأنها واجبة في كل حين [من الواجبات] وجوب السّنن المؤكّدة، وسبقه إلى ذلك ابن عطيّة فقال: الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل حال

واجبة وجوب السّنن المؤكّدة، التي لا يسع تركها، ولا يغفلها إلّا من لا خير فيه وقال ابن القصّار: المشهور عن أصحابنا أنّها واجبة في الجملة على الإنسان، وفرض عليه أن يأتي بها مرّة في دهره، مع القدرة على ذلك. قال الفاكهاني: في معنى المشهور، أنّه اشتهر من قول أصحابنا، لا أعلم مخالفا. وقيل: تجب في القعود آخر الصلاة، وهو مذهب الإمام الشافعي ومن تبعه. وقيل: تجب في التشهد، وهو قول الشّعبيّ وابن راهويه. وقيل: تجب في الصلاة من غير تعيين محل، نقل ذلك عن أبي بكير من المالكية. وقيل: يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد، قاله أبو بكر بن بكير من المالكية. وقال بعض المالكية: فرض إسلاميّ جمليّ غير متعلّق بعدد ولا وقت معيّن. وقيل: يجب كلّما ذكر، قاله الطّحاويّ وجماعة من الحنفية، والحليميّ، وجماعة من الشّافعيّة. وقال ابن العربي من المالكية: إنّه الأحوط. قيل: في كل مجلس مرّة، ولو تكرر ذكره مرارا، حكاه الزّمخشريّ. وقيل: في كل دعاء [حكاه أيضا] . [ومنها ما روي عن سهل بن محمّد [ ... ] آدم [ ... ] بأمر الملائكة له بالسجود، لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في هذا التّعريف، فتشريف يصدر عنه أبلغ من تشريف يختصّ به الملائكة. ومنها: ما ذكره عن ابن أبي الدّنيا، عن ابن أبي فديك سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال هذه الآية ثم قال: صلى الله عليك يا محمّد سبعين مرّة ناداه ملك- صلى الله عليك يا فلان لم يسقط لك حاجة] [ (1) ] . ومنها أنه عبّر فيها بالنبي- صلى الله عليه وسلم-، ولم يقل: على محمّد، كما وقع لغيره من الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- لقوله: يا آدم، يا يحيى، يا عيسى، يا إبراهيم لما في ذلك من الفخامة والكرامة التي اختص بها عن سائر الأنبياء، إشعارا بعلوّ المقدار، وإعلاما بالتفضيل على سائر الرّسل

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

تنبيه:

الكرام، ولما ذكر نبيّنا مع الخليل- صلى الله عليه وسلم- ذكر الخليل باسمه، وذكر الحبيب بلقبه فقال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ [آل عمران 68] فكل موضع سمّاه باسمه إنما هو لمصلحة تقتضي ذلك فافهمه. ومنها أن الأولى قد يكون الألف واللام فيه للغلبة، كالمدينة، فكأنه المعروف الحقيقي به، المقدم على سائر الأنبياء- صلى الله عليه وسلم-. ومنها أن صلاة جميع الملائكة عليه مما خصه الله تعالى به دون سائر الأنبياء والمرسلين. تنبيه: قد كثر السؤال عن الحكمة في تأكيد التسليم بالمصدر دون الصلاة، وأجاب الفاكهاني بما حاصله: أن الصلاة مؤكدة معنى صلاة الله وملائكته ولا كذلك السلام، فحسن تأكيده لفظا إذ ليس ثمّ ما يقوم مقامه. وأجاب الحافظ بجواب آخر محصله: أنه لما وقع تقديم الصلاة على السلام في اللفظ، وكان للتقديم مزية في الاهتمام، وحسن أن يكون السلام لتأخر مرتبته في الذّكر، لئلا يتوهم قلّة الاهتمام، لتأخره، والعلم عند الله. ومنها: الكلام على إعرابها فقد اختلف في نصب «الملائكة» وبه قرأ العشرة وبرفعه قرأ ابن عباس وهي رواية شاذّة عن أبي عمرو فنصبه بالعطف على اسم «إنّ» وهو الاسم الكريم والرفع على محل اسم «إنّ» على مذهب الكوفيين وعلى أنه مبتدأ محذوف الخبر عند البصريين أي وملائكته يصلون بدل عليه يصلون المذكور، ولا يضر كون المبتدأ مفردا والخبر جميعا، لأن الخبر قد يقع جمعا للتعظيم كما ذكره بعضهم، ولا خفاء في أن حرف النداء قد أناب مناب أدعو، وأيّ منادى مفرد مبني على الضم خلافا للكسائي في أن ضمته ضمة إعراب أتي به وصلة لنداء ما، فيه «ألى» محله نصب، وهو اسم مبهم مفتقر إلى ما يزيل إبهامه فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه كاسم الإشارة يتصف به حتى يصحّ المقصود بالنداء فالذي يعمل فيه والذي صفة له لا ينفك عنها لعدم استقلاله بنفسه. ومنها: السّبب في نزولها. روى عن كعب بن عجرة قال: قيل: يا رسول الله، قد عرفنا السلام عليك، فكيف نصلي؟ فنزلت. ومنها: وجه مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لمّا ذكر حقوقه- صلى الله عليه وسلم- مما خصّه به دون أمته من حل نكاح من تهب نفسها وتعظيمه وتوقيره وتحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ورفع

الجناح عن أزواجه في تكليمهن آبائهن وأبنائهن، ودخولهن عليهن ودخولهم عليهن، وأنه محترم في الملأ الأعلى بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب 56] انعقد الإجماع على أن في هذه الآية من تعظيم النبي- صلى الله عليه وسلم- والتنويه به ما ليس في غيرها، فنشر ذكره في السموات السبع، وعند المستوي وصريف الأقلام والعرش والكرسي وجميع الملائكة المقربين وفي سائر آفاق الدنيا. ومنها: زمن نزولها: فروى أنها نزلت في الأحزاب بعد نكاحه- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش وبعد تخييره أزواجه. وقال الحافظ أبو ذر الهروي في السنة الثانية من الهجرة. وقيل: ليلة الإسراء. وقيل: في ليلة النصف من شعبان. ومنها: الكلام على الملائكة والملائكة جمع ملك، واختلف فيما اشتق منه على ستة أقوال، وفي ماهيتهم وحقيقتهم وفي عصمتهم وفضلهم على الأنبياء. والجمهور على أنهم أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل فتظهر في صور مختلفة وتقوى على أفعال ما مر. وأكثر أهل السنة على أن الأنبياء أفضل منهم، والهاء في ملكة لتأنيث الجمع نحو صلادمة. وقيل: للمبالغة كعلامة، وليس بشيء، وحذفها شذوذ كما قيل أبا خالد صلّت عليك الملائكة، وكثرتهم لا يعلمها إلا الله تعالى وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر 31] . وأما الكلام على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد تقدم في أوائل هذا الكتاب مبسوطا. ومنها الحكمة في إتيانه بالجلالة دون غيره من الأسماء الحسنى أنه الاسم الأعظم على ما رجحه كثيرون، ولم يقسم به غيره كما فسّر به قوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم 65] وأنه يضاف إليه فيقال: الرحمن الرحيم اسم الله ولا عكس وجميع الأسماء ولأنه لا ينقص بنقص شيء من حروفه فإذا أسقطت الهمزة قلت لله الأمر وإن أسقطت اللام الأولى قلت: «له ملك السّموات والأرض» وإن أسقطت الثانية قلت: «هو الأوّل والآخر» وقال: «آمنوا» دون «يا أيها الناس» وإن كان الصّحيح أنه خاطب الكفار بفروع الشريعة، لأن الصلاة من أجل القرب فاختص بها المؤمنون وعدّي ب «على» المراد بها الدّعاء، لأن المراد من قوله تعالى:

صَلُّوا عَلَيْهِ أي قولوا: اللهم صل على محمد، كما أجاب به- عليه الصلاة والسلام- فيمن قال: قد أمرنا بالصّلاة عليك، فكيف نصلي؟ فقال: قولوا: ... ومنها أنه تعالى قدّم صلاته عليه ترغيبا للمؤمنين في ذلك وترهيبا لهم من تركها. [ومنها: أن تشريفه بصلاة الله عليه أسمى من شرف آدم بأمر الله تعالى الملائكة له بالسجود. قال الفاكهانيّ: لما كانت الصّلاة عليه مؤكدة، يعني بصلاة الله وملائكته ولا كذلك السّلام أكّده بالمصدر. وقال الحافظ: لمّا وقع تقديم الصلاة والسلام في اللفظ، وكان للتقديم مزيّة في الاهتمام حسن أن يؤكد السّلام لتأخره والعلم لله تعالى انتهى] [ (1) ] .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في أ.

الباب الثاني في الأمر بالصلاة والسلام عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الثاني في الأمر بالصلاة والسلام عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه وفيه أنواع: الأول: في الأمر بالصلاة والسلام عليه، قال الله- عز وجل-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب 56] وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «حيثما كنتم فصلّوا عليّ، فإنّ صلاتكم تبلغني» رواه الطبراني وأبو داود والنّسائيّ. وقال- صلى الله عليه وسلم- «من ذكرت عنده فليصلّ عليّ» رواه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان. وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا سمعتم المؤذّن، فقولوا مثل ما يقول ثمّ صلّوا عليّ» رواه مسلم وأبو داود والترمذي. وقال- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا من الصلاة على فإنّ الله وكّل بي ملكا عند قبري فإذا صلّى على رجل من أمّتي، قال، قال: ذلك الملك يا محمد إن فلان بن فلان صلّى عليك السّاعة» ورواه الديلمي في «مسند الفردوس» وأبو يعلى. وقال عليه الصلاة والسلام: «أكثروا الصّلاة عليّ، فإن صلاتكم عليّ مغفرة لذنوبكم، واطلبوا لي الدّرجة والوسيلة، فإنّ وسيلتي عند ربي شفاعة لكم» رواه ابن عساكر عن السيد الحسن- رضي الله تعالى عنه-. وروى ابن عدي في «الكامل» عن ابن عمر وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- قالا: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صلوا عليّ، صلّى الله عليكم» . وروى ابن أبي حاتم- بسند جيد مرسلا- عن قتادة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا صلّيتم على المرسلين فصلّوا عليّ معهم [فإنّي رسول من ربّ العالمين] » . وروى الترمذي والحاكم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صلّ عليّ وعلى سائر النبيين» . وروى ابن النجار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا الصّلاة عليّ فإنّه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا» . وروى الديلمي بلا إسناد عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صلّوا عليّ، فإنها لكم أضعاف مضاعفة» . وروى ابن بشكوال عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: «أوصاني

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أصليها في الحضر والسّفر- يعني صلاة الضّحى- وأن لا أنام إلا على وتر، وبالصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم-. وعنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أكثروا من الصلاة على، لأن أول ما تسئلون في القبر عني» . قال الحافظ السّخاوي في «القول البديع» : ولم أقف على سنده. وروى الدّيلمي في مسند الفردوس عن أنس بن مالك. وفي لفظ: عن أنس عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا صلّيتم على المرسلين فصلّوا عليّ معهم، فإنّي رسول من المرسلين» . ورواه ابن أبي عاصم في كتابه كما هنا بلفظ آخر «إذا سلمتم عليّ فسلموا على المرسلين» ذكر المجد اللغوي أن إسناده صحيح يحتج برجاله في الصحيحين. قال الحافظ السّخاوي في القول البديع فالله أعلم بذلك. وروى الإمام أحمد وأبو نعيم والبخاري في الأدب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من ذكرت عنده فليصلّ عليّ ومن صلّى عليّ مرة صلى الله عليه عشرا» ورواه الطبراني في الأوسط بدون «ومن صلى عليّ مرة» إلى آخره ورجاله رجال الصحيح. وروى الإمام أحمد وأبو الشيخ في الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- له وكذا ابن أبي عاصم وفي سنده ضعف عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صلّوا عليّ فإنّ صلاتكم عليّ زكاة لكم» وهو عند الحارث وأبي بكر بن أبي شيبة في مسنديهما وزاد فيه: واسألوا الله عز وجل الوسيلة لي فإمّا سألوه وإمّا أخبرهم فقال: أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد، أرجو أن أكون أنا. وروى أبو القاسم التميمي في الترغيب: «وأكثروا من الصلاة على، فإنها لكم زكاة وإذا سألتم الله فاسألوه الوسيلة فإنها أرفع درجة في الجنة وهي لرجل، وأنا أرجو أن أكون هو» . قوله «يصلّون» بصيغة المضارعة الدال على الدوام والاستمرار لا سيما ذلك على أنه سبحانه وجميع ملائكته يصلون عليه فكيف يحسن للمؤمن أن لا يكثر الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- ويغفل عن ذلك قاله الفاكهانيّ.

الباب الثالث في التحذير من ترك الصلاة عليه زاده الله فضلا - صلى الله عليه وسلم - وشرفا لديه

الباب الثالث في التحذير من ترك الصلاة عليه زاده الله فضلا- صلى الله عليه وسلم- وشرفا لديه روى الحاكم في «المستدرك» وقال: صحيح الإسناد والطّبرانيّ والبخاري في «الأدب المفرد» وإسماعيل القاضي والبيهقي في «شعب الإيمان» والضّياء المقدسيّ، ورجاله ثقات عن كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أحضروا المنبر فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: آمين، ثم ارتقى الثانية، فقال: آمين، ثم ارتقى الثالثة فقال: آمين، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه، فقال: إن جبريل عرض لي فقال: بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له قلت: آمين: فلما رقيت الثانية قال: بعدا لمن ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت: آمين: فلما رقيت الثالثة، قال بعدا لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنّة، فقلت: أمين. ورواه الحاكم في المستدرك والطبراني برجال ثقات غير عمران بن أبان وثقه ابن حبان وضعّفه غير واحد بلفظ: صعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المنبر، فلمّا رقى عتبة قال: «آمين وبعد» ، فلم يغفر له فأبعده الله وفي لفظ: إنّ جبريل قال لما رقيت الدّرجة الثّانية: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقل: آمين. ورواه البخاري في «الأدب المفرد» والطبراني في «الأوسط» والطبري في تهذيبه والدّارقطنيّ في «الإفراد» وهو حسن، والنسائي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: رقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى، وبلفظ: لما رقيت الدرجة الأولى، جاءني جبريل فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه، ولم يغفر له. قال الحافظ السّخاوي في «القول البديع» : وساقه الضياء في «المختارة» من طريق الطيالسي وقال: هذا عندي على شرط مسلم انتهى. قال: وفيه نظر، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صعد المنبر فقال: آمين آمين آمين، فقيل: يا رسول الله، إنّك صعدتّ المنبر، فقلت: آمين آمين آمين فقال: «إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان، فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين. ورواه البيهقي في الدعوات باختصار.

ورواه الإمام أحمد والحاكم وصحّحه والترمذي وقال: حسن غريب بلفظ رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ. وروى الطبراني والطبري عن حسين بن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من ذكرت عنده فخطئ الصّلاة عليّ خطئ طريق الجنة ورواه ابن أبي عاصم وإسماعيل القاضي عن محمد ابن الحنفية مرسلا. قال المنذري: وهو أشبه بلفظ «من ذكرت عنده فنسي الصّلاة عليّ» . وفي لفظ «فلم يصلّ عليّ خطئ طريق الجنة» . وروى البيهقي في «الشّعب» و «السنن الكبرى» والتيمي في الترغيب والرشيد والعطّار وقال: إن إسناده حسن عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من نسي الصلاة عليّ فقد نسي طريق الجنّة» . وفي رواية خطئ طريق الجنة. قال الحافظ أبو موسى المديني في الترغيب له: هذا الحديث يروى عن جماعة منهم علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو أمامة وأمّ سلمة- رضي الله تعالى عنهم-. ورواه ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله. وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: قال لي جبريل: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين. وروى البيهقي في «الشعب عن جابر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن جبريل قال: من ذكرت عنده، فلم يصل عليك، فمات ولم يغفر له فدخل النّار، فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين. وروى ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن جبريل قال: من ذكرت عنده، فلم يصل عليك، فمات فدخل النار، فأبعده الله قل: آمين، فقلت آمين. وروى ابن أبي عاصم في «الصلاة» عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجت ذات يوم فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ألا أخبركم بأبخل النّاس؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليّ، فذلك أبخل النّاس. ورواه إسماعيل القاضي عن عوف بن مالك عن أبي ذر بلفظ: إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل عليّ.

وروى الإمام أحمد والطيالسيّ والطبراني في «الدعاء» وأبو داود والترمذي وقال: حسن عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا جلس قوم مجلسا، لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيه- صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذّبهم، وإن شاء غفر لهم. وروى الطبراني في «الكبير» و «الدعاء» بسند رجاله ثقات عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما من قوم جلسوا مجلسا، ثم قاموا منه لم يذكروا الله، ولم يصلّوا عليّ إلّا كان ذلك المجلس عليهم ترة» . وروى الدينوري في المجالسة والتيمي في الترغيب والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من طريق أبي بكر الشّافعيّ مرفوعا عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يجلس قوم مجلسا لا يصلون فيه على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة، وإن دخلوا الجنّة لما يرون من الثواب. ورواه الضياء في المختارة من طريق أبي بكر بن عاصم والنّسائيّ في عمل اليوم واللّيلة والبغويّ في الجعديّات موقوفا وهو حديث صحيح. وروى الطيالسي والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة والنّسائيّ في اليوم والليلة وتمام في «فوائده» برجال الصحيح على شرط مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما اجتمع قوم ثم تفرّقوا من غير ذكر الله- عز وجل- وصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- إلّا قاموا عن أنتن من جيفة» . ورواه الطبراني في الدعاء بلفظ: «ما من قوم اجتمعوا في مجلس ثم تفرّقوا ولم يذكروا الله ولم يصلّوا على نبيهم- صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة» . وروى الإمام أحمد في مسنده والنّسائيّ في سننه الكبرى والبيهقي في الدعوات والشّعب عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «البخيل» زاد بعضهم «كلّ البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ» . ورواه الترمذي عن عليّ وقال: حسن صحيح، وفي نسخة: حسن غريب، والنسائي وابن بشكوال من طريق البخاري في تاريخه وسعيد بن منصور في سننه والبيهقيّ في شعبه وإسماعيل القاضي. قال الحافظ السّخاوي في «القول البديع» : واختلف في إسناده، فأرسله بعضهم، فحذف التابعيّ والصحابيّ معا، وبالجملة فلا يقتصر على درجة الحسن. وروى الترمذي وصحّحه البيهقي في شعبه عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى

تنبيهات

عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن البخيل كلّ البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي» . وروى البيهقي في الشعب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «البخيل كلّ البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ» . وروى ابن حبان والبيهقي في الشعب عن الحسين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنّ البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ» . تنبيهات الأول: استشكل حمل حديث «من نسي الصلاة» على ظاهره بما ورد «رفع عن أمتي الخطأ والنّسيان» وبأن الناس لا لوم عليه، لأنه غير مكلّف. وأجيب يحمل الناس على التّارك كقوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة 67] . الثاني: يعني قوله «وإن دخلوا الجنة» أن ذلك في عرصات القيامة لما فاتهم من الثّواب ولو كان مصيرهم إلى الجنّة، لأن الحسرة تلزمهم قبل دخول الجنة. الثالث: قال الطيبيّ: «الفاء» في قوله: «فلم يصلّ عليّ» استبعادية والمعنى: بعد من الغافل، بل من المؤمن أن يتمكن من أجر كلمات معدودات على لسانه، فيفوز بعشر صلوات من الله تعالى، ويرفع له عشر درجات، ويحط عنه عشر سيئات، ثم لم يغتنمه حتّى يفوت عنه فحقيق أن يحقره الله تعالى ويضرب عليه الذّلّة والمسكنة. وتعقبه بعضهم أنّ «الفاء» بمعنى «ثمّ» إذ لا داعي إلى ذلك بل كونها للتعقيب أقعد بالمعنى في هذا المقام حتى يحصل منه التراخي عن تعقيب الصلاة عليه بذكره، بل ينبغي أن تكون الصلاة عليه معقبة بذكره عنده حتّى لو تراخى عن ذلك ذمّ عليه. الرابع: قوله: «فلم يدخلاه الجنّة» أي فلم يبرّهما فيكون سببا لدخول الجنّة فهو إسناد مجازيّ، لأن دخول الجنة برحمة الله تعالى. الخامس: عرّف البخيل بالألف واللام ليدلّ على أنه الكامل في البخل على ما يقتضيه تعريف المبتدأ. قال الفاكهانيّ: وهذا أقبح بخل وأسوأ شحّ، لم يبق بعده إلا بخل بكلمة الشّهادة، وهو يقوي القول بوجوب الصّلاة عليه كما ذكر، والله أعلم انتهى. ولا شك أن إخباره- صلى الله عليه وسلم- برغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه والإبخال عليه بالبخل والإبعاد والدعاء عليه والشقاء يقتضي الوعيد، والوعيد على الترك من علامات الوجوب،

وهو قول الطّحاويّ وجماعة من الحنفية والحليميّ والشّيخ أبي كامل الإسفرايينيّ وجماعة من الشافعية وابن بطّة من الحنابلة. وقال ابن العربي من المالكية: إنّه الأحوط وهذا خارج الصّلاة، وهل هي فرض عين وعليه الأكثر، أو كفاية وعليه أبو الليث السمرقندي من الحنفية في مقدّمته. وقيل بوجوبها في كل مجلس مرة وإن تكرّر، حكاه الزمخشري وقيل: بوجوبها مرّة في العمر وهو محكيّ عن الحنفية، ونقل عن مالك والثوري والأوزاعيّ. وقال القاضي عياض وابن عبد البر: إنه قول جمهور الأمة. وقال أبو عبد الله القرطبيّ: لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وأنّها واجبة في كل حين وجوب السّنن المؤكّدة. وقال ابن عطية: الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل حال واجبة وجوب السّنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفل عنها إلا من لا خير فيه. وقيل: واجبة في الجملة من غير حصر. وأقلّ ما يحصل به الإجزاء مرّة، وادّعى بعض المالكية الإجماع عليه، قال ابن القصار منهم: المشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب في الجملة على الإنسان وفرض عليه أن يأتي بها مرة في دهره مع القدرة على ذلك. وقيل: واجبة في التشهد الأخير. قال الإمام الشافعي: شرط في صحّة الصلاة. وقيل: واجبة فيها من غير تعيين محلّ، نقل ذلك عن أبي جعفر الباقر. وقيل: يجب الإكثار منها من غير تقييد، قاله القاضي أبو بكر بن بكير من المالكية. وقيل: فرض إسلامي جمليّ غير متقيد بعدد، ولا وقت معيّن قاله بعض المالكية، ويجب الصّلاة عليه بقدرها، لأنها من أفضل العبادات وأجلّ الطاعات، وقد قال- صلى الله عليه وسلم- «من نذر أن يطيع الله فليطعه» . واختلف هل يجب عليه- صلى الله عليه وسلم- أن يصلّي على نفسه وهو مذهب الشّافعيّ أو لا يجب؟ وهو في بعض شروح الهداية للحنفية، قال شارح المشكاة «أل» في البخيل للجنس فهو محمول على الكمال وأقصى غايته وقد جاء «البخيل ليس من بخل بماله، ولكن البخيل من

بخل بمال غيره» وأبلغ منه أبغض الجواد حتّى لا يحبّ أن يجازى عليه فمن لم يصل على النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر عنده منع نفسه أن يكتال بالمكيال الأوفى، فهل تجد أحدا أبخل من هذا انتهى. وعبر بالجملة الاسمية على أنها تكون على طريق التأكيد بأنّ، ثم أردفه بتأكيد معنوي وهو قوله: «كلّ البخيل» ولا بخل فوق ذلك. السادس: في بيان غريب ما سبق: «بعد» بموحدة مفتوحة فعين مهملة مضمومة فدال مهملة يعني عن الخير. وفي رواية أبعده الله ويروى بكسر العين أي هلك ولا مانع من حمله على المعنيين. «صعد» بصاد مفتوحة فعين مكسورة في الماضي مفتوحة في المستقبل فدال مهملات. رقى العتبة: ... «خطئ» بخاء معجمة مفتوحة وكسر الطاء المهملة في آخره همزة يقال خطئ في دينه خطأ إذا أثم فيه والخطأ الذّنب والإثم، وأخطأ يخطئ إذا سلك سبيل الخطأ عمدا أو سهوا ويقال: لمن أراد شيئا ففعل غيره، أو فعل غير الصّواب، أخطأ، وإذا أخطأ طريق الجنة لم يبق له إلا الطريق إلى النّار أعاذنا الله من ذلك، ويقال: خطأ بمعنى أخطأ أيضا وقيل: خطأ إذا تعمّد وأخطأ إذا لم يتعمّد. «رغم» براء مفتوحة فعين معجمة مكسورة فميم، لصق بالرغام وهو التراب، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره. «التّرة» بمثناة فوقية مكسورة فراء مفتوحة مخففة، الحسرة وقيل: البغض، وقيل: التّبعة، وقيل: النّار، وقيل: الذّنب. وقوله: «إلا قاموا على أنتن من جيفة» هو على طريق استقذار مجلسهم العاري عن الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- استقذارا يبلغ إلى هذه الحالة، وما بلغ هذا المبلغ في كراهة الرّائحة وجب التّفرّق عنه والهرب منه.

الباب الرابع في فضل الصلاة والسلام عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الرابع في فضل الصلاة والسلام عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه روى مسلم وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي وابن حبان في صحيحه، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا» . وروى أبو موسى المديني بسند قال الحافظ مغلطاي لا بأس به عنه، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلّى عليّ عشرا صلى الله عليه مائة، ومن صلّى عليّ مائة صلى الله عليه ألفا، ومن زاد صبابة وشوقا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة» . وروى الإمام أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما- قال: من صلى على النبي- صلى الله عليه وسلم- واحدة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة، فليقلّ عند ذلك أو ليكثر. وروى الإمام أحمد وابن أبي عاصم والبيهقي وعبد بن حميد والبيهقيّ عن الحاكم، وقال: هذا حديث صحيح لا أعلم في سجدة الشّكر أصحّ منه عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتوجّه نحو صدقته، فدخل، فاستقبل القبلة، فخرّ ساجدا فأطال السّجود حتى ظننت أن الله قبض نفسه فيها فدنوت منه، فرفع رأسه قال: «من هذا» ؟ قلت عبد الرحمن، قال: «ما شأنك» ؟ قلت: يا رسول الله، سجدتّ سجدة حتى ظننت أن يكون قد قبض الله نفسك فيها، فقال: «إن جبريل أتاني فبشّرني» ، فقال: «إن الله عز وجلّ يقول: من صلّى عليك صليت عليه، ومن سلّم عليك سلّمت عليه، زاد في رواية فسجدتّ لله شكرا» [ (1) ] . وروى أبو يعلى بلفظ: كان لا يفارق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منّا خمسة أو أربعة من أصحابه لما ينوبه من حوائجه باللّيل والنّهار، قال: فجئته وقد خرج فاتّبعته فدخل حائطا من حيطان الأسواق فصلّى، فسجد، فأطال السّجود، فبكيت، وقلت، قبض الله روحه، قال: فرفع رأسه فدعاني، فقال: «ما لك» ؟ فقلت: يا رسول الله، أطلت السجود، فقلت: قد قبض الله روح رسوله لا أراه أبدا، قال: «سجدت شكرا لربي فيما أبلاني في أمتي، من صلى علي من أمتي كتب له عشر حسنات، ومحا الله عنه عشر سيئات» . ورواه ابن عساكر بلفظ: أتاني جبريل، وقال لي: يا محمّد، أبشّرك بما أعطاك الله في

_ [ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 191.

أمتك، وما أعطى أمتك منك، من صلّى عليك منهم صلاة صلى الله عليه، ومن سلّم عليك سلّم عليه. وروى ابن قانع عن طلحة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قال لي جبريل يا محمد لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا» . وروى الطبراني في «الصغير» والضياء في المختارة بإسناد جيّد، قال الحافظ السخاوي، بل صحّحه بعضهم عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لحاجته فلم يجد أحدا يتبعه، ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلّم- ساجداً في مشربة، فتنحّى عنه من خلفه حتى رفع النبي- صلى الله عليه وسلم- رأسه قال: «أخشيت يا عمر حين رأيتني ساجدا، فتنحيت عني، أن جبريل- عليه السلام- أتاني فقال: من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشرا، ورفع له عشر درجات» . وروى ابن أبي عاصم في الصّلاة له والنسائيّ في اليوم والليلة والسّنن والبيهقي في الدعوات عن أبي بردة بن نيار- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما صلّى عليّ عبد من أمتي صلاة صادقا من قلبه إلا صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه بها عشر سيئات» . ورواه الطبراني- برجال ثقات- وليس عنده لفظ صلاة. وروى الدارميّ والإمام أحمد والحاكم في صحيحه وابن حبان والنسائي والبيهقي في الشعب والضياء عن أبي طلحة الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقال: «إنه جاءني جبريل- عليه السلام- فقال: أما يرضيك يا محمد أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا» . ورواه النسائي عن عبد الله بن أبي طلحة عنه بلفظ: «يا محمد، إن ربك يقول: أما يرضيك أنّه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا» . ورواه البغويّ والطبراني في الكبير عن أنس عنه بلفظ: أتاني جبريل ببشارة من ربي قال إن الله- عز وجلّ- بعثني إليك أبشرك أنه ليس أحد من أمتك يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه وملائكته عشرا. وروى الطبراني في الكبير عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:

أتاني جبريل، فقال: يا محمد، إن الله يقول لك من صلّى عليك صلّيت عليه أنا وملائكتي. وروى الطبراني في الكبير عنه أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: أتاني جبريل، فقال يا محمد، من صلّى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات، وقال له الملك، قيل: ما قال لك؟ قلت: يا جبريل، وما ذاك الملك، قال: إن الله وكّل بك ملكا من لدن خلقك إلى أن يبعثك، ما يصلي عليك أحد من أمتك إلا قال: وأنت صلى الله عليك. وروى الطبراني عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتاني جبريل آنفا، فقال بشّر أمتك أنه من صلّى عليك صلاة كتب له بها عشر درجات. وروى الضياء في «المختارة» والدارقطنيّ في «الإفراد» وابن النّجّار عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا بأبي طلحة، فقام إليه فتلقّاه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنّي لأرى السّرور في وجهك، قال: «أجل، إنه أتاني جبريل آنفا فقال: يا محمد، من صلّى عليك مرة أو قال: واحدة، كتب الله بها عشر حسنات، ومحا عنه بها عشر سيئات، ورفع له بها عشر درجات» . قال رواية محمد بن حبيب: ولا أعلمه إلا قال: وصلّت عليه الملائكة عشر صلوات انتهى. وروى أبو القاسم التيمي في ترغيبه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن لله سيّارة من الملائكة يبتغون حلق الذّكر فإذا مرّوا بحلقة قال بعضهم لبعض: اقعدوا فإذا دعا القوم أمّنوا على دعائهم، فإذا صلّوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- صلّوا معهم حتى يفرغوا ثم قال: بعضهم لبعض «طوبى لهم لا يرجعون إلا مغفورا لهم» . وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد في مسنديهما والترمذي وقال: حسن صحيح والحاكم صحّحه عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ربع الليل. وفي رواية «ثلث اللّيل قام فقال يا أيها الناس، اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرّادفة، جاء الموت بما فيه» . قال أبي بن كعب: يا رسول الله، إنّي أحبّ الصّلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قلت: الرّبع؟ قال ما شئت، وإن زدتّ فهو خير لك، قال: قلت: النّصف؟ قال: ما شئت، فإن زدتّ فهو خير لك، قال: قلت فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدتّ فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال: إذن تكفى همّك ويغفر ذنبك.

وفي لفظ لأحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم بسند جيّد: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلّها لك؟ قال: يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمّك من أمر دنياك وآخرتك. قال أبو عبد الله بن النّعمان أنشد أبو جعفر عمر بن عبد الله بن نزال: أيا من أتى ذنبا وفارق ذلّة ... ومن يرتجي الرّحمن من الله والقربا تعاهد صلاة الله في كل ساعة ... على خير مبعوث وأكرم من نبا فيكفيك همّا أيّ همّ تخافه ... ويكفيك ذنبا حيث أعظم به ذنبا ومن لم يكن يفعل فإنّ دعاءه ... يجد قبل أن يرقى إلى ربّه حجبا وروى ابن منده والحافظ أبو موسى المديني، وقال: حديث حسن غريب، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من صلى عليّ في كل يوم مائة مرّة، قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته، وثلاثين منها لدنياه» . وروى الترمذي وقال: حسن غريب، عن عبد الله بن شدّاد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة» ورواه عن عبد الله بن شدّاد عن أبيه عن ابن مسعود وكذا رواه ابن أبي شيبة وابن حبان وصححه وأبو نعيم، وهكذا رواه ابن أبي عاصم أيضا في فضل الصّلاة له وابن عدي في الكامل، والدينوري في المجالسة، والدارقطنيّ في الإفراد، والتيمي في الترغيب وغيره. قال الحافظ السّخاوي: وهذه الرواية أكثر وأشهر. وروى البخاري في تاريخه وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قال لي جبريل: من صلّى عليك له عشر حسنات. وروى أبو الشيخ وابن حبان وأبو القاسم التّيميّ في ترغيبه والحارث في مسنده عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق، وهو قائم على قبري إذا متّ فليس أحد يصلي عليّ صلاة إلا قال: يا محمد، فلان ابن فلان صلّى عليك، فيصلّي الربّ على ذلك الرجل بكلّ واحدة عشرا» . ورواه ابن أبي عاصم في كتابه بلفظ: إن الله أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق فهو قائم على قبري حتى تقوم الساعة، فليس أحد من أمتي يصلّي عليك صلاة إلّا قال: يا أحمد، فلان بن فلان باسمه واسم أبيه يصلّي عليك كذا وكذا، وضمن لي الرّبّ أنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا، وإن زاد زاده.

ورواه الطبراني في الكبير نحوه. ورواه أبو علي الحسين بن نصر الطوسيّ في أحكامه والبزار في مسنده بلفظ: «إن الله وكّل بقبري ملكا أعطاه الله أسماع الخلائق، فلا يصلي عليّ أحد إلى يوم القيامة إلا بلغني اسمه واسم أبيه، هذا فلان بن فلان قد صلّى عليك» . زاد بعضهم في رواية: وإني سألت ربي- عز وجل- إن لا يصلي على أحد منهم صلاة إلا صلّى عليه عشر أمثالها والله عز وجل أعطاني ذلك. قال الحافظ السخاوي: وفي سند الجميع نعيم بن ضمضم عن عمران بن الحميري. قال المنذريّ: ولا يعرف. قلت: بل هو معروف للبخاريّ وقال: لا يتابع عليه، وذكره ابن حبّان في ثقات التّابعين. وروى التيمي عن أبي بكر الصديق موقوفا قال: الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- أفضل من مهج الأنفس، أو قال: ضرب السيف في سبيل الله. وروى البخاري في الأدب المفرد وابن وهب وابن بشكوال وابن حبان في صحيحه وأبو الشيخ عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم، صل على محمد عبدك ورسولك، وصلّ على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنّها له زكاة» . ورواه الديلميّ من طريق درّاج وهو مختلف فيه وإسناده حسن. وروى الإمام أحمد وأبو الشيخ في الصلاة النبوية له عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «صلّوا عليّ فإنّ الصّلاة عليّ زكاة لكم» . وروى أبو القاسم التميمي بلفظ: «أكثروا عليّ الصلاة فإنّها زكاة لكم» . وروى أبو موسى المديني بسند ضعيف عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فشكا إليه الفقر وضيق العيش أو المعائش، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخلت منزلك فسلّم إن كان فيه أحد وإن لم يكن فيه أحد، ثمّ سلّم عليّ واقرأ قل هو الله أحد مرة واحدة» ففعل الرجل، فأفاض الله عليه بالرزق حتّى أفاض على جيرانه وقراباته. وروى ابن بشكوال بسند ضعيف عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- تنفع المصلّي وولده وولد ولده. وروى عبد الرزاق- بسند ضعيف- عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال:

أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من صلّى صلاة كتب الله له قيراطا والقيراط مثل أحد. وروى الإمام أحمد وأبو نعيم والبخاري في «الأدب المفرد» عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من ذكرت عنده فليصلّ عليّ، ومن صلّى علي مرة، صلى الله عليه عشرا. ورواه الطبراني في «الأوسط» برجال الصحيح- بدون «من صلى علي مرّة» . وفي رواية «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطّت عنه عشر سيئات، ورفعت له عشر درجات» . ورواه النسائي وابن حبان في صحيحه بدون ورفعت إلى آخره. ورواه تمام في فوائده وأوله: «ما من عبد مؤمن يذكرني فليصلّ عليّ ... والباقي بنحوه. ورواه الحاكم بلفظ: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطّ عنه عشر خطيئات. ورواه الطبراني في «الأوسط» و «الصغير» بلفظ: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا، ومن صلّى عليّ عشرا صلى الله عليه مائة، ومن صلّى عليّ مائة كتب الله له بين عينيه براءة من النفاق، وبراءة من النّار وأسكنه الله يوم القيامة مع الشّهداء. ورواه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- له وأبو القاسم التيمي في ترغيبه بلفظ: «صلّوا عليّ فإنّ الصّلاة عليّ كفارة لكم وزكاة، من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا. ورواه أبو القاسم التيمي وأبو موسى المديني بإسناد صحيح بلفظ: فإنّ الصلاة عليّ درجة لكم. وأنشد أبو سعيد محمد بن السّلميّ قال: أمّا الصلاة على النبي فمنيرة ... مرضيّة تمحى بها الآثام وبها ينال المرء عزّ شفاعة ... يثنى بها الإعزاز والإكرام كن للصّلاة على النّبيّ ملازما ... فصلاته لك جنّة وسلام وأنشد الرّشيد العطّار الحافظ: ألا أيّها الرّاقي المثوبة والأجرا ... وتكفير ذنب سالف أنقض الظّهرا عليك بإكثار الصّلاة مواظبا ... على أحمد الهادي شفيع الورى طرّا

تنبيهات

وأفضل خلق الله من نسل آدم ... وأزكاهم فرعا وأشرفهم فخرا فصلّى عليه الله ما جنّت الدّجى ... وأطلعت الأفلاك في أفقها فجرا وأنشد شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر لنفسه: يقول راجي إله الخلق أحمد من ... أملى حديث نبيّ الخلق متّصلا تدنو من الألف إن عدّت مجالسه ... فالسّدس منها بلا قيد لها حصلا يتلوه تخريج أصل الفقه يتبعها ... تخريج أذكار ربّ قد دنا وعلا دنا بوحشه للخلق يرزقهم ... كما علا عن سمت الحادثات علا في مدّة نحو كجّ قد مضت هملا ... ولي من العمر في ذا اليوم قد كملا ستّا وسبعين عاما رحت أحسبها ... من سرعة السّير ساعات فيا خجلا إذا رأيت الخطايا أوبقت عملي ... في موقف الحشر لولا أنّ لي أملا توحيد ربّي يقينا والرّجاء له ... وخدمتي ولاكثار الصّلاة على محمّد في صباحي والمساء وفي ... خطّي ولطفي عساها تمحيه الزّللا فأقرب النّاس منه في قيامته ... من بالصّلاة عليه كان منشغلا يا ربّ حقّق رجائي والألى سمعوا ... منّي جميعا بعفو منك قد شملا تنبيهات الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم- «من صلى عليّ» هذه شرطية، والمشروط «صلّى» ، وجزاء الشّرط قوله عشرا. قال الطيبي: الصلاة منا عليه معناها طلب التّعظيم والتبجيل لجنابه الكريم، والصلاة من الله تعالى على العبد إن كان بمعنى الغفران فيكون من الموافقة لفظا ومعنى، وهذا هو الوجه لئلا يتكرر معنى الغفران، ومعنى الأعداد المخصوصة محمولة على المزيد والفضل المطلوب انتهى. وقال ابن القيّم: هذا موافق للقاعدة المستقرّة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل، فصلاة الله تعالى على المصلّي على رسوله- صلى الله عليه وسلم- جزاء لصلاته هو عليه فمن أثنى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد في تشريفه وتكريمه. وقال القاضي عياض: معنى- صلى الله عليه- رحمه وضعّف أجره كقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام 160] قال: وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها

كلاما تسمعه الملائكة تشريفا للمصلّي وتكريما كما جاء «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» . الثاني: قال القاضي أبو بكر بن العربيّ قد قال الله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام 160] ومعلوم أن الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- حسنة فللمصلي عليه عشر أمثالها، فما فائدته. أجيب بأن فيه أعظم فائدة، وذلك أن القرآن اقتضى أنّ من جاء بالحسنة تضاعف له عشرا، والصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- حسنة فاقتضى القرآن أن يعطى عشر درجات في الجنّة واقتضى الحديث الإخبار أنه تعالى يصلي على من صلّى على نبيه- صلى الله عليه وسلم- عشرا وذكر الله العبد أعظم مضاعفة. وتحقيق ذلك أن الله تعالى لم يجعل جزاء ذكره إلا ذكره، كذلك جعل جزاء ذكر نبيه- صلى الله عليه وسلم- ذكره لمن ذكر انتهى. أي بأن قائل صلاة العبد عليه يصلّي عليه سبحانه عشرا وكذلك إذا سلّم يسلّم عليه عشرا فله الحمد والفضل. قال الفاكهانيّ: وهذه نكتة حسنة أجاد فيها وأفاد انتهى. قال العراقي: بل لم يقتصر سبحانه وتعالى في الصّلاة على نبيّه بأن يصلي عليه بالواحدة عشرا بل زاده على ذلك رفع عشر درجات، وحطّ عنه عشر سيئات كما تقدم في حديث أنس. الثالث: قوله: «فليقلّ عبد من ذلك أو ليكثر» فيه التخيير بعد الإعلام بما فيه من الخيرة في المخير فيه، فهو تحذير من التّفريط في تحصيله فهو قريب من معنى التّهديد. الرابع: قوله: «أما يرضيك» قال (شارح) المشكاة هذا بعض ما أعطى في الرّضا في قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى] وهذه البشارة في الحقيقة راجعة إلى الأمة ومن ثمّ ظهر تمكّن البشرى في أسارير وجهه- صلى الله عليه وسلم- تمكنا عامّا حيث جعل وجهه الشريف ظرفا ومكانا للبشر والطّلاقة، وهذا رمز إلى نوع من الشّفاعة فإذا كانت الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- توجب هذه الكرامة من الله سبحانه وتعالى فما ظنّك بقيامه وتشميره للشّفاعة الكبرى، رزقنا الله ذلك أجمعين. الخامس: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «أن أولى النّاس بي» أي أقربهم منّي منزلة. قال ابن حبان: في هذا الخبر بيان صحيح على إن أولى الناس برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في

القيامة يكون أصحاب الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم. وقال أبو نعيم: هذه منقبة عظيمة يختصّ بها أصحاب رواة الآثار ونقلتها، لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أكثر ممّا يعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا. وقال غيره: فيه بشارة عظيمة لأصحاب الحديث، لأنهم يصلون على النبي- صلى الله عليه وسلم- قولا وفعلا ليلا ونهارا عند القراءة والكتابة، فهم أكثر الناس صلاة، لذلك اختصوا بهذه المنقبة من بين سائر فرق العلماء فلله الحمد على ما أحسن وتفضّل. السادس: إنّما كان السّلام عليه- صلى الله عليه وسلم- أفضل من عتق الرّقاب في مقابلة العتق من النار، ودخول الجنّة، والسّلام عليه في مقابلة سلام الله- عز وجل- وسلام من الله أفضل من مائة ألف ألف حسنة. السابع: في بيان غريب ما سبق: «أبلاني» - بهمزة مفتوحة فموحدة ساكنة فلام فألف فنون- أنعم عليّ والإبلاء الإنعام. «الشّربة» بشين معجمة وراء موحدة [وباء] مشددة مفتوحات قال في القاموس: الأرض المعشبة لا شجر بها. وقال في مؤلّفه الفرد في الصلاة: هي مجتمع النخيل وفي الصحيح: أنها حوض يكون في أصل النّخلة وحولها يملأ ماء لتشربه.

الباب الخامس في كيفية الصلاة والسلام عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

الباب الخامس في كيفية الصلاة والسلام عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه روى مسلم عن أبي مسعود الأنصاريّ البدري- رضي الله تعالى عنه- قال: أتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى تمنينا أنّه لم يسأله، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم بنحوه» . رواه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقيّ في الدعوات بنحوه وزاد فيه في العالمين إنك حميد مجيد. وليس عند أبي داود والسلام قد علمتم. ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والدارقطنيّ والبيهقي في سننيهما، وقال: إسناده صحيح، والترمذي وصححه وابن خزيمة والحاكم والدّارقطني بإسناد حسن متصل، بلفظ: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن عنده، فقال يا رسول الله، السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن في صلاتنا صلى الله عليك؟ قال: فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أحببنا أن الرّجل لم يسأله فقال: إذا أنتم صلّيتم فقولوا: اللهم، صل على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد» . ورواه الإمام أحمد وابن حبّان والدارقطنيّ وحسنة والبيهقي بلفظ: إذا صلّيتم على فقولوا: «اللهمّ ... » إلى آخره. ورواه إسماعيل القاضي في فضل الصّلاة له من طرق عن عبد الرحمن بن بشير بن مسعود مرسلا قال: قيل: يا رسول الله، أمرتنا أن نسلم عليك، وأن نصلّي عليك، فقد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «تقولون: اللهم، صل على محمد كما صليت على إبراهيم، اللهم بارك على آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» . وروى الشيخان عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: قال: لقيني كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- فقال: ألا أهدي لك هدية أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهمّ، بارك على محمد وعلى آل

محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» . ورواه البخاريّ بلفظ: على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في الموضعين. ورواه الطبراني والإمام أحمد والأربعة بنحوه إلا أبا داود والترمذيّ لم يذكر الهديّة، وأول حديثهما: أن كعب بن عجرة قال: يا رسول الله، ... وذكر الحديث. ورواه البيهقي من طريق الشّافعيّ عن كعب بن عجرة بلفظ: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في الصلاة: اللهم، صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. وفي بعض طرقه عند الإمام أحمد وإسماعيل القاضي وأبي عوانة والبيهقيّ والطبراني بسند جيد: أنه لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ جاء رجل فقال: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟. وروى البخاري والإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والبيهقي وابن أبي عاصم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السّلام عليك قد عرفناه، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم، صلّي على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم» . وروى الإمام مالك والشيخان والنسائي عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ورواه الإمام أحمد وأبو داود وزاد لفظ «على آل إبراهيم» في الموضعين. ورواه ابن ماجة بلفظ: كما باركت على آل إبراهيم في العالمين. وروى ابن أبي عاصم بسند فيه المسعوديّ وهو ثقة قد اختلط عن عبد الله بن مسعود قال [قلنا: يا رسول الله، قد عرفنا السلام عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال:] [ (1) ] قولوا: اللهم، اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيّد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة، اللهم، ابعثه مقاما محمودا يغبطه فيه الأوّلون والآخرون، اللهم، صل على محمّد وأبلغه الدرجة الوسيلة من الجنّة، اللهم، اجعله في المصطفين محبّته وفي المقرّبين مودّته وفي الأعلين ذكره، أو قال: داره، والسلام عليه ورحمة

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الله وبركاته اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وروى البزار وابن أبي عاصم وأحمد بن حنبل وإسماعيل القاضي والطبراني في الكبير والأوسط وبعض أسانيدهم حسن عن رويفع بن ثابت الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من قال: اللهم، صل على محمّد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي» . وروى الإمام أحمد عن موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف نصلي عليك، يا رسول الله، قال: «قولوا: اللهم، صل على محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد» . ورواه الطبراني بلفظ: أتى رجل النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: سمعت الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب 56] فكيف الصلاة عليك؟. وروى أبو نعيم في الحلية بسند صحيح عن موسى بن طلحة عن زيد بن حارثة وقيل: ابن خارجة قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء وقولوا: اللهم، صل على محمد، وعلى آل محمد. وفي رواية اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد ورواه النّسائيّ وأحمد وأبو نعيم والدّيلمي عن زيد بن خارجة ورواه ابن أبي عاصم من طريق موسى فقال عن خارجة بن زيد ورجّح رواية زيد الإمام أحمد وعليّ بن المدينيّ. وروى البزّار والسّراج بإسناد على شرط الشيخين والطبريّ من وجه آخر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنهم سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم، صل على محمد وصلّ على آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسّلام قد علمتم. وروى البخاري في «الأدب المفرد» وأبو جعفر الطبريّ في تهذيبه برجال الصحيح بلفظ: من قال: اللهم، صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وترحّم على محمد وعلى آل محمد، كما ترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم شهدت له يوم القيامة بالشهادة وشفعت له.

تنبيهات

قال الحافظ السخاويّ: وهو حديث حسن وفيه سعيد بن عبد الرّحمن مولى آل سعيد ابن العاص، ذكره ابن حبان في الثقات. وروى أبو داود في سننه وعبد بن حميد في مسنده من طريق المجمر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم، صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد» . قال الحافظ السخاوي: ورويناه من طريق مالك عن نعيم عن محمد بن زيد بن مسعود. وقال البخاري، وأبو حاتم، إنّه أصحّ. وروى أبو العباس السراج وأحمد بن منيع والإمام أحمد بن حنبل وعبد بن حميد في مسانيدهم والمعمريّ وإسماعيل القاضي بأسانيد ضعيفة عن بريدة بن الحصيب الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول الله، كيف نسلّم عليك وكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم، اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» . تنبيهات الأول: قوله الصحابة- رضي الله تعالى عنهم-: «أمّا السّلام عليك فقد عرفناه» أي مما علمهم إياه في التّشهّد بقوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» فيكون المراد بقولهم: فكيف نصلّي عليك أي بعد التّشهّد. قال الحافظ السّخاويّ: وتفسير السّلام بذلك هو الظّاهر. وحكى ابن عبد البر، وعياض وغيرهما احتمالا، وهو أن المراد به السّلام الذي يتحلّل به من الصّلاة. قال ابن عبد البرّ: والأوّل أظهر. الثاني: اختلف في المراد بقولهم: كيف؟ فقيل: المراد السّؤال عن معنى الصّلاة المأمور بها في قوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ [الأحزاب 56] يحتمل الرحمة والدعاء والتّعظيم سألوا فقالوا: بأيّ لفظ تؤدى ورجّح الباجي أن السّؤال إنما وقع عن صفتها لا عن جنسها. قال الحافظ: وهو أظهر، لأن لفظ «كيف» ظاهر في الصّفة وأما الجنس فيسأل عنه بلفظ «ما» وجزم به القرطبيّ فقال: هذا سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله، وذلك أنّهم عرفوا المراد بالصّلاة، فسألوا عن الصّفة التي يليق بها ليستعملوها انتهى.

والحامل لهم على ذلك إن السلام لما تقدّم بلفظ مخصوص وهو «السلام عليك أيها النّبيّ» ففهموا أن الصّلاة تقع أيضا بلفظ مخصوص وعدلوا عن القياس، لإمكان الوقوف على النّصّ ولا سيما في ألفاظ الأذكار فإنّها تجيء خارجة عن القياس غالبا فوقع الأمر كما فهموه فإنّه علّمهم صفة أخرى. الثّالث: اختلف في «آله» - عليه الصلاة والسلام- فمذهب الشافعيّ أنهم بنو هاشم والمطّلب. ومذهب مالك: بنو هاشم فقط. وأما آل إبراهيم، فهم ذريته من إسماعيل وإسحاق، وإن ثبت أنّ له أولادا من غير سارة وهاجر فهم داخلون، والمراد المسلمون منهم بل المتقون فيدخل الأنبياء والصّدّيقون والشهداء والصالحون دون من عداهم. الرابع: إن قيل: ما وجه التفرقة بين الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- وبين الصلاة على من عطف عليه فإنّها واجبة عليه دونهم إذا كان دليل الوجوب «قولوا» فالجواب أنّ المعتمد في الوجوب إنما هو الأمر الوارد في القرآن بقوله تعالى «صلّوا عليه» ولم يأمر بالصلاة على آله. وأما تعليمه- صلى الله عليه وسلم- فقد بيّن لهم الواجب وزادهم رتبة الكمال على الواجب. وأيضا جوابه- عليه الصلاة والسلام- ورد بزيادات ونقص، وإنما يحمل على الوجوب القدر المتّفق عليه. الخامس: قال الحافظ: اشتهر السّؤال عن موقع التشبيه في قوله كما صليت على إبراهيم مع أن المقرّر أن المشبه دون المشبّه به والواقع هنا عكسه. وأجيب عنه بأنه قال ذلك قبل أن يعلم إنه أفضل من إبراهيم وتعقّب بأنّه لو كان كذلك لغيّر صفة الصّلاة عليه بعد أن علم أنّه أفضل. وبأنه قال: ذلك تواضعا وشرع لأمته ذلك ليكتسبوا الفضيلة. وبأن التشبيه إنّما هو لأصل الصلاة بأصل الصّلاة لا للقدر بالقدر ورجّح هذا الجواب القرطبيّ في «المفهم» . وبأن الكاف للتّعليل. وبأن المراد أن يجعله كإبراهيم في الخلّة، وأن يجعل له لسان صدق [كما جعل

لإبراهيم] مضافا لما حصل له من المحبّة. ويرد عليه ما ورد على الأوّل وبأن قوله: «اللهم، صل على محمّد» مقطوع عن التشبيه فيكون التشبيه متعلقا بآل محمّد. وتعقّب بأن غير الأنبياء لا يساووا الأنبياء، فكيف يطلب مساواة الصّلاة عليهم. قال الحافظ: ويمكن الجواب عن ذلك بأن المطلوب الثّواب الحاصل لهم لا جميع الصفات وبأنّ التشبيه للمجموع بالمجموع. قال الحافظ: ويعكر عليه ما ورد عن أبي سعيد: «اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم» . وبأن المراد بالتشبيه النظر إلى ما يحصل لمحمّد وآله من صلاة كل فرد من أول التعليم إلى آخر الزمان فيكون أضعاف ما حصل لإبراهيم وآله، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: المراد دوام ذلك واستمراره. وبأن التشبيه راجع إلى ما يحصل للمصلّي من الثواب لا إلى ما يحصل للنبي- صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ: وهذا ضعيف، لأنه يصير كأنه قال: اللهم أعطني ثوابا على صلاتي على النبي- صلى الله عليه وسلم- كما صليت على إبراهيم. ويمكن أن يجاب بأن المراد مثل ثواب المصلّي على إبراهيم. وبأنّ كون المشبّه به أرفع من المشبّه غير مطّرد بل قد يكون التّشبيه بالمساوي والدّون كقوله تعالى: ثَلُ ما يُنْفِقُونَ [البقرة 261] مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ [النور 35] وحسّن التشبيه أنه لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم [بالصلاة عليهم] مشهورا واضحا عند جميع الطّوائف حسن أن يطلب للنبي- صلى الله عليه وسلم- وآله مثل ذلك. ويؤيّده قوله: «في العالمين» . وقال ابن القيم، بعد أن زيّف أكثر الأجوبة إلا تشبيه المجموع بالمجموع: وأحسن منه أن يقال إنه- صلى الله عليه وسلم- من آل إبراهيم عليه الصلاة والسّلام [وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ [آل عمران 33] قال: محمّد من آل إبراهيم] . فكأنه أمرنا بأن نصلّي على محمد وآل محمد خصوصا، بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كلّه له وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا ويظهر فائدة التشبيه حينئذ.

ونقل الحافظ عن المجد اللّغويّ عن بعض أهل الكشف: أن التشبيه لغير اللّفظ المشبّه به لا لعينه وذلك أن [بقولنا: اللهم، صل على محمد] اجعل من أتباع محمد من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه [بتقريرهم أمر الشريعة] كما صليت على آل إبراهيم بأن جعلت فن أتباعه أنبياء يقرّرون الشريعة، والمراد بقوله «وعلى آل محمد» اجعل من أتباعه ناسا محدثين بالفتح يخبرون بالمغيّبات كما صليت على إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيّبات والمطلوب] حصول صفات الأنبياء لآل محمّد، وهم أتباع له في الدين، كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم. قال الحافظ: وهو جيّد إن سلم بأن المراد بالصّلاة هنا ما ادّعاه والله تعالى أعلم. السّادس: المراد بالبركة في قوله: «وبارك على محمد» الزيادة من الخير والكرامة وقيل: التطهير من العيوب والتزكية. وقيل: المراد ثبوت ذلك واستمراره من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه سمّيت بركة الماء، بكسر أوله وسكون ثانيه لإقامة الماء بها. السّابع: ما أنكره ابن العربيّ علي ابن أبي زيد المالكيّ من قوله في رسالته: «وارحم محمّدا» إن كان من جهة أنه لم يصحّ فظاهر، وإن كان من جهة أنّه لا يقال: وارحم محمّدا فغير مسلّم فقد ورد في ذلك عدّة أحاديث منها ما تقدّم. وأصحّها في التشهد «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» . قال الحافظ: ومنها: حديث ابن عباس: «اللهم، إني أسالك رحمة من عندك» . وحديث عائشة «اللهم، إنّي أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك» . وحديث «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث» . وحديث: «اللهم، أرجو رحمتك» . وحديث: «إلا أن يتغمدني الله برحمته» . الثّامن: أن المراد بالعالمين أصناف الخلق كما رواه أبو مسعود وغيره وفيه أقوال أخر. قيل: ما حواه بطن الفلك. وقيل: كلّ محدث. وقيل: كلّ ما فيه روح. وقيل: يفيد العقلاء.

التّاسع: «الحميد» فعيل من الحمد، بمعنى محمود، وأبلغ منّة وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها. وقيل: هو بمعنى الحامد أي يحمد أفعال عباده. و «المجيد» من المجد وهو صفة الإكرام، ومناسبة ختم الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه وذلك ممّا يستلزم طلب الحمد والمجد له. العاشر: تقدّم في بعض الأحاديث «الأعلين» وهو بفتح اللام، ويظهر أن المراد به الملأ الأعلى وهم الملائكة، لأنهم يسكنون السموات، والجنّ هم الملأ الأسفل، لأنهم سكّان الأرض. و «المصطفون» وهو بفتح الطاء والفاء أي المختارين من أبناء جنسهم. فمن الأنبياء نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى أولو العزم وهو سيّدهم. ومن الملائكة كثيرون حملة العرش، جبريل، وميكائيل، ومن شهد بدرا. وقيل: المصطفون هم الذين أعدّهم صفوة لصفائهم من الأدناس. وقيل: هم الذين وجدوه وآمنوا به. وقيل: هم أصحابه. وقيل: هم أمّته. والمقرّبون: المراد بهم الملائكة، وعن ابن عباس: هم حملة العرش وبه جزم البغويّ. وقيل: الملائكة الكروبيّون عنده الذين حول العرش كجبريل وميكائيل ومن في طبقتهم. وقيل: هم الذين لهم تدبير الأحوال السّماويّة وهم المعنيّون بقوله تعالى: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [النساء 172] . وقيل المقرّبون سبعة إسرافيل، وميكائيل، وجبريل، ورضوان، ومالك، وروح القدس، وملك الموت عليهم الصلاة والسلام. وأما المقرّبون من البشر المذكورون في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة 10] فقيل هم السابقون إلى الإسلام. وعن مقاتل: السابقون من سبق إلى الأنبياء بالإيمان.

وقيل: هم الصّدّيقون. الحادي عشر: قوله: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى» أي الأجر والثّواب وكنّى بذلك عن كثرة الثّواب، لأن التّقدير بالمكيال يكون في الغالب للأشياء الكثيرة، والتّقدير بالميزان يكون دائما للأشياء القليلة وأكّد ذلك بقوله: «الأوفى» ويحتمل أن يكتال بالمكيال الأوفى الماء من حوض المصطفى ويدل لذلك ما ذكره عياض في الشفاء عن الحسن البصري أنه قال: من أراد أن يشرب بالكأس الأوفى من حوض المصطفى فليقل: اللهم، صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأولاده وأزواجه وذريته وأهل بيته وأصهاره وأنصاره وأشياعه ومحبّيه وأمّته وعلينا معهم أجمعين يا أرحم الراحمين. قال الإمام أبو زرعة العراقيّ: والأوّل أقرب. الثّاني عشر: قال المجد اللغوي: أن كثيراً من الناس يقولون: «اللهم صل على سيّدنا محمّد» وفي ذلك بحث أما في الصّلاة فالظّاهر هو أنه لا يقال اتباعا للفظ المأثور ووقوفا عند الخبر الصّحيح. وأما في غير الصلاة فقد أنكر على من خاطبه بذلك كما في حديث الصّحيح وإنكاره يحتمل أن يكون تواضعا منه- صلى الله عليه وسلم- أو كراهة منه أن يحمد ويمدح مشافهة، أو لأنّ ذلك كان من تحيّة الجاهلية أو لمبالغتهم في المدح حيث قالوا: أنت سيّدنا ومولانا وأنت والدنا، وأنت أفضلنا علينا فضلا، وأنت أطولنا علينا طولا، وأنت فرد عليهم، وقال: لا يستهوينكم الشيطان، وقد صحّ قوله- صلى الله عليه وسلم- «أنا سيد ولد آدم» . وقوله للحسن «إن ابني هذا سيّد» وقوله لسعد: «قوموا إلى سيّدكم» . وقال ابن مسعود: اللهم، صل على سيّد المرسلين» وكان هذا دلالة واضحة على جواز ذلك والمانع يحتاج إلى دليل وحديث «لا تسيّدوني في الصّلاة» لا أصل له. الثّالث عشر: إن قيل: ما الحكمة في قولنا: «اللهم، صل على سيّدنا محمّد» والمناسب لأمرنا بالصّلاة أن يقول: أصلّي على محمّد، قيل: يبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه عليه تعالى، لأنّه أعلم بما يليق به، فهو كقوله: «لا أحصي ثناء عليه» قاله ابن أبي جملة: وقيل: لما كان- صلى الله عليه وسلم- طاهرا لا عيب فيه، ونحن فينا المعايب والنقائص، ولم يصلح لنا أن نثني عليه، سألنا الله تعالى أن يصلي عليه، لتكون الصلاة من ربّ طاهر على نبي طاهر قاله المرغينانيّ من أئمة الحنفية. الرّابع عشر: خصّ اسمه محمدا دون سائر أسمائه الشريفة، لأنه جامع لجميعها، وهو علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه- صلى الله عليه وسلم- وأن كان علماً محضاً في حق كثير ممن تسمّى

به غيره، وهذا شأن أسماء الرّبّ تعالى وأسماء كتّابه وأسماء نبيّه، وهي أعلام دالة على معان، هي أوصاف فلا يضاد فيها العلمية الوصف بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين. الخامس عشر: فإن قلت: لم خصّ إبراهيم دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟. أجيب بأنه خصّ بذلك، لأنه منادي الشّريعة حيث أمره الله تعالى بقوله: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج 27] ومحمد- صلى الله عليه وسلم- كان منادي الدين لقوله تعالى: إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ [آل عمران 193] أو لأمر النبي- صلّى الله عليه وسلم- باتباعه، لا سيما في أركان الحجّ أو لقوله: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء 84] أو مكافأة لما فعل حيث دعا لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم- بقوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ [إبراهيم 41] . السادس عشر: قيل: المراد بالمقعد المقرب المقام المحمود وجلوسه على العرش، والمراد به الوسيلة. وقال الطيبيّ: إنّ له- صلى الله عليه وسلم- مقامين مختصّين به. أحدهما: مقام حلول الشّفاعة والوقوف على يمين الرّحمن حيث يغبطه فيه الأوّلون والآخرون. وثانيهما: مقعده من الجنة ومنزله الذي لا ينزل بعده. السّابع عشر: اختلف في أفضلية كيفية الصّلاة. قال البارزيّ: اللهم، صل على محمد، وعلى آل محمد أفضل صلواتك عدد معلوماتك فإنّه أبلغ فيكون أفضل. وقال القاضي حسين: أن يقول اللهم، صل على محمد كما هو أهله ومستحقّه. وقال صاحب القاموس في كتابه في الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- عن بعضهم: اللهم، صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى كل نبيّ وملك ووليّ عدد الشّفع والوتر وعدد كلمات ربّنا التامات المباركات. وقال بعضهم: اللهم، صل على محمد عبدك ونبيّك ورسولك النّبيّ الأمّيّ وعلى آله وأزواجه وذرّيّته وسلّم عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك. قال الحافظ السخاوي: ومال إليه شيخنا- أي الحافظ ابن حجر-. وقيل: اللهم، صل على محمد، وعلى آل محمد، كلما ذكره الذاكرون وكلّما سهما عنه الغافلون حكاه الرافعي عن إبراهيم المروزي.

وقيل: اللهم، صلّ أبدا أفضل صلواتك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك وآله وسلم تسليما، وزده شرفا وتكريما، وأنزله المنزل المقرّب عندك يوم القيامة. قال الكمال ابن الهمام الحنفيّ: كل من ذكر من الكيفيات موجود فيها. وقيل: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد أفضل صلواتك عدد معلوماتك، قاله الشرف البارزي. وقيل: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد صلاة دائمة بدوامك ذكر القاضي مجد الدين الشّيرازي اختيارها الثامن عشر: في بيان غريب ما سبق: «علّمتم» بضم العين المهملة وتشديد اللام وكسرها. ألا أهدي لك: «بضم الهمزة وتفتح هدية من الهدي الثلاثي يطلق مرة على نفس المصدر وهو الهدى بمعنى الاهتداء، ومرة على المفعول وهو المهديّ وعليه يحمل هذا الحديث ونحوه، لأنه فسره من بعد، ولأن فيه زيادة ذكر المفعول به، والهدي ما يتقرب به إلى المهدى إليه تودّدا وتكرما زاد بعضهم: من غير قصد دفع ضرر دنيويّ بل لقصد ثواب الآخرة، وأكثر ما يستعمل في الأجسام، لا سيما والهدية فيما نقل من مكان إلى آخر، وقد تستعمل في المعاني، كالعلوم والأدعية ونحو ذلك مجازا. الذّرّيّة: بذال معجمة مضمومة وقد تكسر والأولى أفصح قال في المشارق: أهل الذريئة بالهمزة من الذرء وهو الخلق، لأن الله ذرأهم أي خلقهم والذرية النسل قال المنذري: من ذكر وأنثى، وهل يدخل فيها أولاد البنات وهو مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، لإجماع المسلمين على دخول أولاد فاطمة في ذرية النبي- صلى الله عليه وسلم- المطلوب لهم من الله الصلاة، والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنهم لا يدخلون وهو مذهب أبي حنيفة ويستثنى أولاد سيدتنا فاطمة لشرف هذا الأصل الأصيل.

الباب السادس في المواطن التي يستحب الصلاة عليه فيها - صلى الله عليه وسلم -

الباب السادس في المواطن التي يستحب الصلاة عليه فيها- صلى الله عليه وسلم- وفيه أنواع: الأول: في يوم الجمعة وليلتها. روى الإمام أحمد في مسنده، وابن أبي عاصم في الصلاة له والبيهقيّ في حياة الأنبياء وشعب الإيمان وغيرهما من تصانيفه وأبو داود والنسائي وابن ماجة في سننهم وابن حبّان وابن خزيمة في صحيحيهما والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاريّ ولم يخرجاه عن أوس بن أوس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن من أفضل أيّامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النّفخة، وفيه الصّعقة، فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ» ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت- يعني بليت- قال: «إن الله عزّ وجلّ حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» . وروى البيهقي بسند حسن، لا بأس به- عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا من الصلاة على في كل يوم جمعة، فإنّ صلاة أمّتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقرب منّي منزلة» . وروى ابن ماجه- برجال ثقات- عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا من الصلاة على في يوم الجمعة، فإنّه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإنّ أحدا لن يصلّي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها، قال قلت: وبعد الموت قال: وبعد الموت، إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» فنبيّ الله حيّ يرزق في قبره. وروى الحاكم- وقال: صحيح الإسناد- والبيهقي في شعب الإيمان، وحياة الأنبياء في قبورهم عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أكثروا من الصلاة على في يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلّي عليّ يوم الجمعة إلا عرضت عليّ صلاته» . وروى ابن بشكوال في كتابه في الصلاة النبوية- بسند ضعيف- عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أكثروا الصّلاة عليّ في الليلة الغرّاء، واليوم الأزهر فإنّ صلاتكم تعرض عليّ، فأدعو لكم وأستغفر» . وروى الطبراني- بسند لا بأس به في المتابعات- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة، فإنّه أتاني جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال: ما على الأرض من مسلم يصلّي عليك إلّا صلّيت أنا وملائكتي عليه عشرا» . وفي لفظ: «أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة، وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» . وروى البيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت نبيّكم- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أكثروا الصّلاة على نبيّكم في اللّيلة الغرّاء واليوم الأزهر» . وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا الصّلاة عليّ في اللّيلة الزّهراء واليوم الأزهر، فإنّ صلاتكم تعرض عليّ» . وروى الدّارقطنيّ: وابن شاهين، جميعا في الإفراد، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الصّلاة عليّ نور على الصّراط، فمن صلّى عليّ يوم الجمعة ثمانين مرّة، غفرت له ذنوب ثمانين عاما» . وروى الديلمي عن أبي ذرّ الغفاري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلى عليّ يوم الجمعة مائة صلاة غفرت له ذنوب مائة عام» . وروى الديلمي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من صلى عليّ يوم الجمعة كانت شفاعة له عندي يوم القيامة» . وروى ابن شاهين- بسند ضعيف- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من صلى عليّ يوم الجمعة ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة» . وروى التيمي في ترغيبه والدّيلميّ في مسنده- بسند ضعيف عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلّى عليّ في كل يوم جمعة أربعين مرّة محى الله عنه ذنوب أربعين سنة، ومن صلّى عليّ مرّة واحدة فتقبّلت منه محى الله عنه ذنوب ثمانين سنة» «ومن قرأ» قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص 1] «حتى يختم السّورة بنى الله له منارا في جسر جهنّم حتّى يجاوز الجسر» . وروى البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلّى عليّ صلاة صلى الله عليه عشرا» . وروى ابن عدي، والبيهقي في الشعب عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة» .

الثاني: عند طرفي النهار.

وللأديب الفاضل شعبان الآثاري في قصيدة: وجاء في الجمعة الغرّا وليلتها ... عنه من الخير تأجيل وتعجيل وقد أمرنا بإكثار الصّلاة على ... محمّد فيهما والفضل مأمول فمن يصلّي على المختار واحدة ... يأتيه عشرا من المولى وتنفيل الثاني: عند طرفي النهار. روى الطبراني عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من صلّى عليّ حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة» . الثالث: عند الفراغ في الوضوء. روى التيمي في ترغيبه، والدّارقطني والبيهقي، وقالا: ضعيف، عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، ثمّ ليصلّ عليّ، فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرّحمة» . قال الحافظ السّخاويّ: وهذا الحديث مشهور عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر، وثوبان، وأنس، لكن بدون «الصلاة» والله تعالى أعلم. وروى ابن ماجه وابن أبي عاصم- بسند ضعيف- عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا وضوء لمن لا يصلي على النبي- صلى الله عليه وسلم-» وفي بعض طرقه زيادة: «لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه» . الرابع: بعد الأذان والإقامة. وروى مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي، وأبو داود عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه ليس من أحد يصلّي عليّ واحدة إلّا صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة، لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله عز وجل وأرجوا أن أكون أنا هو، فمن سألها لي حلّت له شفاعتي» . وروى الإمام أحمد والطبراني في الأوسط عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من قال حين يسمع المنادي اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة والصّلاة القائمة» .

الخامس: عند دخول المسجد والخروج منه.

وفي لفظ «الدّعوة القائمة والصّلاة النّافعة، صل على محمد وارض عنّي رضاء لا سخط بعده استجاب الله دعوته» ورواه ابن وهب في جامعه بلفظ: «من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة، والصّلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك، وأعطه الوسيلة والشّفاعة يوم القيامة، حلّت له شفاعتي» ، وفيه ابن لهيعة، لكن أصله عند البخاري بدون ذكر الصلاة. وروى الإمام أحمد وابن أبي عاصم والطبراني في الدعاء والكبير عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «إذا سمع المؤذّن اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة، صل على محمد وأعطه سؤله يوم القيامة، وكان يسمعها من حوله، ويجب أن يقولوا مثل ذلك إذا سمعوا المؤذّن قال: ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذّن وجبت له شفاعة محمد- صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة» . ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سمع النّداء قال: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من قال هذه عند النّداء جعله الله في شفاعتي يوم القيامة» . قال الحافظ السخاوي: وفيهما صدقة ابن عبد الله السمين. وروى الحافظ عبد الغني المقدسي وغيره، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا قال الرّجل حين يؤذّن المؤذّن اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة والصّلاة القائمة أعط محمّدا سؤله نالته شفاعتي» . الخامس: عند دخول المسجد والخروج منه. روى النسائي وابن ماجة بأسانيد صحيحه عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم ليقل: اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسالك من فضلك» . وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: - حسن، وليس إسناده بمتصل- عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد «صلّى على محمّد وآله ثم قال: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك» وإذا خرج- صلى على محمد ثم قال: «اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك» . وروى النسائي في اليوم والليلة وابن ماجة في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن أبي

السادس: في الصلاة.

هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلّم على النبي- صلى الله عليه وسلم- وليقل اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلّم على النبي- صلى الله عليه وسلم- وليقل: اللهمّ اعصمني من الشيطان الرجيم» . قال الحافظ السّخاويّ: وأعلّه النسائي برواية المقبري له عن أبي هريرة عن كعب، وذكر أنها أولى بالصواب. قال الحافظ ابن حجر: وخفيت هذه العلة على من صحح هذا الحديث، لكن في الجملة هو حسن لشواهده. وروى ابن أبي عاصم عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخل أحدكم المسجد فليصلّ على النبي- صلى الله عليه وسلم- وليقل اللهمّ اعصمنا من الشّيطان» . السادس: في الصلاة. روى أبو داود والترمذي وصححه، وكذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سمع رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصل على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عجّل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربّه، ثمّ ليصلّ على النبي- صلى الله عليه وسلم- ثمّ يدعو بعد بما شاء. ورواه النسائي بلفظ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عجّل هذا المصلّي» ، ثم علّمهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم سمع رجلا يصلّي فحمد الله وحمده وصلّى على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: ادع الله تجب وسل تعطه. ورواه الترمذي أيضا بلفظ «سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- رجلا يدعو في صلاته فلم يصلّ على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «عجّل هذا» ، ثم دعاه فقال له، أو لغيره: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله والثّناء عليه، ثم ليصلّ على النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم ليدع بعده بما شاء» وله في رواية أخرى، وهي عند الطبراني أيضا برجال ثقات غير رشدين بن سعد، لكن حديثه مقبول في الرقائق، بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قاعد إذ دخل رجل يصلي، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «عجّلت أيّها المصلّي، إذا صلّيت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، ثمّ صلّ عليّ ثمّ ادعه، ثم صلّى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلّى على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «أيّها المصلّي ادع تجب» . وفي رواية «سل تعطه» . السابع: الصلاة عليه، أوّل الدّعاء ووسطه وآخره.

الثامن: عند طنين الآذان.

روى عبد بن حميد والبزار في مسنديهما، وعبد الرزاق في جامعه، وابن أبي عاصم في الصلاة له، والتيمي في الترغيب والطبراني والبيهقي في الشعب والضياء، وأبو نعيم في الحلية، كلهم من طريق موسى بن عبيدة الربذي- وهو ضعيف- والحديث غريب، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تجعلوني كقدح الرّاكب» ، قيل: وما قدح الرّاكب، قال: إنّ المسافر إذا فرغ من حاجته صبّ في قدحه ماء، فإن كان له إليه حاجة توضّأ منه أو شرب وإلّا أهراقه قال: «اجعلوني في أوّل الدّعاء ووسطه وآخره» . وروى عبد الرزاق والطبراني في الكبير- برجال الصحيح- عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله فليبدأ بمدحه والثّناء عليه بما هو أهله، ثم ليصلّ على النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم ليسأل الله بعد، فإنّه أجدر أن ينجح أو يصيب» . وروى النسائي وأبو القاسم بن بشكوال عن عبد الله بن بشر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الدّعاء كلّه محجوب حتّى يكون أوّله ثناء على الله- عز وجلّ- وصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو فيستجاب له دعاؤه» . وروى الدّيلمي في مسند الفردوس، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «كلّ دعاء محجوب حتّى يصلّى على النبي- صلى الله عليه وسلم-» . الثامن: عند طنين الآذان. روى الطبراني، وابن عدي، وابن السني في اليوم والليلة، وابن أبي عاصم وأبو موسى بسند ضعيف، عن أبي رافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا طنّت آذان أحدكم فليصلّ على النبي- صلى الله عليه وسلم- وليقل ذكر الله بخير من ذكرني» . وفي رواية بعضهم: «ذكر الله من ذكرني بخير» . تنبيهات الأوّل: الحكمة في أمره- عليه الصلاة والسلام- بالإكثار من الصّلاة عليه في يوم الجمعة، لأنه أفضل أيام الأسبوع، ووصفه بالأزهر، ووصف ليلته بالزّهراء لكثرة الملائكة فيها، وهم نور، أو لخصوصيتها بنجل خاص، وفيه شرع الغسل والصّلاة الخاصة، وخصّه تعالى من دون سائر الأيّام بقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] ولما كان- صلى الله عليه وسلم- سيد الأنام، ويوم الجمعة سيّد الأيام، كانت للصلاة عليه فيه مزيّة ليست لغيره، مع لطيفة اخرى، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة، إنما نالته على- يديه- صلى الله عليه وسلم- فجمع الله لأمته خيرى الدنيا والآخرة، وأعظم

كرامة تحصل لهم إنما تحصل لهم يوم الجمعة، وهو بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنّة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو عيد لهم في الدنيا، وهذا كله عرفوه وحصل لهم بسببه- صلى الله عليه وسلم- وعلى يده، فمن حمده وشكره وأداء القليل من حقّه- صلوات الله وسلامه عليه- أن يكثر عليه من الصلاة في هذا اليوم وليلته» . الثاني: إن قيل: ما الحكمة في قوله «إنّ الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء» والبلاغ بعد الموت لا تعلّق له بالأجساد والأرواح؟ قيل: لما كان البيان لكلام ما اختص به بعد الموت من البلاغ أردفه بيان خصوصية أخرى له ولغيره من الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم-، وهي أن الأرض لا تأكل أجسادهم. الثالث: قوله «ربّ هذه الدّعوة» أي: صاحبها الذي يشرعها. وقوله: «التّامّة» قال التوربشتي: إنما وصفها بالتّمام، لأنها ذكر الله تعالى، يدعى بها إلى عبادة، وهذه الأشياء وما والاها هي التي تستحق صفة الكمال والتمام، وما سوى ذلك من أمور الدنيا بمعرض النقص والفساد، ويحتمل أنها وصفت بالتمام، لكونها محميّة عن النّسخ والإبدال، باقية إلى يوم التناد. وقال بعضهم: معنى أنها تامة: أنها جامعة لعقيدة الإيمان مشتملة على ترغيبه في العقليات والسمعيات، لما فيه من إثبات التنزيه، والتوحيد، ونفي الشرك، وإثبات النبوة والرسالة، والدعاء إلى العبادات والصلاح. وفيها إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء. وقوله: «الصّلاة القائمة» أي الدائمة التي لا تغيّرها ملة ولا تنسخها شريعة. وقوله: «الوسيلة» أي: بالقرب، وسبب الوصول إلى أبلغية، وتوسّل الرجل إذا طلب الدّنوّ، وتطلق على المنزلة العلية كما قال- عليه الصلاة والسلام-: «فإنّها منزلة من الجنّة» . وقوله: «لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله» أي: مختص بها دون غيره، وذكرها بلفظ الرجاء، وإن كان ذلك له قطعا أدبا وإرشادا، أو تعظيما لأمته وتذكيرا بالخوف، وتفويضا إلى الله تعالى بحسب مشيئته، ليكون الطالب للشّيء بين الرجاء والخوف. وفي رواية: سؤله، وهي بسين مهملة مضمومة فهمزة ساكنة- أي حاجته وهو ما يسأله الشخص، والمراد الشفاعة العظمى والدرجة العالية، والمقام المحمود، والحوض المورود، ولواء الحمد، ودخول الجنة قبل الخلائق إلى غير ذلك، بما أعد الله له من الكرامة في ذلك اليوم. «والفضيلة» معناها ظاهر. وقوله: «والمقام المحمود الّذي وعدته» أي بقوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً

مَحْمُوداً [الإسراء: 79] و «عسى» «ولعلّ» من الله تعالى للتحقيق والوقوع، وقد اختلفت في تفسير المقام المحمود. فقيل: هو شهادته لأمته. وقيل: لواء الحمد يوم القيامة. وقيل: هو أن يجلسه الله على الكرسيّ. وقيل: الشفاعة، إذ هو مقام يحمده فيه الأولون والآخرون، وسيأتي لهذا مزيد بيان في أبواب بعثه وحشره إن شاء الله تعالى. وقوله: «حلّت» أي: وجبت، كما في بعض الروايات، أو نزلت وليست من الحلّ، لأنّ الشفاعة لم تكن محرمة قبل ذلك، واللام في «له» بمعنى «على» كما في الرواية الأخرى. وقوله «أو في قوله» كنت له شهيدا أو شفيعا ليست للشّكّ لتظافر جماعة من الصحابة على روايتها كذلك، ويبعد اتفاقهم على الشك، وهي إما للتقسيم فيكون شهيدا لبعض وشفيعا للمنافقين، أو شفيعا للعاصين وشهيدا للطائعين، أو شهيدا لمن مات في حياته شفيعا لمن مات بعده أو غير ذلك، وإما أن تكون بمعنى «الواو» فيكون شهيدا وشفيعا. الرّابع: إن قيل: ما السر في تخصيص ذكر الرحمة عند دخول المسجد والفضل عند الخروج؟ قيل: لأن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى الله تعالى وإلى ثوابه وجنّته، فناسب أن يذكر الرّحمة، وإذا خرج انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرّزق الحلال، فناسب الفضل، كما قال تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10] . قال في شرح المشكاة: وفي هذا الدعاء عند دخول المسجد استلواح أنّه من دواعي فتح أبواب الرحمة من الله تعالى لداخل المسجد. قوله: «أرمت» - بفتح الهمزة والراء وسكون الميم مخففا- بوزن ضربت أصله أرممت أي: صرت رميما، فحذفوا إحدى الميمين وهي لغة لبعض العرب كما قالوا: ظلت أفعل أي ظللت، والرّميم والرّمّة العظام البالية، قاله الخطّابيّ. وقال المنذريّ: وروى أرمت بضم الهمزة وكسر الراء. وقال غيره: إنما هو أرمّت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء، أي: أرمّت العظام.

جماع أبواب بعثه وحشره وأحواله يوم القيامة - صلى الله عليه وسلم -

جماع أبواب بعثه وحشره وأحواله يوم القيامة- صلّى الله عليه وسلم- الباب الأول فيما جاء أنه أول من يفيق من الصّعقة وأول من يقوم من قبره واختصاصه بركوب البراق يومئذ وكيفية حشره- صلى الله عليه وسلم- روى الشيخان وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم أصعق معهم، ثم ينفخ فيه مرّة أخرى فأكون أول من يفيق» . وفي لفظ: «أوّل من يبعث» . وفي لفظ «أول من يرفع رأسه بعد النّفخة الأخيرة، فإذا موسى باطش بجانب العرش» . وفي لفظ: «آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان ممّن صعق فأفاق قبلي، أم حوسب بصعقته الأولى يوم الطّور» . وفي لفظ: «وكان ممن استثنى الله» . وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر» . وروى الإمام أحمد والنسائي والدارمي وابن خزيمة والضياء وأبو يعلى والبيهقي وأبو نعيم والترمذي وقال: حسن غريب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا» . زاد الترمذي والدارمي: «وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، لواء الحمد بيدي يومئذ، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر» . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر» . وروى الطبراني في الكبير والضياء عن عمار أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأكون أول من يبعث» . وروى ابن المبارك وابن أبي الدنيا وابن النجار عن كعب الأحبار- رحمه الله تعالى- قال: «ما من فجر يطلع إلّا هبط سبعون ألف ملك، يضربون قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بأجنحتهم، ويحفّون به ويستغفرون له، ويصلّون عليه حتى يمشوا، فإذا مشوا عرجوا وهبط سبعون ألف

ملك، كذلك حتّى يصبحوا، إلى أن تقوم السّاعة، فإذا كان يوم القيامة خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سبعين ألف ملك» . وروى أبو بكر بن أبي عاصم في السنة، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسجد وأبو بكر عن يمينه آخذا بيده وعمر عن يساره آخذا بيده، وهو متكئ عليهما، وهو يقول: «هكذا نبعث» . وروى الترمذي وقال: حسن غريب، والطبراني في الكبير، والحاكم وابن عساكر، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من تنشق عنه الأرض وأبو بكر وعمر» . وروى الحاكم وضعّفه ابن عساكر عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أول من تنشق عنه الأرض أنا، ثمّ تنشقّ عن أبي بكر وعمر، ثم تنشقّ عن الحرمين مكّة والمدينة، ثمّ أبعث بينهما» . وروى الحارث بن أبي أسامة [عن سالم بن عبد الله بن عمر مرسلا، وأبو نعيم عنه عن أبيه وهو موصول، والخطيب في رواية مالك] [ (1) ] عن مولاة لعبد الله أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أبعث يوم القيامة بين أبي بكر وعمر، ثمّ أذهب إلى بقيع الغرقد، فيبعثون معي، ثمّ انظر أهل مكة حتى يأتوني فأبعث بين أهل الحرمين» . وروى الطبراني والحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يحشر الأنبياء يوم القيامة على الدّوابّ، ويبعث صالح على ناقته، وأبعث أنا على البراق، ويبعث ابنيّ الحسن والحسين على ناقتين من نوق الجنة ويبعث بلال على ناقة من نوق الجنة، فينادي بالأذان محضا وبالشّهادة حقّا، حتى إذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله شهد له (المؤمنون من) الأوّلين والآخرين، فقبلت ممّن قبلت، وردّت على من ردّت» . وروى ابن زنجويه في فضائله، عن كثير بن مرّة الحضرميّ قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تبعث ناقة ثمود وصالح، فيركبها من عند قبره حتى يوافي لها المحشر» . قال معاذ: وأنت يا رسول الله تركب العضباء قال: لا يركبها، وأنا على البراق اختصصت به من دون الأنبياء يومئذ، ويبعث بلال على ناقة من نوق الجنة، ينادي على ظهرها بالأذان حقّا، فإذا سمعت الأنبياء وأممها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله قالوا: نحن نشهد بذلك» .

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

الباب الثاني في كسوته - صلى الله عليه وسلم - في الموقف، ومكانه وأمته وكون لواء الحمد ولواء الكرم بيده - صلى الله عليه وسلم -

الباب الثاني في كسوته- صلّى الله عليه وسلم- في الموقف، ومكانه وأمته وكون لواء الحمد ولواء الكرم بيده- صلى الله عليه وسلم- روى الإمام أحمد وابن حزم وابن المنذر وأبو نعيم عن ابن مسعود والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس مرفوعا وابن المبارك، والإمام أحمد في الزهد وإسحاق وأبو يعلى، والرافعي عن علي بن أبي طالب موقوفا، وحكمه الرفع: «أن أول من يكسى إبراهيم يقول الله تعالى: «اكسوا خليلي، لا أرى خليلي عريانا» فيؤتى بريطتين بيضاوين» . وفي لفظ: «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- عليه قطيفتين ثم يكسى النبي- صلى الله عليه وسلم- برد حبرة، وهو عن يمين العرش» . ولفظ ابن عباس: «يكسى حلّة من الجنّة، فيلبسها، ثمّ يقعد مستقبل العرش، ثمّ يؤتى بكسوتي من الجنّة، فيطرح عن يمين العرش، ثمّ يؤتى بي فأكسى حلّة من الجنة» . وفي لفظ: على حلة حبرة، انتهى. وفي لفظ: «لا يقوم لها البشر، فأقوم عن يمين العرش مقاما لا يقومه أحد غيري، يغبطني فيه الأولون والآخرون» . وروى ابن جرير وابن مردويه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا وأمّتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلّا ودّ أنّه منا» . وروى الطبراني- برجال الصحيح- والإمام أحمد وابن جرير وابن حبان والحاكم، عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يحضر الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلّ، فيكسوني ربّي حلّة خضراء، ثمّ يؤذن لي فأثني عليه بما هو أهله» . وفي لفظ: «فيؤذن لي، فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود» . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر آدم فمن دونه» . وفي لفظ: «جميع الأنبياء تحت لوائي ولا فخر» . وروى الحاكم والبيهقي في كتاب الرؤية عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، ما من أحد إلّا وهو تحت لوائي يوم

تنبيهات

القيامة ينتظر الفرج، وأنا معي لواء الحمد، أنا أمشي ويمشي النّاس معي حتى آتي باب الجنّة فأستفتح فيقال: من هذا؟ فأقول: محمّد، فيقال: مرحبا بمحمّد، فإذا رأيت ربّي خررت له ساجدا أنظر إليه» . ورواه الحاكم وابن عساكر بلفظ: «أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر ولا رياء، وما من الناس أحد إلّا وهو تحت لوائي يوم القيامة ينتظر الفرج، وإنّ بيدي لواء الحمد» . وروى الترمذي والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لواء الكرم بيدي يوم القيامة» . وروى عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان يوم القيامة أعطى حلّة من حلل الجنّة، ثمّ أقوم عن يمين العرش ليس لأحد من الخلائق أن يقوم ذلك المقام غيري» . تنبيهات الأول: قال القرطبيّ: هذه فضيلة عظيمة لإبراهيم، وخصوصية له، كما خص موسى بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- يجده متعلقا بساق العرش، ولا يلزم من هذا أفضليتهما على النبي- صلى الله عليه وسلم- والحكمة في تقدّم إبراهيم بالكسوة أنّه لما ألقي في النار جرّد من ثيابه، وكان ذلك في ذات الله تعالى، فصبر واحتسب، فجوزي بأن جعل أوّل من يدفع عنه العري يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، ثم يكسى نبينا- صلى الله عليه وسلم- حلّة أعظم من كسوة إبراهيم، ليجبر التأخير بنفاسة الكسوة، فتكون كأنه كسي معه. وقيل: لأنه أول من يسبق إلى التستر بالسراويل وقيل: لأنه لم يكن في الأرض أخوف لله منه فعجلت له كسوته أمانا ليطمئن قلبه. وقال الحافظ: ويحتمل أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج من قبره في ثيابه التي فيها، والحلّة التي يكساها حينئذ من حلل الجنّة خلعة الكرامة فلهذا قدّم إبراهيم- صلى الله عليه وسلم-. الثاني: في بيان غريب ما سبق: الحلّة: - بحاء مهملة مضمومة، فلام مفتوحة-. الحبرة: - بحاء مهملة مكسورة، فموحدة مفتوحة فراء-. الرّيطة: - براء مكسورة، فتحتية ساكنة، فطاء مهملة، وتقدم تفسير الجميع مرارا-. يغبطه: بمثناة تحتية مفتوحة، فعين معجمة ساكنة، فموحدة مكسورة فطاء مهملة، أي: يتمنوا أن يكونوا أعطوا مثل ما أعطى. «اللّواء» : - بلام مكسورة، فواو، فألف، فهمز-.

الباب الثالث في كونه - صلى الله عليه وسلم - أول من يدعى يوم القيامة

الباب الثالث في كونه- صلى الله عليه وسلم- أول من يدعى يوم القيامة روى الحكيم الترمذي عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أول من يدعى أنا يوم القيامة» . وروى الحاكم والخرائطي في «مكارم الأخلاق» وابن عساكر عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا سيد الناس يوم القيامة، يدعوني ربّي، فأقول: لبّيك وسعديك، والخير بيديك، والشّرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت وعبدك بين يديك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك تباركت ربّ البيت» . وروى الحكيم عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أول من يدعى يوم القيامة أنا فأقوم فآتي ثمّ يؤذن لي في السّجود» .

الباب الرابع في اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بالسجود يومئذ

الباب الرابع في اختصاصه- صلّى الله عليه وسلّم- بالسجود يومئذ روى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسّجود» . وروى الإمام أحمد عنه والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء وأبي ذر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «أنا أول من يؤذن له في السّجود يوم القيامة، وأوّل من يؤذن له أن يرفع رأسه فأرفع رأسي، فأنظر بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي، مثل ذلك، وعن يميني أنظر فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم، هم غر محجلون من آثار الوضوء ولا يكون لأحد غيرهم، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم الذي بين أيديهم عن أيمانهم وعن شمائلهم وأعرفهم يسعى نورهم بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وأعرفهم أيديهم وذريتهم» . وفي لفظ «وبأيمانهم» . وروى الطبراني في الكبير عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسّجود، ثمّ يؤذن لي برفع رأسي فأعرف أمّتي عن يميني وعن شمائلي، قيل: كيف تعرفهم يا رسول الله؟ قال غر محجلون من أثر الوضوء، وذراريهم بين أيديهم» .

الباب الخامس في طمأنينته إذا جيء بجهنم وفزع غيره - صلى الله عليه وسلم -

الباب الخامس في طمأنينته إذا جيء بجهنم وفزع غيره- صلى الله عليه وسلم- روى ابن وهب في كتاب «الأهوال» عن العطاف بن خالد قال: «يؤتى بجهنّم يوم القيامة يأكل بعضها بعضا، يقودها سبعون ألف ملك، فإذا رأت النّاس زفرت فذلك قوله تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان: 12] فلا يبقى نبيّ ولا صدّيق إلا برك لركبته، يقول: يا ربّ نفسي نفسي، ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أمّتي أمتي» . وروى أبو نعيم من طريقين عن كعب الأحبار- رحمه الله تعالى- قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ونزلت الملائكة فصاروا صفوفا، فيقول الله تعالى: يا جبريل ائت بجهنّم، فيأتي بها تقاد، بسبعين ألف زمام، حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت زفرة ثانية فلا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا جثى لركبتيه ثم تزفر الثّالثة فتبلغ القلوب الحناجر، وتذهل العقول، فيفزع كلّ امرئ إلى عمله حتى إنّ إبراهيم يقول بخلّتي لا أسألك إلا نفسي، ومحمد- صلى الله عليه وسلم- يقول: أمّتي أمّتي، لا أسألك اليوم نفسي، فيجيبه الجليل جلّ جلاله: «إنّ أوليائي من أمّتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فو عزّتي لأقرّنّ عينك في أمّتك، ثم تقف الملائكة بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون» .

الباب السادس في شفاعته العظمى لفصل القضاء والإراحة من طول الوقوف

الباب السادس في شفاعته العظمى لفصل القضاء والإراحة من طول الوقوف وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم حتى الأنبياء- صلى الله عليه وسلم-. روى مسلم عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- في حديث قال فيه: «أخّرت الثّالثة إلى يوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم» . ورد مطولا من حديث أنس، رواه أحمد والشيخان، والإمام أحمد من طريق آخر، والترمذي والبيهقي مختصرا، وعن أبي بكر الصديق رواه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى وأبو عوانة، وابن حبان في صحيحيهما وأبي هريرة رواه الشيخان، وابن عباس رواه أحمد وأبو يعلى، وعقبة بن عامر رواه ابن المبارك وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، وأبي سعيد الخدري رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة، وسلمان رواه ابن خزيمة والطبراني بسند صحيح، ومختصرا من رواية ابن عمر رواه البخاري من طريقين، وحذيفة رواه مسلم والحاكم والبزار والبيهقي من طريق آخر، وأبي بن كعب رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه على شرط مسلم من طريق آخر، وأبو يعلى من طريق آخر، وعبادة بن الصامت رواه الحاكم وصححه وكعب بن مالك رواه مسلم والطبراني، وجابر بن عبد الله رواه البيهقي، وعبد الله بن سلام رواه البيهقي، وفي حديث كلّ من الفوائد ما ليس في الآخر، فأدخلت بعضها في بعض وسيرت زيادة بعضهم على بعض أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، وتعطى الشّمس حرّ عشر سنين، ثم تدنو من جماجم النّاس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة» . وفي حديث ابن عمر عند الشيخين: «يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» . وعندهما من حديث أبي هريرة «يعرق الناس يوم القيامة حتّى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم العرق حتّى يبلغ آذانهم» [ (1) ] . وفي حديث أنس عند البزار والحاكم: «إنّ العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول: يا ربّ إرسالك بي إلى النّار أهون عليّ ممّا أجد، وهو يعلم ما فيها من شدّة العذاب» . وفي حديث أبي هريرة عند البيهقي «يحشر النّاس حفاة عراة مشاة غرلا قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم نحو السّماء فيلجمهم العرق من شدّة الكرب» .

_ [ (1) ] أخرجه البخاري (6532) ومسلم 4/ 2196 (61/ 2863) .

وفي حديث المقداد عند مسلم [ (1) ] «تدنو الشّمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم مقدار ميل» . قال سليم بن عامر: فو الله ما أدري ما يعني بالميل، أمسافة الأرض؟ أو الميل الذي تكتحل به العين؟ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، وأشار رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بيده إلى فيه، فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون، فيقول بعضهم لبعض ألا ترون إلى ما قد بلغكم، أتنظرون من يشفع لنا، فيقول بعض النّاس لبعض: انطلقوا إلى أبيكم آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، وعلّمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربّك حتى يريحنا من مكاننا هذا، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا، فيقول: لست هناكم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته فخرجت بخطيئتي من الجنّة. وفي رواية: «وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم أن يغفر لي اليوم حسبي، نفسي نفسي. وفي رواية: «أنه لا يهمّني اليوم إلّا نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى أبيكم بعد أبيكم ائتوا نوحا عبدا شكورا، أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وسمّاك الله عبدا شكورا، واصطفاك واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديّارا، فاشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه: ألا ترى ما قد بلغنا: فيقول نوح: لست هناكم، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّه كانت لي دعوة دعوتها على قومي وسألت ما ليس لي به علم، وإن يغفر لي اليوم حسبي، نفسي نفسي» . وفي رواية: «أنه لا يهمّني اليوم إلّا نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم الّذي اتّخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض قم فاشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا فيقول: لست هناكم إنّما كنت خليلا من وراء وراء، وإنّ ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّي كذبت في الإسلام ثلاث كذبات، والله ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله، وأن يغفر لي اليوم حسبي، نفسي نفسي.

_ [ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2196 (62/ 2864) .

وفي رواية: «أنه لا يهمّني اليوم إلّا نفسي اذهبوا إلى موسى الذي اصطفاه الله برسالته وبكلامه وقرّبه نجيّا فيأتون موسى، فيقولون: يا موسى أنت الّذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه، فاشفع لنا إلى ربّك ليريحنا، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا فيقول: لست هناكم، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها، وإن يغفر لي اليوم حسبي، نفسي نفسي. وفي رواية: «أنه لا يهمّني اليوم إلّا نفسي، اذهبوا إلى عيسى، روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وكلّمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربّك ليريحنا، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لست هناكم، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني اتخذت من دون الله أن يغفر لي اليوم حسبي نفسي نفسي. وفي رواية أنه لا يهمّني اليوم إلّا نفسي، اذهبوا إلى غيري فيقولون إلى من تأمرنا فقال: إن كلّ متاع في وعاء مختوم عليه، أكان يقدر على ما في جوفه حتى يفضّ الخاتم فيقولون: لا فيقول إنّ محمّدا خاتم النبيين وسيّد ولد آدم أجمعين، وأول من تنشق عنه الأرض، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «فإنّي لقائم انتظر عند الصّراط إذ جاء عيسى فيقول: يا محمّد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعوا الله أن يفوق بين الأمم إلى حيث يشاء لغم ما هم فيه. وفي رواية فيقولون: يا نبي الله، أنت الذي فتح الله بك وختم، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر، وجئت في هذا اليوم آمنا، وترى ما نحن فيه فاشفع لنا إلى ربّك، فأقول: أنا صاحبكم، أنا لها (أنا لها) فأقوم فيثور من مجلسي من أطيب ريح ما شمّها أحد قطّ فيجلس النّاس، فأنطلق حتّى آخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها، فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد، فيقول الخازن: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، فيفتحون لي ويقولون مرحبا، فآتي جبريل، فيأتي جبريل ربّه فيقول: ائذن له وبشره بالجنة، فآتي تحت العرش، فيتجلى الله لي ولا يتجلى لشيء قبلي، فإذا رأيت ربي خررت ساجدا قدر جمعة شكرا له، ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقول: ارفع رأسك، وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب، فأرفع رأسي، فأحمد ربّي بمحامد يعلمنيها لا أقدر عليها الآية، لم يحمده بها أحد قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي، وأقول: يا ربّ، وعدتّني الشفاعة فشفّعني في خلقك فأقضى بينهم فيقول شفّعتك فيهم أنا آتيكم فأقضي بينكم» . هذا ما يتعلّق بهذه الشفاعة من الأحاديث المتقدّمة، وبقية الأحاديث متعلّقة بفضل القضاء ليست مما نحن فيه.

تنبيهات

تنبيهات الأول: [ ... ] . الباب السابع في الكلام على المقام المحمود، والكلام على بقية شفاعته- صلّى الله عليه وسلم- قال الله عز وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: 79] أجمع المفسرون على أن «عسى» من الله واجب، لأن «عسى» تفيد الإطماع، والله أعظم من أن يطمع أحدا ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه. قال الحافظ: الجمهور على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، وبالغ الواحديّ، فنقل فيه الإجماع، ولكنّه أشار إلى ما جاء عن مجاهد وزيّفه. وقال ابن جرير: قال أكثر أهل التّأويل: المقام المحمود الذي يقومه النبي- صلى الله عليه وسلم- ليريحهم من كرب الموقف، وفي الأحاديث تصريح بذلك فروى ابن خزيمة والطبراني وابن جرير بسند صحيح قال: «يشفّعه الله في أمّته فهو المقام المحمود» . وروى الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصحّحاه عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يبعث الله الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلّ ويكسوني ربّي حلّة خضراء، ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في الآية، قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي. وروى ابن جرير والطبرانيّ من طرق عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «المقام المحمود الشّفاعة» . وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «هي الشّفاعة» . وروى ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: المقام المحمود الشّفاعة. وروى مسلم وابن حبان والحاكم وابن جرير عن كعب بن مالك رفعه «أكون أنا وأمّتي على تلّ فيكسوني ربّي حلّة خضراء ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود» . وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «سمعت

فالثانية:

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم موسى فيقول كذلك، ثم بمحمد فيشفع، فيقضي الله بين الخلق، فيمشي حتّى يأخذ بحلقة باب الجنّة، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم. وقد تقدم في الباب قبله الكلام على الشّفاعة العظمى وبقي الكلام على بقيّة الشفاعات. فالثانية: الشّفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب. ودليله قوله تعالى في جواب قوله- صلى الله عليه وسلم- أمتي أمتي: أدخل الجنّة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن. قال الحافظ: كذا قيل، ويظهر إلى أن دليله سؤاله- صلى الله عليه وسلم- الزيادة على السّبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب. وروى الإمام أحمد والبيهقيّ بسند جيد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: سألت ربي- عز وجلّ- فوعدني أن يدخل الجنة من أمّتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر لا حساب عليهم فاستزدتّ ربّي فزادني مع كل ألف سبعين ألفا. وروى الطبراني والبيهقي بسند فيه ضعف عن عمرو بن حزم الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن ربّي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم، وإني سألت ربي في هذه الثلاثة الأيّام المزيد، فوجدتّ ربي ماجدا كريما، فأعطاني مع كل واحدة من السبعين ألفا سبعين ألفا» . وروى الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان والضياء وصححاه عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «وعدني ربّي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربّي» [ (1) ] . وروى الطبراني وابن أبي عاصم نحوه عن أبي سعيد الأنماري فحسبنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبلغ أربعة آلاف ألف وتسعمائة ألف. قال الحافظ: يعني من عدّ الحثيات. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى

_ [ (1) ] أخرجه الترمذي (2437) ، وأحمد 4/ 16، وابن ماجة (4286) وابن عاصم 1/ 261.

الثالثة:

عنه- نحو حديث أبي هريرة بلفظ: فاستزدته فزادني مع كل واحد سبعين ألفا والأحاديث في ذلك شهيرة. الثّالثة: في أناس حوسبوا واستحقّوا العذاب أن لا يعذبوا، وذلك ما رواه الطبراني وابن أبي الدنيا والحاكم، وصححه والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يوضع للأنبياء منابر من نور يجلسون عليها، ويبقى منبري لا أجلس عليه أو قال: لا أقعد عليه قائم بين يدي ربّي منتصبا مخافة أن يبعث بي إلى الجنّة وتبقى أمّتي بعدي فأقول: يا ربّ، أمتي أمتي، فيقول الله تبارك وتعالى: وما تريد أن أصنع بأمّتك فأقول: يا ربّ، عجّل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنة برحمته، ومنهم من يدخل بشفاعتي، فما أزال أشفع حتّى أعطى صكاكا [ (1) ] برجال قد بعث بهم إلى النّار حتّى أن مالكا خازن النّار ليقول: يا محمد، ما تركت لغضب ربّك في أمتك من نقمة. الرّابعة: في إخراج ناس من المذنبين دخلوا النّار، والأدلّة على ذلك كثيرة شهيرة في الصحيحين وغيرهما ولا عبرة بإنكار المعتزلة لها. الخامسة: في رفع درجات ناس في الجنّة ذكرها القاضي والنّوويّ واستدلّ لها بما رواه مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول شفيع في الجنّة» . السادسة: في أطفال البشر. وروى ابن أبي شيبة وأبو يعلى بسند صحيح والدارقطنيّ في الإفراد والضياء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سألت ربي اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم» ، قال أبو عمر: هم الأطفال، لأن أعمالهم كالسّهو واللعب من غير تقدّم عقد ولا عزم. وروى أبو نعيم عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سألت ربي أن يتجاوز لي عن أطفال المشركين فتجاوز عنهم وأدخلهم الجنّة» .

_ [ (1) ] الصكاك جمع صك وهو الورقة التي تكتب للمصالح والمراد: كتبا.

الباب الثامن في دخوله - صلى الله عليه وسلم - جهنم لإخراج أناس من أمته عليه أفضل الصلاة والسلام

الباب الثامن في دخوله- صلّى الله عليه وسلّم- جهنم لإخراج أناس من أمته عليه أفضل الصلاة والسلام [روى عن عمران بن حصين عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «يخرج من النار قوم بشفاعة محمد فيسمون الجهنميين» . وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» ] . الباب التاسع في الكلام على حوضه- صلى الله عليه وسلم- روى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال أغفى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقال: إنّه نزلت عليّ آنفا سورة فقرأ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1] حتى ختمها قال: أتدرون ما الكوثر؟ قالوا الله ورسوله أعلم؟ قال: هو نهر وعدنيه ربّي في الجنّة عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب فيختلج العبد منهم، فأقول: ربّ، إنّه من أمتي، فيقال: إنّك ما تدري ما أحدث بعدك. وروى الإمام أحمد عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أعطيت الكوثر، فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقّا وإذا حافتاه قباب اللّؤلؤ وليس مشقوقا فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسك أذفر [وإذا حصا اللؤلؤ. وروى الشيخان عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «دخلت الجنّة، فإذا أنا بنهر حافّتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا هو مسك أذفر] [ (1) ] قلت: ما هذا، يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله. وقد ورد ذكر الحوض، من رواته بضع وخمسين صحابيّا سرد أحاديثهم ومن رواها منهم شيخنا- رحمه الله تعالى- في «البدور السّافرة» وحاصلها أنّه مسيرة شهر طوله مثل عرضه كيزانه من ذهب وفضّة أكثر من نجوم السّماء وهو أطيب ريحا من المسك وأشدّ بياضاً، من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثّلج له ميزابان من الجنّة أحدهما من ذهب والآخر من فضّة على حافّتيه قباب اللؤلؤ.

_ [ (1) ] ما بين المعكوفين سقط في ب.

تنبيهات

وفي لفظ حافّتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، وحصباؤه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ، تربته مسك إذفر، فيه طير، أعناقها كأعناق الخرز، من شرب منه لم يظمأ أبدا، ولم يسودّ وجهه، ولم يصرف عنه إنسان فيروى أبدا لا يشرب منه من أخفر ذمّة النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا من قتل أهل بيته، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين. تنبيهات الأوّل: ورد في سعة الحوض أحاديث متقاربة المعنى. ففي رواية: مسيرة شهر وفي رواية ما بين أيلة إلى مكة. وفي رواية ما بين أيلة إلى صنعاء. وفي رواية من عدن إلى عمّان. وفي رواية من صنعاء إلى المدينة. وفي رواية أعرض ما بين صنعاء إلى بصرى. وفي رواية ما بين الكوفة والحجر الأسود. وفي رواية ما بين جرباء وأذرح. وفي رواية مثل ما بين المدينة وعمّان. وفي رواية إن حوضي هو من أيلة إلى عدن. في رواية ما بين مكة وبيت المقدس. قال العلماء: وهذا الاختلاف في هذه الروايات ليس موجبا للاضطراب فيها، لأنه لم يأت في حديث بل واحد، بل في أحاديث مختلفة الرواية عن جماعة من الصحابة سمعوها من النبي- صلى الله عليه وسلم- في مواطن مختلفة ضربها النبي- صلى الله عليه وسلم- مثلاً لبعد أقطار أرض الحوض وسعته وقرب ذلك على أفهام السامعين لبعد ما بين هذه البلاد المذكورة لا على التقدير الموضوع للتحديد ولإعلام السامعين عظم بعد المسافة، وسعة الحوض وليس في ذلك القليل من هذه المسافات منع من الكثير فإن الكثير ثابت على ظاهره وصحّت الروايات به والقليل داخل فيه فلا معارضة ولا منافاة بينهما، وكذلك القول في آنية الحوض، أي العدد المذكور في الأحاديث على ظاهره وأنها أكثر من عدد نجوم السّماء ولا مانع يمنع من ذلك إذ قد وردت الأحاديث الصّحيحة بذلك. الثاني: روى الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الأنبياء يتباهون أيّهم أكثر أصحابا من أمته، فأرجو أن أكون يومئذ أكثرهم كلّهم واردة وإنّ كل رجل

الباب العاشر فيما جاء أنه أول من يجوز على الصراط وأن مفاتيح الجنة بيده - صلى الله عليه وسلم -

منهم يومئذ قائم على حوض ملآن معه عصا، يدعو من عرف من أمّته، ولكل أمة، يعرفهم بها نبيّهم. وروى الترمذي عن سمرة أيضاً: قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنّ لكلّ نبيّ حوضا، وإنّهم يتباهون أيّهم أكثر واردة، وإنّي أرجو أن أكون أكثرهم واردة. انتهى. الثالث: في بيان غريب ما سبق: الاختلاج: بخاء معجمة فمثناة فوقية وآخره جيم الاختلاس أي ينزع ويجدب. «جربا» بجيم فراء ساكنة فباء موحدة فألف قرية من قرى الشام [قريب من السّراة] . أذرح: بهمزة فذال معجمة فراى فخاء مهملة وهي المدينة في طرف الشام. عمان: بفتح العين المهملة وتشديد الميم بلد بالبلقاء من أرض الشام. أيلة: بفتح الهمزة وإسكان المثناة التحتية وفتح اللام. صنعاء اليمن هي قاعدة اليمن وأكبر مدنها وإنما قيده باليمن في الحديث، لأن بالشام موضعا يعرف بصنعاء ودمشق. يشخب: بالمثناة التحتية والشين والخاء المعجمتين أي يسيل. «يغتّ» بفتح المثناة التحتية وبكسر الغين المعجمة وتشديد التاء المثناة الفوقية أي يدفق فيه ميزابان دفقا شديدا متتابعا. ليعك بالمثناة التحتية وضمّ العين المهملة وإسكان الكاف وهو موقف الإبل. الحوض: ... الفرط: ... سحقا: ... الباب العاشر فيما جاء أنه أول من يجوز على الصراط وأن مفاتيح الجنة بيده- صلى الله عليه وسلم- روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضرب الصّراط على جسر جهنم، فأكون أول من يجيز. وروى الدارمي والترمذي وحسنه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مفاتيح الجنّة بيدي» .

الباب الحادي عشر فيما جاء أنه أول من يستفتح باب الجنة وأنه أول من يدخلها وقيام خازن الجنة له - صلى الله عليه وسلم -

الباب الحادي عشر فيما جاء أنه أول من يستفتح باب الجنة وأنه أول من يدخلها وقيام خازن الجنة له- صلى الله عليه وسلم- روى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت فأقول: محمد فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك» . ورواه الطبرانيّ، وزاد فيه قال: ويقوم الخازن، ويقول: لا أفتح لأحد قبلك، ولا أقوم لأحد بعدك، الحديث وتقدّمت بقيّته في الخصائص. وروى الطبراني بسند حسن عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الجنّة حرمت على الأنبياء كلّهم حتى أدخلها وحرّمت على الأمم حتى تدخلها أمتي» . وروي أبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إلى مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وبي تفتح الشفاعة ولا فخر، وأنا سابق الخلق إلى الجنة ولا فخر، وأنا إمامهم وأمتي بالأثر» . وروى ابن الجوزي عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من يفتح باب الجنة» . وروى ابن النّجّار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أوّل من يدقّ باب الجنّة فلم تسمع الآذان أحسن من طنين الحلق على تلك المصاريع» . وروى الإمام أحمد والدّارميّ والتّرمذي عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنّة فأقعقعها» . وروى ابن خزيمة عنه: أنا أول من يدخل الجنة وأول من يشفع. وروى أبو يعلى بسند حسنه الحافظ المنذري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا أول من يفتح له باب الجنة إلا أن امرأة تبادرني، أي لتدخل معي أو في أثري، فأقول لها: ما لك ومن أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدتّ على أيتام لي. تنبيه: سبق الجمع بين ما هنا وبين ما رواه الترمذي وصحّحه من حديث بريدة بن الحصيب قال: أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعا بلالا، فقال: يا بلال، بم سبقتني، الحديث.

الباب الثاني عشر فيما جاء أن جنة عدن مسكنه وعلو منزلته في الجنة وتزويج الله تعالى له مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون وكثرة خدمه - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك

الباب الثاني عشر فيما جاء أن جنة عدن مسكنه وعلوّ منزلته في الجنة وتزويج الله تعالى له مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون وكثرة خدمه- صلّى الله عليه وسلم- وغير ذلك روى الديلميّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسرورا فقال: يا عائشة، أما علمت أن الله زوّجني في الجنّة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون. وروى الطبراني في الكبير عن سعد بن جنادة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله عز وجلّ زوّجني في الجنّة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى» . وهذا آخر ما وجد بخطّ الفيشي والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. وكان الفراغ من كتابة هذا الجزء المبارك ليلة لجمعة المباركة عشرين خلو من صفر الخير من شهور سنة تسعة وتسعين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير [ (1) ] .

_ [ (1) ] ثبت في أقوله: وإن نجد عيبا فسدّ الخللا ... جلّ من لا فيه عيب وعلا ثم قال: «الحمد لله رب العالمين، قد تم وبالله الحمد إكمال إملاء هدى الكتاب الجليل مع التأمل لما فيه من سقامة الخط وعدم التصحيح والضبط، ولكن قد وقع التصحيح بقدر الطاقة وباعتبار السياق والسباق أو من أصوله، ولقد أتى فيه بما يبهر الألباب ويعجز الحفاظ والكتاب، وزاد من الأطناب فيما هو لائق عند أولي الألباب، وقد أخذ منها الخفاجي أكثرها، وتم بحمد الله الإملاء في دار مالكها وحضرة مولانا السيد الهمام الأكرم الحسام المحسن بن علي بن محمد عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن المهدي أحمد بن يحيى سلام الله عليهم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين آمين، حرر يوم التمام نهار الأحد إحدى وعشرين شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة 1328. وثبت في ج قوله: (وجدتّ بالنّسخة ما لفظه: قال: مؤلّفه شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى خاتمة المحدّثين، الشيخ محمد بن يوسف الشامي الصالحي نزيل البرقوقيّة بصحراء القاهرة في فهرست الأبواب هذا جميع ما تضمّنه الكتاب من الأبواب والله سبحانه وتعالى الموفّق للصّواب وقال كاتبه: أقل تلازمة مؤلّفه فقير رحمه ربه محمد بن محمد بن أحمد الفيشي المالكي قد انتهى ما جمعه مما وجد من مسودة مؤلفة وغيرها على حذو مؤلفه وأول ذلك من أثناء السرايا بعد أن أشار بذلك الشيخ الإمام العالم العلامة أبي العباس شهاب زين الدين عبد الحق السنباطي الشافعي والشيخ الإمام العلامة الحافظ أبي عبد الله الشيخ شمس الدين الداودي المالكي يوم وفاة مؤلفه وامتناعي من ذلك لعلمي لعدم أهبتي لذلك، وعدم مراد مؤلفها، وقد رأيته تلك الليلة، وخصّني على ذلك، فقوى العزم على ما أشار به الشيخان، فجاء ببركتهم على وفق ما رسمه الشيخ المؤلف غير بعض تنابيه تركتها بياضا ولم أعلم مراده بها، وبعض بياضات لم يتيسر سدها الآن، وأرجو الله تعالى إن طال الأجل أن ييسرها، ويعيننا على ذلك إنه على ما يشاء قدير، ما شاء الله كان وما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ [ () ] لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه قد أحاط بكل شيء علما، وأعوذ بالله من علم لا ينفع، ودعاء لا يسمع، وقلب لا يخشع، وعين لا تدمع، أعوذ بالله من شر هؤلاء الأربع وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. وقال العلّامة المذكور رحمه الله تعالى وكان الفراغ منه في مساء يوم الخميس خامس عشر ربيع الثاني سنة إحدى وسبعين وتسع مائة ووافق الفراغ من نسخ هذا في يوم الاثنين التاسع والعشرون من ذي القعدة سنة 1284 هـ ألف ومائتين أربعة وثمانون من هجرة من له العز والشرف- صلّى الله عليه وسلم- على يد الفقير الحقير المقر بالذنب والتقصير وهبه ابن محمد سالم غفر الله له ولوالديه ولإخوانه من المسلمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. ويا أيها الناظر إذا تأملت بعض أبواب الصلاة على رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وغيرها وما حررته من الحواشي وغيرها وعذرتني وشكرتني على ذلك ودعوت لي بخير، فانظر يا أخي بعين الإنصاف أيدك الله بالألطاف: وإن رأيت عيبا فسدّ الخللا ... جلّ من لا عيب فيه وعلا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.

§1/1